You are on page 1of 3

‫مقياس‪ :‬مذاهب فلسفية كبرى‬

‫مدخل‪ :‬الثورة على سلطة الكنيسة‪ ،‬والبحث عن المنهج السديد‪ ،‬والمرجعية المعرفية التي ينبغي العمل‬
‫بمقتضاها‪ ..‬كلها عوامل أسهمت في بروز مذاهب فلسفية متعدّدة‪....‬‬
‫‪ -‬سنتناول في مضمون هذا المقياس أهم المذاهب الفلسفية‪ ،‬الكالسيكية منها والمعاصرة‪ ،‬في صورة‬
‫الخطوط العري ضة لبعض جوانب أفكارها وطروحاتها‪ ،‬مع اإلشارة عند نهاية كل مذهب إلى بعض‬
‫المصادر والمراجع التي يمكن االسترشاد بها‪..‬‬
‫أوال‪ :‬المذهب العقلي (العقالنية)‪:‬‬
‫‪ -1‬تعريفه‪ :‬يعرفه أندريه الالند في مؤلّفه المعجم التقني والنقدي للفلسفة بتعريفات عدّة منها‪ :‬هو‬
‫المذهب المقر بأنه ال شيء يوجد دون أن يكون له موجب معقول‪ ،‬بحيث يصبح قانونا‪..‬‬
‫‪ -‬هو المذهب الذي يعتمد على قبول العقل بأنّه المرجع األعلى أو السلطة العليا في قضايا الرأي أو‬
‫االعتقاد أو السلوك‪.‬‬
‫يقر المذهب العقالني بالدّور األساسي للعقل كمرشد إلى الحقيقة الدّينية دون‬ ‫‪ -‬في قضايا الدّين واإليمان ّ‬
‫االعتماد على الوحي اإللهي‪..‬‬
‫‪ -‬وفي قضايا الفلسفة تؤمن العقالنية بدور العقل في صناعة المعرفة والوصول إليها‪..‬‬
‫‪ -2‬لمحة عن جذوره ومساره التاريخي‪ :‬قبل أن تكتمل المعالم الكبرى للمذهب العقلي في العصر‬
‫الحديث‪ ،‬فإنه بالعودة إلى مدلوله قد عرف مسارا تاريخيا برز فيه انتهاج العقل في تحصيل المعرفة‬
‫والحقائق بتعدّد أصنافها‪ ،‬بداية من الفلسفة اليونانية التي كان لها فالسفتها العقليون‪..‬‬
‫‪ -‬سقراط‪ :‬فقد جعل من الفلسفة بحثا وتأ ّمال في اإلنسان‪ ،‬أكثر وأفضل منها تأمال في الطبيعة‪ ،‬ونلمس‬
‫نهج التأمل العقلي عنده‪ ،‬باألخص في قولته «اعرف نفسك بنفسك»‪ ،‬فاإلنسان بحاجة إلى توليد األفكار‬
‫والمعاني من نفسه‪ ،‬وهو هنا بحاجة إلى مرشد حاذق قادر على قيادة أفكاره وتنظيمها‪ ،‬وهذا المرشد هو‬
‫العقل‪ ،‬الذي هو واحد عند جميع الناس‪ ،‬الذين هم محتاجون فقط إلى مرشد يولّد منهم األفكار وينير‬
‫إرادتهم ويو ّجهها‪ ( ..‬وهنا نالحظ بأن سقراط كان سابقا لديكارت في إشارته إلى العقل كقسمة مشتركة‬
‫يتساوى فيها الناس‪)..‬‬
‫‪ -‬أفالطون‪ :‬الحديث عن فلسفة أفالطون من حيث معالمها الكبرى‪ ،‬يقتضي الحديث بالضرورة عن‬
‫عالمين تتجلى من خاللهما مضامين آرائه الفلسفية‪ ،‬ومعنى الحقيقة عنده‪ ..‬وكذلك تبرز قيمة العقل كسبيل‬
‫لتحصيل الحقيقة‪..‬‬
‫* عالم الحسيات‪ ،‬وهو المرتبط بما تنقله وتت ّجه نحوه الحواس من ملذات وشهوات‪ ،‬ومعارف مزيفة‪،‬؛‬
‫فالحياة الحسية عنده زاخرة بالملذات المؤثّرة فينا والجذابة إليها‪ ،‬وهي مصدر ك ّل الشرور‪ ..‬وعليه ال‬
‫ينبغي االنسياق وراءها والوثوق بما تنقله غلينا حواسنا‪..‬‬
‫* عالم المثل أو المعقوالت‪ ،‬العالم الذي كانت تسكنه النفس قبل هبوطها إلى العالم الدنيوي‪ ،‬والتقائها‬
‫بالجسد الحسي‪ ،‬هذا العالم الحسي المتغيّر ليست حقائقه إال ظال للحقيقة األسمى التي كانت تدركها النفس‬
‫في عالم المثل‪ ،‬ومن الحكمة أن تعمل هذه النفس على العودة إلى عالمها الحقيقي وتذكر حياتها هناك‪،‬‬
‫والمسلك في هذا هو الحكمة العقلية‪..‬‬
‫‪ -‬وفي العصر الوسيط المسيحي‪ ،‬فتبرز العقالنية عند بعض رجال الدّين الذين جعلوا العقل عونا وأداة‬
‫لفهم الدّين وتفقهه‪ ( ،‬القديس أوغسطين‪ /‬توما اإلكويني‪( ..)..‬أتعقّل ألؤمن)‬
‫‪ -‬كما يبرز االتجاه العقالني في الفكر اإلسالمي عند عديد الفرق الكالمية والفالسفة‪ ،...‬فمذهب المعتزلة‬
‫ورغم منطلقاته الدّينية‪ ،‬والقصد إلى الدّفاع عن العقيد ة‪ ،‬كان منهجه عقليا في الحجاج واالستدالل‪ ،‬بل‬
‫وحتى قالوا بتغليب رأي العقل إن وقع تناقض مع ظاهر النص الديني‪..‬‬
‫‪ -‬اكتملت معالم المذهب العقلي بداية من العصر الحديث‪ ،‬على يد مجموعة من أساطين الفكر الفلسفي‬
‫الحديث يتقدّمهم رونيه ديكارت ‪ /1685-1596‬ليبينز‪....1716-1646‬‬
‫* لمحة مختصرة عن فلسفة ديكارت العقلية‪ - :‬اإليمان بأن العالم كلّه من خلق هللا الذي له القدرة على‬
‫ك ّل شيء‪ ،‬وهناك نشابه بين هللا والعقل والعقل‪ ،‬فكالهما يفكر‪ ،‬وليس لهما وجودا ماديا أو حسيا‪ ،‬والفرق‬
‫يكمن في أن هللا قدرته غير محدودة وال يحتاج إلى خالق آخر‪...‬‬
‫‪ -‬يتخذ ديكارت من الشك منهجا لتحصيل المعارف والحقائق‪ ،‬اليقينية يقول «الشك خطوة ضرورية ال‬
‫وتعرضي له منذ عهد بعيد واحتمال تجدّده بفعل تلك األحكام التي‬ ‫ّ‬ ‫بدّ من اتخاذها‪ ،‬فخبرتي بالخطأ‪،‬‬
‫خضعت لها ولم أتبيّن ص ّحتها‪ ،‬سواء كانت أحكاما فرضها الغير من معلّمين أو مرشدين‪ ،‬أو من وكل‬
‫ّ‬
‫الشك»‪.‬‬ ‫إليهم أمري‪ ،‬أم أحكاما فرضها الحس أو الخيال‪...‬إن ك ّل هذا يدعوني إلى‬
‫شك في تعاليم الكتاب المقدّس‪ ،‬والقول بالمسائل المعجزة مثل معجزة ميالد المسيح عيسى عليه‬ ‫‪ -‬لقد ّ‬
‫السالم وألوهيته كما نص عليه الكتاب المقدّس‪ ،‬ألنها ال تقبل البرهان العقلي‪...‬‬
‫** قواعد المنهج الدّيكارتي‪ :‬وضع ديكارت قواعد منهجية تضمن بلوغ الحقيقة الصواب‪..‬‬
‫التسرع‪ ،‬وأال أتشبّث‬
‫ّ‬ ‫أ‪ -‬البداهة‪ :‬ال أقبل شيئا على أنّه حق ما لم أتبيّن بوضوح أنّه كذلك‪ ،‬أي أن أتجنب‬
‫باألحكام السابقة‪ ،‬وأال أدخل في أحكامي إال ما يتمثّل لعقلي في وضوح وتميّز يزول معهما الشك‪.‬‬
‫سم كل واحدة من المشكالت التي أبحثها إلى أجزاء كثيرة بقدر المستطاع‪ ،‬وبمقدار ما‬ ‫ب‪ -‬التحليل‪ :‬أق ّ‬
‫يبدو ضروريا لحلّها على أحسن الوجوه‪.‬‬
‫ج‪ -‬التركيب‪ :‬أن أرتب أفكاري‪ ،‬فأبدأ باألمور األكثر بساطة وأيسرها معرفة‪ ،‬حتى أصل شيئا فشيئا أو‬
‫بالتدرج إلى معرف أكثر تعقيدا‪.‬‬‫ّ‬
‫د‪ -‬اإلحصاء‪ :‬أن أعمل في جميع األحوال من اإلحصاءات الكاملة والمراجعات الشاملة ما يجعلني على‬
‫ثقة من أنني لم أغفل شيئا‪.‬‬
‫صل عليها اإلنسان ال‬‫*‪ -‬لمحة مختصرة عن فلسفة ليبينز العقلية‪ :‬ك ّل المعارف والحقائق التي يتح ّ‬
‫تكتمل إال بتد ّخل العقل‪..‬‬
‫* القصص التي جاءت بها األناجيل‪ ،‬ليست إال أساطير رمزية‪ ،‬مثلها مثل أساطير فلسفة أفالطون‪،‬‬
‫فقصص كتب األناجيل بعيدة عن منطق القبول والتصديق العقلي‪..‬‬
‫‪ -3‬المبادئ الكبرى للمذهب العقلي‪:‬‬
‫‪ -‬العقل هو المرجعية األساسية والمصدر الفعلي‪ ،‬لتفسير كل المسائل وليس الوحي‪ ،‬فبلوغ الحقيقة بما‬
‫فيها التي تض ّمنها الوحي يمكن للعقل تحصيلها‪ ،‬ثم إن العقائد اإليمانية الصحيحة تطابق أحكام العقل وال‬
‫مجرد‬
‫ّ‬ ‫تتعارض معها‪ ،‬ويمكن للعقل االستدالل عليها‪ ،‬أما مسائل المعجزات وخوارق العادات فهي‬
‫خرافات وأوهام ال تقبل االستدالل العقلي‪..‬‬
‫مزود بالفطرة‬
‫‪ -‬المعرفة تنشأ عن المبادئ العقلية القبلية والضرورية‪ ،‬ال عن التجارب الحسية‪ ،‬فالعقل ّ‬
‫بتلك المبادئ الكلية التي تبنى عليها المعارف والحقائق الثابتة‪..‬‬
‫‪ -‬قوانين العقل تطابق قوانين العالم الخارجي‪ ،‬وهو بهذا ليس يحتاج إلى عون هذا األخير‪ ،‬أو إرشاد‬
‫الوحي في إدراكها‪.‬‬
‫مالحظة‪ :‬لالستزادة أكثر يمكن االستئناس بالمصادر والمراجع التالية‪:‬‬
‫‪ -‬ديكارت‪ ،‬التأمالت في الفلسفة األولى‪ ،‬تر‪ ،‬عثمان أمين‪ //‬ديكارت‪ ،‬مقال عن المنهج‪ ،‬تر‪ ،‬محمود محمد‬
‫الخضيري‪//‬‬
‫‪ -‬كمال يوسف الحاج‪ ،‬رينيه ديكارت أبو الفلسفة الحديثة‪//‬‬
‫‪ -‬ويل ديورانت‪ ،‬قصة الفلسفة من أفالطون إلى جون ديوي‪ ،‬تر‪ ،‬فتح هللا محمد المشعشع‪//‬‬
‫‪ -‬برتراند راسل‪ ،‬حكمة الغرب "الفلسفة الحديثة والمعاصرة"‪ ،‬تر‪ ،‬فؤاد زكريا‪//‬‬
‫‪ -‬إبراهيم مذكور ويوسف كرم‪ ،‬دروس في تاريخ الفلسفة‪//‬‬
‫‪ -‬يوسف كرم‪ ،‬تاريخ الفلسفة الحديثة‪//‬‬
‫‪ -‬ريتشارد شاخت‪ ،‬رواد الفلسفة الحديثة من ديكارت إلى كانط‪ ،‬تر‪ ،‬أحمد حمدي محمود‪//‬‬
‫‪ -‬إبراهيم مصطفى إبراهيم‪ ،‬الفلسفة الحديثة من ديكارت إلى هيوم‪//‬‬
‫‪ -‬جوزايا رويس‪ ،‬روح الفلسفة الحديثة‪ ،‬تر‪ ،‬أحمد األنصاري‪//‬‬
‫‪ -‬دومينيك فولشيد‪ ،‬المذاهب الفلسفية الكبرى‪ ،‬تر‪ ،‬مروان بطش‪//‬‬

You might also like