Professional Documents
Culture Documents
لقد أسأست الصوفية لكتابة يتوجه بها الصوفي نحو الغيب ويحاوره .وعمدت من أجل ذلك الى اكتشاف آليات
البداع العفوي ،التي تفلت من الكراهات التية من العقل الرقيب والفكر النقدي والمواضعات .وهي تدفع
الكاتب الى الخروج من أناه المألوفة الى فضاء آخر .ولهذا تبدو الكتابة في التجربة الصوفية غالبا ا مليئة
بالغرابة والتناقضات وتفكك الصور ،مما يجعلها عصية على الفهم .ولهذا أيضاا يذهب بعض الباحثين الى
اتهامها بالعتباطية والتخليط ،لكن هؤلء ينسون أن الغريب ،الفوضوي ،المدهش ،المحير ،الغامض أسأاس
أول في الكتابة الصوفية ،ول وجود لهذه الكتابة ال به ،لن هذه الكتابة تفصح عن عالم هو نفسه غريب
وغامض ومحير .إنها كتابة تيه لعالم نفسه عالم تيه ،فحين يدخل الشاعر عالم التحولت ل يقدر أن يخرج
منه ال بكتابة تحولية :أمواج من الصور الشراقية التي ل تخضع لمعايير العقل والمنطق والتي يتحول فيها
الواقع نفسه الى حلم.
بنية الكتابة في الصوفية تقوم على لغة التشويق للبحث والسؤال ومعرفة المجهول والدخول في حركة
اللنهاية .هكذا تستجيب لبعد اللنهاية في المعرفة ،بعد اللنهاية في التعبير .الكتابة الصوفية تجربة في
الوصول الى المطلق ،وهو ما نجده عند كبار الخلقين في جميع العصور .ويأتي الرمز طريقة في الكتابة
الصوفية للتجاه نحو أعماق أكثر اتساعاا ،والبحث عن معان أكثر يقينية ،العودة اليها نوع من العودة الى
اللشعور الجماعي ،الى ما يتجاوز الفرد ،الى ذاكرة النسانية وأسأاطيرها ،الى الماضي بوصفه نوعا ا من
اللوعي .الرمز ،لحظة التقاء بين الظاهر والباطن ،المرئي واللمرئي .وهو إذن نقطة اشعاع ،مركز حركي
ينتشر في التجاهات جميعاا .وهو في الوقت نفسه يعبر عن مستويات مختلفة من الواقع بكليته .وفي هذا ما
يتيح للشاعر ل أن يكشف ما ل نعرفه وحسب ،وإنما أن يعيد كذلك تكوين ما نعرفه بحيث يربطه بحركة
اللمعروف وبما ل نهاية له ،وفي هذا المستوى تكون الكتابة معرفة.
لكن ما الرمز في العربية ،وهل ترتبط دللته فيها بطريقة السأتعمال الصوفية؟ ..تقول مصادر اللغة ،إنه
يعني الشارة ،والشارة طريق من طرق الدللة .ويقول الجاحظ ،إن الدللة على المعاني ل تكون باللفاظ
وحدها ،بل تكون كذلك بالشارة ،وهي دللة سأريعة ،خفية ،وغير مباشرة .ويقول قدامة بن جعفر عن
الشارة بأنها اليجاز ،مشيراا الى أن الرمز هو كذلك ايجاز .ويعرفها بقوله" :أن يكون اللفظ القليل مشتملا
على معان كثيرة ،بإيماء اليها او لمحة تدل عليها" .ـ نقد الشعر ،صا 90ـ ويقول ابن رشيق مطوراا مفهوم
ل،الرمز /الشارة ،بأن الشارة هي )في كل نوع من أنواع الكلم لمحة دالة واختصار وتلويح يعرف مجم ا
ومعناه بعيد من ظاهر لفظه"ـ العمدة 1/206ـ فاللجوء الى الشارة والرمز إنما هو ايماء وتلميح لنها
محاولة للخفاء،وهذا ما بينه قدامة في حديثه عن الرمز ،فيقول" :وإنما يستعمل المتكلم الرمز في كلمه
في ما يريد طيه عن كافة الناس والفضاء به الى بعضهم ،فيجعل للكلمة أو الحرف اسأماا من أسأماء الطير أو
الوحش او سأائر الجناس ،أو حرفاا من حروف المعجم ويطلع على ذلك الموضع من يريد إفهامه ،فيكون
ذلك قولا مفهوما ا بينهما ،مرموزاا عن غيرهما .وقد أتى في كتب المتقدمين من الحكماء والمتفلسفين من
الرموز شيء كثير ،وكان أشدهم اسأتعماال للرمز افلطون .وفي القرآن من الرموز أشياء عظيمة القدر
جليلة الخطر ،وقد تضمنت علم ما يكون ..واطلع على علمها الئمة المستودعون علم القرآن".ـ نقد النثر،
صا 61ـ .62فالدللة الرمزية علم خاصا يودعه ا لدى المنتخبين من عباده .ويرعى المتصوفة هذه
الرغبة في النتخاب ليداع المعرفة لذا يحرصون على التعبير بالرمز .يصف القشيري المتصوفين بأنهم
"يستعملون ألفاظ اا فيما بينهم قصدوا بها الكشف عن معانيهم لنفسهم والخفاء والستر على من باينهم في
طريقتهم ،لتكون معاني ألفاظهم مستبهمة على الجانب ،غيرة منهم على أسأرارهم أن تشيع في غير أهلها،
إذ ليست حقائقهم مجموعة بنوع تكلف أو مجلوبة بضرب تصرف ،بل هي معان أودعها ا قلوب قوم
واسأتخلص لحقائقها أسأرار قوم ".الرسأالة القشيرية ،طبعة بولق1984 ،هـ.صا .40وهكذا يكون قوام
الرمز في اللغة العربية كامن اا في اليجاز وبعد المعنى عن ظاهر اللفظ ،أي في الغموض ،لن اللفاظ تعابير
عن عالم غامض ،عن العالم اللمرئي ،أو عن عالم الغيب أو المطلق ،كما لدى الصوفية.
يمكن أن نصف تجربة الكتابة الصوفية ،بأنها تجربة موت بالدللة الصوفية للعبارة :موت عن الظاهر
الجتماعي بمختلف مستوياته وعلقاته من أجل الحياة في الباطن الكوني .لذلك لبد من تجاوز عالم الظاهر،
ولبد من تجاوز لغة الظاهر .نتجاوز عالم الظاهر باللغة نفسها ،نسكرها .يجب أن نخلق نشوة في اللغة
تتطابق مع نشوة التجربة .والحق ان لكل كاتب صوفي هدفاا أول هو اكتشاف )لغة كونية( تعبر عن المطابقة
بين اللمنتهي )المعنى( والمنتهي )الصورة( .وهذه لغة تتكلم دون وسأاطة العقل .إنها لغة تخطف القارئ،
تنقله الى اللمنتهي .فكما )يسكر( الصوفي ،تسكر لغته .إنه يخلق للغة نشوتها الخاصة في أفق نشوته .ل
يعبر عن نشوة النسان ال لغة منتشية هي أيضاا .يجب ان تخرج اللغة هي أيضاا من نفسها ،كما يخرج
الصوفي من نفسه ،بهذه اللغة نتيح لما هو قائم في مكان آخر ،في الغيب أو الباطن أن يجوز الى عالمنا
الظاهر ،وتتيح لنا هذه اللغة أن نضع اللمنتهي في المنتهي ،كما يعبر بودلير.
هذه اللغة جسر يربط بين الباطن والظاهر ،بين المعروف والمجهول .وبما أن الغاية هي الكشف عن هذا
المجهول ،فإن طريقة التعبير ليست بيانية او بلغية ،وإنما هي بدئية تنبثق مع الحركة نفسها التي ينبثق
بها الحدس الشعري .لغة عصية على التقاطها عقلياا ،أي عصية على التدجين والتكييف مع المحسوس
الواقعي .هي واقعية من حيث أنها تكشف عن الصلي الجوهري ،لكنها في الوقت نفسه تفلت من الواقع
الملموس من حيث أنها تشير الى ما يتجاوزه ،ذلك أنها ناشئة من هذا الجدل الصاعد الهابط معا ا بين ا
والنسان ،بين الوجود غير المرئي والوجود المرئي .وهي لذلك مشحونة بالحلم وبعناصر لعقلية كالسحر
والهذيان والجنون والشطح والنخطاف.
إن الظاهر في هذه اللغة ليس هو الذي يتكلم بل الباطن .وليست الصورة هي التي تكتب ،بل المعنى.
والصوفي آخر في اللغة ،آخر موضوعي لحظة هو ذاتي .ولذلك ليس هو الذي ينطق بالمعنى ويكتبه في
صورة ،بل المعنى هو الذي ينطقه ويكتبه .ليس هو الذي يفكر ويكتب ،بل هو المفكر به والمكتوب كما يقول
رامبو .وهكذا تكون النا هي الخر ول تعود الذات الفردية هي التي تتكلم ،بل الذات الكبرى الكونية الكامنة
فيها .فل ذاتية إذن في هذه اللحظة البداعية الكبرى ،بل الذات هي نفسها الموضوع من حيث أنها الخر
والكون ،أو من حيث أن )العالم الكبر ينطوي فيها().(10
..........
يلتقي مع تصور الصوفية هذا للمعرفة ولعملية البداع بعض الحركات الفكرية والتجاهات الدبية في العصر
الحديث .وهي ل تلتقي معها التقاء تأثر وتأثيرأو امتداد وتفاعل بقدر ما هي مسألة ذلك التوتر الروحي
المشترك بين الخلقين جميعاا ،والذي يجد أصحابه أنفسهم سأائرين في البحث عن حلول له على طرق
متشابهة قد تصل الى نتائج متشابهة ،فالفكار تلتقي على طريق الحقيقة .ومن هذه الحركات والتجاهات
الرومانتيكية والرمزية والسوريالية .ففي مطلع القرن العشرين بدأ اتجاه مناوئ للوضعية مما مهدت له
كتابات نيتشه وبرغسون في ما يقوله عن الدفعة الحية والحدس والذاكرة ،وفرويد ومفهومه الجديد للحياة
النفسية .وكانت المسألة في هذا كله تتمركز حول إعادة النظر في طريقة رؤية الشياء وفي طريقة التعبير
عنها .هكذا نشأ )روح جديد( نقيض للمفهوم التقليدي عن الفن المكتمل الذي يخضع لقواعد ثابتة .وتعقد
دراسأات أوجه تشابه بين الصوفية وبين هذه الحركات الفكرية أو الدبية التي سألكت سألوكها المعرفي .
وتركز على الحركة السوريالية منها خاصة ،وتتفرغ لدراسأة تقاربها مع الصوفية .لقد كانت أولية العالم
الداخلي على الواقعي من المسلمات عند الرومانتيكيين ،وكان الشعر يحمل أبعاداا فلسفية عند هوغو والفرد
دوفيني ،وكان الرومانتيكيون عامة يقدمون الحساسأية والخيال والحلم والشهوة على العقل ومنطقه .وأعمق
ما في الرومانتيكية مما أثر في السوريالية هو قولها :إن الشاعر نبي يقرأ نص العالم ويدرك قوانين الكون
الخفية بطريقة حدسأية .ولعبت الرمزية دوراا كبيراا في نشأة السوريالية ،فقد أخذ الشعر مع بودلير منحى
صوفياا ،واسأتناد اا الى ذلك تأسأس مفهوم المطابقة عنده بين المرئي واللمرئي .وذهب رامبو الى أبعد من
ذلك فجعل من الشاعر رائي اا يمارس كيمياء الكلمة .وجهد السورياليون لكي يصلوا الى سأحر العالم والى
تحريك القوى النفسية في الفرد ،والى الممارسأة السحرية للغة ،وللقبض على )الحجر الفلسفي( مع إرادة
التأثير على الواقع وممارسأة النقد الذاتي والجتماعي في آن ..وقد تأثر السورياليون تأثراا كبيراا بالخفائية
والباطنية وبالنظرة القائمة على المعرفة الحدسأية فيما وراء العقلنية ،المعرفة المتعالية التي يؤسأس بها
الفرد ميتافيزياء كونية .هذه المعرفة إيقاظ ،تولد ذكرى ما كنا قبل ضياعنا في عالم المحسوسأات .يكشف هذا
كله عن أن السريالية تقول بوجود مجال يتجاوز سألطات العقل وبأن النسان ل يستثمره .وأن رؤية النسان
العقلني للعالم سأطحية ،ولكي يبلغ العجيب والخارق لبد له من أن يغير تأويله للعالم الذي يحيط به .المدار
السأاسأي لتجربة رامبو التي تجعل منها السوريالية مرجعية أسأاسأية هو تخطي المرئي الى اللمرئي كما هو
الشان في التجربة الصوفية .ويقول إن إلهامه الرائي أتاح له أن يبلغ المعرفة فاتحاا له أبواب اللوعي ،وإن
الشاعر يصبح رائياا بتعطيل لجميع الحواس طويل ومدروس وفائق الحد.
لقد أعلن السورياليون قطيعتهم مع المجتمع القديم وأسأسه كلها ومع أخلقه وجماليته ووضعيته .والمنهج
الذي سألكوه هو السأتكشاف المنظم لللوعي عبر تجارب متنوعة مثل الحلم والجنون والخيال وحالت
الهلوسأة والتوهم .والشعر أداة لمثل هذا البحث الداخلي ،ولهذا اسأتلهموا فرويد واسأتخدموا كشوفه ،من
أجل الوصول الى المعنى المجهول في الكائن النساني .ومن هنا اهتمت السوريالية كثيراا بالشرق ورأت فيه
مستودع قوى وطاقات روحية لخدمة ثورة دائمة .ويرى السورياليون أن الشرق هو في آن مجال صوفي
ومكان تحررت فيه الرغبة .وكان لهنري غيتون أثر حاسأم عليهم ،فقد كان يرى أن الغرب يجتاز مرحلة
سأماها )العصر القاتم( ،وأن الشرق خارج هذا العصر ،لنه حافظ على التقاليد المعرفية الخفائية ومبادئها.
وينتمي السورياليون الى هذا التجاه الفكري الفلسفي اللعقلني ،اتجاه الديان السرية ،بحثا ا عن ينابيع
السر فيما وراء مقولت المنطق من أجل العثور على الطاقة في حالتها البدئية وعلى الكلم الحي ،كلم
السأطورة التي تعطي للعوالم الداخلية أشكاال ملموسأة .ويعبر عن هذه العوالم الداخلية بتيار اللشعور الذي
يفصح عن ذاته بالحلم وبالكتابة اللية واللإرادية .ويؤسأس بريتون للعلقة بين الحلم والفكر الصلي القائم
في أعماق النسان ،ففي الحلم تمحى القوانين المنطقية والعقلنية .الحلم يسلم النسان الى كون خاصا،
كون الصور الداخلية والى المد اللشعوري .هكذا حين ل يكون النسان نائماا يكون لعبة في يد ذاكرته،
والذاكرة هي التي تلغي الحلم وتقتله .ومن هنا يتساءل بريتون عما إذا كانت حالة الحلم هي الكثر قربا ا الى
الفكر الصلي والى طبيعة النسان العميقة ،ولماذا إذن ل نعطي للحلم ما نرفض أحيانا ا أن نضفيه على
الواقع ،أعني بعد اليقين؟ ..ولماذا ل ننتظر من الحلم أكثر مما ننتظر من الوعي؟ ..ثم أليمكن أن يفيد الحلم
هو أيض اا في حل مشكلت الحياة السأاسأية؟ ..ومقابل هذه القيمة أو هذه الهمية التي يمثلها الحلم ،ل تبدو
حالة اليقظة ال عائقا ا محض اا ،فاليقظة من هذا السياق حالة غياب عن الحقيقة ،وان حقائقها جزئية وهامشية
بعيدة عن المركز الحي الخلق للفكر .ويرى موريس بلنشو أن )حريات الكتابة( في تاريخ السوريالية
)مرتبطة بتجارب النوم( ،فهذا النوم يلغي كذلك الرقابة التي تعيق الفكر ويفتح أبواب المدهش وأبواب
الحرية .تؤدي ممارسأة هذا النوم الى نوع من إلغاء ملكية النسان لذاته ،وملكية الواقع الخارجي ،إذ ل
رقابة من أي نوع يمكن ان تتدخل بين النائم والواقع كما تتدخل بين المستيقظ والواقع .وجاء في مقدمة
العدد الول من مجلة )الثورة السوريالية( ان الحلم وحده يترك للنسان جميع حقوقه في الحرية ،ول يعود
الموت بفضل الحلم معنى غامضاا ،ويفتقد معنى الحياة أهميته ،نحن جميعاا تحت رحمة الحلم وعلينا أن
ل لما ل يقال .ويرتبط الحلم نتحمل سألطته .هكذا أعطت هذه المجلة الولية لسرد الحلم ،بحيث تكون تسجي ا
بالهذيان ،إذ يتم تجاوز العقل والمنطق بفعل الخيال والحلم والهذيان ،يتم تجاوز الواقع والوصول الى ما
وراء الواقع أو الغيب بلغة الصوفية ،حيث السر والحقيقة والمعنى .السوريالية اكتشاف للعماق الداخلية
الذاتية ،وهي كذلك اكتشاف لعالم خارجي .ويؤكد بريتون أن الحلم والواقع المتناقضين في الظاهر سأيتحدان
في نوع من الواقع المطلق ،سأوريالي ،وهذا ما يقابل التحاد او الوحدة بين الظاهر و الباطن في الصوفية.
واذا كان الحلم يقدم للنسان واقعا ا جديداا يتيح له مطابقات جديدة بينه وبين الوجود ،ويفتح أمامه أبعاداا
جديدة ،فإن كل ما يحقق مثل هذه المطابقات يكتسب بالضرورة اهمية أولى .ومن هنا اهتمت السوريالية
بعلوم السأرار ،ويطالب بريتون بالهتمام بهذه العلوم كعلم النجوم والسيمياء ،ويشدد على ضرورة )البحث
عن السر().(11
ل عن السوريالية وغيرها من الحركات الدبيـة التـي اهتمـت وفض ا
بالجوانب الخفية اللمرئية الكامنة وراء الظواهر ،هنالك لون من النقد يتصل بهذه الحركات والفكار ،يسمى
)نقد النماذج العليا( أو )النقد السأطوري( الذي اكتسب أبعاداا تنظيرية وتطبيقية واسأعة في اسأهامات نقاد
مثل )مودبودكين( التي نشرت في العام 1934كتاب )أنماط نموذجية في الشعر( ثم )نورثروب فراي( الذي
هو أكثر تأثيراا والذي كاد هذا المنهج أن يرتبط باسأمه خاصة بعد صدور كتابه الشهير )تشريح النقد( في
العام . 1957ويقوم هذا النقد على تحديد النموذج العلى بأنه نمط من السلوك او الفعل او نوع من
الشخصيات أو شكل من أشكال القص او صورة او رمز في الدب والسأاطير وكذلك في الحلم ،وهذا ما
يهتم به بحثنا ،إذ يدرس رمزاا يتصل بمعرفة مطلقة .ويعكس هذا الرمز في هذا النقد أنماطا ا أو اشكالا بدائية
وعالمية عامة أو نموذجية ثابتة ،تعبر عن مشاعر ورغبات وأفكار عامة مستمرة .وهذا يشبه ماتحدث به
علم النفس عما سأماه )البقايا المهجورة( أو )الصور البدائية( أو )النماط العليا( كما مر معنا .وفي كتابه
)تشريح النقد( يدلل فراي على ما يقول بدراسأة عدد هائل من العمال الدبية الغربية ،تنتظمها نماذج عليا،
تأخذ شكل تكوينات أسأطورية .ويقترب فراي بذلك من البنيوية ،بل إن من الممكن أن نعد أعمال ذلك الناقد
وغيره من أصحاب نقد النماذج العليا إرهاص اا للبنيوية من حيث انها تبحث في المكونات الثابتة الصلية
للخيال الثقافي والدبي النساني تماماا كما تفعل البنيوية) .(12ولقد ظهر لدى البنيويين على اختلف
تخصصاتهم ميل واضح الى فكرة النسق الشامل ووضع أطر أو قوالب أسأاسأية تندرج ضمنها كثرة الظواهر.
وان هذه الطر أو القوالب لها عندهم طبيعة باطنية كامنة حتى لو اتخذت مظاهرها أشد الصور حسية.
وتهتم أبحاث لعلم البنيوية في بنية الفكر والمعرفة بالبحث عن العلقات الداخلية والنسق الكامن في
المعرفة الذي يتمثل بهذه المعرفة اللواعية او الولية او الفطرية .وتسعى الى تجاوز المظهر الذي تبدو
عليه من أجل النفاذ الى تركيبها الباطن .وهو ما نحاوله في هذا البحث الذي يحاول الغوصا في عمق النظام
الرمزي للمربع والدائرة الذي يعبر عن البنية السأاسأية للمعرفة ممثلة بوحدات هذا النظام .كما يستهدي هذا
البحث بنتائج الفلسفة المثالية ،ونخص منها فلسفة هيجل التي ناقش بحثنا منطلقاتها العامة ،وهذا مافعلناه
في بحوث لنا سأابقة) ،(13فنحن نستفيد من المشروع الفلسفي الشامل لهذا الفيلسوف الكبير الذي بحث عن
النسق أو النظام الجوهري الذي ترتكز عليه كل المظاهر الخارجية للوجود .وهذا النظام الجوهري هو
المعرفة او الفكر المطلق الثابت الذي تستمد منه معرفتنا النسبية المحدودة .العقل النساني المحدود يرتبط
بالعقل المطلق ويستمد منه ليحول المعرفة المطلقة الى واقع من خلل أفعال النسان ،التي تعبر عن
معرفته ،ليجلي المطلق ـ بتعبير المتصوفة ـ في الوجود الظاهر الواقعي .وتبقى العلقة بين العقلين او
المعرفتين مستمرة يتم من خللها تجاوز هذه المعرفة النسبية المحدودة المتمثلة بالعقول النسانية عبر
حركة النفي او التجاوز التي يقوم بها العقل المطلق حتى يتحقق العقل الكامل ممثلا بالنسان الكامل وحتى
يتحقق المجتمع الكامل الذي تسوده القوانين المطلقة .فبحثنا إذن يستمد من هذه الفكار كلها ويؤكدها من
خلل الدب ،والدب الصوفي خاصة ،فلقد تلقى المتصوفة أفكاراا عامة ،جوهرية أو توصلوا اليها بالحدس
أو الكشف الروحي أو الوجداني الذي يتصلون بوسأاطته بالحقائق العامة الكلية المطلقة .وقد عبر أدباء
المتصوفة عن هذه المعرفة بهيئة رموز لم تنفصل عن معناها الصيل في أذهان الدباء ومتلقي الدب بما
يؤكد قدرتها على تحقيق التصال بينهما ونقل المعلومات أو المعرفة التي تعبر عنها ومن هذه الرموز
المهمة لديهم رمز )المربع والدائرة( .وسأنعمد الى تحليل هذا الرمز الذي تضمن تلك الفكار لنصل اليها.
وقبل أن نحلل هذه الرموز في )الدب الصوفي( الذي عرف عنه تعبيره بالرمز ،وفي سأبيل التتبع التاريخي
للبدايات الولى لسأتعمال هذه الرموز في تاريخ الثقافة وارتباطها بالفكر الصوفي ،نحاول أن ندرس هذه
البدايات في بعض مظاهر الفن عبر تأريخه.
ظهر رمز المربع والدائرة أو )النقطة والدائرة( في الدين والسأاطير والحلم كما ظهر في الفنون
والتصاميم السأاسأية للمدن في الفن المعماري .ويستنتج الدارسأون من أنها تشير على الدوام الى حقائق
للحياة أعظم وأكثر جوهرية .فالمربع يشير الى الحقائق الروحية المطلقة ،وتشير الدائرة الى الكلية النهائية
والكمال النساني ،فهي رمز للنفس وقد وصف افلطون النفس بكونها دائرة .وكان بعض من يتفحص
أعمال الفن القديمة التي تعود الى الحقب القديمة يظنها نتيجة جهل وعدم دراية وعجز ونقص في الكفاءة
ولم يدركوا أنها ليست كذلك ،وأنها تعبير عن انفعالت ومعتقدات دينية وروحية محددة .وهي تملك اليوم
جاذبية خاصة لن الفن منذ النصف الخير من القرن العشرين مر مرة أخرى عبر مرحلة ملحة يمكن نعتها
بالتخيلية .
وتعود البدايات الولى للفن الرمزي التخيلي الى مرحلة بعيدة في التاريخ ،ففي النقوش الصخرية التي ترقى
بتاريخها الى العصر الحجري الحديث قبل اختراع الدولب ظهرت دوائر تدعى )دواليب الشمس( وهي رموز
عبر بها انسان العصر الحجري .ويعود منشؤها في حوض البحر البيض المتوسأط الى اللف الثالثة قبل
الميلد) (14أو قبل ذلك .وقدظلت هذه الرموز تؤثر في وعي النسان ويتجلى تأثيرها في منجزاته الفنية
والحضارية .ومن هنا يأتي دورها في اشاعة معرفة موحدة متصلة اتصال الجنس النساني .وقد حاولت
بعض الدراسأات أن ترتد بالمعرفة التي تشير اليها هذه الرموز في بعض الظواهر الفنية الى المعرفة القديمة
التي أوحت بها السأتعمالت الولى لهذه الرموز .ففي دراسأة للفنان الرائد شاكر حسن آل سأعيد للخط العربي
الذي يعكس السمات الصلية للثقافة العربية والسألمية يحاول إرجاع القيم المعرفية التي يعبر عنها هذا
الخط ـ من خلل اعتماده نظام التربيع والتدويرـ الى البدايات الولى التي عبر بها النسان بهذه الرموز
والممتدة عميق اافي التاريخ .ففي دراسأته )الخط العربي وأصوله الحضارية والجمالية( يستبطن في الخط
العربي قيم اا واعتبارات بعيدة ووثيقة الصلة بتكوينه الراهن .ويحاول فصد نسغه الداخلي والغوصا في
أعماقه واكتشاف قيمه الظاهرة والخفية وتحليله وإعادة تقويمه تقويماا يكشف عن أسأسه الجمالية
والحضارية البعيدة .لقد سأعى الى العودة به الى أبعد مصدر ممكن ،فأكد تجذر الخلف في السلف ،فلم يبحثه
من منظور فني أو تاريخي ،لن جل البحوث التي تلتمس هذا المنظور لم تمس الطبقات التحتانية التي
تستنبطها الظواهر المدونة ،بل اقتصرت على السحنة الظاهرية وتعمقت بها .فيبادر هو الى دراسأته دراسأة
معرفية بقصد اسأتكناه المعرفة التي وراءه ،والكشف عما تحمله الحروف .وأكد أن الخط ليس أداة لتمرير
المعنى اللغوي فقط ،بل موضوع لمعرفة متشعبة الطراف ،فهو كيان معبر عن حضارة بأكملها وليس مجرد
وسأيلة لغوية .وأن أهداف الخط والفن يمكن أن تكون هي نفسها في كليهما ،فلهما هوية واحدة .وعاد الى
الصول البعيدة التي نشأت عنها الوسأائل الولى للتدوين ،أي الى تلك المراحل المعروفة للكتابة الصورية
والمقطعية والمسمارية ،بل الى ما قبل ذلك ،الى المرحلة التي ظهرت فيها الزخارف على الفخاريات في
العهود القديمة وكأنها لغة أخرى مدونة بوسأائل ما قبل تدوينية .فلقد وسأع البحث عن هويته التراثية،
ووصل الى فحواه من خلل تأريخه الثقافي(15).
والذي قاده الى اعتبار الحرف وسأيلة للمواصلت الذهنية وللمعرفة ،هو ما لفت انتباهه في الصول الولى
للتدوين ،وهو وجود الفكر التربيعي في صلب نظام الخط العربي ،فهو يتكون عبر النظام التربيعي وكذلك
الشكل الدائري ،ففي هذا الخط تحوير لرؤوس بعض الحروف العربية الى ما يشبه الدائرة .فالحرف ينغلق
على نفسه ،فهو دائرة مغلقة وبداخلها النقطة المركزية .والنقطة تقوم مقام المربع ،فقد تتحول الى الشكل
المربع أو المعين)أ( .وفي نظام التربيع تبرز علقة ما بين المركز والمحيط ،ففي الزخارف المشتقة من
الكوفي المربع نجدنا إزاء )نقطة مركزية( أو مربع و)حركة محيطية( أو دورة .ويؤول المر بهذه الدورة
على محيط المربع الوهمي ومركزه المحور الى مربع وسأطي الى رسأم الصليب المعقوف المتكون عند
تقاطع وحدتين زخرفيتين خطيتين ) ((16).
إن اهتمامه بالخط الكوفي المربع الذي يكون التربيع هو الوحدة الزخرفية السأاسأية فيه والصليب المعقوف
هو المصطلح الشكلي له)ب( ،يقوده الى الهتمام بالوفاق التي تعتمد في كيانها على نظام التربيع أيضاا،
بالرغم من أن موضوعه يتعلق بالجانب اللغوي وعلقته بالعمل الفني الزخرفي .ولقد اسأترعى انتباهه أنه
يجد أن بعض الكتابات بالخط الكوفي المربع تتفق ونظام الوفاق الى مدى بعيد .والوفاق جمع وفق ،وهو
جدول رباعي تسير أوضاعه بموجب علم الحروف)الجفر( .ومعناه أن يزدوج كل من معنى الحرف والقيمة
الحسابية للعدد الذي يرافقه ،فإذا رتبت هذه الحروف وفي ضمنها قيمتها العددية ،وجمعت تلك القيم كانت
التنائج واحدة في كل ضلع منها .إن الذي لفت نظره لول وهلة هو وجود الفكر التربيعي في صلب نظام
الوفاق ،وإن الوحدات التسع للوفق الثلثي على فلك زحل)ت( تظل مرتبة في داخل مربع واحد .وقد نبه
على أن للوفق عبارته الغيبية ،أي تأثيره السحري ،وان هناك تعاطفا ا شكليا ا سأحرياا ما بين الحرف والعدد في
الوفاق ،وان الحرف هو بمنزلة الجسد ،أما العدد فهو بمنزلة الروح ،فكأن الوفق حينما يجمع بينهما إنما
يؤلف الوجود بمحوريه المادي والروحي فالوفق يمثل العلقة الجدلية بين الروح والمادة(17).
لقد تساءل الفنان آل سأعيد عن سأر التزام النظام التربيعي ،وأعاد هذا التساؤل الى المرحلة التاريخية التي
ظهر فيها النظام الرباعي الى الوجود ،والى طبيعة الذهن النساني الذي تشبث بالشكل الرباعي ،ومن ثم
بالفكر الرباعي ،وتلك المرحلة هي التي يمكن تحديدها بحدود )5000ق.م( أي حينما رسأم النسان رسأومه
الزخرفية على فخاريات دور سأامراء ممعناا في تدوين أشكال حيوانية أو نباتية أو انسانية ضمن نسق
رباعي) ،ث( وهذا ما تظهره فخاريات معينة جاء بعضها على شكل الوفق الثلثي ذي المربعات التسعة.
ورأى أن هذه الحقيقة التي تظهرها الحضارات القديمة تقطع الشك باليقين في أصل العلقة ما بين علم
الحروف ورسأوم الفخاريات الولى .فإذا كانت الوفاق تعتمد في كيانها على نظام التربيع فلبد من أن
اليمان بهذا النظام يمثل تجذر الذهن البشري بكل ما يوازيه في الحياة من حقائق .وكما يربط ما بين علم
الحروف والوفاق والرسأوم في فن العراق القديم ،يربط بينها وبين الخط الكوفي .فالخط الكوفي المربع وإن
كان يعد من الظواهر الفنية الخاصة بالعصر السألمي ال أن أصوله البعيدة كانت ممتدة في حضارة وادي
الرافدين ،ذلك لنها تنهل كما هو معروف في تسميتها وبنائها الزخرفي من فكرة التربيع القديمة .وينتهي
الى أن الخط العربي والزخرفة متأثران بالفكر السألمي والصوفي خاصة تأثرهما بالفكر الرافديني القديم.
ولهما بكل تأكيد نسب بالفكر السأيوي ،وبفنون الصين والحضارة الرعوية في أواسأط آسأيا عن طريق
الحتكاك المباشر للعالم السألمي بالحضارات المجاورة التي تأصلت فيها ثقافات عريقة ذات اهتمام بالتربيع
بوصفه قيمة جمالية ،وعن طريق الترجمة عن اليونانية وسأواها من اللغات .وهذا ما أسأهم بدخول تأثيرات
حضارية وثقافية من الحضارات المجاورة على تلك العمال الفنية ل سأيما أن لمواطن هذه الحضارات
نفسها تقاليد دينية أو صوفية لبد من أنها كانت سأتسهم في التأثير في التقاليد السألمية نفسها .إن جذور
الخط الكوفي ترتبط بالمواطن التي ازدهر فيها الفكر الصوفي ،وأهم مواطن الفكر الصوفي هي الصين بعد
الهند موطنه الول .فليس بالمستبعد أن يكون لذلك أثره في ازدهار هذا النوع من الخط لنه يتفق
والتصورات الصوفية ،إذ ان المربع من الرموز التي اهتم بها المتصوفة ،وكذلك الدائرة ،وقد صدروا عن
الرؤية الكروية للعالم فأحتفوا بالدائرة احتفاءهم بالمربع او النقطة التي ترتبط كما يوضح الفنان آل سأعيد
بالعين السومرية)ج( والدوائر ذوات النقاط المركزية في التقاليد الزخرفية في العراق القديم(18).
إن هذا يعني أنه في خلل مسيرة الخط والفن في الحضارة العربية السألمية فإنهما اكتسبا مزايا حضارية
جديدة ،كما عبرا عن التواصل مع القديمة كما يتضح في نظام الوفاق والكوفي المربع .إن مسيرة الخط
العربي تعكس التاريخ الثقافي للوجود العربي بمعناه الواسأع .وقد اسأتطاع التعبير عن سأمات الفكر
السألمي ،فهناك بنية ل شعورية للكتابة ورصيد ل واعي يخفيه الخط ورصيد اجتماعي هو وليد المحيط
الذي تطور فيه .وهو يستبطن كل الشعور الميثولوجي لمجتمعات الكتابة السومرية واللغة الزخرفية لعصر
ما قبل السللت في العراق وما يوازيها في البيئات الخرى ،مثلما يستبطن اللوعي الديني لمجتمعات
الكتابة البجدية ورصيدها الفكري المتطور .ولقد ظلت اللغة العربية محتفظة برصيدها الفكري هذا في جميع
مراحل حياتها الحضارية مثلما ظلت محتفظة به الفنون الزخرفية ،توأمها(19).
إن بنية الخط والزخرفة تستبطن أفكار اا وعقائد تتأثر بها ،وهي تنتقل ـ كما يبين السأتاذ آل سأعيد ـ انتقالا ل
واعيا ا أو غيبيا ا أو سأحريا ا أو كرامي اا .وهو يستخدم كلمة التخاطر أو التلباثي ،وهو انتقال الفكار بين كائنين
انتقا ال ل يعتمد على المواصلت الحضورية بينهما ،بل يعتمد على المواصلت الغيابية .وهذا السأتخدام ذو
صفة حضارية ،أي انه يتم ما بين مرحلتين حضاريتين ،أو كيانين إجتماعيين ،الول كان موجوداا في
الماضي والخر موجود في الحاضر.
الرسأوم والشكال الهندسأية التي ظهرت على الفخاريات الولى في العراق قبل ظهور المراحل الولى للكتابة
المسمارية كالمرحلة التصويرية أو المرحلة الرمزية والمرحلة المقطعية كانت خطوات انتقال بين البداية
السحرية للغة الطبيعية واللغة النسانية الصرف .إنها نوع من التدوين السحري ،لغة تقتصر على الطبيعة
وكأنها لغة حيوانية أو نباتية ،لغة لم تدخل بعد طور الثقافة ،وقراءتها كمدونة تقتصر على نوع من الوعي
القريب من مفهوم الطبيعة ل الثقافة ،أو هي أقرب الى اللغة الغيبية أو الماورائية التي تخص عالم السحر
والكرامات والدروشة وتحضير الرواح ،الخ ..ويقول الفنان آل سأعيد إن هذه الرسأوم ذاتها تشبه المرحلة
الصورية وهي في حالة تطورها الى كتابة مسمارية في المرحلة الرمزية ،فهي تمثل الشكل والمعنى في آن
واحد .وكانت بمنزلة التدوين الكتابي ،أو لنقل دللت لغوية أو مفاهيم دينية عن ذهنية انسانية مازالت تجمع
ما بين الثقافة النسانية واللوعي والحدس بالطبيعة وبما وراء الطبيعة من قوى(20).
إن فحوى النظام التربيعي في بنية الخط والزخرفة هو إخضاع العنصـر
الزخرفي الى مبدأ التدوير ،دورة حول الجهات الربع للشكل المربع الذي يمثل المركز أو النقطة أو السكون
المركزي ،في حين يمثل محيطه حركة مستمرة .ان العلقة بين السكون المركزي والحركة المحيطية هي
علقة بداية وحركة مستمرة ،البداية للسكون والتطور عن هذه البداية للحركة .البداية للمربع والتطور
للحركة الدائرية حوله(21).
السكون والحركة هما الفكرة التي يعبر عنها مبدأ التربيع والتدوير قبل أن يصبح ظاهرة فنية لغوية على
شكل رسأوم أو جداول أوفاقية أو زخارف .الفكرة هي انطلق الحركة من السكون الذي يمثل المركز أو
المربع أو النقطة التي يعقد علم الحروف على هويتها أهمية عظيمة .وهي حقيقة حقائق الحروف في الفكر
الصوفي ،فهي تحقق معنى تطوير القوة الى الفعل ،القوة التي تحتل مركز الوفق في المدونات الوفاقية،
فهي وجود بالقوة يتحول الى وجود بالفعل بوسأاطة الدائرة التي تمثل معنى الفعل أو الحركة أو تمثل العرض
من الجوهر أو الوجود بالقوة الذي يمثله المركز.
النقطة غياب وامحاء لي ظهور للوجود ،إنها تحقق معنى الغياب في الحضور ،الغيب في الشهادة .والمركز
خال من أي شيء ظاهر ،فهو رمز للغياب وللسكون .وهناك أشكال تدور حوله في تلك الرسأوم والرموز
القديمة ،فالدورة لها أشكال أي لها ظهور .ونلحظ من خلل بعض الشكال أنها لنساء او لناث)ح(،
فنستنتج أن الدائرة أنثى في مقابل المركز ،الذكر .ولقد قلنا إن المركز يمثل الجوهر أو الوجود بالقوة في
مقابل الدائرة التي تمثل العرض .فالرجل والمرأة جوهر وعرض.
إن أسألوب الكتابة العربية يعبر من خلل المربع أو النقطة والدائرة عن
العلقة بين السكون والحركة ،وهما يمثلن في رأي السأتاذ آل سأعيد واقع النسان البدوي في صحرائه إذ
يجمع بين السأتقرار والحركة .ويستمدان من موقف النسان المتنقل المستفز ،النسان البدوي المستضاف
من الواحة والمحيط .إنها ترجمة لرحلة ايقاعية هي في أقصى مستوياتها رحلة دنيوية وأخروية معاا(22).
والعلقة بين المربع والدائرة أو السكون والحركة ،علقة بين الموت والحياة أو الولدة ،أو الموت والبعث
والنشور .وهذا ينسجم مع فكرة الخصوبة المعروفة بسياقها المتكامل ما بين الولدة والموت ثم البعث
والنشور .إن ظهور الخط الكوفي المربع في العراق والشام يرجح ـ كما يبين السأتاذ آل سأعيد ـ معنى ازدهار
الفكر الزراعي في مناطق وديان النهار التي كانت مهد الحضارات الزراعية الولى .ولقد أوغل السومريون
في اسأتقرائهم للحياة النتاجية في فكرة الخصوبة مكتشفين شكلها السرمدي في مدى تعاقب الحياة والموت
عبر النظام التربيعي والشكل الدائري اللذين كان لهما دور مهم في تجسيد الفكر الخصوبي حتى أصبحا
رمزين مهمين من رموز القوى المؤثرة في العالم النباتي ،فكأنهما الشكل المادي لفكرة الخصوبة ،فهما
يعبران عن العلقة المتكاملة بين الفصول وإيقاعها وتتابعها) ،دورة( الفصول )الربعة( :الربيع والصيف
والخريف والشتاء .وهذا مطابق للحياة النسانية في تكاملها :الطفولة فالشباب فالكهولة فالشيخوخة .وقد
تعبر هذه الرموز عن آمال ومخاوف ،وانها تتصل بالعقيدة الدينية ،فالدورة ترمز الى قوة الحياة الدائمة في
كل المخلوقات التي تدور في حلقات ل نهاية لها(23).
ولقد ظلت علمة الصليب المعقوف الوحدة الزخرفية السأاسأية ،أو لنقل ظلت ممثلة للمصطلح الشكلي نفسه
لعصور ما قبل السللت وفي دور سأامراء وفي العصور السألمية ،إذ تظهر العلمة نفسها وبصراحة
عنصراا زخرفياا كما في الخط الكوفي المربع وفي نظام الوفاق)خ(.
وينتهي السأتاذ آل سأعيد من اسأتنتاجه للمعاني التي تعبر عنها هذه الرموز ومن خلل مقارنته ما بين
الرسأوم الفنية والزخارف والشكال الخطية التي كان المربع والدائرة العنصر السأاسأي فيها الى أنها تتفق
من حيث المبدأ في النقاط التية:
1ـ هناك علقة ما بين الوحدات المحيطية والمراكز.
2ـ إن اتجاه الحركة فيها هو من اليمين الى اليسار على العموم )عكس عقارب الساعة(.
3ـ إن اسأتخدامها يبدو اسأتخداما ا )دينيا ا سأحرياا((24).
واذا تقصينا ارتباط هذه الرموز _ التي عبر عنها الخط العربي والثقافة العربية والسألمية _ بثقافة وفنون
الهند والشرق القصى نجد أن الدائرة ذات الشعاعات الربعة أو الثمانية في الفن البصري في هذه النحاء
من العالم تمثل الطراز العتيادي للصور الدينية التي تستخدم وسأائل للتأمل .ونجد الدائرة التجريدية
مصورة في الفن المسيحي الوربي ،وهي ترمز الى ماذكرناه من معنى الكمال النساني ,فهي تمثيلت لذات
النسان منقولة الى مستوى كوني والى حقيقة مطلقة .تحيط برسأوم السيد المسيح )ع( والقديسين
المسيحيين هالت ,وفي أحوال عديدة تكون هالة السيد المسيح مقسومة الى أربعة ,وفي هذا رمز الى كليته.
وعلى جدران الكنائس الرومانية القديمة يمكن رؤية اشكال مستديرة تجريدية أحياناا ويقال إنها قد تعود الى
أصول وثنية .ومن المثلة المتميزة في الفن المسيحي صورة نادرة للسيدة العذراء)ع( في مركز شجرة
مستديرة ,هي ا .لكن الهالت التي تشيع كثيرا في الفن المسيحي هي تلك التي للسيد المسيح وهو محاط
بالرسأل الربعة ،ويذهب بعض الدارسأين الى أنها تعود بتاريخها الى التمثيلت المصرية القديمة للله
حورس وأبنائه الربعة.
وهكذا يرتبط رمز المربع برمز الدائرة في الرسأوم الدينية ليرمزا الى الحقائق السأاسأية للوجود ,فأذا كانت
الدائرة تشير الى الكمال النساني فإن رمز المربع يدخل معها ليشير الى الحقيقة الجوهرية العقلية
والروحية التي يرتبط بها الوجودالنساني ويتفاعل معها في سأعيه الى الوصول اليها .ونجد هذين الرمزين
يؤكدان هذه العلقة في رسأومات أخرى في تاريخ الفن الوربي ،فلدى بعض الطوائف والحركات التي قامت
حوالي العام ) (1000الميلدي كالخيميائيين يتجلى هذان الرمزان تعبيراا عن ارتباط الروح بالجسد ،فقد دفع
هولء أسأرار المادة وجعلوها الى جانب أسأرار الروح السماوية للمسيحية .وما كانوا ينشدونه هو الكلية
الشاملة لعقل وجسد النسان .وقد ابتدعوا آلف السأماء والرموز لهما ،وكان أحد رموزهم المركزية
هو)تربيع الدائرة( وهو رمز الكلية واتحاد المتضادات .ولم يسجل الخيميائيون عملهم في كتابتهم حسب بل
خلفوا ثروة من صور أحلمهم ورؤاهم في الكلمة والصورة .ويمكن أن يعد الرسأام الفلمنكي هيرونيموس
بوش من القرن الخامس عشر الممثل الكبر لهذا النوع من الفن الخيالي .
وفي عصرنا الحاضر أصبح الرمز الهندسأي أو التجريدي للدائرة يؤدي دورا مهما في الرسأم لكن ليس على
وفق الطريقة التقليدية للتمثيل إنما مع عملية تحويل تنسجم مع معضلة وجود النسان الحديث .وقد يمكن
رؤية المثل على السطح الدائري غير المتناسأق في أقراصا الشمس المشهورة للرسأام الفرنسي روبير
ديلوني .وثمة لوحة للرسأام النكليزي الحديث سأيري ريتشارد تحتوي على سأطح دائري غير متناسأق
تماماا ,في حين تظهر في البعيد على يسارها دائرة فارغة وأكثر صغراا .وفي لوحة الفنان الفرنسي هنري
ماتيس المعنونة حياة سأاكنة ومزهرية كيوسأين يكون مركز الرؤية كرة خضراء على شعاع أسأود مائل يبدو
أنها تجمع داخل نفسها الدوائر المتنوعة لوراق الكيوسأين .وفي هذه اللوحة يفصل مابين الشكلين
التجريديين)المربع والدائرة(_ اللذين كونا علقة كلية في الفن القديم _أو يوصل بينهما بشكل غير مترابط,
مع ذلك فكلهما موجود فيها ويلمس كل منهما الخر .وفي لوحة رسأمها الفنان الروسأي المولد فاسأيلي
كاندنسكي ثمة تجميع طليق لكرات ملونة أو دوائر تبدو منجرفة مثل فقاعات لصابون .وكثيراا ماتظهر
الدوائر في صلت غير متوقعة في التركيبات الغامضة للفنان البريطاني بول ناش .وفي رسأمه المسمى
)حدود الفهم( يضع الفنان السويسري بول كلي الشكل البسيط لكرة او دائرة فوق بناء معقد من السللم
والخطوط .ومن المهم ملحظة أن المربع او مجموعة المستطيلت والمربعات او المستطيلت وأشباه
المعين قد ظهرت في الفن الحديث بقدر ما ظهرت الدائرة .ويعد الفنان الهولندي بيت موندريان أسأتاذ
التراكيب المتناغمة مع المربعات .ومع ذلك فاللوحات الكثر شيوعاا هي لوحات رسأامين آخرين ذات تراكيب
رباعية غير منتظمة او مستطيلت عديدة مجمعة في مجموعة طليقة تقريبا .ومن الفنانين الذين تضـج
رسأومه بالشكال الدائرية والمربعة الفنان اليطالي فكتور فازاريلي وهي تعبر عن حقائق كلية لتنفصم )د(.
وقد تنفصم الصلة مابين هذين الشكلين الوليين في انجازات الفن الحديث ,فقد تكون موجودة أو غير
موجودة أو طليقة أو عرضية .ويفسر بعض الباحثين هذا الفصل بأنه تعبير رمزي آخر عن حالة النفس لدى
إنسان القرن العشرين الذي فقدت روحه جذورها وهو مهدد بالتفكك .لكن التكرار الذي به يظهر المربع
والدائرة ينبغي أل يهمل ،ويبدو أن ثمة حث نفسي مستمر ليصال المعاني السأاسأية التي يرمزان اليها الى
الوعي ) .( 25ومن المعاني السأاسأية للحياة والوجود التي يرمزان اليها في فننا الحديث ولدى فناننا الكبير
الرائد جواد سأليم جدل العلقة بين الرجل والمرأة )وكنا قد نبهنا في رسأوم بعض الفخاريات على أن الذي
يقوم بالدورة هو المرأة( .ففي لوحة جواد سأليم )أطفال يلعبون( )ذ( نجد أن فكرة المومة فيها قد عبر عنها
بهيئة الهلل والدائرة ،فالشكل الذي وجده مطابقاا لمعنى المومة ،هو الشكل الدائري أو مجزوءه) .ر( ولقد
اسأتندت رؤية جواد سأليم الفنية الى ضرورة اسأتثمار الشكل الهندسأي سأواء في مجال النحت أو الرسأم كرسأم
أو نحت للدائرة ومجزوئها وللمربع ،واتخاذهما أسأاسأاا للتعبير والرمز .ومن الممكن للمتتبع أن يجد
لهتمامه بهذا الموضوع بداية نجدها في أعمال كثيرة رائدة منها اللوحة التي تمثل صورة شخصية لزوجته
لورنا في العام .1948فأرضيتها تعتمد على شكلين مربعين أسأاسأيين ،في حين يعتمد بل ينفرد الشكل
النساني بنسق من المساحات الدائرية تغذيه اسأتدارة الرأس والذراعين من جهة وخطوط الرداء واتجاه
القدمين من جهة أخرى .ومن العمال الخرى التي تعبر فيها الخطوط الدائرية عن معناها النثوي ،لوحة
ل عن التورية ما بين أشكال الدلل أو )قرويتان( )ز( ،إذ يتخذ من الهلل والدائرة فيها أسأاسأا ا للرمز ،فض ا
أواني طبخ القهوة العربية وجسد المرأة المكتنز.
ومن أعماله المهمة التي تتضمن التوفيق ما بين الشكال المربعة والدائرية )وهي من نتائج بلوغه الذروة
في موضوع أطفال يلعبون( موضوع )كيد النساء( ،وفيه نكتشف تحويراا رائعا ا للرموز تمشيا ا مع مضمون
العمل الفني ،حيث يظهر الدولب )رمز المسكن أو المرأة( وهو المكان الذي تسجن فيه المرأة اللعوب
عشاقها كما تقول الحكاية المقتبسة في العمل الفني عن ألف ليلة وليلة ،مرسأوماا بوسأاطة المساحات
المربعة )الرمز الذكري وليس النثوي( ولعله في ذلك يشير الى معنى آخر للمربع وهو الغياب أو الكمون،
والسجن كمون وضد الظهور أو الخروج .ويظهر الرجال وهم الذين وقعوا تحت رحمة المرأة مرسأومين
بأشكال دائرية )والدائرة ومجزوئها كما أوضحنا رمز أنثوي وليس رمزاا ذكرياا( ولعله هنا أراد أن يشير الى
هيمنة الكيان الدائري )المرأة( على الكيان الرجولي فتشكل بشكله .إن المتتبع لهتمامات الفنان في بحثه
لموضوع المومة بجميع تفاصيله يجد لديه حرصاا على التنسيق ما بين الشكال الدائرية والمربعة .وتمثل
لوحة )أطفال يلعبون( الذروة والنطلق معاا في اكتشاف الفنان لمفتاح رؤيته في العام ،1953تلك اللوحة
التي يمكن أن نعدها البديل لمنحوتته الرائعة )نصب الحرية( .في هذه اللوحة تتداخل الشكال الدائرية
والمربعة بصورة متقنة ودقيقة غاية الدقة ،نستطيع معها أن نشعر بفحوى التوازن المنقطع النظير ما بين
الخطوط المستقيمة والمنحنية وما بين الشكال الهندسأية ذوات الزوايا أو الخالية من الزوايا ،بحيث يعبر لنا
هذا التوازن عن إحساس الفنان المرهف بأنتقائية ل تعكس ذوقه الشخصي حسب ،بل موقفه الحضاري
أيض اا .إن تداخل الشكال يعلن لنا عن وعي مفعم بالعدالة والتزان وينم على صميم )فلسفة( جواد سأليم
و)إيمانه( بمعنى تكامل الوجود .فلوحاته تعبر عن قيم منطقية وفكرية ،فاسأتخدام جواد سأليم اسأتخدام فكري
أو فلسفي ،وهو اسأتخدام ينطوي على ما أقدم عليه سألفه الفنان السومري ،وهو يهتدي في حالة الشعور
واللشعور الى ازدواجية أو جدلية الشكلين المربع والدائري ،والى تكامل الخطوط المستقيمة والمنحنية)
.(26
لقد أشار الفنان شاكر حسن آل سأعيد الى أن العلقة بين المربع أو النقطة والدائرة ترتبط بالفكر الديني قبل
السألم وبعده .وأشار الى ارتباطها بالمتصوفة ،واسأتخدم تعبير الكشف الكرامي أو الروحي أو الغيبي
وسأيلة في اتصال المعرفة بما تعنيه هذه العلقة الجدلية .وعبر مرة بالتخاطر الجتماعي وأنه وسأيلة
اسأتمرار هذا النسغ الذي يجده يتخلل الفكر النساني منذ عصر الفنان الرافديني القديم وحتى عصور
متأخرة ،بل وحتى العصر الحاضر لدى جواد سأليم ولديه ولدى آخرين) .(27فالفكر الرافديني القديم
)السومري ،الكدي ،الخ (..كان يدرك هذه المعرفة التي تعبر عنها الرموز قديماا ،وكان يستخدمها وسأيلة
لليصال ،وهي تعبر عن حالة ذهنية هي مزيج من النفعال الحسي والعقلني ،وعن عملية ارتباط فكري ما
بين الطبيعة وما وراء الطبيعة.
ومن الظواهر الفنية الخرى التي عبر بها النسان عن وعيه بهذه الرموز فن العمارة ففي العمارة تشكل
هذه الرموز التصميم السأاسأي للبنية المقدسأة والدنيوية في كل الحضارات تقريباا .وهي تدخل في تخطيط
المدن الكلسأيكي والقروسأطي وحتى الحديث .ويظهر المثل الكلسأيكي في وصف بلوتارخ لنشاء روما.
فاسأتناد اا الى بلوتارخ أرسأل رومولوس في طلب البنائين من ايتروريا فأخبروا بالعراف المقدسأة والقواعد
المكتوبة لجميع الشعائر التي ينبغي العمل بها بالطريقة نفسها )كما في السأرار( .حفروا اوالحفرة مستديرة
حيث تنتصب الن قاعة الجتماع .وفي هذه الحفرة ألقوا بقرابين رمزية من فاكهة الرض .وقد أعطيت
الحفرة اسأم موندوس وهو اسأم كان يعني الكون كذلك .ورسأم رومولوس حول الحفرة حدود المدينة في
دائرة بوسأاطة محراث يجره ثور وبقرة .فكانت المدينة التي أسأست على وفق هذه الشعيرة الجليلة دائرية
الشكل ,ولكن الوصف القديم والمعروف لروما هو )المدينة المربعة( .ونفهم من إحدى النظريات التي حاولت
تسوية هذا التعارض أن المدينة المدورة كانت مقسومة الى أربعة اجزاء بطريقين رئيسين يمضيان من
الشمال الى الجنوب ومن الغرب الى الشرق .وكانت نقطة التقاطع تتطابق مع الموندوس الذي ذكره
بلوتارخ .واسأتناداا الى نظرية أخرى فأن التعارض ليمكن أن يفهم ال بوصفه رمزاا)تربيع الدائرة( وهو
الرمز الذي شغل اليونانيين كثيرا .إن بلوتارخ قبل ان يصف شعيرة الدائرة في تأسأيس رومولوس للمدينة
تكلم أيضاا على روما بكونها مدينة مربعة .فبالنسبة له كانت روما مدورة ومربعة معاا .ولقد كانت أكثر من
مظهر خارجي ،إنها بتصميمها السأاسأي المندالي وبسكانها قد رفعت فوق العالم الدنيوي المحض .ويؤكد
هذا حقيقة أن للمدينة مركزاا)موندوس( أسأس علقة المدينة مع العالم الخر )مقام أرواح السلف( .كان
الموندوس مغطى بحجر كبير يدعى بـ)حجر الروح( وهذا الحجر يزاح في أيام محددة وبعدها ـ كما قيل ـ
تصعد أرواح الموتى من الحفرة .
ولقد أقيم عدد من المدن القروسأطية على هذا التصميم السأاسأي وأحيطت بجدار دائري تقريباا .وفي مدن
كهذه كما في روما كان ثمة طريقان رئيسان يقسمانها الى )أرباع( ويقودان الى أربعة أبواب .وكانت
الكنيسة تقوم على نقطة تقاطع هذين الطريقين .لقد جاء إلهام المدينة القروسأطية بأرباعها من القدس
السماوية) في رؤيا يوحنا( التي كان لها تصميم أسأاسأي مربع وجدران باثني عشر باباا .لكن القدس ليس لها
معبد في مركزها لن حضور ا المباشر هو مركزها(28).
وكما في تخطيط روما وغيرها من المدن القديمة في أوربا وغيرها من مناطق العالم ،كان التصميم الذي
يستلهم رمز المربع والدائرة مؤثراا في تاريخ العمارة السألمية والعربية .ويتضح هذان في تخطيط مدينة
بغداد المدورة حول المركز المربع )س( ,فلقد اكد في هندسأتها هذان الشكلن ،فلها أربعة أبواب ،وقسمت
على أربعة أرباض .وقسم الربض على أربعة أرباع ،وهكذا ..وقد يكون الذين أشرفوا على تخطيطها
وهندسأتها قد اسأتوحوا هيئة الكعبة المشرفة او اسأتندوا الى أفكار دينية .ويقال إن من هؤلء حفاظ القرآن
الكريم وبحضور المنجمين ).(29
لم يكن التصميم السأاسأي المندالي سأواء في التأسأيسيات الكلسأيكية أم البدائية يملى لعتبارات جمالية او
اقتصادية فقط ،إنما كان تحويل للمدينة الى مكان مقدس يرتبط بمركزه مع العالم الخر .وهذا التحويل يتفق
مع المشاعر والحاجات السأاسأية للنسان المتدين .ويجد علماء النفس تلمذه يونج أن هذا التصميم في كل
بناية مقدسأة أو دنيوية إنما هو اسأقاط لصورة نمطية عليا من داخل اللوعي النساني على العالم الخارجي
فتصبح المدينة والحصن والمعبد رموزاا ذات كلية نفسية .وبهذا تمارس ثأثيرا خاصا ا على الكائن البشري
الذي يدخلها أو يعيش فيها .إن اسأقاط المحتوى النفسي عملية ل واعية في فن المعمار كما يبين يونج،
فأمور كهذه تنمو من العماق المنسية ،وتعبرعن السأتبصارات العمق للوعي والحدوس السأمى للروح.
وهكذا )تملغم( فرادة الوعي في الوقت الراهن بالتاريخ الغابر للنسانية.
إن المندال ليست الرمز المركزي في الفن المسيحي ،بل الصليب أو المصلوب .والى حد العهود الكارولنجية
كان الصليب المتساوي الضلع أو الغريقي هو الشكل المعتاد)ش( .ولهذا كانت المندال متضمنة فيه بشكل
غير مباشر .ولكن مع مضي الزمن تحرك المركز الى أعلى الى أن اتخذ الصليب الشكل اللتيني بالوتد
والعارضة المتقاطعة ،وهو المألوف اليوم .هذا التطور مهم لنه ينسجم مع التطور الداخلي للمسيحية حتى
ذروة القرون الوسأطى .لقد كان يرمز الى الميل لنقل مركز النسان وإيمانه من الرض ولتصعيده الى العالم
الروحي .وهذا الميل ناشئ عن الرغبة في وضع مقولة المسيح موضع التطبيق” :مملكتي ليست من هذا
العالم“ .لهذا السبب كانت الحياة الدنيوية والعالم والجسد قوى ينبغي قهرها .لقد وجهت آمال النسان
القروسأطي بهذا الشكل الى الخرة ,لن وعد النجاز كان يومئ من الفردوس وحدها .ولقد وصلت هذه
المحاولة الى ذروتها في القرون الوسأطى وفي الصوفية القروسأطية .لقد وجدت آمال الخرة تعبيرا لها ليس
في تصعيد مركز الصليب حسب ,إنما في العلو المتزايد للكاتدرائيات الغوطية التي يبدو أنها تضع قوانين
الجاذبية موضع تحد.
ومع بدء النهضة بدأ تغيير ثوري يطرأ على مفهوم النسان عن العالم .إن الحركة الى أعلى التي وصلت
ذروتها في القرون الوسأطى المتأخرة مضت الى العكس ,لقد ألتفت النسان الى الرض وأعاد اكتشاف
جمال الطبيعة والجسد وتزايد حجب الشعور الديني واللعقلنية والصوفية بانتصارات الفكر المنطقي
وأصبح الفن اكثر واقعية وحسية وانفلت من عقال المواضيع الدينية وتقبل كل العالم المرئي).(30
رمز )المربع والدائرة( في فكر المتصوفة وأدبهم:
ليست التجربة الصوفية في إطار اللغة العربية ،مجرد تجربة في النظر ،وإنما هي أيضاا ،وربما قبل ذلك
تجربة في الكتابة ،إنها نظرة أفصح عنها الشعر وزنا ا ونثراا ،فضلا عن لغة البحث النظري والشرح .فهي
حركة إبداعية وسأعت حدود الشعر مضيفة الى أشكاله الوزنية ،أشكالا أخرى نثرية ،نجد فيها ما يشبه
الشكل الذي اصطلح على تسميته في النقد الشعري الحديث ،بـ"قصيدة النثر" .وبدءاا من هذه الكتابة كان
ينبغي أن يتغير مفهوم الشعر داخل النقد العربي ،وأن يؤسأس لمنظور جديد في تحديد الشعر وفهمه ،لكن
هذا لم يحدث .وكان على الكتابة الصوفية أن تنتظر أكثر من عشرة قرون لكي تجد قلة ،ما تزال نادرة،
تكافح من أجل قراءتها وفهمها بشكل جديد.
وإنها لمفارقة أن تلجأ الصوفية بوصفها تجربة في البحث عن المطلق،
لكي تعبر عن أعمق ما فيها ،الى الشعر ،وهو المقصى تقليدياا عن مقاربة المطلق ومعرفته .أليس في ذلك
ما يدل على رفضها طرق التعبير الديني ـ الشرعي ،التي ترفض الشعر وتضع حداا فاصلا نقيضا ا بينه وبين
الدين خصوص اا على الصعيد المعرفي؟ ..لقد رأت الصوفية في الكتابة الشعرية الوسأيلة الولى للفصاح عن
أسأرارها ،ورأت في اللغة الشعرية وسأيلة أولى للمعرفة .وفي هذا نرى اسأتمراراا لما قبل السألم والوحي،
واسأتعادة للعلقة الوثيقة بين الشعر والغيب .لقد اسأتخدم الصوفيون في كلمهم على ا والوجود النساني،
الفن :الشكل ،السألوب ،الرمز ،المجاز ،الصورة ،الوزن ،القافية .والفن ل يفصح عن المطلق كما يفصح
عنه الفكر الديني ،الذي هو مرحلة تتقدم على الفن وتتجاوزه في مستوى التعبير والفصاح ،كما يبين
هيجل .أي إن الصوفيين اتخذوا وسأيلة أكثر تعمية في التعبير ،لنهم يقصدون التعمية ول يقصدون
الفصاح .وهم يعمدون الى ما هو أكثر تعمية حتى في نطاق التعبير الفني ،فهم يعبرون بلغة الغموض ل
الوضوح .ولذلك كانت لغتهم مستعصية على القارئ الذي يدخل اليها معتمداا على ظاهرها اللفظي .بعبارة
ثانية يتعذر الوصول الى عالم التجربة الصوفية عن طريق عبارتها ،فالشارة ل العبارة هي المدخل الرئيس.
وإن شعرية اللغة الصوفية تتمثل في أن كل شيء يبدو رمزاا ..كل شيء فيها هو ذاته وشيء آخر .الحبيبة
ل هي نفسها وهي الوردة ،او الخمرة أو الماء او ا ،إنها صور الكون وتجلياته .ويمكن أن يقال الشيء مث ا
نفسه عن السماء أو الرض .فالشياء في الرؤية الصوفية متماهية متباينة ،مؤتلفة مختلفة ،وهي في ذلك
تتناقض مع اللغة الدينية ـ الشرعية حيث الشيء هو ذاته ل غير .بهذه اللغة تخلق التجربة الصوفية عالما ا
داخل العالم ،تتكون فيه مخلوقاتها ،تولد وتنمو ،تذهب وتجيء ،تخمد وتلتهب .وفي هذا العالم تتعانق
الزمنة في حاضر حي .إن اللغة الشعرية الصوفية تناقض اللغة الدينية ـ الشرعية من حيث أن هذه تقول
الشياء ،كما هي ،بشكل كامل ونهائي ،بينما اللغة الصوفية ل تقول ال صوراا منها ،ذلك أنها تجليات
المطلق ،تجليات لما ل يقال ،ولما ل يوصف ولما تتعذر الحاطة به .فما ل ينتهي ل يعبر عنه إل ما ل
ينتهي ،والكلم منته ،والمتكلم هو كذلك منته .سأتظل قدرة الكلم ،إذن إشارية ،رمزية ،وسأوف يظل القول
الصوفي شأن القول الشعري مجازاا ،ولن يكون حقيقة كمثل القول الديني الشرعي .وهي لغة تختلف عن
اللغة الدينية الشرعية من حيث أن هذه في جوهرها لغة إفهام وتوصيل ،بينما الولى هي في جوهرها لغة
حب ،والحب هو كذلك ل يقال بل يعاش .تقال صور منه ،لكنه في ذاته كمثل المطلق ،عصي على القول ،ذلك
أنه خارج طور او حدود العقل والمنطق ،أي خارج حدود الكلم ،وليس الشعر إل محاولة النسان أن يقول ـ
مجازاا ورمز اا ـ ما ل يقال .وهو بوصفه كذلك ل يحده العقل أو المنطق .ل يمكن للقصيدة إن كانت شعراا حقا ا
أن تندرج في إطار المعقولية المنطقية .فالقصيدة كمثل الشيء الذي تقوله ،ل تفهم ول تشرح بشكل
يستنفدها نهائي اا .ما يفهم منها يضيئها ول يستنفد ما تنطوي عليه .هكذا يجد كل قارئ في القصيدة الواحدة
قصيدته الخاصة ،وهذا هو الشأن في الكتابة الصوفية .لكن لماذا يحاول النسان أن يقول ما يعرف أنه ل
يقال؟ ..ربما لن النسان يظل في توق الـى ما يجهله ..ربما لكي يخلق تطابقا ا أو تماهياا بينه وبين المطلق،
ولكي يشعر أنه يعيش في كون ل ينتهي ،وأنه كمثل الكون ل ينتهي ،ربما لكي يقول ليس هناك اثنان بل
واحد .ومن هنا ،وفي هذا بالضبط ،تختلف اللغة الصوفية عن اللغة الدينية الشرعية ،في أن الولى تصدر
عن تجربة يعيشها المتصوف بوصفها محاولة لتحقيق ذلك التماهي مع المطلق بينما تصدر الثانية عن
تجربة في الوصف والتشريع تؤكد النفصال والبعد الكاملين عن المطلق.
اللغة الصوفية تحاول التماهي مع المطلق ،وهي في ذلك ليست وصفاا ،بل هي ضوء يخترق ويكشف ،إنها
اتجاه نحو المجهول ،وبهذا المعنى تولد صدمة ،وتستدعي حساسأية جديدة .وهذا يقودنا الى أن ندرك كيف
أن الشعر في التجربة الصوفية ،لم يعد أدباا بالمعنى المصطلح عليه ،وإنما أصبح تساؤلا حول جوهر
النسان والوجود ورغبة في تغيير صورة العالم .ونحن إذ نتناول الدب الصوفي فإن أهميته ل تكمن بالنسبة
الى البحث في قيمته البداعية ،بل بقيمته العتقادية وبرؤيته الفلسفية ،وفي الطريقة المعرفية التي شكلها
أو نهجها للتعبير عن هذه المعرفة أو العتقاد .إنها تكمن في الحقل المعرفي الذي أسأست له التجربة
الصوفية ،وفي الصول التي تولدت عنه ،وهي أصول خاصة ومختلفة للبحث والكشف .لقد أعادت قراءة
التراث الديني ،وأعطته دللت أخرى وأبعاداا أخرى تتيح نظرة جديدة الى اللغة ،ل اللغة الدينية وحدها ،بل
اللغة بوصفها أداة كشف وتعبير .لقد تجاوزت الصوفية تراث )القوانين( ،لكي تقيم تراث )السأرار().(31
في بحثنا هذا نتجاوز الحديث عن البعاد البداعية للغة الدب الصوفي ،لنكشف عن )السأرار( المعرفية التي
حاول الكشف عنها أو التماهي معها ليجليها في اللغة .فبحثنا محاولة للتماهي مع المجهول ـ وعبر رمز
المربع والدائرة ،او النقطة والدائرة ـ الذي حاول من خلله المتصوفة رفع حجب الغيب ،وإسأدال هذه
الحجب في الوقت نفسه ،ال عن الخاصة الراسأخة في العلم اللهي ،نحن نحاول أن نرفع الحجب لكي نتيح
لمعرفة عامة نطل منها على ما أطل عليه المتصوفة من عوالم الغيب.
يعبر هذا الرمز كما قلنا عن رؤية وعن فلسفة ترتبط ـ فيما ترتبط ـ بالفكر الديني ،أي انها الفلسفة الدينية
للكون كما أوحت بها النبوات منذ القديم وعلى امتداد تاريخها وتاريخ النسان .والفكر الصوفي الذي ارتبط
ل بفرق وعقائد اسألمية أخرى ـ يعبر عن فلسفة دينية هذا الرمز به ـ وكما الفكر الفلسفي السألمي متمث ا
هي محاولة لسأتخلصا المعرفة من الدين .فالمتصوفة ل يستمدون من معرفة وجدانية فقط يكشفون بها
الحجب الغيبية فيعرفون ،وإنما هي معارف عقلية ودينية توحي بها الديان .فلقد عبر الدين برمز المربع
ل بالكعبة المشرفة ،لكن المتصوفة ينفذون من هذه المعرفة الى الباطن ،يتجاوزون الظاهر الى والدائرة متمث ا
الكامن ،يعيشون هناك في الخفاء ،ثم يتجلون الى عالم الظهور ،ليجولوا عن معرفة تمزج الظاهر بالباطن أو
تمتحن الظاهر بالباطن ،معرفة ربوبية ل تتاح ال لفئة خاصة من المتفكرين الراسأخين في العلم:
فالمعرفة التي يمتلكها المتصوفة معرفة دينية ربوبية ،أخذوها مما نزل به الوحي على النبياء ونفذوا منها
الى بواطنها وتفكروا فيها ،فعبروا عنها بتراثهم الفكري وبأدبهم ،كما عبر عنها الفنان الرافديني القديم
مستلهماا النبوات القديمة من بعض ما اسأتلهم.
والذي نلحظه أن هذه الرموز تتصل بالعداد .وقد احتفت المعرفة الدينية بعلم الحروف والعداد ،وهذا
نجده لدى المتصوفة وكذلك لدى غير المتصوفة من الفرق والمذاهب التي تصدر عن المعرفة الدينية .فقد
كان للعدد في علومهم منزلة مهمة كما كان له ذلك في الفلسفة اليونانية) .(33وتمثل هذا الهتمام بعلم
الحروف )الجفر( .وممن اهتم بالعداد أخوان الصفا .وقد نظروا في طبيعة العدد ،فوجدوا أن لكل عدد
خاصة ليست لغيره .ثم وجدوا أن كل نوع من الموجودات قد اقتصر على عدد مخصوصا .ولما بحثوا طبيعة
هذا وجدوا تطابق اا بين الطرفين ،ولهذا قالوا إن الموجودات بحسب طبيعة العدد ،ومن عرف ذلك ظهر له
اتفاق الحكمة في كون الموجودات على أعداد مخصوصة) ،(34فهناك تماثل بين العداد ومخلوقات الكون:
))ما من عدد من العداد ال وقد خلق الباري جل ثناؤه جنساا من الموجودات مطابقاا لذلك العدد قل أو كثر(()
(35وقد كانوا يربطون أو يوازنون بين العداد والفلك)) :وكون الكواكب السيارة سأبعة مطابق لول عدد
كامل(() (36ويرون أن الحكماء السابقين رتبوا العداد آحاداا وعشرات ومئات وألوفاا لتكون مراتب المور
الطبيعية مطابقة للمور الروحانية ،فأيام العمر فصول أربعة :الصبا والشباب والكهولة والشيخوخة.
ومراتب العداد الربع هي :آحاد وعشرات ومئات وألوف .ويذهبون الى أن في معرفة العدد معرفة وحدانية
ا تعالى ،ذلك أن علم العدد مركوز في النفس بالقوة .وقد ذكروا العدد مقترناا بالفيض لن العدد فيض كما
يقولون .وبينوا مراتب الفيض مقترن اا كل منها بعدد معين .فالول كالثنين ،والنفس كالثلثة ،والهيولى
كالربعة ،والطبيعة كالخمسة ،والجسم كالستة ،والفلك كالسبعة ،والركان كالثمانية ،والمتولدات كالتسعة.
وهناك أشياء ثنائية وأخرى ثلثية وغير ذلك .وهذا من حكمة ا سأبحانه وتعالى ،فليس من الصواب أن
تكون كلها ثنائية أو ثلثية .ولكن اخوان الصفا لم يوضحوا تأثير الحروف في الكون مثلما نجده لدى
الحروفيين وغلة المتصوفة .وكانت هنالك جماعات تهتم بعدد دون غيره كالمسبعة الذين أوقفوا حياتهم
على التعمق في الكشف عن الشياء السباعية فلما تبين لهم منها أشياء عجيبة شغفوا بها وأغفلوا سأواها
من العداد .وهنالك الطبيعيون الذين أطنبوا في بحث الطبائع الربعة وكل مربعات المور .ومثل هؤلء
الخرمية في المخمسات والهنود في المتسعات).(37
لقد اهتم الفكر السألمي بالعدد ،وكان العدد يشير الى أفكار فلسفية للكون والشياء ويصدر عن معرفة
دينية .ونحن نريد أن نعرف ما تعنيه العداد التي ارتبطت بها الرموز التي نكتب عنها .لكي نعرف ما ترمز
اليه النقطة وما يرمز اليه المربع الذي اقترن بالرقم ) ،(4وما ترمز اليه الدائرة التي اقترنت بالرقم) (7في
فكر المتصوفة وغيرهم .نريد أن نعرف ما هي الفكار التي عبرت عنها هذه الرقام والرموز التي ارتبطت
بها ،لنتبوين هذه الرموز الفنية معرفياا ،نعرف المعرفة الكامنة وراء هذه الرموز التي عبر بها الفن والدب)
.( 38وسأنجد أن العلقة بين ثنائية المربع والدائرة تنضوي تحتها أو تتصل بها كل العلقات بين الثنائيات
العامة التي سأبق أن تحدثنا وبحثنا عنها في هذه العلقات والمبادئ أو القوانين الجدلية التي تتصل بها.
فنحن إذن نريد تأكيد تلك الفكار من خلل علقة جدلية أخرى ،عامة ،مطلقة ،ارتبطت بالفكر الديني وعبرت
عنه ،ونخص منه فكر المتصوفة .فلقد عبر شعر المتصوفة ونثرهم من خلل هذه الرموز ،وطالعتنا من
خلل أدبهم وارتبطت بفلسفتهم العامة .ونريد أن ننوه قبل هذا بأننا أشرنا الى أن المربع قد عبروا عنه من
خلل النقطة ،وأنها قد تبدل في رسأمها على الحروف بشكل المربع أو المعين .فما دللة المربع أو النقطة في
الفكر الصوفي أو السألمي؟..
قيل عن العدد) (4بأنه سأيني ،والسين يشير الى الروح القدس ،الى جانب الروح) .(39فالعدد) (4يرتبط
بعالم الرواح وما وراء الطبيعة)) :الربعة هي اللهيات التي ظهر عنها عالم الرواح الخارج عن الطبيعة((
) .(40وعلى أسأاس عالم الرواح يقام عالم الموجودات ،ولهذا فسر على أسأاس الرقم) (4قيومية الشياء)
.(41فالتربيع أو الرقم ) (4مخصص للوجود في فكر ابن عربي ،وان الوجود يقوم على التربيع ،وعليه
يقوم كيان المخلوق) )) :(42فأقام الوجود على التربيع وجعله لنفسه كالبيت القائم على أربعة أركان ،فإنه
الول والخر والظاهر والباطن(() .(43وهنا نربط بين معنى المربع والدائرة في الفكر الصوفي وبعض
دللتها في القرآن الكريم والفكر السألمي ،فإذا كان الرقم يمثل روح الموجودات فإن الرقم ) (4يمثل روح
الوجود ،فابن عربي يقول انه تعالى أقام الوجود على التربيع وجعله لنفسه كالبيت القائم على أربعة أركان،
ونحن نعرف أن بيت ا وهو الكعبة المشرفة أقيمت على أربعة أركان فكانت مربعة الشكل أو مكعبة )صا(.
وا هو )الباطن( كما وصف نفسه ،فهي بيت ا الذي هو الباطن .وحول مركز هذا البيت )المستقر( ،هناك
حركة )دائرية( وعددها سأبعة.ولقد شخصوا الكعبة بشخص النسان الكامل الذي عبروا عنه بأنه النقطة
والمربع والدائرة).(44
وقد أكد الحلج على مسألة كون اسأم الجللة من أربعة أحرف ،وهو يشوقق لفظ الجللة ويفصل القول على
كل حرف فيه على عادة الصوفية:
ومن أسأرار الرقم ) (4في القرآن الكريم ،مما يؤكد ارتباطه بالوجود الباطن أو الكامن ،أن النبي ابراهيم
عليه السلم عندما سأأل ربه أن يريه كيف يحيي الموتى ،أمره ا أن يأخذ أربعة من الطير ،ويصنع بهن كما
أمره بإماتتها ووضع كل جزء منها على جبل ثم دعوتها وإحياء ا لها )سأورة البقرة ،الية .(260فالموت
اقترن بالرقم) .( 4وهو كذلك في عقائد بعض الشعوب ،والموت هو وجود كامن يختفي فيه وجودنا الظاهر.
ويحتفظ هذا الرقم في الحلم في بعض دللته بما ذكرنا من معنى الموت الذي هو ذهاب الى عالم الرواح،
عالم الكمون وعدم الظهور .ومن ارتباط الموت بالرقم) (4في القرآن الكريم أن ا تعالى أنزل الموت بثمود
في اليوم الرابع بعد توعد نبيهم صالح لهم بأن يتمتعوا ثلثة ايام فقط ،وفي اليوم الرابع أنزل عليهم الموت
فأصبحوا في ديارهم جاثمين ـ سأورة هود ،الية 65ـ .وأنزل سأبحانه الموت على عاد بعد تكذيبهم نبيهم في
)يوم نحس مستمر( ـ سأورة القمر ،الية 19ـ وهذا اليوم تفسره بعض التفاسأير بأنه يوم الربعاء .ومن
ارتباط الموت بالرقم ) (4كذلك يقال إن المام علي عليه السلم ـ والذي تأثرت به ظاهرة التصوف ـ قال لمن
معه قبل موته أن يحفروا له أربعة قبور في أربعة مواضع .ولقد أصبح قبره أكبر مقبرة في العالم ،أي اكبر
تجمع للوجود الكامن في العالم ،والوجود الكامن يقترن بالرقم) (4كما قلنا .والغريب في قصة هذا المام
العظيم أنه ولد في الكعبة المربعة ،ومدة حكمه تتصل بالرقم) (4وهو البن الرابع من أربعة أبناء لبي
طالب ،واسأمه يتكون من أربعة حروف ،ولربما أدرك من كتب اسأمه بالكوفي المربع هذه العلقة بين اسأمه
أو حقيقته التكوينية وبين نوع الخط )ض( .وإذا كان الرقم) (4يعني الوجود الباطن ،فإن المام علي)ع(
يقول في خطبة )البيان() :أنا باطن الصور).((46ومن اقترانه كذلك بالرقم) (4أن السماء الرابعة سأماها ا
مكانا ا علياا) ،( 47وقالوا عنها كذلك)) :السماء الرابعة وهي قلب العالم وقلب السموات ..وأسأكن)ا( فيها
قطب الرواح النسانية ،وهو ادريس عليه السلم(() ،(48وقد قال تعالى عنه)) :ورفعناه مكانا ا علياا(( ـ
سأورة مريم ،الية 57ـ وقالوا إن في السماء الرابعة ملك جالس على كرسأي هو مغناطيس الرواح وجامعها
بعد انبثاثها في الصور) (49وإن ))سأاق العرش الرابعة عند جنة المأوى(() .(50ومن هذا الرتباط لهذا
الرقم بالوجود الكامن أو بالموت ،أن القبور تتخذ في الواقع والرمز الشكل المربع )ط( ونحن نعرف أن
الهرامات وهي قبور الفراعنة تتصل هندسأتها به ،فقاعدة الهرم مربعة وله أربعة أوجه .وكانوا يعتقدون
بحياة أخرى ،فالموت في عرفهم حياة كامنة أو وجود كامن .وللمربع الذي يرمز الى الوجود الكامن علقة
بالدائرة التي ترمز الى الظهور أو البعث والتي تمثلها الشمس التي كانوا يعبدونها ،ولهندسأة الهرامات
علقة بالشمس.
وهناك علقة بين الرقم) (4والنسان الكامل في الفكر السألمي وهو الذي يظل مغيبا ا أو كامناا حتى نهاية
الزمان ،فقد قسم صدر الدين القونوي الوجود الى أربعين مرتبة ،والخيرة هي مرتبة النسان الكامل)(51
الذي وصفوه بصفات الوجود الروحي أو الوجود الكامن ،فهو)الهيولى( و)أصل الجوهر الفرد( و)المادة
الولى( و)الروح الكلي( و)روح العالم( و)العقل الول( و)النسان الزلي( و)عين الجمع والوجود(
و)الحقيقة الكلية( و)نور محمد().(52
والمربع تقابله النقطة ـ كما ذكرنا ـ وتعبر عن الفكار التي عبر عنها ،وقد ذكروا أن من جاوز مداها حاز
مطلق العلم):(53
فهي الحقيقة ووسأط الدائرة)) :والدائرة ما لها باب ،والنقطة التي في وسأط الدائرة هي الحقيقة .ومعنى
الحقيقة شيء ل تغيب عنه الظواهر والبواطن ول تقبل الشكال .فإن أردت فهم ما أشرت اليك)فخذ أربعة
من الطير فصرهن اليك( لن الحق ل يطير(().(55
فهي الحقيقة ،وهي ل تقبل الشكال ،أي انها جوهر ،وقد ارتبط حديث الحلج عنها بالحديث عن )أربعة من
الطير( .ولنها جوهر ،فإن الكل مندرج فيها) ،(56فلقد ذهب المتصوفة الى أن جميع أرواح البشر مجتمعة
في الوجود الكامن وأنها تخرج على مراحل الى عالم الظهور .ولنها كذلك فهي ل تفنى ول تتغير)) :وأدق
من ذلك ذكر النقطة ،وهو الصل ،ل يزيد ول ينقص ول يبيد(() (57وهي المركز وينبوع النور وغاية
الشياء ،وأصل الصول الداعي كل شيء بعوده الى أصله ،وعين القطب وسأر التجلي)) :ثم كشف لي عن
مركز نقطة الفيض لمدد الحافين ،فرأيت ينبوعاا فياض النور ظاهراا من عين القطب الغوث .ثم قال لي :هذا
أصل الصول وغاية كل مأمول في الحس ،هذا سأر تجلي السأم الظاهر الباطن ،الول والخر..هذا العين
الباصرة منه في الشياء .الداعي كل شيء بعوده لصله(() .(58فالنقطة هي سأر التجلي ومحل الفيض وبها
ظهر الوجود)ظ( .وقيل إن نقطة الباء تشير الى وجود العالم فبها ظهر الوجود ،وإن النسان الكامل هو
النقطة تحت الباء ومحل الفيض) .(59ويذكر للمام علي)ع( قوله) :أنا نقطة باء باسأم ا( .وللشبلي قوله:
أنا النقطة تحت باء الحرف) .(60ونجد من المصطلحات التي ترادف مفهوم النسان الكامل في الفكر
الصوفي أنه )مركز الدائرة) ((61أي النقطة التي تحتل هذا المركز أو المربع.وانه انسان عين الوجود أي
مركزها .ونعيد الى الذهان صورة العين على فخاريات دور سأامراء)) ،إن ضرباا من وحدة الوجود العقلية
السألمية قد انتهى في عهد متأخر الى تكوين تصور )للنسان الكامل( على أسأاس أنه انسان عين الوجود.
وهذه العين هي النبي محمد )صا( هي النور النبوي الزلي الذي يقال إن ا قال لها) :كوني! فلولك ما
خلقت السموات(() (62إن النقطة والمركز في فؤاد القطب المحمدي).(63
لقد عبر الشعر الصوفي عن كل هذه الفكار ،فالنقطة أو مركز الدائرة هي محل الوجود الكامن ،قال الحلج:
وهي مدار الشيء وسأر دورة الفلك وعلتها وقطبها ،يقول ابن الفارض:
فبي دارت الفلك فأعجب لقطبها ألـ
محيط بها ،والقطب مركز نقطة
ويلحظ أن الشاعر يدعي لنفسه كونه القطب الرابع عن ثلث خلفها .والوتاد المذكورة في البيت هي
المنازل الرئيسة بين الثنتي عشرة منزلة من منطقة البروج).(66
ولعظم مكانة النقطة ،ولنقطة الباء خاصة يبين ابن الفارض أن )الخفضة منها( )ترفع( الى ما ل ينال بجهد:
واذا كان بالعشق النساني ،العشق بين الرجل والمرأة ،ظهور العدم) ،(70النسان ،فإن غاية الصراع
بينهما أو التفاعل الناتج عن اختلفهما في الجنس هي أن ينطبق العرض على جوهره تماماا ،وأن يتجلى
الجوهر من خلل عرضه تماماا ،وأن يتحد به ،لذا صور شعر المتصوفة معاناة الشاعر بأنها رغبته بالتحاد
بالمرأة التي يحب ،واتحاده بها يحقق له العودة الى بدايته ،أي ان بالمرأة تلتحق النسانية وتكتمل الدورة،
يقول أبن الفارض:
……..
ومن أنا إياها الى حيث ل الي
عرجت ،وعطرت الوجود برجعتي
إن الدائرة تقترن في الفكر الصوفي بالوجود الظاهر)) :ثم كشف لي عن مرتبة السأم )الظاهر( فرأيت عالم
الشهادة ودوائر الظهور في الجناس والنواع(() (72والمرأة التي ترتبط بالدائرة وتمثل الوجود الظاهر،
تمثل الحركة ،لن بوجودها وجد التناقض )الرجل والمرأة( ،والتناقض حركة ،لذا كانت هي التي تقوم
بالحركة على محيط الدائرة .ولهذا أيض اا اقترنت حواء بمعنى الحياة ،فالمرأة تعبر عن الحركة التي هي
الحياة ،وحواء في اللغة تعني الحياة ،أي إن انبثاق الحياة كان مقترناا بوجودها ،انطلق الحركة كان مقترنا ا
بها ،ولذا اقترن بها رمز الحركة أي الدورة أو الدائرة .ونجد من الرموز التاريخية أو السأطورية للمرأة
)ايزيس( التي تمثل في الديانة المصرية القديمة اللهة الكبرى والرمز القدسأي الذي يثير انطباعات
وايحاءات ارتبطت بتعاقب الفصول والحركة الدورية للفلك ،وقد أحبــت
ايزيس الحياة وأشاعت فيها روح الخصوبة والنماء).(73
وقد ارتبطت الدائرة بالرقم) ،(74)(7فهذه الدورة حول النقطة أو المربع عددها سأبع دورات .وهنا يتضح
معنى ربط الصوفية بين هذا الرقم والحركة الدائرة .وقد مر بنا حديث أخوان الصفا وهم يذكرون مراتب
الفيض التي يقترن كل منها بعدد ،فقد ذكروا أن الفلك كالسبعة والهيولى الولى كالربعة .والهيولى الولى
لديهم هي ))شيء روحاني وهو جوهر بسيط معقول ،وهو صورة الوجود حسب ،ولما قبل الكمية صار
جسما ا مطلق اا ذا أبعاد .فالهيولى الولى مبدأ من المبادئ القديمة بحكم الفيض ،وهي ل تدرك بالحس ،وهي
أيض اا أسأاس كل الكائنات ،والختلف الذي نراه إنما هو في الصورة ل غير ،ومن هنا كان العالم وحدة في
الحقيقة .وبتأثير من النفس الكلية في الهيولى تنتج الصور المجردة ،وهي النقوش والشكال ،وهي أمور بل
زمان ول مكان .ويتفق معهم أبو بكر الرازي في أن الهيولى الولى هي أسأاس الموجودات(() .(75فالربعة
هي الهيولى الولى التي هي جوهر أو شيء روحاني ل يدرك بالحس ،والسبعة هي الفلك الدائر .ونحن ل
ننسى أن في القصص الدينية أن ابراهيم عليه السلم أخذ هاجر أم اسأماعيل الى المكان الذي أقيم فيه بيت
ا)الرقم ،(4ونعرف أن هاجر ترددت في سأبع حركات باحثة لبنها عن ماء حتى تفجر زمزم .فالرقم)(7
اقترن بالحركة ،وان التي قامت بهذه الحركة هي امرأة .ولقد ذكر ابن عربي مركز الدائرة بأنه جوهر
والدائرة عرض .ففي)انشاء الدوائر( يرسأم أمهات الوجود التي يسميها الجدول الهيولني ويظهر عددها
عشرة ،وفي المركز يوجد الجوهر وهو ثابت وحوله دائرة تقترن بالوجود الظاهر ،العرض)غ( ،والجوهر
هو الذي يظهره العرض .ونعرف أن الحكمة اللهية تقضي بالسماح للرجل بالزواج من أربعة ،أي ان علقة
الرجل )الجوهر( والمرأة )العرض( جاءت من خلل الرقم ) ،(4فكأن في الرجل جوهراا يعادل أربع
نساء)ظاهرات( ،أي ان كل جوهر كامن يعادل أربع صور ظاهرة ،ومن المناسأب أن نشير هنا الى أن من
الحقائق العلمية البايولوجية ما يؤكد هذا ،فالنقسام الختزالي للخليا الجنسية للنسان يؤول في الرجل الـى
أربع خليا جنسية وفي المرأة الى خلية جنسية واحدة ،فكأن أربع خليا جنسية ذكرية تقابل خلية جنسية
أنثوية .وهناك في جسم النسان من الظواهر البيولوجية الخرى ما يؤكد ارتباطها بهذه الرموز ،التي ترتبط
بالرقام )ف(.
وقد ارتبطت فكرة النسان الكامل في الفكر الصوفي بالدائرة ،فإننا نجد من المصطلحات التي ترادف مفهوم
النسان الكامل في الفكر الصوفي أنه) :فلك الحياة( و)الفلك المحيط))) :((76إن النسان الكامل هو محمد
صلى ا عليه وسألم .أو بعبارة أخرى الحقيقة المحمدية ،ولكن هذه الحقيقة قطب يدور في فلكه دائما ا كل
طالب للكمال ،فل يزال يدور ،أي يتحقق بالصفات المحمدية ويدور ..وفي دورانه يصغر قطر الدائرة
ويصغر ،حتى يتلشى القطر ،ويتحقق الطالب بوحدته الذاتية مع مركز الدائرة ،أي الحقيقة المحمدية .وهنا
في تحققه يطلق عليه اسأم من تحقق به ،أي اسأم النسان الكامل .فعبارة النسان الكامل هي لصاحبها ،أي
لمحمد صلى ا عليه وسألم ،ويصح أن نطلقها على المتحققين به الفانين ،لنهم أصبحوا عينه)الصفاتية(،
ل .وهي تحققاا لكمل الرجال الذين جاهدوا في سألوك طريقها(() فهي أصلا لصاحبها الذي خلق انسانا ا كام ا
.( 77فالنسان الكامل هو العرض الدائر الذي يحقق أو يعكس جوهر الحقيقية المحمدية الثابت في المركز.
من هنا نستنتج أن المربع والدائرة علقة بين وجود كامن وعرض ظاهر ،بين سأكون وحركة ،وبين رجل
وامرأة .وهذا يلتقي مع ما اسأتنتجه السأتاذ آل سأعيد من تفسير لها في الفن القديم والحديث .ونستنتج من
هذا أيض اا أن هذه الثنائيات التي تجتمع تحت رمزي المربع والدائرة تحكمها علقة عامة أو قانون عام تعبر
عنه هذه الرموز .ولكن ما مبادئ هذا القانون ،وكيف تتفاعل أطراف هذه العلقات من خلله ،وما تفصيلت
ما يجري بينها؟) .(78إن الجواب على هذا يتصل بفلسفة متكاملة في الفكر الصوفي ،نحاول أن نتلمس
تفاصيلها لننتهي الى الخلصات النهائية التي عبرت عنها هذه الرموز.
إن العلقة الجدلية بين الطراف التي ذكرناها هي مظهر من مظاهر العلقات الجدلية التي تعم الشياء
جميع اا ،وإن العلقة بين المربع والدائرة هي صورتها العم ،كالعلقة بين الوجود والعدم لدى هيجل التي
عودها المقولة العلى لكل المقولت التي تعبر عن هذه العلقات الجدلية.
ولقد ب وين المتصوفة في تصورهم للوجود أنه ينطوي في صميمه على الزدواجية .وبوين ابن العربي في
)العواصم والقواصم( من 1ـ )) ،2أن ا خلق الخلق نوعين ،وأبدع من كل زوجين اثنين..وفطر الدمي
فركب عليه وفيه الزدواج ابتلء( ،أي ان تكوين الكائن البشري نفسه تكوين متناقض ،ووجوده ذو
صيرورة وصراع ،إذ خلق ا فيه العقل والهوى ،ووضعه على مسرح هذا الوجود الذي نصب له فيه
الدلئل والشبه ،والهدى والضللة،
وعلمه البيان الذي يتأرجح بين منزلتي الحس أو العيان ،والنظر أو السأتدلل ،وكتب على ذلك النسان أن
يعاني في صميم وجوده صراعاا بين العقل والهوى ،ويكابد نزاعا ا شاقاا بين الدليل والشبهة ،بين الخير
والشر ،بين التوفيق والخذلن أو النجاح والخفاق ،وأن تتجاذبه خواطر ملئكية ووسأاوس شيطانية .ولكن
ا مع ذلك كله نصب أمامه على كل طريق أعلماا هادية وإرشادات دالة .فهناك نوع من الجدال أو
الديالكتيك في الوجود .ويمكن القول بأن هذه النظرة الى طبيعة الوجود العام والوجود الخاصا ،أعني وجود
النسان ،نظرة قرآنية وميتافيزيقا اسألمية نجد الغزالي قد نفذ اليها بتأمله في القرآن .ويتبين لنا ذلك من
تفسيره لقوله تعالى) :ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون( )الذاريات .(49قال الغزالي:
)فالمخلوقات كلها مفطورة على الزدواج ،لطيفها وكثيفها ،معنويها ومحسوسأها ،ففي المركبات ازدواج،
وفي البسائط ازدواج.وبين البسائط والمركبات ازدواج ،وبين العقل والنفس ازدواج (.وفي القرآن آيات
كثيرة تشير الى الزدواج في الكائنات ،في النفس )يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة،
وخلق منها زوجها( )النساء .(1في الفواكه) :فيهما من كل فاكهة زوجان( )الرحمن .(52في الكائنات التي
حملها نوح في سأفينته) :قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين( )هود ) ،(40فأسألك فيها من كل زوجين
اثنين( )المؤمنون .(27في الكائنات الحية) :فجعل منه الزوجين الذكر والنثى( )القيامة )،(39وأنه خلق
الزوجين الذكر والنثى()النجم .(45في النبات) :سأبحان الذي خلق الزواج كلها مما تنبت الرض()يس
.( 36ويصف القرآن ا بأنه خالق الزواج كلها) :والذي خلق الزواج كلها وجعل لكم من الفلك والنعام ما
تركبون( )الزخرف .(79)((..(12
لقد ب وين الفكر الصوفي الذي يستقي من الفكر الديني أن الزدواج أو التناقض يتخلل عالم الشياء ،وأن
التناقض تبديه صور الشياء ،أي ان التناقض تعين وظهور:
وأكد الفكر الصوفي أن وجود أحد النقيضين شرط لوجود الخر ،فهما يرتبطان بعلقة تناقض ل معنى
لحدهما خارجها)) :الشياء تعرف بأضدادها ..ومن ل يعرف القبيح ل يعرف الحسن(() (81فللحقيقة
أطرافها الثلثة:الشيء ونقيضه والعلقة بينهما .لقد بوين ابن عربي أن ل كون ال في الحقيقتين ،من
الضدين)) ،فل يكون أمر ال عن أمرين ،ول نتيجة ال عن مقدمتين (82)((.وأنهما يقترنان)) :الحدية
تصحب كل جمع ،فلبد من الجمع في الحد ،ولبد من الحد في الجمع..وقال تعالى…)وهو معكم أينما كنتم(
، 57/4والمعية صحبة ،والصحبة جمع… لما كان الدوام لمعية الحق مع العالم لم يزل حكم الجمع في
الوجود وفي العدم ،فإنه )تعالى( مع الممكن في حال عدمه كما هو معه في حال وجوده ،فأينما كنا فال
معنا ،فالتوحيد معقول غير موجود ،والجمع موجود ومعقول .(83)((..إن الواحد الذي يمثل ا هو معقول،
جوهر .والجمع يمثل الجوهر والعرض ،عرض يعكس الجوهر.لقد عبر بالجمع عن العلقة بين الجوهر
والعرض التي يمثلها العالم ويمثلها النسان ،فالنسان جوهر وعرض يعكس الجوهر:
.................
فمنا اليه ومنه الينا
وكل بحكم القضا والقدر)(86
ولن العلقة بها تعرف الشياء أو تسمى ،قلنا في الية الكريمة)) :وعلم آدم السأماء كلها(( البقرة،31 ،
بأن سأر مقدرة آدم على تسمية الشياء مع عجز الملئكة عن ذلك ،إنما هو لن آدم علقة بين متناقضات،
والملئكة ل تناقض في طبيعتها ،فهي خير مطلق ،أما آدم فهو علقة بين الخير والشر ،وهذا تؤكده الية:
))ونفس وما سأواها فألهمها فجورها وتقواها(( الشمس ،8،ولقد أدرك النسان حقيقة طبيعته المتناقضة
بالنسبة الى الوجود
الذي أوجده:
لول وجودي وكون الحق أوجدني
ما كنت أدري بأني الكائن الفائت
واذا كان التناقض حركة كما قلنا ،فإن النسان حركة .وحركة النسان صيرورته ،تحوله من ظلمات العدم
الى نور الوجود وعالم الظهور .وبظهوره الذي هو ظهور للختلف أو التناقض ،وجدت المعرفة ،عرف
نفسه ،ووجد عقله ،لن المعرفة تقترن بالختلف أو التناقض ،والعقل وسأيلة لدراكه:
لول الولية كنت في الظلمات
فأختصني الرحمن بالحركات
واذا كان النسان هو الذي يتحرك لنه علقة ،فإن الذي يتحرك نحوه هو كله الثابت:
الرب مالكنا والرب مصلحنا
والرب ثبتنا لنه الثابت)(89
واذا كان النسان فيه من الجانب اللهي ،فإنه يكسب هذا الجانب الحركة ويكتسب منه الثبات ،فهو علقة
بين الحركة والثبات:
إن العلقة أو التثليث شرط الخلق في فكر ابن عربي ،أي ان الخلق ليس أحد النقيضين وليس ضده الخر،
بل هو العلقة الجامعة بينهما ،أي الرتبة الثالثة بعد النقيض وضده)) :إن الحد ل يكون عنه شيء البتة..
ل ما لم يكن ثالث يزوجهما ،ويربط بعضهما ببعض ويكون هو الجامع لهما، ول يكون عن الثنين شيء أص ا
فحينئذ يتكون عنهما ما يتكون بحسب ما يكون هذان الثنان عليه ..فيسري التثليث في جميع المور لوجوده
في الصل(() (91وقوله الخير نفسره بأن كل شيء من الشياء إنما هو عبارة عن )ثلثة( أو )علقة(
تجمع بين أمرين أو مختلفين وتزوجهما .وهذا من مضامين الفلسفة الجدلية المهمة لدى هيجل وغيره في
العصور المتأخرة .ويعد هيجل المسيحية )الديانة المطلقة( بسبب قولها بالتثليث ،وهو ينظر من خلل
ثالوثها الى المعاني الفلسفية الكامنة وراء الطراف الثلثة التي يمثلها هذا الثالوث المسيحي لن الفكر
الديني ـ كما يبين ـ يعبر عن المطلق بالمجاز والتمثيل وبتجسيد الحقائق المطلقة بالصور البشرية
والواقعية ،ول يعبر عن المطلق بالمطلق كما تفعل الفلسفة .ولم يؤكد هيجل أن الفكر السألمي نظر الى
الحقيقة من خلل مبدأ التناقض الذي يحكم الموجودات ،والعلقات التي تؤلف بين الطراف المتناقضة.
واذا كان التثليث أو العلقة هي الصل وأن الشياء بها تكون ،فإن
هذا اسأتنتجنا منه بأن العلقة سأابقة على وجود الشياء لنها علة وجودها.فكل شيء ل معنى له ال بضده،
أي انه ل معنى له ال من خلل العلقة التي تجمعه بضده .واذا كانت العلقة سأابقة على وجود الشيء ،وهو
الذي يمثل أحد طرفيها المختلفين ،فإنها تكون في حال سأبقها بأحد طرفيها ،أي ان أحد طرفيها وجود
والخر عدم .وهذه الحالة قلنا عنها بأنها تناقض بل تناقض ،تناقض لن الطرفين وجود وعدم ،وبل
تناقض لن أحد النقيضين موجود فقط .وقول ابن عربي بأن التثليث أو العلقة موجودة في الصل ،نفسره
بهذا .ولو عدنا الى قول ابن عربي في نص سأابق ،وهو إن ا معنا أو مع العالم )وهو ما يسميه الوجـود
الممكن أي الحادث بعد أن كان عدماا( قبل الحدوث وبعده ،والمعية صحبة كما يقول ،والصحبة جمع ،فإن
هذا معناه أنه كان هنالك نوع من الجمع والعلقة قبل خلق النسان والعالم ،عندما كان الوجود )معقولا ( كما
يقول ،وهو يتمثل بما وصفناه ب )أصل الحركة( .ثم ان الجمع أو العلقة توجد مع تجلي المعقول وظهوره
وإيجاد العدم وتحول الوجود الى معقول وموجود .إن أصل الحركة علقة تتمثل بـ)وجود( ا و)عدم( وجود
النسان أو العالم ،يقول ابن عربي)) :اعلم أن ا موصوف بالوجود ،ول شيء معه موصوف بالوجود من
الممكنات ،بل أقول إن الحق هو عين الوجود .وهو قول رسأول ا صلى ا عليه وسألم ،كان ا ول شيء
معه .يقول ا موجود ول شيء من العالم موجود ،فذكر عن نفسه بدء هذا المر أعني ظهور العالم في
عينه (92)((.وهذا هو الوجود الخالص غير المتعوين عند هيجل) (93ـ مع أنه سأاوى بينه وبين العدم ـ وهو
الوجود الخالص عند المتصوفة)) :إن الحق له الوجود الصرف ،فله الثبوت (94)((.وقد فسرنا الوجود
الخالص أو الثابت بأنه امتلء وهذا معنى وصف ا تعالى نفسه بالصمد ،أي الممتلئ غير الفارغ مقابل
العدم الذي هو خلو مما يمتلئ به الوجود ،فهو محو ،والمحو غير الثابت .وهذه الحقيقة بوينها ابن عربي في
مقابلته بين القمر والشمس)) :لن ا جعل القمر نوراا فهو نور بالجعل ،كما كانت الشمس ضياء بالجعل.
وهي بالذات نور ،والقمر بالذات محو ،فللقمر الفناء ،وللشمس البقاء:
فللقمر الفناء بكل وجه
وللشمس الضاءة والبقاء(95)((.
إن الوجود الخالص كائن قبل ظهور العالم ،وإن ظهور العالم أو تجليه هو ظهور للعلقة أو للتناقض الذي
هو الحركة ،ظهور للحركة ،أو وجود الحركة أو العلقة التي تعني اثنين مع اعتبار أن الطرف السابق على
العلقة )الواحد( سأابق على الثنين :
فالرب والمربوب مرتبطان
ثنى الوجود به وليس بثان)(96
وإن العالم وحده خارج هذه العلقة ليس له تعوين ،فهو عدم .وقد عرفنا العدم بأنه أحد النقيضين خارج
علقته بالخر ،وهذا هو تعريفه عند هيجل .ويرى ابن العربي ان )الوحدة المحضة( ليست ال سألبا ا محضا ا ل
يمكن وصفها ول حدها ،وذلك هو عين العدم والنفي المحض).(98
ولقد كنا قد فسرنا المعرفة بأنها جمع أو علقة ،والعقل وسأيلة للجمع أو العقل بين الموجودات ليتسنى له
ادراكها .فالعقل في اللغة هو الجمع ،ولقد أشار أخوان الصفا الى هذا التفسير ،فالعقل الول الذي أنشأه
ل لنه يعقل الشياء عن الخروج عنه ،أي إن الشياء ل معنى لها خارجة الباري من نوره ،إنما سأمي عق ا
عن هذا العقل أو الجمع ،إنه يجمع بين الشياء).(99
ولقد بوين المتصوفة أن المعرفة ترتبط بهذا الجمع الذي هو جمع للمور المتناقضة ،فالمعرفة ترتبط
بالتناقض ،وهي معرفة للزواج ،فهناك ))ازدواجية في المعرفة أيضاا ما دامت مرتبطة بالوجود المزدوج،
وما دامت آلتها نفسها ذات طابع ازدواجي ،فالعقل يزاوجه الهوى وينازعه ،والهدى يقارنه الضلل ويوجد
بجانبه ..ومن أجل هذا الزدواج وهذه الجدلية في الكائنات الحسية وفي المعاني أيضا ا من الوضوح
والغموض ،والبيان واللتباس والحق والباطل تباينت المدارك ،واختلفت مواقف العقول من موضوعات
التعقل المتباينة ،قال ابن العربي) :لئن أضاء نهار الدلة ،لقد أغطش ليل الشبهات ،أو اتضحت جادة
التحقيق ،لقد حفت بها بنيات حتى خفيت واضحة الطريق ،وأعلم الحق وان كانت قد خفقت ،فقد انتشرت
ألوية الباطل واسأتشرفت (.وكتبت المقادير على نسيج الوجود البشري أن يتردد في مجال المعرفة بين ما
هو ضروري أو بديهي ،وبيـن ما هو نظري محتاج الى تعمق وتأمل ،إذ لو شاء ا ما قسم المعارف الى
ضروري ونظري ،ولجعلها كلها واضحة متميزة ،تحمل شارات وضوحها في نفسها فل تخفى ،وتنطوي
على بنيتها في ذاتها فل تلتبس .فالنسان مسكين يرثى لحاله ،وحائر قلق ،ل يدري أي طريق يسلك ،وأي
سأبيل ينهج ،ول يعرف أين الضر ،ول يعلم أين النفع ،إنه في شباك شائكة من الحيرة والرتباك والتردد بين
الخذ والرد(().(100
إن هذه المبادئ الجدلية تحكم كل الموجودات ومنها النسان فهو محكوم بمبادئ قانون ثابت يحكم الكون كله
لنه تضمه ثنائيات مختلفة منها كونه ثنائية متلزمة من ذكر وأنثى وهما مختلفان في الجنس).(101
وهناك نظرية قديمة اهتم بها أخوان الصفا ،وهي كون النسان عالما ا صغيراا إزاء العالم الكبير)،(102
يريدون بهذا جملة مسائل منها أنه يمكن دراسأة العالم الكبير )الكل( من خلل العالم الصغير )الجزء( ،لن
هناك قانونا ا عام اا يشمل كل شيء ،العالم الكبير والصغير ،وهو قانون الزوجية العام .وقد نظروا الى كل
شيء من خلل هذا القانون ،فقد نظروا الى النسان من خلله بوصفه خلق أزواجاا من ذكر وانثى .ولنهم
نظروا الى العالم الكبير من خلل العالم الصغير)النسان( فقد عمموا علقة الذكورة والنوثة على علقات
التناقض الخرى ،وذهبوا الى أن الطابع الذكري والطابع النثوي يسودان العالم .ولما كان ذلك كان لبد من
أن يحدث توالج حسي ونكاح معنوي ،ففي مذهبهم العرفاني أن العالم كله في وضع تعشق وتوالج تبادلي
امتد حتى شمل المحسوس والمعقول) .(103وسأوف نفحص قانون الزوجية العام هذا من خلل بحث
المتصوفة في النسان الذي يحكمه هذا القانون كما بينوا.
مر معنا في مباحث سأابقة أن النسانية تجمع بين الذكورة والنوثة ،والنسان علقة بينهما .ويرتبط الذكر
والنثى بعلقة الحب أو الزواج) ،(104وهي تتجلى في أولدهما ،فالولد تجسيد للعلقة التي تربطهما،
وكل منهم يلتقي والداه الثنان في تكوينه ،فهو علقة بينهما ،إن النسان علقة .والعلقة أول وجود عيني
لن بها يتع وين الضدان ،يعرف كل منهما .ولذا فسروا معنى النسان في اللغة بأنه الظاهر ،أي هو خلف
الجن) ،(105ولكنهم وضعوا درجات للوجود الظاهر أو المتعوين ،وان آدم هو أول درجات الوجود المتعين،
أما حواء فتمثل الدرجة الثانية من هذا الوجود) ،(106ذلك لننا قلنا إن العلقة مصدرها أحد النقيضين
المك وونين لها ،ونقصد به العامل الذكري .فمع أن وجود آدم يقترن بوجود حواء ،لكن لن له أصل سأابقا في
الوجود ،لذا كانت له الدرجة الولى في الوجود المتعوين.
واذا كان النسان مصدره العامل الذكري فإن هذا يعني أن العامل النثوي مصدره العامل الذكري من حيث
أنه مصدر للعلقة التي تضم الذكر والنثى .وإن العلم أكد هذا وكذلك الفكر الديني الذي يستلهمه المتصوفة،
فالمرأة جزء من الرجل وهي ضلع الرجل) ،(107وكل جزء دليل على أصله) .(108فحواء أصلها ذكر،
وانها العرض منه) ،(109فهي الدليل عليه إذن .وإن التذكير أصل والتأنيث فرع .وإن حنين المرأة الى
الرجل حنين الجزء الى أصله ول أصل بل فرع).(110والقرآن الكريم يشير في خلق المرأة الى إضافتها الى
النفس الواحدة التي هي آدم)،(111أي ان العامل الذكري ينطوي على النثوي) ،انطواء العالم الكبر أو الكل
على العالم الصغر أو الجزء( ،وانه علقة بينه وبين العامل النثوي .ولقد قلنا إن الوجود السابق مصدر
العلقة السابق على وجودها واذا كان للعلقة )الرجل( مصدرها السابق في الوجود فإن هذا يعني أن للرجل
أصله السابق في الوجود .إن هذا المصدر الثابت ،السابق على وجود الرجل ،مصدر الرجل ـ في فكر
المتصوفة ـ هو ا ،والرجل مصدر المرأة ..ا الصل السابق لوجود الرجل ،والرجل أصل للمرأة ..الرجل
ظهر عن الذات اللهية ،والمرأة ظهرت عنه .وان ا خلق الرجل على صورته وأحبه ،كما يقول ابن عربي،
والرجل والصورة أعظم مناسأبة كذلك بين الرجل والمرأة).(112
إن وجود المرأة أو ظهورها يقترن بوجود العلقة ،الرجل .ووجود الرجل يقترن بوجودها لنها أحد طرفيه.
عندما يكون الرجل سأابق اا على وجود المرأة ،فالوجود النساني يتمثل بهذا النقيض الذي سأميناه )أصل
الحركة( الذي هو عبارة عن الحركة أي العلقة ولكن بأحد طرفيها ،لذا فهي ثابتة مستقرة ،لن التناقض لم
يوجد بعد ،والتناقض منطق للحركة كما بينا .وعندما كان أصل الحركة سأابقا ا كان النقيض الخر )عدماا(،
وهذا هو الطرف السالب عند ابن عربي الذي هو الشر المطرود) .(113إن عدم وجود أحد النقيضين يجعل
التناقض غير ظاهر ،يجعل هذا النقيض السابق )أصل الحركة( وجوداا كامنا ا أو جوهراا .فالرجل الذي صنعه
ا على صورته كما يذهب المتصوفة ،والذي مصدره ا ،هو وجود كامن قبل أن يوجد العدم )المرأة(
لتوجد العلقة )الحركة( أو يظهر النقيضان.
لقد عبر المتصوفة عن الوجود السابق على وجود النسان بأنه وجود للروح ،وقد قلنا إنهم عبروا عن عالم
الرواح بالمربع أو النقطة .وكان الرجل قبل أن يخلق يعيش في هذا العالم الذي هو وجود غير مرئي ،وجود
باطن ل ظاهر .وقد عبر الحلج عن إيمان المتصوفة هذا ،ففي القديم وقبل أن يمس جسمه التركيب ،كان
في عالم الروح يشرب من ماء الله ،وانه تعارف هناك مع فتية هم صحبته في قديم الذر قبل الخلق .ويريد
بهذا أن يقرر أن عالم الروح أو الجوهر هو )الكل( لن جميع المخلوقات كانت مجتمعة فيه ،وان عالم
الظهور هو عالم )الجزء( لن المخلوقات تخرج من عالم الروح متتابعة في أزمنة مختلفة ،وكل منها يمثل
كونا ا محدوداا منعزلا عن الخر:
إني ارتقيت الى طود بل قدم
ق على غيري مصاعيب له مرا ق
......................
وفتية عرفوا ما قد عرفت ،فهم
صحبي ومن يحظ بالخيرات مصحوب
وقد عبر غير الحلج من المتصوفة عن هذه المعاني ،فابن الفارض يقول إن ذاته قبل أن يخلق كانت
موجودة:
ويقول إن روحه للرواح روح ،وإن له اتصال روحي برفقاء في عالم ما قبل الظهور:
إن كل واحد ينبي عن الخر ،وله اتصال بالخر ،فيخبر عنه ،فهما بالروح متصلن ،ويقول إن الوليد ينبيك
عن شاني ،وإن نشأ بليداا وذلك بألهام كالوحي هو الفطرة ،ويريد بهذا أن يشير الى المعرفة الفطرية
اللواعية التي هي معرفة عامة والتي بوسأاطتها يتصل كل أفراد النسانية:
فالعلوم طبعت في النفوس بوحي البوة ،أي ان العلم قديم مركوز في أصل خلقة النسان ،وهذا أيضا ا من
إنطواء العالم الصغر )النسان( أو الوجود الظاهر ،على العالم الكبر )الروح أو الجوهر( وهو ما يمثل
المعرفة الكلية التي يلتقي عليها كل البشر ويتعارفون ،وهي المعرفة التي ذكرنا في بداية البحث أن العلوم
الحديثة تنظر اليها على أنها المعرفة العمق الكامنة وراء الوعي أو المعرفة العقلية ،فهناك وراء العلوم
النقلية علوم أخرى تدق وتخفى:
وماهي ال النفس عند اشتغالها
بعالمها ،عن مظهر البشرية
.................
فهو يقول إنه تلقى هذا العلم عنه ،وإن نفسه أمدته به أي انه ليس علما ا مكتسباا من الخارج ،إنما هو من
الباطن .وإن علمه قديم من عالم التذكار ،وإنه التقى في الجمع القديم كهول الحي عندما كانوا صبية ،فمع
أنه امتداد لهم ال أنه كان معهم ،ومع أن غيره امتداد له وأنهم يشربون مما أبقاه ال أنهم كانوا معه في عالم
الروح أو المطلق الذي تنعدم فيه الزمنة والمكنة:
وقد كرر ابن الفارض بأنه الروح التي تجلت في نفوس كل أهــل
التقى السابقين ،فهو فيهم روح ،وباسأمه دعوا وبحجته حجوا الملحدين ،وفيه شهد الساجدين لمظهره
فتحقق أنه آدم:
وفوي شهدت الساجدين لمظهري
فحققت أني كنت آدم سأجدتي
فلوله لم يوجد وجود ،ولم يكن شهود ولم تعهد عهود .ول حي ال من حياته ،ول ناظر ال بمقلته ،ول قائل
ال بلفظه محدث ،ول منصت ال بسمعه سأامع ،وهو الذي ظهر في كل صورة ،وفي كل معنى لم تبنه مظاهره
تصور:
وأهل تلقى الروح باسأمي ،دعوا الى
سأبيلي ،وحجوا الملحدين بحجتي
فالمظاهر يجمعها تشابه الجوهر ،ولكن بارتفاع الستر تظهر المظاهر وتختلف ،وهو بهذا يشير الى كلية
)الجوهر أو الروح( واطلقه وعدم تناقضه ،والى جزئية الموجودات الظاهرة واختلفها أو تناقضها
ومحدوديتها في الزمان والمكان فهي تظهر بالتدريج:
......................
وألسنة الكوان إن كنت داعيا ا
شهود بتوحيدي بحال فصيحة
......................
تسببت في التوحيد حتى وجدته
وواسأطة السأباب إحدى أدلتي
مثل هذه الفكار نجدها في نظرية الكمون عند المعتزلة .وفيها أن ا خلق الموجودات دفعة واحدة ولم يتقدم
خلق آدم على خلق أولده ،غير أنه أكمن بعضها في بعض ،فالتقدم والتأخر إنما يقع في ظهورها من مكمنها
دون وجودها .وتتصل هذه الفكرة في صورتيها المعتزلية والصوفية بما تؤكده آية الميثاق من سأورة
العراف))) :(7/173وإذ أخذ ربك من بني آدم ،من ظهورهم ،ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ،ألست بربكم.
قالوا ،بلى ،شهدنا (124)((..وبما تؤكده أحاديث الرسأول ،فقد ))قال عليه السلم كنت نبياا وآدم بين الماء
والطين ،يريد على علم بذلك ،فأخبره ا تعالى بمرتبته وهو روح قبل إيجاده الجسام النسانية كما أخذ
الميثاق على بني آدم قبل إيجاده أجسامهم.(125)((.
فالرواح الكامنة التي تمثل عالم الباطن هي كل متصل .ولقد مر معنا أنهم وصفوا )النقطة( بأن الكل مندرج
فيها ،فهي كل متصل ،وهي تمثل عالم الروح .وأن جماعة المهات والباء السابقين هم اللة التي تصنع
النسان ،وليس أبوه وأمه المباشرين .ولبن عربي شعر يقول فيه بأنه ما كان عن واحد بل عن جماعة آباء
وأمهات هم الصانعون كاللت .واذا نظرنا الى اللت طال بنا إلسأناد والعنعنة حتى نصل الى الذات العليا،
وهي في الحقيقة الذي أوجدنا ل الجماعات
ولقد عبروا عن الذات الولى التي صدروا عنها من خلل علقات النسب .ففي سأياق قصص الخلق يشيرون
الى رمز لهم هو الب الول) .(127والسهروردي يعبر عن المصدر العلوي بعبارة الب والم .ففي إحدى
قصصه)) :وبعد أن أمسيت في غاية القنوط من هجمات النوم ،أخذت شمعا ا في يدي متضجراا وقصدت الى
رجال قصر أمي ،وطوفت في ذلك الليل حتى مطلع الفجر .وعندئذ سأنح لي هوس دخول دهليز أبي ،وقد كان
لذلك الدهليز بابان (128)((..وهو ))يقصد بالدهليز وجود نفسه وبأبيه علة وجود نفسه (129)((.وفي
قصة حي بن يقظان التي جارى فيها ابن الطفيل وقدم لها صورة جديدة بما يلئم فلسفته الشراقية ،عبر
عنه بالجد العظم أيض اا..)) :أعلم أن هذا جبل طور سأينا .وفوق هذا جبل طور سأينا مسكن والدي وجدك،
وما أنا بالضافة اليه ال مثلك بالضافة الوي ،ولنا أجداد آخرون حتى ينتهي النسب العظيم الى هذا الجد
العظم الذي ل جد له ول أم ،وكلنا عبيده وبه نستعين ومنه نقتبس وله البهاء العظم والجلل الرفع ،وهو
فوق الفوق ونور النور ،وهو المتجلي لكل شيء بكل شيء،وكل شيء هالك ال وجهه.(130)((..
وبسبب اتصال الرواح في عالم الباطن يتصل وجودها الظاهر ،لذا تكرر لدى المتصوفة معنى أن الفرد
يكون أباا كما أنه ابن لبيه ،يقول ابن عربي:
كومل ا وجودي
بأب ثم بنات
وابن الفارض يقوله كذلك ،إنه ان كان ابن آدم في الصورة فله فيه معنى يشهد بأبوته له لوجودهم جميعا ا
في عالم الروح ،أما عالم الصورة فيظهرهم متتابعين ،الواحد بعد الخر بما يقرر أسأبقية آدم في الوجود
على بنيه ،فالروح واحدة والصور كثيرة ومتتابعة أي ان ظهورها يقترن بالزمان فيتقدم بعضها على بعض
زمن اا وتكون البوة لبعضها المتقدم والبنوة لبعضها المتأخر ،أما قبل الزمان وفي عالم الروح فالجميع كل
متصل حاضر وبهذا فإن أي اا من أبناء آدم يسبقه في عالم الروح فهو أبوه .ومن المعاني التي اهتم بها
المتصوفة ،وجود الصوفي قبل آدم ،ولقد تقدم ذكر كثير من الشعر لبن الفارض في هذه المعاني.
وفي قصص المعراج عند الصوفية حديث عن الوالد الذي أبوه ابنه،
وعما سأموه نكاح الم ،وهو تعبير رمزي عن أفكارهم .فالب الذي هو ولد لبنه تلميح رمزي الى الروح
الكلي ،فهو ابنه من حيث الصورة وأبوه من حيث المعنى أي ان الصورة تجولي المعنى ،فيكون المعنى ابنا ا
للصورة .أما نكاح الم فهو كما يفسرونه تعبير عن تزاوج العقل الول والطبيعة ،ولقد عبر الصوفية عن
الجوهر النثوي بوصفه انكشافاا للجمال اللهي في الصور الطبيعية) ،(132يقول الحلج :ولدت أمي أباها.
وقد فهموا من قوله إنه يريد أن أمه تظهر هذا الوجود البدي اللنهائي اللهي ،فكأنها قد ولدت أباها لنه
مصدر وجودها .وللحلج شعر يقول فيه هذا ،وإن بناته اخواته ،وهذا ليس من فعل الزناة:
ولدت أمي أباها!
إن ذا من عجباتي
وتعاهدها بسقي
من كؤوس دائرات
وللمير عبدالقادر الجزائري ،وكان صوفي اا من أنصار وحدة الوجود ،أبيات تناسأب هذه المعاني ،وأنه ولد
جده وجدته ،وأبوه تولد عن أمه ،ثم ولدوه بعد كونه هو وأبوه توأمين في صلب.فكل من له عليك ولدة فهو
ابنك وهو أبوك ،وكل من يتصل بك بنسب فهو كذلك) ،(135يقول:
ويذكرنا قول الحلج :أمي ولدت أباها بقول الرسأول)صا( في فاطمة)ع( بأنها أم أبيها ،فمع ما يحمله هذا
القول من معاني المحبة والحنو فله معنى أو تفسير آخر هو انها تظهر بأبنائها صفات أبيها المقدسأة ،فكأنها
تلد حقيقته الجوهرية الكامنة وتظهرها بوسأاطتهم ،فهي)ع( تمثل الوجود الظاهر من شخصية الرسأول)صا(
في حين يمثل المام علي)ع( كما قلنا الوجود الباطن ،فهو كما تنص آية المباهلة يمثل )نفس( الرسأول)صا(
أو جوهره ،ففاطمة)ع( تعكس جوهر الرسأول)صا( في أبنائها عن طريق المام علي)ع( وعن طريقها.
وقد نفهم من قول الحلج أيض اا أن في الرجل امرأة كامنة تظهرها ابنته فكأنها تلده ،تلد الوجود الكامن الذي
فيه .فهو عبارة عن امرأة كامنة وهي تظهره أو تلده .ولقد ذكرنا في ما سأبق أن الرجل عندما كان سأابقا ا
كان يمثل وجوداا كامناا ،وبعد وجود المرأة وتحوله الى علقة فإنه يبقى يمثل وجوداا كامنا ا ذلك لن المرأة
التي فيه وهي أحد طرفي العلقة التي يمثلها مازالت تمثل عدماا ،فيبقى الرجل يمثل وجوداا كامنا ا أي انه
بالنسبة الى المرأة التي هي وجود ظاهر يمثل اللظهور .الرجل هو وجود كامن للمرأة ،هو امرأة كامنة،
لنه مازال يحمل عدم اا يمثلها.وهذا يعني كما قلنا أن وجود المرأة له مظهران :وجود سأالب في الرجل،
ووجود موجب تمثله هي ..إن المرأة هي الشكل الذي يظهر الوجود الكامن ..هي الوجود المتأخر ،الظاهر،
الذي يعكس الوجود الكامن فبوجودها وجد الرجل .إن النساء تعكس الجوهر اللهي الذي يتصل به الرجل،
كما يبين ابن عربي:
رأيت ذكوراا في إناث سأواحر
تراءين لي ما بين سألع وحاجر
إن وجود المرأة يظهر الوجود الذي كان كامناا ،أي إن وجود المرأة يعني وجود الشكل وانتقال الوجود الى
عالم المادة ،إن المرأة تظهر الوجود ولذلك يعولي ابن عربي مكانة العنصر النثوي لظهور نشأته به ووجود
عينه ،فهو ابن لمه حقيقة) .(139والذي نستخلصه من مذهب الصوفية في التجلي أن ا ل يشاهد جهرة،
وانما في الشكال والصور العينية التي تنعكس عنه وتحاكيه ،ففيها نتعرف عليه .ا المحبوب المتعالي
يظهر في صورة العيان ،في شكل فيزياوي من أشكال النعكاس أو التجلي .وتبرز المرأة بوصفها رمزاا
لهذا النعكاس او التجلي في شكل محسوس .وينشط الخيال البداعي للشاعر الصوفي في التوحيد بين
المتجلي والصورة التي تجلى فيها ،إذ يحب في الكائن المرئي ظهور المحبوب القدس وتجليه ،فهو يرفع
هذا الكائن الى درجة النموذج أو الصورة غير القابلة للفساد ،أي جعله روحياا .إن المرأة هي الوسأيط الذي
من خلله يتجلى الجمال المطلق وفعل المطلق اذ يبدو فيها فعله الخالق تحريراا لسأر الموجودات) (140من
عالم الكمون الى عالم الظهور .فرمز المرأة يرتبط لدى الصوفية المسلمين بالتجلي اللهي في الصور ،اذ
المطلق ل يشاهد مجرداا عن المواد أبداا .فإذا كان المر ممتنعاا ،ولم يكن الشهود ال في مادة ،فشهود الجمال
المطلق في النساء أعظم الشهود وأكمله .وهذا مذهب ابن عربي ويرتبط به غيره من المتصوفة ،فجلل
الديــن الرومي يذهب الى أن ))المرأة هي النموذج العلى للجمال الرضي .ولكن هذا الجمال ليس شيئا ا ما
لم يكن انعكاسأا ا وتجلي اا للصفات اللهية( واذا ما نحينا حجاب الشكل ،وجدنا الشاعر يتأمل الجمال البدي في
المرأة ..وانه ليراها بوصفها الوسأيط الذي يكشف به الجمال غير المخلوق عن ذاته ،ممارسأا ا ايجابيته
الخالقة ..وطبيعي ال ترتبط هذه الخالقية بوظائف المرأة الفيزيائية ،وإنما ترتبط بخصائصها الروحية التي
تخلق الحب في قلب الرجل وتجعله يبحث عن التحاد بالمحبوب القدس(().(141
إن المرأة عندما تجولي الوجود المطلق أو تنعكس عنه ،فإنما تجولي الوجود المطلق الذي يتصل به الرجل ـ
كما يب وين المتصوفة ـ فالرجل مصدره ا كما قالوا ،والمرأة مصدرها الرجل .وهم يتأملون في المرأة الوجود
الظاهر الذي يحرر الوجود الكامن من السأر .إن جوهر الرجل يظهر في المرأة ،فكما أن آدم هو النموذج
الذي كشف ا فيه عن أسأمائه التي كانت مخفية في ذاته ،فكذلك المرأة ،إنها المرآة والمظهر الذي يتأمل
فيه الرجل حقيقته التي هي وجوده الخفي .لقد أأشرب الجوهر النثوي رمزاا معرفياا ،لنه لما كانت النثى في
التصورات الصوفية تجسد اا للنفس ،ولما كانت معرفة النفس هي معراج النسان الى معرفة الرب ،لزم أن
تكون معرفة المرأة من خلل عاطفة الحب المتوهج موصلة الى ا .فحنين الرجل الى المرأة هو حنين الكل
الى جزئه والشيء الى نفسه ،كما أن حنين المرأة اليه هو حنين الشيء الى وطنه .إن المرأة تجسد للنفس
التي معرفتها مقدمة جوهرية ومدخل الى معرفة الربوبية .المرأة هي الموجود السأمى الذي ربط الحب
الصوفي بوسأاطته بين الروحي والحسي .وإن الحب والزواج هما العلقة التي تكشف للمحب في الدنيا تجلي
المعاني اللهية في الصورة المحسوسأة .وعاطفة الحب اللهي المشبوب هي الحد الجامع بين التجلي
والمشاهدة ) .(142والمحب يدرك أن الصورة ليست خارجة عنه بل إنها باطنة في وجوده ،فيصبح
المحبوب أقرب للمحب من نفسه .إن المحبوب كامن في أعماق وجوده ،فهما نفس واحدة كما عبر القرآن
الكريم ،وقد خلق منها زوجها .وإن خلقها وفصلها عنه يظهر هذا الوجود الذي كان كامنا ا فيه .فآدم وحواء
نفس واحدة .واذا رجعنا الى غير القرآن الكريم ،الى الصول التاريخية والسأطورية ،فهناك أسأطورة الجنس
الواحد غير المتمايز ،حيث توحي هذه الوحدة غير المتمايزة في التصور السأطوري الى خنوثة ذلك الجنس
الذي كان يجمع بين مبدأي الذكورة والنوثة)ق( .وقد ألمح الى ذلك الرمز السأطوري ،افلطون في محاورة
)المأدبة( ولعله اسأتقى تلك السأطورة من أصول شرقية قديمة .وفي اللغات الوربية يطلق اسأم الرجل )
( homoعلى الجنس النساني من باب التغليب ،فهو يوحي بهذه الوحدة .وفي كثير من قصص الخلق فإن
المرأة خلقت بعد الرجل ،على الرغم من أنهما في بعض الحيان خلقا في زمن واحد .ول يخفى أن هناك
تطابقاا بين قصة الكتاب المقدس وكثير من القصص الوربي) .(143فالمرأة كانت مع الرجل في وحدة ،فهي
نفسه التي كانت في داخله ،ويبين ابن الفارض أن حبه لمن يحب حب لنفسه ،لن المرأة هي نفسه:
وصرت بها صباا ،فلما تركت ما
أريد ،أرادتني لها وأحبت
فهو وإياها ذات واحدة ،وكذلك من وشى بها وثنى عنها ،فكلها مظاهر للوجود الكامن:
وهي تمثل الحقيقة التي في داخله والتي بها شغل عنها ،وأنه عندما كشف حجاب النفس وجدها لنها في
نفسه ،فجل مرآة ذاته ،وانه عندما وصل فإلى ذاته وبها ،وانها أشهدته نفسه فتحقق أنه وهي واحد:
......................
أسأائلها عني اذا ما لقيتها
ومن حيث أهدت لي هداي أضلت
......................
إن المرأة تجلي الوجود ،وجوده وكل وجود ،وإنه ليراها في كل مرئي ،وبها يشهد غيبه:
......................
أخال حضيضي الصحو والسكر معرجي اليها ،ومحوي منتهى قاب سأدرتي)(148
والشاعر في البيات هذه ،يؤكد أنه كان متحداا بها في عالم الروح فشتتهما
الصحو والظهور الى عالم الحس.وأنها هي التي نقلته الى عالم الصحو والظهور بعد المحو والكمون،
فتجلت ذاته بها ،أي تجلت ذاته بذاته…إن جمال الجوهر النثوي يهدي الى جمال حقيقي يتسم بالكلية
والثبات .فهو يعبر عن الحقيقة المطلقة التي هام بها الشاعر والتي يحاول الوصول اليها ورؤيتها ليصير
ويتحقق وجوده:
حقيقتي همت بها
وما رآها بصري
فعندما أبصرتها
صرت بحكم النظر
وهذا الجمال في تجليه في المظهر الحسي يتجاوز هذا المظهر في سأعيه صوب اللمتناهي والفكرة المطلقة.
إن الشاعر يتطلع من خلل المرأة الى الجمال اللهي .ومن هنا بدت المرأة في الشعر الصوفي رمزاا موحيا ا
دا ال على الحب اللهي ،وتم للصوفية فيه التأليف بين هذا الحب والحب النساني .فقد ردوا الجمال النثوي
الى الجمال العالي المطلق الذي ل تعوين له في نفسه .والشاعر يحن الى الوحدة ويشتاق الى الجمع .ويصور
جلل الدين الرومي لقاء الحبيبة بالرحلة للقاء ا والسعي الى الوحدة معه ،ولبن عربي شعر في ذلك)
.(150ولكن الحبيبة ضنينة بالجمع سأمحة بالتشتت ،محجبة دون اللباب التي تتعلق بها:
وهو اتحاد بالجمال المطلق ل بغيره ،فما يهواه هو الجمال غير المقيد الذي تجلى في شخص الحبيبة ،وهو
الجمال الذي تجمعت فيه الهواء وصبت اليه الرواح:
إن الجمال المطلق يتجلى في الشكال ،بخلق الشكال ..الوجود اللهي السابق يوجد الوجود الظاهر ليخلق
أشكال تظهره .فالوجود السابق له صفة الفعل ،والوجود اللحق له صفة النفعال:
إن المرأة فاعل ومنفعل ،لن فيها ينعكس جوهر الرجل ،هي تعكس هذا الوجود في ما يظهر منها من وجود،
ففيها يظهر تكوين ما سأوى ا).(160
وقد عبر الصوفية عن الفعل والنفعال باليجاب والسلب .ولقد جعلوا )الذكورة( تمثل مبدأ اليجاب أو الفعل،
والذكر خالق بالفعل ،وهذه الصفة انعكاس عن صفة ا الخالق:
وكما أن الشكال مظاهر فعل ا ،وأن الرجل مظهر فعله ،كذلك فإن المرأة بوصفها مظهراا أو شكلا فهي
مظهر فعل الرجل ،وهي بهذا تجمع بين مبدأ الفاعل والمنفعل .والرجل يمثل مبدأ الفاعل فقط .ولقد حلل
بعضهم مصطلح الحقيقة بوصفه مصطلحا ا داال على التأنيث بأنها أب وأم للكل لنها وفقاا لسأمها المؤنث
تجمع بين الفعل والنفعال وتتضمن التوازن والنسجام بين الظهور والحتجاب ،فهي الفاعل من حيث أنها
الباطن الخفي في كل شكل والمعين الذي يعوين ذاته في كل متعوين .وهي المنفعل من حيث ظهورها في
المظهر الذي يظهرها ويحجبها .المرأة يتأمل فيها الرجل طبيعته الكلية التي هي فعل وانفعال .إن الذكورة
والنوثة مبدآن :الول فاعل والثاني منفعل ،وان المرأة تنطوي على مبدأ الفاعل والمنفعل ،فلها رتبتان،
وللذكر رتبة واحدة(162).
إن ظهور المرأة هو ظهور للحياة .ووجودها وجود للحركة لن وجودها وجود للعلقة أو وجود للتناقض
الذي هو الحركة .ولذلك تقترن برمز الدائرة حول المربع .وكنا قد ذكرنا أن الحياة توجد من خلق العدم ،وأن
العدم )وهو أحد النقيضين قبل ايجاده( يؤدي الى كمون الوجود)الذي هو النقيض الخر السابق الذي سأميناه
أصل الحركة( وان الوجود السابق ينفي العدم او يوجده فيتجلى الوجود ،فأيجاد العدم هو تجلي للوجود ،أي
ظهور بعد كمون) ،(163أي ان وجود الحياة هو ظهور للحياة التي كانت كامنة ،وان هذا الظهور أو التجلي
على مراحل أو أجزاء .فالوجود السابق يوجد الوجود الظاهر على مراحل أو أجزاء .فالخلق ل يتجلى كله
مرة واحدة في فكر المتصرفة وغيرهم .وهناك جوهر كامن أو روح كلية كامنة تخرج على أجزاء ،وان
الشياء تخرج من حيز القوة الى حيز الفعل شيئا ا فشيئاا ،وانها تخرج الى حيز الفعل بوسأاطة العقل الول،
والعقل الول هو النفس الكلية ،ويسمونه المبدأ والمعاد .والمبدأ هو أصل الشياء ،والمعاد ما تعود اليه
الشياء ،وقد وصفوه بأنه ل يتعرض للفناء أبداا لنه جوهر روحاني ،فهو تام كامل) .(164إن العلو ل يتجلى
على نحو واحد ،وإنما يتنوع التجلي بتنوع الصور ،كما يتنوع بحسب اسأتعداد المتجلي لتفاوت السأتعدادات
شدة وضعفاا).(165
ومن جملة الوجود المتجلي النسان .وهو كذلك يتجلى على مراحل أو أجزاء أو أفراد ،وإن هؤلء الفراد
يدفع بعضهم بعض اا ،أو ان الوجود السابق يدفع بعضهم ببعض أو يقذف بعضهم ببعض فيزهقه ،وما يزهق
هو الباطل .وهذا يعني أن النسان حق وباطل او علقة بينهما .وإن هذه العلقة تنشطر دائما ا ليزهق منها
الباطل أو العدم الذي أصبحت له رتبة وجودية في النسان كما يبين ابن عربي .ويستمر تتابع الصور
البشرية الذي هو تتابع لوجود صور الحق وتتابع لزهوق صور الباطل حتى يتم ازهاق الباطل كله تماماا،
ذلك العدم المقترن بأصل الحركة)) :إن الباطل شيء قذف بالحق عليه فدمغه ،فإذا الباطل زاهق .ول يزهق
ال ما له عين أوما تخيل أن له عينا ,فلبد له من رتبة وجودية خياال كانت أو غير خيال قد اعتني بها على
كل حال .ثم إنه من أعظم الحيرة في الحق أن الحق له الوجود الصرف ،فله الثبوت ،وصور التجلي حق بل
شك.
وما لها ثبوت وما لها بقاء
لكن لها اللقاء فما لها شقاء
ما من صورة ينجلي فيها إل اذا ذهبت ما لها رجوع ول تكرار وليس الزهوق سأوى عين الذاهب ،فأين
تذهبون .فهل في الحق باطل ،أو ما هو الباطل ،وما أذهب الصورة ال قذف الصورة الخرى ،وهي تذهب
ذهاب اختها ،فهي من حيث ورودها حق ،ومن حيث زهوقها باطل ،فهي الدامغة المدموغة.فصدق من نفى
رؤية الحق فإن الحق ل يذهب فإنه إن كانت الصور صورنا فما رأينا ال أنفسنا ،ونحن ليس بباطل وقد
زهقنا بنا فنحن الحق لن ا بنا قذف علينا ،فما أتى علينا ال منا فال بالحق قاذف ،والعبد
للحكم اللهي واقف:
فالعين مني ومنه
لها البقا والثبوت
أصبحت ل قوتا ا
وإنه لي قوت
إن ايجاد العدم هو غاية الخلق ،ولقد قلنا إن العدم بالنسبة الى جنس النسان هو المرأة .وهذا يعني أن ايجاد
المرأة هو هذه الغاية،فهي الجانب السالب أو العدم في جنس النسان .وأن ايجاد هذا الجانب السالب إظهار
للوجود الذي جعله )العدم( كامناا .إن اظهار هذا الوجود هو الغاية التي تحرك تطور تاريخ النسان ،وذلك
بوسأاطة خلق المرأة ،فهي إذن غاية تطور الجنس النساني .لذا نجد في السأاطير القديمة)ايزيس( رمزاا لكل
ما كان وما هو كائن وما سأوف يكون .وقد تحدثت السأاطير القديمة عن الم السارية المومة ،أي الوجود
المتصل المصاحب للزمان ،وإن تعبير )ما سأوف يكون( يعني أن المرأة تحقق التجلي العلى) .(167وهذا
التحقق أو التجلي يتم على مراحل أو أجزاء كما قلنا .واذا كان الوجود السابق يوجد المرأة أو يوجد العدم
على أجزاء ،فإن هذه الجزاء التي يظهر كل منها جزءاا من الوجود الكامن أو يعكسه والتي يمثلها وجود
ل حتى يتم ايجاد آخر جزء من العدم الذي المرأة على الرض ل تمثل أو ل تعكس الوجود السابق عليها كام ا
تراكمت فيه كل الجزاء التي تم ايجادها )لن الوجود النساني وجود متصل ومتراكم( ،فهو يعكس الوجود
الكامن أو الجوهر السابق عليه تماماا ،الشكل الذي ل سألب فيه اذن هو المرأة الخيرة الكاملة .ان غاية
التطور الطويل في تاريخ النسان هي الوصول الى هذه المرأة ،فهي غاية اسأتمرار الجنس النساني ،غاية
وجود النسان ،انها الغاية التي يسعى إليها الكون كله.
إن الرجل يمثل الوجود الكامن ،غير الظاهر في مراحل تطوره ،في مراحل تناقضه مع صورته الكاملة التي
تمثلها المرأة الكاملة قبل أن يصل التطور الى المرحلة العلى ،فهو يمثل مرحلة عدم تحقق الجوهر تماما ا
في الشكل قبل الوصول الى المرأة الكاملة .والجوهر يبقى يوجد العدم ]ويستمر في تجليه[ حتى ينطبق عليه
الشكل تمام اا ،حتى يتعادل العدم الذي في الرجل مع الوجود الذي تمثله المرأة بأن يصبح وجوداا على قدره
ل يعكس كل الوجود الكامن في جنس الرجل، تماما ،أي بأن تخلق المرأة التي تمثل وجوداا ظاهراا أو شك ا
المرأة التي تمثل وجوداا ظاهرا للمرأة الكامنة في الرجل .فالرجل وجود كامن لنه لم يستكمل نفي ما فيه من
سألب أو عدم ،والمرأة وجود ظاهر .واذا كانت غاية الخلق هي تحويل الوجود الكامن الى وجود ظاهر ،فإن
المرأة هي التي تحقق غاية الخلق .وإن الخلق والتوالد يستمر للوصول اليها .إن الشكل العلى تمثله المرأة
ل ينطبق على جوهره .وإن الوصول الى هذه المرأة هو الغاية التي يسعى اليها الجنس لنها تمثل شك ا
النساني من وراء عملية التناسأل المستمرة ،وإن الوصول اليها يمثل انتهاء علقة التناقض )التي يمثلها
النسان( وهذا يعني انشطارها .أي ان الوصول اليها يشطر كل علقات التناقض السابقة )الناس كلهم( التي
بقيت تحتفظ بكيانها لن الجوهر الكامل لم يستكمل تجليه في الصورة أو الشكل ،لم يستكمل ايجاده للعدم.
إن انشطار علقة التناقض يعني انتهاء علقة الذكر والنثى ،فالوصول الى هذه المرأة التي تجلي الوجود
الكامن في الرجل تمام اا ينهي التناقض والختلف بين الجوهر الذي يمثله الرجل والشكل الذي تمثله المرأة.
أي ان هذه المرأة تمثل اتحاداا بين الرجل والمرأة ،تمثل انطباقاا بين شكل المرأة وجوهر الرجل ،وعندها
تنتهي العلقة التي يمثلها الجنس النساني .إن الوصول اليها يعني انتهاء الجنس النساني.
لقد تحدث الفكر الصوفي عن هذه المعاني ،وإن الخلق تجلي ،وإن التجلي هو غاية الخلق .والتجلي تحقق
واقعي وتجاوز لهذا التحقق ،إنه اتصال وانفصال بين الجواهر والعراض) .(168وإن المرأة هي التي
تحقق التجلي الكامل .والتجلي الكامل يمثل انطباق الشكل على الجوهر الكامل تماماا .وهذا يمثل عودة الخلق
الى المبدأ الذي صدر عنه ،فهو يصل في النهاية الى البداية التي انطلق منها .والبداية هي الجوهر الكامل أو
الوجود السابق الكامن ،هي ا ،فلقد وصف الخالق عز وجل نفسه بأنه الول لن الخلق ومنه النسان قد
صدر عنه ،وبأنه الخر من خلل عودة النسان أو الوجود المادي اليه ،لن الخلق صدر عنه ليسعى الى
العودة اليه عن طريق إظهاره .وللسهروردي قوله في )مناجاة( له:
))إلهي واله جميع الموجودات ،من المعقولت والمحسوسأات.
……
أنت الول الذي ل أول قبلك.
وأنت الخر الذي ل آخر بعدك.
…..
يا نور كل النور.
يا قيوم يا حي ،يا كل ،يا مبدأ الكل(169)((.
فهو الول وهو الخر ،ولنه كذلك فإن الوصول اليه بالسعي الى الكشف عنه يسير في حركة دائرية .وقد
أكد الفكر السألمي مسألـة الدورة في مسيرة النفس النسانية ،وأن ))النفس بدأت من عالم تعود اليه(()
(170وأن صدور الخلق عن ا يعتمد على عمليتين أسأاسأيتين ،هما عملية صدور هابطة من الواحد الول
اللهي في خلل درجات ثمان تنازلية للوجود ،ثم عملية عود تصاعدية للتكامل في نفس النسان).(171
وأن المرأة هي التي تحقق هذه العودة ،لنها تمثل حالة الكشف والظهار ،فمن جمالها المقيد يعبر الى
الجمال المطلق ،فهي تعكس هذا الجمال المطلق ،ومن خللها نعبر اليه) ،(172أي انها تحقق العودة اليه.
ولذا فإن حب الرجل للمرأة واتحاده معها يحقق له العودة الى مبدأه.
وها أنا أبدي في اتحادي مبدئي
وأنهي انتهاء في تواضع رفعتي)(173
وقد تحدثوا عن )النسان الكامل( الذي سأيحقق هذه العودة ،هذا النسان وصفوه بأنه يمثل كل تاريخ
النسان ،وقد وصفوه بأنه أبو الوقت ،وكأن كل تاريخ النسان يعمل جاهداا على صنعه .واذا وصفوا تطور
تاريخ النسان بأنه جدل العلقة بين المربع والدائرة ،فقد وصفوا هذا النسان الكامل بأنه المربع أو النقطة
والدائرة ،لنه يتضمن كل تاريخ النسان كما قلنا.
لقد تحدث المتصوفة عن )النسان الكامل( الذي أراد الجوهر الكامل أن ينعكس من خلله ،وهذا ما تناولته
لديهم نظرية الفيض ،وأن النسان الكامل هو الصورة التي أراد ا أن توافقه.
وفكرة النسان الكامل ل تخص المتصوفة وحدهم ،وهي فكرة قديمة وقد ألقت عليها البحاث المعاصرة
ضوءاا سأاطع اا ،وبينت انها نشأت في الرؤى السامية ،فنجدها عند أنبياء بني اسأرائيل ،وفي المسيحية وفي
السألم .ولقد وصفوه بأنه النموذج الول للنسانية وأصلها .وأنه كائن ذو طبيعة إلهية ،لكنه متميز عن
اللوهية العليا بكونه الحياة الفانية) .(174وأنه النسان الخليفة الذي حاز مرتبة النسانية ،أما غير النسان
الكامل فهو النسان الحيوان))) :(175وما كل انسان خليفة ،فإن النسان الحيوان ليس بخليفة عندنا(()
( 176وان الخلفة عن ا معنى مركوز في النسان بالقوة منذ آدم الى آخر مخلوق وهو النسان الكامل)
.( 177وهذا قد يتصل بنظرية الكمون كما قلنا ،التي تاثروا بها ،فجميع الموجودات خلقها كامن في آدم ،ثم
أكمن خلق بعضها في بعض ،وإن التقدم والتأخر لوجودها الظاهر ،ل لوجودها الكامن الذي هو وجود كامل
وسأابق) .( 178فالنسان الكامل الذي يضم كل تاريخ النسان يتحقق على أجزاء تتمثل في أفراد البشر ،فهو
الكامل بالتحقق وليس له الكمال أصالة) .(179وقد تكلم أخوان الصفا على النفس الكلية والنفوس الجزئية
التي تؤلفها ،وهي دورات كل منها قيامة واحدة .وإن النفس الكلية سأوف تنتصر ،وانتصارها رمز الى
ظهور السابع) .(180وقد قلنا ان الرقم) (7هو دورة الفلك لديهم فهو الدائرة ،والدائرة هي المرأة .فالنسان
الكامل يكون من النساء شكلا كما يكون من الرجال جوهراا ،يقول ابن عربي )):وليس المخصوصا بها أيضا ا
الذكورية فقط ،فكلمنا اذن في صورة الكامل من الرجال والنساء (181)((.فالمرأة انسان كامل ولهذا تصلح
أن تكون اماماا في الصلة فهذا للرجال وللنساء على السواء(182).
إن النسان الكامل أو النفس الكلية هي تجميع لكل النفوس الجزئية التي ظهرت على مدى التاريخ(183).
وقد يعبرون عن النفس الكلية بأنها المرأة ،وقد عبروا عنها بقدسأية ،فهي اللوح المحفوظ الذي يمده القلم
العلى ( 184).ولقد تحدثوا في فكرة النسان الكامل عن انتصار المرأة .ونقرأ في أحاديثهم عنه عبارة :تلد
المة ربتها .وقد يجعلون للمرأة دوراا تمهيدياا تقوم به ،فمنها يولد النسان الكامل) ،(185فهي تهيء
لظهوره ،لن المرأة هي السبب لظهور النسان وهذا ايض اا معنى وصفها بأنها الوجود الظاهر ،فهو ل يعني
فقط أنها تظهر إنما هي تظهر الرجل كذلك ،فهي ظهور للخلق جميعاا .ومعنى انها تهيء لظهور النسان
الكامل نجده عند نيتشه في فلسفته لوجود النسان الكامل الذي تلده المرأة ول تكونه .ولبن عربي شعر
يتحدث فيه عن النسان الكامل الذي كتبت له الغلبة من خلل المرأة التي يعمي سأناها البصار:
إن الظهور له شرط يؤيده
وليس يظهره ال الذي غلبا
إن الفتاة التي في طرفها حور
تفني الدموع وتذكي قلبنا لهبا
واذا كان قد وصف النسان الكامل بأنه)الخليفة( ،فإنه وصف الشمس ـ وهي مؤنث ـ ل القمر ـ المذكر ـ
بأنها خليفة ا تعالى في السموات والرض(187).
إن النسان الكامل يمثل انطباق كل الظاهر على الباطن .وهو ظاهرة فردية ل تنطبق على الواقع النساني
العام .ولقد جعل ابن عربي الكمال المطلق مقياسأاا للكمال النساني بدل أن يستقرئ النسان متخذاا إياه
القياس .ولذلك تتوالى مصطلحاته المرادفة للنسان الكامل :ظل ا ،عرش ا ،خليفة ا .فهو صورة
الحق).(188هو المظهر الخارجي للهوت ،فاللهوت يتجلى في الناسأوت في صورة الكل الشارب ،كما
يقول الحلج:
وقد ذهب الحلج الى ))أنه صورة الله القائمة على الرض .وأن كل انسان يمثل واحدة من تلك الصور
اللهية التي ل تحصى… وفي ضوء ما قلنا يتضح معنى الدعوى الحلجية التي من أجلها لقي صاحبها
حتفه ،وهي قوله )أنا الحق(..أي أنا المظهر الخارجي الذي ظهر فيه الحق وبواسأطته ظهر جلل الحق
وجماله (190)((.وله شعر كثير يخاطب فيه الحق بأنه هو نفسه ،ومنه:
كتبت ولم أكتب اليك وإنما
كتبت الى روحي بغير كتاب
وقد تعارف المتصوفة على المعاني التي ترددت في شعر الحلج ،يقول الجنيد:
إذا شئت أن أدعوه ناديت :يا أنا
وان يدعني ،نادى جميعي بيا إني
فيخبرني عني بما أنا مخبر
اذا شئت عني بالذي مخبر عني)(192
ل))) :(193إن فالناس صور تصدر عن الذات اللهية ،والنسان الكامل هو الصورة الكاملة ولهذا سأمي كام ا
النسان الكامل ل يبقى له في الحضرة اللهية اسأم ال وهو حامل له (194)((.فهو فريد من نوعه ،كما يقول
المير عبدالقادر الجزائري))) ،(195ثم كشف لي عن برزخية النسان الكامل ،وقال لي :هو الوجه لكل
وجهة ،وهو مولها ،وهو الجامع لحكام الوجوب والمكان .وهو مجمع البحرين :أي الظهور والبطون.
وقال لي :هو صاحب درجة العتدال ومنصب النقطة والعلة ،وهو سأر السأم الول من حيث المعنى ،والخر
من حيث الصورة .وقال لي) :النسان طابع علمة السأماء وهو الختم المذكور بسر المداد والسأتمداد،
وهو وارث الخلفة بمظهر الوحدة والكثرة .ثم كشف لي عن تاموره الزلي فقرأت قوله تعالى) :فإذا سأويته
ونفخت فيه من روحي فقعوا له سأاجدين (.لمعنى قوله) :إن ا خلق آدم على صورته(() .(196فهو يجمع
بين الباطن المطلق والظاهر المطلق_كما يقول_)) :اعلم أن مرتبة حقيقة النسان الكامل هي باطن السأم
الظاهر ،وهو برزخ بين الظاهر المطلق وبين الباطن المطلق .فالحضرة الكونية المسماة بالعالم هي صورة
السأم الظاهر ،والحضرة اللهية هي مرتبة السأم الباطن .وحضرة النسان الكامل هي مظهر السأم الجامع
بين السأم الظاهر والسأم الباطن ،فالنسان الكامل برزخ بين الحضرة اللهية..والكونية (197)((.فلقد
))أقامه الحق برزخاا بين الحق والعالم ،فيظهر بالسأماء اللهية فيكون حقاا ،ويظهر بحقيقة المكان فيكون
خلقاا (198)((.فهو )الجامع لحقائق العالم وصورة الحق سأبحانه(() (199إذ ))خلقه ا في أحسن تقويم
وأبرزه نسخة كاملة جامعة لصور حقائق المحدث وأسأماء القديم..وأنشأه برزخا ا جامعا ا للطرفين(200)((،
وبهذا ))فما صحت الخلفة ال للنسان الكامل ،فأنشأ صورته الظاهرة من حقائق العالم وصوره ،وأنشأ
صورته الباطنة على صورته تعالى ،ولذلك قال فيه )كنت سأمعه وبصره( ،ما قال كنت عينه وأذنه :ففرق
بين الصورتين(())) (201فكأنه برزخ بين العالم والحق ،وجامع لخلق وحق .وهو الخط الفاصل بين
الحضرة اللهية والكونية ،كالخط الفاصل بين الظل والشمس وهذه حقيقته)) (202)((.فظاهر النسان خلق
وباطنه حق ،وهذا هو النسان الكامل المطلوب ،وما عدا هذا فهو النسان الحيواني)) (203)((.النسان
الكامل :هو الحد الجامع الفاصل بين الحق والعالم ،فهو يجمع من ناحية بين الصورتين ،يظهر بالسأماء
اللهية فيكون حقاا ،ويظهر بحقيقة المكان فيكون خلقاا(())) (204وكما هو برزخ بين الحق والخلق في
الوجود ،كذلك هو برزخ بينهما في العلم والمعرفة(())) (205وهو…الكلمة الجامعة ،وأعطاه ا من القوة
بحيث أنه ينظر من النظرة الواحدة الى الحضرتين فيتلقى من الحق ويلقي الى الخلق(())) (206وهو يفصل
من ناحية أخرى بين وجهي الحقيقة ،فيمنع الخلق من عودة الندراج في الغيب الذي ظهر منه ،إنه حد بين
الظاهر والباطن ،يمنع الظاهر من اندراجه في البطون(() (207فهو يمثل قمة تجلي الباطن ،حتى يمنع
الظاهر من اندراجه في البطون ،أي ل اندراج في البطون مع وجوده ،فقد خرج كل الوجود الباطن الى عالم
الظهور والحس ،ونفي العدم أو الجانب السلبي تماماا .ولنه الظهور الكمل والخير ،فقد جعله صدر الدين
القونوي المرتبة الخيرة في الوجود الذي قسمه الى أربعين مرتبة ،فهو يمثل ظهور الحق الكمل ،وهو
العالم الدنياوي والعالم الخراوي ،وهو القديم والحادث(208).
إن النسان الكامل هو الغاية التي تحرك الوجود النساني .ظهوره بالولدة وتجاوز هذا الظهور بالموت،
فهناك فكرة كلية كامنة تحرك كل تاريخ النسان الطويل .وهذه الغاية كامنة في آدم وتتحقق على أجزاء في
ذريته ،حتى الجزء الخير الذي يمثل الجزاء كلها ،فهو الوجود الجامع الكامل الذي يعادل الوجود السابق
الكامن .كما انه غاية العالم ،والحافظ له .أي انه ما دام التطور لم يصل اليه بعد ،فوجود العالم يبقى
مضمونا ا مستمر اا حتى يتحقق هو)) :إن النسان الكامل هو علة وجود العالم ،والحافظ له ..أي المخلوق
بسببه العالم (209)((.وإنه ))روح العالم ،والعالم المسخر له علوه وسأفله .وإن النسان الحيواني من جملة
العالم المسخر له(() ( 210فالفكر الصوفي يفرق بين النسان الكامل ،الخليفة ،والنسان الحيوان)) :وما كل
انسان خليفة ،فإن النسان الحيوان ليس بخليفة عندنا(() (211وذلك ))لن النسان الكامل وجد على
الصورة ل النسان الحيوان(212)((.
والنسان الكامل هو الول ،بوصفه يمثل الباطن .كما انه الخر ،بوصفه يمثل الظاهر الكامل .فهو الول
والقديم))) (213بوصفه ممثل النسانية ومعناها الباطن(() (214وغائية التاريخ هي الرجوع القهقرى
بشخص هذا النسان) .(215وقد وصفه ابن عربي بأنه الول والخر ،الول لنه يصدر عن الول ،والخر
لنه يسعى الى الخر بمحاكاته ،وهذه الحقيقة يأخذها عن الشرع ويشتقها بالعقل:
وإن هذه الولية والخرية تحفظ العالم ،وال لعجز المخلوق القاصر .وهي تعني التقاء الخر بالول وعودته
اليه ،فحركته نحوه حركة دائرية .وهو في حركته الدائبة هذه يجلي الجوهر الكامن فتتحقق المعاني اللهية
في الواقع:
ثم أجمل لنا فكرة واضحة عنه ،مبين اا أنه يتحقق على مراحل أو مراتب ،كل منها تمثل إحدى الصفات
اللهية ،وأنه الغاية وحالة الكمال التي تصاحبها حالة كمال للواقع أو المجتمع ،إذ تتحقق دولة العدل اللهي
ويتجلـى عدل ا في الرض ،أي يتحقق الواقع الذي يمثل انطباقا ا كام ا
ل على القيم اللهية ،وبهذا ينتهي
التناقض بينهما ،وبانتهاء التناقض ينتهي وجود العالم الذي يقوم على هذا التناقض)) :ول الولية لنه
موجد كل شيء ،ول الخرية فإنه قال واليه يرجع المر كله .وقال واليه ترجعون .وقال ال الى ا تصير
المور .فهو الخر ،كما هو الول ،وما بين الول والخر ،تظهر مراتب السأماء اللهية كلها .فل حكم للخر
ال بالرجوع اليه في كل أمر .فإذا كان ا الول ،فالنسان الكامل هو الخر ،لنه في الرتبة الثانية ،وهو
الخليفة ،وهو أيض اا الخر بخلقه الطبيعي ،فإنه آخر المولدات لن ا لما أراد به الخلفة والمامة بدأ بأيجاد
العالم وهيأه وسأواه وعدله ورتبه مملكة قائمة ،فلما اسأتعد لقبول أن يكون مأموماا أنشأ ا جسم النسان
الطبيعي ونفخ فيه من الروح اللهي ،فخلقه على صورته لجل السأتخلف فظهر بجسمه وكان المسمى آدم،
فجعله في الرض خليفة .وكان من أمره وحاله مع الملئكة ما ذكر ا في كتابه لنا وجعل المامة والخلفة
في بنيه الى يوم القيامة .فهو الخر بالنسبة الى الصورة اللهية والخر أيضاا بالنسبة الى الصورة الكونية
الطبيعية .فهو آخر نفسا ا وجسم اا .وهو الخر برجوع العالم اليه لنه يرجع اليه أمر العالم .فهو المقصود به
عمرت الدنيا وقامت ،واذا رحل عنها زالت الدنيا ومارت السماء وانتثرت النجوم وكورت الشمس وسأيرت
الجبال وعطلت العشار وسأجرت البحار وذهبت الدار الدنيا بأسأرها وانتقلت العمارة الى الدار الخرة بأنتقال
النسان فعمرت الجنة والنار وما بعد الدنيا من دار ال الجنة والنار .فالسأم الول للولى وهي الدار الدنيا،
والسأم الخر للخرى وهي الخرة .وإنما قال ا تعالى لمحمد صلى ا عليه وسألم ،وللخرة خير لك من
الولى ،لن الخر ما وراءه مرمى فهو الغاية ،فمن حصل في درجته فإنه ل ينتقل فله الثبوت والبقاء
والدوام .والول ليس كذلك فإنه ينتقل في المراتب حتى ينتهي الى الخر وهو الغاية فيقف عنده ،ولهذا قال
له وللخرة خير لك من الولى ولسوف يعطيك ربك فترضى ،فأعطاه صفة البقاء والدوام والنعيم الدائم الذي
ل انتقال عنه ول زوال ،فهذا ما أعطاه حكم هذه الحضرة وا يقول الحق وهو يهدي(218)((.
ويبين ابن عربي أن حالة الكمال النساني يسعى اليها النسان من خلل ما غرسأه ا فيه من مثل أو صفات
إلهية يسعى الى التماثل معها .وهذا معنى ما مر ذكره من أن الخلفة عن ا التي يحققها النسان الكامل
معنى مركوز في النفس بالقوة يسعى النسان الى التماثل معه .فالسعي من جانب النسان ،وهذا يتصل
بحقيقة أن النسان علقة ،والعلقة حركة ،فهو الذي يتحرك باتجاه الكل ،الجزء يسعى الى كله ،الى التمثل
به ،وليس العكس:
واعلم أن ا لما خلق آدم على صورته علمنا أن الصورة هنا في الضمير العائد على ا ،أنها صورة
العتقاد في ا الذي يخلقه النسان في نفسه من نظره أو توهمه وتخيله ،فيقول هذا ربي فيعبده ،إذ جعل
ا له قوة التصوير ولذلك خلقه جامعاا حقائق العالم كله ،ففي أي صوره اعتقد به فعبده فما خرج عن
صورته التي هو عليها من حيث هو جامع حقائق العالم ،فلبد أن يتصور فيه ،أعني في الحق إنسانيته على
الكمال أو من إنسانيته ..فالنسان ينشئ في نفسه صورة يعبدها ،فهو المصور وهو مخلوق منشأ أنشأه ا
عبداا يعبد ما ينشئه(219)((.
إن العقل البشري يسعى الى التوافق مع العقل اللهي الذي هو العقل الكامن أو الجوهر أو المركز الداخلي
في النسان ،والذي يدفعه الى تجاوز عقله الفردي الجزئي ويحثه على السعي الى محاكاته .وبتجاوزه لنفسه
وحذفه أو الغائه لجزئيته ،يعود العقل الجزئي اليه ويكون على قدره.
الهوامش:
) ( 1ينظر :معرفة الخر ،مدخل الى المناهج النقدية الحديثة ،عبدا ابراهيم ،سأعيد الغانمي ،عواد علي
المركز الثقافي العربي ،الطبعة الولى ،1990 ،صا 74ـ .111 ،107 ،80 ،75و :السأطورة اليوم ،لرولن
بارت ،ترجمة حسن الغرفي ،سألسلة الموسأوعة الصغيرة) ،(345بغداد دار الشؤون الثقافية العامة ،الطبعة
الولى ،1990 ،صا 8ـ .34،36،95 ،23،32 ،11،14،16 ،9
) (2ينظر :معرفة الخر ،صا .110 ،107 ،83و :السأطورة اليوم ،صا 5ـ .6
) (3ينظر :معرفة الخر ،صا .81
) (4ينظر :الصوفية والسوريالية ،صا .15،31،89،162،164،165،167،168
) (5ينظر النسان ورموزه,كارل غوسأتاف يونغ وجماعة من العلماء ,ترجمة سأمير علي ,دار الشؤون
الثقافية والنشر الجمهورية العراقية,1984,صا .86 ,85 ,65 ,45 ,37,31 ,29 ,26 ,19 ,12 ,9
) (6المصدر السابق ,صا .59 ,10
) ( 7ينظر :النقد الدبي الحديث ،أصوله واتجاهاته ،دكتور أحمد كمال زكي ،الهيئة المصرية العامة للكتاب،
،1972صا 189،195ـ .196
) (8ينظر :الصوفية والسوريالية ،صا 39ـ .42،44،46
)(9المصدر السابق ،صا 57ـ .59،84،89،160،161
) (10نفسه ،صا .168 ،167 ،162 ،161 ،160 ،159 ،157 ،156 ،145 ،137 ،133 ،125 ،115 ،89
) (11نفسه ،صا.89 ,87 ,61 ,60 ,59 ,51 ,48 ,47 ,32 ,31 ,29 ,28 ,
) ( 12ينظر :دليل الناقد الدبي ،د .ميجان الرويلي ،د .سأعد البازعي ،المركز الثقافي العربي ،الدار البيضاء،
الطبعة الثانية2000 ،صا .231-230
) (13هذه البحوث نشرت مسلسلة في مجلة الموقف الثقافي تحت العناوين1 :ـ كروية العقل ،العدد ،7صا
2 .1997 ،72ـ القانون المطلق ،العدد ،8صا 3 .1997 ،72ـ في جدل النسان ،العدد ،16صا .1998 ،29
) (14ينظر :النسان ورموزه ,صا .382 ,374 ,359
) ( 15ينظر :الصول الحضارية والجمالية للخط العربي ،شاكر حسن آل سأعيد /دار الشؤون الثقافية العامة،
بغداد ،ط .أولى ،1988 ،صا 7ـ .81 ،80 ،77 ،32 ،11
) (16المصدر السابق :صا .191 ،162 ،114 ،64
) (17نفسه ،صا 219 ،205ـ .223
) (18نفسه ،صا .223 ،222 ،204 ،202 ،176 ،114 ،88
) (19نفسه ،صا .148 ،147 ،141
)(20نفسه ،صا .61 ،59 ،10 ،9
)(21نفسه ،صا .176 ،175 ،64 ،57
) (22نفسه ،صا .226 ،176 ،170 ،165 ،155 ،103 ،70
) (23نفسه ،صا .226 ،70 ،63 ،62 ،60 ،57
) (24نفسه ،صا .227 ،225 ،70
)(25ينظر :النسان ورموزه ,صا .382 ,378 ,376 ,374 ,371 ,363 ,362 ,360
) (26ينظر:فصول من تاريخ الحركة التشكيلية في العراق،الجزء الول،شاكر حسن آل سأعيد ،دار الشؤون
الثقافية العامة ،بغداد ،1983 ،صا 211ـ .214
) (27ينظر :رسأالة في سأياق الخطاب الجمالي ،شاكر حسن آل سأعيد /مجلة أسأفار ،العدد ،1994 ،18 ،17
صا 24ـ .25
)(28ينظر :النسان ورموزه ,صا .366 ,363
)(29ينظر :المدن في السألم حتى العصر العثماني ,الجزء الول ,شاكر مصطفى ,صا .370-367
)(30ينظر :النسان ورموزه ,صا .369 ,368
) (31ينظر :الصوفية والسوريالية ،صا 22ـ .26
) (32ديوان أبي بكر الشبلي ،جمع وتحقيق الدكتور كامل مصطفى الشيبي ،الطبعة الولى 1386ـ ،1967
صا .132
) ( 33ينظر :المعجم الصوفي ،الدكتورة سأعاد الحكيم ،دندرة للطباعة والنشر ،بيروت ـ لبنان ،الطبعة
الولى1401 ،هـ ـ 1981م ،صا .249
) (34ينظر :النسان في فكر اخوان الصفا ،الدكتور عبداللطيف محمد العبد ،دار العلم للطباعة ،صا .98
) (35المصدر السابق ،صا .70
) (36نفسه ،صا .199
) (37نفسه ،صا .99 ،72 ،70
) ( 38من الكتب الدبية التي اسأتوحت المربع والدائرة أو النقطة والدائرة كتاب )نقطة الدائرة( لناصيف
اليازجي ،بيروت ،المطبعة الميركانية .1948 ،و)النقطة والدائرة( لطراد الكبيسي دار الشؤون الثقافية
العامة ،1987 ،و)أنا النقطة فوق فاء الحرف( لشاكر حسن آل سأعيد ،دار الشؤون الثقافية العامة.1998 ،
) (39ينظر :النسان الكامل في السألم ،هانز شيدر ،ترجمة الدكتور عبدالرحمن بدوي ،الطبعة الثانية.
،1976صا .137
) (40المعجم الصوفي ،صا .514
) (41المصدر السابق ،صا .249
) (42نفسه ،صا .513 ،248
) (43نفسه ،صا .514
) (44ينظر :النسان الكامل في السألم ،صا ،125والمعجم الصوفي ،صا 181 ،158ـ .182
) (45شرح ديوان الحلج ،الجزء الول ،الدكتور كامل مصطفى الشيبي،مكتبة النهضة ،بيروت ـ بغداد،
الطبعة الولى1394 ،هـ ـ ،1974صا .214
) (46النسان الكامل في السألم ،صا .142
) (47ينظر :المعجم الصوفي ،صا .121
) (48المعجم الصوفي ،صا ،539عن ف .445 ،2وينظر :النسان الكامل في السألم ،صا .168
) (49ينظر :النسان الكامل في السألم ،صا .168
) (50المصدر السابق ،صا .214
) (51نفسه ،صا .147
) (52ينظر :المعجم الصوفي ،صا .158
) ( 53عبرت السوريالية ،وهي التي قلنا إنها تلتقي مع الصوفية في سألوكها المعرفي وفي تفسيرها للمعرفة
عن هذا الفهم لما تدل عليه )النقطة العليا( وهي من المصطلحات التي اهتمت بها السوريالية ،فيحددها
ل :كل شيء يدفع الى العتقاد بوجود نقطة روحية ينعدم فيها التناقض بين الحياة والموت، بريتون قائ ا
الواقعي والخيالي ،الماضي والمستقبل ،ما يمكن ايصاله وما ل يمكن .ومن العبث البحث عن محرك آخر
للفاعلية السوريالية غير المل بتحديد هذه النقطة التي هي بمنزلة كون يتلقى فيه الكون الداخلي الذاتي
والكون الخارجي الموضوعي ،وفيها تتجمع الطاقات اللهية التي حلم نيتشه بأسأتردادها والتي عاش فيها
التصوف العربي في نظرية الحلول وفي نظرية وحدة الوجود .في هذه النقطة العليا يتم النعتاق من عالم
الظواهر والعقلنية الموضوعية وتتم المعرفة .في النقطة العليا نتجاوز الغربة ونحظى بذاتنا الحقيقية ،وإذ
نحظى بذاتنا الحقيقية نحظى في الوقت ذاته بالعرفان ..ينظر :الصوفية والسوريالية ،صا 49ـ .51
) (54الفتوحات المكية ،محيي الدين ابن عربي /مطبعة دار الكتب العربية الكبرى بمصر ،جـ ،4صا .556
) (55كتاب الطواسأين ،منصور الحلج ،القاهرة ،مطبعة النديم ،1989 ،صا 26ـ .27
) (56ينظر :المعجم الصوفي ،صا .124
) (57كتاب الطواسأين ،صا .29
) (58النسان الكامل في السألم ،صا .177
) (59ينظر :المعجم الصوفي ،صا .181
) (60المصدر السابق ،صا .182
) (61نفسه ،صا .158
) (62النسان الكامل في السألم ،صا .113
) (63المصدر السابق ،صا .196
) (64شرح ديوان الحلج ،الجزء الول ،صا .204
) ( 65ديوان ابن الفارض ،حققه وقدم له المحامي فوزي عطوي ،الشركة اللبنانية للكتاب ،بيروت ـ لبنان،
صا .81
) (66ينظر هامش صا 81من الديوان.
) (67المصدر السابق ،صا .41
) (68الرمز الشعري عند الصوفية ،الدكتور عاطف جودة نصر ،دار الندلس ،دار الكندي ،بيروت ،ط.أولى،
،1978صا .144
) (69ديوان ابن الفارض ،صا .65
) (70ينظر :النسان الكامل في السألم ،صا .210
) (71ديوان ابن الفارض ،صا .64
) (72النسان الكامل في السألم ،صا .207
) (73ينظر :الرمز الشعري عند الصوفية ،صا 26
) ( 74من الحقائق العلمية التي تؤكد اقتران الدائرة بهذا الرقم ،أن العناصر في )الجدول الدوري( تتشابه
خواصها كل ثمانية عناصر ،أي أن الرقم ) (8ينقل الحركة الدورية الى بداية منطلقها فتتشابه ،وان الرقم )
(7يمثل نهاية الحركة الدائرية.
) (75النسان في فكر اخوان الصفاء ،صا 80ـ .81
) (76المعجم الصوفي ،صا .158
) (77نفسه ،صا .161
) ( 78في مباحثنا السابقة ،كنا قد انتهينا الى)قانون مطلق( أو عام يحكم كل الشياء والظواهر ويتغلغل فيها
مكون اا أسأاسأها وبنيتها الجوهرية.وقد اسأتخلصنا مبادئه ،وهذه المبادئ العامة نجد صياغتها النهائية في
علقة )المربع والدائرة( التي تمثل القانون الذي يحتوي كل تفاصيلها وهو ما نتوصل اليه من تأويلنا لهذين
الرمزين.
) ( 79آراء أبي بكر بن العربي الكلمية ،الجزء الول ،عمار طالبي ،الشركة الوطنية للنشر والتوزيع،
الجزائر ،صا 89ـ .90
) (80ديوان ابن الفارض ،صا .99
) (81كتاب الطواسأين ،صا .49
) (82المعجم الصوفي ،صا ،248عن الفتوحات المكية.1/5 ،
) (83المصدر السابق ،صا ،271عن الفتوحات المكية306 ،4 ،ـ .307
) (84الفتوحات المكية ،جـ .334 ،4
) (85المصدر السابق ،جـ ،4صا .301
) (86نفسه ،جـ ،4صا .300
) (87نفسه :جـ ،4صا .198
) (88نفسه ،جـ ،4صا .146
) (89نفسه ،جـ ،4صا .198
) (90نفسه ،جـ ،4صا .302
) (91المعجم الصوفي ،صا ،248عن الفتوحات المكية ،جـ ،3صا .126
) (92الفتوحات المكية ،جـ ،3صا .429
) (93ينظر :المنهج الجدلي عند هيجل ،صا .153
) (94الفتوحات المكية ،جـ ،4صا .280
) (95المصدر السابق ،جـ ،4صا .198
) (96نفسه ،جـ ،3صا .396
) (97نفسه ،جـ ،1صا .134
) (98ينظر :آراء أبي بكر بن العربي الكلمية ،جـ ،1صا .186
) (99ينظر :النسان في فكر اخوان الصفا ،صا .73
) (100آراء أبي بكر بن العربي الكلمية ،جـ ،1صا .91 ،89
) (101المبادئ الجدلية العامة التي كنا قد اشرنا اليها في الهامش رقم) (78تتضح في كل علقة تناقض
ومنها النسان ،فهو محكوم بمبادئ قانون ثابت لنه تضمه ثنائية متلزمة مكونة من ذكر وأنثى وهما
مختلفان في الجنس ،وقد تتبعنا في مبحث سأابق تطور العلقة بين الذكر والنثى عبر تاريخ النسان وما
تفترضه الفلسفة الجدليةـ التي قررنا مبادئها ـ لهذا التطور .وتتبعنا تطور هذه العلقة في جسم النسان
وتعرفنا على طبيعة الصراع بين الطراف المتناقضة أو المختلفة وتطوره ونتيجته التي ينتهي اليها.
) (102ينظر :النسان في فكر اخوان الصفا ،صا .111
) (103ينظر :الرمز الشعري عند الصوفية ،صا .156 ،148
) (104ينظر :المعجم الصوفي ،صا .248
) (105المصدر السابق ،صا .152
) (106ينظر :الرمز الشعري عند الصوفية ،صا .151
) (107ينظر :المعجم الصوفي ،صا .144
) (108ينظر :الرمز الشعري عند الصوفية ،صا .151
) (109ينظر :المعجم الصوفي ،صا .144
) (110المصدر السابق ،صا .145
) (111نفسه ،صا .146
) (112ينظر :الرمز الشعري عند الصوفية ،صا 152ـ .154
) (113ينظر :المعجم الصوفي ،صا .208
) (114شرح ديوان الحلج ،صا .157
) (115ديوان ابن الفارض ،صا .76
) (116المصدر السابق ،صا .63
) (117نفسه ،صا .73
) (118نفسه ،صا 98ـ .99
) (119نفسه ،صا .107
) (120نفسه ،صا .78
) (121نفسه ،صا 94ـ .95
) (122نفسه ،صا 101ـ .103
) (123السهروردي ،صا .97
) (124ينظر :شرح ديوان الحلج ،صا 171ـ .172
) (125الفتوحات المكية ،جـ ،1صا 134ـ .135
) (126شرح ديوان الحلج ،صا .170
) (127ينظر :الرمز الشعري عند الصوفية ،صا 148ولعل هذا المصطلح يشبه مصطلح المسيحية.
) (128السهروردي ،صا .78
) (129المصدر السابق ،صا .78
) (130نفسه ،صا .91
) (131شرح ديوان الحلج ،صا .171عن ديوان ابن عربي ،صا .211
) (132ينظر :الرمز الشعري عند الصوفية ،صا 160ـ .161
) (133شرح ديوان الحلج ،صا .167
) (134المصدر السابق ،صا ،168عن الديوان ،صا .33
) (135نفسه ،صا 168ـ .169
) (136نفسه ،صا ،168عن كتابه)المواقف( صا 60ـ .61
) (137الرمز الشعري عند الصوفية ،صا ،266عن الديوان الكبير لبن عربي ،ط .مكتبة المثنى /بغداد،
صا .26ويلحظ أن هذه التعابير قريبة من تعابير المسيحية التي يمكن حملها على المجاز والنظر الى ما
وراءها من الحقائق الفلسفية ،وهذا ما ذهب اليه هيجل.
) (138المصدر السابق ،صا ،226عن الديوان الكبير لبن عربي ،صا 55ـ .56
) (139نفسه ،صا .149
) (140نفسه ،صا140,134,ـ .149 ،145 ،141
) (141نفسه ،صا .150
) (142نفسه ،صا 144،151ـ .153
) (143نفسه ،صا 124ـ .125،146
) (144ديوان ابن الفارض ،صا .52
) (145المصدر السابق ،صا .59
) (146نفسه ،صا .71
) (147نفسه ،صا .84،89 ،83 ،82 ،58
) (148نفسه ،صا .55 ،53
) (149الفتوحات المكية ،جـ ،4صا .556
) (150ينظر :الرمز الشعري عند الصوفية ،صا .217،227 ،175،186 ،162
) (151ديوان ابن الفارض،صا .109
) (152المصدر السابق ،صا .62
) (153نفسه ،صا .68 ،66
) (154نفسه ،صا 56ـ .58
) (155الفتوحات المكية،جـ ،4صا .37
) (156ينظر :آراء أبي بكر بن العربي الكلمية ،جـ ،1صا .182
) (157ينظر :الرمز الشعري عند الصوفية ،صا 155ـ .158،231
) (158ينظر :المعجم الصوفي ،صا 144ـ .146
) (159المصدر السابق ،صا .145
) (160نفسه ،صا .121
) (161ديوان ابن الفارض ،صا .102
) (162ينظر :الرمز الشعري عند الصوفية ،صا .156،157 ،130،150
) (163ينظر :المعجم الصوفي ،صا .119
) (164ينظر :النسان في فكر اخوان الصفا ،صا 174ـ .175
) (165ينظر :الرمز الشعري عند الصوفية ،صا 140ـ .141
) (166الفتوحات المكية ،جـ ،4صا .280
) (167ينظر :الرمز الشعري عند الصوفية ،صا .157 ،148 ،126
) (168ينظر :النسان الكامل في السألم ،صا .177
) (169السهروردي ،صا .49 ،46
) (170النسان في فكر اخوان الصفا ،صا .164
) (171المصدر السابق ،صا .111
) (172ينظر :المعجم الصوفي ،صا .146
) (173ديوان ابن الفارض ،صا .53
) (174ينظر :النسان الكامل في السألم ،صا 107 ،52 ،32ـ .108
) (175ينظر :المعجم الصوفي ،صا .155
) (176المصدر السابق ،صا .156
) (177نفسه ،صا .154
) (178ينظر :شرح ديوان الحلج ،صا .171
) (179ينظر :المعجم الصوفي ،صا .153
) (180ينظر :النسان في فكر اخوان الصفا صا .221
) (181المعجم الصوفي ،صا .156
) (182ينظر :النسان في فكر اخوان الصفا صا .143
) (183المصدر السابق،صا .211
) (184ينظر :المعجم الصوفي،صا .145
) (185ينظر :النسان الكامل في السألم ،صا .137 ،113،131
) (186الفتوحات المكية ،جـ ،4صا .229
) (187ينظر :النسان في فكر اخوان الصفا صا .139عن)انشاء الدوائر(صا .4
) (188ينظر :المعجم الصوفي ،صا .161
) (189كتاب الطواسأين ،صا .130
) (190شرح ديوان الحلج ،صا .152
) (191المصدر السابق ،صا 154ـ .155
) (192نفسه ،صا .156
) (193ينظر :المعجم الصوفي ،صا 153ـ .154
) (194المصدر السابق ،صا .162عن كتاب )حلية البدال( ط.حيدر آباد ،صا .9
) (195نفسه ،صا .168
) (196النسان الكامل في السألم ،صا 202ـ .203
) (197المعجم الصوفي ،صا .168عن كتاب )الجوبة عن النسان الكامل( وهو مخطوط المكتبة الظاهرية.
) (198المصدر السابق ،صا ،162عن ف 2/391لبن عربي.
)) (199نفسه ،صا ،162عن ف .447 /3
) (200نفسه ،صا .162عن عقلة المستوفز ،صا .42
) (201نفسه ،صا .162عن نصوصا .1/55
) (202نفسه ،صا .163عن انشاء الدوائر ،صا .22
) (203نفسه ،صا 156ـ .157عن ف .296 /3
) (204نفسه ،صا .161
) (205نفسه ،صا .163
) (206نفسه ،صا .163عن ف .446 /2
)(207نفسه ،صا 161ـ .162
) (208ينظر :النسان الكامل في السألم ،صا .147
) (209المعجم الصوفي ،صا .162
) (210المصدر السابق ،صا .163
) (211نفسه ،صا .156
) (212نفسه ،صا .156
) (213ينظر :النسان الكامل في السألم ،صا .113
) (214المصدر السابق ،صا .27
) (215نفسه ،صا .109
) (216الفتوحات المكية ،جـ ،4صا .298
) (217المصدر السابق ،جـ ،4صا .298
) (218نفسه ،جـ ،4صا .299
) (219نفسه ،جـ ،4صا .212