You are on page 1of 59

‫في السأس الفلسفية للسميولوجيا جدل المربع والدائرة‬

‫بتول قاسأم ناصر‬


‫الحوار المتمدن‪-‬العدد‪01:36 - 1 / 9 / 2014 - 4561 :‬‬
‫المحور‪ :‬الفلسفة ‪,‬علم النفس ‪ ,‬وعلم الجتماع‬

‫في السأس الفلسفية للسميولوجيا جدل المربع والدائرة‬

‫مقدمة‪ :‬المعرفة التي يصدر عنها البحث)*(‬


‫يستعين هذا البحث بنتائج السميولوجيا أو علم العلمات لن البحث في دللة علمة كالمربع والدائرة يعني‬
‫السأتعانة بالسميولوجيا‪.‬وهو علم موضوعه دراسأة حياة العلمات في المجتمع‪ ،‬و ل يكتفي بظاهرها بل‬
‫يعمل على سأبرها‪ ،‬ويجهد نفسه ليعيد تحويلها الى معنى‪ .‬ويعد علم اللغة جزءاا من علم العلمات أو قد يعد‬
‫علم العلمات جزءاا من علم اللغة وامتداداا له لن كل وحدة سأميولوجية وكل تركيب دللي شفاهيا ا كان أو‬
‫مرئي اا هو كلمات او لغة خطاب‪ .‬واذا كان هذا العلم يؤكد أهمية اللغة الطبيعية فإنه ل يحصر الثقافة داخل‬
‫حدودها‪ ،‬فالنص الثقافي لديه ل يكون بالضرورة رسأالة تبث باللغة الطبيعية ولكنه رسأالة تحمل معنى‬
‫ل‪ ،‬وقد تكون رسأما ا أو عملا فنيا ا أو مؤلفا ا موسأيقياا أو بناية أو صورة فوتوغرافية أو فلما ا سأينمائيا ا‬
‫متكام ا‬
‫وهذه جميع اا تعد لغات من حيث أنها تنقل رسأالة من مرسأل الى متلق من خلل اسأتعمال شفرة نوعية وذلك‬
‫دون أن تخضع لقواعد بناء اللغة الكلمية كما يقننها النحو‪ .‬ومن هنا يدرس هذا العلم الطقوس والعراف‬
‫والعادات والتقاليد وغيرها بوصفها علمات أو إشارات تعبيرية وإن لم تكن لغوية‪.‬‬
‫ويعد سأوسأير الذي ارتبط به ظهور هذا العلم العلمة كياناا ثنائي المبنى يتكون من وجهين يشبهان وجهي‬
‫العملة النقدية ول يمكن فصل أحدهما عن الخر‪ ،‬الول هو الدال أي الصورة الحسية التي لها علقة‬
‫بالحواس التي تلتقط سألسلة الرموز الدالة وتستدعي الى الذهن صورة ذهنية أو فكرة أو مفهوما ا أكثر‬
‫تجريد اا من الصورة الحسية‪ .‬وهذه الصورة الذهنية أو المفهوم هو المدلول وهو الجانب الثاني للعلمة‪.‬‬
‫والمفهوم ل يعكس الواقع بل نوع من المعرفة بالواقع‪ .‬وهناك جانب ثالث يتمثل بالعلقة بينهما التي‬
‫يسمونها )الدللة( أو )الدليل( وهو الحصيلة الجمعية للطرفين الولين‪ ،‬فكل نسق سأميولوجي ل يتكون من‬
‫طرفين‪ ،‬بل من ثلثة أطراف مختلفة‪ .‬والسميولوجيا ل تدرس طرفاا بعد آخر ولكن الترابط الذي يجمعهما‪.‬‬
‫وقد يكون الدال مكوناا من مجموعة من الدلئل‪ ،‬ويمكن أن يكون للمدلول دللت متعددة‪ .‬وهناك أنماط من‬
‫الترابط بين الدال والمدلول‪ ،‬فقد يكون هناك تكافؤ بينهما‪ ،‬وقد يكون الدال ضيقاا وغير ملئم للمعنى‪ .‬وهناك‬
‫أنماط من العلقة بينهما قد تكون اعتباطية أو رمزية أو غيرها‪ .‬ويتكون رمز )المربع والدائرة( ـ الذي‬
‫يتفرغ البحث لدراسأته ـ بجانبه الحسي أو تكوينه الظاهر من وحدتين تضمهما علقة تقوم على الفروق‬
‫والختلفات تمثل البنية الجوهرية للحقيقة كما اسأتقرت في الفكر والمعرفة النسانية‪ .‬ونحاول في هذا‬
‫البحث فك رموز هاتين الوحدتين لنضع أيدينا على دللة هذا النظام الرمزي والرسأالة التي ينقلها‪ ،‬فنحن‬
‫نحاول اسأتخلصا البنية السأاسأية للفكر وللمعرفة التي تعبر عنها وحدات النظام‪ ،‬والتي اتخذت شعاراا فكريا ا‬
‫أو معرفيا ا أو حضاري اا اسأتمر يعمل في حياة المم في عصور التأريخ‪ .‬إننا نبحث عن الجوهري الذي ترتكز‬
‫عليه مظاهر الرمز بما يؤكد وجود نسق أسأاسأي ترتكز عليه كل المظاهر الخارجية للفكر‪ .‬فهذه العلمة إذن‬
‫ترتبط بحقيقة أسأاسأية‪ ،‬بموضوع‪ ،‬ولبد للعلمة من أن ترتبط بالموضوع‪ ،‬ول يمكن لها ال أن تصوره‬
‫وتخبر عنه بمعنى أن العلمة تفترض معرفة قبلية بالموضوع كيما تقوم بتوصيل معلومات إضافية بصدده‪.‬‬
‫وتتميز العلمات التي يستخدمها النسان بغنى وتعقيد تفتقر اليه العلمات الخرى‪ .‬وقد يكون منشأ هذا‬
‫الغنى أنها تحمل في طياتها نسقاا للعالم‪ ،‬أي ان البشر يودعون فيها نظرتهم للعالم‪ .‬وانطلقا ا من هذا التصور‬
‫توصف النظمة السيميولوجية بأنها أنظمة منمذجة للعالم‪ .‬أي انها تضع عناصر العالم الخارجي في شكل‬
‫تصور ذهني هو نمط دللي أو نسق من التواصل)‪ (1‬كالنسق الرمزي الذي ندرسأه‪ .‬ويكتسب هذا النسق أو‬
‫هذه العلمة دللتها وأهميتها من خلل وضعها في إطار الثقافة النسانية‪ ،‬فهي تمثل تراثا ا حضاريا ا مشتركا ا‬
‫لدى ثقافات كثيرة ول تخص تراثنا فقط‪ .‬وسأنحاول الكشف عن مظاهر تجلياتها وعبر تطورها في أكثر من‬
‫ميدان من ميادين الثقافة التي تعد من وجهة النظر السيميولوجية مجموعة من النظمة السيميولوجية‪.‬‬
‫فالثقافة ينظر اليها بأنها مجموعة علمات‪ ،‬لن كل شيء يمكن أن يكون رسأالة أو رمز أو علمة‪ ،‬فالعالم‬
‫في منتهى اليحائية وكل شيء يمر من وجود مغلق وصامت الى حالة ناطقة‪.‬وهكذا تنطلق كل الميادين‬
‫الثقافية من مفهوم العلمة لتعريف جميع عناصر العالم سأواء أكانت هذه العناصر حسية ملموسأة أم عناصر‬
‫مجردة‪ ،‬وسأواء أكانت عناصر مفردة أم عناصر متشابكة‪ .‬إن العلمة قد توضع أسأاسأاا للعالم بأسأره كالعلمة‬
‫التي ندرسأها والتي ضمنها الفكر البشري تصوراا للحقيقة الشاملة للعالم‪ .‬وهذه العلمة كالنظمة‬
‫السيميولوجية ل تقتصر وظيفتها على قدرتها على تشكيل العالم حسب‪ ،‬بل تمتلك أيضا ا وظيفة أخرى هي‬
‫نقل المعلومات التي تتضمنها وتحقيق التصال بين أفراد النسانية وقد كانت رمزاا إنسانيا ا مشتركا ا ـ كما قلنا‬
‫ـ‪ .‬وبهذا فإن المشاركين في عملية التصال ل ينتجون هذه النظمة فقط‪ ،‬بل انها تنتجهم كذلك‪ ،‬فهذه النظمة‬
‫توجه أفكار هؤلء المشاركين ويؤدي اسأتيعاب ثقافة معينة لعلمات من ثقافة أخرى الى إشاعة أو بث أنماط‬
‫من التفكير تضمنته علمات الثقافة الخرى‪ (2).‬ولقد عملت علمة )المربع والدائرة( على بث معرفة‬
‫أسأاسأية وجوهرية موحدة عن الكون والعالم والنسان وتوحيد الفكر البشري‪ ،‬ولهذا نستطيع أن نعد هذه‬
‫ل)‪ ،(3‬فهي عرف بشكل‬ ‫العلمة من قبيل )العلمة العرفية( التي هي نمط عام تواضع الناس على اعتباره دا ا‬
‫علمة أنشأه البشر وتواضعوا عليه‪ .‬أما كيف التقى البشر على هذه العلمة أو المعرفة العامة التي تعبر‬
‫عنها‪ ،‬وكيف تسنى لهم أن يتعارفوا عليها‪ ،‬ولماذا يتعارفون على معرفة بالرمز‪ ،‬ولمم ل يتعارفون عليها بلغة‬
‫الوضوح‪..‬؟‪ ..‬إن هذا نستعين في الجابة عنه ببعض المعارف منها الفلسفة التي ترى أن هنالك معرفتين‪:‬‬
‫معرفة عامة مطلقة تتجاوز الوجود النساني وترقى عليه وتسبقه ‪ .‬ومعرفة انسانية جزئية لحقة هي للعقل‬
‫البشري الذي يرتبط بهذه المعرفة العامة المطلقة‪ ,‬ويستمد منها ويتفاعل معها عبر علقة جدلية تربطهما‬
‫تستمد فيها المعرفة المحدودة من المعرفة اللمحدودة ‪ .‬وتتجاوز المعرفة المحدودة نفسها من خلل عملية‬
‫السأترفاد والتصال بأسأتمرار بالمعرفةاللمحدودة ‪ ،‬أو تتجاوزها المعرفة اللمحدودة في محاولة للوصول‬
‫أو اليصال الى هذه المعرفة اللمحدودة واللتقاء معها ‪ .‬فالفلسفة اذن تذهب الى أن هنالك معرفة عامة‬
‫مطلقة تتجاوز حدود العقل البشري ويرتبط بها هذا العقل وهو على اتصال بها وفي محاولة مستمرة‬
‫للوصول اليها ‪.‬‬
‫ونرى أن هذه المعرفة المطلقة تعبر عن نفسها بتعابير عامة كالرموز لنها تناسأب طبيعتها‪ .‬ويتلقى العقل‬
‫البشري من هذه المعرفة وشفراتها الرمزية عن طريق مصادر منها الحلم التي هي إحدى مصادر‬
‫السأترفاد من هذه المعرفة العامة المطلقة ‪ .‬وهناك ميادين أخرى للمعرفة غير الفلسفة تقول بوجود هذه‬
‫المعرفة الخرى العامة التي ترفد معرفتنا الجزئية وليمكن ان تنفصل عنها منها مايسمى بالفكار الخفائية‬
‫أوالسأرارية أو الباطنية ‪ .‬فترى هذه الفكار أن هناك معرفة عامة يلتقي عليها الناس جميعاا‪ ،‬وانها تعبر عن‬
‫نفسها بالرموز‪ .‬وان هذه المعرفة لتتم بالطرق المنطقية العقلنية‪ ،‬وهي تنفذ الى الجانب الباطن اللمرئي‬
‫من الوجود‪ ،‬هذا الجانب الذي يظل النسان دون محاولة الوصول اليه كائن ناقص الوجود والمعرفة‪ .‬إن هذا‬
‫اللمرئي أو الغيب ـ كما يسميه الفكر الديني ـ هو الكثر عمقاا‪ ،‬لنه الصل‪ ،‬ولهذا فإن الوقوف عند المرئي‬
‫ليس ال وقوفاا عند السطح والقشرة‪ ،‬وليس الوجود سأطحاا‪ ،‬وانما هو امتداد بل نهاية‪ ،‬في العمق وفي الفق‬
‫مع اا‪ .‬وقيمة التعبير في مدى كشفه عن هذا المتداد وعلقاته‪ ،‬في مدى كشفه عن بعد اللنهاية في النسان‬
‫والعالم‪ .‬هذا البعد الذي ل تقدر المعارف الوضعية أن تصل اليه‪ ،‬وانما المعرفة المتحررة من الجاهز‬
‫والعقلني‪ ,‬المعرفة الخيالية ـ العرفانية التي هي ادراك للشياء في كليتها وفي أشكالها البدئية ـ الصليةـ ‪.‬‬
‫وهي المكان الذي تنشأ فيه معرفة ما ليوصف‪ ،‬وقول ما ل يقال ‪ .‬وهي أوسأع من المعرفة الوضعية‪ ،‬فهذه‬
‫سأجينة الحدود الزمانية والمكانية‪ ،‬ول تتيح لنا ال معرفة جزئية وسأطحية للشياء‪ .‬أما هذه فهي معرفة في‬
‫مستوى الكون‪ ،‬معرفة تستقصي الجوهري‪ ،‬المضيء جداا‪ ،‬البعيد جداا‪ ،‬ذلك الذي يسمونه )الغيب المحايث(‬
‫أو )العالم الكبر(‪ .‬هذه المعرفة اسأتمرار لتقليد معرفي عريق يرى أن النسان ل يقدر لحسن حظه أن يعرف‬
‫السر‪ ،‬سأر النسان والكون‪ ،‬بدءاا من جلجامش الذي )رأى كل شيء( فرأى أن الحقيقة ليست في ما رآه‬
‫وعرفه‪ ،‬بل في ما لم يقدر أن يراه ويعرفه‪ .‬فالحقيقة ليست في ما يقال‪ ،‬في ما يمكن قوله‪ ،‬وإنما هي في ما‬
‫ل يقال‪ ،‬في ما يتعذر قوله‪ ..‬إنها في الغامض‪ ،‬الخفي‪ ،‬اللمتناهي‪ .‬وإن تعبير الذات عن الحقيقة أو ما نظن‬
‫أنه الحقيقة ل يستنفدها‪ ،‬بل إنه ل يقولها إنما يشير اليها‪ .‬وهكذا فإن معرفة الحقيقة تقتضي إعادة النظر في‬
‫العقل المحدد ضمن ذاته‪ .‬لماذا يكون كل ما في النسان عقلنياا؟‪ ..‬ولماذا ل نقبل بوجود عدد ل يحصى من‬
‫الممكنات لم تستكشف بعد‪ ،‬والتي يمكن أن تقدم حلولا انسانية محضة لمشكلة المعرفة والنسان‪ .‬انطلقا ا من‬
‫هذا ترى المعرفة اللعقلنية أنه لبد من تثبيت اللشعور بوصفه قوة مطلقة‪ .‬ولهذا أعطت هذه المعرفة‬
‫الهمية لعلوم السأرار كالسيمياء وعلم النجوم والتراث الصوفي السأراري‪ ..‬وغيرها من العلوم التي‬
‫تستشرف الغيب أو الجانب الخفي من الوجود‪ ،‬والتي تجد فيما بينها صلة قربى وتآلفاا‪ ،‬فهي تلتقي بشكل او‬
‫بآخر فيما وراء اللغات وفيما وراء العصور وفيما وراء الثقافات)‪ .(4‬وهذه المعرفة في وصفها لهذا الجانب‬
‫تلتقي مع ما يسميه علم النفس الحديث باللشعور الجماعي الذي قد تكون الحلم وسأيلة في النتقال اليه‬
‫والذي قد يعبر عن نفسه بالرمز‪ .‬وهنا لبد من أن نتطرق الى مايقوله علم النفس عن هذه المعرفة‪ ,‬ونركز‬
‫على مايقوله عالم النفس السويسري كارل يونج تلميذ فرويد لنه قد يلتقي مع الفكار السابقة ومع الفلسفة‬
‫التي يصدرعنها البحث في وصف هذه المعرفة التي تعبر عن اللوعي أو اللشعور الجماعي‪.‬‬
‫يفترض علماء النفس وجود نفس ل واعية ولو أن كثيرا من العلماء والفلسأفة ينكرون وجودها‪,‬لن مثل‬
‫هذا الفتراض يعني وجود ذاتين أو شخصيتين في داخل الفرد نفسه‪ .‬ويبين علماء النفس أن ماندعوه‬
‫بالنفس اللواعية ليتماثل مع وعينا ومحتوياته بأية حال من الحوال‪ .‬وأن كل من ينكر وجود اللوعي‬
‫يفترض في الحقيقة بأن معرفتنا الحالية عن النفس كاملة‪ .‬ومن الجلي أن هذا العتقاد يباري في زيفه بأننا‬
‫نعرف كل مايجب معرفته عن العالم الطبيعي‪ .‬إن نفسنا جزء من الطبيعة ومثلها فإن لغزها لحد له‪ ،‬هكذا‬
‫لنستطيع تحديد النفس ولالطبيعة‪ .‬وكان سأيغموند فرويد هو الرائد الذي أجرى أول محاولة لسأتكشاف‬
‫الخلفية اللواعية للوعي تجريبا"‪ .‬واسأتند الى الفتراض القائل بأن الحلم ليست امراا من أمور الصدفة‪ ,‬بل‬
‫إنها مرتبطة بالفكار الواعية‪ .‬وعد الحلم منطلقاا لعملية من )التداعي الحر( الذي يمكن أن يقود المرء من‬
‫أي حلم الى الفكار السرية الحرجة‪ .‬لكن يونج يكتشف بعده بأن ذلك كان اسأتخداما مضللا وغير ملئم‬
‫للتخيلت الثرية التي ينتجها اللوعي في النوم‪ ،‬فللحلم دللة خاصة‪ .‬وأصبح يعارض التداعي الحر كما‬
‫وصفه فرويد لكي يكون على أقرب مايمكن من الحلم نفسها وأن يقصي جميع الفكار والتداعيات غير ذات‬
‫الصلة التي قد تثيرها‪ .‬ومن هنا جاء مفهوم يونج عن اللوعي ليس كمفهوم فرويد الذي هو مجرد نوع من‬
‫الثقب للرغبات المكبوتة‪ .‬اللوعي هو جزء أسأاسأي وحقيقي من حياة الفرد بقدر ماهو الوعي‪ ,‬وهو أوسأع‬
‫وأغنى بل حدود‪ .‬إنه العالم )المفكر( للنا‪ .‬إنه تعبير مكمل وشخصي للوعي الفردي‪ .‬فالوعي واللوعي‬
‫داخل الفرد يعرف أحدهما الخر ويلئمه ويجامله‪ .‬أما ماهو مصدر اللوعي وما منشؤه ؟‪ ..‬فيبين أنه حين‬
‫يغيب شئ عن وعينا فإنه ليتوقف عن الوجود‪ .‬إن الفكرة في الحقيقة قد أصبحت لواعية أو في القل قد‬
‫انفصلت للحظة عن الوعي‪ .‬إنها ببساطة قد أصبحت بعيدة‪ ,‬لكن الفكار التي ضاعت مؤقتاا نصادفها وتعود‬
‫الينا فيما بعد من خلل اللوعي‪ .‬وهكذا فإن قسماا من اللوعي يشتمل على وفرة مما انحجب مؤقتا ا من‬
‫الفكار والصور التي على الرغم من فقدانها تستمر في التأثير في عقولنا الواعية‪ .‬كما أن بعض الفكار تفقد‬
‫طاقتها النفعالية وتصبح تحت عتبة الوعي )بمعنى أنها لتحوز على الكثير من انتباهنا الواعي بعد( لنها‬
‫قد أضحت تبدو غير مهمة او غير ذات صلة او لوجود سأبب يعلل رغبتنا في إزاحتها لجل ان نخلي مجالا‬
‫في عقولنا الواعية للجديد من النطباعات والفكار‪ ،‬وإن لم يحدث هذا فكل مانجربه سأيبقى فوق عتبة‬
‫الوعي وتصبح عقولنا مليئة بالركام بشكل ليطاق‪ .‬إن هذه الظاهرة معروفة على نطاق واسأع جداابحيث أن‬
‫معظم الناس الذين يعرفون شيئاا عن علم النفس يسلمون بها جدال‪.‬‬
‫ثمة وقائع لم ننتبه لها عن وعي‪ ,‬لقد بقيت إذا جاز التعبير تحت عتبة الوعي‪ .‬إنها قد حدثت ولكنها قد‬
‫امتصت تحعتبيا دون معرفة واعية منا‪ .‬وليمكننا أن نكون على دراية بمثل هذه الوقائع ال في لحظة حدس‬
‫او بعملية من التفكير العميق تقود الى تحقق تال من أنها حدثت فعل‪ ,‬وتنبع فيما بعد من اللوعي كنوع من‬
‫فكرة تالية ربما تظهر في شكل حلم ‪ ..‬وكقاعدة عامة فإن المظهر اللواعي لية واقعة يتكشف لنا في الحلم‬
‫حيث ل يظهر بكونه فكرة عقلنية بل صورة رمزية‪ .‬وتاريخياا مكنت دراسأة الحلم علماء النفس أول من‬
‫البحث في المظهر اللواعي للوقائع النفسية‪ .‬إن لغة و )ناس( اللوعي هي الرموز وإن وسأائل التصال هي‬
‫الحلم‪ .‬ول تقتصر الرموز على الحلم‪ ,‬إنها تظهر في كل أنواع التجليات النفسية‪ ,‬فثمة أفكار ومشاعر‬
‫وأفعال ومواقف رمزية‪ .‬إن علقة النسان برموزه هي علقته بل وعيه الخاصا‪ .‬الرموز تتضمن شيئا أكثر‬
‫من معناها الواضح والمباشر‪ .‬إنها ذات مظهر لواعي أعم لم يحدد بدقة او يوضح تماماا‪ .‬وإننا نستخدم‬
‫تعابير رمزية لنمثل مفاهيم لنكون قادرين على تحديدها او إدراكها تمام الدراك‪ .‬وهذا هو أحد السأباب التي‬
‫تجعل الديان توظف لغة أو صورا رمزية‪ .‬ويرى العالم يونج أن النسان ينتج رموزاا بطريقة عفوية‬
‫وبلوعي في شكل أحلم ‪ .‬وهو يذهب الى أن اللوعي الفردي للحالم يتصل بالحالم وحده وهو يختار رموزاا‬
‫لهدفه ذات معنى للحالم وليس لي شخص آخر‪ ,‬فهناك اسأتخدام فردي للرموز وليمكن تفسيرها ال بمفتاح‬
‫فردي‪ ،‬وهكذا يكون تفسير الحلم سأواء فسرها المحلل أو الحالم نفسه بالنسبة لعالم النفس اليونجي عمل‬
‫شخصيا وفرديا ا تماماا‪ .‬وهذا مانختلف به معه‪ ،‬فالرموز عامة مطلقة تتصل بعالم المطلق وتعبر عن معان‬
‫عامة لتخص الحالم وحده ‪ .‬وهذا يلتفت اليه يونج نفسه كأنه يستدرك على ماقرره وذلك من ملحظة بعض‬
‫الرموز ذات الدللة العامة‪ ,‬فهناك من الرموز ما هو عام وليست فردية بل جمعية في طبيعتها ومنشئها وهي‬
‫في المقام الول صور دينية‪ .‬وهكذا ينتهي الى أن التداعيات الشخصية التي ينتجها الحالم لتكفي عادة‬
‫لتفسير مقنع ‪ .‬في مثل هذه الحالت علينا أن نضع في اعتبارنا الحقيقة القائلة بأنه غالبا تحصل في حلم‬
‫ماعناصر ليست فردية ول يمكن أن تستمد من خبرة الحالم الشخصية‪ .‬وكان فرويد هو أول من لحظ هذه‬
‫الحقيقة وعلق عليها‪ ،‬وهذه العناصر وهي مادعاه بـ)البقايا المهجورة( انما هي اشكال ذهنية ليمكن تفسير‬
‫حضورها بأي شئ من حياة الفرد الخاصة وهي تبدو بأنها اشكال بدائية فطرية وموروثة في العقل البشري‪.‬‬
‫وكما أن الجسد البشري يمثل متحفاا كليا من العضاء وكل عضو يكمن خلفه تاريخ ارتقائي طويل‪ ،‬فإن‬
‫العقل منظم بطريقة مشابهة وأنه ليس نتاجاا بل تاريخ وهو بهذا كالجسد الذي يوجد فيه‪ .‬وليعني‬
‫بـ)التاريخ( حقيقة أن العقل يبني نفسه بإإحالة واعية الى الماضي عبر اللغة والتقاليد الثقافية الخرى وإنما‬
‫يشير الى التطور البايولوجي القبتاريخي واللواعي للعقل لدى النسان القديم الذي كانت ماتزال نفسه قريبة‬
‫من نفس الحيوان‪ .‬إن هذه النفس العريقة في القدم تشكل أسأاس عقلنا بالضبط مثلما أن تركيب جسدنا‬
‫مؤسأس على نمط تشريحي عام للحيوان الثديي‪ ,‬إذ تجد العين الخبيرة لعالم التشريح او لعالم الحياء العديد‬
‫من آثار هذا النمط الصلي القديم في أجسادنا ‪ .‬ومن خلل هذه الحقيقة يستطيع الباحث المجرب في العقل أن‬
‫يرى التناظرات مابين أشكال حلم النسان الحديث ونتاجات العقل البدائي ‪.‬‬
‫ومثلما يحتاج عالم الحياء الى علم التشريح المقارن فإن عالم النفس ليستطيع السأتغناء عن )تشريح‬
‫مقارن للنفس(‪ .‬وفي التطبيق يجب على عالم النفس أن ليكون على خبرة كافية في الحلم وفي النتاجات‬
‫الخرى للفاعلية اللواعية حسب‪ ,‬بل وبالميثولوجيا في معناها الوسأع ‪ ,‬فبدون هذه العدة ليس بقدرة أحد‬
‫ان يكتشف التناظرات المهمة ‪ .‬لقد كانت آراء يونج عن )البقايا المهجورة( التي دعاها بــ)النماط العليا(‬
‫و)الصور البدائية( ينتقدها باسأتمرار أناس يفتقرون الى المعرفة الكافية بسايكولوجية الحلم‬
‫وبالميثولوجيا‪ .‬إن مصطلح النمط العلى غالبا ماأسأيء فهمه بكونه يعني صوراا او موتيفات ميثولوجية‬
‫محددة‪ ,‬لكن هذه ليست أكثر من تمثيلت واعية‪ .‬وسأيكون من السخف الفتراض بأن هذه التمثيلت المتغيرة‬
‫يمكن أن تورث‪ .‬إن مايقصده يونج بالنمط العلى إنما هو تمثيلت يمكن أن تتغير بقدر كبير في التفاصيل‬
‫دون أن تفقد نمطها السأاسأي‪ .‬إن هذه النماط أو البنى السأاسأية والشكال الذهنية الفطرية والبتدائية التي‬
‫هي عناصر موروثة في العقل البشري يكمن خلفها تاريخ ارتقائي بعيد للعقل)‪ .(5‬إن هذا العقل المتصل على‬
‫مدى تاريخ النسان والذي تلتقي عليه وتستمد منه عقول كل البشر هو العقل الكلي الذي قالت به الفلسفة ‪,‬‬
‫وإنه العقل الكلي الكامن وراء تاريخ كل البشروالذي يظهرعلى مراحل ممثلة بعقول أفراد البشر‪ ,‬فكل منها‬
‫يمثل جزء اا منه يظهر في كل مرحلة‪ .‬هذا العقل الكلي كما تسميه الفلسفة او اللوعي كما يسميه علم النفس‬
‫هو المطلق الذي نتصل به في الحلم ونستمد منه فيها ‪ .‬والدليل على أنه المعرفة المطلقة أن الحلم تخبر‬
‫النسان في منامه بوقائع مستقبلية تتحقق فيما بعد‪ ،‬أي انها مصدر لمعلومات صحيحة صحة مطلقة‪ .‬وهذا‬
‫يؤكده بالتجربة علماء النفس فقد تعلن الحلم احياناا عن احوال محددة قبل وقت بعيد من حدوثها‪ .‬ويؤكدون‬
‫أنها كثير اا ماتقدم النصح والرشاد اللذين ليمكن الحصول عليهما من أي مورد آخر‪ .‬ويونج نفسه قد نصحه‬
‫لوعيه عن طريق الحلم‪ .‬وهذا يعني أن الحلم يصدر عن المطلق لذا يستطيع أن يتبصر بعواقب المور إذ‬
‫يستمد من الحقيقة التي لتعرف الخطأ والتي يسميها علم النفس اللوعي الذي هو في رأي يونج المرشد‬
‫العظم والصديق الناصح للوعي‪ ،‬واننا نعرفه ونتصل به بوسأاطة الحلم بشكل رئيس‪ .‬هذا اللوعي او‬
‫مانسميه العقل الكلي او الروح الكلي تتصل به أرواحنا او عقولنا الجزئية او تتفاعل معه‪ ،‬وإننا لنجد حتى‬
‫لدى البدائيين افكار ااعن وجود أكثر من وعي لدى النسان فيقال إن كثرة منهم تفترض أن للنسان )روح‬
‫ل عن روحه‪ ,‬وأن روح الدغال هذه _التي تقترب من مفهوم الفطرة العامة لدينا_تتجسد في‬ ‫أدغال( فض ا‬
‫حيوان وحش او شجرة يكون للنسان الفرد معها نوع من الهوية النفسية‪ .‬وهذا مادعاه عالم العراق‬
‫البشرية الفرنسي البارز لوسأيان ليفي – برول بالمشاركة الصوفية‪ ،‬ويؤكد أنها حقيقة سأيكولوجية معروفة‬
‫جيداا أن الفرد قد يملك مثل هذا التماهي اللواعي مع شخص او شئ آخر)‪ .(6‬أي إنه يتصل باللوعي بما‬
‫هو أعم منه ومايتجاوزه كيانا ا مفرداا‪ .‬إن اللوعي الذي نتصل به بالحلم التـي تعبر عنه تعبيراا دقيقا إنما‬
‫هو وعي عام يجاور وعينا ومعرفتنا الواعية ويتصل بها ‪ .‬ولقد وصفه علم النفس وكارل يونج خاصة بما‬
‫يلتقي مع وصف الفلسفة للمعرفة النسانية الكلية المتحققة عبر تاريخ وجود العقل النساني والتي‬
‫تصدرعن المعرفة الكلية المطلقة السابقة للعقل النساني والتي يصدر عنها ويتفاعل معها‪ ،‬فهو ضرب من‬
‫التفكير‪ ،‬أولي‪ ،‬ينجم تلقائياا عن الجماعة البشرية‪ ،‬متشابه بعضه مع بعض تشابهاا قد يصل الى حد التحاد‪،‬‬
‫فهو وحدة فكرية ونفسية تلم أعضاء المجتمع النساني كله أي إنه التاريخ الكلي للعقل النساني ‪ .‬ويتصل به‬
‫النسان من خلل لشعوره الفردي فيلتقي ببدايات الجماعات البشرية بما كان لها من عادات وتصورات‪،‬‬
‫فهو تعبير عن رواسأب فكرية ونفسية مختلفة لتجارب ابتدائية ل شعورية‪ ،‬أسأهم في تركها أسألف العصور‬
‫البدائية وورثت بطريقة ما في أنسجة الدماغ‪ .‬ويتم التعبير عن الوقائع العصرية في حياة أي مجتمع عن‬
‫طريق ربطه بها‪ ،‬إذ لبد أن يعرف الجديد بالقديم على أسأاس أن الجديد غامض غريب والقديم واضح‬
‫مألوف‪ .‬وهكذا تصل هذه المعرفة الولية النابعة من اللشعور الجماعي الى الحياة اليومية الحاضرة ممثلة‬
‫بالرمز من خلل ل شعور الفرد‪ .‬وإذا كان هذا الفرد فنانا ا أو شاعراا نجد في جذور قصائده موضوعات عامة‬
‫أو رموز اا تنتمي الى اللشعور الجماعي الذي أشرنا اليه تتجـاوز حدود الزمان‪ ،‬وتتكرر عند المرهفين حسيا ا‬
‫لن هؤلء يعيدون تفصيل ـ وخلل عملية حلمية ـ كل ما يمكن اسأتمداده من التجارب الولى حتى ولو كان‬
‫شعائريات النسان البدائي)‪ .(7‬وهكذا يبين علم النفس أن اللشعور الجماعي الذي هو الجانب اللمرئي في‬
‫الوجود هو عبارة عن معرفة عامة‪ .‬وهذا اللشعور الجماعي قد نتصل به بوسأاطة الحلم‪ ،‬فالحلم وسأيلة‬
‫لمعرفة المطلق‪ ،‬ووسأيلة للتصال بالمطلق وتجليته في حياتنا‪ ،‬لن تفصيلت حياتنا وأحداثها تترجم هذه‬
‫الحلم‪ .‬فحياتنا انعكاس عن عالم الحلم‪ ،‬وعالمنا المرئي يستمد من عالم الحلم ويصدر عنه‪ .‬ويعبر الحلم‬
‫بالرموز التي قلنا إنها عامة لنها تعبر عن معرفة عامة مطلقة‪ ،‬هـي المطلق والغيب والبدية التي نطل‬
‫عليها بوسأاطة الحلم‪ .‬ولهذا ورد في القرآن الكريم‪ ،‬وفي سأورة )يوسأف( التي تتصل بالحلم‪" :‬إن كنتم‬
‫للرؤيا تعبرون" ـ الية)‪ (65‬ـ أي تعبرون باطنها اللمرئي الى ظاهرها المرئي‪ ،‬تعرفون ربط هذه الرموز‬
‫بمدلولتها الواقعية التي وردت في القصة‪ .‬ومعرفة هذه الرموز وربطها بما تدل عليه من تفصيلت الحياة‬
‫الواقعية‪ ،‬يعني تحويلها الى واقع‪ ،‬وتحويل المعرفة بها الى معرفة عقلية واعية‪ .‬ولهذا قيل إن الرمز يصبح‬
‫)علمة عرفية( أي يدل على معرفة متعارف عليها بالعقل النساني بعد أن كانت معرفة كلية مطلقة غيبية‪.‬‬
‫وهكذا تنتقل هذه المعرفة من اللشعور الى الشعور‪ ،‬من الغيب الى الشهادة‪ ،‬ويعبر عنها بالرمز‪ ،‬فتصبح‬
‫رمزاا متعارف اا عليه بين الناس‪ .‬وإذا أخذنا بنظر العتبار أن الغيب هو الذي يوحي أو يعطي الى الشهادة‬
‫معرفة يعبر عنها بالرمز يصح تسمية هذا الرمز بعلمة )توقيفية( لنها معرفة يوقف الغيب البشر عليها‪.‬‬
‫إن المعرفة بعد هذا معرفتان‪ :‬معرفة تتصل باللشعور‪ ،‬ومعرفة أخرى عقلية ومكتسبة متعارف عليها‪ .‬وقد‬
‫سأمى فلسأفة المسلمين ما يلتقي مع هذه المعرفة الولى )المعرفة الضرورية( أو )العلم الضروري(‪ ،‬وتعني‬
‫ما اسأتقر في الطبع والفطرة من المعرفة‪ ،‬وهي ما يشترك به البشر جميعاا‪ ،‬ويتصل بوسأاطته البشر جميعاا‪.‬‬
‫فهي إذن معرفة موحدة جامعة تلتمس بالطبع او بالفطرة او بالحدس‪ ..‬وهذه المعرفة تلتقي كذلك مع المعرفة‬
‫التي تحدث عنها أعلم من البنيويين وهم يبحثون عن المعرفة )الجوهرية( أو )الصلية( أو )الثابتة( أو‬
‫)البدئية( أو )القبلية( التي هي السأاس الموحد والثابت لكل الظاهرات الوجودية‪ ،‬ولهذا تأثر البنيويون بعلم‬
‫النفس وبفرويد واسأتمدوا منه‪ ،‬ولهذا قيل عنهم إنهم يبحثون عن أبنية لواعية هي السأاس الول والصل‬
‫البدئي لهذه البنية الواعية‪ ،‬يبحثون عن معرفة لواعية هي السأاس للمعرفة الواعية‪.‬‬
‫واذا كان بحثنا يتصل بالمتصوفة ومعارفهم‪ ،‬فهي معرفة تتصل بهذين النوعين من المعرفة‪ ،‬وهي تهتم‬
‫بالمعرفة الولى خاصة‪ ،‬فهم يصرحون بأنهم يعرفون بالكشف والمشاهدة الروحية والتجلي‪ ،‬وهذه قريبة من‬
‫اللشعور الذي تحدث عنه علم النفس‪ ،‬وقريبة من الحدس‪ .‬وهم يعرفون أيضا ا بمعرفة واعية ومعرفة ناشئة‬
‫عن الكتساب‪ ،‬ومنها المعارف الربوبية التي تسلمتها النبوات المتواترة عن السماء وأشاعتها بين الناس‪،‬‬
‫فصارت تؤخذ بالكتساب‪ ..‬إن المعرفة الصوفية تتطلع الى اللمعقول‪ ،‬واللمرئي‪ ،‬والى الظاهر والباطن‬
‫وتنفذ من الظاهر الى الباطن ومن الباطن الى الظاهر‪..‬‬
‫والمعرفة لدى المتصوفة هي علقة بين النا والوجود‪ ،‬وهي تبعاا لذلك علقة اتحاد بين الذات العارفة‬
‫والشيء المعروف‪ .‬والوجود في الرؤية الصوفية ليس موضوعا ا خارجياا فقط يدرك بأداة من خارج كالعقل‬
‫والمنطق‪.‬‬
‫إن للوجود في الرؤية الصوفية جانبين‪ ،‬خارج وداخل‪ ،‬ظاهر وباطن‪ ،‬الظاهر واضح‪ ،‬عقلي‪ ،‬والباطن خفي‪،‬‬
‫قلبي‪ .‬الوجود بشكله الباطن )المطلق‪ ،‬ا( مجهول ل يعرف‪ ،‬سأر دائم‪ ،‬وهو بشكله الظاهر معروف وحاو‬
‫للشياء كلها‪ .‬يوصف المطلق صوفياا بأنه )كنز مخفي(‪ ،‬محجوب بالشياء‪ ،‬وأنه ل يعرف ال بزوال هذه‬
‫الحجب‪ .‬ان الشيء المخلوق حجاب يحول بين النسان والخالق‪ .‬ول يصل النسان الى الكشف عن المطلق‬
‫وأسأراره ال بنضال فكري أو روحي وجسدي يؤدي الى امحاء كل ما هو مادي حاجب‪ .‬إن مقاربة الوجود‬
‫بوسأاطة العقل التحليلي المنطقي ل تزيد النسان ال حيرة وضياعاا‪ ،‬تبعده عن نفسه وعن الوجود في آن‪.‬‬
‫المعرفة الحقيقية التي تهتم بها الصوفية‪ ،‬هي معرفة الشيء من داخل‪ ،‬ذلك أنها تلغي المسافة بينه وبين‬
‫العارف وتتيح للعارف تحقيق ذاته‪ ،‬فل نعرف الوجود ال بالشهود وفقاا للمصطلح الصوفي‪ ،‬أي بالحضور أو‬
‫بالذوق أو بالشراق‪ ،‬وهي جميعاا مصطلحات صوفية أيضاا‪ .‬إن المعرفة ل تتم ما دام العارف واعيا ا أناه أو‬
‫إنيته بوصفها خارجا ا أو ظاهراا حياتيا ا مندرجاا في الن اليومي‪ .‬هذه النا هي عائق أمام المعرفة لن فرديتها‬
‫حاجز يفصل بين العارف والمعروف فل يدرك الوجود حقاا ال بتجاوز هذه النا حيث يزول الوعي بها‪.‬‬
‫وزوال هذا الوعي هو ما تسميه الصوفية بالفناء‪ .‬فالفناء هو زوال العائق وامحاء الحجاب‪ ،‬وبالفناء اذن يتم‬
‫التطابق بين الحالة الذاتية للعارف والحالة الموضوعية‪ ،‬فلكي تعرف ابتعد عن ذاتك ـ كما يقول الجامي ـ‬
‫ويقول صوفي آخر‪) :‬بقدر ما تكون أجنبيا ا عن نفسك تكون قادراا على المعرفة(‪ .‬والفناء بوصفه معرفة‬
‫للمطلق‪ ،‬ثلث مراحل أو درجات‪ :‬المكاشفة‪ ،‬التجلي‪ ،‬المشاهدة‪ .‬ولئن كانت المكاشفة تكمن في )كشف‬
‫الغطاء( الذي يحجب النور اللهي‪ ،‬وكان التجلي يكمن في تلقي أنوار السر‪ ،‬فإن المشاهدة هي انعكاس او‬
‫حضور هذه النوار في القلب‪ ،‬هي أنوار تنعكس عليه كأنه مرآة صافية‪ .‬وهناك في المصطلح الصوفي مما‬
‫يقرب من هذه الحالت ما يسمى بالكرامات‪ ،‬وتنبه هذه الكلمة الى أن في كل فرد عتبة بين شعوره‬
‫ولشعوره‪ ،‬يكفي أن يعبرها لكي يرى واقعاا آخر اكثر غنى واتساعاا وموضوعات ومشاعر وأهواء ورغبات‬
‫ل تحصى ول تنتهي ينوء تحتها الشعور الذي تحده الحياة اليومية وتحاصره)‪ .(8‬إن المعرفة الصوفية هي‬
‫اذن تجاوز الفردية والجزئية المتمثلة بالوعي والمعرفة العقلية والدخول في المطلق المتمثل بالمعرفة‬
‫اللواعية التي قلنا إنها معرفة مطلقة وثابتة وأولية‪ ،‬أو انها تجاوز المطلق للفردي‪ ،‬تجاوز اللوعي‬
‫للوعي‪ ،‬حيث تفنى الذات الفردية بالذات اللهية المطلقة‪ .‬وهذا يوصف في فلسفة هيجل بأنه امتصاصا‬
‫المطلق أو اسأترداده للحظات النفصال الجزئية المتمثلة بالفراد والوعي العقلي الفردي‪ .‬ثم إن هذا المطلق‬
‫يعيد لفظ هذه اللحظات الجزئية ليعيد اسأتردادها ـ عبر الحياة والموت ـ وهكذا حتى يستكمل المطلق تحقيق‬
‫جميع لحظاته او جميع الخطوات التي يخطوها لكي يتجلى‪ ،‬لكي تتحقق المعرفة المطلقة في الواقع عبر‬
‫الواقعات الجزئية التي يمثلها الناس أو عقولهم المحدودة‪ .‬فتاريخ النسان هو تأريخ أو خطوات للمعرفة‬
‫المطلقة في سأبيل تحققها في الواقع أو الكشف عنها أو تجليها ـ كما يعبر المتصوفة ـ فالنسان المحدود‬
‫يفنى في المطلق‪ ،‬لكي يتزود عقله المحدود من العقل المطلق ويتلقى من أنوار السر اللهي‪ ،‬ثم يعود الى‬
‫الصحو‪ ،‬ثم الى الفناء‪ ،‬وهكذا حتى يتم الكشف عن المعرفة المطلقة أو تجليها كاملة في عالم الشهادة‪.‬‬
‫ويصف القرآن الكريم النوم الذي هو عالم الحلم الذي هو انتقال الى المطلق ومصدر للمعرفة المطلقة‪ ،‬بأنه‬
‫حالة وفاة‪ ،‬اسأتيفاء ا او المطلق للنفس النسانية‪ ،‬ثم اطلقها في اليقظة بعد رحلتها الى المطلق‪ .‬وهذا ما‬
‫يختلف به النوم عن الموت‪ ،‬فهذا اسأتيفاء ل رجعة منه في يقظة الى الحياة‪ .‬النوم والحلم إذن رحلة متكررة‬
‫بين الحياة والموت‪ ،‬الحياة والمطلق‪ ،‬رحلة معرفة الى عالم الغيب من عالم الشهادة‪ .‬ان المعرفة رحلة‬
‫مستمرة وحركة متصلة من بداية خلق النسان والى يوم القيامة‪ ،‬فالمطلق أو الغيب ليس نقطة نبلغها‬
‫وتنتهي عندها المعرفة‪ ،‬انه على العكس‪ ،‬يتطلب الحركة المستمرة اليه والسفر الدائم‪ ،‬وكلما كشفنا شيئا ا‬
‫ازدادت الشياء التي تتطلب الكشف‪ ،‬فل يمكن الوصول الى معرفة الغيب معرفة نهائية‪ .‬إن المعرفة الصوفية‬
‫انتقال الى )الروح المطلق( والعيش في عالمها‪ ،‬فليست علقة انفصال باردة بين العارف والمعروف‪ ،‬إنما‬
‫علقة اتحاد‪ ،‬تعقبها حالة انفصال وعودة الى الواقع‪.‬‬
‫يحدد وليم جيمس في مقالة معروفة خصائص الصوفية ومنها‪ ،‬أنها حالت روحية ل يقدر الكلم أن يصفها‬
‫ول أن ينقلها الى الخرين ‪ .‬ول يمكن معرفتها إل بأن يعاش فيها خصوصاا أنها اكثر ارتباطا ا باللشعور‪،‬‬
‫ونحن نكون مخطئين حين نحكم على مثل هذه الحالت من خارج‪ ،‬او حين نقووم عقلياا ما ل شأن للعقل فيه‪.‬‬
‫ومنها أنها حالت معرفية مع أنها حالت شعورية انفعالية‪ ،‬فهي معرفة بالروح ل بالعقل‪ .‬وهي حالت نفاذ‬
‫الى أعماق حقيقية لم يسبرها العقل بعد‪ .‬وأنها ل تدوم طويلا وغالباا ما تفشل الذاكرة في وصفها بعد أن‬
‫تنتهي‪ .‬ثم إنها ل تكاد تنشأ حتى يشعر صاحبها أنه فقد ارادته وانه معتقل أو مأخوذ بقوة عليا ل يستطيع أن‬
‫يتغلب عليها‪ ،‬إنها حالة تحكم أو سأيطرة المطلق على الجزئي‪ ،‬وهذه الخاصية تقرب هذه الحالت من بعض‬
‫الظواهر الخاصة كالنبوة والنخطاف والكتابة اللية والحلم‪ .‬هذا الذي يقوله وليم جيمس يقوله هنري‬
‫ميشو بطريقته الخاصة‪ ،‬واصف اا هذه الحالة التي تنعدم فيها الرقابة العقلنية‪ ،‬وحيث يعمل الفكر في داخل‬
‫فضائه الغامض دون أية رقابة‪ .‬ويسمي ميشو هذه الحالة حالة الطمس أو المحو‪ ،‬والكتابة التي تعبر عن‬
‫هذه الحالت غامضة بالضرورة‪ ،‬بل هي غير قابلة للقراءة بالنسبة الى الشخاصا الذين ألفوا برودة العقل‬
‫وبرودة الوضوح‪ ،‬لكن في هذه اللمقروئية كان يتم الكشف عن العمق‪ ،‬ل في ميدان اللغة وحدها‪ ،‬بل في‬
‫ميدان العالم الداخلي ايضاا‪ ،‬عالم النسان وعالم الشياء على السواء‪.‬‬
‫من أجل الكشف عن هذا العالم أو الوجود العمق والغنى والشمل يأتي الحلم والرؤيا والشطح والجنون‬
‫في التجربة الصوفية كوسأائل أو لغات أخرى تبطنها اللغة‪ ،‬وهذه كلها تشكل وسأائل لكتشاف طريقة ادراك‬
‫لحقائق ل يمكن ادراكها بالمنطق او العقل‪ ،‬فهذا يدرك المحسوس وحده أو المجرد وحده‪ ،‬يفصل بين المرئي‬
‫واللمرئي‪ ،‬بينما الدراك الصوفي يوحد بين المحسوس والمجرد‪ ،‬الظاهر و الباطن‪ ،‬المعلوم والمجهول‪.‬‬
‫إن الرؤيا بوصفها جزء اا من النبوة هي من ا‪ ،‬وهي مبدأ الوحي ول تكون ال في حال النوم‪ ،‬ويبدأ الوحي‬
‫بالرؤيا ل بالحس‪ ،‬إذ يتم تجاوز العقل والمنطق بفعل الخيال والحلم‪ ،‬تجاوز الواقع والوصول الى ما وراء‬
‫الواقع أو الغيب حيث السر والحقيقة والمعنى)‪ .(9‬فالحلم يعبر عن الغيب ونحن ننتقل الى الغيب أو المطلق‬
‫بوسأاطة الحلم وهو يستمد منه‪ ،‬ويحوله الى الواقع‪ ،‬يجليه فيه‪ .‬من هنا لم يكن الحلم في التجربة الصوفية‬
‫تماماا خارج الواقع أو غريب اا عنه‪ ..‬الحلم والواقع هما على العكس بالنسبة اليها وجهان لحقيقة واحدة‪،‬‬
‫إنهما جسم واحد لمرئي ولمرئي‪ ،‬ومن هنا ايضاا كانت الكتابة بالنسبة اليها تجربة الوصل بين المرئي‬
‫واللمرئي‪.‬‬

‫لقد أسأست الصوفية لكتابة يتوجه بها الصوفي نحو الغيب ويحاوره‪ .‬وعمدت من أجل ذلك الى اكتشاف آليات‬
‫البداع العفوي‪ ،‬التي تفلت من الكراهات التية من العقل الرقيب والفكر النقدي والمواضعات‪ .‬وهي تدفع‬
‫الكاتب الى الخروج من أناه المألوفة الى فضاء آخر‪ .‬ولهذا تبدو الكتابة في التجربة الصوفية غالبا ا مليئة‬
‫بالغرابة والتناقضات وتفكك الصور‪ ،‬مما يجعلها عصية على الفهم‪ .‬ولهذا أيضاا يذهب بعض الباحثين الى‬
‫اتهامها بالعتباطية والتخليط‪ ،‬لكن هؤلء ينسون أن الغريب‪ ،‬الفوضوي‪ ،‬المدهش‪ ،‬المحير‪ ،‬الغامض أسأاس‬
‫أول في الكتابة الصوفية‪ ،‬ول وجود لهذه الكتابة ال به‪ ،‬لن هذه الكتابة تفصح عن عالم هو نفسه غريب‬
‫وغامض ومحير‪ .‬إنها كتابة تيه لعالم نفسه عالم تيه‪ ،‬فحين يدخل الشاعر عالم التحولت ل يقدر أن يخرج‬
‫منه ال بكتابة تحولية‪ :‬أمواج من الصور الشراقية التي ل تخضع لمعايير العقل والمنطق والتي يتحول فيها‬
‫الواقع نفسه الى حلم‪.‬‬
‫بنية الكتابة في الصوفية تقوم على لغة التشويق للبحث والسؤال ومعرفة المجهول والدخول في حركة‬
‫اللنهاية‪ .‬هكذا تستجيب لبعد اللنهاية في المعرفة‪ ،‬بعد اللنهاية في التعبير‪ .‬الكتابة الصوفية تجربة في‬
‫الوصول الى المطلق‪ ،‬وهو ما نجده عند كبار الخلقين في جميع العصور‪ .‬ويأتي الرمز طريقة في الكتابة‬
‫الصوفية للتجاه نحو أعماق أكثر اتساعاا‪ ،‬والبحث عن معان أكثر يقينية‪ ،‬العودة اليها نوع من العودة الى‬
‫اللشعور الجماعي‪ ،‬الى ما يتجاوز الفرد‪ ،‬الى ذاكرة النسانية وأسأاطيرها‪ ،‬الى الماضي بوصفه نوعا ا من‬
‫اللوعي‪ .‬الرمز‪ ،‬لحظة التقاء بين الظاهر والباطن‪ ،‬المرئي واللمرئي‪ .‬وهو إذن نقطة اشعاع‪ ،‬مركز حركي‬
‫ينتشر في التجاهات جميعاا‪ .‬وهو في الوقت نفسه يعبر عن مستويات مختلفة من الواقع بكليته‪ .‬وفي هذا ما‬
‫يتيح للشاعر ل أن يكشف ما ل نعرفه وحسب‪ ،‬وإنما أن يعيد كذلك تكوين ما نعرفه بحيث يربطه بحركة‬
‫اللمعروف وبما ل نهاية له‪ ،‬وفي هذا المستوى تكون الكتابة معرفة‪.‬‬
‫لكن ما الرمز في العربية‪ ،‬وهل ترتبط دللته فيها بطريقة السأتعمال الصوفية؟‪ ..‬تقول مصادر اللغة‪ ،‬إنه‬
‫يعني الشارة‪ ،‬والشارة طريق من طرق الدللة‪ .‬ويقول الجاحظ‪ ،‬إن الدللة على المعاني ل تكون باللفاظ‬
‫وحدها‪ ،‬بل تكون كذلك بالشارة‪ ،‬وهي دللة سأريعة‪ ،‬خفية‪ ،‬وغير مباشرة‪ .‬ويقول قدامة بن جعفر عن‬
‫الشارة بأنها اليجاز‪ ،‬مشيراا الى أن الرمز هو كذلك ايجاز‪ .‬ويعرفها بقوله‪" :‬أن يكون اللفظ القليل مشتملا‬
‫على معان كثيرة‪ ،‬بإيماء اليها او لمحة تدل عليها"‪ .‬ـ نقد الشعر‪ ،‬صا ‪90‬ـ ويقول ابن رشيق مطوراا مفهوم‬
‫ل‪،‬‬‫الرمز‪ /‬الشارة‪ ،‬بأن الشارة هي )في كل نوع من أنواع الكلم لمحة دالة واختصار وتلويح يعرف مجم ا‬
‫ومعناه بعيد من ظاهر لفظه"ـ العمدة ‪1/206‬ـ فاللجوء الى الشارة والرمز إنما هو ايماء وتلميح لنها‬
‫محاولة للخفاء‪،‬وهذا ما بينه قدامة في حديثه عن الرمز‪ ،‬فيقول‪" :‬وإنما يستعمل المتكلم الرمز في كلمه‬
‫في ما يريد طيه عن كافة الناس والفضاء به الى بعضهم‪ ،‬فيجعل للكلمة أو الحرف اسأماا من أسأماء الطير أو‬
‫الوحش او سأائر الجناس‪ ،‬أو حرفاا من حروف المعجم ويطلع على ذلك الموضع من يريد إفهامه‪ ،‬فيكون‬
‫ذلك قولا مفهوما ا بينهما‪ ،‬مرموزاا عن غيرهما‪ .‬وقد أتى في كتب المتقدمين من الحكماء والمتفلسفين من‬
‫الرموز شيء كثير‪ ،‬وكان أشدهم اسأتعماال للرمز افلطون‪ .‬وفي القرآن من الرموز أشياء عظيمة القدر‬
‫جليلة الخطر‪ ،‬وقد تضمنت علم ما يكون‪ ..‬واطلع على علمها الئمة المستودعون علم القرآن"‪.‬ـ نقد النثر‪،‬‬
‫صا ‪61‬ـ ‪ .62‬فالدللة الرمزية علم خاصا يودعه ا لدى المنتخبين من عباده‪ .‬ويرعى المتصوفة هذه‬
‫الرغبة في النتخاب ليداع المعرفة لذا يحرصون على التعبير بالرمز‪ .‬يصف القشيري المتصوفين بأنهم‬
‫"يستعملون ألفاظ اا فيما بينهم قصدوا بها الكشف عن معانيهم لنفسهم والخفاء والستر على من باينهم في‬
‫طريقتهم‪ ،‬لتكون معاني ألفاظهم مستبهمة على الجانب‪ ،‬غيرة منهم على أسأرارهم أن تشيع في غير أهلها‪،‬‬
‫إذ ليست حقائقهم مجموعة بنوع تكلف أو مجلوبة بضرب تصرف‪ ،‬بل هي معان أودعها ا قلوب قوم‬
‫واسأتخلص لحقائقها أسأرار قوم‪ ".‬الرسأالة القشيرية‪ ،‬طبعة بولق‪1984 ،‬هـ‪.‬صا ‪ .40‬وهكذا يكون قوام‬
‫الرمز في اللغة العربية كامن اا في اليجاز وبعد المعنى عن ظاهر اللفظ‪ ،‬أي في الغموض‪ ،‬لن اللفاظ تعابير‬
‫عن عالم غامض‪ ،‬عن العالم اللمرئي‪ ،‬أو عن عالم الغيب أو المطلق‪ ،‬كما لدى الصوفية‪.‬‬
‫يمكن أن نصف تجربة الكتابة الصوفية‪ ،‬بأنها تجربة موت بالدللة الصوفية للعبارة‪ :‬موت عن الظاهر‬
‫الجتماعي بمختلف مستوياته وعلقاته من أجل الحياة في الباطن الكوني‪ .‬لذلك لبد من تجاوز عالم الظاهر‪،‬‬
‫ولبد من تجاوز لغة الظاهر‪ .‬نتجاوز عالم الظاهر باللغة نفسها‪ ،‬نسكرها‪ .‬يجب أن نخلق نشوة في اللغة‬
‫تتطابق مع نشوة التجربة‪ .‬والحق ان لكل كاتب صوفي هدفاا أول هو اكتشاف )لغة كونية( تعبر عن المطابقة‬
‫بين اللمنتهي )المعنى( والمنتهي )الصورة(‪ .‬وهذه لغة تتكلم دون وسأاطة العقل‪ .‬إنها لغة تخطف القارئ‪،‬‬
‫تنقله الى اللمنتهي‪ .‬فكما )يسكر( الصوفي‪ ،‬تسكر لغته‪ .‬إنه يخلق للغة نشوتها الخاصة في أفق نشوته‪ .‬ل‬
‫يعبر عن نشوة النسان ال لغة منتشية هي أيضاا‪ .‬يجب ان تخرج اللغة هي أيضاا من نفسها‪ ،‬كما يخرج‬
‫الصوفي من نفسه‪ ،‬بهذه اللغة نتيح لما هو قائم في مكان آخر‪ ،‬في الغيب أو الباطن أن يجوز الى عالمنا‬
‫الظاهر‪ ،‬وتتيح لنا هذه اللغة أن نضع اللمنتهي في المنتهي‪ ،‬كما يعبر بودلير‪.‬‬
‫هذه اللغة جسر يربط بين الباطن والظاهر‪ ،‬بين المعروف والمجهول‪ .‬وبما أن الغاية هي الكشف عن هذا‬
‫المجهول‪ ،‬فإن طريقة التعبير ليست بيانية او بلغية‪ ،‬وإنما هي بدئية تنبثق مع الحركة نفسها التي ينبثق‬
‫بها الحدس الشعري‪ .‬لغة عصية على التقاطها عقلياا‪ ،‬أي عصية على التدجين والتكييف مع المحسوس‬
‫الواقعي‪ .‬هي واقعية من حيث أنها تكشف عن الصلي الجوهري‪ ،‬لكنها في الوقت نفسه تفلت من الواقع‬
‫الملموس من حيث أنها تشير الى ما يتجاوزه‪ ،‬ذلك أنها ناشئة من هذا الجدل الصاعد الهابط معا ا بين ا‬
‫والنسان‪ ،‬بين الوجود غير المرئي والوجود المرئي‪ .‬وهي لذلك مشحونة بالحلم وبعناصر لعقلية كالسحر‬
‫والهذيان والجنون والشطح والنخطاف‪.‬‬
‫إن الظاهر في هذه اللغة ليس هو الذي يتكلم بل الباطن‪ .‬وليست الصورة هي التي تكتب‪ ،‬بل المعنى‪.‬‬
‫والصوفي آخر في اللغة‪ ،‬آخر موضوعي لحظة هو ذاتي‪ .‬ولذلك ليس هو الذي ينطق بالمعنى ويكتبه في‬
‫صورة‪ ،‬بل المعنى هو الذي ينطقه ويكتبه‪ .‬ليس هو الذي يفكر ويكتب‪ ،‬بل هو المفكر به والمكتوب كما يقول‬
‫رامبو ‪ .‬وهكذا تكون النا هي الخر ول تعود الذات الفردية هي التي تتكلم‪ ،‬بل الذات الكبرى الكونية الكامنة‬
‫فيها‪ .‬فل ذاتية إذن في هذه اللحظة البداعية الكبرى‪ ،‬بل الذات هي نفسها الموضوع من حيث أنها الخر‬
‫والكون‪ ،‬أو من حيث أن )العالم الكبر ينطوي فيها()‪.(10‬‬
‫‪..........‬‬
‫يلتقي مع تصور الصوفية هذا للمعرفة ولعملية البداع بعض الحركات الفكرية والتجاهات الدبية في العصر‬
‫الحديث‪ .‬وهي ل تلتقي معها التقاء تأثر وتأثيرأو امتداد وتفاعل بقدر ما هي مسألة ذلك التوتر الروحي‬
‫المشترك بين الخلقين جميعاا‪ ،‬والذي يجد أصحابه أنفسهم سأائرين في البحث عن حلول له على طرق‬
‫متشابهة قد تصل الى نتائج متشابهة‪ ،‬فالفكار تلتقي على طريق الحقيقة‪ .‬ومن هذه الحركات والتجاهات‬
‫الرومانتيكية والرمزية والسوريالية‪ .‬ففي مطلع القرن العشرين بدأ اتجاه مناوئ للوضعية مما مهدت له‬
‫كتابات نيتشه وبرغسون في ما يقوله عن الدفعة الحية والحدس والذاكرة‪ ،‬وفرويد ومفهومه الجديد للحياة‬
‫النفسية‪ .‬وكانت المسألة في هذا كله تتمركز حول إعادة النظر في طريقة رؤية الشياء وفي طريقة التعبير‬
‫عنها‪ .‬هكذا نشأ )روح جديد( نقيض للمفهوم التقليدي عن الفن المكتمل الذي يخضع لقواعد ثابتة‪ .‬وتعقد‬
‫دراسأات أوجه تشابه بين الصوفية وبين هذه الحركات الفكرية أو الدبية التي سألكت سألوكها المعرفي ‪.‬‬
‫وتركز على الحركة السوريالية منها خاصة‪ ،‬وتتفرغ لدراسأة تقاربها مع الصوفية‪ .‬لقد كانت أولية العالم‬
‫الداخلي على الواقعي من المسلمات عند الرومانتيكيين‪ ،‬وكان الشعر يحمل أبعاداا فلسفية عند هوغو والفرد‬
‫دوفيني‪ ،‬وكان الرومانتيكيون عامة يقدمون الحساسأية والخيال والحلم والشهوة على العقل ومنطقه‪ .‬وأعمق‬
‫ما في الرومانتيكية مما أثر في السوريالية هو قولها‪ :‬إن الشاعر نبي يقرأ نص العالم ويدرك قوانين الكون‬
‫الخفية بطريقة حدسأية‪ .‬ولعبت الرمزية دوراا كبيراا في نشأة السوريالية‪ ،‬فقد أخذ الشعر مع بودلير منحى‬
‫صوفياا‪ ،‬واسأتناد اا الى ذلك تأسأس مفهوم المطابقة عنده بين المرئي واللمرئي‪ .‬وذهب رامبو الى أبعد من‬
‫ذلك فجعل من الشاعر رائي اا يمارس كيمياء الكلمة‪ .‬وجهد السورياليون لكي يصلوا الى سأحر العالم والى‬
‫تحريك القوى النفسية في الفرد‪ ،‬والى الممارسأة السحرية للغة‪ ،‬وللقبض على )الحجر الفلسفي( مع إرادة‬
‫التأثير على الواقع وممارسأة النقد الذاتي والجتماعي في آن‪ ..‬وقد تأثر السورياليون تأثراا كبيراا بالخفائية‬
‫والباطنية وبالنظرة القائمة على المعرفة الحدسأية فيما وراء العقلنية‪ ،‬المعرفة المتعالية التي يؤسأس بها‬
‫الفرد ميتافيزياء كونية‪ .‬هذه المعرفة إيقاظ‪ ،‬تولد ذكرى ما كنا قبل ضياعنا في عالم المحسوسأات‪ .‬يكشف هذا‬
‫كله عن أن السريالية تقول بوجود مجال يتجاوز سألطات العقل وبأن النسان ل يستثمره‪ .‬وأن رؤية النسان‬
‫العقلني للعالم سأطحية‪ ،‬ولكي يبلغ العجيب والخارق لبد له من أن يغير تأويله للعالم الذي يحيط به‪ .‬المدار‬
‫السأاسأي لتجربة رامبو التي تجعل منها السوريالية مرجعية أسأاسأية هو تخطي المرئي الى اللمرئي كما هو‬
‫الشان في التجربة الصوفية‪ .‬ويقول إن إلهامه الرائي أتاح له أن يبلغ المعرفة فاتحاا له أبواب اللوعي‪ ،‬وإن‬
‫الشاعر يصبح رائياا بتعطيل لجميع الحواس طويل ومدروس وفائق الحد‪.‬‬
‫لقد أعلن السورياليون قطيعتهم مع المجتمع القديم وأسأسه كلها ومع أخلقه وجماليته ووضعيته‪ .‬والمنهج‬
‫الذي سألكوه هو السأتكشاف المنظم لللوعي عبر تجارب متنوعة مثل الحلم والجنون والخيال وحالت‬
‫الهلوسأة والتوهم‪ .‬والشعر أداة لمثل هذا البحث الداخلي‪ ،‬ولهذا اسأتلهموا فرويد واسأتخدموا كشوفه‪ ،‬من‬
‫أجل الوصول الى المعنى المجهول في الكائن النساني‪ .‬ومن هنا اهتمت السوريالية كثيراا بالشرق ورأت فيه‬
‫مستودع قوى وطاقات روحية لخدمة ثورة دائمة‪ .‬ويرى السورياليون أن الشرق هو في آن مجال صوفي‬
‫ومكان تحررت فيه الرغبة‪ .‬وكان لهنري غيتون أثر حاسأم عليهم‪ ،‬فقد كان يرى أن الغرب يجتاز مرحلة‬
‫سأماها )العصر القاتم(‪ ،‬وأن الشرق خارج هذا العصر‪ ،‬لنه حافظ على التقاليد المعرفية الخفائية ومبادئها‪.‬‬
‫وينتمي السورياليون الى هذا التجاه الفكري الفلسفي اللعقلني‪ ،‬اتجاه الديان السرية‪ ،‬بحثا ا عن ينابيع‬
‫السر فيما وراء مقولت المنطق من أجل العثور على الطاقة في حالتها البدئية وعلى الكلم الحي‪ ،‬كلم‬
‫السأطورة التي تعطي للعوالم الداخلية أشكاال ملموسأة‪ .‬ويعبر عن هذه العوالم الداخلية بتيار اللشعور الذي‬
‫يفصح عن ذاته بالحلم وبالكتابة اللية واللإرادية‪ .‬ويؤسأس بريتون للعلقة بين الحلم والفكر الصلي القائم‬
‫في أعماق النسان‪ ،‬ففي الحلم تمحى القوانين المنطقية والعقلنية‪ .‬الحلم يسلم النسان الى كون خاصا‪،‬‬
‫كون الصور الداخلية والى المد اللشعوري‪ .‬هكذا حين ل يكون النسان نائماا يكون لعبة في يد ذاكرته‪،‬‬
‫والذاكرة هي التي تلغي الحلم وتقتله‪ .‬ومن هنا يتساءل بريتون عما إذا كانت حالة الحلم هي الكثر قربا ا الى‬
‫الفكر الصلي والى طبيعة النسان العميقة‪ ،‬ولماذا إذن ل نعطي للحلم ما نرفض أحيانا ا أن نضفيه على‬
‫الواقع‪ ،‬أعني بعد اليقين؟‪ ..‬ولماذا ل ننتظر من الحلم أكثر مما ننتظر من الوعي؟‪ ..‬ثم أليمكن أن يفيد الحلم‬
‫هو أيض اا في حل مشكلت الحياة السأاسأية؟‪ ..‬ومقابل هذه القيمة أو هذه الهمية التي يمثلها الحلم‪ ،‬ل تبدو‬
‫حالة اليقظة ال عائقا ا محض اا‪ ،‬فاليقظة من هذا السياق حالة غياب عن الحقيقة‪ ،‬وان حقائقها جزئية وهامشية‬
‫بعيدة عن المركز الحي الخلق للفكر‪ .‬ويرى موريس بلنشو أن )حريات الكتابة( في تاريخ السوريالية‬
‫)مرتبطة بتجارب النوم(‪ ،‬فهذا النوم يلغي كذلك الرقابة التي تعيق الفكر ويفتح أبواب المدهش وأبواب‬
‫الحرية‪ .‬تؤدي ممارسأة هذا النوم الى نوع من إلغاء ملكية النسان لذاته‪ ،‬وملكية الواقع الخارجي‪ ،‬إذ ل‬
‫رقابة من أي نوع يمكن ان تتدخل بين النائم والواقع كما تتدخل بين المستيقظ والواقع‪ .‬وجاء في مقدمة‬
‫العدد الول من مجلة )الثورة السوريالية( ان الحلم وحده يترك للنسان جميع حقوقه في الحرية‪ ،‬ول يعود‬
‫الموت بفضل الحلم معنى غامضاا‪ ،‬ويفتقد معنى الحياة أهميته‪ ،‬نحن جميعاا تحت رحمة الحلم وعلينا أن‬
‫ل لما ل يقال‪ .‬ويرتبط الحلم‬ ‫نتحمل سألطته‪ .‬هكذا أعطت هذه المجلة الولية لسرد الحلم‪ ،‬بحيث تكون تسجي ا‬
‫بالهذيان‪ ،‬إذ يتم تجاوز العقل والمنطق بفعل الخيال والحلم والهذيان‪ ،‬يتم تجاوز الواقع والوصول الى ما‬
‫وراء الواقع أو الغيب بلغة الصوفية‪ ،‬حيث السر والحقيقة والمعنى‪ .‬السوريالية اكتشاف للعماق الداخلية‬
‫الذاتية‪ ،‬وهي كذلك اكتشاف لعالم خارجي‪ .‬ويؤكد بريتون أن الحلم والواقع المتناقضين في الظاهر سأيتحدان‬
‫في نوع من الواقع المطلق‪ ،‬سأوريالي‪ ،‬وهذا ما يقابل التحاد او الوحدة بين الظاهر و الباطن في الصوفية‪.‬‬
‫واذا كان الحلم يقدم للنسان واقعا ا جديداا يتيح له مطابقات جديدة بينه وبين الوجود‪ ،‬ويفتح أمامه أبعاداا‬
‫جديدة‪ ،‬فإن كل ما يحقق مثل هذه المطابقات يكتسب بالضرورة اهمية أولى‪ .‬ومن هنا اهتمت السوريالية‬
‫بعلوم السأرار‪ ،‬ويطالب بريتون بالهتمام بهذه العلوم كعلم النجوم والسيمياء‪ ،‬ويشدد على ضرورة )البحث‬
‫عن السر()‪.(11‬‬
‫ل عن السوريالية وغيرها من الحركات الدبيـة التـي اهتمـت‬ ‫وفض ا‬
‫بالجوانب الخفية اللمرئية الكامنة وراء الظواهر‪ ،‬هنالك لون من النقد يتصل بهذه الحركات والفكار‪ ،‬يسمى‬
‫)نقد النماذج العليا( أو )النقد السأطوري( الذي اكتسب أبعاداا تنظيرية وتطبيقية واسأعة في اسأهامات نقاد‬
‫مثل )مودبودكين( التي نشرت في العام ‪ 1934‬كتاب )أنماط نموذجية في الشعر( ثم )نورثروب فراي( الذي‬
‫هو أكثر تأثيراا والذي كاد هذا المنهج أن يرتبط باسأمه خاصة بعد صدور كتابه الشهير )تشريح النقد( في‬
‫العام ‪ . 1957‬ويقوم هذا النقد على تحديد النموذج العلى بأنه نمط من السلوك او الفعل او نوع من‬
‫الشخصيات أو شكل من أشكال القص او صورة او رمز في الدب والسأاطير وكذلك في الحلم‪ ،‬وهذا ما‬
‫يهتم به بحثنا‪ ،‬إذ يدرس رمزاا يتصل بمعرفة مطلقة‪ .‬ويعكس هذا الرمز في هذا النقد أنماطا ا أو اشكالا بدائية‬
‫وعالمية عامة أو نموذجية ثابتة‪ ،‬تعبر عن مشاعر ورغبات وأفكار عامة مستمرة‪ .‬وهذا يشبه ماتحدث به‬
‫علم النفس عما سأماه )البقايا المهجورة( أو )الصور البدائية( أو )النماط العليا( كما مر معنا‪ .‬وفي كتابه‬
‫)تشريح النقد( يدلل فراي على ما يقول بدراسأة عدد هائل من العمال الدبية الغربية‪ ،‬تنتظمها نماذج عليا‪،‬‬
‫تأخذ شكل تكوينات أسأطورية‪ .‬ويقترب فراي بذلك من البنيوية‪ ،‬بل إن من الممكن أن نعد أعمال ذلك الناقد‬
‫وغيره من أصحاب نقد النماذج العليا إرهاص اا للبنيوية من حيث انها تبحث في المكونات الثابتة الصلية‬
‫للخيال الثقافي والدبي النساني تماماا كما تفعل البنيوية)‪ .(12‬ولقد ظهر لدى البنيويين على اختلف‬
‫تخصصاتهم ميل واضح الى فكرة النسق الشامل ووضع أطر أو قوالب أسأاسأية تندرج ضمنها كثرة الظواهر‪.‬‬
‫وان هذه الطر أو القوالب لها عندهم طبيعة باطنية كامنة حتى لو اتخذت مظاهرها أشد الصور حسية‪.‬‬
‫وتهتم أبحاث لعلم البنيوية في بنية الفكر والمعرفة بالبحث عن العلقات الداخلية والنسق الكامن في‬
‫المعرفة الذي يتمثل بهذه المعرفة اللواعية او الولية او الفطرية‪ .‬وتسعى الى تجاوز المظهر الذي تبدو‬
‫عليه من أجل النفاذ الى تركيبها الباطن‪ .‬وهو ما نحاوله في هذا البحث الذي يحاول الغوصا في عمق النظام‬
‫الرمزي للمربع والدائرة الذي يعبر عن البنية السأاسأية للمعرفة ممثلة بوحدات هذا النظام‪ .‬كما يستهدي هذا‬
‫البحث بنتائج الفلسفة المثالية‪ ،‬ونخص منها فلسفة هيجل التي ناقش بحثنا منطلقاتها العامة‪ ،‬وهذا مافعلناه‬
‫في بحوث لنا سأابقة)‪ ،(13‬فنحن نستفيد من المشروع الفلسفي الشامل لهذا الفيلسوف الكبير الذي بحث عن‬
‫النسق أو النظام الجوهري الذي ترتكز عليه كل المظاهر الخارجية للوجود‪ .‬وهذا النظام الجوهري هو‬
‫المعرفة او الفكر المطلق الثابت الذي تستمد منه معرفتنا النسبية المحدودة‪ .‬العقل النساني المحدود يرتبط‬
‫بالعقل المطلق ويستمد منه ليحول المعرفة المطلقة الى واقع من خلل أفعال النسان‪ ،‬التي تعبر عن‬
‫معرفته ‪ ،‬ليجلي المطلق ـ بتعبير المتصوفة ـ في الوجود الظاهر الواقعي‪ .‬وتبقى العلقة بين العقلين او‬
‫المعرفتين مستمرة يتم من خللها تجاوز هذه المعرفة النسبية المحدودة المتمثلة بالعقول النسانية عبر‬
‫حركة النفي او التجاوز التي يقوم بها العقل المطلق حتى يتحقق العقل الكامل ممثلا بالنسان الكامل وحتى‬
‫يتحقق المجتمع الكامل الذي تسوده القوانين المطلقة‪ .‬فبحثنا إذن يستمد من هذه الفكار كلها ويؤكدها من‬
‫خلل الدب‪ ،‬والدب الصوفي خاصة‪ ،‬فلقد تلقى المتصوفة أفكاراا عامة‪ ،‬جوهرية أو توصلوا اليها بالحدس‬
‫أو الكشف الروحي أو الوجداني الذي يتصلون بوسأاطته بالحقائق العامة الكلية المطلقة‪ .‬وقد عبر أدباء‬
‫المتصوفة عن هذه المعرفة بهيئة رموز لم تنفصل عن معناها الصيل في أذهان الدباء ومتلقي الدب بما‬
‫يؤكد قدرتها على تحقيق التصال بينهما ونقل المعلومات أو المعرفة التي تعبر عنها ومن هذه الرموز‬
‫المهمة لديهم رمز )المربع والدائرة(‪ .‬وسأنعمد الى تحليل هذا الرمز الذي تضمن تلك الفكار لنصل اليها‪.‬‬
‫وقبل أن نحلل هذه الرموز في )الدب الصوفي( الذي عرف عنه تعبيره بالرمز‪ ،‬وفي سأبيل التتبع التاريخي‬
‫للبدايات الولى لسأتعمال هذه الرموز في تاريخ الثقافة وارتباطها بالفكر الصوفي‪ ،‬نحاول أن ندرس هذه‬
‫البدايات في بعض مظاهر الفن عبر تأريخه‪.‬‬

‫رمز)المربع والدائرة( في بعض مظاهر الفن والثقافة العامة‪ ،‬القديمة والحديثة‪:‬‬

‫ظهر رمز المربع والدائرة أو )النقطة والدائرة( في الدين والسأاطير والحلم كما ظهر في الفنون‬
‫والتصاميم السأاسأية للمدن في الفن المعماري‪ .‬ويستنتج الدارسأون من أنها تشير على الدوام الى حقائق‬
‫للحياة أعظم وأكثر جوهرية‪ .‬فالمربع يشير الى الحقائق الروحية المطلقة‪ ،‬وتشير الدائرة الى الكلية النهائية‬
‫والكمال النساني‪ ،‬فهي رمز للنفس وقد وصف افلطون النفس بكونها دائرة ‪ .‬وكان بعض من يتفحص‬
‫أعمال الفن القديمة التي تعود الى الحقب القديمة يظنها نتيجة جهل وعدم دراية وعجز ونقص في الكفاءة‬
‫ولم يدركوا أنها ليست كذلك‪ ،‬وأنها تعبير عن انفعالت ومعتقدات دينية وروحية محددة‪ .‬وهي تملك اليوم‬
‫جاذبية خاصة لن الفن منذ النصف الخير من القرن العشرين مر مرة أخرى عبر مرحلة ملحة يمكن نعتها‬
‫بالتخيلية ‪.‬‬
‫وتعود البدايات الولى للفن الرمزي التخيلي الى مرحلة بعيدة في التاريخ‪ ،‬ففي النقوش الصخرية التي ترقى‬
‫بتاريخها الى العصر الحجري الحديث قبل اختراع الدولب ظهرت دوائر تدعى )دواليب الشمس( وهي رموز‬
‫عبر بها انسان العصر الحجري‪ .‬ويعود منشؤها في حوض البحر البيض المتوسأط الى اللف الثالثة قبل‬
‫الميلد)‪ (14‬أو قبل ذلك‪ .‬وقدظلت هذه الرموز تؤثر في وعي النسان ويتجلى تأثيرها في منجزاته الفنية‬
‫والحضارية‪ .‬ومن هنا يأتي دورها في اشاعة معرفة موحدة متصلة اتصال الجنس النساني‪ .‬وقد حاولت‬
‫بعض الدراسأات أن ترتد بالمعرفة التي تشير اليها هذه الرموز في بعض الظواهر الفنية الى المعرفة القديمة‬
‫التي أوحت بها السأتعمالت الولى لهذه الرموز‪ .‬ففي دراسأة للفنان الرائد شاكر حسن آل سأعيد للخط العربي‬
‫الذي يعكس السمات الصلية للثقافة العربية والسألمية يحاول إرجاع القيم المعرفية التي يعبر عنها هذا‬
‫الخط ـ من خلل اعتماده نظام التربيع والتدويرـ الى البدايات الولى التي عبر بها النسان بهذه الرموز‬
‫والممتدة عميق اافي التاريخ ‪ .‬ففي دراسأته )الخط العربي وأصوله الحضارية والجمالية( يستبطن في الخط‬
‫العربي قيم اا واعتبارات بعيدة ووثيقة الصلة بتكوينه الراهن‪ .‬ويحاول فصد نسغه الداخلي والغوصا في‬
‫أعماقه واكتشاف قيمه الظاهرة والخفية وتحليله وإعادة تقويمه تقويماا يكشف عن أسأسه الجمالية‬
‫والحضارية البعيدة‪ .‬لقد سأعى الى العودة به الى أبعد مصدر ممكن‪ ،‬فأكد تجذر الخلف في السلف‪ ،‬فلم يبحثه‬
‫من منظور فني أو تاريخي‪ ،‬لن جل البحوث التي تلتمس هذا المنظور لم تمس الطبقات التحتانية التي‬
‫تستنبطها الظواهر المدونة‪ ،‬بل اقتصرت على السحنة الظاهرية وتعمقت بها‪ .‬فيبادر هو الى دراسأته دراسأة‬
‫معرفية بقصد اسأتكناه المعرفة التي وراءه‪ ،‬والكشف عما تحمله الحروف‪ .‬وأكد أن الخط ليس أداة لتمرير‬
‫المعنى اللغوي فقط‪ ،‬بل موضوع لمعرفة متشعبة الطراف‪ ،‬فهو كيان معبر عن حضارة بأكملها وليس مجرد‬
‫وسأيلة لغوية‪ .‬وأن أهداف الخط والفن يمكن أن تكون هي نفسها في كليهما‪ ،‬فلهما هوية واحدة‪ .‬وعاد الى‬
‫الصول البعيدة التي نشأت عنها الوسأائل الولى للتدوين‪ ،‬أي الى تلك المراحل المعروفة للكتابة الصورية‬
‫والمقطعية والمسمارية‪ ،‬بل الى ما قبل ذلك‪ ،‬الى المرحلة التي ظهرت فيها الزخارف على الفخاريات في‬
‫العهود القديمة وكأنها لغة أخرى مدونة بوسأائل ما قبل تدوينية‪ .‬فلقد وسأع البحث عن هويته التراثية‪،‬‬
‫ووصل الى فحواه من خلل تأريخه الثقافي‪(15).‬‬
‫والذي قاده الى اعتبار الحرف وسأيلة للمواصلت الذهنية وللمعرفة‪ ،‬هو ما لفت انتباهه في الصول الولى‬
‫للتدوين‪ ،‬وهو وجود الفكر التربيعي في صلب نظام الخط العربي‪ ،‬فهو يتكون عبر النظام التربيعي وكذلك‬
‫الشكل الدائري‪ ،‬ففي هذا الخط تحوير لرؤوس بعض الحروف العربية الى ما يشبه الدائرة‪ .‬فالحرف ينغلق‬
‫على نفسه‪ ،‬فهو دائرة مغلقة وبداخلها النقطة المركزية‪ .‬والنقطة تقوم مقام المربع‪ ،‬فقد تتحول الى الشكل‬
‫المربع أو المعين)أ(‪ .‬وفي نظام التربيع تبرز علقة ما بين المركز والمحيط‪ ،‬ففي الزخارف المشتقة من‬
‫الكوفي المربع نجدنا إزاء )نقطة مركزية( أو مربع و)حركة محيطية( أو دورة‪ .‬ويؤول المر بهذه الدورة‬
‫على محيط المربع الوهمي ومركزه المحور الى مربع وسأطي الى رسأم الصليب المعقوف المتكون عند‬
‫تقاطع وحدتين زخرفيتين خطيتين ) (‪(16).‬‬
‫إن اهتمامه بالخط الكوفي المربع الذي يكون التربيع هو الوحدة الزخرفية السأاسأية فيه والصليب المعقوف‬
‫هو المصطلح الشكلي له)ب(‪ ،‬يقوده الى الهتمام بالوفاق التي تعتمد في كيانها على نظام التربيع أيضاا‪،‬‬
‫بالرغم من أن موضوعه يتعلق بالجانب اللغوي وعلقته بالعمل الفني الزخرفي‪ .‬ولقد اسأترعى انتباهه أنه‬
‫يجد أن بعض الكتابات بالخط الكوفي المربع تتفق ونظام الوفاق الى مدى بعيد‪ .‬والوفاق جمع وفق‪ ،‬وهو‬
‫جدول رباعي تسير أوضاعه بموجب علم الحروف)الجفر(‪ .‬ومعناه أن يزدوج كل من معنى الحرف والقيمة‬
‫الحسابية للعدد الذي يرافقه‪ ،‬فإذا رتبت هذه الحروف وفي ضمنها قيمتها العددية‪ ،‬وجمعت تلك القيم كانت‬
‫التنائج واحدة في كل ضلع منها‪ .‬إن الذي لفت نظره لول وهلة هو وجود الفكر التربيعي في صلب نظام‬
‫الوفاق‪ ،‬وإن الوحدات التسع للوفق الثلثي على فلك زحل)ت( تظل مرتبة في داخل مربع واحد‪ .‬وقد نبه‬
‫على أن للوفق عبارته الغيبية‪ ،‬أي تأثيره السحري‪ ،‬وان هناك تعاطفا ا شكليا ا سأحرياا ما بين الحرف والعدد في‬
‫الوفاق‪ ،‬وان الحرف هو بمنزلة الجسد‪ ،‬أما العدد فهو بمنزلة الروح‪ ،‬فكأن الوفق حينما يجمع بينهما إنما‬
‫يؤلف الوجود بمحوريه المادي والروحي فالوفق يمثل العلقة الجدلية بين الروح والمادة‪(17).‬‬
‫لقد تساءل الفنان آل سأعيد عن سأر التزام النظام التربيعي‪ ،‬وأعاد هذا التساؤل الى المرحلة التاريخية التي‬
‫ظهر فيها النظام الرباعي الى الوجود‪ ،‬والى طبيعة الذهن النساني الذي تشبث بالشكل الرباعي‪ ،‬ومن ثم‬
‫بالفكر الرباعي‪ ،‬وتلك المرحلة هي التي يمكن تحديدها بحدود )‪5000‬ق‪.‬م( أي حينما رسأم النسان رسأومه‬
‫الزخرفية على فخاريات دور سأامراء ممعناا في تدوين أشكال حيوانية أو نباتية أو انسانية ضمن نسق‬
‫رباعي‪) ،‬ث( وهذا ما تظهره فخاريات معينة جاء بعضها على شكل الوفق الثلثي ذي المربعات التسعة‪.‬‬
‫ورأى أن هذه الحقيقة التي تظهرها الحضارات القديمة تقطع الشك باليقين في أصل العلقة ما بين علم‬
‫الحروف ورسأوم الفخاريات الولى‪ .‬فإذا كانت الوفاق تعتمد في كيانها على نظام التربيع فلبد من أن‬
‫اليمان بهذا النظام يمثل تجذر الذهن البشري بكل ما يوازيه في الحياة من حقائق‪ .‬وكما يربط ما بين علم‬
‫الحروف والوفاق والرسأوم في فن العراق القديم‪ ،‬يربط بينها وبين الخط الكوفي‪ .‬فالخط الكوفي المربع وإن‬
‫كان يعد من الظواهر الفنية الخاصة بالعصر السألمي ال أن أصوله البعيدة كانت ممتدة في حضارة وادي‬
‫الرافدين‪ ،‬ذلك لنها تنهل كما هو معروف في تسميتها وبنائها الزخرفي من فكرة التربيع القديمة‪ .‬وينتهي‬
‫الى أن الخط العربي والزخرفة متأثران بالفكر السألمي والصوفي خاصة تأثرهما بالفكر الرافديني القديم‪.‬‬
‫ولهما بكل تأكيد نسب بالفكر السأيوي‪ ،‬وبفنون الصين والحضارة الرعوية في أواسأط آسأيا عن طريق‬
‫الحتكاك المباشر للعالم السألمي بالحضارات المجاورة التي تأصلت فيها ثقافات عريقة ذات اهتمام بالتربيع‬
‫بوصفه قيمة جمالية‪ ،‬وعن طريق الترجمة عن اليونانية وسأواها من اللغات‪ .‬وهذا ما أسأهم بدخول تأثيرات‬
‫حضارية وثقافية من الحضارات المجاورة على تلك العمال الفنية ل سأيما أن لمواطن هذه الحضارات‬
‫نفسها تقاليد دينية أو صوفية لبد من أنها كانت سأتسهم في التأثير في التقاليد السألمية نفسها‪ .‬إن جذور‬
‫الخط الكوفي ترتبط بالمواطن التي ازدهر فيها الفكر الصوفي‪ ،‬وأهم مواطن الفكر الصوفي هي الصين بعد‬
‫الهند موطنه الول‪ .‬فليس بالمستبعد أن يكون لذلك أثره في ازدهار هذا النوع من الخط لنه يتفق‬
‫والتصورات الصوفية‪ ،‬إذ ان المربع من الرموز التي اهتم بها المتصوفة‪ ،‬وكذلك الدائرة‪ ،‬وقد صدروا عن‬
‫الرؤية الكروية للعالم فأحتفوا بالدائرة احتفاءهم بالمربع او النقطة التي ترتبط كما يوضح الفنان آل سأعيد‬
‫بالعين السومرية)ج( والدوائر ذوات النقاط المركزية في التقاليد الزخرفية في العراق القديم‪(18).‬‬
‫إن هذا يعني أنه في خلل مسيرة الخط والفن في الحضارة العربية السألمية فإنهما اكتسبا مزايا حضارية‬
‫جديدة‪ ،‬كما عبرا عن التواصل مع القديمة كما يتضح في نظام الوفاق والكوفي المربع‪ .‬إن مسيرة الخط‬
‫العربي تعكس التاريخ الثقافي للوجود العربي بمعناه الواسأع‪ .‬وقد اسأتطاع التعبير عن سأمات الفكر‬
‫السألمي‪ ،‬فهناك بنية ل شعورية للكتابة ورصيد ل واعي يخفيه الخط ورصيد اجتماعي هو وليد المحيط‬
‫الذي تطور فيه‪ .‬وهو يستبطن كل الشعور الميثولوجي لمجتمعات الكتابة السومرية واللغة الزخرفية لعصر‬
‫ما قبل السللت في العراق وما يوازيها في البيئات الخرى‪ ،‬مثلما يستبطن اللوعي الديني لمجتمعات‬
‫الكتابة البجدية ورصيدها الفكري المتطور‪ .‬ولقد ظلت اللغة العربية محتفظة برصيدها الفكري هذا في جميع‬
‫مراحل حياتها الحضارية مثلما ظلت محتفظة به الفنون الزخرفية‪ ،‬توأمها‪(19).‬‬
‫إن بنية الخط والزخرفة تستبطن أفكار اا وعقائد تتأثر بها‪ ،‬وهي تنتقل ـ كما يبين السأتاذ آل سأعيد ـ انتقالا ل‬
‫واعيا ا أو غيبيا ا أو سأحريا ا أو كرامي اا‪ .‬وهو يستخدم كلمة التخاطر أو التلباثي‪ ،‬وهو انتقال الفكار بين كائنين‬
‫انتقا ال ل يعتمد على المواصلت الحضورية بينهما‪ ،‬بل يعتمد على المواصلت الغيابية‪ .‬وهذا السأتخدام ذو‬
‫صفة حضارية‪ ،‬أي انه يتم ما بين مرحلتين حضاريتين‪ ،‬أو كيانين إجتماعيين‪ ،‬الول كان موجوداا في‬
‫الماضي والخر موجود في الحاضر‪.‬‬
‫الرسأوم والشكال الهندسأية التي ظهرت على الفخاريات الولى في العراق قبل ظهور المراحل الولى للكتابة‬
‫المسمارية كالمرحلة التصويرية أو المرحلة الرمزية والمرحلة المقطعية كانت خطوات انتقال بين البداية‬
‫السحرية للغة الطبيعية واللغة النسانية الصرف‪ .‬إنها نوع من التدوين السحري‪ ،‬لغة تقتصر على الطبيعة‬
‫وكأنها لغة حيوانية أو نباتية‪ ،‬لغة لم تدخل بعد طور الثقافة‪ ،‬وقراءتها كمدونة تقتصر على نوع من الوعي‬
‫القريب من مفهوم الطبيعة ل الثقافة‪ ،‬أو هي أقرب الى اللغة الغيبية أو الماورائية التي تخص عالم السحر‬
‫والكرامات والدروشة وتحضير الرواح‪ ،‬الخ‪ ..‬ويقول الفنان آل سأعيد إن هذه الرسأوم ذاتها تشبه المرحلة‬
‫الصورية وهي في حالة تطورها الى كتابة مسمارية في المرحلة الرمزية‪ ،‬فهي تمثل الشكل والمعنى في آن‬
‫واحد‪ .‬وكانت بمنزلة التدوين الكتابي‪ ،‬أو لنقل دللت لغوية أو مفاهيم دينية عن ذهنية انسانية مازالت تجمع‬
‫ما بين الثقافة النسانية واللوعي والحدس بالطبيعة وبما وراء الطبيعة من قوى‪(20).‬‬
‫إن فحوى النظام التربيعي في بنية الخط والزخرفة هو إخضاع العنصـر‬
‫الزخرفي الى مبدأ التدوير‪ ،‬دورة حول الجهات الربع للشكل المربع الذي يمثل المركز أو النقطة أو السكون‬
‫المركزي‪ ،‬في حين يمثل محيطه حركة مستمرة‪ .‬ان العلقة بين السكون المركزي والحركة المحيطية هي‬
‫علقة بداية وحركة مستمرة‪ ،‬البداية للسكون والتطور عن هذه البداية للحركة‪ .‬البداية للمربع والتطور‬
‫للحركة الدائرية حوله‪(21).‬‬
‫السكون والحركة هما الفكرة التي يعبر عنها مبدأ التربيع والتدوير قبل أن يصبح ظاهرة فنية لغوية على‬
‫شكل رسأوم أو جداول أوفاقية أو زخارف‪ .‬الفكرة هي انطلق الحركة من السكون الذي يمثل المركز أو‬
‫المربع أو النقطة التي يعقد علم الحروف على هويتها أهمية عظيمة‪ .‬وهي حقيقة حقائق الحروف في الفكر‬
‫الصوفي‪ ،‬فهي تحقق معنى تطوير القوة الى الفعل‪ ،‬القوة التي تحتل مركز الوفق في المدونات الوفاقية‪،‬‬
‫فهي وجود بالقوة يتحول الى وجود بالفعل بوسأاطة الدائرة التي تمثل معنى الفعل أو الحركة أو تمثل العرض‬
‫من الجوهر أو الوجود بالقوة الذي يمثله المركز‪.‬‬
‫النقطة غياب وامحاء لي ظهور للوجود‪ ،‬إنها تحقق معنى الغياب في الحضور‪ ،‬الغيب في الشهادة‪ .‬والمركز‬
‫خال من أي شيء ظاهر‪ ،‬فهو رمز للغياب وللسكون‪ .‬وهناك أشكال تدور حوله في تلك الرسأوم والرموز‬
‫القديمة‪ ،‬فالدورة لها أشكال أي لها ظهور‪ .‬ونلحظ من خلل بعض الشكال أنها لنساء او لناث)ح(‪،‬‬
‫فنستنتج أن الدائرة أنثى في مقابل المركز‪ ،‬الذكر‪ .‬ولقد قلنا إن المركز يمثل الجوهر أو الوجود بالقوة في‬
‫مقابل الدائرة التي تمثل العرض‪ .‬فالرجل والمرأة جوهر وعرض‪.‬‬
‫إن أسألوب الكتابة العربية يعبر من خلل المربع أو النقطة والدائرة عن‬
‫العلقة بين السكون والحركة‪ ،‬وهما يمثلن في رأي السأتاذ آل سأعيد واقع النسان البدوي في صحرائه إذ‬
‫يجمع بين السأتقرار والحركة‪ .‬ويستمدان من موقف النسان المتنقل المستفز‪ ،‬النسان البدوي المستضاف‬
‫من الواحة والمحيط‪ .‬إنها ترجمة لرحلة ايقاعية هي في أقصى مستوياتها رحلة دنيوية وأخروية معاا‪(22).‬‬
‫والعلقة بين المربع والدائرة أو السكون والحركة‪ ،‬علقة بين الموت والحياة أو الولدة‪ ،‬أو الموت والبعث‬
‫والنشور‪ .‬وهذا ينسجم مع فكرة الخصوبة المعروفة بسياقها المتكامل ما بين الولدة والموت ثم البعث‬
‫والنشور‪ .‬إن ظهور الخط الكوفي المربع في العراق والشام يرجح ـ كما يبين السأتاذ آل سأعيد ـ معنى ازدهار‬
‫الفكر الزراعي في مناطق وديان النهار التي كانت مهد الحضارات الزراعية الولى‪ .‬ولقد أوغل السومريون‬
‫في اسأتقرائهم للحياة النتاجية في فكرة الخصوبة مكتشفين شكلها السرمدي في مدى تعاقب الحياة والموت‬
‫عبر النظام التربيعي والشكل الدائري اللذين كان لهما دور مهم في تجسيد الفكر الخصوبي حتى أصبحا‬
‫رمزين مهمين من رموز القوى المؤثرة في العالم النباتي‪ ،‬فكأنهما الشكل المادي لفكرة الخصوبة‪ ،‬فهما‬
‫يعبران عن العلقة المتكاملة بين الفصول وإيقاعها وتتابعها‪) ،‬دورة( الفصول )الربعة(‪ :‬الربيع والصيف‬
‫والخريف والشتاء‪ .‬وهذا مطابق للحياة النسانية في تكاملها‪ :‬الطفولة فالشباب فالكهولة فالشيخوخة‪ .‬وقد‬
‫تعبر هذه الرموز عن آمال ومخاوف‪ ،‬وانها تتصل بالعقيدة الدينية‪ ،‬فالدورة ترمز الى قوة الحياة الدائمة في‬
‫كل المخلوقات التي تدور في حلقات ل نهاية لها‪(23).‬‬
‫ولقد ظلت علمة الصليب المعقوف الوحدة الزخرفية السأاسأية‪ ،‬أو لنقل ظلت ممثلة للمصطلح الشكلي نفسه‬
‫لعصور ما قبل السللت وفي دور سأامراء وفي العصور السألمية‪ ،‬إذ تظهر العلمة نفسها وبصراحة‬
‫عنصراا زخرفياا كما في الخط الكوفي المربع وفي نظام الوفاق)خ(‪.‬‬
‫وينتهي السأتاذ آل سأعيد من اسأتنتاجه للمعاني التي تعبر عنها هذه الرموز ومن خلل مقارنته ما بين‬
‫الرسأوم الفنية والزخارف والشكال الخطية التي كان المربع والدائرة العنصر السأاسأي فيها الى أنها تتفق‬
‫من حيث المبدأ في النقاط التية‪:‬‬
‫‪1‬ـ هناك علقة ما بين الوحدات المحيطية والمراكز‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ إن اتجاه الحركة فيها هو من اليمين الى اليسار على العموم )عكس عقارب الساعة(‪.‬‬
‫‪3‬ـ إن اسأتخدامها يبدو اسأتخداما ا )دينيا ا سأحرياا(‪(24).‬‬
‫واذا تقصينا ارتباط هذه الرموز _ التي عبر عنها الخط العربي والثقافة العربية والسألمية _ بثقافة وفنون‬
‫الهند والشرق القصى نجد أن الدائرة ذات الشعاعات الربعة أو الثمانية في الفن البصري في هذه النحاء‬
‫من العالم تمثل الطراز العتيادي للصور الدينية التي تستخدم وسأائل للتأمل ‪ .‬ونجد الدائرة التجريدية‬
‫مصورة في الفن المسيحي الوربي‪ ،‬وهي ترمز الى ماذكرناه من معنى الكمال النساني‪ ,‬فهي تمثيلت لذات‬
‫النسان منقولة الى مستوى كوني والى حقيقة مطلقة‪ .‬تحيط برسأوم السيد المسيح )ع( والقديسين‬
‫المسيحيين هالت‪ ,‬وفي أحوال عديدة تكون هالة السيد المسيح مقسومة الى أربعة‪ ,‬وفي هذا رمز الى كليته‪.‬‬
‫وعلى جدران الكنائس الرومانية القديمة يمكن رؤية اشكال مستديرة تجريدية أحياناا ويقال إنها قد تعود الى‬
‫أصول وثنية‪ .‬ومن المثلة المتميزة في الفن المسيحي صورة نادرة للسيدة العذراء)ع( في مركز شجرة‬
‫مستديرة‪ ,‬هي ا ‪ .‬لكن الهالت التي تشيع كثيرا في الفن المسيحي هي تلك التي للسيد المسيح وهو محاط‬
‫بالرسأل الربعة‪ ،‬ويذهب بعض الدارسأين الى أنها تعود بتاريخها الى التمثيلت المصرية القديمة للله‬
‫حورس وأبنائه الربعة‪.‬‬
‫وهكذا يرتبط رمز المربع برمز الدائرة في الرسأوم الدينية ليرمزا الى الحقائق السأاسأية للوجود ‪ ,‬فأذا كانت‬
‫الدائرة تشير الى الكمال النساني فإن رمز المربع يدخل معها ليشير الى الحقيقة الجوهرية العقلية‬
‫والروحية التي يرتبط بها الوجودالنساني ويتفاعل معها في سأعيه الى الوصول اليها‪ .‬ونجد هذين الرمزين‬
‫يؤكدان هذه العلقة في رسأومات أخرى في تاريخ الفن الوربي‪ ،‬فلدى بعض الطوائف والحركات التي قامت‬
‫حوالي العام )‪ (1000‬الميلدي كالخيميائيين يتجلى هذان الرمزان تعبيراا عن ارتباط الروح بالجسد‪ ،‬فقد دفع‬
‫هولء أسأرار المادة وجعلوها الى جانب أسأرار الروح السماوية للمسيحية‪ .‬وما كانوا ينشدونه هو الكلية‬
‫الشاملة لعقل وجسد النسان‪ .‬وقد ابتدعوا آلف السأماء والرموز لهما‪ ،‬وكان أحد رموزهم المركزية‬
‫هو)تربيع الدائرة( وهو رمز الكلية واتحاد المتضادات ‪ .‬ولم يسجل الخيميائيون عملهم في كتابتهم حسب بل‬
‫خلفوا ثروة من صور أحلمهم ورؤاهم في الكلمة والصورة‪ .‬ويمكن أن يعد الرسأام الفلمنكي هيرونيموس‬
‫بوش من القرن الخامس عشر الممثل الكبر لهذا النوع من الفن الخيالي ‪.‬‬
‫وفي عصرنا الحاضر أصبح الرمز الهندسأي أو التجريدي للدائرة يؤدي دورا مهما في الرسأم لكن ليس على‬
‫وفق الطريقة التقليدية للتمثيل إنما مع عملية تحويل تنسجم مع معضلة وجود النسان الحديث ‪ .‬وقد يمكن‬
‫رؤية المثل على السطح الدائري غير المتناسأق في أقراصا الشمس المشهورة للرسأام الفرنسي روبير‬
‫ديلوني ‪ .‬وثمة لوحة للرسأام النكليزي الحديث سأيري ريتشارد تحتوي على سأطح دائري غير متناسأق‬
‫تماماا‪ ,‬في حين تظهر في البعيد على يسارها دائرة فارغة وأكثر صغراا‪ .‬وفي لوحة الفنان الفرنسي هنري‬
‫ماتيس المعنونة حياة سأاكنة ومزهرية كيوسأين يكون مركز الرؤية كرة خضراء على شعاع أسأود مائل يبدو‬
‫أنها تجمع داخل نفسها الدوائر المتنوعة لوراق الكيوسأين‪ .‬وفي هذه اللوحة يفصل مابين الشكلين‬
‫التجريديين)المربع والدائرة(_ اللذين كونا علقة كلية في الفن القديم _أو يوصل بينهما بشكل غير مترابط‪,‬‬
‫مع ذلك فكلهما موجود فيها ويلمس كل منهما الخر‪ .‬وفي لوحة رسأمها الفنان الروسأي المولد فاسأيلي‬
‫كاندنسكي ثمة تجميع طليق لكرات ملونة أو دوائر تبدو منجرفة مثل فقاعات لصابون‪ .‬وكثيراا ماتظهر‬
‫الدوائر في صلت غير متوقعة في التركيبات الغامضة للفنان البريطاني بول ناش‪ .‬وفي رسأمه المسمى‬
‫)حدود الفهم( يضع الفنان السويسري بول كلي الشكل البسيط لكرة او دائرة فوق بناء معقد من السللم‬
‫والخطوط‪ .‬ومن المهم ملحظة أن المربع او مجموعة المستطيلت والمربعات او المستطيلت وأشباه‬
‫المعين قد ظهرت في الفن الحديث بقدر ما ظهرت الدائرة‪ .‬ويعد الفنان الهولندي بيت موندريان أسأتاذ‬
‫التراكيب المتناغمة مع المربعات‪ .‬ومع ذلك فاللوحات الكثر شيوعاا هي لوحات رسأامين آخرين ذات تراكيب‬
‫رباعية غير منتظمة او مستطيلت عديدة مجمعة في مجموعة طليقة تقريبا‪ .‬ومن الفنانين الذين تضـج‬
‫رسأومه بالشكال الدائرية والمربعة الفنان اليطالي فكتور فازاريلي وهي تعبر عن حقائق كلية لتنفصم )د(‪.‬‬
‫وقد تنفصم الصلة مابين هذين الشكلين الوليين في انجازات الفن الحديث‪ ,‬فقد تكون موجودة أو غير‬
‫موجودة أو طليقة أو عرضية‪ .‬ويفسر بعض الباحثين هذا الفصل بأنه تعبير رمزي آخر عن حالة النفس لدى‬
‫إنسان القرن العشرين الذي فقدت روحه جذورها وهو مهدد بالتفكك‪ .‬لكن التكرار الذي به يظهر المربع‬
‫والدائرة ينبغي أل يهمل‪ ،‬ويبدو أن ثمة حث نفسي مستمر ليصال المعاني السأاسأية التي يرمزان اليها الى‬
‫الوعي )‪ .( 25‬ومن المعاني السأاسأية للحياة والوجود التي يرمزان اليها في فننا الحديث ولدى فناننا الكبير‬
‫الرائد جواد سأليم جدل العلقة بين الرجل والمرأة )وكنا قد نبهنا في رسأوم بعض الفخاريات على أن الذي‬
‫يقوم بالدورة هو المرأة(‪ .‬ففي لوحة جواد سأليم )أطفال يلعبون( )ذ( نجد أن فكرة المومة فيها قد عبر عنها‬
‫بهيئة الهلل والدائرة‪ ،‬فالشكل الذي وجده مطابقاا لمعنى المومة‪ ،‬هو الشكل الدائري أو مجزوءه‪) .‬ر( ولقد‬
‫اسأتندت رؤية جواد سأليم الفنية الى ضرورة اسأتثمار الشكل الهندسأي سأواء في مجال النحت أو الرسأم كرسأم‬
‫أو نحت للدائرة ومجزوئها وللمربع‪ ،‬واتخاذهما أسأاسأاا للتعبير والرمز‪ .‬ومن الممكن للمتتبع أن يجد‬
‫لهتمامه بهذا الموضوع بداية نجدها في أعمال كثيرة رائدة منها اللوحة التي تمثل صورة شخصية لزوجته‬
‫لورنا في العام ‪ .1948‬فأرضيتها تعتمد على شكلين مربعين أسأاسأيين‪ ،‬في حين يعتمد بل ينفرد الشكل‬
‫النساني بنسق من المساحات الدائرية تغذيه اسأتدارة الرأس والذراعين من جهة وخطوط الرداء واتجاه‬
‫القدمين من جهة أخرى‪ .‬ومن العمال الخرى التي تعبر فيها الخطوط الدائرية عن معناها النثوي‪ ،‬لوحة‬
‫ل عن التورية ما بين أشكال الدلل أو‬ ‫)قرويتان( )ز(‪ ،‬إذ يتخذ من الهلل والدائرة فيها أسأاسأا ا للرمز‪ ،‬فض ا‬
‫أواني طبخ القهوة العربية وجسد المرأة المكتنز‪.‬‬
‫ومن أعماله المهمة التي تتضمن التوفيق ما بين الشكال المربعة والدائرية )وهي من نتائج بلوغه الذروة‬
‫في موضوع أطفال يلعبون( موضوع )كيد النساء(‪ ،‬وفيه نكتشف تحويراا رائعا ا للرموز تمشيا ا مع مضمون‬
‫العمل الفني‪ ،‬حيث يظهر الدولب )رمز المسكن أو المرأة( وهو المكان الذي تسجن فيه المرأة اللعوب‬
‫عشاقها كما تقول الحكاية المقتبسة في العمل الفني عن ألف ليلة وليلة‪ ،‬مرسأوماا بوسأاطة المساحات‬
‫المربعة )الرمز الذكري وليس النثوي( ولعله في ذلك يشير الى معنى آخر للمربع وهو الغياب أو الكمون‪،‬‬
‫والسجن كمون وضد الظهور أو الخروج‪ .‬ويظهر الرجال وهم الذين وقعوا تحت رحمة المرأة مرسأومين‬
‫بأشكال دائرية )والدائرة ومجزوئها كما أوضحنا رمز أنثوي وليس رمزاا ذكرياا( ولعله هنا أراد أن يشير الى‬
‫هيمنة الكيان الدائري )المرأة( على الكيان الرجولي فتشكل بشكله‪ .‬إن المتتبع لهتمامات الفنان في بحثه‬
‫لموضوع المومة بجميع تفاصيله يجد لديه حرصاا على التنسيق ما بين الشكال الدائرية والمربعة‪ .‬وتمثل‬
‫لوحة )أطفال يلعبون( الذروة والنطلق معاا في اكتشاف الفنان لمفتاح رؤيته في العام ‪ ،1953‬تلك اللوحة‬
‫التي يمكن أن نعدها البديل لمنحوتته الرائعة )نصب الحرية(‪ .‬في هذه اللوحة تتداخل الشكال الدائرية‬
‫والمربعة بصورة متقنة ودقيقة غاية الدقة‪ ،‬نستطيع معها أن نشعر بفحوى التوازن المنقطع النظير ما بين‬
‫الخطوط المستقيمة والمنحنية وما بين الشكال الهندسأية ذوات الزوايا أو الخالية من الزوايا‪ ،‬بحيث يعبر لنا‬
‫هذا التوازن عن إحساس الفنان المرهف بأنتقائية ل تعكس ذوقه الشخصي حسب‪ ،‬بل موقفه الحضاري‬
‫أيض اا‪ .‬إن تداخل الشكال يعلن لنا عن وعي مفعم بالعدالة والتزان وينم على صميم )فلسفة( جواد سأليم‬
‫و)إيمانه( بمعنى تكامل الوجود‪ .‬فلوحاته تعبر عن قيم منطقية وفكرية‪ ،‬فاسأتخدام جواد سأليم اسأتخدام فكري‬
‫أو فلسفي‪ ،‬وهو اسأتخدام ينطوي على ما أقدم عليه سألفه الفنان السومري‪ ،‬وهو يهتدي في حالة الشعور‬
‫واللشعور الى ازدواجية أو جدلية الشكلين المربع والدائري‪ ،‬والى تكامل الخطوط المستقيمة والمنحنية)‬
‫‪.(26‬‬
‫لقد أشار الفنان شاكر حسن آل سأعيد الى أن العلقة بين المربع أو النقطة والدائرة ترتبط بالفكر الديني قبل‬
‫السألم وبعده‪ .‬وأشار الى ارتباطها بالمتصوفة‪ ،‬واسأتخدم تعبير الكشف الكرامي أو الروحي أو الغيبي‬
‫وسأيلة في اتصال المعرفة بما تعنيه هذه العلقة الجدلية‪ .‬وعبر مرة بالتخاطر الجتماعي وأنه وسأيلة‬
‫اسأتمرار هذا النسغ الذي يجده يتخلل الفكر النساني منذ عصر الفنان الرافديني القديم وحتى عصور‬
‫متأخرة‪ ،‬بل وحتى العصر الحاضر لدى جواد سأليم ولديه ولدى آخرين)‪ .(27‬فالفكر الرافديني القديم‬
‫)السومري‪ ،‬الكدي‪ ،‬الخ‪ (..‬كان يدرك هذه المعرفة التي تعبر عنها الرموز قديماا‪ ،‬وكان يستخدمها وسأيلة‬
‫لليصال‪ ،‬وهي تعبر عن حالة ذهنية هي مزيج من النفعال الحسي والعقلني‪ ،‬وعن عملية ارتباط فكري ما‬
‫بين الطبيعة وما وراء الطبيعة‪.‬‬
‫ومن الظواهر الفنية الخرى التي عبر بها النسان عن وعيه بهذه الرموز فن العمارة ففي العمارة تشكل‬
‫هذه الرموز التصميم السأاسأي للبنية المقدسأة والدنيوية في كل الحضارات تقريباا‪ .‬وهي تدخل في تخطيط‬
‫المدن الكلسأيكي والقروسأطي وحتى الحديث‪ .‬ويظهر المثل الكلسأيكي في وصف بلوتارخ لنشاء روما‪.‬‬
‫فاسأتناد اا الى بلوتارخ أرسأل رومولوس في طلب البنائين من ايتروريا فأخبروا بالعراف المقدسأة والقواعد‬
‫المكتوبة لجميع الشعائر التي ينبغي العمل بها بالطريقة نفسها )كما في السأرار(‪ .‬حفروا اوالحفرة مستديرة‬
‫حيث تنتصب الن قاعة الجتماع ‪ .‬وفي هذه الحفرة ألقوا بقرابين رمزية من فاكهة الرض‪ .‬وقد أعطيت‬
‫الحفرة اسأم موندوس وهو اسأم كان يعني الكون كذلك‪ .‬ورسأم رومولوس حول الحفرة حدود المدينة في‬
‫دائرة بوسأاطة محراث يجره ثور وبقرة ‪.‬فكانت المدينة التي أسأست على وفق هذه الشعيرة الجليلة دائرية‬
‫الشكل‪ ,‬ولكن الوصف القديم والمعروف لروما هو )المدينة المربعة(‪ .‬ونفهم من إحدى النظريات التي حاولت‬
‫تسوية هذا التعارض أن المدينة المدورة كانت مقسومة الى أربعة اجزاء بطريقين رئيسين يمضيان من‬
‫الشمال الى الجنوب ومن الغرب الى الشرق‪ .‬وكانت نقطة التقاطع تتطابق مع الموندوس الذي ذكره‬
‫بلوتارخ‪ .‬واسأتناداا الى نظرية أخرى فأن التعارض ليمكن أن يفهم ال بوصفه رمزاا)تربيع الدائرة( وهو‬
‫الرمز الذي شغل اليونانيين كثيرا‪ .‬إن بلوتارخ قبل ان يصف شعيرة الدائرة في تأسأيس رومولوس للمدينة‬
‫تكلم أيضاا على روما بكونها مدينة مربعة‪ .‬فبالنسبة له كانت روما مدورة ومربعة معاا‪ .‬ولقد كانت أكثر من‬
‫مظهر خارجي‪ ،‬إنها بتصميمها السأاسأي المندالي وبسكانها قد رفعت فوق العالم الدنيوي المحض‪ .‬ويؤكد‬
‫هذا حقيقة أن للمدينة مركزاا)موندوس( أسأس علقة المدينة مع العالم الخر )مقام أرواح السلف(‪ .‬كان‬
‫الموندوس مغطى بحجر كبير يدعى بـ)حجر الروح( وهذا الحجر يزاح في أيام محددة وبعدها ـ كما قيل ـ‬
‫تصعد أرواح الموتى من الحفرة ‪.‬‬
‫ولقد أقيم عدد من المدن القروسأطية على هذا التصميم السأاسأي وأحيطت بجدار دائري تقريباا‪ .‬وفي مدن‬
‫كهذه كما في روما كان ثمة طريقان رئيسان يقسمانها الى )أرباع( ويقودان الى أربعة أبواب‪ .‬وكانت‬
‫الكنيسة تقوم على نقطة تقاطع هذين الطريقين‪ .‬لقد جاء إلهام المدينة القروسأطية بأرباعها من القدس‬
‫السماوية) في رؤيا يوحنا( التي كان لها تصميم أسأاسأي مربع وجدران باثني عشر باباا‪ .‬لكن القدس ليس لها‬
‫معبد في مركزها لن حضور ا المباشر هو مركزها‪(28).‬‬
‫وكما في تخطيط روما وغيرها من المدن القديمة في أوربا وغيرها من مناطق العالم‪ ،‬كان التصميم الذي‬
‫يستلهم رمز المربع والدائرة مؤثراا في تاريخ العمارة السألمية والعربية‪ .‬ويتضح هذان في تخطيط مدينة‬
‫بغداد المدورة حول المركز المربع )س(‪ ,‬فلقد اكد في هندسأتها هذان الشكلن‪ ،‬فلها أربعة أبواب‪ ،‬وقسمت‬
‫على أربعة أرباض‪ .‬وقسم الربض على أربعة أرباع‪ ،‬وهكذا ‪ ..‬وقد يكون الذين أشرفوا على تخطيطها‬
‫وهندسأتها قد اسأتوحوا هيئة الكعبة المشرفة او اسأتندوا الى أفكار دينية‪ .‬ويقال إن من هؤلء حفاظ القرآن‬
‫الكريم وبحضور المنجمين )‪.(29‬‬
‫لم يكن التصميم السأاسأي المندالي سأواء في التأسأيسيات الكلسأيكية أم البدائية يملى لعتبارات جمالية او‬
‫اقتصادية فقط‪ ،‬إنما كان تحويل للمدينة الى مكان مقدس يرتبط بمركزه مع العالم الخر‪ .‬وهذا التحويل يتفق‬
‫مع المشاعر والحاجات السأاسأية للنسان المتدين‪ .‬ويجد علماء النفس تلمذه يونج أن هذا التصميم في كل‬
‫بناية مقدسأة أو دنيوية إنما هو اسأقاط لصورة نمطية عليا من داخل اللوعي النساني على العالم الخارجي‬
‫فتصبح المدينة والحصن والمعبد رموزاا ذات كلية نفسية‪ .‬وبهذا تمارس ثأثيرا خاصا ا على الكائن البشري‬
‫الذي يدخلها أو يعيش فيها‪ .‬إن اسأقاط المحتوى النفسي عملية ل واعية في فن المعمار كما يبين يونج‪،‬‬
‫فأمور كهذه تنمو من العماق المنسية‪ ،‬وتعبرعن السأتبصارات العمق للوعي والحدوس السأمى للروح‪.‬‬
‫وهكذا )تملغم( فرادة الوعي في الوقت الراهن بالتاريخ الغابر للنسانية‪.‬‬
‫إن المندال ليست الرمز المركزي في الفن المسيحي‪ ،‬بل الصليب أو المصلوب ‪ .‬والى حد العهود الكارولنجية‬
‫كان الصليب المتساوي الضلع أو الغريقي هو الشكل المعتاد)ش(‪ .‬ولهذا كانت المندال متضمنة فيه بشكل‬
‫غير مباشر‪ .‬ولكن مع مضي الزمن تحرك المركز الى أعلى الى أن اتخذ الصليب الشكل اللتيني بالوتد‬
‫والعارضة المتقاطعة‪ ،‬وهو المألوف اليوم‪ .‬هذا التطور مهم لنه ينسجم مع التطور الداخلي للمسيحية حتى‬
‫ذروة القرون الوسأطى‪ .‬لقد كان يرمز الى الميل لنقل مركز النسان وإيمانه من الرض ولتصعيده الى العالم‬
‫الروحي ‪ .‬وهذا الميل ناشئ عن الرغبة في وضع مقولة المسيح موضع التطبيق‪” :‬مملكتي ليست من هذا‬
‫العالم“ ‪ .‬لهذا السبب كانت الحياة الدنيوية والعالم والجسد قوى ينبغي قهرها‪ .‬لقد وجهت آمال النسان‬
‫القروسأطي بهذا الشكل الى الخرة‪ ,‬لن وعد النجاز كان يومئ من الفردوس وحدها‪ .‬ولقد وصلت هذه‬
‫المحاولة الى ذروتها في القرون الوسأطى وفي الصوفية القروسأطية‪ .‬لقد وجدت آمال الخرة تعبيرا لها ليس‬
‫في تصعيد مركز الصليب حسب‪ ,‬إنما في العلو المتزايد للكاتدرائيات الغوطية التي يبدو أنها تضع قوانين‬
‫الجاذبية موضع تحد‪.‬‬
‫ومع بدء النهضة بدأ تغيير ثوري يطرأ على مفهوم النسان عن العالم ‪ .‬إن الحركة الى أعلى التي وصلت‬
‫ذروتها في القرون الوسأطى المتأخرة مضت الى العكس ‪ ,‬لقد ألتفت النسان الى الرض وأعاد اكتشاف‬
‫جمال الطبيعة والجسد وتزايد حجب الشعور الديني واللعقلنية والصوفية بانتصارات الفكر المنطقي‬
‫وأصبح الفن اكثر واقعية وحسية وانفلت من عقال المواضيع الدينية وتقبل كل العالم المرئي)‪.(30‬‬
‫رمز )المربع والدائرة( في فكر المتصوفة وأدبهم‪:‬‬
‫ليست التجربة الصوفية في إطار اللغة العربية‪ ،‬مجرد تجربة في النظر‪ ،‬وإنما هي أيضاا‪ ،‬وربما قبل ذلك‬
‫تجربة في الكتابة‪ ،‬إنها نظرة أفصح عنها الشعر وزنا ا ونثراا‪ ،‬فضلا عن لغة البحث النظري والشرح‪ .‬فهي‬
‫حركة إبداعية وسأعت حدود الشعر مضيفة الى أشكاله الوزنية‪ ،‬أشكالا أخرى نثرية‪ ،‬نجد فيها ما يشبه‬
‫الشكل الذي اصطلح على تسميته في النقد الشعري الحديث‪ ،‬بـ"قصيدة النثر"‪ .‬وبدءاا من هذه الكتابة كان‬
‫ينبغي أن يتغير مفهوم الشعر داخل النقد العربي‪ ،‬وأن يؤسأس لمنظور جديد في تحديد الشعر وفهمه‪ ،‬لكن‬
‫هذا لم يحدث‪ .‬وكان على الكتابة الصوفية أن تنتظر أكثر من عشرة قرون لكي تجد قلة‪ ،‬ما تزال نادرة‪،‬‬
‫تكافح من أجل قراءتها وفهمها بشكل جديد‪.‬‬
‫وإنها لمفارقة أن تلجأ الصوفية بوصفها تجربة في البحث عن المطلق‪،‬‬
‫لكي تعبر عن أعمق ما فيها‪ ،‬الى الشعر‪ ،‬وهو المقصى تقليدياا عن مقاربة المطلق ومعرفته‪ .‬أليس في ذلك‬
‫ما يدل على رفضها طرق التعبير الديني ـ الشرعي‪ ،‬التي ترفض الشعر وتضع حداا فاصلا نقيضا ا بينه وبين‬
‫الدين خصوص اا على الصعيد المعرفي؟‪ ..‬لقد رأت الصوفية في الكتابة الشعرية الوسأيلة الولى للفصاح عن‬
‫أسأرارها‪ ،‬ورأت في اللغة الشعرية وسأيلة أولى للمعرفة‪ .‬وفي هذا نرى اسأتمراراا لما قبل السألم والوحي‪،‬‬
‫واسأتعادة للعلقة الوثيقة بين الشعر والغيب‪ .‬لقد اسأتخدم الصوفيون في كلمهم على ا والوجود النساني‪،‬‬
‫الفن‪ :‬الشكل‪ ،‬السألوب‪ ،‬الرمز‪ ،‬المجاز‪ ،‬الصورة‪ ،‬الوزن‪ ،‬القافية‪ .‬والفن ل يفصح عن المطلق كما يفصح‬
‫عنه الفكر الديني‪ ،‬الذي هو مرحلة تتقدم على الفن وتتجاوزه في مستوى التعبير والفصاح‪ ،‬كما يبين‬
‫هيجل‪ .‬أي إن الصوفيين اتخذوا وسأيلة أكثر تعمية في التعبير‪ ،‬لنهم يقصدون التعمية ول يقصدون‬
‫الفصاح‪ .‬وهم يعمدون الى ما هو أكثر تعمية حتى في نطاق التعبير الفني‪ ،‬فهم يعبرون بلغة الغموض ل‬
‫الوضوح‪ .‬ولذلك كانت لغتهم مستعصية على القارئ الذي يدخل اليها معتمداا على ظاهرها اللفظي‪ .‬بعبارة‬
‫ثانية يتعذر الوصول الى عالم التجربة الصوفية عن طريق عبارتها‪ ،‬فالشارة ل العبارة هي المدخل الرئيس‪.‬‬
‫وإن شعرية اللغة الصوفية تتمثل في أن كل شيء يبدو رمزاا‪ ..‬كل شيء فيها هو ذاته وشيء آخر‪ .‬الحبيبة‬
‫ل هي نفسها وهي الوردة‪ ،‬او الخمرة أو الماء او ا‪ ،‬إنها صور الكون وتجلياته‪ .‬ويمكن أن يقال الشيء‬ ‫مث ا‬
‫نفسه عن السماء أو الرض‪ .‬فالشياء في الرؤية الصوفية متماهية متباينة‪ ،‬مؤتلفة مختلفة‪ ،‬وهي في ذلك‬
‫تتناقض مع اللغة الدينية ـ الشرعية حيث الشيء هو ذاته ل غير‪ .‬بهذه اللغة تخلق التجربة الصوفية عالما ا‬
‫داخل العالم‪ ،‬تتكون فيه مخلوقاتها‪ ،‬تولد وتنمو‪ ،‬تذهب وتجيء‪ ،‬تخمد وتلتهب‪ .‬وفي هذا العالم تتعانق‬
‫الزمنة في حاضر حي‪ .‬إن اللغة الشعرية الصوفية تناقض اللغة الدينية ـ الشرعية من حيث أن هذه تقول‬
‫الشياء‪ ،‬كما هي‪ ،‬بشكل كامل ونهائي‪ ،‬بينما اللغة الصوفية ل تقول ال صوراا منها‪ ،‬ذلك أنها تجليات‬
‫المطلق‪ ،‬تجليات لما ل يقال‪ ،‬ولما ل يوصف ولما تتعذر الحاطة به‪ .‬فما ل ينتهي ل يعبر عنه إل ما ل‬
‫ينتهي‪ ،‬والكلم منته‪ ،‬والمتكلم هو كذلك منته‪ .‬سأتظل قدرة الكلم‪ ،‬إذن إشارية‪ ،‬رمزية‪ ،‬وسأوف يظل القول‬
‫الصوفي شأن القول الشعري مجازاا‪ ،‬ولن يكون حقيقة كمثل القول الديني الشرعي‪ .‬وهي لغة تختلف عن‬
‫اللغة الدينية الشرعية من حيث أن هذه في جوهرها لغة إفهام وتوصيل‪ ،‬بينما الولى هي في جوهرها لغة‬
‫حب‪ ،‬والحب هو كذلك ل يقال بل يعاش‪ .‬تقال صور منه‪ ،‬لكنه في ذاته كمثل المطلق‪ ،‬عصي على القول‪ ،‬ذلك‬
‫أنه خارج طور او حدود العقل والمنطق‪ ،‬أي خارج حدود الكلم‪ ،‬وليس الشعر إل محاولة النسان أن يقول ـ‬
‫مجازاا ورمز اا ـ ما ل يقال‪ .‬وهو بوصفه كذلك ل يحده العقل أو المنطق‪ .‬ل يمكن للقصيدة إن كانت شعراا حقا ا‬
‫أن تندرج في إطار المعقولية المنطقية‪ .‬فالقصيدة كمثل الشيء الذي تقوله‪ ،‬ل تفهم ول تشرح بشكل‬
‫يستنفدها نهائي اا‪ .‬ما يفهم منها يضيئها ول يستنفد ما تنطوي عليه‪ .‬هكذا يجد كل قارئ في القصيدة الواحدة‬
‫قصيدته الخاصة‪ ،‬وهذا هو الشأن في الكتابة الصوفية‪ .‬لكن لماذا يحاول النسان أن يقول ما يعرف أنه ل‬
‫يقال؟‪ ..‬ربما لن النسان يظل في توق الـى ما يجهله‪ ..‬ربما لكي يخلق تطابقا ا أو تماهياا بينه وبين المطلق‪،‬‬
‫ولكي يشعر أنه يعيش في كون ل ينتهي‪ ،‬وأنه كمثل الكون ل ينتهي‪ ،‬ربما لكي يقول ليس هناك اثنان بل‬
‫واحد‪ .‬ومن هنا‪ ،‬وفي هذا بالضبط‪ ،‬تختلف اللغة الصوفية عن اللغة الدينية الشرعية‪ ،‬في أن الولى تصدر‬
‫عن تجربة يعيشها المتصوف بوصفها محاولة لتحقيق ذلك التماهي مع المطلق بينما تصدر الثانية عن‬
‫تجربة في الوصف والتشريع تؤكد النفصال والبعد الكاملين عن المطلق‪.‬‬
‫اللغة الصوفية تحاول التماهي مع المطلق‪ ،‬وهي في ذلك ليست وصفاا‪ ،‬بل هي ضوء يخترق ويكشف‪ ،‬إنها‬
‫اتجاه نحو المجهول‪ ،‬وبهذا المعنى تولد صدمة‪ ،‬وتستدعي حساسأية جديدة‪ .‬وهذا يقودنا الى أن ندرك كيف‬
‫أن الشعر في التجربة الصوفية‪ ،‬لم يعد أدباا بالمعنى المصطلح عليه‪ ،‬وإنما أصبح تساؤلا حول جوهر‬
‫النسان والوجود ورغبة في تغيير صورة العالم‪ .‬ونحن إذ نتناول الدب الصوفي فإن أهميته ل تكمن بالنسبة‬
‫الى البحث في قيمته البداعية‪ ،‬بل بقيمته العتقادية وبرؤيته الفلسفية‪ ،‬وفي الطريقة المعرفية التي شكلها‬
‫أو نهجها للتعبير عن هذه المعرفة أو العتقاد‪ .‬إنها تكمن في الحقل المعرفي الذي أسأست له التجربة‬
‫الصوفية‪ ،‬وفي الصول التي تولدت عنه‪ ،‬وهي أصول خاصة ومختلفة للبحث والكشف‪ .‬لقد أعادت قراءة‬
‫التراث الديني‪ ،‬وأعطته دللت أخرى وأبعاداا أخرى تتيح نظرة جديدة الى اللغة‪ ،‬ل اللغة الدينية وحدها‪ ،‬بل‬
‫اللغة بوصفها أداة كشف وتعبير‪ .‬لقد تجاوزت الصوفية تراث )القوانين(‪ ،‬لكي تقيم تراث )السأرار()‪.(31‬‬
‫في بحثنا هذا نتجاوز الحديث عن البعاد البداعية للغة الدب الصوفي‪ ،‬لنكشف عن )السأرار( المعرفية التي‬
‫حاول الكشف عنها أو التماهي معها ليجليها في اللغة‪ .‬فبحثنا محاولة للتماهي مع المجهول ـ وعبر رمز‬
‫المربع والدائرة‪ ،‬او النقطة والدائرة ـ الذي حاول من خلله المتصوفة رفع حجب الغيب‪ ،‬وإسأدال هذه‬
‫الحجب في الوقت نفسه‪ ،‬ال عن الخاصة الراسأخة في العلم اللهي‪ ،‬نحن نحاول أن نرفع الحجب لكي نتيح‬
‫لمعرفة عامة نطل منها على ما أطل عليه المتصوفة من عوالم الغيب‪.‬‬
‫يعبر هذا الرمز كما قلنا عن رؤية وعن فلسفة ترتبط ـ فيما ترتبط ـ بالفكر الديني‪ ،‬أي انها الفلسفة الدينية‬
‫للكون كما أوحت بها النبوات منذ القديم وعلى امتداد تاريخها وتاريخ النسان‪ .‬والفكر الصوفي الذي ارتبط‬
‫ل بفرق وعقائد اسألمية أخرى ـ يعبر عن فلسفة دينية‬ ‫هذا الرمز به ـ وكما الفكر الفلسفي السألمي متمث ا‬
‫هي محاولة لسأتخلصا المعرفة من الدين‪ .‬فالمتصوفة ل يستمدون من معرفة وجدانية فقط يكشفون بها‬
‫الحجب الغيبية فيعرفون‪ ،‬وإنما هي معارف عقلية ودينية توحي بها الديان‪ .‬فلقد عبر الدين برمز المربع‬
‫ل بالكعبة المشرفة‪ ،‬لكن المتصوفة ينفذون من هذه المعرفة الى الباطن‪ ،‬يتجاوزون الظاهر الى‬ ‫والدائرة متمث ا‬
‫الكامن‪ ،‬يعيشون هناك في الخفاء‪ ،‬ثم يتجلون الى عالم الظهور‪ ،‬ليجولوا عن معرفة تمزج الظاهر بالباطن أو‬
‫تمتحن الظاهر بالباطن‪ ،‬معرفة ربوبية ل تتاح ال لفئة خاصة من المتفكرين الراسأخين في العلم‪:‬‬

‫علم التصوف علم ل نفادله‬


‫علم سأني سأماوي ربوبي‬

‫فيه الفوائد لللباب يعرفها‬


‫أهل الجزالة والصنع الخصوصي)‪(32‬‬

‫فالمعرفة التي يمتلكها المتصوفة معرفة دينية ربوبية‪ ،‬أخذوها مما نزل به الوحي على النبياء ونفذوا منها‬
‫الى بواطنها وتفكروا فيها‪ ،‬فعبروا عنها بتراثهم الفكري وبأدبهم‪ ،‬كما عبر عنها الفنان الرافديني القديم‬
‫مستلهماا النبوات القديمة من بعض ما اسأتلهم‪.‬‬
‫والذي نلحظه أن هذه الرموز تتصل بالعداد‪ .‬وقد احتفت المعرفة الدينية بعلم الحروف والعداد‪ ،‬وهذا‬
‫نجده لدى المتصوفة وكذلك لدى غير المتصوفة من الفرق والمذاهب التي تصدر عن المعرفة الدينية‪ .‬فقد‬
‫كان للعدد في علومهم منزلة مهمة كما كان له ذلك في الفلسفة اليونانية)‪ .(33‬وتمثل هذا الهتمام بعلم‬
‫الحروف )الجفر(‪ .‬وممن اهتم بالعداد أخوان الصفا ‪ .‬وقد نظروا في طبيعة العدد‪ ،‬فوجدوا أن لكل عدد‬
‫خاصة ليست لغيره‪ .‬ثم وجدوا أن كل نوع من الموجودات قد اقتصر على عدد مخصوصا‪ .‬ولما بحثوا طبيعة‬
‫هذا وجدوا تطابق اا بين الطرفين‪ ،‬ولهذا قالوا إن الموجودات بحسب طبيعة العدد‪ ،‬ومن عرف ذلك ظهر له‬
‫اتفاق الحكمة في كون الموجودات على أعداد مخصوصة)‪ ،(34‬فهناك تماثل بين العداد ومخلوقات الكون‪:‬‬
‫))ما من عدد من العداد ال وقد خلق الباري جل ثناؤه جنساا من الموجودات مطابقاا لذلك العدد قل أو كثر(()‬
‫‪ (35‬وقد كانوا يربطون أو يوازنون بين العداد والفلك‪)) :‬وكون الكواكب السيارة سأبعة مطابق لول عدد‬
‫كامل(()‪ (36‬ويرون أن الحكماء السابقين رتبوا العداد آحاداا وعشرات ومئات وألوفاا لتكون مراتب المور‬
‫الطبيعية مطابقة للمور الروحانية‪ ،‬فأيام العمر فصول أربعة‪ :‬الصبا والشباب والكهولة والشيخوخة‪.‬‬
‫ومراتب العداد الربع هي‪ :‬آحاد وعشرات ومئات وألوف‪ .‬ويذهبون الى أن في معرفة العدد معرفة وحدانية‬
‫ا تعالى‪ ،‬ذلك أن علم العدد مركوز في النفس بالقوة‪ .‬وقد ذكروا العدد مقترناا بالفيض لن العدد فيض كما‬
‫يقولون‪ .‬وبينوا مراتب الفيض مقترن اا كل منها بعدد معين‪ .‬فالول كالثنين‪ ،‬والنفس كالثلثة‪ ،‬والهيولى‬
‫كالربعة‪ ،‬والطبيعة كالخمسة‪ ،‬والجسم كالستة‪ ،‬والفلك كالسبعة‪ ،‬والركان كالثمانية‪ ،‬والمتولدات كالتسعة‪.‬‬
‫وهناك أشياء ثنائية وأخرى ثلثية وغير ذلك‪ .‬وهذا من حكمة ا سأبحانه وتعالى‪ ،‬فليس من الصواب أن‬
‫تكون كلها ثنائية أو ثلثية‪ .‬ولكن اخوان الصفا لم يوضحوا تأثير الحروف في الكون مثلما نجده لدى‬
‫الحروفيين وغلة المتصوفة‪ .‬وكانت هنالك جماعات تهتم بعدد دون غيره كالمسبعة الذين أوقفوا حياتهم‬
‫على التعمق في الكشف عن الشياء السباعية فلما تبين لهم منها أشياء عجيبة شغفوا بها وأغفلوا سأواها‬
‫من العداد‪ .‬وهنالك الطبيعيون الذين أطنبوا في بحث الطبائع الربعة وكل مربعات المور‪ .‬ومثل هؤلء‬
‫الخرمية في المخمسات والهنود في المتسعات)‪.(37‬‬
‫لقد اهتم الفكر السألمي بالعدد‪ ،‬وكان العدد يشير الى أفكار فلسفية للكون والشياء ويصدر عن معرفة‬
‫دينية‪ .‬ونحن نريد أن نعرف ما تعنيه العداد التي ارتبطت بها الرموز التي نكتب عنها‪ .‬لكي نعرف ما ترمز‬
‫اليه النقطة وما يرمز اليه المربع الذي اقترن بالرقم )‪ ،(4‬وما ترمز اليه الدائرة التي اقترنت بالرقم)‪ (7‬في‬
‫فكر المتصوفة وغيرهم‪ .‬نريد أن نعرف ما هي الفكار التي عبرت عنها هذه الرقام والرموز التي ارتبطت‬
‫بها‪ ،‬لنتبوين هذه الرموز الفنية معرفياا‪ ،‬نعرف المعرفة الكامنة وراء هذه الرموز التي عبر بها الفن والدب)‬
‫‪ .( 38‬وسأنجد أن العلقة بين ثنائية المربع والدائرة تنضوي تحتها أو تتصل بها كل العلقات بين الثنائيات‬
‫العامة التي سأبق أن تحدثنا وبحثنا عنها في هذه العلقات والمبادئ أو القوانين الجدلية التي تتصل بها‪.‬‬
‫فنحن إذن نريد تأكيد تلك الفكار من خلل علقة جدلية أخرى‪ ،‬عامة‪ ،‬مطلقة‪ ،‬ارتبطت بالفكر الديني وعبرت‬
‫عنه‪ ،‬ونخص منه فكر المتصوفة‪ .‬فلقد عبر شعر المتصوفة ونثرهم من خلل هذه الرموز‪ ،‬وطالعتنا من‬
‫خلل أدبهم وارتبطت بفلسفتهم العامة‪ .‬ونريد أن ننوه قبل هذا بأننا أشرنا الى أن المربع قد عبروا عنه من‬
‫خلل النقطة‪ ،‬وأنها قد تبدل في رسأمها على الحروف بشكل المربع أو المعين‪ .‬فما دللة المربع أو النقطة في‬
‫الفكر الصوفي أو السألمي؟‪..‬‬
‫قيل عن العدد)‪ (4‬بأنه سأيني‪ ،‬والسين يشير الى الروح القدس‪ ،‬الى جانب الروح)‪ .(39‬فالعدد)‪ (4‬يرتبط‬
‫بعالم الرواح وما وراء الطبيعة‪)) :‬الربعة هي اللهيات التي ظهر عنها عالم الرواح الخارج عن الطبيعة((‬
‫)‪ .(40‬وعلى أسأاس عالم الرواح يقام عالم الموجودات‪ ،‬ولهذا فسر على أسأاس الرقم)‪ (4‬قيومية الشياء)‬
‫‪ .(41‬فالتربيع أو الرقم )‪ (4‬مخصص للوجود في فكر ابن عربي‪ ،‬وان الوجود يقوم على التربيع‪ ،‬وعليه‬
‫يقوم كيان المخلوق)‪ )) :(42‬فأقام الوجود على التربيع وجعله لنفسه كالبيت القائم على أربعة أركان‪ ،‬فإنه‬
‫الول والخر والظاهر والباطن(()‪ .(43‬وهنا نربط بين معنى المربع والدائرة في الفكر الصوفي وبعض‬
‫دللتها في القرآن الكريم والفكر السألمي‪ ،‬فإذا كان الرقم يمثل روح الموجودات فإن الرقم )‪ (4‬يمثل روح‬
‫الوجود‪ ،‬فابن عربي يقول انه تعالى أقام الوجود على التربيع وجعله لنفسه كالبيت القائم على أربعة أركان‪،‬‬
‫ونحن نعرف أن بيت ا وهو الكعبة المشرفة أقيمت على أربعة أركان فكانت مربعة الشكل أو مكعبة )صا(‪.‬‬
‫وا هو )الباطن( كما وصف نفسه‪ ،‬فهي بيت ا الذي هو الباطن‪ .‬وحول مركز هذا البيت )المستقر(‪ ،‬هناك‬
‫حركة )دائرية( وعددها سأبعة‪.‬ولقد شخصوا الكعبة بشخص النسان الكامل الذي عبروا عنه بأنه النقطة‬
‫والمربع والدائرة)‪.(44‬‬
‫وقد أكد الحلج على مسألة كون اسأم الجللة من أربعة أحرف‪ ،‬وهو يشوقق لفظ الجللة ويفصل القول على‬
‫كل حرف فيه على عادة الصوفية‪:‬‬

‫أحرف أربع بها هام قلبي‬


‫وتلشت بها همومي وفكري‬

‫ألف تألف الخلئق بالصنـ‬


‫ـع ولم على الملمة تجري‬

‫ثم لم زيادة في المعاني‬


‫ثم هاء بها أهيم وأدري)‪(45‬‬

‫ومن أسأرار الرقم )‪ (4‬في القرآن الكريم‪ ،‬مما يؤكد ارتباطه بالوجود الباطن أو الكامن‪ ،‬أن النبي ابراهيم‬
‫عليه السلم عندما سأأل ربه أن يريه كيف يحيي الموتى‪ ،‬أمره ا أن يأخذ أربعة من الطير‪ ،‬ويصنع بهن كما‬
‫أمره بإماتتها ووضع كل جزء منها على جبل ثم دعوتها وإحياء ا لها )سأورة البقرة‪ ،‬الية ‪ .(260‬فالموت‬
‫اقترن بالرقم)‪ .( 4‬وهو كذلك في عقائد بعض الشعوب‪ ،‬والموت هو وجود كامن يختفي فيه وجودنا الظاهر‪.‬‬
‫ويحتفظ هذا الرقم في الحلم في بعض دللته بما ذكرنا من معنى الموت الذي هو ذهاب الى عالم الرواح‪،‬‬
‫عالم الكمون وعدم الظهور‪ .‬ومن ارتباط الموت بالرقم)‪ (4‬في القرآن الكريم أن ا تعالى أنزل الموت بثمود‬
‫في اليوم الرابع بعد توعد نبيهم صالح لهم بأن يتمتعوا ثلثة ايام فقط‪ ،‬وفي اليوم الرابع أنزل عليهم الموت‬
‫فأصبحوا في ديارهم جاثمين ـ سأورة هود‪ ،‬الية ‪65‬ـ‪ .‬وأنزل سأبحانه الموت على عاد بعد تكذيبهم نبيهم في‬
‫)يوم نحس مستمر( ـ سأورة القمر‪ ،‬الية ‪19‬ـ وهذا اليوم تفسره بعض التفاسأير بأنه يوم الربعاء‪ .‬ومن‬
‫ارتباط الموت بالرقم )‪ (4‬كذلك يقال إن المام علي عليه السلم ـ والذي تأثرت به ظاهرة التصوف ـ قال لمن‬
‫معه قبل موته أن يحفروا له أربعة قبور في أربعة مواضع‪ .‬ولقد أصبح قبره أكبر مقبرة في العالم‪ ،‬أي اكبر‬
‫تجمع للوجود الكامن في العالم‪ ،‬والوجود الكامن يقترن بالرقم)‪ (4‬كما قلنا‪ .‬والغريب في قصة هذا المام‬
‫العظيم أنه ولد في الكعبة المربعة‪ ،‬ومدة حكمه تتصل بالرقم)‪ (4‬وهو البن الرابع من أربعة أبناء لبي‬
‫طالب‪ ،‬واسأمه يتكون من أربعة حروف‪ ،‬ولربما أدرك من كتب اسأمه بالكوفي المربع هذه العلقة بين اسأمه‬
‫أو حقيقته التكوينية وبين نوع الخط )ض(‪ .‬وإذا كان الرقم)‪ (4‬يعني الوجود الباطن‪ ،‬فإن المام علي)ع(‬
‫يقول في خطبة )البيان(‪) :‬أنا باطن الصور)‪.((46‬ومن اقترانه كذلك بالرقم)‪ (4‬أن السماء الرابعة سأماها ا‬
‫مكانا ا علياا)‪ ،( 47‬وقالوا عنها كذلك‪)) :‬السماء الرابعة وهي قلب العالم وقلب السموات‪ ..‬وأسأكن)ا( فيها‬
‫قطب الرواح النسانية‪ ،‬وهو ادريس عليه السلم(()‪ ،(48‬وقد قال تعالى عنه‪)) :‬ورفعناه مكانا ا علياا(( ـ‬
‫سأورة مريم‪ ،‬الية ‪57‬ـ وقالوا إن في السماء الرابعة ملك جالس على كرسأي هو مغناطيس الرواح وجامعها‬
‫بعد انبثاثها في الصور)‪ (49‬وإن ))سأاق العرش الرابعة عند جنة المأوى(()‪ .(50‬ومن هذا الرتباط لهذا‬
‫الرقم بالوجود الكامن أو بالموت‪ ،‬أن القبور تتخذ في الواقع والرمز الشكل المربع )ط( ونحن نعرف أن‬
‫الهرامات وهي قبور الفراعنة تتصل هندسأتها به‪ ،‬فقاعدة الهرم مربعة وله أربعة أوجه‪ .‬وكانوا يعتقدون‬
‫بحياة أخرى‪ ،‬فالموت في عرفهم حياة كامنة أو وجود كامن‪ .‬وللمربع الذي يرمز الى الوجود الكامن علقة‬
‫بالدائرة التي ترمز الى الظهور أو البعث والتي تمثلها الشمس التي كانوا يعبدونها‪ ،‬ولهندسأة الهرامات‬
‫علقة بالشمس‪.‬‬
‫وهناك علقة بين الرقم)‪ (4‬والنسان الكامل في الفكر السألمي وهو الذي يظل مغيبا ا أو كامناا حتى نهاية‬
‫الزمان‪ ،‬فقد قسم صدر الدين القونوي الوجود الى أربعين مرتبة‪ ،‬والخيرة هي مرتبة النسان الكامل)‪(51‬‬
‫الذي وصفوه بصفات الوجود الروحي أو الوجود الكامن‪ ،‬فهو)الهيولى( و)أصل الجوهر الفرد( و)المادة‬
‫الولى( و)الروح الكلي( و)روح العالم( و)العقل الول( و)النسان الزلي( و)عين الجمع والوجود(‬
‫و)الحقيقة الكلية( و)نور محمد()‪.(52‬‬
‫والمربع تقابله النقطة ـ كما ذكرنا ـ وتعبر عن الفكار التي عبر عنها‪ ،‬وقد ذكروا أن من جاوز مداها حاز‬
‫مطلق العلم)‪:(53‬‬

‫بين التذلل والتدلل نقطة‬


‫فيها يتيه العالم النحرير‬

‫هي نقطة الكوان إن جاوزتها‬


‫كنت الحكيم وعلمك الكسير‬

‫يادرة بيضاء لهويتة‬


‫قد ركبت صدفا ا من الناسأوت‬

‫جهل البسيطة قدرها لشقائهم‬


‫وتنافسوا في الدر والياقوت)‪(54‬‬

‫فهي الحقيقة ووسأط الدائرة‪)) :‬والدائرة ما لها باب‪ ،‬والنقطة التي في وسأط الدائرة هي الحقيقة‪ .‬ومعنى‬
‫الحقيقة شيء ل تغيب عنه الظواهر والبواطن ول تقبل الشكال‪ .‬فإن أردت فهم ما أشرت اليك)فخذ أربعة‬
‫من الطير فصرهن اليك( لن الحق ل يطير(()‪.(55‬‬
‫فهي الحقيقة‪ ،‬وهي ل تقبل الشكال‪ ،‬أي انها جوهر‪ ،‬وقد ارتبط حديث الحلج عنها بالحديث عن )أربعة من‬
‫الطير(‪ .‬ولنها جوهر‪ ،‬فإن الكل مندرج فيها)‪ ،(56‬فلقد ذهب المتصوفة الى أن جميع أرواح البشر مجتمعة‬
‫في الوجود الكامن وأنها تخرج على مراحل الى عالم الظهور‪ .‬ولنها كذلك فهي ل تفنى ول تتغير‪)) :‬وأدق‬
‫من ذلك ذكر النقطة‪ ،‬وهو الصل‪ ،‬ل يزيد ول ينقص ول يبيد(()‪ (57‬وهي المركز وينبوع النور وغاية‬
‫الشياء‪ ،‬وأصل الصول الداعي كل شيء بعوده الى أصله‪ ،‬وعين القطب وسأر التجلي‪)) :‬ثم كشف لي عن‬
‫مركز نقطة الفيض لمدد الحافين‪ ،‬فرأيت ينبوعاا فياض النور ظاهراا من عين القطب الغوث‪ .‬ثم قال لي‪ :‬هذا‬
‫أصل الصول وغاية كل مأمول في الحس‪ ،‬هذا سأر تجلي السأم الظاهر الباطن‪ ،‬الول والخر‪..‬هذا العين‬
‫الباصرة منه في الشياء‪ .‬الداعي كل شيء بعوده لصله(()‪ .(58‬فالنقطة هي سأر التجلي ومحل الفيض وبها‬
‫ظهر الوجود)ظ(‪ .‬وقيل إن نقطة الباء تشير الى وجود العالم فبها ظهر الوجود‪ ،‬وإن النسان الكامل هو‬
‫النقطة تحت الباء ومحل الفيض)‪ .(59‬ويذكر للمام علي)ع( قوله‪) :‬أنا نقطة باء باسأم ا(‪ .‬وللشبلي قوله‪:‬‬
‫أنا النقطة تحت باء الحرف)‪ .(60‬ونجد من المصطلحات التي ترادف مفهوم النسان الكامل في الفكر‬
‫الصوفي أنه )مركز الدائرة)‪ ((61‬أي النقطة التي تحتل هذا المركز أو المربع‪.‬وانه انسان عين الوجود أي‬
‫مركزها‪ .‬ونعيد الى الذهان صورة العين على فخاريات دور سأامراء‪)) ،‬إن ضرباا من وحدة الوجود العقلية‬
‫السألمية قد انتهى في عهد متأخر الى تكوين تصور )للنسان الكامل( على أسأاس أنه انسان عين الوجود‪.‬‬
‫وهذه العين هي النبي محمد )صا( هي النور النبوي الزلي الذي يقال إن ا قال لها‪) :‬كوني! فلولك ما‬
‫خلقت السموات(()‪ (62‬إن النقطة والمركز في فؤاد القطب المحمدي)‪.(63‬‬
‫لقد عبر الشعر الصوفي عن كل هذه الفكار‪ ،‬فالنقطة أو مركز الدائرة هي محل الوجود الكامن‪ ،‬قال الحلج‪:‬‬

‫يا طالما غبنا عن أشباح النظر‬


‫بنقطة يحكي ضياؤها القمر)‪(64‬‬

‫وهي مدار الشيء وسأر دورة الفلك وعلتها وقطبها‪ ،‬يقول ابن الفارض‪:‬‬
‫فبي دارت الفلك فأعجب لقطبها ألـ‬
‫محيط بها‪ ،‬والقطب مركز نقطة‬

‫ول قطب قبلي عن ثلث خلفته‬


‫وقطبية الوتاد عن بدلية‬

‫فل تعد خطي المستقيم فإن في الـ‬


‫زوايا خبايا‪ ،‬فانتهز خير فرصة)‪(65‬‬

‫ويلحظ أن الشاعر يدعي لنفسه كونه القطب الرابع عن ثلث خلفها‪ .‬والوتاد المذكورة في البيت هي‬
‫المنازل الرئيسة بين الثنتي عشرة منزلة من منطقة البروج)‪.(66‬‬
‫ولعظم مكانة النقطة‪ ،‬ولنقطة الباء خاصة يبين ابن الفارض أن )الخفضة منها( )ترفع( الى ما ل ينال بجهد‪:‬‬

‫ولو كنت بي من نقطة )الباء( خفضة رفعت الى ما لم تنله بحيلة)‪(67‬‬

‫وحول هذا المربع أو النقطة هنـاك دائـرة‪ ،‬ولقـد احتفـت الصوفية‬


‫))بالدائرة من بين الشكال المختلفة لما تتضمنه في زعمهم من كمال وتمام يظهره ما فيها من عود على‬
‫بدء‪ .‬وقد ذكر ابن عربي شيئاا عن الشكل الدوري في كتاب)التدبيرات اللهية ( وأشار اليه في الفتوحات في‬
‫حديثه عن اختلف الشرائع لختلف النسب اللهية‪ ،‬واختلف النسب اللهية لختلف الحوال‪ ..‬فعاد الى ما‬
‫بدأ منه بدءاا مبرر اا تطابق البداية والنهاية بأن كل جزء من المر الدوري يقبل بالفرض الولية والخرية‬
‫وما بينهما‪ ،‬ول يبعد أن يكون الغنوصا الصوفي قد تأثر في ذلك بتصورات هرمسية قديمة موروثة‪ ،‬كان‬
‫للدائرة فيها هذه الدللة التي رمز اليها بالحية التي تعض على ذنبها)‪)(68‬ع(‪.‬‬
‫ولقد قلنا إن المرأة تمثل في رموز الفن والدب وفي الفكر القديم‪ ،‬الدائرة‪ .‬ولعل تشبيه المرأة بالضلع في‬
‫الفكر السألمي الذي يستمد منه المتصوفة ما يشير الى فكرة الدائرة‪ .‬وهي تمثل كذلك العرض من الجوهر‬
‫الذي يمثله الرجل‪ .‬واذا كانت المرأة هي عرض الرجل‪ ،‬واذا كانت هي التي تظهره وإن بها ظهوره‪ ،‬كما‬
‫يقول ابن الفارض‪:‬‬
‫ظهوري‪ ،‬وقد أخفيت حالي منشداا‬
‫بها‪ ،‬طرباا‪ ،‬والحال غير خفية)‪(69‬‬

‫واذا كان بالعشق النساني‪ ،‬العشق بين الرجل والمرأة‪ ،‬ظهور العدم)‪ ،(70‬النسان‪ ،‬فإن غاية الصراع‬
‫بينهما أو التفاعل الناتج عن اختلفهما في الجنس هي أن ينطبق العرض على جوهره تماماا‪ ،‬وأن يتجلى‬
‫الجوهر من خلل عرضه تماماا‪ ،‬وأن يتحد به‪ ،‬لذا صور شعر المتصوفة معاناة الشاعر بأنها رغبته بالتحاد‬
‫بالمرأة التي يحب‪ ،‬واتحاده بها يحقق له العودة الى بدايته‪ ،‬أي ان بالمرأة تلتحق النسانية وتكتمل الدورة‪،‬‬
‫يقول أبن الفارض‪:‬‬

‫ول تدعني فيها بنعت مقرب‪،‬‬


‫أراه بحكم الجمع فرق جريرة‬

‫فوصلي قطعي‪ ،‬واقترابي تباعدي‬


‫وودي صودي‪ ،‬وانتهائي بداءتي‬

‫……‪..‬‬
‫ومن أنا إياها الى حيث ل الي‬
‫عرجت‪ ،‬وعطرت الوجود برجعتي‬

‫ومن أنا إياي لباطن حكمة‪،‬‬


‫وظاهر أحكام أقيمت لدعوتي‬

‫فغاية مجذوبي اليها ومنتهى‬


‫مراديه ما أسألفته‪ ،‬قبل توبتي)‪(71‬‬

‫إن الدائرة تقترن في الفكر الصوفي بالوجود الظاهر‪)) :‬ثم كشف لي عن مرتبة السأم )الظاهر( فرأيت عالم‬
‫الشهادة ودوائر الظهور في الجناس والنواع(()‪ (72‬والمرأة التي ترتبط بالدائرة وتمثل الوجود الظاهر‪،‬‬
‫تمثل الحركة‪ ،‬لن بوجودها وجد التناقض )الرجل والمرأة(‪ ،‬والتناقض حركة‪ ،‬لذا كانت هي التي تقوم‬
‫بالحركة على محيط الدائرة‪ .‬ولهذا أيض اا اقترنت حواء بمعنى الحياة‪ ،‬فالمرأة تعبر عن الحركة التي هي‬
‫الحياة‪ ،‬وحواء في اللغة تعني الحياة‪ ،‬أي إن انبثاق الحياة كان مقترناا بوجودها‪ ،‬انطلق الحركة كان مقترنا ا‬
‫بها‪ ،‬ولذا اقترن بها رمز الحركة أي الدورة أو الدائرة‪ .‬ونجد من الرموز التاريخية أو السأطورية للمرأة‬
‫)ايزيس( التي تمثل في الديانة المصرية القديمة اللهة الكبرى والرمز القدسأي الذي يثير انطباعات‬
‫وايحاءات ارتبطت بتعاقب الفصول والحركة الدورية للفلك‪ ،‬وقد أحبــت‬
‫ايزيس الحياة وأشاعت فيها روح الخصوبة والنماء)‪.(73‬‬
‫وقد ارتبطت الدائرة بالرقم)‪ ،(74)(7‬فهذه الدورة حول النقطة أو المربع عددها سأبع دورات‪ .‬وهنا يتضح‬
‫معنى ربط الصوفية بين هذا الرقم والحركة الدائرة‪ .‬وقد مر بنا حديث أخوان الصفا وهم يذكرون مراتب‬
‫الفيض التي يقترن كل منها بعدد‪ ،‬فقد ذكروا أن الفلك كالسبعة والهيولى الولى كالربعة‪ .‬والهيولى الولى‬
‫لديهم هي ))شيء روحاني وهو جوهر بسيط معقول‪ ،‬وهو صورة الوجود حسب‪ ،‬ولما قبل الكمية صار‬
‫جسما ا مطلق اا ذا أبعاد‪ .‬فالهيولى الولى مبدأ من المبادئ القديمة بحكم الفيض‪ ،‬وهي ل تدرك بالحس‪ ،‬وهي‬
‫أيض اا أسأاس كل الكائنات‪ ،‬والختلف الذي نراه إنما هو في الصورة ل غير‪ ،‬ومن هنا كان العالم وحدة في‬
‫الحقيقة‪ .‬وبتأثير من النفس الكلية في الهيولى تنتج الصور المجردة‪ ،‬وهي النقوش والشكال‪ ،‬وهي أمور بل‬
‫زمان ول مكان‪ .‬ويتفق معهم أبو بكر الرازي في أن الهيولى الولى هي أسأاس الموجودات(()‪ .(75‬فالربعة‬
‫هي الهيولى الولى التي هي جوهر أو شيء روحاني ل يدرك بالحس‪ ،‬والسبعة هي الفلك الدائر‪ .‬ونحن ل‬
‫ننسى أن في القصص الدينية أن ابراهيم عليه السلم أخذ هاجر أم اسأماعيل الى المكان الذي أقيم فيه بيت‬
‫ا)الرقم ‪ ،(4‬ونعرف أن هاجر ترددت في سأبع حركات باحثة لبنها عن ماء حتى تفجر زمزم‪ .‬فالرقم)‪(7‬‬
‫اقترن بالحركة‪ ،‬وان التي قامت بهذه الحركة هي امرأة‪ .‬ولقد ذكر ابن عربي مركز الدائرة بأنه جوهر‬
‫والدائرة عرض‪ .‬ففي)انشاء الدوائر( يرسأم أمهات الوجود التي يسميها الجدول الهيولني ويظهر عددها‬
‫عشرة‪ ،‬وفي المركز يوجد الجوهر وهو ثابت وحوله دائرة تقترن بالوجود الظاهر‪ ،‬العرض)غ(‪ ،‬والجوهر‬
‫هو الذي يظهره العرض‪ .‬ونعرف أن الحكمة اللهية تقضي بالسماح للرجل بالزواج من أربعة‪ ،‬أي ان علقة‬
‫الرجل )الجوهر( والمرأة )العرض( جاءت من خلل الرقم )‪ ،(4‬فكأن في الرجل جوهراا يعادل أربع‬
‫نساء)ظاهرات(‪ ،‬أي ان كل جوهر كامن يعادل أربع صور ظاهرة‪ ،‬ومن المناسأب أن نشير هنا الى أن من‬
‫الحقائق العلمية البايولوجية ما يؤكد هذا‪ ،‬فالنقسام الختزالي للخليا الجنسية للنسان يؤول في الرجل الـى‬
‫أربع خليا جنسية وفي المرأة الى خلية جنسية واحدة‪ ،‬فكأن أربع خليا جنسية ذكرية تقابل خلية جنسية‬
‫أنثوية‪ .‬وهناك في جسم النسان من الظواهر البيولوجية الخرى ما يؤكد ارتباطها بهذه الرموز‪ ،‬التي ترتبط‬
‫بالرقام )ف(‪.‬‬
‫وقد ارتبطت فكرة النسان الكامل في الفكر الصوفي بالدائرة‪ ،‬فإننا نجد من المصطلحات التي ترادف مفهوم‬
‫النسان الكامل في الفكر الصوفي أنه‪) :‬فلك الحياة( و)الفلك المحيط)‪)) :((76‬إن النسان الكامل هو محمد‬
‫صلى ا عليه وسألم‪ .‬أو بعبارة أخرى الحقيقة المحمدية‪ ،‬ولكن هذه الحقيقة قطب يدور في فلكه دائما ا كل‬
‫طالب للكمال‪ ،‬فل يزال يدور‪ ،‬أي يتحقق بالصفات المحمدية ويدور‪ ..‬وفي دورانه يصغر قطر الدائرة‬
‫ويصغر‪ ،‬حتى يتلشى القطر‪ ،‬ويتحقق الطالب بوحدته الذاتية مع مركز الدائرة‪ ،‬أي الحقيقة المحمدية‪ .‬وهنا‬
‫في تحققه يطلق عليه اسأم من تحقق به‪ ،‬أي اسأم النسان الكامل‪ .‬فعبارة النسان الكامل هي لصاحبها‪ ،‬أي‬
‫لمحمد صلى ا عليه وسألم‪ ،‬ويصح أن نطلقها على المتحققين به الفانين‪ ،‬لنهم أصبحوا عينه)الصفاتية(‪،‬‬
‫ل‪ .‬وهي تحققاا لكمل الرجال الذين جاهدوا في سألوك طريقها(()‬ ‫فهي أصلا لصاحبها الذي خلق انسانا ا كام ا‬
‫‪ .( 77‬فالنسان الكامل هو العرض الدائر الذي يحقق أو يعكس جوهر الحقيقية المحمدية الثابت في المركز‪.‬‬
‫من هنا نستنتج أن المربع والدائرة علقة بين وجود كامن وعرض ظاهر‪ ،‬بين سأكون وحركة‪ ،‬وبين رجل‬
‫وامرأة‪ .‬وهذا يلتقي مع ما اسأتنتجه السأتاذ آل سأعيد من تفسير لها في الفن القديم والحديث‪ .‬ونستنتج من‬
‫هذا أيض اا أن هذه الثنائيات التي تجتمع تحت رمزي المربع والدائرة تحكمها علقة عامة أو قانون عام تعبر‬
‫عنه هذه الرموز‪ .‬ولكن ما مبادئ هذا القانون‪ ،‬وكيف تتفاعل أطراف هذه العلقات من خلله‪ ،‬وما تفصيلت‬
‫ما يجري بينها؟)‪ .(78‬إن الجواب على هذا يتصل بفلسفة متكاملة في الفكر الصوفي‪ ،‬نحاول أن نتلمس‬
‫تفاصيلها لننتهي الى الخلصات النهائية التي عبرت عنها هذه الرموز‪.‬‬
‫إن العلقة الجدلية بين الطراف التي ذكرناها هي مظهر من مظاهر العلقات الجدلية التي تعم الشياء‬
‫جميع اا‪ ،‬وإن العلقة بين المربع والدائرة هي صورتها العم‪ ،‬كالعلقة بين الوجود والعدم لدى هيجل التي‬
‫عودها المقولة العلى لكل المقولت التي تعبر عن هذه العلقات الجدلية‪.‬‬
‫ولقد ب وين المتصوفة في تصورهم للوجود أنه ينطوي في صميمه على الزدواجية‪ .‬وبوين ابن العربي في‬
‫)العواصم والقواصم( من ‪1‬ـ ‪)) ،2‬أن ا خلق الخلق نوعين‪ ،‬وأبدع من كل زوجين اثنين‪..‬وفطر الدمي‬
‫فركب عليه وفيه الزدواج ابتلء(‪ ،‬أي ان تكوين الكائن البشري نفسه تكوين متناقض‪ ،‬ووجوده ذو‬
‫صيرورة وصراع‪ ،‬إذ خلق ا فيه العقل والهوى‪ ،‬ووضعه على مسرح هذا الوجود الذي نصب له فيه‬
‫الدلئل والشبه‪ ،‬والهدى والضللة‪،‬‬
‫وعلمه البيان الذي يتأرجح بين منزلتي الحس أو العيان‪ ،‬والنظر أو السأتدلل‪ ،‬وكتب على ذلك النسان أن‬
‫يعاني في صميم وجوده صراعاا بين العقل والهوى‪ ،‬ويكابد نزاعا ا شاقاا بين الدليل والشبهة‪ ،‬بين الخير‬
‫والشر‪ ،‬بين التوفيق والخذلن أو النجاح والخفاق‪ ،‬وأن تتجاذبه خواطر ملئكية ووسأاوس شيطانية‪ .‬ولكن‬
‫ا مع ذلك كله نصب أمامه على كل طريق أعلماا هادية وإرشادات دالة‪ .‬فهناك نوع من الجدال أو‬
‫الديالكتيك في الوجود‪ .‬ويمكن القول بأن هذه النظرة الى طبيعة الوجود العام والوجود الخاصا‪ ،‬أعني وجود‬
‫النسان‪ ،‬نظرة قرآنية وميتافيزيقا اسألمية نجد الغزالي قد نفذ اليها بتأمله في القرآن‪ .‬ويتبين لنا ذلك من‬
‫تفسيره لقوله تعالى‪) :‬ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون( )الذاريات ‪ .(49‬قال الغزالي‪:‬‬
‫)فالمخلوقات كلها مفطورة على الزدواج‪ ،‬لطيفها وكثيفها‪ ،‬معنويها ومحسوسأها‪ ،‬ففي المركبات ازدواج‪،‬‬
‫وفي البسائط ازدواج‪.‬وبين البسائط والمركبات ازدواج‪ ،‬وبين العقل والنفس ازدواج‪ (.‬وفي القرآن آيات‬
‫كثيرة تشير الى الزدواج في الكائنات‪ ،‬في النفس )يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة‪،‬‬
‫وخلق منها زوجها( )النساء ‪ .(1‬في الفواكه‪) :‬فيهما من كل فاكهة زوجان( )الرحمن ‪ .(52‬في الكائنات التي‬
‫حملها نوح في سأفينته‪) :‬قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين( )هود ‪) ،(40‬فأسألك فيها من كل زوجين‬
‫اثنين( )المؤمنون ‪ .(27‬في الكائنات الحية‪) :‬فجعل منه الزوجين الذكر والنثى( )القيامة ‪)،(39‬وأنه خلق‬
‫الزوجين الذكر والنثى()النجم ‪ .(45‬في النبات‪) :‬سأبحان الذي خلق الزواج كلها مما تنبت الرض()يس‬
‫‪ .( 36‬ويصف القرآن ا بأنه خالق الزواج كلها‪) :‬والذي خلق الزواج كلها وجعل لكم من الفلك والنعام ما‬
‫تركبون( )الزخرف ‪.(79)((..(12‬‬
‫لقد ب وين الفكر الصوفي الذي يستقي من الفكر الديني أن الزدواج أو التناقض يتخلل عالم الشياء‪ ،‬وأن‬
‫التناقض تبديه صور الشياء‪ ،‬أي ان التناقض تعين وظهور‪:‬‬

‫تــــرى صـــورة الشياء تجلـــى عليــك مــــن‬

‫وراء حجاب اللبس‪ ،‬في كل خلعة‬

‫تجمعت الضداد فيها لحكمة‪،‬‬


‫فأشكالها تبدو على كل هيئة‬

‫صوامت تبدي النطق‪ ،‬وهي سأواكن‬


‫تحرك‪ ،‬تهدي النور‪ ،‬غير ضووية‬

‫وتضحك اعجاباا‪ ،‬كأجزل فارح‬


‫وتبكي انتحاباا‪ ،‬مثل ثكلى حزينة‬

‫وتندب إن أنت‪ ،‬على سألب نعمة‬


‫وتطرب إن غنت‪،‬على طيب نغمة‬

‫يرى الطير غب الغصان يطرب سأجعها‬


‫بتغريد ألحان‪ ،‬لديك شجية‬

‫وتعجب من أصواتها بلغاتها‪،‬‬


‫وقد أعربت على ألسن أعجمية)‪(80‬‬

‫وأكد الفكر الصوفي أن وجود أحد النقيضين شرط لوجود الخر‪ ،‬فهما يرتبطان بعلقة تناقض ل معنى‬
‫لحدهما خارجها‪)) :‬الشياء تعرف بأضدادها‪ ..‬ومن ل يعرف القبيح ل يعرف الحسن(()‪ (81‬فللحقيقة‬
‫أطرافها الثلثة‪:‬الشيء ونقيضه والعلقة بينهما‪ .‬لقد بوين ابن عربي أن ل كون ال في الحقيقتين‪ ،‬من‬
‫الضدين‪)) ،‬فل يكون أمر ال عن أمرين‪ ،‬ول نتيجة ال عن مقدمتين‪ (82)((.‬وأنهما يقترنان‪)) :‬الحدية‬
‫تصحب كل جمع‪ ،‬فلبد من الجمع في الحد‪ ،‬ولبد من الحد في الجمع‪..‬وقال تعالى…)وهو معكم أينما كنتم(‬
‫‪ ، 57/4‬والمعية صحبة‪ ،‬والصحبة جمع… لما كان الدوام لمعية الحق مع العالم لم يزل حكم الجمع في‬
‫الوجود وفي العدم‪ ،‬فإنه )تعالى( مع الممكن في حال عدمه كما هو معه في حال وجوده‪ ،‬فأينما كنا فال‬
‫معنا‪ ،‬فالتوحيد معقول غير موجود‪ ،‬والجمع موجود ومعقول‪ .(83)((..‬إن الواحد الذي يمثل ا هو معقول‪،‬‬
‫جوهر‪ .‬والجمع يمثل الجوهر والعرض‪ ،‬عرض يعكس الجوهر‪.‬لقد عبر بالجمع عن العلقة بين الجوهر‬
‫والعرض التي يمثلها العالم ويمثلها النسان‪ ،‬فالنسان جوهر وعرض يعكس الجوهر‪:‬‬

‫وذاك الروح روح ا فينا‬


‫وعند النفخ يأخذ في الياب‬

‫الى الجل الذي منه تعدى‬


‫فيسرع في الياب وفي الذهاب)‪(84‬‬

‫فهو يضم في صورته البشرية الروح وهي من ا‪:‬‬


‫عنت لنا أوجه الملك سأاجدة‬
‫لما حوينا من الرواح والصور)‪(85‬‬

‫إنه يجمع بين الروح والصورة‪ ،‬أو الظهور والبطون‪:‬‬


‫فليس الظهور سأوى ما ظهر‬
‫وليس البطون سأوى ما اسأتسر‬

‫‪.................‬‬
‫فمنا اليه ومنه الينا‬
‫وكل بحكم القضا والقدر)‪(86‬‬

‫ولن العلقة بها تعرف الشياء أو تسمى‪ ،‬قلنا في الية الكريمة‪)) :‬وعلم آدم السأماء كلها(( البقرة‪،31 ،‬‬
‫بأن سأر مقدرة آدم على تسمية الشياء مع عجز الملئكة عن ذلك‪ ،‬إنما هو لن آدم علقة بين متناقضات‪،‬‬
‫والملئكة ل تناقض في طبيعتها‪ ،‬فهي خير مطلق‪ ،‬أما آدم فهو علقة بين الخير والشر‪ ،‬وهذا تؤكده الية‪:‬‬
‫))ونفس وما سأواها فألهمها فجورها وتقواها(( الشمس‪ ،8،‬ولقد أدرك النسان حقيقة طبيعته المتناقضة‬
‫بالنسبة الى الوجود‬
‫الذي أوجده‪:‬‬
‫لول وجودي وكون الحق أوجدني‬
‫ما كنت أدري بأني الكائن الفائت‬

‫فالحق أوجدني منه وأيدني‬


‫به لذلك أأدعى الناطق الصامت)‪(87‬‬

‫واذا كان التناقض حركة كما قلنا‪ ،‬فإن النسان حركة‪ .‬وحركة النسان صيرورته‪ ،‬تحوله من ظلمات العدم‬
‫الى نور الوجود وعالم الظهور‪ .‬وبظهوره الذي هو ظهور للختلف أو التناقض‪ ،‬وجدت المعرفة‪ ،‬عرف‬
‫نفسه‪ ،‬ووجد عقله‪ ،‬لن المعرفة تقترن بالختلف أو التناقض‪ ،‬والعقل وسأيلة لدراكه‪:‬‬
‫لول الولية كنت في الظلمات‬
‫فأختصني الرحمن بالحركات‬

‫فخرجت منها أبتغي النور الذي‬


‫جمعتني فيه وعين شتاتي‬

‫ورأيت محياي الذي أسأعى اليه‬


‫…… وعلمت شأني فيه بعد وفاتي‬

‫فال أكبر والكبير بدايتي‬


‫ما دامت الدنيا وبعد مماتي)‪(88‬‬

‫واذا كان النسان هو الذي يتحرك لنه علقة‪ ،‬فإن الذي يتحرك نحوه هو كله الثابت‪:‬‬
‫الرب مالكنا والرب مصلحنا‬
‫والرب ثبتنا لنه الثابت)‪(89‬‬

‫واذا كان النسان فيه من الجانب اللهي‪ ،‬فإنه يكسب هذا الجانب الحركة ويكتسب منه الثبات‪ ،‬فهو علقة‬
‫بين الحركة والثبات‪:‬‬

‫وإن كان الظهور له بوجه‬


‫فمن وجه يكون له الكمون‬

‫له منا التحرك في جهات‬


‫ولي منه القامة والسكون)‪(90‬‬

‫إن العلقة أو التثليث شرط الخلق في فكر ابن عربي‪ ،‬أي ان الخلق ليس أحد النقيضين وليس ضده الخر‪،‬‬
‫بل هو العلقة الجامعة بينهما‪ ،‬أي الرتبة الثالثة بعد النقيض وضده‪)) :‬إن الحد ل يكون عنه شيء البتة‪..‬‬
‫ل ما لم يكن ثالث يزوجهما‪ ،‬ويربط بعضهما ببعض ويكون هو الجامع لهما‪،‬‬ ‫ول يكون عن الثنين شيء أص ا‬
‫فحينئذ يتكون عنهما ما يتكون بحسب ما يكون هذان الثنان عليه‪ ..‬فيسري التثليث في جميع المور لوجوده‬
‫في الصل(()‪ (91‬وقوله الخير نفسره بأن كل شيء من الشياء إنما هو عبارة عن )ثلثة( أو )علقة(‬
‫تجمع بين أمرين أو مختلفين وتزوجهما‪ .‬وهذا من مضامين الفلسفة الجدلية المهمة لدى هيجل وغيره في‬
‫العصور المتأخرة‪ .‬ويعد هيجل المسيحية )الديانة المطلقة( بسبب قولها بالتثليث‪ ،‬وهو ينظر من خلل‬
‫ثالوثها الى المعاني الفلسفية الكامنة وراء الطراف الثلثة التي يمثلها هذا الثالوث المسيحي لن الفكر‬
‫الديني ـ كما يبين ـ يعبر عن المطلق بالمجاز والتمثيل وبتجسيد الحقائق المطلقة بالصور البشرية‬
‫والواقعية‪ ،‬ول يعبر عن المطلق بالمطلق كما تفعل الفلسفة‪ .‬ولم يؤكد هيجل أن الفكر السألمي نظر الى‬
‫الحقيقة من خلل مبدأ التناقض الذي يحكم الموجودات‪ ،‬والعلقات التي تؤلف بين الطراف المتناقضة‪.‬‬
‫واذا كان التثليث أو العلقة هي الصل وأن الشياء بها تكون‪ ،‬فإن‬
‫هذا اسأتنتجنا منه بأن العلقة سأابقة على وجود الشياء لنها علة وجودها‪.‬فكل شيء ل معنى له ال بضده‪،‬‬
‫أي انه ل معنى له ال من خلل العلقة التي تجمعه بضده‪ .‬واذا كانت العلقة سأابقة على وجود الشيء‪ ،‬وهو‬
‫الذي يمثل أحد طرفيها المختلفين‪ ،‬فإنها تكون في حال سأبقها بأحد طرفيها‪ ،‬أي ان أحد طرفيها وجود‬
‫والخر عدم‪ .‬وهذه الحالة قلنا عنها بأنها تناقض بل تناقض‪ ،‬تناقض لن الطرفين وجود وعدم ‪ ،‬وبل‬
‫تناقض لن أحد النقيضين موجود فقط ‪ .‬وقول ابن عربي بأن التثليث أو العلقة موجودة في الصل‪ ،‬نفسره‬
‫بهذا‪ .‬ولو عدنا الى قول ابن عربي في نص سأابق‪ ،‬وهو إن ا معنا أو مع العالم )وهو ما يسميه الوجـود‬
‫الممكن أي الحادث بعد أن كان عدماا( قبل الحدوث وبعده‪ ،‬والمعية صحبة كما يقول‪ ،‬والصحبة جمع‪ ،‬فإن‬
‫هذا معناه أنه كان هنالك نوع من الجمع والعلقة قبل خلق النسان والعالم‪ ،‬عندما كان الوجود )معقولا ( كما‬
‫يقول‪ ،‬وهو يتمثل بما وصفناه ب )أصل الحركة(‪ .‬ثم ان الجمع أو العلقة توجد مع تجلي المعقول وظهوره‬
‫وإيجاد العدم وتحول الوجود الى معقول وموجود‪ .‬إن أصل الحركة علقة تتمثل بـ)وجود( ا و)عدم( وجود‬
‫النسان أو العالم‪ ،‬يقول ابن عربي‪)) :‬اعلم أن ا موصوف بالوجود‪ ،‬ول شيء معه موصوف بالوجود من‬
‫الممكنات‪ ،‬بل أقول إن الحق هو عين الوجود‪ .‬وهو قول رسأول ا صلى ا عليه وسألم‪ ،‬كان ا ول شيء‬
‫معه‪ .‬يقول ا موجود ول شيء من العالم موجود‪ ،‬فذكر عن نفسه بدء هذا المر أعني ظهور العالم في‬
‫عينه‪ (92)((.‬وهذا هو الوجود الخالص غير المتعوين عند هيجل)‪ (93‬ـ مع أنه سأاوى بينه وبين العدم ـ وهو‬
‫الوجود الخالص عند المتصوفة‪)) :‬إن الحق له الوجود الصرف‪ ،‬فله الثبوت‪ (94)((.‬وقد فسرنا الوجود‬
‫الخالص أو الثابت بأنه امتلء وهذا معنى وصف ا تعالى نفسه بالصمد‪ ،‬أي الممتلئ غير الفارغ مقابل‬
‫العدم الذي هو خلو مما يمتلئ به الوجود‪ ،‬فهو محو‪ ،‬والمحو غير الثابت‪ .‬وهذه الحقيقة بوينها ابن عربي في‬
‫مقابلته بين القمر والشمس‪)) :‬لن ا جعل القمر نوراا فهو نور بالجعل‪ ،‬كما كانت الشمس ضياء بالجعل‪.‬‬
‫وهي بالذات نور‪ ،‬والقمر بالذات محو‪ ،‬فللقمر الفناء‪ ،‬وللشمس البقاء‪:‬‬
‫فللقمر الفناء بكل وجه‬
‫وللشمس الضاءة والبقاء‪(95)((.‬‬
‫إن الوجود الخالص كائن قبل ظهور العالم‪ ،‬وإن ظهور العالم أو تجليه هو ظهور للعلقة أو للتناقض الذي‬
‫هو الحركة‪ ،‬ظهور للحركة‪ ،‬أو وجود الحركة أو العلقة التي تعني اثنين مع اعتبار أن الطرف السابق على‬
‫العلقة )الواحد( سأابق على الثنين ‪:‬‬
‫فالرب والمربوب مرتبطان‬
‫ثنى الوجود به وليس بثان)‪(96‬‬

‫وأحدهما )المربوب( يعرف من خلل العلقة التي تربطهما‪:‬‬

‫الملك لول وجود الملك ماعرفا‬


‫ولم تكن صفة مما به وصفا)‪(97‬‬

‫وإن العالم وحده خارج هذه العلقة ليس له تعوين‪ ،‬فهو عدم‪ .‬وقد عرفنا العدم بأنه أحد النقيضين خارج‬
‫علقته بالخر‪ ،‬وهذا هو تعريفه عند هيجل‪ .‬ويرى ابن العربي ان )الوحدة المحضة( ليست ال سألبا ا محضا ا ل‬
‫يمكن وصفها ول حدها‪ ،‬وذلك هو عين العدم والنفي المحض)‪.(98‬‬
‫ولقد كنا قد فسرنا المعرفة بأنها جمع أو علقة‪ ،‬والعقل وسأيلة للجمع أو العقل بين الموجودات ليتسنى له‬
‫ادراكها‪ .‬فالعقل في اللغة هو الجمع‪ ،‬ولقد أشار أخوان الصفا الى هذا التفسير‪ ،‬فالعقل الول الذي أنشأه‬
‫ل لنه يعقل الشياء عن الخروج عنه‪ ،‬أي إن الشياء ل معنى لها خارجة‬ ‫الباري من نوره‪ ،‬إنما سأمي عق ا‬
‫عن هذا العقل أو الجمع‪ ،‬إنه يجمع بين الشياء)‪.(99‬‬
‫ولقد بوين المتصوفة أن المعرفة ترتبط بهذا الجمع الذي هو جمع للمور المتناقضة ‪ ،‬فالمعرفة ترتبط‬
‫بالتناقض‪ ،‬وهي معرفة للزواج‪ ،‬فهناك ))ازدواجية في المعرفة أيضاا ما دامت مرتبطة بالوجود المزدوج‪،‬‬
‫وما دامت آلتها نفسها ذات طابع ازدواجي‪ ،‬فالعقل يزاوجه الهوى وينازعه‪ ،‬والهدى يقارنه الضلل ويوجد‬
‫بجانبه‪ ..‬ومن أجل هذا الزدواج وهذه الجدلية في الكائنات الحسية وفي المعاني أيضا ا من الوضوح‬
‫والغموض‪ ،‬والبيان واللتباس والحق والباطل تباينت المدارك‪ ،‬واختلفت مواقف العقول من موضوعات‬
‫التعقل المتباينة‪ ،‬قال ابن العربي‪) :‬لئن أضاء نهار الدلة‪ ،‬لقد أغطش ليل الشبهات‪ ،‬أو اتضحت جادة‬
‫التحقيق‪ ،‬لقد حفت بها بنيات حتى خفيت واضحة الطريق‪ ،‬وأعلم الحق وان كانت قد خفقت‪ ،‬فقد انتشرت‬
‫ألوية الباطل واسأتشرفت‪ (.‬وكتبت المقادير على نسيج الوجود البشري أن يتردد في مجال المعرفة بين ما‬
‫هو ضروري أو بديهي‪ ،‬وبيـن ما هو نظري محتاج الى تعمق وتأمل‪ ،‬إذ لو شاء ا ما قسم المعارف الى‬
‫ضروري ونظري‪ ،‬ولجعلها كلها واضحة متميزة‪ ،‬تحمل شارات وضوحها في نفسها فل تخفى‪ ،‬وتنطوي‬
‫على بنيتها في ذاتها فل تلتبس‪ .‬فالنسان مسكين يرثى لحاله‪ ،‬وحائر قلق‪ ،‬ل يدري أي طريق يسلك‪ ،‬وأي‬
‫سأبيل ينهج‪ ،‬ول يعرف أين الضر‪ ،‬ول يعلم أين النفع‪ ،‬إنه في شباك شائكة من الحيرة والرتباك والتردد بين‬
‫الخذ والرد(()‪.(100‬‬
‫إن هذه المبادئ الجدلية تحكم كل الموجودات ومنها النسان فهو محكوم بمبادئ قانون ثابت يحكم الكون كله‬
‫لنه تضمه ثنائيات مختلفة منها كونه ثنائية متلزمة من ذكر وأنثى وهما مختلفان في الجنس)‪.(101‬‬
‫وهناك نظرية قديمة اهتم بها أخوان الصفا‪ ،‬وهي كون النسان عالما ا صغيراا إزاء العالم الكبير)‪،(102‬‬
‫يريدون بهذا جملة مسائل منها أنه يمكن دراسأة العالم الكبير )الكل( من خلل العالم الصغير )الجزء(‪ ،‬لن‬
‫هناك قانونا ا عام اا يشمل كل شيء‪ ،‬العالم الكبير والصغير‪ ،‬وهو قانون الزوجية العام‪ .‬وقد نظروا الى كل‬
‫شيء من خلل هذا القانون‪ ،‬فقد نظروا الى النسان من خلله بوصفه خلق أزواجاا من ذكر وانثى‪ .‬ولنهم‬
‫نظروا الى العالم الكبير من خلل العالم الصغير)النسان( فقد عمموا علقة الذكورة والنوثة على علقات‬
‫التناقض الخرى‪ ،‬وذهبوا الى أن الطابع الذكري والطابع النثوي يسودان العالم‪ .‬ولما كان ذلك كان لبد من‬
‫أن يحدث توالج حسي ونكاح معنوي‪ ،‬ففي مذهبهم العرفاني أن العالم كله في وضع تعشق وتوالج تبادلي‬
‫امتد حتى شمل المحسوس والمعقول)‪ .(103‬وسأوف نفحص قانون الزوجية العام هذا من خلل بحث‬
‫المتصوفة في النسان الذي يحكمه هذا القانون كما بينوا‪.‬‬
‫مر معنا في مباحث سأابقة أن النسانية تجمع بين الذكورة والنوثة‪ ،‬والنسان علقة بينهما‪ .‬ويرتبط الذكر‬
‫والنثى بعلقة الحب أو الزواج)‪ ،(104‬وهي تتجلى في أولدهما‪ ،‬فالولد تجسيد للعلقة التي تربطهما‪،‬‬
‫وكل منهم يلتقي والداه الثنان في تكوينه‪ ،‬فهو علقة بينهما‪ ،‬إن النسان علقة‪ .‬والعلقة أول وجود عيني‬
‫لن بها يتع وين الضدان‪ ،‬يعرف كل منهما‪ .‬ولذا فسروا معنى النسان في اللغة بأنه الظاهر‪ ،‬أي هو خلف‬
‫الجن)‪ ،(105‬ولكنهم وضعوا درجات للوجود الظاهر أو المتعوين‪ ،‬وان آدم هو أول درجات الوجود المتعين‪،‬‬
‫أما حواء فتمثل الدرجة الثانية من هذا الوجود)‪ ،(106‬ذلك لننا قلنا إن العلقة مصدرها أحد النقيضين‬
‫المك وونين لها‪ ،‬ونقصد به العامل الذكري‪ .‬فمع أن وجود آدم يقترن بوجود حواء‪ ،‬لكن لن له أصل سأابقا في‬
‫الوجود ‪ ،‬لذا كانت له الدرجة الولى في الوجود المتعوين‪.‬‬
‫واذا كان النسان مصدره العامل الذكري فإن هذا يعني أن العامل النثوي مصدره العامل الذكري من حيث‬
‫أنه مصدر للعلقة التي تضم الذكر والنثى‪ .‬وإن العلم أكد هذا وكذلك الفكر الديني الذي يستلهمه المتصوفة‪،‬‬
‫فالمرأة جزء من الرجل وهي ضلع الرجل)‪ ،(107‬وكل جزء دليل على أصله)‪ .(108‬فحواء أصلها ذكر‪،‬‬
‫وانها العرض منه)‪ ،(109‬فهي الدليل عليه إذن‪ .‬وإن التذكير أصل والتأنيث فرع‪ .‬وإن حنين المرأة الى‬
‫الرجل حنين الجزء الى أصله ول أصل بل فرع)‪.(110‬والقرآن الكريم يشير في خلق المرأة الى إضافتها الى‬
‫النفس الواحدة التي هي آدم)‪،(111‬أي ان العامل الذكري ينطوي على النثوي‪) ،‬انطواء العالم الكبر أو الكل‬
‫على العالم الصغر أو الجزء(‪ ،‬وانه علقة بينه وبين العامل النثوي‪ .‬ولقد قلنا إن الوجود السابق مصدر‬
‫العلقة السابق على وجودها واذا كان للعلقة )الرجل( مصدرها السابق في الوجود فإن هذا يعني أن للرجل‬
‫أصله السابق في الوجود‪ .‬إن هذا المصدر الثابت‪ ،‬السابق على وجود الرجل‪ ،‬مصدر الرجل ـ في فكر‬
‫المتصوفة ـ هو ا‪ ،‬والرجل مصدر المرأة‪ ..‬ا الصل السابق لوجود الرجل‪ ،‬والرجل أصل للمرأة‪ ..‬الرجل‬
‫ظهر عن الذات اللهية‪ ،‬والمرأة ظهرت عنه‪ .‬وان ا خلق الرجل على صورته وأحبه‪ ،‬كما يقول ابن عربي‪،‬‬
‫والرجل والصورة أعظم مناسأبة كذلك بين الرجل والمرأة)‪.(112‬‬
‫إن وجود المرأة أو ظهورها يقترن بوجود العلقة‪ ،‬الرجل‪ .‬ووجود الرجل يقترن بوجودها لنها أحد طرفيه‪.‬‬
‫عندما يكون الرجل سأابق اا على وجود المرأة‪ ،‬فالوجود النساني يتمثل بهذا النقيض الذي سأميناه )أصل‬
‫الحركة( الذي هو عبارة عن الحركة أي العلقة ولكن بأحد طرفيها‪ ،‬لذا فهي ثابتة مستقرة‪ ،‬لن التناقض لم‬
‫يوجد بعد‪ ،‬والتناقض منطق للحركة كما بينا‪ .‬وعندما كان أصل الحركة سأابقا ا كان النقيض الخر )عدماا(‪،‬‬
‫وهذا هو الطرف السالب عند ابن عربي الذي هو الشر المطرود)‪ .(113‬إن عدم وجود أحد النقيضين يجعل‬
‫التناقض غير ظاهر‪ ،‬يجعل هذا النقيض السابق )أصل الحركة( وجوداا كامنا ا أو جوهراا‪ .‬فالرجل الذي صنعه‬
‫ا على صورته كما يذهب المتصوفة‪ ،‬والذي مصدره ا ‪ ،‬هو وجود كامن قبل أن يوجد العدم )المرأة(‬
‫لتوجد العلقة )الحركة( أو يظهر النقيضان‪.‬‬
‫لقد عبر المتصوفة عن الوجود السابق على وجود النسان بأنه وجود للروح‪ ،‬وقد قلنا إنهم عبروا عن عالم‬
‫الرواح بالمربع أو النقطة‪ .‬وكان الرجل قبل أن يخلق يعيش في هذا العالم الذي هو وجود غير مرئي‪ ،‬وجود‬
‫باطن ل ظاهر‪ .‬وقد عبر الحلج عن إيمان المتصوفة هذا‪ ،‬ففي القديم وقبل أن يمس جسمه التركيب‪ ،‬كان‬
‫في عالم الروح يشرب من ماء الله‪ ،‬وانه تعارف هناك مع فتية هم صحبته في قديم الذر قبل الخلق‪ .‬ويريد‬
‫بهذا أن يقرر أن عالم الروح أو الجوهر هو )الكل( لن جميع المخلوقات كانت مجتمعة فيه‪ ،‬وان عالم‬
‫الظهور هو عالم )الجزء( لن المخلوقات تخرج من عالم الروح متتابعة في أزمنة مختلفة‪ ،‬وكل منها يمثل‬
‫كونا ا محدوداا منعزلا عن الخر‪:‬‬
‫إني ارتقيت الى طود بل قدم‬
‫ق على غيري مصاعيب‬ ‫له مرا ق‬

‫وخضت بحرا ولم يرسأب به قدمي‬


‫خاضته روحي وقلبي منه مرعوب‬

‫حصباؤه جوهر لم تدن منه يد‬


‫لكنه بيد الفهام منهوب‬

‫شربت من مائه ريا ا بغير فم‬


‫والماء قد كان بالفواه مشروب‬
‫لن روحي قديما ا فيه قد عطشت‬
‫والجسم ما مسه من قبل تركيب‬

‫‪......................‬‬
‫وفتية عرفوا ما قد عرفت‪ ،‬فهم‬
‫صحبي ومن يحظ بالخيرات مصحوب‬

‫تعارفت في قديم الذور أنفسهم‬


‫فأشرقت شمسهم والدهر غريب)‪(114‬‬

‫وقد عبر غير الحلج من المتصوفة عن هذه المعاني‪ ،‬فابن الفارض يقول إن ذاته قبل أن يخلق كانت‬
‫موجودة‪:‬‬

‫ومن عهد عهدي‪ ،‬قبل عصر عناصري‬


‫الى دار بعث‪ ،‬قبل انذار بعثة‬

‫الوي رسأولا كنت مني مرسأ ا‬


‫ل‪،‬‬
‫وذاتي بآياتي علوي‪ ،‬اسأتدلت)‪(115‬‬

‫ويقول إن روحه للرواح روح‪ ،‬وإن له اتصال روحي برفقاء في عالم ما قبل الظهور‪:‬‬

‫وروحي للرواح روح‪ ،‬وكل ما‬


‫ترى حسناا في الكون من فيض طينتي‬

‫فذري ما قبل الظهور عرفته‬


‫خصوصاا وبي لم تدرفي الذر رفقتي)‪(116‬‬

‫إن كل واحد ينبي عن الخر‪ ،‬وله اتصال بالخر‪ ،‬فيخبر عنه‪ ،‬فهما بالروح متصلن‪ ،‬ويقول إن الوليد ينبيك‬
‫عن شاني‪ ،‬وإن نشأ بليداا وذلك بألهام كالوحي هو الفطرة‪ ،‬ويريد بهذا أن يشير الى المعرفة الفطرية‬
‫اللواعية التي هي معرفة عامة والتي بوسأاطتها يتصل كل أفراد النسانية‪:‬‬

‫فينحو سأماء النفح روحي ومظهري الـ‬

‫مسوى بها‪ ،‬يحنو لتراب تربتي‬

‫فمني مجذوب اليها وجاذب‬


‫اليه‪ ،‬ونزع النزع في كل جذبة‬

‫وما ذاك ال أن نفسي تذكرت‬


‫حقيقتها‪ ،‬من نفسها‪ ،‬حين أوحت‬

‫فحنت لتجريد الخطاب ببرزخ الـ‬


‫تراب‪ ،‬وكل آخذ بأزمتي‬

‫وينبيك عن شأني الوليد‪ ،‬وإن نشا‬


‫بليداا‪ ،‬بإلهام كوحي وفطنة)‪(117‬‬

‫فالعلوم طبعت في النفوس بوحي البوة‪ ،‬أي ان العلم قديم مركوز في أصل خلقة النسان‪ ،‬وهذا أيضا ا من‬
‫إنطواء العالم الصغر )النسان( أو الوجود الظاهر‪ ،‬على العالم الكبر )الروح أو الجوهر( وهو ما يمثل‬
‫المعرفة الكلية التي يلتقي عليها كل البشر ويتعارفون‪ ،‬وهي المعرفة التي ذكرنا في بداية البحث أن العلوم‬
‫الحديثة تنظر اليها على أنها المعرفة العمق الكامنة وراء الوعي أو المعرفة العقلية‪ ،‬فهناك وراء العلوم‬
‫النقلية علوم أخرى تدق وتخفى‪:‬‬
‫وماهي ال النفس عند اشتغالها‬
‫بعالمها‪ ،‬عن مظهر البشرية‬

‫تجلت لها بالغيب في شكل عالم‬


‫هداها الى فهم المعاني الغريبة‬

‫وقد طبعت فيها العلوم وأعلنت‬


‫…… بأسأمائها‪ ،‬قدماا‪ ،‬بوحي البوة‬

‫ولتك ممن طيشته دروسأه‬


‫بحيث اسأتقلت عقله واسأتقرت‬

‫فثم وراء النقل‪ ،‬علم يدق عن‬


‫مدارك غايات العقول السليمة‬

‫تلقيته مني‪ ،‬وعني أخذته‬


‫ونفسي كانت من عطائي ممدتي)‪(118‬‬

‫‪.................‬‬
‫فهو يقول إنه تلقى هذا العلم عنه‪ ،‬وإن نفسه أمدته به أي انه ليس علما ا مكتسباا من الخارج‪ ،‬إنما هو من‬
‫الباطن‪ .‬وإن علمه قديم من عالم التذكار‪ ،‬وإنه التقى في الجمع القديم كهول الحي عندما كانوا صبية‪ ،‬فمع‬
‫أنه امتداد لهم ال أنه كان معهم‪ ،‬ومع أن غيره امتداد له وأنهم يشربون مما أبقاه ال أنهم كانوا معه في عالم‬
‫الروح أو المطلق الذي تنعدم فيه الزمنة والمكنة‪:‬‬

‫وفي عالم التذكار للنفس علمها الـ‬


‫مقدم‪ ،‬تستهديه مني فتيتي‬

‫فحوي على جمعي القديم الذي به‬


‫وجدت كهول الحي أطفال صبية‬

‫ومن فضل ما أسأأرت شرب معاصري‬


‫ومن كان قبلي‪ ،‬فالفضائل فضلتي)‪(119‬‬

‫وقد كرر ابن الفارض بأنه الروح التي تجلت في نفوس كل أهــل‬
‫التقى السابقين‪ ،‬فهو فيهم روح‪ ،‬وباسأمه دعوا وبحجته حجوا الملحدين‪ ،‬وفيه شهد الساجدين لمظهره‬
‫فتحقق أنه آدم‪:‬‬
‫وفوي شهدت الساجدين لمظهري‬
‫فحققت أني كنت آدم سأجدتي‬

‫وعاينت روحانية الرضين في‬


‫ملئك عليين‪ ،‬أكفاء رتبتي‬

‫ومن أفقي الداني اجتدى رفقي الهدى‬


‫ومن فرقي الثاني بداجمع وحدتي)‪(120‬‬

‫فلوله لم يوجد وجود‪ ،‬ولم يكن شهود ولم تعهد عهود‪ .‬ول حي ال من حياته‪ ،‬ول ناظر ال بمقلته ‪ ،‬ول قائل‬
‫ال بلفظه محدث‪ ،‬ول منصت ال بسمعه سأامع‪ ،‬وهو الذي ظهر في كل صورة‪ ،‬وفي كل معنى لم تبنه مظاهره‬
‫تصور‪:‬‬
‫وأهل تلقى الروح باسأمي‪ ،‬دعوا الى‬
‫سأبيلي‪ ،‬وحجوا الملحدين بحجتي‬

‫وكلهم عن سأبق معناي‪ ،‬دائر‬


‫بدائرتي‪ ،‬أو وارد من شريعتي‬

‫وإني وإن كنت ابن آدم صورة‬


‫فلي فيه معنى شاهد بأبوتي‬

‫ونفسي على حججر التجلي برشدها‬


‫تجلت‪ ،‬وفي حجر التجلي تربت‬

‫وفي المهد حزبي النبياء‪ ،‬وفي عنا‬


‫صري لوحي المحفوظ‪ ،‬والفتح سأورتي‬

‫وقبل فصالي‪ ،‬دون تكليف ظاهري‬


‫ختمت بشرعي الموضحي كل شرعة‬

‫فهم واللى قالوا بقولهم على‬


‫صراطي‪ ،‬لم يعدوا مواطئ مشيتي‬

‫فيمن الدعاة السابقين الوي في‬


‫يميني‪ ،‬ويسر اللحقين بيسرتي‬

‫ول تحسبن المر عني خارجا ا‬


‫فما سأاد ال داخل في عبودتي‬

‫ولولي لم يوجد وجود‪ ،‬ولم يكن‬


‫شهود‪ ،‬ولم تعهد عهود بذمة‬

‫فل حوي ال من حياتي حياته‬


‫وطوع مرادي كل نفس مريدة‬
‫ول قائل ال بلفظي محدث‪،‬‬
‫ول ناظر ال بناظر مقلتي‬

‫ول منصت ال بسمعي سأامع‬


‫ول باطش ال بأزلي وشدتي‬

‫ول ناطق غيري‪ ،‬ول ناظر‪ ،‬ول‬


‫سأميع سأوائي من جميع الخليقة‬

‫وفي عالم التركيب في كل صورة‬


‫ظهرت بمعنى عنه بالحسن زينت‬

‫وفي كل معنى‪ ،‬لم تبنه مظاهري‬


‫تصورت‪ ،‬ل في صورة هيكلية)‪(121‬‬

‫فالمظاهر يجمعها تشابه الجوهر‪ ،‬ولكن بارتفاع الستر تظهر المظاهر وتختلف‪ ،‬وهو بهذا يشير الى كلية‬
‫)الجوهر أو الروح( واطلقه وعدم تناقضه‪ ،‬والى جزئية الموجودات الظاهرة واختلفها أو تناقضها‬
‫ومحدوديتها في الزمان والمكان فهي تظهر بالتدريج‪:‬‬

‫وكل الذي شاهدته فعل واحد‬


‫بمفرده‪ ،‬لكن بحجب الكنة‬

‫إذا أزال الستر لم تر غيره‪،‬‬


‫ولم يبق بالشكال أشكال ريبة‬

‫وحققت عند الكشف‪ ،‬أن بنوره اهـ‬


‫ـتديت‪ ،‬الى أفعاله‪ ،‬بالودأجنة‬

‫ت‪ ،‬ما بيني وبيني‪ ،‬مسبلا‬


‫كذا كن أ‬
‫حجاب التباس النفس في نور ظلمة‬

‫لظهر بالتدريج للحس مؤنسا ا‬


‫لها في ابتداعي‪ ،‬دفعة بعد دفعة‬

‫قرنت بجدي لهو ذاك‪ ،‬مقوربا ا‬


‫لفهمك غايات المرامي البعيدة‬

‫ويجمعنا في المظهرين تشابه‬


‫وليست لحالي‪ ،‬حاله بشبيهة‬

‫فأشكاله كانت مظاهر فعله‬


‫بستر تلشت‪ ،‬اذ تجلى ووولت‬

‫وكانت له بالفعل نفسي شبيهةا‬


‫وحسي كالشكال والولبس أ‬
‫سأترتي‬

‫ت الستر عني كرفعه‬


‫فلما رفع أ‬
‫بحيث بدت لي النفس من غير حجة‬

‫وقد طلعت شمس الشهود فأشرق الـ‬


‫وجود وحلت بي عقود أخوية‬

‫‪......................‬‬
‫وألسنة الكوان إن كنت داعيا ا‬
‫شهود بتوحيدي بحال فصيحة‬

‫وجاء حديث في اتحادي ثابت‬


‫روايته في النقل غير ضعيفة‬

‫‪......................‬‬
‫تسببت في التوحيد حتى وجدته‬
‫وواسأطة السأباب إحدى أدلتي‬

‫ووحدت في السأباب حتى فقدتها‬


‫ورابطة التوحيد أجدى وسأيلة‬

‫وجردت نفسي عنهما فتجردت‬


‫ولم تك يوما ا قط غير وحيدة‬

‫وغصت بحار الجمع بل خضتها على انـ‬


‫ـفرادي فأسأتخرجت كل يتيمة‬

‫لسأمع أفعالي بسمع بصيرة‬


‫وأشهد أقوالي بعين سأميعة)‪(122‬‬

‫ولقد عبر المتصوفة جميعاا عن هذه المعاني‪ ،‬يقول السهروردي‪:‬‬

‫عنصر الرواح فينا واحد‬


‫وكذا الجسام‪ ،‬جسم وعمنا‬

‫ما أرى نفسي ال أنتم‬


‫واعتقادي أنكم أنتم أنا‬

‫فارحموني ترحموا أنفسكم‬


‫وأعلموا أنكم في إثرنا)‪(123‬‬

‫مثل هذه الفكار نجدها في نظرية الكمون عند المعتزلة‪ .‬وفيها أن ا خلق الموجودات دفعة واحدة ولم يتقدم‬
‫خلق آدم على خلق أولده‪ ،‬غير أنه أكمن بعضها في بعض‪ ،‬فالتقدم والتأخر إنما يقع في ظهورها من مكمنها‬
‫دون وجودها‪ .‬وتتصل هذه الفكرة في صورتيها المعتزلية والصوفية بما تؤكده آية الميثاق من سأورة‬
‫العراف)‪)) :(7/173‬وإذ أخذ ربك من بني آدم‪ ،‬من ظهورهم‪ ،‬ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم‪ ،‬ألست بربكم‪.‬‬
‫قالوا‪ ،‬بلى‪ ،‬شهدنا‪ (124)((..‬وبما تؤكده أحاديث الرسأول‪ ،‬فقد ))قال عليه السلم كنت نبياا وآدم بين الماء‬
‫والطين‪ ،‬يريد على علم بذلك‪ ،‬فأخبره ا تعالى بمرتبته وهو روح قبل إيجاده الجسام النسانية كما أخذ‬
‫الميثاق على بني آدم قبل إيجاده أجسامهم‪.(125)((.‬‬
‫فالرواح الكامنة التي تمثل عالم الباطن هي كل متصل‪ .‬ولقد مر معنا أنهم وصفوا )النقطة( بأن الكل مندرج‬
‫فيها‪ ،‬فهي كل متصل‪ ،‬وهي تمثل عالم الروح‪ .‬وأن جماعة المهات والباء السابقين هم اللة التي تصنع‬
‫النسان‪ ،‬وليس أبوه وأمه المباشرين‪ .‬ولبن عربي شعر يقول فيه بأنه ما كان عن واحد بل عن جماعة آباء‬
‫وأمهات هم الصانعون كاللت‪ .‬واذا نظرنا الى اللت طال بنا إلسأناد والعنعنة حتى نصل الى الذات العليا‪،‬‬
‫وهي في الحقيقة الذي أوجدنا ل الجماعات‬

‫أنا ابن آباء أرواح مطهرة‬


‫وأمهات نفوس عنصريات‬

‫ما بين روح وجسم كل مظهرنا‬


‫عن اجتماع بتعنيق ولذات‬

‫ما كنت عن واحد حتى أوحده‬


‫بل عن جماعة آباء وأمهات‬

‫هم في الحقيقة‪ ،‬ان حققت شأنهم‬


‫كصانع صنع الشيا بآلت‬

‫فيصدق الشخص في توحيد موجده‬


‫ويصدق الشخص في اثبات علت‬

‫فإن نظرت الى اللت طال بنا‬


‫إسأناد عنعنة حتى الى الذات‬

‫وان نظرت اليه حين أوجدنا‬


‫قلنا بوحدته ل بالجماعات)‪(126‬‬

‫ولقد عبروا عن الذات الولى التي صدروا عنها من خلل علقات النسب‪ .‬ففي سأياق قصص الخلق يشيرون‬
‫الى رمز لهم هو الب الول)‪ .(127‬والسهروردي يعبر عن المصدر العلوي بعبارة الب والم‪ .‬ففي إحدى‬
‫قصصه‪)) :‬وبعد أن أمسيت في غاية القنوط من هجمات النوم‪ ،‬أخذت شمعا ا في يدي متضجراا وقصدت الى‬
‫رجال قصر أمي‪ ،‬وطوفت في ذلك الليل حتى مطلع الفجر‪ .‬وعندئذ سأنح لي هوس دخول دهليز أبي‪ ،‬وقد كان‬
‫لذلك الدهليز بابان‪ (128)((..‬وهو ))يقصد بالدهليز وجود نفسه وبأبيه علة وجود نفسه‪ (129)((.‬وفي‬
‫قصة حي بن يقظان التي جارى فيها ابن الطفيل وقدم لها صورة جديدة بما يلئم فلسفته الشراقية‪ ،‬عبر‬
‫عنه بالجد العظم أيض اا‪..)) :‬أعلم أن هذا جبل طور سأينا‪ .‬وفوق هذا جبل طور سأينا مسكن والدي وجدك‪،‬‬
‫وما أنا بالضافة اليه ال مثلك بالضافة الوي‪ ،‬ولنا أجداد آخرون حتى ينتهي النسب العظيم الى هذا الجد‬
‫العظم الذي ل جد له ول أم‪ ،‬وكلنا عبيده وبه نستعين ومنه نقتبس وله البهاء العظم والجلل الرفع‪ ،‬وهو‬
‫فوق الفوق ونور النور‪ ،‬وهو المتجلي لكل شيء بكل شيء‪،‬وكل شيء هالك ال وجهه‪.(130)((..‬‬
‫وبسبب اتصال الرواح في عالم الباطن يتصل وجودها الظاهر‪ ،‬لذا تكرر لدى المتصوفة معنى أن الفرد‬
‫يكون أباا كما أنه ابن لبيه‪ ،‬يقول ابن عربي‪:‬‬

‫كومل ا وجودي‬
‫بأب ثم بنات‬

‫فأنا ابن وأنا أيـ‬


‫ـضا ا أب في المحدثات)‪(131‬‬

‫وابن الفارض يقوله كذلك‪ ،‬إنه ان كان ابن آدم في الصورة فله فيه معنى يشهد بأبوته له لوجودهم جميعا ا‬
‫في عالم الروح‪ ،‬أما عالم الصورة فيظهرهم متتابعين‪ ،‬الواحد بعد الخر بما يقرر أسأبقية آدم في الوجود‬
‫على بنيه‪ ،‬فالروح واحدة والصور كثيرة ومتتابعة أي ان ظهورها يقترن بالزمان فيتقدم بعضها على بعض‬
‫زمن اا وتكون البوة لبعضها المتقدم والبنوة لبعضها المتأخر‪ ،‬أما قبل الزمان وفي عالم الروح فالجميع كل‬
‫متصل حاضر وبهذا فإن أي اا من أبناء آدم يسبقه في عالم الروح فهو أبوه‪ .‬ومن المعاني التي اهتم بها‬
‫المتصوفة‪ ،‬وجود الصوفي قبل آدم‪ ،‬ولقد تقدم ذكر كثير من الشعر لبن الفارض في هذه المعاني‪.‬‬
‫وفي قصص المعراج عند الصوفية حديث عن الوالد الذي أبوه ابنه‪،‬‬
‫وعما سأموه نكاح الم‪ ،‬وهو تعبير رمزي عن أفكارهم‪ .‬فالب الذي هو ولد لبنه تلميح رمزي الى الروح‬
‫الكلي‪ ،‬فهو ابنه من حيث الصورة وأبوه من حيث المعنى أي ان الصورة تجولي المعنى‪ ،‬فيكون المعنى ابنا ا‬
‫للصورة‪ .‬أما نكاح الم فهو كما يفسرونه تعبير عن تزاوج العقل الول والطبيعة‪ ،‬ولقد عبر الصوفية عن‬
‫الجوهر النثوي بوصفه انكشافاا للجمال اللهي في الصور الطبيعية)‪ ،(132‬يقول الحلج‪ :‬ولدت أمي أباها‪.‬‬
‫وقد فهموا من قوله إنه يريد أن أمه تظهر هذا الوجود البدي اللنهائي اللهي‪ ،‬فكأنها قد ولدت أباها لنه‬
‫مصدر وجودها‪ .‬وللحلج شعر يقول فيه هذا‪ ،‬وإن بناته اخواته‪ ،‬وهذا ليس من فعل الزناة‪:‬‬
‫ولدت أمي أباها!‬
‫إن ذا من عجباتي‬

‫فبناتي بعد أن كنـ‬


‫ن بناتي‪ ،‬أخواتي‬

‫ليس من فعل زمان‬


‫ل‪ ،‬ول فعل الزناة‬

‫فاجمع الجزاء جمعا ا‬


‫من جسوم نويرات‬

‫من هواء ثم نار‬


‫ثم من ماء فرات‬

‫فازرع الكل بأرض‬


‫تربها ترب موات‬

‫وتعاهدها بسقي‬
‫من كؤوس دائرات‬

‫من جوار سأاقيات‬


‫وسأواق جاريات‬

‫فإذا أتممت سأبعا ا‬


‫أنبتت كل نبات)‪(133‬‬
‫وننبه على أنه في البيت الخير قرن ظهور الحياة بالرقم)‪ (7‬الذي يمثل لديهم الدائرة التي ترمز الى الحياة‬
‫والعرض من الجوهر‪ .‬ولصـدر الديـن‬
‫القونوي وهو ربيب أبن عربي وابن زوجته‪ ،‬شعر في مثل هذه المعاني‪:‬‬

‫ت أبي من قبل أمي وأمها‬


‫ولد أ‬
‫وأنكحتها إياي حين تولدي‬

‫وإني أبو الباء قبل بنوتي‬


‫لهم‪ ،‬وهم في النشء كانوا ولئدي‬

‫وقد خال عمي أنني ابن أخ له‬


‫ولم يدر أني جد أم الموولد)‪(134‬‬

‫وللمير عبدالقادر الجزائري‪ ،‬وكان صوفي اا من أنصار وحدة الوجود‪ ،‬أبيات تناسأب هذه المعاني‪ ،‬وأنه ولد‬
‫جده وجدته‪ ،‬وأبوه تولد عن أمه‪ ،‬ثم ولدوه بعد كونه هو وأبوه توأمين في صلب‪.‬فكل من له عليك ولدة فهو‬
‫ابنك وهو أبوك‪ ،‬وكل من يتصل بك بنسب فهو كذلك)‪ ،(135‬يقول‪:‬‬

‫ت جدي وجداتي‪ ،‬وبعدهما‬ ‫مولجد أ‬


‫ي أب‬
‫أبي تولد عن أمي‪ ،‬وأ و‬

‫وبعد ذا ولدوني بعد كوني أنا‬


‫ووالدي البر توأمان في صلب‬

‫وكنت من قبل في الحجور ترضعني‬


‫بطيب ألبانها المهات‪ ،‬لترب‬

‫وليس يدري الذي أقول غير فتى‬


‫قد جاوز الكون من عيب ومن رتب )‪(136‬‬

‫ويذكرنا قول الحلج‪ :‬أمي ولدت أباها بقول الرسأول)صا( في فاطمة)ع( بأنها أم أبيها‪ ،‬فمع ما يحمله هذا‬
‫القول من معاني المحبة والحنو فله معنى أو تفسير آخر هو انها تظهر بأبنائها صفات أبيها المقدسأة‪ ،‬فكأنها‬
‫تلد حقيقته الجوهرية الكامنة وتظهرها بوسأاطتهم‪ ،‬فهي)ع( تمثل الوجود الظاهر من شخصية الرسأول)صا(‬
‫في حين يمثل المام علي)ع( كما قلنا الوجود الباطن‪ ،‬فهو كما تنص آية المباهلة يمثل )نفس( الرسأول)صا(‬
‫أو جوهره‪ ،‬ففاطمة)ع( تعكس جوهر الرسأول)صا( في أبنائها عن طريق المام علي)ع( وعن طريقها‪.‬‬
‫وقد نفهم من قول الحلج أيض اا أن في الرجل امرأة كامنة تظهرها ابنته فكأنها تلده‪ ،‬تلد الوجود الكامن الذي‬
‫فيه‪ .‬فهو عبارة عن امرأة كامنة وهي تظهره أو تلده‪ .‬ولقد ذكرنا في ما سأبق أن الرجل عندما كان سأابقا ا‬
‫كان يمثل وجوداا كامناا‪ ،‬وبعد وجود المرأة وتحوله الى علقة فإنه يبقى يمثل وجوداا كامنا ا ذلك لن المرأة‬
‫التي فيه وهي أحد طرفي العلقة التي يمثلها مازالت تمثل عدماا‪ ،‬فيبقى الرجل يمثل وجوداا كامنا ا أي انه‬
‫بالنسبة الى المرأة التي هي وجود ظاهر يمثل اللظهور‪ .‬الرجل هو وجود كامن للمرأة‪ ،‬هو امرأة كامنة‪،‬‬
‫لنه مازال يحمل عدم اا يمثلها‪.‬وهذا يعني كما قلنا أن وجود المرأة له مظهران‪ :‬وجود سأالب في الرجل‪،‬‬
‫ووجود موجب تمثله هي‪ ..‬إن المرأة هي الشكل الذي يظهر الوجود الكامن‪ ..‬هي الوجود المتأخر‪ ،‬الظاهر‪،‬‬
‫الذي يعكس الوجود الكامن فبوجودها وجد الرجل‪ .‬إن النساء تعكس الجوهر اللهي الذي يتصل به الرجل‪،‬‬
‫كما يبين ابن عربي‪:‬‬
‫رأيت ذكوراا في إناث سأواحر‬
‫تراءين لي ما بين سألع وحاجر‬

‫فخاطبت ذكراناا لني رأيتهم‬


‫رجالا بكشف صادق متواتر‬

‫وكن اناثا ا قد حملن حقائقا ا‬


‫من الروح إلقاء لسورة غافر‬

‫وبعلهم الروح الذي قد ذكرته‬


‫وانهم ما بين ناه وآمر)‪(137‬‬

‫إن صورة المرأة تجلي اللهي‪:‬‬

‫أقبل الرض اجللا لوطأتها‬


‫حبا ا له وأنا منه على حذر‬

‫من أجل تقييده بصورة امرأة‬


‫عند التجلي فقلت النقص من بصري‬

‫ونسوة كنجوم في مطالعها‬


‫وأنت منهن عين الشمس والقمر‬

‫يا حسنها غادة كالشمس طالعة‬


‫تسبي العقول بذاك الغنج والحور)‪(138‬‬

‫إن وجود المرأة يظهر الوجود الذي كان كامناا‪ ،‬أي إن وجود المرأة يعني وجود الشكل وانتقال الوجود الى‬
‫عالم المادة‪ ،‬إن المرأة تظهر الوجود ولذلك يعولي ابن عربي مكانة العنصر النثوي لظهور نشأته به ووجود‬
‫عينه‪ ،‬فهو ابن لمه حقيقة)‪ .(139‬والذي نستخلصه من مذهب الصوفية في التجلي أن ا ل يشاهد جهرة‪،‬‬
‫وانما في الشكال والصور العينية التي تنعكس عنه وتحاكيه‪ ،‬ففيها نتعرف عليه‪ .‬ا المحبوب المتعالي‬
‫يظهر في صورة العيان‪ ،‬في شكل فيزياوي من أشكال النعكاس أو التجلي‪ .‬وتبرز المرأة بوصفها رمزاا‬
‫لهذا النعكاس او التجلي في شكل محسوس‪ .‬وينشط الخيال البداعي للشاعر الصوفي في التوحيد بين‬
‫المتجلي والصورة التي تجلى فيها‪ ،‬إذ يحب في الكائن المرئي ظهور المحبوب القدس وتجليه‪ ،‬فهو يرفع‬
‫هذا الكائن الى درجة النموذج أو الصورة غير القابلة للفساد‪ ،‬أي جعله روحياا‪ .‬إن المرأة هي الوسأيط الذي‬
‫من خلله يتجلى الجمال المطلق وفعل المطلق اذ يبدو فيها فعله الخالق تحريراا لسأر الموجودات)‪ (140‬من‬
‫عالم الكمون الى عالم الظهور‪ .‬فرمز المرأة يرتبط لدى الصوفية المسلمين بالتجلي اللهي في الصور‪ ،‬اذ‬
‫المطلق ل يشاهد مجرداا عن المواد أبداا‪ .‬فإذا كان المر ممتنعاا‪ ،‬ولم يكن الشهود ال في مادة‪ ،‬فشهود الجمال‬
‫المطلق في النساء أعظم الشهود وأكمله‪ .‬وهذا مذهب ابن عربي ويرتبط به غيره من المتصوفة‪ ،‬فجلل‬
‫الديــن الرومي يذهب الى أن ))المرأة هي النموذج العلى للجمال الرضي‪ .‬ولكن هذا الجمال ليس شيئا ا ما‬
‫لم يكن انعكاسأا ا وتجلي اا للصفات اللهية( واذا ما نحينا حجاب الشكل‪ ،‬وجدنا الشاعر يتأمل الجمال البدي في‬
‫المرأة‪ ..‬وانه ليراها بوصفها الوسأيط الذي يكشف به الجمال غير المخلوق عن ذاته‪ ،‬ممارسأا ا ايجابيته‬
‫الخالقة‪ ..‬وطبيعي ال ترتبط هذه الخالقية بوظائف المرأة الفيزيائية‪ ،‬وإنما ترتبط بخصائصها الروحية التي‬
‫تخلق الحب في قلب الرجل وتجعله يبحث عن التحاد بالمحبوب القدس(()‪.(141‬‬
‫إن المرأة عندما تجولي الوجود المطلق أو تنعكس عنه‪ ،‬فإنما تجولي الوجود المطلق الذي يتصل به الرجل ـ‬
‫كما يب وين المتصوفة ـ فالرجل مصدره ا كما قالوا‪ ،‬والمرأة مصدرها الرجل‪ .‬وهم يتأملون في المرأة الوجود‬
‫الظاهر الذي يحرر الوجود الكامن من السأر‪ .‬إن جوهر الرجل يظهر في المرأة‪ ،‬فكما أن آدم هو النموذج‬
‫الذي كشف ا فيه عن أسأمائه التي كانت مخفية في ذاته‪ ،‬فكذلك المرأة‪ ،‬إنها المرآة والمظهر الذي يتأمل‬
‫فيه الرجل حقيقته التي هي وجوده الخفي‪ .‬لقد أأشرب الجوهر النثوي رمزاا معرفياا‪ ،‬لنه لما كانت النثى في‬
‫التصورات الصوفية تجسد اا للنفس‪ ،‬ولما كانت معرفة النفس هي معراج النسان الى معرفة الرب‪ ،‬لزم أن‬
‫تكون معرفة المرأة من خلل عاطفة الحب المتوهج موصلة الى ا‪ .‬فحنين الرجل الى المرأة هو حنين الكل‬
‫الى جزئه والشيء الى نفسه‪ ،‬كما أن حنين المرأة اليه هو حنين الشيء الى وطنه‪ .‬إن المرأة تجسد للنفس‬
‫التي معرفتها مقدمة جوهرية ومدخل الى معرفة الربوبية‪ .‬المرأة هي الموجود السأمى الذي ربط الحب‬
‫الصوفي بوسأاطته بين الروحي والحسي‪ .‬وإن الحب والزواج هما العلقة التي تكشف للمحب في الدنيا تجلي‬
‫المعاني اللهية في الصورة المحسوسأة‪ .‬وعاطفة الحب اللهي المشبوب هي الحد الجامع بين التجلي‬
‫والمشاهدة )‪ .(142‬والمحب يدرك أن الصورة ليست خارجة عنه بل إنها باطنة في وجوده‪ ،‬فيصبح‬
‫المحبوب أقرب للمحب من نفسه‪ .‬إن المحبوب كامن في أعماق وجوده‪ ،‬فهما نفس واحدة كما عبر القرآن‬
‫الكريم‪ ،‬وقد خلق منها زوجها‪ .‬وإن خلقها وفصلها عنه يظهر هذا الوجود الذي كان كامنا ا فيه‪ .‬فآدم وحواء‬
‫نفس واحدة‪ .‬واذا رجعنا الى غير القرآن الكريم‪ ،‬الى الصول التاريخية والسأطورية‪ ،‬فهناك أسأطورة الجنس‬
‫الواحد غير المتمايز‪ ،‬حيث توحي هذه الوحدة غير المتمايزة في التصور السأطوري الى خنوثة ذلك الجنس‬
‫الذي كان يجمع بين مبدأي الذكورة والنوثة)ق(‪ .‬وقد ألمح الى ذلك الرمز السأطوري‪ ،‬افلطون في محاورة‬
‫)المأدبة( ولعله اسأتقى تلك السأطورة من أصول شرقية قديمة‪ .‬وفي اللغات الوربية يطلق اسأم الرجل )‬
‫‪ ( homo‬على الجنس النساني من باب التغليب‪ ،‬فهو يوحي بهذه الوحدة‪ .‬وفي كثير من قصص الخلق فإن‬
‫المرأة خلقت بعد الرجل‪ ،‬على الرغم من أنهما في بعض الحيان خلقا في زمن واحد‪ .‬ول يخفى أن هناك‬
‫تطابقاا بين قصة الكتاب المقدس وكثير من القصص الوربي)‪ .(143‬فالمرأة كانت مع الرجل في وحدة‪ ،‬فهي‬
‫نفسه التي كانت في داخله‪ ،‬ويبين ابن الفارض أن حبه لمن يحب حب لنفسه‪ ،‬لن المرأة هي نفسه‪:‬‬
‫وصرت بها صباا‪ ،‬فلما تركت ما‬
‫أريد‪ ،‬أرادتني لها وأحبت‬

‫فصرت حبيباا‪ ،‬بل محبا ا لنفسه‬


‫وليس كقول مور‪) :‬نفسي حبيبتي(‬

‫خرجت بها عني اليها‪ ،‬فلم أعجد‬


‫الوي‪ ،‬ومثلي ل يقول برجعة)‪(144‬‬

‫وهو ل يحيل عن قوله انه هي‪ ،‬أو انها حلت فيه‪:‬‬

‫متى حلت عن قولي‪ :‬أنا هي‪ ،‬أو أقل‬


‫وحاشا لمثلي‪ :‬إنها فوي حولت‬

‫ولست على غيب أحيلك‪ ،‬ل ول‬


‫على مستحيل موجب سألب حيلتي‬

‫وكيف وباسأم الحق ظل تحققي‬


‫تكون أراجيف الضلل مخيفتي)‪(145‬‬

‫فهو وإياها ذات واحدة‪ ،‬وكذلك من وشى بها وثنى عنها‪ ،‬فكلها مظاهر للوجود الكامن‪:‬‬

‫وإني وإياها لذات‪ ،‬ومن وشى‬


‫بها وثنى عنها صفات تبدت‬
‫فذا مظهر للروح هاد لفقها‬
‫شهوداا‪ ،‬بدا في صيغة معنوية‬

‫وذا مظهر للنفس حاد لرفقها‬


‫وجوداا غدا في صيغة صورية‬

‫ومن عرف الشكال مثلي لم يشبـ‬


‫ـه بشرك هدى في رفع اشكال شبهة)‪(146‬‬

‫وهي تمثل الحقيقة التي في داخله والتي بها شغل عنها‪ ،‬وأنه عندما كشف حجاب النفس وجدها لنها في‬
‫نفسه‪ ،‬فجل مرآة ذاته‪ ،‬وانه عندما وصل فإلى ذاته وبها‪ ،‬وانها أشهدته نفسه فتحقق أنه وهي واحد‪:‬‬

‫ومازلت إياها وإياي لم تزل‬


‫ول فرق‪ ،‬بل ذاتي لذاتي أحبت‬

‫‪......................‬‬
‫أسأائلها عني اذا ما لقيتها‬
‫ومن حيث أهدت لي هداي أضلت‬

‫وأطلبها مني‪ ،‬وعندي لم تزل‬


‫عجبت لها بي كيف عني اسأتجنت‬

‫ومازلت في نفسي بها متردداا‬


‫لنشوة حسي والمحاسأن خمرتي‬

‫أسأافر عن علم اليقين لعينه‬


‫الى حقه‪ ،‬حيث الحقيقة رحلتي‬

‫وأنشدني عني‪ ،‬لرشدني على‬


‫لساني‪ ،‬الى مسترشدي عند نشدتي‬

‫وأسأألني رفعي الحجاب بكشفي الـ‬


‫نقاب‪ ،‬وبي كانت الي وسأيلتي‬

‫وأنظر في مرآة حسني كي أرى‬


‫جمال وجودي‪ ،‬في شهودي طلعتي‬

‫فإن فهت بأسأمي أصغ نحوي تشوقا ا‬


‫الى مسمعي ذكري بنطقي وأنصت‬

‫وألصق بالحشاء كفي عساي أن‬


‫أعانقها في وضعها عند ضمتي‬

‫وأهفو لنفاسأي لعلي واجدي‬


‫بها مستجيزاا أنها بي مرت‬
‫الــى أن بدا مـني لعـيني بـارق‬

‫وبان سأنا فجري‪ ،‬وبانت دجنتي‬

‫هناك الى ما أحجم العقل دونه‬


‫وصلت وبي مني اتصالي ووصلتي‬

‫فأسأفرت بشراا إذ بلغت الي عن‬


‫يقين‪ ،‬يقيني شود رحل لسفرتي‬

‫وأرشدتني‪ ،‬إذ كنت عني ناشدي‬


‫الوي‪ ،‬ونفسي بي علوي دليلتي‬

‫وأسأتار لبس الحس لما كشفتها‬


‫وكانت لها أسأرار حكمي أرخت‬

‫رفعت حجاب النفس عنها بكشفي الـ‬


‫نقاب فكانت عن سأؤالي مجيبتي‬

‫وكنت جل مرآة ذاتي من صدا‬


‫صفاتي‪ ،‬ومني أحدقت بأشعة‬

‫وأشهدتني إياي‪ ،‬إذ ل سأواي في‬


‫شهودي موجود فيقضي بزحمة‬

‫‪......................‬‬

‫ولما شعبت الصدع والتأمت فطو‬


‫ر شمل بفرق الوصف غير مشتت‬

‫ولم يبق ما بيني وبين توثقي‬


‫بايناس ودي‪ ،‬ما يؤدي لوحشة‬

‫تحققت أنا في الحقيقة واحد‬


‫وأثبت صحو الجمع محو التشتت)‪(147‬‬

‫إن المرأة تجلي الوجود‪ ،‬وجوده وكل وجود‪ ،‬وإنه ليراها في كل مرئي‪ ،‬وبها يشهد غيبه‪:‬‬

‫جلت في تجليها الوجود لناظري‬


‫ففي كل مرئي أراها برؤية‬
‫وأشهدت غيبي اذ بدت فوجدتني‬
‫هنالك إياها بجلوة خلوتي‬

‫وطاح وجودي في شهودي وبنت عن‬


‫وجود شهودي‪ ،‬ماحيا ا غير مثبـت‬

‫وعانقت ما شاهدت في محو شاهدي‬


‫بمشهده للصحو‪ ،‬من بعد سأكرتي‬

‫ففي الصحو بعد المحو لم أك غيرها‬


‫وذاتي بذاتي إذ تجلت تجولت‬

‫فوصفي إذ لم تدع باثنين وصفها‬


‫وهيئتها‪ ،‬إذ واحد نحن هيئتي‬

‫فإن دعيت كنت المجيب وإن أكن‬


‫منادى أجابت من دعاني ولبت‬

‫وإن نطقت كنت المناجي كذاك إن‬


‫قصصت حديثا ا إنما هي قصت‬

‫فقد رفعت تاء المخاطب بيننا وفي‬


‫رفعهاعن فرقة الفرق رفعتي‬

‫فإن لم يجووز رؤية اثنين واحداا‬


‫حجاك‪ ،‬ولم يثبت لبعد تثبت‬

‫‪......................‬‬

‫كذا كنت حيناا‪ ،‬قبل أن يكشف الغطا‬


‫من اللبس‪ ،‬ل أنفك عن ثنوية‬

‫أروح بفقد بالشهود مؤلفي‬


‫وأغدو بوجد بالوجود مشتتي‬

‫يفرقني لبي التزاما ا بمحضري‬


‫ويجمعني سألبي‪ ،‬اصطلما بغيبتي‬

‫أخال حضيضي الصحو والسكر معرجي اليها‪ ،‬ومحوي منتهى قاب سأدرتي)‪(148‬‬
‫والشاعر في البيات هذه‪ ،‬يؤكد أنه كان متحداا بها في عالم الروح فشتتهما‬
‫الصحو والظهور الى عالم الحس‪.‬وأنها هي التي نقلته الى عالم الصحو والظهور بعد المحو والكمون‪،‬‬
‫فتجلت ذاته بها‪ ،‬أي تجلت ذاته بذاته…إن جمال الجوهر النثوي يهدي الى جمال حقيقي يتسم بالكلية‬
‫والثبات‪ .‬فهو يعبر عن الحقيقة المطلقة التي هام بها الشاعر والتي يحاول الوصول اليها ورؤيتها ليصير‬
‫ويتحقق وجوده‪:‬‬
‫حقيقتي همت بها‬
‫وما رآها بصري‬

‫ولو رآها لغدا‬


‫قتيل ذاك الحور‬

‫فعندما أبصرتها‬
‫صرت بحكم النظر‬

‫فبت مسحوراا بها‬


‫أهيم حتى السحر)‪(149‬‬

‫وهذا الجمال في تجليه في المظهر الحسي يتجاوز هذا المظهر في سأعيه صوب اللمتناهي والفكرة المطلقة‪.‬‬
‫إن الشاعر يتطلع من خلل المرأة الى الجمال اللهي‪ .‬ومن هنا بدت المرأة في الشعر الصوفي رمزاا موحيا ا‬
‫دا ال على الحب اللهي‪ ،‬وتم للصوفية فيه التأليف بين هذا الحب والحب النساني‪ .‬فقد ردوا الجمال النثوي‬
‫الى الجمال العالي المطلق الذي ل تعوين له في نفسه‪ .‬والشاعر يحن الى الوحدة ويشتاق الى الجمع‪ .‬ويصور‬
‫جلل الدين الرومي لقاء الحبيبة بالرحلة للقاء ا والسعي الى الوحدة معه‪ ،‬ولبن عربي شعر في ذلك)‬
‫‪ .(150‬ولكن الحبيبة ضنينة بالجمع سأمحة بالتشتت‪ ،‬محجبة دون اللباب التي تتعلق بها‪:‬‬

‫فلي بين هاتيك الخيام ضنينة‬


‫علوي بجمعي‪ ،‬سأمحة بتشتتي‬

‫محجبة بين السأنة والظبى‬


‫اليها انثنت ألبابنا إذ تثنت)‪(151‬‬

‫والشاعر من فئة تؤمن بالتحاد ل بغيره‪:‬‬

‫وجل في فنون التحاد ول تحد‬


‫الى فئة في غيره العمر أفنت‬
‫فواحده الجم الغفير‪ ،‬ومن غدا‬
‫ه شرذمة‪ ،‬حجت بأبلغ حجة‬

‫فمت بمعناه وعش فيه أو فمت‬


‫موعناه‪ ،‬واتبع أمة فيه أمت)‪(152‬‬

‫وهو اتحاد بالجمال المطلق ل بغيره‪ ،‬فما يهواه هو الجمال غير المقيد الذي تجلى في شخص الحبيبة‪ ،‬وهو‬
‫الجمال الذي تجمعت فيه الهواء وصبت اليه الرواح‪:‬‬

‫تجمعت الهواء فيها فما تـرى‬


‫بها غير صب ل يرى غير صبوة‬

‫اذا أسأفرت في يوم عيد تزاحمت‬


‫علــى حسنــها أبصــــار كـــــل قبـيلــــــة‬

‫فأرواحهم تصبو لمعنى جمالـها‬


‫وأحداقهـــم مـــن حسنهـــــا في حديقــــة‬

‫وعندي عيدي كل يـوم أرى به‬


‫جمال محـياها‪ ،‬بعيـن قريـرة‬

‫وكل الليالي ليلة القدر إن دنـت‬


‫كما كل أيـام اللقـا يوم جمعـة‬

‫وسأعيي لها حج‪ ،‬به كل وقفــة‬


‫على بابها‪ ،‬قد عادلت كل وقـفة‬

‫وأي بلد ا حلـت بـها‪ ،‬فـما‬


‫أراها‪ ،‬وفي عيني حلت‪ ،‬غير مكة‬

‫وأي مكان ضمها حـرم‪ ،‬كـذا‬


‫أرى كل دار أوطـنت دار هجرة‬

‫ومـا سأكنته فهـو بــيـت مقــدس‬


‫بقرة عيني فيه‪ ،‬أحشـاي قـرت‬

‫ومسجدي القصى مساحب بردها‬


‫وطيبي ثرى أرض‪ ،‬عليها تمشت‬
‫‪....................‬‬
‫ل‪ ،‬فشهري كله‬ ‫وإن طرقت لي ا‬
‫بها ليلة القدر ابتهاجا بزورة‬

‫لئن جمعت شمل المحاسأن صورة‬


‫شهدت بها كـل المعانـي الدقيقـــة‬

‫ولم ل أباهي كل من يدعـي الهـوى‬


‫بها وأنــا هـــي في افتخـــاري بحظــــوة‬

‫وقد نلت منها فوق ما كنت راجيا ا‬


‫وما لــم أكـن أملت من قـرب قربتي)‪(153‬‬
‫وهذا الجمال المطلق يبدو بمظاهر كثيرة يعبر عنها الشاعر بلفظ النثى‪ ،‬وهي تبدو وتخفى على حسب‬
‫الوقات لعلة في كل حقبة وتظهر للعشاق في مظاهر كثيرة‪ ،‬ففي مرة لبنى وأخرى بثينة وآونة عزة‪ ،‬وقد‬
‫تراءت لدم في صورة حواء فهام بها‪ ،‬ولسن سأواها ول كن غيرها‪ .‬وهو يبدو لها في صورة كل صب متيم‪،‬‬
‫والذين سأبقوه في هواها ليسوا غيره‪ ،‬ففي مرة يكون قيسا ا وأخرى كثيراا وآونة جميل بثينة‪ ،‬فقد تجلى فيهم‬
‫ظاهراا واحتجب باطن اا‪ .‬وهن وهم عبارة عن مظاهر تتعلق بعضها ببعض بوسأاطة عاطفة الحب‪ ،‬فكل فتى‬
‫أحب إنما كان هو‪ ،‬وهي حب كل فتى‪ ،‬والكل إنما أسأماء للظاهر‪:‬‬

‫وصرح باطلق الجمال ول تقل‬


‫بتقييـده ميـلا لزخـرف زيـنـة‬

‫فكل مليح حسنه من جمالها‬

‫معار له‪ ،‬بل حسـن كـل مليـحة‬

‫بها قيس لبنى هام‪ ،‬بل كل عاشق‬


‫كمجنون ليلى أو كثيـر عـزة‬

‫فكل صبا منهم الى وصف لبسها‬


‫بصورة حسن لح في حسن صورة‬

‫وما ذاك ال أن بدت بمظاهر‬


‫فظنوا سأواها‪ ،‬وهي فيـها تجلـت‬

‫بدت بأحتجاب‪،‬واختفت بمظاهر‬


‫على صبـغ التلوين في كـل برزة‬

‫ففي النشأة الولى تراءت لدم‬


‫بمظهر وحـوا‪ ،‬قـبل حكـم المـومة‬

‫فهام بها كيما يكون به أبا‬


‫ويظهر بالزوجين حكم البنوة‬
‫وكان ابتدا حب المظاهر بعضها‬
‫وما بــرحت تبـــدو وتــخفــى لعلــــة لبعض‪ ،‬ول ضد أيصود ببغضة‬
‫على حســب الوقــات في كــل حقبـــــة‬
‫وتظهر للعشاق في كل مظهر‬
‫من الولبس في أشكال حسن بديعة‬

‫ففي مرة لبنى وأخرى بثينة‬


‫وآونة تدعى بعزة عزت‬

‫ولسن سأواها‪ ،‬ل ول كن غيرها‬


‫وما إن لـها في حسـنها من شريـكة‬

‫كذاك بحكم التحاد بحسنها‬


‫كما لي بدت في غيرها وتزيت‬

‫بدوت لها في كل صب متيم‬


‫بأي بديع حسنه وبأية‬

‫وليسوا بغيري في الهوى لتقدم‬


‫علوي لسبق في الليالي القديمة‬

‫وما القوم غيري في هواها وإنما‬


‫ظهرت لهم للوجبس في كل هيئة‬

‫ففي مرة قيساا‪ ،‬وأخرى كثيراا‬


‫وآنة أبدو جميل بثينة‬

‫تجليت فيهم ظاهراا واحتجبت با‬


‫طناا بهم‪ ،‬فأعجب لكشف بسترة‬

‫وهن وهم‪ ،‬ل وهن وهم مظاهر‬


‫لنا بتجلينا بحب ونضرة‬

‫فكل فتى حب أنا هو‪ ،‬وهي حـ‬


‫ب كل فتى‪ ،‬والكل أسأماء لبسة‬

‫أسأام بها كنت المسمى حقيقة‬


‫وكنت لي البادي بنفس تخفت)‪(154‬‬

‫إن الجمال المطلق يتجلى في الشكال‪ ،‬بخلق الشكال‪ ..‬الوجود اللهي السابق يوجد الوجود الظاهر ليخلق‬
‫أشكال تظهره ‪ .‬فالوجود السابق له صفة الفعل‪ ،‬والوجود اللحق له صفة النفعال‪:‬‬

‫فما ثم ال الحق والحق فاعل‬


‫وما ثم ال الخلق والخلق منفعل)‪(155‬‬
‫فالشكل أو الوجود الظاهر محل للنفعال والتكوين في مقابل صفة الفعل التي للوجود الباطن‪ ،‬فال خلق‬
‫الرجل على صورته‪ ،‬فالرجل محل انفعال ل‪ ،‬والمرأة محل انفعال للرجل‪ .‬ولم يعبر الفكر السألمي عن فعل‬
‫الرجل وصدور البناء تعبير)الخلق( بل اسأتعمل عبارة )التولد()‪.(156‬فالولد يتولدون عنه‪ ،‬والمرأة محل‬
‫للنفعال به‪ .‬الرجل فاعل‪ ،‬والمرأة منفعل به‪ ،‬جوهر فاعل‪ ،‬وعرض منفعل‪ ،‬يظهر آثار الفعل‪ ،‬فالنساء جعلهن‬
‫ا محلا لظهور البناء‪ .‬ولقد قرروا قانونا ا عاماا في علقة الفاعل والمنفعل‪ ،‬مؤداه أن كل مؤثر فاعل وكل‬
‫مؤثر فيه منفعل‪ ،‬وأن قبول المرأة للحمل يوازي رتبة النفعال‪ .‬والمرأة بالنسبة الى الرجل كالطبيعة بالنسبة‬
‫الى المر اللهي‪ .‬من عرف الطبيعة عرف مرتبة المرأة‪ ،‬فهي محل الفعل والبذر‪ .‬ونفهم من ابن العربي أن‬
‫هناك توازي اا ما بين النثى والطبيعة من حيث كونهما في مدرج النفعال‪ ،‬إذ كما تنفعل النثى للرجل تنفعل‬
‫الطبيعة بأسأرها للحق‪ .‬فالطبيعة هي النفس الذي فيه انفتحت صور العالم لسريان النفحة اللهية‪ .‬ولقد كانت‬
‫السماء رمز اا للذكر في مقابل رمزية الرض‪ ،‬الم التي ارتبطت بتصورات وأفكار خاصة أضفت عليها رمز‬
‫الوعاء)‪.(157‬‬
‫لقد وضع الفكر السألمي المرأة في مرتبة الخلق المنفعل في مقابل مرتبة الجوهر الفاعل‪ .‬والخلق المنفعل‬
‫يظهر تأثير الفاعل‪ ،‬أو يعكس هذا التاثير‪ ،‬فالمرأة تعكس الجوهر الذي في الرجل‪.‬وفي تصور ابن عربي عن‬
‫ل فهي فاعل ومنفعل‪ .‬أي إن المرأة رجل كذلك من حيث أنها تعكس جوهر‬ ‫المرأة أن فيها يشاهد الرجل فاع ا‬
‫الرجل)‪ .( 158‬وننتهي معه الى نتيجة لعلها تفسير لبياته التية التي يقول فيها إنه ما في الكون من رجل‪،‬‬
‫لن الرجال هم الناث اللواتي يعكسن الرجال‪:‬‬

‫إنا اناث لما فينا يولده‬


‫فلنحمد ا ما في الكون من رجل‬

‫إن الرجال الذين العرف عينهم‬


‫هم الناث وهم نفسي وهم أملي)‪(159‬‬

‫إن المرأة فاعل ومنفعل‪ ،‬لن فيها ينعكس جوهر الرجل‪ ،‬هي تعكس هذا الوجود في ما يظهر منها من وجود‪،‬‬
‫ففيها يظهر تكوين ما سأوى ا)‪.(160‬‬
‫وقد عبر الصوفية عن الفعل والنفعال باليجاب والسلب‪ .‬ولقد جعلوا )الذكورة( تمثل مبدأ اليجاب أو الفعل‪،‬‬
‫والذكر خالق بالفعل‪ ،‬وهذه الصفة انعكاس عن صفة ا الخالق‪:‬‬

‫فأشكاله كانت مظاهر فعله‬

‫بستر تلشت‪ ،‬إذ تجلى وولت‬

‫وكانت له بالفعل نفسي شبيهة‬


‫وحسي كالشكال والولبس سأترتي)‪(161‬‬

‫وكما أن الشكال مظاهر فعل ا‪ ،‬وأن الرجل مظهر فعله‪ ،‬كذلك فإن المرأة بوصفها مظهراا أو شكلا فهي‬
‫مظهر فعل الرجل‪ ،‬وهي بهذا تجمع بين مبدأ الفاعل والمنفعل‪ .‬والرجل يمثل مبدأ الفاعل فقط‪ .‬ولقد حلل‬
‫بعضهم مصطلح الحقيقة بوصفه مصطلحا ا داال على التأنيث بأنها أب وأم للكل لنها وفقاا لسأمها المؤنث‬
‫تجمع بين الفعل والنفعال وتتضمن التوازن والنسجام بين الظهور والحتجاب‪ ،‬فهي الفاعل من حيث أنها‬
‫الباطن الخفي في كل شكل والمعين الذي يعوين ذاته في كل متعوين‪ .‬وهي المنفعل من حيث ظهورها في‬
‫المظهر الذي يظهرها ويحجبها‪ .‬المرأة يتأمل فيها الرجل طبيعته الكلية التي هي فعل وانفعال‪ .‬إن الذكورة‬
‫والنوثة مبدآن‪ :‬الول فاعل والثاني منفعل‪ ،‬وان المرأة تنطوي على مبدأ الفاعل والمنفعل‪ ،‬فلها رتبتان‪،‬‬
‫وللذكر رتبة واحدة‪(162).‬‬
‫إن ظهور المرأة هو ظهور للحياة‪ .‬ووجودها وجود للحركة لن وجودها وجود للعلقة أو وجود للتناقض‬
‫الذي هو الحركة‪ .‬ولذلك تقترن برمز الدائرة حول المربع‪ .‬وكنا قد ذكرنا أن الحياة توجد من خلق العدم‪ ،‬وأن‬
‫العدم )وهو أحد النقيضين قبل ايجاده( يؤدي الى كمون الوجود)الذي هو النقيض الخر السابق الذي سأميناه‬
‫أصل الحركة( وان الوجود السابق ينفي العدم او يوجده فيتجلى الوجود‪ ،‬فأيجاد العدم هو تجلي للوجود‪ ،‬أي‬
‫ظهور بعد كمون)‪ ،(163‬أي ان وجود الحياة هو ظهور للحياة التي كانت كامنة‪ ،‬وان هذا الظهور أو التجلي‬
‫على مراحل أو أجزاء‪ .‬فالوجود السابق يوجد الوجود الظاهر على مراحل أو أجزاء‪ .‬فالخلق ل يتجلى كله‬
‫مرة واحدة في فكر المتصرفة وغيرهم‪ .‬وهناك جوهر كامن أو روح كلية كامنة تخرج على أجزاء‪ ،‬وان‬
‫الشياء تخرج من حيز القوة الى حيز الفعل شيئا ا فشيئاا‪ ،‬وانها تخرج الى حيز الفعل بوسأاطة العقل الول‪،‬‬
‫والعقل الول هو النفس الكلية‪ ،‬ويسمونه المبدأ والمعاد‪ .‬والمبدأ هو أصل الشياء‪ ،‬والمعاد ما تعود اليه‬
‫الشياء‪ ،‬وقد وصفوه بأنه ل يتعرض للفناء أبداا لنه جوهر روحاني‪ ،‬فهو تام كامل)‪ .(164‬إن العلو ل يتجلى‬
‫على نحو واحد‪ ،‬وإنما يتنوع التجلي بتنوع الصور‪ ،‬كما يتنوع بحسب اسأتعداد المتجلي لتفاوت السأتعدادات‬
‫شدة وضعفاا)‪.(165‬‬
‫ومن جملة الوجود المتجلي النسان‪ .‬وهو كذلك يتجلى على مراحل أو أجزاء أو أفراد‪ ،‬وإن هؤلء الفراد‬
‫يدفع بعضهم بعض اا‪ ،‬أو ان الوجود السابق يدفع بعضهم ببعض أو يقذف بعضهم ببعض فيزهقه‪ ،‬وما يزهق‬
‫هو الباطل‪ .‬وهذا يعني أن النسان حق وباطل او علقة بينهما‪ .‬وإن هذه العلقة تنشطر دائما ا ليزهق منها‬
‫الباطل أو العدم الذي أصبحت له رتبة وجودية في النسان كما يبين ابن عربي‪ .‬ويستمر تتابع الصور‬
‫البشرية الذي هو تتابع لوجود صور الحق وتتابع لزهوق صور الباطل حتى يتم ازهاق الباطل كله تماماا‪،‬‬
‫ذلك العدم المقترن بأصل الحركة‪)) :‬إن الباطل شيء قذف بالحق عليه فدمغه‪ ،‬فإذا الباطل زاهق‪ .‬ول يزهق‬
‫ال ما له عين أوما تخيل أن له عينا‪ ,‬فلبد له من رتبة وجودية خياال كانت أو غير خيال قد اعتني بها على‬
‫كل حال‪ .‬ثم إنه من أعظم الحيرة في الحق أن الحق له الوجود الصرف‪ ،‬فله الثبوت‪ ،‬وصور التجلي حق بل‬
‫شك‪.‬‬
‫وما لها ثبوت وما لها بقاء‬
‫لكن لها اللقاء فما لها شقاء‬

‫ما من صورة ينجلي فيها إل اذا ذهبت ما لها رجوع ول تكرار وليس الزهوق سأوى عين الذاهب‪ ،‬فأين‬
‫تذهبون‪ .‬فهل في الحق باطل‪ ،‬أو ما هو الباطل‪ ،‬وما أذهب الصورة ال قذف الصورة الخرى‪ ،‬وهي تذهب‬
‫ذهاب اختها‪ ،‬فهي من حيث ورودها حق‪ ،‬ومن حيث زهوقها باطل‪ ،‬فهي الدامغة المدموغة‪.‬فصدق من نفى‬
‫رؤية الحق فإن الحق ل يذهب فإنه إن كانت الصور صورنا فما رأينا ال أنفسنا‪ ،‬ونحن ليس بباطل وقد‬
‫زهقنا بنا فنحن الحق لن ا بنا قذف علينا‪ ،‬فما أتى علينا ال منا فال بالحق قاذف‪ ،‬والعبد‬
‫للحكم اللهي واقف‪:‬‬
‫فالعين مني ومنه‬
‫لها البقا والثبوت‬

‫ومنه مني يحيي‬


‫أو منه مني يموت‬

‫ل تدعي فيه دعوى‬


‫فإنه ما يفوت‬

‫من ذا الذي منه يحيي‬


‫أو من هو منه يميت‬

‫قد حرت فيه وفينا‬


‫فنحن خرس صموت‬

‫أصبحت ل قوتا ا‬
‫وإنه لي قوت‬

‫فالمر دور وهذا‬


‫علمي به ما بقيت(()‪(166‬‬

‫إن ايجاد العدم هو غاية الخلق‪ ،‬ولقد قلنا إن العدم بالنسبة الى جنس النسان هو المرأة‪ .‬وهذا يعني أن ايجاد‬
‫المرأة هو هذه الغاية‪،‬فهي الجانب السالب أو العدم في جنس النسان‪ .‬وأن ايجاد هذا الجانب السالب إظهار‬
‫للوجود الذي جعله )العدم( كامناا‪ .‬إن اظهار هذا الوجود هو الغاية التي تحرك تطور تاريخ النسان‪ ،‬وذلك‬
‫بوسأاطة خلق المرأة‪ ،‬فهي إذن غاية تطور الجنس النساني‪ .‬لذا نجد في السأاطير القديمة)ايزيس( رمزاا لكل‬
‫ما كان وما هو كائن وما سأوف يكون‪ .‬وقد تحدثت السأاطير القديمة عن الم السارية المومة‪ ،‬أي الوجود‬
‫المتصل المصاحب للزمان‪ ،‬وإن تعبير )ما سأوف يكون( يعني أن المرأة تحقق التجلي العلى)‪ .(167‬وهذا‬
‫التحقق أو التجلي يتم على مراحل أو أجزاء كما قلنا‪ .‬واذا كان الوجود السابق يوجد المرأة أو يوجد العدم‬
‫على أجزاء‪ ،‬فإن هذه الجزاء التي يظهر كل منها جزءاا من الوجود الكامن أو يعكسه والتي يمثلها وجود‬
‫ل حتى يتم ايجاد آخر جزء من العدم الذي‬ ‫المرأة على الرض ل تمثل أو ل تعكس الوجود السابق عليها كام ا‬
‫تراكمت فيه كل الجزاء التي تم ايجادها )لن الوجود النساني وجود متصل ومتراكم(‪ ،‬فهو يعكس الوجود‬
‫الكامن أو الجوهر السابق عليه تماماا‪ ،‬الشكل الذي ل سألب فيه اذن هو المرأة الخيرة الكاملة‪ .‬ان غاية‬
‫التطور الطويل في تاريخ النسان هي الوصول الى هذه المرأة‪ ،‬فهي غاية اسأتمرار الجنس النساني‪ ،‬غاية‬
‫وجود النسان‪ ،‬انها الغاية التي يسعى إليها الكون كله‪.‬‬
‫إن الرجل يمثل الوجود الكامن‪ ،‬غير الظاهر في مراحل تطوره‪ ،‬في مراحل تناقضه مع صورته الكاملة التي‬
‫تمثلها المرأة الكاملة قبل أن يصل التطور الى المرحلة العلى‪ ،‬فهو يمثل مرحلة عدم تحقق الجوهر تماما ا‬
‫في الشكل قبل الوصول الى المرأة الكاملة‪ .‬والجوهر يبقى يوجد العدم ]ويستمر في تجليه[ حتى ينطبق عليه‬
‫الشكل تمام اا‪ ،‬حتى يتعادل العدم الذي في الرجل مع الوجود الذي تمثله المرأة بأن يصبح وجوداا على قدره‬
‫ل يعكس كل الوجود الكامن في جنس الرجل‪،‬‬ ‫تماما‪ ،‬أي بأن تخلق المرأة التي تمثل وجوداا ظاهراا أو شك ا‬
‫المرأة التي تمثل وجوداا ظاهرا للمرأة الكامنة في الرجل‪ .‬فالرجل وجود كامن لنه لم يستكمل نفي ما فيه من‬
‫سألب أو عدم‪ ،‬والمرأة وجود ظاهر‪ .‬واذا كانت غاية الخلق هي تحويل الوجود الكامن الى وجود ظاهر‪ ،‬فإن‬
‫المرأة هي التي تحقق غاية الخلق‪ .‬وإن الخلق والتوالد يستمر للوصول اليها‪ .‬إن الشكل العلى تمثله المرأة‬
‫ل ينطبق على جوهره‪ .‬وإن الوصول الى هذه المرأة هو الغاية التي يسعى اليها الجنس‬ ‫لنها تمثل شك ا‬
‫النساني من وراء عملية التناسأل المستمرة‪ ،‬وإن الوصول اليها يمثل انتهاء علقة التناقض )التي يمثلها‬
‫النسان( وهذا يعني انشطارها‪ .‬أي ان الوصول اليها يشطر كل علقات التناقض السابقة )الناس كلهم( التي‬
‫بقيت تحتفظ بكيانها لن الجوهر الكامل لم يستكمل تجليه في الصورة أو الشكل‪ ،‬لم يستكمل ايجاده للعدم‪.‬‬
‫إن انشطار علقة التناقض يعني انتهاء علقة الذكر والنثى‪ ،‬فالوصول الى هذه المرأة التي تجلي الوجود‬
‫الكامن في الرجل تمام اا ينهي التناقض والختلف بين الجوهر الذي يمثله الرجل والشكل الذي تمثله المرأة‪.‬‬
‫أي ان هذه المرأة تمثل اتحاداا بين الرجل والمرأة‪ ،‬تمثل انطباقاا بين شكل المرأة وجوهر الرجل‪ ،‬وعندها‬
‫تنتهي العلقة التي يمثلها الجنس النساني‪ .‬إن الوصول اليها يعني انتهاء الجنس النساني‪.‬‬
‫لقد تحدث الفكر الصوفي عن هذه المعاني‪ ،‬وإن الخلق تجلي‪ ،‬وإن التجلي هو غاية الخلق‪ .‬والتجلي تحقق‬
‫واقعي وتجاوز لهذا التحقق‪ ،‬إنه اتصال وانفصال بين الجواهر والعراض)‪ .(168‬وإن المرأة هي التي‬
‫تحقق التجلي الكامل‪ .‬والتجلي الكامل يمثل انطباق الشكل على الجوهر الكامل تماماا‪ .‬وهذا يمثل عودة الخلق‬
‫الى المبدأ الذي صدر عنه‪ ،‬فهو يصل في النهاية الى البداية التي انطلق منها‪ .‬والبداية هي الجوهر الكامل أو‬
‫الوجود السابق الكامن‪ ،‬هي ا‪ ،‬فلقد وصف الخالق عز وجل نفسه بأنه الول لن الخلق ومنه النسان قد‬
‫صدر عنه‪ ،‬وبأنه الخر من خلل عودة النسان أو الوجود المادي اليه ‪ ،‬لن الخلق صدر عنه ليسعى الى‬
‫العودة اليه عن طريق إظهاره ‪ .‬وللسهروردي قوله في )مناجاة( له‪:‬‬
‫))إلهي واله جميع الموجودات‪ ،‬من المعقولت والمحسوسأات‪.‬‬
‫……‬
‫أنت الول الذي ل أول قبلك‪.‬‬
‫وأنت الخر الذي ل آخر بعدك‪.‬‬
‫…‪..‬‬
‫يا نور كل النور‪.‬‬
‫يا قيوم يا حي‪ ،‬يا كل‪ ،‬يا مبدأ الكل‪(169)((.‬‬
‫فهو الول وهو الخر‪ ،‬ولنه كذلك فإن الوصول اليه بالسعي الى الكشف عنه يسير في حركة دائرية‪ .‬وقد‬
‫أكد الفكر السألمي مسألـة الدورة في مسيرة النفس النسانية‪ ،‬وأن ))النفس بدأت من عالم تعود اليه(()‬
‫‪ (170‬وأن صدور الخلق عن ا يعتمد على عمليتين أسأاسأيتين‪ ،‬هما عملية صدور هابطة من الواحد الول‬
‫اللهي في خلل درجات ثمان تنازلية للوجود‪ ،‬ثم عملية عود تصاعدية للتكامل في نفس النسان)‪.(171‬‬
‫وأن المرأة هي التي تحقق هذه العودة‪ ،‬لنها تمثل حالة الكشف والظهار‪ ،‬فمن جمالها المقيد يعبر الى‬
‫الجمال المطلق‪ ،‬فهي تعكس هذا الجمال المطلق‪ ،‬ومن خللها نعبر اليه)‪ ،(172‬أي انها تحقق العودة اليه‪.‬‬
‫ولذا فإن حب الرجل للمرأة واتحاده معها يحقق له العودة الى مبدأه‪.‬‬
‫وها أنا أبدي في اتحادي مبدئي‬
‫وأنهي انتهاء في تواضع رفعتي)‪(173‬‬

‫وقد تحدثوا عن )النسان الكامل( الذي سأيحقق هذه العودة‪ ،‬هذا النسان وصفوه بأنه يمثل كل تاريخ‬
‫النسان‪ ،‬وقد وصفوه بأنه أبو الوقت‪ ،‬وكأن كل تاريخ النسان يعمل جاهداا على صنعه‪ .‬واذا وصفوا تطور‬
‫تاريخ النسان بأنه جدل العلقة بين المربع والدائرة‪ ،‬فقد وصفوا هذا النسان الكامل بأنه المربع أو النقطة‬
‫والدائرة‪ ،‬لنه يتضمن كل تاريخ النسان كما قلنا‪.‬‬
‫لقد تحدث المتصوفة عن )النسان الكامل( الذي أراد الجوهر الكامل أن ينعكس من خلله‪ ،‬وهذا ما تناولته‬
‫لديهم نظرية الفيض‪ ،‬وأن النسان الكامل هو الصورة التي أراد ا أن توافقه‪.‬‬
‫وفكرة النسان الكامل ل تخص المتصوفة وحدهم‪ ،‬وهي فكرة قديمة وقد ألقت عليها البحاث المعاصرة‬
‫ضوءاا سأاطع اا‪ ،‬وبينت انها نشأت في الرؤى السامية‪ ،‬فنجدها عند أنبياء بني اسأرائيل‪ ،‬وفي المسيحية وفي‬
‫السألم‪ .‬ولقد وصفوه بأنه النموذج الول للنسانية وأصلها‪ .‬وأنه كائن ذو طبيعة إلهية‪ ،‬لكنه متميز عن‬
‫اللوهية العليا بكونه الحياة الفانية)‪ .(174‬وأنه النسان الخليفة الذي حاز مرتبة النسانية‪ ،‬أما غير النسان‬
‫الكامل فهو النسان الحيوان)‪)) :(175‬وما كل انسان خليفة‪ ،‬فإن النسان الحيوان ليس بخليفة عندنا(()‬
‫‪ ( 176‬وان الخلفة عن ا معنى مركوز في النسان بالقوة منذ آدم الى آخر مخلوق وهو النسان الكامل)‬
‫‪ .( 177‬وهذا قد يتصل بنظرية الكمون كما قلنا‪ ،‬التي تاثروا بها‪ ،‬فجميع الموجودات خلقها كامن في آدم‪ ،‬ثم‬
‫أكمن خلق بعضها في بعض‪ ،‬وإن التقدم والتأخر لوجودها الظاهر‪ ،‬ل لوجودها الكامن الذي هو وجود كامل‬
‫وسأابق)‪ .( 178‬فالنسان الكامل الذي يضم كل تاريخ النسان يتحقق على أجزاء تتمثل في أفراد البشر‪ ،‬فهو‬
‫الكامل بالتحقق وليس له الكمال أصالة)‪ .(179‬وقد تكلم أخوان الصفا على النفس الكلية والنفوس الجزئية‬
‫التي تؤلفها‪ ،‬وهي دورات كل منها قيامة واحدة‪ .‬وإن النفس الكلية سأوف تنتصر‪ ،‬وانتصارها رمز الى‬
‫ظهور السابع)‪ .(180‬وقد قلنا ان الرقم)‪ (7‬هو دورة الفلك لديهم فهو الدائرة‪ ،‬والدائرة هي المرأة‪ .‬فالنسان‬
‫الكامل يكون من النساء شكلا كما يكون من الرجال جوهراا‪ ،‬يقول ابن عربي‪ )):‬وليس المخصوصا بها أيضا ا‬
‫الذكورية فقط‪ ،‬فكلمنا اذن في صورة الكامل من الرجال والنساء‪ (181)((.‬فالمرأة انسان كامل ولهذا تصلح‬
‫أن تكون اماماا في الصلة فهذا للرجال وللنساء على السواء‪(182).‬‬
‫إن النسان الكامل أو النفس الكلية هي تجميع لكل النفوس الجزئية التي ظهرت على مدى التاريخ‪(183).‬‬
‫وقد يعبرون عن النفس الكلية بأنها المرأة‪ ،‬وقد عبروا عنها بقدسأية‪ ،‬فهي اللوح المحفوظ الذي يمده القلم‬
‫العلى‪ ( 184).‬ولقد تحدثوا في فكرة النسان الكامل عن انتصار المرأة‪ .‬ونقرأ في أحاديثهم عنه عبارة‪ :‬تلد‬
‫المة ربتها‪ .‬وقد يجعلون للمرأة دوراا تمهيدياا تقوم به‪ ،‬فمنها يولد النسان الكامل)‪ ،(185‬فهي تهيء‬
‫لظهوره‪ ،‬لن المرأة هي السبب لظهور النسان وهذا ايض اا معنى وصفها بأنها الوجود الظاهر‪ ،‬فهو ل يعني‬
‫فقط أنها تظهر إنما هي تظهر الرجل كذلك‪ ،‬فهي ظهور للخلق جميعاا‪ .‬ومعنى انها تهيء لظهور النسان‬
‫الكامل نجده عند نيتشه في فلسفته لوجود النسان الكامل الذي تلده المرأة ول تكونه‪ .‬ولبن عربي شعر‬
‫يتحدث فيه عن النسان الكامل الذي كتبت له الغلبة من خلل المرأة التي يعمي سأناها البصار‪:‬‬
‫إن الظهور له شرط يؤيده‬
‫وليس يظهره ال الذي غلبا‬
‫إن الفتاة التي في طرفها حور‬
‫تفني الدموع وتذكي قلبنا لهبا‬

‫فإن أتوك وقالوا إنها نصف‬


‫فإن أفضل نصفيها الذي ذهبا‬

‫أنقدتها ورقاا حتى أفوز بها‬


‫فمانعت فلهذا صغته ذهبا‬

‫لو أنها ظهرت لكل ذي بصر‬


‫أعمى سأناها لهذا عينها احتجبا)‪(186‬‬

‫واذا كان قد وصف النسان الكامل بأنه)الخليفة(‪ ،‬فإنه وصف الشمس ـ وهي مؤنث ـ ل القمر ـ المذكر ـ‬
‫بأنها خليفة ا تعالى في السموات والرض‪(187).‬‬
‫إن النسان الكامل يمثل انطباق كل الظاهر على الباطن‪ .‬وهو ظاهرة فردية ل تنطبق على الواقع النساني‬
‫العام ‪ .‬ولقد جعل ابن عربي الكمال المطلق مقياسأاا للكمال النساني بدل أن يستقرئ النسان متخذاا إياه‬
‫القياس‪ .‬ولذلك تتوالى مصطلحاته المرادفة للنسان الكامل‪ :‬ظل ا‪ ،‬عرش ا‪ ،‬خليفة ا‪ .‬فهو صورة‬
‫الحق)‪.(188‬هو المظهر الخارجي للهوت‪ ،‬فاللهوت يتجلى في الناسأوت في صورة الكل الشارب‪ ،‬كما‬
‫يقول الحلج‪:‬‬

‫سأبحان من أظهر ناسأوته‬


‫سأر سأنا لهوته الثاقب‬

‫ثم بدا لخلقه ظاهراا‬


‫في صورة الكل والشارب‬

‫حتى لقد عاينه خلقه‬


‫كلحظة الحاجب بالحاجب)‪(189‬‬

‫وقد ذهب الحلج الى ))أنه صورة الله القائمة على الرض‪ .‬وأن كل انسان يمثل واحدة من تلك الصور‬
‫اللهية التي ل تحصى… وفي ضوء ما قلنا يتضح معنى الدعوى الحلجية التي من أجلها لقي صاحبها‬
‫حتفه‪ ،‬وهي قوله )أنا الحق(‪..‬أي أنا المظهر الخارجي الذي ظهر فيه الحق وبواسأطته ظهر جلل الحق‬
‫وجماله‪ (190)((.‬وله شعر كثير يخاطب فيه الحق بأنه هو نفسه‪ ،‬ومنه‪:‬‬
‫كتبت ولم أكتب اليك وإنما‬
‫كتبت الى روحي بغير كتاب‬

‫وذلك أن الروح ل فرق بينها‬


‫وبين محبيها بفصل خطاب‬

‫وكل كتاب صادر منك وارد‬


‫اليك‪ ،‬بل رد الجواب‪ ،‬جوابي)‪(191‬‬

‫وقد تعارف المتصوفة على المعاني التي ترددت في شعر الحلج‪ ،‬يقول الجنيد‪:‬‬
‫إذا شئت أن أدعوه ناديت‪ :‬يا أنا‬
‫وان يدعني‪ ،‬نادى جميعي بيا إني‬
‫فيخبرني عني بما أنا مخبر‬
‫اذا شئت عني بالذي مخبر عني)‪(192‬‬

‫ل)‪)) :(193‬إن‬ ‫فالناس صور تصدر عن الذات اللهية‪ ،‬والنسان الكامل هو الصورة الكاملة ولهذا سأمي كام ا‬
‫النسان الكامل ل يبقى له في الحضرة اللهية اسأم ال وهو حامل له‪ (194)((.‬فهو فريد من نوعه‪ ،‬كما يقول‬
‫المير عبدالقادر الجزائري)‪)) ،(195‬ثم كشف لي عن برزخية النسان الكامل‪ ،‬وقال لي‪ :‬هو الوجه لكل‬
‫وجهة‪ ،‬وهو مولها‪ ،‬وهو الجامع لحكام الوجوب والمكان‪ .‬وهو مجمع البحرين‪ :‬أي الظهور والبطون‪.‬‬
‫وقال لي‪ :‬هو صاحب درجة العتدال ومنصب النقطة والعلة‪ ،‬وهو سأر السأم الول من حيث المعنى‪ ،‬والخر‬
‫من حيث الصورة‪ .‬وقال لي‪) :‬النسان طابع علمة السأماء وهو الختم المذكور بسر المداد والسأتمداد‪،‬‬
‫وهو وارث الخلفة بمظهر الوحدة والكثرة‪ .‬ثم كشف لي عن تاموره الزلي فقرأت قوله تعالى‪) :‬فإذا سأويته‬
‫ونفخت فيه من روحي فقعوا له سأاجدين‪ (.‬لمعنى قوله‪) :‬إن ا خلق آدم على صورته(()‪ .(196‬فهو يجمع‬
‫بين الباطن المطلق والظاهر المطلق_كما يقول_‪)) :‬اعلم أن مرتبة حقيقة النسان الكامل هي باطن السأم‬
‫الظاهر‪ ،‬وهو برزخ بين الظاهر المطلق وبين الباطن المطلق‪ .‬فالحضرة الكونية المسماة بالعالم هي صورة‬
‫السأم الظاهر‪ ،‬والحضرة اللهية هي مرتبة السأم الباطن‪ .‬وحضرة النسان الكامل هي مظهر السأم الجامع‬
‫بين السأم الظاهر والسأم الباطن‪ ،‬فالنسان الكامل برزخ بين الحضرة اللهية‪..‬والكونية‪ (197)((.‬فلقد‬
‫))أقامه الحق برزخاا بين الحق والعالم‪ ،‬فيظهر بالسأماء اللهية فيكون حقاا‪ ،‬ويظهر بحقيقة المكان فيكون‬
‫خلقاا‪ (198)((.‬فهو )الجامع لحقائق العالم وصورة الحق سأبحانه(()‪ (199‬إذ ))خلقه ا في أحسن تقويم‬
‫وأبرزه نسخة كاملة جامعة لصور حقائق المحدث وأسأماء القديم‪..‬وأنشأه برزخا ا جامعا ا للطرفين‪(200)((،‬‬
‫وبهذا ))فما صحت الخلفة ال للنسان الكامل‪ ،‬فأنشأ صورته الظاهرة من حقائق العالم وصوره‪ ،‬وأنشأ‬
‫صورته الباطنة على صورته تعالى‪ ،‬ولذلك قال فيه )كنت سأمعه وبصره(‪ ،‬ما قال كنت عينه وأذنه‪ :‬ففرق‬
‫بين الصورتين(()‪)) (201‬فكأنه برزخ بين العالم والحق‪ ،‬وجامع لخلق وحق‪ .‬وهو الخط الفاصل بين‬
‫الحضرة اللهية والكونية‪ ،‬كالخط الفاصل بين الظل والشمس وهذه حقيقته‪)) (202)((.‬فظاهر النسان خلق‬
‫وباطنه حق‪ ،‬وهذا هو النسان الكامل المطلوب‪ ،‬وما عدا هذا فهو النسان الحيواني‪)) (203)((.‬النسان‬
‫الكامل‪ :‬هو الحد الجامع الفاصل بين الحق والعالم‪ ،‬فهو يجمع من ناحية بين الصورتين‪ ،‬يظهر بالسأماء‬
‫اللهية فيكون حقاا‪ ،‬ويظهر بحقيقة المكان فيكون خلقاا(()‪)) (204‬وكما هو برزخ بين الحق والخلق في‬
‫الوجود‪ ،‬كذلك هو برزخ بينهما في العلم والمعرفة(()‪)) (205‬وهو…الكلمة الجامعة‪ ،‬وأعطاه ا من القوة‬
‫بحيث أنه ينظر من النظرة الواحدة الى الحضرتين فيتلقى من الحق ويلقي الى الخلق(()‪)) (206‬وهو يفصل‬
‫من ناحية أخرى بين وجهي الحقيقة‪ ،‬فيمنع الخلق من عودة الندراج في الغيب الذي ظهر منه‪ ،‬إنه حد بين‬
‫الظاهر والباطن‪ ،‬يمنع الظاهر من اندراجه في البطون(()‪ (207‬فهو يمثل قمة تجلي الباطن‪ ،‬حتى يمنع‬
‫الظاهر من اندراجه في البطون‪ ،‬أي ل اندراج في البطون مع وجوده‪ ،‬فقد خرج كل الوجود الباطن الى عالم‬
‫الظهور والحس‪ ،‬ونفي العدم أو الجانب السلبي تماماا‪ .‬ولنه الظهور الكمل والخير‪ ،‬فقد جعله صدر الدين‬
‫القونوي المرتبة الخيرة في الوجود الذي قسمه الى أربعين مرتبة‪ ،‬فهو يمثل ظهور الحق الكمل‪ ،‬وهو‬
‫العالم الدنياوي والعالم الخراوي‪ ،‬وهو القديم والحادث‪(208).‬‬
‫إن النسان الكامل هو الغاية التي تحرك الوجود النساني‪ .‬ظهوره بالولدة وتجاوز هذا الظهور بالموت‪،‬‬
‫فهناك فكرة كلية كامنة تحرك كل تاريخ النسان الطويل‪ .‬وهذه الغاية كامنة في آدم وتتحقق على أجزاء في‬
‫ذريته‪ ،‬حتى الجزء الخير الذي يمثل الجزاء كلها‪ ،‬فهو الوجود الجامع الكامل الذي يعادل الوجود السابق‬
‫الكامن ‪ .‬كما انه غاية العالم‪ ،‬والحافظ له‪ .‬أي انه ما دام التطور لم يصل اليه بعد‪ ،‬فوجود العالم يبقى‬
‫مضمونا ا مستمر اا حتى يتحقق هو‪)) :‬إن النسان الكامل هو علة وجود العالم‪ ،‬والحافظ له‪ ..‬أي المخلوق‬
‫بسببه العالم‪ (209)((.‬وإنه ))روح العالم‪ ،‬والعالم المسخر له علوه وسأفله‪ .‬وإن النسان الحيواني من جملة‬
‫العالم المسخر له(()‪ ( 210‬فالفكر الصوفي يفرق بين النسان الكامل‪ ،‬الخليفة‪ ،‬والنسان الحيوان‪)) :‬وما كل‬
‫انسان خليفة‪ ،‬فإن النسان الحيوان ليس بخليفة عندنا(()‪ (211‬وذلك ))لن النسان الكامل وجد على‬
‫الصورة ل النسان الحيوان‪(212)((.‬‬
‫والنسان الكامل هو الول‪ ،‬بوصفه يمثل الباطن‪ .‬كما انه الخر‪ ،‬بوصفه يمثل الظاهر الكامل‪ .‬فهو الول‬
‫والقديم)‪)) (213‬بوصفه ممثل النسانية ومعناها الباطن(()‪ (214‬وغائية التاريخ هي الرجوع القهقرى‬
‫بشخص هذا النسان)‪ .(215‬وقد وصفه ابن عربي بأنه الول والخر‪ ،‬الول لنه يصدر عن الول‪ ،‬والخر‬
‫لنه يسعى الى الخر بمحاكاته‪ ،‬وهذه الحقيقة يأخذها عن الشرع ويشتقها بالعقل‪:‬‬

‫سأبحان من جمع العباد لذكره‬


‫يوم العروبة فأصطفاه الول‬

‫ختم الله به وجود عباده‬


‫شرعا ا وعقلا سأادتي فتأولوا‬

‫ما قلته فلقد أتيت بحكمة‬


‫غزا جلها المقام النزل‬

‫لما تواضع عن علو مكانه‬


‫في ذاته أخفاه عنا السأفل‬

‫فهو المهيمن ل أشك وإنه‬


‫لهو الجواد على العباد المفضل)‪(216‬‬

‫وإن هذه الولية والخرية تحفظ العالم‪ ،‬وال لعجز المخلوق القاصر‪ .‬وهي تعني التقاء الخر بالول وعودته‬
‫اليه‪ ،‬فحركته نحوه حركة دائرية‪ .‬وهو في حركته الدائبة هذه يجلي الجوهر الكامن فتتحقق المعاني اللهية‬
‫في الواقع‪:‬‬

‫وا ما الول والخر‬


‫ال لحفظ العالم الداثر‬

‫فإنه يعجز عن حفظه‬


‫لوصفه المخلوق بالقاصر‬

‫فكأن بالخر حفظا ا له‬


‫ليلتقي الواحد بالخر‬

‫فأمرنا دائرة كله‬


‫فالتحق الول بالخر‬

‫وإنه جلى لنا ذاته‬


‫في صورة الباطن والظاهر)‪(217‬‬

‫ثم أجمل لنا فكرة واضحة عنه‪ ،‬مبين اا أنه يتحقق على مراحل أو مراتب‪ ،‬كل منها تمثل إحدى الصفات‬
‫اللهية‪ ،‬وأنه الغاية وحالة الكمال التي تصاحبها حالة كمال للواقع أو المجتمع‪ ،‬إذ تتحقق دولة العدل اللهي‬
‫ويتجلـى عدل ا في الرض‪ ،‬أي يتحقق الواقع الذي يمثل انطباقا ا كام ا‬
‫ل على القيم اللهية‪ ،‬وبهذا ينتهي‬
‫التناقض بينهما‪ ،‬وبانتهاء التناقض ينتهي وجود العالم الذي يقوم على هذا التناقض‪)) :‬ول الولية لنه‬
‫موجد كل شيء‪ ،‬ول الخرية فإنه قال واليه يرجع المر كله‪ .‬وقال واليه ترجعون‪ .‬وقال ال الى ا تصير‬
‫المور‪ .‬فهو الخر‪ ،‬كما هو الول‪ ،‬وما بين الول والخر‪ ،‬تظهر مراتب السأماء اللهية كلها‪ .‬فل حكم للخر‬
‫ال بالرجوع اليه في كل أمر‪ .‬فإذا كان ا الول‪ ،‬فالنسان الكامل هو الخر‪ ،‬لنه في الرتبة الثانية‪ ،‬وهو‬
‫الخليفة‪ ،‬وهو أيض اا الخر بخلقه الطبيعي‪ ،‬فإنه آخر المولدات لن ا لما أراد به الخلفة والمامة بدأ بأيجاد‬
‫العالم وهيأه وسأواه وعدله ورتبه مملكة قائمة‪ ،‬فلما اسأتعد لقبول أن يكون مأموماا أنشأ ا جسم النسان‬
‫الطبيعي ونفخ فيه من الروح اللهي‪ ،‬فخلقه على صورته لجل السأتخلف فظهر بجسمه وكان المسمى آدم‪،‬‬
‫فجعله في الرض خليفة‪ .‬وكان من أمره وحاله مع الملئكة ما ذكر ا في كتابه لنا وجعل المامة والخلفة‬
‫في بنيه الى يوم القيامة‪ .‬فهو الخر بالنسبة الى الصورة اللهية والخر أيضاا بالنسبة الى الصورة الكونية‬
‫الطبيعية‪ .‬فهو آخر نفسا ا وجسم اا‪ .‬وهو الخر برجوع العالم اليه لنه يرجع اليه أمر العالم‪ .‬فهو المقصود به‬
‫عمرت الدنيا وقامت‪ ،‬واذا رحل عنها زالت الدنيا ومارت السماء وانتثرت النجوم وكورت الشمس وسأيرت‬
‫الجبال وعطلت العشار وسأجرت البحار وذهبت الدار الدنيا بأسأرها وانتقلت العمارة الى الدار الخرة بأنتقال‬
‫النسان فعمرت الجنة والنار وما بعد الدنيا من دار ال الجنة والنار‪ .‬فالسأم الول للولى وهي الدار الدنيا‪،‬‬
‫والسأم الخر للخرى وهي الخرة‪ .‬وإنما قال ا تعالى لمحمد صلى ا عليه وسألم‪ ،‬وللخرة خير لك من‬
‫الولى‪ ،‬لن الخر ما وراءه مرمى فهو الغاية‪ ،‬فمن حصل في درجته فإنه ل ينتقل فله الثبوت والبقاء‬
‫والدوام‪ .‬والول ليس كذلك فإنه ينتقل في المراتب حتى ينتهي الى الخر وهو الغاية فيقف عنده‪ ،‬ولهذا قال‬
‫له وللخرة خير لك من الولى ولسوف يعطيك ربك فترضى‪ ،‬فأعطاه صفة البقاء والدوام والنعيم الدائم الذي‬
‫ل انتقال عنه ول زوال‪ ،‬فهذا ما أعطاه حكم هذه الحضرة وا يقول الحق وهو يهدي‪(218)((.‬‬
‫ويبين ابن عربي أن حالة الكمال النساني يسعى اليها النسان من خلل ما غرسأه ا فيه من مثل أو صفات‬
‫إلهية يسعى الى التماثل معها‪ .‬وهذا معنى ما مر ذكره من أن الخلفة عن ا التي يحققها النسان الكامل‬
‫معنى مركوز في النفس بالقوة يسعى النسان الى التماثل معه‪ .‬فالسعي من جانب النسان‪ ،‬وهذا يتصل‬
‫بحقيقة أن النسان علقة‪ ،‬والعلقة حركة‪ ،‬فهو الذي يتحرك باتجاه الكل‪ ،‬الجزء يسعى الى كله‪ ،‬الى التمثل‬
‫به ‪ ،‬وليس العكس‪:‬‬

‫)إذا كان من تدري مصور ذاتنا‬


‫عليه فما في العين ال مماثل‬

‫وإن كان هذا مثل ما قلته لكم‬


‫وصح به حكمي فصح التماثل‬

‫فما عنده ال الذي هو عندنا‬


‫فإن صح هذا القول أين التفاضل‬

‫بل أنه عيني وما أنا عينه‬


‫ولو أنني كفؤ لبان التقابل‬

‫واعلم أن ا لما خلق آدم على صورته علمنا أن الصورة هنا في الضمير العائد على ا‪ ،‬أنها صورة‬
‫العتقاد في ا الذي يخلقه النسان في نفسه من نظره أو توهمه وتخيله‪ ،‬فيقول هذا ربي فيعبده‪ ،‬إذ جعل‬
‫ا له قوة التصوير ولذلك خلقه جامعاا حقائق العالم كله‪ ،‬ففي أي صوره اعتقد به فعبده فما خرج عن‬
‫صورته التي هو عليها من حيث هو جامع حقائق العالم‪ ،‬فلبد أن يتصور فيه‪ ،‬أعني في الحق إنسانيته على‬
‫الكمال أو من إنسانيته‪ ..‬فالنسان ينشئ في نفسه صورة يعبدها‪ ،‬فهو المصور وهو مخلوق منشأ أنشأه ا‬
‫عبداا يعبد ما ينشئه‪(219)((.‬‬
‫إن العقل البشري يسعى الى التوافق مع العقل اللهي الذي هو العقل الكامن أو الجوهر أو المركز الداخلي‬
‫في النسان‪ ،‬والذي يدفعه الى تجاوز عقله الفردي الجزئي ويحثه على السعي الى محاكاته‪ .‬وبتجاوزه لنفسه‬
‫وحذفه أو الغائه لجزئيته‪ ،‬يعود العقل الجزئي اليه ويكون على قدره‪.‬‬

‫الهوامش‪:‬‬

‫)‪ ( 1‬ينظر‪ :‬معرفة الخر‪ ،‬مدخل الى المناهج النقدية الحديثة‪ ،‬عبدا ابراهيم‪ ،‬سأعيد الغانمي‪ ،‬عواد علي‬
‫المركز الثقافي العربي‪ ،‬الطبعة الولى‪ ،1990 ،‬صا ‪74‬ـ ‪.111 ،107 ،80 ،75‬و‪ :‬السأطورة اليوم‪ ،‬لرولن‬
‫بارت‪ ،‬ترجمة حسن الغرفي‪ ،‬سألسلة الموسأوعة الصغيرة)‪ ،(345‬بغداد دار الشؤون الثقافية العامة‪ ،‬الطبعة‬
‫الولى‪ ،1990 ،‬صا ‪8‬ـ ‪.34،36،95 ،23،32 ،11،14،16 ،9‬‬
‫)‪ (2‬ينظر‪ :‬معرفة الخر‪ ،‬صا ‪.110 ،107 ،83‬و‪ :‬السأطورة اليوم‪ ،‬صا ‪5‬ـ ‪.6‬‬
‫)‪ (3‬ينظر‪ :‬معرفة الخر ‪ ،‬صا ‪.81‬‬
‫)‪ (4‬ينظر‪ :‬الصوفية والسوريالية‪ ،‬صا ‪.15،31،89،162،164،165،167،168‬‬
‫)‪ (5‬ينظر النسان ورموزه‪,‬كارل غوسأتاف يونغ وجماعة من العلماء‪ ,‬ترجمة سأمير علي‪ ,‬دار الشؤون‬
‫الثقافية والنشر الجمهورية العراقية‪,1984,‬صا ‪.86 ,85 ,65 ,45 ,37,31 ,29 ,26 ,19 ,12 ,9‬‬
‫)‪ (6‬المصدر السابق‪ ,‬صا ‪.59 ,10‬‬
‫)‪ ( 7‬ينظر‪ :‬النقد الدبي الحديث‪ ،‬أصوله واتجاهاته‪ ،‬دكتور أحمد كمال زكي‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪،‬‬
‫‪ ،1972‬صا ‪189،195‬ـ ‪.196‬‬
‫)‪ (8‬ينظر‪ :‬الصوفية والسوريالية‪ ،‬صا ‪39‬ـ ‪.42،44،46‬‬
‫)‪(9‬المصدر السابق‪ ،‬صا ‪57‬ـ ‪.59،84،89،160،161‬‬
‫)‪ (10‬نفسه‪ ،‬صا ‪.168 ،167 ،162 ،161 ،160 ،159 ،157 ،156 ،145 ،137 ،133 ،125 ،115 ،89‬‬
‫)‪ (11‬نفسه‪ ،‬صا‪.89 ,87 ,61 ,60 ,59 ,51 ,48 ,47 ,32 ,31 ,29 ,28 ,‬‬
‫)‪ ( 12‬ينظر‪ :‬دليل الناقد الدبي‪ ،‬د‪ .‬ميجان الرويلي‪ ،‬د‪ .‬سأعد البازعي‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬الدار البيضاء‪،‬‬
‫الطبعة الثانية‪2000 ،‬صا ‪.231-230‬‬
‫)‪ (13‬هذه البحوث نشرت مسلسلة في مجلة الموقف الثقافي تحت العناوين‪1 :‬ـ كروية العقل‪ ،‬العدد ‪ ،7‬صا‬
‫‪2 .1997 ،72‬ـ القانون المطلق‪ ،‬العدد ‪ ،8‬صا ‪3 .1997 ،72‬ـ في جدل النسان‪ ،‬العدد ‪ ،16‬صا ‪.1998 ،29‬‬
‫)‪ (14‬ينظر‪ :‬النسان ورموزه‪ ,‬صا ‪.382 ,374 ,359‬‬
‫)‪ ( 15‬ينظر‪ :‬الصول الحضارية والجمالية للخط العربي‪ ،‬شاكر حسن آل سأعيد‪ /‬دار الشؤون الثقافية العامة‪،‬‬
‫بغداد‪ ،‬ط‪ .‬أولى‪ ،1988 ،‬صا ‪7‬ـ ‪.81 ،80 ،77 ،32 ،11‬‬
‫)‪ (16‬المصدر السابق‪ :‬صا ‪.191 ،162 ،114 ،64‬‬
‫)‪ (17‬نفسه‪ ،‬صا ‪219 ،205‬ـ ‪.223‬‬
‫)‪ (18‬نفسه‪ ،‬صا ‪.223 ،222 ،204 ،202 ،176 ،114 ،88‬‬
‫)‪ (19‬نفسه‪ ،‬صا ‪.148 ،147 ،141‬‬
‫)‪(20‬نفسه‪ ،‬صا ‪.61 ،59 ،10 ،9‬‬
‫)‪(21‬نفسه‪ ،‬صا ‪.176 ،175 ،64 ،57‬‬
‫)‪ (22‬نفسه‪ ،‬صا ‪.226 ،176 ،170 ،165 ،155 ،103 ،70‬‬
‫)‪ (23‬نفسه‪ ،‬صا ‪.226 ،70 ،63 ،62 ،60 ،57‬‬
‫)‪ (24‬نفسه‪ ،‬صا ‪.227 ،225 ،70‬‬
‫)‪(25‬ينظر‪ :‬النسان ورموزه‪ ,‬صا ‪.382 ,378 ,376 ,374 ,371 ,363 ,362 ,360‬‬
‫)‪ (26‬ينظر‪:‬فصول من تاريخ الحركة التشكيلية في العراق‪،‬الجزء الول‪،‬شاكر حسن آل سأعيد‪ ،‬دار الشؤون‬
‫الثقافية العامة‪ ،‬بغداد‪ ،1983 ،‬صا ‪211‬ـ ‪.214‬‬
‫)‪ (27‬ينظر‪ :‬رسأالة في سأياق الخطاب الجمالي‪ ،‬شاكر حسن آل سأعيد‪ /‬مجلة أسأفار‪ ،‬العدد ‪،1994 ،18 ،17‬‬
‫صا ‪24‬ـ ‪.25‬‬
‫)‪(28‬ينظر‪ :‬النسان ورموزه‪ ,‬صا ‪.366 ,363‬‬
‫)‪(29‬ينظر ‪ :‬المدن في السألم حتى العصر العثماني ‪ ,‬الجزء الول‪ ,‬شاكر مصطفى‪ ,‬صا ‪.370-367‬‬
‫)‪(30‬ينظر‪ :‬النسان ورموزه‪ ,‬صا ‪.369 ,368‬‬
‫)‪ (31‬ينظر‪ :‬الصوفية والسوريالية‪ ،‬صا ‪22‬ـ ‪.26‬‬
‫)‪ (32‬ديوان أبي بكر الشبلي‪ ،‬جمع وتحقيق الدكتور كامل مصطفى الشيبي‪ ،‬الطبعة الولى ‪1386‬ـ ‪،1967‬‬
‫صا ‪.132‬‬
‫)‪ ( 33‬ينظر‪ :‬المعجم الصوفي‪ ،‬الدكتورة سأعاد الحكيم‪ ،‬دندرة للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت ـ لبنان‪ ،‬الطبعة‬
‫الولى‪1401 ،‬هـ ـ ‪1981‬م‪ ،‬صا ‪.249‬‬

‫)‪ (34‬ينظر‪ :‬النسان في فكر اخوان الصفا‪ ،‬الدكتور عبداللطيف محمد العبد‪ ،‬دار العلم للطباعة‪ ،‬صا ‪.98‬‬
‫)‪ (35‬المصدر السابق‪ ،‬صا ‪.70‬‬
‫)‪ (36‬نفسه‪ ،‬صا ‪.199‬‬
‫)‪ (37‬نفسه‪ ،‬صا ‪.99 ،72 ،70‬‬
‫)‪ ( 38‬من الكتب الدبية التي اسأتوحت المربع والدائرة أو النقطة والدائرة كتاب )نقطة الدائرة( لناصيف‬
‫اليازجي‪ ،‬بيروت‪ ،‬المطبعة الميركانية‪ .1948 ،‬و)النقطة والدائرة( لطراد الكبيسي دار الشؤون الثقافية‬
‫العامة‪ ،1987 ،‬و)أنا النقطة فوق فاء الحرف( لشاكر حسن آل سأعيد‪ ،‬دار الشؤون الثقافية العامة‪.1998 ،‬‬
‫)‪ (39‬ينظر‪ :‬النسان الكامل في السألم‪ ،‬هانز شيدر‪ ،‬ترجمة الدكتور عبدالرحمن بدوي‪ ،‬الطبعة الثانية‪.‬‬
‫‪ ،1976‬صا ‪.137‬‬
‫)‪ (40‬المعجم الصوفي‪ ،‬صا ‪.514‬‬
‫)‪ (41‬المصدر السابق‪ ،‬صا ‪.249‬‬
‫)‪ (42‬نفسه‪ ،‬صا ‪.513 ،248‬‬
‫)‪ (43‬نفسه‪ ،‬صا ‪.514‬‬
‫)‪ (44‬ينظر‪ :‬النسان الكامل في السألم‪ ،‬صا ‪ ،125‬والمعجم الصوفي‪ ،‬صا ‪181 ،158‬ـ ‪.182‬‬
‫)‪ (45‬شرح ديوان الحلج‪ ،‬الجزء الول‪ ،‬الدكتور كامل مصطفى الشيبي‪،‬مكتبة النهضة‪ ،‬بيروت ـ بغداد‪،‬‬
‫الطبعة الولى‪1394 ،‬هـ ـ ‪ ،1974‬صا ‪.214‬‬
‫)‪ (46‬النسان الكامل في السألم‪ ،‬صا ‪.142‬‬
‫)‪ (47‬ينظر‪ :‬المعجم الصوفي‪ ،‬صا ‪.121‬‬
‫)‪ (48‬المعجم الصوفي‪ ،‬صا ‪ ،539‬عن ف ‪ .445 ،2‬وينظر‪ :‬النسان الكامل في السألم‪ ،‬صا ‪.168‬‬
‫)‪ (49‬ينظر‪ :‬النسان الكامل في السألم‪ ،‬صا ‪.168‬‬
‫)‪ (50‬المصدر السابق‪ ،‬صا ‪.214‬‬
‫)‪ (51‬نفسه‪ ،‬صا ‪.147‬‬
‫)‪ (52‬ينظر‪ :‬المعجم الصوفي‪ ،‬صا ‪.158‬‬

‫)‪ ( 53‬عبرت السوريالية‪ ،‬وهي التي قلنا إنها تلتقي مع الصوفية في سألوكها المعرفي وفي تفسيرها للمعرفة‬
‫عن هذا الفهم لما تدل عليه )النقطة العليا( وهي من المصطلحات التي اهتمت بها السوريالية‪ ،‬فيحددها‬
‫ل‪ :‬كل شيء يدفع الى العتقاد بوجود نقطة روحية ينعدم فيها التناقض بين الحياة والموت‪،‬‬ ‫بريتون قائ ا‬
‫الواقعي والخيالي‪ ،‬الماضي والمستقبل‪ ،‬ما يمكن ايصاله وما ل يمكن‪ .‬ومن العبث البحث عن محرك آخر‬
‫للفاعلية السوريالية غير المل بتحديد هذه النقطة التي هي بمنزلة كون يتلقى فيه الكون الداخلي الذاتي‬
‫والكون الخارجي الموضوعي‪ ،‬وفيها تتجمع الطاقات اللهية التي حلم نيتشه بأسأتردادها والتي عاش فيها‬
‫التصوف العربي في نظرية الحلول وفي نظرية وحدة الوجود‪ .‬في هذه النقطة العليا يتم النعتاق من عالم‬
‫الظواهر والعقلنية الموضوعية وتتم المعرفة‪ .‬في النقطة العليا نتجاوز الغربة ونحظى بذاتنا الحقيقية‪ ،‬وإذ‬
‫نحظى بذاتنا الحقيقية نحظى في الوقت ذاته بالعرفان‪ ..‬ينظر‪ :‬الصوفية والسوريالية‪ ،‬صا ‪49‬ـ ‪.51‬‬
‫)‪ (54‬الفتوحات المكية‪ ،‬محيي الدين ابن عربي‪ /‬مطبعة دار الكتب العربية الكبرى بمصر‪ ،‬جـ ‪ ،4‬صا ‪.556‬‬
‫)‪ (55‬كتاب الطواسأين‪ ،‬منصور الحلج‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مطبعة النديم‪ ،1989 ،‬صا ‪26‬ـ ‪.27‬‬
‫)‪ (56‬ينظر‪ :‬المعجم الصوفي‪ ،‬صا ‪.124‬‬
‫)‪ (57‬كتاب الطواسأين‪ ،‬صا ‪.29‬‬
‫)‪ (58‬النسان الكامل في السألم‪ ،‬صا ‪.177‬‬
‫)‪ (59‬ينظر‪ :‬المعجم الصوفي‪ ،‬صا ‪.181‬‬
‫)‪ (60‬المصدر السابق‪ ،‬صا ‪.182‬‬
‫)‪ (61‬نفسه‪ ،‬صا ‪.158‬‬
‫)‪ (62‬النسان الكامل في السألم‪ ،‬صا ‪.113‬‬
‫)‪ (63‬المصدر السابق‪ ،‬صا ‪.196‬‬
‫)‪ (64‬شرح ديوان الحلج‪ ،‬الجزء الول‪ ،‬صا ‪.204‬‬
‫)‪ ( 65‬ديوان ابن الفارض‪ ،‬حققه وقدم له المحامي فوزي عطوي‪ ،‬الشركة اللبنانية للكتاب‪ ،‬بيروت ـ لبنان‪،‬‬
‫صا ‪.81‬‬
‫)‪ (66‬ينظر هامش صا ‪ 81‬من الديوان‪.‬‬
‫)‪ (67‬المصدر السابق‪ ،‬صا ‪.41‬‬
‫)‪ (68‬الرمز الشعري عند الصوفية‪ ،‬الدكتور عاطف جودة نصر‪ ،‬دار الندلس‪ ،‬دار الكندي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪.‬أولى‪،‬‬
‫‪ ،1978‬صا ‪.144‬‬
‫)‪ (69‬ديوان ابن الفارض‪ ،‬صا ‪.65‬‬
‫)‪ (70‬ينظر‪ :‬النسان الكامل في السألم‪ ،‬صا ‪.210‬‬
‫)‪ (71‬ديوان ابن الفارض‪ ،‬صا ‪.64‬‬
‫)‪ (72‬النسان الكامل في السألم‪ ،‬صا ‪.207‬‬
‫)‪ (73‬ينظر‪ :‬الرمز الشعري عند الصوفية‪ ،‬صا ‪26‬‬
‫)‪ ( 74‬من الحقائق العلمية التي تؤكد اقتران الدائرة بهذا الرقم‪ ،‬أن العناصر في )الجدول الدوري( تتشابه‬
‫خواصها كل ثمانية عناصر‪ ،‬أي أن الرقم )‪ (8‬ينقل الحركة الدورية الى بداية منطلقها فتتشابه‪ ،‬وان الرقم )‬
‫‪ (7‬يمثل نهاية الحركة الدائرية‪.‬‬
‫)‪ (75‬النسان في فكر اخوان الصفاء‪ ،‬صا ‪80‬ـ ‪.81‬‬
‫)‪ (76‬المعجم الصوفي‪ ،‬صا ‪.158‬‬
‫)‪ (77‬نفسه‪ ،‬صا ‪.161‬‬
‫)‪ ( 78‬في مباحثنا السابقة‪ ،‬كنا قد انتهينا الى)قانون مطلق( أو عام يحكم كل الشياء والظواهر ويتغلغل فيها‬
‫مكون اا أسأاسأها وبنيتها الجوهرية‪.‬وقد اسأتخلصنا مبادئه‪ ،‬وهذه المبادئ العامة نجد صياغتها النهائية في‬
‫علقة )المربع والدائرة( التي تمثل القانون الذي يحتوي كل تفاصيلها وهو ما نتوصل اليه من تأويلنا لهذين‬
‫الرمزين‪.‬‬
‫)‪ ( 79‬آراء أبي بكر بن العربي الكلمية‪ ،‬الجزء الول‪ ،‬عمار طالبي‪ ،‬الشركة الوطنية للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫الجزائر‪ ،‬صا ‪89‬ـ ‪.90‬‬
‫)‪ (80‬ديوان ابن الفارض‪ ،‬صا ‪.99‬‬
‫)‪ (81‬كتاب الطواسأين‪ ،‬صا ‪.49‬‬
‫)‪ (82‬المعجم الصوفي‪ ،‬صا ‪ ،248‬عن الفتوحات المكية‪.1/5 ،‬‬
‫)‪ (83‬المصدر السابق‪ ،‬صا ‪ ،271‬عن الفتوحات المكية‪306 ،4 ،‬ـ ‪.307‬‬
‫)‪ (84‬الفتوحات المكية‪ ،‬جـ ‪.334 ،4‬‬
‫)‪ (85‬المصدر السابق‪ ،‬جـ ‪ ،4‬صا ‪.301‬‬
‫)‪ (86‬نفسه‪ ،‬جـ ‪ ،4‬صا ‪.300‬‬
‫)‪ (87‬نفسه‪ :‬جـ ‪ ،4‬صا ‪.198‬‬
‫)‪ (88‬نفسه‪ ،‬جـ ‪ ،4‬صا ‪.146‬‬
‫)‪ (89‬نفسه‪ ،‬جـ ‪ ،4‬صا ‪.198‬‬
‫)‪ (90‬نفسه‪ ،‬جـ ‪ ،4‬صا ‪.302‬‬
‫)‪ (91‬المعجم الصوفي‪ ،‬صا ‪ ،248‬عن الفتوحات المكية‪ ،‬جـ ‪ ،3‬صا ‪.126‬‬
‫)‪ (92‬الفتوحات المكية‪ ،‬جـ ‪ ،3‬صا ‪.429‬‬
‫)‪ (93‬ينظر‪ :‬المنهج الجدلي عند هيجل‪ ،‬صا ‪.153‬‬
‫)‪ (94‬الفتوحات المكية‪ ،‬جـ ‪ ،4‬صا ‪.280‬‬
‫)‪ (95‬المصدر السابق‪ ،‬جـ ‪ ،4‬صا ‪.198‬‬
‫)‪ (96‬نفسه‪ ،‬جـ ‪ ،3‬صا ‪.396‬‬
‫)‪ (97‬نفسه‪ ،‬جـ ‪ ،1‬صا ‪.134‬‬
‫)‪ (98‬ينظر‪ :‬آراء أبي بكر بن العربي الكلمية‪ ،‬جـ ‪ ،1‬صا ‪.186‬‬
‫)‪ (99‬ينظر‪ :‬النسان في فكر اخوان الصفا‪ ،‬صا ‪.73‬‬
‫)‪ (100‬آراء أبي بكر بن العربي الكلمية‪ ،‬جـ ‪ ،1‬صا ‪.91 ،89‬‬
‫)‪ (101‬المبادئ الجدلية العامة التي كنا قد اشرنا اليها في الهامش رقم)‪ (78‬تتضح في كل علقة تناقض‬
‫ومنها النسان‪ ،‬فهو محكوم بمبادئ قانون ثابت لنه تضمه ثنائية متلزمة مكونة من ذكر وأنثى وهما‬
‫مختلفان في الجنس‪ ،‬وقد تتبعنا في مبحث سأابق تطور العلقة بين الذكر والنثى عبر تاريخ النسان وما‬
‫تفترضه الفلسفة الجدليةـ التي قررنا مبادئها ـ لهذا التطور‪ .‬وتتبعنا تطور هذه العلقة في جسم النسان‬
‫وتعرفنا على طبيعة الصراع بين الطراف المتناقضة أو المختلفة وتطوره ونتيجته التي ينتهي اليها‪.‬‬
‫)‪ (102‬ينظر‪ :‬النسان في فكر اخوان الصفا‪ ،‬صا ‪.111‬‬
‫)‪ (103‬ينظر‪ :‬الرمز الشعري عند الصوفية‪ ،‬صا ‪.156 ،148‬‬
‫)‪ (104‬ينظر‪ :‬المعجم الصوفي‪ ،‬صا ‪.248‬‬
‫)‪ (105‬المصدر السابق‪ ،‬صا ‪.152‬‬
‫)‪ (106‬ينظر‪ :‬الرمز الشعري عند الصوفية‪ ،‬صا ‪.151‬‬
‫)‪ (107‬ينظر‪ :‬المعجم الصوفي‪ ،‬صا ‪.144‬‬
‫)‪ (108‬ينظر‪ :‬الرمز الشعري عند الصوفية‪ ،‬صا ‪.151‬‬
‫)‪ (109‬ينظر‪ :‬المعجم الصوفي‪ ،‬صا ‪.144‬‬
‫)‪ (110‬المصدر السابق‪ ،‬صا ‪.145‬‬
‫)‪ (111‬نفسه‪ ،‬صا ‪.146‬‬
‫)‪ (112‬ينظر‪ :‬الرمز الشعري عند الصوفية‪ ،‬صا ‪152‬ـ ‪.154‬‬
‫)‪ (113‬ينظر‪ :‬المعجم الصوفي‪ ،‬صا ‪.208‬‬
‫)‪ (114‬شرح ديوان الحلج‪ ،‬صا ‪.157‬‬
‫)‪ (115‬ديوان ابن الفارض‪ ،‬صا ‪.76‬‬
‫)‪ (116‬المصدر السابق‪ ،‬صا ‪.63‬‬
‫)‪ (117‬نفسه‪ ،‬صا ‪.73‬‬
‫)‪ (118‬نفسه‪ ،‬صا ‪98‬ـ ‪.99‬‬
‫)‪ (119‬نفسه‪ ،‬صا ‪.107‬‬
‫)‪ (120‬نفسه‪ ،‬صا ‪.78‬‬
‫)‪ (121‬نفسه‪ ،‬صا ‪94‬ـ ‪.95‬‬
‫)‪ (122‬نفسه‪ ،‬صا ‪101‬ـ ‪.103‬‬
‫)‪ (123‬السهروردي‪ ،‬صا ‪.97‬‬
‫)‪ (124‬ينظر‪ :‬شرح ديوان الحلج‪ ،‬صا ‪171‬ـ ‪.172‬‬
‫)‪ (125‬الفتوحات المكية‪ ،‬جـ ‪،1‬صا ‪134‬ـ ‪.135‬‬
‫)‪ (126‬شرح ديوان الحلج‪ ،‬صا ‪.170‬‬
‫)‪ (127‬ينظر‪ :‬الرمز الشعري عند الصوفية‪ ،‬صا ‪148‬ولعل هذا المصطلح يشبه مصطلح المسيحية‪.‬‬
‫)‪ (128‬السهروردي‪ ،‬صا ‪.78‬‬
‫)‪ (129‬المصدر السابق‪ ،‬صا ‪.78‬‬
‫)‪ (130‬نفسه‪ ،‬صا ‪.91‬‬
‫)‪ (131‬شرح ديوان الحلج‪ ،‬صا ‪.171‬عن ديوان ابن عربي‪ ،‬صا ‪.211‬‬
‫)‪ (132‬ينظر‪ :‬الرمز الشعري عند الصوفية‪ ،‬صا ‪160‬ـ ‪.161‬‬
‫)‪ (133‬شرح ديوان الحلج‪ ،‬صا ‪.167‬‬
‫)‪ (134‬المصدر السابق‪ ،‬صا ‪ ،168‬عن الديوان‪ ،‬صا ‪.33‬‬
‫)‪ (135‬نفسه‪ ،‬صا ‪168‬ـ ‪.169‬‬
‫)‪ (136‬نفسه‪ ،‬صا ‪ ،168‬عن كتابه)المواقف( صا ‪60‬ـ ‪.61‬‬
‫)‪ (137‬الرمز الشعري عند الصوفية‪ ،‬صا ‪ ،266‬عن الديوان الكبير لبن عربي‪ ،‬ط‪ .‬مكتبة المثنى‪ /‬بغداد‪،‬‬
‫صا ‪ .26‬ويلحظ أن هذه التعابير قريبة من تعابير المسيحية التي يمكن حملها على المجاز والنظر الى ما‬
‫وراءها من الحقائق الفلسفية‪ ،‬وهذا ما ذهب اليه هيجل‪.‬‬
‫)‪ (138‬المصدر السابق‪ ،‬صا ‪ ،226‬عن الديوان الكبير لبن عربي‪ ،‬صا ‪55‬ـ ‪.56‬‬
‫)‪ (139‬نفسه‪ ،‬صا ‪.149‬‬
‫)‪ (140‬نفسه‪ ،‬صا‪140,134,‬ـ ‪.149 ،145 ،141‬‬
‫)‪ (141‬نفسه‪ ،‬صا ‪.150‬‬
‫)‪ (142‬نفسه‪ ،‬صا ‪144،151‬ـ ‪.153‬‬
‫)‪ (143‬نفسه‪ ،‬صا ‪124‬ـ ‪.125،146‬‬
‫)‪ (144‬ديوان ابن الفارض‪ ،‬صا ‪.52‬‬
‫)‪ (145‬المصدر السابق‪ ،‬صا ‪.59‬‬
‫)‪ (146‬نفسه‪ ،‬صا ‪.71‬‬
‫)‪ (147‬نفسه‪ ،‬صا ‪.84،89 ،83 ،82 ،58‬‬
‫)‪ (148‬نفسه‪ ،‬صا ‪.55 ،53‬‬
‫)‪ (149‬الفتوحات المكية‪ ،‬جـ ‪ ،4‬صا ‪.556‬‬
‫)‪ (150‬ينظر‪ :‬الرمز الشعري عند الصوفية‪ ،‬صا ‪.217،227 ،175،186 ،162‬‬
‫)‪ (151‬ديوان ابن الفارض‪،‬صا ‪.109‬‬
‫)‪ (152‬المصدر السابق‪ ،‬صا ‪.62‬‬
‫)‪ (153‬نفسه‪ ،‬صا ‪.68 ،66‬‬
‫)‪ (154‬نفسه‪ ،‬صا ‪56‬ـ ‪.58‬‬
‫)‪ (155‬الفتوحات المكية‪،‬جـ ‪ ،4‬صا ‪.37‬‬
‫)‪ (156‬ينظر‪ :‬آراء أبي بكر بن العربي الكلمية‪ ،‬جـ ‪ ،1‬صا ‪.182‬‬
‫)‪ (157‬ينظر‪ :‬الرمز الشعري عند الصوفية‪ ،‬صا ‪155‬ـ ‪.158،231‬‬
‫)‪ (158‬ينظر‪ :‬المعجم الصوفي‪ ،‬صا ‪144‬ـ ‪.146‬‬
‫)‪ (159‬المصدر السابق‪ ،‬صا ‪.145‬‬
‫)‪ (160‬نفسه‪ ،‬صا ‪.121‬‬
‫)‪ (161‬ديوان ابن الفارض‪ ،‬صا ‪.102‬‬
‫)‪ (162‬ينظر‪ :‬الرمز الشعري عند الصوفية‪ ،‬صا ‪.156،157 ،130،150‬‬
‫)‪ (163‬ينظر‪ :‬المعجم الصوفي‪ ،‬صا ‪.119‬‬
‫)‪ (164‬ينظر‪ :‬النسان في فكر اخوان الصفا‪ ،‬صا ‪174‬ـ ‪.175‬‬
‫)‪ (165‬ينظر‪ :‬الرمز الشعري عند الصوفية‪ ،‬صا ‪140‬ـ ‪.141‬‬
‫)‪ (166‬الفتوحات المكية‪ ،‬جـ ‪ ،4‬صا ‪.280‬‬
‫)‪ (167‬ينظر‪ :‬الرمز الشعري عند الصوفية‪ ،‬صا ‪.157 ،148 ،126‬‬
‫)‪ (168‬ينظر‪ :‬النسان الكامل في السألم‪ ،‬صا ‪.177‬‬
‫)‪ (169‬السهروردي‪ ،‬صا ‪.49 ،46‬‬
‫)‪ (170‬النسان في فكر اخوان الصفا‪ ،‬صا ‪.164‬‬
‫)‪ (171‬المصدر السابق‪ ،‬صا ‪.111‬‬
‫)‪ (172‬ينظر‪ :‬المعجم الصوفي‪ ،‬صا ‪.146‬‬
‫)‪ (173‬ديوان ابن الفارض‪ ،‬صا ‪.53‬‬
‫)‪ (174‬ينظر‪ :‬النسان الكامل في السألم‪ ،‬صا ‪107 ،52 ،32‬ـ ‪.108‬‬
‫)‪ (175‬ينظر‪ :‬المعجم الصوفي‪ ،‬صا ‪.155‬‬
‫)‪ (176‬المصدر السابق‪ ،‬صا ‪.156‬‬
‫)‪ (177‬نفسه‪ ،‬صا ‪.154‬‬
‫)‪ (178‬ينظر‪ :‬شرح ديوان الحلج‪ ،‬صا ‪.171‬‬
‫)‪ (179‬ينظر‪ :‬المعجم الصوفي‪ ،‬صا ‪.153‬‬
‫)‪ (180‬ينظر‪ :‬النسان في فكر اخوان الصفا صا ‪.221‬‬
‫)‪ (181‬المعجم الصوفي‪ ،‬صا ‪.156‬‬
‫)‪ (182‬ينظر‪ :‬النسان في فكر اخوان الصفا صا ‪.143‬‬
‫)‪ (183‬المصدر السابق‪،‬صا ‪.211‬‬
‫)‪ (184‬ينظر‪ :‬المعجم الصوفي‪،‬صا ‪.145‬‬
‫)‪ (185‬ينظر‪ :‬النسان الكامل في السألم‪ ،‬صا ‪.137 ،113،131‬‬
‫)‪ (186‬الفتوحات المكية‪ ،‬جـ ‪ ،4‬صا ‪.229‬‬
‫)‪ (187‬ينظر‪ :‬النسان في فكر اخوان الصفا صا ‪ .139‬عن)انشاء الدوائر(صا ‪.4‬‬
‫)‪ (188‬ينظر‪ :‬المعجم الصوفي‪ ،‬صا ‪.161‬‬
‫)‪ (189‬كتاب الطواسأين‪ ،‬صا ‪.130‬‬
‫)‪ (190‬شرح ديوان الحلج‪ ،‬صا ‪.152‬‬
‫)‪ (191‬المصدر السابق‪ ،‬صا ‪154‬ـ ‪.155‬‬
‫)‪ (192‬نفسه‪ ،‬صا ‪.156‬‬
‫)‪ (193‬ينظر‪ :‬المعجم الصوفي‪ ،‬صا ‪153‬ـ ‪.154‬‬
‫)‪ (194‬المصدر السابق‪ ،‬صا ‪ .162‬عن كتاب )حلية البدال( ط‪.‬حيدر آباد‪ ،‬صا ‪.9‬‬
‫)‪ (195‬نفسه‪ ،‬صا ‪.168‬‬
‫)‪ (196‬النسان الكامل في السألم‪ ،‬صا ‪202‬ـ ‪.203‬‬
‫)‪ (197‬المعجم الصوفي‪ ،‬صا ‪ .168‬عن كتاب )الجوبة عن النسان الكامل( وهو مخطوط المكتبة الظاهرية‪.‬‬
‫)‪ (198‬المصدر السابق‪ ،‬صا ‪ ،162‬عن ف ‪2/391‬لبن عربي‪.‬‬
‫))‪ (199‬نفسه‪ ،‬صا ‪ ،162‬عن ف ‪.447 /3‬‬
‫)‪ (200‬نفسه‪ ،‬صا ‪ .162‬عن عقلة المستوفز‪ ،‬صا ‪.42‬‬
‫)‪ (201‬نفسه‪ ،‬صا ‪.162‬عن نصوصا ‪.1/55‬‬
‫)‪ (202‬نفسه‪ ،‬صا ‪.163‬عن انشاء الدوائر‪ ،‬صا ‪.22‬‬
‫)‪ (203‬نفسه‪ ،‬صا ‪156‬ـ ‪ .157‬عن ف ‪.296 /3‬‬
‫)‪ (204‬نفسه‪ ،‬صا ‪.161‬‬
‫)‪ (205‬نفسه‪ ،‬صا ‪.163‬‬
‫)‪ (206‬نفسه‪ ،‬صا ‪.163‬عن ف ‪.446 /2‬‬
‫)‪(207‬نفسه‪ ،‬صا ‪161‬ـ ‪.162‬‬
‫)‪ (208‬ينظر‪ :‬النسان الكامل في السألم‪ ،‬صا ‪.147‬‬
‫)‪ (209‬المعجم الصوفي‪ ،‬صا ‪.162‬‬
‫)‪ (210‬المصدر السابق‪ ،‬صا ‪.163‬‬
‫)‪ (211‬نفسه‪ ،‬صا ‪.156‬‬
‫)‪ (212‬نفسه‪ ،‬صا ‪.156‬‬
‫)‪ (213‬ينظر‪ :‬النسان الكامل في السألم‪ ،‬صا ‪.113‬‬
‫)‪ (214‬المصدر السابق‪ ،‬صا ‪.27‬‬
‫)‪ (215‬نفسه‪ ،‬صا ‪.109‬‬
‫)‪ (216‬الفتوحات المكية‪ ،‬جـ ‪،4‬صا ‪.298‬‬
‫)‪ (217‬المصدر السابق‪ ،‬جـ ‪،4‬صا ‪.298‬‬
‫)‪ (218‬نفسه‪ ،‬جـ ‪ ،4‬صا ‪.299‬‬
‫)‪ (219‬نفسه‪ ،‬جـ ‪ ،4‬صا ‪.212‬‬

You might also like