You are on page 1of 35

‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫‪1‬‬
‫األخالقيات النسوية‬

‫• روزميري تونغ‪ ،‬نانسي ويليامز‬


‫ترجمة‪ :‬زينب صالح‬

‫ونانس ويليامز‪ ،‬حول المقاربات المختلفة لألخالقيات النسوية‪ ،‬والمنشور‬‫ي‬ ‫روزمتي تونغ‬
‫ر‬ ‫مقدمة‪ :‬هذا نص رمتجم لد‪.‬‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫والت قد‬
‫ه للنسخة المؤرشفة يف الموسوعة عىل هذا الرابط‪ ،‬ي‬ ‫عىل (موسوعة ستانفورد للفلسفة)‪ .‬ننوه بأن التجمة ي‬
‫ا‬
‫األختة بعض التحديث أو التعديل من فينة ألخرى‬ ‫ر‬ ‫تختلف قليال عن النسخة الدارجة للمقالة‪ ،‬حيث أنه قد يطرأ عىل‬
‫نخص بالشكر محرري موسوعة ستانفورد‪ ،‬وعىل رأسهم د‪ .‬إدوارد زالتا‪ ،‬عىل تعاونهم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ا‬
‫وختاما‪،‬‬ ‫منذ تتمة هذه رالتجمة‪.‬‬
‫واعتمادهم رللتجمة ر‬
‫والنش عىل مجلة حكمة‪.‬‬

‫إن األخالقيات النسوية حماولة تنقيح األخالقيّات التقليدية‪ ،‬وإعادة صياغتها أو إعادة التفكري يف مدى‬
‫انتقاصها من قدر خربة النساء األخالقيّة أو احلط من قيمتها‪ .‬وضمن آخرين‪ ،‬تعيب الفيلسوفة النسوية أليسون‬
‫جاغر على األخالقيات التقليدية تقليلَها من شأن املرأة خبمسة طرق متصلة ببعضها البعض؛ فتقول أهنا‪ :‬أوال‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Tong, Rosemarie and Williams, Nancy, "Feminist Ethics", The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Winter 2016‬‬
‫‪Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/win2016/entries/feminism-ethics/>.‬‬

‫حكمة © ‪Copyright 2017‬‬ ‫‪1‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫تبدي اهتماما أقل بقضااي املرأة واحتياجاهتا مقارنة ابلرجل‪ .‬اثنيا‪ ،‬تعرض القضااي األخالقية اليت تنشأ فيما‬
‫يسمى ابلعامل اخلاص يف صورة مبتذلة‪ ،‬فهو ذلك العامل الذي تقوم فيه املرأة أبعمال املنزل‪ ،‬وترعى األطفال‬
‫السن‪ .‬اثلثا‪ ،‬تفرتض ضمنا أن النساء عموما غري انضجات أخالقيا أو عميقات مثل الرجال‪.‬‬
‫العجزة وكبار ّ‬
‫و َ‬
‫رابعا‪ ،‬تبالغ يف تقدير السمات املذ ّكرة ثقافيا كاالستقالل واحلكم الذايت والفكر واإلرادة واحلرص والتسلسل‬
‫التنسك واحلرب واملوت‪ ،‬بينما حت ّقر السمات املؤنثة ثقافيا كاالتكالية‬
‫اهلرمي والسيادة والثقافة والتفوق واإلنتاج و ُّ‬
‫واالجتماعية والطبيعة واالرتباط واملشاركة والعاطفة واجلسد والثقة وغياب التسلسل اهلرمي والطبيعة والذاتية‬
‫تفضل طرق املنطق األخالقي "الذكورية" اليت تش ّدد على‬
‫والعملية واملتعة والسالم واحلياة‪ .‬خامسا ‪-‬وأخريا‪ّ ،-‬‬
‫القواعد واحلقوق والعاملية واملوضوعية‪ ،‬على طرق املنطق األخالقي "األنثوية" اليت تش ّدد على العالقات‬
‫واملسئوليات واخلصوصية والتحيّز (‪.) Jaggar, “Feminist Ethics,” 1992‬‬

‫ينصب كل‬
‫ّ‬ ‫كان النسويّون قد طوروا مقارابت أخالقية واسعة النطاق ترتكز على اجلنوسة‪/‬اجلندر‪،‬‬
‫منها على واحدة أو أكثر من الطرق اليت فشلت فيها األخالقيات التقليدية أو أمهلت فيها النساء‪ .‬وش ّدد‬
‫بعض النسويني األخالقيني على القضااي اليت تتعلق بسمات وتصرفات النساء خصوصا قضااي الرعاية‪ ،‬وعلى‬
‫النقيض ش ّدد آخرون على الدوافع السياسية والشرعية واالقتصادية واأليديولوجية وأثرها يف وضع النساء كجنس‬
‫آخر‪ .‬وأاي تكن هذه التشديدات‪ ،‬فكل النسويني األخالقيني يتشاركون نفس اهلدف وهو خلق أخالقيات‬
‫جندرية هتدف إىل إزالة اضطهاد أي جمموعة من الناس ـ والنساء خصوصا‪ ،‬أو ختفيفه على أقل تقدير ( ‪Jaggar,‬‬

‫‪.)“Feminist Ethics,” 1992‬‬

‫‪1‬ـ األخالقيات النسوية‪ :‬خلفية اترخيية‬

‫ليست املقارابت النسوية لألخالق أو اجلدال حول الطبيعة اجلندرية لألخالق تطورا جديدا‪ ،‬فخالل القرنني‬
‫الثامن عشر والتاسع عشر‪ ،‬تكلّم العديد من املفكرين يف موضوعات متعلقة بـ "أخالق النساء"‪ ،‬منهم‪ :‬ماري‬
‫ولستونكرافت‪ ،‬وجون ستيوارت ِمل‪ ،‬وكاثرين بيتشر‪ ،‬وكارلوت بريكن جيلمان‪ ،‬وإليزابيث كادي ستانتون‪.‬كل‬
‫من هؤالء املفكرين أاثر أسئلة مثل‪ :‬هل مسات النساء "املؤنثة" انجتة عن الطبيعة البيولوجية أم أهنا حصيلة‬
‫التكيّف االجتماعي؟‪ ،‬هل تتصل الفضائل األخالقية والسمات اجلنوسية‪/‬اجلندرية بعواطف املرء وقدراته‬

‫حكمة © ‪Copyright 2017‬‬ ‫‪2‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫اإلدراكية أم بفسيولوجيته وسيكولوجيته؟ إذا كان األول‪ ،‬فهل علينا أن نقبل ببساطة حقيقة أن الرجال والنساء‬
‫هلم فضائل أخالقية ومسات جنوسية خمتلفة ونتصرف وفقا لذلك؟ وإذا كان الثاين‪ ،‬فهل علينا أن نبذل ما يف‬
‫وسعنا لنجعل الرجال والنساء يلتزمون نفس األخالقيات‪ ،‬أخالقيات واحدة تالئم كل البشر؟‬

‫املوضحة أعاله أن الفضائل األخالقية‬


‫استنتجت ماري ولستونكرافت وهي تسأل نفسها أسئلة ك ّ‬
‫ملزمات مبمارسة نفس أخالقيات الرجال‪ ،‬إذ إهنا أخالقيات إنسانية‪ .‬ورغم أهنا مل‬
‫وحدويّة‪ ،‬وقالت أن النساء َ‬
‫تستخدم مصطلحات مثل "األدوار اجلنوسية املؤسسة اجتماعيا"‪ ،‬إال أهنا أنكرت أن يكون حمكوما على النساء‬
‫يكن أقل فضيلة من الرجال ( ‪Wollstonecraft, A Vindication of the Rights of Women,‬‬
‫بطبيعتهن أن ّ‬
‫ّ‬
‫‪ .)p. 105‬ويف ظل حرماهنن من الفرص الوافية لتطوير قدراهتن العقلية‪ ،‬ينهي النساء كوهنن أفرادا عاطفيني‪،‬‬
‫ومرهفي احلس‪ ،‬ونرجسسني‪ ،‬ومطلقي العنان لشهواهتم‪ .‬قالت ولستونكرافت أنه ال عيب يف النساء مبا يف ذلك‬
‫صفاهتن األخالقية الضعيفة اليت ال يستطيع التعليم الصارم ‪-‬ذلك التعليم الذي يهدف إىل تطوير قدرات الطلبة‬
‫العقلية‪ -‬أن يعاجلها افرتاضيا‪ .‬فالرجال لديهم اهتمامات ودوافع والتزامات سواء كانت اثنوية أو ذات أمهية‬
‫ألهنم يتلقون تعليما مناسبا‪ ،‬تقول ولستونكرافت "أعطوا النساء تعليم الرجال ولن تكون النساء أقل من الرجال‬
‫( ‪Wollstonecraft, A Vindication of the Rights of Women, p.‬‬ ‫يف كوهنن أانسا انضجني أخالقيا"‬
‫‪.)105‬‬

‫تفرق‬
‫عرفت ولستونكرافت العقل ‪-‬بدال من احلس‪ -‬أبنه الصفة اليت متيز بني اإلنسان واحليوان‪ ،‬فهي ّ‬
‫ّ‬
‫بني قواعد السلوك اليت جتعل املرء يتصرف بال عقل مثل إنسان آيل يستطيع أي شخص التحكم فيه‪ ،‬وبني‬
‫األخالق اليت تتطلب تفكريا انقدا‪ ،‬فبينما يعلّم اآلابء األوالد األخالق‪ ،‬جندهم يعلمون البنات قواعد السلوك‪،2‬‬
‫على حد قوهلا‪ .‬وبشكل أكثر مشولية‪ ،‬فإن اجملتمع ككل يشجع النساء على تنمية السمات السيكولوجية‬
‫السلبية مثل املكر‪ ،‬والغرور‪ ،‬والطيش‪ ،‬وكل ذلك يعيق تطور النساء األخالقي‪ .‬واألسوأ من هذا أن اجملتمع‬
‫حيول مزااي النساء إىل نقائص‪ ،‬وحتديدا ت ّدعي ولستونكرافت على سبيل املثال أن الرقّة ‪-‬وهي مسة سيكولوجية‬
‫ّ‬
‫إجيابية للنساء‪ -‬سرعان ما تتحول إىل خضوع‪ ،‬تقول ولستونكرافت‪" :‬عندما يكون تصرف التبعية اخلاضع هو‬
‫الداعم للضعف الذي حيب ألنه يريد احلماية‪ ،‬ويتسامح ألنه البد أن يتحمل اإلهاانت يف صمت‪ ،‬لن تكون‬

‫‪ 2‬أو ما يعرف باإلتيكيت‬

‫حكمة © ‪Copyright 2017‬‬ ‫‪3‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫( ‪Wollstonecraft, A Vindication of the Rights of‬‬ ‫للجلد الذي يواجهه مستغربة"‬


‫جرأته على التبسم َ‬
‫‪.)Women, p. 117‬‬

‫مثبّطة ابلسمات النفسية السلبية األنثوية املعاصرة هلا‪ ،‬خصوصا املوجودة يف الطبقة الوسطى‪ ،‬أوضحت‬
‫ولستونكرافت أن أفضل طريق يسلكه النساء ليصبحن عوامل كاملة النضج أخالقيا هو أن يفكرن ويتصرفن‬
‫مثل الرجال‪ ،‬ومل حيدث أن تساءلت ولستونكرافت عما إذا كانت أخالقيات الرجال يف احلقيقة إنسانية أم ال‪،‬‬
‫كل ما عرفَته يف املقابل هو أن أخالقيات الرجال تبدو أفضل من أخالقيات النساء وابلتايل فهي مرشح أمسى‬
‫للقب "األخالقيات اإلنسانية الصحيحة"‪.‬‬

‫أكدت ولستونكرافت أن نساء عصرها حيتجن تعليما أفضل‪ ،‬ولكنها فشلت يف تقدمي عرض تعريفي‬
‫تلمح أن اهلدف من تعليم النساء هو ببساطة مساندة الرجال "مبتابعة‬
‫لتزويدهن بتعليم الرجال‪ .‬فأحياان ّ‬
‫عقالنية"‪ ،‬أي‪" :‬ببنات يقظات أكثر‪ ،‬وأخوات عطوفات أكثر‪ ،‬وزوجات وفيّات أكثر‪ ،‬وأمهات حصيفات‬
‫أكثر‪ .)Wollstonecraft, A Vindication of the Rights of Women( ".‬ومع ذلك‪ ،‬تقرتح يف أحيان‬
‫أخرى أن النساء حيتجن التعلم مثل الرجال كي يصبحن راشدات يتمتعن ابلعقالنية واملسئولية واالستقالل‪.‬‬
‫والحظت أنه إذا كانت النساء حقا "متميزات وانفعات"‪ ،‬فمن الضروري أن يستقللن اقتصاداي عن الرجال‬
‫(‪.)Wollstonecraft, A Vindication of the Rights of Women‬‬

‫مل تنته املناقشات عما جيعل اإلنسان جيدا عند ولستونكرافت‪ ،‬بل استمرت حىت القرن التايل‪ .‬ويف‬
‫واحدة من سخرايت التاريخ‪ ،‬اعتُربت النساء أكثر أخالقا من الرجال خالل القرن التاسع عشر ‪-‬مع كوهنن‬
‫أقل فكرا أيضا‪ ،-‬مما أقلق الفيلسوف النفعي جون ستيوارت ِمل‪ ،‬فقد رأى أن اجملتمع خمطئ يف أتسيس مقياس‬
‫أخالقي مزدوج تُفرض وفقا له أخالق النساء خالفا ألخالق الرجال‪ .‬وانعكاسا على مسو أخالقيات النساء‬
‫املزعوم‪ ،‬استنتج ِمل أن أخالقيات النساء انجتة ببساطة عن التكييف االجتماعي املمنهج‪ ،‬فامتداح النساء‬
‫ألجل "إنكارهن ذواهتن املعقدة"‪ ،‬ليس إال ثناء على اجملتمع الذي غرس يف النساء تلك السمات السيكولوجية‬
‫اليت ختدم احلفاظ عليه (‪ .)J.S. Mill, The Subjection of Women, p. 32‬تعلمت النساء أن تعيش ألجل‬
‫اآلخرين‪ ،‬لكي تعطي دائما وال أتخذ أبدا‪ ،‬تعلمت أن تستسلم وتسمع وتطيع‪ ،‬لكي تعاين على طول املدى‪،‬‬

‫حكمة © ‪Copyright 2017‬‬ ‫‪4‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫وتعلمن أيضا االعرتاض على الرجال‪ ،‬ألهنن لسن ذكيات وقوايت مثلهم‪ .‬فاحلال أن مزااي النساء ليست نتاج‬
‫خيارهن االستقاليل‪ ،‬وإمنا نتيجة النظام االجتماعي‪ .‬وال يوجد يف األصل إال فضيلة واحدة‪ ،‬البد من دفع‬
‫النساء والرجال لاللتزام مبقاييسها‪ ،‬وهي الفضيلة اإلنسانية‪ ،‬وبعد ذلك فقط‪ ،‬سيكون اجملتمع مستقيما ومزدهرا‬
‫ألقصى حد ممكن (‪)J.S. Mill, The Subjection of Women, 1970‬‬

‫على النقيض من ولستونكرافت وِمل‪ ،‬أنكر مفكرون آخرون من مفكري القرن التاسع عشر أن تكون‬
‫الفضيلة ‪-‬أو ينبغي أن تكون‪ -‬واحدة لكال اجلنسني‪ .‬وق ّدموا ‪-‬بدال من ذلك‪ -‬نظرية منفصلة للفضيلة ولكنها‬
‫مكافئة‪ ،‬خيتلف الرجال فيها عن النساء وفقا هلا نوعا ما‪ .‬أو أهنم شرحوا نظرية للفضيلة منفصلة وغري مكافئة‪،‬‬
‫تعترب فضيلة األنثى يف األساس أفضل من فضيلة الذكر‪ .‬وهذه اجملموعة املخالفة من املفكرين ال يتوافقون مع‬
‫بعضهم البعض على كيفية تقييم الصفات املرتبطة ابلنساء كالرتبية واحلنان والشفقة والتضحية ابلنفس والعطف‪،‬‬
‫فقد تساءلوا عما إذا كانت هذه الصفات "املؤنثة" أو "األنثوية"‪:‬‬

‫فضائل أخالقية أصيلة ينبغي أن يطورها الرجال والنساء‪.‬‬


‫َ‬ ‫‪1‬ـ‬
‫‪2‬ـ ٍ‬
‫مسات سيكولوجية إجيابية ينبغي أن تطورها النساء وحدها‪.‬‬
‫‪3‬ـ ٍ‬
‫مسات سيكولوجية سلبية ال ينبغي أن يطورها أحد‪.‬‬

‫وكانت كاثرين بيتشر من بني هذه اجملموعة من املفكرين‪ ،‬وكانت تعتقد أن مكان النساء هو البيت‪ ،‬وأن عمل‬
‫األسر القوية اليت تزدهر فيها الفضيلة األخالقية واحلفاظ عليها‪ ،‬مهم لبناء اجملتمع‪ ،‬خالفا‬
‫املرأة مبفهوم إنشاء َ‬
‫لبعض معاصريها‪ .‬ويف حماولة منها ملساعدة اجملتمع على احرتام عمل النساء املنزيل‪ ،‬طورت بيتشر هتذيب "العلم‬
‫املنزيل"‪ .‬وشددت على أن عمل النساء املنزيل يتطلب الكثري من الذكاء والكثري من املهارات التنظيمية واملهنية‪.‬‬
‫رمبا تكون إدارة أعمال املنزل‪ ،‬مثل إدارة عمل صغري على سبيل املثال‪.‬‬

‫وأكدت بيتشر أيضا أن أهم أعمال النساء هو أن جيعلن أفراد أسرهتن مثل املسيح‪ ،‬الذي مات موات‬
‫مؤملا ليخلّص البشر من أوضاعهم الساقطة املذنبة‪ .‬فمن املفرتض أن تكون النساء يف وضع أفضل للرتشح‬
‫يكن منعزالت يف‬
‫للتشبه ابملسيح يف فضيلة "خريية إنكار الذات" وأن يؤدين أدوارا حيتذى هبا ألسرهن‪ ،‬عندما ّ‬
‫صماوات عن النداءات الفاتنة للثروة العاملية‪ ،‬والقوة‪ ،‬واملكانة‪ .‬وكلما‬
‫يكن ّ‬
‫عاملهن اخلاص‪ ،‬إذ من املفرتض أن ّ‬

‫حكمة © ‪Copyright 2017‬‬ ‫‪5‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫كانت النساء أكثر صفاء وكماال‪ ،‬كلما كان اجملتمع أفضل‪ .‬وقد كانت بيتشر مقتنعة أبن النساء مسئوالت‬
‫عن رجال وأطفال كاملني أخالقيا‪ ،‬ومل تسأل نفسها أبدا ملاذا محّل هللا النساء دون الرجال هذه املسئولية فارضا‬
‫للرب أن‬ ‫عليهن االختصاص بفضيلة خريية إنكار الذات‪ .‬على ٍّ‬
‫كل‪ ،‬مبا أن املسيح كان رجال‪ ،‬أما كان ينبغي ّ‬
‫( ‪Beecher and Stowe, The American Woman's Home,‬‬ ‫خيتار الرجال ليكونوا ُمحاة فضيلة اجملتمع؟‬
‫‪.)1971‬‬

‫يف الوقت الذي كتبت فيه بيتشر‪ ،‬كانت إليزابيث كادي ستانتون أيضا ترى اختالفات بني أخالقيات‬
‫النساء والرجال‪ .‬وعلى الرغم من أن ستانتون مل تكن متأكدة من أن ما تدركه عن تشعب مزااي وعيوب الرجال‬
‫والنساء كان نتيجة التالعب االجتماعي أم احلتمية البيولوجية‪ ،‬إال أهنا كانت تعرف أن أخالقيات الرجال اليت‬
‫ترى فيها رأاي سيئا عموما‪ ،‬كانت قد أرست مقياسا للتعامل يف العامل العام‪ .‬تقول ستانتون أن احلل هلذه األمور‬
‫املؤسفة هو حل بسيط نسبيا‪ ،‬وهو دفع النساء أبخالقياهتن السامية للعامل العام‪ .‬فالنوع اإلنساين ال يستطيع‬
‫أن يتحمل غياب النساء يف العامل اخلاص ‪-‬كما تتمىن بيتشر‪ ،-‬ابذالت أثرهن احملمود هناك‪ ،‬وهناك فقط‬
‫(‪.)Buhle and Buhle, eds., The Concise History of Women's Suffrage, 1988‬‬

‫اهتن‪ ،‬إذ تربّت على الدين املسيحي مثل بيتشر‪ .‬ومع‬


‫أعلت ستانتون قيمة خريية إنكار النساء لذو ّ‬
‫تفسريي‬
‫ّ‬ ‫ذلك‪ ،‬فقد كانت تعتقد أن مثة فضيلة أعلى ينبغي للنساء تطويرها‪ ،‬تدعى‪ :‬تطوير الذات‪ .‬ويف سياق‬
‫لفقرة من الكتاب املق ّدس امتُدحت فيها أرملة مسكينة على أعماهلا اخلريية‪ ،‬وافقت ستانتون على أن إمياء املرأة‬
‫هن ‪-‬استعدادهن للعمل‬ ‫النبيل للعطاء كان جديرا ابلثناء‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فقد حذرت ستانتون النساء من أن نبل ّ‬
‫يف سبيل الرعاية والعطاء أكثر من الرجال‪ -‬قد يسهم يف وضع النساء ابملرتبة الثانية‪ .‬ورغم أن أعمال التضحية‬
‫ابلنفس مطلوبة جتريداي‪ ،‬إال أن الوجوب يتضمن االستطاعة‪ 3‬واقعيا‪ .‬فال تتحمل النساء أن تكون دوما متوجهة‬

‫‪ )ought implies can( 3‬هو مبدأ أخالقي قال به كانط ـ وقد انتُقد عليه ـ ويعين اختصارا أن الشيء ال يكون واجبا أخالقيا على شخص إال إذا كان‬
‫ابستطاعته فعله‪.‬‬

‫حكمة © ‪Copyright 2017‬‬ ‫‪6‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫لآلخرين كليا‪ ،‬كما تقول ستانتون‪ ،‬فهن حيتجن إىل الرتكيز على الذات أحياان كي يرعني أنفسهن‪ ،‬ويصنعن‬
‫تقدما يف احلصول على نفس امتيازات وقدرات الرجال السياسية واالجتماعية واالقتصادية‪.‬‬

‫ورغم أن كارلوت بريكنز جيلمان مل حتاول أن متد خط املنطق الذي رمسته ستانتون عمدا‪ ،‬إال أهنا‬
‫ختيلت جمتمعا نسائيا كليّا‪ ،‬واملسمى بـ هريالند )‪ ،4(HerLand‬تستطيع فيه النساء وبناهتن ‪-‬الاليت نشأن عن‬
‫طريق التوالد العذري‪ -‬أن ميارسن أخالقيات سامية‪ .‬فـ هريالند هو جمتمع نسائي أمومي أعيد فيه رسم اخلطوط‬
‫اليت تصل بني العامل اخلاص والعامل العام جذراي‪ .‬والنساء يف هريالند يظهرن يف حماكم القانون ومراكز املؤسسات‬
‫التجارية متاما كما يظهرن يف دور الرعاية واملدارس‪ .‬وختتفي املقارابت التنافسية والفردانية يف هريالند حيث‬
‫يستطيع النساء أن يرتبطن تعاونيا ألهنن يشعرن أن ال حاجة للسيطرة على بعضهن البعض‪.‬‬

‫وال عجب بعد ذلك أال يعلم ثالثة من الرجال املستكشفني " تريي وجيف وفان" ماذا يفعلون ابملدينة‬
‫(هريالند) حني وصلوا إليها‪ ،‬فقد كانوا يستهزئون ابملدينة اخليالية قبل وصوهلم‪ ،‬مفرتضني أنه البد أن يكون‬
‫هلن األهلية الكافية إلدارة ّأمة دون مساعدة الرجال‪ .‬وعندما رأوا‬
‫فيها رجال‪ ،‬ألن النساء ال ميكن أن تكون ّ‬
‫كيف تدار هريالند بنجاح‪ ،‬كان واحد منهم فقط أمينا مبا يكفي ليعرتف أن سكاهنا الذين هم مجيعا من‬
‫النساء هم جمموعة من البشر البارعني استثنائيا‪ .‬وألنه رأى ذلك‪ ،‬غرست النساء يف هريالند أفضل الفضائل‬
‫األنثوية وأفضل الفضائل الذكورية‪ ،‬فالفضائل اليت تتحد معا تكون على امتداد الفضيلة اإلنسانية‪ .‬ومن مث‪ ،‬إذا‬
‫( ‪Gilman, Herland,‬‬ ‫أراد أي جمتمع يف العامل احلقيقي أن يكون فاضال‪ ،‬فعليه أن جيعل هريالند مثله األعلى‬
‫‪.)1979‬‬

‫إن هريالند يوتوبيا خيالية ابلتأكيد‪ ،‬تسمح فيها األوضاع االجتماعية واالقتصادية والسياسية والثقافية‬
‫املتخيَّلة للنساء ابلتطوير يف الطرق اجليدة أخالقيا والسليمة سيكولوجيا‪ .‬ولكن تعرتف جيلمان أن األوضاع‬
‫العامل احلقيقي‪ .‬فقد كتبت يف كتاهبا "النساء وعلم االقتصاد" ( ‪Women and‬‬ ‫ختتلف كثريا ابلنسبة للنساء يف‬
‫‪ ) Economics 1966‬أنه ما دامت النساء يعتمدن على دعم الرجال االقتصادي‪ ،‬سيظل النساء يعرفن‬

‫‪ )HerLand( 4‬هي رواية كتبتها جيلمان‪ ،‬تتحدث خالهلا عن مدينة افرتاضية كل سكاهنا من النساء‪.‬‬

‫حكمة © ‪Copyright 2017‬‬ ‫‪7‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫خبضوعهن‪ ،‬والرجال يعرفون بغطرستهم‪ .‬حتتاج النساء إىل املساواة االقتصادية ابلرجال قبل أن يستطعن تطوير‬
‫فضيلة إنسانية أخالقية ميتزج فيها الفخر ابلتواضع‪ ،‬تدعى‪ :‬احرتام الذات!‬

‫‪ .2‬املقارابت الرعائية‪ 5‬النسوية لألخالق‪:‬‬


‫لقد أسهم مفكري القرنني الثامن عشر والتاسع عشر مثل ولستونكرافت‪ِ ،‬‬
‫ومل‪ ،‬وبيتشر‪ ،‬وستانتون‪ ،‬وجيلمان‬
‫جبالء يف تطوير مقارابت نسوية واسعة النطاق لألخالق‪ ،‬تركز على مواطن التشابه واالختالف بني األخالقيات‬
‫"الذكورية‪/‬املذكرة" واألخالقيات "األنثوية‪/‬املؤنثة"‪ .‬ويف أثناء ذلك‪ ،‬افتتحوا نقاشا عن االختالفات الوجودية‬
‫(األنطولوجية) واملعرفية (االبستيمولوجية)‪ ،‬اليت ش ّكلت هذه األنواع من األخالقيات‪ .‬وحتدوا ‪-‬يف العموم‪-‬‬
‫االفرتاض األنطولوجي أبنه كلما كان انفصال الذات من اآلخرين‪ ،‬كلما كانت تلك الذات مكتملة التطور‪.‬‬
‫وقد ش ّكوا أيضا يف االفرتاض القائل أبنه كلما كانت املعرفة عاملية‪ ،‬وجتريدية‪ ،‬وموضوعية‪ ،‬وعقالنية‪ ،‬كلما‬
‫عكست احلقيقة بدقة‪ .‬وبدال من هذه االفرتاضات املوجودة ‪-‬قطعا‪ -‬يف معظم األخالقيات التقليدية‪ ،‬اقرتحوا‬
‫االفرتاض األنطولوجي أبنه كلما اتصلت الذات ابآلخرين‪ ،‬كلما كانت أفضل‪ .‬واقرتحوا أيضا االفرتاض‬
‫االبستمولوجي أبنه كلما كانت املعرفة خاصة‪ ،‬وواقعية‪ ،‬وجزئية‪ ،‬وعاطفية‪ ،‬كلما مثّلت الطريقة اليت َخي ُرب الناس‬
‫حمل "الرجل املستقل" تدرجييا يف‬
‫حتل "املرأة الكوميونية‪ /‬الطائفية" ّ‬
‫هبا العامل فعليا‪ .‬ومن مثّ‪ ،‬فليس غريبا أن ّ‬
‫املقارابت النسوية لألخالق يف القرنني الثامن عشر والتاسع عشر ( ‪Tong, Feminine and Feminist Ethics,‬‬

‫‪.)1993‬‬

‫لقد استمر جمموعة من النسويني األخالقيني يف القرن العشرين يف استخدام "املرأة الكوميونية‪/‬الطائفية"‬
‫لتطوير العديد من مقارابت الرعاية النسوية لألخالق‪ ،‬بناء على وصية الكثري من املفكرين الذين سبقوهم‪.‬‬
‫وخالفا ملقارابت الرعاية غري النسوية لألخالق‪ ،‬تناغم نظراؤهم النسويون مع قضااي اجلنوسة‪/‬اجلندر‪ .‬فقد الحظوا‬

‫‪ 5‬الرعائية هو مصطلح استخدمته للداللة على املقارابت النسوية األخالقية اليت ترتكز على الرعاية ( ‪care-focused approaches to‬‬
‫‪.)ethics‬‬

‫حكمة © ‪Copyright 2017‬‬ ‫‪8‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫سريعا مراحل خضوع األنثى ونزعات اجملتمعات البطريركية‪/‬األبوية إىل عدم احرتام طرق النساء يف التفكري‪،‬‬
‫والكتابة‪ ،‬والعمل‪ ،‬واحلب‪.‬‬

‫‪2‬ـ‪ 1‬أخالقيات الرعاية النسوية‪ :‬الصوت املختلف‬

‫شدد مؤيدو أخالقيات الرعاية النسوية ‪-‬ومن بينهم كارول غليغان ونيل نودينغ‪ -‬على أن نظرايت األخالق‬
‫التقليدية‪ ،‬ومبادئها‪ ،‬وممارساهتا‪ ،‬وسياساهتا ضعيفة إىل احلد الذي جيعلها تُعوز القيم والفضائل املتعلقة ابلنساء‬
‫فعرضت غليغان عملها كنقد للنظرية الفرويدية القائلة أبن الرجال جيدو التطور‬
‫ثقافيا‪ ،‬وتتجاهلها وتس ّفهها‪َ .‬‬
‫أخالقيا‪ ،‬بينما النساء لسن كذلك‪ .‬ويعزو فرويد مركب النقص األخالقي املفرتض عند النساء إىل التطور‬
‫النفسي اجلنسي للفتيات‪ ،‬فبينما يقطع األوالد صلتهم أبمهاهتم خوفا من أن خيصيهم آابؤهم إن فشلوا يف فعل‬
‫هذا‪ ،‬تبقى الفتيات مرتبطات أبمهاهتن ألن التهديد ابخلصي ليس له نفوذ عليهن‪ .‬ونتيجة هلذا االختالف‬
‫املنَظَّر بني الذكر واألنثى‪ ،‬من املفرتض أن تكون الفتيات أكثر بطئا من األوالد يف تطوير شعورهن أبنفسهن‬
‫ُ‬
‫كعوامل أخالقية مستقلة‪ ،‬ومسئولة شخصيا عن عواقب تصرفاهتا‪ ،‬مثل األشخاص الذين جيب عليهم اتباع‬
‫قواعد اجملتمع أو مواجهة عقوابته‪ .‬وبعبارة أخرى‪ ،‬فإن األوالد والرجال حيرتمون القانون أكثر من الفتيات‬
‫والنساء‪.‬‬

‫ووفقا لغليغان‪ ،‬فإن فرويد ‪-‬ببساطة‪ -‬واحد من املفكرين التقليديني الذين صوروا النساء كتابعات‬
‫موسع‪ .‬فقد ّادعى كولربغ أن التطور‬
‫للرجال أخالقيا‪ .‬وقد انت َقت السيكولوجي التعليمي لورانس كولربغ لنقد ّ‬
‫األخالقي هو عملية تتكون من ست مراحل‪ .‬األوىل هي "التوجه للعقاب واالمتثال"‪ ،‬فاألطفال يفعلون ما‬
‫يقال هلم لتجنّب أمل العقاب أو الوصول لسعادة املكافأة‪ .‬والثانية هي "التوجه للنسبية اآللية"‪ ،‬فاألطفال جياهبون‬
‫أحك‬
‫ك ظهري وسوف ّ‬ ‫"ح ّ‬
‫احتياجات اآلخرين‪ ،‬فقط إذا جابه اآلخرون احتياجاهتم‪ ،‬بناء على نظرية املقابلة ُ‬
‫ظهرك"‪ ،‬والثالثة هي توجه "الولد اجليد‪ ،‬والبنت اللطيفة"‪ ،‬فاملراهقون يلتزمون ابلقواعد العامة ليحصلوا على‬
‫حب اآلخرين واستحساهنم‪ .‬والرابعة هي "توجه القانون والنظام"‪ ،‬فاملراهقون يطورون الشعور ابلواجب‪ ،‬وينزلون‬
‫عند حكم السلطة‪ ،‬ويدافعون عن النظام االجتماعي‪ ،‬كي حيظوا إبعجاب اآلخرين واحرتامهم‪ .‬واخلامسة هي‬
‫"توجه العقد االجتماعي القانوين"‪ ،‬فالراشدون يتبنون وجهة النظر النفعية األخالقية اليت يفعل األفراد ما‬

‫حكمة © ‪Copyright 2017‬‬ ‫‪9‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫يسعدهم وفقا هلا دون أن يؤذوا اآلخرين‪ .‬والسادسة هي " توجه املبدأ األخالقي العاملي"‪ ،‬فالراشدون يتبنون‬
‫منظورا أخالقيا كانطيّا‪ ،‬يتجاوز كل األخالقيات التقليدية‪ .‬فلم يعد االهتمام الشخصي أو آراء اآلخرين أو‬
‫اخلوف من العقاب هو ما حيكمهم‪ ،‬وإمنا املبادئ العاملية املفروضة ( ‪Kohlberg in Mischel, ed., Cognitive‬‬

‫‪.)Development and Epistemology, 1971‬‬

‫تقر أبن التدرج األخالقي عند كولربغ يروق لكثري من دارسي األخالقيات التقليدية‪،‬‬
‫ورغم أن غليغان ّ‬
‫فقد أشارت إىل أن القبول الواسع لنظرية التطور األخالقي ليس ابلضرورة مقياسا حلقيقيّتها‪ .‬وتتساءل عما إذا‬
‫كانت مراحل كولربغ الستة للتطور األخالقي عاملية‪ ،‬واثبتة‪ ،‬ومتسلسلة هرميا‪ .‬فهي تسأل ‪-‬على وجه‬
‫اخلصوص‪ -‬ملاذا من النادر أن تقفز النساء للمرحلة الثالثة‪ ،‬بينما ينتقل الرجال للمرحلة الرابعة أو حىت اخلامسة‬
‫روتينيا يف خمطط كولربغ لألشياء؟ هل يعين هذا االختالف اجلندري‪/‬اجلنوسي أن النساء أقل تطورا أخالقيا من‬
‫الرجال؟ أو أنه يعين ‪-‬بدال من ذلك‪ -‬أن هناك خطئا يف منهجية (‪ )methodology‬كولربج‪ ،‬كبعض االحنياز‬
‫الذي يسمح للرجال بتحقيق أهداف للتطور األخالقي أعلى من النساء؟‬

‫تعتقد غليغان أن منهجية كولربغ منحازة للذكر‪ .‬تنصت آذاهنا ألصوات الذكر األخالقية دون‬
‫األصوات األخالقية لألنثى‪ .‬ومن مث‪ ،‬فقد فشلت يف تسجيل الصوت املختلف الذي ت ّدعي غليغان أهنا قد‬
‫جداي يف قرار اإلجهاض‪ .‬وهذا الصوت األخالقي املميز ‪-‬‬
‫مسعته خالل دراستها لتسعة وعشرين امرأة يف ّكرن ّ‬
‫كما تقول غليغان‪ -‬يتحدث بلغة الرعاية اليت تش ّدد على العالقات واملسئوليات‪ .‬ويبدو أن هذه اللغة غامضة‬
‫إىل حد كبري ابلنسبة للباحثني الكولربغيني الذين يتحدثون اللغة األخالقية السائدة لألخالقيات التقليدية‪ ،‬أي‬
‫لغة العدالة اليت تشدد على احلقوق والقواعد‪.‬‬

‫ورغم إشارة غليغان إىل أن لغات الرعاية والعدالة احملرتمة ليست جندرية‪/‬جنوسية أبي حال‪ ،‬ليكون‬
‫حتدث كل النساء بلغة الرعاية فقط وحتدث كل الرجال بلغة العدالة فقط‪ ،‬إال أن األمثلة اليت استخدمتها كانت‬
‫تقوض إنكارها هذا‪ .‬فقد وضحت يف دراستها لإلجهاض حركة النساء فقط داخل وخارج األطر األخالقية‬
‫املرجعية الثالثة اليت تشكل معا أخالقياهتا االتصالية‪ :‬ففي املستوى األول تعظم النساء اهتماماهتن الشخصية‪،‬‬
‫ويف املستوى الثاين يعظمن اهتمامات اآلخرين‪ ،‬ويف املستوى الثالث ينسجن اهتماماهتن مع اهتمامات اآلخرين‪.‬‬

‫حكمة © ‪Copyright 2017‬‬ ‫‪10‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫وعلى ذلك‪ ،‬فاملرأة يف املستوى األول تتخذ قرار اإلجهاض من منطلق األفضل هلا‪ ،‬ويف املستوى الثاين تتخذه‬
‫من منطلق األفضل لآلخرين‪ ،‬وأما يف املستوى الثالث فمن منطلق األفضل هلا مع اعتبار اآلخرين ذوي الصلة‬
‫‪Gilligan,‬‬ ‫ابلنسب‪ .‬فالنساء يف املستوى الثالث يطبقن نوعا من التفكري النسوي متاما (يف الصوت املختلف ‪-‬‬
‫َ‬
‫‪.)In a Different Voice, 1982‬‬

‫لقد استُحسنت رعاية غليغان األخالقية وأقِّرت على نطاق واسع‪ ،‬ولكنها انتُقدت أيضا‪ .‬فقد رأى‬
‫بعض النقاد أن املستوايت اليت طرحتها غليغان ال تقدم أي تطوير لألخالقيات اإلنسانية أكثر من املراحل اليت‬
‫وضعها كولربغ‪ ،‬بيد أن كولربغ يركز على اخلربة األخالقية للرجال‪ ،‬وغليغان تركز على اخلربة األخالقية للنساء‪.‬‬
‫جداي‪ ،‬سنجد أن غليغان أجرت دراسات عديدة على خربة الرجال األخالقية‪.‬‬
‫وإذا فحصنا هذا االعرتاض ّ‬
‫وكان هدفها املركزي هو اكتشاف الطرق اليت يكبت هبا اجملتمع ‪-‬يف الوالايت املتحدة على سبيل املثال‪-‬‬
‫حساسيات األوالد والرجال األخالقية‪ ،‬ويشجعهم على عدم اكتمال تنشئتهم اإلنسانية لينجحوا يف العامل‬
‫التنافسي العام‪ .‬وتشدد غليغان على أن أوالد اليوم ورجاله ما زالوا يستصعبون جدا تبيني اهتماماهتم األخالقية‬
‫أبي وسيلة سوى لغة العدالة واحلقوق األخالقية‪ ،‬خبالف نساء اليوم الاليت يستطعن حتدث تلك اللغة بنفس‬
‫األويل لدراسات غليغان احلديثة هو إثبات أن‬
‫الطالقة اليت يتحدثن هبا لغة الرعاية واملسئوليات‪ .‬فاهلدف ّ‬
‫ِ‬
‫يوجه املداوالت األخالقية‪.‬‬
‫املستوى الثالث للتفكري هو الذي ينبغي أن ّ‬

‫بينما أكد نقاد آخرون أنه حىت إذا كانت الرعاية فضيلة أخالقية أصيلة‪ ،‬فهي أقل أمهية من العدالة‪.‬‬
‫ويدعي هؤالء النقاد حتديدا أن التعامل من منظور مبدأ أخالقي عام مثل "مساعدة احملتاجني" أفضل من‬
‫التعامل وفق شعور الرعاية اخلاص عند شخص حمدد‪ .‬ويقولون أن املبادئ الثابتة مرشدات أكثر وثوقية لألفعال‬
‫من املشاعر العابرة‪ .‬ويروجون أيضا لفكرة أنه عند تعارض العدالة والرعاية‪ ،‬ينبغي أن ترجح اعتبارات املوضوعية‬
‫على اعتبارات التحيّز‪ ،‬فحقوق أطفايل األساسية واحتياجاهتم اجلوهرية ليست أوىل من حقوق أطفال اآلخرين‬
‫واحتياجاهتم‪.‬‬

‫ويدعي نقاد آخرون ‪-‬عالوة على ذلك‪ -‬أنه ال يوجد شيء جديد حقا بشأن "الصوت املختلف"‬
‫الذي تسمعه غليغان‪ .‬ويؤكدون أن العمل اخلريي (الذي يقصد به الرعاية) ال يقل حضورا عن العدالة يف‬

‫حكمة © ‪Copyright 2017‬‬ ‫‪11‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫األخالقيات التقليدية‪ .‬فمن العمل اخلريي تتدفق أفكار مثل الوصول إىل أقصى حد ممكن من النفع‪ ،‬وعدم‬
‫إيذاء أحد‪ ،‬وعدم التدخل يف حرية اآلخرين‪ .‬ومن العدالة تتدفق مفاهيم املساواة يف احرتام األشخاص وكذلك‬
‫أمام القانون‪ .‬ولكن ‪-‬دفاعا عن غليغان‪ -‬ما تعنيه بعض األخالقيات التقليدية بـ"العمل اخلريي" ليس هو ما‬
‫تعنيه غليغان بـ "الرعاية"‪ .‬فقد طلب منا الفيلسوف لورانس أ‪ .‬بلوم أن نعترب املبدأ احملدد القائل "امحوا أطفالكم‬
‫من اخلطر" مبدأ انبعا من املبدأ األخالقي للعمل اخلريي‪ .‬وكما يرى بلوم‪ ،‬فإن كثريا من اآلابء سيؤيدون هذا‬
‫املبدأ‪ ،‬ولكن اآلابء الذين "يرعون" أبناءهم فقط ‪-‬أي يشعرون هبم ويدركون اهتماماهتم واحتياجاهتم اخلاصة‪-‬‬
‫هم من سيعرفون مىت وكيف يواجهوهنا‪.‬‬

‫ومع أن أغلب الفالسفة التقليديني يتفقون مع بلوم يف أن اآلابء الراعني غالبا ما يتعاملون بنبل فعليا‬
‫أكثر من غري الراعني‪ ،‬فإهنم خيتلفون معه يف كون اآلابء الراعني فقط هم القادرون على مثل هذا التعامل‪.‬‬
‫ويقررون بدال من ذلك أن الشعور األساسي ابلواجب كفيل أبن ينتج فعال أخالقيا‪ ،‬بغض النظر عما إذا كان‬
‫مصحواب مبشاعر الرعاية أم ال‪ .‬ويعتقد بلوم ‪-‬ككثري من األخالقيني الذين يطورون مقارابت أخالقيات الرعاية‪-‬‬
‫أن على األخالقيني من الناس أن يفعلوا أكثر من جمرد اتباع املعىن احلريف للقانون‪ .‬فيجب عليهم أيضا أن‬
‫( ‪Blum, Friendship,‬‬ ‫يقدموا التعبريات‪ ،‬والعواطف‪ ،‬واملشاعر املناسبة لتأدية فعل أخالقي نبيل متاما‬
‫‪.)Altruism, and Morality, 1980‬‬

‫وابإلضافة لالنتقادات غري النسوية املوجهة لغليغان‪ ،‬وجهت إليها العديد من االنتقادات النسوية‪،‬‬
‫تؤكد أقواها تلك اليت تش ّدد على أنه حىت إذا كانت النساء راعيات أفضل من الرجال‪ ،‬فرمبا يكون من احلمق‬
‫أن ترتبط النساء ابلقيمة الرعائية معرفيا‪ ،‬وأخالقيا‪ ،‬وسياسيا‪ .‬فربط النساء ابلرعاية هو مبثابة تعزيز فكرة أن‬
‫كلفهن ذلك‪ ،‬ألهنن من‬
‫ّ‬ ‫النساء مسئوالت عن الرعاية‪ ،‬واألسوأ من ذلك‪ ،‬أن الرعاية جتب على النساء مهما‬
‫يستطعنها‪.‬‬

‫ويف كتاهبا "األنوثة واهليمنة" )‪ّ )Femininity and Domination 1990‬‬


‫احتجت ساندرا يل ابرتكي‬
‫أبن خربة النساء يف بناء غرور الرجال وتضميد جراحهم تضعف النساء يف النهاية‪ ،‬وأكدت أن "العمل العاطفي"‬
‫الذي متارسه النساء يف بعض اخلدمات املهنية يقطعهن عن مشاعرهن وعواطفهن اخلاصة‪ .‬فمثال‪ ،‬دفعها ألن‬

‫حكمة © ‪Copyright 2017‬‬ ‫‪12‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫تكون مبتهجة دوما‪ ،‬حىت إذا كان العمالء‪ ،‬أو املرضى‪ ،‬أو الزابئن‪ ،‬وقحني‪ ،‬أو بذيئني‪ ،‬أو متعسفني‪ ،‬يعين‬
‫محلها على أن تكون لطيفة حىت إذا كانت ال تشعر بذلك‪ .‬لكن الواحدة منهن تتظاهر ابللطف ما دامت ال‬
‫تعرض قدرهتا على إدراك الفرق بني اللطف املصطنع واللطف احلقيقي للخطر‪.‬‬
‫ّ‬

‫واعرتفت ابرتكي أبن النساء يشعرن ابلنشاط بدال من االستنزاف مبمارسة العمل العاطفي‪ .‬فكثري من‬
‫الزوجات واألمهات يعتقدن أن خربة الرعاية لألزواج واألوالد تعين العطاء مهما كان ذلك صعبا‪ .‬وكلما كانوا‬
‫أكثر رعاية كلما بدوا أشخاصا جيمعون كل شيء ألجل أانس آخرين‪ .‬ولكن ‪-‬كما تقول ابرتكي‪ -‬ليست‬
‫مشاعر اهليمنة الذاتية مثل احلقيقة املوضوعية المتالك القوة يف النهاية‪ .‬فتتضايق بعض النساء عندما يفشلن يف‬
‫إسعاد الرجال يف حياهتم مثال ‪ .‬على أن الرجال قد ال يلحظون قدر األمل الذي تسببه كلماهتم وأفعاهلم أحياان‬
‫يف حياة النساء‪ ،‬ويبدو الرجال أقل قلقا بشأن مشاعر النساء مقارنة ابلعكس‪ ،‬ومن مث‪ ،‬فرعاية النساء للرجال‬
‫‪-‬وفقا لبارتكي‪ -‬قد تقود إىل "عبودية املرأة التامة للرجل‪ ،‬فهي إثبات لسلطة الذكر اليت ال ميكن استبداهلا"‬
‫(‪.)Bartky, Femininity and Domination, 1990‬‬

‫عربت ابرتكي عن أمر آخر بشأن رعاية النساء للرجال خصوصا‪ ،‬وهو أن النساء قد يضحني بنزاهتهن‬
‫ّ‬
‫األخالقية يف سبيل تلك الرعاية‪ .‬وضربت املثل بـ "تريزا ستناجل" زوجة قائد تريبلينكا "فرتز ستاجنل"‪ ،‬فمع‬
‫وعيها حبقيقة أن زوجها كان يلقي آبالف اليهود إىل حتفهم يف معسكره احملشود‪ ،‬ظلت تعتين ابحتياجاته‬
‫شره مقارنة ابمرأة مل‬
‫ب‪ .‬وبفعلها هذا ‪-‬كما تقول ابرتكي‪ -‬فإهنا قد تواطأت معه يف ّ‬
‫إبخالص‪ ،‬أو حىت حبُ ّ‬
‫شرا حىت وإن‬
‫تستطع أن تسكت يف وجه الشر وظلت حتتفظ بصالحها سليما متام السالمة‪ .‬وألن الشر يبقى ّ‬
‫ارتكبه شخص حنبّه‪ ،‬حيتاج النساء إىل حتليل "مزالق ومغرايت تقدمي الرعاية نفسه" قبل أن يعتنقن أخالقيات‬
‫الرعاية إبخالص (‪.)Bartky, Femininity and Domination, 1990‬‬

‫دعمت ميولت حتفظات ابرتكي حول أخالقيات الرعاية‪ ،‬وميّزت بني الرعاية املشوهة وغري املشوهة‪،‬‬
‫فكما ترى ميولت‪ ،‬لن تكون املرأة يف وضع تقدمي الرعاية ألحد حقا إذا كانت جمربة على تقدميها اقتصاداي‪،‬‬
‫واجتماعيا‪ ،‬وسيكولوجيا‪ .‬وحتديدا‪ ،‬ال ميكن أن تتم الرعاية احلقة حتت شروط فرضها سيطرة الذكر وخضوع‬
‫األنثى‪ .‬فقط إذا متتعت النساء ابملساواة الكاملة مع الرجال‪ ،‬عندئذ يستطعن تقدمي الرعاية للرجال دون خوف‬

‫حكمة © ‪Copyright 2017‬‬ ‫‪13‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫لرد مجيلهن ابملثل‪ .‬وما دام النساء يؤدين قدرا‬


‫من أن يستغل الرجال أعماهلن احلنونة‪ ،‬ويشعرن أبنه ال حاجة ّ‬
‫زائدا على حصتهن العادلة من تقدمي الرعاية‪ ،‬سيظل كال اجلنسني حمروما أخالقيا‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فالرعاية الزائدة‬
‫يعرض خلطر األاننية اليت جتعل قلب املرء متحجرا دوما‪،‬‬
‫تعرض خلطر ال ّذل‪ ،‬والتقصري يف الرعاية ّ‬
‫عن احلد ّ‬
‫فالرعاية املناسبة هي اليت تكون جيدة وبتأمل‪.‬‬

‫ويف تقدير النسويني الرعائيني‪ ،‬كانت عناية ابرتكي وميوليت ابلرعاية جديرة ابالهتمام‪ ،‬لكنهم مل‬
‫يكونوا ابلقوة الكافية ليشككوا يف عمل غليغان خصوصا‪ ،‬إذ أهنا أطلقت مبفردها مشروع الرعاية النسوية‬
‫عموما‪ .‬فحىت إذا كانت الرعاية يف جمتمع بطريركي حمفوفة ابألخطار‪ ،‬ستبقى الرعاية جزءا من أي أخالقيات‬
‫موثوقة‪ ،‬فحالة الرعاية املتنازع عليها تنادي بتطوير أخالقيات نسوية رعائية أكثر قوة تشمل الرجال والنساء‪،‬‬
‫وال تنادي ‪-‬طبعا‪ -‬بنبذ الرعاية‪.‬‬

‫واستجابة لدعوات التطوير لألخالقيات الرعائية النسوية‪ ،‬طورت نيل نودنيغ أخالقيات تعلي قيمة‬
‫الفضائل والقيم اليت ترتبط عادة ابلنساء‪ ،‬فاألخالقيات حسب نودينغ هي مبثابة عالقات خاصة بني طرفني‪:‬‬
‫"الراعي" و "املرعي"‪ .‬فالرعاية احلقة ال تتألف من إعالن احلب العاملي لكل البشر‪ ،‬أو إرسال املساعدات‬
‫لضحااي احلروب‪ ،‬أو اجملاعات‪ ،‬أو الكوارث البشرية‪ .‬واقعيا‪ ،‬ال تستطيع امرأة من الوالايت املتحدة أن ترعى‬
‫أطفال السودان كما ترعى أطفاهلا‪ ،‬فالرعاية احلقة تتطلب لقاءات فعلية أبفراد خمصوصة‪ ،‬وال ميكن أن ُمتنح من‬
‫أفراد بعيدين عموما‪.‬‬

‫وأكدت نودينغ أننا كأطفال نتصرف من منطلق رعاية طبيعية حتفزان على مساعدة اآلخرين ألننا ‪-‬‬
‫ببساطة‪ -‬نريد مساعدهتم‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬عندما نصري مشغولني أو "مهمني" لدرجة أننا نعتقد أبنه ال وقت لدينا‬
‫للرعاية‪ ،‬فإن التأمل فيما يسمى بـالرعاية األخالقية حي ّفز العفوية للرعاية الطبيعية‪ ،‬فنحاول أن نكون يف متناول‬
‫شخص ما حىت عندما تكون قائمتنا مليئة ابالجتماعات واملواعيد‪ ،‬ونسرتجع ذكرايت تلك األايم اليت كانت‬
‫الرعاية فيها سهلة علينا‪ ،‬حينما كان لدينا الوقت دوما ملن حيبوننا أو حيتاجوننا‪ .‬فحسب نودينغ‪ ،‬مهما بلغت‬
‫قيمة الرعاية األخالقية‪ ،‬لن تكون أساسية مثل الرعاية الطبيعية‪ ،‬فالرعاية الطبيعية هي شرط إمكانية الرعاية‬

‫حكمة © ‪Copyright 2017‬‬ ‫‪14‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫األخالقية‪ ،‬فاملعتلون اجتماعيا ال ميكنهم الرعاية األخالقية‪ ،‬ألهنم ال يستطيعون الرعاية الطبيعية‪ .‬ومن احملتمل‪،‬‬
‫أن يكونوا قد ولدوا يف هذا العامل دون الرتابط الذي جيعلهم يطورون سلوك الرعاية‪.‬‬

‫ورغم أن نودينغ تقر أن الرجال يستطيعون الرعاية‪ ،‬بل وجتب عليهم‪ ،‬إال أهنا تستخدم النساء غالبا‬
‫يف أمثلتها ملن يقدمون الرعاية‪ .‬واعتقد بعض انقدي نودينغ أهنا تعلي قيمة النساء الاليت يقدمن الرعاية لدرجة‬
‫تعريض هويتهن‪ ،‬ونزاهتهن‪ ،‬وحىت حياهتن للخطر‪ ،‬فأكدت نودينغ أن انقديها أساءوا فهمها‪ ،‬فهي تعتقد مثلهم‬
‫أن من يرعى اآلخرين عليه أيضا أن يرعى ذاته‪ .‬فمازال ممكنا أن تقوم حجة معقولة وهي أبن نودينغ تعتقد يف‬
‫األساس أن املرأة الراعية ينبغي أن ترعى ذاهتا لكي تستطيع رعاية اآلخرين بشكل أفضل‪ .‬إن احلفاظ على‬
‫العالقات بقدر اإلمكان له أولوية كبرية عند نودينغ‪ ،‬فتحطيم عالقة دون العمل جبد إلجياد طريق للحفاظ‬
‫عليها مدعاة للقلق ابلنسبة هلا‪ ،‬واقرتحت نودينغ أنه عندما حيطم الشخص عالقة‪ ،‬خاصة إذا كانت قريبة‪،‬‬
‫( ‪Noddings, Caring: A Feminine Approach to Ethics and‬‬ ‫فإنه‪/‬إهنا خياطر بكونه "منحط أخالقيا"‬
‫‪.)Moral Education, 1984‬‬

‫نشرت نودينغ مبادئها ألخالقيات الرعاية النسوية يف حلبة السياسة العامة يف كتاهبا "البدء من املنزل‪:‬‬
‫الرعاية والسياسة االجتماعية" (‪ ،)Starting at Home: Caring and Social Policy, 2002‬وأكدت أن‬
‫تدرس يف ميدان خاص‪ ،‬ردا منها على هؤالء الذين‬
‫الشعور القوي ابلعدالة االجتماعية يستند إىل الدروس اليت ّ‬
‫انتقدوا أخالقيات الرعاية النسوية كـ "نظرية حملية جيدة" ال ميكنها أن تعاجل التعقيدات األخالقية للقضااي‬
‫والسياسات االجتماعية األعم‪ .‬فمن وجهة نظرها‪ ،‬إذا كان علينا حقا أن نطور سياسات اجتماعية مؤثرة‬
‫كالتشرد‪ ،‬واملرض العقلي‪ ،‬والتعليم‪ ،‬فلدينا الكثري لنتعلمه عن طريق "البدء داخل املنزل" حيث متد أصول‬
‫الرعاية جذورها‪.‬‬

‫أخذت فيوان روبنسون الفكرة العامة اليت طرحتها نودينغ عن العالقة بني األخالقيات اخلاصة والعامة‪،‬‬
‫ووفقا لروبنسون‪ ،‬ال ميكن يف عامل العالقات الدولية أن يتحقق إجناز حقيقي ملعاجلة مشكلة مثل الفقر دون‬
‫األخالقيات النقدية النسوية للرعاية‪ .‬وأشارت روبنسون إىل أنه لوال اجلهود اليت بذهلا املنظّرون التقليديون عن‬
‫احلقوق والواجبات األساسية لتحفيز األمم من أجل تطهري العامل من فروق الدخل الضخمة‪ ،‬لظل الفقر مشكلة‬

‫حكمة © ‪Copyright 2017‬‬ ‫‪15‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫أكرب من ذي قبل‪ .‬وتعتقد روبنسون أن املقارابت األخالقية التقليدية جتريدية جدا وتعميمية لدرجة جتعلها ال‬
‫تتمكن من تشجيع العمل الكايف إلزالة املعاانة الفعلية اليت يسببها الفقر‪ .‬على األخالقيات أن جتعل الوعي‬
‫ابلفقر جزءا من احلياة اليومية ملن ليسوا فقراء على اإلطالق‪ .‬وأكدت روبنسون أننا حنتاج إىل األخالقيات‬
‫النقدية النسوية للرعاية كي تساعد األثرايء على فهم كيفية ارتباط ترفهم بفقر من ليسوا أثرايء‪ .‬ما مل خيصص‬
‫األثرايء شيئا من مصاحلهم لتعزيز التغريات االقتصادية‪ ،‬والسياسية‪ ،‬واالجتماعية املوثوقة‪ ،‬فاملشاركات اخلريية‬
‫اليت يقومون هبا هنا وهناك لتقليل شقاء اإلنسانية ليس يف مجلتها إال لبث شعور جيد حنو أنفسهم‬
‫(‪.)Robinson, Globalizing Care: Ethics, Feminist Theory, and International Relations, 1999‬‬

‫‪2‬ـ‪ 2‬الرعائية‪ :‬العالقات األخالقية النموذجية (البارادميية)‬

‫تشرتك كل من سارة روديك‪ ،‬وفرجينيا هيلد‪ ،‬وإيفا كيتاي مع غليغان ونودينغ يف الكثري‪ ،‬فقد أك ّدن أن‬
‫العالقات اإلنسانية ال تقوم بني أشخاص متساوين يف التكوين أو القوة‪ ،‬بل بني أشخاص غري متكافئني ويعتمد‬
‫كل منهم على اآلخر‪ .‬فحينما يتعامل والد مع طفل‪ ،‬أو مراهق واثق من نفسه ومنظم مع صديق كئيب‬
‫ومضطرب مثال‪ ،‬فإهنم ال يتعاملون كشركاء يف العمل يعقدون تفاوضا‪ ،‬وإمنا كأشخاص خمتلفني يف املكانة‪،‬‬
‫حياولون معاجلة قضية هلدف مشرتك‪ .‬ينبغي أن تؤسس األخالقيات على منوذج يالئم أسس احلياة اليت ميارسها‬
‫اجلميع يوميا يف الغالب‪ .‬وليس على االفرتاضات‪ ،‬أو االستعارات‪ ،‬أو الصور املتعلقة إبجراء تعاقد‪ ،‬وإمنا الصور‬
‫املرتبطة مبمارسات مثل األبوة‪/‬األمومة هي التعبري األمثل عن ديناميكية احلياة األخالقية يف رأي روديك‪ ،‬وهيلد‪،‬‬
‫وكيتاي‪.‬‬

‫أعلنت روديك يف أخالقياهتا النسوية للرعاية أنه ينبغي على اجملتمع أن يعلي من قيمة ما أطلقت عليه‬
‫"املمارسة األمومية"‪ .‬متتلك املمارسة األمومية طريقتها اخلاصة يف التفكري وكذا مصطلحاهتا ومنطقها اخلاص‪،‬‬
‫وأهدافها ومراميها اخلاصة‪ ،‬كأي ممارسة إنسانية‪ .‬ويف حالة التفكري األمومي‪ ،‬فإن هذه األهداف تتمثل يف‬
‫احلماية‪ ،‬والنمو‪ ،‬وقبول أطفال الفرد (‪.)Ruddick, Maternal Thinking, 1989‬‬

‫حكمة © ‪Copyright 2017‬‬ ‫‪16‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫فحماية حياة الطفل هي السمة األوىل للممارسة األمومية حسب روديك‪ ،‬فليس على وجه البسيطة‬
‫فالرضع ال يستطيعون العيش دون شخص يطعمهم‪ ،‬ويكسوهم‪ ،‬وحيميهم‪.‬‬
‫الرضع‪ّ ،‬‬
‫إنسان معرض للهجوم مثل ّ‬
‫الرضع على القائمني على رعايتهم‪ ،‬قدمت روديك مثاال بـ "جويل"‪ ،‬وهي أم شابة غارقة‬
‫ولبيان مدى اعتماد ّ‬
‫يف الديون‪ ،‬ومعها طفلها احملتاج‪ ،‬فحينما وجدت رعايتها برضيعها تزداد صعوبة‪ ،‬فكرت يف أن تقتله‪ ،‬وحني‬
‫أفزعتها تلك اخلاطرة رك بت أحد أتوبيسات املدينة مع رضيعها‪ ،‬وقضت ليلتها يف األتوبيس‪ ،‬معللة ذلك أبهنا‬
‫لن تؤذي رضيعها ما دامت حتت نظر العامة‪.‬‬

‫حتكي روديك قصة جويل لتؤكد أن األمومة ليست سهلة‪ ،‬ليست كل أم جتد نفسها مضطربة مثل‬
‫سرا‪ -‬لو مل ي ُك ّن أمهات‪ .‬ولكي يستطعن معاملة‬
‫جويل‪ ،‬ولكن أتيت أايم على معظم األمهات يتمنني فيها ‪-‬ولو ّ‬
‫أطفاهلن جيدا يف هذه األايم العصيبة‪ ،‬فإهنن حيتجن إىل غرس فضائل مثل التأمل (القدرة على رؤية األشياء‬
‫من منظور معني)‪ ،‬والتواضع‪ ،‬واالبتهاج‪ .‬وسيستطيع األوالد املتسلحون هبذه الفضائل التكيّف مع الضرابت‬
‫اليت توجهها احلياة لألطفال والكبار على السواء‪.‬‬

‫السمة الثانية للممارسة األمومية عند روديك هي تعزيز منو األطفال‪ ،‬وتعزيز منو الطفل ال يعين فرض‬
‫نوع من خمطط احلياة املثالية عليه‪ ،‬فال ينبغي على األمهات أن حياولن جعل أطفاهلن كاملني‪ ،‬وعليهن بدال من‬
‫ذلك مساعدة أطفاهلن ليدركوا أن املهم يف احلياة هو حماولة أن يكون املرء شخصا أفضل رغم عيوبه ونقاط‬
‫ضعفه‪.‬‬

‫والسمة الثالثة واألخرية للممارسة األمومية لروديك هي التوجيه‪ ،‬فمثلما تعمل األمهات جب ّد جلعل‬
‫أطفاهلن اجتماعيني‪ ،‬عليهن مساعدهتم ليصبحوا مواطنني حيرتمون القانون‪ .‬لكن رمبا ترفض بعض األمهات‬
‫ذات الضمري احلي االنص ياع الحتياجات أو ممارسات اجملتمع يف بعض األوقات‪ .‬فمثال‪ ،‬ترفض األم ذات‬
‫الضمري احلي أن جتهز ولدها للحرب ألجل قضية جائرة‪ ،‬أو أن تنقص ابنتها من وزهنا لتشبه املراهقات يف‬
‫لباسها‪ .‬فيتجا ذهبا طرفان‪ ،‬قيم اجملتمع التنافسي الفرداين املهووس ابلقوة من انحية‪ ،‬وقناعتها الداخلية اخلاصة‬
‫دربت األم ولدها على مسارات العامل‪ ،‬رمبا حيظى ابلنجاح‬
‫أبن هذه القيم معيبة أساسا من انحية أخرى‪ .‬فإذا ّ‬
‫فيه‪ ،‬لكن رمبا أيضا يصبح صاحب عمل مغرور يضرب مبوظفيه عرض احلائط‪ .‬وعلى النقيض‪ ،‬إذا ربّت األم‬

‫حكمة © ‪Copyright 2017‬‬ ‫‪17‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫ولدها لكي يصبح "شااب شريفا"‪ ،‬رمبا ينشأ بصفة "اخلاسر" يف أنظار اجملتمع‪ .‬تقول روديك أنه جيب على األم‬
‫ذات الضمر احلي ‪-‬ككل األمهات‪ -‬أن تقرر ما إذا كانت قيمها هي ما ينبغي أن يرشد ممارسات طفلها‬
‫الناشئ أم قيم اجملتمع العام‪ .‬هل األهم أن يلتحم طفلها مبعايري اجملتمع أم أن حياكمها نقداي؟‬

‫كان أقصى طموح روديك أن تق ّدم تفكريا أموميا للعامل العام‪ ،‬أن جتعل رجاال ونساء أكثر يفكرون‬
‫يف قضاايهم "أموميًّا"‪ .‬فأشارت ‪-‬مثال‪ -‬إىل أن من يفكرون مثل األمهات جديرون بفهم ما تعنيه احلرب واقعيا‬
‫ال نظراي‪ ،‬فاحلرب ال تعين التأكد أن بلدك أتيت على قمة أي شيء ابلنسبة للمفكرين األموميني‪ ،‬ولكنها تعين‬
‫املخاطرة حبياة الطفل الذي قضيت سنوات يف محايته‪ ،‬ورعايته‪ ،‬وتوجيهه‪ .‬ابلنسبة للمفكرين األموميني‪ ،‬احلرب‬
‫تعين املوت‪ ،‬تعين فقدان "انتج‪/‬حصيلة" املمارسات األمومية‪ ،‬إهنا تعين فقدان أمثن شيء ابلنسبة للفرد‪.‬‬

‫ومثل روديك‪ ،‬رأت فريجينيا هيلد يف العالقة بني األشخاص األموميني وبني األطفال منوذجا ممتازا‬
‫للعالقات اإلنسانية عموما‪ .‬وقد أقلق هيلد أن األخالقيات التقليدية ال هتمل أخالق النساء فحسب‪ ،‬وإمنا‬
‫تقدم ما بَلغته أخالق الرجال على أهنا أخالق جندرية‪/‬جنوسية حمايدة‪ .‬وأعلنت أنه إذا كانت األخالقيات‬
‫التقليدية حمايدة جندراي حقا‪ ،‬ملا آثرت مناذج كنموذج التعاقد الذي يتحدث إىل خربة الرجال أكثر من خربة‬
‫النساء‪ .‬ففي تقدير هيلد‪ ،‬كثري من األخالقيني التقليديني يعتربون العالقة اإلنسانية أخالقية بقدر ما ختدم‬
‫املصاحل املختلفة للمتعاقدين الفرديني العقالنيني‪ ،‬بيد أن احلياة أكرب من كوهنا صراعا‪ ،‬أو منافسة‪ ،‬أو نزاعا‬
‫بشأن احلصول على ما يريده املرء‪ ،‬إهنا ‪-‬كما يعلم األموميون‪ -‬تدور حول التعاون‪ ،‬واالتفاق‪ ،‬والوحدة‪ ،‬حول‬
‫مواجهة حاجات اآلخرين‪ .‬وتتفكر هيلد يف أنه لو كانت العالقة بني شخص أمومي وطفل‪ ،‬بدال من العالقة‬
‫( ‪Held, “Feminism and‬‬ ‫متعاقدين عقالنيني‪ ،‬هي النموذج للعالقة اإلنسانية اجليدة‪ ،‬لبدا اجملتمع خمتلفا‬
‫َ‬ ‫بني‬
‫‪.)Moral Theory,” 1987‬‬

‫تقر هيلد أن عالقة األمومة والطفولة ليست خالية من املشكالت‪ ،‬فعالقة األب اببنه أو‬
‫ومع ذلك‪ّ ،‬‬
‫األم اببنتها قد تكون غامشة كعالقة املدير ابملوظف‪ .‬وبعض العالقات العاطفية أكثر تعسفا وقسوة من بعض‬
‫العالقات الرمسية ابلتأكيد‪ .‬فالنجاة من مدير متعسف أسهل بكثري من النجاة من زوج متعسف!‬

‫حكمة © ‪Copyright 2017‬‬ ‫‪18‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫وأكدت هيلد أن أتييدها لألخالقيات األمومية ال يشري إىل رفضها لألخالقيات التقليدية ابجلملة‪،‬‬
‫ببساطة ألن كون األخالقيات النسوية الرعائية تستطيع معاجلة القضااي اليت تفوق "احلد األدىن األخالقي" من‬
‫هتون من هذا "احلد األدىن األخالقي"‪ .‬فاألموميون جيب أن يكونوا‬
‫احرتام حقوق األفراد ال يعين ابلضرورة أهنا ّ‬
‫ـ‪-‬اإلضافة إىل الرعاية‪ -‬مفكرين انقدين ورقيقني عاطفيا أيضا‪ ،‬يستطيعون أن يضعوا قوانني عامة حول مبادئ‬
‫العالقات اإلن سانية ويستخلصون صفاهتم املميزة على حد سواء‪ .‬فالعالقات معرضة للتقييم مثل املبادئ‪ ،‬فيها‬
‫ما هو جيد‪ ،‬أو أجود‪ ،‬أو األجود مطلقا‪ ،‬وكذلك (سيء‪ ،‬وأسوأ‪ ،‬واألسوأ مطلقا)‪ ،‬فإذا كانت املبادئ السيئة‬
‫ال ينبغي أن تُتبع‪ ،‬فإن العالقات السيئة ال ينبغي أن تستمر‪.‬‬

‫فعلوا أخالقيات الرعاية‪ -‬أن القيم اليت ترتكز عليها‬


‫وتعتقد هيلد ‪-‬كغريها من النسويني الذين ّ‬
‫أي‬
‫أخالقيات الرعاية النسوية ينبغي أن حتضر يف العامل العام كحضورها يف العامل اخلاص‪ .‬وحينما سئلت عن ّ‬
‫منهما ‪-‬الرعاية أم العدالة‪ -‬له قيمة إنسانية أساسية أكثر من األخرى‪ ،‬مل ترتدد هيلد أن جتيب أبهنا الرعاية‪.‬‬
‫فالرعاية ‪-‬كما ترى هيلد‪ -‬ميكن أن توجد دون عدالة‪ ،‬لكن العدالة ال ميكن أن توجد دون رعاية‪ .‬مل يكن‬
‫تكون املدن‪ ،‬كانت هناك أسر‪ ،‬وبعضها مل‬
‫مقصد هيلد واضحا متاما‪ ،‬ولكن فكرهتا الرئيسية تتمثل يف أنه قبل ّ‬
‫تكن عادلة يف متييز الرجال عن النساء أو تفضيل الكبري على الصغري‪ ،‬لكنها بقيت بسبب وجود قدر كاف‬
‫من الرعاية ألفراد تلك األسر فيما بينهم ليعتنوا ابحلاجات اإلنسانية األساسية‪ ،‬وليحموا املصاحل الضرورية‬
‫لبعضهم البعض‪ .‬فلو مل يكن هذا النوع من السلوك الرعائي موجودا بني األسر‪ ،‬مل تكن املدينة لتوجد أبدا‬
‫بقواعدها‪ ،‬وقوانينها‪ ،‬واتفاقياهتا‪ ،‬ومقاييس العدل فيها‪ .‬تقول هيلد‪" :‬ال ميكن أن توجد عدالة بال رعاية ‪...‬‬
‫( ‪Virginia Held,‬‬ ‫فدون الرعاية‪ ،‬مل يكن طفل ليبقى على قيد احلياة‪ ،‬ولن يكون هناك أشخاص ليُحرتموا"‬
‫‪.)The Ethics of Care 2006, p. 17‬‬

‫ومثل روديك اليت تتحدث عن املفكرين األموميني‪ ،‬وهيلد اليت تتحدث عمن ميثلون دور األم‪ ،‬هتدف‬
‫إيفا فيدير كيتاي إىل جتنب هتمة ماهوية األنثى* (‪ ،)female essentialism‬وترجع أخالقياهتا النسوية للرعاية‬
‫إىل "العالقات االعتمادية" بدال من "العالقات األمومية" و "األمهات"‪ .‬فبالنسبة لكيتاي‪ ،‬يتمثل منوذج املعتمد‬
‫عليه يف شخص قريب‪ ،‬أو صديق‪ ،‬أو عامل مدفوع األجر‪ ،‬أيخذ على عاتقه مسئولية يومية لبقاء ِ‬
‫املعتمد‪،‬‬
‫ومهمة املعتمد عليه تتسم ابلرعاية‪ ،‬واالهتمام‪ ،‬والتواصل مع ِ‬
‫املعتمد‪ ،‬وهي (األم ابعتبارها معتمد عليها) تعاين‬ ‫َ‬

‫حكمة © ‪Copyright 2017‬‬ ‫‪19‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫فاملعتمد عليه ‪-‬وفقا لكيتاي‪ -‬ملزم‬


‫َ‬ ‫من العواقب الشخصية واالحرتافية السلبية نتيجة القيام أبعماهلا الضرورية‪.‬‬
‫ابملعتمد‪ ،‬ألهنا أنسب من يواجه احتياجاته‪ .‬فمثال‪ ،‬مصدر إلزام األم األخالقي بطفلها ليس حقوق ِ‬
‫املعتمد‬ ‫ِ‬
‫كشخص‪ ،‬وإمنا طبيعة العالقة بني شخص يف حاجة‪ ،‬وآخر مناسب لتلبية تلك احلاجة‪ .‬فالتعريف املميز هلذه‬
‫العالقة املوجهة اجتماعيا إىل حد كبري هو أهنا ليست اختيارية غالبا‪ ،‬ولكنها معطاة ابلفعل يف روابط العائلة‪،‬‬
‫أو فاعلية الصداقة‪ ،‬أو شروط العمل‪.‬‬

‫ولألمهية‪ ،‬تؤكد كيتاي أن منوذج العالقة االعتمادية ينبغي أن يوجه السياسة العامة للمساواة اإلنسانية‪.‬‬
‫فمن وجهة نظرها‪ ،‬حنن مجيعا متساوون ألننا مجيعا نتاج كفاح األمهات‪/‬املعتمد عليهن‪ .‬وألن كل شخص هو‬
‫طفل ألم‪ ،‬فكل شخص لديه خربة يف االعتماد على آخر‪ ،‬أن يعتمد على شخص جذراي حىت يف جمرد وجوده‪.‬‬
‫املعتمد عليهم‪ ،‬مبا فيهم األمهات احل ّقة‪ .‬وإذا فعل اجملتمع أي شيء سوى‬
‫ومن العدل أن يرعى اجملتمع كل َ‬
‫ِ‬
‫للمعتمدين أيضا‪ .‬سيكون هذا مبثابة نقض تدرجيي‬ ‫للمعتمد عليهم فحسب ولكن‬ ‫ذلك‪ ،‬لن يكون ظاملا‬
‫َ‬
‫للنسيج الكامل الذي يربط اجملتمع ببعضه‪ .‬ومن مث‪ ،‬فتؤكد كيتاي أن أول هدف للسياسة العامة البد أن تكون‬
‫( ‪Kittay, Love's Labor: Essays‬‬ ‫تقوية‪/‬متكني من يعتمد عليهم اجملتمع إذا أراد اجملتمع أن حيافظ على ترابطه‬
‫‪.)on Women, Equality, and Dependency, 1999‬‬

‫‪ .3‬املقارابت النسوية ذات املنحى االعتباري (‪ )status-oriented‬لألخالق‬

‫اعتنت املقارابت النسوية ذات املنحى االعتباري لألخالق ابألسئلة عن القوة ‪-‬اليت هي السلطوية واخلضوع‪-‬‬
‫‪ ،‬قبل التوجه للسؤال عن اخلري يف مقابل الشر‪ ،‬أو الرعاية يف مقابل العدالة‪ ،‬أو التفكري األمومي يف مقابل‬
‫التفكري األبوي‪ ،‬وليس النسويون ذو املنحى االعتباري أقل أو أكثر نسوية من النسويني الرعائيني‪ ،‬إمنا أتكيدات‬
‫هؤالء ختتلف عن أتكيدات أولئك فحسب‪.‬‬

‫ق ّدم األخالقيون النسويون ذو املنحى االعتباري خضوع املرأة املمنهج للرجل بطرق كثرية وخمتلفة‪،‬‬
‫فقدم كل من النسويني الليرباليني‪ ،‬والراديكاليني‪ ،‬واملاركسيني‪/‬االشرتاكيني‪ ،‬ومتعددي الثقافات‪ ،‬والعامليني‪،‬‬
‫والبيئيني جمموعة خمتلفة من التفسريات واحللول لوضع "اجلنس اآلخر" للمرأة‪ ،‬وكذلك النسويون الوجوديون‪،‬‬

‫حكمة © ‪Copyright 2017‬‬ ‫‪20‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫ونسويو التحليل النفسي‪ ،‬وما بعد احلداثة‪ ،‬ونسوايت املوجة الثالثة‪ .‬وأكد أنصار تلك املدارس اليت تتبىن الفكر‬
‫النسوي أن تدمري كل األنظمة‪ ،‬والبُىن‪ ،‬والعادات‪ ،‬واملمارسات اليت تصنع أو تدافع عن القوة احلاقدة املميزة‬
‫بني الرجال والنساء شرط الزم لتحقيق املساواة اجلندرية‪/‬اجلنوسية‪ ،‬ويف بعض األحيان يبدو أهنم يعتقدون ‪-‬‬
‫على النقيض من هيلد‪ -‬أن العدالة تفوق الرعاية‪.‬‬

‫‪ 3.1‬ـ املقارابت الليربالية‪ ،‬والراديكالية‪ ،‬واملاركسية‪/‬االشرتاكية‪ ،‬ومتعددة الثقافات‪ ،‬والعاملية‪ ،‬والبيئية‬

‫كان لدى النسويني الليرباليني جذورهم التارخيية متمثلة يف دفاع ماري ولستونكرافت عن حقوق النساء‪ ،‬وكتاب‬
‫جون ستيوارت ِمل "خضوع النساء"‪ ،‬وحركة حق املرأة يف االنتخاب يف القرن التاسع عشر‪ .‬ومن ضمن‬
‫( ‪National‬‬ ‫املنظمات اليت ينحاز هلا الليرباليون النسويون املعاصرون بشدة‪ ،‬املنظمة األممية للنساء‬
‫‪ .)Organization of Women‬وأكد الليرباليون النسويون أن السبب املبدئي يف إخضاع النساء للرجال هو‬
‫تصعب النجاح على النساء يف العامل العام‪ ،‬فلو مل حيصل‬
‫جمموعة من املعايري االجتماعية والقوانني الرمسية اليت ّ‬
‫يكن قادرات على حتقيق أقصى جهدهن يف التعليم‪ ،‬واملنتدايت‪ ،‬وساحات‬
‫النساء على نفس فرص الرجال‪ ،‬لن ّ‬
‫السوق‪ ،‬وغرف العمليات‪ ،‬وما إىل ذلك‪ .‬ورغم أن كثريا من الناس يعتقدون أن النسوية الليربالية عتيقة‪ ،‬وأن‬
‫‪1967‬‬ ‫القضااي األخالقية اليت شغلتها قد ُحلّت‪ ،‬فاحلقيقة أن وثيقة حقوق النساء اليت أعلنتها (‪ )NOW‬عام‬
‫يف الوالايت املتحدة ‪-‬مثال ‪ -‬مل ُحت ّقق ابلكامل حىت عام ‪ ،2009‬فحقوق نساء الوالايت املتحدة يف اإلجناب‬
‫ما زالت غري آمنة‪ ،‬وحتسني احلقوق املتساوية مل يَس ِر بعد‪ .‬واألكثر من ذلك‪ ،‬أنه يف عام ‪ 2009‬ما زال معدل‬
‫‪Maher, The ( %20‬‬ ‫كسب األنثى العاملة يف الوالايت املتحدة أقل من معدل كسب الذكر العامل بنسبة‬
‫( ‪Confessore and‬‬ ‫‪ ،)Wall Street Journal, 2008‬فقط ‪ 17‬من أعضاء جملس النواب املائة من النساء‬
‫‪ ،)Hakim, NYTimes, January 21, 2009‬ويف ديسمرب ‪ 2008‬كان نصيب النساء ‪ 13‬فقط من جمموع‬
‫‪ 500‬رئيس تنفيذي (‪ .)CNNMoney.com, 2009‬فإذا كان هدف النسوية الليربالية هو دفع قوة النساء‬
‫الكاملة إىل العامل العام ورفعهن إىل أعلى مداراته‪ ،‬فإن عملها بعيد عن التطبيق‪ ،‬فالنساء يتجهن إىل ممارسة‬
‫الوظائف االعتمادية ‪-‬اليت ركزت عليها إيفا فيدير كيتاي‪ ،-‬وهلذا العمل الذي يقدم الرعاية مكانة منخفضة‬
‫وأجر زهيد يف العامل العام‪.‬‬

‫حكمة © ‪Copyright 2017‬‬ ‫‪21‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫يعتقد النسويون الراديكاليون أن األجندة النسوية الليربالية ركزت أكثر من الالزم على إصالحات‬
‫ضعيفة لـ "الفعل اإلجيايب" مثل مفهوم (األجر املتساوي للعمل املتساوي)‪ ،‬أو إجازة الوالدة‪ .‬ستظل النساء‬
‫جنسا آخر ‪-‬يف تقديرهم‪ -‬حىت أييت الوقت الذي يكتسنب فيه سيطرة كاملة على قدرهتن اإلجنابية وشهواهتن‬
‫اجلنسية‪ .‬يف البداية‪ ،‬كان النسويون الراديكاليون خيالفون "الليرباتريني" يف مفاهيمهم عن اجلنس واإلجناب‪ ،‬فقد‬
‫شجعوا النساء أن جيربن كل أنواع اجلنس الذي حيصل برضى الطرفني‪ ،‬مبا يف ذلك األنواع املثرية للجدل أخالقيا‬
‫مثل السادية املاسوشية‪ ،‬وحثوا النساء أيضا على أن يلدن األطفال أبقل أمل ممكن‪ ،‬فلم اخلوض يف جتربة محل‬
‫كنت تستطيعني استخدام أم بديلة‪ ،‬وأفضل من ذلك استخدام رحم صناعي لتحصلي‬ ‫متعب ووالدة مؤملة إذا ِ‬
‫على طفل ِ‬
‫لك؟ ويف النهاية‪ ،‬دفع النسويون الراديكاليون " الليرباتريون" النساء ليصبحن خنثوايت قدر املستطاع‪،‬‬
‫فكلما قلت حماولة النساء يف جتسيد صفات "املرأة" كما وجهها اجملتمع‪ ،‬كلما كانت النساء أكثر حرية ومساواة‬
‫ابلرجال‪.‬‬

‫وفيما بعد‪ ،‬بدأت الشكوك تنتاب بعض النسويني الراديكاليني بشأن احلقوق الليرباترية للنساء‪ ،‬وتُعرف‬
‫هذه اجملموعة من النسويني الراديكاليني أحياان ابلنسويني "الثقافيني"‪ ،‬فتعجبوا من أن تكون الرغبة يف اجلنس‬
‫اآلخر مؤذية وحتمية ابلنسبة للنساء أكثر من كوهنا مفيدة وقائمة على الرتاضي‪ ،‬ودافعوا عن أن الرغبة يف‬
‫اجلنس اآلخر ‪-‬اليت تبدو كمفهوم‪ -‬هلا هدفها من التحكم يف شهوة النساء اجلنسية إلشباع الرجال وتشييئها‪.‬‬
‫وأوضح النسويون الثقافيون الراديكاليون أن وسائل اإلجناب الصناعية‪/‬التكنولوجية متثل هتديدا للنساء‪ ،‬ألهنا‬
‫تعين حرمان النساء تدرجييا من قدرهتن اخلاصة على اإلتيان حبياة جديدة للعامل‪ ،‬ومن شأن حرمان النساء من‬
‫تلك القدرة أن جيعل قيمتهن يف كوهنن "أداة للجنس" ابلدرجة األوىل‪ .‬وأخريا‪ ،‬ويف مواجهتهم للنموذج "اخلنثوي"‬
‫اخلري‪ ،‬رفضوا الطرق "الذكورية‪/‬املذ ّكرة" للوجود‪ ،‬والتفكري‪ ،‬والتصرف كناقصات‪ ،‬ملاذا حتاولني‬
‫املثايل لإلنسان ّ‬
‫التشبه ابلرجل ذلك الفرد العدواين‪ ،‬األانين‪ ،‬اتجر احلرب‪ ،‬إذا كان إبمكانك أن تكوين امرأة‪ ،‬تلك املتعاونة‪،‬‬
‫الراعية‪ ،‬صانعة السالم؟ (‪.)Tong, Feminist Thought, 2009‬‬

‫ورغم وجود مشكالت بني التشكالت املتطرفة للنسوية الراديكالية الليرباترية من انحية‪ ،‬والتشكالت‬
‫املتطرفة للنسوية الراديكالية الثقافية من انحية أخرى‪ ،‬إال أن الفكر النسوي الراديكايل قد أنتج بعض الدراسات‬
‫األخالقية املفيدة جدا‪ ،‬فما تسمى ابألخالقيات املثلية ‪-‬مثال‪ -‬ثريّة بشكل خاص‪ ،‬رغم اإلضافة املثرية للجدل‬

‫حكمة © ‪Copyright 2017‬‬ ‫‪22‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫للنظرية األخالقية النسوية‪ ،‬فهي تنازع الطبيعية النامجة من احلقيقة اليت قد طورهتا أساسا لتخدم متركز النساء‬
‫حول النساء‪ ،‬ويف بعض الرواايت‪ ،‬لتخدم النساء املثليات فقط‪.‬‬

‫فوفقا للفيلسوفة سارة لوشيا هواجالند ‪-‬إحدى مطوري األخالقيات املثلية املعروفني‪ ،-‬فالسؤال‬
‫األخالقي اجلوهري للمثليات هو "هل هذا يتماشى مع إبداعي وحرييت وحترري؟" بدال من‪" :‬هل هذا خري؟"‪،‬‬
‫خرية؟" (‪ .)Hoagland, Lesbian Ethcs, 1989‬وتثنية لفكرة هواجالند‪ ،‬أكدت مارلني فري أن‬
‫أو‪" :‬هل أان ّ‬
‫خريين‪،‬‬
‫األخالقيات التقليدية مليئة ابألسئلة عن اخلري ألن لدى أنصارها رغبة راسخة ليس فقط يف أن يكونوا ّ‬
‫خريين أيضا‪ .‬فعلى سبيل املثال‪ ،‬يؤسس الذكر األمريكي األبيض املسيحي ذو‬
‫ولكن يف أن جيعلوا اآلخرين ّ‬
‫الطبقة الوسطى الراغب يف اجلنس اآلخر تصوره عن نفسه كصاحب سلطة‪ ،‬أو قائد‪ ،‬أو زعيم على دفاعه عن‬
‫أنه على حق يف كونه يعرف ما فيه خري لآلخرين ولنفسه على حد سواء‪ ،‬وما دام النساء يقبلن تصور الوساطة‬
‫األخالقية هذا‪ ،‬سيبقني ‪-‬مثل الرجال‪ -‬يعتقدن أن األخالقيات هي يف معرفة ما هو األفضل لكل شخص‬
‫( ‪Frye, “A Response to‬‬ ‫ومن مثّ فرض هذا األفضل عليهم بغض النظر عن ثبوت كونه مؤملا أو ضارا‬
‫‪.)Lesbian Ethics: Why Ethics?”, 1991‬‬

‫معلنتني أن األخالقيني املثليني ال يهتمون بفرض اجليّد من وجهة نظرهم على اآلخرين‪ ،‬نظّرت‬
‫هواجالند وفري ألن القدر الذي تُعىن به املثليات هو أن ممارسة االختيار يف حد ذاهتا جتعل الشيء أو الفعل‬
‫جيدا‪ ،‬وهذه القضية هي اليت أاثرت تعليقا من النقاد أكثر من أي قضية أخرى لألخالقيات املثلية‪ ،‬فقد‬
‫شككوا يف أن يكون االختيار احلر للمرأة املثلية يف فعل شيء ما تسويغا أخالقيا هلا يف فعله‪.‬‬

‫ولدى هواجالند رد على هذا االعرتاض‪ ،‬فقد الحظت أن اجملتمع فرض الكثري من احلدود واحلواجز‬
‫على خيار املثلية الذي رمبا يكون خيارا له أمهية أخالقية للمثليات أكرب من األمور اليت خيرتهنا‪ .‬لكن هواجالند‬
‫ليست مستعدة متاما لتعلن أنه ال توجد حدود على خيار املثلية‪ ،‬ففي إحدى نقاط حتليلها ملا ينشئ الوكالة‬
‫األخالقية أو التفاعل ‪-‬على سبيل املثال‪ ،-‬الحظت هواجالند أنه أثناء اختيار املرأة املثلية لنفسها فإهنا ختتار‬
‫لصاحل املثليات‪ ،‬الاليت بدورهن خيرتن لصاحلها‪ .‬فاملثليات ال ينسجن القيمة يف عزلة عن بعضهن‪ ،‬وإمنا ينسجنها‬
‫معا‪ ،‬فاألخالقيات ليست مطالبة فردية بقيمة أخالقية منبثقة من أعماق املرء أو خارجة عنه‪ .‬على النقيض‪،‬‬

‫حكمة © ‪Copyright 2017‬‬ ‫‪23‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫تنبثق القيمة األخالقية ‪-‬ابملعىن الشخصي‪ -‬مما مسّته هواجالند بـ"السياق املثلي" من جمال للطاقة قادر على‬
‫مقاومة االضطهاد‪ .‬ومن مث‪ ،‬فاملقاربة املثلية لألخالق هو عن أن تصبح املثليات نوعا من البشر يرفض أن‬
‫يتسلّط أو يُتسلّط عليه (‪.)Hoagland, Lesbian Ethics, 1989‬‬

‫ال يتفق النسويون املاركسيون‪/‬االشرتاكيون عموما مع النسويني الليرباليني‪ ،‬فقد أكدوا أنه من الصعب‬
‫‪-‬إن مل يكن من احملال‪ -‬على املضطهدين ‪-‬وخصوصا النساء‪ -‬أن يعملن جيدا يف نظام طبقي‪ .‬والطريق املؤثر‬
‫الوحيد إلهناء خضوع النساء للرجال هو استبدال األنظمة الرأمسالية أبنظمة اشرتاكية يتمتع فيها النساء والرجال‬
‫أبجور عادلة لعملهم‪ .‬جيب على النساء املساواة االقتصادية ابلرجال قبل أن تساويهم يف القوة‪.‬‬

‫ومما له داللته‪ ،‬أن النسويني املاركسيني‪/‬االشرتاكيني املعاصرين ال يدينون ابلفضل للرؤية املاركسية‬
‫التقليدية أبن مقياس الوضع االجتماعي املتدين للنساء هو فقط ما إذا كانت املرأة جزءا من القوى العاملة‬
‫املنتجة مدفوعة األجر‪ .‬وعرب السنني‪ ،‬وابحتاد كثري من األفكار الراديكالية النسوية بنظريتهم وتطبيقهم‪ ،‬تزايدت‬
‫األعمال اليت ينتجها النسويون املاركسيون‪/‬االشرتاكيون مثل "ملكية النساء" جلوليت ميتشل الذي حتتج فيه‬
‫أبن أربعة من البىن االجتماعية‪-‬االقتصادية حتدد وضعية النساء‪ ،‬وهي حتديدا‪ :‬دور املرأة يف اإلنتاج‪ ،‬واإلجناب‪،‬‬
‫كن يردن املساواة‬
‫واجلنس‪ ،‬والتنشئة االجتماعية لألطفال‪ ،‬فدور املرأة يف كل من هذه البىن البد أن يتغري إن ّ‬
‫ابلرجال‪ .‬واألكثر من ذلك‪ ،‬كما تضيف ميتشل يف التحليل "النفسي والنسوية"‪ ،‬البد أن يتبدل عامل النساء‬
‫كن واثقات من‬
‫التغيري يف عامل النساء اخلارجي حتريرهن كليا إال إذا ّ‬
‫الداخلي (العقل‪/‬النفس)‪ ،‬ألنه لن يستطيع ُ‬
‫قيمتهن‪.‬‬

‫يؤكد أرابب النسوية متعددة الثقافات (‪ )Multicultural feminists‬الكثري من أفكار املدارس النسوية‬
‫األخرى عن وضع النساء‪ ،‬لكنهم عابوا عليهم كوهنم مل ينتبهوا بشكل كامل إىل تالزم بُىن وأنظمة النوع والعرق‬
‫والطبقة‪ .‬فكما يرون‪ ،‬ال ينبغي أن يركز النسويون حصرا على اضطهاد النساء كنساء‪ ،‬أو عامالت‪ ،‬أو أعضاء‬
‫يف جمموعة تفتقر للعرق أو األصل‪ .‬وبدال من ذلك‪ ،‬عليهم استيعاب أن كل شيء عن املرأة ‪-‬لون بشرهتا‪ ،‬وما‬
‫متلكه من مال‪ ،‬واجتاه رغباهتا اجلنسية‪ ،‬وعمر شهادة ميالدها‪ -‬يفسر وضعها يف اجملتمع‪ .‬فحىت لو كانت‬
‫العنصرية‪ ،‬وامليل اجلنسي‪ ،‬والطبقية‪ ،‬أمورا قابلة لالنفصال نظراي‪ ،‬فهي ليست كذلك يف احلقيقة‪ ،‬فكثري من‬

‫حكمة © ‪Copyright 2017‬‬ ‫‪24‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫( ‪bell hooks, Yearning: Race, Gender,‬‬ ‫النساء ضحااي "األخطار املضاعفة" و"أنظمة القمع املتشابكة"‬
‫‪ .)and Cultural Politics, p. 59‬على سبيل املثال‪ ،‬عمل امرأة غري موثقة من أصل التيين يف الوالايت املتحدة‬
‫كمساعدة منزلية أبجر زهيد المرأة بيضاء تعمل حمامية أبجر كبري هو اضطهاد مضاعف‪ ،‬فهي تظهر على‬
‫هيئة متطفلة‪ ،‬وأجنبية‪ ،‬وغريبة‪ ،‬وواحدة من هؤالء الذين ليس هلم "احلق" أن يكونوا يف الوالايت املتحدة‪ ،‬ورمبا‬
‫تشعر بشعور سيء حيال نفسها‪ ،‬فهويّتها ونظرهتا لنفسها كامرأة تعمل مبسئولية بقدر اإلمكان يف ظروف شاقة‬
‫رمبا تتآكل‪ ،‬فاالضطهاد املضاعف له ضريبة روحية‪/‬نفسية على الناس ابإلضافة للضريبة املادية‪.‬‬

‫رغم أن النسويني العامليني (‪ )Global feminists‬وما بعد الكولونياليني ميتدحون بشكل كبري عمل‬
‫النسويني متعددي الثقافات إال أهنم يعتربوهنا نقاشات غري مكتملة عن اضطهاد النساء‪ ،‬فهم يؤكدون أن النساء‬
‫فيما يعرف ببلدان العامل األول (اليت تقع يف نصف الكرة الشمايل) حيتجن إىل إدراك وضع وحال النساء فيما‬
‫يعرف ببلدان العامل الثالث (اليت تقع يف نصف الكرة اجلنويب)‪ .‬وغالبا‪ ،‬يركز النسويون على نسق كلّي يف‬
‫لسن قوانني متنع‬
‫السياسات اجلندرية‪/‬اجلنوسية يف بالدهم‪ .‬ومن مث‪ ،‬بينما يناضل النسويون يف الوالايت املتحدة ّ‬
‫رجم النساء حىت املوت يف بلدان أخرى ألجل العهر أو التعرض للختان‬
‫التحرش اجلنسي يف أماكن العمل‪ ،‬تُ َ‬
‫(مبا يف ذلك اخلتان الفرعوين يف بعض احلاالت)‪ .‬وابملثل‪ ،‬بينما تشكوا نسوايت الوالايت املتحدة من الصيادلة‬
‫فيصعبون على بعض النساء احلصول على حبوب منع‬
‫الذين ميلي عليهم ضمريهم االعرتاض على اإلجهاض ّ‬
‫احلمل الضرورية‪ ،‬ال تتوفر لكثري من النساء يف بلدان أخرى خدمات تنظيم األسرة‪ ،‬فيالقني حتفهن نتيجة‬
‫اإلجهاضات الغري شرعية الفاسدة أو املتابَعة السيئة للحمل والوالدة‪ .‬أرعت نسوايت مابعد الكولونيالية‬
‫(‪ )global and postcolonial feminists‬مزيدا من االهتمام حلقيقة أن نساء العامل األول حيظني مبزااي مادية‬
‫اشرتيت‬
‫أكثر من نساء العامل الثالث‪ ،‬وأكدن أيضا حقيقة أن بعض ممتلكات النبيالت من نساء العامل األول ُ‬
‫على حساب نساء العامل الثالث الاليت يص ّدرن لنساء العامل األول للعمل كمساعدات يف رعاية املنزل أو‬
‫خادمات أو مربيات أبجور زهيدة‪.‬‬

‫تتفق نسوايت البيئة (‪ )Ecofeminists‬مع نسوايت العاملية ومابعد الكولونيالية يف أمهية أن تفهم‬
‫النساء التقارب والتباعد بني اهتماماهتن‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فقد عابوا عليهم وعلى كثري من النسويني أهنم ال ينتبهون‬
‫إىل مسئوليات البشر جتاه احليواانت‪ ،‬فقد طورت بعض نسوايت البيئة أخالقيات غليغان للرعاية كأساس لنظرية‬

‫حكمة © ‪Copyright 2017‬‬ ‫‪25‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫كردة فعل انقدة‬


‫الدفاع عن احليوان‪ .‬ومثل األخالقيات النسوية‪ ،‬نشأت النظرية النسوية لرعاية احليوان ّ‬
‫لألخالقيات النفعية القائمة على احلقوق ( ‪Singer, Animal Liberation, 1974; Regan, The Case for‬‬

‫‪ . )Animal Rights, 1983‬حتتج االنتقادات أبن هذه األنظمة غري مالئمة ألهنا تدافع عن أمهية املركزية البشرية‬
‫(كلما كانت احليواانت أكثر شبها بنا‪ ،‬كلما متتعوا ابعتبارات أخالقية أكثر) والنتيجة هي الفشل يف رؤية‬
‫احليواانت يف نطاقها تتمتع أبولوايت وحاجات وحقائق مميزة‪ .‬يقوم نقد آخر من املقارابت املتعلقة ابلعدالة‬
‫على إنكارهم الواضح أو تقليلهم من شأن دور التعاطف يف تداولنا األخالقي بشأن إساءة احليواانت‪ ،‬فعندما‬
‫يعترب املرء الشح يف االستجابة العاطفية ملعاانة احليوان سببا رئيسا يف استمرار اإلساءة‪ ،‬فإنه من التناقض أن‬
‫نستبعد الرعاية عند معاجلة املعاملة اخلاصة للحيواانت ( ‪Donovan and Adams, Feminist Care Tradition‬‬

‫‪ .)in Animal Ethics, 2007‬وهذا ال يعين أنه جيب علينا االستغناء عن النماذج النفعية والقائمة على احلقوق‪،‬‬
‫إهنا تقدم مناقشات مفيدة للمعاملة األخالقية للحيواانت‪ .‬الفكرة ‪-‬وفقا لـ جوزفني دونوفان‪ -‬هي أنه "من‬
‫املمكن أيضا بل من الضروري اعتبار ما هو أخالقي يف التداول العاطفي والروحي مع طرق حياة احليواانت‪،‬‬
‫ومن خالل ثقافة النساء العقالنية للرعاية واحلب‪ ،‬تنبثق أسس األخالق النسوية ملعاملة احليواانت‪ ،‬فال ينبغي‬
‫أن نقتل احليواانت أو أنكلها أو نع ّذهبا أو نستغلها ألهنا ال تريد أن تُعامل هبذه الطريقة‪ ،‬وحنن نعلم أننا لو‬
‫استمعنا إليها لسمعنا ذلك" (‪ .)Donovan, Signs, p. 375‬تتكون املقاربة األخالقية لرعاية احليوان من طريقة‬
‫عطوفة الستيعاب مأزق احليواانت الفردية يف النظام البطريركي والرأمسايل‪ .‬يؤكد األنصار أن االستجابة الودية‬
‫والتعاطف والرعاية تستطيع وينبغي أن تفهمنا ملاذا تقع على كاهلنا مسئولية حترير احليواانت من سيطرة اإلنسان‪،‬‬
‫فمعاملتنا مع العامل الطبيعي شيء آخر‪ .‬تقول نسوايت البيئة أن جزءا من سبب متيّز عاملنا ابلظلم‪ ،‬وقلة الرعاية‪،‬‬
‫والتباين الطبقي بني الناس‪ ،‬هو أننا نتعامل مع العامل الطبيعي بالمباالة‪ ،‬وأحياان ابحتقار‪ ،‬فنحن خنتزن أسلحة‬
‫الدمار الشامل‪ ،‬ونستهلك مصادر الطاقة كأهنا الهنائية‪ ،‬ونلقي النفاايت يف ماءان‪ ،‬ونذبح احليواانت ألجل‬
‫اللحم الذي ال حنتاج أكله ابلفعل‪ ،‬وبذلك‪ ،‬نربهن على اعتقادان أنه من حقنا التحكم يف الطبيعة لنخلق عاملا‬
‫أفضل ألنفسنا‪ ،‬لكننا موهومون يف حماولتنا احملمومة للسيطرة على الطبيعة ‪-‬كما تقول ينسرتا كينغ‪ ،-‬فالطبيعة‬
‫اقتالع الغاابت والقضاء على احليواانت ( ‪Ynestra King,‬‬ ‫ساع مثل‬
‫متمردة‪ ،‬والنوع اإلنساين حيفر قربه بيديه مبَ ٍ‬
‫‪.)“Healing the Wounds: Feminism, Ecology, and Nature/Culture Dualism,” 1995‬‬

‫حكمة © ‪Copyright 2017‬‬ ‫‪26‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫‪3‬ـ‪ 2‬مقارابت الوجودية‪ ،‬والتحليل النفسي‪ ،‬وما بعد احلداثة‪ ،‬واملوجة الثالثة‪:‬‬

‫انبثاقا من مناذج الفكر النسوي اليت تشدد على النتائج املادية لوضع اجلنس اآلخر‪ ،‬ركزت النسوايت الوجودايت‬
‫على النتائج النفسية‪/‬السيكولوجية‪ .‬فقد كتبت سيمون دي بوفوار يف كتاهبا "اجلنس اآلخر" أن الرجل منذ‬
‫البداية مسى نفسه "النفس" ومسى املرأة "اآلخر"‪ ،‬فلو كان اآلخر هتديدا للنفس‪ ،‬فإن النساء هتديد للرجال‪،‬‬
‫وإذا أراد الرجال أن يبقوا أحرارا‪ ،‬فعليهم ‪-‬ليس فقط إخضاع النساء هلم‪ -‬ولكن إقناعهن أيضا بعدم استحقاقهن‬
‫يكن ذواات حقيقية‪ ،‬جيب عليهن تعريف أنفسهن كعوامل‬
‫معاملة أفضل‪ .‬ومن مث‪ ،‬إذا كان على النساء أن ّ‬
‫مستقلة ختطط ملسار أقدارها حبرية‪ .‬على النساء أن يرفضن تعريف أنفسهن تبعا للرجال وأن يسلكن سبيلهم‬
‫ببساطة‪.‬‬

‫تسعى نسوايت التحليل النفسي ‪-‬مثل النسوايت الوجودايت‪ -‬إىل تفسري وضع النساء يف خبااي‬
‫نفوسهن‪ .‬فعندهن أن األوالد والبنات ينشؤون اجتماعيا بطرق خمتلفة ألن تربية األطفال تكاد تكون حمصورة‬
‫على النساء‪ ،‬ينشأ األوالد على رغبة االنفصال عن اآلخرين وعن القيم األنثوية املرتبطة ثقافيا أبمهاهتم وأخواهتم‪.‬‬
‫وعلى النقيض‪ ،‬تنشأ الفتيات كـ "نساء صغريات"‪ ،‬يقلدن سلوك أمهاهتن‪ ،‬ويردن البقاء يف ارتباط هبن‬
‫القيم اإلنسانية‪،‬‬
‫وابآلخرين‪ .‬واألكثر من ذلك‪ ،‬بسبب الطرق اليت تش ّكل هبا األنظمة والبىن البطريركية‪/‬األبوية َ‬
‫اتمة‬
‫يشرع األوالد والبنات يف االعتقاد أبن القيم الذكورية ظاهرًّاي مثل العدالة والوعي ‪-‬واليت يربطوهنا ابلثقافة‪ّ -‬‬
‫اإلنسانية أكثر من القيم األنثوية ظاهرًّاي مثل الرعاية والتعاطف‪ ،‬اليت يربطوهنا ابلطبيعة‪.‬‬

‫وسعيا لتحرير النساء من جرعات اجلنس النفسي اليت جتعل النساء تبدو للنساء والرجال أقل قيمة من‬
‫الرجال‪ ،‬تعتقد بعض نسوايت التحليل النفسي أن السبب يف تلك النظرة اخلاطئة للنساء متجذرة يف اعتماد‬
‫كرس‬
‫اجملتمع على النساء يف القيام مبهام تقدمي الرعاية‪ ،‬وعلى الرجال يف القيام مبهام بناء العامل‪ ،‬و ّادعوا أنه إذا ّ‬
‫الرجال أوقاات كثرية لألبوة كاليت تكرسها النساء لألمومة‪ ،‬وإذا عملت النساء جب ّد يف عامل املغامرة كما يعمل‬
‫الرجال‪ ،‬فلن يصنّف األطفال البيت على أنه للنساء والعمل على أنه للرجال‪ ،‬ولكنهم سينشئون معتقدين أن‬
‫والديهم شخصان يق ّدران ‪-‬مبقياس متساو نسبيا‪-‬فوائد كال من حياة البيت وحياة العمل‪.‬‬

‫حكمة © ‪Copyright 2017‬‬ ‫‪27‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫وعموما‪ ،‬ليس كل نسوايت التحليل النفسي يعتقدن أن تنظيمات األبوة املزدوجة‪/‬العمل املزدوج هي‬
‫عالج عقدة أوديب (‪ )Oedipus complex‬املشينة املوضحة أعاله‪ ،‬فخالل تلك العقدة‪ ،‬يندمج الولد‬
‫ابلثقافة متاما‪ ،‬ويف حماولته التخلي عن أمه ‪-‬موضع حبه األول‪ ،-‬ال يهرب الولد من اخلصي على يدي أبيه‬
‫فقط‪ ،‬إنه يتحكم يف القوى الالمنطقية لكل من الطبيعة والنساء‪ .‬وبصفتهن غري قادرات على ختطي عقدة‬
‫أوديب مثل كما فعل األوالد‪ ،‬ال تنفصل البنات ‪-‬الاليت ال ميلكن عضوا ذكراي كي خيشني فقدانه‪ -‬عن أمهاهتن‬
‫كليا‪ ،‬ونتيجة ذلك أن اندماج البنات مع الطبيعة لن يكتمل أبدا‪ .‬تظهر النساء على حدود اجملتمع وهوامشه‬
‫على أهنن احملكومات ال احلاكمات‪ .‬ومن مث‪ ،‬فال طريق الوحيد لتغيري وضع املرأة يف اجملتمع يف تقدير بعض‬
‫نسوايت التحليل النفسي هو رفض وجهة النظر القائلة أن البشر سيظلون يف وضعهم الطبيعي إذا مل يتجاوزوا‬
‫عقدة أوديب‪ .‬نصحت لوس أريغاراي وجوليا كريستيفا النساء أن يبقني فيما مستاه اخليال االفرتاضي‬
‫(‪ ،)Imaginary‬حيث املكان الذي تتحد فيه األم بطفلها يف تناغم اتم‪ ،‬فمغادرة هذا املكان لدخول ما‬
‫يسمى الرتتيب الرمزي ‪-‬عامل لغة الرجال وقواعدهم وقوانينهم‪ -‬يبدو قليل املعقولية عند املرأة‪ .‬وبدال من دخول‬
‫هذا العامل الذي هن فيه مضطهدات ومقموعات ال حمالة‪ ،‬عليهن البقاء يف اخليال االفرتاضي حيث يتمتعن‬
‫ابختالفهن عن الرجال ويعشن حياة وفقا ملنطلقاهتن‪ .‬لن تنهدم املدنيّة إذا بقيت النساء يف اخليال االفرتاضي‪،‬‬
‫ستقوض‪.‬‬
‫ولكن البطريركية ّ‬

‫وأخريا‪ ،‬كما ترى نسوايت املوجة الثالثة وما بعد احلداثة‪ ،‬كل احملاوالت الفردية لتفسري اضطهاد املرأة‬
‫ابءت ابلفشل‪ ،‬فال توجد كينونة واحدة تدعى "املرأة" ينطبق عليها هذا الوصف‪ ،‬فالنساء أفراد‪ ،‬لدى كل منهن‬
‫قصة فريدة ترويها عن نفسها‪ .‬وبناء على ذلك‪ ،‬فأي تفسري فردي لوضع "املرأة" هو مماثلة أخرى ملا يسمى‬
‫ابلفكر "الفالوغوسنرتي"‪ ،‬وهو نوع من "التفكري الذكوري" الذي يصر ‪-‬كحقيقة مطلقة‪ -‬على رواية قصة‬
‫واحدة‪ ،‬وواحدة فقط‪ ،‬عن احلقيقة‪ .‬ويف تقدير نسوايت املوجة الثالثة وما بعد احلداثة‪ ،‬جيب على النساء كشف‬
‫اختالفاهتن لبعضهن البعض لكي يستطعن مقاومة النزعة البطريركية لتمركز وحتجر الفكر بصدد حقيقة صارمة‪،‬‬
‫كانت دوما‪ ،‬وتكون‪ ،‬وستبقى كذلك إىل األبد‪ .‬ولكي يثبت النساء أنفسهن‪ ،‬جيب عليهن أن يتقبلن التناقض‬
‫بسرور‪ ،‬حىت التناقض الذايت‪ ،‬فليس هناك ما يضطرهن التباع أي نص‪ ،‬مبا يف ذلك ما فُرض عليهن طوال‬
‫حياهتن‪.‬‬

‫حكمة © ‪Copyright 2017‬‬ ‫‪28‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫‪4‬ـ اخلالصة‬

‫ال تفرض مقارابت الرعاية النسوية أو املقارابت النسوية املرتكزة على القوة لألخالق مقياسا معياراي واحدا على‬
‫النساء‪ .‬وإمنا تعرض عليهن طرقا متعددة لفهم الطرق اليت يؤثر هبا اجلندر‪ ،‬والعرق‪ ،‬والطبقة وما إىل ذلك على‬
‫قراراهتن األخالقية‪ .‬وألن املقارابت النسوية لألخالق متيل إىل كوهنا خنثوية وحساسة للجندر على حد سواء‪،‬‬
‫حتتج االنتقادات الغري نسوية على هذه املقارابت أبهنا "منحازة لإلانث"‪ .‬وتؤكد تلك االنتقادات أن األخالقيات‬
‫ال ميكن أن تبدأ من نقطة انطالق خاصة ‪-‬من املرأة يف هذه احلالة‪ -‬مث تظل معتربة كأخالقيات‪ .‬وعلى‬
‫النقيض‪ ،‬تنطلق األخالقيات التقليدية من افرتاض أن القيم والقواعد تطبق على كل العقالء ابلتساوي‪ .‬بيد أن‬
‫معظم نظرايت األخالقيات التقليدية تبدو مؤسسة على خربة الرجال األخالقية ‪-‬اخلربات القوية غالبا‪ -‬يف‬
‫مقابل النساء‪.‬‬

‫حتتج النسوايت الاليت يطورن مقارابت الرعاية واملقارابت الوضعية النسوية لألخالق بشكل آمن أبهنن‬
‫حياولن فعل ما كان ينبغي أن تفعله األخالقيات التقليدية يف املقام األول‪ ،‬وهو أن تعري اهتماما أكثر خلربة‬
‫النساء األخالقية كالذي تعريه خلربة الرجال‪ .‬وبنفس الطريقة اليت جتاهل هبا املؤرخون ضغط وجهد وصراعات‬
‫العامل اخلاص لألطفال‪ ،‬والكنيسة‪ ،‬واملطبخ لريكزوا على الثورات االقتصادية واالنقالابت السياسية واالحتالالت‬
‫املسلحة للعامل العام‪ ،‬ركز األخالقيون التقليديون على اهتمامات الرجال األخالقية‪ ،‬وقضاايهم‪ ،‬وقيمهم‪،‬‬
‫متجاهلني املرأة‪ .‬وبناء على ذلك‪ ،‬فعندما تؤكد إحدى أنصار األخالقيات النسوية أمهية أخالق النساء‪ ،‬فهي‬
‫تقوم ببعض العمل اإلصالحي‪ ،‬فتضيف خربات النساء األخالقية إىل التقليد األخالقي املنحاز للرجال‪ ،‬والذي‬
‫حيتاجها على حنو خطري‪.‬‬

‫ومع ذلك‪ ،‬فرمبا تفعل أكثر من هذا‪ ،‬رمبا تقرتح أنه ال يكفي األخالقيات التقليدية أن متزج اهتمامات‬
‫النساء وقضاايهن وتعرتف هبن كعوامل أخالقية ينبغي أن تؤخذ يف االعتبار جبدية‪ .‬فعلى النقيض‪ ،‬رمبا تناقش‬
‫األخالقيات التقليدية يف إعادة النظر يف الفروض األنطولوجية واالبستمولوجية اليت أتسس عليها تفكريهم‪ ،‬وأن‬
‫تعترب اإلمكانية البعيدة عن كوهنم مصادر حترر اإلنسان‪ ،‬ومبادئهم‪ ،‬وقواعدهم‪ ،‬وضوابطهم‪ ،‬وأعرافهم‪،‬‬
‫ومعايريهم‪ ،‬ختدم يف النهاية أمناطا من اهليمنة واخلضوع تعيد بناء أخالق كل شخص‪.‬‬

‫حكمة © ‪Copyright 2017‬‬ ‫‪29‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫إذا كانت األخالقيات تُعىن بتحرر البشر‪ ،‬فملخص أليسون جاغر عن األسس األربعة لألخالقيات النسوية ال‬
‫يعلى عليه يف أي طريقة ذات مغزى‪ .‬فوفقا جلاغر‪ ،‬تسعى كل املقارابت النسوية إىل (‪ )1‬تقدمي انتقادات‬
‫أخالقية لألعمال واملمارسات اليت تدمي إخضاع املرأة‪ )2( .‬وصف طرق مقبولة أخالقيا ملقاومة هذه األعمال‬
‫واملمارسات‪ )3( .‬تصور بدائل مرغوبة هلذه األعمال واملمارسات‪ )4( .‬أخذ خربة املرأة األخالقية على حممل‬
‫اجلد‪ ،‬لكن ليس بال نقد (‪ .)Jaggar, “Feminist Ethics,” 1992‬ينبغي أن يهدف األخالقيون النسويون أوال‬
‫وقبل كل شيء إىل حتسني حالة املرأة على وجه اخلصوص‪ ،‬وأيضا حالة الضعفاء مثل األطفال‪ ،‬وكبار السن‪،‬‬
‫والعجزة‪ ،‬واملعاقني‪ ،‬واملتخلفني عقليا‪.‬‬

‫رغم التفسريات املختلفة للنسوايت األخالقيات ملا ميكن اعتباره خيارا تطوعيا ومقصودا‪ ،‬أو ممارسة‬
‫غري شرعية أو شرعية للسيطرة‪ ،‬أو عالقة صحية أو ممرضة‪ ،‬فإن اجملتمع الفكري واألخالقي يطمأن إىل أن‬
‫النسوية بعد كل شيء ليست أيديولوجية متجانسة تصف طريقا واحدا فقط لكل النساء‪ ،‬هذه الطريقة يف‬
‫املناسبة ملا ميكن اعتباره انقساما سياسيا بني النسوايت‪ .‬فإذا أتينا لطاولة السياسة وطلبنا‬
‫التفكري هي أيضا َ‬
‫التعبري عن وجهة النظر النسوية لقضية أخالقية ما‪ ،‬فسيستطيع كل خبري أخالقي نسوي أمني أن يقول أن‬
‫وجهة النظر تلك ال وجود هلا‪ ،‬وإذا كانت النسوايت ال ميلكن موقفا واضحا ومالئما وموحدا للقضااي األخالقية‬
‫الرئيسية‪ ،‬فإن وجهات النظر األقل مالءمة للنساء قد متأل الفجوة‪.‬‬

‫رغم أنه من احملتم على النسويني األخالقيني أن يؤكدوا ‪-‬على سبيل املثال‪ -‬كيف أن السياسة اليت‬
‫تفيد جمموعة من النساء قد تضر جمموعة أخرى يف الوقت نفسه‪ ،‬رمبا كان من خطأهم عدم أتييد سياسات‬
‫قادرة على خدمة أهم املصاحل ألوسع نطاق من النساء‪ .‬وهلذا السبب‪ ،‬يعتقد كثري من األخالقيني النسويني أن‬
‫عليهم لزاما االستماع أوال لوجهات النظر املختلفة للنساء‪ ،‬مث صياغة رؤية ُجممع عليها‪ ،‬بغض النظر عما إذا‬
‫كان حتقيق هذا اهلدف مؤكدا أم ال‪ .‬ومع هذا كله‪ ،‬مازال على األخالقيني النسويني االلتزام مبهمة دفع النساء‬
‫حنو هدف املساواة اجلنوسية ابلرجال‪ .‬وسيشهد القرن احلادي والعشرون ‪-‬بال شك‪ -‬تقدما جديدا يف‬
‫األخالقيات النسوية ألنه يواجه حتدي العيش يف عامل معوَمل‪.‬‬

‫حكمة © ‪Copyright 2017‬‬ ‫‪30‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫المراجع‬

• Abel, Emily K. and Margaret K. Nelson, (eds.), (1990). Circles of Care: Work
and Identity in Women's Lives, Albany: SUNY Press.
• Bartky, S.L. (ed.), (1990). Femininity and Domination, New York: Routledge.
• Bartlett, K.T. (1991). “Feminist legal methods”. In K.T. Bartlett & R. Kennedy
(eds.), Feminist Legal Theory: Readings in Law and Gender, Boulder, CO:
Westview Press, 370-403.
• Beasley, Chris. (1999). What is Feminism?: An Introduction to Feminist Theory,
London: Sage Publications.
• Beecher, C.E. and Stowe, H.B. (1971). The American Woman's Home: Principle
of Domestic Science, New York: Aeno Press and The New York Times.
• Blum, C.P. (1966). Friendship, Altruism, and Morality, London: Routledge and
Kegan Paul.
• Brownmiller, S.(1993). Against Our Will: Men, Women, and Rape, New York:
Fawcett Columbine.
• Buhle, M.J., Buhle, P. (eds.) (1978). The Concise History of Women's Suffrage,
Urbana: University of Illinois Press.
• Bulbeck, Chilla. (1998). Re-Orienting Western Feminisms: Women's Diversity
in a Postcolonial World, New York: Cambridge University Press.
• Butler, Judith. (1990). Gender Trouble: Feminism and the Subversion of
Identity, New Your: Routledge.
• Card, Claudia. (1999). On Feminist Ethics and Politics, Lawrence, KS:
University Press of Kansas.
• Chodorow, N. (1999). The Reproduction of Mothering: Psycholanalysis and
the Sociology of Gender, updated edition, Berkeley: University of Calfornia
Press.
• Confessore, N.and D. Hakim. (2009). “Paterson picks Gillibrand for Senate
seat”.NYTimes.com, January 23, URL =
<http://www.nytimes.com/2009/01/24/nyregion/24senator.html?pagewant
ed=2&_r=1>.
• Copjec, Joan. (2002). Imagine There's No Woman: Ethics and Sublimation,
Cambridge, MA: MIT Press.
• Daly, M. (1978). Gyn/ecology: The Metaethics of Radical Feminism, Boston:
Beacon Press.

Copyright 2017 © ‫حكمة‬ 31


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

• ––– (1984). Pure Lust: Elemental Feminist Philosophy, Boston: Beacon Press.
• de Beauvoir, S. (1952). The Second Sex, Toronto: Vintage Books.
• Donovan, Josephine. (2003). Feminist Theory: The Intellectual Traditions, 3rd
ed., New York: Continuum.
• ––– (1990). “Animal Rights and Feminist Theory”. Signs, 15 (2): 370-375.
• Donovan, Josephine and Carol Adams. (2007). Feminist Care Tradition in
Animal Ethics: A Reader, New York: Columbia University Press, 1-20.
• Eisenstein, Z. (1981). The Radical Future of Liberal Feminism, Boston, MA:
Northeastern University Press.
• Firestone, S. (1970). The Dialectic of Sex, New York: Bantam Books.
• Friedan, B. (1997). Feminist Mystique, New York: W.W. Norton & Company.
• ––– (1998). The Second Stage, Cambridge, MA: Harvard University Press.
• Frye. M. (1991). “A response to Lesbian Ethics: Why ethics?” In C. Card
(ed.), Feminist Ethics, Lawrence, Kans.: University Press of Kansas, 52-59.
• Gilligan, C. (1982) In A Different Voice: Psychological Theory and Women's
Development, Cambridge, MA: Harvard University Press.
• ––– and D.A.J. Richards (2008). The Deepening Darkness: Patriarchy,
Resistance, and Democracy's Future, Cambridge, MA: Harvard University
Press.
• Gilman, C.P. (1979). Herland: A Lost Feminist Utopian Novel, New York:
Pantheon.
• ––– (1966). Women and Economics, New York: Harper and Row.
• Hanigsberg, Julia E. and Sara Ruddick, (eds.), (1999). Mother Troubles:
Rethinking Contemporary Maternal Dilemmas, Boston: Beacon Press.
• Held, V. (1983). “The obligations of mothers and fathers”. In J. Trebilcot
(ed.) Mothering: Essays in Feminist Theory, Totowa, NJ: Rowman and
Allanheld, 9-20.
• ––– (1987). “Feminism and moral theory”. In E. Kittay and D. Meyers
(eds.), Women and Moral Theory, Savage, Md.: Rowman and Littlefield.
• ––– (1993). Feminist Morality: Transforming Culture, Society, and Politics,
Chicago: University of Chicago Press.
• ––– (ed.), (1995). Justice and Care: Essential Readings in Feminist Ethics,
Boulder, CO: Westview Press.

Copyright 2017 © ‫حكمة‬ 32


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

• ––– (2006). The Ethics of Care: Personal, Political, and Global, Oxford: Oxford
University Press.
• Heywood, Leslie and Jennifer Drake, (eds.), (1997). Third Wave Agenda: Being
Feminist, Doing Feminism, Minneapolis: University of Minnesota Press.
• Hoagland, S.L. (1988). Lesbian Ethics, Palo Alto, Calif.: Institute of Lesbian
Studies.
• Howard, Judith A. and Carolyn Allen. (2000). Feminisms at a Millennium,
Chicago: The University of Chicago Press.
• Jaggar, A.M. (1983). Feminist Politics and Human Nature, Totowa, NJ.:
Allenheld.
• ––– (1991). “Feminist ethics: Projects, problems, prospects”. In C. Card
(ed.), Feminist Ethics, Lawrence, KS: University Press of Kansas.
• ––– (1992). “Feminist ethics”. In L. Becker and C. Becker (eds.), Encyclopedia
of Ethics, New York: Garland Press, 363-364.
• ––– (1994). Living with Contradictions: Controversies in Feminist Social Ethics,
Boulder, CO: Westview Press.
• King, Y.(1995). “Engendering a peaceful planet: ecology, economy, and
ecofeminism in contemporary context”. Women's Studies Quarterly, 23: 15-
25.
• Kittay, E. F. (1999). Love's Labor: Essays on Women, Equality, and
Dependency, New York: Routledge.
• ––– and E.K. Feder (2003). The Subject of Care: Feminist Perspectives on
Dependency, Lanham, MD: Rowman & Littlefield.
• Kohlberg, L. (1971). “From is to ought: How to commit the naturalistic fallacy
and get away with it in the study of moral development”. In T. Mischel
(ed.), Cognitive Development and Epistemology, New York: Academic Press,
151-235.
• Kourany, J., Sterba, P., and Tong, R. (eds.), (1987). Feminist Philosophies:
Problems, Theories, and Applications, Englewood Cliffs, NJ.: Prentice Hall.
• Lindemann, Hilde, Marian Verkerk, and Margaret Urban
Walker.(2009). Naturalized Bioethics: Toward Responsible Knowing and
Practice, Cambridge, MA: Cambridge University Press.
• Lugones, M. (1987) “Playfulness, ‘world’-traveling, and loving
perception”. Hypatia, 2: 3-19.

Copyright 2017 © ‫حكمة‬ 33


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

• Lugones, M. and Spelman, M. (1983). “Have we got a theory for you! Feminist
theory, cultural imperialism, and the demand for ‘the woman's
voice’”. Women's Studies International Forum, 6(6): 573-581.
• Maher, K.(2008). “Campaign '08: Obama puts spotlight on women's pay
gap”. The Wall Street Journal, September 25: A15.
• Mero, J. (2008). “The myths or catching-up development”. In M. Mies and V.
Shiva(eds.), Ecofeminism, Chicago: University of Chicago Press. 125: 55-69.
• Mies, M. and Shiva, N. (1993). “Fortune 500 women CEOs”. In Fortune, URL =
<http://money.cnn.com/galleries/2008/fortune/0804/gallery.500_women_ce
os.fortune/>.
• Mill, J.S. (1970). “The subjection of women”. In A.S. Rossi (ed.), Essays on Sex
Equality, Chicago: University of Chicago Press. 123-242.
• Millet, K. (1970). Sexual Politics, Garden City, NY: Doubleday.
• Mitchell, J. and S.K. Mishra (2000). Psychoanalysis and Feminism: A Radical
Reassessment of Freudian Psychoanalysis, New York: Basic Books.
• Mullet, S. (1988). “Shifting perspectives: A new approach to ethics”. In L.
Code, S. Mullet, and C. Overall (eds.), Feminist Perspectives: Philosophical
Essays on Method and Morals, Toronto: University of Toronto Press.
• Narayan, U. (1997). Decentering the Center: Philosophy for a Multicultural,
Postcolonial, and Feminist World, Bloomington, IN: Indiana University Press.
• ––– and S. Harding(2000). The Subject of Care: Feminist Perspectives on
Dependency, Lanham, MD: Rowman & Littlefield.
• Noddings, N. (1984). Caring: A Feminine Approach to Ethics and Moral
Education, Berkeley: University of California Press.
• ––– (2002). Starting at Home: Caring and Social Policy, Berkeley, CA.:
University of California Press.
• ––– (1989). Women and Evil, Berkeley, CA.: University of California Press.
• Nussbaum, Martha. (1999). “The Feminist Critique of Liberalism”. In A.
Jeffries (ed.), Women's Voices, Women's Rights: Oxford Amnesty Lectures,
The Oxford Amnesty Lecture Series. Boulder, CO: Westview Press.
• ––– (2003). “Capabilities and Functional Entitlements: Sen and Social
Justice”. Feminist Economics, 9 (2-3): 33-59.
• Puka, B. (1991). “Interpretives Experiments: Probing the Care-Justice Debate
in Moral Development”. Human Development, 34: 61-80.
• Regan, Tom. (1983). The Case for Animal Rights, Berkeley, Calif.:University of
California Press.

Copyright 2017 © ‫حكمة‬ 34


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

• Rich, Adrienne. (1970). Of Woman Born, New York: Norton.


• Robinson, F. (1999). Globalizing Care: Toward a Politics of Peace, Boston, MA:
Beacon Press.
• Ruddick, S. (1983). “Maternal thinking”. In J. Trebilcot (ed.), Mothering:
Essays in Feminist Theory, Totowa, NJ: Rowman and Allanheld, 213-30.
• ––– (1989). Maternal Thinking: Toward a Politics of Peace, New York:
Ballantine Books.
• Schroedel, J.R. and Peretz, P. (1995). “A Gender Analysis of Policy Formation:
The Case of Fetal Abuse”. In P. Boling (ed.), Expecting Trouble, Boulder, CO.:
Westview Press, 85-108.
• Sher, G. (1987). “Other Voices, Other Rooms? Women's Psychology and
Moral Theory”. In E. Kittay and D. Meyers (eds.), Women and Moral Theory,
Lanham, MD.: Rowman & Littlefield, 178-189.
• Sichel, B.A. (1991). “Different strains and strands: Feminist contributions to
ethical theory”, Newsletter on Feminism, 90 (2): 90.
• Singer, Peter. (1975). Animal Liberation, New York: Harper Collins Books.
• Sterba, James P., (ed.), (2000). Ethics: Classical Western Texts in Feminist and
Multicultural Perspectives, New York: Oxford University Press.
• Taylor Mill, H. (1970). “Enfranchisement of women”. In A.S. Rossi (ed.) Essays
on Sex Equality, Chicago: University of Chicago Press.
• Tong, R. (1993). Feminine and Feminist Ethics, Belmont, Calif.: Wadsworth.
• ––– (2009). Feminist Thought: A More Comprehensive Introduction, 3rd
edition, Boulder, CO: Westview Press.
• Walker, Margaret Urban. (2007). Moral Understandings: A Feminist Study in
Ethics, 2nd ed. New York: Oxford Univerity Press.
• Warren, K.J. (2000). Ecofemnist Philosophy: A Western Perspective on What It
Is and Why It Matters, Lanham, Md: Rowman & Littlefield.
• Wollstonecraft, M. (1988). A Vindication of the Rights of Women, M. Brody
(ed.), London: Penguin.
• Ziarek, Ewa Plonowska. (2001). An Ethics of Dissensus: Postmodernity,
Feminism, and the Politics of Radical Democracy, Stanford, CA: Stanford
University Press.

Copyright 2017 © ‫حكمة‬ 35

You might also like