You are on page 1of 18

‫مجلة العلوم اإلنسانية والطبيعية ‪Humanitarian & Natural‬‬

‫‪HNSJ‬‬ ‫‪Sciences Journal‬‬


‫‪ISSN: (e) 2709-0833‬‬
‫‪www.hnjournal.net‬‬
‫مجلة علمية محكمة (التصنيف‪)NSP :‬‬
‫معامل التأثير العربي للعام ‪0.44 = 2020‬‬

‫عنوان البحث‬

‫البعد التداويل يف اخلطاب القرآني‬


‫(سورة يوسف امنوذجا)‬

‫‪1‬‬
‫كاروان حمه باقي عبدالكريم‬

‫جامعة اسطنبول آيدن‪ ،‬تركيا‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫بريد الكتروني‪abu.kardeen2016@gmail.com :‬‬


‫‪HNSJ, 2022, 3(1); https://doi.org/10.53796/hnsj3151‬‬

‫تاريخ القبول‪2021/12/25 :‬م‬ ‫تاريخ النشر‪2022/01/01 :‬م‬

‫المستخلص‬

‫يتناول هذا البحث تقصي األبعاد التداولة في القرآن الكريم من خالل "سورة يوسف"‪ ،‬وقامت الدراسة على رصد‬
‫درجات التداولية الثالث‪ ،‬كما أشار إليها "هانسون" ممثلة في واألفعال الكالمية اإلشارات والحجاج‪.‬‬
‫وقد اقتضت طبيعة هذا البحث أن يكون في ثالث فصول؛ ‪،‬فأما المقدمة فقد تناولت فيها تعريف التداولية وأهمية‬
‫الموضوع وصعوبات التي واجهتها‪ .‬وأما التمهيد فقد تناولت فيه المعنى اللغوي واالصطالحي للتداولية‪ ،‬ثم أشرت إلى‬
‫تعالقها بمختلف العلوم األخرى‪ ,‬كما تحدثت عن الخطاب القرآني‪.‬‬
‫وأما الفصل األول كان الحديث عن األفعال الكالمية في التراث اللساني العربي وفي منظومة البحث اللغوي الغربي‬
‫المعاصر ومن ثم كان الحديث فيه عن األفعال الكالمية ومحدداتها في السورة‪ ..‬وفي الفصل الثاني تطرقت إلى‬
‫موضوع الحجاج ومفهومه‪ ،‬في التراث القديم وعند المحدثين‪ ،‬ومفهومه عند الغرب قديما وحديثا‪ ،‬ودالالته في القرآن‬
‫الكريم‪ ،‬وأشكاله وأنواعه ثم تعرضت فيه إلى اآلليات البالغية للحجاج المتوفرة في السورة‪ .‬ومدى تحقق قيمتها‬
‫الحجاجية‪ .‬تناولت في الفصل الثالث اإلشارات في معناها وتعريفها وأنواعها وتتبعت فيه اآلليات اإلشارة في السورة‬
‫موضوع الدراسة في أنواعها الثالثة وكل محددات اإلشارات الشخصية و المكانية والزمانية‪ .‬وفي األخير‪ ،‬خاتمة‬
‫كانت خالصة لما توصلت إليه في البحث‪.‬‬

‫الكلمات المفتاحية‪ :‬األبعاد التداولية ‪ -‬الخطاب القرآني ‪ -‬اإلشارات ‪ -‬الحجاج ‪ -‬األفعال الكالمية‪.‬‬
HNSJ Volume 3. Issue 1 ‫البعد التداولي في الخطاب القرآني‬

RESEARCH TITLE

THE DELIBERATIVE DIMENSION IN THE QUR'ANIC


DISCOURSE
(SURAT YUSUF AS A MODEL)

Karwan Hama Baqi Abdul Karim1

1
Istanbul Aydin University
Email: abu.kardeen2016@gmail.com

HNSJ, 2022, 3(1); https://doi.org/10.53796/hnsj3151

Published at 01/01/2022 Accepted at 25/12/2021

Abstract

This research deals with the investigation of the dimensions traded in the Holy Quran
through "Surat Yusuf" The study was based on monitoring the three degrees of pragmatics,
as referred to by "Hanson" represented in verbal acts, signs and arguments, The nature of
this research required that it be in three chapters , As for the introduction, it dealt with the
definition of pragmatics, the importance of the topic, and the difficulties it faced . As for the
preface, it dealt with the linguistic and idiomatic meaning of pragmatics. Then I referred to
its relationship with various other sciences, as I talked about the Qur’anic discourse As for
the first chapter, the talk was about verbal verbs in the Arabic linguistic heritage and in the
contemporary Western linguistic research system, and then it was about verbal verbs and
their determinants in the surah. And recently, and its implications in the Noble Qur’an, and
its forms and types, then I was exposed in it to the rhetorical mechanisms of pilgrims
available in the surah. and the extent to which its pilgrimage value is achieved. In the third
chapter, I dealt with the signs in their meaning, definition and types, in which the
mechanisms of the sign in the surah under study were followed in their three types and all
the determinants of personal, spatial and temporal signs. Finally, a conclusion was a
summary of what I found in the research

Key Words: pragmatic dimensions - Quranic discourse - signs - pilgrims - verbal verbs.

www.hnjournal.net )1( ‫) العدد‬3( ‫المجلد‬ ‫مجلة العلوم اإلنسانية والطبيعية‬ 2022 ‫ يناير‬،‫كاروان عبد الكريم‬ 856 | ‫صفحة‬
‫‪HNSJ Volume 3. Issue 1‬‬ ‫البعد التداولي في الخطاب القرآني‬

‫مقدمة‬

‫الحمد هلل حمداً يليق بجالله وكماله‪ ,‬والصالة والسالم على محمد وآله ‪ ,‬أما بعد‪:‬‬

‫خلق هللا اإلنسان في أحسن تقويم‪ ،‬وزينه وكرمه بالعقل‪ ،‬لذلك كان ومازال العقل البشري منصبا على دراسة‬
‫مختلف العلوم وظواهرها‪ ،‬فاقتضى منه ذلك البحث إيجاد أفضل المناهج التي تمكنه من الوصول إلى الهدف‬
‫بموضوعية‪ ،‬أسهمت المدارس اللسانية فيما قدمته من دراسات بمناهجها‪ :‬التاريخية‪ ،‬البنوية‪ ،‬التوزيعية‪ ،‬التحويلية‬
‫التوليدية‪ ،‬التداولية ‪ -‬خاصة في الدراسات اللسانية المعاصرة‪ ،‬التي أعادت االعتبار للعامل غير اللساني ‪ ،‬بتفعيل‬
‫السياق في العملية التواصلية‪ ،‬جعل أفعال الكالم شرطة لنجاحها‪.‬‬

‫من خالل هذا المقال نحاول أن نشيرالى مفهوم التداولية وربطه بالقرآن الكريم كونه أصدق الكالم وأفضل‬
‫مقال‪ ,‬وندرس موضوع الحجاج في القرآن الكريم من خالل دراسات اللغوية التداولية‪ ,‬سائلين هللا أن يجعله سهال‬
‫يسي ار علينا‪.....‬‬

‫مباحث النظرية في التداولية والخطاب‬

‫إن مصطلح ‪ Pragmatics‬الذي يعني التداولية هو في األصل اليوناني من الجذر (‪ )Pragma‬الذي يعني‬
‫(‪)1‬‬
‫العمل ‪ ،Action‬ومنه اشتقت الصفة اليونانية ‪ Pragmatikos‬التي تحيل على كل ما يتعلق بمعاني العمل )‬

‫‪ .‬وايقترن بالمصطلح في اللغة الفرنسية المعنيان التاليان‪ ( :‬محسوس) و(مالئم للحقيقة)‪ ،‬أما في اإلنكليزية‪،‬‬
‫وهي اللغة التي كتبت بها أغلب النصوص المؤسسة للتداولية‪ -‬فإن كلمة ‪ Pragmatics‬تدل في الغالب على ما‬
‫(‪)2‬‬
‫له عالقة باألعمال والوقائع الحقيقية»‬

‫‪ ‬التداولية‪ :‬التداولية لغة‪:‬‬

‫التداولية أو التداوليات أو البراغماتية أو البرجماتية أو الوظيفية أو السياقية‪ ...‬دوال متواترة في اللغة العربية‬
‫في مقابل كلمة ‪ pragmaticus‬اليونانية ‪ ،‬المشتقة من ‪ Pragma‬وتعني الحركة أو الفعل ‪ Action‬بيد أن‬
‫مصطلح التداولية يظل األكثر استعماال وشيوعا بين الباحثين‪ .‬وهو مصطلح مركب من وحدتين إحداهما معجمية‬
‫"تداول" واألخري صرفية "ية " دالة على مصدر صناعي‬

‫وجاء في مقاييس اللغة البن فارس (ت ‪395‬هـ) أن‪( :‬الدال والواو والألم أصالن‪ :‬أحدهما يدل على تحول‬
‫شيء من مك ان إلى مكان‪ ،‬واآلخر يدل على ضعف واسترخاء‪ .‬فأما األول فقال أهل اللغة‪ :‬اندال القوم‪ ،‬إذا تحولوا‬
‫)(‪)3‬‬
‫من مكان إلى مكان‪ ،‬ومن هذا الباب تداول القوم الشيء بينهم‪ :‬إذا صار من بعضهم إلى بعض‬

‫ينظر‪ :‬لوصيف‪ ،‬الطاهر‪ :‬التداولية اللسانية‪ ،‬ص ‪6‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫بالنشيه‪ ،‬فيليب‪ :‬التداولية من أوستن إلى غوفمان‪ ،‬ص ‪17‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫ابن فارس(أبو الحسن أحمد بن زکريا الرازي‪ :‬مقاييس اللغة‪ ،‬تح‪ :‬عبد السالم محمد هارون‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬دط‪ ،‬دت‪ ،‬مج ‪ ،2‬ص‬ ‫(‪)3‬‬

‫‪.314 :‬‬

‫‪www.hnjournal.net‬‬ ‫المجلد (‪ )3‬العدد (‪)1‬‬ ‫مجلة العلوم اإلنسانية والطبيعية‬ ‫كاروان عبد الكريم‪ ،‬يناير ‪2022‬‬ ‫صفحة | ‪857‬‬
‫‪HNSJ Volume 3. Issue 1‬‬ ‫البعد التداولي في الخطاب القرآني‬

‫‪ ‬التداولية اصطالحا‪:‬‬

‫أما عن مصطلح التداولية كما يعرفه الغرب ب ‪ )pragmatique( :‬ظهر ألول مرة سنة (‪1938‬م)‪ ،‬على يد‬
‫الفيلسوف األمريكي (شارل وليام موريس ‪)Charles William | Morris‬‬

‫في حين يعرض "فيرشورن" تعريف عريضة بقوله (تدرس التداولية كل شيء إنساني في العملية التواصلية‪،‬‬
‫(‪)4‬‬
‫يضع النفسن" تعريفه أضيق فيقول (التداولية دراسة العالقات بين‬ ‫سواء كان نفسية أو بايولوجية أو اجتماعية)‬
‫(‪)5‬‬
‫اللغة والسياق كما هي مقعدة أو كما تعكسها بنية اللغة)‬
‫(‪)6‬‬
‫أما مصطلح (التداولية) العربي الذي يرجع األصل في إطالقه إلى طه عبد الرحمن‪ ،‬وذلك سنة ‪1970‬‬

‫كما حدد " مسعود صحراوي " مفهوم التداولية من خالل كتابه‪ « :‬التداولية عند العلماء العرب » بأنها‪« :‬‬
‫مذهب لساني يدرس عالقة النشاط اللغوي بمستعمليه وطرق وكيفيات استخدام العالمات اللغوية بنجاح‪ ،‬والسياقات‬
‫والطبقات المقامية المختلفة التي ينجز ضمنها " الخطاب "‪ ،‬والبحث عن العوامل التي تجعل من " الخطاب "‬
‫(‪)7‬‬
‫رسالة تواصلية واضحة وناجحة‪ ،‬والبحث في أسباب الفشل في التواصل باللغات الطبيعية‪»...‬‬

‫‪ ‬الخطاب القرآني‬

‫‪‬الخطاب‪  Discours :‬مفهومه لغة‪:‬‬

‫جمعت معاجم العربية على ما جاء في "لسان العرب" في تعريف الخطاب لغة بقوله‪« :‬خطب‪ :‬الخطب‪:‬‬
‫الشأن أو األمر‪ ،‬صغر أو عظم؛ وقيل‪ :‬وهو سبب األمر‪ .‬يقال‪ :‬ما خطبك؟؛ أي‪ :‬ما أمرك؟ وتقول‪ :‬هذا خطب‬
‫جليل‪ ،‬وخطب يسير‪ .‬والخطب‪ :‬األمر الذي تقع فيه المخاطبة‪ ،‬والشأن الحال‪ ،)...( ،‬وفي التنزيل‪( :‬قال ما‬
‫(‪)8‬‬
‫خطبكم أيها المرسلون)‬
‫(‪)9‬‬
‫‪ ،‬وجمعه خطوب»‬

‫‪ ‬مفهومه اصطالحا‪:‬‬

‫ورد لفظ الخطاب في الثقافة العربية‪ ،‬في عدة مواضع؛ إذ ورد في القرآن الكريم بصيغ متعددة منها صيغة‬
‫(‪)10‬‬
‫الفعل‬

‫شظايا لسانية‪59 :‬‬ ‫)‪(4‬‬

‫المصدر نفسه‪59 :‬‬ ‫(‪)5‬‬

‫ينظر‪ :‬في أصول الحوار وتجديد علم الكالم‪ ،‬ص ‪28‬‬ ‫(‪)6‬‬

‫مسعود صحراوي‪ ،‬التداولية عند العلماء العرب‪ ،‬دراسة تداولية لظاهرة األفعال الكالمية في التراث اللساني العربي‪ ،‬دار الطليعة للطباعة‬ ‫(‪)7‬‬

‫والنشر‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪2005 ،‬م‪ ،‬ص ‪5‬‬


‫سورة الحجر‪57/‬‬ ‫(‪)8‬‬

‫ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬دط‪2003 ،‬م‪ ، / 598 ،‬مادة( خطب)‬ ‫(‪)9‬‬

‫ينظر‪ :‬عبد الهادي بن ظافر الشهري‪ ،‬استراتيجيات الخطاب مقاربة لغوية تداولية‪ ،‬دار الكتاب الجديد المتحدة بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬دار الكتب‬ ‫(‪)10‬‬

‫الوطنية‪ ،‬بنغازي‪ -‬ليبيا‪ ،‬طا‪ ،‬آذار مارس‪2004 ،‬م‪ ،‬ص ‪34‬‬

‫‪www.hnjournal.net‬‬ ‫المجلد (‪ )3‬العدد (‪)1‬‬ ‫مجلة العلوم اإلنسانية والطبيعية‬ ‫كاروان عبد الكريم‪ ،‬يناير ‪2022‬‬ ‫صفحة | ‪858‬‬
‫‪HNSJ Volume 3. Issue 1‬‬ ‫البعد التداولي في الخطاب القرآني‬

‫‪ ،‬نحو قوله تعالى‪( :‬وإذا خاطبهم الجهلون قالوا سالما) (‪ ،)11‬والمصدر في قوله تعالى‪( :‬رب السموات‬
‫وفي قوله لداوود عليه السالم‪( :‬وشددنا ملكه واتيناه‬ ‫(‪)12‬‬
‫واألرض وما بينهما الرحمن ال تملكون منه خطابا )‬
‫(‪)13‬‬
‫الحكمة وفصل الخطاب)‬

‫الحجاج في سورة يوسف‬

‫ال تكاد تخلو كتب التراث العربي اإلسالمي وغيرها من تداول مصطلح الحجاج‪ ،‬أو "االحتجاج" أو "المحاة‬
‫في عدة مجاالت‪ ،‬خاصة في المسائل ذات الطابع الفكري والفلسفي‪ ،‬التي تستدعي اإلقناع والتأثير‪ ،‬ويعتريها‬
‫الخالف في وجهات النظر والتأويل‪ ،‬هكذا نجده مستعمال في علوم شتی نحوا ولغة وقراءة وحديثا وفقها وأصوال‬
‫ومنطقا وفلسفة‪ ...‬لذا تعددت تعريفاته‪ ،‬ودارت حول عناصر موضوعية وبنائية ووظيفية شتى‪ ،‬فميدان الحجاج‬
‫واسع‪ ،‬فتحت له أبواب البحث والدراسة الرتباطه بعلوم كثيرة‪.‬‬

‫وكان العلم البالغة الدور الكبير في إبراز أهمية الحجاج أثناء التخاطب‪ ،‬ذلك أنها ترتكز على جانبين اثنين‬
‫في الخطاب هما‪:‬‬

‫‪ -1‬البيان‪.‬‬

‫‪ -2‬والحجاج لغاية إقناع المستمع‪.‬‬

‫وكان الحجاج يستمد حدوده من مرجعية خطابية وخصوصية الحقل يندمج في استراتيجياته الفردية‬
‫والجماعية‪ ،‬وال غرابة والحال هذه أن هناك حجاجا خطابيا (لسانيا)‪ ،‬وحجاجا (بالغا)‪ ،‬وآخر قضائيا أو سياسيا أو‬
‫فلسفيا‪...‬‬

‫لذا فمن المفيد جدا ألجل التوضيح‪ ،‬أن نبين وضعية مفهوم الحجاج في مجاالته االستعمالية األساسية‪،‬‬
‫لنعطي أوسع اآلفاق لدالالته‪ ،‬فوظيفته المفهومية والمنهجية‪ ،‬قد ال تتحدد إال في سياقها الخاص‪ ،‬فعلينا أن نكون‬
‫اطالعا معرفيا أوليا حول المعنى اللغوي واالصطالحي للفظ الحجاج‪.‬‬

‫‪ ‬مفهوم الحجاج‪ :‬الداللة اللغوية للحجاج‪:‬‬

‫تكاد تجمع المعاجم العربية في تعريفها للحجاج على ما جاء في "لسان العرب" البن منظور"‪« :‬يقال‬
‫حاججته‪ ،‬أحاجه حجاجا حتى حججته‪ :‬أي غلبته بالحجج التي أدليت بها (‪ )...‬والحجة‪ :‬البرهان وقيل ‪ :‬الحجة‪:‬‬
‫ما دافع به الخصم‪ ،‬وقال "األزهري"‪ :‬الحنية الوجه الذي يكون به الظفر عند الخصومة‪ ،‬وهو رجل محاجج‪ ،‬أي‬
‫(‪)14‬‬
‫جدل وفي الحديث‪ :‬فحج آدم موسى أي؛ غلبه بالحجة»‪.‬‬

‫سورة الفرقان‪63 /‬‬ ‫(‪)11‬‬

‫سورة النبأ‪37 /‬‬ ‫(‪)12‬‬

‫سورة ص ‪38‬‬ ‫(‪)13‬‬

‫)‪ ) 14‬ابن منظور (أبو الفضل جمال الدين محمد بن مکرم)‪ :‬لسان العرب المحيط‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،1‬مج ‪ ،11‬مادة حجج‪ ،‬ص‪:‬‬
‫‪.570‬‬

‫‪www.hnjournal.net‬‬ ‫المجلد (‪ )3‬العدد (‪)1‬‬ ‫مجلة العلوم اإلنسانية والطبيعية‬ ‫كاروان عبد الكريم‪ ،‬يناير ‪2022‬‬ ‫صفحة | ‪859‬‬
‫‪HNSJ Volume 3. Issue 1‬‬ ‫البعد التداولي في الخطاب القرآني‬

‫وإذا رجعنا إلى "ابن فارس" وجدناه يحصر مادة (حجج) في أربعة معان كبری‪« :‬الحاء والجيم أصول أربعة‪:‬‬

‫‪ -1‬فاألول‪ :‬القصد‪ :‬وكل قصد حج‪ ...‬ثم اختص االسم القصد إلى البيت الحرام‪.‬‬

‫‪ -2‬واألصل اآلخر‪ :‬الحجة‪ ،‬وهي السنة‪.‬‬

‫‪ -3‬واألصل الثالث‪ :‬الحجاج‪ :‬وهو العظم المستدير حول العين‪.‬‬


‫(‪)15‬‬
‫‪ -4‬واألصل الرابع‪ :‬الحجحجة‪ :‬النكوص»‬

‫‪ ‬نظرية الساللم الحجاجية‪:‬‬

‫تطرح هذه النظرية تصو ار لعمل المحاججة من حيث هو تالزم بين قول الحجة ونتيجتها‪ ،‬لكن قول الحجة‬
‫والنتيجة في تالزمها تعكس تعدا للحجة في مقابل النتيجة الواحدة على أن هناك تفاوتا من حيث القوة فيما يخص‬
‫بناء هذه الحجج‪ ،‬كما أن الحجج قد تنتمي إلى قسم واحد كقولنا‪ :‬الطالب مجتهد (ن) فقد نجح في المسابقة بامتياز‬
‫(‪)17‬‬
‫‪ .‬وكمثال على‬ ‫(ق ‪ )1‬وتحصل على جائزة الجامعة (ق‪ « ،)16( )2‬والسلم الحجاجي هو عالقة ترتيبية للحجج»‬
‫ذلك جملة‪" :‬الطالب مجتهد نجح في المسابقة بامتياز"‪ .‬ويمكن تمثيلها على النحو اآلتي‪:‬‬

‫تحصل على جائزة‬

‫‪ -‬بامتياز‬

‫‪ -‬نجح في المسابقة‬

‫‪ -‬الطالب مجتهد‬

‫أ‪ -‬أهمية نظرية الساللم الحجاجية‪:‬‬

‫إن مفهوم السلم الحجاجي في الخطاب من حيث تركيزه على مبدأ التدرج في توجيه الحجج يبين أن المحاجة‬
‫اللغوية ال ترتبط بالمحتوى وإحالة هذا المحتوى على مرجع محدد‪ ،‬بل هي رهينة القوة والضعف الذي ينفي عنها‬
‫الخضوع لمنطق الصدق والكذب‪ ،‬وما تجدر اإلشارة إليه أن المتكلمين يختلفون في بناء منظومة الساللم إذ أنها‬
‫م تسمة بالخصوصية والذاتية‪ ،‬فالبعض يلخص موقف خصومه‪ ،‬والبعض اآلخر يدمجه في برهانه ويتبناه مؤقتا‪،‬‬
‫وتخضع نظرية السلم الحجاجي عند "ديكرو" إلى قانوني النفي والقلب ‪ ،‬فاألول يعني أن نفي حجة الرأي األول‬
‫هي حجة للرأي المخالف‪ ،‬وأما الثاني فيعني كون السلم الحجاجي لألقوال المثبتة هو عكس السلم الحجاجي‬
‫لألقوال المنفية‪ ،‬ومن صور اإلفادة من السلم الحجاجي في الخطاب اإلشهاري التصريح بالعالمة أو الماركة‪ ،‬فهذه‬
‫االستراتيجية الخطابية في حد ذاتها حجة تصنف في أعلى الستلم الحجاجي بناء على المعرفة الخلفية المخزونة‬
‫في ذهن المتلقي‪.‬‬

‫ابن فارس (أبو الحسن أحمد بن زکريا الرازي)‪ :‬مقاييس اللغة‪ ،‬مج ‪ ،2‬ص‪.30:‬‬ ‫)‪) 15‬‬

‫المبخوت (شکري)‪ :‬نظرية الحجاج في اللغة‪ ،‬ص‪363:‬‬ ‫) ‪(16‬‬

‫علوي (حافظ إسماعيلی) ‪ :‬الحجاج مفهومة ومجاالته‪ ،‬دراسات نظرية وتطبيقية في البالغية الجديدة ‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪.58 :‬‬ ‫) ‪(17‬‬

‫‪www.hnjournal.net‬‬ ‫المجلد (‪ )3‬العدد (‪)1‬‬ ‫مجلة العلوم اإلنسانية والطبيعية‬ ‫كاروان عبد الكريم‪ ،‬يناير ‪2022‬‬ ‫صفحة | ‪860‬‬
‫‪HNSJ Volume 3. Issue 1‬‬ ‫البعد التداولي في الخطاب القرآني‬

‫ب‪ -‬المبدأ الحجاجي‬

‫يشير إلى المسلمات واألفكار السائدة اجتماعيا‪ ،‬والتي تضمن ترابط الحجج والنتائج في الخطاب مع‬
‫التصديق بصحتها واقعا‪ ،‬فالكل يعتقد بأن العمل يؤدي إلى النجاح و هبوط درجة الح اررة يؤدي إلى نزول المطر‬
‫‪ ..‬إلخ‪ ،‬وبالجملة مكن القول بأن المبادئ الحجاجية العامة تعبر عن الضمير الجمعي في رؤية العالم‪ ،‬والتعارض‬
‫الخطابي ناتج في األصل عن التعارض في المبادئ الحجاجية‪.‬‬
‫(‪)18‬‬
‫ج ‪ -‬المواضع ‪:‬‬

‫يعد الموضع فكرة مشتركة ومقبولة لدى جمهور واسع عليها يرتكز االستدالل اللغوي في الخطاب‪ ،‬والموضع‬
‫من حيث الشكل يتحدد بعالمة أكثر وأقل ضمن منطقة قوة محددة توصف من خالل العالقات التالية‪،)+،+( :‬‬
‫(‪ ،)-،-( ،)+ (، )-،+‬والمثال التالي يوضح ذلك‪:‬‬

‫‪ )1‬اشتر لزينب هذه القصة فثمنها عشرون دينا ار (‪.)+،+‬‬

‫‪ )2‬ال تشتر لزينب هذه القصة فثمنها عشرون دينا ار (‪.)+-‬‬

‫‪ )3‬اشتر لزينب هذه القصة فما ثمنها إال عشرون دينا ار (‪)-،+‬‬

‫‪ )4‬ال تشتر لزينب هذه القصة فما ثمنها إال عشرون دينا ار (‪.)-،-‬‬

‫وعليه فيمكن القول أن الجملة التي تنجز في مقام مخصوص ال تفضي إلى نتيجة محددة إال اإلحالة على‬
‫موضع من المواضع ‪.‬‬

‫انطالقا مما سبق طرحه نخلص إلى القول أن الغربيين تمسكوا باإلرث األرسطي تمسكا واضحا في مفهومه‬
‫للحجاج‪ ،‬وأرادوا إخراجه في ثوب جديد‪ ،‬وهذا جوهر الخالف في مسألة الحجاج مع العرب؛ ألن العرب مفهومهم‬
‫للحجاج نابع من ثقافتهم ودينهم‪ .‬كما أن بناء القول الحجاجي يتشكل عن طريق تفاعل بنياته اللسانية وبناء‬
‫المنطقية‪ ،‬إذ هي عناصر أساسية وضرورية لنجاح العملية الحجاجية‪.‬‬

‫‪ ‬الحجاج في الدرس العربي والغربي‬

‫الحجاج عند العرب‪ :‬أ‪ -‬قديما‪:‬‬

‫للحجاج جذور قوية ضاربة في القدم‪ ،‬فقد أدى دو ار مهما في الحياة العقدية و السياسية‪ ،‬عالوة على استخدام‬
‫البنية الحجاجية في الخطاب العلمي البالغي على نحو ما نرى دفاع "عبد القاهر الجرجاني" عن إعجاز القرآن‬
‫الكريم بإقناع الناس بنظرية النظم‪ ،‬مما طبع دالئله بطبيعة حجاجية واضحة‪ ،‬كما شغل الحجاج بعض القدماء‬
‫جنسا خاصا من الخطاب‪ ،‬ويتطور المفهوم الحجاجي حسب تعرض المهتمين به‪ .‬ففي البالغة العربية) نجد‬
‫"الجاحظ (‪255‬هـ) تعرض للحجاج على أنه "البيان" ويرى أن‪« :‬مدار األمر والغاية التي يجري إليها القارئ و‬
‫السامع إنما هو الفهم و اإلفهام‪ ،‬فبأي شيء بلغت اإلفهام وأوضحت المعني‪ ،‬فذلك هو البيان في ذلك الموضع"‪،‬‬

‫ينظر‪ :‬المبخوت (شکري)‪ :‬نظرية الحجاج في اللغة‪ ،‬ص‪.383:‬‬ ‫) ‪(18‬‬

‫‪www.hnjournal.net‬‬ ‫المجلد (‪ )3‬العدد (‪)1‬‬ ‫مجلة العلوم اإلنسانية والطبيعية‬ ‫كاروان عبد الكريم‪ ،‬يناير ‪2022‬‬ ‫صفحة | ‪861‬‬
‫‪HNSJ Volume 3. Issue 1‬‬ ‫البعد التداولي في الخطاب القرآني‬

‫ويوضح مفهوم البالغة والبيان مستشهدا بما لدى الهنود إذ يقول‪« :‬أول البالغة اجتماع آلة البيان‪ ،‬وذلك أن يكون‬
‫الخط يب رابط الجأش‪ ،‬ساكن الجوارح‪ ،‬قليل اللحظ‪ ،‬متخير اللفظ ال يكلم سيد األمة بكالم األمة وال الملوك بكالم‬
‫(‪)19‬‬
‫الستوقة»‬

‫‪ ،‬فالحجاج يتم عند الجاحظ «بإفهام القائل السامع قصده بوضوح‪ ،‬بمراعاة مقامات المتكلمين والمستمعين‬
‫(‪)20‬‬
‫المتفاوتة»‪.‬‬

‫كما اهتم "الجاحظ" بالفعل اللغوي واعتبره األساس لكل عملية بيانية حجاجية‪« ،‬والكالم في نظره ال يمكن‬
‫تمييزه عن البالغة فهو يضطلع في حياة الفرد بوظيفتين أساسيتين هما‪ :‬أوال الوظيفة الخطابية وما يتصل بها من‬
‫إلقاء وإقناع واحتجاج ومنازعة ومناظرة‪،‬‬

‫والثانية‪" :‬البيان والتبيين" أو "الفهم واإلفهام"»(‪ .)21‬ومفهوم البيان عنده تتنازعه وظيفتان أوالهما إفهامية‬
‫والثانية حجاجية (إقناعيهـ)‪ ،‬ومن العوامل التي جعلت الجاحظ" يهتم بالنزعة الحجاجية‪ ،‬انتماؤه المذهبي إلى‬
‫المعتزلة وتصدره للدفاع عن العديد من أطروحاتهم‪.‬‬

‫وفي سبيل إيالء أهمية بالغة للمقام في الفهم واإلفهام‪ ،‬يقول "أبو هالل العسكري" (‪« :)1392‬فإذا كان‬
‫موضوع الكالم على اإلفهام‪ )...( ،‬فالواجب أن تقستم طبقات الكالم على طبقات الناس‪ ،‬فيخاطب كالم السوقي‬
‫بكالم الستوقة والبدوي بكالم البدو‪ )...( ،‬ويتجاوز به ما يعرفه إلى ما ال يعرفه‪ ،‬فتذهب فائدة الكالم‪ ،‬وتعدم منفعة‬
‫(‪)22‬‬
‫الخطاب»‪.‬‬

‫ب‪ -‬الحجاج حديثا‪:‬‬

‫إن موضوع الحجاج في الدراسات العربية المعاصرة قد غدا علما قائما بذاته‪ ،‬مؤتم ار بجملة من النظريات‬
‫المعرفية التي تضبط أوجه استعماالته في المجاالت المختلفة‪ ،‬وقد قادت اجتهادات الغربيين في منتصف القرن‬
‫الماضي‪ -‬المفكرين العرب إلى بناء موقف حول هذا الدرس الجديد بالنسبة إليهم‪ ،‬والضارب في أعماق تراثهم في‬
‫(‪)23‬‬
‫الوقت نفسه‪ ،‬كما منحتهم الفرصة في إدراج مبحث الحجاج في منطق تفكيرهم‬

‫سنتعرض ألهم المدارس العربية التي اهتمت بمجال البالغة المعاصرة بصفة عامة وبالغة الخطاب بصفة‬
‫خاصة‪ ،‬وسنبدأ بالمدرسة المصرية‪ ،‬من حيث األسبقية التاريخية‪ ،‬ألنها تعتبر رائدة النزعة اإلحيائية والتطورية‬
‫سواء على المستوى اإلبداعي الشعري والتثري أو على مستوى التنظير النقدي عامة والبالغي خاصة‪.‬‬

‫الجاحظ (أبو عثمان عمرو بن حر)‪ :‬البيان والتبين‪ ،‬تح‪ :‬عبد السالم هارون‪ ،‬مكتبة الخانجي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪ ،1998 ،7‬ج ‪ ،1‬ص ‪.76:‬‬ ‫) ‪(19‬‬

‫خفيف بو بكري (راضية)‪ :‬التداولية و تحليل الخطاب‪( ،‬مقاربة نظرية)‪ ،‬محلة الموقف األدبي‪ ،‬العدد ‪ ،399‬تموز ‪ ،2004‬ص‪03:‬‬ ‫) ‪(20‬‬

‫الجاحظ (أبو عثمان عمرو بن يحر)‪ :‬البيان والتبين‪ ،‬ص‪220 :‬‬ ‫) ‪(21‬‬

‫أبو الهالل العسكري (الحسن بن عبد هللا بن سعد)‪ :‬الصناعتين‪ ،‬تح‪ :‬محمد البخاري‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬ط‪ ،2‬دت‪ ،‬ص‪35:‬‬ ‫) ‪(22‬‬

‫ابن خراف (ابتسام)‪ ،‬الخطاب الحجاجي السياسي في كتاب اإلمامة والسياسة البن قتيبة‪ ،‬دراسة تداولية‪ ،‬أطروحة دكتوراه‪ ،‬جامعة باتنة‪،‬‬ ‫) ‪(23‬‬

‫‪2010-2009‬م‪ ،‬ص‪.170:‬‬

‫‪www.hnjournal.net‬‬ ‫المجلد (‪ )3‬العدد (‪)1‬‬ ‫مجلة العلوم اإلنسانية والطبيعية‬ ‫كاروان عبد الكريم‪ ،‬يناير ‪2022‬‬ ‫صفحة | ‪862‬‬
‫‪HNSJ Volume 3. Issue 1‬‬ ‫البعد التداولي في الخطاب القرآني‬

‫وحاولت هذه المدرسة إعادة قراءة التراث البالغي في ظل المقوالت النقدية المعاصرة‪« ،‬وتوالت بعد ذلك‬
‫الدراسات البالغية واألسلوبية على حد الستواء محاولة االستفادة من الدرس النقدي الغربي‪ ،‬لكن يالحظ أن معظم‬
‫هذه الدراسات غلب عليها االهتمام بإعادة بعث التراث العربي القديم بدءا من الجاحظ وصوال إلى "السكاكي" و‬
‫"القزويني" و"السيوطي"‪ ،‬فقد اهتمت بالتاريخ الذي قطعته البالغة العربية منذ عصر التدوين حتى عصر التقعيد‬
‫(‪)24‬‬
‫الرسمي والقبولية النظرية»‪.‬‬

‫لكن المتتبع لحركة البحث في البالغة المعاصرة داخل المدرسة المصرية سيجد أن كتاب (بالغة الخطاب‬
‫وعلم النص) ل "صالح فضل" يعد من بواكير المصنفات في حقل الدراسات النقدية المعاصرة التي تهتم ببالغة‬
‫الحجاج" وبرائدها "بيرلمان"‪ ،‬وقد كان في كتابه هذا يهدف لتبيان أوجه اإلقناع في مرحلة دفعته إلى االنتباه إلى‬
‫"الحجاج"‪.‬‬

‫وإذا عرجنا إلى المدرسة المغاربية" فإننا نجد جهود "محمد العمري" الذي كانت له الريادة في ذلك‪ ،‬النتباهه‬
‫المبكر إلى دور الحجاج في قراءة النصوص البالغية والخطابية‪ ،‬وهو انتباه ولده لديه اطالعه المكثف على‬
‫(‪)25‬‬
‫نصوص التراث العربي والغربي قديمهما وحديثهما‪.‬‬

‫ويركز "محمد العمري" في قراءته هذه على األبعاد التداولية في البالغة العربية القديمة وعالقتها بمختلف‬
‫العلوم األخرى‪ ،‬لكنه قبل أن يصل إلى تلك األبعاد نجده يتبع مسيرة البالغة العربية في اهتمامها بالحجاج من‬
‫جهة وفي عالقتها بالنصوص األرسطية من ناحية أخرى‪.‬‬

‫الحجاج عند الغرب‪ :‬أ‪ -‬الحجاج في الفكر الغربي قديما‪:‬‬

‫أ‪ -1-‬الحجاج عند السفسطائيين‪:‬‬

‫تعتبر "الستفسطائية" حركة فلسفية وظاهرة اجتماعية برزت في القرن الخامس قبل الميالد وقد «تميز روادها‬
‫بالكفاءة اللغوية وبالخبرة الجدلية‪ ،‬وقد أدى وجودهم دو ار كبي ار في تطوير البالغة القولية التواصلية والحياة الفكرية‬
‫عامة»(‪ ،)26‬وكانوا يعقدون نقاشات ذات منزع لغوي‪ ،‬األمر الذي أسفر عن اهتمامهم البالغ بالطرائق الحجاجية‬
‫واإلقناعية‪.‬‬

‫وقد كان للحجاج والبالغة الستفسطائية عمق وجدوى‪ ،‬متأتيان من تصورهم للخطاب ومن دوره في تحقيق‬
‫الوجود وتجسيد الحضور ونفي الغياب‪ ،‬وإن كان هذا الحضور يظل مجازيا إذ هو تجسيد صوتي للغياب العيني‪،‬‬
‫ومن هنا كانت الخطابة والحجاج إلحداث التفاعل الوجودي بين البشر‪.‬‬

‫سالم (محمد) ‪ :‬الحجاج في البالغ المعاصر‪ ،‬بحث في بالغة النقدي المعاصر‪ ،‬ص ‪.243:‬‬ ‫(‪) 24‬‬

‫المرجع نفسه ‪ :‬ص ‪243 :‬‬ ‫(‪) 25‬‬

‫الكيالني (محمدي)‪ :‬تاريخ الفلسفة اليونانية من منظور معاصر‪ ،‬دار التنوير‪ ،‬ط‪ ،2008 ،1‬ص‪.85:‬‬ ‫(‪) 26‬‬

‫‪www.hnjournal.net‬‬ ‫المجلد (‪ )3‬العدد (‪)1‬‬ ‫مجلة العلوم اإلنسانية والطبيعية‬ ‫كاروان عبد الكريم‪ ،‬يناير ‪2022‬‬ ‫صفحة | ‪863‬‬
‫‪HNSJ Volume 3. Issue 1‬‬ ‫البعد التداولي في الخطاب القرآني‬

‫وعمد السفسطائيون في «ممارستهم للحجاج إلى بناء حججهم على فكرة "النفعية" المتعلقة باللذة وقد أفضت‬
‫بهم هذه الفكرة إلى توجيه الحجاج بحسب مقتضى المقام‪ ،‬وتعتبر فكرتا "التوجيه والتوظيف" من األفكار‬
‫(‪)27‬‬
‫السفسطائية التي سيكون لها دور بنائي قوي في معظم البحوث الحجاجية المعاصرة"‬

‫ويؤكد «أفالطون أن الحجاج نوعان‪ :‬إقناع يعتمد العلم وآخر يعتمد الظن»(‪ .)28‬وهو موضوع الخطابة‬
‫السفسطائية‪ ،‬وقد رأى أفالطون" في حجاجه مع السفسطائيين أن هذا النوع الذي يعتمده السفسطائية في طرقهم‬
‫إلقناع العامة غير مفيد فهو ال يكسب اإلنسان المعرفة‪.‬‬

‫ورأى " أرسطو" أن خطابهم مبني على أغاليط داللية متنوعة يتم فيها التالعب بمعنى المقدمات كي يكون‬
‫القياس مخالفا للمتوقع وموافقا لمارب السفسطائي الذي يتعمد باألساس في حجاجه على التفنن في توجيه اللغة‬
‫فيعتمد على عمليتين في هذا النوع الحجاجي «فإلنجاز المرحلة األولى يقوم السفسطائي باالعتماد على ثالث‬
‫وحدات لغوية تتميز بما تحمله وتنشئه من تعدد داللي‪ ،‬وهذه الوحدات بعضها معجمي (االسم المشترك) وبعضها‬
‫صرفي (شكل اللفظ) و الثالث صوتي (النبر)‪ ،‬فبهذا يظهر السفسطائي حجاجه متناسقا رغم ما بداخله من عوامل‬
‫التفكك والتناقض‪ ،‬أما العم لية الثانية فيستخدم ما أسماه "أرسطو" (التركيب) ويتمكن بناء على ذلك من إحداث‬
‫(‪)29‬‬
‫انزالق في الحكم»‪.‬‬

‫أ‪ -2-‬الحجاج عند أرسطو‪:‬‬

‫ارتكزت دراسة "أرسطو" للحجاج على دعامتين أساسيتين‪ :‬األولى يختزلها مفهوم االستدالل والثانية تقوم على‬
‫(‪)31‬‬
‫البحث اللغوي الوجودي(‪ ،)30‬فاالستدالل الحجاجي عند "أرسطو" «تفكير عقلي بواسطته يتم إنتاج العلم»‬

‫وهذا االستدالل ال ينطلق من فراغ بل من معارف سابقة‪ ،‬وبالتالي يمكن أن نستعمل االستدالل الحجاجي في‬
‫الخطاب الفلسفي والبالغي‪« ،‬بوصفه تلك المنهجية التي يسلكها الفيلسوف والبالغي بهدف إرساء حقيقة معينة‬
‫ضمن مدار واحد‪ ،‬ومركز هذا المدار عرض الحقيقة العقلية أو اللفظية عرضا استدالليا متماسكا تواكبه اجراءات‬
‫(‪)32‬‬
‫حجاجية معروضة في تناسق مع إنجازات لسانية وبالغية وغيرها»‪.‬‬

‫‪ ‬آليات الحجاج اللغوية في السورة‬

‫الحجاج القرآني هو الحوار الذي يراد به اإلبانة واإلبالغ واإلقناع‪ ،‬وذلك باستخدام الدالئل العقلية والعلمية‬
‫واللغوية والفطرية والواقعية‪ ،‬والبينات القرآنية والكونية في األنفس واآلفاق‪ ،‬إثباتا لحقيقة اإلسالم واإليمان باهلل ولقائه‬
‫ورسله وجزائه‪ ،‬وقضايا األخرة بعثا وحش ار ونش ار وعرضا وحسابا ومصي ار‬

‫سالم محمد (محمد األمين الطلبة) ‪ :‬الحجاج في البالغة المعاصرة‪ ،‬دار الكتاب الحديد المتحدة‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪2008 ،1‬م‪ ،‬ص‪.27 :‬‬ ‫(‪) 27‬‬

‫إسماعيل علوي (حافظ)‪ :‬الحجاج‪ ،‬مدارس و أعالم‪ ،‬ص‪10:‬‬ ‫(‪) 28‬‬

‫الريفي (هشام)‪ :‬الحجاج عند أرسطو ضمن كتاب أهم نظريات الحجاج في التقاليد العربية‪ ،‬إشراف‪ :‬حمادي صمودة منوبة‪ ،‬جامعة تونس‪،‬‬ ‫(‪) 29‬‬

‫دط‪ ،‬دت‪ ،‬ص‪237 :‬‬


‫سالم محمد (محمد األمين الطلبة) ‪ :‬الحجاج في البالغة المعاصرة‪ ،‬ص‪.36:‬‬ ‫(‪) 30‬‬

‫طالبس (ارسطو)‪ :‬الخطابة‪ ،‬تح‪ :‬عبد الرحمان بدوي‪ ،‬دار القلم‪ ،‬بيروت‪ ،‬دط‪ ،‬ص‪.245:‬‬ ‫(‪) 31‬‬

‫أعراب (حبيب)‪ ،‬االستدالل الحجاجي‪ ،‬ص‪.127 :‬‬ ‫(‪) 32‬‬

‫‪www.hnjournal.net‬‬ ‫المجلد (‪ )3‬العدد (‪)1‬‬ ‫مجلة العلوم اإلنسانية والطبيعية‬ ‫كاروان عبد الكريم‪ ،‬يناير ‪2022‬‬ ‫صفحة | ‪864‬‬
‫‪HNSJ Volume 3. Issue 1‬‬ ‫البعد التداولي في الخطاب القرآني‬

‫اشتمل القرآن الكريم على العديد من القصص بأساليب مختلفة‪ ،‬واستنتاجات عظيمة‪ ،‬وكانت سورة يوسف‬
‫حافلة في جوهرها بأسلوب العقالني أال وهو الحجاج في كل فترة مرت على سيدنا يوسف ‪ -‬عليه السالم ‪ ،-‬وقد‬
‫استخدمه لتقديم حجة بليغة وبرهان وذلك اإلقناع المخاطب بما يقال‪ ،‬وسنبين ذلك في بعض ماجاء في السورة‪:‬‬

‫‪ .1‬حجاج إخوة يوسف ألبيهم‬

‫لما أحس اإلخوة بتفضيل أبيهم يعقوب ‪ -‬عليه السالم‪ -‬يوسف وأخيه " ونحن عصبة" أي أكبر سنا واألكثر‬
‫عددا‪ ،‬فكيف يفضلهما علينا بالمحبة "إين أبانا لفي ضالل" أي خطأ في تدبيره‪.‬‬

‫فإجتمعوا على تدبير مكيدة له وهو إلقاءه في الجب‪ ،‬بعد أن "قال قائل منهم" أي أحد اإلخوة‪ ،‬وهو عدم قتله‪،‬‬
‫فقتله أشد إثما‪ ،‬وبذلك محاولين إقناع األب بأخذه معهم ليلعب ويرتع بشرط أن يحموه ويحافظوا عليه‪ ،‬قال هللا‬
‫تعالى‪ " :‬إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا بينا ونحن غصبة إن أبانا لفي ضالل مبين‪ ،‬إقتلوا يوسف أو إطرحوه‬
‫أرضا يخل لكم وجه أبيگم وتكونوا من غيره وما صالحين‪ ،‬قال قائل مهم ال تقتلوا يوسف وألقوه في غيابات الجب‬
‫يلتقط بعض السيارة إن كنتم فاعلين‪ ،‬قالوا يا أبانا مالك ال تأمنا على يوسف وإنا له الناصځون‪ ،‬أرسله معا غدا يتغ‬
‫ويلعب وإنا له لحافظون‪ ،‬قال إني ليتني أن تقوا به و أخاف أن يأكله البيب وأثم غافلون‪ ،‬قالوا لين أكله الذئب وخ‬
‫غصبة إنا ن لخاسرون فلما ذهبوا به وأجمعوا على أن يجعلوه في غيابات الجب وأوحينا إليه أثبتهم بأمرهم هذا‬
‫وهم ال يشعرون ‪ ،‬وجاءوا أباهم عشاءا يكون‪ ،‬قالوا يا أبانا إنا هنا نستيق وتركنا يوسف عند مثاعنا فأكله الذئب‬
‫وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين‪ ،‬وجاءوا على قميصه بدم گذب قال بل سولت لكم أنفسكم أم ار فصبر جميل‬
‫(‪)33‬‬
‫وهللا المستعان على ما تصفون"‬

‫المتأمل في هذه اآليات يرى إبتداءها بالم التوكيد‪ ،‬وذلك بقصد القول وتحقيق بالفعل‪ ،‬وهم ال يشكون في‬
‫حب أبيهم ليوسف عليه السالم‪ -‬وأخيه‪ ،‬وقد بينت اآليات درجة التفاوت في الحقد والضغينة كما هو واضح وجلي‬
‫(‪)34‬‬
‫في قوله تعالى (والمشروح سابقا)‬

‫قد وصل إخوة يوسف إلى حد التفكير في أن النبي يعقوب ‪ -‬عليه السالم‪ -‬في ضالل في حب يوسف‬
‫(‪)35‬‬
‫وأخيه (( إن أبانا لفي ضالل مبين))‬

‫وقد استعملوا أسلوب األمر‪ ،‬وهم غير مترددين في فعلتهم بل جادين مواصلين متشاورين في اإلتيان بالفعل‪،‬‬
‫"قتلوا يوسف أو إطرحوه أرضا"‪ ،‬وهو التخلص منه إما بالقتل أو رميه في أرض قاحلة‪ ،‬وذلك ليخلو قلبه عن حب‬
‫يوسف و يتحول حبه إليهم‪ ،‬وبعد الجريمة يتوبون "وثكونوا من بعيره وما صالحين"‪.‬‬

‫وقد جاء أسلوب أمر ونهي المتمثل في قوله تعالى ((ال تقتلوا يوسف و القوة في غيابات الجب))‪،‬‬
‫المستعملين في النصح واإلرشاد‪ ،‬وبعد أن عزموا‪ ،‬ذهبوا إلى أبيهم طالبين منه أن يترك يوسف يذهب معهم "وإنا‬
‫له لحافظون"‪ ،‬وقد جاء قبل هذه األية أساليب عديدة تمثلت في‪:‬‬

‫سورة يوسف‪ ،‬اآلية‪08‬الى ‪18‬‬ ‫(‪) 33‬‬

‫ينظر إبن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬ص‪220‬‬ ‫(‪) 34‬‬

‫سورة يوسف‪ ،‬اآلية‪8‬‬ ‫(‪) 35‬‬

‫‪www.hnjournal.net‬‬ ‫المجلد (‪ )3‬العدد (‪)1‬‬ ‫مجلة العلوم اإلنسانية والطبيعية‬ ‫كاروان عبد الكريم‪ ،‬يناير ‪2022‬‬ ‫صفحة | ‪865‬‬
‫‪HNSJ Volume 3. Issue 1‬‬ ‫البعد التداولي في الخطاب القرآني‬

‫أسلوب النداء‪" :‬يا أبانا"‪.‬‬

‫أسلوب اإلستفهام‪" :‬مالك ال تأمنا على يوسف"‬

‫أسلوب األمر‪" :‬أرسله معنا غدا يلعب ويرغ" المتمثل في الحث على إرساله واإلغراء في حفظه‪.‬‬
‫(‪)36‬‬
‫أسلوب التوكيد‪":‬ان له لحافظون"‪ ،‬التعهد في الحماية‬

‫وهذه األساليب استعملها اإلخوة إلقناع األب‪ ،‬وهي لم تستعمل إال في اإلفتراء والكذب والتنمية في الكالم‬
‫وذلك لتصديق يعقوب ‪-‬عليه السالم‪ ،-‬وقد إصطنعوا حب أخيهم ولبسوا قناع الالكراهية والحماية وذلك في قوله‬
‫تعالى‪(( :‬قالوا لين أكله الذئب ونحن غصبة إال إذا لخاسرون)) (‪ ،)37‬وهمهم األكبر هو التخلص من يوسف عليه‬
‫السالم‪.‬‬

‫ورغم الحوار واستئمان أبيهم على أخيه ‪ ،‬إال أنه لم يكن مرتاحا وذلك في قوله تعالى‪ (( :‬قال إني ليختني أن‬
‫تذهبوا به و أخاف أن يأكله األب وأثم غافلون )) (‪.)38‬‬

‫لم تجد المحاورة بين األب وأبناءه نفعا‪ ،‬للمحافظة على أخيهم وأصروا على فعلتهم‪ ،‬وهانت عليهم األبوة‬
‫واألخوة‪ ،‬وذلك في قوله تعالى‪ ((:‬فلما ذهبوا به وأجمعوا على أن يجعلوه في غيابات الجب وأوحينا إليه لثتيهم‬
‫بأمرهم هذا وهم ال يشعرون )) (‪.)39‬‬

‫وهنا قد أحاط هللا تعالى النبي يوسف عليه السالم بالعناية (‪ ،)40‬وبشره بقوله" لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم ال‬
‫يشعرون"‪ ،‬وجاء اإلخوة في الليل متصنعين الحوادث والبكاء‪ ،‬فقد ادعوا في األقوال واألفعال متأسفين في فقدان‬
‫أخيهم‪ ،‬وذلك في قوله تعالى‪ (( :‬وجاءوا أباهم عشاءا يبكون‪ ،‬قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند‬
‫(‪)41‬‬
‫متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين ))‬

‫قد تعذروا بعذر كاذب‪ ،‬قائلين " يا أبانا إنا ذهبنا نستبق"‪ ،‬أي نتسابق في الجري والرمي بالسهام وتركناه عند‬
‫زادنا‪ ،‬فأكله الذئب‪ ،‬متأكدين من بطالن حجتهم وعدم تصديق النبي يعقوب لهم‪ ،‬فقالوا‪" :‬وما أنت بمؤمن لنا ولو‬
‫(‪)42‬‬
‫كنا صادقين"‬

‫وباإلضافة أنهم إختاروا الليل ألنه مناسب للتمويه‪ ،‬وعدم كشف مالمحهم الحقيقية في رواية ماحدث وألن‬
‫الليل ستار ظالمه حالك‪ ،‬إختاروا ذلك الوقت لخداع والدهم وتصديقه لهم وحتى ال يشك بفعلتهم‪ ،‬إال أنهم تسرعوا‬

‫بتصرف‪ ،‬عبد الكريم الخطيب‪ ،‬القصص القرآني ‪ ،‬في منطوقه ومفهومه‪ ،‬ص ‪413 ،417‬‬ ‫(‪) 36‬‬

‫سورة يوسف‪ ،‬اآلية ‪12‬‬ ‫(‪) 37‬‬

‫سورة يوسف ‪ ،‬اآلية ‪13‬‬ ‫(‪) 38‬‬

‫سورة يوسف‪ ،‬اآلية‪15‬‬ ‫(‪) 39‬‬

‫ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬ص ‪222‬‬ ‫(‪) 40‬‬

‫سورة يوسف‪ ،‬اآلية ‪ 15‬الى ‪17‬‬ ‫(‪) 41‬‬

‫‪ www.pdffactory.com‬بتصرف‬ ‫(‪) 42‬‬

‫‪www.hnjournal.net‬‬ ‫المجلد (‪ )3‬العدد (‪)1‬‬ ‫مجلة العلوم اإلنسانية والطبيعية‬ ‫كاروان عبد الكريم‪ ،‬يناير ‪2022‬‬ ‫صفحة | ‪866‬‬
‫‪HNSJ Volume 3. Issue 1‬‬ ‫البعد التداولي في الخطاب القرآني‬

‫في حبك الجريمة‪ ،‬أن جاءوا على قميص يوسف بدم كذب لطخوه به في غير إتقان ‪ ،‬لذلك كانت الحجة ناقصة‬
‫(‪)43‬‬
‫وملغاة من الحقيقة‬

‫ورغم ذلك كان حزن النبي يعقوب على طريقة األنبياء‪ ،‬كما هو موضح وصريح في قوله تعالى‪ )) :‬قال بل‬
‫(‪)44‬‬
‫سولت لكم أنفسكم أم ار فصبر جميل وهللا المستعان على ما تصون))‬

‫وعليه ننفي عنه تعدد الروايات بشأن حزنه‪ ،‬فهو لم يكن حزن بالمعنى الجاهلي المتمثل في الضرب والصراخ‬
‫والعويل‪ .........‬إلى غير ذلك‪ ،‬بل كان صاب ار محتسبا متأمال مستعينا باهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫ومن ذلك فإن الحجج القائمة في هذه اآليات والمحاورات أتت لإلطاحة بيوسف عليه السالم وإبعاده عن أبيه‪،‬‬
‫وقد جسدت السورة الكريمة سوء األخالق والمعاملة‪ ،‬والضغينة والحسد الذي قد يحمله األبناء في تفضيل بعضهم‬
‫على بعض‪ ،‬والمكائد التي تنجم عنها‪.‬‬

‫‪ -2‬حجاج إمرأة العزيز للنسوة ‪:‬‬

‫لما سمعت النسوة بالخبر راحت كل واحدة منهن تتكلم عن الحادثة‪ ،‬وتحتقرن امرأة العزيز (زلخية)‪ ،‬أنها‬
‫وقعت في حب فتاها وهي التي ربته في بيتها‪ ،‬فكان على إمرأة العزيز أن تدبر أم ار لتسقطهن وتخرصهن عنها‪،‬‬
‫فأعدت لهن مأدبة وقامت بإستدعائهن‪ ،‬قال هللا تعالى‪" :‬وقال نسوة المدينة إمرأت العزيز تراود قاها عن نفسه قد‬
‫شغفها حبا إنا لنراها في ضالل مبين ‪ ،‬فلما سمعت بمكره أرسل إليه وأعد لهن ممكنا وءا كل واحدة منهن سكينا‬
‫وقالت فرج عليهن لما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن ولن خاش پلو ماها بش ار إن هذا اال مل كريم‪ ،‬قالت لكن الذي‬
‫ألمني فيه ولقد راوه عن نفسه فاستعصم ولين لم يفعل ما أمره لسجن ويكون من الصاغرين‪ ،‬قال رب الستين أحب‬
‫إلي مما يدلخوئيني إليه وإال تصرف عني گيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين‪ ،‬فاستجاب له ربه قصرف عنه‬
‫(‪)45‬‬
‫كيدهن إنه هو السميع العليم"‬

‫وبعد مجيئهم للزيارة وجلوسهن أعطت لكل واحد منهن سكينا‪ ،‬لقطع الطعام به‪" ،‬فلما رأينه أكبرنه " أي‬
‫أعظمنه وأجلنه ‪ ،‬فمن الدهشة "قطعن أديهن"‪ ،‬أي جرحن من الدهشة أيديهن وقلن "حاش هلل" معاذ هللا "ماهذا بشرا"‬
‫(‪)46‬‬
‫أي من الجنس البشري‪ ،‬ألن جماله غير معهود ‪" ،‬إن هذا إال ملك كريم" من المالئكة ال من البشر‬

‫وقد فسر ابن عاشور صيغة المراودة فقال‪":‬ومجيء فعل تراود' بصيغة المضارع مع كون المراوضة مضت‬
‫لقصد إستحضار الحالة العجيبة‪ ،‬واإلنكار عليها في أنفسهن ولومها على صنيعها وجملة "قد شغفها حبا " في‬
‫موضع التعليل لجملة "تراود فتاها" وجملة "إنا لنراها في ضالل مبين " إستئناف إبتدائي إلظهار اللوم واإلنكار‬

‫ينظر‪ ،‬إبن عاشور‪ ،‬التفسير المنير ‪ ،‬ص‪236‬‬ ‫(‪) 43‬‬

‫سورة يوسف‪ ،‬اآلية‪18‬‬ ‫(‪) 44‬‬

‫سورة يوسف‪ ،‬اآلية ‪ 30‬الی ‪34‬‬ ‫(‪) 45‬‬

‫بتصرف‪ ،‬أبو عبد الرحمن جمال بن ابراهيم القرشي‪ ،‬قصة يوسف عليه السالم‪ ،‬تفسير فوائد عبر مواعظ‪ ،‬دار النشر مكتبة طالب العلم ‪،‬‬ ‫(‪) 46‬‬

‫جمهورية مصر‪ ،‬ص ‪34‬‬

‫‪www.hnjournal.net‬‬ ‫المجلد (‪ )3‬العدد (‪)1‬‬ ‫مجلة العلوم اإلنسانية والطبيعية‬ ‫كاروان عبد الكريم‪ ،‬يناير ‪2022‬‬ ‫صفحة | ‪867‬‬
‫‪HNSJ Volume 3. Issue 1‬‬ ‫البعد التداولي في الخطاب القرآني‬

‫عليها‪ ،‬والتأكيد ب "إن" و"الالم" لتحقيق إعتقادهن ذلك‪ ،‬والضالل هنا‪ :‬مخالفة طريق الصواب‪ ،‬أي‪ :‬هي مفتونة‬
‫العقل بحب هذا الفتى وليس المراد الضالل الديني" (‪.)47‬‬

‫رفض النبي يوسف ما دعته إليه إمرأة العزيز واستعصم" أي المبالغة في عصم نفسه (‪ ،)48‬وبذلك إستجاب‬
‫هللا لدعائه وصرف عنه كيدهن "فاستجاب له ربه فيصرف عنه گيده إنه هو السميع العليم"‪ ،‬فاهلل سبحانه وتعالى‬
‫سميع الدعاء مجيب‪ .‬فعند ذلك قال يوسف "السجن أحب إلي مما يدعونني إليه"‪ ،‬واستعان باهلل عليهن‪ ،‬أو سيقع‬
‫(‪)49‬‬
‫بين أيديهن ويكون من الجاهلين‪ ،‬الذين خالفوا أمرك ونهيك‬

‫فسر ابن عاشور قوله هللا تعالی" وجملة إنه هو السميع العليم في موضع العلة ال "استجاب"‪ ،‬لكن قال تعالى‬
‫فاستجاب" المعطوفة بفاء التعقيب ‪ ،‬أي اجاب دعاءه بدون مهلة ألنه سريع اإلجابة وعليم بالضمائر‬
‫الخالصة"(‪.)50‬‬

‫وكل هذه الحجج القائمة إن دلت فهي تدل على نقاوة ونزاهة األنبياء واحتسابهم وإرجاعهم األمور إلى هللا‪،‬‬
‫وأن اللهو الدنيا ليس بدائم‪ ،‬في مقابل جنة النعيم‪ ،‬وسنبين ذلك في النقاط التاليه لقصة يوسف ‪ -‬عليه السالم‪:-‬‬
‫(‪)51‬‬
‫أ‪ -‬امتناعه عن طاعة امرأة العزيز في قضية المراودة " إنه ربي أحسن مثواي "‬
‫(‪)52‬‬
‫ب ‪ -‬الفرار من معصية هللا‪ ،‬بعد أن غلقت األبواب "قد قميصه من تبر"‬

‫ج‪ -‬فشل النسوة في محاولة إغرائه على ارتكاب الفاحشة " وقطعن أيديهن وفل كاش ماها بش ار إن هذا إال‬
‫(‪)53‬‬
‫ملك كريم"‬
‫(‪)54‬‬
‫د‪ .‬إيثار السجن على ارتكاب الفاحشة‪" ،‬السجن أحب إلي مما يدعونني إليه"‬

‫‪ -3‬قضية صاحبي السجن والدعوة إلى هللا‬

‫مكن هللا سبحانه وتعالى ليوسف تفسير األحالم‪ ،‬فأتاه رجلين من السجن قاصين عليه الحلم‪ ،‬راجين تأويال‬
‫منه فاستغل يوسف ‪ -‬عليه السالم ‪ -‬الفرصة في الدعوة الى هللا قبل تفسير المنام‪ ،‬ألن حاجتهما إلى معرفة‬
‫تفسير الحلم سيجعالنهما أكثر إنتباها واستماعا لما يقال‪ ،‬وهذا من دهاء وفطنة يوسف عليه السالم‪ ،-‬قال‬
‫تعالى‪":‬واتبع ملة ابائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ماكان لنا أن تشرك باللير من شيء ذلك من فضل هللا علينا وعلى‬
‫الناس ولكن أكثر الناس ال يشكرون‪ ،‬ياصاحبي السجن أرباب متفرقون خير أم هللا الواج القهار‪ ،‬ماعون من دونه‬

‫إبن عاشور‪ ،‬التفسير المنير‪ ،‬ص ‪261‬‬ ‫(‪) 47‬‬

‫نفس المرجع‪ ،‬ص ‪254‬‬ ‫(‪) 48‬‬

‫بتصرف‪ ،‬عبد الرحمان القرشي‪ ،‬قصة يوسف ‪ ،‬ص ‪43‬‬ ‫(‪) 49‬‬

‫السابق‪ ،‬ابن عاشور‪ ،‬التفسير المنير‪ ،‬ص ‪267‬‬ ‫(‪) 50‬‬

‫سورة يوسف اآلية ‪23‬‬ ‫(‪) 51‬‬

‫سورة يوسف‪ ،‬اآلية‪25‬‬ ‫(‪) 52‬‬

‫سورة يوسف‪ ،‬اآلية‪32‬‬ ‫(‪) 53‬‬

‫سورة يوسف‪ ،‬اآلية‪33‬‬ ‫(‪) 54‬‬

‫‪www.hnjournal.net‬‬ ‫المجلد (‪ )3‬العدد (‪)1‬‬ ‫مجلة العلوم اإلنسانية والطبيعية‬ ‫كاروان عبد الكريم‪ ،‬يناير ‪2022‬‬ ‫صفحة | ‪868‬‬
‫‪HNSJ Volume 3. Issue 1‬‬ ‫البعد التداولي في الخطاب القرآني‬

‫اال أسماء سميتموها أثم وآباؤكم ما أنزل هللا بها من سلطان إن الحكم اال يته أمر أال تعبدوا إال إياه ذلك الدين‬
‫(‪)55‬‬
‫القيم ولكن أكثر الناس ال يعلمون"‬

‫فقد مهد لهم أنه على هذه العقيدة وقد عقلها منذ نشأته متبعا أباءه‪ ،‬ثم يتوغل ‪-‬عليه السالم‪ -‬شيئا فشيئا في‬
‫لطف ولين في حديثه إليهما بهدف التأثير فيهما وإقناعهما بفساد معتقدهما وبطالن ما يعبدون من دون هللا‬
‫ودعوتهما إلى توحيد هللا سبحانه وتعالی۔ وتنزيهه عن الشرك‪ ،‬فيناديهما بلفظة (صاحبين) تقربا وتحببا إليهما‪،‬‬
‫قصد التأثير فيهما عاطفيا ليستمعا ويصغيا إلى رسالته ليدخل بذلك صلب الموضوع أال وهو الدعوة الى هللا‬
‫(‪)56‬‬
‫واإلبتعاد عن الشرك ويطرح القضية بطريقة موضوعية‬

‫طارحا بعد ذلك سؤال "أزباب متفرقون خير أم هللا الواحد القهار" (‪ ،)57‬وهنا استفهام تقريري‪ ،‬لعقد المقارنة بين‬
‫تعدد اآللهة في الوجود خير‪ ،‬أم هللا الواحد األحد‪ ،‬ألن تعدد األلهة يقع اإلختالف في الحكم‪.‬‬

‫وهنا أقام عليهما الحجة ببطالن تعدد األلهة وعبادتها التي ال أساس لها من الصحة‪ ،‬فهي ال تنفع وال تضر‬
‫في شيء‪ ،‬وما هي إال أصنام صنعوها آباءهم و إتباعهم في عبادتها وتأليهها‪ ،‬داعيا إياهم بوحدانية هللا وعبادته‬
‫وحده ال شريك له‪ ،‬مالك كل شيء‪.‬‬

‫‪ ‬القيم الحجاجية المتجلية في السورة‪:‬‬

‫أتت سورة يوسف حافلة بالحجاج منذ بداية اآليات‪ ،‬كما أنها من أحسن القصص التي ذكرت في القرآن‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪ ":‬نحن نقص عليك أحسن القصصن بما أوحينا إليك ها القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين" (‪ ،)58‬وهنا قد‬
‫خاطب الرسول صلى هللا عليه وسلم ذاك ار له قصته ( أي قصة يوسف)‪" ،‬ألك من أنباء الغيب" أي ماكان غائبا‬
‫عنك‪ ،‬والذي يجهله فنبأه به هللا عن طريق الوحي‪ ،‬ثم ذكر سبحانه وتعالى في نهايتها" لقد كان في قصصهم عبرة‬
‫ألولي األلباب" (‪.)59‬‬

‫وذلك لتبيين أن قصة يوسف من القصص التي ينتفع بها‪ ،‬فقد بين هللا تعالى فيها الكيد والمكر وجزاء‬
‫الصابرين بطريقة تغزو أحداثها العقل‪.‬‬

‫‪ -‬وجاءت هذه اآليات كأدلة واضحة‪ ،‬لصدق الوحي ووقوعه‪ ،‬ولتدل على صدق نبوة محمد ‪ -‬صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ ، " .‬فمهما كنت حريصا على إيمانهم وتصديقهم ‪ ،‬وقدمت لهم الحجج والبراهين القاطعة والحجج البالغة فإن‬
‫(‪)61‬‬
‫أكثرهم يبقى معارضا (‪ ،)60‬قال تعالى وما أكثر الناس لو حرصت بمؤمنين‬

‫سورة يوسف‪ ،‬اآلية ‪ 38‬الی ‪40‬‬ ‫(‪) 55‬‬

‫أحمد المزواغي ‪ ،‬أساليب اإلقناع في سورة يوسف‪ ،‬ص ‪241‬‬ ‫(‪) 56‬‬

‫سورة يوسف‪ ،‬اآلية‪39‬‬ ‫(‪) 57‬‬

‫سورة يوسف‪ ،‬اآلية ‪1‬‬ ‫(‪) 58‬‬

‫سورة يوسف اآلية‪111‬‬ ‫(‪) 59‬‬

‫الرحمان القرشي‪ ،‬قصة يوسف ‪ ،‬ص ‪55‬‬ ‫(‪) 60‬‬

‫سورة يوسف‪ ،‬اآلية ‪103‬‬ ‫(‪) 61‬‬

‫‪www.hnjournal.net‬‬ ‫المجلد (‪ )3‬العدد (‪)1‬‬ ‫مجلة العلوم اإلنسانية والطبيعية‬ ‫كاروان عبد الكريم‪ ،‬يناير ‪2022‬‬ ‫صفحة | ‪869‬‬
‫‪HNSJ Volume 3. Issue 1‬‬ ‫البعد التداولي في الخطاب القرآني‬

‫‪ ،‬وهنا يقول تعالى لنبيه محمد‪" :‬وما أكثر الناس" مشركي قومك‪ ،‬يا محمد "ولو حرصت " على أن يؤمنوا بك‬
‫(‪)62‬‬
‫فيصدقوك "بمؤمنين" أي = بمصدقيك وال متبعيك‬

‫قد بين يوسف عليه السال م قبل تفسيره لمنام الرجلين‪ ،‬واستغل الفرصة الدعوتهما إلى التوحيد مبينا ذلك في‬
‫أسلوب حجاجي عقلي خالص‪ ،‬وذلك راجيا أن تتفتح قلوبهم على الهدى وتقبل النصح واإلرشاد‪ ،‬قال تعالى" يا‬
‫(‪)63‬‬
‫صاحبي السجن أرباب متفرقون خير أم هللا الواحد القهار "‬

‫‪ -‬دعوة اإلسالم واضحة بينة صريحة تستند إلى حجج وبراهين‪ ،‬يتخلله أسلوب إقناع باألدلة العقلية‪ ،‬قال‬
‫تعالى مخاطبة رسوله ليبين لهم الطريق الصحيح‪ :‬قال تعالى‪" :‬قل هذه سبيلي أدعوا إلى هللا على بصيرة أنا ومن‬
‫(‪)64‬‬
‫اتبعني و ان هللا وما أنا من المشركين"‬

‫كما أنه وجه سبحانه وتعالى آيات عديدة للمعارضين والمعاندين على اإلعتبار بآثار األمم المكذبة السابقة‬
‫(‪ ،)65‬قال تعالى" أفلم يسيروا في األرض فينظر كيف كان عاقبة الذين من قبلهم" (‪.)66‬‬

‫زادت محن يوسف ‪ -‬عليه السالم‪ -‬مدة طويلة‪ ،‬ثم جعل هللا له فرجا وعاقبة حميدة‪ ،‬قال تعالى‪" :‬حتى إذا‬
‫(‪)67‬‬
‫استيأست الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا نجئ من تشاء وال يرد بأسنا عن القوم المجرمين"‬

‫وهنا يبين هللا تعالى و يطمئن رسله بالفرج القريب إذا كذبوا بما أخبروه عن هللا "جاءهم نصرنا" هند شدة‬
‫الكرب "فجي" فننجي "من نشاء" من عبادنا المؤمنين "واليرد بأسنا" عقوبتنا وبطشنا "عن القوم المجرمين الذين‬
‫(‪)68‬‬
‫خالفوا أمره‬

‫‪ .‬ولعل سورة يوسف واحدة من هذه القصص الذي يجسد هذه القيم والدروس والعبر إنطالقا من سرد يوسف‬
‫رؤياه على أبيه‪ ،‬ونصح يعقوب عليه السالم‪ -‬له بإخفاء األمر عن إخوته خوفا عليه من أذيتهم وصوال إلى تحقق‬
‫هذه الرؤيا‪ ،‬رؤيا يوسف ‪ -‬عليه السالم ‪ ، -‬وبين رؤيا وتحققها حياة يوسف وأبيه المألى باإلبتالءات والمحن‬
‫(‪)69‬‬
‫واألحزان واألشجان واآلالم واآلمال وبالصبر والتجلد‪ ،‬والدعاء والتضرع وتفويض األمر هللا عز وجل‬

‫الخاتمة‬

‫حاول هذا البحث أن يكشف عن األبعاد التداولية في الخطاب القرآني‪ ،‬من خالل المدونة المدروسة (سورة‬
‫يوسف)‪ ،‬ممثلة في درجاتها الثالث؛ األفعال الكالمية واإلشارات والحجاج ‪ ،‬وما يتصل بها من قضايا تداولية‪،‬‬
‫فأفضى إلى جملة من النتائج‪ ،‬وإن كنت أضع الكل باب من األبواب أو فصل من الفصول شنه خالصة‪ ،‬أضمنها‬

‫السابق‪ ،‬الرحمان القرشي‪ ،‬قصة يوسف ‪ ،‬ص ‪124‬‬ ‫(‪) 62‬‬

‫سورة يوسف‪ ،‬اآلية‪39‬‬ ‫(‪) 63‬‬

‫سورة يوسف‪ ،‬اآلية‪108‬‬ ‫(‪) 64‬‬

‫دحمان حياة‪ ،‬تجليات الحجاج في الخطاب القرآني‪ ،‬ص ‪258‬‬ ‫(‪) 65‬‬

‫سورة يوسف‪ ،‬األيت‪109‬‬ ‫(‪) 66‬‬

‫سورة يوسف‪ ،‬اآلية‪110‬‬ ‫(‪) 67‬‬

‫الرحمان القرشي‪ ،‬قصة يوسف‪،‬ص‪132‬‬ ‫(‪) 68‬‬

‫أحمد مزاوغي‪ ،‬أساليب اإلقناع في سورة يوسف‪ ،‬ص ‪286‬‬ ‫(‪) 69‬‬

‫‪www.hnjournal.net‬‬ ‫المجلد (‪ )3‬العدد (‪)1‬‬ ‫مجلة العلوم اإلنسانية والطبيعية‬ ‫كاروان عبد الكريم‪ ،‬يناير ‪2022‬‬ ‫صفحة | ‪870‬‬
‫‪HNSJ Volume 3. Issue 1‬‬ ‫البعد التداولي في الخطاب القرآني‬

‫تعددت واختلفت الروابط والعوامل الحجاجية في السورة الكريمة‪ ،‬نظ ار لما تؤديه هذه الروابط من دور فعال‬
‫في انسجام الخطاب الحجاجي هذا من ناحية‪ ،‬وتوجيه الخطاب القرآني وجهة قوية من ناحية أخرى‪ ،‬كما اشتملت‬
‫على أساليب أخرى (االستفهام‪ ،‬األمر‪ ،‬الهي‪ )...‬إذ أننا رأينا كيف أنها توجه القول حجاجيا‪.‬‬

‫وعلى امتداد البحث لم نجد ما ينقص من قدسية النص القرآني‪ ،‬بل في كثير من األحيان وجدنا تطابقا بين‬
‫ما ذهب إليه المفسرون وعلماء القرآن‪ ،‬وما توصلنا إليه من خالل تطبيق آليات المنهج التداولي بمفهومها‬
‫المعاصر‪ ،‬فالتداولية ترتكز على مقاصد الكالم التي ال تظهر إال من خالل االتصال اللغوي في مقام معين‪،‬‬
‫التجسدها أفعال الكالم بقوتها اإلنجازية)‪.‬‬

‫في األخير ال أدعي اإللمام واإلحاطة بكل الجوانب المتعلقة بهذا الموضوع‪ ،‬ويبقى المجال مفتوحا دائما‪،‬‬
‫واألفق فيه أوسع‪ ،‬لمن أراد التغلغل في حيثيات هذا المنهج المتشعبة والمتداخلة فيما بينها‪.‬‬

‫وختام القول أن الحمد هلل رب العالمين‬

‫المصادر والمراجع‪:‬‬

‫‪ -‬القرآن الكريم‬

‫‪ -‬ابن خراف (ابتسام)‪ ،‬الخطاب الحجاجي السياسي في كتاب اإلمامة والسياسة البن قتيبة‪ ،‬دراسة تداولية‪،‬‬
‫أطروحة دكتوراه‪ ،‬جامعة باتنة‪2010-2009 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬دط‪2003 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬أبو عبد الرحمن جمال بن ابراهيم القرشي‪ ،‬قصة يوسف عليه السالم‪ ،‬تفسير فوائد عبر مواعظ‪ ،‬دار النشر‬
‫مكتبة طالب العلم ‪ ،‬جمهورية مصر‬

‫‪ -‬الجاحظ (أبو عثمان عمرو بن حر)‪ :‬البيان والتبين‪ ،‬تح‪ :‬عبد السالم هارون‪ ،‬مكتبة الخانجي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‬
‫‪ ،1998 ،7‬ج ‪.1‬‬

‫‪ -‬الريفي (هشام)‪ :‬الحجاج عند أرسطو ضمن كتاب أهم نظريات الحجاج في التقاليد العربية‪ ،‬إشراف‪:‬‬
‫حمادي صمودة منوبة‪ ،‬جامعة تونس‪ ،‬دط‪ ،‬دت‬

‫‪ -‬الكيالني (محمدي)‪ :‬تاريخ الفلسفة اليونانية من منظور معاصر‪ ،‬دار التنوير‪ ،‬ط‪.2008 ،1‬‬

‫‪ -‬خفيف بو بكري (راضية)‪ :‬التداولية و تحليل الخطاب‪( ،‬مقاربة نظرية)‪ ،‬محلة الموقف األدبي‪ ،‬العدد‬
‫‪ ،399‬تموز ‪. 2004‬‬

‫‪ -‬سالم محمد (محمد األمين الطلبة) ‪ :‬الحجاج في البالغة المعاصرة‪ ،‬دار الكتاب الحديد المتحدة‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫لبنان‪ ،‬ط‪2008 ،1‬م‪.‬‬

‫‪www.hnjournal.net‬‬ ‫المجلد (‪ )3‬العدد (‪)1‬‬ ‫مجلة العلوم اإلنسانية والطبيعية‬ ‫كاروان عبد الكريم‪ ،‬يناير ‪2022‬‬ ‫صفحة | ‪871‬‬
‫‪HNSJ Volume 3. Issue 1‬‬ ‫البعد التداولي في الخطاب القرآني‬

‫‪ -‬عبد الهادي بن ظافر الشهري‪ ،‬استراتيجيات الخطاب مقاربة لغوية تداولية‪ ،‬دار الكتاب الجديد المتحدة‬
‫بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬دار الكتب الوطنية‪ ،‬بنغازي‪ -‬ليبيا‪ ،‬طا‪ ،‬آذار مارس‪2004 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬أحمد مزاوغي‪ ،‬أساليب اإلقناع في سورة يوسف‬

‫‪ -‬إسماعيل علوي (حافظ)‪ :‬الحجاج‪ ،‬مدارس و أعالم‬

‫‪ -‬طالبس (ارسطو)‪ :‬الخطابة‪ ،‬تح‪ :‬عبد الرحمان بدوي‪ ،‬دار القلم‪ ،‬بيروت‪ ،‬دط‬

‫‪-‬علوي (حافظ إسماعيلی) ‪ :‬الحجاج مفهومة ومجاالته‪ ،‬دراسات نظرية وتطبيقية في البالغية الجديدة ‪،‬ج‪.1‬‬

‫‪ -‬عبد الكريم الخطيب‪ ،‬القصص القرآني ‪ ،‬في منطوقه ومفهومه‪،‬‬

‫‪ -‬بالنشيه‪ ،‬فيليب‪ :‬التداولية من أوستن إلى غوفمان‪،‬‬

‫‪-‬ابن فارس(أبو الحسن أحمد بن زکريا الرازي‪ :‬مقاييس اللغة‪ ،‬تح‪ :‬عبد السالم محمد هارون‪ ،‬دار الجيل‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬دط‪ ،‬دت‪ ،‬مج ‪.،2‬‬

‫‪-‬أبو الهالل العسكري (الحسن بن عبد هللا بن سعد)‪ :‬الصناعتين‪ ،‬تح‪ :‬محمد البخاري‪ ،‬دار الفكر العربي‪،‬‬
‫ط‪ ،2‬دت‬

‫‪-‬مسعود صحراوي‪ ،‬التداولية عند العلماء العرب‪ ،‬دراسة تداولية لظاهرة األفعال الكالمية في التراث اللساني‬
‫العربي‪ ،‬دار الطليعة للطباعة والنشر‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪2005 ،‬م‪.‬‬

‫‪www.hnjournal.net‬‬ ‫المجلد (‪ )3‬العدد (‪)1‬‬ ‫مجلة العلوم اإلنسانية والطبيعية‬ ‫كاروان عبد الكريم‪ ،‬يناير ‪2022‬‬ ‫صفحة | ‪872‬‬

You might also like