You are on page 1of 29

‫‪47‬‬ ‫العدد ‪ | 16‬شتاء ‪ 2022‬م‬

‫الدراسات واألبحاث | ‪Research Papers‬‬

‫سؤال المنهج في المعرفة السوسيولوجية‪:‬‬


‫من البراديغم الوضعي إلى البراديغم‬
‫التأويلي‬

‫‪The question of the method in‬‬


‫‪sociological knowledge:‬‬
‫‪From positivism paradigm to‬‬
‫‪interpretive paradigm‬‬

‫عبد الحليم مهورباشة‬


‫(((‬

‫‪Abdel Halim Mahorbach‬‬

‫(‪)1‬مخبر المجتمع الجزائري المعاصر‪ ،‬جامعة سطيف‪ ،2‬الجزئر‪ .‬البريد اإللكتروني‪halimbacha680@yahoo.fr :‬‬
‫العدد ‪ | 16‬شتاء ‪ 2022‬م‬ ‫دورية مناء لعلوم الوحي والدراسات اإلنسانية‬ ‫‪48‬‬

‫حاولــت هــذه البدائــل أن تتجــاوز التناقضــات‬ ‫ملخص البحث‪:‬‬


‫والســلبيات التــي وقــع فيهــا البراديغــم‬
‫تهــدف هــذه الورقــة البحثيــة الــى محاولــة‬
‫بثنائيتــه الوضعــي والتأويلــي‪ ،‬إال أننــا أثبتنــا‬
‫تقديــم إجابــة عــن ســؤال المنهــج فــي‬
‫أن هــذه البدائــل علــى قيمتهــا المنهجيــة لــم‬
‫ً‬
‫انطالقــا‬ ‫السوســيولوجية‪،‬‬ ‫المعرفــة‬
‫ترتــق الــى مرتبــة البراديغــم البديــل‪.‬‬
‫ِ‬ ‫مــن فرضيــة موجهــة‪ ،‬تــرى أن المعرفــة‬
‫الكلمــات المفتاحيــة‪ :‬المنهــج‪ ،‬المعرفــة‬ ‫السوســيولوجية خضعــت لبراديغمــات‬
‫السوســيولوجية‪ ،‬البراديغــم‪ ،‬الوضعيــة‪ ،‬التأويليــة‪.‬‬ ‫فــي مســارها المعرفــي التاريخــي‪ ،‬وتوظــف‬
‫المنهــج التحليلــي النقــدي فــي اختبارهــا‪،‬‬
‫‪Abstruct:‬‬
‫فتناولنــا فــي العنصــر االول‪ :‬مشــروعية‬
‫‪This research paper aims to try to‬‬
‫تصنيــف المعرفــة السوســيولوجية مــن‬
‫‪provide an answer to the question of‬‬
‫منظــور البراديغــم‪ ،‬وبيَّنــا أن التصنيــف‬
‫‪the approach in sociological knowledge,‬‬
‫باســتخدام النظريــة أو المنهــج ال يُســعفنا‬
‫‪Proceeding from a Directed hypothesiss,‬‬
‫فــي الوقــوف علــى محــددات المعرفــة‬
‫‪it assumes that sociological knowledge‬‬
‫السوســيولوجية‪ ،‬وأبرزنــا فــي العنصــر‬
‫‪has been subject to paradigmatics in its‬‬
‫الثانــي‪ :‬طبيعــة البراديغــم الوضعــي فــي‬
‫‪historical cognitive course, and employs‬‬
‫المعرفــة السوســيولجية‪ ،‬باإلشــارة الــى‬
‫‪a critical analytical method in its testing,‬‬
‫قواعــده المنهجيــة األساســية‪ ،‬كمفهومــه‬
‫‪So we talked in the first element: the‬‬
‫للظواهــر‬ ‫ورؤيتــه‬ ‫العلميــة‪،‬‬ ‫للحقيقــة‬
‫‪legitimacy of Classification sociological‬‬
‫االجتماعيــة باعتبارهــا أشــياء‪ ،‬والتفســير‬
‫‪knowledge from a paradigm positivism; We‬‬
‫الســببي لهــا‪ ،‬وتناولنــا فــي العنصــر‬
‫‪indicated that classification using theory or‬‬
‫الثالــث ســؤال المنهــج فــي المعرفــة‬
‫‪method does not help us in determining the‬‬
‫السوســيولوجية مــن منظــور البراديغــم‬
‫‪determinants of sociological knowledge,‬‬
‫التأويلــي‪ ،‬أشــرنا الــى مرجعيتــه الفلســفة‬
‫‪And we highlighted in the second element:‬‬
‫الكانطيــة الجديــدة‪ ،‬ورؤيته لماهية الظواهر‬
‫‪the nature of positivism paradigm in‬‬
‫االجتماعيــة‪ ،‬وقواعــده فــي فهــم وتأويــل‬
‫‪sociological knowledge, Referring to his‬‬
‫الفعــل االجتماعــي‪ ،‬وفــي العنصــر الرابــع‬
‫‪basic methodological rules, such as his‬‬
‫واألخيــر‪ ،‬عرضنــا مجموعــة بدائــل منهجيــة‬
‫‪concept of scientific truth, his view of‬‬
‫طرحــت فــي المعرفــة السوســيولوجية‬
‫‪social phenomena as objects, and the‬‬
‫المعاصــرة‪ ،‬كالنقديــة والبراغماتيــة‪ ،‬حيــث‬
‫‪49‬‬ ‫أتلا مغيداربلا ىلإ يعضولا مغيداربلا نم‬

‫منهجهــا المخصــوص‪ ،‬ولــكل مقاربــة نظريــة‬ ‫‪causal interpretation of them, In the third‬‬
‫أدواتهــا التقنيــة والمنهجيــة فــي كيفيــة دراســة‬ ‫‪element : The question of the curriculum‬‬
‫الظاهــرة االجتماعيــة‪ ،‬لكــن هــذا التعــدد فــي‬ ‫‪in‬‬ ‫‪sociological‬‬ ‫‪knowledge‬‬ ‫‪from‬‬ ‫‪the‬‬
‫اإلجابــات ال يحجــب عنــا تلــك التقاطعــات‬ ‫‪perspective of Al-Baraigham interpretive, We‬‬
‫المعرفيــة فــي المنطلقــات اإلبســتيمية التــي‬ ‫‪referred to his reference to the new Kantian‬‬
‫يقــوم عليهــا كل منهــج فــي السوســيولوجيا‪،‬‬ ‫‪philosophy, his vision of what are social‬‬
‫فتبــدو ظاهر ًيــا هــذه المناهــج وكأنهــا تنتمــي إلــى‬ ‫‪phenomena, and his rules for understanding‬‬
‫أرضيــات إبســتيمولوجية متناقضــة‪ ،‬بينمــا هــي‬ ‫‪and interpreting social action, And in the‬‬
‫فــي الحقيقــة تشــع مــن براديغــم معرفــي واحــد أو‬ ‫‪fourth and last element, we presented‬‬
‫اثنيــن علــى أكثــر تقديــر‪.‬‬ ‫‪a‬‬ ‫‪set‬‬ ‫‪of‬‬ ‫‪methodological‬‬ ‫‪alternatives‬‬
‫‪that were brought up in contemporary‬‬
‫تأتــي أهميــة االشــتغال علــى ســؤال المنهــج‬
‫‪sociological knowledge, such as critical and‬‬
‫فــي المعرفــة السوســيولوجية كونــه مــن أكثــر‬
‫‪pragmatic, As these alternatives attempted‬‬
‫األســئلة تــداو ًلا بيــن الباحثيــن‪ ،‬ونظــ ًر ا الختــاف‬
‫‪to overcome the contradictions in which‬‬
‫اإلجابــات عنــه‪ ،‬فمــن الباحثيــن‪ ،‬مــن يــرى أن‬
‫‪the pradigm occurred with its positional‬‬
‫المعرفــة السوســيولوجية لــم تتمكــن مــن حســم‬
‫‪and‬‬ ‫‪interpretative‬‬ ‫‪duality,‬‬ ‫‪we‬‬ ‫‪have‬‬
‫خيارتهــا المنهجيــة والمفهوميــة والنظريــة منــذ‬
‫‪demonstrated that these alternatives to‬‬
‫لحظــة ميالدهــا إلــى يومنــا هــذا‪ ،‬بينمــا يــرى باحثــون‬
‫‪their methodological value have not been‬‬
‫آخــرون‪ ،‬أن اإلجابــات المتعــددة عــن هــذا الســؤال‬
‫‪elevated to the alternative paradigm.‬‬
‫تعكــس حيويــة المعرفــة السوســيولوجية‪،‬‬
‫وقدرتهــا علــى تطويــر أدواتهــا وتقنياتهــا المنهجية‬ ‫‪Keywords :Method,Paradigm, Positivism,‬‬
‫فــي دراســة الظاهــرة االجتماعيــة‪ ،‬تلــك الظاهــرة‬ ‫‪Interpretative, Sociological knowledge‬‬
‫التــي ال تجمــد علــى وضــع اجتماعــي واحــد‪ ،‬بــل‬
‫تعــرف تغيــرات وتحــوالت ال نهائيــة‪.‬‬ ‫مقدمة‬
‫مــا يزيــد برأينــا مــن تعقيــد هــذا الســؤال‪ ،‬هــو‬ ‫يثيــر ســؤال المنهــج فــي العلــوم االجتماعيــة‬
‫وقــوف الباحــث أمــام معرفــة سوســيولوجية‬ ‫ً‬
‫خصوصــا موجــة مــن‬ ‫عمومً ــا وعلــم االجتمــاع‬
‫ٍ‬
‫بتشــظ نظرياتهــا وتعــدد أنســاقها‬ ‫تتســم‬ ‫واإلبســتيمولوجية‬ ‫األكاديميــة‬ ‫النقاشــات‬
‫مقاربتهــا‬ ‫واختــاف‬ ‫والتبريريــة‪،‬‬ ‫التفســيرية‬ ‫بيــن الباحثيــن والمفكريــن‪ ،‬وتأتــي اإلجابــة عنــه‬
‫المنهجيــة للظواهــر االجتماعيــة‪ ،‬لــذا تســعى هــذه‬ ‫بصيــغ متعــددة‪ ،‬إذا طالعنــا التــراث المعرفــي‬
‫الدراســة إلــى توظيــف البراديغــم كأداة منهجيــة‬ ‫السســيولوجي‪ ،‬نجــد أن لــكل نظريــة اجتماعيــة‬
‫العدد ‪ | 16‬شتاء ‪ 2022‬م‬ ‫دورية مناء لعلوم الوحي والدراسات اإلنسانية‬ ‫‪50‬‬

‫مــا فتــئ أن تعــرض النتقــادات إبســتيمولوجية‬ ‫تســاعدنا فــي رســم صــورة مركبــة حــول المعرفــة‬
‫بينــت محدوديتــه المنهجيــة فــي تحليــل وتفســير‬ ‫السوســيولوجية مــن جهــة‪ ،‬والكشــف عــن طبيعة‬
‫الظواهــر االجتماعيــة‪ ،‬فــي المقابــل‪ ،‬تنامــى التيــار‬ ‫المنهــج الــذي ســاد هــذه المعرفــة مــن جهــة‬
‫المنهجــي الــذي َّ‬
‫أطــره البراديغــم التأويلــي فــي‬ ‫أخــرى‪ ،‬علــى اعتبــار أن البراديغــم هــو الــذي يؤطــر‬
‫عقــدي الســبعينات والثمانينــات مــن القــرن‬ ‫المنهــج‪ ،‬ويحــدد قواعــده وخطواتــه اإلجرائيــة‪،‬‬
‫المنصــرم‪ ،‬ترجمــه انهمــام المشــتغلين فــي‬ ‫رغــم أننــا ســنكون حذريــن منهجيًــا عنــد توظيــف‬
‫الحقــل السوســيولوجي بالبحــوث الكيفيــة‬ ‫مفهــوم البراديغــم فــي المعرفة السوســيولوجية؛‬
‫الميك ُر وسوســيولوجية‪ ،‬إال أن هــذا‬
‫والدراســات ِ‬ ‫ألننــا ســنعمل علــى تكييــف البراديغــم اإلرشــادي‬
‫البردايغــم لــم يســلم مــن النقــد فــي المعرفــة‬ ‫عنــد تومــاس كــون بمــا يفيــد االجابــة عــن ســؤال‬
‫السوســيولوجية المعاصــرة‪ ،‬التــي دعــى روادهــا‬ ‫المنهــج فــي علــم االجتمــاع‪.‬‬
‫ومؤسســوها إلــى التحــرر مــن البراديغــم‬
‫نعتقــد أن قــراءة فاحصــة للمعرفــة‬
‫التأويلــي‪ ،‬ودعــوا إلــى تأســيس براديغمــات‬
‫السوســيولوجية تشــي لنــا بأنهــا خضعــت‬
‫منهجيــة بديلــة‪ُ ،‬تمكننــا مــن فهــم تعقيــدات‬
‫لبراديغمــات معرفيــة‪ ،‬اخترقتهــا منــذ لحظتهــا‬
‫الظواهــر االجتماعيــة المعاصــرة‪ ،‬مــن هــذا‬
‫التأسيســية األولــى‪ ،‬حيــث انبنــى كل براديغــم علــى‬
‫المنطلــق‪ ،‬ســنحاول فــي هــذه الورقــة البحثيــة‬
‫رؤيــة أنطولوجيــة للعالــم االجتماعــي وظواهــره‪،‬‬
‫أن نجيــب عــن التســاؤالت اآلتيــة‪:‬‬
‫وعلــى رؤيــة إبســتيمولوجية لكيفيــة دراســة‬
‫‪1‬مــا طبيعــة البراديغمــات التــي خضعــت لهــا‬ ‫‪.1‬‬ ‫الظواهــر االجتماعيــة‪ ،‬فنجــد أن هنــاك براديغميــن‬
‫المعرفــة السوســيولوجية؟‬ ‫رئيســين هيمنــا علــى المعرفــة السوســيولوجية‪،‬‬
‫تولــدت فــي فلكهمــا العديــد مــن المفاهيــم‬
‫‪2 .2‬مــا مقومــات المنهــج فــي البراديغــم‬
‫فــي‬ ‫األول‬ ‫يتمثــل‬ ‫والنظريــات‪،‬‬ ‫والمناهــج‬
‫الوضعــي فــي المعرفــة السوســيولوجية؟‬
‫البراديغــم الوضعــي‪ ،‬الــذي أسســت منطلقاتــه‬
‫‪3 .3‬ما هي قواعد وأســس المنهج في البراديغم‬
‫وقواعــده المنهجيــة أعمــال دوركايــم‪ ،‬ويتمثــل‬
‫التأويلي في المعرفة السوسيولوجية؟‬
‫الثانــي فــي البراديغــم التأويلــي الــذي أسســت‬
‫‪4 .4‬مــا هــي أبــرز االنتقــادات التــي وجهــت‬ ‫لــه أعمــال ماكــس فيبــر‪ ،‬ويحتــوي كل براديغــم‬
‫فــي‬ ‫والتأويلــي)‬ ‫(الوضعــي‬ ‫للبراديغــم‬ ‫علــى تصــورات وقواعــد منهجيــة لكيفيــة دراســة‬
‫المعرفــة السوســيولوجية المعاصــرة؟ ومــا‬ ‫الظواهــر االجتماعيــة‪.‬‬
‫طبيعــة البدائــل المنهجيــة التــي اقترحــت فــي‬
‫هيمــن وســاد البراديغــم الوضعــي لعقــود‬
‫المعرفــة السوســيولوجية المعاصــرة؟‬
‫زمنيــة طويلــة‪ ،‬ترجمتهــا ســيطرة البحــوث‬
‫الكميــة علــى المؤسســات األكاديميــة‪ ،‬لكنــه‬
‫‪51‬‬ ‫أتلا مغيداربلا ىلإ يعضولا مغيداربلا نم‬

‫الطبيعيــة‪ ،‬فلئــن كانــت هــذه االخيــرة‪ ،‬تخضــع لنــوع‬


‫أولًا‪:‬‬
‫مــن االنتقــاالت الخطيــة عبــر مســارها العلمــي‪،‬‬
‫فرضية الدراسة ومنهجها‪:‬‬
‫حيــث تتميــز كل مرحلــة مــن تاريخ العلــم بمجموعة‬
‫مــن المناهــج والفرضيــات والنظريــات‪ ،‬خاضعــة‬ ‫الفرضيــة البحثيــة التــي ننطلــق منهــا‬
‫لثنائيتــي التراكــم والقطيعــة فــي كل مرحلــة‬ ‫فــي هــذه الدراســة‪ ،‬تفتــرض أن المعرفــة‬
‫تاريخيــة‪ ،‬حيــث نجــد أن تومــاس كــون اســتطاع أن‬ ‫السوســيولوجية خضعــت لبراديمغــات معرفيــة‬
‫يحقــب المعرفــة فــي العلــوم الطبيعيــة بواســطة‬ ‫عبــر مســارها المعرفــي التاريخــي‪ ،‬وأن المناهــج‬
‫النمــوذج المعرفــي‪« ،‬النمــوذج هــو مــا يؤســس‬ ‫والتقنيــات واألدوات تحددهــا طبيعــة هــذه‬
‫ويحافــظ علــى اإلجمــاع بيــن المتخصصيــن فيمــا‬ ‫البراديغمــات‪ ،‬وهنــا‪ ،‬نجــد البراديغــم الوضعــي‬
‫يتعلــق بمشــروعية المشــكالت الحقيقيــة‪ ،‬التــي‬ ‫الــذي أســس للمنهــج الوضعــي فــي دراســة‬
‫يجــب العلــم علــى حلهــا‪ ،‬ومنهجيــات االســتخدام‬ ‫الظواهــر االجتماعيــة‪ ،‬والبراديغــم التأويلــي‬
‫وطــرق إيجــاد الحلــول ملموســة» ‪.‬‬
‫(((‬
‫الــذي أســس للمنهــج التأويلــي فــي دراســة‬
‫الظواهــر االجتماعيــة ‪ ،‬وطرحــت فــي المعرفــة‬
‫إذا أتينــا الــى مجــال العلــوم االجتماعيــة‪ ،‬فإننــا‬
‫السوســيولوجية المعاصــرة بدائــل منهجيــة‬
‫ســنجد أن اآلليات اإلبســتيمولوجية التي اســتخدمت‬
‫إلــى أنهــا لــم تـ َ‬
‫ـرق الــى مرتبــة البراديغــم‪ ،‬وبقيــت‬
‫فــي التحقيــب المعرفــي للعلــوم الطبيعيــة‪ ،‬تــكاد‬
‫محــاوالت منهجيــة ومعرفيــة مشــتتة وموزعيــن‬
‫ال تنطبــق علــى معظــم فــروع العلــوم االجتماعيــة‪،‬‬
‫بيــن أعمــال العديــد مــن الباحثيــن‪ ،‬وسنســتخدم‬
‫فهــل يمكننــا أن نحقــب التطــور التارخــي للمعرفــة‬
‫المنهــج التحليلــي النقــدي فــي التحقــق مــن صحة‬
‫فــي العلــوم االجتماعيــة بواســطة البراديغــم كمــا‬
‫هــذه الفرضيــة البحثيــة‪.‬‬
‫فعــل تومــاس كــون؟ هــل تعــد العلــوم االجتماعيــة‬
‫علومً ــا قياســية؟‪ ،‬وعبــارة علــم قياســي‪« :‬تعنــي‬
‫ثانيًا‪:‬‬
‫البحــث الــذي رســخ بنياينــه علــى إنجــاز‪ ،‬أو أكثــر‪ ،‬مــن‬
‫في مشروعية تصنيف‬
‫إنجــازات الماضــي‪ ،‬وهــي إنجــازات يعتــرف مجتمــع‬
‫المعرفة السوسيولوجية من‬
‫علمــي محــدد‪ ،‬ولفتــرة زمنيــة‪ ،‬بأنهــا تشــكل األســاس‬
‫منظور البراديغم‪:‬‬
‫لممارســته العلميــة مســتقب ًلا»(((‪.‬‬
‫يُقــر معظــم المشــتغلين في فلســفة العلوم‬

‫‪(1) Gilles Willett, Paradigme, théorie, modèle, schéma :‬‬ ‫االجتماعيــة‪،‬أن هنــاك صعوبــات إبســتيمولوجية‬
‫‪qu’est-ce donc ? , Communication et organisation [En‬‬
‫‪ligne], 10 | 1996, mis en ligne le 26 mars 2012, consulté le‬‬
‫فــي عمليــة التحقيــب التاريخــي لمعــارف هــذه‬
‫‪28 février 2020. URL‬‬ ‫العلــوم‪ ،‬تختلــف هــذه العلــوم فــي مجــال تراكــم‬
‫((( تومــاس كــون‪ ،‬بنيــة الثــورات العلميــة‪ ،‬ترجمــة‪ :‬شــوقي‬
‫جــال‪ ،‬العــدد‪( ،168 :‬الكويت‪:‬المجلــس الوطنــي للثقافــة‬ ‫معارفهــا ونظرياتهــا ومناهجهــا عــن العلــوم‬
‫والفنــون واآلداب‪ ،)1992 ،‬ص‪.39‬‬
‫العدد ‪ | 16‬شتاء ‪ 2022‬م‬ ‫دورية مناء لعلوم الوحي والدراسات اإلنسانية‬ ‫‪52‬‬

‫فــي البدايــة علــى تقديــم تبريــر معرفــي ومنهجــي‬ ‫الســؤال الــذي يُطــرح هنــا‪ :‬هــل تشــكلت‬
‫(النمــوذج‬ ‫البراديغــم‬ ‫لمفهــوم‬ ‫الخضاعهــا‬ ‫جماعــات علميــة فــي العلــوم االجتماعيــة واتفــق‬
‫المعرفــي)‪ ،‬وســنحاول أن نفــكك األلغــام‬ ‫باحثوهــا علــى ممارســات منهجيــة تلــزم الباحثيــن‬
‫االبســتيمولجية التــي تعــرض طريقنــا فــي ســبيل‬ ‫القادميــن إليهــا بهــا؟ أم أن هــذه العلــوم تعانــي‬
‫رســم صــورة جليــة واضحــة لهــذه المعرفــة‪ ،‬فــأول‬ ‫مــن التشــظي النظــري والتعــدد المنهجــي‬
‫ســؤال ســيواجنها بــه القــارئ‪ :‬مــا مشــروعية‬ ‫بشــكل مســتمر منــذ لحظــة والدتهــا؟ نظــ ًر ا‬
‫ٍ‬
‫توظيــف البراديغــم فــي تصنيــف المعرفــة‬ ‫لمجموعــة مــن الخصوصيــات‪ ،‬التــي تتعلــق بالبنيــة‬
‫السوســيولوجية؟ ونحــن‪ ،‬نقــرأ فــي المســار‬ ‫اإلبســيتمولوجية الداخليــة لهــذه العلــوم‪ ،‬كونهــا‬
‫التاريخــي لهــذه العلــوم محــاوالت عديــدة‪ ،‬للوقوف‬ ‫علومً ــا تهتــم بدراســة اإلنســان‪ ،‬ونحــن نعلــم‪ ،‬مثــار‬
‫علــى أشــكال وأنمــاط هــذه المعرفة‪ ،‬فاســتخدمت‬ ‫الجــدل حــول ماهيــة االنســان‪ ،‬وانفالتــه مــن قبضــة‬
‫النظريــة العلميــة كمعيــار فــي عمليــة التصنيــف‬ ‫الحتميــة الطبيعيــة‪ ،‬كمــا أننــا نجــد أن هــذه العلــوم؛‬
‫فــي الســتينات والســبيعنات مــن القــرن الماضــي‪،‬‬ ‫تعانــي مــن اســتباحة مســتمرة لحدودهــا ومجــال‬
‫تحــت وطــأة النزعــة المتناميــة لمأسســة هــذه‬ ‫اشــغالها مــن طــرف العلــوم الطبيعــة‪ ،‬فغال ًبــا مــا‬
‫العلــوم داخــل الجامعــات الحديثــة‪ ،‬وتحــت ضغــط‬ ‫تســتعير هــذه العلــوم منهــا مقــوالت ومفاهيــم‬
‫تجزئــة المقــرارات الدراســية والمناهــج التعليميــة‪،‬‬ ‫وتقنيــات منهجيــة‪ :‬كمقولــة النســق‪ ،‬العضويــة‪،‬‬
‫حيــث لــم يعــد ممك ًنــا عــرض هــذه المعرفــة‬ ‫التماثــل‪ ،‬التــوازن‪ ،‬البينــة‪ ،‬المورفولوجيــا وغيرهــا‪،‬‬
‫دون تبويبهــا وتصنيفهــا‪ ،‬فظهــرت العديــد مــن‬ ‫ً‬
‫قلقــا علــى‬ ‫ً‬
‫وضعــا إبســتيمولوجيا‬ ‫لذلــك تشــغل‬
‫التصنيفــات للمعرفــة السوســيولوجية‪ ،‬نعثــر‬ ‫الــدوام‪ ،‬يُوحــي بالناظــر إليهــا أنهــا علــوم مأزومــة‪،‬‬
‫فــي هــذا الصــدد علــى محاولــة نيقــوال تماشــيف‪،‬‬ ‫فــي حيــن‪ ،‬أن أزمتهــا حالــة مصابحــة لهــا علــى‬
‫وبييتريــم ســوركين‪ ،‬وغيرهمــا‪.‬‬ ‫الــدوام ‪ ،‬وتنهتــك باحيثهــا ومشــتغليها‪ ،‬باإلضافــة‬
‫إلــى إشــكالية التحيــزات الذاتيــة والثقافيــة‬
‫وفــي الســياق نفســه‪ ،‬هنــاك مــن أخــذ بمعيــار‬
‫واأليديولوجيــة التــي تختــرق ممارســاتها‪ ،‬وتعانــي‬
‫الموقــف مــن المجتمــع‪ ،‬وقســم المعرفــة‬
‫مــن اســتباحة مجــال اشــتغالها مــن طــرف‬
‫السوســيولوجية إلــى نظريــات محافظــة‪ ،‬ونظريات‬
‫المؤسســات السياســية‪ ،‬ممــا يجعلهــا تنحنــي في‬
‫نقديــة‪ ،‬وهنــاك مــن اتخــذ مــن وحــدة التحليــل‬
‫مــرات لطلباتهــا خائنــة مبادئهــا اإلبســتيمولوجية‬
‫السوســيولوجي معيــا ًر ا للتصنيــف‪ ،‬وقســمها‬
‫وقواعدهــا المنهجيــة‪.‬‬
‫الــى الماكروســويولوجيا والميكروســويولوجيا‪،‬‬
‫ونجــد مــن الباحثيــن مــن قســمها إلــى تيــارات‬ ‫مــن هــذا المنطلــق‪ ،‬إذا أتينــا إلــى المعرفــة‬
‫واتجاهــات‪ ،‬يضــم كل اتجــاه مجموعــة مــن العلمــاء‬ ‫السوســيولوجية باعتبارهــا مركــز المعرفــة فــي‬
‫المؤسســين‪ ،‬إال أن النقــد الــذي نوجهــه لهــذه‬ ‫العلــوم االجتماعيــة‪ ،‬فإننــا ســنكون مجبريــن‬
‫‪53‬‬ ‫أتلا مغيداربلا ىلإ يعضولا مغيداربلا نم‬

‫والتصــورات‬ ‫اإلبســتيمولوجية‪،‬‬ ‫المنطلقــات‬ ‫التصنيفــات ألشــكال المعرفــة السوســيولوجة‪،‬‬


‫األنطولوجيــة‪ ،‬واإلجــراءات المنهجيــة‪ ،‬وكل‬ ‫إنهــا تتغافــل عــن االنقســام الحــاد الــذي نجــده‬
‫واحــد منهــا يفضــل جانبًــا إبســتيمولوجيا معينــ ًا‬ ‫داخــل االتجــاه النظــري الواحــد‪ ،‬وكذلــك التحيــز‬
‫ً‬
‫موقفــا أنطولوجيــا‬ ‫(وصــف‪ ،‬تنبــؤ‪ ،‬ســببية)‪ ،‬أو‬ ‫األيديولوجــي المصاحــب لــكل عمليــة التصنيــف‪،‬‬
‫معي ًنا(كليــة‪ ،‬فردانيــة)»(((‪.‬‬ ‫حيــث توصــف بعــض النظريــات بالعلميــة‪ ،‬بينمــا‬
‫األخــرى توصــف بغيــر العلميــة‪ ،‬مثـ ًلا يعتبــر البعــض‬
‫فــي هــذا الســياق‪ ،‬نقتــرب هنــا مــن فكــرة‬
‫النظريــة الماركســية نظريــة علميــة‪ ،‬فــي حيــن‪ ،‬يراها‬
‫البرنامــج العلمــي الــذي وضعــه امــري الكوســت‬
‫آخــرون مجــرد أيديولوجيــا‪ ،‬مــع االشــارة إلــى أن‪«:‬أي‬
‫فــي فلســفة العلــوم‪ ،‬حيــث يــرى أن‪« :‬اإلنجــازات‬
‫نظريــة تقــوم بوصــف الواقــع ال بــد أن تطــرح بيــن‬
‫العلميــة العظيمــة هــي برامــج بحثيــة يمكــن‬
‫ثناياها‪-‬تصريحً ــا أو تلميحً ــا‪ -‬افتراضــات عمــا يجــب‬
‫تقييمهــا مــن حيــث المشــكالت التقدميــة‬
‫أن يكــون عليــه شــكل ذلــك الواقــع‪ .‬ولقــد دعــا ألفــن‬
‫واالنتكاســية‪ ،‬تتكــون الثــورات العلميــة مــن برنامــج‬
‫جولدنــر هــذه االفتراضــات افتراضــات المجــال‪،‬‬
‫بحثــي يحــل محــل برنامــج آخــر‪ ،‬توفــر هــذه المنهجية‬
‫دائمــا تنطــوي علــى‬
‫ً‬ ‫وبنــاء علــى ذلــك‪ ،‬فــإن النظريــة‬
‫إعــادة بنــاء عقالنــي للعلــوم‪ ،‬مــن األفضــل تمثيلــه‬
‫نظــرة معينــة إلــى الفعــل السياســي‪ ،‬وعلــى أشــكال‬
‫عكــس التكذيــب والتوافقيــة‪ ،‬فكالهمــا يســتعير‬
‫الفعــل الممكنــة والمســتحبة»(((‪.‬‬
‫عناصــر أساســية»(((‪.‬‬
‫بنــاء علــى هــذا‪ ،‬نعتقــد أن تصنيــف المعرفــة‬
‫كذلك من التبريرات القوية التي نســوقها في‬
‫ً‬
‫انطالقــا مــن النظريــات يُعقــد‬ ‫السوســيولوجية‬
‫هــذا الموضــع‪ ،‬أننــا فــي العالــم العربــي‪ ،‬نســتهلك‬
‫عمليــة االســتيعاب المعرفــي لهــا‪ ،‬ويرســم أمامنا‬
‫المنتجــات المعرفيــة الغربيــة‪ ،‬ولــم نصــل بعــد‬
‫صــورة مشــوهة عــن مســارات نموهــا وتطورهــا‪،‬‬
‫إلــى مرحلــة االنتــاج المعرفــي‪ ،‬نظ ـ ًر ا لعــدة عوامــل‬
‫لــذا نــرى أن البراديغــم الــذي وظفــه تومــاس كــون‬
‫وأســباب ال يســعنا المقــام لذكرهــا‪ ،‬وبالتالــي‪،‬‬
‫فــي فلســفة العلــم الطبعــي‪ ،‬مــع إدخــال بعــض‬
‫نجــد صعوبــة بوصفنــا باحثيــن فــي اســتبعاب‬
‫التعديــات الصوريــة والمنطقيــة عليــه‪ ،‬يُســعفنا‬
‫المعرفــة السوســيولوجية‪ ،‬بســبب معوقــات‬
‫فــي تحقيــب المعرفــة السوســيولوجية‪ ،‬بحيــث‬
‫إبســتيمولوجية عديــدة‪ ،‬كطبيعــة اللغــة التي كتبت‬
‫كل براديغــم سوســيولوجي‪ ،‬هــو عابــرة عــن كل‬
‫بهــا‪ ،‬ومشــكلة ترجمــة المصطلحــات العلميــة؛ لذا‬
‫مركــب مــن النظريــات‪« ،‬ومــن األيديولوجيــات‪ ،‬مــن‬

‫((( جــاك مهــان‪ ،‬الخطابــات علــم االجتمــاع‪ ،‬ترجمــة‪ :‬عياشــي‬ ‫األفــكار الكبــرى‪ ،‬مــن المفاهيــم‪ ،‬مثــل الوضعيــة‪،‬‬
‫عنصــر‪،‬ط‪ (1‬األردن‪ :‬دار المســيرة‪ ،)2010 ،‬ص‪،18‬‬
‫البنيويــة‪ ،‬يقــوم بانتقــاء مجموعــة محــددة مــن‬
‫‪(3) Fetcu, Nicolae,Imre Lakatos, La méthodologie des‬‬
‫‪programmes de recherche scientifique , SetThings (25‬‬
‫‪mars 2019), MultiMedia Publishing; URL = https://www.‬‬ ‫((( أيــان كريــب‪ ،‬النظريــة فــي علــم االجتمــاع‪ ،‬مــن بارســونز الــى‬
‫‪setthings.com/fr/imre-lakatos-la-methodologie-des-‬‬ ‫هابرمــاس‪ ،‬ترجمــة‪ :‬محمــد حســين غلــوم‪ ،‬العــدد‪( ،244 :‬الكويــت‪:‬‬
‫‪programmes-de-recherchescientifique‬‬ ‫المجلــس األعلــى للفنــون والثقافــة واآلداب‪،)1999 ،‬ص‪.37‬‬
‫العدد ‪ | 16‬شتاء ‪ 2022‬م‬ ‫دورية مناء لعلوم الوحي والدراسات اإلنسانية‬ ‫‪54‬‬

‫التــي ندافــع عنهــا‪ ،‬حيــث يــرى آالن تــوران أنــه‬ ‫يصعــب علينــا اســتيعاب النظريــات؛ ألنهــا مــن‬
‫لتصنيــف النظريــات واالتجاهــات النظريــة‬ ‫الغــزارة والتعــدد مــا يجعلنــا حائريــن أمامهــا‪ ،‬نــرى‬
‫فــي حقــل معرفــي‪ ،‬يجــب توافــر ثالثــة شــروط‬ ‫مــن وجهــة نظرنــا أن توظيــف البراديغــم يُســاهم‬
‫رئيســية‪ ،‬وهــي‪« :‬أن تكــون وحــدة المعرفــة فــي‬ ‫فــي عمليــة االســتيعاب المعرفــي لســؤال‬
‫هــذا الحقــل محــددة وواضحــة‪ ،‬تكامــل نتائــج‬ ‫المنهــج فــي المعرفــة السوســيولوجية‪ ،‬فتطبيــق‬
‫البحــوث فــي نظريــة واحــدة‪ ،‬والتعــدد النظــري‬ ‫البرادغيــم فــي دراســة التاريــخ المعرفــي للعلــوم‬
‫خالصــا‪ ،‬وليــس تعبيــ ًر ا عــن‬
‫ً‬ ‫يكــون نظر يًــا‬ ‫االجتماعيــة يغطــي فائــدة ثالثيــة‪« :‬األولــى‪ :‬هــي أنــه‬
‫اإليديولوجيــا واآلراء الذاتيــة» ‪.‬‬
‫(((‬
‫ليــس لــه أي هــدف معيــاري وتوجيهــي‪ ،‬وال يزعــم‬
‫أنــه يعلــن مــا هــو العلــم الحقيقــي‪ ،‬بعــد ذلــك‬
‫يتمثــل المعيــار األساســي الــذي اعتمــد‬
‫يطــرح هــذا المفهــوم أداة للوصــف المنطقــي‬
‫عليــه تــوران فــي طبيعــة العالقــة بيــن النســق‬
‫قائمــة علــى األقــرب مــن اإلجــراءات المســتخدمة‬
‫االجتماعــي والفاعــل االجتماعــي‪ ،‬وفــي طبيعــة‬
‫فعل ًيــا فــي العمــل اليومــي للباحثيــن‪ ،‬وفــي األخيــر‬
‫العالقــة بيــن المؤسســات ودوافــع الفاعليــن‪،‬‬
‫هــذه األداة تجعــل المقارنــة بيــن المياديــن ممكنــة‪،‬‬
‫«النســق االجتماعــي محــدد بواســطة العالقــة‪،‬‬
‫وتســمح بطــرح مســألة المعرفــة العلميــة‬
‫التــي تظهــر بيــن القيــم والمعايــر وأشــكال‬
‫بتعبيــرات متجــددة»(((‪.‬‬
‫التنظيــم داخــل النســق وتوجيهــات الفاعليــن‬
‫االجتماعييــن(((‪ ،‬فخلــص تــوران إلــى أن المعرفــة‬ ‫بعــد أن بررنــا مشــروعية توظيــف‬
‫السوســيولوجية عرفــت ثالثــة مــدارس كبــرى‪:‬‬ ‫البراديغــم‪ ،‬ننتقــل الــى االجابــة عــن ســؤال‪ :‬مــا‬
‫المدرســة البنائيــة الوظيفيــة‪ ،‬والمدرســة البنائيــة‬ ‫هــي البراديغمــات األساســية التــي خضعــت‬
‫الماركســية‪ ،‬المدرســة التفاعليــة الرمزيــة‪ ،‬ونــرى‬ ‫لهــا المعرفــة السوســيولوجية عبــر مســارها‬
‫أن هــذا التصنيــف علــى مــا فيــه مــن تعميــم مبالــغ‬ ‫التاريخــي المعرفــي؟ نجــد فــي هــذا الصــدد‬
‫فيــه‪ ،‬إال أن معاييــره أكثــر عقالنيــة فــي تصنيــف‬ ‫العديــد مــن اإلجابــات المعرفيــة التــي ســبقنا‬
‫المعرفــة فــي علــم االجتمــاع‪ ،‬وســوف يفيدنــا‬ ‫إليهــا باحثــون متخصصــون ‪ ،‬ســنحاول أن‬
‫فــي إجابتنــا عــن ســؤال المنهــج فــي عالقتــه‬ ‫نســتأنس بعمليــن رئيســين فــي تصنيــف‬
‫بالبراديغمــات المعرفيــة‪.‬‬ ‫المعرفــة السوســيولوجية بمــا يخــدم اإلشــكال‬
‫المركــزي الــذي نحــاول أن نجيــب عنــه‪ ،‬نعتقــد‬
‫نجــد مــن الباحثيــن المعاصريــن مــن‬
‫أن المحاولــة التــي قدمهــا عالــم االجتمــاع آالن‬
‫اســتخددم البراديغــم كميعــار تصنيفــي عالــم‬
‫تــوران‪ ،‬تقتــرب مــن فكــرة توظيــف البراديغــم‬
‫((( فليــب كابــان‪ ،‬جــان فرنســوا دروتيــه‪ ،‬علــم االجتمــاع مــن‬
‫‪(2) Alain Touren, LES ÉCOLES SOCIOLOGIQUES, Cahiers‬‬ ‫النظريــات الكبــرى إلــى الشــؤون اليوميــة‪ ،‬ترجمة‪:‬ايــاس حســن‪،‬‬
‫‪de recherche sociologique, no 14, printemps 1990, p21.‬‬ ‫ط‪ (1‬ســوريا‪ :‬دار الفرقــد للطباعــة والنشــر والتوزيــع‪،)2010 ،‬‬
‫‪(3) Ibid.p22.‬‬ ‫ص‪.281‬‬
‫‪55‬‬ ‫أتلا مغيداربلا ىلإ يعضولا مغيداربلا نم‬

‫المعيــار معاييــر أخــرى مــن قبيــل‪ :‬معيــار المنهــج‬ ‫االجتمــاع ريمــون بــودون‪ ،‬الــذي يــرى أن المعرفــة‬
‫والحقيقــة العلميــة‪ ،‬والقواعــد اإلبســتيمولوجية‪،‬‬ ‫التاريخيــة‪،‬‬ ‫مســيرتها‬ ‫عبــر‬ ‫السوســيولوجية‬
‫واإلفترضــات المنهجيــة‪.‬‬ ‫خضعــت للبراديغــم الحتمــي‪ ،‬الــذي يضــم كل مــن‪:‬‬
‫الماركســية‪ ،‬التوكتفيليــة‪ ،‬الفيبريــة‪ ،‬الميرتونيــة‪،‬‬
‫قمــت بتطويــر فكــرة ريمــون بــدون حــول‬
‫وللبراديغــم التفاعلــي الــذي يضــم‪ :‬الوظيفــي‪،‬‬
‫البراديغمــات فــي علــم االجتمــاع(((‪ ،‬وخلصــت إلــى‬
‫الثقافــوي‪ ،‬الشــمولي الحتمــي المنهجــي‪ ،‬حيــث‬
‫أن هنــاك براديغميــن رئيســين ســادا وهمي ًنــا فــي‬
‫يرفــض البراديغــم الحتمــي‪« :‬اســتقاللية الفاعــل‬
‫المعرفــة السوســيولوجية‪ ،‬وهمــا‪ :‬البراديغــم‬
‫االجتماعــي‪ ،‬يتعامــل معــه ســلبيًا‪ ،‬تفســر الظاهــرة‬
‫الوضعــي‪ ،‬والبراديغــم التأويلــي‪ ،‬ويقــوم كل‬
‫مجموعــة‬ ‫محصلــة‬ ‫باعتبارهــا‬ ‫االجتماعيــة‬
‫براديغــم علــى مرجعيــة فلســفية محــددة‪ ،‬يينــي فــي‬
‫ً‬
‫مســبقا‪ ،‬يركــز علــى‬ ‫الســلوكيات محــددة المعنــى‬
‫ظلهــا رؤيتــه للحقيقــة العلميــة‪ ،‬ويحــدد طبيعــة‬
‫الــدور والقيــم والمعاييــر‪ ،‬إدخــال القيــم والمعاييــر‪،‬‬
‫الموضــوع القابــل للدراســة العلميــة‪ ،‬وكذلــك‬
‫تحديــد الفعــل بشــكل حتمــي‪ ،‬الحتميــة وصفيــة‬
‫يُحــدد المنهــج الــذي يُمكننــا مــن دراســة الظواهــر‬
‫واحتماليــة الفعــل االجتماعــي»(((‪.‬‬
‫االجتماعيــة‪ ،‬ويتشــكل البراديغــم مــن مجموعــة‬
‫مــن النظريــات التــي تبــدو فــي ظاهرهــا أنهــا‬ ‫ينطلــق البراديغــم التفاعلــي مــن الفاعــل‬
‫تختلــف لكنهــا تخضــع لنفــس المبــادئ المعرفيــة‬ ‫االجتماعــي‪ ،‬الــذي يضــع فــي حســبانه ســلكويات‬
‫والقواعــد المنهجيــة‪.‬‬ ‫اآلخريــن ‪ ،‬ســنحاول فــي هــذه الورقــة البحثيــة‪،‬‬
‫أن نبنــي علــى هــذا التصنيــف‪ ،‬مــع توســيعه بمــا‬
‫فنجــد أن المعرفــة السوســيولوجية مــن‬
‫يخــدم إشــكالية الدراســة ومــا تــروم تحقيقــه؛ ألن‬
‫لحظــة انبثاقهــا إلــى يومنــا هــذا خضعــت‬
‫عمليــة التصنيــف التــي قدمهــا ريمــون بــدون‪،‬‬
‫لبراديغميــن‪ ،‬األول‪ :‬البراديغــم الوضعــي بمختلــف‬
‫تقــوم علــى مبــدأ جوهــري معيــاري يتمثــل فــي‬
‫تياراتــه النظريــة ومذاهبــه المنهجيــة‪ ،‬والثانــي‪:‬‬
‫طبيعــة العالقــة بيــن الفاعــل االجتماعــي والنســق‬
‫البراديغــم التأويلــي بــكل تياراتــه ونظرياتــه‬
‫االجتماعــي(((‪ ،‬بينمــا نحــن نريــد أن نصــف المعرفــة‬
‫ومفاهيميــه‪ ،‬وهنــا‪ ،‬نؤكد علــى أن البراديغم يخضع‬
‫السوســيولوجية وفــق لمبــدأٍ معيــاري متعــدد‪،‬‬
‫لثنائيــة‪ :‬القطيعــة والتواصــل‪ ،‬عكــس البراديغــم‬
‫يعتبــر معيــار ريمــون بــدون هــو أحــد المعاييــر‬
‫اإلرشــادي بمفهومــه عنــد تومــاس كــون‪ ،‬الــذي‬
‫التــي ســنوظفها‪ ،‬فهنــاك باإلضافــة لهــذا‬
‫يخضــع للقطيعــة الجذريــة‪ ،‬نحــن‪ ،‬هنــا ال نتحــدث‬
‫عــن ثــورات وانقالبــات معرفيــة كليــة حدثــت فــي‬ ‫‪(1) Yao Assogba, La sociologie de Raymond Boudon.‬‬
‫‪Essai de synthèse et applications de l’individualisme‬‬
‫المعرفــة السوســيولوجية‪ ،‬وإنمــا أتحــدث عــن‬
‫‪méthodologique, Québec : Les Presses de l’Université‬‬
‫قطائــع حدثــت فــي بعــض االفتراضــات المنهجيــة‪،‬‬ ‫‪Laval-l’Harmattan, 1999, p13.‬‬
‫‪(2) Boudon Raymond ,Traité de sociologie, Paris,‬‬
‫‪(3) Ibid.‬‬ ‫‪Presses Universitaires de France, 1992.‬‬
‫العدد ‪ | 16‬شتاء ‪ 2022‬م‬ ‫دورية مناء لعلوم الوحي والدراسات اإلنسانية‬ ‫‪56‬‬

‫المجتمعــات»(((‪ ،‬باالضافــة إلــى أن الفلســفة‬ ‫لكنهــا حافظــت علــى افتراضــات منهجيــة أخــرى‬
‫الوضعيــة كنظريــة فــي المعرفــة تختلــف عــن‬ ‫فــي نفــس الوقــت‪ ،‬مثـ ًلا البراديغــم الوضعــي عــرف‬
‫نظريــة المعرفــة التجريبيــة ونظريــة المعرفــة‬ ‫قطيعــة جزئيــة عنــد البنيوييــن علــى مســتوى رؤيــة‬
‫العقالنيــة‪ ،‬حيــث طرحــت خيــا ًر ا معرف ًيــا جديــدً ا‪،‬‬ ‫الظاهــرة االجتماعيــة‪ ،‬عندمــا أرجعــوا الظاهــرة‬
‫يســتند إلــى فكــرة جوهريــة‪ ،‬تــرى بــأن هنــاك‬ ‫االجتماعيــة إلــى هيمنــة البينــة االجتماعيــة‪،‬‬
‫عالقــة بيــن المعرفــة االنســانية واألطــر‬ ‫مخالفيــن العديــد مــن القواعــد التــي صكهــا‬
‫االجتماعيــة‪ ،‬كمــا تعتمــد المعرفــة اإلنســانية‬ ‫دوركايــم فــي منهجــه الوضعــي‪ ،‬كقاعــدة تمثــات‬
‫علــى منهــج واحــد فــي دراســة الظواهــر‬ ‫األفــراد للظواهــر االجتماعيــة‪ ،‬وكذلــك نفــس‬
‫االجتماعيــة والطبيعيــة‪.‬‬ ‫األمــر‪ ،‬حــدث مــع التيــارات النقديــة والنســوية فــي‬
‫تعديلهــا لبعــض قواعــد البرايغــم التأويلــي فــي‬
‫نشــأت السوســيولوجيا كآخــر علــم فــي‬
‫دراســة الظواهــر االجتماعيــة المعاصــرة‪.‬‬
‫سلســلة العلــوم الوضعيــة‪ ،‬يعلوها مرتبة‪ ،‬على‬

‫ثالثًا‪:‬‬
‫اعتبــار أنــه يُوظــف مــا تصــل إليــه بقيــة العلــوم‬
‫فــي المناهــج فــي دراســة الظواهــر االجتماعيــة‪،‬‬
‫سؤال المنهج في المعرفة‬
‫ســيكون مــن الســهل علينــا اآلن أن نحــدد بدقــة‬
‫السوسيولوجية من منظور‬
‫الطبيعــة الصحيحــة للعلــوم الوضعيــة‪ ،‬نــرى‬
‫البراديغم الوضعي‪:‬‬
‫ممــا ســبق‪ ،‬أن طابعهــا األساســي هــو اعتبــار‬
‫جميــع الظواهــر خاضعــة لقوانيــن طبيعيــة‬ ‫ســاد البراديغــم الوضعــي فــي المعرفــة‬
‫ثابتــة‪ ،‬ويكــون اكتشــافها وتقليصهــا إلــى أقــل‬ ‫السوســيولوجية لعقــود زمنيــة طويلــة فــي‬
‫ً‬
‫هدفــا لجميــع جهــود المفكــر‬ ‫عــدد ممكــن‪،‬‬ ‫الجامعــات والمؤسســات البحثيــة‪ ،‬وهيمــن‬
‫الوضعــي مــن ناحيــة أخــرى‪ ،‬فــإن البحــث عــن‬ ‫علــى الــرؤى النظريــة والمنهجيــة للباحثيــن فــي‬
‫مــا يســمى باألســباب‪ ،‬ســواء كانــت أساســية‬ ‫علــم االجتمــاع‪ ،‬حيــث ُتعتبــر الفلســفة الوضعية‬
‫أو نهائيــة‪ ،‬يبــدو عديــم الجــدوى وبــا معنــى(((‪،‬‬ ‫إطــاره المرجعــي‪ ،‬وتقــوم الفلســفة الوضعيــة‬
‫واعتبــرت السوســيولوجيا بمثابــة الديانــة‬ ‫علــى فكــرة دراســة االجتماعــي الواقعــي‪ ،‬فأكــد‬
‫الجديــدة‪ ،‬التــي أتــت علــى أنقــاض المعرفــة‬ ‫كونــت علــى المالحظــة والمقارنــة والتجريــب‬
‫الدينيــة الغيبيــة‪ ،‬وهنــا‪ ،‬حملــت المعرفــة‬ ‫فــي علــم االجتمــاع‪ ،‬وهــي نفــس الخطــوات‬
‫الكميــاء‬ ‫فــي‬ ‫المســتخدمة‬ ‫المنهجيــة‬
‫‪(1) Moustfa Boutafnouchet, introduction a la sociologie,‬‬
‫‪les fendement, Office national des publication‬‬
‫والبيولوجيــا‪ ،‬وتســعى السوســيولوجيا إلــى‬
‫‪universitaire , algerie, 1990, p18.‬‬ ‫صياغــة القوانيــن العلميــة التــي تحكــم تطــور‬
‫‪(2) Comte, Cours de philosophie positive I. Leçons‬‬
‫‪1 à 45, éd. M. Serres, F. Dagognet, A. Sinaceur, Paris :‬‬
‫‪Hermann, 1998,p25/26.‬‬
‫‪57‬‬ ‫أتلا مغيداربلا ىلإ يعضولا مغيداربلا نم‬

‫بيــن الوضعيــن الرئيســين إلثبــات الحقيقــة‪،‬‬ ‫السوســيولوجية فــي جيناتهــا التأسيســة فكــرة‬
‫مــع معــاداة الفلســفة الحديثــة فــي شــقيها‬ ‫اإلصــاح االجتماعــي‪.‬‬
‫(الوضــع العقالنــي والوضــع التجريبــي)(((‪.‬‬
‫يقــوم البراديغــم الوضعــي فــي المعرفــة‬
‫بتعبيــر أدق‪ ،‬يفتــرض كل علم فرضيات ذات‬ ‫مــن‬ ‫مجموعــة‬ ‫علــى‬ ‫السوســيولوجية‬
‫طبيعــة محــددة‪ ،‬ويحــدد أنواعً ــا مــن الحقائــق‪،‬‬ ‫االفتراضــات المؤسســة لطبيعــة المنهــج‬
‫وهــذا يعنــي بشــكل غيــر مباشــر تحديــد جانــب‬ ‫الــذي يُمكننــا مــن دراســة الظواهــر االجتماعيــة‪،‬‬
‫واحــد مــن نظــام حقيقــي أو نظــام للعالــم ال‬ ‫يَتمثــل أول افتــراض مركــزي النظــر إلى الحقيقة‬
‫بشــكل مباشــرٍ‪ ،‬ولكــن الــذي نشــير إليــه‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫يُقــرأ‬ ‫العلميــة وماهيتهــا وكيفيــة الوصــول اليهــا‪،‬‬
‫وبالتالــي‪ ،‬فــإن العلــم أو هــذا النظــام للعالــم‬ ‫فهنــا‪ ،‬وهنــا‪ ،‬نطــرح ســؤال عــن ماهيــة الحقيقــة‬
‫يزودنــا بمعرفــة معينــة ودقيقــة باإلضافــة إلــى‬ ‫العلميــة؟ كمــا هــو معلــوم فــي تاريــخ الفلســفة‬
‫المعرفــة النســبية والجزئيــة‪ ،‬وبهــذا المعنــى‪،‬‬ ‫الوضعيــة‪ ،‬أنهــا عدلــت مــن مفهــوم الحقيقــة‬
‫فــإن الوضعيــة تنصحنــا بالتخلــي عــن روح‬ ‫الميتافزيقيــة واعتبرتهــا مرحلــة ســابقة علــى‬
‫المطلــق (الالهــوت والميتافيزيقيــا)‪ ،‬واالعتراف‬ ‫ً‬
‫وخالفــا للحقيقــة الجاهــزة‬ ‫المرحلــة الوضعيــة‪،‬‬
‫النهائــي بالجانــب التقريبــي للمعرفــة الــذي‬ ‫المبثوثــة فــي الالهــوت الدينــي‪ ،‬لــم تعــد الحقيقة‬
‫يســتمد منهــا صالحيتهــا‪ ،‬اليقيــن النســبي هــي‬ ‫ً‬
‫ســابقا‪ ،‬وإنمــا يصــل إليهــا العقــل‬ ‫معطــى‬
‫الحقائــق العلميــة‪ ،‬هــذه النســبية ال تــؤدي إلــى‬ ‫اإلنســاني عــن طريــق اتبــاع قواعــد المنهــج‬
‫أي شــكوك وال تســتبعد تطبيــق المعرفــة»(((‪.‬‬ ‫العلمــي‪ ،‬لكــن الوضعيــة بخــاف التجربيبيــة‪ ،‬ال‬
‫تنطلــق فــي دراســة الظواهــر االجتماعيــة مــن‬
‫بنــاء علــى مفهــوم الحقيقــة العلميــة‬
‫ً‬
‫واقعهــا الحســي التجريبــي‪ ،‬وإنمــا تنطلــق مــن‬
‫فــي البردايغــم الوضعــي‪ ،‬تكــون الحقيقــة‬
‫افتراضــات نظريــة ســابقة حــول هــذه الظواهــر‪،‬‬
‫الــذات‬ ‫عــن‬ ‫منفصلــة‬ ‫السوســيولوجية‬
‫وبالتالــي‪ ،‬مــن أجــل االنخــراط فــي المالحظــة‬
‫اإلنســانية‪ ،‬يُمكــن الوصــول إليهــا مــن خــال‬
‫الميدانيــة للظواهــر‪ ،‬يحتــاج عقلنــا إلــى بعــض‬
‫للعالــم‬ ‫المتكــررة‬ ‫الحســية‬ ‫المالحظــات‬
‫االفترضــات النظريــة‪ً ،‬‬
‫إذا‪ ،‬مــن خــال التفكيــر‬
‫االجتماعــي‪« ،‬فــكل نمــوذج ينحــو الــى تشــكيل‬
‫فــي الظواهــر‪ ،‬إذا لــم نعلقهــا بمبــدأ مــا‪ ،‬فإنــه‬
‫علــم عــادي‪ ،‬أي صيغــة خاصــة مــن المعرفــة‬
‫ســيكون مــن المســتحيل أن نســتخلص منهــا‬
‫تســتبعد التأويــات الخارجيــة عــن النمــوذج‪،‬‬
‫شـ ً‬
‫ـيئا مــا‪« ،‬فالحقائــق لــن تمــر أمــام أعيننــا‪ ،‬هــذه‬
‫وكذلــك تصــورات النمــاذج المناهضــة‪ :‬ضمــن‬
‫ضــرورة يُفســرها كل علــم معيــن بطريقتــه‬
‫الخاصــة‪ ،‬وبالتالــي‪ ،‬فــإن نظريــة المعرفــة‬
‫‪(1) Juliette Grange, Lire Auguste Comte aujourd’hui, Entre‬‬
‫‪Science et société  , Bulletin de la Sabix, 30 | 2002, 11-20.‬‬ ‫تمامــا‬
‫ً‬ ‫عنــد أوغســت كونــت توفــق طواعيــة‬
‫‪(2) Ibid.‬‬
‫العدد ‪ | 16‬شتاء ‪ 2022‬م‬ ‫دورية مناء لعلوم الوحي والدراسات اإلنسانية‬ ‫‪58‬‬

‫المعرفــة السوســيولوجية‪ ،‬فمــا طبيعــة الظواهــر‬ ‫الســياق نفســه قــد يختــار النمــوذج بعــض‬
‫التــي تدرســها السوســيولوجيا؟ فمــا هــو مــا تــداول‬ ‫الوقائــع ويعتبرهــا جوهريــة ويســتبعد وقائــع‬
‫بيــن الباحثيــن فــي فلســفة العلــوم‪ ،‬أن الموضــوع‬ ‫أخــرى»(((‪ ،‬وهــذه الحقيقــة نجدهــا مبثوثــة فــي‬
‫‪ objet‬تترتــب عليــه العديــد مــن االســتتباعات‬ ‫فلســفة العلــم الطبيعــي‪ ،‬وقــد أخــذت بهــا‬
‫المنهجيــة‪ ،‬هنــا‪ ،‬الموضــوع موجــود فــي العالــم‬ ‫المعرفــة السوســيولوجية‪ ،‬وهــي القــوام الرئيــس‬
‫االجتماعــي‪ ،‬بشــكل خارجــي مســتقل عــن وعــي‬ ‫للمنهــج العلمــي‪ ،‬وتتجلــى هــذه الحقيقــة فــي‬
‫الــذات االنســانية‪ ،‬حــدده إميــل دوركايــم فــي النظــر‬ ‫قواعــد المنهــج التــي وضعهــا إميــل دوركايــم‪،‬‬
‫ُ‬
‫ننظــر إلــى الظواهــر‬ ‫إليــه كأشــياء خارجيــة كمــا‬ ‫عندمــا دعــى إلــى دراســة الظواهــر االجتماعيــة‬
‫الطبيعيــة‪ ،‬قائ ًلا‪«:‬علينــا أن نهتــم بالظواهــر‬ ‫كمــا ُتــدرس الظواهــر الطبيعيــة‪« ،‬علــم االجتمــاع‪،‬‬
‫االجتماعيــة فــي حــد ذاتهــا‪ ،‬ومنفصلــة عــن وعــي‬ ‫كعلــم الطبيعــة‪ ،‬فــرع مــن فــروع المعرفــة التــي‬
‫األفــراد الذيــن يقومــون بتمثلهــا‪ .‬علينــا أن ندرســها‬ ‫غايتهــا أن تجمــع بيــن الجانــب النظــري والتجريبــي‬
‫مــن الخــارج كأشــياء خارجيــة‪ ،‬وهــي الصفــة التــي‬ ‫فــي وقــت واحــد»(((‪.‬‬
‫تتقــدم بهــا إلينــا»(((‪.‬‬
‫بنــاء علــى مفهــوم الحقيقــة السوســيولوجية‪،‬‬
‫لكــن أهــم خاصيــة تتميــز بهــا الظواهــر‬ ‫تصبــح مهمــة المعرفــة السوســيولوجية صياغــة‬
‫االجتماعيــة تتمثــل فــي طبيعــة القهــر والجبــر‬ ‫القوانيــن العلميــة التــي تحكــم ســير الظواهــر‬
‫االجتماعــي‪ ،‬بمعنــى يخضــع االفــراد بصفــة‬ ‫االجتماعيــة والمجتمعــات االنســانية‪ ،‬ويُوصلنــا‬
‫قهريــة لهــا وبــدون وعــي منهــم‪ ،‬مــا يقابــل صفــة‬ ‫المنهــج الوضعــي إلــى الحقيقــة التــي توجــد فــي‬
‫الحتميــة التــي تتميــز بهــا الظواهــر الطبيعيــة‪،‬‬ ‫العالــم االجتماعــي‪ ،‬تلــك الحقيقــة العلميــة‪،‬‬
‫يخضــع األفــراد لســلطانها‪ ،‬فتتكــرر الممارســات‬ ‫التــي يمكــن أن نصــل إليهــا باســتخدام العقــل‬
‫الظواهــر‬ ‫محتويــات‬ ‫مشــكلة‬ ‫االجتماعيــة‬ ‫اإلنســاني‪ُ ،‬‬
‫وندركهــا بحواســنا‪ ،‬وتكــون منفصلــة‬
‫االجتماعيــة‪ ،‬وعلــى هــذا األســاس‪ ،‬يُمكننــا أن‬ ‫عــن ذواتنــا‪ ،‬وتســكن الحقيقــة السوســيولوجية‬
‫نتخذهــا موضوعً ــا للتقصــي المعرفــي فــي‬ ‫شــبكة العالقــات والتفاعــات االجتماعيــة التــي‬
‫السوســيولوجيا‪ ،‬لــذا اعتبــر الموضــوع الرئيــس‬ ‫تنشــأ بيــن األفــراد والجماعــات‪.‬‬
‫فــي هــذا البراديغــم بمختلــف فــررع واتجاهاتــه‬
‫ُتؤســس الحقيقــة العلميــة فــي البراديغــم‬
‫النظريــة؛ المجتمــع‪ /‬البينــة االجتماعية‪/‬النســق‬
‫الوضعــي لتصــور أنطولوجــي لموضــوع البحــث فــي‬
‫وبنــاء علــى‬
‫ً‬ ‫االجتماعي‪/‬الطبقــة االجتماعيــة‪،‬‬
‫طبيعــة ماهيــة الموضــوع‪ ،‬يصــف الباحثــون‬ ‫((( بيــار أنصــار‪ ،‬العلــوم االجتماعيــة المعاصــرة‪ ،‬ترجمــة‪ :‬نخلــة‬
‫هــذا البراديغــم باالتجــاه الكولينالــي‪ holism :‬فــي‬ ‫فريفــر‪ ،‬ط‪ (1‬المغــرب‪ :‬المركــز الثقافــي العربــي‪ ،)1992 ،‬ص‪.16‬‬
‫((( كارل بوبــر‪ ،‬عقــم المذهــب التاريخي‪،‬دراســة فــي مناهــج‬
‫((( اميــل دوركايم‪،‬قواعــد المنهــج الوسوســيولوجي ترجمــة‪:‬‬ ‫العلــوم االجتماعيــة‪ ،‬ترجمــة‪ :‬عبــد الحميــد صبــرة‪) ،‬مصــر‪ :‬دار‬
‫محمــد ســبعيني‪ ( .‬الجزائــر‪ :‬دار القصبــة للنشــر‪ ،)2008 ،‬ص‪.55‬‬ ‫المعــارف‪ ،)1959 ،‬ص‪.49‬‬
‫‪59‬‬ ‫أتلا مغيداربلا ىلإ يعضولا مغيداربلا نم‬

‫الماركســي بمنهجــه المــادي الجدلــي‪ ،‬يــرى أن‬ ‫المعرفــة السوســيولوجية‪،‬حيث يعتبــر الفــرد‪/‬‬
‫المعرفــة العلميــة (حســية ومباشــرة) تعقبهــا‬ ‫ً‬
‫تابعــا للمجتمــع‪،‬‬ ‫الفاعــل االجتماعــي متغيــ ًر ا‬
‫النظريــة (تنظيــم المعــارف‪ ،‬معرفــة ملموســة‪/‬‬ ‫وأن ســلوكه ال ينبــع مــن خياراتــه الذاتيــة‪ ،‬وإنمــا‬
‫ملمــوس مفكــر فيــه) كمــا يقــول ماركــس‪ ،‬والتــي‬ ‫مــن قهريــة االجتماعــي الكلــي‪ ،‬وعرفــت الظاهــرة‬
‫توجــه بدورهــا الممارســة تغــذي البراكســيس[‪]....‬‬ ‫االجتماعيــة علــى أنهــا محصلــة تفاعــات األفــراد‬
‫وعليــه يشــكل الســعي بيــن النظريــة والممارســة‬ ‫مــع المجتمــع‪ ،‬وليــس محصلــة األفعــال الفرديــة‪،‬‬
‫والتيــار‬ ‫الجدليــة»(((‪.‬‬ ‫الماديــة‬ ‫أســس‬ ‫أحــد‬ ‫فالمجتمــع كينونــة متعاليــة علــى ذوات األفــراد‪،‬‬
‫اإلمبريقــوي‪ ،‬الــذي قادتــه مدرســة شــيكاغو‪ .‬رغــم‬ ‫نجــد أن التيــار البنيــوي أخــذ بهــذا البعــد الــى مــداه‬
‫االختــاف الظاهــري بيــن هــذه التيــارات النظريــة‬ ‫األقصــى‪ ،‬عندمــا انتصــر للبنيــة االجتماعيــة ماحيًــا‬
‫تنهــل مــن قواعــد وأســس‬
‫ُ‬ ‫والمنهجيــة‪ ،‬فإنهــا‬ ‫كل أثــر للفــرد فــي الوجــود االجتماعــي‪.‬‬
‫البراديغــم الوضعــي‪ ،‬وتبنــي عليهــا مفاهيمهــا‬
‫تفرع البراديغم الوضعي إلى تيارات ونظريات‬
‫ومناهجهــا فــي مقاربــة الظواهــر االجتماعيــة‪،‬‬
‫عديــدة فــي المعرفــة السوســيولوجية‪ ،‬نذكــر منها‪:‬‬
‫حيــث تتعامــل هــذه التيــارات النظريــة مــع العالــم‬
‫التيــار الوظيفــي الــذي قــاده بارســنز‪ ،‬الــذي لــم ينظــر‬
‫االجتماعــي كمعطــى ســابق‪ ،‬ومســتقل عــن وعــي‬
‫إلــى الفعــل االجتماعــي كتصنيــف كمــا نظــر اليــه‬
‫الباحــث‪ ،‬أو بتعبيــر إيمانويــل كانــط نوعً ــا مــن‬
‫ماكــس فيبــر‪ ،‬وال كعمليــات متعابقــة مــن منظــور‬
‫المعرفــة القبليــة‪.‬‬
‫باريتــو‪ ،‬ولكــن كبنيــة اجتماعيــة مســتقلة تمامً ــا‪،‬‬
‫هنــا‪ ،‬نســجل مالحظــة أخــرى في غاية األهمية؛‬ ‫بنفــس المبنــى الــذي أعطــاه دوركايــم ومفهومــه‬
‫أســبقبة األنطولوجــي لإلبســتيمولوجي فــي‬ ‫البنيــة فــي تقســيمه للمجتمعــات الميكانيكــة‬
‫التأســيس للمعرفــة السوســيولوجية مــن منظور‬ ‫والمجتمعــات العضويــة(((‪ ،‬وتيــار البنيويــة الجينيــة‬
‫البراديغــم الوضعــي‪ ،‬فيفتــرض هــذا البراديغــم‬ ‫الــذي قــاده بيــار بورديــو‪ ،‬فأثنــاء مراجعتــه نمــوذج‬
‫وجــود كائــن سـ ٍ‬
‫ـام يســامي المجتمــع أو مــا يماثلــه‪،‬‬ ‫دوركهايــم‪ ،‬لــم يفشــل بورديــو فــي تذكــر أن رأس‬
‫يتعالــى علــى كينونــة األفــراد‪ ،‬بحيــث يخضــع األفــراد‬ ‫المــال االجتماعــي ال ينشــأ عــن تأثيــر الــذات‪ ،‬بــل هــو‬
‫لســطلته‪ ،‬وهــو شــبيه باإللــه فــي الفكــر الالهوتــي‪،‬‬ ‫نتــاج منطــق عالئقــي يربــط األفــراد المتناثريــن فــي‬
‫لــذا ُتنتــج المعرفــة السوســيولجية عبــر فهــم هــذا‬ ‫الفضــاء اجتماعــي‪ ،‬حيــث الحفــاظ علــى الروابــط‬
‫الكلــي االجتماعــي‪ ،‬ويفتــرض البراديغــم الوضعــي‬ ‫بشــكل مســتقل عــن إرادتهــم‪ ،‬حتــى لــو كانــوا‬
‫أن الظواهــر محصلــة تفاعــل األفــراد والجماعــات‬ ‫يتمثلــون هــذه الروابــط ناشــئة عنهــم»(((‪ ،‬والتيــار‬
‫والطبقــات مــع المجتمــع‪ ،‬وهــو عبــارة عــن تفاعــل‬
‫‪(1) M.Boutefnouchte, p180.‬‬
‫((( جــان بيــار دوران‪ ،‬روبيــر فايــل‪ ،‬علــم االجتمــاع المعاصــر‪،‬‬ ‫‪(2) Lahouari Addi, sociologie et anthropologie chez‬‬
‫ترجمــة‪ :‬ميلــود طواهــري‪ ،‬ط‪ (1‬بيــروت‪ :‬دار الررافــد الثقافيــة –‬ ‫‪Pierre Bourdieu Le paradigme anthropologique kabyle et‬‬
‫ناشــرون‪ ،)2012 ،‬ص‪.71‬‬ ‫‪ses conséquences théoriques, La Découverte, 2002, p137.‬‬
‫العدد ‪ | 16‬شتاء ‪ 2022‬م‬ ‫دورية مناء لعلوم الوحي والدراسات اإلنسانية‬ ‫‪60‬‬

‫ويترتــب علــى هــذا المبــدأ المبــدأ الثانــي ممث ـ ًلا فــي‬ ‫للجــزء مــع الــكل‪ ،‬مــع أســبقية واضحــة للــكل‬
‫العلــي للظواهــر االجتماعيــة‪،‬‬
‫التفســير الســببي أو ِ‬ ‫ً‬
‫طبعــا مــع إضافــة مســلمة تاريخيــة‬ ‫علــى الجــزء‪،‬‬
‫فالتفســير الســببي للظواهــر‪ ،‬مــن خــال إلحــاق‬ ‫خفيــة‪ ،‬تــرى أن المجتمعــات االنســانية ســائرة‬
‫الظواهــر بعضهــا ببعــض‪ ،‬والســعي إلــى‬ ‫فــي طريقهــا للتصبــح مثــل المجتمــع الصناعــي‬
‫صياغــة قوانيــن تطــور المجتمعــات أو األنســاق‬ ‫الغربــي‪ ،‬وهــي قــراءة تاريخيــة خطيــة لتطــور‬
‫االجتماعيــة‪« ،‬فالمجتمــع آلــة‪ ،‬اإلنســان آلــة‪ ،‬يجــب‬ ‫المجتمعــات االنســانية‪ ،‬وتعــادل المرحلــة الثالثــة‬
‫لذلــك أن يــدرس بواســطة األدوات التــي أوضحهــا‬ ‫الوضعيــة مــن مراحــل تطــور العقــل التــي حدثنــا‬
‫علــم الفيزيــاء‪ ،‬وبشــكل أدق علــم الميكانيــك‪،‬‬ ‫عنهــا أوجســت كونــت ‪.‬‬
‫والخــواص التــي ســلط عليهــا الضــوء علــم‬
‫بنــاء علــى الرؤيــة األنطولوجيــة للظواهــر‬
‫الســكون‪ ،‬وعلــم الحركــة علــم الديناميــك باعتبارهــا‬
‫االجتماعيــة فــي البراديغــم الوضعــي‪ ،‬يتأســس‬
‫تســتخدم ً‬
‫أيضــا فــي المجتمــع‪ ،‬إن قانــون جاذبيــة‬
‫المنهــج العلمــي الــذي نوظفــه فــي دراســتها‪،‬‬
‫اجتماعيــة مشــابهة للجاذبيــة الفيزيائيــة»(((‪.‬‬
‫حيــث يــرى أصحــاب هــذا البراديغــم أن منهــج‬
‫ترتبــط الموضوعيــة العلميــة فــي المعرفــة‬ ‫العلــم الطبيعــي هــو المنهــج األصــوب لدراســة‬
‫السوســيولوجية فــي البراديغــم الوضعــي بطبيعة‬ ‫الموضوعــات فــي المعرفــة السوســيولوجية‪،‬‬
‫المنهــج العلمــي المســتخدم فــي دراســة الظواهــر‬ ‫يقــوم هــذا المنهــج علــى النزعــة االســتقرائية‪،‬‬
‫االجتماعيــة‪ ،‬والــذي اســتعيرت خطواتــه اإلجرائيــة‬ ‫القائمــة علــى فكــرة أن العلــم يبــدأ مــن مالحظــات‬
‫مــن منهــج العلــوم الطبيعيــة‪ ،‬القائــم علــى‬ ‫ميدانيــة جزئيــة‪ ،‬وينتقــل منهــا الــى تعميمــات‬
‫فكــرة القطيعــة الجذريــة بيــن الباحــث المالحــظ‬ ‫كلية(القوانيــن والنظريــات)‪ ،‬لذلــك الباحــث فــي‬
‫وموضوعــه‪ ،‬علــى هــذا األســاس‪ ،‬علــى الباحــث فــي‬ ‫علــم االجتمــاع مطالــب بجمــع أكبــر قــدر مــن‬
‫علــم االجتمــاع أن يفصــل بيــن ذاتيتــه وموضوعــه‪»،‬‬ ‫المالحظــات حــول ظاهــرة مــا‪ ،‬ثم صياغــة فرضيات‬
‫إذا العلــوم االجتماعيــة واالنســانية علــوم بالفعــل‪،‬‬ ‫علميــة‪ ،‬إذا تكــررت تصبــح قانو ًنــا اجتماعيًــا‪.‬‬
‫فــإن عليهــا أن توفــر لنفســها هــذه الثنائيــة‪ ،‬ومــا‬
‫تقــوم النزعــة االســتقرائية علــى مبــدأ الســببية‪،‬‬
‫لهــا إال أن تنقلهــا فقــط لتضعهــا داخــل االنســان‬
‫بمعنــى مبســط كل ســبب يــؤدي الــى نتيجــة‪،‬‬
‫نفســه‪ :‬فتــم االنقطــاع عندئــ ٍذ بيــن اإلنســان‬
‫يكتشــف العقــل اإلنســاني األســباب التــي تقبــع‬
‫الــذي يراقــب واإلنســان أو البشــر المراقبيــن»(((‪،‬‬
‫طبعــا عُ بِّــ َر عــن‬
‫ً‬ ‫خلــف الظواهــر االجتماعيــة‪،‬‬

‫((( جيفانــي باســينو‪ ،‬نقــد المعرفــة فــي علــم االجتمــاع‪ ،‬ترجمــة‪:‬‬ ‫هــذا المبــدأ فــي البحــوث الكميــة فــي المعرفــة‬
‫محمــد عــرب صاصيــا‪ ،‬ط‪(1‬لبنــان‪ :‬المؤسســة الجامعيــة‬
‫السوســيولوجية بمفهــوم المتغيــرات‪ ،‬حيــث‬
‫للدراســات والنشــر والتوزيــع‪ ،)2008 ،‬ص‪.24‬‬
‫((( كلــود ليفــي شــتراوس‪ ،‬مقــاالت فــي األناســة‪ ،‬ترجمــة‪:‬‬ ‫يســعى الباحثــون للكشــف عــن العالقــة بيــن‬
‫حســين قبيســي‪ ،‬ط‪(1‬لبنــان‪ :‬دار التنويــر للطباعــة والنشــر‬
‫والتوزيــع‪ ،)2008 ،‬ص‪.112‬‬ ‫المتغيــرات المســتقلة والمتغيــرات التابعــة‪،‬‬
‫‪61‬‬ ‫أتلا مغيداربلا ىلإ يعضولا مغيداربلا نم‬

‫حاولــت أن تتجــاوز األخطــاء التــي وقــع فيهــا‬ ‫وهنــا‪ ،‬ضــرورة اســتبعاد األيديولوجيــا والتحيــزات‬
‫المنهجــي الوضعــي‪.‬‬ ‫الثقافيــة عنــد دراســة الظواهــر االجتماعيــة‪.‬‬

‫فــي األخيــر‪ ،‬كان لهــذا البراديغــم المعرفــي‬


‫ً‬
‫رابعا‪:‬‬
‫ومنهجــه الوضعــي الســيادة علــى مســتوى‬
‫سؤال المنهج في المعرفة‬
‫المؤسســات الجامعيــة والمراكــز البحثيــة‪ ،‬نظــ ًر ا‬
‫السوسيولوجية من منظور‬
‫لتماشــيه مــع أيديولوجيــا النظــم السياســية‬
‫البراديغم التأويلي‪:‬‬
‫فــي رؤيتهــا لوظيفــة العلــم فــي المجتمعــات‬
‫اتخــذ البراديغــم التأويلــي مــن الفلســفة‬ ‫الصناعيــة‪ ،‬حيــث تــرى أن وظيفــة العلــم تتمثــل فــي‬
‫الكانطيــة الجديــدة إطــاره الفلســفي المرجعــي‪،‬‬ ‫حــل المشــكالت االجتماعيــة‪ ،‬فســادت النظريــة‬
‫تلــك الفلســفة التــي عملــت علــى إحيــاء الميــراث‬ ‫الماركســية فــي االتحــاد الســوفياتي وأوربــا‬
‫الفلســفي الكانطــي فــي مجــال المعرفــة فــي‬ ‫الشــرقية‪ ،‬وســادت النظريــة الوظيفيــة فــي الدولــة‬
‫العلــوم االجتماعيــة‪ ،‬يعتبــر ريكــرت‪ ،‬وفلهالــم‬ ‫الغربيــة والواليــات المتحــدة األمريكيــة‪.‬‬
‫ديلتــاي‪ ،‬مــن أبــرز ممثليهــا‪ ،‬الذيــن دعــوا إلــى الفصل‬
‫تعــرض البراديغــم الوضعــي النتقــادات حــادة‬
‫بيــن طبيعــة المعرفــة فــي العلــوم الطبيعيــة‬
‫مــن طــرف العديــد مــن الباحثيــن والمفكريــن‪ ،‬إال‬
‫والمعرفــة فــي العلــوم اإلنســانية واالجتماعيــة‪،‬‬
‫أن أقــوى نقــد صــوب نحــوه يتمثــل فــي اتهامــه‬
‫ووســموا هــذه العلــوم بعلــوم الــروح أو العلــوم‬
‫إدخــال المعرفــة السوســيولوجية فــي أزمــة‬
‫التاريخيــة‪ ،‬حيــث تنهــض هــذه العلــوم علــى منهــج‬
‫إبســتيمولوجية حــادة‪ ،‬بســبب رؤيتــه الماديــة‬
‫مخصــوص يقــوم علــى تأويــل ســلوكيات وأفعــال‬
‫للظواهــر االجتماعيــة‪« ،‬فعلــم االجتمــاع يتنــاول‬
‫األفــراد‪« ،‬رغــم نقــاط االختــاف المختلفــة هــذه‪،‬‬
‫موضوعً ــا واقعيًــا قابــ ًلا للمالحظــة‪ ،‬ويعتمــد‬
‫فــإن مجمــوع الشــامل للطرائــق المتبعــة فــي‬
‫علــى البحــث اإلمبريقــي‪ ،‬وعــرف محــاوالت كثيــرة‬
‫علــوم الــروح مختلــف‪ ،‬مــن حيــث منطلقاتــه‪ ،‬عــن‬
‫لصياغــة نظريــات والتوصــل إلــى تعميمــات تفســر‬
‫نظيــره الــذي فــي علــوم الطبيعــة»(((‪.‬‬
‫تلــك الظواهــر وتحيــط بهــا‪ .‬ولكــن البشــر ليســوا‬
‫قــدم أصحــاب هــذا البراديغــم مبــررات‬ ‫كالموضوعــات الماديــة الموجــودة فــي الطبيعــة‪،‬‬
‫إبســتمولوجية قويــة لقضيــة الفصــل بيــن‬ ‫فدراســة ســلوكنا البشــري تختلــف بالضــرورة‬
‫العلــوم الطبيعــة والعلــوم التاريخيــة‪ ،‬فأبــرز‬ ‫ً‬
‫اختالفــا قــد يكــون كليًــا فــي بعــض النواحــي عــن‬
‫اختــاف بيــن هــذه العلــوم؛ يتمثــل فــي طبيعــة‬ ‫دراســة الظواهــر الطبيعيــة»((( ‪ ،‬وهــو مــا دفــع‬
‫المنهــج المســتخدم فــي المعرفــة‪ ،‬فتقــوم‬ ‫بالعديــد مــن الباحثيــن إلــى طــرح بدائــل منهجيــة‪،‬‬
‫((( فلهلــم ديلتــاي‪ ،‬إقامــة العالــم التاريخــي فــي علــوم الــورح‪،‬‬ ‫((( أنتونــي جيدنــز‪ ،‬مقدمــة نقديــة فــي علــم االجتمــاع‪ ،‬ترجمــة‪:‬‬
‫ترجمــة‪ :‬ف‪0‬تحــة انقــزو‪ ،‬ط‪ (1‬تونــس‪ :‬المركــز الوطنــي للترجمــة‪،‬‬ ‫أحمــد زايــد وآخــرون‪ ،‬ط‪(2‬القاهــرة‪ ،‬مطبوعــات مركــز البحــوث‬
‫‪،)2015‬ص‪.110‬‬ ‫والدراســات االجتماعيــة‪.)2006 ،‬‬
‫العدد ‪ | 16‬شتاء ‪ 2022‬م‬ ‫دورية مناء لعلوم الوحي والدراسات اإلنسانية‬ ‫‪62‬‬

‫تتــم عمليــة بنــاء الموضــوع مــن قبــل الباحــث‪،‬‬ ‫هــذه العلــوم علــى منهــج يخالــف المنهــج‬
‫وال يعتبــر معطــى جاهـ ًز ا فــي العالــم االجتماعي‪.‬‬ ‫العلمــي فــي العلــوم الطبيعيــة‪ ،‬وتدافــع عــن‬
‫تطبيــق معايــر خاصــة بالعلــوم االجتماعيــة –‬
‫تتعلــق رؤيــة الموضــوع مــن زاويــة أنطولوجيــة‬
‫التاريخية‪ ،‬وليس شـ ً‬
‫ـرطا أن تلتزم بدقة العلوم‬
‫فــي البراديغــم التأويلــي‪ ،‬بمفهــوم الحقيقــة‬
‫الطبيعيــة‪ ،‬حتــى ُتصنــف ضمــن العلــوم‪ ،‬وإنمــا‬
‫العلميــة‪ ،‬وهنــا‪ ،‬تتســم الحقيقــة العلميــة فــي‬
‫هنــاك اختــاف بيــن نمــاذج العلــوم‪ ،‬وتختلــف‬
‫المســتوى األول بالبنائيــة‪« ،‬تقــدم البنائيــة‬
‫جذر ًيــا عــن العلــوم الفيزيائيــة»(((‪ ،‬وهــذا‪ ،‬بخــاف‬
‫فــي‬ ‫منظــم‬ ‫كنشــاط‬ ‫العلميــة‬ ‫الخطــوات‬
‫البراديغــم الوضعــي الــذي دعــى أصحابــه إلــى‬
‫شــبكات اجتماعيــة تتميــز بــا تجانــس الفاعليــن‬
‫األخــذ بوحــدة المنهــج بيــن العلــوم الطبيعيــة‬
‫االجتماعيــن‪ ،‬وتعبــر عــن رابــط قــوي مــع المجتمــع‬
‫واالجتماعيــة‪.‬‬
‫‪ ،‬والقصــد مــن هــذا الــكالم‪ ،‬أن‬ ‫المحيــط بهــا»‬
‫(((‬

‫الحقيقــة يقــوم ببنائهــا الباحــث فــي المعرفــة‬ ‫هنــا‪ ،‬نســجل مالحظــة هامــة؛ أســبقية‬
‫جاهــ ًز ا‪،‬‬ ‫معطــى‬ ‫وليســت‬ ‫السوســيولوجية‪،‬‬ ‫اإلبســتيمولوجي علــى األنطولوجــي فــي بنــاء‬
‫والمســتوى الثانــي‪ :‬نســبية الحقيقــة‪ ،‬بمعنــى ال‬ ‫المعرفــة السوســيولوجية‪ ،‬بنــاء علــى فرضيــة‬
‫توجــد حقيقــة علميــة أزليــة‪ ،‬وإنما تتشــكل الحقيقة‬ ‫خفيــة تــرى أن اإلنســان مركــز الكــون‪ ،‬وبالتالــي‪،‬‬
‫بحســب اللغــة والســياق التاريخــي واالجتماعــي‪»،‬‬ ‫الــذات العارفــة هــي مركــز المعرفــة‪ ،‬والموضــوع‬
‫المعرفــة ليســت معطــى بــل هــي عبــارة عــن بنــاء‪،‬‬ ‫يســبح فــي فلكهــا‪ ،‬لــذا الموضــوع فــي المعرفــة‬
‫الحقيقــة العلميــة مــن منظــور بنائــي ال وجــود‬ ‫البارديغــم‬ ‫منظــور‬ ‫مــن‬ ‫السوســيولوجية‬
‫لهــا‪ ،‬بــل محــض وهــم‪ ،‬الحقيقــة ال تجــذب اهتمــام‬ ‫التأويلــي‪ ،‬لديــه صلــة بعالــم القيــم الثقافيــة‬
‫الباحــث البنائــي‪ ،‬مــا يهمــه قواعــد االكتشــاف‬ ‫وعالــم المعانــي والرمــز‪« ،‬فبنــاء الموضــوع‬
‫والبحــث‪ ،‬ال ينبغــي الخلــط بيــن هــذه القاعــدة ومــا‬ ‫ـاء علــى عالقتــه‬
‫فــي العلــوم االجتماعيــة يتــم ِبنـ ً‬
‫يتــم تطبيقــه فــي البنائيــة االجتماعيــة للحقيقــة‬ ‫بالقيــم والثقافــة‪ ،‬عالقــة إبســتيمولوجية مــع‬
‫االجتماعيــة‪ ،‬نحــن نعلــم‪ ،‬الفاعلــون االجتماعيــون‬ ‫الثقافــة‪ ،‬تــدرس العلــوم االجتماعيــة مــن زاويــة‬
‫يُشــيديون الواقــع الــذي يعيشــونه»(((‪.‬‬ ‫دالالتهــا الثقافيــة‪ ،‬عالقــة معرفيــة بالقيــم‪،‬‬
‫مفهــوم الثقافــة يحــدد طبيعــة القيــم الســائدة‬
‫‪(3) Marc Jacquemain, Bruno Frere, Epistemologie de la‬‬ ‫فــي الظواهــر الثقافيــة الموجــودة»(((‪ ،‬وعليــه‪،‬‬
‫‪sociologie, paradigmes pour 21 siecle, Edetion de boeck‬‬
‫‪universite, Bruxelles, 2008, p111.‬‬ ‫‪(1) Julien Farges, LE RÔLE DU CONCEPT D’ÂME DANS‬‬
‫‪(4) Alex Mucchielli, Le développement des méthodes‬‬ ‫‪LA FONDATION DES SCIENCES DE L’ESPRIT Entre‬‬
‫‪qualitatives‬‬ ‫‪et‬‬ ‫‪l’approche‬‬ ‫‪constructivistedes‬‬ ‫‪phénoménologie, néokantisme et philosophie de la vie,‬‬
‫–‪phénomènes humains , RECHERCHES QUALITATIVES‬‬ ‫‪Archives de Philosophie ,2014/4 Tome 77, p633‬‬
‫‪Hors-Série – Numéro 1, p11‬‬ ‫‪(2) Frédéric Gonthier, RELATIVISME ET VÉRITÉ‬‬
‫‪Actes du colloque RECHERCHE QUALITATIVE ET‬‬ ‫‪SCIENTIFIQUES CHEZ MAX WEBER,L’Année sociologique‬‬
‫‪PRODUCTION DE SAVOIRS, UQAM, 12 mai 2004‬‬ ‫‪,2006/1Vol. 56, p17.‬‬
‫‪63‬‬ ‫أتلا مغيداربلا ىلإ يعضولا مغيداربلا نم‬

‫المعرفــة السوســيولوجية بالفاعــل االجتماعــي‪،‬‬ ‫يترتــب علــى هــذا المنظــور للحقيقــة‬


‫وهــو مــا نالحظــه فيمــا بعــد عنــد العديــد مــن‬ ‫العلميــة‪ ،‬طبيعــة خصوصيــة الموضــوع‪ ،‬فمــا هــو‬
‫التيــارات الفرعيــة والنظريــة لهــذا البراديغــم‬ ‫الموضــوع الــذي تدرســه المعرفــة مــن منظــور‬
‫كالفدرانيــة المنهجيــة‪ ،‬والتفاعليــة الرمزيــة‪،‬‬ ‫البراديغــم التأويلــي؟ تــرى السوســيولوجيا أن‬
‫واإليثنميثودلوجيــا‪.‬‬ ‫الفــرد االجتماعــي أو كمــا وســمه فيمــا بعــد‬
‫المفكــرون وعلمــاءُ االجتمــاع بالفاعــل االجتماعــي‪/‬‬
‫إذا جئنــا الــى طبيعــة المنهــج‪ ،‬الواجــب‬
‫الــذات االجتماعية‪/‬العــون االجتماعــي‪ ،‬هــو وحــدة‬
‫اتبــاع خطواتــه فــي المعرفــة السوســيولوجية‪،‬‬
‫التحليــل السوســيولوجي‪ ،‬علــى اعتبــار أن الظواهــر‬
‫نجــد أنــه يتمثــل فــي المنهــج التأويلــي‪ ،‬حيــث‬
‫االجتماعيــة هــي محصلــة األفعــال الفرديــة‪،‬‬
‫يقــوم هــذا المنهــج علــى تأويــل ســلوكيات‬
‫«فالمنهجيــة الفردانيــة فــي العلــوم االجتماعيــة‬
‫المعانــي‬ ‫وفهــم‬ ‫االجتماعييــن‪،‬‬ ‫الفاعليــن‬
‫تقــر بــأن الظواهــر االجتماعيــة مــن خــال دراســة‬
‫والرمــوز التــي يضفونهــا علــى أفعالهــم فــي‬
‫الفاعــل الفــردي‪ ،‬والتركيــز علــى التفاعــات‬
‫العالــم االجتماعــي‪ ،‬ويختلــف هــذا المنهــج عــن‬
‫والفعــل‪ ،‬وفهــم وتأويــل االعتقــادات والقيــم‬
‫منهــج العلــم الطبيعــي القائــم علــى المالحظــة‬
‫واالتجاهــات» ( (( ‪.‬‬
‫والتجريــب‪ ،‬بــل لديــه خطواتــه االجرائيــة وأدواتــه‬
‫التطبيقيــة المخصوصــة‪« ،‬فــإن تفســيرات‬ ‫يُعتبــر ماكــس فيبــر األب الروحــي لهــذا‬
‫العلــم االجتماعــي لألفعــال االجتماعية تشــتغل‬ ‫البراديغــم‪ ،‬فلقــد عــرف علــم االجتمــاع‪ ،‬بأنــه العلــم‬
‫مــن خــال إظهــار معقوليــة هــذه األفعــال‬ ‫الــذي يهتــم بدراســة الفعــل االجتماعــي‪« ،‬علــم‬
‫وفاعليتهــا وعقالنيتهــا فــي ضــوء معتقــدات‬ ‫يهــدف الــى فهــم الفعــل االجتماعــي بطريقــة‬
‫الفاعــل ورغباتــه»(((‪.‬‬ ‫شــارحة ويفســر بذلــك أســبابه فــي تتابعــه‬
‫وتأثيراتــه‪ .‬الفعــل هــو هنــا ســلوك إنســاني‬
‫إذا كان التفســير الوضعــي يطمــح الــى‬
‫(ســواء كان فعــ ًلا خارجيًــا أو داخليًــا‪ ،‬تخليًــا أو‬
‫معرفــة األســباب والعلــل التــي تحكــم ســير‬
‫قبــو ًلا)‪ ،‬وبالقــدر الــذي يربــط بــه القائــم بالفعــل أو‬
‫الظواهــر االجتماعيــة‪ ،‬ومــن ثــم صياغــة‬
‫القائمــون بــه معنــى ذات ًيــا‪ ،‬ذلــك الفعــل الــذي يتبــع‬
‫القوانيــن والنظريــات‪ ،‬فــإن التفســير التأويلــي‬
‫فــي معنــاه المقصــود مــن قبــل فاعــل أو فاعليــه‬
‫يطمــح إلــى فهــم الظواهــر واالجتماعيــة عبــر‬
‫ســلوك األفــراد اآلخريــن ويتوجــه فــي تتابعــه‬
‫فهــم ســلوكيات األفــراد ومقاصــد أفعالهــم‪،‬‬
‫ً‬
‫طبعــا‪ ،‬يرتبــط الموضــوع فــي‬ ‫حســب ذلــك»(((‪،‬‬
‫فتطمــح جميــع أنــواع التفســير إلــى الوصــول‬
‫‪(1) Naishtat Francisco s. Max Weber et l’individualisme‬‬
‫إلــى الوضــوح‪ ،‬الوضــوح يمكــن أن يكــون وضــوح‬
‫‪méthodologique. In: Raison présente, n°116, 4e trimestre‬‬
‫((( حســن احجيج‪،‬التفســير القصــدي للســلوك االجتماعــي‬ ‫‪1995, p99‬‬
‫وشــروط صدقيتــه‪ ،‬مجلــة عمــران للعلــوم االجتماعيــة‪ ،‬العــدد ‪29‬‬ ‫((( ماكــس فيبــر‪ ،‬مفاهيــم اساســية فــي علــم االجتماع‪،‬ترجمــة‪:‬‬
‫(صيــف ‪ ،)2019‬ص‪.76‬‬ ‫صــاح هــوال‪ ،‬ط‪( 1‬مصــر‪ :‬المركــز القومــي للترجمــة‪ ،)2011 ،‬ص‪.29‬‬
‫العدد ‪ | 16‬شتاء ‪ 2022‬م‬ ‫دورية مناء لعلوم الوحي والدراسات اإلنسانية‬ ‫‪64‬‬

‫نجــد أن التيــار االثنميثدولوجــي الــذي تزعمــه‬ ‫الفهــم‪ ،‬ســيكون الفهــم هــو الغايــة التــي تســعى‬
‫الفــرد شــوتز‪ ،‬يــرى أن أي حقيقــة اجتماعية‪ ،‬تحمل‬ ‫إليهــا البحــوث السوســيولوجية‪ ،‬ويعنــي‬
‫معنــى حقيقيًــا أو تجريديًــا‪ .‬ثــم نقــوم بعــد ذلــك‬ ‫التفســير الســببي لصحيــح لفعــل معيــن‪:‬‬
‫باســتنتاج تفســيرات معينــة (تجريديــة) تحــدد‬ ‫«فالمســار الخارجــي والدافــع متطابقــان وفــي‬
‫«موضوعــات الفكــر» لــدى األفــراد بالحقائــق‬ ‫الوقــت ذاتــه يُمكــن التعــرف علــى معنــى كل‬
‫األكثــر صلــة‪ ،‬وبالتالــي‪ ،‬تســمح لنــا بــإدراك‬ ‫منهــا فــي ســياقه بصــورة مفهمومــة‪ .‬ويعنــي‬
‫األساســيات‪ ،‬ومــن ناحيــة أخــرى‪ ،‬تتميــز «األشــياء‬ ‫التفســير الســببي الصحيــح لفعــل نمطــي‬
‫الفكريــة» للعالــم عــن تلــك التــي يمتلكهــا األفــراد‬ ‫(لنمــط فعــل مفهــوم)‪ :‬أن يبــدو مجــرى‬
‫اآلخــرون؛ ألنهــا تخضــع لقواعــد علميــة ال تســود‬ ‫األفعــال الــذي يفتــرض أنــه نمطــي متطابــق‬
‫لــدى اآلخريــن» ‪ ،‬وهنــا‪ ،‬يلتقــي فيبــر مــع شــوتز‬
‫(((‬
‫المعنــى وكذلــك يكــون ممك ًنــا (بــأي درجــة)‬
‫فــي البحــث عــن المعنــى الــذي يضفيــه الفاعــل‬ ‫ً‬
‫أيضــا»(((‪.‬‬ ‫إثبــات أنــه متطابــق ســببيًا‬
‫علــى ســلوكياته فــي الحيــاة اليوميــة‪ ،‬وفــي نفــس‬
‫تجلــت امتــدادات البراديغــم التأويلــي فــي العديد‬
‫االتجــاه تقريبًــا‪ ،‬نجــد مــا أشــارت إليــه التفاعليــة‬
‫مــن التيــارات النظريــة فــي المعرفة السوســيولوجة‬
‫ّ‬
‫والتمثــات التــي‬ ‫الرمزيــة عــن‪« :‬أشــكال التواصــل‬
‫فــي الســتينات والســبيعينات مــن القــرن الماضــي‪،‬‬
‫تدخــل فــي إطــار العالقــات مــا بيــن األفــراد‪ .‬مــن‬
‫لعــل أبرزهــا تيــار المنهجيــة الفردانيــة‪ ،‬لصاحبــه‬
‫المؤسســات‬
‫ّ‬ ‫هــذه الزاويــة ال يعتبــر المجتمــع وال‬
‫ريمــون بــدون‪ ،‬الــذي يفتــرض فــي األول‪»:‬أن أي‬
‫والعالقــات االجتماع ّيــة معطيات‪ ،‬أو ضغوطات‬
‫ظاهــرة اجتماعيــة ناتجــة عــن مزيــج مــن األفعــال‬
‫ً‬
‫ســلفا‪ ،‬بــل هــي أمــور يُعــاد بناؤهــا‪،‬‬ ‫موجــودة‬
‫أو المعتقــدات أو المواقــف الفرديــة (‪ :P1‬مســلمة‬
‫أو مناقشــتها وتأويلهــا مــن ضمــن التفاعــل‬
‫الفرديــة)‪ .‬ويترتــب علــى ذلــك أن اللحظــة األساســية‬
‫والتبــادل اليومــي»(((‪.‬‬
‫ألي تحليــل اجتماعــي تتكــون مــن «فهــم» ســبب‬
‫وجهــت انتقــادات حــادة للمنهــج مــن‬ ‫األفعــال أو المعتقــدات أو المواقــف الفرديــة‬
‫منظــور البراديغــم التأويلــي‪ ،‬يأتــي فــي مقدمتهــا‬ ‫المســؤولة عــن الظاهــرة التــي يســعى المــرء إلــى‬
‫عــدم قــدرة الباحثيــن علــى الفــكاك مــن أحابيــل‬ ‫تفســيرها‪ .‬بحســب الفرضيــة الثانيــة‪« ،‬لفهــم»‬
‫التحيــزات الذاتيــة عنــد دراســة الظاهــرة‬ ‫أفعــال ومعتقــدات ومواقــف الفاعــل الفــردي‪ ،‬هــي‬
‫االجتماعية‪ ،‬وعليه‪ ،‬طرح ســؤال عن موضوعية‬ ‫إعــادة بنــاء معانيهــا لــه‪ ،‬والتــي مــن حيــث المبــدأ علــى‬
‫دائمــا (‪ :P2‬مســلمة الفهــم)»(((‪.‬‬
‫ً‬ ‫األقــل ‪ -‬ممكنــة‬
‫‪(3) Guy HUARD, Alfred SCHÜTZ :LE CHERCHEUR ET LE‬‬
‫‪QUOTIDIEN, Publié dans Aspects sociologiques, Vol. 5, no‬‬
‫‪1, novembre 1996, pp. 30-36.‬‬ ‫((( فيبر‪ ،‬ص‪.38‬‬
‫((( دورتيــه‪ ،‬ج‪.‬ف‪ .‬معجــم العلــوم اإلنســانيّة ترجمة‪:‬جــورج‬ ‫‪(2) Raymond Boudon, THÉORIE DU CHOIX RATIONNEL‬‬
‫كتــورة‪ ،‬ط‪(2.‬بيــروت‪ -‬لبنــان‪ :‬كلمــة ومجــد المؤسســة الجامع ّيــة‬ ‫‪OU INDIVIDUALISME MÉTHODOLOGIQUE ? Revue du‬‬
‫للدراســات والنشــر والتوزيــع‪.)2011 ،‬‬ ‫‪MAUSS », 2004/2,no24, p281.‬‬
‫‪65‬‬ ‫أتلا مغيداربلا ىلإ يعضولا مغيداربلا نم‬

‫العديــد مــن الباحثيــن والمفكريــن‪ ،‬فلــكل باحــث‬ ‫النتائــج التــي يخلــص إليهــا الباحثــون‪ُ ،‬‬
‫فتتهــم‬
‫أو مجموعــة بحثيــة مبرراتهــا فــي التأســيس‬ ‫البحــوث الكيفيــة بأنهــا بحــوث أيديولوجيــة‬
‫لهــذا البديــل‪ ،‬انطلقــت بعــض الطروحــات‬ ‫تنطلــق مــن رؤى ثقافيــة ومعرفيــة مســبقة‪،‬‬
‫البديلــة مــن النقــد المعرفــي للمنهــج الوضعــي‪،‬‬ ‫وليســت لهــا عالقــة بالعلــم أو المنهــج العلمي‪،‬‬
‫باعتبــاره منهجً ــا أيديولوجيــا أكثــر منــه منهجً ــا‬ ‫لــذا ال يُعتــد بنتائجهــا وخالصاتهــا‪.‬‬
‫علميًــا‪ ،‬ونفــس األمــر بالنســبة للمنهــج التأويلــي‬
‫كذلــك‪ ،‬طرحــت بالنســبة للبحــوث الكيفيــة‬
‫ً‬
‫تحريفــا للمنهــج فــي علــم االجتمــاع‪،‬‬ ‫الــذي اعتبــر‬
‫التــي تتبنــى البارديغــم التأويلــي‪ ،‬مشــكلة‬
‫اتفقــت هــذه البدئــل علــى النقــد لكنهــا لــم تتفــق‬
‫التعميــم العلمــي‪ ،‬حيــث عادة ما يختــار الباحثون‬
‫علــى افتراضــات منهجيــة بديلــة‪ ،‬فطرحــت فكــرة‬
‫عينــات صغيــرة الحجــم‪ ،‬وبمواصفــات منهجيــة‬
‫التكامــل بيــن الوضعــي والتأويلــي‪ ،‬والتكامــل بيــن‬
‫تكــون فــي الغالــب األعــم ذاتيــة‪« ،‬فــإن البيانــات‬
‫الكمــي والكيفــي فــي تحليــل الظواهــر االجتماعيــة‪،‬‬
‫الكيفيــة‪ ،‬والتــي منهــا مــا نــراه فــي تقاريــر‬
‫وطــرح بعــض الباحثيــن فكــرة منهــج يتماشــى مــع‬
‫المقابــات مــع جماعــات المناقشــة المركــزة‪،‬‬
‫الســياق االجتماعــي والتاريخــي المغايــر للســياقات‬
‫كثي ـ ًر ا مــا يُشــار إليهــا بأنهــا بيانــات مزعومــة أو‬
‫التــي ظهــرت فيهــا البراديغــم المنهجــي المهمين‪،‬‬
‫مؤلفــة ممــا يعنــي أنهــا أقــل علميــة‪ ،‬ومــن ثــم‬
‫فــي حيــن‪ ،‬اكتفــى بعــض الباحثيــن بالنقــد‪ ،‬الــذي‬
‫فهــي أقــل دقــة وبالتالــي أقــل أهميــة»(((‪.‬‬
‫يرقــى فــي بعــض ممارســاته الــى مرتبــة منهــج‬
‫علمــي لــه خطواتــه اإلجرائيــة‪.‬‬
‫ً‬
‫خامسا‪:‬‬
‫مــا يُحســب لهــذه البدائــل المنهجيــة‬ ‫سؤال المنهج في المعرفة‬
‫إعادتهــا الحيويــة لســؤال المنهــج فــي المعرفــة‬ ‫السوسيولوجية المعاصرة‪:‬‬
‫السوســيولوجية المعاصــرة‪ ،‬تمشــيًا مــع‬ ‫نحو صياغات منهجية بديلة‪:‬‬
‫التحــوالت التــي عرفتهــا فلســفة العلــوم‬
‫بنــاء علــى االنتقــادات التــي تعــرض لهــا كل‬
‫المعاصــرة‪ ،‬واالنتقــادات التــي طالــت المنهــج‬
‫مــن البرايغــم الوضعــي والتأويلــي فــي المعرفــة‬
‫فــي العلــوم الطبيعيــة‪ ،‬وخاصــة مــع فكــرة‬
‫السوســيولوجية‪ ،‬طرحــت محــاوالت منهجيــة‬
‫فوضويــة المنهــج التــي طرحهــا فيربانــد‪،‬‬
‫بديلــة‪ ،‬ولنكــن واضحيــن مــن البدايــة‪ ،‬أن هــذه‬
‫والمنهــج المركــب الــذي طــوره إدغــار مــوران‪،‬‬
‫االجتهــادات علــى قيمتهــا العلميــة المنهجيــة إال‬
‫لذلــك نســتهل هــذا الســجال حــول البدائــل مــن‬
‫َ‬
‫تــرق إلــى مرتبــة براديغــم منهجــي بديــل‪،‬‬ ‫أنهــا لــم‬
‫المنهــج النقــدي‪ ،‬الــذي مثلتــه التيــارات النســوية‬
‫وإنمــا بقيــت محــاوالت متناثــرة ومشــتة‪ ،‬أنتجهــا‬
‫والماركســية المحدثــة‪ ،‬ومدرســة فرانكفــورت‪،‬‬
‫((( شــارلين هس‪-‬بيبــر‪ ،‬باتريشــيا ليفــي‪ ،‬البحــوث الكيفيــة فــي‬
‫حيــث كان ثمــة رفــض لالفتراضــات الوضعيــة‪،‬‬ ‫العلــوم االجتماعيــة‪ ،‬ترجمــة‪ :‬هنــاء الجوهــري‪،‬ط‪( 1‬مصــر‪ :‬المركــز‬
‫القومــي للترجمــة‪ ،)2011 ،‬ص‪.56‬‬
‫العدد ‪ | 16‬شتاء ‪ 2022‬م‬ ‫دورية مناء لعلوم الوحي والدراسات اإلنسانية‬ ‫‪66‬‬

‫التأويلــي‪ ،‬فانتقــد ادورنــو البحــث الكيفــي‪ ،‬قائــ ًلا‪:‬‬ ‫«خاصــة الفكــرة التــي تزعــم وجــود مراقــب متحــرر‬
‫«أي لــو جــرى االعتمــاد علــى الطريقــة الكيفيــة‪،‬‬ ‫مــن أحــكام القيمــة‪ ،‬وبعيــد عــن التحيــز ومعهــا‬
‫فــإن ذلــك ســيؤمن دون شــك ويمكــن فــي كل‬ ‫تلــك الزيــادة الملحوظــة المتســاوقة فــي مــا‬
‫األحــوال التعــرف علــى أكثــر األمــور فعاليــة‪ ،‬ولكــن‬ ‫يمكــن أن ندعــوه بالنقــد الملتــزم أخالق ًيــا‪ ،‬ذلــك‬
‫الباحــث ســيجد نفســه هنــا وليــس لــه مــا يحميــه‪،‬‬ ‫النقــد الــذي ســبق لــه أن انحــرف فــي بعــض‬
‫إزاء حائــط مســدود‪ً ،‬‬
‫إذا هــل يمكــن الخــروج مــن‬ ‫األحيــان صــوب األخالقويــة المحضــة»(((‪ ،‬ويقــوم‬
‫وجهــات النظــر المتعــددة المميــزة وحتــى العينيــة‬ ‫المنهــج النقــدي علــى رؤيــة جدليــة لمفهــوم‬
‫بتعميــم مــا» ‪.‬‬
‫(((‬
‫المجتمــع‪« ،‬فالمجتمــع ال يمكــن مــع ذلــك أن‬
‫مفهومــا يتعــدى األفــراد‪ ،‬فــا هــو بالفعــل‬
‫ً‬ ‫يكــون‬
‫براديغما‬
‫ً‬ ‫نــرى أن المنهــج النقــدي ال يشــكل‬
‫مجــرد جمــع أو حصيلــة األفــراد الذيــن يكونــون‬
‫ً‬
‫مخصوصــا‪ ،‬وإنمــا بقــي يتغاضــى‬ ‫منهجيًــا‬
‫المجتمــع‪ ،‬وال هــو شــيء قائــم مســتقل إزاء‬
‫عــن أخطــاء وتناقضــات القواعــد المؤسســة‬
‫األفــراد‪ ،‬بــل شــيء يتوســط هاتيــن اللحظتيــن‪،‬‬
‫للبراديغــم الوضعــي ‪-‬التأويلــي‪ ،‬ولــم يُطور أدوات‬
‫فهــو ال يتحقــق مــن خــال األفــراد ومــع ذلــك‬
‫وتقنيــات علــى مســتوى الممارســات البحثيــة‪،‬‬
‫فــا هــو حصيلتهــم»(((‪ ،‬ومنطــوق هــذا القــول‪،‬‬
‫وبالتالــي‪ ،‬ال يُمكننــا الحديــث عــن براديغــم نقــدي‪،‬‬
‫أن هنــاك عالقــة جدليــة بيــن الفــرد والمجتمــع‪،‬‬
‫رغــم ادعــاء بعض باحثيه المتحمســين‪ .‬المنهج‬
‫يتحــدد فــي ضوئهــا منهــج الدراســة فــي‬
‫يضــف إلــى تكويــن معــارف جديــدة‬
‫ِ‬ ‫النقــدي لــم‬
‫المعرفــة السوســيولوجية‪.‬‬
‫فــي العلــوم االجتماعيــة وعلــم االجتمــاع‪ ،‬وإنمــا‬
‫بقــي فــي لحظــة النقــد ولــم يتجاوزهــا‪ ،‬يُعلــق‬ ‫بــذل الباحثــون فــي مدرســة فرانكفــورت‬
‫كارل بوبــر علــى أعمــال ادورنــو قائــ ًلا‪« :‬فإنــي ال‬ ‫جهــدً ا مــن أجــل عــدم الفصــل آل ًيــا بيــن منهــج علــم‬
‫أســتطيع االتفــاق وال االختــاف مــع القطــاع‬ ‫االجتمــاع وموضــوع هــذا العلــم‪« ،‬بــل إنهــا تحــاول‬
‫األكبــر مــن فلســفته‪ .‬وعلــى الرغــم مــن بــذل‬ ‫جاهــدة‪ ،‬وإن تفاوتــت درجــات نجاحهــا فــي ذلــك‪ ،‬أن‬
‫الجهــد لفهــم فلســفته‪ ،‬لتبــدو لــي بأســرها‪ ،‬أو‬ ‫ً‬
‫مســبقا بيــن المنهــج وبيــن المواضيــع‬ ‫تناســب‬
‫فــي معظمهــا‪ ،‬مجــرد حشــد لأللفــاظ‪ ،‬ال شــيء‬ ‫التي ستكون مدار البحث»(((‪ ،‬إال أن رفض الفصل‬
‫لديــه البتــة ليقولــه‪ ،‬وهــذا الالشــيء يقولــه بلغــة‬ ‫بيــن المنهــج والموضــوع فــي السوســيولوجيا‪،‬‬
‫هيجليــة»(((‪.‬‬ ‫ال يعنــي تماهــي المنهــج النقــدي مــع المنهــج‬

‫فــي الســياق نفســه‪ ،‬طــرح بديــل منهجــي‬ ‫((( أالن هــاو‪ ،‬النظريــة النقديــة‪ ،‬مدرســة فرانكفــروت‪ ،‬ترجمــة‪:‬‬
‫ثائــر ديــب‪ ،‬ط‪( 1‬مصــر‪ :‬المركــز القومــي للترجمـــ‪71‬‬
‫((( المرجع السابق‪ ،‬ص‪.66‬‬ ‫ة‪ ،)2010،‬ص‪،23‬‬
‫((( كارل بوبــر‪ ،‬أســطورة االطــار‪ ،‬فــي الدفــاع عــن العلــم‬ ‫((( تيــدور فــون أدرنــو‪ ،‬محاضــرات فــي علــم االجتمــاع‪ ،‬ترجمــة‪:‬‬
‫والعقالنيــة‪ ،‬ترجمــة‪ :‬يمنــى طريــف الخولــي‪ ،‬العــدد‪( ،292:‬الكويت‪:‬‬ ‫جــورج كتــورة‪( ،‬بيــروت‪ :‬مركــز االنمــاء القومــي‪ ،‬د‪-‬س)‪ ،‬ص‪.36‬‬
‫المجلــس الوطنــي للثقافةوالفنــون‪ ،‬واآلداب‪ ،)2001،‬ص‪،106‬‬ ‫((( المرجع السابق‪ ،‬ص‪.60‬‬
‫‪67‬‬ ‫أتلا مغيداربلا ىلإ يعضولا مغيداربلا نم‬

‫كلــي الظاهــرة االجتماعيــة(((‪ ،‬كذلــك‪ ،‬نعثــر علــى‬ ‫آخــر فــي المعرفــة السوســيولوجية‪ ،‬يتمثــل‬
‫محــاوالت منهجيــة أكثــر إجرائيــة‪ ،‬ولــم تغــرق‬ ‫قوامــه فــي التكامــل بيــن البحــث الكمــي والكيفــي‬
‫كثيــ ًر ا فــي التفصيــات النظريــة‪ ،‬كمحاولــة‬ ‫ً‬
‫طبعــا‪ ،‬هــذا‬ ‫فــي دراســة الظاهــرة االجتماعيــة‪،‬‬
‫النظريــة التكيفيــة الجمــع بيــن األســاليب‬ ‫الخيــار يعكــس إلــى حــد مــا؛ فكــرة التوفيــق ً‬
‫أيضــا‬
‫االســتقرائية واالســتداللية فــي دراســة الظواهــر‬ ‫بيــن المنهجيــة الفردانيــة والمنهجيــة الكليانــة‪،‬‬
‫االجتماعيــة ‪:‬‬
‫(((‬
‫بمعنــى مبســط‪ ،‬أننــا ال نــدرس الظواهــر‬
‫االجتماعيــة بالرجــوع للفاعــل االجتماعــي مــع‬
‫‪ -‬ترتكــز النظريــة التكيفيــة علــى موقــف معرفــي‬
‫إقصــاء المجتمــع‪ ،‬والعكــس‪ ،‬ال نــدرس الظواهــر‬
‫ال هــو وضعــي وال هــو تأويلــي‪.‬‬
‫ً‬
‫انطالقــا مــن البينــة االجتماعيــة‬ ‫االجتماعيــة‬
‫‪ -‬إنهــا تفيــد كل مــن النزعتيــن الموضوعيــة‬ ‫ونقصــي الفاعــل االجتماعــي‪ ،‬نجــد أبــرز مــن مثــل‬
‫والذاتيــة فيمــا يتعلــق بافتراضاتهــا األنطولوجيــة‪.‬‬ ‫هــذه الخيــار عالــم االجتمــاع أنتونــي جدينــز‪ ،‬حيــث‬
‫حــاول الجمــع بيــن ثنائيــة الفــرد والمجتمــع فــي‬
‫‪ -‬تفتــرض النظريــة التكيفيــة أن العالــم‬
‫تحليــل الظواهــر االجتماعيــة وتفســيرها‪ ،‬مُ عتبـ ًر ا‬
‫االجتماعــي عالــم معقــد‪ ،‬ومتعــدد األوجــه‪ ،‬ومتالحم‬
‫أن مجــال الفعــل اإلنســاني محــدود بحــدود‬
‫بصــورة مكثفــة‪.‬‬
‫معينــة‪ ،‬فالبشــر يخلقــون المجتمــع‪ ،‬ولكنهــم‬
‫وجهــت انتقــادات حــادة لفكــرة التكامــل بيــن‬ ‫يفعلــون ذلــك باعتبارهــم فاعليــن مشــروطين‬
‫الكمي والكيفي في المعرفة السوسيولوجية‪ ،‬على‬ ‫تاريخيًــا وال يفعلونــه فــي ظــل ظــروف مــن‬
‫اعتبــار أن لــكل بحــث أدواتــه ومناهجــه وتقنياتــه‪ ،‬فــا‬ ‫اختيارهــم‪ ،‬ومــع ذلــك فهنــاك هامــش غيــر ثابــت‬
‫يمككنــا مــن الناحيــة اإلبســتيمولوجية التوفيــق بيــن‬ ‫مــن الســلوك الــذي يمكــن أن يحلــل كفعــل‬
‫العديــد مــن االفتراضــات المنهجيــة المتناقضــة‪،‬‬ ‫قصــدي‪ ،‬والســلوك الــذي ينبغــي أن ناموســيًا‬
‫لذلــك فكــرة التكامــل بيــن الكيفــي والكمــي ال تــؤدي‬ ‫ومنطق ًيــا كمجموعــة مــن األحــداث»(((‪ ،‬هنــا‪ ،‬يأخــذ‬
‫إلــى فهــم عميــق للظواهــر االجتماعيــة‪ ،‬فكيــف‬ ‫المنهــج فــي المعرفــة السوســيولوجية طبيعــة‬
‫يُمكننــا التوفيــق بيــن الميكــر والماكــرو فــي دراســة‬ ‫مزدوجــةـ أو كمــا وســمه غيدنــز بمنهــج التأويــل‬
‫الظواهــر االجتماعيــة؟ وبتعبيــر أدق‪ ،‬كيــف يمكننــا‬ ‫المــزدوج‪ ،‬عــرّف فــي المســتوى األول المنهــج‪،‬‬
‫االنتقــال مــن دراســة وحــدات صغــرى إلــى دراســة‬ ‫ســواء الكمــي أو الكيفــي‪ ،‬علــى أنــه مجموعــة‬
‫مــن اإلجــراءات تســاعدنا فــي فهــم الممارســات‬
‫‪(2) Jean –Yves Couser, Criosement des methodes et‬‬
‫‪approfondessement d un regard, la scientificite de‬‬ ‫فــي وضعيــات معينــة‪ ،‬وتشــرح علــى مســتوى‬
‫‪empirisme en sociologie, sous la derection de abdehalim‬‬
‫‪Berretima, L Harmattan ,2019, p172.‬‬
‫((( ديــرك اليــك ‪ ،‬قضايــا التنظيــر فــي البحــث االجتماعــي‪،‬‬ ‫((( أنتونــي جيدنــز‪ ،‬قواعــد جديــدة للمنهــج فــي علــم االجتمــاع‪،‬‬
‫ترجمــة‪ :‬عدلــي الســمري‪ ،‬ط‪ (1‬مصــر‪ :‬المركــز القومــي للترجمــة‪،‬‬ ‫ترجمــة‪ :‬محمــد محيــي الديــن‪( ،‬مصــر ‪ :‬المركــز القومــي للترجمــة‪،‬‬
‫‪ ،)2000‬ص‪.234‬‬ ‫‪ ،)2000‬ص‪.279‬‬
‫العدد ‪ | 16‬شتاء ‪ 2022‬م‬ ‫دورية مناء لعلوم الوحي والدراسات اإلنسانية‬ ‫‪68‬‬

‫مصــادرة كلمتهــم باســم موضوعيــة علميــة‬ ‫ـق هــذه البدائــل الــى‬


‫وحــدات كبــرى؟ وبالتالــي‪ ،‬لــم يرتـ ِ‬
‫دائمــا أن تكــون قريبــة مــن‬
‫ً‬ ‫مزعومــة تبحــث‬ ‫منهجــي متســق المنطلقــات المعرفيــة‬
‫ٍ‬ ‫بردايغــم‬
‫اهتماماتهــم وتجاربهــم اآلنيــة»(((‪.‬‬ ‫وواضــح القواعــد المنهجيــة‪.‬‬

‫بنــاء علــى هــذا‪ ،‬ال أســبقية للفاعــل االجتماعــي‬ ‫وليــس بعيــدً ا عــن هــذا المنحــى‪ ،‬تشــكل تيــار‬
‫كخيــار فــي السوســيولوجيا البراغماتيــة‪ ،‬وكذلــك‬ ‫سوســيولوجي فــي نهايــة الثمانينــات وبدايــة‬
‫نفــس الشــيء بالنســبة للبنيــة االجتماعيــة‪،‬‬ ‫التســعينات تحــت مســمى السوســيولوجيا‬
‫وإنمــا هنــاك مســتويين متداخليــن عنــد النظــر‬ ‫البراغماتيــة فــي فرنســا‪ ،‬أتــى هــذا التيــار كــرد‬
‫إلــى الظاهــرة االجتماعيــة‪ ،‬يقودنــا المســتوى‬ ‫فعــل معرفــي علــى سوســيولوجيا الهمينــة عنــد‬
‫األول‪ :‬الميكــرو إلــى المســتوى الثانــي‪ :‬الماكــرو‪،‬‬ ‫بيــار بورديــو‪ ،‬وسوســيولوجيا الفردانيــة المنهيجــة‬
‫لنصــل إلــى فهــم عميــق لخيــارات ومقاصــد‬ ‫عنــد ريمــون بــدون‪ ،‬حاولــت السوســيولوجيا‬
‫الفاعليــن االجتماعييــن‪« ،‬ال يعتبــر الميكــرو‬ ‫البراغماتيــة أن تتجــاوز مــن الناحيــة المنهجيــة‬
‫‪ Micro‬يقــع فــي تضــاد مــع الماكــرو ‪،Macro‬‬ ‫المعرفــة‬ ‫فــي‬ ‫الشــهيرة‬ ‫ثنائيــات‬ ‫تلــك‬
‫وإنمــا يدخــل ضمــن مخطاطتــه‪ ،‬إنــه وضعيــة‬ ‫السوســيولوجية‪ :‬الفــردي والكليانــي‪ ،‬الذاتــي‬
‫ضمــن وضعيــات‪ ،‬فمســتوى الماكــرو يكمــل‬ ‫والموضوعــي‪ ،‬الوضعــي والتأويلــي‪ ،‬لتؤســس‬
‫ً‬
‫تحقيقــا وموضوعيــة مــن خــال‬ ‫مســتوى الميكــرو‬ ‫لتصــورات منهجيــة بديلــة‪ ،‬حيــث ينصــب تركيــز‬
‫الممارســات‪ ،‬فيقــرون بوجــود البيانــات االجتماعيــة‬ ‫الباحــث علــى المشــكلة والســؤال المتعلــق‬
‫والمؤسســات‪ ،‬لكننــا ال يمكننــا وصفهــا عبــر‬ ‫بالبحــث السوســيولوجي‪ ،‬بغــض النظــر عــن أي‬
‫الفاعليــن االجتماعييــن»(((‪.‬‬ ‫اعتبــارات نظريــة أو منهجيــة مســبقة‪ ،‬ولذلــك‬
‫قــد يلجــأ الباحــث الــى مقاربــات متنوعــة ســواء‬
‫وهــذا‪ ،‬عكــس البديــل المنهجــي الــذي‬
‫كانــت مــا بعــد وضعيــة‪ ،‬أو بنائيــة‪ ،‬أو تحويليــة‪،‬‬
‫يدعــو أصحابــه الــى التكامــل بيــن البحــث‬
‫فــي البحــث ذاتــه»(((‪ ،‬فقــام علمــاء االجتمــاع‬
‫الكيفــي والبحــث الكمــي‪ ،‬فهنــا قضيــة تداخــل‬
‫البراغمتيــون بصياغــة طــرق جديــدة إلجــراء‬
‫علــى مســتوى التحليــل السوســيولوجي‬
‫المعطيــات‬ ‫وجمــع‬ ‫االجتماعيــة‬ ‫المســوح‬
‫بيــن الكلــي والجزئــي للظواهــر االجتماعيــة‪،‬‬
‫الميدانيــة واستكشــاف الميــدان‪« ،‬فاألفــق‬
‫يحلــو‬ ‫كمــا‬ ‫االختيــارات‬ ‫فسوســيولوجيا‬
‫البرغماتــي للسوســيولوجيا ومتطلبهــا األول‬
‫للبعــض أن يدعوهــا‪ ،‬أرادت أن تنــأى بنفســها‬
‫هــو األخــذ علــى محمــل الجــد أفعــال ومســوغات‬

‫((( محمــد ناشــي‪ ،‬مدخــل إلــى علــم االجتمــاع البراغماتــي‪،‬‬


‫األشــخاص العادييــن وفــي خــال ذلــك تفــادي‬
‫ترجمــة‪ :‬طواهــري ميلــود‪ ،‬ط‪(1‬بيــروت‪ :‬دار الروافــد الثقافيــة‪-‬‬
‫ناشــرون‪ ،)2014 ،‬ص‪.228‬‬ ‫((( باســم محمــود‪ ،‬نحــو علــوم اجتماعيــة فــي الســياق العربــي‪:‬‬
‫‪(3) Yannick Bartheet autre,SOCIOLOGIE PRAGMATIQUE :‬‬ ‫فــي الحاجــة الــى النظريــة المتجــذرة‪ ،‬مجلــة عمــران للعلــوم‬
‫‪MODE D’EMPLOI,Politix ,2013/3 N° 103,p 178.‬‬ ‫االجتماعيــة‪ ،‬العدد‪(26‬خريــف ‪ ،)2018‬ص‪.92‬‬
‫‪69‬‬ ‫أتلا مغيداربلا ىلإ يعضولا مغيداربلا نم‬

‫علــى هــذا‪ ،‬دعــت الدراســات السوســيولوجية‬ ‫عــن الجــدل الشــهير بيــن الفاعــل االجتماعــي‬
‫الكولونيالية إلــى‬ ‫بعــد‬ ‫مــا‬ ‫مرحلــة‬ ‫فــي‬ ‫والبينــة االجتماعيــة‪ ،‬إال أننــا نعتقــد أنهــا فــي‬
‫تأســيس براديغــم منهجــي بديــل لدراســة‬ ‫األخيــر انحــازت إلــى خيــار الفاعــل االجتماعــي‪،‬‬
‫الظواهــر االجتماعيــة يُراعــي الســياقات‬ ‫وال تعــدو أن تكــون محاولتهــا إال تطويــ ًر ا‬
‫االجتماعيــة والتاريخيــة لهــذه المجتمعــات‪،‬‬ ‫بدمجهــا‬ ‫المنهجيــة‪،‬‬ ‫للفرادنيــة‬ ‫منهجيًــا‬
‫«فلقــد جلعتنــا إيجابيتنــا تجــاه النظريــات‬ ‫للمســتوى الكلــي فــي الجزئــي عنــد مقاربــة‬
‫السوســيولوجية الغربيــة نتقــن التعليــم فــي‬ ‫الظواهــر االجتماعيــة‪ ،‬وعليــه‪ُ ،‬‬
‫اتهــم هــذا التيــار‬
‫هــذا المجــال‪ ،‬إال أنهــا لــم تعطنــا األدوات‬ ‫بتمييــع موضــوع علــم االجتمــاع‪ ،‬بتداخلــه‬
‫الالزمــة لمعالجــة قضايــا واقعنــا الــذي‬ ‫مــع موضــوع علــم االقتصــاد‪ ،‬وبالتالــي‪ ،‬لــم‬
‫يختلــف فــي تكوينــه ويزيــد تعقيــدً ا علــى واقــع‬ ‫تتمكــن االفتراضــات المنهجيــة التــي قدمتهــا‬
‫المجتمعــات الغربيــة»(((‪.‬‬ ‫السوســيولوجيا البراغماتيــة مــن صياغــة‬
‫براديغــم منهجــي‪ ،‬وبقيــت محــدودة التوســع‬
‫وفــق هــذه الرؤيــة النقديــة‪ ،‬طرحــت فكــرة‬
‫واالنتشــار بيــن الباحثيــن واألكاديميــن‪ ،‬بــل‬
‫التبعيــة فــي مجــال المعرفة السوســيولوجية‪،‬‬
‫هنــاك مــن اتهــم هــذا التيــار بأنــه عمــل علــى‬
‫حيــث ُتنتــج المجتمعــات الغربيــة البارديغمــات‬
‫هــدم حــدود السوســيولوجيا‪.‬‬
‫المعرفيــة‪ ،‬بينمــا تبقــى المجتمعــات الثالثــة‬
‫فــي حالــة تعبيــة معرفيــة تامــة‪ ،‬وهــي تبيعــة‬ ‫فــي األخيــر‪ ،‬ومــن زاويــة بعيــدة عــن‬
‫لهــا جــذور بالمرحلــة الكولونيالية وكذلــك‬ ‫الجغرافيــا التــي نبتــت فيهــا السوســيولوجيا‪،‬‬
‫تتعلــق بالمؤسســات الدوليــة فــي العلــوم‬ ‫طعــن الباحثــون الذين ينتمون إلى الدراســات‬
‫االجتماعيــة وعلــم االجتمــاع‪ ،‬وعليــه‪ ،‬تصبــح‬ ‫مــا بعــد الكولونيالية فــي العالــم الثالــث فــي‬
‫هــذه النمــاذج المعرفيــة مســائلة عامــة(((‪،‬‬ ‫البراديغــم الوضعي‪/‬التأويلــي فــي المعرفــة‬
‫ومــن هــذا المنطلــق‪ ،‬حــاول بعــض الباحثيــن‬ ‫الســياق‬ ‫منظــور‬ ‫مــن‬ ‫السوســيولوجية‬
‫صياغــة بدائــل منهجيــة‪ ،‬تتجــاوز التحيــزات‬ ‫التاريخــي واالجتماعــي‪ ،‬منطلقيــن مــن فكــرة‬
‫الثقافيــة والحضاريــة للبراديغــم الوضعــي‬ ‫نســبية هــذا البراديغــم‪ ،‬بحيــث اسـ ُـتخدم فــي‬
‫االجتماعيــة‬ ‫النظريــات‬ ‫ألن‬ ‫والتأويلــي؛‬ ‫دراســة الظواهــر االجتماعيــة التــي خبرتهــا‬
‫المجتمعــات الغربيــة‪ ،‬إذا قمنــا بإخراجــه مــن‬
‫((( علــي الكنــز‪ ،‬المســألة النظريــة والسياســية لعلــم االجتمــاع‪،‬‬
‫فــي كتــاب‪ :‬نحــو علــم االجتمــاع العربــي‪ ،‬محمــد عــزت حجــازي‬ ‫هــذا الســياق‪ ،‬تظهــر لنــا محدوديتــه‪ ،‬فحتــى‬
‫وآخــرون‪ ،‬بيــروت‪ :‬مركــز دراســات الوحــدة العربيــة‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪،1989‬ص‪.100‬‬
‫المؤسســات األكاديميــة الغربيــة فــي مرحلــة‬
‫‪(2) Wiebke Keim, POUR UN MODÈLE CENTRE-PÉRIPHÉRIE‬‬ ‫زمنيــة مــا ابتكــرت األنثربولوجيــا بمناهجهــا‬
‫‪DANS LES SCIENCES SOCIALES, Aspects problématiques‬‬
‫‪des relations internationales en sciences sociale,Revue‬‬ ‫بنــاء‬
‫ً‬ ‫للدراســة المجتمعــات غيــر الغربيــة‪،‬‬
‫‪d’anthropologie des connaissances, 2010/3 Vol 4, n° 3.‬‬
‫العدد ‪ | 16‬شتاء ‪ 2022‬م‬ ‫دورية مناء لعلوم الوحي والدراسات اإلنسانية‬ ‫‪70‬‬

‫علــى التحيــزات الثقافيــة والحضاريــة‪ ،‬ومحاولــة‬ ‫المتولــدة عنــه هــذا ال تجيــب عــن إشــكاالت‬
‫تأســيس براديغــم متحيــز ثقافيًــا وحضار يًــا‪،‬‬ ‫واقــع مجتمعــات العالــم الثالــث‪« ،‬فيحــاول‬
‫ممــا أوقعهــا فــي نفــس األخطــاء المعرفيــة‬ ‫الكثيــرون إقحامهــا فــي تفكريهــم مهمــا كان‬
‫التــي انتقدتهــا‪ ،‬حيــث مــا تــزال هــذه المحــاوالت‬ ‫ً‬
‫واســعا‬ ‫ً‬
‫باهظــا أو أصبحــت مجــا ًلا‬ ‫الثمــن‬
‫الطريفــة‪ ،‬تجــذب إليهــا الباحثــون المبتدئــون‬ ‫ً‬
‫ومرتعــا للمتاهــات اللفظيــة‬ ‫الغتــراب بحوثنــا‬
‫والشــباب المتحمــس‪ ،‬بينمــا ُ‬
‫ينفــر منهــا الباحثــون‬ ‫وخروجً ــا واضحً ــا خطيــ ًر ا عــن المســأليات‬
‫المتمرســون؛ ألنهــم يعتقــدون أن البراديغــم‬ ‫واالشــكاليات العربيــة األصيلــة»(((‪ ،‬وعلــى‬
‫ُ‬
‫يكمــن الخطــأ فــي أسســه‬ ‫الوضعــي والتأويلــي‪ ،‬ال‬ ‫هــذا األســاس‪ ،‬طــرح بعــص الباحثيــن فــي‬
‫المنهجيــة وافتراضاتــه اإلبســتيمولوجية‪ ،‬وإنمــا‬ ‫العالــم العربــي بدائــل منهجيــة‪ ،‬لعــل أمتنهــا‬
‫فــي إشــكالية اإلتقــان المنهجــي ألدواتــه وتقنياتــه‪،‬‬ ‫معرفيًــا محاولــة عبــدهللا حمــودي تأســيس‬
‫وصعوبــات أخــرى تتعلــق بالجوانــب الذاتيــة‬ ‫أنثربولوجيــا عربيــة‪« ،‬هــم مشــروعي هــذا هــو‬
‫للمبحوثيــن فــي مجتمعــات العالــم الثالــث‪ ،‬الذيــن‬ ‫إنتــاج البديــل المعرفــي مــن طــرف الباحثيــن‬
‫ال يتعاونــون مــع الباحثيــن‪ ،‬ممــا يؤثــر ســلبيا علــى‬ ‫المنتميــن الــى المنطقــة المغاربيــة والعربيــة‪،‬‬
‫نتائــج الدراســات الميدانيــة‪ ،‬وبالتالــي‪ ،‬لــم تتمكــن‬ ‫وعلــى أســاس تطلعــات شــعوبها‪ ،‬واألســئلة‬
‫هــذه المحاولــة علــى جديتهــا مــن طــرح براديغــم‬ ‫العريضــة التــي يطرحهــا النــاس يوميًــا علــى‬
‫بديــل‪.‬‬ ‫أنفســهم ومجتمعاتهــم‪ ،‬وبطبيعــة الحــال‪،‬‬
‫فــإن نقــد الخطابــات الغربيــة مــن حيــث هــي‬
‫خاتمة‬ ‫خطابــات همينــة وتحيــز لــه دور حيــوي»(((‪.‬‬

‫خضعــت المعرفــة السوســيولوجية منــذ‬ ‫علــى وجاهــة هــذا النقــد الــذي وجــه‬
‫نشــأتها الــى براديمغــات معرفيــة‪ ،‬وهــي عبــارة‬ ‫للبراديغــم الوضعــي والتأويلــي فــي المعرفــة‬
‫عــن مجموعــة مــن االفتراضــات اإلبســتمية‬ ‫نســبية‬ ‫عــن‬ ‫والكشــف‬ ‫السوســيولوجية‪،‬‬
‫والنظريــات والقواعــد المنهجيــة التــي يتبعهــا‬ ‫االفتراضــات اإلبســتيمولوجية التــي ينطلــق‬
‫الباحثــون فــي دراســة الظواهــر االجتماعيــة‪،‬‬ ‫منهــا‪ ،‬واســتحالة تطبيــق قواعــده المنهجيــة‬
‫يتحــدد فــي ضوئهــا المنهــج الــذي يمكننــا مــن‬ ‫علــى الظواهــر االجتماعيــة فــي مجتمعــات‬
‫دراســة الظواهــر االجتماعيــة‪ ،‬ومــدار النقــاش‬ ‫العالــم الثالــث‪ ،‬إال أن هــذه المحاولــة شــابها‬
‫إلــى يومنــا هــذا يــدور حــول الثنائيــات الشــهيرة‪:‬‬ ‫القصــور المنهجــي والمعرفــي‪ ،‬بســب التركيــز‬
‫الوضعــي والتأويلــي‪ ،‬الموضوعــي والذاتــي‪،‬‬ ‫((( عبــد الوهــاب بوحديبــة‪ ،‬ألفهــم فصــول عــن المجتمــع‬
‫الميكــرو والماكــرو‪ ،‬الفاعــل والبنيــة‪ ،‬حيــث‬ ‫والديــن‪ ،‬ط‪ (1‬تونــس‪ :‬الدارالتونســية للنشــر‪ ،)1992 ،‬ص‪.18‬‬
‫((( عبــد هللا حمــودي‪ ،‬المســافة والتحليــل‪ ،‬فــي صياغــة‬
‫تعبــر هــذه الثنائيــات التــي تختــرف المعرفــة‬ ‫أنثروبولوجيــا عربيــة‪ ،‬ط‪ (1‬المغــرب‪ :‬دار توبقــال للنشــر‪،)2019 ،‬‬
‫ص ‪.8‬‬
‫‪71‬‬ ‫أتلا مغيداربلا ىلإ يعضولا مغيداربلا نم‬

‫للباحثيــن‪ ،‬لذلــك نعتقــد أن ســؤال المنهــج ســيبقى‬ ‫السوســيولوجية عــن تعــدد زوايــا النظــر‬
‫ســؤا ًلا حاض ـ ًر ا يطــرح علــى كل باحــث يشــتغل فــي‬ ‫العقلــي إلــى العوالــم االجتماعيــة‪ ،‬لــذا علينــا‬
‫حقــل السوســيولوجيا‪.‬‬ ‫كباحثيــن فــي العالــم العربــي أن ننخــرط فــي‬
‫هــذا النقــاش لإلثــراء واإلغنــاء‪ ،‬دون أن نصــد‬
‫الباحثــون فــي العالــم العربــي مطالبــون‬
‫عنهــا بحجــة هــذا التعــدد المنهجــي‪ ،‬فحتــى‬
‫المعرفــة‬ ‫فــي‬ ‫المنهــج‬ ‫ســؤال‬ ‫بطــرح‬
‫العلــوم الطبيعيــة التــي تعتبر أكثر رسـ ً‬
‫ـوخا من‬
‫السوســيولوجية‪ ،‬وتكييفــه بحســب الســياق‬
‫الناحيــة المنهجيــة‪ ،‬ال تــزال تعــرف نقاشــات‬
‫االجتماعــي والتاريخــي للمجتمعــات العربيــة‪،‬‬
‫حــادة حــول وضعياتهــا اإلبســيتمولوجية‪ ،‬أمــا‬
‫فالبراديغــم المنهجــي الوضعــي الــذي كانــت لــه‬
‫مــن أراد أن ينخــرط فــي نقــد هــذه المناهــج‪،‬‬
‫الحظــوة‪ ،‬نظــ ًر ا لســهولة اســتيعاب قواعــده‬
‫فإنــه ســيمر عبــر تأزيــم أسســها وقواعدهــا‬
‫ُ‬
‫اســتبعد‬ ‫المنهجيــة الكميــة‪ ،‬فــي المقابــل‪،‬‬
‫اإلمبريقيــة‪،‬‬ ‫بالممارســات‬ ‫ومنطلقاتهــا‬
‫البراديغــم التأويلــي‪ ،‬نظــ ًر ا لصعوبــة قواعــده‬
‫هــي‬ ‫الميدانيــة‪،‬‬ ‫والممارســة‬ ‫فالتجريــب‬
‫المنهجيــة وتداخلهــا مــع الفلســفة‪ ،‬والقائــم‬
‫التــي تحكــم عــن مــا تبقــي صالحً ــا مــن هــذه‬
‫علــى تأويــل الفعــل االجتماعــي‪ ،‬وفهــم دوافــع‬
‫المنهــج فــى تحليــل الظواهــر االجتماعيــة‬
‫ومقاصــد الفاعليــن االجتماعييــن‪ ،‬لــذا‪ ،‬يحتــاج‬
‫فــي المجتمعــات الحديثــة‪ ،‬كمــا تســهم‬
‫الباحــث العربــي أن ينفتــح علــى كل المناهــج‬
‫هــذه الممارســات البحثيــة فــي بلــورة بدائــل‬
‫التــي طورتهــا السوســيولوجيا المعاصــرة‪ ،‬وأن‬
‫منهجيــة تثــري المعرفــة السوســيولوجية‪.‬‬
‫يبتعــد عــن النقــد األيديولوجــي للمنهــج فــي‬
‫علــم االجتمــاع‪ ،‬كمــا يحــاول البعــض تأســيس‬ ‫ســؤال المنهــج فــي المعرفــة السوســيولوجية‪،‬‬
‫مركزيــة عربيــة‪ ،‬نــرى أنهــا ال تســهم فــي ترســيخ‬ ‫ســؤال يحمــل علــى الــدوام إجابــات متعــددة بحســب‬
‫وتوطيــن المعرفــة السوســيولوجية‪ ،‬وإنمــا‬ ‫الســياقات التاريخيــة واالجتماعيــة التــي يطــرح‬
‫تزيــد مــن مأســاتها علــى مســتوى الخطــاب‬ ‫فيهــا‪ ،‬ســؤال تتحكــم فــي اســتفهاميته البنيــة‬
‫األكاديمــي الجامعــي‪.‬‬ ‫السوســيولوجة‪،‬‬ ‫للمعرفــة‬ ‫االبســتيمولوجية‬
‫كالســؤال عــن أفضــل األدوات والتقنيــات التــي‬
‫وعــي الباحثيــن بالبراديغمــات المنهجيــة التــي‬
‫يمكــن أن يعتمــد عليهــا الباحثــون فــي دراســة‬
‫تشــكلت فــي المعرفــة السوســيولوجية‪ ،‬يجــب‬
‫الظواهــر االجتماعيــة‪ ،‬وقــد يكــون ســؤال المنهــج‬
‫أن ال يحجــب عنهــم تلــك العالقــة الجدليــة بيــن‬
‫مــن خــارج حــدود المعرفــة السوســيولوجية‪،‬‬
‫المنهــج والنظريــة فــي السوســيولوجيا‪ ،‬فنحــن‬
‫كاألســئلة الفلســفية النقديــة حــول موضوعيــة‬
‫عندمــا تحدثنــا عــن البراديغــم الوضعــي أو التأويلــي‪،‬‬
‫بيــن‬ ‫والعالقــة‬ ‫السوســيولوجية‪،‬‬ ‫المعرفــة‬
‫يجــب أن يكــون لدينــا وعــي بمنطلقاتــه‪ ،‬وامتداداتــه‪،‬‬
‫السوســيولوجيا والتحيــزات األيديولوجيــة والثقافيــة‬
‫بحــث يتجلــى كل براديغــم فــي نظريــات عديــدة‪،‬‬
‫العدد ‪ | 16‬شتاء ‪ 2022‬م‬ ‫دورية مناء لعلوم الوحي والدراسات اإلنسانية‬ ‫‪72‬‬

‫‪-‬بوبــر‪ ،‬كارل‪ ،‬عقــم المذهــب التاريخي‪،‬دراســة‬ ‫تشــترك فــي مجموعــة مــن القواعــد واالفتراضــات‬
‫فــي مناهــج العلــوم االجتماعيــة‪ ،‬ترجمــة‪ :‬عبــد‬ ‫المنهجيــة‪ ،‬وفــي كيفيــة تفســير الظواهــر‬
‫الحميــد صبــرة‪) ،‬مصــر‪ :‬دار المعــارف‪.)1959 ،‬‬ ‫االجتماعيــة‪ ،‬وهنــا‪ ،‬هــذا االحتــراز ضــروري حتــى ال‬
‫نقــع فريســة للنزعــة الميثدولوجيــة‪ ،‬التــي تعلــي‬
‫‪-‬بوحديبــة‪ ،‬عبــد الوهــاب‪ ،‬ألفهــم فصــول عــن‬
‫مــن قيمــة المنهــج علــى حســاب النظريــة‪ ،‬حيــث‬
‫المجتمــع والديــن‪ ،‬ط‪ (1‬تونــس‪ :‬الــدار التنوســية‬
‫نالحــظ نزعــة إمبيريقيــة كميــة أصبحــت ســائدة فــي‬
‫للنشــر‪،)1992 ،‬‬
‫الممارســات البحثيــة علــى مســتوى الجامعــات‬
‫جيدنــز‪ ،‬انتونــي‪ ،‬قواعــد جيديــدة للمنهــج فــي‬ ‫العربيــة‪ ،‬تحولــت معهــا المعرفة السوســيولوجية‬
‫علــم االجتمــاع‪ ،‬ترجمــة‪ :‬محمــد محــي الديــن‪،‬‬ ‫إلــى مجــرد معــادالت رياضيــة إحصائيــة باهتــة‪،‬‬
‫(مصــر ‪ :‬المركــز القومــي للترجمــة‪.)2000 ،‬‬ ‫مفرغــة مــن كل تحليــل سوســيولولجي‪.‬‬

‫جيدنــز‪ ،‬انتونــي‪ ،‬مقدمــة نقديــة فــي علــم‬


‫الببيلوغيرافيا‪:‬‬
‫االجتمــاع‪ ،‬ترجمــة‪ :‬أجمــد زايد وآخــرون‪ ،‬ط‪(2‬القاهرة‪،‬‬
‫مطبوعــات مركــز البحــوث والدراســات االجتماعيــة‪،‬‬ ‫‪-‬أنصــار‪ ،‬بيــار‪ ،‬العلــوم االجتماعيــة المعاصــر‪،‬‬
‫‪.)2006‬‬ ‫ترجمــة‪ :‬نخلــة فريفــر‪ ،‬ط‪ (1‬المغــرب‪ :‬المركــز‬
‫الثقافــي العربــي‪.)1992 ،‬‬
‫حمــودي‪ .‬عبــد هللا‪ ،‬المســافة والتحليــل‪ ،‬فــي‬
‫صايغــة انثروبولوجيــا عربيــة‪ ،‬ط‪ (1‬المغــرب‪ :‬ادار‬ ‫‪-‬أهــاو‪ ،‬آالن‪ ،‬النظريــة النقديــة‪ ،‬مردســة‬
‫توبقــال للنشــر‪)2019 ،‬‬ ‫فرانكفــورت‪ ،‬ترجمــة‪ :‬ثائــر ديــب‪ ،‬ط‪(1‬مصــر‪:‬‬
‫المركــز القومــي للترجمــة‪.)2010 ،‬‬
‫دورتيــه‪ ،‬ج‪.‬ف‪ .‬معجــم العلــوم اإلنســانيّة‬
‫ترجمــة‪ :‬جــورج كتــورة‪ ،‬ط‪(2.‬بيــروت‪ -‬لبنــان‪:‬‬ ‫‪-‬باســينو‪،‬جيفاني‪ ،‬نقــد المعرفــة فــي علــم‬
‫كلمــة ومجــد المؤسســة الجامع ّيــة للدراســات‬ ‫االجتمــاع‪ ،‬ترجمــة‪ :‬محمــد عــرب صاصيــا‪ ،‬ط‪1‬‬
‫والنشــر والتوزيــع‪.)2011 ،‬‬ ‫(لبنــان‪ :‬المؤسســة الجامعيــة للدراســات‬
‫والنشــر والتوزيــع‪.)2008 ،‬‬
‫المنهــج‬ ‫قواعــد‬ ‫اميــل‪،‬‬ ‫دوركايــم‪.‬‬
‫الوسوســيولوجي ترجمــة‪ :‬محمــد ســبعيني‪( .‬‬ ‫‪-‬بوبــر‪ ،‬كارل‪ ،‬أســطورة اإلطــار‪ ،‬فــي الدفــاع‬
‫الجزائــر‪ :‬دار القصبــة للنشــر‪.)2008 ،‬‬ ‫عــن العلــم والعقالنيــة‪ ،‬ترجمــة‪ :‬يمنــى طريــف‬
‫الخولــي‪ ،‬العــدد‪( ،292:‬الكويــت‪ :‬المجلــس الوطني‬
‫ديلتــاي‪ .‬فلهلــم‪ ،‬إقامــة العالــم التاريخــي فــي‬
‫للثقافــة والفنــون‪ ،‬واآلداب‪.)2001 ،‬‬
‫علــوم الــورح‪ ،‬ترجمــة‪ :‬فتحــة انقــزو‪ ،‬ط‪ (1‬تونــس‪:‬‬
‫‪73‬‬ ‫أتلا مغيداربلا ىلإ يعضولا مغيداربلا نم‬

‫االنساســة‪ ،‬ترجمــة‪ :‬حســين قبيســي‪ ،‬ط‪(1‬لبنــان‪:‬‬ ‫المركــز الوطنــي للترجمــة‪.)2015 ،‬‬


‫دار التنويــر للطباعــة والنشــر والتوزيــع‪.)2008 ،‬‬
‫فيبــر‪ ،‬ماكــس‪ ،‬مفاهيــم اساســية فــي علــم‬
‫مهــان‪ .‬جــاك‪ .‬الخطابــات علــم االجتمــاع‪،‬‬ ‫االجتمــاع‪ ،‬ترجمــة‪ :‬صــاح هــوال‪ ،‬ط‪( 1‬مصــر‪:‬‬
‫ترجمــة‪ :‬عياشــي عنصــر‪ (،‬األردن‪ :‬دار المســيرة‪،‬‬ ‫المركــز القومــي للترجمــة‪.)2011 ،‬‬
‫ط‪.)2010 ،1‬‬
‫كابــان‪ ،‬فليــب‪ ،‬جــان فرنســوا دروتيــه‪ ،‬علــم‬
‫ناشــي‪ .‬محمــد‪ ،‬مدخــل إلــى علــم االجتمــاع‬ ‫االجتمــاع مــن النظريــات الكبــرى إلــى الشــؤون‬
‫البراغماتــي‪ ،‬ترجمــة‪ :‬طواهــري ميلــود‪ ،‬ط‪(1‬بيــروت‪:‬‬ ‫اليوميــة‪ ،‬ترجمــة‪ :‬ايــاس حســن‪ ،‬ط‪ (1‬ســوريا‪ :‬دار‬
‫دار الروافــد الثقافية‪-‬ناشــرون‪.)2014 ،‬‬ ‫الفرقــد للطباعــة والنشــر والتوزيــع‪.)2010 ،‬‬

‫هس‪-‬بيبر‪.‬شــارلين‪ ،‬باتريشــيا ليفــي‪ ،‬البحــوث‬ ‫كريــب‪ .‬أيــان‪ ،‬النظريــة فــي علــم االجتمــاع‪،‬‬
‫الكيفيــة فــي العلــوم االجتماعيــة‪ ،‬ترجمــة‪ :‬هنــاء‬ ‫مــن بارســونز الــى هابرمــاس‪ ،‬ترجمــة‪ :‬محمــد‬
‫الجوهري‪،‬ط‪(1‬مصــر‪ :‬المركــز القومــي للترجمــة‪،‬‬ ‫حســين غلــوم‪ ،‬العــدد‪( ،244 :‬الكويــت‪ :‬المجلــس‬
‫‪)2011‬‬ ‫األعلــى للفنــون والثقافــة واالداب‪،)1999 ،‬‬

‫الكنــز‪ .‬علــي‪ ،‬المســألة النظريــة والسياســية‬


‫قائمة المجالت‪:‬‬
‫لعلــم االجتمــاع‪ ،‬فــي كتــاب‪ :‬نحــو علــم االجتمــاع‬
‫احســن احجيج‪ ،‬التفســير القصدي للســلوك‬ ‫العربــي‪ ،‬محمــد عــزت حجــازي وآخــرون‪،‬ط‪(1‬‬
‫االجتماعــي وشــروط صدقيتــه‪ ،‬مجلــة عمــران‬ ‫بيــروت‪ :‬مركــز دراســات الوحــدة العربيــة‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫للعلــوم االجتماعيــة‪ ،‬العــدد ‪( 29‬صيــف ‪.)2019‬‬ ‫‪.)1989‬‬

‫باســم محــود‪ ،‬نحــو علــوم اجتماعيــة فــي‬ ‫كــون‪ .‬تومــاس‪ ،‬بنيــة الثــورات العلميــة‪،‬‬
‫الســياق العربــي‪ :‬فــي الحاجــة الــى النظريــة‬ ‫ترجمــة‪ :‬شــوقي جــال‪ ،‬العــدد‪( ،168 :‬الكويــت‪:‬‬
‫المتجــذرة‪ ،‬مجلــة عمــران للعلــوم االجتماعيــة‪،‬‬ ‫المجلــس الوطنــي للثقافــة والفنــون واآلداب‪،‬‬
‫العدد‪(26‬خريــف ‪.)2018‬‬ ‫‪)1992‬‬

‫‪References:‬‬ ‫اليــك‪ .‬ديــرك‪ ،‬قضايــا التنظيــر فــي البحــث‬


‫االجتماعــي‪ ،‬ترجمــة‪ :‬عدلــي الســمري‪ ،‬ط‪ (1‬مصــر‪:‬‬
‫‪Gilles Willett,‬‬ ‫‪Paradigme,‬‬
‫المركــز القومــي للترجمــة‪.)2000 ،‬‬
‫‪théorie,‬‬ ‫‪modèle,‬‬ ‫‪schéma :‬‬ ‫‪qu’est-ce‬‬
‫ليفــي شــتراوس‪ .‬كلــود‪ ،‬مقــاالت فــي‬
‫‪donc ? , Communication et organisation [En‬‬
‫ م‬2022 ‫ | شتاء‬16 ‫العدد‬ ‫دورية مناء لعلوم الوحي والدراسات اإلنسانية‬ 74

Juliette Grange, Lire Auguste Comte ligne], 1996 | 10, mis en ligne le 26 mars
aujourd’hui, Entre Science et société 2012, consulté le 28 février 2020. URL
, Bulletin de la Sabix, 20-11 ,2002 | 30.
fetcu, Nicolae, Imre Lakatos, La
Lahouari Addi, sociologie et méthodologie des programmes de
anthropologie chez Pierre Bourdieu Le recherche scientifique , SetThings (25 mars
paradigme anthropologique kabyle et 2019), MultiMedia Publishing.
ses conséquences théoriques, Frence ; La
URL = https://www.setthings.com/
Découverte, 2002.
fr/imre-lakatos-la-methodologie-des-
Julien Farges, LE RÔLE DU CONCEPT programmes-de-recherchescientifique.
D’ÂME DANS LA FONDATION DES SCIENCES
Alain Touren, LES ÉCOLES
DE L’ESPRIT Entre phénoménologie,
SOCIOLOGIQUES, Cahiers de recherche
néokantisme et philosophie de la vie,
sociologique, no 14, printemps 1990.
Archives de Philosophie ,4/2014 Tome 77,
Yao Assogba, La sociologie de Raymond
Jean-François Dortier, La sociologie;
Boudon. Essai de synthèse et applications
Editions Sciences Humaines, 2009, p34.
de l’individualisme méthodologique,
Frédéric Gonthier, RELATIVISME ET Québec : Les Presses de l’Université Laval-
VÉRITÉ SCIENTIFIQUES CHEZ MAX WEBER, l’Harmattan, 1999.
L’Année sociologique , 1/2006 Vol. 56.
Boudon Raymond ,Traité de sociologie,
Alex Mucchielli, Le développement Paris, Presses Universitaires de France,
des méthodes qualitatives et l’approche 1992.
constructiviste des phénomènes humains
Moustfa Boutafnouchet, introduction a
, RECHERCHES QUALITATIVES– Hors-Série –
la sociologie, les fendement, O-N-U , alger,
Numéro 1, p11
1990.
Actes du colloque RECHERCHE
Comte, Cours de philosophie positive I.
QUALITATIVE ET PRODUCTION DE SAVOIRS,
Leçons 1 à 45, éd. M. Serres, F. Dagognet,
UQAM, 12 mai 2004.
A. Sinaceur, Paris : Hermann, 1998.
75 ‫أتلا مغيداربلا ىلإ يعضولا مغيداربلا نم‬

Naishtat Francisco s. Max Weber et


l’individualisme méthodologique. In:
Raison présente, n4 ,116°e trimestre 1995.

Raymond Boudon, THÉORIE DU


CHOIX RATIONNEL OU INDIVIDUALISME
MÉTHODOLOGIQUE ? Revue du MAUSS »,
2/2004, no24.

Guy HUARD, Alfred SCHÜTZ :LE


CHERCHEUR ET LE QUOTIDIEN, Publié
dans Aspects sociologiques, Vol. 5, no 1,
novembre 1996

Jean –Yves Couser, Criosement des


methodes et approfondessement d un
regard, la scientificite de empirisme en
sociologie, sous la derection de abdehalim
Berretima, L Harmattan ,2019.

Yannick Barthe et autre,SOCIOLOGIE


PRAGMATIQUE : MODE D’EMPLOI, Politix
,3/2013 N° 103,p 178.

Wiebke Keim, POUR UN MODÈLE


CENTRE-PÉRIPHÉRIE DANS LES SCIENCES
SOCIALES, Aspects problématiques des
relations internationales en sciences
sociale, Revue d’anthropologie des
connaissances, 3/2010 Vol 4, n° 3.

You might also like