You are on page 1of 58

‫جميل حمداوي‬

‫المعتقدات الدينية عند األمازيغ‬

‫‪1‬‬
‫المؤلف‪ :‬جميل حمداوي‬
‫العنوان ‪ :‬المعتقدات الدينية عند األمازيغ‬
‫الطبعة األولى‪2017:‬م‬
‫حقوق الطبع محفوظة للمؤلف‬

‫‪2‬‬
‫اإلهـــــداء‬

‫أهدي هذا الكتاب إلى المبدع المتميز األستاذ‬


‫المفتش أحمد المخلوفي الذي أثرى الساحة‬
‫الثقافية المغربية بقصصه ورواياته الحداثية‬
‫الجادة والمتميزة والرصينة‪.‬‬

‫‪3‬‬
4
‫الفهرس‬

‫اإلهداء‬
‫الفهرس‪5..........................................................................‬‬
‫المقدمة‪6..........................................................................‬‬
‫المبحث األول‪ :‬مفهوم الدين والمعتقد‪8.......................................‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬المعتقدات الوثنية عند األمازيغ‪14.................. ......‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬األمازيغ والديانة اليهودية‪21...............................‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬األمازيغ والديانة المسيحية ‪25.............................‬‬
‫المبحث الخامس‪ :‬األمازيغ واإلسالم‪42......................................‬‬
‫الخاتمة‪49.........................................................................‬‬
‫ثبت المصادر والمراجع‪51 ....................................................‬‬

‫‪5‬‬
‫المقدمة‬
‫يتناول هذا الكتاب مجمل المعتقدات واألديان المعروفة عند األمازيغ‬
‫قديما وحديثا‪ .‬وبتعبير آخر‪ ،‬يعنى هذا المصنف برصد التطور الديني‬
‫عند األمازيغ‪ ،‬بانتقالهم من المعتقدات الوثنية إلى اعتناق األديان‬
‫السماوية الثالثة‪.‬‬
‫ومن المعروف أن الدين جزء من المجتمع‪ ،‬أو هو بمثابة مؤسسة‬
‫مجتمعية كباقي المؤسسات األخرى التي لها دور هام داخل النسق‬
‫االجتماعي الوظيفي‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فالدين له تأثير كبير في المجتمع‪.‬كما‬
‫للمجتمع تأثيره الخاص في الدين‪.‬‬
‫إذاً‪ ،‬هناك عملية تأثير وتأثر متبادلة‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فالدين هو نتاج الحياة‬
‫المجتمعية القائمة على التالحم‪ ،‬والتضامن‪ ،‬والتعاون‪ ،‬والتآزر‪،‬‬
‫والتسامح‪ ،‬والتعايش‪ ...‬وبالتالي‪ ،‬يعبر الدين عما هو مجتمعي‪.‬‬
‫عالوة على ذلك‪ ،‬يعكس الدين ‪ -‬حسب كارل ماركس‪ -‬الصراع‬
‫الطبقي‪ ،‬والتفاوت االجتماعي‪ ،‬ويعبر عن استالب اإلنسان واغترابه‬
‫وضياعه في مجتمع البؤس والشقاء واالستغالل‪ .‬بمعنى أن الدين أفيون‬
‫الشعوب‪ ،‬وأداة لتخدير الناس وتكليسهم‪ ،‬ووسيلة إيديولوجية لدفع‬
‫الناس إلى القناعة والرضا واالقتناع بما قسم هللا لهم‪ ،‬وحثهم على‬
‫انتظار اآلخرة حتى يظفروا بما أعد هللا لهم من جزاء‪ ،‬فيعوضهم عن‬
‫مآسي الدنيا ومعاناتها‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬يحقق الدين أو المعتقد السعادة النفسية‪ ،‬واالطمئنان‬
‫الروحي‪ ،‬واالستقرار المجتمعي‪ ،‬والطمأنينة الوجدانية‪ ،‬والتوازن بين‬
‫ماهو دنيوي وأخروي‪.‬‬
‫وعليهههه‪ ،‬فقههههد عهههرف األمههههازيغيون‪ ،‬فههههي منطقهههة تامازغهههها‪ ،‬أو ههههمال‬
‫أفريقيهها‪،‬أو المغههرب الكبيههر‪ ،‬مجموعههة مههن المعتقههدات والههديانات‪ ،‬مثههل‪:‬‬
‫الوثنيههة‪ ،‬واليهوديههة‪ ،‬والمسههيحية‪ ،‬واإلسههالم‪ .‬وقههد تمثههل األمههازيغ هههذه‬

‫‪6‬‬
‫المعتقدات والديانات عن طريق التأثر بالشعوب المجاورة أو الغازية أو‬
‫الفاتحة‪ ،‬مع التأثير فيها كذلك عقديا ودينيا‪.‬‬
‫ولم يقف األمازيغ عند حد التأثر فقط‪ ،‬بهل سهاهموا فهي إثهراء الحركهات‬
‫الدينية وإغنائها مع مجموعة مهن الالههوتيين والمفكهرين ورجهال الهدين‬
‫األمهههههههههههههازيغيين‪ ،‬كمههههههههههههها ههههههههههههههو هههههههههههههأن أريهههههههههههههوس ‪)Arius‬‬
‫وأوغيسطينوس)‪ (Augustine‬على سبيل التمثيل ليس إال‪.‬‬
‫عالوة على ذلك‪ ،‬فقد كان األمازيغ أكثر تشبثا بعقائهدهم وديانهاتهم أكثهر‬
‫مههن الههذين نشههروها ‪ ،‬كمهها هههو الحههال مههع الههديانات السههماوية الههثال ‪:‬‬
‫اليهودية‪ ،‬والمسيحية‪ ،‬واإلسالم ‪.‬‬
‫إذاً‪ ،‬مهها أهههم المعتقههدات الوثنيههة التههي تشههربها األمههازيغيونو ومهها أهههم‬
‫الههديانات السههماوية التههي اعتنقوهههاو وكيههف تعههاطوا مههع هههذه المعتقههدات‬
‫والدياناتو هذا ماسوف نعرفه في كتابنا هذا‪.‬‬
‫و نرجو من هللا عز وجل أن يوفقنا في هذا الكتاب المتواضع‪ ،‬و يسدد‬
‫خطانا‪ ،‬وير دنا إلى ما فيه صالحنا‪ ،‬ونستغفره عن هفواتنا وكبواتنا‬
‫وأخطائنا وزالتنا‪.‬‬
‫كما نستسمح القراء األفاضل عما في هذا الكتاب من نقص‪ ،‬وتقصير‪،‬‬
‫ونسيان‪ ،‬فالكمال والتمام من صفات سبحانه وتعالى جل أنه وعال‪،‬‬
‫وما توفيقي إال باهلل‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫المبحث األول‪ :‬مفهـــوم الدين والمعتقد‬
‫قبل تحديد معتقدات اإلنسان األمازيغي وتوصيفها‪ ،‬علينا أن نعرف‬
‫الدين لغة واصطالحا على النحو التالي‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬تعريـــف مفهـــوم الديـــن‬

‫من المعروف أن الدين قضية إ كالية معقدة‪ ،‬يصعب تعريفها وتحديدها‬


‫وضبطها بدقة‪ .‬كما أنها مقولة مجردة أزعجت المفكرين والعلماء‬
‫والباحثين بصفة عامة‪ ،‬وعلماء االجتماع بصفة خاصة نظرا لتعدد‬
‫تعاريف الدين وتناقضها واختالفها‪ ،‬وتضارب مفاهيمها ومضامينها‬
‫وتأويالتها من عالم إلى آخر‪ .‬وعلى الرغم من ذلك‪ ،‬فالدين ظاهرة‬
‫ثقافية أكثر مما هي طبيعية‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فالدين عبارة عن هبة ربانية‪ ،‬أو‬
‫منحة‪ ،‬أو نعمة أنعمها هللا على عبده‪.‬‬
‫ويمكن تعريف الدين بكونه مجموعة من المعتقدات المتعالية عن‬
‫المكان والزمان الحسيين‪ .‬وهو أيضا عبارة عن مجموعة من األفكار‬
‫الغيبية الخارقة والممارسات االحتفالية والطقوسية التي لها عالقة‬
‫باإليمان واالعتقاد وتمثل القيم الفضلى‪ .‬وبالتالي‪ ،‬يتميز السلوك الديني‬
‫باالنتقال من المدنس نحو المقدس‪ ،‬أو االنتقال من الدنيوي إلى‬
‫األخروي أو الروحاني‪ ،‬وتحريم المساس بالمقدس أو انتهاكه أو‬
‫اإلساءة إليه‪.‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬فالدين بمثابة طابو اليمكن خرقه أو تجاوزه أو التمرد عنه‪.‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬فالدين هو " اإليمان بقوة علوية سامية تأمر الناس بقيم‬
‫أخالقية وأنماط سلوكية معينة‪ ،‬وتبشرهم بحياة أخرى‪" 1.‬‬

‫‪ - 1‬أنتوني غدنز‪ :‬علم االجتماع ‪ ،‬ترجمة‪ :‬فايز الصياغ‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى ‪2005‬م‪ ،‬ص‪.569:‬‬

‫‪8‬‬
‫ويعني هذا أن الدين مجموعة من الطقوس والشعائر والعبادات‬
‫والممارسات االحتفالية والقربانية ‪ ،‬تحمل في طياتها دالالت رمزية‪،‬‬
‫تعبر عن ارتباط اإلنسان بخالقه‪ ،‬سواء أكان هذا الخالق هو هللا المنزه‬
‫عند المسلمين‪ ،‬أم الذات المتعددة عند المسيحيين‪ ،‬أم خصيات‬
‫محترمة ومقدسة كبوذا وكونفشيوس‪ ،‬أم أوثانا وأصناما وتماثيل ونيرانا‬
‫وحيوانات وأحجارا ونباتات كما عند الوثنيين والمجوس والملحدين‬
‫والكفار‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬يتضمن الدين وظيفة ذاتية ووظيفة اجتماعية‪ .‬ففيما‬
‫يخص الوظيفة األولى‪ ،‬يغرس الدين في اإلنسان الحب والصفاء‬
‫والوفاء واإلخالص وحب هللا‪ ،‬واحترام المقدس‪ .‬كما يريحه ذهنيا‬
‫ونفسيا ووجدانيا وجسديا‪.‬أي‪ :‬يحقق توازنه الشعوري والال عوري‪،‬‬
‫ويهبه السعادة العقلية والروحية والبدنية‪ .‬أما فيما يخص الوظيفة‬
‫الثانية‪ ،‬يدفعه الدين إلى االنصهار في المجتمع‪ ،‬وخضوعه لقواعده‬
‫وعاداته وتقاليده ومعتقداته‪ ،‬ضمن روابط التضامن وااللتحام والتماسك‬
‫االجتماعي‪.‬‬
‫وعليه‪ " ،‬يعد الدين مقولة مزعجة لكل من المشرعين وعلماء‬
‫االجتماع‪ ،‬وذلك ألن المفاهيم الدنيوية التتوافق مع تلك غير‬
‫الدنيوية‪.‬ومن األسباب ذات الصلة بذلك أن الدين يخرق بصورة‬
‫جذرية ذلك الفارق القاطع بين الثقافة والطبيعة‪ .‬يتعامل عالم االجتماع‬
‫مع الدين باعتباره ظاهرة ثقافية‪ ،‬وهذا اليتوافق ورأي معتنقي األديان‪.‬‬
‫الدين في نظر المسيحي واليهودي والمسلم وغيرهم هبة من الرب‪،‬‬
‫خالق كل يء‪.‬وكلمة دين‪ .‬بما تحويه من معان ثقافية‪ -‬إ كالية‬
‫بالنسبة إلى العديد من المؤمنين‪ ،‬حيث يفضلون في األغلب الحديث‬
‫عن معتقدهم‪.‬وهو ما قد يفسر سبب الرأي الديني والمسيحي المعارض‬
‫جدا للمثلية الجنسية‪ :‬ففي ذلك نقض ليس ألوامر الرب فحسب‪ ،‬بل‬
‫كذلك للنظام الطبيعي الذي وضعه‪.‬ويمكن مقارنة هذا بتعامل اإلسالم‬
‫مع االرتداد عن الدين اإلسالمي‪ -‬فهو إثم اليغتفر‪ .‬فعندما يعتنق الفرد‬

‫‪9‬‬
‫اإلسالم اليقال إنه تحول إلى اإلسالم‪ ،‬بل عاد إلى اإلسالم‪ ،‬وهذا ألن‬
‫‪2‬‬
‫المنظور اإلسالمي يرى أن فطرة المرء هي اإلسالم‪".‬‬
‫وبناء على ما سبق‪ ،‬يتبين لنا أن ما يميز الدين هو الطابع الطقوسي‬
‫الجماعي‪ ،‬واستعمال وسائط سلوكية أو عورية أو ال عورية ‪ .‬وفي‬
‫هذا‪ ،‬يقول أنتوني غدنز ‪ ":)A.Giddens‬كما أن ثمة تنوعا كبيرا في‬
‫ممارسة الطقوس المرتبطة بالدين‪.‬وقد تتضمن هذه الشعائر أنماطا‬
‫سلوكية أو عورية مثل‪ :‬الصالة‪ ،‬والقراءة‪ ،‬والترتيل‪ ،‬أو الغناء‪ ،‬أو‬
‫الحركة الجسمانية؛ أو تناول أطعمة معينة؛ أو االمتناع عنها في أوقات‬
‫محددة‪ .‬وربما تكتسب بعض هذه العناصر والشعائر طابع السلوك‬
‫الفردي الشخصي الذي قد يقوم به المرء بمفرده‪.‬غير أن ثمة إجماعا‬
‫بين العلماء االجتماعيين على أن السلوك االحتفالي الجمعي هو من‬
‫أبرز خصائص المعتقدات الدينية التي تميزه عن ممارسات أخرى مثل‬
‫السحر‪.‬ويرى واحد من أبرز علماء االجتماع واألنتروبولوجيا‬
‫المحدثين مالينوفسكي‪ 3)1982 / Malinowski‬إلى أن الجماعة في‬
‫مجتمع التروبرياند البدائي في المحيط الهادي تقيم مثل هذه الطقوس‬
‫الجماعية بصورة به دينية قبل أن يغادر أحد القوارب الشاطىء‬
‫محمال بأبناء القبيلة في رحلة محفوفة بالمخاطر‪.‬لكنهم اليقيمون مثل‬
‫هذه الشعائر الجمعية إذا ما ركب أحدهم زورقه الصغير لصيد‬
‫‪4‬‬
‫السمك"‪.‬‬
‫وإذا كانت المجتمعات الحديثة‪ ،‬والسيما العلمانية منها‪ ،‬التعطي أهمية‬
‫تذكر للدين‪ ،‬فإن المجتمعات التقليدية اليمكن أن تعيش بدون الدين‪ .‬لذا‪،‬‬
‫فهي تقدس زعماءها وأولياءها وكهنتها ورهبانها وأحبارها‪ .‬وفي هذا‪،‬‬
‫يقول غدنز‪ ":‬ويمثل الدين في المجتمعات التقليدية محورا مركزيا في‬

‫والنشر‪،‬‬ ‫‪ - 2‬جون سكوت‪ :‬علم االجتماع‪ ،‬المفاهيم األساسية‪ ،‬الشبكة العربية لألبحا‬
‫بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة الثانية ‪2013‬م‪ ،‬ص‪.207:‬‬
‫‪3‬‬
‫‪-Malinowski: Magic, science and religion, and other essays,‬‬
‫‪London. Souvenir Press, 1982.‬‬
‫‪ - 4‬أنتوني غدنز‪ :‬علم االجتماع‪ ،‬ص‪.570:‬‬

‫‪10‬‬
‫حياة الناس‪.‬وكثيرا ما تندمج الرموز الدينية والطقسية‪ ،‬وتتغلغل في‬
‫تضاعيف الحياة العادية والروحية والثقافية والفنية في المجتمعات‬
‫التقليدية‪ ،‬وإلى حد أقل في المجتمعات الحديثة‪ .‬وقد تتراوح الرموز‬
‫والزعامات الممثلة لالنتماء الديني بين القيادات المعروفة على الصعيد‬
‫العام في الحياة المعاصرة من جهة‪ ،‬ومفهوم الولي أو الشامان أو‬
‫الكاهن القديم الذي كان ائعا في المجتمعات البدائية والتقليدية بوصفه‪،‬‬
‫بحسب المزاعم التي تبرر وجوده وممارساته‪ ،‬قادرا على التوسط بين‬
‫‪5‬‬
‫الناس وقوى سحرية فوقية‪".‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬فالدين ضرورة اجتماعية وسيكولوجية وميتافيزيقية ‪ ،‬يقدم‬
‫إجابات وافية عن أسئلة ماورائية ومجتمعية محيرة ومثيرة ومقلقة‪،‬‬
‫مثل‪ :‬األلم‪ ،‬والحياة‪ ،‬والموت‪ ،‬والبعث‪ ،‬والجزاء‪...‬‬
‫ويعني هذا أن الدين عبارة عن إجابات نسقية املة وكلية حول‬
‫الوجود‪ ،‬وهللا‪ ،‬واإلنسان‪ ،‬والمعرفة‪ ،‬والعالم‪ ،‬واألخالق‪ ،‬والمصير‪،‬‬
‫والعدالة‪...‬‬
‫وأكثر من هذا‪ ،‬فالدين هو الذي يحقق السعادة النسبية أو المطلقة‬
‫لإلنسان‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فاهلل فكرة نافعة لإلنسان حسب فولتير ‪.)Voltaire‬‬
‫وإن كان سارتر )‪ (Sartre‬يرى ‪ ،‬عكس ذلك‪ ،‬أن هللا فكرة مضرة‪.‬‬
‫أضف إلى ذلك أن الدين هو مصدر المعارف والحقائق الدنيوية‬
‫والكونية‪ ،‬ومرجع أنطولوجي إلنية اإلنسان ووجوده في عالقة بذاته‪،‬‬
‫أو بالعالم الذي يوجد فيه‪ ،‬أو في عالقته الجوانية باهلل أو الصنم الذي‬
‫يعبده ويقدسه أو يتقرب إليه‪ .‬كما يتضمن الدين حقائق معرفية حسية‬
‫وعقلية وخارقة‪ .‬ويحوي قيما أخالقية مثلى تتحقق بها الفضيلة والكمال‬
‫والسعادة القصوى‪.‬‬
‫إذاً‪ ،‬فالدين هو تفسير امل للعالم‪ ،‬وإجابة عن مختلف مشاكل اإلنسان‬
‫وهمومه‪ ،‬وما يؤرقه من أسئلة واقعية‪ ،‬وغيبية‪ ،‬وميتافيزيقية ‪ ،‬ودينية‪،‬‬

‫‪ - 5‬أنتوني غدنز‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.570:‬‬

‫‪11‬‬
‫وعقائدية‪ ،‬وتشريعية‪...‬كما يوطد الدين العالقات البشرية األخوية‬
‫والمجتمعية‪ ،‬ويعطي معنى للحياة‪...‬‬
‫ويرى السوسيولوجي الفرنسي إيف المبير (‪ )Yves Lambert‬أن‬
‫الدين ينبني على ثالثة معايير أساسية هي‪:‬‬
‫‪ ‬يميز الدين بين واقع تجريبي دنيوي حسي يمكن مقاربته علميا‪،‬‬
‫وواقع غيبي وأخروي متعال عن اإلنسان‪ ،‬اليمكن إدراكه بالعقل‬
‫والحواس والتجربة؛ ألنه يتجاوز نطاق الطبيعة وقدرات اإلنسان‬
‫العقلية المحدودة؛‬
‫❖ تتحقق التجربة الدينية بتواجد اإلنسان في عالقة مع هللا‪ ،‬أو مع‬
‫العوالم المتعالية‪ .‬وتتأكد هذه التجربة الروحية عبر مجموعة من‬
‫الوساطات الرمزية الصالة‪ ،‬والقراءة‪ ،‬والترتيل‪ ،‬والتضحية‪ ،‬والتقليد‪،‬‬
‫والعادات‪ ،‬والفداء‪ ،‬والقربان‪ ،‬إلخ)؛‬
‫‪ ‬الدين عبارة عن طقوس جماعية أو نظام من المعتقدات‬
‫والممارسات المرتبطة بعوالم غيبية متعالية عن اإلنسان‪ ،‬تمارس عبر‬
‫وسائط رمزية للتقرب من هللا أو المعبود الذي يختاره اإلنسان حسب‬
‫معتقده الديني‪.6‬‬
‫هذا‪ ،‬ويستند التفكير الديني إلى مجموعة من المبادئ والمرتكزات‬
‫واألفكار النظرية التي يمكن حصرها فيما يلي‪:‬‬
‫‪ ‬فكرة الربوبية‪.‬أي‪ :‬االعتقاد بوجود إله أو رب واحد سرمدي‪،‬‬
‫ومطلق الكمال؛‬
‫❖ فكرة بدء الخلق‪ ،‬ويعني هذا أن هللا خلق جميع الموجودات التي‬
‫توجد في هذا العالم‪ ،‬وهذه الموجودات خلقت من عدم؛‬
‫‪ ‬فكرة الوحي التي مفادها أن الحقائق التي جاء بها األنبياء والرسل‬
‫هي حقائق يقينية وصادقة‪ ،‬اليمكن التشكيك أو الطعن فيها؛‬
‫‪6‬‬
‫‪- Yves Lambert :La naissance des religions : De la préhistoire‬‬
‫‪aux religions universalistes, Armand Colin, 2007 ; Dieu change‬‬
‫‪en Bretagne : La religion à Limerzel de 1900 à nos jours, Cerf,‬‬
‫‪1985.‬‬

‫‪12‬‬
‫‪‬فكرة اإليمان القائمة على تلك العالقة الخالصة والصادقة التي‬
‫تربط العبد باهلل‪ ،‬ومركز اإليمان هو القلب ال العقل؛‬
‫‪ ‬الدين عقيدة وشريعة‪ :‬يعني هذا أن الدين اعتقاد وعمل‪ ،‬إيمان‬
‫وسلوك‪ ،‬وربط وثيق بين النظري والعملي؛‬
‫‪‬الدين بناء وعمران وتطور للمجتمع‪ .‬ويعني هذا أن هللا خلق‬
‫اإلنسان ليعمر الكون‪ ،‬ويستخلفه فيه من أجل البناء والتنمية وتحقيق‬
‫التقدم واالزدهار؛‬
‫‪ ‬فكرة الوسطية‪ :‬ينبني الدين الحق على الوسطية واالعتدال‪ ،‬ونبذ‬
‫التشدد والتطرف والكراهية والمبالغة ‪ ،‬والسعي من أجل الحق والعدالة‬
‫وعدم مجانبة الصواب؛‬
‫‪ ‬فكرة التوازن‪ :‬يستند الدين إلى تحقيق التوازن بين ماهو مادي‬
‫وروحاني‪ ،‬بين ماهو دنيوي وأخروي؛‬
‫‪ ‬فكرة اإلنسانية‪ :‬ويعني هذا أن الدين عقيدة إنسانية لخدمة اإلنسان‬
‫أينما حل وارتحل‪.‬‬
‫وخالصة القول‪ ،‬فالدين مفهوم معقد وغامض‪ ،‬يطرح إ كاليات‬
‫عويصة في مختلف المجاالت المعرفية والعلمية‪ .‬ومن ثم‪ ،‬يمكن القول‪:‬‬
‫إن الدين عبارة عن نسق من المعتقدات والممارسات والمشاعر‬
‫الروحية واالحتفاالت الطقوسية والتراتيل التي يلتجئ إليها اإلنسان‪ ،‬إما‬
‫للتقرب من المعبود لنيل رضاه وبركته وعطفه‪ ،‬وإما لتحقيق أمنياته‬
‫وأغراضه ومآربه ‪ ،‬وإما لقضاء حاجياته المادية والمعنوية‪.‬‬
‫ويمكن الحديث عن أنواع عدة من الدين التي يمكن حصرها في ما‬
‫يلي‪:‬‬
‫‪‬الدين الطوطمي الذي يتخذ طابع السحر والخرافة والشعوذة‪ ،‬ويعبر‬
‫عن رغبات نفسية مكبوتة أو رغبات اجتماعية محرومة‪.‬‬
‫❖الدين اإلحيائي الذي يجعل المخلوقات الغيبية واألخروية تعيش مع‬
‫اإلنسان وتحيا معه‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫‪‬الدين الشخوصي الذي يرتبط بعبادة األ خاص والتبرك بهم ‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫تقديس الشخصيات العامة البارزة‪ ،‬أو تقديس الحكماء والقديسين‬
‫والشيوخ‪....‬‬
‫‪‬الدين األخالقي المرتبط بالكونفو يوسية والبوذية والطاوية ‪.‬بيد أن‬
‫هذه الديانات خاضعة للنسق القيمي أو األخالقي‪ .‬أي‪ :‬هدفها هو تعليم‬
‫الناس األخالق النبيلة والفضائل المثلى‪.‬‬
‫‪‬الدين األيقوني الذي يعتمد على التماثيل واألصنام واألوثان ‪،‬‬
‫وتدخل فيه المعبودات الحجرية والحيوانية والنباتية والحديدية‪.‬‬
‫‪‬الدين الربوبي الذي يتعلق بالرب أو اإلله‪.‬‬
‫‪‬الدين المدني الذي يتعلق بتقديس الشخصيات المدنية ورؤساء‬
‫الدولة‪ ،‬واالحتفاء بالزعماء والمنتصرين والضحايا‪ ،‬وخاصة في‬
‫الديمقراطيات الغربية أو الدول المستبدة‪...‬‬

‫‪14‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬المعتقدات الوثنية عند األمازيغ‬
‫من األكيد والثابهت أن لألمهازيغيين‪ ،‬مثهل الشهعوب البدائيهة‪ ،‬معتقهداتهم‬
‫الدينيههة والوثنيههة الخاصههة بهههم‪ ،‬فقههد كانههت طقوسهههم السههحرية تعبههر عههن‬
‫تفكيرهم األسطوري الساذج الذي ارتهبط بالطبيعهة ارتباطها وثيقها‪ ،‬يقهوم‬
‫علهههى اإلحيائيهههة واألنسهههنة والتجسهههيد‪ .‬بمعنهههى أن اإلنسهههان األمهههازيغي‬
‫أسطوري منذ تواجهده علهى األرض‪ .‬وفهي ههذا الصهدد‪ ،‬يحصهر دوطهي‬
‫‪ )Douté‬وثنية األمازيغيين فهي اهتمهامهم الكبيهر بهالطقوس والقهرابين‬
‫المقدسهة بقولههه‪ ":‬ففههي الحهين الههذي تتغيههر فيهه المعتقههدات‪ ،‬يظههل الطقههس‬
‫باقيا ً كتلك المحارات المستحثة للرخويات المنقرضة التي تساعدنا علهى‬
‫تحديههد العصههور الجيولوجيههة‪ .‬إن بقههاء الطقههس و ثباتههه هههو علههة البقههاء‬
‫‪7‬‬
‫والرواسب التي نصادفها في كل مكان «‬
‫إذاً‪ ،‬كههان اإلنسههان األمههازيغي إنسههانا طقسههيا‪ ،‬يمههارس ههعائره الدينيههة‬
‫األسهههطورية عبهههر فعهههل الطقهههس والسهههحر والقربهههان‪ ،‬واإليمهههان بهههالجن‬
‫والقههوى الخارقههة‪ ،‬وعبههادة الحيوانههات وقههوى الطبيعههة المختلفههة كبههاقي‬
‫الشههعوب البدائيههة األخههرى‪ .‬وفههي هههذا السههياق‪ ،‬يقههول الباحههث اإلسههباني‬
‫غريلي ‪ ": )Ghrili‬إن كل تلك المعتقهدات التهي تبناهها البربرتباعهاً‪ ،‬لهم‬
‫تههتمكن مههن تحطههيم العمههق الههديني البههدائي البربههري‪ ،‬أعنههي عبههادة قههوى‬
‫الطبيعههة ‪ .‬و عبههادة الجههن المتحكمههين فههي هههذه القههوى‪ ،‬وطبيعههة المههاء‪،‬‬
‫والعيههون والنهههار‪...‬إلخ‪ ،‬والممارسهههات السهههحرية التهههي ال زالهههت سهههارية‬
‫‪8‬‬
‫االستعمال إلى اآلن‪".‬‬

‫‪ - 7‬إد موند دوطي‪ :‬السحر و الدين في أفريقيا الشمالية ‪ ،‬ترجمة ‪ :‬فريد الزاهي ‪،‬‬
‫منشورات مرسم ‪،‬مطبعة بورقراق الرباط‪، 2008،‬ص‪.415:‬‬
‫‪ - 8‬أنجلوغريلي ‪:‬أسلمة وتعريب بربر شمال المغرب‪ ،‬ترجمة عبد العزيز‬
‫هبر‪،‬منشورات وزارة الثقافة ‪ ،‬مطبعة دار المناهل‪ ،‬الرباط‪،2009،‬ص‪.200 :‬‬

‫‪15‬‬
‫ويرى هيهرودوت ‪ )Hérodote‬أن " جميهع الليبيهين يقهدمون القهرابين‬
‫‪9‬‬
‫للشمس والقمر‪ ،‬وأنه للشمس والقمر وحدهما يقدمون القرابين"‬
‫وقههد عبههد األمههازيغيون العناصههر الطبيعيههة ‪ ،‬مثههل‪ :‬السههماء‪ ،‬والشههمس‪،‬‬
‫والقمر‪ ،‬والنهار‪ ،‬والبحهر‪ ،‬والجبهال‪ ،‬والكههوف‪ ،‬والغابهات‪ ،‬واألحهرا ‪،‬‬
‫والوديان‪ ،‬واألنهار‪ ،‬واألحجار‪ ،‬واألصنام‪ ،‬واآلثهار المقدسهة كلهها‪ ،‬كمها‬
‫كانوا يأكلون الخنازير‪ ،‬ويشربون دماء الحيوانات المقدسة متأثرين فهي‬
‫ذلك بالديانات المصرية القديمة‪.‬‬
‫ويقول ليون األفريقي في كتابه وصف أفريقيا) بأن األمازيغ األفارقة‪،‬‬
‫في الزمن القديم‪ ،‬كانوا" وثنيين على غرار الفرس الهذين يعبهدون النهار‬
‫والشهمس‪ ،‬ويتخهذون لعبادتهمهها معابهد جميلههة مزخرفهة توقههد داخلهها نههار‬
‫تحرس ليل نهار حتهى التنطفهىء‪ ،‬كمها كهان يفعهل ذلهك فهي معبهد اإللههة‬
‫فيسههتا) عنههد الرومان‪.‬ذلههك ماالتفتههأ تههواريخ األفارقههة والفههرس تتحههد‬
‫عنههه‪.‬ومن المعلههوم أن أفارقههة نوميههديا وليبيهها كههانوا يعبههدون الكواكههب‪،‬‬
‫ويقربهههون إليهههها القهههرابين‪ ،‬وأن بعهههض األفارقهههة السهههود كهههانوا يعبهههدون‬
‫كيغمو)‪ ،‬ومعناه في لغتهم رب السماء‪ .‬وقد أحسوا بهذا الشعور الحسن‬
‫‪10‬‬
‫دون أن يهديهم إليه أي نبي أو عالم‪".‬‬
‫كمهها يشههير إبههراهيم حركههات إلههى هههذه المعتقههدات الروحيههة الطقوسههية‬
‫بقوله‪ ":‬وفيما يخص المعتقدات الدينية‪ ،‬فإن السكان قد لجأوا إلى تعظيم‬
‫ظواهر الطبيعة منذ القدم‪ ،‬حتى إذا ما دخلوا في طور المدنية الزراعيهة‬
‫عملوا على حماية مزارعهم وموا يهم بالوسهائل الروحيهة التهي اهتهدوا‬
‫إليههها‪ ،‬ودخههل الخههوف مههن الجههن قلههوبهم فههي هههذه الفتههرة‪ ،‬فظنههوهم فههي‬
‫األ ههجار والكهههوف واألحجههار التههي اسههتمر تقديسههها إلههى زمههن متههأخر‪.‬‬
‫وزعهههم بعهههض المهههؤرخين الفرنسهههيين أن االعتقهههاد فهههي بركهههة بعهههض‬
‫األ هههخاص أثهههر مهههن آثهههار ههههذا الماضهههي السهههحيق لهههم تسهههتطع الديانهههة‬

‫‪ - 9‬اصطيفان اكصيل‪ :‬تاريخ شمال أفريقيا القديم‪ ،‬ترجمة‪ :‬محمد التازي سعود‪ ،‬الجزء‬
‫األول‪ ،‬مطبعة المعارف الجديدة‪ ،‬الرباط‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى ‪2007‬م‪ ،‬ص‪.209:‬‬
‫‪ - 10‬ليون األفريقي‪ :‬وصف أفريقيا‪ ،‬ترجمة‪ :‬محمد حجي ومحمد األخضر‪ ،‬دار الغرب‬
‫اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1983‬م‪ ،‬ص‪.67:‬‬

‫‪16‬‬
‫المسيحية وال اإلسالمية القضاء عليه في هذه المناطق‪ ،‬مهع أن االعتقهاد‬
‫فههي بركههة القديسههين المسههيحيين مههايزال راسههخا فههي أذهههان كثيههر مههن‬
‫النصارى الذين يقطنون أرقهى بهالد العهالم وأكثرهها ارتباطها بالحضهارة‬
‫‪11‬‬
‫المادية‪".‬‬

‫ومههادام األمههازيغ يسههكنون منطقههة تامازغهها‪ ،‬أو مهها يسههمى أيضهها بشههمال‬
‫أفريقيهها المحاذيههة للبحههر األبههيض المتوسههط‪ ،‬فقههد كههان مههن الطبيعههي أن‬
‫يتشربوا معتقدات الشعوب المجاورة لهم تأثرا وتأثيرا‪ .‬لذا‪ ،‬فقهد تهأثروا‬
‫بالمعتقههدات الفارسههية‪ ،‬والفينيقيههة‪ ،‬والمصههرية‪ ،‬واليونانيههة‪ ،‬والرومانيههة‪،‬‬
‫واأليبيريههة‪ ،‬والصههقلية‪ .‬كمهها أثههر األمههازيغيون‪ ،‬بههدورهم ‪ ،‬فههي الشههعوب‬
‫المجاورة من حيث المعتقد والهدين والطقهس‪ .‬وكانهت عالقهة األمهازيغي‬
‫باليونههان وثيقههة جههدا ‪ ،‬فقههد عبههد اإلغريههق اإللههه بوصههيدون ‪ ،‬وهههو إلههه‬
‫أمهههازيغي محهههض‪ .‬وفهههي ههههذا‪ ،‬يقهههول هيهههرودوت‪ ":‬لقهههد جهههاءت أسهههماء‬
‫األرباب كلها تقريبا من مصر إلى بهالد اليونان‪.‬أمها أن ههذه األسهماء قهد‬
‫جاءتنا بالفعل كلها من الخارج‪ ،‬فهذه قضية وصهلت إلهى معرفتهها أثنهاء‬
‫بحثههي‪ .‬وأعتقههد أنههها جههاءت مههن مصههر علههى الخصههوص؛ فههإذا اسههتثنينا‬
‫اسههمي بوصههيدون) و الههدير سههكوري)‪ ،12‬فههإن أسههماء هيههرا وهيسههتا‬
‫وثميس وكهارتييس ونيريهد وجهدت دائمها فهي مصهر ومنهذ القهديم‪.‬وهنا‪،‬‬
‫أعيههد هنهها مهها يقولههه المصههريون أنفسهههم‪.‬ويبدو لههي أن البالسههجيين‪ 13‬هههم‬
‫الذين أطلقوا هذه األسماء على هذه األرباب التي يعلن المصريون عهدم‬
‫معرفتها بهها إال الهرب بوصهيدون الهذي اقتبسهه اليونهانيون عهن الليبيهين‬
‫األمازيغ)‪ ،‬ألن اسم الرب بوصيدون لهم يكهن موجهودا‪ ،‬ومنهذ البدايهة ‪،‬‬

‫‪ - 11‬إبراهيم حركات‪ :‬المغرب عبر التاريخ‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬دار الر اد الحديثة‪ ،‬الدار‬
‫البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2009‬م‪ ،‬ص‪.16:‬‬
‫‪ - 12‬الديرسكوري‪ :‬هما كاستور وبوليديكس من أبناء زيوس وزوجته ليدا‪.‬‬
‫‪ - 13‬البالسجيون هم أقدم عب سكن أرض هيالس‪ ،‬قبل أن يغزوها الهيلينيون أبناء‬
‫هيالس)‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫عنهههد أي هههعب مهههن الشهههعوب غيهههر الليبيهههين الهههذين ظلهههوا علهههى الهههدوام‬
‫يعظمون هذا الرب‪"14.‬‬
‫كما تأثر األمازيغيون بالديانة المصرية‪ ،‬فقد عبدوا معبوداتهم‪ ،‬والسيما‬
‫الربة المصرية إيزيس‪.‬لذا‪ ،‬فقد كانوا يحرمون أكل لحهم البقهرة‪ ،‬وتربيهة‬
‫الخنازير احتراما لهذه الربة‪ .‬وفي هذا السياق‪ ،‬يقول هيهرودوت‪ ":‬فمهن‬
‫مصههر علههى بحيههرة تريطونيههوس يعههيش الليبيههون الرحههل الههذين يههأكلون‬
‫اللحم‪ ،‬ويشربون اللبن‪ .‬وللسبب نفسه الذي دفع المصريين إلى االمتنهاع‬
‫عن أكل لحم البقرة‪ ،‬واالمتناع عهن تربيهة الخنهازير؛ فهالليبيون بهدورهم‬
‫يعرضههون عههن لحههم البقههرة وعههن تربيههة الخنههازير‪ .‬بههل إن نسههاء قورينههة‬
‫يعتبرون أكل لحم البقرة نوعا من اإلثم احتراما إليزيس الربة المصرية‬
‫التي يكرمنها بالصيام واالحتفاالت ‪.‬كذلك تمتنع نساء برقة عن أكل لحم‬
‫‪15‬‬
‫البقرة والخنزير بسواء‪".‬‬
‫وقد عبدوا أيضا ديانة المجوس‪ ،‬كما قال ابهن خلهدون فهي كتابهه ديهوان‬
‫المبتهههدإ والخبهههر)‪ ":‬وكهههان ديهههنهم ديهههن المجوسهههية هههأن األعهههاجم كلههههم‬
‫بالمشرق والمغرب إال في بعض األحايين يدينون بدين من غلب عليهم‬
‫من األمم‪.‬فإن األمم أهل الدول العظيمة كانوا يتغلبون عليهم‪ ،‬فقد غزتهم‬
‫ملوك اليمن ‪ ...‬مرارا على ما ذكر مؤرخوهم‪ ،‬فاستكانوا لغلبهم‪ ،‬ودانوا‬
‫‪16‬‬
‫بدينهم‪".‬‬
‫وقد تأثروا كذلك بالفينيقيين حين االحتكاك بهم في قرطاجنة‪ ،‬وقد كهانوا‬
‫يشكلون معا مجتمعا واحدا‪ ،‬وكانت لهم ديانة واحدة ومعتقدات وعادات‬
‫وأعههههراف واحههههدة‪ .‬وفههههي هههههذا الصههههدد‪ ،‬يقههههول محمههههد محيههههي الههههدين‬

‫‪ - 14‬هيرودوت‪ :‬أحاديث هيرودوت عن الليبيين(األمازيغ)‪ ،‬ترجمة‪ :‬مصطفى أعشي‪،‬‬


‫منشورات المعهد الملكي للثقافة األمازيغية‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬الرباط‪ ،‬الطبعة األولى سنة‬
‫‪2009‬م‪ ،‬ص‪.30:‬‬
‫‪ - 15‬هيرودوت‪ :‬أحاديث هيرودوت عن الليبيين(األمازيغ)‪ ،‬ص‪.68:‬‬
‫‪ - 16‬ابن خلدون‪ :‬ديوان المبتدإ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من‬
‫ذوي الشأن األكبر‪ ،‬الجزء السادس‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬طبعة ‪2000‬م‪،‬‬
‫ص‪.139:‬‬

‫‪18‬‬
‫المشرفي‪":‬هذا‪ ،‬ولم يحذ المغاربة حذو القرطاجنيين في الشؤون المادية‬
‫واالقتصههادية فحسههب‪ ،‬بههل اقتفههوا آثههارهم فههي سههائر الميههادين األخههرى‪،‬‬
‫فأخذوا عنهم ماكانوا يتحلون به من أخالق‪ ،‬وقلدوهم حتى فهي وثنيهتهم‪،‬‬
‫فجعلوا يعبدون الكبش عمون)‪ ،‬كما كان يعبده القرطاجنيون من قهبلهم‪،‬‬
‫قلدوهم في كهل هيء‪ ،‬وأخهذوا عهنهم كهل هيء حتهى كهادت أن تبهتلعهم‬
‫‪17‬‬
‫تلك الحياة الجديدة‪".‬‬
‫وقد عبدوا أيضا معبودات فنيقيا في قرطاجنة ‪ ،‬مثل‪ :‬بعل وتانيت‪ .‬وفهي‬
‫هههذا الصههدد‪ ،‬يقههول اصههطيفان اكصههيل ‪ ":)Stéphane Gsell‬كههان‬
‫المعبههودان األكبههران للقرطههاجنيين همهها بع هل حمههون وتانيههت بنههي بعههل‬
‫اللههذان يظهههران أن أولهمهها كههان إلههه الشههمس‪ ،‬بينمهها كانههت الثانيههة إلهههة‬
‫قمرية‪.‬وقد اختلط لدى األهالي بعل حمون بأمون ‪ ،...‬ولكهن لهيس هنهاك‬
‫مايؤكد أن بعل حمون هذا‪ ،‬الذي ورد من فينيقيا‪ ،‬لم يصهبح إلهها مسهيا‬
‫إال بعد طروئه على مال أفريقيا‪.‬كما أنه يستحيل تأكيد كون تانيت بني‬
‫بعل قد تحولت في هذه المنطقة إلى إلهة قمرية بعد تقمصها هي إلحدى‬
‫الربههات األهليههة‪ ،‬بههل ربمهها يراودنهها السههؤال عههن عبههادة الشههمس والقمههر‬
‫المنتشرة بين الليبيين في عهد هيهرودوت حهوالي وسهط القهرن الخهامس‬
‫ق‪.‬م‪ ،‬وهل لم تأتهم من الفينيقيهينو أمها فيمها يتعلهق بهالقمر‪ ،‬فهإن الوثهائق‬
‫تعوزنا لتبديد كوكنا‪.‬‬
‫وليس األمر كذلك فيما يخص الشمس‪ ،‬إذ هناك أسباب قوية تجعلنا نقبل‬
‫أن عبههادة هههذا الكوكههب بههأرض المغههارب قههد سههبقت توطيههد االسههتعمار‬
‫‪18‬‬
‫الفينيقي‪".‬‬
‫وقههد تههأثر أهههل تامازغهها بالرومههان كههذلك عنههدما غههزوا ههمال أفريقيهها‬
‫واحتلوها ‪ ،‬وجعلوها مقاطعة استعمارية تابعهة لههم‪ ،‬فقهد تمثهل األمهازيغ‬
‫معتقههههداتهم وديانههههاتهم‪ .‬كمهههها تههههأثروا‪ ،‬بشههههكل مههههن األ ههههكال‪ ،‬بههههديانات‬

‫‪ - 17‬محمد محيي الدين المشرفي‪ :‬أفريقيا الشمالية في العصر القديم‪ ،‬دار الكتب‬
‫العربية‪ ،‬الطبعة الرابعة سنة ‪1969‬م‪ ،‬ص‪.46:‬‬
‫‪ - 18‬اصطيفان اكصيل‪ :‬تاريخ شمال أفريقيا القديم‪ ،‬ص‪.210:‬‬

‫‪19‬‬
‫البيزنطيين والوندال‪.‬و بعد ذلهك‪ ،‬تهأثروا بالديانهة اإلسهالمية ‪ ،‬وصهارت‬
‫هي ديانتهم الوحيدة إلى يومنا هذا‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬األمازيغ والديانة اليهودية‬
‫كانهت الديانهة اليهوديهة أولهى ديانههة سهماوية تعهرف إليهها األمهازيغ‪ ،‬بعههد‬
‫مرحلههة الوثنيههة والطقههوس وعبههادة مظههاهر الطبيعههة‪ .‬وقههد اعتنقههوا هههذه‬
‫الديانههة طههوال سههنين عديههدة‪ .19‬ومههن بههاب العلههم‪ ،‬فقههد هههاجر اليهههود إلههى‬
‫تامازغا في القرن الثالث قبهل مهيالد المسهيح‪ ،‬بعهد خهراب أور هليم مهن‬
‫قبل الحاكم تيتوس في السنة السبعين ‪ .‬كما هاجروا إلى منطقهة تامازغها‬
‫مع هجرة الفنيقيين إليها بغية تحقيق أغراض سياسهية واقتصهادية‪ .‬وفهي‬
‫هذا الصدد‪ ،‬يقول علي محمد محمهد الصهالبي " اليخفهى أن تواجهد ههذا‬
‫العنصر في العصور األولى كان ضئيال جدا‪ ،‬وسبب تواجده في منطقة‬
‫الشههمال األفريقههي كههان لعههدة أسههباب منههها‪ :‬سههبب سياسههي‪ :‬وهههو حههب‬
‫السيطرة‪ ،‬وتوسيع نفوذهم في أرجاء المعمورة‪.‬وسبب اقتصهادي‪ :‬حيهث‬
‫كههان الشههمال األفريقههي يههنعم بخيههرات البههر والبحر‪.‬كههل هههذه األسههباب‬
‫والدوافع مجتمعة كانت وراء مجهيء العنصهر اليههودي للمنطقهة‪ ،‬حيهث‬
‫وصلوا على هيئة جماعات صغيرة عن طريق الفينيقيين قبهل وصهولهم‬
‫األخير إلى بالد المغرب أيام الرومان‪"20.‬‬
‫ويقههرر ذلههك أيضهها األسههتاذ محمههد ههيت خطههاب بقولههه‪ ":‬وجههد العههرب‪-‬‬
‫المسههلمون‪ -‬أيههام الفههتح جماعههات مههن يهههود فههي أفريقيههة‪ ،‬ويههرى بعههض‬
‫الكتاب أن األفكار اليهودية بدأت تعرف طريقها إلهى الهبالد عهن طريهق‬
‫الفينيقيين‪ ،‬وذلك قبهل أن تههاجر جماعهات مهن يههود إلهى المغهرب علهى‬
‫أيههام الرومههان‪ ،‬وقههد عمههل هههؤالء المهههاجرون علههى نشههر اليهوديههة بههين‬
‫‪21‬‬
‫بعض قبائل البربر‪".‬‬

‫‪ - 19‬ليون األفريقي‪ :‬وصف أفريقيا‪ ،‬ص‪.67:‬‬


‫‪ - 20‬علي محمد محمد الصالبي‪ :‬صفحات من تاريخ ليبيا اإلسالمي والشمال األفريقي‪،‬‬
‫دار البيارق‪،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪1998‬م‪ ،‬ص‪.122-121:‬‬
‫‪ - 21‬محمد يت خطاب‪ :‬قادة فتح بالد المغرب‪ ،‬الجزء األول‪،‬دار الفكر‪ ،‬الطبعة‬
‫السابعة‪1984 ،‬م‪ ،‬ص‪.20:‬‬

‫‪21‬‬
‫ومههن الصههعب معرفههة تههاريخ اليهههود فههي ههمال أفريقيهها بشههكل دقيههق‬
‫وواضح‪ .‬فهناك اختالفات حادة بين المؤرخين حول استقرار اليهود في‬
‫هذه المنطقة‪ .‬وقد استقروا بكثرة فهي مدينهة قرطاجنهة‪ ،‬وعهددهم حهوالي‬
‫ثالثههين ألفهها‪ .‬ولههم يههأتوا فقههط مههن أور ههليم‪ ،‬بههل أتههوا أيضهها مههن اليونههان‬
‫وإيطاليهها‪ ،‬وتكههاثرت أعههدادهم مههع غههزو الرومههان لهههذه المنطقههة الغنيههة‬
‫بثرواتها‪ .‬وقد استقر اليهود كذلك في تونس ‪ ،‬والجزائر ‪ ،‬وموريطانيا ‪،‬‬
‫والمغههرب وليلههي وسههال القديمههة)‪ .‬وقههد انصهههر اليهههود فههي المجتمههع‬
‫األمازيغي‪ ،‬وتمثلوا لغتهم وعاداتهم وتقاليدهم‪ ،‬وسكنوا جبالهم وسهولهم‬
‫وبواديهم ومدنهم‪ .‬وقد استقر اليهود أيضها فهي مصهر خاصهة فهي مدينهة‬
‫اإلسكندرية‪.‬‬
‫والههدليل علههى وجههود اليهههود بكثههرة فههي مجتمههع تامازغهها أن تههارتولي قههد‬
‫كتههب كتابهها الهوتيهها سههجاليا يههرد فيههه علههى معتقههدات اليهههود ‪ ،‬فيههذكر‬
‫انحرافاتهم الدينية ‪ .‬وقهد كتهب أوغسهتان كهذلك كتابها مختصهرا يهرد فيهه‬
‫على اليهود الذين كانوا يستقرون في قسنطينة وتوات خصوصا‪.‬‬
‫وحينمهها دخههل الفههاتحون المسههلمون إلههى تامازغهها‪ ،‬وجههدوا مجموعههة مههن‬
‫القبائههههل تههههدين باليهوديههههة كقبيلههههة جههههراوة بههههاألوراس التههههي تقطنههههها‬
‫الكاهنة الجزائر)‪ ،‬وقبائل نفوسهة بتهونس‪ ،‬ومديونهة‪ ،‬وغياثهة‪ ،‬وبهلولهة‪،‬‬
‫وقندالوة‪ ،‬وفزاز بالمغرب األقصى‪ .‬وقد قيل أيضا بأن جنود طارق بهن‬
‫زياد األمازيغي كانهت فيهه طائفهة يهوديهة‪ .‬وفهي ههذا السهياق‪ ،‬يهرى ابهن‬
‫خلدون أن البربر قد " دانوا بدين اليهودية أخذوه عن بني إسرائيل عنهد‬
‫استفحال ملكهم‪ ،‬لقرب الشام وسلطانه منهم كمها كهان جهراوة أههل جبهل‬
‫أوراس قبيلة الكاهنة مقتولة العرب ألول الفتح‪ ،‬وكما كانهت نفوسهة مهن‬
‫برابر أفريقية وقندالوة ومديونة وبهلولة وغياتة وبنو فازان من برابهرة‬
‫المغههرب األقصههى حتههى محهها إدريههس األكبههر النههاجم بههالمغرب مههن بنههي‬
‫‪22‬‬
‫حسن بن الحسن جميع ما كان في نواحيه من بقايا األديان والملل‪".‬‬

‫‪ - 22‬ابن خلدون‪ :‬ديوان المبتدإ والخبر‪ ،‬الجزء السادس‪ ،‬ص‪.126:‬‬

‫‪22‬‬
‫ويعنههي هههذا أن اليهههود ‪ ،‬فههي ههمال أفريقيهها ‪ ،‬مههن أصههول بربريههة ‪ ،‬أو‬
‫أصههول فلسههطينية‪ ،‬أو أصههول يونانيههة‪ ،‬أو أصههول إيطاليههة‪ ،‬أو أصههول‬
‫مصهههرية‪ ،‬أو أصهههول إسهههبانية‪ .‬عهههالوة علهههى ذلهههك‪ ،‬فقهههد كهههان الفهههاتحون‬
‫للمغهههرب الكبيهههر تجهههارا مهههن يههههود مهههن الهههيمن ومصهههر‪ ،‬وقهههد اسهههتقروا‬
‫بالقيروان خصوصا‪ ،‬وكانوا على اليهودية البابلية‪ .‬وهناك من يقول بأن‬
‫اليهود سفارديم هم الذين أصهلهم عهرب وبرابهرة وأوروبيهون هرقيون‪.‬‬
‫وهناك من يقهول بهأن اليههود كهانوا أقليهة‪ ،‬وهنهاك مهن يقهول عكهس ذلهك‬
‫بأنهم كانوا أكثريهة‪ .‬وفهي ههذا الصهدد‪ ،‬يقهول إبهراهيم حركهات‪ ":‬وكهان‬
‫يهود البربر من الذين يحرضون الوثنيين على الثورة ضهد المسهيحيين‪،‬‬
‫وكههان اليهههود يههدعون للديانههة اليهودية‪.‬وقههد كههان مجيههئهم إلههى الشههمال‬
‫‪23‬‬
‫األفريقي في هجرات متقطعة كانت أوالها صحبة الفينيقيين‪".‬‬
‫والواقع أن اليهود قهد تمكنهوا مهن معايشهة البربهر المسهالمين فهي أجهزاء‬
‫كثيرة من المغرب‪ ،‬بل استطاعوا أيضا أن يجلبهوا إلهى ديهنهم عهددا مهن‬
‫البربههر الههذين اليههزال أعقههابهم يعيشههون جنبهها لجنههب مههع المسههلمين فههي‬
‫األطلس‪ ،‬وتافياللهت‪ ،‬وغيرها‪.‬وكهانوا يشهكلون أحيانها دويهالت مسهتقلة‪،‬‬
‫كما فعلهوا فهي كهورارا همال تهوات؛ حيهث أنشهأوا دويلهة اسهتمرت إلهى‬
‫‪24‬‬
‫نهاية القرن الخامس عشر الميالدي‪.‬‬
‫وقههد كههان البورغواطيههون ‪ ،‬فههي المغههرب‪ ،‬يؤمنههون بالديانههة اليهوديههة‪،‬‬
‫"ويههههذهب نههههاحوم سههههلو ‪ )Slouch‬فههههي مقالههههه عههههن إمبراطوريههههة‬
‫بورغواطههة‪ ،‬ودفههردان ‪ )Deverdun‬فههي كتابههه عههن مههراكش‪ ،‬إلههى أن‬
‫دولة برغواطة كانت يهودية‪ ،‬ويستندان إلهى بعهض المهؤثرات اليهوديهة‬
‫الموجههودة فههي هههذه الديانههة‪ ،‬مثههل‪ :‬اسههتعمال يههاكش التههي يرجعانههها إلههى‬
‫يو ع اليهودي‪ ،‬ومثل استعمال الشعر على كل ظفائر باعتبارها عادة‬
‫متبعة عند يهود بولندا واليمن‪ ،‬ومثل تحريم البيض‪ ،‬واالعتقاد في تأثير‬
‫اللعههههاب وهههههي عههههادة عنههههد يهههههود طنجههههة‪ .‬يضههههاف إلههههى ذلههههك اهتمههههام‬

‫‪ - 23‬ابن خلدون‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.126:‬‬


‫‪ - 24‬إبراهيم حركات‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.57-56:‬‬

‫‪23‬‬
‫البرغههواطيين بموسههى‪ ،‬وتقديمههه علههى عيسههى‪ ،‬هههذا إلههى جانههب الههرأي‬
‫‪25‬‬
‫القائل بأن مؤسس الديانة أصله يهودي‪".‬‬
‫ويشير إبراهيم حركات " إلى اآلثهار اليهوديهة فهي ههذه الديانهة موضهحا‬
‫أن أسماء السور التي تضمنها قرآن صالح فيها الكثير من أسماء اليهود‬
‫أي مايرتبط بهذكريات التهاريخ العبرانهي‪ ،‬وحتهى أسهماء ملهوك غرناطهة‬
‫بينها الكثير من أسماء أنبياء بني إسهرائيل كاليسهع وإليهاس ‪ ،‬وإن كانهت‬
‫هههذه األسههماء توجههد فههي إمههارات مغربيههة خارجيههة‪ ،‬ويضههيف إلههى ذلههك‬
‫االنطههالق مههن التنجههيم والكهانههة ممهها ا ههتهر بههه العبراني هون فههي القههديم‪،‬‬
‫وأصبحت له مكانة بارزة لهدى البرغواطيين‪.‬كمها نصهت تعهاليم التهوارة‬
‫على قتل السارق‪ ،‬وتبنى البرغواطيون ههذا الحكهم ورجهم الزانهي رغهم‬
‫أنه إسالمي فإنه يتفق مهع الشهريعة الموسهوية‪.‬غير إن إبهراهيم حركهات‬
‫اليعتبر هذه الديانة يهودية بل تأثرت باليهودية‪"26.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فقهد اعتنهق األمهازيغيون الديانهة اليهوديهة الموسهوية ألول مهرة‪،‬‬
‫بعههد أن عبههدوا الطقههوس والوثنيههة والمجوسههية ‪ ،‬بيههد أنهههم سههرعان مهها‬
‫سئموا هذه العقيدة المنحرفة‪ ،‬فانتقلوا إلى الديانة المسيحية األريوسية أو‬
‫الكاثوليكية‪.‬‬

‫‪ - 25‬محمد الطالبي ود‪.‬إبراهيم العبيدي‪ :‬البرغواطيون في المغرب‪ ،‬مطبعة النجاح‬


‫الجددية‪ ،‬الدرا البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪1999‬م‪ ،‬ص‪.55-54:‬‬
‫‪ - 26‬محمد الطالبي ود‪.‬إبراهيم العبيدي‪ :‬البرغواطيون في المغرب‪،‬ص‪.55:‬‬

‫‪24‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬األمازيغ والديانة المسيحية‬
‫عههرف األمههازيغيون المسههيحية مههع دخههول الرومههان إلههى ههمال أفريقيهها‬
‫للهيمنة عليهها سياسهيا واجتماعيها واقتصهاديا وثقافيها ‪ ،‬فهاعتنق األمهازيغ‬
‫هذه الديانهة الجديهدة‪ ،‬ورأوا فيهها الخهالص مهن الهذل والعبوديهة والظلهم‪.‬‬
‫وفههي هههذا الصههدد‪ ،‬يقههول أحمههد توفيههق المههدني‪ ":‬ظهههرت بالشههرق أنههوار‬
‫الديانهههة المسهههيحية فهههي أول عههههد القياصهههرة‪ ،‬فاعتنقهههها جهههم غفيهههر مهههن‬
‫الرومهههان‪ ،‬وتسهههربت بواسهههطتهم إلهههى المغهههرب‪ ،‬وقهههدم مبشهههروها إليهههه؛‬
‫فأعجب البربر بهذا الهدين اآلمهر بهاألخوة والمسهاواة ومكهارم األخهالق‪،‬‬
‫وتسارعوا إلى الدخول في ديهن هللا أفواجها ‪ ،‬وأصهبحت لهه بيهع صهغيرة‬
‫في كافة أنحاء البالد المغربية‪"27.‬‬
‫وكانهههت تامازغههها ‪ ،‬بمههها فيهههها قرطاجنهههة ‪ ،‬تهههؤمن بالمسهههيحية ‪ ،‬بعهههد أن‬
‫انتشرت أفكار األريوسيين والدوناتيين من جهة‪ ،‬وأفكهار أوغسهتان مهن‬
‫جهههة أخههرى‪ .‬وفههي هههذا الصههدد‪ ،‬يقههول ليههون األفريقههي‪ ":‬وظههل سههكان‬
‫البربر وثنيين مدة من الزمن‪ ،‬واعتنقوا المسيحية قبل مولهد محمهد عليهه‬
‫السهالم بمههائتين وخمسههين سههنة‪ ،‬ذلههك ألن المنطقهة التههي تقههع فيههها تههونس‬
‫وطرابلس كانهت تحهت سهيطرة بعهض أمهراء بهوي وصهقلية‪ ،‬بينمها كهان‬
‫ساحل القيصرية وموريطانيا خاضعا لملهوك القهوط‪ ،‬وفهي الوقهت نفسهه‬
‫أيضهها هههرب عههدد كثيههر مههن األمههراء المسههيحيين أمههام هيجههان القههوط ‪،‬‬
‫وتركوا بالدهم الجميلة ليسكنوا ضهواحي قرطهاج حيهث كونهوا ألنفسههم‬
‫ممتلكات بعد ذلك‪ .‬ومن المعلوم أن هؤالء المسيحيين كانوا على مذهب‬
‫األريوسيين ‪...‬ولما جاء العرب ليفتحوا بهالد البربهر وجهدوا المسهيحيين‬
‫يملكون هذه المنهاطق‪ ،‬فحهاربوهم مهرارا وأبهى هللا إال أن يكهون النصهر‬

‫‪ - 27‬أحمد توفيق المدني‪ :‬قرطاجنة في أربعة عصور‪ ،‬طبعة تونس‪1926 ،‬م‪ ،‬ص‪-114:‬‬
‫‪.117‬‬

‫‪25‬‬
‫حليف العرب‪ ،‬فهرب اآلريون الوندال) بعضهم إلهى إيطاليها‪ ،‬وبعضههم‬
‫‪28‬‬
‫إلى إسبانيا‪".‬‬
‫بيههد أن األمههازيغ عههانوا الكثيههر بسههبب اعتنههاق الديانههة المسههيحية؛ ألن‬
‫الطبقههة الرومانيههة الحاكمههة كانههت تحههارب المسههيحية‪ ،‬وتعاقههب معتنقيههها‬
‫بوحشية وقسوة وصرامة هديدة‪ .‬عهالوة علهى ذلهك‪ ،‬فقهد كهانوا " يبثهون‬
‫العراقيههل فههي الديانههة المسههيحية؛ فمهها أغنههت عههنهم تلههك العراقيههل ههيئا‪،‬‬
‫واستفحل أمرها؛ فأخذوا ينكلون بالمعتنقين تنكيال ديدا‪ ،‬ولم يقفوا أمهام‬
‫أي فظاعههههة أو قوة‪.‬فكههههانوا يسههههجنون المسههههيحيين سههههواء بإيطاليهههها أو‬
‫بالمغرب؛ ثم يجمعون الناس في يوم مشهور بإحدى المالعب الكبيرة ‪،‬‬
‫ويخرجههون أولئههك التعسههاء رجههاال ونسههاء فههي وسههط الملعههب‪ ،‬ويطلقههون‬
‫عليهم األسود الكاسرة الجائعة؛ فتمزقهم إربا إربا‪ ،‬وتأكلهم علهى مهرأى‬
‫ومسههمع مههن الجمههوع المتفرجههة؛ كههان أولئههك الشهههداء‪ ،‬هههداء وحشههية‬
‫اإلنسان‪ ،‬يموتون بكل جلد وثبات‪"29.‬‬
‫ولههم تتوقههف الديانههة المسههيحية فههي امتههدادها الروحههاني والجغرافههي‪ ،‬بههل‬
‫اعتنقههها النههاس ههرقا وغربهها‪ ،‬فتمثلههها األمههازيغيون؛ ألنههها كانههت سههبيال‬
‫للخههالص مههن الضههيم والههذل والعههار‪ ،‬وسههبيال للتحههرر مههن االسههتغالل‬
‫واالستعمار الروماني‪.‬‬
‫ويقول ابن خلدون‪ " :‬فكان البربر بأفريقية والمغرب قبل اإلسالم تحهت‬
‫ملك الفرنج وعلهى ديهن النصهرانية الهذي اجتمعهوا عليهه مهع الهروم كمها‬
‫ذكرناه ‪.‬حتى إذا كان الفتح وزحهف المسهلمون إلهى أفريقيهة زمهان عمهر‬
‫رضي هللا عنهه سهنة تسهع وعشهرين‪ ،‬وغلهبهم عبهد هللا بهن سهعد بهن أبهي‬
‫سههرح مههن بنههي عههامر بههن لههؤي‪ ،‬فجمههع لهههم جريههر ملههك الفرنجههة يومئههذ‬
‫بأفريقية من كهان بأمصهارها مهن الفهرنج والهروم‪ ،‬ومهن بضهواحيها مهن‬
‫جموع البربر وملوكهم"‪.30‬‬

‫‪ - 28‬ليون األفريقي‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.68:‬‬


‫‪ - 29‬أحمد توفيق المدني‪ :‬قرطاجنة في أربعة عصور‪ ،‬ص‪.117-114:‬‬
‫‪ - 30‬ابن خلدون ‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.126:‬‬

‫‪26‬‬
‫وثمة مجموعة من الحركات المسيحية األمازيغية التي تركهت بصهمات‬
‫خالدة في تاريخ تامازغا‪ ،‬وهي على النحو التالي‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬المذهب األريوسي‬


‫ينتسههب هههذا المههذهب إلههى القههس األمههازيغي أريههوس الههذي كههان يعتبههر‬
‫المسههيح نبيهها مههن أنبيههاء هللا ‪ ،‬فقههد أرسههله إلههى النههاس لهههدايتهم‪ .‬وبالتههالي‪،‬‬
‫فليس إالها وال ابن إله‪ ،‬فهو مجهرد رسهول أو واسهطة بهين البشهر وهللا‪،‬‬
‫تتمثل رسالته في التوحيهد (أشههد أن ال الهه إال ‪ ،‬وأن عيسهى رسهول‬
‫) ‪ ،‬ونشر الفضيلة والمسيحية السمحة‪.‬‬
‫وبذلك‪ ،‬كان أريهوس مسهيحيا موحهدا‪ ،‬يبشهر بهالنبي محمهد صهلعم)‪ ،‬إال‬
‫أن دعوته قد لقيت معارضة ديدة مهن قبهل المسهيحية المتعهددة‪ .‬ويعنهي‬
‫هذا أن األريوسهية قهد هكلت مهذهبا دينيها مسهتقال عهن الديانهة المسهيحية‬
‫كما تمارس في روما‪ .‬وقهد انتشهر ههذا المهذهب فهي همال أفريقيها وفهي‬
‫مصهههر‪ ،‬وقهههد كانهههت ههههذه الهههدعوة ذائعهههة الصهههيت فهههي القهههرن السهههادس‬
‫الميالدي‪ ،‬وقهد نكهل الرومهان ومسهيحيو التثليهث بههؤالء األريوسهيين أو‬
‫اآلريسيين الشهداء تنكهيال هديدا‪ ،‬فهاقترفوا مهذابح بشهعة فهي حهق أتبهاع‬
‫أريههوس‪ ،‬وقتل هوا مههنهم اثن هي عشههر مليونهها‪ .‬وفههي هههذا ‪ ،‬يقههول الرسههول‬
‫هك ا َ‬‫صههلعم) فههي رسههالته إلههى هرقههل الههروم‪ ":‬أَ ْس ه ْل ْم تَ ْس هلَ ْم َوأَ ْس ه ْل ْم يَؤْ تْه َ‬
‫ههك إْثْههه َم ْاأل َ ْري ْسهههيْينَ "‪ .‬ويعنهههي ههههذا أن‬ ‫ههت فَعَلَ ْيه َ‬ ‫أَ ْجه َ‬
‫ههر َك َمهههرتَي ْْن فَهههإْ ْن تَ َول ْيه َ‬
‫األريسهههيين أو األريوسهههيين ههههم موحهههدون قبهههل اإلسهههالم ‪ ،‬وههههم كهههذلك‬
‫مبشرون بالدعوة المحمدية العادلة‪.‬‬
‫وللعلم‪ ،‬فقد كانت مصر موحدة لمها دخلهها المسهلمون ‪ ،‬وقهد كانهت علهى‬
‫دين األريسيين‪ ،‬أو ديهن التوحيهد‪ ،‬ولهم تكهن آنهذاك قبطيهة‪ ،‬وحينمها جهاء‬
‫اإلسالم ‪ ،‬فقد انضم إليه الموحدون األريسيون‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬المــذهب الدوناتي‬
‫ولد دوناتوس في مال إفريقيا إبان القرن الثالث الميالدي ‪ ،‬ويعتبر من‬
‫أهههم الزعمههاء البرابههرة الههذين واجهههوا الرومههان بكههل مهها أوتههي مههن قههوة‬
‫وعلم‪ .‬وهو أيضها مهن أههم المهدافعين عهن العقيهدة المسهيحية فهي الوسهط‬
‫األمههازيغي‪ ،‬وهههو قههس وراهههب واعههف فههي قريههة بربريههة‪ .‬وبعههد ذلههك‪،‬‬
‫صار أسقفا وزعيما دينيا كبيرا في أفريقيا الشمالية‪ ،‬ولهه أتبهاع كثيهرون‬
‫يدافعون عن المذهب الذي أسسه نظرية وممارسة‪.‬‬
‫و هو كذلك مؤلف كتاب ديني بعنوان الروح القدس)‪ .‬فضال عن كونهه‬
‫زعيم المذهب الديني الدوناتي الذي تشهكل فهي خضهم الصهراع الكنسهي‬
‫الدائر يومئذ‪ .‬وقد انضوى‪ ،‬تحت هذا المذهب‪ ،‬كل الرافضين للسهيطرة‬
‫الرومانيههة‪ ،‬بمهها فههيهم مههذهب الههدوارين ) الههذي رفههع رايههة العصههيان‬
‫والثهورة و هعار التمهرد عهن الحكومهة الرومانيهة‪ ،‬وقهد تهوفي دونهاتوس‬
‫في‪335‬م‪.‬‬
‫ولم تظهر الثورة الدوناتية في مال إفريقيا‪ ،‬وبالضبط فهي نوميهديا‪ ،‬إال‬
‫عندما تبنى اإلمبراطور الروماني تيودوز العقيدة المسيحية دينها رسهميا‬
‫للدولة الرومانيهة منهذ‪391‬م‪ ،‬فاسهتغل دونهاتوس الفرصهة‪ ،‬فأسهس مهذهبا‬
‫مسههيحيا أمازيغيهها مسههتقال هههو المههذهب الههدوناتي)‪ .‬فأقبههل األمههازيغيون‬
‫علههى هههذا المههذهب الجديههد للههتخلص مههن نيههر االسههتعمار الرومههاني‪،‬‬
‫والتحرر من ربقة الظلم والضيم والعبودية والذل والعار‪ .‬وهذا ماجعل‬
‫األمازيغيين يعطون لكنيستهم صبغة قوميهة لتهدافع عهن مطالهب السهكان‬
‫المحليين‪ ،‬وتحميهم من تجبر القوات الرومانية‪ ،‬وطغيان المستغلين مهن‬
‫األرستقراطيين ورجال الدين الكاثوليك الرومانيين‪.‬‬
‫ومهن ثهم‪ ،‬هكل القهس دونهاتوس ‪ -‬كمها قلنها سهابقا ‪ -‬حركهة ثوريهة دينيهة‬
‫واجتماعية وسياسية‪ ،‬قامهت بهدور تهاريخي ههام مها بهين ‪ 4‬قبهل المهيالد‬
‫و‪ 429‬ميالدية‪ .‬وقد انشهق دونهاتوس عهن المهذهب المسهيحي الهذي أراد‬
‫اإلمبراطور الروماني تيودوز فرضه على الشهعوب الخاضهعة لحكمهه‪،‬‬

‫‪28‬‬
‫منذ تبنيه له سنة ‪391‬م ‪ "،‬وقد تسبب هذا االنشقاق في مجابهات دمويهة‬
‫كثيرة‪ ،‬استمرت تقريبها حتهى مجهيء الونهدال لشهمال إفريقيها سهنة‪439‬م‬
‫‪"31‬‬
‫وقاد دوناتوس ‪ ،‬في إطار ثورته الدينية ‪ ،‬مجموعة من رجهال الكنيسهة‬
‫األمههازيغيين الرافضههين للسههلطة الرومانيههة ‪ ،‬وسههاهموا فههي ظهههور مهها‬
‫يسمى بالثورة الدوناتية نسبة إلى دوناتوس ‪ .) Donatus32‬وتمتاز هذه‬
‫الحركة الدوناتية الدينية بكونها ذات صبغة أمازيغية متمردة عن الحكهم‬
‫الروماني‪ ،‬ترفض تعاليم الكنيسة الرسمية‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فقد كان دوناتوس يدعو إلى مذهب ديني جديد‪ ،‬يقوم على إقرار‬
‫المسههاواة بههين النههاس‪ ،‬ويعمههل علههى مسههاعدة الفقههراء‪ ،‬وال يعتههرف بههأي‬
‫سهلطة غيههر سهلطة اإللهه الخهالق‪ ،‬وكههان يهأمر األمهازيغيين بطهرد كبههار‬
‫المالكين من تامازغا ‪ ،‬وإخراج أصحا النفوذ من المسيحيين الكاثوليك‬
‫من هذه المنطقة‪.‬‬
‫وقهد انتشهرت الدوناتيهة فهي الكثيهر مهن الواليهات والممالهك األمازيغيهة‪،‬‬
‫والسههيما فههي واليههة أفريكهها وواليههة نوميههديا ‪ .‬وقههد ترتههب علههى ذلههك أن‬
‫تشكلت‪ ،‬ميدانيا‪ ،‬مجموعة مهن التنظيمهات العسهكرية التهي كانهت تههاجم‬
‫مههههزارع األرسههههتقراطيين الرومههههان بغيههههة تحريههههر عبيههههدها وأقنانههههها‬
‫المظلومين‪.‬‬
‫بيد أن هناك من البهاحثين مهن يقسهم الحركهة الدوناتيهة إلهى مجمهوعتين‪:‬‬
‫مجموعة دوناتيهة تسهتغل الهدين لتحقيهق مصهالحها ومآربهها الشخصهية‪،‬‬
‫وههههي عصهههابة مهههن العبيهههد األمهههازيغيين المتوحشهههين الهههذين يثهههورون‬
‫ويغتصبون وينهبون قصد الوصهول إلهى أطمهاعهم الماديهة‪ ،‬وقسهم آخهر‬
‫من الدوناتيين الذين حافظوا على مبادئهم األخالقية ومعتقداتهم الدينيهة‪،‬‬
‫ينتهزون الفرصة السانحة لمجابهة الرومان ضمن رؤية دينية وسياسية‬

‫‪ - 31‬العربي اكنينح‪ :‬في المسألة األمازيغية‪،‬أصول المغاربة‪ ،‬مطبعة آنفو‪ -‬برانت‪ ،‬فاس‪،‬‬
‫المغرب‪،‬الطبعة األولى‪2003 ،‬م‪ ،‬ص‪.24:‬‬
‫‪ - 32‬عباس الجراري‪ :‬األدب المغربي من خالل قضاياه وظواهره‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬مكتبة‬
‫المعارف‪ ،‬الرباط‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،1982 ،‬ص‪.27:‬‬

‫‪29‬‬
‫معقولة ومقبولة‪ .‬وفي هذا‪ ،‬يقول الباحث الجزائري أحمد توفيق المدني‪:‬‬
‫" عندما مات أسهقف المغهرب المهدعى مانسهوريوس وقهع الخهالف فهي‬
‫تسمية خليفته‪ ،‬وتر ح لذلك الراههب ساسهليان‪ ،‬لكهن أنصهار الفتنهة أبهوا‬
‫الموافقة على هذه التسمية‪ ،‬وكان زعيم المعارضين راهب قرية بربرية‬
‫يههدعى دونههات)‪ ، (Donate‬وتههألف عندئههذ جنههد مههن أ ههد الههدوناتيين‬
‫تعصبا‪ ،‬وأخذوا يجوبون أطراف الهبالد بهدعوى ضهم جميهع المسهيحيين‬
‫إليهم‪ ،‬وكان أغلب هؤالء الدوناتيين من العبيد اآلبقين‪ ،‬وممن ال يملكون‬
‫في هذه الدنيا غير أجسامهم‪ ،‬فاتخذوا لنفسهم مهذهبا اجتماعيها ههو خلهيط‬
‫مههن الشههيوعية والفوضههوية‪ .‬ويقولههون‪ :‬إنهههم يريههدون أن يقههروا مبههدأ‬
‫المساواة التامة فهي الهرزق بهين النهاس‪ ،‬وأنههم ال يعترفهون بأيهة سهلطة‪،‬‬
‫وطفقوا كذلك يتجولون‪ ،‬وانقلبوا عصابة نههب وسهلب ترتكهب الفظهائع‪،‬‬
‫وتقههوم بالههذبائح‪ ،‬ولههم يبههق لهههم مههن الصههبغة الدينيههة أي ههيء‪ ،‬فتعقبههتهم‬
‫الجنههود الرومانيههة‪ ،‬وقطعههت ‪ ،‬فههي آخههر القههرن الرابههع‪ ،‬دابههرهم‪ ،‬لكههن‬
‫الههدوناتيين الحقيقيههين‪ ،‬وأغلههبهم مههن أبنههاء البربههر‪ ،‬ظلههوا محههافظين علههى‬
‫قهوتهم وصهالبتهم‪ ،‬يترقبهون سهنوح فرصهة لالنقضهاض علهى أعهدائهم‪،‬‬
‫وكانت حركتهم سياسية ترمي إلى التحريهر‪ ،‬متقمصهة فهي ثهوب حركهة‬
‫دينية‪.‬‬
‫وأعظم أسباب هذا الهيجان هو النظام االستعماري الروماني الذي ملهك‬
‫األرض بيد ثلة منتفعة‪ ،‬وحرم منها جماعة الناس‪.33".‬‬
‫ويتبين لنا ‪ ،‬من هذا كله‪ ،‬أن الدوناتية تنقسم‪ ،‬في طبيعتها‪ ،‬إلى حركتين‪:‬‬
‫حركة ثورية إرهابية يوعية فوضوية‪ ،‬وحركهة دينيهة معتدلهة مناضهلة‬
‫متعقلة في خططها اإلستراتيجية في تعاملها مع القوات الرومانية‪ .‬لكن‬
‫الدوناتيههههة ‪،‬فههههي جوهرههههها ‪ ،‬حركههههة اجتماعيههههة تههههدافع عههههن الفقههههراء‬
‫والمظلهههومين‪ ،‬وتقهههف فهههي وجهههه اإلقطهههاعيين األرسهههتقراطيين الهههذين‬
‫استحوذوا على أجود األراضي‪ ،‬فحولوا أصحابها األمازيغيين إلى عبيد‬
‫أرقاء‪.‬‬

‫‪ - 33‬أحمد توفيق المدني‪ :‬نفسه‪ ،‬صص‪.117-114:‬‬

‫‪30‬‬
‫كما استغل رجهال الهدين الكاثوليهك سهلطتهم الدينيهة فهي همال إفريقيها ‪،‬‬
‫فبدأوا في نهب خيرات البرابرة‪ ،‬والسيطرة على ممتلكات األمازيغيين‬
‫وثرواتهم‪ ،‬وحولوهم إلى عبيد أذالء بهدون أرض وال مهأوى‪ ،‬وتركهوهم‬
‫بطونهها جائعههة تبحههث عههن الخبههز بههدون جههدوى‪ .‬وهههذا مهها أفههرز حركههة‬
‫الههدوارين) ‪ .‬ومههن جهههة أخههرى‪ ،‬فقههد جههاءت الثههورة الدوناتيههة لتنههادي‬
‫بالمساواة والتغيير الجذري ‪ ،‬بطرد المستغلين من أراضي تامازغا‪ .‬بيد‬
‫أن المستغلين الرومان قد سارعوا إلهى الهدفاع عهن المهذهب الكهاثوليكي‬
‫الذي كان يمثلهه القهديس أغسهطنيوس ضهد المهذهب الهدوناتي الهذي كهان‬
‫مههذهبا عقائههديا اجتماعيهها وثوريهها‪ ،‬يههؤمن بالفعههل والتغييههر‪ ،‬مههع فضههح‬
‫التسلطن الروماني‪.‬‬
‫وقد سبب هذا الصراع الديني في مواجهات دمويهة‪" ،‬عكسهت بوضهوح‬
‫الصراع االجتماعي في واليات روما الشمال إفريقية‪ ،‬ويتجلى ذلك فهي‬
‫كون اإلمبراطور والدولة الرومانية ومن ورائهما المالك الكبار ساندوا‬
‫الكنيسة الكاثوليكيهة الرسهمية ضهد دونهاتوس وأتباعهه األمهازيغ‪ ،‬وقهاموا‬
‫باضهههطهادهم لمههها هههكلته المبهههادئ التهههي اعتنقوهههها مهههن خطهههر علهههى‬
‫امتيازاتهم‪ ،‬ذلك أن دوناتوس الذي عهانق قضهايا الفقهراء والمضهطهدين‬
‫نادى بإبعاد وطرد األ رار‪ -‬وقصد بهم كبار المالك والمهرابين وذوي‬
‫النفوذ‪ -‬من الجماعة المسيحية‪ ،‬فكانت الدوناتية بذلك عقيدة الثهورة التهي‬
‫فجرها األمازيغ‪ ،‬واسهتمر لهيبهها إلهى زوال الحكهم الرومهاني‪ ،‬ولهم يهزد‬
‫التنكيههل واالضههطهاد الرومههانيين الدوناتوسههية إال تجههذرا وأتباعههها إال‬
‫تشهههبثا بتعاليمههههها‪ ،‬لكونههههها تعبههههر عههههن آالمهههههم وآمههههالهم فههههي العههههدل‬
‫‪34‬‬
‫والمساواة‪".‬‬
‫ومع اكتساح الثورة الدوناتية لكثير من واليات همال أفريقيها‪ ،‬وسهرعة‬
‫انتشارها بين الفقراء والضعفاء األمازيغيين‪ ،‬قررت الحكومة الرومانية‬
‫الضرب علهى أيهدي الهدوناتيين‪ ،‬والقضهاء علهيهم نهائيها‪ .‬لهذلك‪ ،‬أرسهلت‬
‫‪ - 34‬محمد بوكبوط‪ :‬الممالك األمازيغية في مواجهة التحديات‪ ،‬صفحات من تاريخ‬
‫األمازيغ القديم‪ ،‬مركز طارق بن زياد ‪ ،‬المطبعة فيديبرانت‪ ،‬الرباط‪ ،‬الطبعة األولى سنة‬
‫‪2002‬م‪ ،‬ص‪.73 :‬‬

‫‪31‬‬
‫روما أحسن قواد جيشها رفقة قوات عسكرية عاتية سنة ‪ 411‬م للتنكيل‬
‫بالههدوناتيين‪ ،‬فشههتتتهم بقههوة وعنههف‪ ،‬وقضههت علههى أتبههاع هههذه الحركههة‬
‫الدينيهة ‪ ،‬وسهلمت أمالكهها وكنائسهها للمسهيحيين الكاثوليهك‪ ،‬فهي الوقهت‬
‫الذي كانت فيه اإلمبراطورية الرومانية على و هك التهداعي و السهقوط‬
‫واالضمحالل‪.‬‬
‫ومهن النتهائج التهي حققتهها الثهورة الدوناتيهة أن المقاومهة األمازيغيهة فهي‬
‫مال إفريقيا قد تجاوزت المقاومة العسكرية إلى نوع آخر من المقاومة‬
‫‪،‬تتمثهههل فهههي النضهههال الهههديني واالجتمهههاعي‪ .‬وقهههد حهههارب األمهههازيغيون‬
‫اإلمبراطورية الرومانية المسيحية بالسهالح العقهدي نفسهه للهتخلص مهن‬
‫نير االستعمار‪ ،‬ومناهضة االضهطهاد واالسهتغالل ‪.‬وقهد أ هعلت الثهورة‬
‫الدوناتية الكثير من الثورات والفهتن ‪ ،‬وسهاهمت فهي ظههور الكثيهر مهن‬
‫الجماعات المتمردة عن السلطة الرومانية‪ ،‬وخاصة ما يعهرف بهالثوار‬
‫الدوارين) الذين كانوا يدورون حول مخازن الحبوب‪ ،‬يريهدون سهرقتها‬
‫بسبب الجوع وكثرة الفاقة‪.‬‬
‫وقد ساهمت هذه الحركة الدوناتية كذلك فهي اضهمحالل اإلمبراطوريهة‬
‫الرومانيههههة‪ ،‬وتههههأجيج الصههههراع الههههديني‪ ،‬وتنههههاحر السههههلطتين‪ :‬الدينيههههة‬
‫والسياسهية علهى المسهتوى المركهزي فهي العاصهمة الرومانيهة‪ ،‬وانبثهاق‬
‫الصراع العقائدي بين الدوناتية والعقيدة الكاثوليكيهة‪ .‬وفهي ههذا الصهدد‪،‬‬
‫يقول عبد هللا العروي‪":‬تهافت المغاربهة علهى الحركهة الدوناتيهة نسهبة‬
‫إلهههى األسهههقف دونهههات) المنشهههقة ‪ ،‬وأعطهههوا لكنيسهههتهم صهههبغة قوميهههة‬
‫واضههحة‪ ،‬دون أي اعتبههار لمفهههوم الكثلكههة‪ .‬أي‪ :‬الجماعههة‪ ،‬محههور كههل‬
‫مسيحية تكيفت مع واقع التفاوت االجتماعي‪.‬‬
‫تسبب االنشقاق الدوناتي مدة قرن كامل في مجابهات دموية كثيهرة‪ .‬قهاد‬
‫المعركهة مهن الجانهب الكهاثوليكي أوغسهطين‪ ،‬مهتكال كليها علهى السهلطة‬
‫المدنية‪ ،‬ومستفيدا من الرعب الذي استولى علهى كبهار المالكهين بسهبب‬
‫ما احتوت عليه الحركة الدوناتية مهن أههداف ثوريهة اجتماعيهة‪ .‬انتصهر‬
‫أوغسطين سنة ‪ 412‬لكنه لم يتلهذذ باالنتصهار إال مهدة قصهيرة‪ .‬اسهتولى‬
‫علههى أفريقيهها الشههمالية سههنة ‪ 439‬الونههدال الموالههون لبدعههة أريههوس‪،‬‬

‫‪32‬‬
‫فاسهتغلوا ضهد الكهاثوليكيين تلهك الوسهائل العنيفهة التهي اسهتعملها ههؤالء‬
‫ضد الدوناتيين‪ .‬انتقمت الكنيسة اإلفريقية لنفسها في النهايهة‪ ،‬باسهتدعاء‬
‫البيههزنطيين‪ ،‬وإعههانتهم علههى طههرد الونههدال‪ ،‬لكههن بعههودة المنطقههة إلههى‬
‫حظيرة اإلمبراطورية‪ ،‬فقدت الكنيسة االستقالل الذي مها فتئهت تحهارب‬
‫‪35‬‬
‫من أجله منذ أواسط القرن الثالث‪".‬‬
‫وعلى الرغم من هجوم الرومهان علهى الهدوناتيين للقضهاء علهيهم ‪ ،‬ومها‬
‫ترتب على ذلك من تشتيت لوحدتهم‪ ،‬والتنكيل بثوارهم‪ ،‬إال أن الدوناتية‬
‫ظلهت نزعههة دينيههة‪ ،‬وثهورة قوميههة عارمههة‪ ،‬يهؤمن بههها كههل األمههازيغيين‪.‬‬
‫وبالتههالي‪ ،‬لههم تسههتطع القههوات الرومانيههة أن تمحههي الدوناتيههة مههن قلههوب‬
‫األمازيغيين الذين آمنوا بها ذهنا ووجدانا وعاطفة وممارسهة‪ .‬وفهي ههذا‬
‫السياق‪ ،‬يقول محمد بوكبهوط ‪ ":‬هن الرومهان حربها الههوادة فيهها ضهد‬
‫الههدوناتيين باعتبههارهم محرضههي الثههوار‪ ،‬لكههن النتيجههة كانههت عكههس مهها‬
‫سهعى إليهه الرومهان‪ ،‬إذ تجهذرت الدوناتيهة فهي أوسهاط األمهازيغ تعبيهرا‬
‫مههنهم علههى اإلصههرار علههى التمسههك بهههويتهم‪ ،‬والحفههاظ علههى كينههونتهم‬
‫المتميههزة عههن المحتلههين الرومههان‪ ،‬ومههن ثههم‪ ،‬كانههت الدوناتيههة رد فعههل‬
‫مهذهبي واجتمهاعي مهن جانهب األمهازيغ ضهد القوالهب الفكريهة والدينيهة‬
‫التي كانت تسعى مؤسسات االحهتالل‪ ،‬دولهة وكنيسهة ‪ ،‬صههر األمهازيغ‬
‫‪36‬‬
‫فيها الحتوائهم وطمس هويتهم‪".‬‬
‫وهكذا‪ ،‬يبدو لنا أن الحركة الدوناتية قد ساهمت بشكل كبيهر فهي تهدهور‬
‫اإلمبراطوريههة الرومانيههة ‪ ،‬و اضههمحاللها بكههل سههرعة ليحههل محلههها‬
‫الوندال الغزاة والبيزنطيون العداة‪.‬‬
‫وعلى العمهوم‪ ،‬فقدد قهاد دونهاتوس؛ الهزعيم الهديني األمهازيغي‪ ،‬الحركهة‬
‫الدوناتية في بالد تامازغها باعتبارهها حركهة ثوريهة اجتماعيهة مناهضهة‬
‫لالحههتالل الرومههاني‪ ،‬ورفضهها لسياسههة الرومنههة‪ ،‬ونزعههة التمسههيح ‪.‬‬

‫‪ - 35‬عبد هللا العروي‪ :‬مجمل تاريخ المغرب‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬الدار البيضاء‪،‬‬
‫طبعة ‪1984‬م‪.60-59،‬‬
‫‪ - 36‬محمد بوكبوط‪ :‬الممالك األمازيغية في مواجهة التحديات‪ ،‬صفحات من تاريخ‬
‫األمازيغ القديم‪ ،‬ص‪.76:‬‬

‫‪33‬‬
‫وعلههى أي حههال‪ ،‬فقههد اسههتهدف دونههاتوس مقاومههة القههوات الرومانيههة‬
‫ورجههال الههدين الكاثوليههك الههذين كههانوا يبههاركون االحههتالل‪ ،‬ويعترفههون‬
‫بشههههرعية االسههههتغالل ‪،‬واسههههترقاق السههههاكنة المحليههههة‪ ،‬ويناصههههرون‬
‫األرستقراطيين الذين كانوا يحتكرون ثروات األمازيغيين‪ .‬وفهي الوقهت‬
‫نفسه‪ ،‬يعرضونهم للجوع والفقر واالضطهاد‪.‬‬
‫وعليههه‪ ،‬فالحركههة الدوناتيههة حركههة ثوريههة اجتماعيههة ا ههتراكية‪ ،‬وثههورة‬
‫راديكاليهة جماهيريهة بامتيهاز‪ ،‬تهؤمن بفعهل التغييهر الميهداني ‪ ،‬وتهرفض‬
‫االستالب الديني المسهيحي‪ ،‬وتحهارب كهل أ هكال الرومنهة واالسهتغالل‬
‫الفاحش‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬أوغستـــــان‬


‫ولههد القههديس والكاتههب األمههازيغي الكبيههر أوريليههوس أغسههطينوس ‪،‬أو‬
‫أغسهطين‪ ،‬أو أوغسهتان )‪ (Saint.Augustin‬فهي ‪13‬نهوفمبرمن سهنة‬
‫‪354‬م ‪ ،‬مههن أم بربريههة مسههيحية اسههمها مونيكهها‪ ،‬وأب وثنههي رومههاني‬
‫عبههارة عههن موثههق بسههيط‪ ،‬كههان يسههمى پاتريسههيوس فههي مدينههة تا يسههته‬
‫سهوق الههراس) بهالجزائر نوميهديا)‪ .‬وقهد دافهع أوغسهطين كثيهرا عهن‬
‫هويته األمازيغية وكنعانيته السامية في رسالة له إلى أهل رومها‪ ،‬وكهان‬
‫يقهههول‪ ":‬إذا سهههألتم سهههكان البهههوادي عنهههدنا فهههي نوميهههديا‪ ،‬قهههالوا‪ :‬نحهههن‬
‫كنعانيون"‪ ،‬ويعني هذا أن لغة أوغسطين هي النوميدية المتأثرة باللغهة‬
‫الفينيقية الكنعانية أو هي األمازيغية النوبية ذات الجذور الكنعانيهة‪ .‬بيهد‬
‫أن ثقافته التينية ‪ ،‬واليتقن من اإلغريقية إال النزر القليل‪".37‬‬
‫وقههد تلقههى أوغسههطين تعليمههه فههي تا يسههته و مههودوروس منههذ السادسههة‬
‫عشرة من عمهره‪ ،‬وسهافر إلهى قرطهاج ليسهتكمل دراسهاته ‪ .‬وبعهد ذلهك‪،‬‬
‫انتقهل إلهى إيطاليها ‪ ،‬فهي مرحلهة الغهزو الالتينهي لشهمال أفريقيها‪ ،‬للهتعلم‬

‫‪ - 37‬عز الدين المناصرة‪ :‬المسألة األمازيغية في الجزائر والمغرب‪ ،‬دار الشروق‪،‬‬


‫األردن‪،‬الطبعة األولى‪1999 ،‬م‪،‬ص‪.80:‬‬

‫‪34‬‬
‫والدراسههة فههي رومهها وميالنههو‪ .‬وقبههل سههفره‪ ،‬كههان متههأثرا باألفالطونيههة‬
‫المحدثة ‪.‬‬
‫وقد مارس أوغسطين مهنهة التعلهيم‪ ،‬و كهان يعطهي دروسها فهي البالغهة‬
‫في مدينة قرطاج و مدن إيطاليا‪ ،‬وانتقل حيال مدينة عنابة سنة ‪388‬م ؛‬
‫حيههث أقههام فيههها ديههرا للتعبههد واالعتكهاف الههديني‪ ،‬ليتقلههد فيمهها بعههد عههدة‬
‫مناصب دينية إلى أن عين في منصب أسقف مدينة عنابهة سهنة ‪ 395‬م‪.‬‬
‫وبعد ذلك‪ ،‬صار أبا للكنيسة الالتينيهة‪ .‬وقهد تهوفي أوغسهتان فهي‪/08/29‬‬
‫‪ 430‬م بمدينة عنابة ‪.)Hippone‬‬
‫وقد تشبع أوغسطين بالمعتقد المسيحي تأثرا بأمه القديسة مونيكا‪ ،‬وتأثر‬
‫كذلك بأسقف ميالنو القديس أومبرواز ‪ ) Ambroise‬سنة‪386‬م‪.‬‬
‫وقهد دافهع أوغسهطين كثيهرا عهن مبهادئ المسهيحية الكاثوليكيهة الرسهمية‬
‫التابعههة للكنيسههة الرومانيههة‪ ،‬ووقههف فههي وجههه الحركههة الدوناتيههة ذات‬
‫المالمح الثورية الشعبية‪ .‬وكان" خطيبا وكاتبا من طراز عال‪ ،‬فلهم يهتح‬
‫‪38‬‬
‫للمسيحية أن رزقت زعيما في مرتبته قط‪".‬‬
‫وقد عرف أوغيسطينيوس بكونه ماجنا متهتكها و هابا عربيهدا فهي بدايهة‬
‫حياتههه ‪ ،‬إال أنههه قههد تههاب‪ ،‬بعههد ذلههك‪ ،‬وأصههبح متههدينا وزاهههدا متقشههفا ‪.‬‬
‫وبالتههالي‪ ،‬كههان القههديس أوغسههطين"ثاقب الههذهن‪ ،‬واسههع الفكههر‪ ،‬غزيههر‬
‫العلم‪ ،‬ارتوى من مبادئ الديانهة المسهيحية‪ ،‬فأصهبح مهن أكبهر القسيسهين‬
‫ورجاالت الكنيسهة الكاثوليكيهة‪ .‬وقهد كهرس حياتهه الصهالحة فهي مقاومهة‬
‫الزنادقههة‪ ،‬ومكافحههة المههذاهب األخههرى التههي مههن ههأنها أن تقههف حجههر‬
‫عثهرة فهي سهبيل تقهدم الديانهة المسهيحية؛ وكهان يسهتعمل سهائر الوسهائل‬
‫لمحاربهههة المهههذهب الهههدوناتي ) ‪(donatisme‬الهههذي كهههان يرمهههي‬
‫الكههاثوليكيين بتسههرب الضههعف إلههى عقيههدتهم الدينيههة‪ ،‬كمهها كههان يحههارب‬

‫‪ - 38‬ارل أندري جوليان‪:‬تاريخ شمال أفريقيا‪،‬تعريب محمد مزالي والبشير بن سالمة‪،‬‬


‫الدار التونسية للنشر‪،‬ص‪.305:‬‬

‫‪35‬‬
‫المهذهب المهانكي ‪ ) Manichéism‬اآلري الهذي سهينتحله‪ ،‬فيمها بعهد‪،‬‬
‫‪39‬‬
‫القائد جنسريق‪ ،‬ملك الوندال‪".‬‬
‫وعلههى الههرغم مههن ثقافههة أوغسههطين الالتينيههة ‪ ،‬فقههد كههان يقههدم قداسههه‬
‫ومواعظه باللغة المحلية أو اللغة الفينيقية ؛ ألن األمازيغيين‪ ،‬في همال‬
‫أفريقيا ‪ ،‬كانوا يجهلون اللغة الالتينية لكونها لغة المثقفين الهذين درسهوا‬
‫بروما‪ ،‬وأصبحوا من مؤيدي الحكومة الرومانية‪ ،‬بل كانوا يرفضهونها؛‬
‫ألنها لغة المستعمر‪ .‬وكان الهدف ‪ ،‬من نشرها في األوساط األمازيغية‪،‬‬
‫هو العمل على نشر سياسة الرومنة والترومن‪ .‬وفي هذا‪ ،‬يقول األسهتاذ‬
‫الحسن السايح‪ ":‬وعلى الرغم من هذا التأثير الروماني‪ ،‬فقد ظل الشعب‬
‫المغربي يتكلم ‪ ،‬ويحدثنا القديس أوغسطونيوس) وهو أحد رجال الهدين‬
‫المغاربهة‪ ،‬أنهه كهان يسهتحيل عليهه أن يلقهي قداسهه باللغهة الالتينيهة؛ ألن‬
‫معظم الناس الذين يستمعون إليهه اليعرفهون حرفها واحهدا مهن الالتينيهة‪،‬‬
‫وإنما كانوا يعرفون اللغة الفينيقية‪ ،‬التي كانهت منتشهرة انتشهارا واسهعا‪،‬‬
‫حتههى إن العههرب الههذين جههاؤوا المغههرب وجههدوا النههاس يتكلمههون اللغههة‬
‫الفينيقيهة‪ ،‬وههي لغهة سهامية أخهت العربيهة‪ ،‬بهل إنهها لهجهة مهن اللهجهات‬
‫العربية‪ ،‬فكان االنتقال منها إلى لغة ‪ ،‬كاالنتقال من اللهجة المغربية إلى‬
‫‪40‬‬
‫المشرقية‪".‬‬
‫وقهد كهان أوغسهطينيوس خصها مثقفها وفيلسهوفا الهوتيها موسهوعيا‪ ،‬لهم‬
‫يستطع أحد أن يصل إلهى مسهتوى ههذا العهالم إبهان العصهر القهديم ‪ ،‬فقهد‬
‫امتلههك ثقافههة التينيههة عميقههة وواسههعة المههدارك ومتنوعههة المسههتويات‬
‫والمفاصههل‪ .‬وال يمكههن أن نضههع إلههى جانههب أوغسههتان الجزائههري إال‬
‫خصا واحد يقترب منه فكريا هو المثقف المغربهي الكبيهر يوبها الثهاني‬
‫الذي نهل من معارف عدة‪ ،‬وتمكن من لغات مختلفة‪ ،‬وتبحر في الكثيهر‬
‫من المعارف العلمية واألدبية والفنية والسياسية واإلدارية‪.‬‬

‫‪ - 39‬محمد محيي الدين المشرفي‪ :‬أفريقيا الشمالية في العصر القديم‪ ،‬الطبعة الرابعة‪،‬‬
‫‪ ،1969‬دار الكتب العربية‪ ،‬ص‪.103-102:‬‬
‫‪ - 40‬الحسن السايح‪ :‬الحضارة المغربية‪ ،‬منشورات عكاظ‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬الرباط‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى ‪2000 ،‬م‪ ،‬ص‪.122:‬‬

‫‪36‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬فقد ترك لنا أوغسطين نظرية فلسهفية دينيهة متكاملهة‪،‬‬
‫مازالت تدرس وتناقش إلى يومنا هذا في الملتقيات الالهوتية والفكرية‪،‬‬
‫وتنسب إليه تحت اسم األوغسطينية ‪.) Augustinienne‬‬
‫وعليههه‪ ،‬فثمههة عوامههل عههدة تحكمههت فههي توجيههه خصههية أوغسههطين‪،‬‬
‫ويمكن إجمالها في‪ :‬خطابة يشرون‪ ،‬وقراءة اإلنجيل‪ ،‬و االطالع على‬
‫تأويالتههه‪ ،‬وفحههص لغههة كتابتههه‪ ،‬وخاصههة اإلنجيههل اإلفريقههي‪ ،‬واالنسههياق‬
‫وراء العقيههدة الثنائيههة التههي تسههمى بالمانيكيههة‪ ،‬كمهها تههأثر كثيههرا بفلسههفة‬
‫أفالطون والفلسفة األفلوطينية المحدثة‪.‬‬
‫ومن مرتكزات نظرية أوغسطين‪ :‬اإليمهان الروحهي‪ ،‬والحهب‪ ،‬والعقهل‪،‬‬
‫والحكم العادل‪ ،‬والقدر اإللهي‪ ،‬واإلرادة‪ ،‬والخير‪ ،‬و التذكر بهدل الجههل‬
‫والنسيان‪ ،‬والحرب العادلة‪ ،‬والخطيئة األصلية‪ ،‬والطبيعة‪ ،‬والتعويض‪،‬‬
‫والتجسيد الحلولي ‪ ،‬والملكية الخاصة‪.‬‬
‫وينضههاف إلههى هههذا أن أوغيسههطينوس قههد كتههب أكثههر مههن مههائتي كتههاب‬
‫بالالتينية ‪ ،‬وتصنف كتبه وردوده ضمن إطار الثورات الدينية واألدبيهة‬
‫التهي كانهت تشهتعل فهي نوميهديا‪ ،‬وبالخصهوص بهين الدوناتيهة والكنيسهة‬
‫األفريقية المسيحية‪ .‬وكان المناضل األمازيغي دوناتوس هو الهذي يقهود‬
‫الحركة الدوناتية ‪ ،‬ومن المعلوم أن هذه الحركة ذات طابع ديني هعبي‬
‫ثههوري راديكههالي‪ ،‬تتشههكل مههن الفقههراء والمعههدمين والبؤسههاء والثههوار‬
‫المحليين والعبيد الضعفاء‪ ،‬وتدافع عن هوية الساكنة‪ ،‬وتسعى جادة إلهى‬
‫استقالل دولهة تامازغها‪ ،‬بمحاربهة الرومهان‪ ،‬ومطالبهة السهكان المحليهين‬
‫بطردهم بالقوة من مال أفريقيا‪.‬‬
‫أمههها الكنيسهههة الكاثوليكيهههة األمازيغيهههة التهههي يتزعمهههها أوغسهههتان‪ ،‬فقهههد‬
‫استهدفت نشهر العقيهدة المسهيحية‪ ،‬كمها ههو متعهارف عليهها فهي الكنيسهة‬
‫المركزيههة الرومانيههة ‪ .‬وقههد كانههت هههذه الكنيسههة فههي خدمههة اإلمبراطههور‬
‫الرومههاني قسههطنطين‪ ،‬تهههادن الحكومههة الرومانيههة فههي حههاالت السههلم‬
‫والحههرب‪ ،‬وتعطههي المشههروعية الدينيههة للمعمههرين األجانههب والمههرابين‬
‫وأصهحاب النفهوذ‪ ،‬وتبهرر اسهتغالل اإلقطهاع الرومهاني لسهاكنة نوميهديا‬
‫بصفة خاصة‪ ،‬و مال أفريقيا بصفة عامة‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫وعليههه‪ ،‬فالبههد مههن وضههع مؤلفههات أوغيسههطينوس ضههمن هههذا السههياق‬
‫التاريخي الذي ينحصر في الصراع األمازيغي ضد الرومان والوندال‪،‬‬
‫وضمن الصراع الديني واالجتماعي والعسهكري الهذي كانهت تخوضهه‬
‫الكنيسههههة الكاثوليكيههههة ضههههد المههههذهب الههههدوناتي‪ ،‬وحركههههة الههههدوارين‬
‫االجتماعية‪ .‬وكانت ال تناصر سوى القوات الرومانية‪ ،‬وتؤيد القرارات‬
‫كلها التي تصدرها الحكومة الالتينية إلبادة المعارضين األمازيغيين‪.‬‬
‫و على العموم‪ ،‬فقد كانت جهل الكتهب التهي ألفهها القهديس أوغسهطينيوس‬
‫باللغة الالتينية‪ ،‬لكن قداسهه الهديني كهان يقدمهه باللغهة الفينيقيهة‪ ،‬أو اللغهة‬
‫المحلية التي كان يفهمها الشعب األمازيغي‪ .‬ألن الالتينية مقصورة فقط‬
‫على كبار المثقفين والمهوظفين اإلداريهين التابعيهة لحكومهة رومها‪ .‬وفهي‬
‫هذا‪ ،‬يقول القديس أوغسهطين‪ ":‬إن الدولهة الرومانيهة التهي تعهرف كيهف‬
‫تحكهم الشهعوب؛ لهم تفهرض علهى المغلوبهة منهها سهيطرتها فحسهب‪ ،‬بهل‬
‫‪41‬‬
‫لغتها أيضا‪".‬‬
‫وعلى أي حهال‪ ،‬فالقهديس أوغسهطين عميهق التفكيهر‪ ،‬ورجهل دبلوماسهي‬
‫في تعامله مع الرومان‪ ،‬كثير الجدال والمناظرة‪ ،‬وههو كهذلك" فيلسهوف‬
‫قبل كل يء‪ ،‬رجل يحلهل اآلراء ‪ ،‬ويهرى كهل مهاتحوي ومبهدأها األول‬
‫ومههداها ونتائجههها النهائيههة‪ .‬وهههو فههوق ذلههك خطيههب عظههيم مههؤرخ‪ ،‬أو‬
‫بههاألحرى فيلسههوف للتههاريخ فههي كتابههه مدينههة هللا)‪ ،‬وهههو أخيههرا ههاعر‬
‫للقلب والوجدان الممتع في اعترافاته) الخالدة‪ .‬وربما كهان ههذا الرجهل‬
‫‪42‬‬
‫أغرب رجل في العالم القديم كله‪".‬‬
‫ومن أهم كتهب أوغسهطين‪ :‬اعترافهاتي‪ ،‬ومدينهة هللا‪ ،‬والثهالو المقهدس‪،‬‬
‫والنعمههة‪ .‬وتبقههى سههيرته اعترافههاتي‪ ) Mes confessions /‬بمثابههة‬
‫البداية الحقيقية للكتابة األوطبيوغرافية في الفكر اإلنسهاني‪ .‬ويعنهي ههذا‬
‫أن المؤلف هو أول كتاب وصل إلينا في باب السهيرة الذاتيهة الروحيهة‬
‫ذات الطههابع الههديني الههذي يشههتبك بالطههابع التههاريخي ؛ حيههث يقههدم فيههه‬
‫‪ - 41‬ارل أندري جوليان‪ :‬تاريخ شمال أفريقيا‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬ص‪.248:‬‬
‫‪ - 42‬إميل فو يه‪ :‬مدخل إلى األدب‪ ،‬ترجمة مصطفى ماهر‪،‬رقم الكتاب‪ ، 201‬الطبعة‬
‫األولى ‪ ،1958 ،‬طبع ملتزمة الطبع والنشر لجنة البيان العربي‪ ،‬مصر‪ ،‬ص‪.51:‬‬

‫‪38‬‬
‫الكاتههب اعترافاتههه بكههل صههدق وصههراحة‪ ،‬ويفصههل حياتههه الغريبههة‪،‬‬
‫ويوضح انسياقه وراء األهواء والشهوات‪ ،‬والسيما في مدينة قرطهاج ‪،‬‬
‫حيث كان مولعا بالمسرح والحب والجنس‪ ،‬ويبين لنا كيهف تعهرف إلهى‬
‫هللا ‪ ،‬وكيف انتقل بعد ذلك إلى الفكر المسيحي‪.‬‬
‫كما يكشف لنا عن تصوره وموقفه من الصهراع العقائهدي واالجتمهاعي‬
‫والتههاريخي الههذي كههان يعههيش فيههه أوغسههطين إبههان مرحلههة الصههراع‬
‫األمازيغي ‪ /‬الروماني‪.‬‬
‫وفي األخير‪ ،‬يدعو الكاتب ‪ ،‬في هذا المؤلف الديني‪ ،‬إلى سهالم الهروح‪،‬‬
‫ومحبهههة اإللهههه‪ ،‬واالرتمهههاء فهههي أحضهههان الهههرب مهههن أجهههل االسهههتراحة‬
‫النورانيههة‪.‬وتعنههي االعترافههات‪ ،‬فههي المفهههوم المسههيحي‪ ،‬بههوح اإلنسههان‪،‬‬
‫واعترافه للراهب بأخطائه وذنوبهه قصهد الحصهول علهى العفهو‪ .‬ويسهير‬
‫الكتهاب ‪ ،‬فههي ههذا المنحههى االعترافهي المسههيحي‪ ،‬فيعتهرف أوغسههطين‪،‬‬
‫بكل جرأة و جاعة‪ ،‬بأخطائه ومجونه من أجل الظفر بالتوبة والغفران‬
‫الرباني‪.‬‬
‫ومن المعروف أن هذا الكتاب قد صنف ما بهين‪ 391‬و‪400‬م فهي حيهاة‬
‫الكاتهههب أوغسهههطين ‪ ،‬بينمههها لهههم يكتهههب كتهههاب مدينهههة هللا ) و الثهههالو‬
‫المقدس) إال بعد وفاته‪ ،‬وبالضبط في ‪ 400‬م‪.‬‬
‫والههدليل علههى ريههادة سههيرة أوغسههطين ومكانتههها فههي األدب اإلنسههاني‬
‫والعالمي ما قاله الدكتور إحسان عباس فهي كتابهه فهن السهيرة)‪ ":‬وفهي‬
‫السير الذاتية بالغرب معالم كبيهرة‪ ،‬كهان لكهل معلهم منهها أثهره فهي كتابهة‬
‫السهيرة الذاتيهة وطريقتهها‪ ،‬وفهي طليعهة تلهك السهير اعترافهات القهديس‬
‫أوغسههطيس)‪ ،‬فإنههها فتحههت أمههام الكتههاب مجههاال جديههدا مههن الصههراحة‬
‫االعترافية‪ ،‬و جعت الميل إلى تعرية النفس‪ ،‬فهي حهاالت كثيهرة تلتهبس‬
‫‪43‬‬
‫باآلثام‪ ،‬أو يثقل فيها عناء الضمير‪".‬‬
‫ومههن أهههم مميههزات كتههاب اعترافههاتي) أنههه كتههب بطريقههة ههاعرية‬
‫روحانيههة وجدانيههة‪ ،‬يسههتقطر فيههها الكاتههب دمههوع المعاصههي و الههذنوب‬

‫‪ - 43‬إحسان عباس‪ :‬فن السيرة‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪،‬ص‪.114:‬‬

‫‪39‬‬
‫ليعوضها براحهة التوبهة والغفهران‪ ،‬مقهابال بهين الحيهاة والمهوت‪ ،‬والهدنيا‬
‫واآلخرة‪.‬‬

‫ترتوليانوس‬ ‫أو‬ ‫تارتولي‬ ‫المطلب الرابع‪:‬‬


‫‪Tertullianus‬‬
‫يعد تارتولي من أهم علماء الالهوت في منطقة تامازغا القديمة‪ ،‬وقد‬
‫توفي سنة ‪240‬م‪ .‬وقد تخلى عن عبادة الوثنية‪ ،‬فاعتنق دين النصرانية‪.‬‬
‫ثم تحمس له حماسا ديدا‪ ،‬ثم دافع عن المسيحية أيما دفاع واستماتة‪،‬‬
‫فوقف في وجه الكنيسة الرومانية الداعية إلى االستغالل ‪ ،‬وتكريس‬
‫التفاوت الطبقي ‪ ،‬وخاصة في كتابه دفاعا عن الدين‬
‫‪ ،)Apologeticus‬فحرض األمازيغ على التخلص من الخدمة‬
‫العسكرية في الجيش الروماني‪ .‬وقد تناول تارتولي‪ ،‬في كتابه الديني ‪،‬‬
‫مجموعة من القضايا الخلقية في ضوء العقيدة المسيحية الجديدة ؛ حيث‬
‫كان يدعو إلى العفة واألخالق الفاضلة‪ ،‬ويحارب اليهود وأهل البدع‬
‫‪44‬‬
‫الضالة والمنحرفة‪.‬‬

‫المطلب الخامس‪ :‬أرنوبي األكبر ‪Arnobius‬‬

‫ولد أرنوبي بنوميديا في منتصف القرن الثالث الميالدي‪ .‬وقد تنصر في‬
‫يخوخته‪ ،‬بعد أن قضى جل حياته في الوثنية‪ .‬ومن أهم كتبه في هذا‬
‫المجال ضدا على الوثنيين ‪ ،)Adversus nations‬وقد ألفه سنة‬
‫‪ 300‬ميالدية متحامال فيه على الوثنية وعبادة األصنام‪ ،‬مع التأكيد‪ ،‬في‬

‫‪ - 44‬محمد فيق‪ :‬لمحة عن ثالثة وثالثين قرنا من تاريخ األمازيغيين‪،‬دار الكالم‪،‬‬


‫الرباطن المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪1989‬م‪ ،‬ص‪.79:‬‬

‫‪40‬‬
‫الوقت نفسه‪ ،‬أن الفوز بالنجاة في الدنيا واآلخرة لن يتم ذلك إال بعبادة‬
‫هللا‪ ،‬واإليمان به قوال وفعال وسلوكا‪.‬‬
‫وقد عد أرنوبي‪ ،‬في الثقافة المسيحية المتوسطية‪ ،‬من أهم آباء الكنيسة‬
‫المسيحية وأجلهم؛ ألنه كرس كل حياته لخدمة النصرانية‪ ،‬والتبشير‬
‫بها‪ ،‬فترك عمله بسبب ذلك ليتفاني في الدفاع عن الدين الجديد‪،‬‬
‫وتقويض أركان الوثنية ‪.‬‬

‫المطلب السادس‪ :‬مينوسيوس فيليكس‬


‫يعد مينوسيسوس فيليكس من أهم علماء الالهوت األمازيغين في مال‬
‫أفريقيا‪ ،‬وقد ألف كتابا بعنوان ‪ ،)OCTAVIUS‬وهو عبارة عن‬
‫حوارات ومناظرات دينية وعقدية ‪ ،‬يدافع فيها الكاتب عن المسيحية‬
‫ضد االعتراضات المألوفة الموجهة ضد هذا الدين الجديد في تلك‬
‫الفترة بالذات‪.‬‬

‫تلكم‪ ،‬إذاً‪ ،‬نظرة مختصرة ومقتضهبة إلهى امتهداد المسهيحية وانتشهارها‬


‫في أرجاء تامازغا رقا وغربا‪ ،‬و ماال وجنوبا‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫المبحث الخامس‪ :‬األمازيـــغ واإلسالم‬
‫لههم يههدخل اإلسههالم ههمال أفريقيهها إال مههع الفتوحههات اإلسههالمية التههي سههن‬
‫سياسههتها الخلفههاء الرا ههدون ‪ ،‬وامتههدت مههع خلفههاء الدولههة األمويههة‪ .‬فقههد‬
‫انشغل عمهرو بهن العهاص كثيهرا‪ ،‬عنهدما فهتح مصهر فهي عههد عمهر بهن‬
‫الخطههاب‪ ،‬بمواصههلة نشههر اإلسههالم فههي ههمال أفريقيهها‪ ،‬فاسههتأذن الخليفههة‬
‫عمر بن الخطاب ض) في فتح برقة وطرابلس‪ ،‬فكتب إليه قائال‪ ":‬إنها‬
‫قهههد بلغنههها طهههرابلس‪ ،‬وبينهههها وبهههين أفريقيهههة تسهههعة أيام‪،‬فهههإن رأى أميهههر‬
‫المؤمنين أن يأذن لنا في غزوة فعل"‪ ،‬فكتب إليه عمر‪":‬ال‪...‬إنهها ليسهت‬
‫‪45‬‬
‫بإفريقية ولكنها المفرقة‪،‬غادرة مغدور بها‪،‬ال يغزوها أحد مابقيت"‪.‬‬
‫وقهههد استصهههعب عمهههر بهههن الخطهههاب فهههتح بهههالد البربهههر لقهههوة هههكيمة‬
‫األمههازيغيين‪ ،‬وصههعوبة إخضههاعهم‪ ،‬وسههرعة تقلههب مههزاجهم‪ ،‬ووعههورة‬
‫بالدهم‪ ،‬ومخافة من تعسف الوالة في معهامالتهم للبربهر ‪ ،‬بالمغهاالة فهي‬
‫الضرائب والجبايات‪ ،‬وسوء التصرف مع كبراء القوم وأسيادهم‪.‬‬
‫ويروي لنا كل من البالذري وابن عبد الحكم أن عمرا بهن العهاص‪ ،‬لمها‬
‫فتح اإلسكندرية ‪ ،‬سار في جيشه يريد المغرب حتى قهدم برقهة‪ ،‬فصهالح‬
‫أهلها ‪ ،‬بعد أن انهزموا فهي المعركهة أمهام قهوة جيشهه العتيهد‪ ،‬ثهم فهرض‬
‫عليهم أن يهيئوا له" ثالثة عشر ألف دينار يؤدونها إليهه جزيهة علهى أن‬
‫يبيعوا من أحبوا من أبنائهم في جزيتهم" ‪.46‬‬
‫وكانت برقة يومئذ من أخصب أراضي القارة األفريقية حتى إن سكانها‬
‫كانوا يرسهلون الخهراج بكهل طواعيهة إلهى والهي مصهر دون حاجهة إلهى‬

‫‪ - 45‬البالذري‪ :‬فتوح البلدان‪ ،‬دار الكتاب‪ ،‬بيروت‪ ،1982 ،‬ص‪.266:‬‬


‫‪ - 46‬ابن عبد الحكم‪ :‬فتوح افريقية واألندلس‪ ،‬دار الكتاب اللبناني‪ ،‬بيروت‪1987 ،‬م‪،‬‬
‫ص‪29:‬؛ وانظر كذلك‪ :‬خليفة بن الخياط‪ :‬تاريخ خليفة بن الخياط‪ ،‬دار طيبة‪ ،‬الرياض‪،‬‬
‫‪1985‬م‪ ،‬ص‪.144:‬‬

‫‪42‬‬
‫الجابي‪ .‬ومن ثم‪ ،‬كهان فهتح برقهة سهنة ‪21‬هـهـ‪ ،‬فتهابع عمهرو بهن العهاص‬
‫‪47‬‬
‫فتوحه‪ ،‬ثم غزا طرابلس التي افتتحها عنوة سنة‪22‬هــ‪.‬‬
‫ولما تولى عثمان بهن عفهان ض) إمامهة المسهلمين‪ ،‬قهرر نشهر اإلسهالم‬
‫خارج الجزيرة العربية‪ ،‬لكن هذه المرة ليس في اتجاه الشهرق كمها فعهل‬
‫عمر بن الخطاب ض)‪ ،‬بل االتجاه غربا نحو البحر األبيض المتوسط‪،‬‬
‫وبالضههبط إلههى رب هوع أفريقيهها الشههمالية‪ .‬وهكههذا‪ ،‬بههدأ التفكيههر فههي إحيههاء‬
‫مشههروع نشههر اإلسههالم نحههو غههرب مصههر عبههر مراحههل اتسههمت بالمههد‬
‫والجزر‪.48‬‬
‫وعليه‪ ،‬فأول مها قهام بهه عثمهان بهن عفهان أن عهزل عمهرا بهن العهاص ‪،‬‬
‫وولههى مكانههه عبههد هللا بههن أبههي سههرح علههى مصههر الههذي أرسههل بعههض‬
‫السههرايا لمهاجمههة أطههراف أفريقيهها‪ ،‬فكانههت ال ترجههع إال بعههد حصههولها‬
‫على الغنائم‪.‬‬
‫وبعد ذلك‪ ،‬فكر ابن أبي سرح جديا في فتح همال أفريقيها‪ ،‬فاسهتأذن فهي‬
‫ذلك عثمان بهن عفهان الهذي أذن لهه ذلهك سهنة ‪27‬هـهـ‪ ،‬فخهرج فهي جهيش‬
‫قوامههه عشههرون ألههف جنههدي مههن عههرب الجزيههرة العربيههة وقههبط مصههر‬
‫وبربر من أفريقيا‪ ،‬كما ارك فيه بعض الصهحابة رضهوان هللا علهيهم‪،‬‬
‫كمههروان بههن الحكههم‪ ،‬وعبههد هللا بههن الزبيههر‪ ،‬وعبههد هللا بههن عمههر‪ ،‬وعبههد‬
‫الههرحمن بههن أبههي بكههر‪ ،‬فخههاض القائههد المسههلم معركههة ضههد البطريههق‬
‫جورجيههوس حههاكم أفريقيهها القسههطنطيني الههذي واله هرقههل واليهها علههى‬
‫الشمال األفريقي؛ حيث استبد بهالحكم لصهالحه‪ ،‬فهانهزم الهروم فهي ههذه‬
‫المعركة هر هزيمهة‪ .‬لكهن القهواد البيهزنطيين صهالحوا عبهد هللا بهن أبهي‬
‫سههرح علههى مبههالغ طائلههة مههن الههذهب ‪ ،‬علههى أن ينسههحب بجيشههه مههن‬
‫أفريقيههة‪ ،‬وعههاد بههن أبههي سههرح إلههى مصههر دون أن يههولي أحههدا لمههدة ‪17‬‬
‫سنة‪".‬‬

‫‪ - 47‬انظر البالذري‪ :‬فتوح البلدان‪،‬ص‪314:‬؛ وابن عبد الحكم‪ :‬فتوح أفريقية‬


‫واألندلس‪ ،‬ص‪.34:‬‬
‫‪ - 48‬المالكي‪ :‬رياض النفوس‪ ،‬تحقيق حسين مؤنس‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪،1951 ،‬‬
‫صص‪.15-10:‬‬

‫‪43‬‬
‫وعلى الرغم من أن عثمان بن عفان لم يمانع في فهتح الشهمال األفريقهي‬
‫حيث أرسل جيشا دخل تونس بقيادة عبد هللا بن سعد بن أبهي سهرح قبهل‬
‫سههنة ‪30‬هههـ‪ ،‬فههإن االهتمههام الحههق بهههذه المنطقههة لههم يبههدأ إال علههى عهههد‬
‫األمههويين الههذين لههم يقنعههوا بفتحههها‪ ،‬بههل حههاولوا إقامههة حكمهههم عليههها‪،‬‬
‫وربطها بمركز الخالفة‪ .‬والحق أنه كهان البهد لدولهة اإلسهالم علهى عههد‬
‫األمههويين‪ ،‬وقههد ذهبههت بعيههدا فههي الفتههوح‪ ،‬أن توجههه اهتمامههها لحههوض‬
‫المتوسط ‪ ،‬وما يحيط بهه مهن بهالد ‪ ،‬ومها يزخهر بهه مهن تجهارة‪ ،‬خاصهة‬
‫وأنهههم كههانوا‪ -‬علههى عكههس الخلفههاء الرا ههدين‪ -‬مهتمههين بشههؤون البحههر‪.‬‬
‫ولكههن األمههر لههم يكههن يسههيرا علههى اإلطههالق‪ ،‬ففههي الوقههت الههذي اسههتطاع‬
‫المسهههلمون أن يقيمهههوا خهههالل بضهههع سهههنوات دولهههة واسهههعة الرقعهههة فهههي‬
‫المشرق‪ ،‬فإنهم ظلوا زههاء قهرن مهن الزمهان يحهاولون أن يثبتهوا دعهائم‬
‫‪49‬‬
‫الدين الجديد في بالد الشمال األفريقي"‪.‬‬
‫ولم يفتح المسلمون مال أفريقيا ‪ ،‬في عهد الخلفاء الرا دين وسالطين‬
‫الدولهههة األمويهههة‪ ،‬إال لعوامهههل عهههدة تتمثهههل‪ :‬فهههي يسهههر اإلسهههالم ‪ ،‬ونبهههل‬
‫أخالقههه‪ ،‬وسههوء اإلدارة البيزنطيههة بعههد وفههاة اإلمبراطههور جوسههتنيان ‪،‬‬
‫وعههدم وجههود روابههط سياسههية أو دينيههة بههين البربههر‪ ،‬ورغبههة البربههر فههي‬
‫التخلص من نير االحتالل البيزنطي‪.‬‬
‫ومههن هنهها‪ ،‬فقههد عههين معاويههة بههن سههفيان سههنة‪ 45‬هههـ ابههن حههديج؛ والههي‬
‫مصههر‪ ،‬قائههدا للفتوحههات اإلسههالمية فههي أفريقيهها‪ ،‬وكههان ابههن حههديج تابعهها‬
‫لسلطة الخليفة مبا رة‪ .‬وقد دخل هذا القائد مال أفريقيا إلغاثة هباهيها‬
‫‪ Habahia‬الههذي طالبههه هرقههل بالغنيمههة نفسههها التههي قههدمت للمسههلمين‬
‫‪ 300‬قنطار من الذهب)‪ ،‬ولما امتنع أرسل هرقل قائده نقفور لمقاتلته‪،‬‬
‫فالتجههأ هباهيهها إلههى معاويههة بههن أبههي سههفيان للتحههالف معههه ضههد هرقههل‪،‬‬
‫فأرسل الخليفة معه جيشا جرارا ‪ ،‬فدخل الجنهود تهونس‪ ،‬فهالتقى الجهيش‬
‫العربههي مههع جههيش هرقههل فههي مدينههة قونيههة التههي سههتبنى عوضههها مدينههة‬
‫القيههروان‪ ،‬فانتصههر المسههلمون فههي المعركههة‪ ،‬وهههرب الجههيش البيزنطههي‬

‫‪ - 49‬عباس الجراري‪ :‬األدب المغربي من خالل ظواهره وقضاياه‪ ،‬ص‪.42:‬‬

‫‪44‬‬
‫إلى سوسة‪ ،‬فلحقه المسلمون هناك‪ ،‬فاستولوا علهى المدينهة كمها اسهتولوا‬
‫علههى بنههزرت‪ .‬وفههتح ابههن حههديج ‪ ،‬فههي هههذه الحملههة العسههكرية‪ ،‬بنههزرت‬
‫وجلهههوال وجربهههة وسوسهههة‪ ،‬ثهههم عهههاد متنصهههرا إلهههى القاعهههدة العسهههكرية‬
‫واإلدارية بمصر‪.‬‬
‫ولم تكن هذه المناو ات إال امتدادا لفتح أفريقية الشهمالية‪ ،‬و قهد دام ههذا‬
‫النههوع مههن المههد والجههزر علههى مسههتوى الفتوحههات اإلسههالمية مههن سههنة‬
‫‪27‬هــ إلى سنة ‪45‬هــ‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فقد عين عقبة بن نافع واليا على أفريقية سنة ‪46‬هـ‪ .‬وبقهي‪ ،‬فهي‬
‫حملته األولى‪ ،‬خمس سنوات‪ ،‬ودخل ‪ ،‬في أثنهاء توليتهه‪ ،‬مجموعهة مهن‬
‫الحصون والمهدن فهي طريقهه لفهتح أفريقيها‪ ،‬والسهيما فهي ليبيها وتهونس‪،‬‬
‫وأسههس مدينههة القيههروان سههنة ‪62‬هههـ لتكههون عاصههمة لحكمههه‪ ،‬ومركههزا‬
‫استراتيجيا النطالق قواته العسكرية في نشر اإلسالم عبر ربوع همال‬
‫أفريقيا‪.‬‬
‫وقد استعان عقبة بن نافع‪ ،‬فهي تحركاتهه العسهكرية‪ ،‬بجهيش يتكهون مهن‬
‫القههوات العربيههة والقههوات البربريههة التههي كانههت تحههارب المرتههدين عههن‬
‫اإلسالم والمتمردين المتعصبين والمنشقين عن سلطة الخالفة جنبا إلى‬
‫جنب‪.‬‬
‫وفي ‪51‬هـ‪ ،‬عين معاوية بن أبي سفيان سلمة بن مخلد األنصهاري واليها‬
‫علههى مصههر والمغههرب العربههي‪ ،‬فعههين هههذا األخيههر بههدوره أبهها المهههاجر‬
‫دينار واليا على أفريقيا لمدة سبع سهنوات بسهبب خهوف سهلمة بهن مخلهد‬
‫من قوة عقبهة بهن نهافع القياديهة‪ ،‬وخشهيته مهن مكانتهه الكبيهرة‪ ،‬وحظوتهه‬
‫لههدى الخليفههة األمههوي‪ ،‬وكههان بههين أبههي المهههاجر وعقبههة بههن نههافع عهداوة‬
‫كبيههرة أدت إلههى عههزل عقبههة مههن منصههب قائههد الجيههو ‪ ،‬وحامههل لههواء‬
‫الفتوحات اإلسالمية في المغرب العربي‪.‬‬
‫وقد واصل أبو مهاجر دينار فتوحات عقبة بن نافع‪ ،‬فوصهل إلهى غهرب‬
‫الجزائر‪ ،‬ولهم يلهق مقاومهة تهذكر‪ ،‬سهواء مهن قبهل الهروم أم مهن البربهر‪،‬‬
‫وأسلم كسيال وقبيلته أوربة عند دخول أبي المهاجر إلهى الجزائهر لنشهر‬
‫اإلسالم‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫لكن عقبة بن نافع قد احتج لدى الخليفة يزيد بن معاوية‪ ،‬ومن عليهه بمها‬
‫قههام بههه مههن خههدمات جليلههة لصههالح الخالفههة األمويههة‪ ،‬فعينههه يزيههد مههرة‬
‫أخرى واليا على أفريقيا ليواصل حملته الثانية سنة ‪62‬هـ‪ ،‬فوصل ‪ ،‬في‬
‫فتوحاتههه‪ ،‬إلههى بحههر الظلمههات غربهها و إلههى حههدود الجزيههرة الخضههراء‬
‫ماال‪ ،‬بعد أن فتح ربوع تونس والجزائر والمغرب‪ ،‬كما انتقم مهن أبهي‬
‫المههاجر بأسهره إذالال ‪ ،‬وتقييهده تعهذيبا طهوال مسهيرته التهي خصصهها‬
‫لفتح مال أفريقيا ‪ ،‬وقد وصلت إلى حدود سوس المغربية جنوبا‪ .‬وفي‬
‫الوقههت نفسههه‪ ،‬كههان يهههين صههديقه البربههري الملههك كسههيال ‪ .‬بيههد أن هههذا‬
‫األخير‪ ،‬قد انتفض ضده‪ ،‬وقتله قرب نهر الزاب بالجزائر‪.‬‬
‫وبعد مقتل عقبة بن نافع‪ ،‬أرسل الخليفة عبد الملك بن مروان زهير بن‬
‫قيس البلوي لفتح مال أفريقيا ‪ ،‬ومجابهة كسيال ‪ .‬وقهد انتههت المعركهة‬
‫بانتصار المسلمين في معركة ممش بتونس‪ ،‬ومقتل الثهائر المتمهرد عهن‬
‫السلطة المركزية الملك البربري كسيال‪.‬‬
‫وبعههد استشهههاد زهيههر بههن قههيس البلههوي فههي معركتههه التههي خاضههها ضههد‬
‫الروم في معركة برقة سنة ‪71‬ههـ‪ ،‬عهين حسهان بهن النعمهان واليها علهى‬
‫المغههرب‪ ،‬وقضههى علههى الكاهنههة األوراسههية ديهيهها زعيمههة البربههر فههي‬
‫نوميديا‪ .‬وبعد ذلك ‪ ،‬عين موسى بن نصير واليا على المغرب العربهي‪.‬‬
‫وفي عهده‪ ،‬فتح المسلمون األندلس على يد طارق بن زياد‪.‬‬
‫ويعنهي هههذا أنهه بعههد فتوحهات حسههان بهن النعمههان المظفهرة فههي أفريقيههة‪،‬‬
‫وانتصههاره علههى آخههر مقاومههة فههي بههالد تامازغهها بقيههادة الكاهنههة ديهيهها‪،‬‬
‫واصل موسى بن نصير اللخمي فتوحات حسان بن النعمان‪ ،‬ودخل إلى‬
‫المغرب تقريبها بهدون مقاومهة تهذكر ‪ .‬والسهبب فهي ذلهك أن حسهان بهن‬
‫النعمههان قهد هيههأ لههه األرضههية الكاملههة‪ ،‬وأخمههد كههل الثههورات األمازيغيههة‬
‫والمناو ات الرومية والثورات المضادة‪ ،‬وأسكت كل المتمردين ‪.‬‬
‫وقد أحضر موسى بن نصير معه ألف فقيه ليعلموا البربر أصول الدين‬
‫اإلسالمي والفقه والحديث‪ .‬وقهد تهأثر البربهر ‪ -‬فعهال ‪ -‬بحضهارة العهرب‬
‫ولغتهم ودينهم بكل سهولة‪ ،‬وتطبعوا بسلوكهم‪ ،‬وتمثلهوا مبهادئ اإلسهالم‬
‫السمحة‪ .‬وفي هذا‪ ،‬يقول جوسهتاف لوبهون‪ ":‬للبربهر لغهة عريقهة يحتمهل‬

‫‪46‬‬
‫أن تكون مشتقة من الفينيقية الكنعانية‪ .‬ويهدين البربهر باإلسهالم‪ ،‬ولكهنهم‬
‫كانوا يدينون بآلهة قرطاجنة الكنعانية‪ .‬وقد تعربت البربرية حيث تتألف‬
‫لغة بالد القبائل األمازيغية بنسبة الثلث مهن العربيهة‪ .‬فتهأثير العهرب فهي‬
‫مال أفريقيا أكبر وأقوى من الرومان واإلغريق الذين لهم يتركهوا أثهرا‬
‫‪50‬‬
‫في اللغة البربرية‪".‬‬
‫ومههن ثههم‪ ،‬فقههد اتخههذت فتوحههات موسههى بههن نصههير وجهتههين أساسههيتين‪:‬‬
‫وجهههة بحريههة للهيمنههة علههى البحههر األبههيض المتوسههط وجههزره‪ ،‬ووجهههة‬
‫برية لفتح جميع الثغهور والمنهاطق التهي استعصهت علهى الفهتح مهن قبهل‬
‫حسههان بههن النعمههان مههن أجههل نشههر اإلسههالم‪ ،‬والتعريههف بههدين محمههد‬
‫صلعم)‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬إذا كان الفتح العربي اإلسالمي في الشهرق قهد تهم بسهرعة الفتهة‬
‫لالنتبههاه؛ حيههث أخضههع المسههلمون‪ ،‬فههي عهههد عمههر بههن الخطههاب ض)‪،‬‬
‫مجموعة من البلهدان‪ ،‬كالشهام‪ ،‬ومصهر‪ ،‬والعهراق‪ ،‬وفهارس ‪ ،‬فقهد ظلهت‬
‫أفريقيههها الشهههمالية منطقهههة عسهههيرة‪ ،‬وأرضههها خطيهههرة بسهههبب وعهههورة‬
‫التضاريس األفريقية‪.‬‬
‫ويعرف األمازيغ بشدة المقاومة لكل مهن حهاول االعتهداء علهى حهريتهم‬
‫وممتلكههاتهم‪ .‬عههالوة علهههى صههالبة عههودهم‪ ،‬وكثهههرة ههجاعتهم ‪ ،‬وقهههوة‬
‫كيمتهم‪ .‬فضال عن كونهم اليقبلهون الضهيم‪ ،‬وال يرضهون بالهذل نظهرا‬
‫العتزازهم الكبير بأنفسهم أنفة وكرامة واستعالء ‪ .‬لهذا‪ ،‬بقيهت أفريقيها‬
‫الشمالية وعرة التطويع من قبل الفاتحين المسلمين ‪ ،‬وصعبة اإلخضهاع‬
‫لمدة تتراوح بين ‪22‬هـ و‪82‬هــ‪ .‬أي‪ :‬فترة زمنيهة تقهدر بـهـ‪ 60‬سهنة مهن‬
‫تههاريخ المههد والجههزر مههن أجههل نشههر اإلسههالم بههين سههاكنة تامازغهها التههي‬
‫أظهرت العناد‪ ،‬وعدم االنقياد بسهولة لسلطة الخالفة األموية ‪ .‬ومن ثم‪،‬‬
‫كان إسالمهم يتأرجح بين االعتناق الطوعي و الردة المؤقتة ‪.‬‬

‫‪ - 50‬نقال عن عز الدين المناصرة‪ :‬المسألة األمازيغية في الجزائر والمغرب‪ ،‬ص‪.88:‬‬

‫‪47‬‬
‫وقههد قيههل‪" :‬إن البربههر ارتههدوا بإفريقيههة المغههرب اثنتههي عشههرة مههرة‪،‬‬
‫وزحفوا في كلها للمسهلمين‪ ،‬ولهم يثبهت إسهالمهم إال فهي أيهام موسهى بهن‬
‫نصير‪ ،‬وقيل بعدها‪"51.‬‬
‫وفي األخير‪ ،‬لقد اعتنق األمازيغيون اإلسالم عن حب وإيمان واقتناع ‪،‬‬
‫ووجدوا فيه ضالتهم للتخلص من الضهيم والظلهم واالسهتعباد‪ ،‬كمها كهان‬
‫ذلك في عهود الرومهان والونهدال والبيهزنطيين‪ ،‬فانهدمجوا فهي المجتمهع‬
‫اإلسالمي الكبير بكل سهولة ويسر ومرونة‪ ،‬وصاروا دعهاة لهه فهي كهل‬
‫زمان ومكان‪.‬‬

‫‪ - 51‬ابن خلدون‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.103:‬‬

‫‪48‬‬
‫الخاتمـــة‬
‫وخالصهههة القهههول‪ ،‬لقهههد تشهههبع األمهههازيغ‪ ،‬منهههذ تواجهههدهم فهههي تامازغههها‪،‬‬
‫باعتنهههاق مجموعهههة مهههن المعتقهههدات الوثنيهههة‪ ،‬وتمثهههل نهههواميس األديهههان‬
‫الكبرى‪ ،‬مثل‪ :‬اليهودية‪ ،‬والمسيحية‪ ،‬واإلسالم‪.‬‬
‫ويعني هذا أن اإلنسان األمهازيغي كهان‪ ،‬فهي بدايتهه‪ ،‬وثنيها مثهل اإلنسهان‬
‫البهههدائي والشهههعوب األولهههى التهههي كانهههت تبحهههث عهههن الحقيقهههة الدينيهههة‬
‫الصههحيحة‪.‬وبعد ذلههك‪ ،‬م هال األمههازيغ إلههى األديههان السههماوية الربانيههة‪،‬‬
‫فتشبثوا بها تشبثا كبيرا حتى عرف األمازيغ بشدة التدين والمعتقد‪ ،‬إلهى‬
‫درجههة أنههه يصههعب عليههه أن يعههيش حيههاه الدنيويههة بمعههزل عههن الههدين‬
‫األخروي الذي كان يحقهق لهه األمهان والسهعادة واالسهتقرار والطمأنينهة‬
‫النفسية والمجتمعية‪.‬‬

‫إذاً‪ ،‬لقهههد عهههرف األمهههازيغ بتهههدينهم الشهههديد الالفهههت لالنتبهههاه‪ ،‬وتمسهههكهم‬


‫الرصين بعقائدهم التي نشأوا عليها فطرة أو اكتسهابا‪ .‬وفهي ههذا ‪ ،‬يقهول‬
‫اصههطيفان اكصههيل ‪ ":‬إن البربههر فههي غههالبيتهم متههدينون‪ ،‬ويشههعرون أن‬
‫لههههم رسهههالة‪ .‬وههههم يهههدافعون عهههن معتقهههدهم بحميهههة‪ ،‬تشههههد بهههها علهههى‬
‫الخصوص تلهك السلسهلة الطويلهة مهن الفهتن والحهروب التهي جهرت فهي‬
‫القرون األخيرة من أعصر التاريخ القديم‪ ،‬وكذلك في القرون التي تلهت‬
‫الفتح العربي‪. 52".‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬فقد عبد األمازيغ في البداية الحيوانات واألوثان واألصنام‬
‫والملوك ‪ ،‬وقدسوا مظاهر الطبيعة من مس وقمر وأرض ومطر‪،...‬‬
‫وتأثروا بديانات القرطاجنيين والفينيقيين والفراعنة واليونان‬
‫والرومان‪ ،‬فعبدوا تانيت ‪ ،‬وبعل‪ ،‬وأمون‪ ،‬وبوسيدون‪ ،‬ومارس‪،‬‬
‫وهرمس‪ ،‬وايزيس‪ ،‬وأوزيريس‪ ،‬ومترا‪ ،‬وباخوس‪ ،‬وأسكوالب‪ ...‬كما‬

‫‪ - 52‬اصطيفان ا صيل‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.113-112:‬‬

‫‪49‬‬
‫انساقوا وراء اليهودية والنصرانية‪ ،‬لينتقلوا ‪ -‬فيما بعد‪ -‬إلى تمثل عقيدة‬
‫اإلسالم إلى يومنا هذا‪.‬‬
‫وقد نشأ ‪ ،‬في وسط األمازيغيين‪ ،‬مجموعة من علماء الدين والالهوت‬
‫الذين تمكنوا من اللغات والثقافات المجاورة‪ ،‬فتسلحوا بعلوم الدين‬
‫والمنطق والفلسفة والجدل والمناظرة‪ ،‬ثم أصبحت لهم مكانة كبيرة في‬
‫تاريخ العقيدة وأصول الدين والفكر إلى يومنا هذا‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫ثبت المصادر والمراجع‬

‫المصـــــادر العامة‪:‬‬

‫‪ -1‬ابن خلدون‪ :‬العبر وديوان المبتدإ والخبر في أيام العرب والعجم‬


‫والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان األكبر‪،‬دار الكتاب اللبناني‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬طبعة ‪1968‬م‪.‬‬
‫‪ -2‬ابن عبد الحكم‪ :‬فتوح افريقية واألندلس‪ ،‬دار الكتاب اللبناني‪،‬‬
‫بيروت‪،‬لبنان‪1987 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -3‬البالذري‪ :‬فتوح البلدان‪ ،‬دار الكتاب‪ ،‬بيروت‪،‬لبنان‪ ،‬طبعة‬
‫‪1982‬م‪.‬‬
‫‪ -4‬خليفة بن الخياط‪ :‬تاريخ خليفة بن الخياط‪ ،‬دار طيبة‪ ،‬الرياض‪،‬‬
‫السعودية‪ ،‬طبعة ‪1985‬م‪.‬‬
‫‪ -5‬ليون األفريقي‪ :‬وصف أفريقيا‪ ،‬ترجمة عن الفرنسية‪:‬محمد‬
‫األخضر ومحمد حجي الجزء األول‪،‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫لبنان‪ ،‬الطبعة الثانية‪1983،‬م‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫‪ -6‬المالكي‪ :‬رياض النفوس‪ ،‬تحقيق حسين مؤنس‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪،‬‬
‫‪1951‬م‪.‬‬
‫‪ -7‬هيرودوت‪ :‬أحاديث هيرودوت عن الليبيين (األمازيغ)‪ ،‬تحقيق‬
‫مصطفى أعشي‪ ،‬منشورات المعهد الملكي للثقافة األمازيغية‪ ،‬الرباط‪،‬‬
‫المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2008‬م‪.‬‬

‫المراجـــع باللغة العربيـــة‪:‬‬

‫‪ -8‬إبراهيم حركات‪:‬المغرب عبر التاريخ‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬دار الر اد‬


‫الحديثة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى ‪2009‬م‪.‬‬
‫‪ -9‬إحسان عباس‪ :‬فن السيرة‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪ -10‬أحمد توفيق المدني‪ :‬قرطاجنة في أربعة عصور‪ ،‬طبعة تونس‪،‬‬
‫‪1926‬م‪.‬‬
‫‪ -11‬إدموند دوطي‪ :‬السحر و الدين في أفريقيا الشمالية ‪ ،‬ترجمة ‪:‬‬
‫فريد الزاهي ‪ ،‬منشورات مرسم ‪،‬مطبعة بورقراق‪ ،‬الرباط‪،‬‬
‫المغرب‪2008،‬م‪.‬‬
‫‪ -12‬اصطيفان اكصيل‪ :‬تاريخ شمال أفريقيا‪ ،‬ترجمة‪ :‬محمد التازي‬
‫سعود‪ ،‬مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية‪ ،‬الرباط‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى سنة ‪2007‬م‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫‪ -13‬أنجلوغريلي ‪:‬أسلمة وتعريب بربر شمال المغرب‪ ،‬ترجمة عبد‬
‫العزيز هبر‪،‬منشورات وزارة الثقافة ‪ ،‬مطبعة دار المناهل‪ ،‬الرباط‪،‬‬
‫المغرب‪2009،‬م‪.‬‬
‫‪-14‬أنتوني غدنز‪ :‬علم االجتماع‪ ،‬ترجمة‪ :‬فايز الصياغ‪ ،‬مركز‬
‫دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى ‪2005‬م‪.‬‬
‫‪ -15‬جون سكوت‪ :‬علم االجتماع‪ ،‬المفاهيم األساسية‪ ،‬الشبكة العربية‬
‫لألبحا والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة الثانية ‪2013‬م‪.‬‬
‫‪ -16‬الحسن السايح‪ :‬الحضارة المغربية‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬منشورات‬
‫عكاظ‪ ، ،‬الرباط‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى ‪2000 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -17‬ارل أندري جوليـان‪ :‬تاريخ إفريقيا الشمالية‪ ،‬تعريب‪ :‬محمد‬
‫مزالي البشير بن سالمة‪ ،‬الدار التونسية للنشر ‪1969‬م‪.‬‬
‫‪ -18‬فا يـه إميـل‪ :‬مدخل إلى األدب‪ :‬ترجمة‪ :‬مصطفى ماهر ‪ ،‬لجنة‬
‫البيان العربي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬طبعة ‪1958‬م‪.‬‬
‫‪ -19‬عباس الجراري‪ :‬األدب المغربي من خالل ظواهره و قضاياه‪،‬‬
‫الجزء األول ‪،‬مكتبة المعارف‪ ،‬الرباط‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية‪1982،‬م‪.‬‬
‫‪ -20‬عبد هللا العروي‪ :‬مجمل تاريخ المغرب‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪،‬‬
‫الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬طبعة ‪1984‬م‪.‬‬
‫‪ -21‬العربي اكنينح‪ :‬في المسألة األمازيغية‪ :‬أصول المغاربة‪ ،‬مطبعة‬
‫آنفو برانت ‪ ،‬فاس‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬سنة ‪2003‬م‪.‬‬
‫‪ -22‬عز الدين المناصرة‪ :‬المسألة األمازيغية في الجزائر والمغرب‪،‬‬
‫دار الشروق‪ ،‬األردن‪ ،‬الطبعة األولى‪1999 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -23‬علي محمد محمد الصالبي‪ :‬صفحات من تاريخ ليبيا اإلسالمي‬
‫والشمال األفريقي‪ ،‬دار البيارق‪،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬سنة‬
‫‪1998‬م‪.‬‬
‫‪ -24‬محمد بوكبوط‪ :‬الممالك األمازيغية في مواجهة التحديات‪،‬‬
‫مركزطارق بن زياد‪ ،‬الرباط‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة االولى سنة ‪2002‬م‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫‪ -25‬محمد فيق‪ :‬لمحة عن ثالثة و ثالثين قرنا من تاريخ‬
‫األمازيغيين‪ ،‬دار الكالم‪ ،‬الرباط‪ ،‬طبعة ‪1989‬م‪.‬‬
‫‪ -26‬محمد يت خطاب‪ :‬قادة فتح بالد المغرب‪ ،‬الجزء األول‪،‬دار‬
‫الفكر‪ ،‬الطبعة السابعة‪1984 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -27‬محمد الطالبي وإبراهيم العبيدي‪ :‬البرغواطيون في المغرب‪،‬‬
‫مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬سنة‬
‫‪1999‬م‪.‬‬
‫‪ -28‬محمد محيي الدين المشرفي‪ :‬أفريقيا الشمالية في العصر القديم‪،‬‬
‫دار الكتب العربية‪ ،‬الطبعة الرابعة ‪ ،‬سنة ‪1969‬م‪.‬‬

‫المراجـــع األجنبيــة‪:‬‬
‫‪29-Malinowski: Magic, science and religion, and‬‬
‫‪other essays, London. Souvenir Press, 1982.‬‬
‫‪30-Saint‬‬ ‫‪Augustin,‬‬ ‫‪Confessions,‬‬ ‫‪III,‬‬ ‫‪3,‬‬ ‫‪trad.‬‬
‫‪d'Arnauld d'Andilly (1649), établie par O. Barenne,‬‬
‫‪éd. Ph. Sellier, Gallimard, " Folio ", 1993.‬‬
‫‪31-Yves Lambert :La naissance des religions : De la‬‬
‫‪préhistoire aux religions universalistes, Armand‬‬
‫‪Colin, 2007 .‬‬
‫‪32-Yves Lambert : Dieu change en Bretagne : La‬‬
‫‪religion à Limerzel de 1900 à nos jours, Cerf, 1985.‬‬

‫‪54‬‬
‫السيـــرة العلـــمية‪:‬‬

‫‪ -‬جميل حمداوي من مواليد مدينة الناظور المغرب)‪.‬‬


‫‪ -‬حاصل على دبلوم الدراسات العليا سنة ‪1996‬م‪.‬‬
‫‪ -‬حاصل على دكتوراه الدولة سنة ‪2001‬م‪.‬‬
‫‪ -‬حاصل على إجازتين‪:‬األولى في األدب العربي‪ ،‬والثانية في الشهريعة‬
‫والقانون‪ .‬ويعد إجازتين في الفلسفة وعلم االجتماع‪.‬‬
‫‪ -‬أسهههتاذ التعلهههيم العهههالي بهههالمركز الجههههوي لمههههن التربيهههة والتكهههوين‬
‫بالناظور‪.‬‬
‫‪ -‬أستاذ األدب العربي‪ ،‬ومناهج البحث التربهوي‪ ،‬واإلحصهاء التربهوي‪،‬‬
‫وعلهههوم التربيهههة‪ ،‬والتربيهههة الفنيهههة‪ ،‬والحضهههارة األمازيغيهههة‪ ،‬وديهههدكتيك‬
‫التعليم األولي‪ ،‬والحياة المدرسية والتشريع التربوي‪...‬‬
‫‪-‬أديب ومبدع وناقد وباحث‪ ،‬يشتغل ضمن رؤية أكاديمية موسوعية‪.‬‬
‫‪ -‬حصههل علههى جههائزة مؤسسههة المثقههف العربههي سيدني‪/‬أسههتراليا) لعههام‬
‫‪2011‬م في النقد والدراسات األدبية‪.‬‬
‫‪ -‬حصل على جائزة ناجي النعمان األدبية سنة‪2014‬م‪.‬‬
‫‪ -‬عضو االتحاد العالمي للجامعات والكليات بهولندا‪.‬‬
‫‪ -‬رئيس الرابطة العربية للقصة القصيرة جدا‪.‬‬
‫‪ -‬رئيس المهرجان العربي للقصة القصيرة جدا‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫‪ -‬رئيس الهيئة العربية لنقاد القصة القصيرة جدا‪.‬‬
‫‪ -‬رئيس الهيئة العربية لنقاد الكتابة الشذرية ومبدعيها‪.‬‬
‫‪ -‬رئيس جمعية الجسور للبحث في الثقافة والفنون‪.‬‬
‫‪ -‬رئيس مختبر المسرح األمازيغي‪.‬‬
‫‪ -‬عضو الجمعية العربية لنقاد المسرح‪.‬‬
‫‪-‬عضو رابطة األدب اإلسالمي العالمية‪.‬‬
‫‪ -‬عضو اتحاد كتاب العرب‪.‬‬
‫‪-‬عضو اتحاد كتاب اإلنترنت العرب‪.‬‬
‫‪-‬عضو اتحاد كتاب المغرب‪.‬‬
‫‪ -‬من منظري فن القصة القصيرة جدا وفن الكتابة الشذرية‪.‬‬
‫‪ -‬مهتم بالبيداغوجيا والثقافة األمازيغية‪.‬‬
‫‪ -‬ترجمت مقاالته إلى اللغة الفرنسية و اللغة الكردية‪.‬‬
‫‪ -‬ههارك فههي مهرجانههات عربيههة عههدة فههي كههل مههن‪ :‬الجزائههر‪ ،‬وتههونس‪،‬‬
‫وليبيهههههها‪ ،‬ومصههههههر‪ ،‬واألردن‪ ،‬والسههههههعودية‪ ،‬والبحههههههرين‪ ،‬والعههههههراق‪،‬‬
‫واإلمارات العربية المتحدة‪،‬وسلطنة عمان‪...‬‬
‫‪ -‬مستشار في مجموعة مهن الصهحف والمجهالت والجرائهد والهدوريات‬
‫الوطنية والعربية‪.‬‬
‫‪ -‬نشر أكثر مهن ألهف وثالثهين مقهال علمهي محكهم وغيهر محكهم‪ ،‬وعهددا‬
‫كثيههرا مههن المقههاالت اإللكترونيههة‪ .‬ولههه أكثههر مههن ‪ )154‬كتههاب ورقههي‪،‬‬
‫وأكثر من مائتي وعشرين كتاب إلكتروني منشور في موقعي المثقف)‬
‫وموقع األلوكة)‪ ،‬وموقع أدب فن)‪.‬‬
‫‪ -‬ومههن أهههم كتبههه‪ :‬فقههه النههوازل‪ ،‬ومفهههوم الحقيقههة فههي الفكههر اإلسههالمي‪،‬‬
‫ومحطههات العمههل الديههدكتيكي‪ ،‬وتههدبير الحيههاة المدرسههية‪ ،‬وبيههداغوجيا‬
‫األخطاء‪ ،‬ونحو تقويم تربوي جديد‪ ،‬والشذرات بين النظرية والتطبيهق‪،‬‬
‫والقصههة القصههيرة جههدا بههين التنظيههر والتطبيههق‪ ،‬والروايههة التاريخيههة‪،‬‬
‫تصههورات تربويههة جديهههدة‪ ،‬واإلسههالم بهههين الحداثههة ومههها بعههد الحداثهههة‪،‬‬
‫ومجههزءات التكههوين‪ ،‬ومههن سههيميوطيقا الههذات إلههى سههيميوطيقا التههوتر‪،‬‬
‫والتربيههة الفنيههة‪ ،‬ومههدخل إلههى األدب السههعودي‪ ،‬واإلحصههاء التربههوي‪،‬‬

‫‪56‬‬
‫ونظريههات النقههد األدبههي فههي مرحلههة مابعههد الحداثههة‪ ،‬ومقومههات القصههة‬
‫القصيرة جدا عند جمال الدين الخضيري‪ ،‬وأنواع الممثهل فهي التيهارات‬
‫المسههرحية الغربيههة والعربيههة‪ ،‬وفههي نظريههة الروايههة‪ :‬مقاربههات جديههدة‪،‬‬
‫وأنطولوجيهها القصههة القصههيرة جههدا بههالمغرب‪ ،‬والقصههيدة الكونكريتيههة‪،‬‬
‫ومن أجل تقنيهة جديهدة لنقهد القصهة القصهيرة جهدا ‪ ،‬والسهيميولوجيا بهين‬
‫النظريههة والتطبيههق‪ ،‬واإلخههراج المسههرحي‪ ،‬ومههدخل إلههى السههينوغرافيا‬
‫المسرحية‪ ،‬والمسرح األمازيغي‪ ،‬ومسرح الشباب بهالمغرب‪ ،‬والمهدخل‬
‫إلهههى اإلخهههراج المسهههرحي‪ ،‬ومسهههرح الطفهههل بهههين التهههأليف واإلخهههراج‪،‬‬
‫ومسرح األطفال بهالمغرب‪ ،‬ونصهوص مسهرحية‪ ،‬ومهدخل إلهى السهينما‬
‫المغربيههههة‪ ،‬ومنههههاهج النقههههد العربههههي‪ ،‬والجديههههد فههههي التربيههههة والتعلههههيم‪،‬‬
‫وببليوغرافيهها أدب األطفههال بههالمغرب‪ ،‬ومههدخل إلههى الشههعر اإلسههالمي‪،‬‬
‫والمههههدارس العتيقههههة بههههالمغرب‪ ،‬وأدب األطفههههال بههههالمغرب‪ ،‬والقصههههة‬
‫القصيرة جدا بالمغرب‪،‬والقصة القصيرة جدا عند السعودي علي حسهن‬
‫البطران‪ ،‬وأعالم الثقافة األمازيغية‪...‬‬
‫‪ -‬عنههههههوان الباحههههههث‪ :‬جميههههههل حمههههههداوي‪ ،‬صههههههندوق البريههههههد‪،1799‬‬
‫الناظور‪ ،62000‬المغرب‪.‬‬
‫‪ -‬جميههل حمههداوي‪ ،‬صههندوق البريههد‪ ،10372‬البريههد المركههزي تطههوان‬
‫‪ ،93000‬المغرب‪.‬‬
‫‪ -‬الهاتف النقال‪0672354338:‬‬
‫‪ -‬الهاتف المنزلي‪0536333488:‬‬
‫‪ -‬اإليميل‪Hamdaouidocteur@gmail.com:‬‬
‫‪Jamilhamdaoui@yahoo.‬‬

‫‪57‬‬
‫الغالف الخارجي‬
‫عرف األمازيغيون‪ ،‬في منطقهة تامازغها‪ ،‬أو همال أفريقيها‪،‬أو المغهرب‬
‫الكبيههر‪ ،‬مجموعههة مههن المعتقههدات والههديانات‪ ،‬مثههل‪ :‬الوثنيههة‪ ،‬واليهوديههة‪،‬‬
‫والمسيحية‪ ،‬واإلسالم‪ .‬وقد تمثل األمازيغ هذه المعتقدات والديانات عهن‬
‫طريق التأثر بالشعوب المجاورة أو الغازية أو الفاتحة‪ ،‬مع التهأثير فيهها‬
‫كذلك عقديا ودينيا‪.‬‬
‫ولم يقف األمازيغ عند حد التأثر فقط‪ ،‬بهل سهاهموا فهي إثهراء الحركهات‬
‫الدينية وإغنائها مع مجموعة مهن الالههوتيين والمفكهرين ورجهال الهدين‬
‫األمهههههههههههههازيغيين‪ ،‬كمههههههههههههها ههههههههههههههو هههههههههههههأن أريهههههههههههههوس ‪)Arius‬‬
‫وأوغيسطينوس)‪ (Augustine‬على سبيل التمثيل ليس إال‪.‬‬

‫‪58‬‬

You might also like