Professional Documents
Culture Documents
لق د ظه ر مفه وم "الثقاف ة الوطني ة" في الع الم الع ربي بوص فه ب ديًال عن الثقاف ة االس تعمارية ،فه و مفه وم يع بر عن واق ع
ملموس ضد واقع آخر ،لم يكن ينظر إلى مفهوم الثقافة الوطنية من زاوية الشكل ،بل كان تحديده يتم ابتداء من الوضعية
االجتماعية والتاريخية التي تعيشها الشعوب المستعمرة المناضلة من أجل سيادتها الوطنية وتحررها القومي ،ومن هنا
وج دت تل ك الس مة األساس ية المم يزة للثقاف ة الوطني ة في مفهومه ا الش ائع آن ذاك ،أال وهي ارتباطه ا العض وي بالكف اح
التحرري ضد السيطرة االستعمارية والنفوذ اإلمبريالي بمختلف مظاهرهما وأشكالهما.
وبناء على ذلك فإن "الثقافة الوطنية" ال تعنى شيئًا مقابًال للثقافة اإلنسانية أو فكرا ما ،إنها ليست البديل ال لهذا وال لذاك،
وإ نما الثقافة الوطنية مفهوم وضع في مقابل الثقافة االستعمارية ،سواء تلك التي نبتت في بالد المستعمر نفسه ،أو التي
أنشأها في البالد المستعمرة له ،أو التابعة لنفوذه بشكل من أشكال التبعية.
تعريف الثقافة الوطنية
تعري ف الثقاف ة :الثقاف ة كلم ة عربي ة معروف ة عن د الع رب؛ فق د وردت وتك ررت في الش عر الع ربي الق ديم ،وه و دي وان
الع رب ،وتط رقت إليه ا مع اجم اللغ ة القديم ة والحديث ة ،لكن الكلم ة لم تتج اوز نط اق دائ رة الكلم ة الض يق وح دودها ،ولم
تتحول إلى مفهوم المسألة الثقافية؛ من أجل بناء نظرية في الثقافة
فالثقافة مصدر َثُقَف :أي صار حاذقا فطنا فهما فهو ثقف ،قال ابن فارس :ثقف :الثاء والقاف والفاء كلمة واحدة إليها
يرج ع الف روع :وه و إقام ة َد ْر ِء الش يء ،ويق ال :ثقفت الفت اة إذا أقمت عوجه ا ،وثقفت ه ذا الكالم من فالن ورج ل َثْق ٌف ،
وذلك أن يصيب علم ما يسمع على استواء .وثقف الرجل ثقافة فهو ثقف :إذا كان سريع التعلم.
قال الراغب :الَّثِقُف الحذق في إدراك الشيء ،وفعله ،ومنه رجل ثقف :أي حاذق في إدراك الشيء وفعله ،ومنه استعير
المثاقفة :المالعبة بالسالح ،ورمح ُم َثَّق ٌف :أي مقوم ،وما ُيثقف به يسمى الِّثقاف ،ويقال :ثقفت كذا :إذا أدركته ببصرك
لحذق في النظر ثم يتجوز به فيستعمل في اإلدراك ،وإ ن تكن معه ثقافة.
أم ا مفه وم الثقاف ة :مجموع ة من الص فات الخليق ة والقيم االجتماعي ة ال تي ت ؤثر في الف رد من ذ والدت ه وتص بح ال ش عوريا
العالقة التي تربط سلوكه بأسلوب الحياة في الوسط الذي ولد فيه ،وهذا المفهوم هو ما انتهى إليه مالك بن نبي.
وبه ذا التعري ف تص بح الثقاف ة هي المحي ط ال ذي يش كل الف رد وطباع ه وشخص يته والمحي ط ال ذي يعكس حض ارة معين ة،
ويتح رك في نطاق ه اإلنس ان المتحض ر ،وَيُع ُّد ابن ن بي أن ه ذا التعري ف يض م فلس فة الجماع ة :أي مقوم ات اإلنس ان
ومقومات المجتمع .فأراد أن يبين أن ثقافتنا تختلف كليا عن الثقافة الغربية القائمة على النزعة الفردية وعن االشتراكية
وعرفت بأنها :المعارف التي تعطي اإلنسان بصيرة في الحياة ،ونورا يمشي به في الناس ،ففرق بينهما وبين الحضارة.
وعرفه ا إدوارد ت ايلر ع ام ١٨٧١م :الثقاف ة هي ذل ك الم ركب ال ذي يش تمل المعرف ة والعقائ د والفن ون واألخالق والتقالي د
والقوانين وجميع المقومات والعادات األخرى التي يكتسبها اإلنسان بوصفه عضوا في المجتمع.
وبكلمة أخرى :تمث ل الثقاف ة مجم وع اإلض افات اإلنس انية على ح االت الطبيع ة :أي ك ل المكتس بات واإلنج ازات النظري ة
والعملية التي أنتجها اإلنسان في تاريخه االجتماعي ،ولذلك عرفت عند آخرين بأنها أسلوب حياة المجتمع ،ويتضمن هذا
األسلوب األهداف التي يحددها المجتمع لنفسه ،والقيم والقواعد والمعايير التي تضبط سلوك األفراد وتحمل المسؤوليات
وتح دد نظ رتهم إلى الخ ير والش ر والجم ال والقبح والحالل والح رام ،كم ا يتض من الوس ائل ال تي يعتم دها المجتم ع في
إرضاء الحاجات والدوافع الطبيعية ألفراده ،بل وربما أحدثت الثقافة بدورها حاجات جديدة نتيجة التطور.
ال وطن لغ ة :م نزل اإلقام ة من اإلنس ان ومحل ه ،وجمع ه أوط ان ،ووطن ب ه َيِط ن وطن اً ،وأوطن :أ ق ام ،و أوطن ه و
استوطنه إذا اتخذه وطنًا :أي محًال ومسكنًا يقيم به.
وتوسع في ذلك وصار يطلق على ما كان يسمى بالبلد ،فالبلد :جنس المكان :كالعراق ،واليمن ،والشام ،والحجاز ،والبلدة
الجزء المخصص منه كالبصرة ،ودمشق ،وصنعاء ،وجدة ،ثم صار يطلق في عرفنا على ما يقابل الدولة واصطلح على
إطالق الوطنية على حب الوطن ،وأرضا أطلق على ما يرادف القومية؛ فالوطني هو المحب لوطنه أو المنادي بالقومية
وك انت الوطني ة تت داخل م ع القومي ة وتش بهها على وص ف ض يق في نوعي ة الش عور؛ فالوطني ة تع ني حب ال وطن ،وهي
عاطفة إنسانية تربط الفرد بالوطن ،والوطن ذو مدلول واسع؛ فقد يراد به الوطن الصغير وهي القرية التي تربى فيها
الفرد بين عشيرته ،وقد يراد بها الوطن الكبير وهي حدود الدولة التي ينتمي إليها هذا الفرد.
إذن الوطن يعني األفراد والمساحة الجغرافية التي تدخل ضمن حدود دولة معينة ،وينتمي إليه األفراد ويتميزون بأنبل
المشاعر ،وتقوي الروابط المعنوية والودية التي تؤدي باألفراد إلى التضحية بأرواحهم في سبيل اهلل دفاع ًا عن وطنهم،
والوطنية هنا تأتي كصفة للداللة على حب الوطن.
والِّد فاع الوطنّي :مجمل الوسائل التي يلجأ إليها بلٌد ما لتأمين سالمة أراضيه.
والِك يان الوطنّي :أرض الوطن بحدودها المعروفة وكافة مقّو مات الوطن السياسيّة واالقتصادّية والثقافّية وغيرها.
وأيضا فالوطنية :تعني حب الوطن ،وتعني القومية ،فالوطني بهذا المفهوم المحب لوطنه.
والثقافة الوطنية :هي المرتبطة بشعب ما من جميع النواحي ،أو هي محصلة أفكار المجتمع ومعارفة وفلسفته وجماع ما
يتمس ك ب ه من عادات وتقالي د وق وام م ا يؤدي ه من نش اط ،وم ا ي ؤمن ب ه من قيم ومقدس ات ،وم ا يحترم ه ويطبق ه من نظم
اجتماعية.
و لم ا ك ان لك ل بل د مس لم خصوص يات تختل ف عن البل د اآلخ ر اقتض ى ذل ك من ا البحث في ثقافتن ا الوطني ة ،ق ال ال دكتور
عم اد خلي ل :وعلى مس توى األم ة اإلس المية ف إن وح دتها الثقافي ة ال تس تدعي بالض رورة تج اوز أو إلغ اء خصوص يات
الشعوب والجماعات التي تنتمي إليها والتي شكلتها وغذتها مؤثرات البيئة ورصيد التاريخ ،ذلك أن الوحدة والتنوع ال
تمثل في حضارتنا اإلسالمية نقيضين متضادين بقدر ما هي عامل دافع وإ غناء لهذه الحضارة ،ومصدر خصب إلرفادها
بالمزيد من المعطيات المتنوعة التي تصب في نهاية األمر في بحر شخصيتها الكبرى؛ فتزيدها التقاء وتماسكًا وعطاء
ووضوح.
االسباب التي دعت الى احياء الثقافة الوطنية
و لما كانت الثقاف ة الوطنية قد تأتي من بيئات غير مناسبة مع بيئتنا اليمنية والعربي ة فاالهتمام بالثقاف ة الوطنية حرصا
على سد منافذ القوى التي تحاول زعزعة المجتمع اليمني بما يؤدي إلى استقراره؛ ألنه بالفكر الوطني اإليج ابي نس هم في
استقرار البلد ،وباالستقرار واألمن تزدهر الحياة ،ويتأسس تطور اجتماعي وسياسي وثقافي وعلمي واقتصادي.
وقد حرصنا على عدم الخوض في االتجاهات الفكرية والتيارات السياسية التي ظهرت في القرن المنصرم التي ما زال
بعضها إلى يومنا هذا حتى نحقق الغاية المرجوة من هذه الدراسة.
وأيضا هناك إيجابيات كثيرة في ثقافتنا الوطنية وثوابت؛ فيجب المحافظة عليها :وسواء كانت أعرافا قبلية ،أو عادات ،أو
ممارس ات ومس لمات مح ل إجم اع بين أبن اء ال وطن الواح د ،واليمن يزخ ر بنعم ة ك برى أن ال وج ود في ه ألقلي ات ديني ة
أخرى
مرتكزات الثقافة الوطنية
لماكانت الثقافة الوطنية جزًء ا من الثقافة اإلسالمية والقومية فهناك مبادئ عامة ترتكز عليها هذه الثقافة:
-١اإلس الم دين اإلنس انية العام ة ،دين الفط رة ال تي فط ر اهلل الخل ق عليه ا ،واإلس الم ه و ال دين الوحي د ال ذي ال منج اة
للمدني ة الحاض رة من مهال ك المادي ة إال باعتناق ه؛ فاإلس الم ه و ال دين ال ذي يس اير العق ل ،ومش ى م ع العلم ،ج اء مق ررا
لقضاياهما ومشجعًا على العمل في سبيل خير بني اإلنسان.
فبتطبيق مبادئ اإلسالم وإ عمال تعاليم القرآن أخضع العرب العالم ،وأصبح للمسلمين السيطرة والسلطان ،وعندما ابتعدوا
عن دينهم الح ق دين الع زة والكرام ة ،عن دما ابتع دوا عن ثقاف ة الق رآن الك ريم ثقاف ة الن ور واله دى والبص يرة ،ثقاف ة العلم
والمعرف ة الص حيحة وق دمت لهم ثقاف ات مغلوط ة وعقائ د باطل ة ب دًال عنه ا ص اروا أغ بى أم ة في أزهى عص ور ال دنيا،
وباعوا حتى أوطانهم كما هو واضح فيما هو عليه النظام السعودي والنظام اإلماراتي والمرتزقة والخونة الذين باعوا
أوطانهم وتنكروا لدينهم وتخلوا عن هويتهم العربية اإلسالمية وصاروا عبارة عن أدوات رخيصة بيد أمريكا وإ سرائيل
لضرب أبناء أمتهم.
وبرجوع مسلمي العصر الحاضر إلى تلك المبادئ والتعاليم سيستعيدون مجدهم وعزهم الغابر.
- ٢الوطن العربي مهد الحضارة فيجب أن يسترد تراثه السالف بجهود أ بنائه حديثا.
والبالد اإلسالمية وطن واحد ،يتحتم على المسلمين أ نما كانوا الدفاع عن كل شبر من أرضه المقدسة؛ فالمسلمون إخوة
حيثم ا ك انوا ،ال تف رق بينهم الم ذاهب ،وال تح ول دون اتص الهم ال روحي شاس عات ال ديار؛ فالرج ل اليم ني النبي ل يحب
العرب والمسلمين حيثما قطنوا ،ويستميت في سبيل العروبة واإلسالم.
-٣بل د الع رب الس عيد « اليمن »التقب ل على ظهره ا مس تعمرا ،وال تس تطيع أجواؤه ا أن ت راه؛ ألن باالس تقالل تع ز
األوط ان ويس عد أ ناؤه ا ،وب العلوم تحي ا الش عوب؛ ف الفرد اليم ني الص ميم -ب ل المس لم حق ا -ال يس تطيع الخض وع لس لطة
أجنبي ،وال يستطيع أن يعيش ذليال مهانا.
فالرجل اليمني جندي بالطبع يرى السعادة في ظالل الجهاد دون وطنه ودينه القويم.
-٤الوح دة العربي ة واإلس المية :فوح دة المس لمين حقيق ة عقائدي ة وتش ريعية وتاريخي ه ،وله ذا يجب إع ادة االعتب ار على
مستوى المجتمعات والحكومات اإلسالمية إلى حكم شرعي إسالمي تنظيمي ،أساسه هو تولي المسلمين بعضهم بعضا،
وذل ك قب ل أن ينس اق ه ذا المجتم ع أو ذاك ،أو ه ذه الدول ة أو تل ك إلى تحالف ات م ع ق وى أجنبي ة غ ير مس لمة ت ؤدي إلى
وقوف بعض المسلمين ضد بعضهم اآلخر؛ نتيجة لتعدد الوالءات واألخالق مع األجانب.
وهذا المبدأ نص عليه اهلل سبحانه وتعالى في كتابه بالنهي عن تولي غير المسلمين بما يؤدي إلى الفرقة بين المسلمين.
معاني الوطنية
المبادئ الوطنية ليست أفكارا تجريدية ،وليست شعارات خالية من المحتوى؛ وإ نما هي منهج والتزام وأسلوب حياة.
فالوطنية ليست كلمات تتغنى بها وشعارات نزايد بها ،كما أن من الخطأ الربط بين معاداة النظام السياسي الحاكم (الفاسد)
ومع اداة ال وطن الق ائم ،م ع أن الف رق واض ح ،حيث يمكن للش خص أن ي والي الح اكم ألغ راض نفعي ة دون أن يك ون وفي ا
للوطن ،هذا إن لم يكن معاديا لمصالحه العليا.
كما يمكن في الوقت ذاته لُم صلحين وطنيين أن يناهضوا الحكام الجائرين نصرة للوطن والدين ،فال عالقة ترابطية بين
هذا وذاك إال تضليل وقلب للمفاهيم واألوضاع.
فالوطن هو اآلصرة التي تربط بين الحب واإليمان؛ ألن حب الوطن يفجر في اإلنسان عناصر الخير والرحمة واأللفة
وهذه كلها من جواهر اإليمان ،الذي دعت إليه رساالت األنبياء.
تعريف الوطنية تع َّر ف الوطنية بأنها الشعور العاطفي للفرد بارتباطه ببيئة معينة ،أي شعوراالرتباط بشعب أو جماعة
معينة
الوطني ة حّب مع بر عن ه بالفع ل ال ذي يتف ق مع ه ،فالوطني ة في ع رف الوطن يين األح رار كلم ة مقدس ة ق د تس يل به ا دم اء
وتطاح بها رقاب ،وهي :مجموعة مبادئ وقيم وأعراف وتقاليد إيمانية تلزم القلوب لخوض غمار بحر الحقيقة والصالح.
والوطني ة ج وع لبط ون األف راد الم تربعين على الكراس ي ليش بع األف راد األدنى منهم وهي تض حية وإ نك ار ذات ،وحقيق ة
اإليمان باآلخر واإليمان باألكفأ حتى لو لم يكن متحزبًا ،أو لم َيُر ْق ألحد من أصنام العصر من قادة األحزاب والطوائف
ووجهاء القوم.
والوطني ة معرف ة ت اريخ وج ذور وطن واس تلهام الع بر من الت اريخ وتص حيح الحاض ر ،وزه د في الكراس ي والمناص ب
واالبتعاد عن الظهور واألضواء ،وصوم عن المال العام والمساعدات القادمة من وراء الحدود ،وتغليب روح األلفة عن
روح األنانية ،وروح الوطن الكبير عن الروح المناطقية العفنة.
والوطنية هي حالة اإلحساس باآلخر بالفقير قبل الغني ،وباألخوة في الوطن قبل األخوة في النسب.
والوطنية خضاب دم يصبغ خاليا الدم ويتنافس معها في الجريان حتى يغمر دهاليز القلب والنفس.
والوطنية إيمان بالعيش المشترك واإليمان باآلخر حتى لو اختلف معنا في اللون والنسب ،والوطنية صدى معاني الحرية
والكرامة ،وأنفاس تضحيات الشهداء ،ودموع أمهات ،وشجن أرامل وصغار.
والوطنية إحساس بالغد ،وشق طريق لتسهيل المرور إليه ،دون تعكير صفاء الحياة بقذارة النفوس المريضة وتداعيات
األهواء المنهزمة الطامعة في كل جميل يغشى ربوع وطن يئن من طعنات األناء وفسادهم.
الوطنية زرع اسم وطن في أرواح وقلوب من يقبعون على ظهره ليصبحوا شعبه وخادميه ال محتليه وغاصبيه ،وزرع
معاني وألوان علم وطن تعنى األلوان فيه مضامين حرية ال مضامين استعباد.
الوطنية أن تربي أطفالك وتوفر لهم ما تستطيع من أسباب التقدم والنجاح ،وأن تتحمل مسؤولية عائلتك وذويك ،وأن تفعل
ما بوسعك لتحقيق الظروف الالزمة لتطورهم النفسي والعقلي والبدني واالجتماعي.
والوطنية أن تبتسم ألخيك ،وأن تساهم في إشاعة المحبة والسالمة واألمان .الوطنية أن تحترم رأي أخيك اإلنسان وتفخر
ب ه؛ ألن ه يمتل ك أفك ارًا وق درة على التفاع ل الجدي د م ع الحي اة ،وأن تعلي من ش أنه وتس اهم في إب رازه وص ناعة مس تقبله،
الذي يحقق قوة وطنية مضافة ومؤثرة في مسيرة الحياة.
الوطنية أن تتبرع لبناء مكتبة عامة ،وناٍد رياضي ،ومركز صحي ،ودار لأليتام وغيرها من حاجات المجتمع ومتطلبات
سعادته.
الوطني ة أن تهتم ببيت ك وم ا حول ك في م دينتك ،وتعم ل بم ا يحق ق مص لحة أبنائه ا ،وأن ت زرع نخل ة أو ش جرة وأن تعت ني
بالمواشي وتخدم البيئة وتحافظ على نظافتها.
الوطني ة أن ت ؤدي عمل ك ب إخالص ونزاه ة ونق اء بعي دًا عن المحس وبية والفس اد والغش ،وك ل عوام ل الت دهور والخ راب
اإلداري التي تعاني منها المجتمعات المتأخرة؛ ألنها تعيش في غشاوة وتشويه وطني ،وتعزل الوطن عن سلوكها اليومي.
الوطنية أن تكون رؤوفًا رحيمًا ،وتحب اهلل ،وتعمل بما يريده ويرضاه من خير وسعادة لبني البشر.
الوطنية أن يحافظ الجار على جاره ،ويشترك معه في سرائه وضرائه.
الوطنية تعني إطعام الجائع وإ كساء الفقير ،واحترامه وتأهيله ،والمساهمة في خدمة المحتاجين والمعوزين.
الوطنية أن تساهم في تحقيق ابتسامة الطفل والمرأة في بلدك؛ فليس من الوطنية أن تسعى إلراقة دموع األطفال والنساء،
وعندما نرى أطفالنا يائسين بائسين ونساءنا في حزن وهّم ،فكلنا وبال استثناء ال وطنيون ،وعندما يبتسم الطفل وتبتهج
المرأة فنحن عند ذاك نكون وطنيين.
الوطني ة أن ت زرع أرض ك وتفلحه ا وتهتم بحديق ة دارك وتعت ني به ا ،وت ربي م ا تس تطيعه من الحيوان ات والطي ور ال تي
تساهم في بناء االقتصاد.
الوطنية أن نحترم نظام المرور ،ونهذب سلوكنا ،وأن نخاف اهلل فيما نقوله ونفعله.
الوطنية أن يكون في البلد معارضة لها صورتها ودورها وتفاعالتها المتنوعة.
الوطني ة أن تفع ل ك ل م ا يس اهم في س عادة نفس ك وقوته ا وأبن اء محلت ك وم دينتك ،وتس اعد على تحقي ق الحي اة األفض ل
للجميع.
فالوطنية محبة ورحمة وتفاعل إنساني مشرق ،وعندما نصل إلى هذا المستوى من التعامل اإلنساني والحضاري ،يحق
لنا أن نتحدث عن الثقافة الوطنية.
االهتمام بأمر االمه والوطن فرض ديني وواجب وطني:
الفرد جزء من المجتمع ،والمصلحة الخاصة فرع من المصلحة العامة ،وواضح أن الجزء مرتبط بالكل ،والفرع يستمد
وجوده من األص ل؛ وذلك يعني أن ه بض ياع الكل يض يع الجزء ،وب ذهاب األص ل يذهب الفرع ،ويعني ك ذلك أن كل ما
يص يب الجماع ة من خ ير أو ش ر يص يب الف رد ،وم ا ين ال المص لحة العام ة من س المة وازده ار أو خط ر وانتك اس ين ال
المص لحة الخاص ة ،وم ا يمس ال وطن من نف ع أو ض رر يمس الم واطن ،وليس أدل على ذل ك من ض ياع مص الح ع رب
فلسطين من ُد ْو ٍر وأراٍض وأموال في بلدهم فلسطين بضياع بلدهم.
والمواطن الواعي المس تنير يعي ذلك جيدا ويعرف أن ه من الخ ير ل ه ومن مص لحته الشخص ية أن يس اهم في خدم ة أمت ه
وبناء وطنه ،وأن يحافظ على المصلحة العامة؛ ألن حياة المواطن من حياة وطنه ،والمصلحة الخاصة مرتبطة بالمص لحة
العامة ارتباط الفرع بالشجرة ،وخدمة األمة وبناء الوطن وحفظ المصلحة العامة يحتاج إلى تعاون أفراد الشعب وتضافر
جهودهم وتآزر عقولهم وسواعدهم؛ إذ ال يستطيع الفرد وحده أن ينهض بعبء الوطن وخدمة المصلحة العامة ،فالصالح
العام يتطلب جهدا عاما ،والصالح الخاص يستدعي جهدا خاصا.
فالدول ة ش ركة اجتماعي ة عام ة ،واألف راد أعض اء مس اهمون فيه ا وع املون فيه ا ك ل على ق در جه ده وطاقت ه وإ مكانات ه،
والمجتمع أسرة كبيرة ،والمواطنون أفرادها وأعضاؤها.
وال شك في أن أية شركة تكبر وتقوى وتنجح بمقدار ما يبذله أعضاؤها المساهمون فيها من خدمة صادقة وعناية كافية
ورعاي ة الزم ة ،وأن ص الح األس رة مس تمد من ص الح أفراده ا؛ وذل ك يتطلب من الم واطن االهتم ام ب أمر أمت ه وبالده
والرغبة في خدمتها ،والنهوض بها كما يهتم العضو المساهم في شركة بنجاح شركته ،وكما يحرص الفرد الصالح على
صالح أسرته الخاصة؛ فال يعقل أن يخدم الوطن مواطنا يهمل شؤون أمته وال يبالي بما يجري في وطنه من خير أو
شر.
أما المواطن الذي يهتم بأمر مجتمعه ويتابع مسيرة أمته ويرصد درجات تحركها ويقيس المسافة التي قطعتها على طريق
النهضة والتقدم؛ فهو مواطن صالح يساهم في بناء وطنه وخدمة أمته.
وال يكون مواطنا عامال صالحا من ال يهتم بأمر وطنه ،وال يكترث بما يدور في بالده من خير أو شر ،وال يدري بما
يحي ط به ا من ظ روف وأوض اع ،وال يب الي ق امت أمت ه وتق دمت أم قع دت وت أخرت؟ ال َيْهَتُّم ِب َأْم ِر اْلُم ْس ِلِم َي ن » وفي ه ذا
المعنى قوله صلى اهلل علية وآله وسلم َم ْن ال َيْهَتُّم ِبَأْم ِر اْلُم ْس ِلِم َي ن" وهذا يعني أن االهتمام بأمر الوطن واألمة فرض ديني
إسالمي هو واجب وطني قومي؛ ألنه بضياع الدين يضيع الوطن؛ إذ ال دين بال وطن ،وال وطن بال دين :ونعرف ذلك
من خطر اليهود الذي يتهدد المسجد األقصى المبارك في القدس.
فلو حافظ المسلمون على فلسطين اضاع المسجد األقصى ،ولو حافظنا على ديننا اإلسالمي الحنيف وعملنا بها ضاعت
فلسطين ،وهل يمكن إقامة شعائر الدين وبناء مساجد في الجو والبحر؟ فالمواطن الواعي الصالح يهتم بأمر بالده ويساهم
في فعل الخير الذي تناله كما يساهم في دفع الشر الذي يصيبها ،ويدرك أن سالمته الشخصية مرتهنة بسالمة وطنه ،وأن
مصلحته الخاصة مرتبطة بمصلحة أمته .وأنه يستمد عزته وقوته من عزة أمته وقوة بالده ،ويرى أنه يكون قويا غنيا
وهو يقف في صف واحد مع بني قومه ووطنه ودينه ويضع يده في أيديهم ويصير ضعيفا فقيرا إذا وقف وحده وابتعد
عن جماعته وأمته.
وي ترتب على االهتم ام ب أمر األم ة وال وطن مراقب ة المس ؤولين الع املين في مي دان الخدم ة والوطني ة والمص لحة العام ة،
ومحاسبتهم على أعمالهم وتصرفاتهم .
والش عب الح ر الق وي ال واعي يس تطيع مراقب ة قادت ه والمس ؤولين في ه ومحاس بتهم وتق ويم اعوج اجهم ويس تطيع ك ذلك
االستغناء عنهم واستبدالهم بغيرهم إذا اقتضى األمر ذلك.
ووسائل اإلعالم وأجهزته :من صحف ،ومجالت ،وإ ذاعة ،وتليفزيون تحمل للمواطن أخبار بالده والبالد األخرى ،وتنقل
له أحداثها وشؤونها المختلفة وتطلعه على أوضاعها وأحوالها.
امراض تصيب الوطن
مم ا ال ش ك في ه أن نتيج ة التل وث األخالقي وانع دام الض مير الجم اعي ،وتغليب المص الح الخاص ة عم ا ع داها أص يب
مجتمعنا بمجموعة من األمراض والمتالزمات غدت من خاللها حياة المواطن صعبة ال تطاق ،وقديما قالوا :إذا فسدت
البطانة فسد الحاكم؛ فكيف إذا أصيب المواطنون بأمراض مستعصية ال شفاء منها ،بعضها وراثي ولكن أكثرها مكتسب
عن طريق الممارسة غير الشرعية للسلطة وللجنس كي ال يغضب أحد ومن أهم تلك األمراض:
أوًال :غياب المفردة الوطنية وإ عالء المفردة الشخصية والعائلية:
المفردات الوطنية الساعية لتحقيق التفاعل الوطني البّن اء بين أبناء الوطن الواحد كثيرة ،وال يمكن أن تحدد بعدد؛ ألنها
مولودة من رحم الحياة الذي ال ينضب ،لكننا نتجاهلها ونركز في نشاطاتنا المتنوعة على المفردات المرتبطة بالشخص
أو العائلة ،ونقترب منه بكثافة لغوية عالية تضعها فوق الوطن.
ثانيًا :تكرار اسم الشخص األول أكثر من اسم الوطن:
في أوطاننا نذكر اسم الحاكم مئات المرات وال نذكر اسم الوطن ولو لبضعة مرات في وسائلنا اإلعالمية المختلفة وعلى
مدى األيام ،وال نقول يحفظ اهلل الوطن ،بل يحفظ هلل الرئيس الفالني ،أو الملك ،أو األمير.
ثالثًا :ضعف الوعي الجغرافي والتاريخي والبيئي:
الكث ير من أ ن اء أوطانن ا ال يعرف ون جغرافي ة ال وطن ،وال ي دركون دور بل دهم وحض ارته ،وم ا قدم ه للحي اة في المس يرة
اإلنسانية الطويلة ،وأكثرنا يعيش أمّي ة جغرافية وتاريخية وبيئية في أوطاننا ،وعلى مدى القرن العشرين لم تأخذ المعالم
الحضارية واألثرية أي اهتمام وطني ،فلم نعط قيمة لمتاحفنا وآثارنا ،ونرفع قيمتها في نفوس األجيال وعقولهم ،ولهذا
حص ل م ا حص ل له ا؛ لفق دان الحمّي ة والغ يرة الحض ارية والتاريخي ة؛ فل و ك انت هن اك غ يرة وحمي ة تاريخي ة لوق ف أبن اء
الش عب س دا واح دا أم ام أي اعت داء على آث ارهم ومت احفهم ،ول دافعوا عنه ا دف اع المس تميت ،وه ذا يع ود إلى تغييبه ا من
حياتنا ،وعدم اعتبارها سلوكا تربويا وطنيا.
رابعًا:ضعف الحس االجتماعي والروحي واإلنساني:
تنمي ة القيم االجتماعي ة ،والتفاع ل اإليج ابي ال ذي يس اهم في لم الش مل الوط ني ،وتحقي ق الص ياغة المتماس كة للن اس ،كله ا
تبني وطنية عالية وتحقق أهدافا سامية ومؤثرة في تحقيق التكامل والمنفعة المتبادلة بين أ ناء البلد الواحد ،وعندما يفقد
الناس هذه
المعاني يصبح الوطن بال قيمة أو معنى وتكون الوطنية خرابًا ودمارًا ومقتًا وتشردًا.
خامسًا :الفهم الخاطئ للتعددية الحزبية:
التعددي ة الحزبي ة هي وس يلة لترقي ة النظ ام ومراقب ة أخطائ ه؛ من أج ل العم ل على تط وير المجتم ع وتنميت ه؛ ألن الح زب
الحاكم عندما يحس أن تصرفاته محسوبة عليه فإنه سيعمل جاهدا على تطوير أدائه وتحسين تصرفاته ،ومن الخطأ أن
ُتفهم الحزبي ة على أنه ا اس تحقاق للح زب الح اكم وأف راده ،وتق ديم أعض ائه من دون تحقي ق مب دأ تك افؤ الف رص والمس اواة
والعدالة على أساس المواطنة.
سادسًا :الفهم السلبي للمعارضة:
فكل ما هو معارض يعني ال وطني ،وكل ما هو ضد الكرسي ال وطني؛ فالوطنية صارت في أحسن تعريفاتها خنوعا
وخضوعا تاما للكراسي واألنظمة واألفراد.
وال يمكن ألي ة حرك ة سياس ية أو نظ ام أن يك ون وطني ا إذا لم يع ترف بالمعارض ة ولم يفص لها عن الش عب ويض من له ا
الحقوق والواجبات ،ويعتبرها جزءا ض روريا من النظام السياسي الوطني ،وأي نظام تكون لديه معارضة مطاردة في
الخارج فإنه يؤكد
بذلك على والء وطنيته.
ولو كانت الوطنية بالكالم واالدعاء لصار الخونة العمالء أكثر وطنية من األحرار والشرفاء؛ ألن الخائن العميل أكثر
وطنية من األحرار الشرفاء ،وأكثر تشدقا بها من الوطني الحر
سابعًا :إسقاط قيمة المواطنة:
بل وإ لغائها وتحويلها إلى مفهوم فردي وكيفي ،ويمكن ألي حاكم كان أن يسقط الجنسية عن المواطن؛ ألنه يحسب نفسه
ه و ال وطن والق انون والمتحكم بالمص ير؛ ويع ود ذل ك إلى ع دم اح ترام الدس تورية وتفاص يلها القانوني ة المتعلق ة بالمواطن ة
واالنتماء
للوطن ،أو إلى الغيبوبة الدستورية والسيادة الُك رسوية بأنواعها؛ فالمواطنة دائما تكون ُم عّر فة بالكرسي!.
ثامنًا :إشاعة مفاهيم العدوانية والسلبية بين أبناء الوطن الواحد:
كونه ا تفك ر بمص لحتها ودوره ا وأطماعه ا ،وال يعنيه ا من األم ر إال ذل ك ،بينم ا الحرك ات الوطني ة تب ني أواص ر المحب ة
والقوة والتآخي ما بين أبناء البلد؛ لكي يتم توظيف طاقاتهم بما يخدم المصلحة الوطنية والسالمة العامة ألبناء البلد.
تاسعًا :اعتبار الوطنية مفهوما سياسيا وليس اجتماعيًا أو ثقافيًا:
الديمقراطي ة هي المش اركة الجماعي ة بروحه ا وفعله ا وك ل تعبيراته ا ،وهي ض د التف رد والتس لط واالس تبداد والظلم ،كلم ة
الوطنية وكأنها من المفاهيم السياسية ،وليست مفهوما اجتماعيا وبشريا يتصل بحياة أفراد الوطن الواحد ويمسها في أدق
تفاص يلها ،وه ذا الرب ط الس لبي م ا بين الوطني ة والسياس ة جع ل الن اس ته رب منه ا وتخش اها ،وال تري د التفك ير به ا أو
االقتراب منها.
عاشراً :تغييب الشعور بأن الوطن ملك الجميع:
وأنه سفينتهم التي تجري بهم في يم الوجود ،وبهذا يتم سحب المسؤولية من المواطن وتركيزها على عاتق الحاكم ونظام
حكمه ،الذي يتحول إلى متهم دائم ومدان بكل ما يصيب الناس من شظف العيش وقهر األيام؛ ألنه هو المسؤول ،وهو
الذي يتمتع بالحياة ومباهجها والمحكوم يقاسي ويالتها وقهرها.
الحادي عشر :اختصار الوطن بالفرد أو بالصورة:
وهذه الظاهرة تعاني منها العديد من أقطارنا ،وتسعى إلى تفريغ الناس من معنى الوطن وقيمة المواطنة ،وأعاد الوجود
الوط ني؛ ألنه ا تقتله ا بالص ورة والف رد المتس لط أو الح اكم ،ب دال من أن تجع ل الراي ة رم زًا والف رد معّب را وامت دادًا لرم ز
الراية.
الثقافة الوطنية واهميتها في مكافحة الفساد