Professional Documents
Culture Documents
األستاذ
نبيل مسيعد
nabilmeciad12@gmail.com
مفهوم الدين
احملاضرة األولى
مفهوم الدين
تمهيد:
رافق الواقع الديني اإلنسان منذ أقدم العصور فالنقوش الرامزة الى أمور دينية
والمكتشفة حتى اآلن تعود بنا إلى ما بين الخمسين والمئة ألف سنة من عمر اإلنسان
أما بعض أديان الوحي فتقول بأن الواقع الديني يالزم اإلنسان منذ ظهوره على األرض.
كما أن بعض الفالسفة والعلماء يعتبرون أن الواقع الديني مالزم للطبيعة اإلنسانية سواء
أخذت بمفهومها الميتافيزيقي ام بمفهومها السيكولوجي ،وبقطع النظر عن وجود وحي
أم ال .ولم ينحصر ظهور الواقع الديني في جماعة دون سواها أو على رقعة من االرض
دون غيرها ،على الرغم من اختالف اشكالها الى حد التناقض .لقد ارتبط الواقع الديني
باإلنسان الفردي والجماعي (معن زيادة ،ج ،1ص .)441ومن هنا تنشا الصعوبة في
درسه بشكل موضوعي بداية بتعريفه.
1ـ التعريف اللغوي:
الدين في اللغة يشير الى معا متقاربة فهو العادة والشأن .ويعي به الذل واالستعباد،
ومنه جاء لفظ الديان في وصف هللا تعالى وما تنطوي عليه من معاني القهر والخضوع
واتباع قواعد معينة والتحكم في سلوك الناس وامتالك أمور حياتهم بتدبيرها وتصريفها.
والمدين تشير الى العبد وتشير الى من يقع عليه الدين في التعامالت المالية وغيرها
وكالهما يشعران بالذل تجاه من هو اعلى ،والمدينة هي االمة وكأنها اذلها العمل.
والدين أيضا هو الطاعة لقولهم دان له يدين دينا أي اطاعه ،كما يشير إلى الجزاء
والمكافأة في قولهم كما تدين تدان ،أي كما تجازي تجازى .وهذا ما فهم من قوله
تعالى:ﭐﱡﭐ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱠ الصافات . ٣٥ :أي لمجزيون ومحاسبون
(الخشت ،ص ) 11وقد جاءت هذه اللفظة أيضا في القرآن بمعنى القيامة أو الدينونة
في قوله :ﭐﱡﭐ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱠ الفاتحة٤ :
وعليه يمكن حصر معاني الدين في الطاعة والخضوع واالنقياد والجزاء والمكافأة
وهو أيضا العادة والحال ،اذ يتضح من كافة التعريفات اللغوية أن الدين في اللغة هو
العادة والحالة التي يكون عليها االنسان مطيعا وذليال أمام دائنه ينتظر الجزاء منه
بحسب عمله .وهنا نكون أمام طرفين أعلى وأدنى مع حاجة الثاني دائما لألول .ومن
هنا ارتبط الدين باالستسالم والطاعة للمعبود كما يستسلم المرء لمن يدينه ويستكين
طاعة له وذال في الطلب ( غيضان ،ص .) 44
وفي كل األحوال فان كلمة الدين مشتقة من فعل (دان) وأصله (دين) ومعناه أذل،
واستعبد وحاسب .و تدل األفعال الثالثة على عمل تنشأ عنه عالقة بين طرفين يتفاوتان
في المنزلة يسمو احدهما على االخر ،حيث يملي األعلى ارادته على األدنى ويحاسبه
على افعاله فتنشا عند االدنى عاطفة طاعة للطرف االعلى وسعي الى خدمته ،ثم يتحول
الموقف الخضوعي الى عادة وشأن سواء في استلهام إرادة االمر ام في القيام بما يأمر
به ،وقد يرافق هذه العادة الشعور بالقهر او الشعور بالورع ،مع ميل الى المعصية
(معن زيادة ،ج ، 1ص ). 444أما الدين بال التعريف فهو اإلسالم أي اإلذعان المطلق
لتعاليم هللا و أوامره التي أوحى بها بواسطة المالك جبريل للنبي محمد عليه السالم
واالخذ بهذه األوامر في الحياة لقوله تعالى :ﱡﭐ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬﱭ ﱮ ﱯ ﱰ
ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ
ﲃ ﲄ ﱠ آل عمران.٩١ :
عالم اليوم ،وتارة أخرى اقصد من الدين مجموع الشروح والتفاسير التي أحاطت بتلك
الكتب والنصوص ،وتارة ثالثة اقصد منه جميع االعمال والممارسات التي قام بها اتباع
دين معين على مر التاريخ مع الحاق النتائج واالثار التي ترتبت االعمال والممارسات
" (ملكيان ،ص ) 414و يميز بين الدين وحقيقة الدين ،اذ حقيقة الدين عنده تعني
لب وجوهر الدين ويوضح االمر بمثال فقال الدين له حقيقة تشبه الحبر في القلم حيث
يوجد فيه على نحو الجمع واالجمال ،ثم يأتي الكاتب ليكتب بهذا القلم على طول التاريخ
فيتحول االجمال الى تفصيل وعليه األمور التفصيلية هي الدين و ذلك الحبر في القلم
بمنزلة حقيقة الدين وال شك ان األشياء التي تكتب بهذا الحبر على الورق هي ذات
الحبر ولكن بأشكال متنوعة ويقصد مجموع األديان ،لكنه ال يوافق على هذا ويعتبره
تسطيح للمسألة ( ملكيان ،ص ،)414ويميز بين الدين والتدين فقال " :مرادي من
التدين الممارسة الفردية لإلنسان في باب الدين ،ولهذا فالتدين يتسم بالتنوع بحسب
اعداد المتدينين في العالم فإزاء كل انسان متدين ثمة تدين يختلف عن التدين الموجود
لدى انسان اخر ويشبه التدين بحالة الغضب التي تختلف من شخص آلخر ،فالتدين
عنده هو أمر فردي يتحقق حينما تختلج في ضميري جملة أمور ليظهر أثرها على
صعيد الجوارح ،ويشبه الدين بالعشق الذي ال يمكن بأي حال أن يكون جماعي فهو
شعور فردي كذلك التدين ( ملكيان ،ص .)413وميز الجرجاني بين الدين والملة
فكانت الشريعة عنده من حيث انها تطاع تسمى دينا ومن حيث أنها تجمع الناس تسمى
ملة ،ومن حيث انها يرجع اليها تسمى مذهبا ،وقيل الفرق بين الدين والملة والمذهب
ان الدين منسوب الى هللا تعالى والملة من سوبة الى الرسول ومن ذلك قوله عز وجل :
ﱡﭐ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﱠ األنعام:
.٩٦٩أما المذهب فينسب الى المجتهد (النشار ،ص . )44ويعرفه جان غروندان بأنه
عبادة قائمة على االعتقاد ،ويركز على المقاربة الوظيفية والماهوية للدين ،ومن
وضائفه التي ذكرها أنه يفيد في تفسير الظواهر الطبيعية ،وشرح االلزام األخالقي ،
كما يوظف أحيانا في تبرير نظام اجتماعي او سياسي معين (غروندان ،ص .)44
4ـ خصائص الدين
يتصف الدين بما يلي :
1ـ االيمان بوجود إله أو كائنات فوق طبيعية ،هي مصدر العالم ،ولها القدرة على
التحكم في كل الموجودات.
4ـ التمييز بين عالم األرواح وعالم المادة.
4ـ وجود طقوس عبادية يقصد بها تبجيل المقدس سواء كان ذاتا الهية أو غيرها من
األشياء التي تتصف بالقدسية.
4ـ له قانون أخالقي أو شريعة تشمل االخالق واالحكام التي يجب اتباعها من قبل
الناس ويعتقد المؤمنون عادة أنها اتية من هللا.
│فلسفة الدين 5
مفهوم الدين
3ـ الصالة وهي الشكل األساسي لالتصال باهلل أو االلهة وإظهار التبجيل والخضوع
والعرفان.
2ـ رؤية كونية تشرح كيفية خلق العالم وتركيب السموات واألرض.
7ـ له شريعة أو مبادئ شرعية لتنظيم حياة المؤمن ( النشار ،ص ) 44
ويتكون الدين غالبا من ثالثة اقسام :العقائد واالخالق والعبادات .وله خمسة ثوابت
وهي :مؤسس الديانة ،واسم الديانة ،وكتابها المقدس ،والتقويم لتحديد مواعيد األعياد
وغيرها ،واللغة ( النشار ،ص ) 43
ويحدد غوستاف لوبون خصائص أخرى للدين ،فيرى أن كل إيمان يتوفر عليها
مهما كان شكله ،فإنه يرقى إلى درجة األديان ،حتى ولو كان حزب سياسي .وقد جمعها
فيما يلي :أوال عبادة ذات يعتبرها أتباعها خارقة للعادة ،والخوف من القوى التي تعزى
إلي هذه الذات ،والخضوع األعمى ألوامرها ،واستحالة أي مناقشة لعقائدها ،والرغبة
في نشر هذه العقائد ،والميل العتبار كل من يرفضون تبنيها بمثابة أعداء(.غوستاف
لوبون ،سكولوجية الجماهير ،ص ). 11
هذه الخصائص إذا توفرت ألي شخص أو جماعة ،ستكون له سيطرة كبيرة جدا
على حياة المؤمنين بها ،وأهم هذه الخصائص عند لوبون هي عدم مناقشة العقائد ،أي
تجنب إعمال العقل وممارسة النقد في قضايا الدين ،وأي محاولة من هذا القبيل مآلها
الفشل ،يقول لوبون" :وما تأثير البرهان فيها إال كتأثيره في الجوع والعطش ،فالمعتقد
إذا نضج في منطقة الالشعور ،حيث ال يصل إليها العقل ،عاناه المرء غير محاج فيه"
(غوستاف لوبون ،اآلراء والمعتقدات ،ص )8ونفهم من هذا أن الدين ال ينسجم مع
التفكير المنطقي ،وقيمته تكمن في فعاليته ،وفيما يتركه من أثار بارزة للعيان عندما
تأخذ عناصر الحضارة في هذا العرق طابع الدين المنتشر فيها ،سواء في نظمها
السياسية واالقتصادية ،أو على مستوى الفنون والعمران والعلوم.
5ـ مصدر الدين
اغلب علماء االنتروبولوجيا يعتقدون ان الدين مالزم لوجود االنسان لدرجة تدفع
الى القول انه امر فطري فيه ،وهي الفكرة التي يدافع عنها رجال الدين في كل مكان
وزمان لكن نجد من يخالفهم و يرى ان الدين من وضع البشر ،وحاول فراس السواح
في كتابه دين اإلنسان اختصار هذه اآلراء في نظريتين ،األولى ردت الدين إلى العقل،
والثانية نسبته إلى أصول عاطفية ،ويرى أن النتيجة التي تستدعيها كال النظريتين ،هي
أن الدين ال ينبع إال عن وهم خلقه خيال البشر أو عواطف الناس عبر التاريخ ( ،فراس
السواح ،دين اإلنسان ،ص ).414أو أنه نتيجة لخوف االنسان من الظواهر الطبيعية
أو طمعه فيما هو أفضل.
لكن إذا كان الخوف والطمع مصدرا للدين ،وهو تفسير انتشر بقوة في عصر
األنوار (ول ديورانت ،قصة الفلسفة ،ص ،).481فإن غوستاف لوبون يستبعده ،ويبقي
على الطمع تحت مسمى األمل ،ألنه لو كان الخوف سبب وجود الدين ،لتوقفت الحاجة
إليه متى توفر األمان ،وهذا لم يحدث .وبالتالي الدين مستمر عند لوبون بسبب استمرار
األمل فيما هو أفضل ،وتأتي سلطة الدين عنده ،لكونه مستقر في أعماق األفراد ،فقال:
"المعتقد هو إيمان ناشئ عن مصدر ال شعوري يكره اإلنسان على تصديق فكر أو
رأي ،أو تأويل أو مذهب" (غوستاف لوبون ،اآلراء والمعتقدات ،ص) . 7
6ـ التعريف االجتماعي للدين
في مؤلفه االشكال البدائية للحياة الدينية تناول اميل دوركايم طبيعة الدين واصله
مستندا على خلفية سوسيولوجية مرتبطة بفلسفته العامة بشأن األصل االجتماعي
الصرف لكل القيم اإلنسانية بما فيها الدين ،فالحظ أن الدين ليس نظام أفكار فحسب
بشأن هللا ،بل يوجد خلف االعتقادات قوى من نوع خاص تسود على الفرد وتدعمه،
وترفعه فوق ذاته وتنقله إلى محيط غير ذلك الذي فيه يجري وجوده الدنيوي ،وتجعله
يعيش حياة أعلى واكثر زخما فيكون مصدر الدين هو المجتمع ،أي أن الدين يجد في
المجتمع أصله وموضوعه معا ،أما هللا فهو المجتمع في قالب رمزي ،والمقدس هو كل
ما يتضمنه المجتمع من طقوس واحتفاالت فيصون التضامن االجتماعي ويحمل الناس
على احترام النظام .لكن كيف توصل االنسان الى تفكير المجتمع دينيا لو لم يكن هو
أوال بذاته كائنا دينيا ينعم بتصور هلل ؟ رد دوركايم بقوله ان المجتمع يستخلص موضوع
الدين وال يخلقه (معن زيادة ،ج ، 1ص .)442وهنا تكون وظيفة الدين هي الجمع
بين اتباعها في جماعة واحدة لها قيم أخالقية مشتركة ،ويركز علماء االجتماع في
فهمهم للدين على مفهوم المقدس ال على مفهوم االلوهية ،ألن األلوهية ليست أمرا
مشتركا بين األديان ،فمنها من ال تؤمن باأللوهية مثل البوذية والتركيز على المقدس
كسمة مشتركة بين األديان يفتح المجال لعلماء االجتماع كي يقارنوا بين المجتمعات
الدينية (الخشت ،ص .)12
7ـ التعريف النفسي للدين
بالنسبة لغوستاف لوبون المعتقد هو إيمان ناشئ عن مصدر ال شعوري يكره
االنسان على تصديق فكر أو رأي أو تأويل أو مذهب جزافا ( لوبون ،اآلراء
والمعتقدات ،ص )17ويعتقد لوبون أن الدين شأنه شأن األفكار ،فما ينطبق عليها
ينطبق عليه ،ولما كانت األفكار تاريخية ،فإن الدين تاريخي أي زماني بمعنى له بداية
ونهاية ،فالنسبة اليه الدين هو عبارة عن فكرة يضعها اإلنسان ،ومع مرور الزمن
تتحول إلى عقيدة يقول ":تنضج المعتقدات في عالم الالشعور وال سلطان للعقل ،وال
لإلرادة عليها ،وهي نتيجة تلقين كالتي يأتي بها جميع المنومين في الوقت الحاضر".
(لوبون ،اآلراء والمعتقدات ،ص ) 147وعندما يظهر الدين يبدأ في توجيه سلوك
األفراد ،ويترك بصماته في الحضارة ،ثم يموت شأنه في ذلك شأن الظواهر الطبيعية،
وباألحرى يغير اسمه ،يقول لوبون" :المعتقدات تشبه الحركة التي درست في كتب
│فلسفة الدين 7
مفهوم الدين
الفيزياء تتحول أحيانا ،ولكن من غير أن تموت أي أن المعتقدات تغير اسمها ،وهذا
التغيير هو الذي نسميه موتا"( لوبون ،اآلراء والمعتقدات ،ص ). 134اما عند أريك
فروم فإن الدين هو مذهب للفكر والعمل ،تشترك فيه جماعة ما ويعطى للفرد اطرا
للتوجيه وموضعا للعبادة (الخشت ،ص )17فجمع بذلك بين الجانب النفسي و
االجتماعي في الدين .وحاول سيجموند فرويد فصل الدين عن كل ما هو مفارق
للطبيعة ،وأكد عالقته المباشرة باإلنسان وذلك من خالل دفاعه عن األصل الالواعي
للموضوع الديني ،وهذا في قوله :ان االدراك الغامض عند الشخص اإلنساني لجهازه
النفسي الخاص يثير فيه أوهاما تترامى ظاللها فطريا إلى الخارج بخاصة نحو المستقبل
وما بعد الحياة ،إن الخلود والجزاء والعالم االخر عند فرويد كلها مواليد نفسنا الداخلية،
انها بسيكوميتولوجيا ،وانطالقا من هذا االفتراض يرى فرويد في الدين عارضا عصابيا
يختلف عن االعراض الفردية ،لكونه عصابا مهووسا عاما و يلعب قمع الغريزة االنانية
دورا تكوينيا في الدين كما يلعب قمع الغريزة الجنسية في المرض العصابي ( معن
زيادة ،ج ، 1ص ، )447ويربط فرويد التدين عند االنسان بعالقة بيولوجية مع الفاقة
المزمنة عند الطفل الصغير وحاجته الدائمة الى الرعاية وليس هللا موضوع االيمان
سوى بديل نفسي عن االب ،فإنه لعجز االنسان عن تحمل صعفه واهماله امام مقتضيات
القاسية في الطبيعة وفي المجتمع يلجأ بفعل تراجع طفولي لتحويل حاجته إلى الحماية
واألمان صوب هللا ،أما العقائد االيمانية فيستحيل عنده التحقق منها في الواقع ومع ذلك
يرى ان الدين يحفظ الكثير من العصاب الفردي ،و يالحظ عنده مادية تجعل من الحياة
الروحية انعكاس لنشاط بيولوجي ،لكن المدقق يرى في االنسان قدرة روحية يتعذر
شرحها بالعوامل الفيزيولوجية وحدها (معن زيادة ،ج ، 1ص .)447
8ـ األسطورة والمعتقد الديني
تنشأ األسطورة عند فراس السواح عن المعتقد الديني وتكون امتدادا طبيعيا له
فهي تعمل على توضيحه واغنائه ،وتثبته في صيغة تساعد على حفظه وعلى تداوله
بين األجيال .كما انها تزوده بذلك الجانب الخيالي الذي يربطه الى العواطف
واالنفعاالت اإلنسانية ،ويبدو ان المهمة األساسية لألسطورة هي تزويد فكرة األلوهة
بالوان وظالل حية خصوصا في المعتقدات التي تقوم على تعدد االلهة ،فاألساطير هي
التي ترسم صور االلهة وتعطيها اسماءها وتكتب لها سيرتها الذاتية وتاريخ حياتها
وتحدد صالحيتها وعالقات بعضها ببعض ،فاإلله األزلي القابع وراء الزمن الجاري
هو إله نظري ذو طبيعة فلسفية ،وهو ال يباشر وجوده الفعلي وصلته بالعالم الناس اال
عندما يعلن عن فعاليته الواضحة في الزمن ،ويقوم أو يشارك في خلق وتكوين العالم
وهذا ما ترويه و تفصله لنا االساطير .فاالسطورة تقوم على مفهوم زماني ال مكاني
وال تبدأ عندما نكون تلك الصور المحددة عن االله ،بل عندما نعزو لإلله بداية محددة
في الزمن وعندما يباشر فعاليته ،أي عندما يتحول الوعي اإلنساني من فكرة األلوهة
إلى تاريخها فمن خالل هذا التاريخ الذي ترسمه األسطورة يعلو االله على قوى
ومظاهر الطبيعة ويتسلط عليها ومن خالل سيرته الذاتية التي ترسم خروجه من العماء
الساكن إلى الزمن المتحرك تنتقل األلوهة من الوجود المجرد إلى الفعل الذي يظهرها
في عالم االنسان ويربطها الى مسار حياته .ومن هنا تأتي أهمية ميثولوجيا التكوين في
أديان الشعوب وعلو شأن اسطورة الخلق في النظم الميثولوجية .إضافة الى العروة
الوثقى التي تجمع األسطورة إلى المعتقد ،فإن األسطورة من ناحية أخرى ترتبط بشكل
وثيق بالطقس ،فالطقس هو جسر بين المتعبد وقوى قدسية معينة وكلما كانت هذه القوى
ذات شخصيات محددة وخصائص وسيرة حياة ترسمها االساطير ،كلما أزداد الطقس
غنى وتعقيد ،وعلى العكس من ذلك فإن الطقس يميل الى البساطة كلما مال المعتقد الى
التجريد وافتقر إلى االساطير ( السواح ،دين االنسان ،ص . )24فكانت عنده هذه
العناصر الثالثة المعتقد و الطقس و األسطورة هي المقومات المكونة للدين والتي ال
نستطيع التعرف على الظاهرة الدينية في تبديها المجتمعي بدون التعرف عليها مجتمعة
ومتعاونة ،والحالة المثالية هنا عندما ال يطغى أحد هذه العناصر على األخرى ،لكن
في الواقع هذا غير متاح فأغلب األديان يبدي تفوقا ألحد هذه العناصر على األخرى
(السواح ،دين االنسان ،ص .)21
المراجع:
1ـ معن زيادة ( تحرير) ،الموسوعة الفلسفية العربية ،معهد االنماء العربي ،ط ، 1
1182
4ـ محمد عثمان الخشت :مدخل الى فلسفة الدين ،دار قباء للطباعة و النشر والتوزيع،
القاهرة ،د ط . 4441 ،
4ـ مصطفى النشار ،مدخل جديد الى فلسفة الدين ،الدار المصرية اللبنانية ،القاهرة،
ط . 4413 ، 4
4ـ غيضان سيد علي :فلسفة الدين ،المصطلح من االرهاصات الى التكوين العلمي
الراهن ،المركز االسالمي للدراسات االستراتيجية ،لبنان ،ط . 4411 ، 1
3ـ اندري الالند :موسوعة الالند الفلسفية ،تعريب خايا احمد خليل ،منشورات
عويدات ،بيروت ـ باريس ،ط . 4441 ، 4
2ـ مططفى ملكيان :العقالنية والمعنوية ،مقاربات في فلسفة الدين ،ترجمة عبد الجبار
الرفاعي ،حيدر نجف ،الدار العربية للعلم ناشرون ،بيروت ،مركز دراسات فلسفة
الدين ،بغداد ،ط . 4414 ، 1
7ـ جون غروندان :فلسفة الدين ،ترجمة عبد هللا المتوكل ،مؤسسة مؤمنون بال حدود
للدراسات واألبحاث ،المملكة المغربية ،الرباط ،بيروت ،ط . 4417 ، 1
8ـ غوستاف لوبون ،سيكولوجية الجماهير ،ترجمة هاشم صالح ،دار الساقي ،
بيروت ،ط . 4411 ، 4
1ـ غوستاف لوبون ،اآلراء والمعتقدات ،ترجمة عادل زعيتر ،المطبعة العصرية ،
القاهرة ،ط . 1142 ، 1
14ـ ول ديورانت ،قصة الفلسفة ،ترجمة ،فتح هللا محمد المشعشع ،مكتبة المعارف،
بيروت ،ط ، 4د ت .
11ـ فراس السواح :دين االنسان ،دار عالء الدين للنشر والتوزيع والترجمة ،دمشق
،ط . 4444 ، 4
│فلسفة 04
الدين