You are on page 1of 8

‫نظرية نهاية التاريخ و االنسان االخير‬

‫األبحاث القانونية‬ ‫‪‬‬


‫‪ 5648‬قراءة‬ ‫‪‬‬
‫‪ 0‬تعليق‬ ‫‪‬‬
‫األحد ‪ 07:39 2013-12-15‬مساء‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫نظرية نهاية التاريخ و االنسان االخير‬

‫‪ ‬‬

‫‪ ‬تحت اشراف الدكتور محمد مكليف‬

‫جامعة محمد الخامس السويسي‪                                      ‬ماستر الدبلوماسية المغربية‬

‫كلية العلوم القانونية و االقتصادية‪                             ‬مادة ‪ :‬النظرية في العالقات الدولية‬

‫‪      ‬و االجتماعية – سالاعداد طلبة الماستر‬

‫‪ ‬‬

‫مقدمة‬

‫لقد آمن الفيلسوفان هيجل وماركس بأن "التطور المضطرد للمجتمعات البشرية ال يسير إلى ماال نهاية‬

‫وإنما هو محكوم بتوصل اإلنسان إلى شكل محدد لمجتمعه يرضي احتياجاته األساسية‪ ،‬وعندما يتوصل‬

‫إليها يتوقف التطور أو يتوقف التاريخ ‪ ،‬بهذه المقدمة استهل المفكر فرانسيس فوكوياما كتابه "نهاية‬

‫التاريخ" وفي الواقع‪  ‬فإن هذا المصطلح ورد في محاضرة ألقاها الكاتب في جامعة شيكاغو في العام‬
‫‪ 1989‬م أثارت جدال واسعا‪ ،‬ثم أصدر الكتاب الذي يحمل هذه العبارة والذي واجهه الكثر من االنتقادات‪.‬‬

‫في البداية يشير فوكوياما إلى أهم األحداث العالمية وتطورها ويظهر تأييده الواضح للنظام الليبرالي‬

‫الديمقراطي الرأسمالي‪ ،‬ويرى أن اإلسالم يشكل إيديولوجية متجانسة ومنظمة ‪ ،‬وعلى الرغم من الجدل‬

‫الواسع لهذه النظرية إال أنها حظيت باهتمام عالمي كبير وذلك لسببين األول هو كون الحقل التنظيري‬

‫للعالقات الدولية منذ نهاية الحرب الباردة عرف اضطرابا كبيرا بفعل غياب مجموعة األسس التي‬

‫كانت تتحكم في تحليل الشؤون الدولية‪ ،‬والعالم أصبح يعيش عصر االنهاك الفعلي‬

‫للنظريات الكبرى الشيء الذي أطاح بالعديد من الثوابت التي كانت تحكم صيرورة السياسة الدولية‬

‫على كافة المستويات‪ ،‬وأدى ذلك إلى نوع من التشويش على مستوى التفكير االستراتيجي وشبه فراغ‬

‫على المستوى التنظيري بحيث أن النظريات الكالسيكية السابقة لم تعد لها القدرة على التفسير الالزم‬

‫لهذه المرحلة‪ ،‬وبذلك أصبحنا في زمن يصعب فيه إيجاد نسق نظري مفاهيمي قادر على إدراك مختلف‬

‫التطورات السريعة والجذرية والمتجددة‪.‬‬

‫أما السبب الثاني فهو ميل التفكير االستراتيجي األمريكي إلى البحث عن مرتكزات فلسفية تخرجه من‬

‫حسه البراغماتي والواقعي وذلك مثال من خالل توظيف فلسفة التاريخ لتقديم رؤية شاملة ألوضاع‬

‫العالم الجديد في ظل هيمنة أمريكية على هذا العالم‪.‬‬

‫فكانت نهاية التاريخ لفوكوياما تجسيدا لهذه المرحلة االنتصارية وتبشيرا بانفراد الليبرالية الغربية كمحطة‬

‫نهائية للتطور التاريخي والصراع اإليديولوجي‪ .‬ومن خالل كل ما ذكر نجد أمامنا التساؤالتاآلتية‪:‬‬

‫ماهي نظرية نهاية التاريخ؟ ما هي أهم األفكار التي جاءت بها؟ وما هي انعكاساتها على العالقات‬

‫الدولية؟ وهذا ما سنحاول اإلصابة عليه من خالل هذا العرض وذلك وفقا للتصميم اآلتي‪:‬‬

‫مقدمة‬
‫‪ ‬‬

‫‪  Ø‬المبحث االول‪ :‬نهاية التاريخ و األوطروحات المؤسسة لها‬

‫‪ ‬‬

‫‪v‬المطلب ألول ‪ :‬مضمون نظرية نهاية التاريخ‬

‫‪ ‬‬

‫‪v‬المطلب الثاني ‪ :‬األوطروحات المؤسسة لها‬

‫‪ ‬‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬إنعكاسات نظرية نهاية التاريخ على العالقات الدولية‬

‫‪ ‬‬

‫‪v‬المطلباألول ‪ :‬العالقات الدولية في عصر اإلنسان األخير‬

‫‪ ‬‬

‫‪v‬المطلب الثاني ‪ :‬ردود األفعال الدولية حول النظرية‬

‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫خاتمة‬

‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪       ‬‬

‫‪ ‬‬

‫المبحث األول ‪ :‬نهاية التاريخ و األطروحات المؤسسة لها‬


‫على الرغم من أن فوكوياما يؤسس نظريته على ضوء ااطروحة مفادها أن التاريخ كحركة تطورية مترابطة منطقيا ينتهي‬
‫بظهوراهذه لديموقراطية الليبرالية (مطلب أول) فان األطروحة في حقيقة األمر هي محصلة نهائية لعدد من األطروحات‬
‫المترابطة‪(   ‬مطلب ثاني)[‪.]1‬‬

‫المطلب الألول ‪ :‬مضمون نظرية نهاية التاريخ‬

‫إن فكرة نهاية التاريخ لفوكوياما بسيطة الى حد السذاجة‪ ،‬فالديموقراطية الغربية الحرة انتصرة في فترة الحرب الباردة‬
‫وانتصرالغرب معها‪،‬ولن يعود األن أمام األمريكيين واألوربيين ما ينتظرونه من جديد‪،‬فلقد حدث هذا الجديد بانهيار الماركسية‬
‫وتفكك االتحاد السوفياتي واعتماد الديكتاتوريات العقائدية السابقة و أغلب دول اوربا الشرقية للنظام الحر‪ ،‬وحسب فوكوياما‬
‫فهناك توافق مدهش في السنوات األخيرة يتعلق بالديموقراطية الليبرالية كنظام حكم‪ ،‬و التي أثبتت أن بامكانها أن تشكل منتهى‬
‫التطور االديولوجي لإلنسانية والشكل النهائي ألي حكم إنساني‪ ،‬أي أنها من هذه الزاوية "نهاية التاريخ"[‪.]2‬‬

‫وليس معنى هذا أن الديموقراطيات الراسخة المعرفة في زمننا كالواليات المتحدة األمريكية أو فرنسا أو غيرهاال تعرف الظلم‬
‫أو المشاكل اإلجتماعية الخطيرة‪ ،‬غير أن هذه المشكالت في ظن فوكوياما هي وليدة قصور في تطبيق المبدأين التوءمي‪:‬الحرية‬
‫و المساوات‪ ،‬اللذين قامت الديموقراطية الحديثة على أساسهما ‪.‬‬

‫وال تتعلق نظرية نهاية التاريخ عند فوكوياما بالتمظهر السياسي المختزل في الديموقراطية الليبرالية كنظام للحكم فحسب‪ ،‬بل‬
‫يؤكد أن الليبرالية اإلقتصادية هي النظام اإلقتصادي الذي سيسود في نهاية التاريخ أيضا‪ ،‬وهذا ما يؤكده إنتشارونجاح المبادئ‬
‫الليبرالية في اإلقتصاد ‪-‬أي السوق الحرة‪ -‬في خلق مستويات عليا من الرخاء المادي و التي لم نعهدها من قبل‪ ،‬وهو الذي يعني‬
‫أن الذي خرج ظافرا ليست الممارسة الليبرالية بقدر ماكان الظفر للفكرة الليبرالية ذاتها‪]3[.‬‬

‫ويرى فوكوياما أنه إذا كان التهديد„ اإلديولوجيى الذي وجهته الشيوعية ذات مرة للديموقراطية الحرة قد انتهى مع انسحاب‬
‫الجيش األحمر من اوربا الشرقية‪ ،‬فإن الدولة التي ستسود في نهاية التاريخ هي الدولة الليبرالي‪ ،‬لكون هذه األخيرة تتسم‬
‫بالعقالنية و القدرة على تحقيق المصالحة بين المطالبات المتنافسة باإلعتراف و ذلك باإلعتماد على األساس الوحيد المقبول من‬
‫الجميع والذي هوهوية الفرد باعتباره كائنا بشريا‪ ،‬كما أنها توفر اإلعتراف لجميع المواطنين باعتبارهم بشرا ال باعتبارهم‬
‫أعضاء في جماعة عرقية أو جنسية او غيرها‪ ،‬الشيئ الذي يخلق مجتمعا ال طبقات فيه يقوم على أساس إلغاء الفوارق بين‬
‫السادة والعبيد‪ ،‬واستنادا إلى جعله نقطة نهاية التاريخا نقطة محورية سوف تحكم بالضرورة النسق المستقبلي للمجتمع العالمي‪،‬‬
‫و نظرا ألن سياسة القوة وفق فوكوياما هي التي ال تزال السائدة بين الدول التي التي تأخذ بالديموقراطية الليبرالية‪،‬إظافة إلى إلى‬
‫التأخر النسبي في وصول التصنيع و القومية إلى إلى العالم الثالث‪ ،‬سيؤدي قطعا إلى اختالف تام بين سلوك الكثير من دول‬
‫العالم الثالث من جهة وبين سلوك الدول الصناعية من جهة اخرى‪ ،‬وبالتالي فهو يجزم بأن العالم في المستقبل سينقسم إلى‬
‫قسمين متافوتين قسم تخطى التاريخ و قسم آخر ال يزال غارقا في التاريخ‪.‬‬

‫وإذا كانت نظرية نهاية التاريخ عند فوكوياما قد تأسسة علىاعتبار أن الديموقراطية الليبرالية هي األفق األسمى للتاريخ‬
‫اإلنساني‪ ،‬فإنها في الحقيقة جاءت كنتيجة لمجموعة من األطروحات[‪.]4‬‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬الألطروحات المؤسسة لنهاية التاريخ‬

‫إن نظرية نهاية التاريخ جاءت كمحصلة نهائية لمجموعة من األطروحات المترابطة فيما بينها نذكر منها ‪:‬‬

‫‪ •         ‬غائية التاريخ ‪ :‬إذ أن فوكوياما يؤمن بأن التاريخ غائي بطبيعته‪ „،‬أي أنه موجه نحو غاية معينة‪ ،‬وهو ما يعني أنه في‬
‫حال تجاوز شكل من اشكال التنظيم اإلجتماعي لمجتمع ما فليس بوسع هذا التنظيم أن يتكرر في نفس المجتمع ‪ ،‬رغم ان‬
‫المجتمعات المختلفة في المراحل المختلفة من تطورها قد تكرر نمطا متشابها من التطور‪.‬‬

‫وقد ذهب فوكوياما إلى القول بأن العلوم الحديثة و الرغبة في اإلعتراف هما األليتان اللتان تفرضان التطور في اتجاه واحد‬
‫بانتهائه ينتهي التاريخ‪.‬‬
‫‪ •       ‬اضمحالل التشائم الغربي إزاء فكرة تقدم التاريخ ‪ :‬ومفادها أنا التشاؤم الذي ساد على الذهنية الغربية في القرن العشرين‬
‫إزاء فكرة التاريخ بدء يتالشى ‪ ،‬ففي القرن التاسع عشر كان معضم األوربيون يضنون أن التقدم هو صوب الديموقراطية‬
‫الليبرالية ‪ ،‬لكن في القرن العشرين بدأالوربيون الذين عايشو هذا القرن بكل أحداثه و مجرياته يشككون في عالمية مثلهم و‬
‫السيما بعد الحربين العالميتين وظهور منافس قوي للديموقراطية الليبريالية الغربية‪ ،‬و المتمثل في‪  ‬الشيوعية السوفيتية والذي‬
‫سيستمر إلى حين سقوط اإلتحاد السوفيتي ليسقط معه ذلك التشاؤم الذي خيم على الغرب لما يزيد عن األربعين سنة ‪.‬‬

‫‪ •      ‬إنتهاء بدائل الديموقراطية الليبرالية ‪ :‬بحيث يؤكد فوكوياما أنه ال يوجد في الوقت الراهن ولن يوجد لفترة طويلة أي بديل‬
‫حقيقي أو مالئم للديموقراطية الليبرالية التي هي في الحقيقة خير حل ممكن للمشكلة اإلنسانية ‪ ،‬و يعتبرأن األصوليات الدينية و‬
‫التياريات القومية تحديان ثانويان قد يخلقان بعض المشاكل لكنهما يفتقدان للعالمية ‪ ،‬وهنا يركز فوكوياما على اإلسالم حيثث‬
‫يعتبر الدول اإلسالمية مجموعة تعيش خارج التاريخ الحديث ‪ ،‬ورغم كون اإلسالم يشكل نظاما إيديولوجيا منظما له منظومته‬
‫األخالقية و نسقه اإلجتماعي و السياسي الخاص ودعوته دعوة عالمية[‪ ،]5‬ورغم كونه انتصر على الديموقراطية الليبرالية في‬
‫عدة مناطق من العالم اإلسالمي ‪ ،‬إال أنه حسب فوكوياما ال يمتلك جاذبية و قبول كبير خارج العالم اإلسالم‪.‬‬

‫و الجنس البشري عند فوكوياما كما لو كان قطارا من العربات الخشبية التي تجرها الجياد متجها إلى المدينة بعينها عبر طريق‬
‫طويل في قلب الصحراء ‪ ،‬بعض هذه العربات قد حددت وجهتها بدقة و وصلت بأسرع وقت ممكن ‪ ،‬و البعض اآلخر تعرض‬
‫لهجوم من قبل األوباش(الهنود الحمر)فظل الطريق ‪ ،‬و البعض اآلخر أنهكته الرحلة الطويلة فقرر اختيار مكان وسط الصحراء‬
‫لإلقامة فيه و تنازل عن فكرة الوصول غلى المدينة„ ‪ ،‬بينما من تعرضو للهجوم راحو يبحثون عن طريق بديلة للوصول إلى‬
‫المدينة„ ‪،‬وفي النهاية يجد الجميع أنفسهم مجبرين على استعمال نفس الطريق و لو عبر طرق فرعية مختلفة للوصول لغايتهم ‪،‬‬
‫وفعال تصل أغلب العربات إلى المدينة في النهاية وهذه العربات عندما تصل ال تختلف عن بعضها البعض إال في شيئ واحد هو‬
‫توقيت الوصول إلى المدينة سرعة أو بطئا بوصولها إلى الديموقراطية الليبرالية و من ثم رحلتها نهاية التاريخ[‪.]6‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬انعكاسات النظرية على العالقات الدولية‬

‫‪   ‬سنحاول في هذا المبحث الحديث عن العالقات الدولية في عصر اإلنسان األخير(مطلب أول) أي عصر ما بعد نهاية التاريخ‪،‬‬
‫وهو العصر الذي بشر به‪  ‬فوكوياما أي تحقيق دولة عالمية منسجمة مبنية على الفكر الديمقراطي الليبرالي‪ ،‬الشيء الذي جعله‬
‫يسقط في التناقضات مما جعل نظريته محط انتقادات وردود أفعال عديدة( مطلب ثاني)‬

‫المطلب األول‪ :‬العالقات الدولية في عصر اإلنسان األخير‬

‫‪   ‬تطور التاريخ نحو تكريس أنظمة ديمقراطية‪  ‬ذات اقتصاد ليبرالي سيكون له نتائجه على صيرورة العالقات الدولية‪ ،‬فتحقيق‬
‫الدولة العالمية يعني إلغاء نظرية العبد والسيد بين الدول واألمم‪ ،‬أي نهاية المشاريع االمبريالية والحروب المرتبطة بها[‪،]7‬‬
‫ومع ذلك فان العالم سيكون منقسم إلى شطرين رئيسيين‪ ،‬شطر تخطى التاريخ أو عالم ما بعد„ التاريخ ويتكون من الدول القومية‬
‫المستقلة التي تصالحت مع الليبرالية‪ ،‬والشطر الثاني ال يزال غارقا في التاريخ أو العالم التاريخي ويتكون من الدول التي تأخذ‪ ‬‬
‫بالديمقراطية الليبرالية‪ ،‬وحيث إن الخط الفاصل بين العالمين يتغير بسرعة‪ ،‬فان من الصعب تحديده‪ ،‬وهذا يعني أن عدد‬
‫الالعبين في النظام الدولي المشكل في مرحلة ما بعد التاريخ سوف يتغير باستمرار نظرا النتقال بعض الدول بين العالمين[‪.]8‬‬

‫‪   ‬فالصين مثال بدت بعد أحداث ميدان "تيانانمن" الدموية في صيف ‪ ،1989‬ابعد ما تكون عن تحقيق الديمقراطية‪ ،‬غير أن‬
‫سياستها الخارجية قد غدت منذ بداية اإلصالح االقتصادي سياسة بورجوازية على نحو متزايد وملحوظ وأكثر انفتاح على‬
‫االقتصاد الدولي وهو ما ثبط كل عزم يستهدف العودة‪  ‬إلى سياسة ماو الخارجية‬

‫والى جانب الصين يرى فوكوياما أن الدول الكبرى من أمريكا الالتينية (المكسيك‪،‬البرازيل‪ ،‬واألرجنتين) قد انتقلت خالل الجيل‬
‫الماضي من العالم التاريخي إلى عالم ما بعد التاريخ‪.‬‬

‫ويرى فوكوياما إن التفاعل بين الدول ما بعد التاريخية سيكون أساس تفاعال اقتصاديا‪ ،‬حيث يشجع تكثيف النشاط االقتصادي‬
‫على قيام سياسات تعاونية اقتصادية عبر توحيد األسواق واإلنتاج‪ ،‬مما سيؤدي إلى تفتيت العناصر التقليدية للسيادة الدولية‬
‫والتطلع إلى بناء تكتالت اقتصادية كبرى ستزيد من مستوى الرخاء االقتصادي‪ ،‬ونتيجة لهذا ستفقد اإلستراتيجية العسكرية‪،‬‬
‫أهميتها في عالم ما بعد التاريخ‪.‬‬

‫أما العالم التاريخي فسيعرف صراعات دينية وقومية واديولوجية‪ ،‬وستستمر سياسة القوة والسالح في لعب دور أساسي في‬
‫التفاعالت القائمة بين الدول التاريخية وستبقى الدول المجال األساسي لالنتماء السياسي والنشاط االقتصادي[‪. ]9‬‬

‫أما التفاعالت بين العالم التاريخي وما بعد التاريخي فسيكون محدود‪ ،‬وسيتبلور حوا مجموعة محاور للتصادم وهي‪:‬‬

‫المحور األول ‪ :‬هو البترول الذي يرتكز إنتاجه في العالم التاريخي‪ ،‬ويشكل مادة ضرورية وحيوية للدول المتقدمة‪ ،‬وإذا ما تم‬
‫إخضاعه لمناورات وضغوطات ذات منحى سياسي سيكون لألمر مضاعفات اقتصادية خطيرة‪.‬‬

‫المحور الثاني ‪ :‬يتعلق بالهجرة التي ستشكل خطرا كبيرا على المدى البعيد‪ ،‬فثمة تدفقات متزايدة للمهاجرين القادمين„ من الدول‬
‫الفقيرة نحو الغنية‪ ،‬ويمكن لهذه الظاهرة أن تستفحل في حالة وقوع اضطرابات كبيرة في العالم التاريخي‪.‬‬

‫أما المحور األخير ‪ :‬فهي التهديدات المحتملة للنظام العالمي وللدول الغربية بفعل االنتشار الكبير للتكنولوجيا العسكرية لدى عدة‬
‫دول في الجنوب خصوصا األسلحة النووية والكيماوية والبيولوجية‪ ،‬ولهذا كله يطلب فوكوياما من دول ما بعد التاريخ (الشمال)‬
‫نهج سياسة صارمة وحذرة اتجاه دول العالم التاريخي[‪. ]10‬‬

‫‪   ‬وعليه فان فوكوياما ينبه الديمقراطيات الليبرالية‪ ،‬وعلى رأسها الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬أن عليها مواجهة الحقيقة المتمثلة‬
‫في كون انه بانهيار العالم الشيوعي أضحي العالم الذي تعيش فيه غير عالم الجغرافيا السياسية الذي عرفته في الماضي‪ ،‬وان‬
‫قواعد وأساليب العالم التاريخي غير مناسبة للحياة في عالم ما بعد التاريخ‪ ،‬فالنصف التاريخي من العالم ال يزال يتصرف وفق‬
‫المبادئ الواقعية للعالقات الدولية‪ ،‬وهنا تظهر الخطورة‪ .‬وعلى النصف األخر (أي دول ما بعد التاريخ) أن تطبق الوسائل‬
‫الواقعية في تعاملها مع النصف التاريخي‪ ،‬وستضل العالقة بين النظم الديمقراطية وغير الديمقراطية تتميز بالشك والتخوف‬
‫وسيظل استخدام القوة هو الحكم النهائي في العالقات بينهم رغم االعتماد المتزايد في االعتماد المتبادل في االقتصاد‪.‬‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬ردود الفعل على النظرية‬

‫‪      ‬إن أهم مميزات النظريات الكبرى كما يقول "رضوان زيادة" بحق أنها تحدث اثأرا وتخلف وراءها ضجيجا ال ينتهي‪،‬‬
‫ونظرية نهاية التاريخ لم تكن استثناء لهذه القاعدة‪ ،‬فمنذ الوهلة األولى‪ ،‬استقطب نشر فرانسيس فوكوياما الخطوط العريضة‬
‫لنظريته في صيف ‪ 1989‬كما وسبقنا وأشرنا لذلك‪ ،‬اهتمام الرأي العام واألوساط الفكرية والسياسية الدولية‪ ،‬إذ في مدة قصيرة‬
‫تحول فوكوياما إلى ظاهرة ثقافية‪ ،‬وجذبت مقالته تعليقات ساخنة تخطت الواليات المتحدة األمريكية إلى كل أنحاء العالم‪ ،‬حيث‬
‫انقسمت هذه التعليقات بين مؤيد ومعارض‪ ،‬فأقطاب اليمين األمريكي مثل "جورج ويل " و" تشارلز كروثامر" و"ايرفينج‬
‫كرستول" و"توم وولف" احتفوا بالمقالة‪  ‬وتناوبوا جميعا على امتداحها و اإلشادة بعبقريتها‪ ،‬وكانت كلمة "عبقرية" و "ممتازة"‬
‫و"دقيقة" هي التعابير المستخدمة في وصف أفكار فوكوياما والتي اعتبرت في مجلة " ذي ناشيونال انترنست" صعبة الرفض‪.‬‬

‫زاد هذا اإلعجاب من حدة النقاش ففتحت المجلة صفحاتها للمنتقدين من نوع "هنتنغتون"„ و"راندولف" و" جون كراي"‬
‫وغيرهم الذين أجمعوا أن النظرية استفزازية بالدرجة األولى ولكنها غير مقنعة‪ ،‬حيث يقول هنتنغتون„ أن نظرية نهاية التاريخ‬
‫تقوم على "أكذوبتين" هما‪:‬‬

‫‪                    -‬إن النظرية تؤكد وبشكل قوي على إمكانية التنبؤ بالتاريخ واستمرار اللحظة‪ ،‬علما أن التيارات الراهنة قد إال‬
‫تستمر في المستقبل وهو ما تؤكده تجارب الماضي‪ ،‬وبالتالي فالنظرية فيها شك‪.‬‬

‫‪                    -‬إن النظرية تتجاهل ضعف الطبيعة البشرية وال عقالنيتها[‪.]11‬‬

‫‪ ‬ويرى هنتنغتون„ أن ثمة تحديات كبيرة تواجه نظرية نهاية التاريخ منها‪:‬‬
‫‪                    -‬حقيقة أنه قد تبهت مجموعة من األفكار أو االديولوجيات بل وتختفي عن األنظار لجيل أو أكثر لتعود للظهور‬
‫من جديد لكن مكتسبة حيوية من جيل أو اثنين الحقا ‪.‬‬

‫‪                    -‬أن القبول الكوني للديمقراطية الليبرالية يحول دون صراعات داخل المنظومة الليبرالية نفسها‪ ،‬وتاريخ‬
‫االديولوجيات يؤكد ذلك‪.‬‬

‫‪                    -‬أما "جون كراي" فقد جزم بأن النظرية تنبئ بنهاية الليبرالية وليس نهاية التاريخ ‪ ،‬إذ عمرنا هذا عمر يتضاءل‬
‫فيه تأثير السياسة سواء الليبرالية أو الماركسية على األحداث‪ ،‬ويشتد فيه التنازع فيما بين قوى عتيقة وقائمة منذ األزل و قوى‬
‫قومية ودينية„ وأصولية‪ ،‬وربما سرعان ما تكون مالتيسية[‪.]12‬‬

‫ويرى كراي أن االعتقاد بأن نهاية التاريخ يمكن أن ينتهي الن نزاعا بين اديولوجيات التنوير السريعة الزوال قد وصل نهايته‪،‬‬
‫إنما يكشف عن ضيق أفاق التفكير يصعب االطمئنان إليه‪ ،‬وإنما كعالمة واضحة على حالة الحياة الفكرية والسياسية مع اقتراب‬
‫القرن العشرين من نهايته أن تبدو مثل هذه التأمالت السخيفة قابلة للتصديق‪.‬‬

‫أما األكاديمي الروسي " بوزديناكوف" فقد بنى نقيض نظريته على تصور فلسفي مفاده أن اإلنسانية تعاني اليوم من جراء‬
‫غياب هدف تعيش من أجله وفقدان الروح ‪ ،‬وبذلك يؤكد على حقيقة أن الديمقراطية الليبرالية تعد نجاحا حقيقيا لإلنسانية‪ ،‬ولكنها‬
‫تبقي نجاح وليس نهاية‪.‬أما "محمد نشطاوي" فيرى أن صاحب نهاية التاريخ وقع في تناقض حاد عندما بشر العالم بعالم جديد‬
‫يسوده الفكر الليبرالي الديمقراطي‪ ،‬وهو هنا تبنى بشكل أو بأخر الفكر الشمولي الذي‪  ‬يجمد التطور اإلنساني ويضعه في قوالب‬
‫مهيأة سلفا إنها عودة من الباب الخلفي للفكر الشمولي الذي بشر به فوكوياما نفسه‪.‬كما ان توقعات فوكوياما تبقى مجرد احتماالت‬
‫شأنها شأن ما سبقها من توقعات كتلك التي أطلقها هتلر حينما تحدث عن الرايخ الثالث الذي سيعيش ألف عام‪ ،‬لكن التوقع‪  ‬هذا‬
‫اصطدم بالواقع‪ ،‬وكذا الماركسية‪ ،‬ويضيف أنه اذا أردنا أن نتحدث عن نهاية التاريخ ومعه نهاية العالم‪ ،‬فيجب أن نتحدث عن‬
‫معطيات أخرى مرتبطة بنهايات متفرعة عن الكون بسبب ظاهرة االحتباس الحراري الناتج عن اتساع ثقب األوزون وما‬
‫يترتب عليه من االختالالت االيكولوجية‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫خاتمة‬

‫‪    ‬إن خطاب نهاية التاريخ هو خطاب انتصاري في ثناياه روحا رسالية متعجرفة‪ ،‬ففوكوياما أغرته بعض النتائج الدولية وجعلته‬
‫يعتقد أن الديمقراطية الليبرالية ومركزها أوروبا و أمريكا‪ ،‬قد حققت ذاتها وإشباعها‪ ،‬وبالتالي على باقي العوالم أن تلهث‬
‫وتتسرع لتلتحق بالتاريخ الكوني‪ ،‬ومن هنا يكون الجنوب محكوم عليه بالتبعية الدائمة وسيبقى فاعال سلبيا يمأل العالم مجاعات‬
‫وتهديدات‪ ،‬مما سيخلق راحة وهناء عالم ما بعد التاريخ‪ ،‬ويرد فوكوياما أن التحوالت الثورية الكبرى ال تحدث إال في العجوز‬
‫أوروبا التي كانت وال تزال مهد فكر الحرية اإلنسانية‪ ،‬ولذلك على البشر أن يتخلوا على كل تواريخهم‪  ‬فقد أصبح التاريخ‬
‫األوروبي التجسيد المطلق للتاريخ العالمي‪  ،‬ومن هذه إال محاولة من فوكوياما لمصادرة واحتجاز حق الشعوب والحضارات في‬
‫الحلم والتطلع إلى اختيار مصيرها‪ ،‬وفي التفكير بمستقبل يوافق رؤاها وثقافتها‪ ،‬ليحكم عليها بقدرها األبدي في الخضوع لخيار‬
‫واحد ال غير قد يقود في حدوده القصوى إلى االنتصار الجماعي من أجل الديمقراطية الليبرالية‪ ،‬وهذا إنما هو راجع لكون ثقافة‬
‫الواليات المتحدة األمريكية ثقافة مرتبطة بالمكان والجغرافية وليس بالتاريخ ألنها ال تمتلك حس تاريخي وال ذاكرة تاريخية‬
‫لذلك من الصعب على الكثير من مفكريها أن يدركوا معنى التاريخ الشامل للبشرية وجدلية الحضارات ودوريتها عبر التاريخ‬
‫وإمكانية انبعاثها إلعادة تشكيل فضاءاتها بشكل مخالف للغرب[‪. ]13‬‬

‫الئحة المراجع‪:‬‬

‫‪.‬محمد سيف حيدرالنقيد‪،‬نظرية نهاية التاريخ وموقعها في إطار توجهات السياسةاألمريكية في ظل النظام العالمي‬
‫الجديد‪،‬مركز اإلمارات للدراسات و البحوث اإلستراتيجية ‪2007‬‬

‫‪ .‬محمد نشطاوي‪،‬العالقات الدولية مقترب في دراسة النظريات‪،‬المطبعة الوطنية‪200‬‬


‫‪.‬اطروحات لفهم العالم الجديد[‪]1‬‬

‫‪ -‬محمد السعدي أطروحات لفهم العالم الجديد‪ ،‬مرجع سابق‬

‫[‪ - ] 1‬محمد سيف حيدرا النقيد‪ ،‬نظرية نهاي‪ -‬مالتسية‪ :‬نسبة لفوضوية توماس مالتوس‪ ،‬والمراد من طبيعة النزاع بين القوة‬
‫القومية واألصولية‪ ،‬سرعان ما قد تأخذ طابعا بيئويا خطيرا(نزاع حول الموارد والغذاء في ظل زيادة كبيرة لعدد سكان‬
‫األرض ة التاريخ‪ ،‬مركز اإلمارات للدراسات والبحوث‪،‬سنة ‪،2007‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪. 1‬محمد سيف حيدرالنقيد‪،‬نظرية نهاية التاريخ وموقعها في إطار توجهات السياسةاألمريكية في ظل النظام العالمي‬
‫الجديد‪،‬مركز اإلمارات للدراسات و البحوث اإلستراتيجية ‪ 2007‬ص‪53:‬‬

‫‪ .‬محمد نشطاوي‪،‬العالقات الدولية مقترب في دراسة النظريات‪،‬المطبعة الوطنية‪2002‬ص‪]2[33:‬‬

‫‪.‬محمد سيف حيدر النقيد مرجع سابق‪،‬ص‪]3[50:‬‬

‫‪.‬محمد سيف حيدر النقيد مرجع سابق‪،‬ص‪]4[53-52:‬‬

‫‪.‬اطروحات لفهم العالم الجديد[‪]5‬‬

‫‪]6[ ‬‬

‫[‪ - ]7‬محمد السعدي أطروحات لفهم العالم الجديد‪ „،‬مرجع سابق ص‪24‬‬

‫[‪ - ]8‬محمد سيف حيدرا النقيد‪ „،‬نظرية نهاية التاريخ‪ ،‬مركز اإلمارات للدراسات والبحوث‪،‬سنة ‪،2007‬ص ‪66‬‬

‫[‪ - ]9‬محمد السعدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪26‬‬

‫[‪ - ]10‬محمد السعدي‪ ،‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪26‬‬

‫[‪ - ]11‬محمد سيف حيدرا‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪72‬‬

‫[‪ - ]12‬مالتسية‪ :‬نسبة لفوضوية توماس مالتوس‪ ،‬والمراد من طبيعة النزاع بين القوة القومية واألصولية‪ ،‬سرعان ما قد تأخذ‬
‫طابعا بيئويا خطيرا(نزاع حول الموارد والغذاء في ظل زيادة كبيرة لعدد سكان األرض)‬

‫[‪ - ]13‬محمد السعدي‪ ،‬اطروحات لفهم العالم الجديد‪ „،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪32-33‬‬

You might also like