Professional Documents
Culture Documents
1
المؤلف :جميل حمداوي
العنوان :المعتقدات الدينية عند األمازيغ
الطبعة األولى2017:م
حقوق الطبع محفوظة للمؤلف
2
اإلهـــــداء
3
4
الفهرس
اإلهداء
الفهرس5..........................................................................
المقدمة6..........................................................................
المبحث األول :مفهوم الدين والمعتقد8.......................................
المبحث الثاني :المعتقدات الوثنية عند األمازيغ14.................. ......
المبحث الثالث :األمازيغ والديانة اليهودية21...............................
المبحث الرابع :األمازيغ والديانة المسيحية 25.............................
المبحث الخامس :األمازيغ واإلسالم42......................................
الخاتمة49.........................................................................
ثبت المصادر والمراجع51 ....................................................
5
المقدمة
يتناول هذا الكتاب مجمل المعتقدات واألديان المعروفة عند األمازيغ
قديما وحديثا .وبتعبير آخر ،يعنى هذا المصنف برصد التطور الديني
عند األمازيغ ،بانتقالهم من المعتقدات الوثنية إلى اعتناق األديان
السماوية الثالثة.
ومن المعروف أن الدين جزء من المجتمع ،أو هو بمثابة مؤسسة
مجتمعية كباقي المؤسسات األخرى التي لها دور هام داخل النسق
االجتماعي الوظيفي .ومن ثم ،فالدين له تأثير كبير في المجتمع.كما
للمجتمع تأثيره الخاص في الدين.
إذاً ،هناك عملية تأثير وتأثر متبادلة .ومن ثم ،فالدين هو نتاج الحياة
المجتمعية القائمة على التالحم ،والتضامن ،والتعاون ،والتآزر،
والتسامح ،والتعايش ...وبالتالي ،يعبر الدين عما هو مجتمعي.
عالوة على ذلك ،يعكس الدين -حسب كارل ماركس -الصراع
الطبقي ،والتفاوت االجتماعي ،ويعبر عن استالب اإلنسان واغترابه
وضياعه في مجتمع البؤس والشقاء واالستغالل .بمعنى أن الدين أفيون
الشعوب ،وأداة لتخدير الناس وتكليسهم ،ووسيلة إيديولوجية لدفع
الناس إلى القناعة والرضا واالقتناع بما قسم هللا لهم ،وحثهم على
انتظار اآلخرة حتى يظفروا بما أعد هللا لهم من جزاء ،فيعوضهم عن
مآسي الدنيا ومعاناتها.
ومن جهة أخرى ،يحقق الدين أو المعتقد السعادة النفسية ،واالطمئنان
الروحي ،واالستقرار المجتمعي ،والطمأنينة الوجدانية ،والتوازن بين
ماهو دنيوي وأخروي.
وعليهههه ،فقههههد عهههرف األمههههازيغيون ،فههههي منطقهههة تامازغهههها ،أو ههههمال
أفريقيهها،أو المغههرب الكبيههر ،مجموعههة مههن المعتقههدات والههديانات ،مثههل:
الوثنيههة ،واليهوديههة ،والمسههيحية ،واإلسههالم .وقههد تمثههل األمههازيغ هههذه
6
المعتقدات والديانات عن طريق التأثر بالشعوب المجاورة أو الغازية أو
الفاتحة ،مع التأثير فيها كذلك عقديا ودينيا.
ولم يقف األمازيغ عند حد التأثر فقط ،بهل سهاهموا فهي إثهراء الحركهات
الدينية وإغنائها مع مجموعة مهن الالههوتيين والمفكهرين ورجهال الهدين
األمهههههههههههههازيغيين ،كمههههههههههههها ههههههههههههههو هههههههههههههأن أريهههههههههههههوس )Arius
وأوغيسطينوس) (Augustineعلى سبيل التمثيل ليس إال.
عالوة على ذلك ،فقد كان األمازيغ أكثر تشبثا بعقائهدهم وديانهاتهم أكثهر
مههن الههذين نشههروها ،كمهها هههو الحههال مههع الههديانات السههماوية الههثال :
اليهودية ،والمسيحية ،واإلسالم .
إذاً ،مهها أهههم المعتقههدات الوثنيههة التههي تشههربها األمههازيغيونو ومهها أهههم
الههديانات السههماوية التههي اعتنقوهههاو وكيههف تعههاطوا مههع هههذه المعتقههدات
والدياناتو هذا ماسوف نعرفه في كتابنا هذا.
و نرجو من هللا عز وجل أن يوفقنا في هذا الكتاب المتواضع ،و يسدد
خطانا ،وير دنا إلى ما فيه صالحنا ،ونستغفره عن هفواتنا وكبواتنا
وأخطائنا وزالتنا.
كما نستسمح القراء األفاضل عما في هذا الكتاب من نقص ،وتقصير،
ونسيان ،فالكمال والتمام من صفات سبحانه وتعالى جل أنه وعال،
وما توفيقي إال باهلل.
7
المبحث األول :مفهـــوم الدين والمعتقد
قبل تحديد معتقدات اإلنسان األمازيغي وتوصيفها ،علينا أن نعرف
الدين لغة واصطالحا على النحو التالي:
- 1أنتوني غدنز :علم االجتماع ،ترجمة :فايز الصياغ ،مركز دراسات الوحدة العربية،
بيروت ،لبنان ،الطبعة األولى 2005م ،ص.569:
8
ويعني هذا أن الدين مجموعة من الطقوس والشعائر والعبادات
والممارسات االحتفالية والقربانية ،تحمل في طياتها دالالت رمزية،
تعبر عن ارتباط اإلنسان بخالقه ،سواء أكان هذا الخالق هو هللا المنزه
عند المسلمين ،أم الذات المتعددة عند المسيحيين ،أم خصيات
محترمة ومقدسة كبوذا وكونفشيوس ،أم أوثانا وأصناما وتماثيل ونيرانا
وحيوانات وأحجارا ونباتات كما عند الوثنيين والمجوس والملحدين
والكفار.
ومن جهة أخرى ،يتضمن الدين وظيفة ذاتية ووظيفة اجتماعية .ففيما
يخص الوظيفة األولى ،يغرس الدين في اإلنسان الحب والصفاء
والوفاء واإلخالص وحب هللا ،واحترام المقدس .كما يريحه ذهنيا
ونفسيا ووجدانيا وجسديا.أي :يحقق توازنه الشعوري والال عوري،
ويهبه السعادة العقلية والروحية والبدنية .أما فيما يخص الوظيفة
الثانية ،يدفعه الدين إلى االنصهار في المجتمع ،وخضوعه لقواعده
وعاداته وتقاليده ومعتقداته ،ضمن روابط التضامن وااللتحام والتماسك
االجتماعي.
وعليه " ،يعد الدين مقولة مزعجة لكل من المشرعين وعلماء
االجتماع ،وذلك ألن المفاهيم الدنيوية التتوافق مع تلك غير
الدنيوية.ومن األسباب ذات الصلة بذلك أن الدين يخرق بصورة
جذرية ذلك الفارق القاطع بين الثقافة والطبيعة .يتعامل عالم االجتماع
مع الدين باعتباره ظاهرة ثقافية ،وهذا اليتوافق ورأي معتنقي األديان.
الدين في نظر المسيحي واليهودي والمسلم وغيرهم هبة من الرب،
خالق كل يء.وكلمة دين .بما تحويه من معان ثقافية -إ كالية
بالنسبة إلى العديد من المؤمنين ،حيث يفضلون في األغلب الحديث
عن معتقدهم.وهو ما قد يفسر سبب الرأي الديني والمسيحي المعارض
جدا للمثلية الجنسية :ففي ذلك نقض ليس ألوامر الرب فحسب ،بل
كذلك للنظام الطبيعي الذي وضعه.ويمكن مقارنة هذا بتعامل اإلسالم
مع االرتداد عن الدين اإلسالمي -فهو إثم اليغتفر .فعندما يعتنق الفرد
9
اإلسالم اليقال إنه تحول إلى اإلسالم ،بل عاد إلى اإلسالم ،وهذا ألن
2
المنظور اإلسالمي يرى أن فطرة المرء هي اإلسالم".
وبناء على ما سبق ،يتبين لنا أن ما يميز الدين هو الطابع الطقوسي
الجماعي ،واستعمال وسائط سلوكية أو عورية أو ال عورية .وفي
هذا ،يقول أنتوني غدنز ":)A.Giddensكما أن ثمة تنوعا كبيرا في
ممارسة الطقوس المرتبطة بالدين.وقد تتضمن هذه الشعائر أنماطا
سلوكية أو عورية مثل :الصالة ،والقراءة ،والترتيل ،أو الغناء ،أو
الحركة الجسمانية؛ أو تناول أطعمة معينة؛ أو االمتناع عنها في أوقات
محددة .وربما تكتسب بعض هذه العناصر والشعائر طابع السلوك
الفردي الشخصي الذي قد يقوم به المرء بمفرده.غير أن ثمة إجماعا
بين العلماء االجتماعيين على أن السلوك االحتفالي الجمعي هو من
أبرز خصائص المعتقدات الدينية التي تميزه عن ممارسات أخرى مثل
السحر.ويرى واحد من أبرز علماء االجتماع واألنتروبولوجيا
المحدثين مالينوفسكي 3)1982 / Malinowskiإلى أن الجماعة في
مجتمع التروبرياند البدائي في المحيط الهادي تقيم مثل هذه الطقوس
الجماعية بصورة به دينية قبل أن يغادر أحد القوارب الشاطىء
محمال بأبناء القبيلة في رحلة محفوفة بالمخاطر.لكنهم اليقيمون مثل
هذه الشعائر الجمعية إذا ما ركب أحدهم زورقه الصغير لصيد
4
السمك".
وإذا كانت المجتمعات الحديثة ،والسيما العلمانية منها ،التعطي أهمية
تذكر للدين ،فإن المجتمعات التقليدية اليمكن أن تعيش بدون الدين .لذا،
فهي تقدس زعماءها وأولياءها وكهنتها ورهبانها وأحبارها .وفي هذا،
يقول غدنز ":ويمثل الدين في المجتمعات التقليدية محورا مركزيا في
والنشر، - 2جون سكوت :علم االجتماع ،المفاهيم األساسية ،الشبكة العربية لألبحا
بيروت ،لبنان ،الطبعة الثانية 2013م ،ص.207:
3
-Malinowski: Magic, science and religion, and other essays,
London. Souvenir Press, 1982.
- 4أنتوني غدنز :علم االجتماع ،ص.570:
10
حياة الناس.وكثيرا ما تندمج الرموز الدينية والطقسية ،وتتغلغل في
تضاعيف الحياة العادية والروحية والثقافية والفنية في المجتمعات
التقليدية ،وإلى حد أقل في المجتمعات الحديثة .وقد تتراوح الرموز
والزعامات الممثلة لالنتماء الديني بين القيادات المعروفة على الصعيد
العام في الحياة المعاصرة من جهة ،ومفهوم الولي أو الشامان أو
الكاهن القديم الذي كان ائعا في المجتمعات البدائية والتقليدية بوصفه،
بحسب المزاعم التي تبرر وجوده وممارساته ،قادرا على التوسط بين
5
الناس وقوى سحرية فوقية".
ومن هنا ،فالدين ضرورة اجتماعية وسيكولوجية وميتافيزيقية ،يقدم
إجابات وافية عن أسئلة ماورائية ومجتمعية محيرة ومثيرة ومقلقة،
مثل :األلم ،والحياة ،والموت ،والبعث ،والجزاء...
ويعني هذا أن الدين عبارة عن إجابات نسقية املة وكلية حول
الوجود ،وهللا ،واإلنسان ،والمعرفة ،والعالم ،واألخالق ،والمصير،
والعدالة...
وأكثر من هذا ،فالدين هو الذي يحقق السعادة النسبية أو المطلقة
لإلنسان .ومن هنا ،فاهلل فكرة نافعة لإلنسان حسب فولتير .)Voltaire
وإن كان سارتر ) (Sartreيرى ،عكس ذلك ،أن هللا فكرة مضرة.
أضف إلى ذلك أن الدين هو مصدر المعارف والحقائق الدنيوية
والكونية ،ومرجع أنطولوجي إلنية اإلنسان ووجوده في عالقة بذاته،
أو بالعالم الذي يوجد فيه ،أو في عالقته الجوانية باهلل أو الصنم الذي
يعبده ويقدسه أو يتقرب إليه .كما يتضمن الدين حقائق معرفية حسية
وعقلية وخارقة .ويحوي قيما أخالقية مثلى تتحقق بها الفضيلة والكمال
والسعادة القصوى.
إذاً ،فالدين هو تفسير امل للعالم ،وإجابة عن مختلف مشاكل اإلنسان
وهمومه ،وما يؤرقه من أسئلة واقعية ،وغيبية ،وميتافيزيقية ،ودينية،
11
وعقائدية ،وتشريعية...كما يوطد الدين العالقات البشرية األخوية
والمجتمعية ،ويعطي معنى للحياة...
ويرى السوسيولوجي الفرنسي إيف المبير ( )Yves Lambertأن
الدين ينبني على ثالثة معايير أساسية هي:
يميز الدين بين واقع تجريبي دنيوي حسي يمكن مقاربته علميا،
وواقع غيبي وأخروي متعال عن اإلنسان ،اليمكن إدراكه بالعقل
والحواس والتجربة؛ ألنه يتجاوز نطاق الطبيعة وقدرات اإلنسان
العقلية المحدودة؛
❖ تتحقق التجربة الدينية بتواجد اإلنسان في عالقة مع هللا ،أو مع
العوالم المتعالية .وتتأكد هذه التجربة الروحية عبر مجموعة من
الوساطات الرمزية الصالة ،والقراءة ،والترتيل ،والتضحية ،والتقليد،
والعادات ،والفداء ،والقربان ،إلخ)؛
الدين عبارة عن طقوس جماعية أو نظام من المعتقدات
والممارسات المرتبطة بعوالم غيبية متعالية عن اإلنسان ،تمارس عبر
وسائط رمزية للتقرب من هللا أو المعبود الذي يختاره اإلنسان حسب
معتقده الديني.6
هذا ،ويستند التفكير الديني إلى مجموعة من المبادئ والمرتكزات
واألفكار النظرية التي يمكن حصرها فيما يلي:
فكرة الربوبية.أي :االعتقاد بوجود إله أو رب واحد سرمدي،
ومطلق الكمال؛
❖ فكرة بدء الخلق ،ويعني هذا أن هللا خلق جميع الموجودات التي
توجد في هذا العالم ،وهذه الموجودات خلقت من عدم؛
فكرة الوحي التي مفادها أن الحقائق التي جاء بها األنبياء والرسل
هي حقائق يقينية وصادقة ،اليمكن التشكيك أو الطعن فيها؛
6
- Yves Lambert :La naissance des religions : De la préhistoire
aux religions universalistes, Armand Colin, 2007 ; Dieu change
en Bretagne : La religion à Limerzel de 1900 à nos jours, Cerf,
1985.
12
فكرة اإليمان القائمة على تلك العالقة الخالصة والصادقة التي
تربط العبد باهلل ،ومركز اإليمان هو القلب ال العقل؛
الدين عقيدة وشريعة :يعني هذا أن الدين اعتقاد وعمل ،إيمان
وسلوك ،وربط وثيق بين النظري والعملي؛
الدين بناء وعمران وتطور للمجتمع .ويعني هذا أن هللا خلق
اإلنسان ليعمر الكون ،ويستخلفه فيه من أجل البناء والتنمية وتحقيق
التقدم واالزدهار؛
فكرة الوسطية :ينبني الدين الحق على الوسطية واالعتدال ،ونبذ
التشدد والتطرف والكراهية والمبالغة ،والسعي من أجل الحق والعدالة
وعدم مجانبة الصواب؛
فكرة التوازن :يستند الدين إلى تحقيق التوازن بين ماهو مادي
وروحاني ،بين ماهو دنيوي وأخروي؛
فكرة اإلنسانية :ويعني هذا أن الدين عقيدة إنسانية لخدمة اإلنسان
أينما حل وارتحل.
وخالصة القول ،فالدين مفهوم معقد وغامض ،يطرح إ كاليات
عويصة في مختلف المجاالت المعرفية والعلمية .ومن ثم ،يمكن القول:
إن الدين عبارة عن نسق من المعتقدات والممارسات والمشاعر
الروحية واالحتفاالت الطقوسية والتراتيل التي يلتجئ إليها اإلنسان ،إما
للتقرب من المعبود لنيل رضاه وبركته وعطفه ،وإما لتحقيق أمنياته
وأغراضه ومآربه ،وإما لقضاء حاجياته المادية والمعنوية.
ويمكن الحديث عن أنواع عدة من الدين التي يمكن حصرها في ما
يلي:
الدين الطوطمي الذي يتخذ طابع السحر والخرافة والشعوذة ،ويعبر
عن رغبات نفسية مكبوتة أو رغبات اجتماعية محرومة.
❖الدين اإلحيائي الذي يجعل المخلوقات الغيبية واألخروية تعيش مع
اإلنسان وتحيا معه.
13
الدين الشخوصي الذي يرتبط بعبادة األ خاص والتبرك بهم ،مثل:
تقديس الشخصيات العامة البارزة ،أو تقديس الحكماء والقديسين
والشيوخ....
الدين األخالقي المرتبط بالكونفو يوسية والبوذية والطاوية .بيد أن
هذه الديانات خاضعة للنسق القيمي أو األخالقي .أي :هدفها هو تعليم
الناس األخالق النبيلة والفضائل المثلى.
الدين األيقوني الذي يعتمد على التماثيل واألصنام واألوثان ،
وتدخل فيه المعبودات الحجرية والحيوانية والنباتية والحديدية.
الدين الربوبي الذي يتعلق بالرب أو اإلله.
الدين المدني الذي يتعلق بتقديس الشخصيات المدنية ورؤساء
الدولة ،واالحتفاء بالزعماء والمنتصرين والضحايا ،وخاصة في
الديمقراطيات الغربية أو الدول المستبدة...
14
المبحث الثاني :المعتقدات الوثنية عند األمازيغ
من األكيد والثابهت أن لألمهازيغيين ،مثهل الشهعوب البدائيهة ،معتقهداتهم
الدينيههة والوثنيههة الخاصههة بهههم ،فقههد كانههت طقوسهههم السههحرية تعبههر عههن
تفكيرهم األسطوري الساذج الذي ارتهبط بالطبيعهة ارتباطها وثيقها ،يقهوم
علهههى اإلحيائيهههة واألنسهههنة والتجسهههيد .بمعنهههى أن اإلنسهههان األمهههازيغي
أسطوري منذ تواجهده علهى األرض .وفهي ههذا الصهدد ،يحصهر دوطهي
)Doutéوثنية األمازيغيين فهي اهتمهامهم الكبيهر بهالطقوس والقهرابين
المقدسهة بقولههه ":ففههي الحهين الههذي تتغيههر فيهه المعتقههدات ،يظههل الطقههس
باقيا ً كتلك المحارات المستحثة للرخويات المنقرضة التي تساعدنا علهى
تحديههد العصههور الجيولوجيههة .إن بقههاء الطقههس و ثباتههه هههو علههة البقههاء
7
والرواسب التي نصادفها في كل مكان «
إذاً ،كههان اإلنسههان األمههازيغي إنسههانا طقسههيا ،يمههارس ههعائره الدينيههة
األسهههطورية عبهههر فعهههل الطقهههس والسهههحر والقربهههان ،واإليمهههان بهههالجن
والقههوى الخارقههة ،وعبههادة الحيوانههات وقههوى الطبيعههة المختلفههة كبههاقي
الشههعوب البدائيههة األخههرى .وفههي هههذا السههياق ،يقههول الباحههث اإلسههباني
غريلي ": )Ghriliإن كل تلك المعتقهدات التهي تبناهها البربرتباعهاً ،لهم
تههتمكن مههن تحطههيم العمههق الههديني البههدائي البربههري ،أعنههي عبههادة قههوى
الطبيعههة .و عبههادة الجههن المتحكمههين فههي هههذه القههوى ،وطبيعههة المههاء،
والعيههون والنهههار...إلخ ،والممارسهههات السهههحرية التهههي ال زالهههت سهههارية
8
االستعمال إلى اآلن".
- 7إد موند دوطي :السحر و الدين في أفريقيا الشمالية ،ترجمة :فريد الزاهي ،
منشورات مرسم ،مطبعة بورقراق الرباط، 2008،ص.415:
- 8أنجلوغريلي :أسلمة وتعريب بربر شمال المغرب ،ترجمة عبد العزيز
هبر،منشورات وزارة الثقافة ،مطبعة دار المناهل ،الرباط،2009،ص.200 :
15
ويرى هيهرودوت )Hérodoteأن " جميهع الليبيهين يقهدمون القهرابين
9
للشمس والقمر ،وأنه للشمس والقمر وحدهما يقدمون القرابين"
وقههد عبههد األمههازيغيون العناصههر الطبيعيههة ،مثههل :السههماء ،والشههمس،
والقمر ،والنهار ،والبحهر ،والجبهال ،والكههوف ،والغابهات ،واألحهرا ،
والوديان ،واألنهار ،واألحجار ،واألصنام ،واآلثهار المقدسهة كلهها ،كمها
كانوا يأكلون الخنازير ،ويشربون دماء الحيوانات المقدسة متأثرين فهي
ذلك بالديانات المصرية القديمة.
ويقول ليون األفريقي في كتابه وصف أفريقيا) بأن األمازيغ األفارقة،
في الزمن القديم ،كانوا" وثنيين على غرار الفرس الهذين يعبهدون النهار
والشهمس ،ويتخهذون لعبادتهمهها معابهد جميلههة مزخرفهة توقههد داخلهها نههار
تحرس ليل نهار حتهى التنطفهىء ،كمها كهان يفعهل ذلهك فهي معبهد اإللههة
فيسههتا) عنههد الرومان.ذلههك ماالتفتههأ تههواريخ األفارقههة والفههرس تتحههد
عنههه.ومن المعلههوم أن أفارقههة نوميههديا وليبيهها كههانوا يعبههدون الكواكههب،
ويقربهههون إليهههها القهههرابين ،وأن بعهههض األفارقهههة السهههود كهههانوا يعبهههدون
كيغمو) ،ومعناه في لغتهم رب السماء .وقد أحسوا بهذا الشعور الحسن
10
دون أن يهديهم إليه أي نبي أو عالم".
كمهها يشههير إبههراهيم حركههات إلههى هههذه المعتقههدات الروحيههة الطقوسههية
بقوله ":وفيما يخص المعتقدات الدينية ،فإن السكان قد لجأوا إلى تعظيم
ظواهر الطبيعة منذ القدم ،حتى إذا ما دخلوا في طور المدنية الزراعيهة
عملوا على حماية مزارعهم وموا يهم بالوسهائل الروحيهة التهي اهتهدوا
إليههها ،ودخههل الخههوف مههن الجههن قلههوبهم فههي هههذه الفتههرة ،فظنههوهم فههي
األ ههجار والكهههوف واألحجههار التههي اسههتمر تقديسههها إلههى زمههن متههأخر.
وزعهههم بعهههض المهههؤرخين الفرنسهههيين أن االعتقهههاد فهههي بركهههة بعهههض
األ هههخاص أثهههر مهههن آثهههار ههههذا الماضهههي السهههحيق لهههم تسهههتطع الديانهههة
- 9اصطيفان اكصيل :تاريخ شمال أفريقيا القديم ،ترجمة :محمد التازي سعود ،الجزء
األول ،مطبعة المعارف الجديدة ،الرباط ،المغرب ،الطبعة األولى 2007م ،ص.209:
- 10ليون األفريقي :وصف أفريقيا ،ترجمة :محمد حجي ومحمد األخضر ،دار الغرب
اإلسالمي ،بيروت ،لبنان ،الطبعة الثانية 1983م ،ص.67:
16
المسيحية وال اإلسالمية القضاء عليه في هذه المناطق ،مهع أن االعتقهاد
فههي بركههة القديسههين المسههيحيين مههايزال راسههخا فههي أذهههان كثيههر مههن
النصارى الذين يقطنون أرقهى بهالد العهالم وأكثرهها ارتباطها بالحضهارة
11
المادية".
ومههادام األمههازيغ يسههكنون منطقههة تامازغهها ،أو مهها يسههمى أيضهها بشههمال
أفريقيهها المحاذيههة للبحههر األبههيض المتوسههط ،فقههد كههان مههن الطبيعههي أن
يتشربوا معتقدات الشعوب المجاورة لهم تأثرا وتأثيرا .لذا ،فقهد تهأثروا
بالمعتقههدات الفارسههية ،والفينيقيههة ،والمصههرية ،واليونانيههة ،والرومانيههة،
واأليبيريههة ،والصههقلية .كمهها أثههر األمههازيغيون ،بههدورهم ،فههي الشههعوب
المجاورة من حيث المعتقد والهدين والطقهس .وكانهت عالقهة األمهازيغي
باليونههان وثيقههة جههدا ،فقههد عبههد اإلغريههق اإللههه بوصههيدون ،وهههو إلههه
أمهههازيغي محهههض .وفهههي ههههذا ،يقهههول هيهههرودوت ":لقهههد جهههاءت أسهههماء
األرباب كلها تقريبا من مصر إلى بهالد اليونان.أمها أن ههذه األسهماء قهد
جاءتنا بالفعل كلها من الخارج ،فهذه قضية وصهلت إلهى معرفتهها أثنهاء
بحثههي .وأعتقههد أنههها جههاءت مههن مصههر علههى الخصههوص؛ فههإذا اسههتثنينا
اسههمي بوصههيدون) و الههدير سههكوري) ،12فههإن أسههماء هيههرا وهيسههتا
وثميس وكهارتييس ونيريهد وجهدت دائمها فهي مصهر ومنهذ القهديم.وهنا،
أعيههد هنهها مهها يقولههه المصههريون أنفسهههم.ويبدو لههي أن البالسههجيين 13هههم
الذين أطلقوا هذه األسماء على هذه األرباب التي يعلن المصريون عهدم
معرفتها بهها إال الهرب بوصهيدون الهذي اقتبسهه اليونهانيون عهن الليبيهين
األمازيغ) ،ألن اسم الرب بوصيدون لهم يكهن موجهودا ،ومنهذ البدايهة ،
- 11إبراهيم حركات :المغرب عبر التاريخ ،الجزء األول ،دار الر اد الحديثة ،الدار
البيضاء ،المغرب ،الطبعة األولى سنة 2009م ،ص.16:
- 12الديرسكوري :هما كاستور وبوليديكس من أبناء زيوس وزوجته ليدا.
- 13البالسجيون هم أقدم عب سكن أرض هيالس ،قبل أن يغزوها الهيلينيون أبناء
هيالس).
17
عنهههد أي هههعب مهههن الشهههعوب غيهههر الليبيهههين الهههذين ظلهههوا علهههى الهههدوام
يعظمون هذا الرب"14.
كما تأثر األمازيغيون بالديانة المصرية ،فقد عبدوا معبوداتهم ،والسيما
الربة المصرية إيزيس.لذا ،فقد كانوا يحرمون أكل لحهم البقهرة ،وتربيهة
الخنازير احتراما لهذه الربة .وفي هذا السياق ،يقول هيهرودوت ":فمهن
مصههر علههى بحيههرة تريطونيههوس يعههيش الليبيههون الرحههل الههذين يههأكلون
اللحم ،ويشربون اللبن .وللسبب نفسه الذي دفع المصريين إلى االمتنهاع
عن أكل لحم البقرة ،واالمتناع عهن تربيهة الخنهازير؛ فهالليبيون بهدورهم
يعرضههون عههن لحههم البقههرة وعههن تربيههة الخنههازير .بههل إن نسههاء قورينههة
يعتبرون أكل لحم البقرة نوعا من اإلثم احتراما إليزيس الربة المصرية
التي يكرمنها بالصيام واالحتفاالت .كذلك تمتنع نساء برقة عن أكل لحم
15
البقرة والخنزير بسواء".
وقد عبدوا أيضا ديانة المجوس ،كما قال ابهن خلهدون فهي كتابهه ديهوان
المبتهههدإ والخبهههر) ":وكهههان ديهههنهم ديهههن المجوسهههية هههأن األعهههاجم كلههههم
بالمشرق والمغرب إال في بعض األحايين يدينون بدين من غلب عليهم
من األمم.فإن األمم أهل الدول العظيمة كانوا يتغلبون عليهم ،فقد غزتهم
ملوك اليمن ...مرارا على ما ذكر مؤرخوهم ،فاستكانوا لغلبهم ،ودانوا
16
بدينهم".
وقد تأثروا كذلك بالفينيقيين حين االحتكاك بهم في قرطاجنة ،وقد كهانوا
يشكلون معا مجتمعا واحدا ،وكانت لهم ديانة واحدة ومعتقدات وعادات
وأعههههراف واحههههدة .وفههههي هههههذا الصههههدد ،يقههههول محمههههد محيههههي الههههدين
18
المشرفي":هذا ،ولم يحذ المغاربة حذو القرطاجنيين في الشؤون المادية
واالقتصههادية فحسههب ،بههل اقتفههوا آثههارهم فههي سههائر الميههادين األخههرى،
فأخذوا عنهم ماكانوا يتحلون به من أخالق ،وقلدوهم حتى فهي وثنيهتهم،
فجعلوا يعبدون الكبش عمون) ،كما كان يعبده القرطاجنيون من قهبلهم،
قلدوهم في كهل هيء ،وأخهذوا عهنهم كهل هيء حتهى كهادت أن تبهتلعهم
17
تلك الحياة الجديدة".
وقد عبدوا أيضا معبودات فنيقيا في قرطاجنة ،مثل :بعل وتانيت .وفهي
هههذا الصههدد ،يقههول اصههطيفان اكصههيل ":)Stéphane Gsellكههان
المعبههودان األكبههران للقرطههاجنيين همهها بع هل حمههون وتانيههت بنههي بعههل
اللههذان يظهههران أن أولهمهها كههان إلههه الشههمس ،بينمهها كانههت الثانيههة إلهههة
قمرية.وقد اختلط لدى األهالي بعل حمون بأمون ،...ولكهن لهيس هنهاك
مايؤكد أن بعل حمون هذا ،الذي ورد من فينيقيا ،لم يصهبح إلهها مسهيا
إال بعد طروئه على مال أفريقيا.كما أنه يستحيل تأكيد كون تانيت بني
بعل قد تحولت في هذه المنطقة إلى إلهة قمرية بعد تقمصها هي إلحدى
الربههات األهليههة ،بههل ربمهها يراودنهها السههؤال عههن عبههادة الشههمس والقمههر
المنتشرة بين الليبيين في عهد هيهرودوت حهوالي وسهط القهرن الخهامس
ق.م ،وهل لم تأتهم من الفينيقيهينو أمها فيمها يتعلهق بهالقمر ،فهإن الوثهائق
تعوزنا لتبديد كوكنا.
وليس األمر كذلك فيما يخص الشمس ،إذ هناك أسباب قوية تجعلنا نقبل
أن عبههادة هههذا الكوكههب بههأرض المغههارب قههد سههبقت توطيههد االسههتعمار
18
الفينيقي".
وقههد تههأثر أهههل تامازغهها بالرومههان كههذلك عنههدما غههزوا ههمال أفريقيهها
واحتلوها ،وجعلوها مقاطعة استعمارية تابعهة لههم ،فقهد تمثهل األمهازيغ
معتقههههداتهم وديانههههاتهم .كمهههها تههههأثروا ،بشههههكل مههههن األ ههههكال ،بههههديانات
- 17محمد محيي الدين المشرفي :أفريقيا الشمالية في العصر القديم ،دار الكتب
العربية ،الطبعة الرابعة سنة 1969م ،ص.46:
- 18اصطيفان اكصيل :تاريخ شمال أفريقيا القديم ،ص.210:
19
البيزنطيين والوندال.و بعد ذلهك ،تهأثروا بالديانهة اإلسهالمية ،وصهارت
هي ديانتهم الوحيدة إلى يومنا هذا.
20
المبحث الثالث :األمازيغ والديانة اليهودية
كانهت الديانهة اليهوديهة أولهى ديانههة سهماوية تعهرف إليهها األمهازيغ ،بعههد
مرحلههة الوثنيههة والطقههوس وعبههادة مظههاهر الطبيعههة .وقههد اعتنقههوا هههذه
الديانههة طههوال سههنين عديههدة .19ومههن بههاب العلههم ،فقههد هههاجر اليهههود إلههى
تامازغا في القرن الثالث قبهل مهيالد المسهيح ،بعهد خهراب أور هليم مهن
قبل الحاكم تيتوس في السنة السبعين .كما هاجروا إلى منطقهة تامازغها
مع هجرة الفنيقيين إليها بغية تحقيق أغراض سياسهية واقتصهادية .وفهي
هذا الصدد ،يقول علي محمد محمهد الصهالبي " اليخفهى أن تواجهد ههذا
العنصر في العصور األولى كان ضئيال جدا ،وسبب تواجده في منطقة
الشههمال األفريقههي كههان لعههدة أسههباب منههها :سههبب سياسههي :وهههو حههب
السيطرة ،وتوسيع نفوذهم في أرجاء المعمورة.وسبب اقتصهادي :حيهث
كههان الشههمال األفريقههي يههنعم بخيههرات البههر والبحر.كههل هههذه األسههباب
والدوافع مجتمعة كانت وراء مجهيء العنصهر اليههودي للمنطقهة ،حيهث
وصلوا على هيئة جماعات صغيرة عن طريق الفينيقيين قبهل وصهولهم
األخير إلى بالد المغرب أيام الرومان"20.
ويقههرر ذلههك أيضهها األسههتاذ محمههد ههيت خطههاب بقولههه ":وجههد العههرب-
المسههلمون -أيههام الفههتح جماعههات مههن يهههود فههي أفريقيههة ،ويههرى بعههض
الكتاب أن األفكار اليهودية بدأت تعرف طريقها إلهى الهبالد عهن طريهق
الفينيقيين ،وذلك قبهل أن تههاجر جماعهات مهن يههود إلهى المغهرب علهى
أيههام الرومههان ،وقههد عمههل هههؤالء المهههاجرون علههى نشههر اليهوديههة بههين
21
بعض قبائل البربر".
21
ومههن الصههعب معرفههة تههاريخ اليهههود فههي ههمال أفريقيهها بشههكل دقيههق
وواضح .فهناك اختالفات حادة بين المؤرخين حول استقرار اليهود في
هذه المنطقة .وقد استقروا بكثرة فهي مدينهة قرطاجنهة ،وعهددهم حهوالي
ثالثههين ألفهها .ولههم يههأتوا فقههط مههن أور ههليم ،بههل أتههوا أيضهها مههن اليونههان
وإيطاليهها ،وتكههاثرت أعههدادهم مههع غههزو الرومههان لهههذه المنطقههة الغنيههة
بثرواتها .وقد استقر اليهود كذلك في تونس ،والجزائر ،وموريطانيا ،
والمغههرب وليلههي وسههال القديمههة) .وقههد انصهههر اليهههود فههي المجتمههع
األمازيغي ،وتمثلوا لغتهم وعاداتهم وتقاليدهم ،وسكنوا جبالهم وسهولهم
وبواديهم ومدنهم .وقد استقر اليهود أيضها فهي مصهر خاصهة فهي مدينهة
اإلسكندرية.
والههدليل علههى وجههود اليهههود بكثههرة فههي مجتمههع تامازغهها أن تههارتولي قههد
كتههب كتابهها الهوتيهها سههجاليا يههرد فيههه علههى معتقههدات اليهههود ،فيههذكر
انحرافاتهم الدينية .وقهد كتهب أوغسهتان كهذلك كتابها مختصهرا يهرد فيهه
على اليهود الذين كانوا يستقرون في قسنطينة وتوات خصوصا.
وحينمهها دخههل الفههاتحون المسههلمون إلههى تامازغهها ،وجههدوا مجموعههة مههن
القبائههههل تههههدين باليهوديههههة كقبيلههههة جههههراوة بههههاألوراس التههههي تقطنههههها
الكاهنة الجزائر) ،وقبائل نفوسهة بتهونس ،ومديونهة ،وغياثهة ،وبهلولهة،
وقندالوة ،وفزاز بالمغرب األقصى .وقد قيل أيضا بأن جنود طارق بهن
زياد األمازيغي كانهت فيهه طائفهة يهوديهة .وفهي ههذا السهياق ،يهرى ابهن
خلدون أن البربر قد " دانوا بدين اليهودية أخذوه عن بني إسرائيل عنهد
استفحال ملكهم ،لقرب الشام وسلطانه منهم كمها كهان جهراوة أههل جبهل
أوراس قبيلة الكاهنة مقتولة العرب ألول الفتح ،وكما كانهت نفوسهة مهن
برابر أفريقية وقندالوة ومديونة وبهلولة وغياتة وبنو فازان من برابهرة
المغههرب األقصههى حتههى محهها إدريههس األكبههر النههاجم بههالمغرب مههن بنههي
22
حسن بن الحسن جميع ما كان في نواحيه من بقايا األديان والملل".
22
ويعنههي هههذا أن اليهههود ،فههي ههمال أفريقيهها ،مههن أصههول بربريههة ،أو
أصههول فلسههطينية ،أو أصههول يونانيههة ،أو أصههول إيطاليههة ،أو أصههول
مصهههرية ،أو أصهههول إسهههبانية .عهههالوة علهههى ذلهههك ،فقهههد كهههان الفهههاتحون
للمغهههرب الكبيهههر تجهههارا مهههن يههههود مهههن الهههيمن ومصهههر ،وقهههد اسهههتقروا
بالقيروان خصوصا ،وكانوا على اليهودية البابلية .وهناك من يقول بأن
اليهود سفارديم هم الذين أصهلهم عهرب وبرابهرة وأوروبيهون هرقيون.
وهناك من يقهول بهأن اليههود كهانوا أقليهة ،وهنهاك مهن يقهول عكهس ذلهك
بأنهم كانوا أكثريهة .وفهي ههذا الصهدد ،يقهول إبهراهيم حركهات ":وكهان
يهود البربر من الذين يحرضون الوثنيين على الثورة ضهد المسهيحيين،
وكههان اليهههود يههدعون للديانههة اليهودية.وقههد كههان مجيههئهم إلههى الشههمال
23
األفريقي في هجرات متقطعة كانت أوالها صحبة الفينيقيين".
والواقع أن اليهود قهد تمكنهوا مهن معايشهة البربهر المسهالمين فهي أجهزاء
كثيرة من المغرب ،بل استطاعوا أيضا أن يجلبهوا إلهى ديهنهم عهددا مهن
البربههر الههذين اليههزال أعقههابهم يعيشههون جنبهها لجنههب مههع المسههلمين فههي
األطلس ،وتافياللهت ،وغيرها.وكهانوا يشهكلون أحيانها دويهالت مسهتقلة،
كما فعلهوا فهي كهورارا همال تهوات؛ حيهث أنشهأوا دويلهة اسهتمرت إلهى
24
نهاية القرن الخامس عشر الميالدي.
وقههد كههان البورغواطيههون ،فههي المغههرب ،يؤمنههون بالديانههة اليهوديههة،
"ويههههذهب نههههاحوم سههههلو )Slouchفههههي مقالههههه عههههن إمبراطوريههههة
بورغواطههة ،ودفههردان )Deverdunفههي كتابههه عههن مههراكش ،إلههى أن
دولة برغواطة كانت يهودية ،ويستندان إلهى بعهض المهؤثرات اليهوديهة
الموجههودة فههي هههذه الديانههة ،مثههل :اسههتعمال يههاكش التههي يرجعانههها إلههى
يو ع اليهودي ،ومثل استعمال الشعر على كل ظفائر باعتبارها عادة
متبعة عند يهود بولندا واليمن ،ومثل تحريم البيض ،واالعتقاد في تأثير
اللعههههاب وهههههي عههههادة عنههههد يهههههود طنجههههة .يضههههاف إلههههى ذلههههك اهتمههههام
23
البرغههواطيين بموسههى ،وتقديمههه علههى عيسههى ،هههذا إلههى جانههب الههرأي
25
القائل بأن مؤسس الديانة أصله يهودي".
ويشير إبراهيم حركات " إلى اآلثهار اليهوديهة فهي ههذه الديانهة موضهحا
أن أسماء السور التي تضمنها قرآن صالح فيها الكثير من أسماء اليهود
أي مايرتبط بهذكريات التهاريخ العبرانهي ،وحتهى أسهماء ملهوك غرناطهة
بينها الكثير من أسماء أنبياء بني إسهرائيل كاليسهع وإليهاس ،وإن كانهت
هههذه األسههماء توجههد فههي إمههارات مغربيههة خارجيههة ،ويضههيف إلههى ذلههك
االنطههالق مههن التنجههيم والكهانههة ممهها ا ههتهر بههه العبراني هون فههي القههديم،
وأصبحت له مكانة بارزة لهدى البرغواطيين.كمها نصهت تعهاليم التهوارة
على قتل السارق ،وتبنى البرغواطيون ههذا الحكهم ورجهم الزانهي رغهم
أنه إسالمي فإنه يتفق مهع الشهريعة الموسهوية.غير إن إبهراهيم حركهات
اليعتبر هذه الديانة يهودية بل تأثرت باليهودية"26.
وعليه ،فقهد اعتنهق األمهازيغيون الديانهة اليهوديهة الموسهوية ألول مهرة،
بعههد أن عبههدوا الطقههوس والوثنيههة والمجوسههية ،بيههد أنهههم سههرعان مهها
سئموا هذه العقيدة المنحرفة ،فانتقلوا إلى الديانة المسيحية األريوسية أو
الكاثوليكية.
24
المبحث الرابع :األمازيغ والديانة المسيحية
عههرف األمههازيغيون المسههيحية مههع دخههول الرومههان إلههى ههمال أفريقيهها
للهيمنة عليهها سياسهيا واجتماعيها واقتصهاديا وثقافيها ،فهاعتنق األمهازيغ
هذه الديانهة الجديهدة ،ورأوا فيهها الخهالص مهن الهذل والعبوديهة والظلهم.
وفههي هههذا الصههدد ،يقههول أحمههد توفيههق المههدني ":ظهههرت بالشههرق أنههوار
الديانهههة المسهههيحية فهههي أول عههههد القياصهههرة ،فاعتنقهههها جهههم غفيهههر مهههن
الرومهههان ،وتسهههربت بواسهههطتهم إلهههى المغهههرب ،وقهههدم مبشهههروها إليهههه؛
فأعجب البربر بهذا الهدين اآلمهر بهاألخوة والمسهاواة ومكهارم األخهالق،
وتسارعوا إلى الدخول في ديهن هللا أفواجها ،وأصهبحت لهه بيهع صهغيرة
في كافة أنحاء البالد المغربية"27.
وكانهههت تامازغههها ،بمههها فيهههها قرطاجنهههة ،تهههؤمن بالمسهههيحية ،بعهههد أن
انتشرت أفكار األريوسيين والدوناتيين من جهة ،وأفكهار أوغسهتان مهن
جهههة أخههرى .وفههي هههذا الصههدد ،يقههول ليههون األفريقههي ":وظههل سههكان
البربر وثنيين مدة من الزمن ،واعتنقوا المسيحية قبل مولهد محمهد عليهه
السهالم بمههائتين وخمسههين سههنة ،ذلههك ألن المنطقهة التههي تقههع فيههها تههونس
وطرابلس كانهت تحهت سهيطرة بعهض أمهراء بهوي وصهقلية ،بينمها كهان
ساحل القيصرية وموريطانيا خاضعا لملهوك القهوط ،وفهي الوقهت نفسهه
أيضهها هههرب عههدد كثيههر مههن األمههراء المسههيحيين أمههام هيجههان القههوط ،
وتركوا بالدهم الجميلة ليسكنوا ضهواحي قرطهاج حيهث كونهوا ألنفسههم
ممتلكات بعد ذلك .ومن المعلوم أن هؤالء المسيحيين كانوا على مذهب
األريوسيين ...ولما جاء العرب ليفتحوا بهالد البربهر وجهدوا المسهيحيين
يملكون هذه المنهاطق ،فحهاربوهم مهرارا وأبهى هللا إال أن يكهون النصهر
- 27أحمد توفيق المدني :قرطاجنة في أربعة عصور ،طبعة تونس1926 ،م ،ص-114:
.117
25
حليف العرب ،فهرب اآلريون الوندال) بعضهم إلهى إيطاليها ،وبعضههم
28
إلى إسبانيا".
بيههد أن األمههازيغ عههانوا الكثيههر بسههبب اعتنههاق الديانههة المسههيحية؛ ألن
الطبقههة الرومانيههة الحاكمههة كانههت تحههارب المسههيحية ،وتعاقههب معتنقيههها
بوحشية وقسوة وصرامة هديدة .عهالوة علهى ذلهك ،فقهد كهانوا " يبثهون
العراقيههل فههي الديانههة المسههيحية؛ فمهها أغنههت عههنهم تلههك العراقيههل ههيئا،
واستفحل أمرها؛ فأخذوا ينكلون بالمعتنقين تنكيال ديدا ،ولم يقفوا أمهام
أي فظاعههههة أو قوة.فكههههانوا يسههههجنون المسههههيحيين سههههواء بإيطاليهههها أو
بالمغرب؛ ثم يجمعون الناس في يوم مشهور بإحدى المالعب الكبيرة ،
ويخرجههون أولئههك التعسههاء رجههاال ونسههاء فههي وسههط الملعههب ،ويطلقههون
عليهم األسود الكاسرة الجائعة؛ فتمزقهم إربا إربا ،وتأكلهم علهى مهرأى
ومسههمع مههن الجمههوع المتفرجههة؛ كههان أولئههك الشهههداء ،هههداء وحشههية
اإلنسان ،يموتون بكل جلد وثبات"29.
ولههم تتوقههف الديانههة المسههيحية فههي امتههدادها الروحههاني والجغرافههي ،بههل
اعتنقههها النههاس ههرقا وغربهها ،فتمثلههها األمههازيغيون؛ ألنههها كانههت سههبيال
للخههالص مههن الضههيم والههذل والعههار ،وسههبيال للتحههرر مههن االسههتغالل
واالستعمار الروماني.
ويقول ابن خلدون " :فكان البربر بأفريقية والمغرب قبل اإلسالم تحهت
ملك الفرنج وعلهى ديهن النصهرانية الهذي اجتمعهوا عليهه مهع الهروم كمها
ذكرناه .حتى إذا كان الفتح وزحهف المسهلمون إلهى أفريقيهة زمهان عمهر
رضي هللا عنهه سهنة تسهع وعشهرين ،وغلهبهم عبهد هللا بهن سهعد بهن أبهي
سههرح مههن بنههي عههامر بههن لههؤي ،فجمههع لهههم جريههر ملههك الفرنجههة يومئههذ
بأفريقية من كهان بأمصهارها مهن الفهرنج والهروم ،ومهن بضهواحيها مهن
جموع البربر وملوكهم".30
26
وثمة مجموعة من الحركات المسيحية األمازيغية التي تركهت بصهمات
خالدة في تاريخ تامازغا ،وهي على النحو التالي:
27
المطلب الثاني :المــذهب الدوناتي
ولد دوناتوس في مال إفريقيا إبان القرن الثالث الميالدي ،ويعتبر من
أهههم الزعمههاء البرابههرة الههذين واجهههوا الرومههان بكههل مهها أوتههي مههن قههوة
وعلم .وهو أيضها مهن أههم المهدافعين عهن العقيهدة المسهيحية فهي الوسهط
األمههازيغي ،وهههو قههس وراهههب واعههف فههي قريههة بربريههة .وبعههد ذلههك،
صار أسقفا وزعيما دينيا كبيرا في أفريقيا الشمالية ،ولهه أتبهاع كثيهرون
يدافعون عن المذهب الذي أسسه نظرية وممارسة.
و هو كذلك مؤلف كتاب ديني بعنوان الروح القدس) .فضال عن كونهه
زعيم المذهب الديني الدوناتي الذي تشهكل فهي خضهم الصهراع الكنسهي
الدائر يومئذ .وقد انضوى ،تحت هذا المذهب ،كل الرافضين للسهيطرة
الرومانيههة ،بمهها فههيهم مههذهب الههدوارين ) الههذي رفههع رايههة العصههيان
والثهورة و هعار التمهرد عهن الحكومهة الرومانيهة ،وقهد تهوفي دونهاتوس
في335م.
ولم تظهر الثورة الدوناتية في مال إفريقيا ،وبالضبط فهي نوميهديا ،إال
عندما تبنى اإلمبراطور الروماني تيودوز العقيدة المسيحية دينها رسهميا
للدولة الرومانيهة منهذ391م ،فاسهتغل دونهاتوس الفرصهة ،فأسهس مهذهبا
مسههيحيا أمازيغيهها مسههتقال هههو المههذهب الههدوناتي) .فأقبههل األمههازيغيون
علههى هههذا المههذهب الجديههد للههتخلص مههن نيههر االسههتعمار الرومههاني،
والتحرر من ربقة الظلم والضيم والعبودية والذل والعار .وهذا ماجعل
األمازيغيين يعطون لكنيستهم صبغة قوميهة لتهدافع عهن مطالهب السهكان
المحليين ،وتحميهم من تجبر القوات الرومانية ،وطغيان المستغلين مهن
األرستقراطيين ورجال الدين الكاثوليك الرومانيين.
ومهن ثهم ،هكل القهس دونهاتوس -كمها قلنها سهابقا -حركهة ثوريهة دينيهة
واجتماعية وسياسية ،قامهت بهدور تهاريخي ههام مها بهين 4قبهل المهيالد
و 429ميالدية .وقد انشهق دونهاتوس عهن المهذهب المسهيحي الهذي أراد
اإلمبراطور الروماني تيودوز فرضه على الشهعوب الخاضهعة لحكمهه،
28
منذ تبنيه له سنة 391م "،وقد تسبب هذا االنشقاق في مجابهات دمويهة
كثيرة ،استمرت تقريبها حتهى مجهيء الونهدال لشهمال إفريقيها سهنة439م
"31
وقاد دوناتوس ،في إطار ثورته الدينية ،مجموعة من رجهال الكنيسهة
األمههازيغيين الرافضههين للسههلطة الرومانيههة ،وسههاهموا فههي ظهههور مهها
يسمى بالثورة الدوناتية نسبة إلى دوناتوس .) Donatus32وتمتاز هذه
الحركة الدوناتية الدينية بكونها ذات صبغة أمازيغية متمردة عن الحكهم
الروماني ،ترفض تعاليم الكنيسة الرسمية.
وعليه ،فقد كان دوناتوس يدعو إلى مذهب ديني جديد ،يقوم على إقرار
المسههاواة بههين النههاس ،ويعمههل علههى مسههاعدة الفقههراء ،وال يعتههرف بههأي
سهلطة غيههر سهلطة اإللهه الخهالق ،وكههان يهأمر األمهازيغيين بطهرد كبههار
المالكين من تامازغا ،وإخراج أصحا النفوذ من المسيحيين الكاثوليك
من هذه المنطقة.
وقهد انتشهرت الدوناتيهة فهي الكثيهر مهن الواليهات والممالهك األمازيغيهة،
والسههيما فههي واليههة أفريكهها وواليههة نوميههديا .وقههد ترتههب علههى ذلههك أن
تشكلت ،ميدانيا ،مجموعة مهن التنظيمهات العسهكرية التهي كانهت تههاجم
مههههزارع األرسههههتقراطيين الرومههههان بغيههههة تحريههههر عبيههههدها وأقنانههههها
المظلومين.
بيد أن هناك من البهاحثين مهن يقسهم الحركهة الدوناتيهة إلهى مجمهوعتين:
مجموعة دوناتيهة تسهتغل الهدين لتحقيهق مصهالحها ومآربهها الشخصهية،
وههههي عصهههابة مهههن العبيهههد األمهههازيغيين المتوحشهههين الهههذين يثهههورون
ويغتصبون وينهبون قصد الوصهول إلهى أطمهاعهم الماديهة ،وقسهم آخهر
من الدوناتيين الذين حافظوا على مبادئهم األخالقية ومعتقداتهم الدينيهة،
ينتهزون الفرصة السانحة لمجابهة الرومان ضمن رؤية دينية وسياسية
- 31العربي اكنينح :في المسألة األمازيغية،أصول المغاربة ،مطبعة آنفو -برانت ،فاس،
المغرب،الطبعة األولى2003 ،م ،ص.24:
- 32عباس الجراري :األدب المغربي من خالل قضاياه وظواهره ،الجزء األول ،مكتبة
المعارف ،الرباط ،الطبعة الثانية ،1982 ،ص.27:
29
معقولة ومقبولة .وفي هذا ،يقول الباحث الجزائري أحمد توفيق المدني:
" عندما مات أسهقف المغهرب المهدعى مانسهوريوس وقهع الخهالف فهي
تسمية خليفته ،وتر ح لذلك الراههب ساسهليان ،لكهن أنصهار الفتنهة أبهوا
الموافقة على هذه التسمية ،وكان زعيم المعارضين راهب قرية بربرية
يههدعى دونههات) ، (Donateوتههألف عندئههذ جنههد مههن أ ههد الههدوناتيين
تعصبا ،وأخذوا يجوبون أطراف الهبالد بهدعوى ضهم جميهع المسهيحيين
إليهم ،وكان أغلب هؤالء الدوناتيين من العبيد اآلبقين ،وممن ال يملكون
في هذه الدنيا غير أجسامهم ،فاتخذوا لنفسهم مهذهبا اجتماعيها ههو خلهيط
مههن الشههيوعية والفوضههوية .ويقولههون :إنهههم يريههدون أن يقههروا مبههدأ
المساواة التامة فهي الهرزق بهين النهاس ،وأنههم ال يعترفهون بأيهة سهلطة،
وطفقوا كذلك يتجولون ،وانقلبوا عصابة نههب وسهلب ترتكهب الفظهائع،
وتقههوم بالههذبائح ،ولههم يبههق لهههم مههن الصههبغة الدينيههة أي ههيء ،فتعقبههتهم
الجنههود الرومانيههة ،وقطعههت ،فههي آخههر القههرن الرابههع ،دابههرهم ،لكههن
الههدوناتيين الحقيقيههين ،وأغلههبهم مههن أبنههاء البربههر ،ظلههوا محههافظين علههى
قهوتهم وصهالبتهم ،يترقبهون سهنوح فرصهة لالنقضهاض علهى أعهدائهم،
وكانت حركتهم سياسية ترمي إلى التحريهر ،متقمصهة فهي ثهوب حركهة
دينية.
وأعظم أسباب هذا الهيجان هو النظام االستعماري الروماني الذي ملهك
األرض بيد ثلة منتفعة ،وحرم منها جماعة الناس.33".
ويتبين لنا ،من هذا كله ،أن الدوناتية تنقسم ،في طبيعتها ،إلى حركتين:
حركة ثورية إرهابية يوعية فوضوية ،وحركهة دينيهة معتدلهة مناضهلة
متعقلة في خططها اإلستراتيجية في تعاملها مع القوات الرومانية .لكن
الدوناتيههههة ،فههههي جوهرههههها ،حركههههة اجتماعيههههة تههههدافع عههههن الفقههههراء
والمظلهههومين ،وتقهههف فهههي وجهههه اإلقطهههاعيين األرسهههتقراطيين الهههذين
استحوذوا على أجود األراضي ،فحولوا أصحابها األمازيغيين إلى عبيد
أرقاء.
30
كما استغل رجهال الهدين الكاثوليهك سهلطتهم الدينيهة فهي همال إفريقيها ،
فبدأوا في نهب خيرات البرابرة ،والسيطرة على ممتلكات األمازيغيين
وثرواتهم ،وحولوهم إلى عبيد أذالء بهدون أرض وال مهأوى ،وتركهوهم
بطونهها جائعههة تبحههث عههن الخبههز بههدون جههدوى .وهههذا مهها أفههرز حركههة
الههدوارين) .ومههن جهههة أخههرى ،فقههد جههاءت الثههورة الدوناتيههة لتنههادي
بالمساواة والتغيير الجذري ،بطرد المستغلين من أراضي تامازغا .بيد
أن المستغلين الرومان قد سارعوا إلهى الهدفاع عهن المهذهب الكهاثوليكي
الذي كان يمثلهه القهديس أغسهطنيوس ضهد المهذهب الهدوناتي الهذي كهان
مههذهبا عقائههديا اجتماعيهها وثوريهها ،يههؤمن بالفعههل والتغييههر ،مههع فضههح
التسلطن الروماني.
وقد سبب هذا الصراع الديني في مواجهات دمويهة" ،عكسهت بوضهوح
الصراع االجتماعي في واليات روما الشمال إفريقية ،ويتجلى ذلك فهي
كون اإلمبراطور والدولة الرومانية ومن ورائهما المالك الكبار ساندوا
الكنيسة الكاثوليكيهة الرسهمية ضهد دونهاتوس وأتباعهه األمهازيغ ،وقهاموا
باضهههطهادهم لمههها هههكلته المبهههادئ التهههي اعتنقوهههها مهههن خطهههر علهههى
امتيازاتهم ،ذلك أن دوناتوس الذي عهانق قضهايا الفقهراء والمضهطهدين
نادى بإبعاد وطرد األ رار -وقصد بهم كبار المالك والمهرابين وذوي
النفوذ -من الجماعة المسيحية ،فكانت الدوناتية بذلك عقيدة الثهورة التهي
فجرها األمازيغ ،واسهتمر لهيبهها إلهى زوال الحكهم الرومهاني ،ولهم يهزد
التنكيههل واالضههطهاد الرومههانيين الدوناتوسههية إال تجههذرا وأتباعههها إال
تشهههبثا بتعاليمههههها ،لكونههههها تعبههههر عههههن آالمهههههم وآمههههالهم فههههي العههههدل
34
والمساواة".
ومع اكتساح الثورة الدوناتية لكثير من واليات همال أفريقيها ،وسهرعة
انتشارها بين الفقراء والضعفاء األمازيغيين ،قررت الحكومة الرومانية
الضرب علهى أيهدي الهدوناتيين ،والقضهاء علهيهم نهائيها .لهذلك ،أرسهلت
- 34محمد بوكبوط :الممالك األمازيغية في مواجهة التحديات ،صفحات من تاريخ
األمازيغ القديم ،مركز طارق بن زياد ،المطبعة فيديبرانت ،الرباط ،الطبعة األولى سنة
2002م ،ص.73 :
31
روما أحسن قواد جيشها رفقة قوات عسكرية عاتية سنة 411م للتنكيل
بالههدوناتيين ،فشههتتتهم بقههوة وعنههف ،وقضههت علههى أتبههاع هههذه الحركههة
الدينيهة ،وسهلمت أمالكهها وكنائسهها للمسهيحيين الكاثوليهك ،فهي الوقهت
الذي كانت فيه اإلمبراطورية الرومانية على و هك التهداعي و السهقوط
واالضمحالل.
ومهن النتهائج التهي حققتهها الثهورة الدوناتيهة أن المقاومهة األمازيغيهة فهي
مال إفريقيا قد تجاوزت المقاومة العسكرية إلى نوع آخر من المقاومة
،تتمثهههل فهههي النضهههال الهههديني واالجتمهههاعي .وقهههد حهههارب األمهههازيغيون
اإلمبراطورية الرومانية المسيحية بالسهالح العقهدي نفسهه للهتخلص مهن
نير االستعمار ،ومناهضة االضهطهاد واالسهتغالل .وقهد أ هعلت الثهورة
الدوناتية الكثير من الثورات والفهتن ،وسهاهمت فهي ظههور الكثيهر مهن
الجماعات المتمردة عن السلطة الرومانية ،وخاصة ما يعهرف بهالثوار
الدوارين) الذين كانوا يدورون حول مخازن الحبوب ،يريهدون سهرقتها
بسبب الجوع وكثرة الفاقة.
وقد ساهمت هذه الحركة الدوناتية كذلك فهي اضهمحالل اإلمبراطوريهة
الرومانيههههة ،وتههههأجيج الصههههراع الههههديني ،وتنههههاحر السههههلطتين :الدينيههههة
والسياسهية علهى المسهتوى المركهزي فهي العاصهمة الرومانيهة ،وانبثهاق
الصراع العقائدي بين الدوناتية والعقيدة الكاثوليكيهة .وفهي ههذا الصهدد،
يقول عبد هللا العروي":تهافت المغاربهة علهى الحركهة الدوناتيهة نسهبة
إلهههى األسهههقف دونهههات) المنشهههقة ،وأعطهههوا لكنيسهههتهم صهههبغة قوميهههة
واضههحة ،دون أي اعتبههار لمفهههوم الكثلكههة .أي :الجماعههة ،محههور كههل
مسيحية تكيفت مع واقع التفاوت االجتماعي.
تسبب االنشقاق الدوناتي مدة قرن كامل في مجابهات دموية كثيهرة .قهاد
المعركهة مهن الجانهب الكهاثوليكي أوغسهطين ،مهتكال كليها علهى السهلطة
المدنية ،ومستفيدا من الرعب الذي استولى علهى كبهار المالكهين بسهبب
ما احتوت عليه الحركة الدوناتية مهن أههداف ثوريهة اجتماعيهة .انتصهر
أوغسطين سنة 412لكنه لم يتلهذذ باالنتصهار إال مهدة قصهيرة .اسهتولى
علههى أفريقيهها الشههمالية سههنة 439الونههدال الموالههون لبدعههة أريههوس،
32
فاسهتغلوا ضهد الكهاثوليكيين تلهك الوسهائل العنيفهة التهي اسهتعملها ههؤالء
ضد الدوناتيين .انتقمت الكنيسة اإلفريقية لنفسها في النهايهة ،باسهتدعاء
البيههزنطيين ،وإعههانتهم علههى طههرد الونههدال ،لكههن بعههودة المنطقههة إلههى
حظيرة اإلمبراطورية ،فقدت الكنيسة االستقالل الذي مها فتئهت تحهارب
35
من أجله منذ أواسط القرن الثالث".
وعلى الرغم من هجوم الرومهان علهى الهدوناتيين للقضهاء علهيهم ،ومها
ترتب على ذلك من تشتيت لوحدتهم ،والتنكيل بثوارهم ،إال أن الدوناتية
ظلهت نزعههة دينيههة ،وثهورة قوميههة عارمههة ،يهؤمن بههها كههل األمههازيغيين.
وبالتههالي ،لههم تسههتطع القههوات الرومانيههة أن تمحههي الدوناتيههة مههن قلههوب
األمازيغيين الذين آمنوا بها ذهنا ووجدانا وعاطفة وممارسهة .وفهي ههذا
السياق ،يقول محمد بوكبهوط ":هن الرومهان حربها الههوادة فيهها ضهد
الههدوناتيين باعتبههارهم محرضههي الثههوار ،لكههن النتيجههة كانههت عكههس مهها
سهعى إليهه الرومهان ،إذ تجهذرت الدوناتيهة فهي أوسهاط األمهازيغ تعبيهرا
مههنهم علههى اإلصههرار علههى التمسههك بهههويتهم ،والحفههاظ علههى كينههونتهم
المتميههزة عههن المحتلههين الرومههان ،ومههن ثههم ،كانههت الدوناتيههة رد فعههل
مهذهبي واجتمهاعي مهن جانهب األمهازيغ ضهد القوالهب الفكريهة والدينيهة
التي كانت تسعى مؤسسات االحهتالل ،دولهة وكنيسهة ،صههر األمهازيغ
36
فيها الحتوائهم وطمس هويتهم".
وهكذا ،يبدو لنا أن الحركة الدوناتية قد ساهمت بشكل كبيهر فهي تهدهور
اإلمبراطوريههة الرومانيههة ،و اضههمحاللها بكههل سههرعة ليحههل محلههها
الوندال الغزاة والبيزنطيون العداة.
وعلى العمهوم ،فقدد قهاد دونهاتوس؛ الهزعيم الهديني األمهازيغي ،الحركهة
الدوناتية في بالد تامازغها باعتبارهها حركهة ثوريهة اجتماعيهة مناهضهة
لالحههتالل الرومههاني ،ورفضهها لسياسههة الرومنههة ،ونزعههة التمسههيح .
- 35عبد هللا العروي :مجمل تاريخ المغرب ،المركز الثقافي العربي ،الدار البيضاء،
طبعة 1984م.60-59،
- 36محمد بوكبوط :الممالك األمازيغية في مواجهة التحديات ،صفحات من تاريخ
األمازيغ القديم ،ص.76:
33
وعلههى أي حههال ،فقههد اسههتهدف دونههاتوس مقاومههة القههوات الرومانيههة
ورجههال الههدين الكاثوليههك الههذين كههانوا يبههاركون االحههتالل ،ويعترفههون
بشههههرعية االسههههتغالل ،واسههههترقاق السههههاكنة المحليههههة ،ويناصههههرون
األرستقراطيين الذين كانوا يحتكرون ثروات األمازيغيين .وفهي الوقهت
نفسه ،يعرضونهم للجوع والفقر واالضطهاد.
وعليههه ،فالحركههة الدوناتيههة حركههة ثوريههة اجتماعيههة ا ههتراكية ،وثههورة
راديكاليهة جماهيريهة بامتيهاز ،تهؤمن بفعهل التغييهر الميهداني ،وتهرفض
االستالب الديني المسهيحي ،وتحهارب كهل أ هكال الرومنهة واالسهتغالل
الفاحش.
34
والدراسههة فههي رومهها وميالنههو .وقبههل سههفره ،كههان متههأثرا باألفالطونيههة
المحدثة .
وقد مارس أوغسطين مهنهة التعلهيم ،و كهان يعطهي دروسها فهي البالغهة
في مدينة قرطاج و مدن إيطاليا ،وانتقل حيال مدينة عنابة سنة 388م ؛
حيههث أقههام فيههها ديههرا للتعبههد واالعتكهاف الههديني ،ليتقلههد فيمهها بعههد عههدة
مناصب دينية إلى أن عين في منصب أسقف مدينة عنابهة سهنة 395م.
وبعد ذلك ،صار أبا للكنيسة الالتينيهة .وقهد تهوفي أوغسهتان فهي/08/29
430م بمدينة عنابة .)Hippone
وقد تشبع أوغسطين بالمعتقد المسيحي تأثرا بأمه القديسة مونيكا ،وتأثر
كذلك بأسقف ميالنو القديس أومبرواز ) Ambroiseسنة386م.
وقهد دافهع أوغسهطين كثيهرا عهن مبهادئ المسهيحية الكاثوليكيهة الرسهمية
التابعههة للكنيسههة الرومانيههة ،ووقههف فههي وجههه الحركههة الدوناتيههة ذات
المالمح الثورية الشعبية .وكان" خطيبا وكاتبا من طراز عال ،فلهم يهتح
38
للمسيحية أن رزقت زعيما في مرتبته قط".
وقد عرف أوغيسطينيوس بكونه ماجنا متهتكها و هابا عربيهدا فهي بدايهة
حياتههه ،إال أنههه قههد تههاب ،بعههد ذلههك ،وأصههبح متههدينا وزاهههدا متقشههفا .
وبالتههالي ،كههان القههديس أوغسههطين"ثاقب الههذهن ،واسههع الفكههر ،غزيههر
العلم ،ارتوى من مبادئ الديانهة المسهيحية ،فأصهبح مهن أكبهر القسيسهين
ورجاالت الكنيسهة الكاثوليكيهة .وقهد كهرس حياتهه الصهالحة فهي مقاومهة
الزنادقههة ،ومكافحههة المههذاهب األخههرى التههي مههن ههأنها أن تقههف حجههر
عثهرة فهي سهبيل تقهدم الديانهة المسهيحية؛ وكهان يسهتعمل سهائر الوسهائل
لمحاربهههة المهههذهب الهههدوناتي ) (donatismeالهههذي كهههان يرمهههي
الكههاثوليكيين بتسههرب الضههعف إلههى عقيههدتهم الدينيههة ،كمهها كههان يحههارب
35
المهذهب المهانكي ) Manichéismاآلري الهذي سهينتحله ،فيمها بعهد،
39
القائد جنسريق ،ملك الوندال".
وعلههى الههرغم مههن ثقافههة أوغسههطين الالتينيههة ،فقههد كههان يقههدم قداسههه
ومواعظه باللغة المحلية أو اللغة الفينيقية ؛ ألن األمازيغيين ،في همال
أفريقيا ،كانوا يجهلون اللغة الالتينية لكونها لغة المثقفين الهذين درسهوا
بروما ،وأصبحوا من مؤيدي الحكومة الرومانية ،بل كانوا يرفضهونها؛
ألنها لغة المستعمر .وكان الهدف ،من نشرها في األوساط األمازيغية،
هو العمل على نشر سياسة الرومنة والترومن .وفي هذا ،يقول األسهتاذ
الحسن السايح ":وعلى الرغم من هذا التأثير الروماني ،فقد ظل الشعب
المغربي يتكلم ،ويحدثنا القديس أوغسطونيوس) وهو أحد رجال الهدين
المغاربهة ،أنهه كهان يسهتحيل عليهه أن يلقهي قداسهه باللغهة الالتينيهة؛ ألن
معظم الناس الذين يستمعون إليهه اليعرفهون حرفها واحهدا مهن الالتينيهة،
وإنما كانوا يعرفون اللغة الفينيقية ،التي كانهت منتشهرة انتشهارا واسهعا،
حتههى إن العههرب الههذين جههاؤوا المغههرب وجههدوا النههاس يتكلمههون اللغههة
الفينيقيهة ،وههي لغهة سهامية أخهت العربيهة ،بهل إنهها لهجهة مهن اللهجهات
العربية ،فكان االنتقال منها إلى لغة ،كاالنتقال من اللهجة المغربية إلى
40
المشرقية".
وقهد كهان أوغسهطينيوس خصها مثقفها وفيلسهوفا الهوتيها موسهوعيا ،لهم
يستطع أحد أن يصل إلهى مسهتوى ههذا العهالم إبهان العصهر القهديم ،فقهد
امتلههك ثقافههة التينيههة عميقههة وواسههعة المههدارك ومتنوعههة المسههتويات
والمفاصههل .وال يمكههن أن نضههع إلههى جانههب أوغسههتان الجزائههري إال
خصا واحد يقترب منه فكريا هو المثقف المغربهي الكبيهر يوبها الثهاني
الذي نهل من معارف عدة ،وتمكن من لغات مختلفة ،وتبحر في الكثيهر
من المعارف العلمية واألدبية والفنية والسياسية واإلدارية.
- 39محمد محيي الدين المشرفي :أفريقيا الشمالية في العصر القديم ،الطبعة الرابعة،
،1969دار الكتب العربية ،ص.103-102:
- 40الحسن السايح :الحضارة المغربية ،منشورات عكاظ ،الجزء األول ،الرباط ،الطبعة
األولى 2000 ،م ،ص.122:
36
ومن جهة أخرى ،فقد ترك لنا أوغسطين نظرية فلسهفية دينيهة متكاملهة،
مازالت تدرس وتناقش إلى يومنا هذا في الملتقيات الالهوتية والفكرية،
وتنسب إليه تحت اسم األوغسطينية .) Augustinienne
وعليههه ،فثمههة عوامههل عههدة تحكمههت فههي توجيههه خصههية أوغسههطين،
ويمكن إجمالها في :خطابة يشرون ،وقراءة اإلنجيل ،و االطالع على
تأويالتههه ،وفحههص لغههة كتابتههه ،وخاصههة اإلنجيههل اإلفريقههي ،واالنسههياق
وراء العقيههدة الثنائيههة التههي تسههمى بالمانيكيههة ،كمهها تههأثر كثيههرا بفلسههفة
أفالطون والفلسفة األفلوطينية المحدثة.
ومن مرتكزات نظرية أوغسطين :اإليمهان الروحهي ،والحهب ،والعقهل،
والحكم العادل ،والقدر اإللهي ،واإلرادة ،والخير ،و التذكر بهدل الجههل
والنسيان ،والحرب العادلة ،والخطيئة األصلية ،والطبيعة ،والتعويض،
والتجسيد الحلولي ،والملكية الخاصة.
وينضههاف إلههى هههذا أن أوغيسههطينوس قههد كتههب أكثههر مههن مههائتي كتههاب
بالالتينية ،وتصنف كتبه وردوده ضمن إطار الثورات الدينية واألدبيهة
التهي كانهت تشهتعل فهي نوميهديا ،وبالخصهوص بهين الدوناتيهة والكنيسهة
األفريقية المسيحية .وكان المناضل األمازيغي دوناتوس هو الهذي يقهود
الحركة الدوناتية ،ومن المعلوم أن هذه الحركة ذات طابع ديني هعبي
ثههوري راديكههالي ،تتشههكل مههن الفقههراء والمعههدمين والبؤسههاء والثههوار
المحليين والعبيد الضعفاء ،وتدافع عن هوية الساكنة ،وتسعى جادة إلهى
استقالل دولهة تامازغها ،بمحاربهة الرومهان ،ومطالبهة السهكان المحليهين
بطردهم بالقوة من مال أفريقيا.
أمههها الكنيسهههة الكاثوليكيهههة األمازيغيهههة التهههي يتزعمهههها أوغسهههتان ،فقهههد
استهدفت نشهر العقيهدة المسهيحية ،كمها ههو متعهارف عليهها فهي الكنيسهة
المركزيههة الرومانيههة .وقههد كانههت هههذه الكنيسههة فههي خدمههة اإلمبراطههور
الرومههاني قسههطنطين ،تهههادن الحكومههة الرومانيههة فههي حههاالت السههلم
والحههرب ،وتعطههي المشههروعية الدينيههة للمعمههرين األجانههب والمههرابين
وأصهحاب النفهوذ ،وتبهرر اسهتغالل اإلقطهاع الرومهاني لسهاكنة نوميهديا
بصفة خاصة ،و مال أفريقيا بصفة عامة.
37
وعليههه ،فالبههد مههن وضههع مؤلفههات أوغيسههطينوس ضههمن هههذا السههياق
التاريخي الذي ينحصر في الصراع األمازيغي ضد الرومان والوندال،
وضمن الصراع الديني واالجتماعي والعسهكري الهذي كانهت تخوضهه
الكنيسههههة الكاثوليكيههههة ضههههد المههههذهب الههههدوناتي ،وحركههههة الههههدوارين
االجتماعية .وكانت ال تناصر سوى القوات الرومانية ،وتؤيد القرارات
كلها التي تصدرها الحكومة الالتينية إلبادة المعارضين األمازيغيين.
و على العموم ،فقد كانت جهل الكتهب التهي ألفهها القهديس أوغسهطينيوس
باللغة الالتينية ،لكن قداسهه الهديني كهان يقدمهه باللغهة الفينيقيهة ،أو اللغهة
المحلية التي كان يفهمها الشعب األمازيغي .ألن الالتينية مقصورة فقط
على كبار المثقفين والمهوظفين اإلداريهين التابعيهة لحكومهة رومها .وفهي
هذا ،يقول القديس أوغسهطين ":إن الدولهة الرومانيهة التهي تعهرف كيهف
تحكهم الشهعوب؛ لهم تفهرض علهى المغلوبهة منهها سهيطرتها فحسهب ،بهل
41
لغتها أيضا".
وعلى أي حهال ،فالقهديس أوغسهطين عميهق التفكيهر ،ورجهل دبلوماسهي
في تعامله مع الرومان ،كثير الجدال والمناظرة ،وههو كهذلك" فيلسهوف
قبل كل يء ،رجل يحلهل اآلراء ،ويهرى كهل مهاتحوي ومبهدأها األول
ومههداها ونتائجههها النهائيههة .وهههو فههوق ذلههك خطيههب عظههيم مههؤرخ ،أو
بههاألحرى فيلسههوف للتههاريخ فههي كتابههه مدينههة هللا) ،وهههو أخيههرا ههاعر
للقلب والوجدان الممتع في اعترافاته) الخالدة .وربما كهان ههذا الرجهل
42
أغرب رجل في العالم القديم كله".
ومن أهم كتهب أوغسهطين :اعترافهاتي ،ومدينهة هللا ،والثهالو المقهدس،
والنعمههة .وتبقههى سههيرته اعترافههاتي ) Mes confessions /بمثابههة
البداية الحقيقية للكتابة األوطبيوغرافية في الفكر اإلنسهاني .ويعنهي ههذا
أن المؤلف هو أول كتاب وصل إلينا في باب السهيرة الذاتيهة الروحيهة
ذات الطههابع الههديني الههذي يشههتبك بالطههابع التههاريخي ؛ حيههث يقههدم فيههه
- 41ارل أندري جوليان :تاريخ شمال أفريقيا ،الجزء األول ،ص.248:
- 42إميل فو يه :مدخل إلى األدب ،ترجمة مصطفى ماهر،رقم الكتاب ، 201الطبعة
األولى ،1958 ،طبع ملتزمة الطبع والنشر لجنة البيان العربي ،مصر ،ص.51:
38
الكاتههب اعترافاتههه بكههل صههدق وصههراحة ،ويفصههل حياتههه الغريبههة،
ويوضح انسياقه وراء األهواء والشهوات ،والسيما في مدينة قرطهاج ،
حيث كان مولعا بالمسرح والحب والجنس ،ويبين لنا كيهف تعهرف إلهى
هللا ،وكيف انتقل بعد ذلك إلى الفكر المسيحي.
كما يكشف لنا عن تصوره وموقفه من الصهراع العقائهدي واالجتمهاعي
والتههاريخي الههذي كههان يعههيش فيههه أوغسههطين إبههان مرحلههة الصههراع
األمازيغي /الروماني.
وفي األخير ،يدعو الكاتب ،في هذا المؤلف الديني ،إلى سهالم الهروح،
ومحبهههة اإللهههه ،واالرتمهههاء فهههي أحضهههان الهههرب مهههن أجهههل االسهههتراحة
النورانيههة.وتعنههي االعترافههات ،فههي المفهههوم المسههيحي ،بههوح اإلنسههان،
واعترافه للراهب بأخطائه وذنوبهه قصهد الحصهول علهى العفهو .ويسهير
الكتهاب ،فههي ههذا المنحههى االعترافهي المسههيحي ،فيعتهرف أوغسههطين،
بكل جرأة و جاعة ،بأخطائه ومجونه من أجل الظفر بالتوبة والغفران
الرباني.
ومن المعروف أن هذا الكتاب قد صنف ما بهين 391و400م فهي حيهاة
الكاتهههب أوغسهههطين ،بينمههها لهههم يكتهههب كتهههاب مدينهههة هللا ) و الثهههالو
المقدس) إال بعد وفاته ،وبالضبط في 400م.
والههدليل علههى ريههادة سههيرة أوغسههطين ومكانتههها فههي األدب اإلنسههاني
والعالمي ما قاله الدكتور إحسان عباس فهي كتابهه فهن السهيرة) ":وفهي
السير الذاتية بالغرب معالم كبيهرة ،كهان لكهل معلهم منهها أثهره فهي كتابهة
السهيرة الذاتيهة وطريقتهها ،وفهي طليعهة تلهك السهير اعترافهات القهديس
أوغسههطيس) ،فإنههها فتحههت أمههام الكتههاب مجههاال جديههدا مههن الصههراحة
االعترافية ،و جعت الميل إلى تعرية النفس ،فهي حهاالت كثيهرة تلتهبس
43
باآلثام ،أو يثقل فيها عناء الضمير".
ومههن أهههم مميههزات كتههاب اعترافههاتي) أنههه كتههب بطريقههة ههاعرية
روحانيههة وجدانيههة ،يسههتقطر فيههها الكاتههب دمههوع المعاصههي و الههذنوب
39
ليعوضها براحهة التوبهة والغفهران ،مقهابال بهين الحيهاة والمهوت ،والهدنيا
واآلخرة.
ولد أرنوبي بنوميديا في منتصف القرن الثالث الميالدي .وقد تنصر في
يخوخته ،بعد أن قضى جل حياته في الوثنية .ومن أهم كتبه في هذا
المجال ضدا على الوثنيين ،)Adversus nationsوقد ألفه سنة
300ميالدية متحامال فيه على الوثنية وعبادة األصنام ،مع التأكيد ،في
40
الوقت نفسه ،أن الفوز بالنجاة في الدنيا واآلخرة لن يتم ذلك إال بعبادة
هللا ،واإليمان به قوال وفعال وسلوكا.
وقد عد أرنوبي ،في الثقافة المسيحية المتوسطية ،من أهم آباء الكنيسة
المسيحية وأجلهم؛ ألنه كرس كل حياته لخدمة النصرانية ،والتبشير
بها ،فترك عمله بسبب ذلك ليتفاني في الدفاع عن الدين الجديد،
وتقويض أركان الوثنية .
41
المبحث الخامس :األمازيـــغ واإلسالم
لههم يههدخل اإلسههالم ههمال أفريقيهها إال مههع الفتوحههات اإلسههالمية التههي سههن
سياسههتها الخلفههاء الرا ههدون ،وامتههدت مههع خلفههاء الدولههة األمويههة .فقههد
انشغل عمهرو بهن العهاص كثيهرا ،عنهدما فهتح مصهر فهي عههد عمهر بهن
الخطههاب ،بمواصههلة نشههر اإلسههالم فههي ههمال أفريقيهها ،فاسههتأذن الخليفههة
عمر بن الخطاب ض) في فتح برقة وطرابلس ،فكتب إليه قائال ":إنها
قهههد بلغنههها طهههرابلس ،وبينهههها وبهههين أفريقيهههة تسهههعة أيام،فهههإن رأى أميهههر
المؤمنين أن يأذن لنا في غزوة فعل" ،فكتب إليه عمر":ال...إنهها ليسهت
45
بإفريقية ولكنها المفرقة،غادرة مغدور بها،ال يغزوها أحد مابقيت".
وقهههد استصهههعب عمهههر بهههن الخطهههاب فهههتح بهههالد البربهههر لقهههوة هههكيمة
األمههازيغيين ،وصههعوبة إخضههاعهم ،وسههرعة تقلههب مههزاجهم ،ووعههورة
بالدهم ،ومخافة من تعسف الوالة في معهامالتهم للبربهر ،بالمغهاالة فهي
الضرائب والجبايات ،وسوء التصرف مع كبراء القوم وأسيادهم.
ويروي لنا كل من البالذري وابن عبد الحكم أن عمرا بهن العهاص ،لمها
فتح اإلسكندرية ،سار في جيشه يريد المغرب حتى قهدم برقهة ،فصهالح
أهلها ،بعد أن انهزموا فهي المعركهة أمهام قهوة جيشهه العتيهد ،ثهم فهرض
عليهم أن يهيئوا له" ثالثة عشر ألف دينار يؤدونها إليهه جزيهة علهى أن
يبيعوا من أحبوا من أبنائهم في جزيتهم" .46
وكانت برقة يومئذ من أخصب أراضي القارة األفريقية حتى إن سكانها
كانوا يرسهلون الخهراج بكهل طواعيهة إلهى والهي مصهر دون حاجهة إلهى
42
الجابي .ومن ثم ،كهان فهتح برقهة سهنة 21هـهـ ،فتهابع عمهرو بهن العهاص
47
فتوحه ،ثم غزا طرابلس التي افتتحها عنوة سنة22هــ.
ولما تولى عثمان بهن عفهان ض) إمامهة المسهلمين ،قهرر نشهر اإلسهالم
خارج الجزيرة العربية ،لكن هذه المرة ليس في اتجاه الشهرق كمها فعهل
عمر بن الخطاب ض) ،بل االتجاه غربا نحو البحر األبيض المتوسط،
وبالضههبط إلههى رب هوع أفريقيهها الشههمالية .وهكههذا ،بههدأ التفكيههر فههي إحيههاء
مشههروع نشههر اإلسههالم نحههو غههرب مصههر عبههر مراحههل اتسههمت بالمههد
والجزر.48
وعليه ،فأول مها قهام بهه عثمهان بهن عفهان أن عهزل عمهرا بهن العهاص ،
وولههى مكانههه عبههد هللا بههن أبههي سههرح علههى مصههر الههذي أرسههل بعههض
السههرايا لمهاجمههة أطههراف أفريقيهها ،فكانههت ال ترجههع إال بعههد حصههولها
على الغنائم.
وبعد ذلك ،فكر ابن أبي سرح جديا في فتح همال أفريقيها ،فاسهتأذن فهي
ذلك عثمان بهن عفهان الهذي أذن لهه ذلهك سهنة 27هـهـ ،فخهرج فهي جهيش
قوامههه عشههرون ألههف جنههدي مههن عههرب الجزيههرة العربيههة وقههبط مصههر
وبربر من أفريقيا ،كما ارك فيه بعض الصهحابة رضهوان هللا علهيهم،
كمههروان بههن الحكههم ،وعبههد هللا بههن الزبيههر ،وعبههد هللا بههن عمههر ،وعبههد
الههرحمن بههن أبههي بكههر ،فخههاض القائههد المسههلم معركههة ضههد البطريههق
جورجيههوس حههاكم أفريقيهها القسههطنطيني الههذي واله هرقههل واليهها علههى
الشمال األفريقي؛ حيث استبد بهالحكم لصهالحه ،فهانهزم الهروم فهي ههذه
المعركة هر هزيمهة .لكهن القهواد البيهزنطيين صهالحوا عبهد هللا بهن أبهي
سههرح علههى مبههالغ طائلههة مههن الههذهب ،علههى أن ينسههحب بجيشههه مههن
أفريقيههة ،وعههاد بههن أبههي سههرح إلههى مصههر دون أن يههولي أحههدا لمههدة 17
سنة".
43
وعلى الرغم من أن عثمان بن عفان لم يمانع في فهتح الشهمال األفريقهي
حيث أرسل جيشا دخل تونس بقيادة عبد هللا بن سعد بن أبهي سهرح قبهل
سههنة 30هههـ ،فههإن االهتمههام الحههق بهههذه المنطقههة لههم يبههدأ إال علههى عهههد
األمههويين الههذين لههم يقنعههوا بفتحههها ،بههل حههاولوا إقامههة حكمهههم عليههها،
وربطها بمركز الخالفة .والحق أنه كهان البهد لدولهة اإلسهالم علهى عههد
األمههويين ،وقههد ذهبههت بعيههدا فههي الفتههوح ،أن توجههه اهتمامههها لحههوض
المتوسط ،وما يحيط بهه مهن بهالد ،ومها يزخهر بهه مهن تجهارة ،خاصهة
وأنهههم كههانوا -علههى عكههس الخلفههاء الرا ههدين -مهتمههين بشههؤون البحههر.
ولكههن األمههر لههم يكههن يسههيرا علههى اإلطههالق ،ففههي الوقههت الههذي اسههتطاع
المسهههلمون أن يقيمهههوا خهههالل بضهههع سهههنوات دولهههة واسهههعة الرقعهههة فهههي
المشرق ،فإنهم ظلوا زههاء قهرن مهن الزمهان يحهاولون أن يثبتهوا دعهائم
49
الدين الجديد في بالد الشمال األفريقي".
ولم يفتح المسلمون مال أفريقيا ،في عهد الخلفاء الرا دين وسالطين
الدولهههة األمويهههة ،إال لعوامهههل عهههدة تتمثهههل :فهههي يسهههر اإلسهههالم ،ونبهههل
أخالقههه ،وسههوء اإلدارة البيزنطيههة بعههد وفههاة اإلمبراطههور جوسههتنيان ،
وعههدم وجههود روابههط سياسههية أو دينيههة بههين البربههر ،ورغبههة البربههر فههي
التخلص من نير االحتالل البيزنطي.
ومههن هنهها ،فقههد عههين معاويههة بههن سههفيان سههنة 45هههـ ابههن حههديج؛ والههي
مصههر ،قائههدا للفتوحههات اإلسههالمية فههي أفريقيهها ،وكههان ابههن حههديج تابعهها
لسلطة الخليفة مبا رة .وقد دخل هذا القائد مال أفريقيا إلغاثة هباهيها
Habahiaالههذي طالبههه هرقههل بالغنيمههة نفسههها التههي قههدمت للمسههلمين
300قنطار من الذهب) ،ولما امتنع أرسل هرقل قائده نقفور لمقاتلته،
فالتجههأ هباهيهها إلههى معاويههة بههن أبههي سههفيان للتحههالف معههه ضههد هرقههل،
فأرسل الخليفة معه جيشا جرارا ،فدخل الجنهود تهونس ،فهالتقى الجهيش
العربههي مههع جههيش هرقههل فههي مدينههة قونيههة التههي سههتبنى عوضههها مدينههة
القيههروان ،فانتصههر المسههلمون فههي المعركههة ،وهههرب الجههيش البيزنطههي
44
إلى سوسة ،فلحقه المسلمون هناك ،فاستولوا علهى المدينهة كمها اسهتولوا
علههى بنههزرت .وفههتح ابههن حههديج ،فههي هههذه الحملههة العسههكرية ،بنههزرت
وجلهههوال وجربهههة وسوسهههة ،ثهههم عهههاد متنصهههرا إلهههى القاعهههدة العسهههكرية
واإلدارية بمصر.
ولم تكن هذه المناو ات إال امتدادا لفتح أفريقية الشهمالية ،و قهد دام ههذا
النههوع مههن المههد والجههزر علههى مسههتوى الفتوحههات اإلسههالمية مههن سههنة
27هــ إلى سنة 45هــ.
وعليه ،فقد عين عقبة بن نافع واليا على أفريقية سنة 46هـ .وبقهي ،فهي
حملته األولى ،خمس سنوات ،ودخل ،في أثنهاء توليتهه ،مجموعهة مهن
الحصون والمهدن فهي طريقهه لفهتح أفريقيها ،والسهيما فهي ليبيها وتهونس،
وأسههس مدينههة القيههروان سههنة 62هههـ لتكههون عاصههمة لحكمههه ،ومركههزا
استراتيجيا النطالق قواته العسكرية في نشر اإلسالم عبر ربوع همال
أفريقيا.
وقد استعان عقبة بن نافع ،فهي تحركاتهه العسهكرية ،بجهيش يتكهون مهن
القههوات العربيههة والقههوات البربريههة التههي كانههت تحههارب المرتههدين عههن
اإلسالم والمتمردين المتعصبين والمنشقين عن سلطة الخالفة جنبا إلى
جنب.
وفي 51هـ ،عين معاوية بن أبي سفيان سلمة بن مخلد األنصهاري واليها
علههى مصههر والمغههرب العربههي ،فعههين هههذا األخيههر بههدوره أبهها المهههاجر
دينار واليا على أفريقيا لمدة سبع سهنوات بسهبب خهوف سهلمة بهن مخلهد
من قوة عقبهة بهن نهافع القياديهة ،وخشهيته مهن مكانتهه الكبيهرة ،وحظوتهه
لههدى الخليفههة األمههوي ،وكههان بههين أبههي المهههاجر وعقبههة بههن نههافع عهداوة
كبيههرة أدت إلههى عههزل عقبههة مههن منصههب قائههد الجيههو ،وحامههل لههواء
الفتوحات اإلسالمية في المغرب العربي.
وقد واصل أبو مهاجر دينار فتوحات عقبة بن نافع ،فوصهل إلهى غهرب
الجزائر ،ولهم يلهق مقاومهة تهذكر ،سهواء مهن قبهل الهروم أم مهن البربهر،
وأسلم كسيال وقبيلته أوربة عند دخول أبي المهاجر إلهى الجزائهر لنشهر
اإلسالم.
45
لكن عقبة بن نافع قد احتج لدى الخليفة يزيد بن معاوية ،ومن عليهه بمها
قههام بههه مههن خههدمات جليلههة لصههالح الخالفههة األمويههة ،فعينههه يزيههد مههرة
أخرى واليا على أفريقيا ليواصل حملته الثانية سنة 62هـ ،فوصل ،في
فتوحاتههه ،إلههى بحههر الظلمههات غربهها و إلههى حههدود الجزيههرة الخضههراء
ماال ،بعد أن فتح ربوع تونس والجزائر والمغرب ،كما انتقم مهن أبهي
المههاجر بأسهره إذالال ،وتقييهده تعهذيبا طهوال مسهيرته التهي خصصهها
لفتح مال أفريقيا ،وقد وصلت إلى حدود سوس المغربية جنوبا .وفي
الوقههت نفسههه ،كههان يهههين صههديقه البربههري الملههك كسههيال .بيههد أن هههذا
األخير ،قد انتفض ضده ،وقتله قرب نهر الزاب بالجزائر.
وبعد مقتل عقبة بن نافع ،أرسل الخليفة عبد الملك بن مروان زهير بن
قيس البلوي لفتح مال أفريقيا ،ومجابهة كسيال .وقهد انتههت المعركهة
بانتصار المسلمين في معركة ممش بتونس ،ومقتل الثهائر المتمهرد عهن
السلطة المركزية الملك البربري كسيال.
وبعههد استشهههاد زهيههر بههن قههيس البلههوي فههي معركتههه التههي خاضههها ضههد
الروم في معركة برقة سنة 71ههـ ،عهين حسهان بهن النعمهان واليها علهى
المغههرب ،وقضههى علههى الكاهنههة األوراسههية ديهيهها زعيمههة البربههر فههي
نوميديا .وبعد ذلك ،عين موسى بن نصير واليا على المغرب العربهي.
وفي عهده ،فتح المسلمون األندلس على يد طارق بن زياد.
ويعنهي هههذا أنهه بعههد فتوحهات حسههان بهن النعمههان المظفهرة فههي أفريقيههة،
وانتصههاره علههى آخههر مقاومههة فههي بههالد تامازغهها بقيههادة الكاهنههة ديهيهها،
واصل موسى بن نصير اللخمي فتوحات حسان بن النعمان ،ودخل إلى
المغرب تقريبها بهدون مقاومهة تهذكر .والسهبب فهي ذلهك أن حسهان بهن
النعمههان قهد هيههأ لههه األرضههية الكاملههة ،وأخمههد كههل الثههورات األمازيغيههة
والمناو ات الرومية والثورات المضادة ،وأسكت كل المتمردين .
وقد أحضر موسى بن نصير معه ألف فقيه ليعلموا البربر أصول الدين
اإلسالمي والفقه والحديث .وقهد تهأثر البربهر -فعهال -بحضهارة العهرب
ولغتهم ودينهم بكل سهولة ،وتطبعوا بسلوكهم ،وتمثلهوا مبهادئ اإلسهالم
السمحة .وفي هذا ،يقول جوسهتاف لوبهون ":للبربهر لغهة عريقهة يحتمهل
46
أن تكون مشتقة من الفينيقية الكنعانية .ويهدين البربهر باإلسهالم ،ولكهنهم
كانوا يدينون بآلهة قرطاجنة الكنعانية .وقد تعربت البربرية حيث تتألف
لغة بالد القبائل األمازيغية بنسبة الثلث مهن العربيهة .فتهأثير العهرب فهي
مال أفريقيا أكبر وأقوى من الرومان واإلغريق الذين لهم يتركهوا أثهرا
50
في اللغة البربرية".
ومههن ثههم ،فقههد اتخههذت فتوحههات موسههى بههن نصههير وجهتههين أساسههيتين:
وجهههة بحريههة للهيمنههة علههى البحههر األبههيض المتوسههط وجههزره ،ووجهههة
برية لفتح جميع الثغهور والمنهاطق التهي استعصهت علهى الفهتح مهن قبهل
حسههان بههن النعمههان مههن أجههل نشههر اإلسههالم ،والتعريههف بههدين محمههد
صلعم).
وعليه ،إذا كان الفتح العربي اإلسالمي في الشهرق قهد تهم بسهرعة الفتهة
لالنتبههاه؛ حيههث أخضههع المسههلمون ،فههي عهههد عمههر بههن الخطههاب ض)،
مجموعة من البلهدان ،كالشهام ،ومصهر ،والعهراق ،وفهارس ،فقهد ظلهت
أفريقيههها الشهههمالية منطقهههة عسهههيرة ،وأرضههها خطيهههرة بسهههبب وعهههورة
التضاريس األفريقية.
ويعرف األمازيغ بشدة المقاومة لكل مهن حهاول االعتهداء علهى حهريتهم
وممتلكههاتهم .عههالوة علهههى صههالبة عههودهم ،وكثهههرة ههجاعتهم ،وقهههوة
كيمتهم .فضال عن كونهم اليقبلهون الضهيم ،وال يرضهون بالهذل نظهرا
العتزازهم الكبير بأنفسهم أنفة وكرامة واستعالء .لهذا ،بقيهت أفريقيها
الشمالية وعرة التطويع من قبل الفاتحين المسلمين ،وصعبة اإلخضهاع
لمدة تتراوح بين 22هـ و82هــ .أي :فترة زمنيهة تقهدر بـهـ 60سهنة مهن
تههاريخ المههد والجههزر مههن أجههل نشههر اإلسههالم بههين سههاكنة تامازغهها التههي
أظهرت العناد ،وعدم االنقياد بسهولة لسلطة الخالفة األموية .ومن ثم،
كان إسالمهم يتأرجح بين االعتناق الطوعي و الردة المؤقتة .
47
وقههد قيههل" :إن البربههر ارتههدوا بإفريقيههة المغههرب اثنتههي عشههرة مههرة،
وزحفوا في كلها للمسهلمين ،ولهم يثبهت إسهالمهم إال فهي أيهام موسهى بهن
نصير ،وقيل بعدها"51.
وفي األخير ،لقد اعتنق األمازيغيون اإلسالم عن حب وإيمان واقتناع ،
ووجدوا فيه ضالتهم للتخلص من الضهيم والظلهم واالسهتعباد ،كمها كهان
ذلك في عهود الرومهان والونهدال والبيهزنطيين ،فانهدمجوا فهي المجتمهع
اإلسالمي الكبير بكل سهولة ويسر ومرونة ،وصاروا دعهاة لهه فهي كهل
زمان ومكان.
48
الخاتمـــة
وخالصهههة القهههول ،لقهههد تشهههبع األمهههازيغ ،منهههذ تواجهههدهم فهههي تامازغههها،
باعتنهههاق مجموعهههة مهههن المعتقهههدات الوثنيهههة ،وتمثهههل نهههواميس األديهههان
الكبرى ،مثل :اليهودية ،والمسيحية ،واإلسالم.
ويعني هذا أن اإلنسان األمهازيغي كهان ،فهي بدايتهه ،وثنيها مثهل اإلنسهان
البهههدائي والشهههعوب األولهههى التهههي كانهههت تبحهههث عهههن الحقيقهههة الدينيهههة
الصههحيحة.وبعد ذلههك ،م هال األمههازيغ إلههى األديههان السههماوية الربانيههة،
فتشبثوا بها تشبثا كبيرا حتى عرف األمازيغ بشدة التدين والمعتقد ،إلهى
درجههة أنههه يصههعب عليههه أن يعههيش حيههاه الدنيويههة بمعههزل عههن الههدين
األخروي الذي كان يحقهق لهه األمهان والسهعادة واالسهتقرار والطمأنينهة
النفسية والمجتمعية.
49
انساقوا وراء اليهودية والنصرانية ،لينتقلوا -فيما بعد -إلى تمثل عقيدة
اإلسالم إلى يومنا هذا.
وقد نشأ ،في وسط األمازيغيين ،مجموعة من علماء الدين والالهوت
الذين تمكنوا من اللغات والثقافات المجاورة ،فتسلحوا بعلوم الدين
والمنطق والفلسفة والجدل والمناظرة ،ثم أصبحت لهم مكانة كبيرة في
تاريخ العقيدة وأصول الدين والفكر إلى يومنا هذا.
50
ثبت المصادر والمراجع
المصـــــادر العامة:
51
-6المالكي :رياض النفوس ،تحقيق حسين مؤنس ،القاهرة ،مصر،
1951م.
-7هيرودوت :أحاديث هيرودوت عن الليبيين (األمازيغ) ،تحقيق
مصطفى أعشي ،منشورات المعهد الملكي للثقافة األمازيغية ،الرباط،
المغرب ،الطبعة األولى سنة 2008م.
52
-13أنجلوغريلي :أسلمة وتعريب بربر شمال المغرب ،ترجمة عبد
العزيز هبر،منشورات وزارة الثقافة ،مطبعة دار المناهل ،الرباط،
المغرب2009،م.
-14أنتوني غدنز :علم االجتماع ،ترجمة :فايز الصياغ ،مركز
دراسات الوحدة العربية ،بيروت ،لبنان ،الطبعة األولى 2005م.
-15جون سكوت :علم االجتماع ،المفاهيم األساسية ،الشبكة العربية
لألبحا والنشر ،بيروت ،لبنان ،الطبعة الثانية 2013م.
-16الحسن السايح :الحضارة المغربية ،الجزء األول ،منشورات
عكاظ ، ،الرباط ،المغرب ،الطبعة األولى 2000 ،م.
-17ارل أندري جوليـان :تاريخ إفريقيا الشمالية ،تعريب :محمد
مزالي البشير بن سالمة ،الدار التونسية للنشر 1969م.
-18فا يـه إميـل :مدخل إلى األدب :ترجمة :مصطفى ماهر ،لجنة
البيان العربي ،القاهرة ،مصر ،طبعة 1958م.
-19عباس الجراري :األدب المغربي من خالل ظواهره و قضاياه،
الجزء األول ،مكتبة المعارف ،الرباط ،المغرب ،الطبعة
الثانية1982،م.
-20عبد هللا العروي :مجمل تاريخ المغرب ،المركز الثقافي العربي،
الدار البيضاء ،المغرب ،طبعة 1984م.
-21العربي اكنينح :في المسألة األمازيغية :أصول المغاربة ،مطبعة
آنفو برانت ،فاس ،المغرب ،الطبعة األولى ،سنة 2003م.
-22عز الدين المناصرة :المسألة األمازيغية في الجزائر والمغرب،
دار الشروق ،األردن ،الطبعة األولى1999 ،م.
-23علي محمد محمد الصالبي :صفحات من تاريخ ليبيا اإلسالمي
والشمال األفريقي ،دار البيارق،عمان ،األردن ،الطبعة األولى ،سنة
1998م.
-24محمد بوكبوط :الممالك األمازيغية في مواجهة التحديات،
مركزطارق بن زياد ،الرباط ،المغرب ،الطبعة االولى سنة 2002م.
53
-25محمد فيق :لمحة عن ثالثة و ثالثين قرنا من تاريخ
األمازيغيين ،دار الكالم ،الرباط ،طبعة 1989م.
-26محمد يت خطاب :قادة فتح بالد المغرب ،الجزء األول،دار
الفكر ،الطبعة السابعة1984 ،م.
-27محمد الطالبي وإبراهيم العبيدي :البرغواطيون في المغرب،
مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،المغرب ،الطبعة األولى ،سنة
1999م.
-28محمد محيي الدين المشرفي :أفريقيا الشمالية في العصر القديم،
دار الكتب العربية ،الطبعة الرابعة ،سنة 1969م.
المراجـــع األجنبيــة:
29-Malinowski: Magic, science and religion, and
other essays, London. Souvenir Press, 1982.
30-Saint Augustin, Confessions, III, 3, trad.
d'Arnauld d'Andilly (1649), établie par O. Barenne,
éd. Ph. Sellier, Gallimard, " Folio ", 1993.
31-Yves Lambert :La naissance des religions : De la
préhistoire aux religions universalistes, Armand
Colin, 2007 .
32-Yves Lambert : Dieu change en Bretagne : La
religion à Limerzel de 1900 à nos jours, Cerf, 1985.
54
السيـــرة العلـــمية:
55
-رئيس الهيئة العربية لنقاد القصة القصيرة جدا.
-رئيس الهيئة العربية لنقاد الكتابة الشذرية ومبدعيها.
-رئيس جمعية الجسور للبحث في الثقافة والفنون.
-رئيس مختبر المسرح األمازيغي.
-عضو الجمعية العربية لنقاد المسرح.
-عضو رابطة األدب اإلسالمي العالمية.
-عضو اتحاد كتاب العرب.
-عضو اتحاد كتاب اإلنترنت العرب.
-عضو اتحاد كتاب المغرب.
-من منظري فن القصة القصيرة جدا وفن الكتابة الشذرية.
-مهتم بالبيداغوجيا والثقافة األمازيغية.
-ترجمت مقاالته إلى اللغة الفرنسية و اللغة الكردية.
-ههارك فههي مهرجانههات عربيههة عههدة فههي كههل مههن :الجزائههر ،وتههونس،
وليبيهههههها ،ومصههههههر ،واألردن ،والسههههههعودية ،والبحههههههرين ،والعههههههراق،
واإلمارات العربية المتحدة،وسلطنة عمان...
-مستشار في مجموعة مهن الصهحف والمجهالت والجرائهد والهدوريات
الوطنية والعربية.
-نشر أكثر مهن ألهف وثالثهين مقهال علمهي محكهم وغيهر محكهم ،وعهددا
كثيههرا مههن المقههاالت اإللكترونيههة .ولههه أكثههر مههن )154كتههاب ورقههي،
وأكثر من مائتي وعشرين كتاب إلكتروني منشور في موقعي المثقف)
وموقع األلوكة) ،وموقع أدب فن).
-ومههن أهههم كتبههه :فقههه النههوازل ،ومفهههوم الحقيقههة فههي الفكههر اإلسههالمي،
ومحطههات العمههل الديههدكتيكي ،وتههدبير الحيههاة المدرسههية ،وبيههداغوجيا
األخطاء ،ونحو تقويم تربوي جديد ،والشذرات بين النظرية والتطبيهق،
والقصههة القصههيرة جههدا بههين التنظيههر والتطبيههق ،والروايههة التاريخيههة،
تصههورات تربويههة جديهههدة ،واإلسههالم بهههين الحداثههة ومههها بعههد الحداثهههة،
ومجههزءات التكههوين ،ومههن سههيميوطيقا الههذات إلههى سههيميوطيقا التههوتر،
والتربيههة الفنيههة ،ومههدخل إلههى األدب السههعودي ،واإلحصههاء التربههوي،
56
ونظريههات النقههد األدبههي فههي مرحلههة مابعههد الحداثههة ،ومقومههات القصههة
القصيرة جدا عند جمال الدين الخضيري ،وأنواع الممثهل فهي التيهارات
المسههرحية الغربيههة والعربيههة ،وفههي نظريههة الروايههة :مقاربههات جديههدة،
وأنطولوجيهها القصههة القصههيرة جههدا بههالمغرب ،والقصههيدة الكونكريتيههة،
ومن أجل تقنيهة جديهدة لنقهد القصهة القصهيرة جهدا ،والسهيميولوجيا بهين
النظريههة والتطبيههق ،واإلخههراج المسههرحي ،ومههدخل إلههى السههينوغرافيا
المسرحية ،والمسرح األمازيغي ،ومسرح الشباب بهالمغرب ،والمهدخل
إلهههى اإلخهههراج المسهههرحي ،ومسهههرح الطفهههل بهههين التهههأليف واإلخهههراج،
ومسرح األطفال بهالمغرب ،ونصهوص مسهرحية ،ومهدخل إلهى السهينما
المغربيههههة ،ومنههههاهج النقههههد العربههههي ،والجديههههد فههههي التربيههههة والتعلههههيم،
وببليوغرافيهها أدب األطفههال بههالمغرب ،ومههدخل إلههى الشههعر اإلسههالمي،
والمههههدارس العتيقههههة بههههالمغرب ،وأدب األطفههههال بههههالمغرب ،والقصههههة
القصيرة جدا بالمغرب،والقصة القصيرة جدا عند السعودي علي حسهن
البطران ،وأعالم الثقافة األمازيغية...
-عنههههههوان الباحههههههث :جميههههههل حمههههههداوي ،صههههههندوق البريههههههد،1799
الناظور ،62000المغرب.
-جميههل حمههداوي ،صههندوق البريههد ،10372البريههد المركههزي تطههوان
،93000المغرب.
-الهاتف النقال0672354338:
-الهاتف المنزلي0536333488:
-اإليميلHamdaouidocteur@gmail.com:
Jamilhamdaoui@yahoo.
57
الغالف الخارجي
عرف األمازيغيون ،في منطقهة تامازغها ،أو همال أفريقيها،أو المغهرب
الكبيههر ،مجموعههة مههن المعتقههدات والههديانات ،مثههل :الوثنيههة ،واليهوديههة،
والمسيحية ،واإلسالم .وقد تمثل األمازيغ هذه المعتقدات والديانات عهن
طريق التأثر بالشعوب المجاورة أو الغازية أو الفاتحة ،مع التهأثير فيهها
كذلك عقديا ودينيا.
ولم يقف األمازيغ عند حد التأثر فقط ،بهل سهاهموا فهي إثهراء الحركهات
الدينية وإغنائها مع مجموعة مهن الالههوتيين والمفكهرين ورجهال الهدين
األمهههههههههههههازيغيين ،كمههههههههههههها ههههههههههههههو هههههههههههههأن أريهههههههههههههوس )Arius
وأوغيسطينوس) (Augustineعلى سبيل التمثيل ليس إال.
58