Professional Documents
Culture Documents
ناهد بدوية
السبت 30 ,كانون ثان 22:36 2010
منذ أوائل الثمانينات بلغ الفكر النسوي مستويات من النضج لم تعد تعنى بتحرر المرأة فحسب ،وإنما فرضت نفسها على العلماء والفلسفة
والمفكرين،
ودفعتهم إلى إعادة النظر في الكثير من المسلمات الفكرية السابقة ،إذ بات الفكر النسوي اليوم من أبرز تيارات الفكر الغربي الراهن والفلسفة
المعاصرة.
وفي سياق الحفر والبحث عن تأثير الرجل في إنتاجه الفكري والعلمي ،بحثت المفكرات النسويات عميقًا في أثر الذات في التجربة ،وتفاعل
هذه الذات مع النتائج وتأثيرها فيها .وتجلى النضج الفكري في محاولة زعزعة استقرار النظام الثنائي ،الكامن في ثنائية الذكر/
والنثى من دون الوقوع في محاولة قلب الوضع ،بحيث تصبح النثى متميزة عن الذكر ،كما حاولت الحركة النسوية السابقة .بل
كشفت الغطاء عن الَعَور الذي تعيشه البشرية ،ل نتيجة تهميش المرأة فحسب ،بل نتيجة تهميش الجانب النثوي من الرجل أيضًا،
وسيادة ثقافة الحط من قدر الصفات النثوية وسيطرة الصورة النمطية للنسان/الرجل.
ل أنثى وذكر مختلفان ،أم هناك إنسان وحسب؟ والسؤال الهم من ذلك ،لماذا كان باستطاعة الرجل تهميش
وهنا نطرح سؤاًل :هل هناك فع ً
المرأة؟ ولماذا ل نعتبر أن السائد هو نتيجة منطقية لهذه الختلفات ،وهو سائد بحكم المنطق والوجوب ،كما تفترض الكثير من
المعتقدات والفكار السائدة؟
إن أول الفروق الجنسية الواضحة هي الفروق في القوة العضلية ،وأفترض أن الزمان الطويلة ما قبل المدنية ،والتي تقدر بمليين السنين،
التي مرت على البشرية ،والتي تحتاج السيادة فيها إلى القوة العضلية ،هي السباب الرئيسة التي أدت إلى سيادة الذكور وأكسبتهم
القدرة على تهميش الناث وإبعادهن عن مراكز القرار .وتعاقب الجيال المتتالية التي تربت على وجود جنس سائد أدى إلى تكريس
قوالب نمطية شائعة لسمات أنثوية وذكورية ليست فطرية ،وإنما هي نتاج للتكيف الثقافي في المجتمعات التي انتظمت بحيث تحدد
الدوار المنتظرة من الذكور والناث ،وتحدد ،من ثم ،القدرات والميول التي سيجري تطويرها لدى الطفال من الجنسين المختلفين.
وفي عصرنا الحاضر ،تستطيع شريحة الكترونية صغيرة جدًا التحكم بجيش كامل من العضلت المفتولة .في هذا العصر ،الذي ل تنفع فيه
العضلت في شيء سوى دهنها بالزيوت واستعراضها لمعة ومتللئة أمام شاشات التلفزة ،تغدو السيطرة الذكورية ناتئة وتحتاج
إلى تلك المحاولت التي نلمسها جميعًا ،لتأكيدها وضمان استمرارها ،لنها فقدت مشروعيتها منذ زمن بعيد.
بعيدًا عن الكتب الرائجة اليوم ،والتي تؤكد الفوارق الشاسعة بين المرأة والرجل ،إلى حد اعتبارهما ينتميان إلى كوكبين مختلفين ،سألقي
الضوء هنا على كتاب علمي رصين ،يبحث في الفروق الجنسية .وهو كتاب "جنوسة الدماغ" للكاتبة ميليسا هاينز .فهي تقول :إن
أكبر الفروق الجنسية السيكولوجية بين البشر هي تلك التي تحدث في هوية الجنوسة المركزية ،أي شعور الفرد بنفسه ذكرًا أو
أنثى ،ويعرف هذا الشعور بهوية الجنوسة المركزية .وكذلك في الميول الجنسية ،إذ لدى أغلب الناس هوية جنوسة مركزية متوافقة
مع جنسهم الوراثي ،وميول جنسية تجاه الجنس الخر المخالف.
أما أغلب الفروق الجنسية الخرى فإنها تصنف من الفروق الصغيرة والمتوسطة ،فمثل تعتبر الفروق الجنسية المتعلقة بالعنف الجسدي ،من
المستوى المتوسط ،فقد اتضح أن الولد والرجال أكثر عدوانية من الفتيات والنساء .بما في ذلك الخيال العدواني ،والهانات
اللفظية ،والقدرة على تعريض الخرين للذى واللم .واقترح العلماء أن هذه الفروق الجنسية من المستوى المتوسط .وهناك قدر
كبير من المعلومات حول الفروق الجنسية في القدرات الذهنية ،فثمة فروق جنسية صغيرة لمصلحة الناث في فئة التشفير والرموز
الرقمية ،وفروق جنسية أخرى لمصلحة الذكور في فئات المعلومات والتصميم باستخدام المكعبات والقدرات البصرية المكانية
والتحليل الُبعدي .فيما تظهر الناث تفوقًا في وظائف اللغة والكلم المختلفة.
تجادل هاينز بأنه قد تكون بعض السمات ،مثل القدرات البصرية المكانية أو القدرات اللغوية أو انخفاض العدوانية ،محبذه عن سواها .ولكن
ليس من الواضح ،ما إذا كان السلوك التقليدي للذكر أو نمط السلوك التقليدي للنثى هو الفضل .إضافة إلى أن النمط النموذجي
للذكر أو النمط النموذجي للنثى نادر الوجود إذ التباين ضمن الجنس الواحد كبير جدًا ،فهناك نساء قدراتهن البصرية المكانية عند
أعلى المستويات ،وهناك رجال قدراتهم اللغوية عند المستويات العالية نفسها .في الواقع ،على الرغم من أن معظمنا يبدو بوضوح
ل منا هو فسيفساء معقدة من السمات الذكرية والنثوية.إما ذكرًا وإما أنثى ،فإن ك ً
"إن الفراد من الرجال والنساء بمنزلة فسيفساء معقدة من الصفات المرتبطة بالجنس ،عوضًا عن أن يكونوا نسخًا مكررة من الرجل
)النموذجي( والمرأة النموذجية".
تؤثر الهرمونات في التمايز الجنسي أكثر من المعلومات الوراثية المتناقلة عبر الخليا ،وهي التي تكمن وراء السمات النثوية أو الذكرية
بصورة أساسية .لكن البحاث العلمية أكدت أنها تعتبر من المصادر البيئية ،من خلل استجابتها الكبيرة للمتغيرات في البيئة .تناقش
الكاتبة هاينز أنه ل يمكننا فصل العمليات البيولوجية عن العمليات الجتماعية والثقافية ،واعتبارها ساحات مستقلة بعضها عن
بعضها الخر ،وبأن كل الكتشافات العلمية والدراسات الجتماعية تسير في التجاه التبادلي ،التفاعلي ،بين منظومة متكاملة من
المؤثرات والعوامل المختلفة .أي إن لجميع سماتنا السيكولوجية والسلوكية أساس بيولوجي في دماغنا ،بغض النظر عما إذا كانت
الهرمونات أو عوامل أخرى ،بما فيها العوامل الجتماعية والثقافية والتربوية ،هي التي تدفعنا إلى النمو بطريقة معينة .لذا فإن
التمييز بين السباب البيولوجية والجتماعية هو تمييز زائف.
هذه الكتشافات العلمية الحديثة تشير إلى أن النتيجة الطبيعية لضطهاد المرأة وتأكيد التسيد الجنساني الذي تنامى عبر التاريخ من قبل الذكر،
ل من الجنسين اضطَهد جانبًا منه ونما الجانب الخر
أدى إلى تبجيل السمات الذكرية وتبخيس السمات النثوية .وأدى من ثم إلى أن ك ً
على حسابه.
المقصود هنا بالسمات النثوية :الذكاء الداخلي ،الحدس ،الرعاية ،المشاعر والحاسيس والنفعالت ،عدم الوضوح ،النحياز العاطفي ،التكيف
مع المكان والشخاص ،التواصل .أما السمات الذكرية فهي :الذكاء الرياضي ،الوضوح ،القدرة على التجريد ،عدم التكيف والغزو
باتجاه الخارج ،الموضوعية ،العقل الخالص ،العنف ،التنافس ،القتال ،النفصال.
إن التعامل مع الموضوع على أنه سمات معينة مقموعة يؤكد أن ل مكان للخضوع للحتمية البيولوجية الرهيبة ،والتي كانت تخاف منها
الناشطات النسويات السابقات ،حين تطرفن في تأكيد التشابه التام بين الجنسين ،كي ل تكون الفوارق الجنسية قدرًا ل مفر منه
ومصدرًا للضطهاد الزلي ،ومن ثم ،الضطهاد البدي .أي إن إعادة بناء قيم بديلة وتربية متوازنة بإعادة العتبار للسمات النثوية،
يمكن أن يتراجع الختلل الكبير الحالي ويؤدي إلى أن تسير البشرية مشية متوازنة بدًل من حالة العرج المزمنة التي تعاني منها
حاليًا .باعتمادها على الساق الذكورية وضمور الساق النثوية.
فقط في النصف الثاني من القرن العشرين أتيح التعليم واللتحاق بالمؤسسات التعليمية والعلمية لعداد كبيرة من النساء .ومع التعليم
الرسمي يتلقى الرجال والنساء الجراءات نفسها واللغة نفسها ،لذلك يمكنهم التواصل مع المعارف والمشاركة فيها .ومن ثم إجراء
الحوار الكبير ،الذي من الممكن أن يؤدي إلى حلول للكثير من مشكلت عالمنا الراهنة ،وبدء الحوار يفترض مسائلة الفكر السائد،
في كل مجتمع على حدة ،والفكر السائد على الصعيد الكوني ،وهو هنا الفكر الغربي تحديدًا ،والعمل المشترك لعادة إنتاج متوازنة
للثقافة والفكر والعلوم المختلفة.
الفكرالنسوي و البستيميولوجيا
وضعت فيلسوفات الحركة النسوية البستيميولوجيا الموضوعانية )الساسانية( تحت المسائلة وبحثن في تأثيرها العميق في الفلسفة
الغربية .وسعين إلى صوغ نظرية تأنيث البستيميولوجيا.
ابتدأ العصر الذهبي للبستيميولوجيا الموضوعانية ،التي وجدت بداية تكوينها في واقعية أفلطون ،مع ديكارت وفلسفته العقلية الخالصة.
وامتد تاثيرها إلى الفلسفة الغربية ،والفكر الغربي ،حتى عصرنا الحاضر .وقد حمل الفكر التجريبي لواء هذه البستيميولوجيا التي
بلغت نضجها على أيدي فلسفة الوضعية في القرنين الخيرين .واستفادت الفلسفة النسوية الجديدة من الضربات القوية التي تلقتها
البستيميولوجيا الموضوعانية من قبل فلسفة ما بعد الحداثة من أمثال فوكو ودريدا ،ومن قبل أصحاب النظرية النقدية وعلى
رأسهم هوركهايمر وهابرماس .ولكن فلسفة الحركة النسوية دفعن بالجدل الدائر حول مسلمات هذه البستيميولوجيا إلى مستويات
جديدة ووضعن هذه المسلمات أمام تحد ل تزال تواجهه حتى اللحظة الحاضرة.
بحثت الفلسفة النسوية في أسئلة البستيميولوجيا الساسية ،أي في شروط المعرفة ومصادرها ومعاييرها ومناهجها ،وموقف العارف وتأثير
الذات العارفة في العملية المعرفية ،وأضافت إليها بناء على ذلك تأثير الجنوسة أو دورها في عملية المعرفة .وجادلت في مواجهة
الفتراض الساسي للبستيميولوجيا الموضوعانية القائل بأن هناك مملكة للوقائع موجودة باستقلل تام عنا .وأن الدور الذي نقوم
به كذوات عارفة ل يتخطى محاولة القبض على هذا العالم ذاته ،كما هو .إننا ل نسهم في تكوين موضوع المعرفة ل سببيًا ول نظريًا.
إن الذات العارفة هي الذات الديكارتية التي تعمل في فراغ تام .إنها ذات ساكنة ل متحركة ،منفعلة ل فاعلة ،متقبلة ل معطية.
واعتمدت الفلسفة النسوية في جدلها هذا على تحولت ما بعد الحداثة في النظر إلى الذات العارفة من حيث أن لها الدور المحوري
في عملية المعرفة ،وعملت ،عن طريق المناهج التفكيكية على تفكيك الدور الحقيقي للذاتية في الفلسفة الغربية التقليدية .وأوضحت
جوانا هودج أن الذاتية – الذكورية كامنة في فصل ديكارت للوعي العقلني عن الجسد ليرتبط الول بالذكر والثاني بالنثى.
أي إن الموضوعية الغربية كانت مزيفة إلى حد ما ،لن سيرورة إنتاج المعرفة تخضع للشروط الجتماعية التي تشكل الوسيط بين الذات
والموضوع ،وبما أن الجنس مقولة اجتماعية ،ل مجرد مقولة بيولوجية فقط ،فان جنس الذات العارفة جزء ل يتجزأ من منظورها
الجتماعي ،أي إن عملية إنتاج المعرفة عند الذكور ل يمكن فهم شروطها ومقتضياتها إل من ضمن كونها ممارسات للذكور
باعتبارهم يمثلون فئة اجتماعية لها منظورها الخاص.
من هنا كان أحد المعالم البارزة للفلسفة النسوية ميلد البستيميولوجيا النسوية الصريحة كما عبرت عنها الفيلسوفة النسوية لورين كود في
مقالتها في مجلة ما وراء الفلسفة ،1981إذ أطلقت سؤالها :هل جنس العارف مهم من الناحية البستيميولوجية؟ وكانت الجابة
التقليدية دائمًا ،هي النفي القاطع .وقد بذلت الفيلسوفة السترالية جنفييف للويد جهدًا نظريًا عظيمًا للجابة عن هذا السؤال في
كتابها "الذكر والنثى في الفلسفة الغربية ،"1984-إذ تتبعت مفهوم العقل ،منذ أرسطو حتى يومنا ،لتبين التغيرات التي لحقت
بالمفهوم ،فقد ظل محكومًا بالنحياز الذكوري .وأبانت جنفييف كيف قام العقل على أسس مناقضة لكل ما هو نسوي ولسائر
التوجهات النثوية ،وكيف عملت الفلسفة منذ عهدها الغريقي على البحث عن مبدأ ميتافيزيقي يفصل الذكورة اليجابية عن النوثة
السلبية.
ل يلعب فيه الشعور دورًا أكبر .وبّين أن الشعور قدمت هؤلء الفيلسوفات النسويات تصورًا جديدًا للعقل ينقد التصور الديكارتي ،وقدمن عق ً
مصدر من مصادر الفهم ،ونتيجة من نتائجه ،وكيف انه منخرط في العملية المعرفية من ألفها إلى يائها.
منذ عام ،1905أي منذ ما سمي آنذاك بأزمة الفيزياء ،تدخلت أدوات التجربة في نتائج التجربة ،عندما ذهل العلماء باكتشافهم أنهم ل
يستطيعون قياس سرعة الجسيم الصغير وكتلته في تجربة واحدة ،وأنهم يحتاجون إلى شروط وأدوات تجربة محددة لقياس كتلة
الجسيم ،ثم يحتاجون إلى شروط أخرى وأدوات تجربة أخرى لقياس سرعته .كانت تلك الضربة الولى التي تلقتها الفيزياء
الميكانيكية الباردة التي تعتمد على الحتمية والوضوح وانفصال الذات والدوات عن نتائج التجربة.
كما كانت الضربة الولى للعتبار السائد من قبل كثير من الفلسفة وعلماء النفس ،بأن الوصول إلى النا المنفصلة هو قمة التطور النساني.
هذا النفصال الذي أدى إلى فصم النسانية الغربية عن الطبيعة ،لكي تؤسس الهوية المنفصلة .لقد كان لهذا النفصال مشروعيته في
مرحلة ضرورية من مراحل الرتقاء ،يحتاج فيها العقل إلى أن ينأى عن الجسد وعن المادة لكي ينظر إليهما من خارجهما للدراسة.
ولكن هذا النفصال يفقد مشروعيته حين يستمر إلى المدى ما بعد الضروري في سياق الرتقاء السيكولوجي للفرد والثقافة.
انعكس الوعي الذكوري على العلم ،فالعلم مؤسسة اجتماعية ،أو طريقة لكتساب المعرفة ،تأثرت بحقيقة أن الغالبية العظمى من العقول
المسؤولة عن تشييد عمارة العلم كانت من الذكور .وواصلت هذه المؤسسة دأبها على حجب الجانب النثوي منه .واستبعاد المرأة
يعكس استبعادا للنثوية وبخسًا لقيمتها .مؤسسة العلم حكمتها الحادية وحددتها بالقيم الذكورية.
اعتمد العلم على الملحظة والقياس والتفكير ،مستخدمًا مقاييس موضوعية ،ورفض الشعور والحدس ،يصنف هذان العنصران عادة على
أنهما أنثويان .وفي الوقت الراهن ومع صور الموت المحتمل لكوكبنا نوويًا أو بيئيًا تكون مهمتنا الن أن نستحضرهما في علقة مع
الوعي النساني ،مهمتنا الن هي الدخول مع العلم في علقة جديدة مع عناصر جرى كبتها وتهميشها ،أي مع العناصر النثوية التي
يصبح إهمالهما غير علمي وفاقدًا المشروعية .وذلك من خلل اعتماد المقاربات النثوية ،مقاربات العتماد المتبادل والحميمية
والرعاية والتفكير السياقي.
إذا كانت الموضوعية الصارمة ،من سمات البحث العلمي الذكوري ،وإذا كانت النظريات العلمية الحديثة ،كنظرية الكوانتم في الفيزياء ،التي
تعتمد على مبدأ الليقين ،ونظرية الشواش ،في الرياضيات تطرحان عددًا من القيود النظرية والعملية للموضوعية ،لمصلحة
ل،
المختلف والمتعين فإن هذا كله يدعم المنظور النثوي .ونلحظ أن ذلك كله من الصفات النثوية التي همشت واستبعدت زمنًا طوي ً
واعتبرت منافية للحقائق العلمية الواضحة .جاء العلم ليقول إن هذه الصفات هي من صفات الطبيعة ذاتها وجاء الفكر النسوي
والعالمات النسويات ليستفدن من آخر ما توصل له العلم لعادة العتبار للجانب النثوي فينا.
تخلص ليندا جين شيفرد في كتابها ،انثوية العلم ،إلى أننا نستطيع تغيير سمة الجفاف من العلم ،والخروج من مشاكله ،وتجنب اندلع الشر
فيه ،بأن "نتحمل المسؤولية عن الظلل المعتمة فينا" ،وتقول "ل احسب أن فرض المزيد من الرواسب البيروقراطية سوف يحل
مشكلت العلم .أرى المر كتحد أمام الفراد جميعا لكي يفتحوا عقولهم على الممكنات المستحدثة ،لكي يتفكروا بعمق ،لكي يعيدوا
فحص قيمنا ،لكي نقترب من معرفة أنفسنا ،لتطوير شعورنا وحدسنا حتى يكتمل تفكيرنا وإحساسنا ،حتى تتكامل النثوية ،لكي نغدو
بشرا أقرب إلى الكل المتكامل .حينئذ يستطيع كل منا أن يغرس العلم في قلبه وفي حنايا جسده".
قام الفكر النسوي بإعادة النظر في فلسفة الخلق السائدة ونقد فلسفة الخلق الكانطية التي تعتمد على الذات المتجردة المتعالية .وبني
التصور النسوي على فلسفة للخلق تقوم على تصور ترابطي للشخاص ،بدًل من تصور الفراد المستقلين والمكتفين ذاتيا،
فالنظريات السائدة استوردت إلى النظرية الخلقية تصورًا عن الفرد طور أساسًا لمصلحة النظرية الليبرالية السياسية والقتصادية،
إذ ينظر إلى الشخص على أنه فاعل عاقل بذاته ،أو فرد يهتم بذاته .على عكس نظرية الخلق النسوية التي ترى أن الشخاص
ل يعتمد على هؤلء الذين مترابطون ويعتمدون بينيًا بعضهم على بعض أخلقيا وإبستيميولوجيًا إذ يبتدئ كل شخص حياته طف ً
يقدمون له العناية ،ونبقى معتمدين بينيًا على الخرين بطرق أساسية تمامًا طول حياتنا .والقول إنه باستطاعتنا أن نفكر ونفعل كأننا
مستقلون يعتمد على شبكة من العلقات الجتماعية تجعل ممارسة هذا النوع من السلوك ممكنًا .وعلقاتنا هي جزء من الشيء الذي
يشكل هويتنا .هذا ل يعني أننا ل نستطيع أن نصبح مستقلين ذاتيًا ،بل على العكس يقدم الفكر النسوي تصورًا نسويًا للحكم الذاتي
الحر ،يبنى على حساب التصور الليبرالي ،لكنه يعتمد على رفض إعادة تأسيس العلقات على أي شكل من أشكال الضطهاد .وكما
توضح فيرجينيا هيلد في كتابها" ،أخلق العناية"" ،أن بناء النظرية الخلقية كأننا ربنسون كروزو ،أو كأننا نباتات فطر وفق
صورة هوبز من ل مكان ،فإن هذه المحاولة مضللة".
استفادت فلسفة الخلق النسوية من أسلفها فلسفة الحس الخلقي هاتشسون وشافتسبري وهيوم .هيوم يعطي الحاسيس والنفعالت
والعواطف أهمية أساسية في فلسفة الخلق بينما يرى كانط أن ميدان الخلق ل يمكن أن يكون ميدانًا لتحليل العواطف البشرية.
إن أهم إنجاز للفكر النسوي الحديث هو تأكيده أهمية تجربة النساء والستفادة منها فلسفيًا إلى جانب تجربة الرجال ،وأن النظريات الخلقية
السائدة تعتمد على تجربة الرجال في الحياة العامة والسواق ،أما خبرة النساء العتنائية تؤدي إلى اعتبار الحساسية المفعمة بالحب
والعمل المعتمد على الستجابة للحاجات وتلبيتها ،أقرب إلى المفهوم الخلقي من القواعد المجردة والحسابات العقلية للمنافع التي
تعتمد عليها النظريات الخلقية السائدة.
على كل الحوال ليس هناك نظرية أخلقية نسوية واحدة وإنما عدد من البدائل ،وعدد من التجاهات تشترك في شيء أساسي هو الوعد
ومحاولة التخلص من النحياز الجنسي في التنظير الخلقي وغيره.
بمثابة خاتمة
لم أكن نسوية يومًا ،وكان هاجسي سياسيًا ،ينطلق من إيماني بأن التغيير السياسي سوف يؤدي إلى تحرر المرأة والرجل معًا .ولكن في
سياق النشاط السياسي أدركت أن ل شيء يأتي دفعة واحدة ،وكانت المعاناة تشير إلى أن القوى السياسية ،في غياب نشاط نسوي
فاعل ،سوف تعيد إنتاج السيطرة الذكورية ،لنها تمارسها مسبقًا في أحزابها .كما أن الفكر النسوي لمس عندي بعضًا من الميول
الثورية لنه فكر ثوري بامتياز يهدف إلى قلب أقوى هرم سلطة محصن ،وهو هرم الجنس ،يهدف إلى قلبه ل ليحل محله بل
لتقويض كل أشكال التراتب الهرمي أساسًا .لنه بطبيعته ضد كل هرمية وضد كل سلطة.
ولكن الهم من ذلك هو زيادة قناعتي ،من خلل ملحظاتي ،بتأثير الذات الباحثة في النتائج في مجالت عديدة ،وسوف أحاول أن أبحث فيها
ل ،رصدي لرأي النساء المتزوجات المتدينات من حولي في قضية تعدد الزوجات ،إذ ترى هؤلء تباعًا ،وسأذكر منها الن مث ً
النسوة دائما أسبابًا موجبة لمنعه أو تحديده وتقييده بشدة على عكس الرجال الذين يدافعون عنه بل تحفظ وبل قيد أو شرط .وهكذا
صرت مع وجود فقه ديني نسوي وعلم نسوي ورياضة نسوية وهندسة نسوية ...الخ ومع كل شأن نسوي بسلبه وإيجابه كي يوازن
قليل التاريخ الطويل من النتاج الفكري والفلسفي والعلمي والعملي من الذات المذكرة بكل إيجابياتها وسلبياتها .حان الوقت للبشرية
أن تسير بتوازن قبل أن يفوت الوان وتستمر "بفركشتها" إلى أن ترتطم بحائط النقراض الذي بات يهددها جديًا.
المراجع: