You are on page 1of 239

‫جامعة الخليل‬

‫كلّية الدراسات العليا‬

‫قسم أصول الدين‬

‫حوى في تفسيره (األساس)‬


‫المنهج التربوي عند الشيخ سعيد ّ‬

‫إعداد‬

‫إيمان خليل موسى جرادات‬

‫إشراف‬

‫الدكتور عطية صدقي األطرش‬

‫الدكتور جمال زكـــي أبو مـــرق‬

‫قُ ّدم هذا البحث استكما ًال لمتط ّلبات نيل درجة الماجستير في أصول الدين فرع التفسير‬

‫‪6341‬ه‪5162-‬م‬
‫إهداء‬

‫إملرّب إ أل يول س ييدي وحبييب رسول هللا ‪.‬‬


‫إىل ي‬

‫إلرّبنية‪ ،‬وإدلعوة إىل سبيل هللا ‪ ،‬وبذلوإ إلغايل‬


‫لك إخمللصني إذلين أأخذوإ عىل عاتقهم هم يمة إلرتبية ي‬
‫إىل ي‬
‫وإلنفيس يف سبيل ذكل‪.‬‬

‫إىل من طابت هبم إحلياة وتطيب؛‬

‫من ربيياين صغريإً‪ ،‬نبع إلعطاء؛ أأ يمي وأأّب‪ ،‬ي‬


‫رب إرمحهام‪ ،‬وّبرك بعمرهام ّبلصاحلات‪...‬‬

‫صاحب إخلُلق إلعايل؛ زويج إلكرمي إدلكتور مسري سلامين‪ ،‬حفظه هللا‪ ،‬ووإدليه إلكرميني‪...‬‬

‫طفيل طارق ومنيب‪ ،‬حفظهام هللا‪...‬‬


‫يقرة عيين؛ ي‬

‫أأخوإيت‪ ،‬وإخويت وأأزوإهجم‪...‬‬

‫أأحبييت يف هللا يف ي‬
‫لك ماكن وزمان‪ ،‬وإملسلمني وإملسلامت‪...‬‬

‫أأهدي إلهيم معيل هذإ‪ ،‬جعهل هللا يف مزيإن يبري هبم أأمجعني‪.‬‬

‫ب‬
‫شكر وتقدير‬

‫إمحلد هلل ‪ ،‬محدإً يليق جبالل وهجه وعظمي سلطانه‪ ،‬ومع ًال بقول إلنيب ‪" :‬من ال يشكر‬
‫ك من‪ :‬مرشيف من لكيية‬
‫إلناس ال يشكر هللا"؛ فا يين أأتو يجه يف هذإ إملقام ّبلشكر إجلزيل وإلعرفان ّبمجليل ل ٍّي‬
‫إلرشيعة إدلكتور عطية صديق إ ألطرش‪ ،‬ومرشيف من لكيية إلرتبية إدلكتور جامل زيك أأبو مرق‪ ،‬جلهودهام‬
‫إلكرمية يف إالرشإف عىل هذه إلرساةل وتقوميها وتعديلها‪ ،‬جفزإكام هللا ي‬
‫لك خري‪.‬‬

‫وأأتو يجه ّبلشكر إجلزيل وإلتقدير لعضوي جلنة إملناقشة إلش يخ إدلكتور هارون اكمل إلرشّبيت‪ ،‬وإدلكتور‬
‫محميد عبد إلفتياح شاهني‪ ،‬ي‬
‫لتكرهمام بقبول مناقشة هذه إلرساةل‪ ،‬وتصويب ما فهيا من أأخطاء‪ ،‬وتقوميها‪ ،‬جفزإكام‬
‫هللا خريإً‪.‬‬

‫ممثّل بعميدها‪ ،‬وأأساتذهتا إلأاكرم‪،‬‬


‫كام أأتو يجه ّبلشكر إجلزيل وإلعرفان ّبمجليل للكيييت إلعريقة؛ لكية إلرشيعة‪ ،‬ي‬
‫إذلين تتلمذت عىل أأايدهيم يف مرحليت إلباكلوريس وإملاجس تري‪ ،‬فبارك هللا فيمك‪ ،‬وجزإمك هللا خريإً عىل ما‬
‫تكرممت به من إلعمل وإحلمكة‪.‬‬
‫ي‬

‫وإلشكر موصول لهذإ إلرصح إلعلمي‪ ،‬جامعيت جامعة إخلليل‪.‬‬

‫وأأت يو يجه ّبلشكر إجلزيل لفضيّل إلش يخ إدلكتور معاذ سعيد ح يوى وعائلته إلكرمية‪ ،‬لتوجهياهتم إلقييمة‪،‬‬
‫وتزويدي ببعض مرإجع هذه إلرساةل‪ ،‬جفزإمه هللا ي‬
‫لك خري‪.‬‬

‫وإلشكر موصول الدإرة مكتبة إجلامعة إ ألردنية لمتكيهنم إايي من إس تخدإم إملكتبة وإالفادة من مرإجعها‬
‫ومصادرها‪ ،‬كذكل أأت يو يجه ّبلشكر ألمناء مكتبة بدلية إخلليل ملساعدهتم يف إلوصول إىل إملرإجع إملطلوبة وإالفادة‬
‫مهنا؛ جفزإمه هللا خريإً مجيعاً‪.‬‬

‫ت‬
‫فهرس املوضوعات‬

‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬

‫ب‬ ‫إهداء‬

‫ت‬ ‫شكر وتقدير‬

‫ث‬ ‫فهرس الموضوعات‬

‫د‬ ‫ملخص البحث‬


‫ّ‬

‫ر‬ ‫‪Abstract‬‬

‫ز‬ ‫المقدمة‬
‫ّ‬

‫حوى بين المنهج التربوي اإلسالمي والمناهج التربوية ‪6‬‬


‫األول‪ :‬الشيخ سعيد ّ‬
‫الفصل ّ‬

‫األخرى‬

‫‪2‬‬ ‫حوى ‪‬‬


‫األول‪ :‬التعريف بالشيخ سعيد ّ‬
‫المبحث ّ‬

‫‪2‬‬ ‫األول‪ :‬نسبه ونشأته‬


‫المطلب ّ‬

‫‪3‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬سيرته العلمية‬

‫‪6‬‬ ‫المطلب الثالث‪ :‬مؤلفاته‬

‫‪7‬‬ ‫المطلب الرابع‪ :‬كتاب االساس في التفسير‬

‫ث‬
‫‪01‬‬ ‫حوى‬
‫المطلب الخامس‪ :‬البيئة السياسية التي عاش فيها ّ‬

‫‪02‬‬ ‫المطلب السادس‪ :‬عزلة الشيخ االضط اررية ووفاته‬

‫‪01‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬المنهج التربوي المعاصر‬

‫‪01‬‬ ‫األول‪ :‬تعريف المنهج التربوي‬


‫المطلب ّ‬

‫‪08‬‬ ‫أهمية المنهج التربوي وأهدافه‬


‫المطلب الثاني‪ّ :‬‬

‫‪21‬‬ ‫المطلب الثالث‪ :‬مصادر اشتقاق األهداف التربوية عند علماء التربية‬

‫‪20‬‬ ‫المطلب الرابع‪ :‬المدارس التربوية المعاصرة بين المنهج والوسيلة والهدف‬

‫‪27‬‬ ‫تفوق التربية اإلسالمية على الفلسفات التربوية المعاصرة‬


‫المطلب الخامس‪ :‬شواهد ّ‬

‫‪31‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬المنهج التربوي اإلسالمي‬

‫‪31‬‬ ‫األول‪ :‬نظرة اإلسالم إلى الجزء المعنوي في اإلنسان‬


‫المطلب ّ‬

‫‪33‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬خصائص المنهج التربوي اإلسالمي‬

‫‪37‬‬ ‫المطلب الثالث‪ :‬مصادر التربية اإلسالمية وأسسها‬

‫‪38‬‬ ‫المطلب الرابع‪ :‬أهداف التربية اإلسالمية ووسائلها‬

‫‪35‬‬ ‫حوى في تربية القلب‬


‫الفصل الثاني‪ :‬منهج الشيخ سعيد ّ‬

‫‪11‬‬ ‫األول‪ :‬أعمال القلوب‬


‫المبحث ّ‬

‫ج‬
‫‪13‬‬ ‫األول‪ :‬اإليمان والتوحيد‬
‫المطلب ّ‬

‫‪30‬‬ ‫للحق والعبودية هلل ‪ ‬واإلخالص فيها‬


‫ّ‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬اإلذعان‬

‫‪61‬‬ ‫المطلب الثالث‪ :‬التقوى‬

‫‪61‬‬ ‫المطلب الرابع‪ :‬الشكر والصبر‬

‫‪68‬‬ ‫المطلب الخامس‪ :‬أعمال قلبية أخرى‬

‫‪73‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬أمراض القلوب‬

‫‪73‬‬ ‫األول‪ :‬الكفر‬


‫المطلب ّ‬

‫‪78‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬النفاق‬

‫‪83‬‬ ‫المطلب الثالث‪ :‬الفسوق‬

‫‪86‬‬ ‫المطلب الرابع‪ :‬الشرك‬

‫‪88‬‬ ‫المطلب الخامس‪ :‬الكبر والحسد‬

‫‪16‬‬ ‫حوى في تربية جوارح اإلنسان وأخالقه وعالقاته‬


‫الفصل الثالث‪ :‬منهج الشيخ سعيد ّ‬

‫‪22‬‬ ‫حوى في تربية الجوارح‬


‫األول‪ :‬منهج الشيخ سعيد ّ‬
‫المبحث ّ‬

‫‪23‬‬ ‫األول‪ :‬العالقة بين عمل القلب وعمل الجوارح‬


‫المطلب ّ‬

‫‪28‬‬ ‫مهمة في قضية التكليف‬


‫المطلب الثاني‪ :‬مفاهيم ّ‬

‫ح‬
‫‪011‬‬ ‫المطلب الثالث‪ :‬عبادات الجوارح المفروضة‬

‫‪012‬‬ ‫المطلب الرابع‪ :‬النوافل‬

‫‪022‬‬ ‫منهيات الجوارح‬


‫المطلب الخامس‪ّ :‬‬

‫‪026‬‬ ‫حوى في التربية األخالقية واالجتماعية‬


‫المبحث الثاني‪ :‬منهج الشيخ سعيد ّ‬

‫‪027‬‬ ‫األول‪ :‬التربية األخالقية‬


‫المطلب ّ‬

‫‪036‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬التربية االجتماعية‬

‫‪631‬‬ ‫حوى في الحديث عن عناصر عملية الدعوة‬


‫الفصل الرابع‪ :‬منهج الشيخ سعيد ّ‬

‫‪017‬‬ ‫حوى في الحديث عن المرّبي والتلميذ‬


‫األول‪ :‬منهج الشيخ سعيد ّ‬
‫المبحث ّ‬

‫‪018‬‬ ‫أهمية وجود المرّبي‬


‫األول‪ :‬حديث الشيخ عن ّ‬
‫المطلب ّ‬

‫‪012‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬التوجيهات اإليمانية للداعية‬

‫‪033‬‬ ‫المطلب الثالث‪ :‬التوجيهات العملية واألخالقية للداعية‬

‫‪036‬‬ ‫المطلب الرابع‪ :‬التوجيهات المتعّلقة بطالب التزكية‬

‫‪032‬‬ ‫حوى في الحديث عن دعوة الداعية‬


‫المبحث الثاني‪ :‬منهج الشيخ سعيد ّ‬

‫‪061‬‬ ‫األول‪ :‬الفئة التي يستهدفها الداعية ونقطة البداية مع المدعو‬


‫المطلب ّ‬

‫‪063‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬عناصر مؤثّرة في عملية الدعوة‬

‫خ‬
‫‪066‬‬ ‫المطلب الثالث‪ :‬سلوك الداعية في دعوته‬

‫‪072‬‬ ‫المطلب الرابع‪ :‬توجيهات متعلّقة بعملية اإلنذار‬

‫‪671‬‬ ‫الفصل الخامس‪ :‬وسائل التزكية ومعيقاتها‬

‫‪082‬‬ ‫األول‪ :‬وسائل التزكية‬


‫المبحث ّ‬

‫‪082‬‬ ‫التفوق المدني)‬


‫األول‪ :‬البيئة الصالحة (حياة المسجد‪ ،‬الصحبة الصالحة‪ّ ،‬‬
‫المطلب ّ‬

‫‪083‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬مجالس القرآن والذكر والعلم‬

‫‪082‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬معيقات التزكية‬

‫‪082‬‬ ‫األول‪ :‬البيئة والصحبة الفاسدة‬


‫المطلب ّ‬

‫‪023‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬فتنة الدنيا والنساء‬

‫‪211‬‬ ‫المطلب الثالث‪ :‬وساوس الشيطان وتزيينه‬

‫‪216‬‬ ‫الخاتمة‬

‫‪201‬‬ ‫المصادروالمراجع‬

‫د‬
‫ملخّّّّص البحث‬

‫حوى ‪ ‬في‬
‫أهم مالمح المنهج التربوي عند الشيخ سعيد ّ‬
‫تهدف هذه الدراسة إلى كشف ّ‬

‫تتبع جهوده التربوية في هذا التفسير‪ ،‬وجمعها وتصنيفها‪ ،‬وقد‬


‫تفسيره (األساس)‪ ،‬وذلك من خالل ّ‬

‫مقدمة وخمسة فصول‪ ،‬وخاتمة‪.‬‬


‫اشتملت الدراسة على ّ‬

‫أهميته‪ ،‬وأسباب اختياره‪ ،‬والدراسات السابقة له‪،‬‬


‫المقدمة عنوان البحث‪ ،‬وأهدافه‪ ،‬و ّ‬
‫ّ‬ ‫نت في‬
‫ّبي ُ‬

‫ومنهج البحث وخطواته‪ ،‬ومحتواه‪.‬‬

‫حوى من حيث نسبه ونشأته‬


‫األول بالشيخ سعيد ّ‬
‫فت في الفصل ّ‬
‫عر ُ‬
‫أما عن الفصول؛ فقد ّ‬
‫ّ‬

‫أهميته‬
‫تطرقت للحديث عن المنهج التربوي من حيث ّ‬
‫ثم ّ‬
‫وسيرته العلمية ومؤلفاته وبيئته ووفاته‪ّ ،‬‬

‫أهم المدارس‬
‫وأهدافه‪ ،‬وذكرت مصادر اشتقاق األهداف التربوية عند علماء التربية‪ ،‬ووقفت مع ّ‬

‫ثم انطلقت للحديث عن المنهج التربوي‬


‫التربوية المعاصرة من حيث المنهج والوسيلة والهدف‪ّ ،‬‬

‫اإلسالمي على ضوء العناصر السابقة‪ ،‬فبدأت ببيان نظرة اإلسالم إلى اإلنسان من حيث تركيبه‪،‬‬

‫وختمت بالحديث عن أهداف التربية اإلسالمية‬


‫ُ‬ ‫ذكرت خصائص المنهج التربوي اإلسالمي‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ثم‬
‫ّ‬

‫ووسائلها‪.‬‬

‫خصصته‬
‫حوى‪ ،‬وقد ّ‬
‫أما الفصل الثاني فكان بدايةُ توضيح المنهج التربوي عند الشيخ سعيد ّ‬
‫ّ‬

‫حوى بشأن‬
‫عرض ما ذكره ّ‬
‫ووضحت ذلك من خالل ْ‬
‫ّ‬ ‫حوى في تربية القلب‪،‬‬
‫للحديث عن منهج ّ‬

‫للحق‪ ،‬والعبودية هلل ‪ ‬واإلخالص فيها‪،‬‬


‫ّ‬ ‫بعض أعمال القلوب كاإليمان والتوحيد‪ ،‬واإلذعان‬

‫تطرقت ألبرز ما ورد بشأن أمراض القلوب‪ ،‬كالكفر والنفاق‬


‫وأعمال قلبية أخرى‪ ،‬وفي المقابل ّ‬

‫وغير ذلك من األمراض‪.‬‬

‫ذ‬
‫حوى في تربية جوارح اإلنسان وأخالقه‬
‫تطرقت للحديث عن منهج ّ‬
‫وفي الفصل الثالث ّ‬

‫نت ما جاء بشأن تربية الجوارح من الحديث عن العالقة بين عمل القلب وعمل‬
‫فبي ُ‬
‫وعالقاته‪ّ ،‬‬

‫عما جاء عن الشيخ‬


‫ثم انتقلت للحديث ّ‬
‫مهمة في قضية التكليف‪ّ ،‬‬
‫الجارحة‪ ،‬وتوّقفت مع مفاهيم ّ‬

‫ثم تال ذلك حديث عن منهج‬


‫ومنهياتها‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫بشأن أعمال الجوارح المفروضة‪ ،‬وعباداتها النوافل‪،‬‬

‫الشيخ في تربية أخالق اإلنسان وآدابه وعالقاته‪ ،‬وذلك من خالل الحديث عن تربية األخالق‬

‫واآلداب والعالقات األسرية واألخوية والمجتمعية‪.‬‬

‫مما يتعّلق بعناصر عملية الدعوة؛‬


‫فتطرقت فيه لما جاء في (األساس) ّ‬
‫أما الفصل الرابع ّ‬
‫ّ‬

‫أهمية وجوده‪ ،‬وما جاء بشأنه من‬


‫حديث عن المرّبي وهو الداعية؛ وذلك من حيث ّ‬
‫ٌ‬ ‫فكان هناك‬

‫ثم تبع‬
‫توجيهات إيمانية وعملية وأخالقية‪ ،‬وحديث أيضًا عن التوجيهات المتعلّقة بطالب التزكية‪ّ ،‬‬

‫ذلك حديث عن عملية الدعوة ذاتها؛ من حيث الفئة المستهدفة في الدعوة‪ ،‬ونقطة البداية مع‬

‫المدعو‪ ،‬ومن حيث العناصر المؤثّرة في عملية الدعوة‪ ،‬ومن حيث سلوك الداعية في دعوته‪،‬‬
‫ّ‬

‫وختمت الفصل بالوقوف على بعض توجيهات الشيخ فيما يتعلّق بعملية اإلنذار‪.‬‬

‫قت لبعض‬
‫فتطر ُ‬
‫تم تناول الحديث عن وسائل التزكية وعوائقها؛ ّ‬
‫وأخي ًار في الفصل الخامس ّ‬

‫وينميها؛ كالبيئة الصالحة‪ ،‬ومجالس القرآن والعلم‬


‫حوى بشأن ما يعين على التزكية ّ‬
‫ما جاء عن ّ‬

‫والذكر‪ ،‬وفي المقابل ّبينت بع ض ما ورد بشأن ما يعيق عملية التزكية؛ كالبيئة الفاسدة‪ ،‬وفتنة‬

‫الدنيا والنساء‪ ،‬ووساوس الشيطان واغراءاته‪.‬‬

‫ضت المراجع‬
‫عر ُ‬
‫أهم نتائج الرسالة وتوصياتها‪ ،‬وبعد الخاتمة ْ‬
‫عرض ّ‬
‫ُ‬ ‫تم‬
‫وفي خاتمة الرسالة ّ‬

‫والمصادر التي اعتمدت عليها في إعداد هذا البحث‪.‬‬

‫ر‬
Abstract

This study aims to investigate the most important characteristics related to the
educational methods used and presented by the Muslim scholar Said Hawwa (1935–
89) by detecting his educational efforts in his Qur’anic commentary al-Asas fi-l-tafsir,
by collecting them, as well as by their topical classification.

While the introduction deals among others with the importance of this study, with
its aims and limits, with its methodology, and with previous studies that were
conducted in this field, the first chapter gives an overview not only over Said
Hawwa’s life, but also over the most important current schools of education in
general, as well as over the methods of Islamic education in particular with regard to
their aims, their characteristics and their instruments.

The second chapter deals with Hawwa’s methods concerning the education
respectively the purification of the human heart. It shows the most important issues
related to the heart and clarifies its possible diseases.

In the third chapter the author presents Hawwa’s methods with regard to physical
acts of worship, as well as educational aspects related to ethics, morality and
decency in family life and in wider social interaction.

While the fourth chapter is related to the process of the call to Islam respectively to
an Islamic behavior according to Hawwa including his instructions for both the
educator and the disciple in his search for self-purification, the fifth chapter deals
with Hawwa’s illustration of the methods of self-purification and its obstacles.

In the conclusion the author presents the most important results of the study and
gives suggestions for further research.

‫ز‬
‫املقدّّمة‬

‫رب العالمين‪ ،‬حمدًا يوافي نعمه ويكافئ مزيده مدى الدهور واألزمان‪ ،‬والصالة‬
‫الحمد هلل ّ‬

‫محمد بن عبد اهلل‪،‬‬


‫سيدي ّ‬
‫والسالم على صاحب الشرف العالي‪ ،‬إمام المرسلين‪ ،‬وقدوة المرّبين‪ّ ،‬‬

‫صالة وسالماً دائمين متالزمين إلى يوم الدين‪ ،‬وعلى آله وصحبه ومن سار على دربه بإحسان‬

‫أما بعد‪:‬‬
‫إلى يوم الدين‪ّ ،‬‬

‫مستقرة‬
‫ّ‬ ‫بد أن تكون‬
‫محمداً ‪ ‬أحد المسلّمات التي ال ّ‬
‫فإن شمولية الرسالة التي بعث اهلل بها ّ‬
‫ّ‬

‫كل مسلم‪ ،‬ومن مظاهر هذا الشمول وجود منهج إسالمي تربوي متكامل‪ ،‬له أسسه‬
‫في عقيدة ّ‬

‫وأهدافه‪ُ ،‬يعنى ببناء اإلنسان وتنميته وتزكيته‪ ،‬وقد تعددت جهود العلماء من قديم وحديث في‬

‫المصنفات في أعمال القلوب‬


‫ّ‬ ‫فوجدت‬
‫إبراز هذه التربية واستنباطها من مصادر الشريعة المختلفة؛ ُ‬

‫التصوف‪ ،‬وفي تنظيم العالقات الزوجية واألسرية واألخوية‬


‫وأمراضها‪ ،‬وفي الرقائق واألخالق و ّ‬

‫مصنفات العلوم الشرعية‬


‫ّ‬ ‫والمجتمعية‪ ،‬وغير ذلك‪ ،‬كذلك فقد ُوجدت إشارات تربوية في ثنايا‬

‫األخرى كالفقه والحديث والتفسير وغير ذلك من العلوم‪.‬‬

‫ٍ‬
‫تفسير للقرآن‬ ‫وقد حاولت في هذه الدراسة إبراز الجهود التربوية ألحد العلماء من خالل‬

‫حوى في تفسيره (األساس)"‪،‬‬


‫الكريم‪ ،‬فكان هذا البحث بعنوان "المنهج التربوي عند الشيخ سعيد ّ‬

‫تخصص التفسير‪ ،‬وقد سرت في‬


‫ّ‬ ‫ال لمتطّلبات الحصول على درجة الماجستير في‬
‫أقدمه استكما ً‬
‫ّ‬

‫هذا البحث على خطوات وضحتها في منهج البحث لتحقيق هذا الغرض واهلل المستعان‪ ،‬وأرجوه‬

‫القبول والتوفيق‪.‬‬

‫س‬
‫مشكلة البحث‪:‬‬

‫على ضوء ما سبق‪ ،‬يمكن صياغة مشكلة الدراسة في السؤال الرئيس التالي‪:‬‬

‫حوى في تفسيره األساس؟‬


‫ما المنهج التربوي عند الشيخ سعيد ّ‬

‫ويتفرع عن السؤال الرئيس‪ ،‬األسئلة الفرعية التالية‪:‬‬


‫ّ‬

‫عام عنها؟‬
‫يتميز المنهج التربوي اإلسالمي بشكل ّ‬
‫وبم ّ‬‫‪ .0‬ما هي المناهج التربوية المعاصرة‪َ ،‬‬

‫حوى في في تربية القلب؟‬


‫‪ .2‬ما هي أبرز مالمح منهج ّ‬

‫حوى في تربية جوارح اإلنسان وأخالقه وعالقاته؟‬


‫‪ .3‬ما منهج ّ‬

‫حوى في موضوع الدعوة ومتعّلقاتها؟‬


‫‪ .1‬ما أبرز آراء ّ‬

‫حوى في تفسيره؟‬
‫أهم وسائل التزكية ومعيقاتها التي وقف عليها ّ‬
‫‪ .3‬ما ّ‬

‫أهداف البحث‪:‬‬

‫المتفرقة في أجزاء كتاب (األساس في التفسير)‪،‬‬


‫ّ‬ ‫هدفت هذه الدراسة إلى جمع األفكار التربوية‬

‫وتنظيمها وتصنيفها تحت عناوينها المنطقية؛ بحيث يسهل االستفادة منها‪ ،‬عالوةً على معرفة‬

‫حوى في تفسيره‪ ،‬وذلك من خالل‪:‬‬


‫المنهج التربوي للشيخ سعيد ّ‬

‫‪ .0‬مقارنة المنهج التربوي اإلسالمي بالمنهج التربوي المعاصر‪.‬‬

‫حوى في تربية القلب‪ ،‬من حيث أعماله وأمراضه‪.‬‬


‫‪ .2‬توضيح منهج ّ‬

‫حوى في تربية جوارح اإلنسان‪ ،‬وآدابه‪ ،‬وأخالقه‪ ،‬وعالقاته االجتماعية‪.‬‬


‫‪ .3‬بيان منهج ّ‬

‫حوى في موضوع الدعوة ومتعلّقاتها من الداعية والمدعو‪.‬‬


‫‪ .1‬الكشف عن نظرية ّ‬

‫أهم وسائل التزكية ومعيقاتها من خالل تفسير(األساس)‪.‬‬


‫‪ .3‬الوقوف على ّ‬
‫ش‬
‫أهمية البحث‪:‬‬
‫ّ‬

‫أهميتها من خالل اآلتي‪:‬‬


‫تكتسب الدراسة ّ‬

‫فيقدم‬
‫بأهم الموضوعات المتعّلقة بحياة الناس اليومية‪ ،‬أال وهو موضوع التربية؛ ّ‬
‫‪ .0‬التصاقها ّ‬

‫فوائد تربوية في موضوعات تربية القلب والجسم واألخالق‪ ،‬كذلك في موضوع الدعوة إلى اهلل‬

‫‪ ،‬وموضوع التزكية من حيث وسائلها ومعيقاتها‪.‬‬

‫ممن لهم باعٌ في موضوع التربية واألخالق؛‬


‫تقدم خالصة جهد تربوي لعالم جليل‪ّ ،‬‬
‫‪ّ .2‬‬

‫سيما و ّأنها جهود‬


‫مبوبة في مكان واحد‪ ،‬ال ّ‬
‫المهمة على المهتم بذلك للوصول إليها ّ‬
‫ّ‬ ‫فيسهّل‬

‫مظنة التجديد والواقعية‪.‬‬


‫عالم معاصر‪ ،‬ففيها ّ‬

‫‪ .3‬تخدم في موضوع التفسير التربوي‪ ،‬من خالل تزويد المكتبة القرآنية ببحث مختّص‬

‫عام‪.‬‬
‫بالجانب التربوي للتفسير بشكل ّ‬

‫أسباب اختيار موضوع البحث‪:‬‬

‫من األسباب التي دعتني للكتابة في هذا البحث‪ ،‬ما يلي‪:‬‬

‫أهميته‪ ،‬والرغبة في تحقيق األهداف‪ ،‬التي سبق ذكرهما‪.‬‬


‫‪ّ .0‬‬

‫عام‪ ،‬والرغبة في البحث في موضوع التربية انطالقًا من‬


‫‪ .2‬اهتمامي بموضوع التربية بشكل ّ‬

‫آيات الذكر الحكيم‪.‬‬

‫أما عن سبب اختياري لتفسير الشيخ سعيد حوى ‪ ،‬فهو كون المفسر معاص ًار يجعله أقدر‬
‫‪ّ .3‬‬

‫من غيره على فهم اآلية المتعلقة بجانب اجتماعي‪ ،‬واسقاطها على الواقع المعاصر‪ ،‬فالفائدة‬

‫أن مؤلّفات الشيخ في التربية األخالق‪ ،‬كانت دافعاً الختيار تفسيره‪.‬‬


‫المرجوة أكثر‪ ،‬كما ّ‬
‫ّ‬

‫ص‬
‫حدود البحث‪:‬‬

‫حوى‪ ،‬وذلك من خالل كتابه‬


‫يتعلّق البحث بدراسة المنهج التربوي عند الشيخ سعيد ّ‬

‫معينة من فكره التربوي؛ وهي جوانب التربية القلبية‪،‬‬


‫(األساس في التفسير)‪ ،‬ويتناول جوانب ّ‬

‫أهم وسائل التزكية‬


‫حوى في عملية الدعوة‪ ،‬و ّ‬
‫وتربية الجوارح واآلداب واألخالق والعالقات‪ ،‬وآراء ّ‬

‫ومعيقاتها‪.‬‬

‫الدراسات السابقة‪:‬‬

‫عدة دراسات من زوايا مختلفة‪ ،‬لكن لم تستقل دراسة‬


‫تفسير الشيخ سعيد حوى ‪ ‬كان موضع ّ‬

‫منها بدراسة المنهج التربوي عند الشيخ سعيد في هذا الكتاب‪ ،‬وفي اآلتي بيان هذه الدراسات‪:‬‬

‫أعد زيدان (‪0223‬م) دراسة بعنوان (سعيد بن حوى ومنهجه في التفسير)‪ ،‬هدف من‬
‫‪ّ .0‬‬

‫التطرق لتفسير األساس‬


‫ّ‬ ‫ثم‬
‫حوى وتراثه العلمي‪ّ ،‬‬
‫خاللها إلى توضيح مالمح حياة الشيخ سعيد ّ‬

‫وبين هذا المنهج من خالل‬


‫حوى في التفسير‪ّ ،‬‬
‫من حيث المصادر والمنهج الذي اتّبعه ّ‬

‫الحديث عن التفسير بالمأثور‪ ،‬وما يندرج تحته من عناصر‪ ،‬كتفسير القرآن الكريم بالقرآن‪،‬‬

‫وبالسنة المطهّرة‪ ،‬وبأقوال الصحابة‪ ،‬وبأقوال التابعين على خالف بين العلماء‪ ،‬كذلك من‬
‫ّ‬

‫حوى بالجانب اللغوي وبالقراءات‪ ،‬وموقفه من‬


‫خالل الحديث عن التفسير بالرأي‪ ،‬كاهتمام ّ‬

‫حوى في قضايا فكرية معاصرة‪ ،‬كموقفه‬


‫تعرض آلراء ّ‬
‫التصوف‪ ،‬وغير ذلك من الجوانب‪ ،‬ثم ّ‬
‫ّ‬

‫من منهج الدعوة إلى اهلل ‪ ،‬ومن نظام الحكم‪ ،‬وموقفه من الجماعة اإلسالمية‪.‬‬

‫حــوى فــي تفســيره األســاس)‪ ،‬إلددى‬


‫‪ .2‬هدددفت د ارسددة الوصددابي (‪2116‬م) (مــنهج ســعيد ّ‬

‫تفص دديل الح ددديث ع ددن عص ددر الش دديخ س ددعيد ح د ّدوى وحيات دده‪ ،‬وك ددذلك التعري ددف بتفس ددير‬

‫ض‬
‫(األساس) من حيث اسدمه وخصائصده ومقاصدده ومصدادره وغيدر ذلدك مدن العناصدر‪،‬‬

‫ث د ّدم الكش ددف ع ددن م ددنهج الش دديخ ف ددي تفس دديره؛ فتط د ّدرق الباح ددث للح دددديث ع ددن التفس ددير‬

‫بالم ددأثور‪ ،‬والتفس ددير ب ددالرأي‪ ،‬وق ددد ك ددان عل ددم الس ددلوك ض ددمن العناص ددر المدرج ددة تح ددت‬

‫فصددل التفسددير بددالرأي‪ ،‬وكددذلك نظريددة الوحدددة القرآنيددة‪ ،‬وقددد اسددتخدم الباحددث فددي هددذه‬

‫الد ارسددة المددنهج الوصددفي‪ ،‬مسددتفيدًا مددن المنهجددين االسددتنتاجي واالسددتقرائي‪ ،‬ومددن أهد ّدم‬

‫توصل إليها الباحث‪:‬‬


‫النتائج التي ّ‬

‫‪ -‬اعتمدداد الشدديخ فددي تفسدديره عل ددى المددأثور مددن الكتدداب والس د ّدنة‪ ،‬كددذلك االسددتفادة مددن أقد دوال‬

‫أن األحاديددث‬
‫اللغددويين‪ ،‬والنحددويين والعنايددة ببيددان األحكددام الفقهيددة‪ ،‬ومسددائل العقيدددة‪ ،‬كمددا ّ‬

‫النبوي ددة الت ددي أورده ددا ف ددي تفس دديره ت دددور ب ددين الص ددحيح والحس ددن ف ددي درجته ددا‪ ،‬ف ددي األغل ددب‬

‫األعم‪.‬‬
‫ّ‬

‫‪ -‬إقدالل ح ّدوى مدن ذكدر الروايدات اإلسدرائيلية‪ ،‬وعنددد ذكدره لهدذه الروايدات ال يتدرك فرصدة تمددر‬

‫دون أن ينتقد المفسرين الذين أدخلوا الروايات اإلسرائيلية في تفاسيرهم‪.‬‬

‫إن تفسددير األس دداس انص ددب عل ددى إثب ددات الوحدددة القرآني ددة وه ددي نظري ددة جدي دددة ف ددي‬
‫‪ّ -‬‬

‫أن تفس ددير األسد دداس‬


‫إثب ددات المعجد دزة القرآني ددة‪ ،‬وه ددو موض ددوع حاول دده كثي ددرون‪ ،‬إال ّ‬

‫استوعبه والتزم به في تفسير كامل للقرآن‪.‬‬

‫‪ .3‬قامت موجاري (‪2110‬م) بدراسة بعنوان ( نظرية الوحدة القرآنية في تفسير سعيد حوى)‪،‬‬

‫تطرقت للحديث عن نظرية الشيخ في الوحدة القرآنية‬


‫ثم ّ‬
‫حوى‪ّ ،‬‬
‫ترجمت فيها للشيخ سعيد ّ‬

‫ثم تحليل هذه النظرية‪ ،‬وختمت الباحثة الدراسة بدراسة نقدية لنظرية الشيخ في‬
‫عام‪ّ ،‬‬
‫بشكل ّ‬

‫ط‬
‫توصلت‬
‫ّ‬ ‫الوحدة القرآنية‪ ،‬وقد استخدمت الباحثة المنهج الوصفي التحليلي االستقرائي‪ ،‬وقد‬

‫الباحثة إلى عدد من النتائج‪ ،‬منها‪:‬‬

‫حوى في الوحدة‬
‫‪ -‬الوحدة الموضوعية للقرآن الكريم لها أكثر من شكل وتفسير‪ ،‬ونظرية ّ‬

‫القرآنية تعتبر رؤية جديدة تضاف للرؤى المتعلّقة بمسألة تناسب القرآن الكريم‪.‬‬

‫‪ -‬الوحدة الموضوعية للقرآن الكريم أشمل من الوحدة الموضوعية فيه‪ ،‬وسبيل األولى‬

‫أما سبيل الثانية فقاعدة التفسير الموضوعي‪.‬‬


‫التناسب‪ّ ،‬‬

‫ال وتدقيقاً للوحدة الموضوعية للقرآن الكريم‪ ،‬وان‬


‫‪ -‬تعتبر (نظرية الوحدة القرآنية) أكثر تفصي ً‬

‫حوى‬
‫صرح بمصلح "النظرية" في هذا الشأن‪ ،‬فسعيد ّ‬
‫محمد محمود حجازي ّأول من ّ‬
‫كان ّ‬

‫كان أكثر جرأة منه في هذا اإلطالق‪.‬‬

‫‪ .1‬هدفت دراسة الشرقاوي (‪0228‬م) ( نظرية الوحدة الموضوعية للقرآن الكريم من خالل‬

‫كتاب األساس في التفسير للشيخ سعيد حوى ‪ ،)‬إلى الحديث عن حياة الشيخ سعيد‬

‫أهمية البحث في‬


‫طرق للحديث عن ّ‬
‫حوى‪ ،‬والكشف عن مقاصد التفسير وطريقته‪ ،‬كذلك الت ّ‬
‫ّ‬

‫ثم‬
‫الوحدة الموضوعية وأقسامها‪ ،‬وللحديث عن وحدة الموضوع‪ ،‬والوحدة الموضوعية للسورة‪ّ ،‬‬

‫العامة‪ ،‬وختم‬
‫حوى في الوحدة الموضوعية من حيث قواعدها ّ‬
‫وضحت الدراسة نظرية الشيخ ّ‬
‫ّ‬

‫ومميزاتها وغير ذلك‪.‬‬


‫الباحث بمالحظاته على هذه النظرية ّ‬

‫‪ .3‬هدفت د ارسة أحمد (الوحدة الموضوعية في القرآن‪ :‬دراسة مقارنة بين األساس في‬

‫التفسير لسعيد حوى وتدبر القرآن ألمين أحسن اإلصالحي)‪ ،‬إلى البحث في موضوع‬

‫لحوى‪،‬‬
‫الوحدة القرآنية‪ ،‬وذلك من خالل إجراء دراسة مقارنة بين كتاب األساس في التفسير ّ‬

‫تدبر القرآن لإلصالحي‪ ،‬ولم أتم ّكن من الوصول إلى هذه الدراسة‪.‬‬
‫وكتاب ّ‬

‫ظ‬
‫حوى)‪ ،‬هدف من خاللها إلى‬
‫دراجي دراسة بعنوان (الفكر الحركي عند الشيخ سعيد ّ‬
‫‪ .6‬أجرى ّ‬

‫حوى ومؤلفاته‪،‬‬
‫أهم اتجاهات التفسير في العصر الحديث‪ ،‬والتعريف بالشيخ سعيد ّ‬
‫توضيح ّ‬

‫حوى في قضية التكفير‪ ،‬وقضية‬


‫التطرق لفكر ّ‬
‫ّ‬ ‫ثم‬
‫حوى فيه‪ ،‬وبمصادره‪ّ ،‬‬
‫وبتفسيره‪ ،‬وبمنهج ّ‬

‫حوى من الفقه اإلسالمي‪.‬‬


‫التطرق لموقف ّ‬
‫ّ‬ ‫جماعة المسلمين‪ ،‬وأخي اًر‬

‫المعدة في منهج الشيخ سعيد حوى في السلوك من خالل مؤلفاته األخرى في‬
‫ّ‬ ‫‪ .7‬ومن األبحاث‬

‫التزكية والتربية‪ ،‬دراسة بعنوان (منهج الشيخ سعيد حوى في التربية والسلوك)‪ ،‬وقد هدفت‬

‫حوى‪ ،‬وحياته وتراثه العلمي‪ ،‬والكشف‬


‫دراسة أحمد (‪2110‬م) إلى التعريف بالشيخ سعيد ّ‬

‫الس ْير إلى‬


‫حوى؛ وذلك من خالل الحديث عن قضايا َ‬
‫عن المنهج الروحي في السلوك عند ّ‬

‫اهلل ‪ ، ‬والنفس اإلنسانية‪ ،‬والمجاهدة والقلب‪ ،‬واألوراد‪ ،‬والمقامات‪ ،‬وكذلك الكشف عن‬

‫حوى؛ وذلك من خالل الحديث عن قضايا الشيخ والبيعة‪ ،‬والعلم‬


‫المنهج التربوي عند ّ‬

‫والعلماء‪ ،‬ودور المسجد في التربية‪ ،‬واألخالق واآلداب‪.‬‬

‫منهج البحث‪:‬‬

‫تتبعت في إعدادي لهذا البحث المنهج الوصفي‪ ،‬مستفيدةً من‬


‫ُ‬ ‫أما عن منهجي في البحث فقد‬
‫ّ‬

‫المنهجين االستنتاجي واالستقرائي‪ ،‬بناء على عمليات العرض واالستقراء واالستنتاج‪.‬‬

‫خطوات واجراءات الدراسة‪:‬‬

‫حقّقت ما أريد من هذه الدراسة وفق الخطوات واإلجراءات التالية‪:‬‬

‫حوى التربوية‪،‬‬
‫ال‪ ،‬وجمع لفتات الشيخ سعيد ّ‬
‫أ‪ -‬قراءة كتاب (األساس في التفسير) كام ً‬

‫طة البحث‪.‬‬
‫وتقسيمها‪ ،‬وتبويبها‪ ،‬وتنسيقها تحت عناوينها المالئمة لها في خ ّ‬

‫ع‬
‫ب‪ -‬ضبط اآليات ا لقرآنية وعزوها إلى مواضعها في القرآن الكريم‪ ،‬ببيان اسم السورة‪،‬‬

‫ورقم اآلية‪.‬‬

‫ت‪ -‬تخريج األحاديث النبوية واآلثار من المصادر األصيلة‪ ،‬والحكم عليها‪ ،‬عدا ما في‬

‫الصحيحين‪.‬‬

‫تحري الد ّقة واألمانة‬


‫ث‪ -‬توثيق األقوال من مصادرها األصيلة التي وردت فيها‪ ،‬مع ّ‬

‫العلمية في ذلك‪.‬‬

‫سيما مصادر العلم‬


‫ج‪ -‬الرجوع إلى المصادر الالزمة في إثراء محتويات البحث‪ ،‬ال ّ‬

‫التربوي‪.‬‬

‫ممن ذكروا في الدراسة‪ ،‬ومن لم أقف له على‬


‫ح‪ -‬الترجمة لألعالم غير المشهورين ّ‬

‫السيما بعض األعالم المعاصرين‪.‬‬


‫ترجمة لم أترجم له‪ّ ،‬‬

‫خ‪ -‬ذكر أهم نتائج البحث وتوصياته‪.‬‬

‫تم اإلفادة‬
‫يفصل موضوعات الدراسة‪ ،‬وقائمة بالمراجع والمصادر التي ّ‬
‫د‪ -‬إعداد فهرس ّ‬

‫منها في البحث‪.‬‬

‫محتوى البحث‪:‬‬

‫مقدمة وخمسة فصول وخاتمة‪.‬‬


‫مت هذا البحث إلى ّ‬
‫قس ُ‬
‫ّ‬

‫أهميته‪ ،‬وأسباب اختياره‪ ،‬والدراسات السابقة له‬


‫نت فيها‪ :‬عنوان البحث‪ ،‬وأهدافه‪ ،‬و ّ‬
‫المقدمة ّبي ُ‬
‫ّ‬

‫ومنهج البحث وخطواته‪ ،‬ومحتواه‪.‬‬

‫حوى بين المنهج التربوي اإلسالمي والمناهج التربوية األخرى‪.‬‬


‫األول‪ :‬الشيخ سعيد ّ‬
‫الفصل ّ‬

‫غ‬
‫وفيه ثالثة مباحث‪:‬‬

‫حوى‪.‬‬
‫األول‪ :‬التعريف بالشيخ سعيد ّ‬
‫المبحث ّ‬

‫المبحث الثاني‪ :‬المنهج التربوي المعاصر‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬المنهج التربوي اإلسالمي‪.‬‬

‫حوى في تربية القلب‪.‬‬


‫الفصل الثاني‪ :‬منهج الشيخ سعيد ّ‬

‫وفيه مبحثان‪:‬‬

‫األول‪ :‬أعمال القلوب‪.‬‬


‫المبحث ّ‬

‫المبحث الثاني‪ :‬أمراض القلوب‪.‬‬

‫حوى في تربية جوارح اإلنسان وأخالقه وعالقاته‪.‬‬


‫الفصل الثالث‪ :‬منهج الشيخ سعيد ّ‬

‫وفيه مبحثان‪:‬‬

‫حوى في تربية الجوارح‪.‬‬


‫األول‪ :‬منهج الشيخ سعيد ّ‬
‫المبحث ّ‬

‫حوى في تربية أخالق اإلنسان وآدابه وعالقاته‪.‬‬


‫المبحث الثاني‪ :‬منهج الشيخ سعيد ّ‬

‫المربي‪،‬‬
‫حوى في الحديث عن عناصر عملية الدعوة ( ّ‬
‫الفصل الرابع‪ :‬منهج الشيخ سعيد ّ‬

‫التلميذ‪ ،‬الدعوة)‪.‬‬

‫وفيه مبحثان‪:‬‬

‫ف‬
‫حوى في الحديث عن المرّبي والتلميذ‪.‬‬
‫األول‪ :‬منهج الشيخ سعيد ّ‬
‫المبحث ّ‬

‫حوى في الحديث عن الدعوة‪.‬‬


‫المبحث الثاني‪ :‬منهج الشيخ سعيد ّ‬

‫الفصل الخامس‪ :‬وسائل التزكية ومعيقاتها‪.‬‬

‫وفيه مبحثان‪:‬‬

‫األول‪ :‬وسائل التزكية‪.‬‬


‫المبحث ّ‬

‫المبحث الثاني‪ :‬معيقات التزكية‪.‬‬

‫ألهم نتائج البحث وتوصياته‪.‬‬


‫الخاتمة‪ ،‬وفيها ذكر ّ‬

‫منانًا‬
‫علي ّ‬
‫المنان‪ ،‬الذي ما زال ّ‬
‫هذا وما كان في هذا العمل من توفيق واحسان فمن الكريم ّ‬

‫العلي القدير سالمة‬


‫ّ‬ ‫ومنعماً‪ ،‬وما كان فيه من خطأ ونسيان فمن نفسي ومن الشيطان‪ ،‬وأرجو‬

‫رب العالمين‪.‬‬
‫ولي ذلك والقادر عليه‪ ،‬والحمد هلل ّ‬
‫المن بالقبول‪ّ ،‬إنه ّ‬
‫القصد‪ ،‬وحسن العمل‪ ،‬و ّ‬

‫ق‬
‫األول‬
‫الفصل ّ‬

‫حوى بين المنهج التربوي اإلسالمي والمناهج التربوية األخرى‬


‫الشيخ سعيد ّ‬

‫ويشتمل هذا الفصل على ثالثة مباحث‪:‬‬

‫حوى‬
‫األول‪ :‬التعريف بالشيخ سعيد ّ‬
‫المبحث ّ‬

‫المبحث الثاني‪ :‬المنهج التربوي المعاصر‬

‫المبحث الثالث‪ :‬المنهج التربوي اإلسالمي‬

‫‪1‬‬
‫تمهيد‬

‫حوى ‪ ،‬مؤلف كتاب (األساس‬


‫في هذا الفصل حديث مقتضب عن سيرة الشيخ سعيد ّ‬

‫األول‪ ،‬وكتمهيد لتفصيل‬


‫في التفسير)‪ ،‬والذي يش ّكل محور هذه األطروحة‪ ،‬وذلك في المبحث ّ‬

‫التطرق في المبحث الثاني للحديث عن المنهج التربوي المعاصر‬


‫ّ‬ ‫تم‬
‫حوى في تفسيره‪ّ ،‬‬
‫منهج ّ‬

‫والفلسفات التربوية الحديثة‪ ،‬وفي المبحث األخير حديث عن المنهج التربوي اإلسالمي‪ ،‬على‬

‫ضوء العناصر المذكورة في المبحث السابق له؛ لتبيُّن الفرق بين المنهجين‪.‬‬

‫األول‬
‫المبحث ّ‬

‫حوى ‪‬‬
‫التعريف بالشيخ سعيد ّ‬

‫المطلب األول‪ :‬نسبه ونشأته‬

‫حوى‪ ،‬ولد في مدينة حماة السورية‪ ،‬سنة خمس وثالثين‬


‫محمد بن ديب بن ّ‬
‫هو سعيد بن ّ‬

‫الحي‬
‫ّ‬ ‫العليليات‪ ،‬يتّصل نسب أسرته بنسب أسرة أخرى في نفس‬
‫ّ‬ ‫وتسعمائة وألف في حي‬

‫(‪)1‬‬
‫وتتضافر روايتا كبار األسرتين على ّأنهم من آل بيت رسول اهلل ‪.‬‬

‫األم لألبد؛ حيث توّفيت ‪ ‬عندما كان عمره عامًا وأربعة‬


‫استهل الشيخ طفولته بفراق حضن ّ‬
‫ّ‬

‫مرات بسبب نزاعات وخصومات‬


‫عدة ّ‬
‫أشهر‪ ،‬وكذلك بفراق متكرر لوالده ‪‬؛ حيث سجن ّ‬

‫لألب عندما كان الشيخ في‬


‫ّ‬ ‫الحي الذي كانوا يسكنون فيه‪ ،‬فكان الفراق األول‬
‫ّ‬ ‫استدعتها أوضاع‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪ ،‬سعيد بن ديب (ت ‪0282‬م)‪( ،‬هذه تجربتي وهذه شهادتي)‪ ،‬مكتبة وهبة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪0287 ،0‬م‪ .‬ص‪.7‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬

‫‪2‬‬
‫أما الثاني وهو في السابعة من عمره‪ ،‬والثالث وهو في العاشرة من‬
‫السنة الثانية من عمره؛ ّ‬

‫عمره(‪.)1‬‬

‫وجدته‪ ،‬التي اتّسمت بحزمها وصرامتها‬


‫عمه ّ‬
‫حوى في كنف ّ‬
‫في ظ ّل هذه الظروف عاش ّ‬

‫وحرصها الشديد على تعليمه؛ فأرسلته في بداية األمر إلى "شيخة" كفيفة تحفظ كتاب اهلل ‪‬؛‬

‫جدته ‪ ‬مدرسة‬
‫كي تعلّمه القرآن‪ ،‬فتال عليها القرآن بسرعة كبيرة من ّأوله إلى آخره‪ ،‬ثم أدخلته ّ‬

‫ال؛ إذ أخرجه والده –بعد خروجه من السجن‪ -‬من المدرسة‬


‫حوى فيها طوي ً‬
‫ابتدائية‪ ،‬لم يلبث ّ‬

‫بسبب الفقر‪ ،‬وحاجته لمساعدته في العمل وهو ابن ثمان سنوات‪ ،‬فعمل مع والده في سوق‬

‫الخضار َد ْور الوسيط بين المزارع وبائع المفرق‪ ،‬وكان والده حريصًا على تعليمه فنون هذا‬

‫(‪)2‬‬
‫العمل؛ فأتقن المحاسبة والجباية والتعامل مع المال‪ ،‬كذلك الخطّ والحساب‪.‬‬

‫حوى ‪ ‬أثر كبير في بناء شخصيته؛ فقد‬


‫المتكرر بين االبن وأبيه‪ ،‬كان لوالد ّ‬
‫ّ‬ ‫ورغم الفراق‬

‫حوى عن ِح ْرص والده الشديد على زرع قيم ومعان‪ ،‬كان لها كبير األثر على حياته‪ ،‬ومن‬
‫أخبر ّ‬

‫ذلك تربيته على المحافظة على العرض والشرف‪ ،‬والع ّفة عن أموال الناس والمال العام‪ ،‬وحفظ‬

‫(‪)3‬‬
‫عوده والده على المطالعة حتّى ُولِع بها‪.‬‬
‫األمانة‪ ،‬كذلك فقد ّ‬

‫المطلب الثاني‪ :‬سيرته العلمية‬

‫حوى بمدرسة ابتدائية ليلية؛ كي ال تؤثر دراسته على عمله مع والده‪ ،‬وحصل منها‬
‫التحق ّ‬

‫اشتد ولعه‬
‫ّ‬ ‫سنه الحادية عشرة‪ ،‬ومع دخوله مرحلة اإلعدادية‬
‫على الشهادة االبتدائية في ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬هذه تجربتي وهذه شهادتي)‪ ،‬ص ‪.00-7‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ ،2-8‬ص‪.06‬‬

‫(‪)3‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.01‬‬

‫‪3‬‬
‫بالمطالعة؛ فطالع في تلك المرحلة كتبًا عالمية كثيرة‪ ،‬وق أر عن شخصيات عالمية كثيرة‪ ،‬وكان‬

‫يستعين بمكتبة مسجد "المدفن" في حماة‪ ،‬فأعطته تلك المطالعات قوة على الكتابة اإلنشائية‬

‫حوى فيما‬
‫وكل ذلك كان له تأثير على ما كتبه ّ‬
‫سنه‪ ،‬كذلك قدرة على االستيعاب السريع‪ّ ،‬‬
‫تتجاوز ّ‬

‫مما كان له كبير األثر في نشأته الدينية‬


‫لكن أكثر ما يميز هذه المرحلة –مرحلة اإلعدادية‪ّ -‬‬
‫بعد‪ّ ،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫‪ ،‬وقد أوصله ذلك إلى‬ ‫تعرفه على مدرس التربية في ثانوية ابن رشد الشيخ محمد الحامد‬
‫هو ُّ‬

‫حلقة الشيخ العلمية في جامع السلطان فتتلمذ على يده ‪ ، ‬وقد كان من نهج الشيخ الحامد أن‬

‫حوى لم‬
‫يدفع تالمذته نحو اإلفادة من العلماء‪ ،‬فأصبح البحث عن الشيخ المعلم لإلفادة منه هدفًا ل ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫يتخل عنه إال مضط ًار‪.‬‬
‫ّ‬

‫(‪)3‬‬
‫حوى إلى جماعة اإلخوان المسلمين في مدينة حماة‬
‫انضم ّ‬
‫ّ‬ ‫ومع بداية مرحلة الثانوية‬

‫أسسها الشيخ محمد الحامد في المدينة‪ ،‬عام تسعة وثالثين وتسعمائة وألف‪ ،‬فش ّكل هذا‬
‫والتي ّ‬

‫حوى ؛ حيث حدث انقالب هائل في اهتماماته المعرفية‪ ،‬فبعد أن‬


‫تحول في حياة ّ‬
‫االنضمام نقطة ّ‬

‫تواقة للحق حريصة‬


‫كان وجهتها إلى كتب الفلسفة وحفظ األشعار وغير ذلك‪ ،‬أصبحت روحه ّ‬

‫يهمها ما سوى ذلك‪ ،‬كذلك فقد أقبل على تعلّم‬


‫عما هو األكثر رضى هلل ‪ ،‬ال ّ‬
‫عليه‪ ،‬تبحث ّ‬

‫(‪)1‬‬
‫الشيخ محمد محمود الحامد (ت ‪0262‬م)‪ ،‬ولد في مدينة حماة‪ ،‬وقد عرف –رحمه اهلل‪ -‬بشدة ورعه‪ ،‬وزهده‪ ،‬وتواضعه‪ ،‬ودماثة‬
‫أخالقه‪ ،‬كما اشتهر بالجرأة في الحق والشجاعة األدبية‪ ،‬جمع بين العلم واألدب والفقه والشعر‪ ،‬وسلك طريق التصوف الملتزم بكتاب اهلل‬
‫وسنة النبي –صلى اهلل عليه وسلم‪ .-‬انظر‪ :‬العقيل‪ ،‬عبد اهلل‪( ،‬من أعالم الدعوة والحركة اإلسالمية المعاصرة)‪ ،‬دار البشير‪ ،‬ط بدون‪،‬‬
‫‪2118‬م‪ .‬ص‪.833-823‬‬

‫(‪)2‬‬
‫حوى‪( ،‬هذه تجربتي وهذه شهادتي)‪ ،‬ص‪ 23-03‬و ص‪.37‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)3‬‬
‫انظر‪ :‬العقيل‪( ،‬من أعالم الدعوة والحركة اإلسالمية المعاصرة)‪ ،‬ص‪.276‬‬

‫‪4‬‬
‫تأصلت عنده نظرية الوحدة‬
‫خضم هذه المرحلة ّ‬
‫ّ‬ ‫العلم الشرعي والثقافة اإلسالمية المتوارثة‪ ،‬وفي‬

‫(‪)1‬‬
‫القرآنية‪ ،‬والتي بنى عليها فيما بعد تفسيره "األساس"‪.‬‬

‫وبعد حصوله على الشهادة الثانوية‪ ،‬التحق بكلية الشريعة في جامعة دمشق عام ستة‬

‫وخمسين وتسعمائة وألف‪ ،‬ولم يقتصر في تحصيله العلمي على الصلة العلمية بمدرسي الكّلية‬

‫محمد الحامد علوم‬


‫بل نهل من َمعين عدد كبير من العلماء من خارج الجامعة؛ فأخذ عن الشيخ ّ‬

‫محمد الهاشمي علمي‬


‫ّ‬ ‫سنة والسيرة والتفسير‪ ،‬وأخذ عن الشيخ‬
‫التصوف والفقه وال ّ‬
‫األخالق و ّ‬

‫حوى‪ ،‬وأخذ علم ترتيل القرآن عن‬


‫التصوف والكالم‪ ،‬وقد كان لهذين العالمين أثر كبير في حياة ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫في القرآن والتصوف والفقه الحنفي‪ ،‬وتتلمذ‬ ‫قراء بلده‪ ،‬وتتلمذ على يد عدد من العلماء‬
‫عدد من ّ‬

‫في كلية الشريعة على يد الشيخ مصطفى السباعي(‪ ،)3‬والشيخ مصطفى الزرقاء(‪ ،)4‬والشيخ محمد‬

‫الخن‪ ،‬وعلماء‬
‫ّ‬ ‫المبارك(‪ ،)5‬والشيخ معروف الدواليبي‪ ،‬والشيخ فوزي فيض اهلل‪ ،‬والشيخ مصطفى‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬هذه تجربتي وهذه شهادتي)‪ ،‬ص‪ ،26-23‬و ص‪.31‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫الوهاب الحافظ‪ ،‬ومال رمضان البوطي؛ ولم أتم ّكن من الوقوف على ترجمة لهؤالء‬
‫كالشيخ إبراهيم الغالييني‪ ،‬والعلواني‪ ،‬وعبد ّ‬
‫العلماء‪.‬‬

‫(‪)3‬‬
‫هو العالم المجاهد مصطفى بن حسني السباعي (‪0203‬م – ‪0261‬م)‪ ،‬من مواليد مدينة حمص‪ ،‬نشأ في أسرة عريقة معروفة‬
‫بالعلم والعلماء منذ مئات السنين‪ ،‬امتاز بنشاطه السياسي في مجال اإلصالح السياسي‪ ،‬والكفاح الوطني‪ ،‬له باع طويل في التأليف‪.‬‬
‫انظر‪ :‬العقيل‪( ،‬من أعالم الدعوة والحركة اإلسالمية المعاصرة)‪ ،‬ص‪.0061-0012‬‬

‫(‪)4‬‬
‫المجدد مصطفى بن أحمد بن محمد الزرقاء (‪0211‬م ‪0222 -‬م)‪ ،‬من مواليد مدينة حلب‪ ،‬درس الحقوق واآلداب‪،‬‬
‫ّ‬ ‫العالمة‬
‫هو ّ‬
‫عدة‪ ،‬كذلك شغل منصب وزير األوقاف والعدل في‬
‫ونبغ فيهما‪ ،‬عرف بنشاطه السياسي ضد المحتل الفرنسي‪ ،‬شغل مناصب علمية ّ‬
‫سورية‪ .‬انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.0018-0010‬‬

‫(‪)5‬‬
‫هو المفكر محمد بن عبد القادر بن محمد المبارك (‪0202‬م – ‪0282‬م)‪ ،‬جزائري األصل‪ ،‬درس الحقوق واآلداب‪ ،‬وشغل مناصب‬
‫علمية كثيرة‪ ،‬وكان له نشاط سياسي بارز في مواجهة المستعمر في البالد العربية واإلسالمية‪ .‬انظر‪ :‬المرجع السابق ص‪.222-221‬‬
‫‪5‬‬
‫آخرين من داخل الكلية وخارجها ‪ -‬جميعًا‪ ،-‬ونال في علوم الشرع إجازات عديدة شفوية‬

‫وأخرى مكتوبة(‪.)1‬‬

‫أدى الخدمة العسكرية اإللزامية‬


‫تخرج من الجامعة سنة إحدى وستين وتسعمائة وألف‪ ،‬ثم ّ‬
‫ّ‬

‫وتزوج سنة أربع وستين وتسعمائة وألف‪ ،‬ورزقه‬


‫مجندًا‪ّ ،‬‬
‫سنة ثالث وستين وتسعمائة وألف ضابطًا ّ‬

‫محمد وأحمد ومعاذ وفاطمة(‪.)2‬‬


‫اهلل ‪ ‬بأربعة أوالد؛ ّ‬

‫اعتُقل الشيخ ‪ ‬بسبب أحداث الدستور(‪ ،)3‬فكانت فترة االعتقال فرصة ثمينة أحسن‬

‫استغاللها؛ فقد ألّف في فترة السجن مجموعة من المؤلّفات‪ ،‬لم يكن ليؤلّفها لوال السجن‪ ،‬وأعاد‬

‫(‪)4‬‬
‫حفظه للقرآن الكريم‪.‬‬

‫حوى إسهامه في الحقل التعليمي؛ حيث مارس التدريس داخل سوريا وخارجها‬
‫و"كان للشيخ ّ‬
‫(‪)5‬‬
‫وعمل في السعودية خمس سنوات"‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬هذه تجربتي وهذه شهادتي)‪ ،‬ص ‪38-26‬؛ وانظر‪ :‬العقيل‪( ،‬من أعالم الدعوة والحركة اإلسالمية المعاصرة)‪،‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫ص‪.276‬‬

‫(‪)2‬‬
‫انظر‪ :‬العقيل‪( ،‬من أعالم الدعوة والحركة اإلسالمية المعاصرة)‪ ،‬ص‪.277-276‬‬

‫(‪)3‬‬
‫حوى‪( ،‬هذه تجربتي وهذه شهادتي)‪ ،‬ص‪ .22‬أحداث الدستور‪ :‬هي األحداث المضادة لمسودة الدستور التي أصدرها حافظ‬ ‫انظر‪ّ :‬‬
‫تامة‪،‬‬
‫األسد؛ لما اشتملته هذه المسودة على بنود مفادها إقبال سورية على مرحلة ديكتاتورية لم تُعرف من قبل‪ ،‬وتصفية اإلسالم تصفية ّ‬
‫فترتّب على هذه األحداث تخفيف أو تأجيل أو إلغاء الكثير من توجهات حافظ األسد‪ ،‬ولم يقتصر خوض الحركة المضادة للدستور على‬
‫اإلسالميين‪ ،‬بل شارك فيها اشتراكيون وناصريون وكل من كان ضد حافظ األسد‪ ،‬وقد كان ذلك عام ‪0273‬م‪ .‬انظر‪ :‬المرجع السابق‪،‬‬
‫ص ‪.013-011‬‬

‫(‪)4‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.023-006‬‬

‫(‪)5‬‬
‫العقيل‪( ،‬من أعالم الدعوة والحركة اإلسالمية المعاصرة)‪ ،‬ص‪.282‬‬

‫‪6‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬مؤلفاته‬

‫وتفرع عن هذه الدراسات‬


‫أصدر الشيخ ‪ ‬كتبه كلّها تحت عنوان (دراسات منهجية هادفة)‪ّ ،‬‬

‫عدة سالسل(‪:)1‬‬
‫ّ‬

‫‪ .0‬سلسلة األصول الثالثة‪ ،‬وتتألف من ثالثة كتب‪ :‬اهلل ‪ ،‬الرسول ‪ ،‬اإلسالم‪.‬‬

‫‪ .2‬سلسلة األساس في المنهج‪ ،‬وتتألف من ثالثة كتب‪( :‬األساس في التفسير)‪ ،‬و(األساس‬

‫السنة وفقهها)‪ ،‬و(األساس في قواعد المعرفة وضوابط الفهم للنصوص)‪.‬‬


‫في ّ‬

‫‪ .3‬سلسلة الفقهي ن الكبير واألكبر‪ ،‬وقد صدر منها‪( :‬جوالت في الفقهين الكبير واألكبر)‪،‬‬

‫الصديقين‬
‫ّ‬ ‫و(تربيتنا الروحية)‪ ،‬و(المستخلص في تزكية األنفس)‪ ،‬و(مذ ّكرات في منازل‬

‫انيين)‪.‬‬
‫والرّب ّ‬

‫‪ .1‬سلسلة في البناء‪ ،‬وقد صدر منها‪( :‬جند اهلل ثقافة وأخالقًا)‪ ،‬و(من أجل خطوة إلى األمام‬

‫البنا ‪ ،)‬و(دروس في العمل‬


‫على طريق الجهاد المبارك)‪ ،‬و(مدخل إلى دعوة حسن ّ‬

‫اإلسالمي)‪ ،‬و(فصول في اإلمرة واألمير)‪ ،‬و(في آفاق التعاليم)‪ ،‬و(هذه تجربتي وهذه‬

‫شهادتي)‪ ،‬ورسائل (كي ال نمضي بعيداً عن احتياجات العصر)‪.‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬كتاب األساس في التفسير‬

‫للتأمل الواسع في القرآن الكريم‬


‫ش ّكلت خلوة الزنزانة أثناء فترة اعتقال الشيخ فرصة عظيمة ّ‬

‫رسخت عنده نظريته في الوحدة القرآنية‪ ،‬والتي ش ّكلت األساس الذي بنى عليه تفسيره فيما بعد‬
‫ّ‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬هذه تجربتي وهذه شهادتي)‪،‬‬
‫انظر‪ :‬العقيل‪( ،‬من أعالم الدعوة والحركة اإلسالمية المعاصرة)‪ ،‬ص‪280-272‬؛ وانظر‪ّ :‬‬
‫ص‪.032-038‬‬

‫‪7‬‬
‫حوى يعطيها لنزالء السجن فيما بعد‪ ،‬كانت بداية اشتغاله في‬
‫فإن دروس التفسير التي كان ّ‬
‫كذلك ّ‬

‫ثم عكف على تبييضه أثناء‬


‫أقل من سنتين‪ّ ،‬‬
‫بقوة فأنجزه في ّ‬
‫تأليف التفسير‪ ،‬فعكف على كتابته ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫إقامته في األردن‪ ،‬واستغرق ذلك التبييض حوالي سنتين‪.‬‬

‫حوى في خاتمة تفسيره المصادر التي اعتمد عليها في تغذية تفسيره‪ ،‬وهي مصادر‬
‫ويذكر ّ‬

‫أما عن هذه المصادر فيقول ‪" :‬وقداعتمدت‬


‫محدودة لكونها رصيده الوحيد في ظلمات السجن‪ّ ،‬‬

‫أربعة تفاسير كأساس‪ :‬تفسير ابن كثير‪ ،‬وتفسير النسفي‪ ،‬وتفسير األلوسي‪ ،‬وتفسير الظالل‬

‫يفسر القرآن‬
‫أن فوائد هذه التفاسير هي أقصى ما يحتاجه القارئ العادي؛ فابن كثير ّ‬
‫واعتقدت ّ‬

‫أهميته‪ ،‬وقد كاد هذان التفسيران أن‬


‫الحرفي ّ‬
‫ّ‬ ‫بالقرآن‪ ،‬وبالمأثور في الغالب‪ ،‬والنسفي يعطي للمعنى‬

‫األول منهما‬
‫متأخران‪ّ ،‬‬
‫وسيد قطب تفسيران ّ‬
‫يستوعبا فوائد التفاسير التي سبقتهما‪ ،‬وتفسير األلوسي ّ‬

‫فسر القرآن بلغة العصر‪ ،‬وقد رأيت أّنه باعتمادي هذه‬


‫استوعب التفسير التقليدي‪ ،‬والثاني منهما ّ‬

‫مر‬
‫حد ما‪ -‬الفائدة من كتب التفاسير على ّ‬
‫التفاسير األربعة أكون قد استوعبت –إلى ّ‬

‫المادة المستقاة على ما له صلة مباشرة بفهم القرآن‬


‫ّ‬ ‫العصور"(‪ ،)2‬ويذكر أيضًا ّأنه اقتصر في‬

‫حوى في تفسيره محاولة إبراز خصائص القرآن الكريم‪ ،‬واالبتعاد‬


‫الكريم وتفهيمه؛ فكان من منهج ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫يهم القارئ غير المختص‪.‬‬
‫وكل ما ال ّ‬
‫عن الحشو‪ّ ،‬‬

‫وفي المقابل يمكن الوقوف على ما أضافه ‪ ‬وأبدعه في هذا التفسير من خالل ما ذكره‬

‫لكل عصر معطياته التي تفتح آفاق أهله على معان من‬
‫أيضًا في خاتمة تفسيره بقوله ‪ ":‬لقد كان ّ‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬هذه تجربتي وهذه شهادتي)‪ ،‬ص‪ 023-006‬و ص‪.033-032‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫حوى‪ ،‬سعيد بن ديب (ت ‪0282‬م)‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬دار السالم للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪0113 ،0‬ه‪-‬‬
‫ّ‬
‫‪0283‬م‪ 00 ،‬جزءاً‪ .‬ج‪ 00‬ص‪.6773‬‬

‫(‪)3‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 00‬ص‪ 6772‬وص‪.6771‬‬

‫‪8‬‬
‫كتاب اهلل ‪ ‬تحقيقاً لقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ‬

‫ﳇ ﱠ فصلت‪ ، ٣٥ :‬ولعصرنا معطياته الجديدة‪ ،‬ولقد حاولت أن أستفيد من ذلك ما استطعت‪ ،‬بما‬
‫ﳈ‬

‫تعسف"(‪ ،)1‬وفي مقام آخر‬


‫قدمه ألفاظه‪ ،‬فال تكلّف وال ّ‬
‫نصاً عن معناه أو مضمونه الذي تُ ّ‬
‫اليخرج ّ‬
‫ُ‬

‫يفسر‬
‫مفسر ّ‬
‫فكل ّ‬
‫المفسر من ثقافة عصره ينعكس على تفسيره للقرآن الكريم؛ ّ‬
‫ّ‬ ‫أن نصيب‬
‫حوى ّ‬
‫يبين ّ‬
‫ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫القرآن بثقافته من ثقافة عصره‪ ،‬وبقدر القصور في هذه الثقافة يقع الخطأ في التفسير‪.‬‬

‫حوى في تفسيره هو نظريته في الوحدة القرآنية‪ ،‬والتي قامت على قاعدة‬


‫ولع ّل أبرز ما أبدعه ّ‬

‫جامعة في شان ترتيب سور القرآن الكريم؛ فإبراز الوحدة القرآنية الجامعة‪ ،‬وابراز الوحدة في السورة‬

‫الواحدة هي أبرز أهداف هذا التفسير‪ ،‬كما ذكر في خاتمة تفسيره(‪ ،)3‬وفي صفحات هذا البحث‬

‫توضيح لبعض مالمح هذه النظرية‪.‬‬

‫ويبين ‪ّ ‬أنه قد أعطى موضوع التربية حقّه في هذا التفسير على قدر استطاعته‪ ،‬وقد حاول‬
‫ّ‬

‫العام‪ ،‬وكثير من الجزئيات ضمن إطارها الكلّي‪ ،‬وفي ثنايا هذا‬


‫وضع كثير من األمور ضمن إطارها ّ‬

‫البحث تجسيد وتوضيح لما سبق من خالل استقراء تفسير األساس‪ ،‬واهلل الموفّق والمستعان‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 00‬ص‪.6772‬‬
‫ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪.3013‬‬

‫(‪)3‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 00‬ص‪.6770‬‬

‫‪9‬‬
‫المطلب الخامس‪ :‬البيئة السياسية التي عاش فيها الشيخ‬

‫المهمة في تاريخ سورية؛ فقد شهد الصراع‬


‫ّ‬ ‫حوى في بيئة سياسية حافلة باألحداث‬
‫عاش ّ‬

‫السوري الفرنسي والذي انتهى بجالء الفرنسيين‪ ،‬وكان وقتذاك في حدود العاشرة من عمره(‪.)1‬‬

‫درج في المناصب داخل‬


‫حوى في كثير من أنشطة اإلخوان في حماة‪ ،‬وت ّ‬
‫كذلك شارك ّ‬

‫الحركة(‪ ،)2‬إلى أن ُحّلت جماعة اإلخوان بعد حصول الوحدة الثنائية بين مصر وسورية عام ثمان‬

‫ال أكثر‬
‫حوى على التصوف إقبا ً‬
‫وخمسين وتسعمائة وألف‪ ،‬وبسبب من فتور العمل السياسي‪ ،‬أقبل ّ‬

‫أي وقت مضى‪ ،‬وأصبح َمعينه ِحلق الذكر ومجالس العلم‪ ،‬وبعد االنفصال بين سورية‬
‫من ّ‬

‫مما سبق‪ ،‬بل كان‬


‫ومصر عام واحد وستين وتسعمائة وألف‪ ،‬أصبحت حركة اإلخوان تيا اًر أقوى ّ‬

‫اإلسالم هو المظهر األقوى في كل الميادين(‪.)3‬‬

‫(‪)4‬‬
‫عاماً‪ ،‬وسافر إلى‬
‫كان الشيخ ‪ ‬من أبرز قادة ثورة حماة ؛ فقد خاض إضرابًا طالبياً ّ‬

‫العام بح ّقه‬
‫ثم إلى األردن‪ ،‬ولبث فيها إلى أن صدر العفو ّ‬
‫العراق من أجل إمداد الثورة بالسالح‪ّ ،‬‬

‫وحق رفاقه‪ ،‬بعد أن صدر بح ّقه حكم اإلعدام غيابيًا‪ ،‬وكان ذلك بعد انتهاء األزمة بسبب االتفاق‬
‫ّ‬

‫مع النظام(‪.)5‬‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬هذه تجربتي وهذه شهادتي)‪ ،‬ص‪.03‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ثم عضوًا في مكتب اإلرشاد إلى أن استقال في عام‬
‫حوى في قيادة إخوان سورية‪ ،‬ثم صار عضوًا في مجلس شورى اإلخوان‪ّ ،‬‬ ‫شارك ّ‬
‫ثم انتُخب لرئاسة اللجنة االستشارية لمركز حماة التابع لإلخوان المسلمين‪ .‬انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.016-010‬‬
‫‪0281‬م‪ّ ،‬‬
‫(‪)3‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬الصفحات ‪ 32‬و ‪ 36‬و ‪ 17-10‬و‪.62‬‬

‫(‪)4‬‬
‫هي الثورة التي حدثت عام ‪0261‬م‪ ،‬قام بها أهل حماة –سياسيون ومتدينون ومثقفون‪ -‬نتيجة سياسات نظام الحكم بعد االنفصال‪.‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.62‬‬

‫(‪)5‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.76-71‬‬

‫‪11‬‬
‫فترة السجن‪:‬‬

‫المضادة لمسودة الدستور؛ فقد كان ‪ ‬صاحب فكرة‬


‫ّ‬ ‫كان للشيخ دور بارز في إنشاء الحركة‬

‫المضادين للدستور‪ ،‬واللّ َذين صد ار أخي اًر باسم علماء سورية كافّة بصياغة الشيخ‬
‫ّ‬ ‫البيان والفتوى‬

‫المضادة‬
‫ّ‬ ‫حوى حريصًا على أن يكون ذلك خفية؛ حتّى التأخذ الحركة‬
‫حبنكة ‪ ،‬وقد كان ّ‬
‫حسن ّ‬

‫المزة العسكري‬
‫طابعًا إخوانيًا‪ ،‬لكن رغم ذلك تم استجوابه من قبل المخابرات‪ ،‬فاعتُقل في سجن ّ‬

‫إعدام أصدره حافظ األسد‪ ،‬ثم تنازل فصار السجن مدى‬


‫ٌ‬ ‫وكان الحكم في حقّه في بداية األمر‬

‫الحياة‪ ،‬وأخي ًار بسبب ظروف انتخابه لفترة رئاسته الثانية أفرج عن الشيخ‪ ،‬وكان ذلك عام ثمان‬

‫(‪)1‬‬
‫وسبعين وتسعمائة وألف‪ ،‬وأصبحت األردن بلد اإلقامة‪.‬‬

‫حوى أن تكون عالقته مع إخوان األردن رسمية؛ لذلك كانت تلك العالقة ضعيفة‬
‫حرص ّ‬

‫جداً(‪ ،)2‬لكن بقي على اتّصال مع إخوان سوريا‪ ،‬وتن ّقل خالل هذه الفترة في عدد من األقطار‬
‫ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫‪ ،‬واجتمع كذلك ببعض قادة الثورة‬ ‫حيث سافر إلى باكستان؛ فالتقى بالشيخ المودودي‬

‫األفغانية‪ ،‬كذلك سافر إلى إيران واجتمع بالخميني‪ ،‬واجتمع بوزير الخارجية آنذاك إبراهيم يازدي‬

‫(‪)4‬‬
‫وكان الحديث حول مايريده اإلخوان من الثورة اإليرانية وما لها‪ ،‬وما عليها‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬هذه تجربتي وهذه شهادتي)‪ ،‬ص‪.008-018‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.033‬‬

‫(‪)3‬‬
‫العالمة أبو األعلى المودودي (‪0213‬م – ‪0272‬م)‪ ،‬ولد في والية حيدر آباد جنوبي الهند في بيت معروف بالعلم‬
‫هو المفكر ّ‬
‫والورع‪ ،‬من إنجازاته إصدار مجلة (ترجمان القرآن)‪ ،‬كذلك إنشاء (الجماعة اإلسالمية) في الهور‪ .‬انظر‪ :‬العقيل‪( ،‬من أعالم الدعوة‬
‫والحركة اإلسالمية المعاصرة)‪ ،‬ص‪.33-13‬‬

‫(‪)4‬‬
‫حوى‪( ،‬هذه تجربتي وهذه شهادتي)‪،‬‬
‫انظر‪ :‬العقيل‪( ،‬من أعالم الدعوة والحركة اإلسالمية المعاصرة)‪ ،‬ص‪282‬؛ وانظر‪ّ :‬‬
‫ص‪.037-036‬‬

‫‪11‬‬
‫المطلب السادس‪ :‬عزلة الشيخ االضطرارية ووفاته‬

‫تعددت أمراض الشيخ ‪ ‬فعانى من مرض السكري‪ ،‬ومرض الضغط‪ ،‬ومرض العيون‬
‫ّ‬

‫وتورم األقدام‪ ،‬ومرض الكلى‪ ،‬حتّى أُصيب بشيء من أعراض‬


‫ومرض القلب وتصلب الشرايين ّ‬

‫الشلل‪ ،‬وقد بدأ ذلك في آذار عام سبعة وثمانين وتسعمائة وألف؛ فدخل المستشفى على إثر ذلك‬

‫كل شيء‪ ،‬فنظّم حياته ‪ ‬على أساس من‬


‫ثم خرج منه‪ ،‬ونصحه األطباء باالعتزال الكلّي عن ّ‬
‫ّ‬

‫يعد يستطيع سواهما‪ ،‬النصيحة لزائره‪ ،‬ومتابعة‬


‫تمر في نوعين من العمل‪ ،‬لم ُ‬
‫هذه العزلة‪ ،‬فاس ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫التأليف‪.‬‬

‫وفي الرابع عشر من كانون األول من عام ثمانية وثمانين وتسعمائة وألف‪ ،‬دخل ‪ ‬في‬

‫غيبوبة لم يصح منها‪ ،‬حتّى توّفاه اهلل ‪ ‬ظهر يوم الخميس‪ ،‬في التاسع من آذار عام تسعة‬

‫(‪)2‬‬
‫عمان في األردن‪.‬‬
‫وثمانين وتسعمائة وألف‪ ،‬في المستشفى اإلسالمي في ّ‬

‫الصديقين والشهداء والصالحين‬


‫النبيين و ّ‬
‫ّ‬ ‫حوى‪ ،‬وجعله في جوار‬
‫رحم اهلل الشيخ سعيد ّ‬

‫وحسن أولئك رفيقًا‪.‬‬

‫حوى ‪ ،‬وسأتوّقف في هذه األطروحة مع‬


‫أهم محطّات حياة الشيخ سعيد ّ‬
‫وبعد‪ ،‬فهذه هي ّ‬
‫ُ‬

‫بعض جهوده التربوية من خالل توضيح مالمح منهجه التربوي في كتابه (األساس في التفسير)‪،‬‬

‫أتحدث في المبحث التالي عن المناهج التربوية المعاصرة‪ ،‬ويتلو ذلك في‬


‫وتمهيداً لهذا التوضيح‪ّ ،‬‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬هذه تجربتي وهذه شهادتي)‪ ،‬ص‪.038-037‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫انظر‪ :‬العقيل‪( ،‬من أعالم الدعوة والحركة اإلسالمية المعاصرة)‪ ،‬ص‪.286-283‬‬

‫‪12‬‬
‫المبحث الثالث حديث عن المنهج التربوي اإلسالمي؛ الستظهار مزيته على المناهج التربوية‬

‫األخرى‪ ،‬واهلل المستعان‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫المبحث الثاني‬

‫المنهج التربوي المعاصر‬

‫األول من هذا المبحث‬


‫أتطرق في المطلب ّ‬
‫تمهيداً للحديث عن المناهج التربوية المعاصرة‪ّ ،‬‬

‫أهمية المنهج التربوي‬


‫أتحدث عن ّ‬
‫ّ‬ ‫ثم‬
‫لتعريف المنهج التربوي من حيث اللغة واالصطالح‪ّ ،‬‬

‫وأهدافه في المنهج التربوي المعاصر وذلك في المطلب الثاني‪ ،‬وفي المطلب الثالث بيان مصادر‬

‫أتطرق أخي ًار للمناهج التربوية المعاصرة؛ وذلك من‬


‫اشتقاق األهداف التربوية عند علماء التربية‪ ،‬و ّ‬

‫خالل الحديث عن المدارس التربوية المعاصرة من حيث مناهجها ووسائلها وأهدافها‪ ،‬وذلك في‬

‫المطلب الرابع‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬تعريف المنهج التربوي‬

‫بد من اإلشارة إلى معنى‬


‫حد المنهج التربوي كما اصطلح عليه العلماء‪ ،‬ال ّ‬
‫قبل الوقوف على ّ‬

‫المنهج التربوي على ضوء وضعه اللغوي‪ ،‬وبعد الرجوع إلى المعاجم اللغوية وجدت اآلتي‪:‬‬

‫البين‪ ،‬وفي التنزيل قال تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲊ ﲋ ﲌ‬


‫المنهج (لغةً)‪ :‬هو الطريق الواضح ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫ﲎ ﱠ المائدة‪.٨٤ :‬‬
‫ﲏ‬ ‫ﲍ‬
‫التربية (لغةً)‪ :‬قال ابن منظور في لسان العرب‪" :‬رّباه تربيةً‪ ...‬أحسن القيام عليه َووليه حتّى‬

‫يفارق الطفولية"(‪.)2‬‬

‫(‪)1‬‬
‫انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬محمد بن مكرم بن منظور اإلفريقي (ت ‪700‬هد)‪( ،‬لسان العرب)‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪0101 ،3‬ه‪03 ،‬‬
‫محمد بن أبي بكر (ت‪666‬هد)‪( ،‬مختار الصحاح)‪ ،‬حقّقه يوسف الشيخ محمد‪ ،‬المكتبة العصرية‪،‬‬
‫جزءاً‪ .‬ج‪ 2‬ص‪383‬؛ وانظر‪ :‬الرازي‪ّ ،‬‬
‫بيروت‪ ،‬ط‪0222 ،3‬م‪ .‬ص‪.321‬‬

‫(‪)2‬‬
‫ابن منظور‪( ،‬لسان العرب)‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪.112‬‬

‫‪14‬‬
‫ي َغ ّذاه‪ ،‬و َه َذا لكل ما َي ْن ِمي كالوَل ِد و َّ‬
‫الزْرِع‬ ‫وقال الرازي في مختار الصحاح‪َ (" :‬ربَّاهُ تَْربَِيةً)‪ ...‬أَ ْ‬
‫َ‬

‫َوَن ْحوه"(‪.)1‬‬

‫البين‪ ،‬الذي يتم‬


‫و بناء على ما سبق يمكن تعريف المنهج التربوي بـ ‪" :‬الطريق الواضح ّ‬

‫سلوكه في عملية الوالية والقيام على شؤون الصغير وتغذيته حتّى يغادر مرحلة الطفولة"‬

‫وبهذا المعنى اشتمل المنهج التربوي على عناصر هي‪ :‬معلم‪ ،‬ومتعلم لم يتجاوز مرحلة الطفولة‬

‫وح ْسن قيام واضحة‪.‬‬


‫وعملية تغذية ووالية ُ‬

‫أما في االصطالح‪:‬‬
‫ّ‬

‫مما وجدته في بيان المنهج التربوي‪ّ :‬أنه النهج الذي يجب أن ُيتّبع لبلوغ األهداف التربوية‬
‫ّ‬

‫التي تتطلع المدرسة إلى تحقيقها(‪ ،)2‬والمالحظ على هذا التعريف توقّف تعريف (المنهج التربوي)‬

‫على نفسه‪ ،‬وهذا ال يجوز؛ ألنه َد ْوٌر‪.‬‬

‫وقد رجعت في الوقوف على المعنى االصطالحي للمصادر التربوية‪ ،‬فالحظت التعريفات‬

‫تنوعها تربط المنهج التربوي بد "المدرسة"‪ ،‬كذلك وجدت مفهومين أحدهما تقليدي وآخر‬
‫على ّ‬

‫تدرس في المدارس(‪ ،)3‬أما المفهوم‬


‫حديث‪ ،‬ويقتصر المفهوم التقليدي على المقررات الد ارسية التي ّ‬

‫الحديث للمنهج التربوي فهو‪:‬‬

‫(‪)1‬‬
‫الرازي‪( ،‬مختار الصحاح)‪ ،‬ص‪.007‬‬

‫(‪)2‬‬
‫قالدة‪ ،‬فؤاد سليمان‪( ،‬أساسيات المناهج في التعليم النظامي وتعليم الكبار)‪ ،‬دار المطبوعات الجديدة للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬ط‬
‫بدون‪0276 ،‬م‪ .‬ص‪8‬؛ أبو حويج‪ ،‬مروان‪( ،‬المناهج التربوية المعاصرة (مفاهيمها‪ .‬عناصرها‪.‬أسسها وعملياتها))‪ ،‬دار الثقافة‪،‬‬
‫األردن‪ ،‬ط بدون‪2116 ،‬م‪ .‬ص‪.73‬‬

‫(‪)3‬‬
‫انظر‪ :‬أبا حويج‪( ،‬المناهج التربوية المعاصرة)‪ ،‬ص‪.76‬‬

‫‪15‬‬
‫يمرون فيها‪ ،‬تحت‬
‫"جميع أنواع النشاط التي يقوم التالميذ بها‪ ،‬أو جميع الخبرات التي ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫وع ّرف‬
‫إشراف المدرسة وبتوجيه منها‪ ،‬سواء أكان ذلك في داخل أبنية المدرسة أو في خارجها" ‪ُ ،‬‬

‫الفنية والعلمية‪ ...‬إلخ‪ ،‬التي‬


‫بأنه "مجموع الخبرات التربوية االجتماعية والثقافية والرياضية و ّ‬
‫أيضاً ّ‬

‫وتهيئها لتالميذها؛ ليقوموا بتعلّمها داخل المدرسة أو خارجها‪ ،‬بهدف إكسابهم‬


‫تخطّطها المدرسة ّ‬

‫أنماطًا من السلوك‪ ،‬أو تعديل أو تغيير أنماط أخرى من السلوك نحو االتّجاه المرغوب‪ ،‬ومن‬

‫مما يساعدهم في إتمام‬


‫خالل ممارساتهم لجميع األنشطة الالزمة والمصاحبة تعّلم تلك الخبرات ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫نموهم"‪.‬‬

‫موازنة بين المفهومين‪:‬‬

‫أن المفهوم التقليدي يربط المنهج التربوي‬


‫وجدت ّ‬
‫ُ‬ ‫تأمل مضمون المفهومين‬
‫من خالل ّ‬

‫وسع الدائرة‪ ،‬بل‬


‫أما المفهوم الحديث فقد ّ‬
‫بالمقررات الدراسية التي يتعلمها التالميذ في مدارسهم‪ّ ،‬‬
‫ّ‬

‫المقررات الدراسية"‪ ،‬وقد‬


‫رّكز على الخبرات والمهارات التي يكتسبها التالميذ‪ ،‬ولم تكد تُذ َكر كلمة " ّ‬

‫صرح بهدف المنهج التربوي الحديث الذي‬


‫ظهر ذلك بشكل واضح في التعريف الثاني؛ حيث ّ‬

‫تمحور حول السلوك من حيث االكتساب أو التعديل أو التغيير إلى الشكل المرغوب فيه‪ ،‬فكان‬

‫(‪)3‬‬
‫بقوله‪:‬‬ ‫السلوك هو محطّ النظر في العملية التربوية‪ ،‬وقد أشار إلى هذا المعنى بعض العلماء‬

‫(‪)1‬‬
‫إبراهيم‪ ،‬عبد اللطيف فؤاد‪( ،‬المناهج (أسسها وتنظيماتها وتقويم أثرها))‪ ،‬مكتبة مصر‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪0281 ،6‬م‪ .‬ص‪.38‬‬

‫(‪)2‬‬
‫قالدة‪( ،‬أساسيات المناهج في التعليم النظامي وتعليم الكبار)‪ ،‬ص‪.00‬‬
‫( ‪)3‬‬
‫ي‪.‬‬
‫أشار إلى ذلك أبو حويج أثناء حديثه عن المبادئ المتضمّنة في المفهوم الحديث للمنهج التربو ّ‬

‫‪16‬‬
‫إن القيمة الحقيقية للمعلومات التي يدرسها التالميذ‪ ،‬والمهارات التي يكتسبونها‪ ،‬تتوقّف على‬
‫"ّ‬

‫مدى استخدامهم لها‪ ،‬وافادتهم منها في المواقف الحياتية المختلفة"(‪.)1‬‬

‫أسباب االنتقال من المفهوم التقليدي إلى المفهوم الحديث‪:‬‬

‫أدت إلى االنتقال من المفهوم التقليدي إلى الحديث‪ ،‬من‬


‫إن هناك مجموعة من العوامل التي ّ‬
‫ّ‬

‫ذلك(‪:)2‬‬

‫غير الكثير من‬


‫التطور العلمي والتكنولوجي‪ ،‬والذي ّ‬
‫ّ‬ ‫التغير الثقافي الناشئ عن‬
‫ّ‬ ‫‪.0‬‬

‫المفهومات والقيم االجتماعية‪.‬‬

‫التغير الذي ط أر على أهداف التربية‪ ،‬وعلى النظرة إلى وظيفة المدرسة؛ وذلك لما ط أر‬
‫ّ‬ ‫‪.2‬‬

‫من متغيرات على احتياجات المجتمع في العصر الحديث‪.‬‬

‫‪ .3‬القصور الجوهري في المنهج التقليدي وفي مفهومه‪ ،‬والذي أظهرته نتائج البحوث‬

‫العلمية‪.‬‬

‫نمو المتعلم‪ ،‬وحاجاته‪ ،‬وميوله‬


‫مما يتعلق بخصائص ّ‬
‫‪ .1‬دراسات تربوية كشفت الكثير ّ‬

‫واتجاهاته‪ ،‬وقدراته‪ ،‬ومهاراته‪ ،‬واستعداداته‪ ،‬كذلك أظهرت ّأنه من غير الممكن تنمية‬

‫ككل عن طريق التركيز على جانب واحد كالجانب المعرفي‪.‬‬


‫الشخصية ّ‬

‫‪ .3‬طبيعة المنهج التربوي نفسه‪ ،‬حيث ّإنه يتأثر بالتلميذ والبيئة والمجتمع والثقافة والنظريات‬

‫متغيرة أو متأثّرة بما هو متغير‪.‬‬


‫التربوية‪ ،‬وجميعها عوامل ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫أبو حويج‪( ،‬المناهج التربوية المعاصرة)‪ ،‬ص‪.86‬‬

‫(‪)2‬‬
‫انظر‪ :‬أبا حويج‪( ،‬المناهج التربوية المعاصرة)‪ ،‬ص‪.81-72‬‬

‫‪17‬‬
‫بأن جميع األسباب تندرج تحت السبب‬
‫وبعد النظر في األسباب السابقة يمكن القول ّ‬

‫تغير العوامل المؤثرة بالمنهج التربوي تخلق الحاجة لتطويره‪.‬‬


‫الخامس؛ إذ إن ّ‬

‫أهمية المنهج التربوي وأهدافه‬


‫المطلب الثاني‪ّ :‬‬

‫األهم لتحقيق أهداف المجتمع‪ ،‬وهذا يكشف عن العالقة بين أهداف‬


‫ّ‬ ‫تُعتبر التربيةُ الوسيل َة‬

‫العملية التربوية وأهداف المجتمع؛ فأهداف التربية مشت ّقة من أهداف المجتمع‪ ،‬وتتّسق معها‬

‫فتختلف األهداف من مجتمع إلى آخر باختالف الفلسفة السائدة في ذلك المجتمع؛ فأهداف‬

‫المجتمع الرأسمالي تختلف عن أهداف المجتمع االشتراكي على سبيل المثال؛ فالتربية إذن تسعى‬

‫أهم وسيلة للتربية في‬


‫التكيف مع البيئة والمجتمع‪ ،‬و ّ‬
‫إلعداد األفراد إعداداً متكامالً يم ّكنهم من ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫تحقيق أهدافها هي المدرسة بمراحلها الثالث‪.‬‬

‫ويتم تحقيق أهداف العملية التربوية من خالل خطو ٍ‬


‫ات تش ّكل المنهج التربوي‪ ،‬ويقصد‬ ‫ّ‬

‫باألهداف التربوية‪ :‬الطرق التي ستؤدي إلى التغيير في تفكير المتعّلم وسلوكه كنتيجة لعملية‬

‫(‪)2‬‬
‫أهمية المنهج التربوي في كونه الوسيلة لتحقيق الغايات التربوية على‬
‫التعلّم ‪ ،‬ومن هنا تظهر ّ‬

‫تحدد شكل المنهج؛ فالتعليم يستهدف تغيير األفراد على‬


‫إن هذه الغايات هي التي ّ‬
‫تنوعها‪ ،‬بل ّ‬
‫ّ‬

‫معينة‬
‫إما بإضافة م عرفة إلى ما لديهم من معرفة‪ ،‬أو تمكينهم من آداء مهارات ّ‬
‫نحو ما‪ ،‬وذلك ّ‬

‫انظر‪ :‬محمّد المفتي‪ ،‬حلمي الوكيل‪( ،‬أسس بناء المناهج وتنظيماتها)‪ ،‬مطبعة حسان‪0282 ،‬م‪ .‬ص‪143‬‬
‫( ‪)1‬‬

‫(‪)2‬‬
‫انظر‪ :‬بلوم‪ ،‬بنجامين وآخرين‪( ،‬نظام تصنيف األهداف التربوية)‪ ،‬ترجمة‪ :‬محمد الخوالدة وصادق عودة‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬جدة‪ ،‬ط‪،0‬‬
‫عمان‪ ،‬ط‪0283 ،0‬م‪ .‬ص‪.010‬‬
‫‪0283‬م‪ .‬ص‪18‬؛ صالح هندي‪ ،‬هشام عليان‪( ،‬دراسات في المناهج واألساليب)‪ّ ،‬‬
‫‪18‬‬
‫معينة‪ ،‬أو فَ ْهم واستبصار وتذوق‬
‫في مجال من المجاالت‪ ،‬أو مساعدتهم على تنمية مفهومات ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫معين‪.‬‬
‫ّ‬

‫أهمية األهداف‬
‫وخاصة؛ وتبرز ّ‬
‫ّ‬ ‫عامة‬
‫صنف العلماء التربويون األهداف التربوية إلى ّ‬
‫وقد ّ‬

‫تحدد الغايات العريضة للتعليم‬


‫عملية التربية‪ ،‬و ّ‬
‫ّ‬ ‫العامة من خالل كونها تمثّل الغاية النهائية من‬
‫ّ‬

‫أما‬ ‫َّ‬
‫تقدم دليالً لما ُيركز عليه في البرنامج التعليمي‪ّ ،‬‬
‫فإنها ّ‬
‫مثل‪ :‬إعادة بناء المجتمع‪ ،‬كذلك ّ‬

‫عامة‪ ،‬وتصف السلوك المراد إكسابه للفرد‬


‫فإنها تصف نتائج التعليم بصفة ّ‬
‫خاصة؛ ّ‬
‫األهداف ال ّ‬

‫ال يساعد‬
‫وتقدم دلي ً‬
‫تبين الجوانب التي يجب التأكيد عليها في المنهج‪ّ ،‬‬
‫أهميتها في كونها ّ‬
‫وتتمثّل ّ‬

‫العامة من خالل تحليلها‬


‫ّ‬ ‫فإنها تساعد في تحقيق األهداف‬
‫في اختيار الخبرات التعليمية‪ ،‬كذلك ّ‬

‫إلى أهداف قريبة‪ ،‬وصيغ سلوكية يسهل تحديدها(‪ ،)2‬واألهداف السلوكية هي(‪:)3‬‬

‫المعرفة‪ ،‬معرفة الحقائق واالفكار والمفاهيم‪ ،‬ويتناول هذا الهدف‬ ‫‪.0‬‬

‫التذكر‪ ،‬واسترجاع الحقائق واألفكار‪.‬‬

‫التفكير‪ ،‬والمقصود به تعّلم التفكير الناقد‪ ،‬ويشتمل هذا الهدف على‬ ‫‪.2‬‬

‫ثالث مسائل‪ ،‬هي‪ :‬تفسير البيانات‪ ،‬وتطبيق الحقائق والمبادئ‪ ،‬والتفكير المنطقي‪.‬‬

‫مهتمين بأغراض‬
‫أهم مجاالت األهداف لل ّ‬
‫االتجاهات والقيم‪ ،‬وهي من ّ‬ ‫‪.3‬‬

‫التحليل االجتماعي وبالحاجات الثقافية المعاصرة‪.‬‬

‫انظر‪ :‬يحيى هندام‪ ،‬جابر جابر‪( ،‬المناهج‪ ،‬أسسها‪ ،‬تخطيطها‪ ،‬تقويمها)‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪0283 ،7‬م‪ .‬ص‪020‬؛‬
‫( ‪)1‬‬

‫هندي وعليان‪( ،‬دراسات في المناهج واألساليب)‪ ،‬ص‪.010‬‬

‫(‪ )2‬انظر‪ :‬أبا حويج‪( ،‬المناهج التربوية المعاصرة)‪ ،‬ص‪00‬؛ هندي وعليان‪( ،‬دراسات في المناهج واألساليب)‪ ،‬ص‪.012-010‬‬

‫(‪ )3‬انظر‪ :‬هندام‪ ،‬وجابر‪( ،‬المناهج‪ ،‬أسسها‪ ،‬تخطيطها‪ ،‬تقويمها)‪ ،‬ص‪.037-036‬‬

‫‪19‬‬
‫المهارات‪ :‬وتشمل المهارات األكاديمية األساسية كالقراءة والكتابة‪،‬‬ ‫‪.1‬‬

‫حتّى مهارات المواطنة والديموقراطية والتعايش والحياة االجتماعية‪.‬‬

‫وخالصة األمر تتجلّى في كون الهدف التربوي النتيجة النهائية لتعليم ناجح‪ ،‬وهو محصلة تشير‬

‫ال وأعطى ثماره عند المتعلم(‪ ،)1‬وذلك بتعديل أنماط سلوكية عند‬
‫إلى أن التعليم قد أخذ مكانه فع ً‬

‫المتعلم ال تتفق مع العملية التربوية‪ ،‬أو خلق أنماط سلوكية عنده(‪.)2‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬مصادر اشتقاق األهداف التربوية عند علماء التربية‪:‬‬

‫أن األهداف التربوية يمكن اشتقاقها من المصادر التالية(‪:)3‬‬


‫يرى علماء التربية ّ‬

‫ِ‬
‫المعتبِرة للقيم الجوهرية الالزمة لتحقيق حياة َم ْرضية ّ‬
‫وفعالة؛ فتكون‬ ‫‪ .0‬المجتمع وفلسفته التربوية ُ‬

‫وظيفة البرنامج التربوي تحقيق األهداف التي أوحت بها تلك القيم‪ ،‬من خالل إيجاد أنماط سلوكية‬

‫تح ّقق غايات تلك القيم‪.‬‬

‫‪ .2‬التراث الثقافي‪ ،‬وما يسوده من قيم واتّجاهات‪ ،‬وما هو عليه من حضارة وفن وفكر وأدب‪.‬‬

‫فإن التربية فيه‬


‫عادة مع فلسفة المجتمع؛ فإذا كان المجتمع ديمقراطيًا‪ّ ،‬‬
‫ً‬ ‫‪ .3‬فلسفة التربية‪ ،‬وهي تتّسق‬

‫تقوم فيه تقوم على مبادئ الديمقراطية من احترام شخصية الفرد‪ ،‬وحريته‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫أبو حويج‪( ،‬المناهج التربوية المعاصرة)‪ ،‬ص‪.00‬‬

‫(‪)2‬‬
‫انظر‪ :‬عبد المجيد منصور‪ ،‬محمد التويجري‪ ،‬إسماعيل الفقي‪( ،‬علم النفس التربوي) ‪،‬مكتبة العبيكان‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط‪2111 ،3‬م‪.‬‬
‫ص‪.77‬‬

‫(‪)3‬‬
‫انظر‪ :‬أبا حويج‪( ،‬المناهج التربوية المعاصرة)‪ ،‬ص‪21-02‬؛ هندي وعليان‪ ( ،‬دراسات في المناهج واألساليب)‪ ،‬ص‪013‬؛ هندام‬
‫وجابر‪( ،‬المناهج‪ ،‬أسسها‪ ،‬تخطيطها‪ ،‬تقويمها)‪ ،‬ص‪022-020‬؛ المفتي والوكيل‪( ،‬أسس بناء المناهج وتنظيماتها)‪.016-013 ،‬‬

‫‪21‬‬
‫‪ .1‬قدرات المتعلّم واستعداداته وميوله ودوافعه‪ ،‬ومستوى إدراكه العقلي‪ ،‬إضافة إلى اإلطار‬

‫االجتماعي الذي يحيط به ويش ّكل حياته وسلوكه‪.‬‬

‫‪ .3‬أشكال المعرفة والحياة المعاصرة‪ ،‬ويقصد بذلك التطور العلمي والتكنولوجي‪ ،‬والمشكالت الناجمة‬

‫عن ذلك‪.‬‬

‫المتخصصين في المواد الدراسية؛ فهُم الذين يكتبون الكتب المدرسية عادة‪.‬‬


‫ّ‬ ‫‪ .6‬وجهات نظر‬

‫‪ .7‬استخدام سيكولوجية التعلّم؛ ألهميتها في تمييز األهداف ممكنة التحقيق‪ ،‬واألهداف التي تتطلب‬

‫ال‪ ،‬وأخي ًار المستحيلة الوصول‪.‬‬


‫وقتًا طوي ً‬

‫المطلب الرابع‪ :‬المدارس التربوية المعاصرة بين المنهج والوسيلة والهدف‬

‫يرّكز علماء التربية في تصنيفهم للمدارس التربوية المعاصرة على الفلسفات التي لها شأن‬

‫األول في العملية‬
‫تحتل "المركز ّ‬
‫ّ‬ ‫في مجال التربية على وجه الخصوص‪ ،‬حيث إ ّن فلسفة التربية‬

‫التربوية‪ ،‬ومن هذه الفلسفة تنبثق أهداف التربية ومناهجها ومؤسساتها وطرقها ووسائلها في التعليم‬

‫والتقويم‪...‬؛ لذلك تتأثّر األهداف والمناهج والت طبيقات التربوية بفلسفة التربية التي تنبثق عنها‬

‫(‪)1‬‬
‫تعددت‬
‫وتكون نسبة الصواب والفاعلية فيها بالقدر الذي يكون في فلسفة التربية نفسها" ‪ ،‬وقد ّ‬

‫ألهمها‪:‬‬
‫الفلسفات البشرية التي اُعتمد عليها في صياغة المناهج التربوية المعاصرة‪ ،‬وهنا موجز ّ‬

‫أن العقل أو الروح هو العالم الحقيقي‪ ،‬وما سوى ذلك ال وجود له إال‬
‫‪ .0‬المثالية‪ :‬فلسفة مفادها ّ‬

‫فإن المنهج التربوي بناء على هذه الفلسفة ال‬


‫المثُل؛ لذا ّ‬
‫بمقدار إدراك العقل له‪ ،‬واقترابه من عالم ُ‬

‫بد من أن يشتمل على المواد الدراسية النظرية التي تساعد على النمو العقلي‪ ،‬ويستبعد المواد‬
‫ّ‬
‫( ‪)1‬‬
‫الكيالني‪ ،‬ماجد عرسان (ت‪2115‬م)‪( ،‬فلسفة التربية اإلسالمية)‪ ،‬دار المنارة‪ ،‬السعودية‪ ،‬ط‪1417 ،1‬ه‪1987-‬م‪ .‬ص‪.14‬‬

‫‪21‬‬
‫الماد ي‪ ،‬كذلك من سمات هذا المنهج الحفاظ على‬
‫ّ‬ ‫ألنها مرتبطة بالعالم‬
‫التطبيقية والتجريبية؛ ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫أما التلميذ فقد ال يكون له وزن على اإلطالق‪.‬‬
‫التراث المعرفي‪ ،‬وتمجيد المعّلم‪ّ ،‬‬

‫ألنهم أقدر‬
‫أما عن هدف التربية بناء على هذه الفلسفة فهو الكشف عن الفالسفة والحكماء؛ ّ‬
‫ّ‬

‫الناس على فهم إرادة اهلل‪ ،‬وأكثرهم قدرة على نشر العدالة وتطبيقها‪ ،‬كذلك تهدف إلى إعداد‬

‫ألنه َمدين‬
‫اإلنسان الصالح وتحقيق ذاته‪ ،‬ويتوّقف األخير على مقدار فعاليته في مجتمعه؛ ّ‬

‫للمجتمع بكامل والئه‪ ،‬والدولة أضخم من أي فرد فيها‪ ،‬ومع إيمان أصحاب هذا المذهب بالتشابه‬

‫أن وظيفة الفرد تختلف من مجتمع آلخر‪ ،‬فالهدف‬


‫كل مكان‪ ،‬إال ّأنهم يرون ّ‬
‫التام بين البشر في ّ‬
‫ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫تحسين اإلنسان كإنسان‪ ،‬وذلك خاضع لظروف مجتمعه الذي يعيش فيه‪.‬‬

‫المادي المحسوس‬
‫همشت المثالية ما سوى العقل والروح‪ ،‬آمنت الواقعية بالواقع ّ‬
‫‪ .2‬الواقعية‪ :‬في حين ّ‬

‫المادة وتابعان لها‪ ،‬والحقيقة‬


‫المثُل؛ فالعقل ونشاطه نابعان من ّ‬
‫أقرت بوجوده المستقل عن العقل و ُ‬
‫وّ‬

‫فإن المنهج التربوي بناء على‬


‫هي الواقع‪ ،‬ومعيار صدق الحقيقة هو مدى انطباقها على الواقع؛ لذا ّ‬

‫فيستمد من حاجة المتعلم‬


‫كل ما هو موجود في العالم الواقعي‪ُ ،‬‬
‫بد أن يشتمل على ّ‬
‫هذه الفلسفة ال ّ‬

‫وتحدياته؛ فيشتمل على العلوم النظرية والعملية معاً‪ ،‬والعقل العملي‬


‫ّ‬ ‫ومطالبه‪ ،‬ومن واقع المجتمع‬

‫هو الذي يضبط السلوك ويوجه القيم األخالقية‪ ،‬والتي تتغير من مجتمع آلخر‪ ،‬فما هو خير في‬

‫مجتمع‪ ،‬قد يكون ش ًار في مجتمع آخر‪ ،‬فثقافة الناس –عند الواقعيين‪ -‬هي التي تضع للقيم‬

‫(‪)1‬‬
‫انظر‪ :‬شبل بدران‪ ،‬وفاروق محفوظ‪( ،‬أسس التربية)‪ ،‬دار المعرفة الجامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬ط‪0223 ،0‬م‪ .‬ص‪.070‬‬

‫(‪ )2‬انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪087-083‬؛ وانظر‪ :‬الحاج محمد‪ ،‬أحمد علي‪( ،‬في فلسفة التربية نظرياً وتطبيقياً)‪ ،‬دار المناهج‪،‬‬
‫عمان‪ ،‬ط‪ .2112 ،0‬ص‪.71‬‬ ‫ّ‬

‫‪22‬‬
‫أهم أهداف هذه الفلسفة‬
‫المقاييس‪ ،‬ومع ذلك هناك قيم إنسانية متّفق عليها رغم االختالف الفكري‪ ،‬و ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫تنمية شخصية اإلنسان من جميع جوانبها وفقًا ألبعاد حياة المجتمع وأنشطته‪.‬‬

‫‪ .3‬البرجماتية‪ :‬ترى وجوب النظر إلى النشاط اإلنساني نظرة متكامل ة تجمع بين العقل والجسم والبيئة‬

‫بأن الطبيعة والمجتمع غير محدودين‪ ،‬وناقصين‬


‫أن كل نشاط يسلم ّ‬
‫والمفاد العام لهذه الفلسفة ّ‬

‫لحل المشكالت‬
‫أساساً‪ ،‬وهما في حاجة إلى تحسين‪ ،‬واإليمان والتجربة هما مصدر المعرفة ّ‬

‫يجدد‬
‫أهم وسيلة ّ‬
‫واصالح المجتمع‪ ،‬وال تؤمن بالدين السماوي‪ ،‬وتعتبر البرجماتيةُ التربي َة أخطر و ّ‬

‫بها المجتمع نفسه؛ فاإلصالح المجتمعي متوّقف على اإلصالح التربوي‪ ،‬والقيم األخالقية في‬

‫المجتمع البرجماتي نسبية متغيرة‪ ،‬ال تنبع من الذات واّنما تكتسب عن طريق الخبرة‪ ،‬وهي في حد‬

‫ذاتها وسيلة لمساعدة الفرد على النمو‪ ،‬فالتجربة العملية هي التي تثبت صدق القيمة األخالقية‬

‫ال‪ -‬ال يعتبر قوة إال بعد التح ّقق منه عن طريق التجارب‪ ،‬فقيمة أي أمر في المجتمع‬
‫فالصدق –مث ً‬

‫أما عن المنهج التربوي الذي ترتئيه البرجماتية فهو منهج ال‬


‫البرجماتي متوّقفة على نفعه الفوري‪ّ ،‬‬

‫بأن الطفل محور العملية التربوية‪ ،‬فهو يقوم على نشاطات‬


‫يؤمن بمواد دراسية معينة‪ ،‬واّنما يؤمن ّ‬

‫الطفل وخبراته كما هي في الواقع‪ ،‬فال مدرسة وجدت للطفل وليس العكس‪ ،‬وتهدف البرجماتية إلى‬

‫ألن التربية هي الحياة‪ ،‬والحياة‬


‫المستمر؛ ّ‬
‫ّ‬ ‫تغيرهم‬
‫التكيف والمواءمة بين الفرد وبيئته ومجتمعه في ّ‬
‫ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫مستمدة من الفلسفة الدارونية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫التغير هذه‬
‫مستمر‪ ،‬وفلسفة ّ‬
‫ّ‬ ‫تغير‬
‫في ّ‬

‫(‪)1‬‬
‫محمد‪( ،‬في فلسفة التربية نظرياً وتطبيقياً)‪ ،‬ص‪ 72‬وص‪.87‬‬
‫انظر‪ :‬الحاج ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫محمد‪( ،‬في فلسفة التربية نظرياً وتطبيقياً)‪ ،‬ص‪-82‬‬
‫انظر‪ :‬بدران و محفوظ‪( ،‬أسس التربية)‪ ،‬ص ‪231-227‬؛ وانظر‪ :‬الحاج ّ‬
‫أن األشكال‬
‫التغير‪ ،‬حيث يرى دارون ّ‬‫‪010‬؛ كان ألفكار دارون أثر كبير في تشكيل الفلسفة البرجماتية‪ ،‬السيما فيما يتعلق بجانب ّ‬
‫التغير لكل األشكال المؤثرة للحياة‪ ،‬فاإلنسان‬
‫يتضمن استم اررية ّ‬
‫ّ‬ ‫التغير المستمر‪ ،‬وهذا‬
‫المختلفة للحياة كانت نتاج عصور طويلة من ّ‬
‫مثالً نتيجة التطور‪ .‬انظر‪ :‬بدران و محفوظ‪( ،‬أسس التربية)‪ ،‬ص ‪.233‬‬

‫‪23‬‬
‫‪ .1‬الوجودية‪ :‬هناك خالف كبير بين فالسفة الوجودية حول منهج وطريقة هذا المذهب‪ ،‬لكن يلتقي‬

‫ق ماهيته؛ ألن الماهية نتيجة الوجود‬


‫أن وجوده َسَب َ‬
‫أن اإلنسان هو محور التفكير‪ ،‬و ّ‬
‫الجميع على ّ‬

‫حر‪ ،‬ومختار‪ ،‬ومسؤول‪ ،‬وأمره كلّه بيده‬


‫كل فرد له عالمه الخاص‪ ،‬وهو ّ‬
‫كذلك يرى الوجوديون أن ّ‬

‫فهو الذي يختار طبيعته اإلنسانية وصف اته‪ ،‬والقيم األخالقية في المجتمع الوجودي قيم نسبية‬

‫العامة للمنهج التربوي‬


‫أما عن المالمح ّ‬
‫متغيرة من فرد إلى آخر‪ ،‬بسبب اختالف اختيارات األفراد‪ّ ،‬‬

‫فإن الوجوديين يؤمنون بالتربية الفردية‪ ،‬فالفرد مركز العملية التعليمية؛ لذا يجب أال يكون هناك‬
‫ّ‬

‫أهم من المنهج –السيما في المرحلة الثانوية‬


‫محدد يفرض على المتعلم؛ فالمتعلّم ّ‬
‫ّ‬ ‫منهج‬

‫إن المعلّم يجب أن يكون فوق العقل وفوق المدرسة‬


‫والجامعية‪ ،-‬وهي بذلك ال تغفل المعلّم‪ ،‬بل ّ‬

‫البد من إلمام الطالب باإلنسانيات –في الدرجة األولى‪ -‬حتّى يفهم العالم الذي يعيش فيه‬
‫كذلك ّ‬

‫الحر للتلميذ‪ ،‬ليقوم بأعمال حيوية‪ ،‬لتحقيق‬


‫وهدف المنهج التربوي حسب الوجودي هو إيجاد الجو ّ‬

‫ذاتيته‪ ،‬غير معتبر للدين وللقيم األخالقية والمجتمع(‪ ،)1‬وفي هذا شذوذ فكري شديد؛ فاإلنسان بناء‬

‫يحدد غايته من هذا الوجود ‪ ،‬وهذه المسألة من أخطر المسائل التي‬


‫على هذه الفلسفة هو من ّ‬

‫الشر؟!‪.‬‬
‫ترتبط بحياة البشر‪ ،‬فكيف ُيناط تقريرها بالمخلوق القاصر عن إدراك الخير و ّ‬

‫وبعد هذا العرض السريع ألهم مالمح الفلسفات التربوية المعاصرة‪ ،‬يمكن مالحظة اآلتي‪:‬‬

‫كل فلسفة من الفلسفات جاءت كمحاولة لجبر نقص أو إصالح خلل أو نقض ما هو‬
‫إن ّ‬
‫ّ‬

‫قائم في فلسفة سابقة‪ ،‬ففي حين رّكزت المثالية على روح اإلنسان وتجاهلت العالم المادي‪ ،‬وآمنت‬

‫بأن عقل اإلنسان مصدر المعرفة الخالص‪ ،‬وأ ّكدت على مكانة المعلّم والمجتمع والقيم األخالقية‬
‫ّ‬

‫حية بيولوجية‪ ،‬والعقل تابع للمادة‪ ،‬ومصدر‬


‫مادة ّ‬
‫مادية ترى اإلنسان ّ‬
‫جاءت الواقعية كفلسفة ّ‬

‫(‪)1‬‬
‫انظر‪ :‬بدران و محفوظ‪( ،‬أسس التربية)‪ ،‬ص‪272-233‬؛ وانظر‪( :‬في فلسفة التربية)‪ ،‬ص‪.032-028‬‬

‫‪24‬‬
‫المعرفة واألخال ق هو الواقع المجتمعي‪ ،‬وبين هذين الطرفين في النظرة إلى اإلنسان‪ ،‬ظهرت‬

‫نظرة برجماتية تنظر إلى النشاط اإلنساني نظرة تمزج بين العقل والجسم والبيئة‪ ،‬وترفض الجانب‬

‫إن النظرة المادية كانت هي الغالبة‪ ،‬فمصدر المعرفة هو اإليمان والتجربة –ولم‬
‫الروحي‪ ،‬إال ّ‬

‫أتوصل إلى مقصود اإليمان عندهم في حدود بحثي‪ ،-‬والقيم األخالقية نسبية متغيرة تحددها‬
‫ّ‬

‫مادية أكثر من الواقعية في قياسها لألمور بمقياس النفع الفوري حتّى للقيم‬
‫التجربة‪ ،‬بل كانت ّ‬

‫ولألخالق‪ ،‬وفي هذا شذوذ فكري شديد " فصدق القضايا العلمية واألخالقية ليس محصو ًار فيما‬

‫تترجمه هذه ا لقضايا من آثار عملية في دنيا الواقع والعمل الناتج‪ ،‬فقد آمنت اإلنسانية على مر‬

‫عما‬
‫العصور بمفهومات أخالقية كثيرة –وعلى الرغم من إيمانها المطلق بها‪ -‬لم تحاول أن تبحث ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫لها من آثار عملية"(‪ ،)1‬وأخي ًار جاءت الوجودية في قمة الصرح الفلسفي في القرن العشرين‬

‫معتبرة عقل اإلنسان وجسمه‪ ،‬مطلقة العنان لحرية اإلنسان في االختيار‪ ،‬دونما اعتبار لدين أو‬

‫مبادئ أو مجتمع‪ ،‬فتجربة اإلنسان مصدر المعرفة‪ ،‬وهي مصدر األخالق‪ ،‬وذلك متفاوت من فرد‬

‫آلخر‪.‬‬

‫إن ُج ّل هذه الفلسفات قد أنكر جانب الروح‪ ،‬أو ‪-‬على األقل‪ -‬لم يعتبره‪ ،‬ومن اعتبره غالى‬
‫ّ‬

‫وتمخض عن ذلك مناهج تربوية‪ ،‬يأتي الالحق منها ُليظهر قصور‬


‫ّ‬ ‫في ذلك‪ ،‬وأهمل ما سواه‪،‬‬

‫عدة كمركز العملية التربوية‪ ،‬والعالقة بين التلميذ والمعلم والمجتمع‪ ،‬ومكانة‬
‫السابق في جوانب ّ‬

‫هذه العناصر‪ ،‬وطبيعة المناهج الدراسية‪ ،‬ومصدر المعرفة‪ ،‬وغير ذلك الكثير من عناصر العملية‬

‫(‪)3‬‬
‫التخبط بقوله‪" :‬ومن الموضوعية‬
‫ّ‬ ‫هذا‬ ‫التربوية‪ ،‬ويعّلل صاحب كتاب ( فلسفة التربية اإلسالمية)‬

‫(‪)1‬‬
‫محمد‪( ،‬في فلسفة التربية نظرياً وتطبيقياً)‪ ،‬ص ‪.217‬‬
‫الحاج ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫أشار إلى ذلك جابرييل مارسيل‪ .‬انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.236‬‬
‫( ‪)3‬‬
‫وقد حاز هذا الكتاب على جائزة الفارابي العالمية للعلوم اإلنسانية في دورتها األولى عام ‪. 2118‬‬
‫‪25‬‬
‫التخبط في الفلسفات التربوية ال يقتصران على العصر الذي نعيش فيه‬
‫أن االضطراب و ّ‬
‫أن نقول ّ‬

‫عامة‬
‫معين‪ .‬واّنما هما ظاهرة ّ‬
‫محدد‪ ،‬أو جنس بشري ّ‬
‫وال تعود أسبابهما إلى مصدر جغرافي ّ‬

‫صمم‬
‫تشمل اإلنسان الشرقي والغربي حين ينقطع هذا اإلنسان عن أصول تربية الخالق الذي ّ‬

‫اإلنسان ورّكبه‪ ،‬تمامًا كما يحدث لآللة الدقيقة المعقّدة حين ينقطع مستعملوها عن إرشادات‬

‫التدرب في معامل الشركات التي‬


‫ّ‬ ‫المهندس الذي اخترعها‪َّ ،‬‬
‫ووجه تصميمها وصناعتها‪ ،‬وعن‬

‫توّلت تصميمها وصيانتها"(‪.)1‬‬

‫أهمها اشتمال الفلسفة التربوية على الغايات‬


‫عدة أمور‪ّ ،‬‬
‫فصواب فلسفة التربية متوّقف على ّ‬

‫واألهداف النهائية التي ُوجد اإلنسان من أجلها‪ ،‬وعدم اقتصارها على توليد الوسائل واألساليب‬

‫التي يحتاجها العمل التربوي‪ ،‬كذلك توجيه أساليب التربية ووسائلها نحو تحقيق الغايات واألهداف‬

‫بتدرج يتناسب مع قوانين الخلق‪ ،‬ونمو الخبرات البشرية(‪ ،)2‬وقد أدرك علماء النفس الغربيون في‬
‫ّ‬

‫مطلع السبعينيات من القرن المنصرم فداحة الخطأ الناجم بناء على معطيات علم النفس نفسه‬

‫الحسية‪ ،‬وتجاهل غايات الحياة‬


‫ّ‬ ‫من وجوب انحسار فلسفة التربية داخل العلم المحسوس والرغبات‬

‫وأهدافها ومقاصدها الرفيعة‪ ،‬وهذه النتيجة ّإنما هي ثمرة الفصل بين العلم والدين‪ ،‬وبين الواقع‬

‫أن اإلحساس بإفالس‬


‫لكل منهما‪ ،‬ويرى الكيالني ّ‬
‫الضيق ّ‬
‫ّ‬ ‫العملي‪ ،‬والمثل العليا‪ ،‬وذلك بسبب الفهم‬

‫عامة بي ن المختصين في التربية‪ ،‬وفلسفة العلوم الحديثة على حد‬


‫التربية المعاصرة هو ظاهرة ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫سواء‪.‬‬

‫(‪ )1‬الكيالني‪( ،‬فلسفة التربية اإلسالمية)‪ ،‬ص‪.298‬‬

‫(‪ )2‬انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.15-14‬‬

‫(‪ )3‬انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ 47‬وص ‪ 54‬وص‪58‬‬

‫‪26‬‬
‫وما سبق يبرز ضرورة استنباط المنهج التربوي من وحي رّباني‪ ،‬يراعي الوجود بأكمله‬

‫فيراعي الكون ومافيه‪ ،‬بمقاصده‪ ،‬وغاياته الدنيوية واآلخروية‪ ،‬وقد أشار الكيالني إلى الفصام بين‬

‫العلم والكنيسة في أوروبا‪ ،‬وهو ما جعل مصممو المناهج التربوية ينأون بعيدًا عن الكنيسة التي‬

‫(‪)1‬‬
‫تفوق‬
‫للتعرف على شواهد ّ‬
‫تحتكر القول والحكم في قضايا العقيدة واألخالق ‪ ،‬وهذا الحديث يقود ّ‬

‫المنهج التربوي اإلسالمي على سائر المناهج التربوية المعاصرة‪ ،‬هذا المنهج المستنبط من وحي‬

‫يؤيد العلم وال يعارضه؛ فتتكامل آيات الكون المنشورة مع آيات الكتاب‬
‫رب الكون‪ ،‬الوحي الذي ّ‬
‫ّ‬

‫المسطورة‪.‬‬

‫تفوق التربية اإلسالمية على الفلسفات التربوية المعاصرة‬


‫المطلب الخامس‪ :‬شواهد ّ‬

‫لمكونات العملية‬
‫ّ‬ ‫ال‬
‫ال وشمو ً‬
‫إ ّن التربية اإلسالمية هي أكثر نظم التربية تحديدًا وتفصي ً‬

‫تفوق التربية اإلسالمية على الفلسفات التربوية المعاصرة ما يلي(‪:)2‬‬


‫التربوية ‪ ،‬ومن شواهد ّ‬

‫أن مصدر هذه التربية بأصولها وأهدافها‬


‫شاهد بيولوجي‪ ،‬وهو ّ‬ ‫‪.0‬‬

‫وأساليبها هو خالق اإلنسان الذي رعى تكوينه ونشأته ؛ فعملية التربية في اإلسالم تتكامل‬

‫مع عملية الخلق والتصميم التي سبقتها‪ ،‬كما في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ‬

‫قدر وهدى‪ ،‬وهي‬ ‫ﲊ ﱠ العلق‪ ،١ :‬والمرّبي هو الخالق‪ ،‬هو الذي خلق ّ‬


‫وسوى‪ ،‬وهو الذي ّ‬

‫ومكوناته‪.‬‬
‫ّ‬ ‫تربية رّبانية ليس لإلنسان وحسب‪ ،‬بل تشمل الكون‬

‫أن المرّبين من البشر ينظرون للتربية‬


‫شاهد اقتصادي‪ ،‬ففي حين ّ‬ ‫‪.2‬‬

‫على ّأنها استثما ًار‪ ،‬وينتظرون مردوداً اقتصادياً أو اجتماعياً أو عسكرياً؛ لما يبذلونه من‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬الكيالني‪( ،‬فلسفة التربية اإلسالمية)‪ ،‬ص‪.52-51‬‬

‫(‪ )2‬انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ 21‬وص‪.297-292‬‬

‫‪27‬‬
‫فإن التربية اإلسالمية ال‬
‫مؤسسة‪ّ ،‬‬
‫جهود‪ ،‬سواء أكانوا آباء أو معلمين أو أُسر أو دولة أو ّ‬

‫ُينتظر منها مردود اقتصادي‪ ،‬وشاهد ذلك في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ‬

‫ﱲﱳﱴ ﱵﱶﱷ ﱸﱹ ﱺ ﱻ ﱠ الذاريات‪.٣٤ – ٣٥ :‬‬

‫شاهد تاريخي‪ ،‬يتمثّل في رعاية مصدر هذه التربية وهو اهلل ‪‬‬ ‫‪.3‬‬

‫يسر أسباب التكافل والتعاون وتبادل المعارف والخبرات العلمية بين‬


‫لإلنسان‪ ،‬بحيث ّ‬

‫المجتمعات المكانية أو األجيال التاريخية؛ ولذلك فقد هدى اإلنسان إلى اكتشاف القلم ﱡﭐ‬

‫ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﱠ العلق‪ ،٣ – ٨ :‬بل ّإنه يهدي اإلنسان إلى‬

‫وتحضر اإلنسان‬
‫ّ‬ ‫تطور المعرفة‪ ،‬فكان من ثمرات ذلك تدوين العلوم‬
‫تطوير القلم نفسه حسب ّ‬

‫إن اإلسهام في تطوير العلم هي أحد األعمال النافعة التي جعل اهلل ‪ ‬ثوابها‬
‫ورقيه‪ ،‬بل ّ‬
‫ّ‬

‫مستم اًر إلى يوم القيامة كما أخبر النبي ‪ " :‬إذا مات اإلنسان انقطع عنه عمله إال من‬

‫ثالثة؛ إال من صدقة جارية‪ ،‬أو علم ينتفع به‪ ،‬أو ولد صالح يدعو له"(‪.)1‬‬

‫شاهد اجتماعي‪ ،‬ويتجلّى بكون التربية اإلسالمية وأهدافها مصوغة‬ ‫‪.1‬‬

‫صياغة إلهية‪ ،‬تشمل دائرة النشاط البشري‪ ،‬متعدي ًة األُطر الفردية والعائلية والطبقية‬

‫واإلقليمية والقومية والعرقية‪ ،‬بل تنظّمها في إطار واحد‪ ،‬أو أُطر متكاملة متعاونة‪،‬‬

‫ضد القوى التي‬


‫فتتجاوز دائرةُ الصراع هذه األُطر؛ لتنتقل إلى خارج الدائرة اإلنسانية‪ّ ،‬‬

‫مهمة خالفة اإلنسان في األرض‪.‬‬


‫تعادي اإلنسان‪ ،‬وتقف دون تحقيق ّ‬

‫محمد فؤاد‬
‫الحجاج (ت‪260‬ه)‪( ،‬المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول اهلل ‪ ،)‬ح ّققه ّ‬
‫رواه مسلم‪ ،‬مسلم بن ّ‬
‫( ‪)1‬‬

‫عبد الباقي‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪ 3 ،‬أجزاء‪ .‬كتاب الوصية‪ ،‬باب ما يلحق اإلنسان من الثواب بعد وفاته‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪،0233‬‬
‫حديث رقم‪.0630 :‬‬

‫‪28‬‬
‫عام‬
‫تفوق التربية اإلسالمية على الفلسفات التربوية المعاصرة بشكل ّ‬
‫أهم شواهد ّ‬
‫هذه هي ّ‬

‫وفي المبحث القادم تفصيل لعناصر المنهج القائم على هذه التربية‪ ،‬وبيان مزية هذه العناصر‬

‫على ما يقابلها في المناهج األخرى‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫المبحث الثالث‬

‫المنهج التربوي اإلسالمي‬

‫تفوق التربية اإلسالمية على الفلسفات التربوية‬


‫على ضوء ما سبق من الحديث عن ّ‬

‫عدة عناصر‬
‫سيتم الوقوف في هذا المبحث على المنهج التربوي اإلسالمي من خالل ّ‬
‫المعاصرة‪ّ ،‬‬

‫سيما وقد اضطربت الفلسفات‬


‫أهمها نظرة اإلسالم إلى الجزء المعنوي في الكائن البشري‪ ،‬ال ّ‬
‫لعل ّ‬
‫ّ‬

‫حده؛ فاضطربت المناهج المبنية على تلك‬


‫التربوية المعاصرة اضطرابًا شديدًا في الوقوف على ّ‬

‫سيتم بيان المنهج التربوي الذي يرتئيه اإلسالم بناء على رؤيته لإلنسان‪ ،‬من‬
‫الفلسفات‪ ،‬ومن ثم ّ‬

‫حيث مصادر اشتقاقه‪ ،‬وأهدافه ووسائله‪ ،‬وذلك ضمن مطالب هذا المبحث‪.‬‬

‫األول‪ :‬نظرة اإلسالم إلى الجزء المعنوي في اإلنسان‬


‫المطلب ّ‬

‫عدة‪ ،‬كانت‬
‫ووصف حاالته المعنوية استخدم تعبيرات ّ‬
‫ْ‬ ‫في حديث القرآن الكريم عن اإلنسان‬

‫مكونات اإلنسان في اإلسالم‪ ،‬ومن هذه التعبيرات العقل‬


‫هذه التعبيرات هي الطريق إلى فهم ّ‬

‫كل‬
‫حيز الغموض إن لم ُيسقط ّ‬
‫والقلب‪ ،‬والروح‪ ،‬والن ْفس‪ ،‬وغير ذلك‪ ،‬لكن يبقى تكوين اإلنسان في ّ‬

‫صورها كتاب خالق‬


‫يدل عليه؛ لنفهم طبيعة اإلنسان كما ّ‬
‫مما سبق على مدلوله السليم الذي ّ‬
‫تعبير ّ‬
‫ٍ‬
‫وبسبب من وجود ضعف لغوي وسيادة المعنى العرفي‪ ،‬غدت هيئة هذه التعابير في‬ ‫اإلنسان ‪،‬‬

‫أذهان الجمهرة من المسلمين اليوم على غير هيئتها السليمة المرادة‪ ،‬فما هي مدلوالت تلك‬

‫األلفاظ؟!‪ ،‬وفي محاولة للوصول إلى الفهم الصحيح للجزء المعنوي من اإلنسان‪ ،‬أعرض في هذا‬

‫المطلب موجز أقوال العلماء في معنى القلب والروح والنفس والعقل‪:‬‬

‫‪ .0‬القلب‪ :‬ورد لفظ القلب في القرآن الكريم في عشرات اآليات‪ ،‬من ذلك قوله تعالى‪:‬ﱡﭐ ﱑ ﱒ‬

‫ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱠ ق‪ّ ،٥٥ :‬‬


‫ودل في مواضعه‬
‫‪31‬‬
‫ودل على الهداية(‪ ،)1‬من ذلك قوله تعالى‪:‬ﱡﭐ ﱑ ﱒ‬ ‫ٍ‬
‫معان وجدانية وعقلية وانسانية‪ّ ،‬‬ ‫كلّها على‬

‫المفسرين‬
‫ّ‬ ‫ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱠ ق‪٥٥ :‬؛ فمن أقوال‬

‫في هذه اآلية‪ ،‬ما قاله النسفي بشأن معنى (قلب)‪" :‬وا ٍع؛ ألن من ال يعي قلبه فكأنه ال قلب‬

‫(‪)2‬‬
‫أن وعي القلب وفقهه هو المقصود؛ فالقلب في عرف الشارع غير تلك‬
‫له" ؛ فد ّل ذلك على ّ‬

‫المزودة ألنحاء الجسم بالدم‪ ،‬واّنما هو لطيفة رّبانية روحانية‪ ،‬متعلّقة بالقلب الحسي‬
‫ّ‬ ‫المضخة‬
‫ّ‬

‫تعلّق العرض بالجسم‪ ،‬هذه اللطيفة هي الجزء العالم العارف من اإلنسان‪ ،‬وهو المخاطب‬

‫(‪)4‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫فمقره‬
‫حدد الشارع مكان القلب هذا؛ ّ‬
‫والمعاقب والمطالب ‪ ،‬وهي محل الكفر واإليمان ‪ ،‬وقد ّ‬

‫الصدر وليس الدماغ‪ ،‬حيث قال تعالى‪ :‬ﱡ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ‬

‫ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﱠ الحج‪ّ ، ٨٤ :‬‬
‫(‪)5‬‬
‫أما طبيعة العالقة بين القلبين المادي والمعنوي –إن‬

‫جاز التعبير‪ -‬فال زال كثير من الغموض يكتنفها‪ ،‬وان أظهرت نتائج البحوث الطبية المتعلقة‬

‫بزراعة األعضاء –ومنها القلب‪ -‬طروء تغيير على اهتمامات ومشاعر من أُجريت لهم‬

‫عمليات زرع القلب بشهادات من هؤالء المرضى‪ ،‬لكن تبقى هذه الشهادات في حاجة‬

‫(‪)1‬‬
‫انظر‪ :‬أبا مرق‪ ،‬جمال زكي‪( ،‬سيكولوجية اإلنسان في القرآن والسّنة)‪ ،‬مطبعة الرابطة‪ ،‬الخليل‪2113 ،‬م‪ ،‬ط‪ .0‬ص‪.00‬‬

‫الطيب‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪،0‬‬


‫النسفي‪ ،‬عبد اهلل بن أحمد (ت ‪701‬ه)‪( ،‬مدارك التنزيل وحقائق التأويل)‪ ،‬ح ّققه يوسف بديوي‪ ،‬دار الكلم ّ‬
‫( ‪)2‬‬

‫‪0102‬ه‪0228-‬م‪ 3 ،‬أجزاء‪ .‬ج‪ 3‬ص‪362‬‬

‫(‪)3‬‬
‫انظر‪ :‬الغزالي‪ ،‬أبا حامد محمد بن محمد (ت‪313‬ه)‪( ،‬إحياء علوم الدين)‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪2113 ،1‬م‪ 1 ،‬أجزاء‪.‬‬
‫ج‪ 3‬ص‪.1‬‬

‫(‪)4‬‬
‫حوى‪ ،‬سعيد بن ديب (ت‪0282‬م)‪( ،‬تربيتنا الروحية) ‪ ،‬دار السالم للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪2117 ،2‬م‪.‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫ص‪.23‬‬

‫(‪)5‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪80‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫‪31‬‬
‫للتحقيق والتوثيق والتدقيق‪ ،‬وقد يكون لها دور كبير في الكشف عن كثير من مالمح هذه‬

‫العالقة!‪.‬‬

‫دل في مواضعة المختلفة على‬


‫عدة‪ ،‬وقد ّ‬
‫مرات ّ‬
‫‪ .2‬الروح‪ :‬ورد لفظ الروح في القرآن الكريم ّ‬

‫أن الحياة من اهلل ‪ ،)1(‬كما في قوله‬


‫ودل على ّ‬
‫معان‪ ،‬منها‪ :‬القرآن الكريم‪ ،‬والوحي والملَك‪ّ ،‬‬

‫تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲻ ﲼ ﲽﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﱠ اإلسراء‪،٤٣ :‬‬

‫أن ال مراد بالروح في هذه اآلية هو الروح‬


‫أن جمهور العلماء على ّ‬
‫وقد ذكر اإلمام النسفي ّ‬

‫الذي به الحياة(‪.)2‬‬

‫يدل على جنس‬


‫األول ّ‬
‫أن الروح بالنسبة لإلنسان تطلق لمعنيين؛ ّ‬
‫ّ‬ ‫‪‬‬ ‫ويرى اإلمام الغزالي‬

‫لطيف منبعه تجويف القلب الجسماني‪ ،‬فينتشر في سائر الجسم عن طريق العروق‪ ،‬كانتشار‬

‫الضوء المنبعث من المصباح في أنحاء البيت‪ ،‬وهذا المعنى هو المراد للفظ الروح في ُعرف‬

‫أخص من معنى القلب آنف‬


‫ّ‬ ‫أما المعنى الثاني للروح فيمكن فهمه على ّأنه معنى‬
‫األطباء‪ّ ،‬‬
‫ّ‬

‫فيدل على اللطيفة العالمة المدركة من اإلنسان أحد معاني القلب‪ ،‬ويرى اإلمام‬
‫ّ‬ ‫الذكر‪،‬‬

‫أن هذا المعنى هو المراد بقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﱠ اإلسراء‪،٤٣ :‬‬


‫الغزالي ّ‬

‫(‪)3‬‬
‫وهو أمر رّباني عجيب‪ ،‬يعسر فهم حقيقته على أكثر عقول البشر‪.‬‬

‫‪ .3‬النفس‪ :‬وردت في مئات المواضع في القرآن الكريم‪ ،‬وقد دّلت أحياناً على اإلنسان كوحدة‬

‫ﱢ ﱠ األنبياء‪:‬‬
‫ﱣ‬ ‫كاملة بمجموع قواه الحسية والمعنوية‪ ،‬كما في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱟ ﱠ ﱡ‬

‫(‪)1‬‬
‫انظر‪ :‬أبا مرق‪( ،‬سيكولوجية اإلنسان في القرآن والسنة)‪ ،‬ص‪.03‬‬

‫(‪ )2‬انظر‪ :‬النسفي‪( ،‬مدارك التنزيل وحقائق التأويل)‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪271‬‬

‫(‪)3‬‬
‫انظر‪ :‬الغزالي‪( ،‬إحياء علوم الدين)‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪.3‬‬

‫‪32‬‬
‫لتدل على الذات اإللهية‪ ،‬كما في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐﳂ ﳃ‬
‫‪ ، ٨٥‬واستخدمت أحيانًا ّ‬

‫ﳄ ﱠ آل عمران‪ ،)1( ٨٤ :‬كذلك يراد بالنفس األصل الجامع للصفات المذمومة من‬
‫ﳅ‬

‫تدل النفس على حقيقة اإلنسان كاملة توصف بأوصاف‬


‫اإلنسان كالغضب والشهوة‪ ،‬وحينما ّ‬

‫مختلفة بحسب اختالف أحوالها؛ فهي النفس المطم ّئنة حين سكونها وزوال االضطراب عنها‬

‫اللوامة إذا دافعت الشهوات واعترضت عليه ا لكنها لم تصل إلى مرحلة السكون‬
‫وهي النفس ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫األمارة بالسوء إن أذعنت لمقتضى الشهوات‪ ،‬وأطاعت دواعي الشيطان‪.‬‬
‫وهي النفس ّ‬

‫داال على معاني التذ ّكر‪ ،‬والتف ّكر‬


‫‪ .1‬العقل‪ُ :‬ذكر العقل في القرآن الكريم في عشرات المواضع‪ًّ ،‬‬

‫والتعّلم‪ ،‬والتف ّقه(‪ ،)3‬من ذلك ما جاء في قوله تعالى‪ :‬ﱡ ﭐ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ‬

‫أن معنى تعقلون هو‬ ‫ﲛ ﲝ ﲞ ﲟ ﱠ البقرة‪٨٨ :‬؛ ّ‬


‫فبين النسفي ّ‬ ‫ﲜ‬ ‫ﲙﲚ‬

‫(‪)4‬‬
‫تفطنون‪.‬‬

‫أن للعقل معنيين؛ فقد يطلق ويراد به العلم بحقائق األمور‪ ،‬وقد‬
‫ّ‬ ‫‪‬‬ ‫ويرى اإلمام الغزالي‬

‫(‪)5‬‬
‫ِ‬
‫المدرك للعلوم؛ أي القلب بأحد معانيه آنفة الذكر‪.‬‬ ‫يطلق ويراد به‬

‫(‪)1‬‬
‫انظر‪ :‬أبا مرق‪( ،‬سيكولوجية اإلنسان في القرآن والسنة)‪ ،‬ص‪.6‬‬

‫(‪)2‬‬
‫انظر‪ :‬الغزالي‪( ،‬إحياء علوم الدين)‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪.6-3‬‬

‫(‪)3‬‬
‫انظر‪ :‬أبا مرق‪( ،‬سيكولوجية اإلنسان في القرآن والسنة)‪ ،‬ص‪.03‬‬

‫(‪ )4‬انظر‪ :‬النسفي‪( ،‬مدارك التنزيل وحقائق التأويل)‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪83‬‬

‫(‪)5‬‬
‫انظر‪ :‬الغزالي‪( ،‬إحياء علوم الدين)‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪.6‬‬

‫‪33‬‬
‫فخالصة ما سبق من معان متعّلقة بمكنون ا إلنسان خمسة؛ انفرد كل لفظ بمعنى‬

‫واشترك الجميع في الداللة على أحد معاني القلب‪ ،‬وهو اللطيفة المدركة من اإلنسان‪ ،‬ويمكن‬

‫تمثيل ذلك على النحو اآلتي‪:‬‬

‫القلب‬ ‫اللحم الصنوبري‬

‫اللطيفة العالمة‬ ‫الروح‬ ‫بخار مصدره ح اررة القلب‬

‫من اإلنسان‬ ‫النفس‬ ‫أصل الصفات المذمومة‬

‫العقل‬ ‫العلم‬

‫حوى معّلقًا على بيان الغزالي ‪ ‬لمفاهيم القلب والروح والنفس والعقل‪" :‬من كالم‬
‫يقول ّ‬

‫أن النفس والعقل والقلب والروح تأتي أحيانًا بمعنى واحد‪ ،‬واّنما تختلف التسميات‬
‫الغزالي ندرك ّ‬

‫سميت نفسًا‪ ،‬واذا غلبت الروح‬


‫باختالف الصفة التي للروح البشرية؛ فإذا غلبت الشهوة هذه الروح ّ‬

‫عرَفت اهلل‬
‫سميت قلبًا‪ ،‬واذا َ‬
‫ال‪ ،‬واذا أصبحت لها مواجيدها اإليمانية ّ‬
‫سميت عق ً‬
‫المحرمة ّ‬
‫ّ‬ ‫الشهوة‬

‫(‪)1‬‬
‫سميت روحاً"‪.‬‬
‫حق المعرفة‪ ،‬وأعطته العبودية الخالصة ّ‬
‫ّ‬

‫أن الجوانب آنفة الذكر ّكلها معتبرة في خطاب الشارع للمكلّف‬


‫وخالصة هذا العرض ّ‬

‫قصرت كثي ًار‪ ،‬أو‬


‫تفوق بذلك على سائر الفلسفات التربوية التي ّ‬
‫السيما في خطابه التربوي‪ ،‬وقد ّ‬
‫ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫إن‬
‫بقوله‪ّ " :‬‬ ‫غالت كثي ًار في نظرتها إلى مكونات اإلنسان‪ ،‬وقد أشار إلى ذلك بعض الباحثين‬

‫يتميز به اإلسالم ّأنه يدرس الكائن البشري على ما هو عليه‪ ،‬فال يحاول أن يقصره على‬
‫أهم ما ّ‬
‫ّ‬

‫ما ليس من ماهيته‪ ،‬كما تفعل القوانين واألنظمة الوضعية‪ ،‬وان كان في الوقت ذاته يعمد إلى‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬تربيتنا الروحية)‪ ،‬ص‪.36‬‬
‫ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫أبو مرق‪( ،‬سيكولوجية اإلنسان في القرآن والسنة)‪ ،‬ص‪.02‬‬

‫‪34‬‬
‫األولية‪ ،‬فهو يعمل‬
‫تهذيب هذه الطبيعة إلى آخر مدى مستطاع‪ ،‬دون أن يكبت شيئاً من دوافعه ّ‬

‫األولية الفطرية‪ ،‬والمعايير‬


‫على إيجاد التوازن والتناسق بين الضغط الواقع عليه من هذه الدوافع ّ‬

‫والضوابط التي يرسمها له" ‪ ،‬والحديث السابق يقودوني للحديث عن خصائص المنهج التربوي‬

‫اإلسالمي‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬خصائص المنهج التربوي اإلسالمي‬

‫(‪)1‬‬
‫يمتاز المنهج التربوي اإلسالمي بمجموعة من الخصائص‪ ،‬منها‪:‬‬

‫وكل‬
‫‪ .0‬منهج شامل دقيق‪ ،‬يعالج اإلنسان كلّه جسمه وعقله وروحه‪ ،‬وحياته المادية والمعنوية ّ‬

‫كل جانب من جوانب اإلنسان غذاءه بالقدر المضبوط‬


‫نشاطه على األرض‪ ،‬ويعطي ّ‬

‫وشمولّيته نابعة من رّبانية مصدره؛ فمصدره الوحي‪ ،‬وقد قال تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ‬

‫ﱵﱠ األنعام‪.٥٤ :‬‬


‫ﱴ ﱶ‬

‫ﲭﲯﲰ‬
‫ﲮ‬ ‫‪ .2‬يساير الفطرة‪ ،‬وهي تلك الفطرة في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ‬

‫ﲲ ﱠ الروم‪ ٥٣ :‬؛ فال يفصل بين الجسم والعقل والروح في داخل النفس‪ ،‬وال في واقع‬
‫ﲱ ﲳ‬

‫الحياة‪ ،‬بل يأخذها بفطرتها السوية مترابطة ممتزجة‪ ،‬ويعالجها بناء على هذا األساس‬

‫ال استغالل‬
‫فيسمح ببروز بعض الجوانب أحيانا وانحسار بعض‪ ،‬وهذا المزج يضمن أو ً‬

‫طاقات اإلنسان كلّها في عمارة األرض والخالفة‪ ،‬وثانياً إحداث توازن في داخل النفس وفي‬

‫واقع الحياة‪ ،‬كما في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐﱚﱛ ﱜﱝ ﱠ البقرة‪.١٨٥ :‬‬

‫(‪)1‬‬
‫محمد بن قطب بن إبراهيم‪( ،‬منهج التربية اإلسالمية)‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬ط‪ ،06‬جزءان‪ .‬ج‪ 0‬ص‪.33-08‬‬
‫انظر‪ :‬قطب‪ّ ،‬‬

‫‪35‬‬
‫لسوية‪ :‬اإلنسان فيه استعدادات متباينة منها الموجب ومنها السالب في كل اتّجاه‬
‫‪ .3‬اإليجابية ا ّ‬

‫واإلسالم يريد اإلنسان قوة إيجابية فاعلة‪ ،‬ولكنها سوية‪ ،‬وسبيل ذلك مسايرة الفطرة‪ ،‬ومن‬

‫اآليات القرآنية التي تشير إلى االستعدادات اإليجابية في النفس اإلنسانية قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲜ‬

‫ﲥ ﱠ الرعد‪ ،١١:‬وقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ‬


‫ﲦ‬ ‫ﲝﲞﲟﲠﲡ ﲢﲣﲤ‬

‫ﱙﱠ آل عمران‪.١١٣ :‬‬


‫ﱒﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱚ‬

‫‪ .1‬الواقعية المثالية أوالمثالية الواقعية؛ فيراعي واقع اإلنسان من حيث طاقاته المحدودة‬

‫ومطالبه‪ ،‬وضروراته‪ ،‬ونقاط ضعفه‪ ،‬دونما إغفال للطاقات المكنونة في ذات اإلنسان التي‬

‫الخاصية قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ‬


‫ّ‬ ‫تحقق المثالية‪ ،‬ومن الشواهد القرآنية على هذه‬

‫ﱓ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘﱠ‬
‫ﱔ‬ ‫ﲫ ﱠ البقرة‪ ،٨٤٤ :‬وقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ‬
‫ﲬ‬

‫النساء‪.٨٤ :‬‬

‫(‪)1‬‬
‫أن يكون مح ّققًا ألهداف‬ ‫‪ .2‬من خصائص المنهج المدرسي الذي تتطلّبه التربية اإلسالمية‬

‫كل جزء منه للمرحلة التي يوضع لها‪ ،‬مراعياً‬


‫متدرجًا موافقاً في ّ‬
‫التربية اإلسالمية‪ ،‬وأن يكون ّ‬

‫ال‬
‫فعا ً‬
‫لحاجات المجتمع‪ ،‬وأن يكون سليمًا من التعارض‪ ،‬متناسقًا مترابطًا‪ ،‬واقعيًا مرنًا‪ّ ،‬‬

‫مراعياً للجوانب اإلسالمية السلوكية العملية‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫انظر‪ :‬النحالوي‪ ،‬عبد الرحمن‪( ،‬أصول التربية اإلسالمية وأساليبها في البيت والمدرسة والمجتمع)‪ ،‬دار الفكر‪0128 ،‬ه‪-‬‬
‫‪2117‬م‪ ،‬ط ‪ .23‬ص ‪.060-032‬‬

‫‪36‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬مصادر التربية اإلسالمية وأسسها‬

‫إن طبيعة المعرفة‪ ،‬وطبيعة اإلنسان‪ ،‬وطبيعة المجتمع تش ّكل األسس التي يقوم عليها بناء‬
‫ّ‬

‫أي منهج تربوي‪ ،‬وذلك باتفاق علماء المناهج في معظم بقاع األرض(‪ ،)1‬وفي معرض الحديث‬
‫ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫أن مصدر المعرفة عند هذه‬
‫تبين ّ‬
‫عن الفلسفات التربوية المعاصرة –في مطلب سابق ‪ّ -‬‬

‫وتحديات المجتمع‪ ،‬أو التجربة‬


‫ّ‬ ‫الفلسفات يتفاوت في كونه الفالسفة والحكماء (العقل)‪ ،‬أو الواقع‬

‫كل فلسفة على مصدرها‬


‫بشكل عام‪ ،‬أو التجربة الفردية‪ ،‬وغير ذلك‪ ،‬وقد اعتمد التربويون في ّ‬

‫المعرفي في صياغة منهجها التربوي‪.‬‬

‫السنة النبوية المصدرين‬


‫أما عن المنهج التربوي اإلسالمي‪ ،‬فيش ّكل القرآن الكريم و ّ‬
‫ّ‬

‫السنة فلها فائدتان عظيمتان في المجال‬


‫أما ّ‬‫ألساسي ْين الل َذ ْين تُستقى منهما التربية اإلسالمية؛ ّ‬
‫َ‬ ‫ا‬

‫وتبين تفاصيله التي لم‬


‫توضح المنهج التربوي اإلسالمي الوارد في القرآن الكريم‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫التربوي؛ فهي‬

‫ال لإلنسان‪ ،‬فهو‬


‫فإن شخصية الرسول ‪ ‬تش ّكل أنموذجاً تربويًا كام ً‬
‫ترد في القرآن الكريم‪ ،‬كذلك ّ‬

‫‪" ‬يراعي حاجات الطفولة وطبيعتها‪ ...،‬ويراعي الفروق الفردية بين الناس‪ ،‬ويراعي مواهبهم‬

‫واستعدادتهم وطبائعهم‪ ،‬وي ارعي في المرأة أنوثتها وفي الرجل رجولته‪ ،‬وفي الكهل كهولته‪ ،‬وفي‬

‫الطفل طفولته‪ ،‬ويلتمس دوافعهم الغريزية‪... ،‬وهو في ذلك كله يدعوهم إلى اهلل ‪ ‬وتطبيق‬

‫شريعته؛ لتكميل فطرتهم وتهذيب نفوسهم شيئًا فشيئًا‪ ...،‬وتوجيه طاقاتهم وحسن استغاللها للخير‬

‫السمو‪ ... ،‬لتعمل معًا وتتجاوب للهدف األسمى‪ ،‬وبذلك يسمو الفرد وينهض المجتمع"(‪ ،)3‬كذلك‬
‫و ّ‬

‫(‪)1‬‬
‫انظر‪ :‬مدكور‪ ،‬علي أحمد‪( ،‬مناهج التربية أسسها وتطبيقاتها)‪ ،‬دار الفكر العربي‪2110 ،‬م‪ .‬ص‪.13‬‬

‫(‪ )2‬وذلك في صفحة ‪.21‬‬

‫(‪)3‬‬
‫النحالوي‪( ،‬أصول التربية اإلسالمية)‪ ،‬ص‪.27-26‬‬

‫‪37‬‬
‫يمكن اعتبار سيرة الصحابة ‪ ‬والصالحين‪ ،‬وجهود علماء المسلمين في المجال التربوي أصوالً‬

‫مرجعية لصياغة المنهج التربوي اإلسالمي(‪.)1‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬أهداف التربية اإلسالمية ووسائلها‬

‫مر سابقاً(‪ -)2‬هو إعادة بناء‬


‫العامة للمناهج التربوية المعاصرة –كما ّ‬
‫ّ‬ ‫إن من أبرز األهداف‬
‫ّ‬

‫المجتمع من خالل معالجة سلوك أفراده‪ ،‬بحيث ُيرّبى المواطن تربية تتالئم وتطّلعات هذا‬

‫المجتمع‪ ،‬فيكون مواطنًا صالحًا‪ ،‬فالتقت تلك المناهج على "إعداد المواطن الصالح" وان اختلفت‬

‫في وسائل تحقيق هذا الهدف بسبب اختالف الظروف المحيطة‪" ،‬فالمواطن الصالح في المجتمع‬

‫أدى به هذا الهدف إلى استعمار الشعوب‬


‫أمته القومي‪ ،‬ولو ّ‬
‫القومي‪ ،‬هو الذي يخدم هدف ّ‬

‫الضعيفة‪ ،‬والفتك بها ونهب ثرواتها‪ ،‬والمواطن الصالح في المجتمع الشيوعي هو الذي يصبح آلة‬

‫سيرة بيد زعماء الحزب الحاكم‪ ،)3("...‬وبالتدقيق في هذا الهدف‪ ،‬وفي أبعاده الواقعية‬
‫منتجة ُم َّ‬

‫والعملية‪ ،‬يظهر القصور في هذا الهدف‪ ،‬فالفلسفة التربوية التي تنفع مجتمعاً ما‪ ،‬قد ال تنفع‬

‫يصح أن‬
‫ّ‬ ‫أن تلحق به ضر ًار من خالل سلوك األفراد‪ ،‬ومثل هذا ال‬
‫ال عن ْ‬
‫مجتمعًا آخر‪ ،‬فض ً‬

‫يكون هدفًا للتربية اإلنسانية‪ ،‬وهذا يقود للحديث عن هدف تربية الدين السماوي الذي جاء به‬

‫محمداً ‪ ‬لإلنسانية كافّة‪ ،‬فما هو هدف المنهج التربوي اإلسالمي؟‬


‫ّ‬

‫تفرد المنهج التربوي اإلسالمي عن المناهج التربوية األخرى في هدفه المنشود‪ ،‬فكان هدفه‬
‫ّ‬

‫مهمشًا بذلك كل االعتبارات التي أقامها البشر من الجنس والقبيلة‬


‫"إعداد اإلنسان الصالح"‪ّ ،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫المنورة‪0121 ،‬ه‪-‬‬
‫انظر‪ :‬الحازمي‪ ،‬خالد بن حامد‪( ،‬أصول التربية اإلسالمية)‪ ،‬دار عالم الكتب للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬المدينة ّ‬
‫‪2111‬م‪ ،‬ط‪ .0‬ص‪.202‬‬

‫(‪ )2‬ص‪-21‬ص‪.24‬‬

‫(‪ )3‬النحالوي‪( ،‬أصول التربية اإلسالمية)‪ ،‬ص‪112‬‬

‫‪38‬‬
‫واللون والدولة وغير ذلك‪ ،‬ليصل إلى مكنون اإلنسان تحت شعار‪ :‬ﱡﭐ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ‬

‫ﱵ ﱠ((‪ ،))1‬فيتجلّى هدف التربية اإلسالمية في عبودية اإلنسان هلل ‪ ‬في حياته الفردية‬
‫ﱶ‬

‫واالجتماعية‪ ،‬وقد اشتُ ّق هذا الهدف من المهمة التي ُخلق اإلنسان إلجلها‪ ،‬وهي عبادة اهلل ‪،‬‬

‫لقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱠ الذاريات‪ ،٣٤ :‬وهذا الهدف السامي للتربية‬

‫اإلسالمية‪ ،‬قد اشتمل على األهداف التربوية للتربية الغربية الحديثة على ٍ‬
‫نحو ينسجم وتحقيق الهدف‬

‫األسمى؛ فمن أبرز مظاهر شمول التربية اإلسالمية على هدف تحقيق الذات – على سبيل المثال‪-‬‬

‫مبدأ الجزاء على حسب العمل‪ ،‬ومراعاة االستعدادات في الفرد‪ ،‬كذلك فقد اعتبرت التربية اإلسالمية‬

‫هدف النمو بكافّة جوانبه العقلية والجسمية والروحية واالجتماعية وغير ذلك‪ ،‬وجعلت هذا الهدف‬

‫((‪))2‬‬
‫وسيلة لتحقيق الهدف األسمى أال وهو العبودية هلل ‪.‬‬

‫تميز اإلسالم بإعطائه فكرة واضحة عن هذا "اإلنسان الصالح" وتوضيح صورته‬
‫كذلك فقد ّ‬

‫أشد توضيح؛ "فهو إنسان يعيش بأقصى طاقته في عالم الواقع‪ ،‬ويحاول في الوقت ذاته أن يح ّقق‬
‫ّ‬
‫((‪))3‬‬
‫المثال‪ ،‬وال انفصال في نفسه‪ ،‬وال في عالمه بين الواقع والمثال"‪.‬‬

‫عدة من أجل الوصول‬


‫أما عن الوسيلة في هذا المنهج فقد أرسى اإلسالم وسائل وتدابير ّ‬
‫ّ‬
‫(‪)4‬‬
‫إلى أهدافه التربوية المنشودة‪ ،‬من ذلك‪:‬‬

‫((‪))1‬‬
‫انظر‪ :‬قطب‪( ،‬منهج التربية اإلسالمية)‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪.01-03‬‬

‫((‪))2‬‬
‫انظر‪ :‬النحالوي‪( ،‬أصول التربية اإلسالمية)‪ ،‬ص‪.010-21‬‬

‫((‪))3‬‬
‫قطب‪( ،‬منهج التربية اإلسالمية)‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪.231‬‬

‫(‪)4‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪203-081‬؛ وانظر‪ :‬النحالوي‪( ،‬أصول التربية اإلسالمية)‪ ،‬ص‪231-067‬؛ وانظر‪ :‬الحازمي‪،‬‬
‫(أصول التربية اإلسالمية)‪ ،‬ص‪.116 -377‬‬

‫‪39‬‬
‫‪ .0‬التربية بالقدوة‪ :‬وهي أفعل وسائل التربية وأقربها إلى النجاح‪ ،‬والمنهج التربوي اإلسالمي تجلّى‬

‫بكماله في شخص النبي ‪ ،‬فكان ‪ ‬القدوة على مدار الزمان‪.‬‬

‫‪ .2‬التربية بالموعظة‪ :‬ويأتي هذا األسلوب بناء على ما في النفس من استعداد للتأثّر بما يلقى إليها‬

‫من الكالم‪ ،‬وهو استعداد مؤّقت غالبًا‪ ،‬يلزمه التكرار‪ ،‬وترتبط الموعظة بالقدوة؛ فحين توجد القدوة‬

‫فإن الموعظة تكون ذات أثر بالغ في النفس‪.‬‬


‫الصحيحة ّ‬

‫‪ .3‬التربية بالعقوبة‪ :‬وتكون كعالج حاسم في حال عدم نجاح الوسيلتين السابقتين‪.‬‬

‫القصة‪ ،‬وما لها من تأثير على النفوس فاستغّلها‬


‫ّ‬ ‫بالقصة‪ :‬يدرك اإلسالم الميل الفطري إلى‬
‫ّ‬ ‫‪ .1‬التربية‬

‫بكل أنواعها‪.‬‬
‫لتكون وسيلة من وسائل التربية‪ ،‬واستخدمها ّ‬

‫‪ .3‬التربية بالسلوك‪ :‬وذلك عن طريق تحويل الخير كّله إلى سلوك‪ ،‬تقوم به النفس من غير مش ّقة‬

‫إما بالقطع‬
‫كذلك تعامل اإلسالم مع العادات السيئة التي وجدها في البيئة الجاهلية فقام بإزالتها؛ ّ‬

‫الحاسم الفاصل‪ ،‬وا ّما بالتدرج البطيء‪ ،‬وذلك حسب نوع السلوك الذي يعالجه‪ ،‬وطريقة تم ّكنه من‬

‫النفس‪.‬‬

‫بأول في‬
‫ال ّ‬‫‪ .6‬تفريغ الطاقة‪ :‬أي تفريغ الشحنات المفرزة في نفس اإلنسان –ذي الفطرة السليمة‪ّ -‬أو ً‬

‫حب اهلل ‪ ‬والخير بشكل عام‪.‬‬


‫الحب في ّ‬
‫ّ‬ ‫عمل إيجابي إنشائي‪ ،‬مثل تفريغ طاقة‬

‫منع النفس رغبة من رغائبها‪-‬لتقويمها‪ ،-‬فتكون الوسيلة األنجح‬


‫السيما في حال ْ‬
‫ّ‬ ‫‪ .7‬ملء الفراغ‪:‬‬

‫للتربية هي ملء فراغ هذه الرغبة بنشاط جديد لهذه الرغبة ذاتها‪ ،‬أو لرغبة سواها‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫بأنها تُحدث في النفس حالة خاصة هي‬
‫‪ .8‬التربية باألحداث‪ :‬تمتاز على غيرها من وسائل التربية ّ‬

‫أقرب لالنصهار‪ ،‬فيستغل المربي هذا األثر في صقل نفس المربَّى وتهذيبها‪.‬‬

‫وفي ختام الحديث عن المنهج التربوي اإلسالمي‪ ،‬والذي اشتمل على مقارنات بالمناهج‬

‫تفوق المنهج التربوي اإلسالمي على غيره من‬


‫بد من اإلشارة إلى حقيقة ّ‬
‫التربوية المعاصرة‪ ،‬ال ّ‬

‫المناهج التربوية المعاصرة؛ من حيث مصدره الرّباني‪ ،‬ونظرته الشمولية لإلنسان‪ ،‬ومن حيث‬

‫سمو غايته وهدفه‪ ،‬ومسايرته للفطرة‪.‬‬


‫ّ‬

‫وبعد‪ ،‬فتلك هي المطالب المتعّلقة بالمنهج التربوي اإلسالمي‪ ،‬وقد ذكرتها هنا كي تكون‬

‫حوى ‪ ‬من خالل كتابه (األساس‬


‫مدخالً ومقدم ًة للحديث عن المنهج التربوي عند الشيخ سعيد ّ‬

‫حوى‬
‫في التفسير)‪ ،‬وفي الفصل الثاني بداية توضيح هذا المنهج‪ ،‬من خالل الحديث عن منهج ّ‬

‫في تربية القلب‪ ،‬واّنما استخدمت لفظ (القلب)؛ لما جاء في الحديث عن مكونات اإلنسان في‬

‫أن ألفاظ القلب والروح والنفس والعقل تشترك في الداللة على اللطيفة العالمة من‬
‫اإلسالم من ّ‬

‫يعمها جميعاً‪.‬‬
‫اإلنسان‪ ،‬وهي أحد معاني القلب؛ فالقلب ّ‬

‫‪41‬‬
‫الفصل الثاني‬

‫حوى في تربية القلب‬


‫منهج الشيخ سعيد ّ‬

‫وفيه مبحثان‪:‬‬

‫األول‪ :‬أعمال القلوب‬


‫المبحث ّ‬

‫المبحث الثاني‪ :‬أمراض القلوب‬

‫‪42‬‬
‫تمهيد‪:‬‬

‫إن إيجاد الصلة الدائمة بين القلب البشري وبين اهلل ‪ ،‬الصلة التي تدفع القلب إلى الرجوع‬
‫ّ‬

‫كل أمر‪ ،‬هو القاعدة الرئيسة للتربية اإلسالمية‪ ،‬التي تش ّكل‬


‫كل لحظة‪ ،‬وطاعته في ّ‬
‫إلى اهلل في ّ‬

‫قوام كل شيء‪ ،‬وبدونها يصبح كل شيء خواء؛ فاإلسالم صريح في اعتبار العمل عبادة‪ ،‬ما دام‬

‫(‪)1‬‬
‫أهم مالمح التربية القرآنية‬
‫القلب يتجه فيه إلى اهلل ‪" ، ‬فالتركيز على قضية القلب من ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫والنبوية‪ ،‬وقد أهمل الناس هذا إال القليل‪ ،‬والقليل عنده َد َخن كثير‪ ،‬إال أقل القليل"‪.‬‬

‫والقلب يتّصل باهلل بصالت شتّى؛ فيتّصل به خشوعًا‪ ،‬وتقوى‪ ،‬ويتّصل به مراقبة له في كل‬

‫(‪)3‬‬
‫لكن هذه الصلة لن تتجّلى‬
‫أمر من أمور الحياة‪ ،‬ويتّصل به حبًّا‪ ،‬وبغير ذلك من الصالت ‪ّ ،‬‬

‫بكمالها إال إذا كان القلب سليمًا من أمراض القلوب‪ ،‬وبهذا تتحقّق النجاة يوم الحساب؛ كما جاء‬

‫على لسان إبراهيم ‪ :‬ﱡﭐﱕﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ‬

‫ﱥ ﱦ ﱧﱠ الشعراء‪.٤٨ –٤٥ :‬‬


‫(‪)4‬‬

‫مما سبق يمكن القول إ ّن وظيفة التربية اإلسالمية تُجاه القلب هي‪ :‬تربيته على التحقّق‬
‫ّ‬

‫األول تحت عنوان (أعمال‬


‫سيتم بحثه في المبحث ّ‬
‫ّ‬ ‫والتحّلي بالصالت المطلوبة منه‪ ،‬وهذا ما‬

‫القلوب)‪ ،‬والوظيفة الثانية هي تربية القلب على التخلّي عن سائر أمراض القلوب‪ ،‬وهذا موضوع‬

‫المبحث الثاني من هذا الفصل‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫انظر‪ :‬قطب‪( ،‬منهج التربية اإلسالمية)‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪.37-33‬‬

‫(‪)2‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪.83‬‬
‫ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪.36‬‬

‫(‪)4‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 7‬ص‪.3221‬‬

‫‪43‬‬
‫األول‬
‫المبحث ّ‬

‫أعمال القلوب‬

‫أهمية سالمة القلب وطهارته في قضية الهداية؛ فالهداية والضالل يعتمدان‬


‫حوى إلى ّ‬
‫يشير ّ‬

‫على استعدادات القلوب للهداية والضالل‪ ،‬وكذلك على صفات اإلنسان؛ فالقلوب السليمة مركوز‬

‫فإنها قد وصلت إلى مرحلة‬


‫أما القلوب التي ال تتذكر‪ّ ،‬‬
‫الحق‪ ،‬فإذا ما قابلت الوحي تذ ّكرت‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫فيها‬

‫العمى الكامل(‪ ،)1‬وتأكيدًا على هذا المعنى يقول ‪ ‬عند تفسيره لقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐﲚ ﲛ ﲜ‬

‫ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦﱠ اإلسراء‪ ": ٨٣:‬فالقرآن ال يقبل‬

‫(‪)2‬‬
‫أن يصل إلى قلب نجس‪ ،‬فهو طاهر‪ ،‬وطهارة القلوب هي التي تستأهل سكناه ومعناه"‪.‬‬

‫بد للقلب السليم أن يكون متحقّقاً بها‬


‫هم األعمال‪ ،‬التي ال ّ‬
‫وفي المطالب التالية حديث عن أ ّ‬

‫بد للقارئ الكريم أن يأخذ بعين االعتبار هذه األمور‪:‬‬


‫وال ّ‬

‫أن منهجي في الكتابة عن أعمال القلوب وأمراضها لم يكن شموليًا؛ بحيث يستقصي‬
‫‪ّ ‬‬

‫كل عمل‪ ،‬واّنما اكتفيت بتوضيح بسيط‪ ،‬يخدم في موضوع توضيح‬


‫الحديث عن جوانب ّ‬

‫كل منها‬
‫صّنف في ّ‬
‫فإن هذه األعمال قد ُ‬
‫لمكونات اإلنسان‪ ،‬وا ّال ّ‬
‫مالمح التربية اإلسالمية ّ‬

‫ألي منها‪.‬‬
‫مصنفات‪ ،‬ال ترقى طريقتي في الكتابة ّ‬
‫ّ‬

‫المادة المتعّلقة بهذه األعمال واألمراض في تفسير األساس ضخمة؛ فانتقيت منها ما‬
‫أن ّ‬ ‫‪ّ ‬‬

‫حوى في تفسيره‪ ،‬وكالمه عن‬


‫ظل منهج الشيخ سعيد ّ‬
‫هو ألصق بموضوع البحث؛ في ّ‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪ 2711‬و ص‪.2713‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 6‬ص‪.3181‬‬

‫‪44‬‬
‫ظل المرويات واآلثار التي نقلها الشيخ عن‬
‫العام للمعاني‪ ،‬وكذلك في ّ‬
‫الخاص و ّ‬
‫ّ‬ ‫السياق‬

‫مما يثري تفسير تلك األعمال واألمراض‪.‬‬


‫ابن كثير وغيره‪ّ ،‬‬

‫ظل حجم األطروحة المسموح به‪.‬‬


‫‪ ‬وما سبق خاضع أيضًا لحجم مباحث الفصول‪ ،‬في ّ‬

‫حوى التربوي‪ ،‬وليس فكر غيره‬


‫عام هو إبراز فكر سعيد ّ‬
‫إن هدف هذه الد ارسة بشكل ّ‬
‫‪ّ ‬‬

‫وليس مقصودها كتاب مقارنة‪ ،‬أو توضيح للمسائل‪ ،‬فهي تندرج ضمن الدراسات الوصفية‬

‫عام‪.‬‬
‫بشكل ّ‬

‫المطلب األول‪ :‬التوحيد واإليمان باليوم اآلخر‬

‫وفيه مسألتان‪:‬‬

‫المسألة األولى‪ :‬عمق قضية التوحيد في النفس البشرية‬

‫حوى إلى عمق قضية اإليمان وتم ّكنها في الفطرة البشرية‪ ،‬وذلك في المواطن القرآنية‬
‫يشير ّ‬

‫الشدة‪ ،‬كما في قوله تعالى‪ :‬ﭐﱡﭐ ﲝ ﲞ ﲟ‬


‫المتحدثة عن رجوع اإلنسان إلى اهلل ‪ ‬ساعة ّ‬
‫ّ‬

‫أن هذا الرجوع‬ ‫ﲠ ﲡ ﲢ ﲣﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﱠ فصلت‪ّ ،٣١ :‬‬


‫فيبين ّ‬

‫وافراد اهلل ‪ ‬بالدعاء‪ ،‬من أقوى األدلّة على استكنان اإليمان باهلل‪ ،‬وتوحيده في الفطرة البشرية(‪،)1‬‬

‫ومن ذلك أيضاً ما جاء عند تفسيره لقوله تعالى‪ :‬ﱡﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ‬

‫ﱒﱔﱕﱖﱗﱘ ﱙﱚﱛﱜ‬
‫ﱓ‬ ‫ﱍﱏﱐﱑ‬
‫ﱎ‬ ‫ﱉﱊﱋﱌ‬

‫ﱟ ﱡﱢﱣﱤﱥ ﱦ ﱧﱨﱩ ﱪ ﱫﱬ ﱭ‬
‫ﱠ‬ ‫ﱝﱞ‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪.0628-0627‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬

‫‪45‬‬
‫ﱮﱯﱰﱱﱲﱳﱴﱵﱶﱷﱸﱹ ﱺﱻﱼ‬

‫ﲎ‬ ‫ﲍ‬ ‫ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ‬

‫ﲘﲚﲛﲜﲝﲞ‬
‫ﲙ‬ ‫ﲔﲖﲗ‬
‫ﲕ‬ ‫ﲏﲐﲑﲒﲓ‬

‫توجهها‬
‫المستكن في الفطرة‪ ،‬هو الذي يقف وراء ّ‬
‫ّ‬ ‫ﲟ ﲠ ﲡﱠ يونس‪ ،٨٥–٨١ :‬فالتوحيد‬

‫خضم ذلك باالستقامة على أمره؛ فاإلنسان‬


‫ّ‬ ‫التوجه في األزمات‪ ،‬بل تَ ِعد في‬
‫ّ‬ ‫حق‬
‫إلى اهلل ‪ّ ‬‬

‫مدرك لرعاية اهلل ‪ ‬له‪ ،‬لكن بسبب حرص الكافرين على هذه الدنيا‪ ،‬ينأون عن أمر اهلل‬

‫ويرفضون رعايته في الهداية؛ فطبيعة اإلنسان ال يالئمها إال التوحيد‪ ،‬وفي حال ابتعادها عن اهلل‬

‫(‪)1‬‬
‫مريضة في النعمة والنقمة‪.‬‬

‫المسألة الثانية‪ :‬اإليمان باليوم اآلخر‬

‫رّكز الشيخ كثي اًر على ركن اإليمان باليوم اآلخر بالمقارنة مع غيره من أركان اإليمان وترجع‬

‫أهمية هذا الركن في الحديث عن أمراض القلوب إلى األسباب التالية‪:‬‬


‫ّ‬

‫إن "السبب الرئيس للكفر بالوحي هو الكفر باآلخرة واالطمئنان إلى الدنيا"(‪)2‬؛ ففي سياق‬
‫‪ّ .0‬‬

‫ﲈﲊ‬
‫ﲉ‬ ‫ﲁ ﲃ ﲄﲅ ﲆ ﲇ‬
‫ﲂ‬ ‫تفسير قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐﱾ ﱿ ﲀ‬

‫أن عّلة هذا العصر هي الغفلة عن معرفة اهلل ‪‬‬


‫حوى ّ‬ ‫ﲌﱠ يونس‪ّ ،٨-٥ :‬‬
‫يبين ّ‬ ‫ﲍ‬ ‫ﲋ‬

‫(‪)3‬‬
‫وعما تقتضيه هذه المعرفة من االلتزام بدين اهلل‪ ،‬واتّباع رسوله ‪.‬‬
‫واليوم اآلخر‪ّ ،‬‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪ ، 2111‬ج‪ 8‬ص‪1273‬؛ ولالطّالع على مزيد من األمثلة‪ ،‬انظر‪ :‬ج‪ 3‬ص‪،2133‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫ج‪ 6‬ص ‪.2216‬‬

‫(‪)2‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪.2128‬‬

‫(‪)3‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪.2127-2126‬‬

‫‪46‬‬
‫الشك فيه‪ ،‬أو الغفلة عنه‪ ،‬هو العلّة الكبرى في‬
‫ّ‬ ‫إن انعدام اإليمان باليوم اآلخر أو‬
‫‪ّ .2‬‬

‫المواقف الخاطئة‪ ،‬فقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐﳒ ﳓ ﳔ ﳕ ﳖ ﳗ ﳘﳙ ﳚ ﳛ ﳜ‬

‫فصلت والتي اشتملت على جملة من‬ ‫ﳝ ﳞﳟﱠ ّ‬


‫فصلت‪ ،٣٨ :‬كان خاتمة لسورة ّ‬

‫مواقف الكافرين الخاطئة كاإلعراض عن آيات اهلل‪ ،‬واتّخاذ األنداد من دونه ‪ ،)1(‬ومن‬

‫مواقف الكافرين أيضًا االشمئزاز الذي يقابل به الكافرون ذكر اهلل وحده‪ ،‬كما في قوله‬

‫ﲛﲝ‬
‫ﲜ‬ ‫تعالى‪ :‬ﱡﭐﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ‬

‫ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥﱠ الزمر‪ ،٨٣:‬واالستبشار بعالم‬

‫(‪)2‬‬
‫ٍ‬
‫مستشر في هذا العصر‪.‬‬ ‫األسباب من دون اهلل ‪ ‬داء‬

‫فإن جرأة الكافرين على اهلل ‪ّ ‬إنما هي ناجمة عن كفرهم باآلخرة؛ فسالمة‬
‫‪ .3‬كذلك ّ‬

‫التصور عن اليوم اآلخر‪ ،‬ومن المواضع‬


‫ّ‬ ‫التصور عن الذات اإللهية‪ ،‬مرتبطة بسالمة‬
‫ّ‬

‫القرآنية التي تُظهر ج أرة الكافرين على اهلل ‪ ،‬قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐﱗ ﱘ ﱙ‬

‫ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞﱠ النحل‪ ،٣٥ :‬وفي نفس السياق يرد قوله تعالى‪ :‬ﱡﱿ‬

‫ﲈ ﲊﲋ ﲌﲍﱠ النحل‪،٤٣ :‬‬


‫ﲉ‬ ‫ﲄﲆﲇ‬
‫ﲅ‬ ‫ﲀﲁﲂﲃ‬

‫يبين الشيخ من خالل‬


‫أن هذه المواقف سببها الكفر باآلخرة؛ وفي المقابل ّ‬
‫مما ُيشعر ّ‬
‫ّ‬

‫التصورات عن اليوم اآلخر ناجمة عن الخلل في معرفة‬


‫ّ‬ ‫أن الخلل في‬
‫سياق سورة الروم ّ‬

‫أن أعظم خلل في معرفة اهلل هو الشرك‪ ،‬ثم ّبي ن كيف عالجت السورة هذا‬
‫اهلل ‪ ،‬و ّ‬

‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪.3138‬‬


‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)1‬‬

‫(‪)2‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪.1211‬‬

‫‪47‬‬
‫ﱶﱸﱹ‬
‫ﱷ‬ ‫الخلل –الشرك‪ -‬من خالل قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐﱲ ﱳ ﱴ ﱵ‬

‫ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ‬

‫ﲈ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎﲏﱠﭐ‬
‫ﲉ‬ ‫ﲆ ﲇ‬

‫(‪)1‬‬
‫التصور‬
‫ّ‬ ‫كل تص ّور تعتمد على سالمة‬
‫أن سالمة ّ‬
‫مما سبق ّ‬
‫الروم‪ ٨٤:‬؛ ويمكن الفهم ّ‬

‫اآلخر‪.‬‬

‫‪ .1‬كذلك تظهر أهمية هذا الركن في كونه أحد األمور التي يتوقّف عليها فهم كتاب اهلل ‪‬‬

‫وقد أشار الشيخ إلى هذا المعنى في تفسيره لقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐﲚ ﲛ ﲜ ﲝ‬

‫ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥﲦﱠ اإلسراء‪ ،٨٣:‬حيث إ ّن من‬

‫جملة االستسالم هلل ‪ ‬االستسالم لكتابه‪ ،‬والذي هو أثر عن فهم الكتاب‪ ،‬وهذا الفهم ال‬

‫الجاد على‬
‫ّ‬ ‫بمقدمات منها اإليمان باهلل ‪ ‬واليوم اآلخر‪ ،‬كذلك اإلقبال‬
‫بد أن يسبق ّ‬
‫ّ‬

‫حوى بقول عمر ‪" :‬لقد‬


‫المقدمات‪ ،‬وفي هذا المقام يستشهد ّ‬
‫ّ‬ ‫االستماع وغير ذلك من‬

‫(‪)2‬‬
‫عشنا برهة من دهر وأحدنا يؤتى اإليمان قبل القرآن"‪.‬‬

‫إن "نقطة البداية في السلوك‬


‫‪ .3‬ولإليمان باليوم اآلخر آثاره في السلوك البشري؛ حيث ّ‬

‫أن عليه أن يصوغ حياته‬


‫ال أمام اهلل ‪ ،‬و ّ‬
‫البشري أن ينطلق اإلنسان من كونه مسؤو ً‬

‫انطالقاً من هذه الحقيقة"(‪ ،)3‬فالكالم عن اليوم اآلخر دافع للتحلي‪ ،‬كما هو دافع للتخلي‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 6‬ص‪ ،2233‬ج‪ 8‬ص‪.1262‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫محمد بن سالمة األزدي (ت‪320‬ه)‪،‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 6‬ص‪3180‬؛ وقول عمر ‪ ‬رواه الطحاوي‪ ،‬أبو جعفر أحمد بن ّ‬
‫(شرح مشكل اآلثار)‪ ،‬ح ّققه شعيب األرنؤوط‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪0103 ،0‬ه‪0221-‬م‪ 06 ،‬جزء‪ ،‬باب بيان مشكل ما روي عن رسول‬
‫اهلل ‪ ‬من قوله‪" :‬الدين النصيحة"‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪ ،81‬حديث رقم ‪.0133‬‬

‫(‪)3‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 00‬ص‪.6313‬‬
‫ّ‬
‫‪48‬‬
‫أن سورتي الواقعة والحاقّة نموذجان على‬
‫حوى ّ‬
‫ودافع لاليمان‪ ،‬كما أنه دافع للعمل؛ ويرى ّ‬

‫إن‬
‫السور التي تعرض اليوم اآلخر‪ ،‬ثم تبني على ذلك ما ينبغي أن ُيبنى عليه من بناء‪ْ ،‬‬

‫قدم الحديث عن اليوم اآلخر في‬


‫ثم تَ ّ‬
‫في مجال اإليمان أو في مجال العمل‪ ،‬ومن ّ‬

‫السورتين؛ للوصول إلى ما ينبغي أن ُيبنى عليه‪ ،‬فسورة الحاقّة –على سبيل المثال‪-‬‬

‫قدمت للكالم عن يوم القيامة بما هو غاية في الفخامة والتعظيم‪ ،‬كما في قوله تعالى‪:‬‬
‫ّ‬

‫ﱡﭐﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﱠ الحاقة‪٥ - ١ :‬؛ فقرعت اآلذان‬

‫لماهية الحاقّة‪ ،‬وذلك في اآليات من قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱞ ﱟ ﱠ‬


‫ّ‬ ‫ثم جاء تفصيل‬
‫والقلوب‪ّ ،‬‬

‫ﱡ ﱢ ﱣﱤﱠ الحاقة‪ ،١٥ :‬إلى قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋﱠ‬

‫يحضون على طعام‬


‫ّ‬ ‫ثم بنت على ذلك ما بنت من بيان عاقبة الذين ال‬
‫الحاقة‪ّ ،٥٥ :‬‬
‫(‪)1‬‬
‫أما عن آثار التكذيب باليوم اآلخر‬
‫حق‪ ،‬و ّأنه تذكرة للمتّقين ‪ّ ،‬‬
‫المسكين‪ ،‬وكون القرآن ّ‬

‫بيان بعضها؛ من جفاء اليتيم‪ ،‬وعدم العطف‬


‫في السلوك البشري؛ ففي سورة الماعون ُ‬
‫(‪)2‬‬
‫منع للماعون‪.‬‬
‫على المسكين‪ ،‬والتهاون في الصالة والمراءاة فيها‪ ،‬ومن ٍ‬

‫لماذا ينكر الكافر اليوم اآلخر‪:‬‬

‫في تفسير الشيخ لقوله تعالى‪ :‬ﱡﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚﲛﱠ‬

‫أهم أسباب إنكار الكافر ليوم الحساب‬


‫يعد من ّ‬
‫أن الشعور بعدم المسؤولية ّ‬
‫يبين ّ‬
‫القيامة‪ّ ،٤ –٣ :‬‬

‫فالقيود والضوابط التي يقتضيها قبول التكليف اإللهي‪ ،‬والمترتّبة على اإليمان باليوم اآلخر تدفع‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 01‬ص‪.6002-6016‬‬
‫ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 00‬ص‪.6711‬‬

‫‪49‬‬
‫الكافر إلنكار ذلك اليوم‪ ،‬ومن األشكال المعاصرة العتقاد عدم المسؤولية أمام اهلل ‪ :‬حرية‬

‫(‪)2‬‬
‫االنسان المطلقة في المذاهب الوجودية(‪ ،)1‬وحرية اإلنسان في التشريع في المذاهب السياسية‪.‬‬

‫أن االنسان‬
‫أن قضيتي استبعاد اليوم اآلخر‪ ،‬وتصور ّ‬
‫حوى ّ‬
‫ومن حيث الواقع البشري يرى ّ‬

‫حاد‪ ،‬بل ّإنهما محور أكثر ما‬


‫تصرفاته‪ ،‬غير مسؤول عنها أمام اهلل ‪ ‬تبرزان بشكل ّ‬
‫ّ‬ ‫حر في‬
‫ّ‬

‫أن سورة القيامة قد ناقشت‬


‫يبين ‪ّ ‬‬
‫يكتب في العالم‪ ،‬وفي مقام المعالجة لهذا االنحراف الفكري‪ّ ،‬‬

‫هاتين القضيتين‪ ،‬وبقدر ما يحدث انصهار بمعاني هذه السورة من جانب‪ ،‬وعمل بتوجيهات سورة‬

‫اإلنسان من جانب آخر‪ ،‬يكون االبتعاد عن التصورات اإلنسانية الخاطئة في باب مسؤولية‬

‫اإلنسان؛ فقد بعثت سورة اإلنسان على السير إلى اهلل ‪ ،‬وذ ّكرت بشكل ضمني بالوفاء بالنذر‬

‫أعد اهلل‬
‫وبإطعام الطعام وبالخوف من اهلل ‪ ،‬وبالصبر وبالشكر‪ ،‬وح ّذرت من الكفر‪ ،‬وذكرت ما ّ‬

‫أمهات في الطريق إلى اهلل ‪ ،‬فكان من جملة‬


‫أعده لألبرار‪ ،‬وهذه معان تعتبر ّ‬
‫‪ ‬للكفار‪ ،‬وما ّ‬

‫ما ختمت به السورة قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐﱝ ﱞ ﱟﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧﱠ‬

‫اإلنسان‪ ،٨٨:‬ومن المعاني التي ذكرتها سورة القيامة‪ :‬االعتياد على محاسبة النفس ولومها على‬

‫حب اآلخرة والزهد في الدنيا‪ ،‬واإليمان‬


‫المعصية أوالتقصير‪ ،‬وتل ّقي القرآن باإلنصات الكامل‪ ،‬و ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫والصالة‪ ،‬والعلم بالمسؤولية أمام اهلل ‪ ‬والمحاسبة‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫األول من هذا البحث‪ ،‬ص‪.21‬‬
‫سبق التعريف بها في الفصل ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 00‬ص ‪ 6266‬و ص‪.6273‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)3‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 00‬ص‪ 6316-6313‬وص‪.6228-6227‬‬

‫‪51‬‬
‫دواء الغفلة عن اليوم اآلخر‪:‬‬

‫أن دواء الغفلة عن اليوم اآلخر يكون بالذكر‪ ،‬وتالوة القرآن‪ ،‬والعلم‪ ،‬وبصحبة‬
‫يرى الشيخ ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫يبين من خالل‬
‫الذاكرين‪ ،‬والعلماء العاملين الطالبين لوجه اهلل ‪ ،‬الراغبين في اآلخرة ‪،‬كذلك ّ‬

‫ﲷ‬ ‫ﲶ‬ ‫تفسيره لقوله تعالى‪ :‬ﱡ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ‬

‫أن اإليمان باهلل ‪ ‬يستتبع بالضرورة‬ ‫ﲻ ﱠ الرعد‪ّ ،٣ :‬‬


‫يبين ّ‬ ‫ﲼ‬ ‫ﲸ ﲹ ﲺ‬

‫بد أن‬
‫اإليمان باليوم اآلخر‪ " ،‬فمن عرف قدرة اهلل ال يستكثر عليها أن تعيد الخلق"؛ فمعرفة اهلل ال ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫يترتّب عليها ما تقتضيه هذه المعرفة"‪.‬‬

‫تنمي‬
‫أن عالج الغفلة عن اليوم اآلخر‪ ،‬يكون بالسير في السبل التي ّ‬
‫ومما سبق يمكن القول ّ‬
‫ّ‬

‫معرفة اهلل ‪ ‬في قلب المؤمن‪.‬‬

‫للحق‪ ،‬والعبودية هلل ‪ ‬واإلخالص فيها‬


‫ّ‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬اإلذعان‬

‫عدة مسائل‪:‬‬
‫وفيه ّ‬

‫للحق‬
‫ّ‬ ‫المسألة األولى‪ :‬التسليم واالتّباع الكامل‬

‫صحة النقل وصحة الفهم‪ ،‬وهذا‬


‫الحجة على ّ‬
‫ّ‬ ‫إن عالم اإليمان عالم تسليم‪ ،‬وذلك بعد أن تقوم‬
‫ّ‬

‫سبيل راحة العقل والقلب معًا‪ ،‬فالدخول إلى هذا العالم بجدل الفلسفات مفسد للعقل وللقلب‬

‫(‪)3‬‬
‫فإن المعرفة الكاملة باهلل ‪ ‬تقتضي اإلخبات‬
‫وللفطرة ‪ ،‬هذا من جانب‪ ،‬ومن جانب آخر ّ‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪.2127-2126‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪.2727‬‬

‫(‪)3‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪.0710‬‬

‫‪51‬‬
‫(‪)2‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫ظل قوله‬
‫أن الطبيعة البشرية مفتقرة إلى الوحي كي يه ّذبها ‪ ،‬ففي ّ‬
‫سيما و ّ‬
‫والتسليم لحكمه ‪ ،‬ال ّ‬

‫تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﭐﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﱠ‬

‫يبين الشيخ أ ّن االتباع هو النتيجة التلقائية لإليمان‪ ،‬وذلك بأن ينقاد القلب لكتاب‬
‫الحديد‪ّ ،١٤ :‬‬
‫(‪)3‬‬
‫بد من اإليمان والتسليم؛ فإبليس لم ينكر صفات اهلل ‪ ،‬وال وجوده ومع‬
‫اهلل ‪ ‬ويطيعه ‪ ، ،‬فال ّ‬

‫ذلك هو كافر(‪ ،)4‬ومن حيث الواقع المعاصر فإ ّن أكثر المجتمعات البشرية مؤمنة بوجود اهلل ‪،‬‬

‫(‪)5‬‬
‫لكنه إيمان يرافقه عدم استعداد للتقلي عن اهلل‪ ،‬فالمشكلة تكمن في استعداد اإلنسان‪.‬‬
‫ّ‬

‫ومستكناً في فطرة اإلنسان ‪-‬كما سبق‬


‫ّ‬ ‫ويمكن تعليل ما سبق بكون اإليمان فطرّيًا وعميقًا‬

‫التكبر والتعالي على أمر اهلل ‪ ‬فهو مكتسب من خالل البيئة والتفاعالت‬
‫ّ‬ ‫أما‬
‫بيانه‪ّ ،-‬‬

‫جل البيئات والمجتمعات‬


‫االجتماعية وأساليب التربية‪ ،‬وقد غاب منهج اإلسالم وتربيته الح ّقة عن ّ‬

‫البشرية؛ فأورث ذلك عدم استعداد للتلقي عن اهلل ‪ ‬عند هذه المجتمعات‪.‬‬

‫أن التسليم المراد ّإنما هو التسليم الكامل ألمر اهلل ‪ ،‬وبالرغم من كون‬
‫حوى ّ‬
‫يبين ّ‬
‫كذلك ّ‬

‫أن هذا ال يعفي من االلتزام بأوامر اهلل ‪ ‬كّلها‬


‫أمر شا ّقًا‪ّ ،‬إال ّ‬
‫موضوع المتابعة بالحق والخير ًا‬

‫(‪)1‬‬
‫مما‬
‫خاص من المعرفة ّ‬
‫ّ‬ ‫حوى إلى نوع‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪730‬؛ وفي هذا الموضع من التفسير يشير ّ‬ ‫انظر‪ّ :‬‬
‫يعين في أمر الخضوع واالحتكام لكتاب اهلل ‪ ،‬وذلك في تفسيره لآليات [‪ ]26-23‬من سورة آل عمران‪ ،‬يقول ‪" :‬هذا كلّه يقتضي‬
‫عز‪ ،‬أو ذ ّل لغيرنا عن االستقامة‬
‫المعز المذ ّل؛ حتّى ال يحرفنا ُملك‪ ،‬أو رزق‪ ،‬أو ّ‬
‫ّ‬ ‫بأنه مالك الملك‪ ،‬المعطي المانع‪،‬‬
‫معرفة كاملة باهلل‪ّ ،‬‬
‫ألن اهلل ‪ ‬هو الذي يعطي هذا كلّه؛ فعلينا أن نستقيم‬
‫عز‪ّ ،...‬‬ ‫على أمر اهلل‪ ،‬وقد نهينا عن مواالة الكافرين ‪ ،...‬طلباً لجاه أو ملك أو ّ‬
‫على أمره‪ ،‬ونترك له ‪ ‬أمر تدبير أمورنا"‪ ،‬ويقول عن أهل الكتاب‪ ..." :‬فلو أروا بقلوبهم هلل هذا‪ ،‬وسلّموا‪ ،‬لم يمنعهم حسد عن قبول‬
‫الحق وقبوله"‪.‬‬
‫ّ‬ ‫نقر هلل بهذا‪ ... ،‬وأمرنا أ ّال نوالي الكافرين الذين يستكبرون عن اتّباع‬
‫أن ّ‬‫ثم أمرنا نحن ّ‬
‫الحق ّأنى كان‪ ،‬ومن ّ‬
‫ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫حوى إلى ذلك في تفسيره لسورة الفجر‪ ،‬اآليات [‪.]21-03‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 00‬ص‪6303‬؛ وقد أشار ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 01‬ص‪3712-3718‬؛ وانقياد القلب هو انقياد العقل‪ ،‬وذلك بناء على كون العقل أحد معاني القلب‪،‬‬
‫وذلك إذا د ّل القلب على اللطيفة العالمة المدركة من اإلنسان‪ ،‬كما سبق بيانه صفحة ‪ ،27‬وبانقياد العقل وطاعته‪ ،‬تنقاد الجوارح وتطيع‪.‬‬

‫(‪)4‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪.0880‬‬

‫(‪)5‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪.2123‬‬

‫‪52‬‬
‫بد أن يكون االلتزام بحذافيره؛ فميزان اهلل دقيق‪ ،‬وقد أشار إلى هذا المعنى في تعقيبه على‬
‫بل ال ّ‬

‫قصة يونس ‪ ‬في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ‬


‫ّ‬

‫ﲅﲆﲇ ﲈﲉﲊﲋﲌﲍﲎﲏﲐﲑ ﲒﲓﲔ‬

‫ﲕﲖﲗﲘﲙﲚﲛﲜﲞﲟﲠﲡﲢﲣﲤﲥ‬

‫ﲦﲧﲨﲩﲪﲫﲬﲭﲮﲯ ﲰﲱﲲﲳﲴﱠ‬

‫الصافات‪١٨٤ - ١٥٨ :‬؛ فيونس ‪ ‬عندما ترك مكانه دون إذن لم يفر من عقاب اهلل ‪– ‬‬

‫وهو رسول‪.)1(-‬‬

‫ومن خالل قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ‬

‫ﲽ ﲾ ﱠ‬ ‫ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ‬ ‫ﲳ‬ ‫ﲲ‬

‫أن االستجابة الكاملة ألمر اهلل ‪ ‬هي سبب توفيق القلوب للخير‪ ،‬وفي‬
‫حوى ّ‬
‫يبين ّ‬
‫األنفال‪ّ ،٨٨:‬‬

‫حال عدم االستجابة ستكون العقوبة تقليب القلب‪ ،‬أو ابتعاده عن المعاني اإليمانية الصالحة لعدم‬

‫استقامة الجوارح‪ ،‬أو تفويت الفرصة على اإلنسان للوصول إلى اإلخالص هلل ‪ ‬بالموت أو‬

‫(‪)2‬‬
‫أما على مستوى الجماعة فيشير في ثنايا‬
‫بالصوارف عن االستقامة ‪ ،‬وهذا على مستوى الفرد‪ّ ،‬‬

‫ﱬﱮﱯﱰﱱﱲ‬
‫ﱭ‬ ‫تفسيره لقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ‬

‫ﱿ ﲁﲂ‬
‫ﲀ‬ ‫ﱸﱺﱻ ﱼﱽﱾ‬
‫ﱹ‬ ‫ﱳﱴ ﱵ ﱶﱷ‬

‫ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﱠ البقرة‪ ،٤٣ :‬يشير إلى حقيقة َك ْون ما ورد في هذه اآلية ُسّنة من‬

‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 8‬ص‪.1732‬‬


‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)1‬‬

‫(‪)2‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪.2017‬‬

‫‪53‬‬
‫الذل والهوان وتسلّط األمم على‬
‫سنن اهلل ‪ ‬في خلقه ‪-‬وان كانت واردة في بني إسرائيل‪ ،-‬فواقع ّ‬

‫أمة اإلسالم اليوم‪ ،‬هو عاقبة التطبيق الجزئي لكتاب اهلل ‪ ،‬الناجم عن استحباب الحياة الدنيا‬
‫ّ‬

‫على اآلخرة‪ ،‬وذلك لقوله تعالى في اآلية التالية‪ :‬ﱡﭐﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ‬

‫ﲌﱠ البقرة‪٤٤ :‬؛ فال ّ‬


‫بد من العودة الكاملة لكتابه ‪ ،‬على مستوى الفرد واألسرة والدولة‬ ‫ﲍ‬

‫بد من معالجة سبب التطبيق الجزئي عن طريق غرس حب اآلخرة وتفضيلها على‬
‫األمة‪ ،‬وال ّ‬
‫و ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫كل مسلم‪ ،‬وهذا سبيل الخروج من الذلّة‪.‬‬
‫الدنيا‪ ،‬وذلك في قلب ّ‬

‫المسألة الثانية‪ :‬ما الذي يشمله دين اهلل ‪‬؟‬

‫الحق‪ ،‬وما الذي يشمله دين اهلل حتّى يكون‬


‫ّ‬ ‫إن الحديث السابق يدعوني للحديث عن ماهية‬
‫ّ‬

‫المسلم على بصيرة من أمره‪ ،‬وقد وجدت الكالم المتعلّق بذلك يرّكز كثي اًر على قضية الحاكمية هلل‬

‫ظل ما يشهده الواقع من تعطيل لشرع اهلل ‪ ،‬فعلى سبيل‬


‫كل األمور‪ ،‬وذلك في ّ‬
‫‪ ‬في ّ‬

‫في تفسير الشيخ لقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤﱠ النحل‪:‬‬ ‫(‪)2‬‬


‫المثال‬

‫الحق‪ ،‬و ّأنه ال يسع المسلم‬


‫ّ‬ ‫‪ ،٤٨‬يقول ‪" :‬ما من قضية من قضايا الوجود‪ ،‬إال وهلل فيها الحكم‬

‫أن يخرج عن حكم اهلل‪ ،‬أو يتخّلى عنه"(‪ ،)3‬وينكر في هذا المقام على ما يشهده واقع المسلمين‬

‫من استيراد أفكار وعادات وقوانين ودساتير بدون قيود(‪.)4‬‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪.072-078‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫لالطّالع على مزيد من األمثلة‪ ،‬انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪ 22‬و ج‪ 2‬ص‪.800‬‬

‫(‪)3‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 6‬ص‪.2281‬‬

‫(‪)4‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج ‪ 6‬ص‪.2283-2281‬‬

‫‪54‬‬
‫حوى في مواطن الحديث عن ذلك من النقل عن صاحب الظالل؛ ففي تفسير قوله‬
‫وقد أكثر ّ‬

‫تعالى‪:‬ﱡﭐﲔﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛﲜ ﲝﲞﱠ يوسف‪ ،٥٤:‬يقول صاحب‬

‫يحدد مدلول كلمة الدين ‪-‬في هذا الموضع‪ -‬تحديداً دقيقاً؛ ّإنه يعني‪:‬‬
‫النص ّ‬
‫ّ‬ ‫إن هذا‬
‫الظالل‪ّ " :‬‬

‫نظام الملك وشرعه‪ ،...‬هذا المدلول القرآني الواضح‪ ،‬هو الذي يغيب في جاهلية القرن العشرين‬

‫صرون‬
‫عن الناس جميعاً‪ ،‬سواء منهم من يدعون أنفسهم مسلمين‪ ،‬وغيرهم من الجاهليين‪ّ ،‬إنهم ي ْق ُ‬

‫كل من يعتقد في وحدانية اهلل‪ ،‬وصدق رسوله ‪،‬‬


‫ويعدون ّ‬
‫مدلول الدين على االعتقاد والشعائر‪ّ ،‬‬

‫ال‬
‫وشره‪ ،‬ويؤدي الشعائر المكتوبة داخ ً‬
‫ويؤمن بمالئكته‪ ،‬وكتبه‪ ،‬ورسله‪ ،‬واليوم اآلخر‪ ،‬والقدر خيره ّ‬

‫في دين اهلل‪ ،‬مهما تكن دينونته بالطاعة والخضوع‪ ،‬واق ارره بالحاكمية لغير اهلل ‪ ‬من األرباب‬

‫بأنه نظام الملك وشريعته‬


‫يحدد مدلول دين الملك ّ‬
‫النص القرآني هنا ّ‬
‫ّ‬ ‫المتفرقة في األرض‪ ،‬بينما‬

‫وكذلك دين اهلل فهو نظامه وشريعته‪ ،...‬الدينونة هلل وحده بالتزام ما شرعه‪ ،‬ورفض ما يشرعه‬

‫(‪)1‬‬
‫غيره"‪.‬‬

‫أما عن الدوافع التي تقف وراء التخلي عن شرع اهلل ‪ ،‬ففي المسألة التالية حديث ضمني‬
‫ّ‬

‫عن ذلك‪.‬‬

‫للحق‬
‫ّ‬ ‫ظل اإلذعان‬
‫المسألة الثالثة‪ :‬مفهوم السعادة والشقاء في ّ‬

‫وشاهد لذلك‬
‫ٌ‬ ‫إن السعادة مالزمة التّباع دين اهلل ‪ ،‬مهما كان هذا المتّبع غارقًا في اآلالم‪،‬‬
‫ّ‬

‫في قول سحرة فرعون بعد إيمانهم‪ :‬ﱡﭐﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶﱠ طه‪ ،٥٨ :‬والشقاء‬

‫(‪)1‬‬
‫قطب‪ ،‬سيد قطب إبراهيم ( ت‪0383‬ه)‪( ،‬في ظالل القرآن)‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬بيروت‪ -‬القاهرة‪ ،‬ط‪0102 ،07‬ه‪ 6 ،‬أجزاء‪ .‬ج‪1‬‬
‫ص‪.2120-2121‬‬

‫‪55‬‬
‫مالزم لإلعراض عن دين اهلل‪ ،‬مهما كان ذلك الرافض غارقاً في الل ّذات(‪ ،)1‬وفيما يلي مزيد بيان‬

‫لمفهوم السعادة والشقاء‪:‬‬

‫أن سورة طه‪ ،‬قد اشتملت على تصحيح للمفاهيم الخاطئة في موضوع سعادة‬
‫حوى ّ‬
‫‪ .0‬يرى ّ‬

‫وضح ذلك من خالل اآلتي‪:‬‬


‫اإلنسان‪ ،‬وقد ّ‬

‫إن دين اهلل هو الذي يجعل اإلنسان صديقًا مع نفسه‪ ،‬وهو الذي يوجد صيغة للتعايش‬
‫أ‪ّ " .‬‬

‫المريح بين الخلق"(‪ ،)2‬ويبرهن على ذلك من خالل كون التشريعات اإلسالمية تهدف إلى‬

‫(‪)3‬‬
‫إبعاد المؤمنين عن كل خالف‪ ،‬مثل تحريم الغيبة والخمر والربا‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬

‫إن الل ّذة ال تعني السعادة‪ ،‬واذا عنت السعادة اآلنية؛ فإّنها تعني الشقاء المضاعف‬
‫ب‪ّ " .‬‬
‫(‪)4‬‬
‫صحح‬
‫فإن ميزان الشقاء والسعادة عند أهل الكفر هو نعيم الدنيا‪ ،‬وقد " ّ‬
‫البعيد" ‪ ،‬ومع ذلك ّ‬

‫مد البصر نحو ما يتمتّع به الكافرون"(‪ ،)5‬حيث قال‬


‫التصور من خالل النهي عن ّ‬
‫ّ‬ ‫اهلل هذا‬

‫تعالى‪ :‬ﱡﭐﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲚ‬
‫ﲙ‬

‫ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟﱠ طه‪.١٥١:‬‬

‫ت‪ .‬السعادة لمن اتّبع‪ ،‬والشقاء لمن أعرض‪ ،‬متح ّققان في الدنيا واآلخرة‪ ،‬كما في قوله‬

‫تعالى‪:‬ﱡﭐﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎﱠ‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪7‬ص‪ 3371‬و ص‪.3101‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ج‪7‬ص‪.3100‬‬

‫(‪)3‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 7‬ص‪.3100‬‬

‫(‪ )4‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪7‬ص‪.3100‬‬

‫(‪ )5‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪7‬ص‪.3103‬‬

‫‪56‬‬
‫(‪)1‬‬
‫أما ما يتعلق بالدنيا‬
‫طه‪ ،١٨٨:‬وقد دلّت األدلّة القرآنية على ما يتعلّق باآلخرة بشكل قاطع ‪ّ ،‬‬

‫كل مخالفة يرتكبها اإلنسان مفردًا أو‬


‫حوى إلى العقوبات الفطرية التي تترتّب على ّ‬
‫فيشير ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫ترتكبها جماعة‪ ،‬أو ترتكبها اإلنسانية جمعاء‪.‬‬

‫ث‪ .‬عقوبات اهلل الدنيوية التي حّلت بالمكذبين السابقين‪ ،‬هي سبيل اهتداء لمن يك ّذب فيما‬

‫بعد؛ لذا استنكرت سورة طه عدم اهتداء المكذبين‪ ،‬مع ما يعرفونه من تلك العقوبات‪ ،‬كما في‬

‫ﱣﱥﱦ‬
‫ﱤ‬ ‫قوله تعالى‪ :‬ﭐﱡﭐ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ‬

‫ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱠ طه‪.١٨٤ :‬‬

‫‪ .2‬من خالل قوله تعالى‪ :‬ﱡﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜﲝﱠ‬

‫أن اإليمان ال‬


‫العنكبوت‪ ،٨:‬يتطرق الشيخ إلى قضية يخطئ في فهمها كثير من الناس‪ ،‬وهي ّ‬

‫إن بعض الناس يجعل هذه‬


‫يرافقه امتحان؛ من خوف‪ ،‬أو أذى‪ ،‬أو تقتير رزق‪ ،‬أو غير ذلك‪ ،‬بل ّ‬

‫األمور عالمة على الخطأ في السير إلى اهلل ‪‬؛ فاإليمان يرافقه امتحان‪ ،‬والنجاح فيه هو‬

‫فصلت سورة العنكبوت في ذلك‬


‫ثم تكون العاقبة ألهل اإليمان‪ ،‬وقد ّ‬
‫عالمة الصدق في اإليمان‪ّ ،‬‬

‫قصة نوح ‪ ‬في قوله تعالى‪:‬‬


‫فمن األمثلة التي ضربتها لخدمة هذه المعاني ما جاء من حكاية ّ‬

‫ﱡﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ‬

‫ﳅ ﳆ ﳇﳈ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇﱠ‬

‫كقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ‬ ‫(‪)1‬‬

‫ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺﲻ ﱠ الحج‪– ١٨ :‬‬
‫‪.٨٨‬‬
‫(‪)2‬‬
‫حوى إلى كتابه (اإلسالم) في الفصل الرابع للوقوف على تفاصيل‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪7‬ص‪3100‬؛ ويحيل ّ‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫ذلك‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫العنكبوت‪١٣ – ١٨:‬؛ ففي اآليات دالل ة على مقدار صبر األنبياء مع اشتداد الظروف‪ ،‬وكيف‬

‫للمدة التي مكثها نوح ‪ ‬إال في هذه السورة؛ لتُري مقدار‬


‫أن العاقبة تكون لهم؛ فلم يرد ذكر ّ‬
‫ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫المدة‪ ،‬وقد كان مع الصبر النصر‪.‬‬
‫الصبر رغم طول ّ‬

‫فإن االمتحان الدنيوي أهون بكثير من عقاب اهلل ‪ ‬للكافرين في اآلخرة(‪ ،)2‬فاإلمالء‬
‫كذلك ّ‬

‫الجنة هما العالمة‪ ،‬فال يخلو كافر من‬


‫واالبتالء‪ " ،‬ليسا عالمة على الكرامة واإلهانة‪ ،‬بل النار و ّ‬

‫شقاء‪ ،‬وال يحرم مؤمن من سعادة في الدنيا‪ ،‬والعاقبة للمتقين"(‪.)3‬‬

‫أن في قوله تعالى‪ :‬ﭐﱡ ﭐﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ‬


‫حوى ّ‬
‫يبين ّ‬
‫‪ّ .3‬‬

‫أن العبادة‬
‫يتصوره البعض من ّ‬
‫ّ‬ ‫ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁﲂﱠ النحل‪ ١١٨:‬تصحيحاً لما‬

‫الطيب جزء من‬


‫الطيبات والمباح‪ ،‬فقد ّبينت اآلية أن الشكر على الحالل ّ‬
‫قرينة الحرمان‪ ،‬وتحريم ّ‬

‫متضمن للتمتّع بهذا الحالل‪ ،-‬والعبادة تقتضي هذا الشكر(‪ ،)4‬كذلك في وصف‬
‫ّ‬ ‫العبادة –وهذا‬

‫حال ذي القرنين في قوله تعالى‪ :‬ﱡﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋﱠ‬

‫أن الدخول في دين اهلل ‪ ‬ال يعني التمكين‬


‫ظان ّ‬
‫يظنن ّ‬
‫الكهف‪ ،٤٨ :‬هدم أيضًا لهذا الوهم؛ فال ّ‬

‫إن التمكين يكون‬


‫في األرض‪ ،‬أو يعني الحرمان من الرزق‪ ،‬أو ينقص من قدر اإلنسان‪ ،‬بل ّ‬
‫(‪)5‬‬
‫أكبر‪ ،‬والرزق أحسن‪ ،‬والقدر أكمل‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 8‬ص‪ 1083‬و ص‪ 1066‬و ص‪ 1020‬و ص‪.1211‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪8‬ص‪.1211‬‬

‫(‪)3‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪.217‬‬

‫(‪)4‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 6‬ص‪.3113‬‬

‫(‪)5‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 6‬ص‪.3228-3227‬‬

‫‪58‬‬
‫المسألة الرابعة‪ :‬بين العبادة واالستعانة‬

‫أدق ما ذكره‬
‫حوى عن مقام العبودية يظهر تأثّره الواضح بصاحب الظالل‪ ،‬ومن ّ‬
‫في حديث ّ‬

‫إن حقيقة‬
‫حوى عن قطب بشأن العبادة‪ ،‬هو شمول العبادة للفهم والسلوك والعلم والعمل‪ ،‬بل ّ‬
‫ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫كل حركة في الضمير‪.‬‬
‫التوجه الى اهلل ‪ ‬في ّ‬
‫العبادة استقرار معنى العبودية هلل في النفس‪ ،‬و ّ‬

‫أن مقام العبودية هلل ‪ ‬يقتضي العبادة له‪ ،‬واالستعانة به‪ ،‬وطلب الهداية منه‬
‫حوى ّ‬
‫ويبين ّ‬
‫ّ‬

‫متضمنة في سورة‬
‫َّ‬ ‫وسبيل التح ّقق بهذا المقام هو السير في منهاج اهلل ‪ ،‬وهذه المعاني كلّها‬

‫الفاتحة؛ فاالهتداء "إلى الصراط المستقيم ال يكون إال باهلل‪ ،‬وال تنال عطايا اهلل ‪ ‬بالهداية ّإال‬

‫باالفتقار إليه‪ ،‬ومظهر ذلك طلب المعونة منه‪ ،‬وال يوصل إلى االفتقار مثل دوام العبادة‪ ،‬وال‬

‫عبادة إال بمعرفة‪ ،‬ومعرفة ال يعطى فيه الحمد كلّه هلل معرفة قاصرة‪ ،‬ينظر العبد ما أُعطي‬

‫فيقول‪ :‬الحمد هلل‪ ،‬فإذا ما استقرت معرفته‪ ،‬خاطب رّبه‪:‬ﱡﭐ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱠ‬

‫(‪)2‬‬
‫ثم دعاه بما هو األهم واألعظم وهو االهتداء في األمر كلّه"‪.‬‬
‫الفاتحة‪ّ ،٣ :‬‬

‫المسألة الخامسة‪ :‬اإلخالص في العبودية‬

‫إن العبرة في الشرع ّإنما هي لحسن العمل‪ ،‬وليس لكثرته‪ ،‬واإلخالص هو أحد شرطي حسن‬
‫ّ‬

‫العمل‪ ،‬فال تكون األعمال حسنة حتّى تكون خالصة لوجه اهلل ‪ ،‬وعلى وفق ما أمر‪ ،‬وقد أشار‬

‫الشيخ إلى هذا المفهوم‪ ،‬في تفسيره لقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐﱔﱕﱖ ﱗ ﱘﱙ ﱚ ﱛ‬

‫ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣﱤ ﱠ هود‪ ،)3( ٥ :‬فسمة اإلسالم هي الوحدة بين‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪1208‬؛ وانظر‪ :‬قطب‪( ،‬في ظالل القرآن)‪ ،‬ج‪ 6‬ص‪.3387‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪.32‬‬
‫ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪.2336‬‬
‫‪59‬‬
‫فتتوحد الشخصية‬
‫ّ‬ ‫الشعور والسلوك‪ ،‬بين العقيدة والعمل‪ ،‬وبهذا تصبح العقيدة منهجًا للحياة كلّها؛‬

‫(‪)1‬‬
‫فيستحق المؤمن عطاء اهلل ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫بكل نشاطها واتجاهاتها؛‬
‫اإلنسانية ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬التقوى‬

‫عدة مسائل‪:‬‬
‫وفيه ّ‬

‫المسألة األولى‪ :‬معنى التقوى‬

‫أن كلمة التقوى قد ُع ّرفت كثي ًار في القرآن الكريم‪ ،‬وقد حاول الوصول إلى تعريف‬
‫حوى ّ‬
‫يبين ّ‬
‫ّ‬

‫أن التقوى ملكة في‬


‫وملخص ذلك‪ّ :‬‬
‫ّ‬ ‫دقيق لها من خالل النصوص القرآنية واألحاديث النبوية‪،‬‬

‫محددة(‪،)3‬‬ ‫ٍ‬
‫معان ّ‬ ‫معينة‪ ،‬وعالمتها‬
‫معين‪ ،‬وتَنتج إذا وجدت آثار ّ‬
‫القلب تتكون من سلوك طريق ّ‬

‫خاصاً بحسب السياق الذي وردت فيه‪ ،‬فالتقوى في قوله‬


‫ّ‬ ‫أن التقوى تأخذ معنى‬
‫يوضح ‪ّ ‬‬
‫كذلك ّ‬

‫ﳓ ﳕ ﳖ ﳗ ﳘ ﳙ ﱠ األنفال‪،٤٨ :‬‬
‫ﳐﳒ ﳔ‬
‫ﳑ‬ ‫تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ‬

‫بأنها عدم اإلقدام على شيء لم ُيعهد للمسلمين فيه‪ ،‬وهذا يدخل تحت معنى الترك ألجل‬
‫فسرها ّ‬
‫ّ‬
‫(‪)4‬‬
‫اهلل ‪.‬‬

‫المسألة الثانية‪ :‬الطرق الموصلة للتقوى‬

‫في سياق تفسير اآليات المتعّلقة بالتقوى؛ كقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆﱇ ﱈﱉ ﱊ‬

‫ﱋ ﱌ ﱠ البقرة‪ ،٨ :‬إلى قوله تعالى‪ :‬ﱡﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧﱨ ﱩ ﱪ ﱫ‬

‫(‪)1‬‬
‫انظر‪ :‬قطب‪( ،‬في ظالل القرآن)‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪.011‬‬

‫(‪)2‬‬
‫وحسب نظرية الشيخ في تفسيره فقد كانت التقوى محو اًر لكثير من السور القرآنية‪ ،‬ولالطّالع على أمثلة من الحديث عن التقوى من‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪ 0121‬و ج‪ 7‬ص‪ 3616‬و ج‪ 2‬ص‪ 1868-1866‬و‬
‫خالل سياق بعض السور؛ انظر‪ّ :‬‬
‫ج‪ 01‬ص‪.3318‬‬
‫(‪)3‬‬
‫للتوسع في مقامي التقوى واإلحسان‪.‬‬
‫ّ‬ ‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 6‬ص‪2232‬؛ ويحيل الشيخ إلى كتابه (جند اهلل ثقافة وأخالقاً)‬

‫(‪)4‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪.2028‬‬

‫‪61‬‬
‫ﱬﱠ البقرة‪ ،٣ :‬وقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐﱓ ﱔ ﱕﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ‬

‫الالزمة لوجود‬ ‫ﱜ ﱝﱞ ﱟ ﱠﱡﱠﭐالبقرة‪ ،١٤٥:‬يشير ّ‬


‫حوى إلى المعاني ّ‬

‫بد من اإليمان باهلل ‪ ،‬وايمان بالوحي كّله‪ ،‬وباليوم اآلخر مع اإليمان بالغيب‬
‫التقوى؛ فال ّ‬

‫أما على مستوى العمل؛ فهناك أعمال كثيرة‬


‫التحرر من الكفر والنفاق‪ ،‬وهذا على مستوى القلب‪ّ ،‬‬
‫و ّ‬

‫تعد من الطرق الموصلة للتقوى‪ ،‬يصل بعضها ألن يكون ركنًا من أركان‬
‫في كتاب اهلل ‪ّ ‬‬

‫الحج؛ فعلى سبيل المثال ذبح الهدي من المناسك التي‬


‫اإلسالم كإقامة الصالة واإلنفاق والصوم و ّ‬

‫الحاج‪ ،‬وقد جاء في شأن هذه الذبيحة قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ‬


‫ّ‬ ‫يقوم بها‬

‫ﲾ ﱠ الحج‪ ،٥٥:‬فما يرّبي التقوى في نفس المؤمن أغلى في ميزان اهلل‬


‫ﲿ‬ ‫ﲻﲼﲽ‬

‫(‪)1‬‬
‫ماديات الدنيا‪.‬‬
‫كل ّ‬‫‪ ‬من ّ‬

‫أن الصوم أيضًا من وسائل تحقيق التقوى االجتماعية‬


‫حوى ّ‬
‫يبين ّ‬
‫أما على مستوى المجتمع ّ‬
‫ّ‬

‫كذلك القصاص لقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪﲫﱠ‬

‫البقرة‪ ،١٥٨ :‬والقصاص ال تستطيعه إال دولة حاكمة؛ فأصبح وجود السلطان والحكم والعقوبة‬

‫مما‬
‫األمة‪ ،‬ومن هنا ُيفهم قول عثمان ‪" :‬ما يزع اإلمام أكثر ّ‬
‫مما يلزم لتح ّقق التقوى عند أفراد ّ‬
‫ّ‬

‫يتسنى‬
‫المطبقة ألحكام اهلل ‪‬؛ حتّى ّ‬
‫ّ‬ ‫يزع القرآن"(‪)2‬؛ فال تقوى على الكمال إال بوجود الدولة‬

‫ذمته عند اهلل ‪ ‬عليه أن‬


‫تطبيق األحكام التي ال يستطيع المسلم إقامتها بمفرده‪ ،‬ولكي ُي ّبرئ ّ‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪ 83‬وص‪ 338‬و ج‪ 2‬ص‪ 0211‬و ج‪ 7‬ص‪ 3322‬و ص‪.3323‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫إن اهلل ليزع بالسلطان ما ال يزع بالقرآن"‪ ،‬وكذا وجدته في مراجع أخرى‪ ،‬لكن الرواية المسندة لعثمان –‬
‫ورد في (األساس) بلفظ‪ّ " :‬‬
‫طأ من المعاني‬
‫رضي اهلل عنه‪ -‬كانت باللفظ الذي أثبته‪ .‬انظر‪ :‬ابن عبد البر‪ ،‬يوسف بن عبد اهلل (ت‪163‬ه)‪( ،‬التمهيد لما في المو ّ‬
‫واألسانيد)‪ ،‬ح ّققه مصطفى العلوي ومحمد البكرى‪ ،‬و ازرة عموم األوقاف والشؤون اإلسالمية‪ ،‬المغرب‪ ،‬ط بدون‪0387 ،‬ه‪ 21 ،‬جزءًا‪.‬‬
‫ج‪ 0‬ص‪.008‬‬

‫‪61‬‬
‫المطبقة ألحكام‬
‫ّ‬ ‫إما بالسعي نحو إقامة الحكومة‬
‫يبذل ما بوسعه من أجل تطبيق هذه األحكام‪ّ ،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫كل حال‪.‬‬
‫اهلل‪ ،‬أو بتذكيرها إن وجدت‪ ،‬أو بالعفو في ّ‬

‫المسألة الثالثة‪ :‬التالزم بين التقوى والعبادة والطاعة‬

‫إن ما سبق من الحديث حول األعمال الموصلة للتقوى‪ ،‬يستدعي الحديث عن التالزم بين‬
‫ّ‬

‫ويستدل‬
‫ّ‬ ‫أهم ما في اإلسالم‪،‬‬
‫أن هذه القضايا الثالث هي ّ‬
‫ويوضح الشيخ ّ‬
‫ّ‬ ‫التقوى والعبادة والطاعة‪،‬‬

‫وجهها الرسل ‪ ‬إلى أقوامهم كانت‪ :‬ﱡﭐﳑ ﳒ‬


‫على ذلك بكون األوامر الرئيسة التي ّ‬

‫ﳓﳔﱠ الشعراء‪ ،١٣٤:‬ﱡﭐﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂﲃﱠ نوح‪ ،٥ :‬وبناء عليه ّ‬


‫فإن‬

‫أهم الفقه في دين اهلل ‪ ‬فقه العبادة والتقوى والطاعة؛ ومجمل هذا الفقه يكون بإجابات هذه‬
‫ّ‬

‫األسئلة‪ :‬كيف نعبد اهلل ‪ ،‬وبماذا نعبده؟ وما هو مضمون التقوى؟ وكيف نتحقق به؟‪ ،‬ولمن‬

‫وراث‬
‫نعطي طاعتنا؟‪ ،‬ويفتي الشيخ بإعطاء طاعة المسلم االختيارية للعلماء الربانيين‪ ،‬فهم ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫النبوة‪.‬‬

‫ويمكن توضيح التالزم بين التقوى والعبادة والطاعة من خالل ما سطّره الشيخ في ظالل‬

‫كل‬
‫أن أقصى ما يطالب به المسلم من قيامه بأحكام اإلسالم هو التقوى‪ ،‬وتقوى ّ‬
‫سورة التين وهي ّ‬

‫إنسان بحسب مسؤوليته‪ ،‬وعلى قدر ما أُعطي ُيطالب‪ ،‬فالتقوى والطاعة هما عالمتا إسالم‬

‫(‪)3‬‬
‫ال في اإلسالم كّله‪.‬‬
‫المسلم‪ ،‬وعلى قدر طاعته وتقواه يكون داخ ً‬

‫والحديث عن التالزم بين التقوى والعبادة‪ ،‬يقود للحديث عن العالقة بين التقوى ومعرفة اهلل‬

‫حق المعرفة‪ ،‬ال‬


‫ألنه " ال عبادة إال بمعرفة صحيحة هلل ‪ ،...‬فمن لم يعرف اهلل ّ‬
‫‪ ، ‬وذلك ّ‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪ 322‬وص‪ 322‬وص‪ 112‬وص‪.117‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪.0011-0013‬‬
‫(‪)3‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 7‬ص‪ 3212‬ج‪ 00‬ص‪.6323‬‬

‫‪62‬‬
‫حق العبادة‪ ،‬وبالتالي فال يتحقّق بالتقوى‪ ...،‬وعلى هذا فما من نقص في التقوى‪ ،‬إال وسببه‬
‫يعبده ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫نقص في معرفة اهلل ‪."‬‬

‫التصورات الخاطئة حول قضية التقوى‬


‫ّ‬ ‫المسألة الرابعة‪ :‬بعض‬

‫مما يدخل فيها‪ ،‬وليس منها وذلك‬


‫حوى في توضيح معالم التقوى من خالل تصفيتها ّ‬
‫اجتهد ّ‬

‫ﲠﲢﲣﲤﲥ‬
‫ﲡ‬ ‫في تفسيره لبعض اآليات‪ ،‬ففي قوله تعالى‪ :‬ﱡ ﲞ ﲟ‬

‫ﲲ ﲴﲵ‬
‫ﲳ‬ ‫ﲦﲨﲩ ﲪﲫﲬﲭﲮﲯﲰﲱ‬
‫ﲧ‬

‫ﲷ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﱠ البقرة‪ ،١٤٨ :‬تصفية لقضية التقوى‬


‫ﲸ‬ ‫ﲶ‬

‫مهمة الدين‬
‫بد في التقوى من التمييز بين ّ‬
‫من بعض التطلّعات الخاطئة‪ ،‬والتص ّرفات الغالية؛ فال ّ‬

‫الحسية‬
‫ّ‬ ‫أما الحقيقة‬
‫ومهمة العلم التجريبي فمعرفة الحكمة من خلق األشياء جزء من الدين‪ّ ،‬‬
‫ّ‬

‫أما بالنسبة‬
‫زود اهلل ‪ ‬اإلنسان من إمكانات‪ّ ،‬‬
‫لألشياء فسبيل معرفتها العلم الكوني من خالل ما ّ‬

‫التصرف المعقّد غير معقول‬


‫ّ‬ ‫للتصرفات الغالية؛ فليس من التقوى التشديد على النفس بارتكاب‬
‫ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫حس بعض الناس دينًا؛ فالدين ما كّلف اهلل ‪ ‬به اإلنسان‪.‬‬
‫المعنى‪ ،‬والذي قد يكون في ّ‬

‫ومن الفهم الخاطئ بشأن التقوى ما جاء أيضًا في تفسير قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱷ ﱸ ﱹ‬

‫ﲆﲈﲉ‬
‫ﲇ‬ ‫ﱼﱾﱿﲀﲁ ﲂﲃﲄﲅ‬
‫ﱽ‬ ‫ﱺﱻ‬

‫أن من التقوى عدم‬


‫يتصور ّ‬
‫ّ‬ ‫ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﱠ البقرة‪ ،١٨٨ :‬فبعض المسلمين‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 7‬ص‪.3321‬‬
‫ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪ 037‬و ص‪.018-016‬‬

‫‪63‬‬
‫أن التقوى ال يرافقها غلبة‪ ،‬وال‬
‫كل حال‪ ،‬أو ّ‬
‫القتال‪ ،‬والبقاء في حال سالم مع اآلخرين على ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫التصور‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ظهور‪ ،‬ففي اآلية تصحيح لهذا‬

‫المسألة الرابعة‪ :‬بعض آثار التقوى‬

‫أثر كبير في ا النتفاع باآليات الكونية‪ ،‬كما في قوله تعالى‪:‬ﱡﭐﳀ ﳁ ﳂ ﳃ‬


‫للتقوى ٌ‬

‫ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍﳎﱠ يونس‪ ،٤:‬ويعّلل‬

‫حوى ذلك بكونهم يحذرون اآلخرة؛ فيدفعهم الحذر إلى النظر‪ ،‬وهذا السبب في كون كثير من‬
‫ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫الناس بمنأى عن االنتفاع باآليات الكونية‪.‬‬

‫والتقوى أيضًا طريق للتّح ّقق بالوالية‪ ،‬لقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ‬

‫(‪)3‬‬
‫ﱈ ﱉ ﱊﱋﱌ ﱍ ﱎ ﱏﱐﱠ يونس‪.٤٥ -٤٨:‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬الشكر والصبر‬

‫عدة مسائل‪:‬‬
‫وفيه ّ‬

‫المسألة األولى‪ :‬في العالقة بين الشكر والصبر‬

‫(‪)4‬‬
‫ألن النعمة‬
‫أن الشكر أعلى مقامات السالكين ‪ ،‬و ّأنه ال سلوك بال صبر؛ ذلك ّ‬
‫حوى ّ‬
‫يبين ّ‬
‫ّ‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪.112‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪3‬ص‪.2128‬‬

‫(‪)3‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪.2182‬‬

‫حوى على ذلك من قوله تعالى‪ :‬ﱡﱯ ﱰ ﱱ ﱲ‬


‫ألن الشكر يساوي الدخول في اإلسالم كّله‪ ،‬وقد استد ّل ّ‬
‫وذلك ّ‬
‫(‪)4‬‬

‫فإنه‬ ‫ﱳ ﱴﱵﱠ ﭐ‪ ،‬ففيه تذكير ّ‬


‫بأن ما أنعم اهلل ‪ ‬به من نعم عظيمة‪ّ ،‬إنما كان من أجل اإلسالم‪ ،‬فإذا لم يسلم اإلنسان هلل ّ‬
‫ال يكون قد قام بواجب الشكر هلل ‪‬؛ والشكر المخلّص من مقام الظلم والكفران‪ ،‬ما اجتمع فيه العمل‪ ،‬واالعتراف هلل ‪ ‬بالفضل‪،‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 6‬ص‪ 2262‬و ج‪ 3‬ص‪.2803‬‬
‫واالعتراف على النفس بالتقصير؛ انظر‪ّ :‬‬
‫‪64‬‬
‫(‪)1‬‬
‫يتم شيء من االلتزام بأوامر‬
‫ينبغي أن يقابلها عبادة ‪ ،‬فطريق الشكر هو التزام أمر اهلل ‪ ،‬وال ّ‬

‫اهلل ‪ ‬ونواهيه إال بوجود الصبر‪ ،‬ومن الشواهد لذلك قوله تعالى‪ :‬ﱡ ﭐﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ‬

‫ﱠ يونس‪١٣٨:‬؛ فقد جاء هذا األمر بعد ذكر مجموعة من األوامر والنواهي في سورة يونس‬
‫(‪)2‬‬

‫فالصبر زاد الطريق من بدايته إلى نهايته‪ ،‬وهو الخلق الجامع‪ ،‬لقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐﲎ ﲏ ﲐ‬

‫(‪)3‬‬
‫ﲑﱠ الرعد‪.٨٨:‬‬
‫ﲒ‬

‫يجر انعدام الصبر وما ينتج عنه من هلع وجزع إلى الكفر والعياذ باهلل(‪)4‬؛ فالصبر‬
‫وقد ّ‬

‫والشكر ثمرتا اإليمان الرئيستان‪ ،‬وهما مفتاح الهداية‪ ،‬وقد أفاد الشيخ إلى ذلك في تفسيره لقوله‬

‫ﲩ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱﲲﱠ‬
‫ﲪ‬ ‫تعالى‪ :‬ﱡﭐﲧ ﲨ‬

‫(‪)5‬‬
‫إبراهيم‪.‬‬

‫الشدة والرخاء‬
‫المسألة الثانية‪ :‬حال النفس اإلنسانية في ّ‬

‫أن‬
‫تم ذكر حقيقة ّ‬
‫للحق‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ظل اإلذعان‬
‫في حديث سابق عن مفهوم السعادة والشقاء في ّ‬

‫أن حكمة االبتالء هي تمييز المؤمن الصادق من الكاذب‪ ،‬وهنا‬


‫بد أن يرافقه امتحان‪ ،‬و ّ‬
‫اإليمان ال ّ‬

‫فإن الطبيعة البشرية في حال‬


‫حديث عن طبيعة النفس في مواجهة االمتحان؛ فمن حيث األصل ّ‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 00‬ص‪.6728‬‬
‫وقد استد ّل الشيخ على المعنى األخير من خالل سورة النصر؛ انظر‪ّ :‬‬

‫ﳕ‬ ‫ﳔ‬ ‫كما في قوله تعالى‪ :‬ﱡﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ‬ ‫( ‪)2‬‬

‫ﳖ ﳗ ﳘ ﳙ ﳚ ﳛ ﳜﱠ يونس‪.١٣٤-١٣٣ :‬‬

‫(‪)3‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪ 333‬و ج‪ 3‬ص‪ 0331‬و ج‪ 3‬ص‪ 2321‬و ص‪ 2618‬وص‪.2712‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)4‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪.333‬‬

‫(‪)5‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪.2780‬‬

‫‪65‬‬
‫سلب النعمة قانطة يائسة‪ ،‬وهي فرحة فخورة منشغلة عن شكر اهلل ‪ ‬في حال إصابة النعمة وقد‬

‫جاءت هذه المعاني في قوله تعالى‪ :‬ﱡﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ‬

‫ﲣ‬ ‫ﲢ‬ ‫ﲖ ﲗﲘﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ‬

‫ﲤ ﲥ ﲦﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ‬

‫ﲱ ﲲﱠ هود‪ ،١١-٨ :‬فهذه هي طبيعة اإلنسان‪ ،‬إال من كان متّصفًا بالصبر والعمل‬

‫(‪)1‬‬
‫الصالح‪.‬‬

‫بد من إيجاده وتنميته‬


‫أن حال الصبر –وكذا الشكر‪ -‬ليس من طبيعة اإلنسان‪ ،‬وال ّ‬
‫فظهر ّ‬

‫أن دخول‬
‫ظل حقيقة كون حمل دين اهلل ‪ ‬يستتبع تضحيات ومواقف‪ ،‬و ّ‬
‫في النفس البشرية‪ ،‬وفي ّ‬

‫الجنة لن يكون دون ابتالء على اختالف ألوانه؛ فقد يكون باألمراض‪ ،‬واألسقام‪ ،‬واآلالم‬
‫ّ‬

‫والمصائب‪ ،‬والخوف من األعداء‪ ،‬والفتنة عن الدين‪ ،‬كما في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲣ ﲤ ﲥ‬

‫ﲮﲰﲱﲲ ﲳﲴ‬
‫ﲯ‬ ‫ﲦﲧﲨ ﲩﲪﲫﲬﲭ‬

‫ﲼ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﱠ البقرة‪،)2(٨١٨ :‬‬
‫ﲵﲶﲷﲸﲹﲺﲻ ﲽ‬

‫حوى‬
‫ظل هذه الحقائق وغيرها‪ ،‬يمكن تعليل الذكر الكثير للصبر في القرآن الكريم‪ ،‬بما أورده ّ‬
‫في ّ‬

‫أن اهلل سبحانه يعلم ضخامة الجهد الذي تقتضيه‬


‫عن صاحب الظالل في تعليل ذلك‪ ،‬وهو " ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫االستقامة على الطريق بين شتى النوازع والدوافع"‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪.2337-2336‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪.128‬‬

‫(‪)3‬‬
‫قطب‪( ،‬في ظالل القرآن)‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪.010‬‬

‫‪66‬‬
‫(‪)1‬‬
‫في المسألة‬ ‫لكل من الشكر والصبر من خالل بعض األمثلة‬
‫وتوضيح لكيفية التربية القرآنية ّ‬

‫التالية‪.‬‬

‫المسألة الثالثة‪ :‬التربية القرآنية للشكر والصبر في النفس اإلنسانية‬

‫إن من منهج القرآن الكريم في تربية الشكر واستثارته‪ ،‬التذكير بنعم اهلل ‪ ،‬كما في قوله‬
‫ّ‬

‫تعالى‪ :‬ﱡﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ‬

‫ﱘ ﱚ ﱛﱜﱠ يس‪–٥١ :‬‬


‫ﱙ‬ ‫ﱐﱑﱒﱓﱔﱕﱖﱗ‬

‫أن هذه المجموعة من سورة يس يغلب عليها استثارة الشكر‪ ،‬وكذلك سورة‬
‫‪٥٥‬؛ فيرى الشيخ ّ‬

‫تهيج بواعث الشكر‪ ،‬من خالل التعريف على اهلل ‪ ،‬وعلى نعمه(‪.)2‬‬
‫فإنها ّ‬
‫الرحمن ّ‬

‫تحدث الشيخ في ظاللها عن تربية الصبر‬


‫أما عن الصبر‪ ،‬فمن المواضع القرآنية التي ّ‬
‫ّ‬

‫قوله تعالى‪ :‬ﱡ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱠ المعارج‪ ،١٨ :‬إلى قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐﳇ ﳈ ﳉ‬

‫(‪)3‬‬
‫ﳊ ﳋ ﱠ المعارج‪ ،٥٣ :‬فالمجموعة تَذ ُكر خصائص اإلنسان الذي خرج عن صفة الهلع‬

‫إلى صفة الصبر؛ فهي تُذ ّكر بالخصائص التي ينبثق عنها خلق الصبر كالمداومة على الصالة‬

‫وكأن المجموعة تقول‪ :‬تحقق بهذا كي‬


‫ّ‬ ‫واإلنفاق‪ ،‬يقول ‪" :‬وذلك درس كبير في التربية‪،...‬‬

‫(‪)4‬‬
‫تصبر على ما تلقاه من أخالق الكافرين وأقوالهم وأفعالهم"‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪ 332‬و ج‪ 7‬ص‪.1103‬‬
‫لالطّالع على مزيد من األمثلة؛ انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 8‬ص‪ ، 1632‬ج‪ 01‬ص‪.3673‬‬

‫(‪)3‬‬
‫الهلع‪ :‬الحرص‪ ،‬وقيل‪ :‬الجزع وقّلة الصبر‪ ،‬وقيل‪ :‬هو أسوأ الجزع وأفحشه؛ ابن منظور‪( ،‬لسان العرب)‪ ،‬ج‪ 8‬ص‪.371‬‬

‫(‪)4‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 00‬ص‪.6036‬‬
‫ّ‬

‫‪67‬‬
‫كذلك ما جاء عند قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ‬

‫ﱙ ﱛ ﱜ ﱝ ﱠ البقرة‪ ،١٣٣ :‬فيرى الشيخ ّ‬


‫أن في اإلخبار‬ ‫ﱚ‬ ‫ﱗﱘ‬

‫(‪)1‬‬
‫بوقوع البالء قبل وقوعه تربية للنفوس على التوطّن عليه‪.‬‬

‫المطلب الخامس‪ :‬أعمال قلبية أخرى‬

‫عدة مسائل‪:‬‬
‫وفيه ّ‬

‫المسألة األولى‪ :‬الرجاء والخوف والخشية‬

‫أن تربية الخوف والرجاء في قلب المؤمن جاءت في القرآن الكريم من خالل‬
‫يبين الشيخ ّ‬
‫ّ‬

‫بشدة العقاب‪ ،‬كما في قوله تعالى‪ :‬ﱡﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ‬


‫اقتران ذكر المغفرة ّ‬

‫ﱑ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖﱗﱠ الرعد‪)2(٤ :‬؛ فهما جناحا القلب في سيره إلى اهلل ‪،‬‬
‫ﱒ‬

‫أهمية هذين العملين القلبيين في كونهما من األمور التي يتوقف عليها تمام العبادة؛ من‬
‫وتظهر ّ‬

‫حيث معرفة جالل اهلل ‪ ‬واكرامه‪ ،‬وقد استدل الشيخ على هذا المعنى من قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐﲴ‬

‫ﳀﱠ‬
‫ﳁ‬ ‫ﲵ ﲶﲷﲸﲹﲺﲻﲼﲽ ﲾﲿ‬

‫(‪)3‬‬
‫اإلسراء‪.٣٥ :‬‬

‫ويتبع الحديث عن الخوف الحديث عن الخشية‪ ،‬والخشية من اهلل ‪ ‬من مقتضيات اإليمان‬

‫الحقيقي به‪ ،‬كما ّأنها عند أهلها يرافقها معرفة بجمال اهلل ‪ ‬وفضله؛ لذلك فإن الخشية يرافقها‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪.330‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪.2722‬‬

‫(‪)3‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 6‬ص‪.3181‬‬

‫‪68‬‬
‫عادة رجاء‪ ،‬والخشية المقصودة هي ما كانت في أبواب الدين‪ ،‬واال فهناك خشية طبع للمحاذير‬

‫(‪)1‬‬
‫ﲙﱠ التوبة‪.١٤:‬‬
‫حوى هذا المعنى في تفسير قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲖ ﲗ ﲘ ﲚ‬
‫وقد ّبين ّ‬

‫أهمّيته‪ ،‬ومن ذلك ّأنه ال يتذ ّكر بهذا القرآن إال من كان في قلبه خشية‬
‫ولهذا العمل القلبي ّ‬

‫لقوله تعالى في شأن القرآن الكريم‪ :‬ﱡﭐﱭ ﱮ ﱯ ﱰﱱﱠ طه‪٥ :‬؛ وفي هذا المقام‬

‫المستقرة في القلب‪ ،‬كما في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲭ ﲮ‬


‫ّ‬ ‫أن الخشية ثمرة معرفة اهلل ‪‬‬
‫يبين الشيخ ّ‬
‫ّ‬

‫ﲯ ﲰ ﲱ ﲲﱠ فاطر‪٨٤ :‬؛ فمن ازداد علمًا باهلل ‪ ‬ازداد منه خوفاً‪ ،‬ومن كان علمه‬

‫(‪)2‬‬
‫األول على المكّلف‪.‬‬
‫ثم كانت المعرفة هي الفرض ّ‬
‫أقل كان آمنًا‪ ،‬ومن ّ‬
‫به ّ‬

‫ومن جانب آخر فقد حفل القرآن الكريم باآليات التي تستثير مكنونات النفس البشرية‬

‫إليصالها إلى الخشية؛ من ذلك ما جاء في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱆ‬


‫ﱅﱇﱈ‬

‫ﱉ ﱊﱋﱠ الملك‪١٥ :‬؛ فعلم اهلل ‪ّ ‬‬


‫بسر اإلنسان وجهره من األمور التي تستثير‬

‫(‪)3‬‬
‫الخشية في قلب اإلنسان‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪ 0031‬و ج‪ 1‬ص‪ 2221‬وج‪ 01‬ص‪.6128‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 7‬ص‪ 3311‬و ج‪ 8‬ص‪.1388‬‬

‫(‪)3‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 01‬ص‪.6131‬‬

‫‪69‬‬
‫المسألة الثانية‪ :‬التو ّكل‬

‫يقتضي اإليمان باهلل ‪ ‬التوكل عليه‪ ،‬لقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ‬

‫ﳑ ﳒﱠ المائدة‪ ،٨٥ :‬والتو ّكل يكون بقطع العالئق القلبية مع غير اهلل ‪ ، ‬وهو " ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫مقيد‬

‫ورد األمر بعد ذلك إلى اهلل ‪.)2("‬‬


‫باألخذ باألسباب‪ّ ،‬‬

‫نبي‬
‫األهمية من خالل توجيه ّ‬
‫ّ‬ ‫حوى هذه‬
‫ويظهر ّ‬
‫أهميته في حياة األمم‪ُ ،‬‬
‫وللتو ّكل على اهلل ‪ّ ‬‬

‫اهلل موسى ‪ ‬لبني إسرائيل للتو ّكل على اهلل ‪ ،‬وذلك في مواجهة بطش فرعون‪ ،‬كما في قوله‬

‫تعالى‪ :‬ﭐﱡﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑﲒﱠ‬

‫يفرضه اإلسالم‪ ،‬أو التخلّص‬


‫ُ‬ ‫يونس‪ ،٤٨ :‬فبدون التو ّكل ال تستطيع األ ّمة وال الفرد تحقيق هدف‬

‫(‪)3‬‬
‫من األوضاع الظالمة‪.‬‬

‫أن اآليات التي قُرن فيها ذكر التو ّكل بالعبادة‪ ،‬كقوله‬
‫حوى ّ‬
‫والتو ّكل مرتبط بالعبادة‪ ،‬ويرى ّ‬

‫تعالى‪ :‬ﱡﭐﲈ ﲉ ﲊﲋﱠ هود‪ّ ،١٨٥:‬‬


‫تدل على هذا االرتباط؛ فمن ال تو ّكل له‪ ،‬ال‬

‫(‪)4‬‬
‫يستقيم على العبادة‪ ،‬وفي المقابل من ال عبادة له‪ ،‬ال تو ّكل له‪.‬‬

‫حب اهلل ‪ ‬ورسوله ‪‬‬


‫المسألة الثالثة‪ّ :‬‬

‫استدل على ذلك‬


‫ّ‬ ‫محبة اهلل ‪ ‬من مقتضيات اإليمان الواضحة الكبيرة‪ ،‬وقد‬
‫أن ّ‬‫حوى ّ‬
‫يبين ّ‬
‫ّ‬

‫ومحبة اهلل ‪ ‬تكون أث ًار عن‬


‫ّ‬ ‫من قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽﱠ البقرة‪،١٤٣ :‬‬

‫(‪)1‬‬
‫انظر‪ :‬حوّ ى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪.0333‬‬

‫(‪)2‬‬
‫قطب‪( ،‬في ظالل القرآن)‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪.2738‬‬
‫( ‪)3‬‬
‫انظر‪ :‬حوّ ى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 5‬ص‪ 2499‬و ج‪ 7‬ص‪.4169‬‬
‫( ‪)4‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 5‬ص‪ 2499‬وص‪.2611‬‬

‫‪71‬‬
‫(‪)1‬‬
‫بحب اهلل"‬
‫أحبوا اهلل لما يغذوكم من نعمه‪ ،‬وأحّبوني ّ‬
‫الشعور بنعمه‪ ،‬كما في قول النبي ‪ّ " : ‬‬

‫أن طريق‬
‫حوى إلى ّ‬
‫التحرر من أمراضه‪ ،‬ويشير ّ‬
‫ّ‬ ‫بد له من‬
‫المحبة‪ ،‬ال ّ‬
‫ّ‬ ‫يحس القلب بهذه‬
‫وحتّى ّ‬

‫تقرب‬
‫المحبة هو اإلقبال على اهلل ‪ ‬بالفرائض والنوافل‪ ،‬كما جاء في الحديث القدسي‪" :‬وما ّ‬
‫ّ‬ ‫هذه‬

‫ُحبه‬
‫إلي بالنوافل حتّى أ ّ‬
‫قرب ّ‬
‫مما افترضت عليه‪ ،‬وما يزال عبدي يت ّ‬
‫إلي ّ‬
‫أحب ّ‬
‫إلي عبدي بشيء ّ‬
‫ّ‬

‫فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به‪ ،‬وبصره الذي يبصر به‪ ،‬ويده التي يبطش بها‪ ،‬ورجله التي‬

‫(‪)2‬‬
‫أحبه اهلل ‪ ‬أعطاه ما يشعره‬
‫فلما ّ‬
‫ألعيذنه" ؛ ّ‬
‫ّ‬ ‫ألعطينه‪ ،‬ولئن استعاذني‬
‫ّ‬ ‫يمشي بها‪ ،‬وان سألني‬

‫(‪)3‬‬
‫بالمحبة هلل ‪ ‬بما ال يعرفه إال أهله‪.‬‬
‫ّ‬ ‫بالمحبة‪ ،‬وعندئذ يفيض القلب‬
‫ّ‬

‫انية الصحيحة‪ ،‬والتي من‬


‫محبة اهلل ‪ ‬الحديث عن المشايعة الرّب ّ‬
‫ويستتبع الحديث عن ّ‬

‫ال على ذلك بالمشايعة‬


‫القلب في االعتقاد والصفاء‪ ،‬ويضرب الشيخ مثا ً‬
‫َ‬ ‫القلب‬
‫ُ‬ ‫أشكالها أن يواطئ‬

‫بين نوح و إبراهيم ‪ ،‬كما في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨﱩ ﱪ‬

‫(‪)4‬‬
‫ﱠ الصافات‪.٤٨ - ٤٥ :‬‬

‫حوى‬
‫وموضوع المشايعة الرّبانية والوالء والبراء من األمور البارزة التي ظهر فيها تأثّر الشيخ ّ‬

‫بصاحب الظالل‪ ،‬فقد أكثر من النقل عنه في مثل هذه المواطن‪ ،‬ومن ذلك قول صاحب الظالل‪:‬‬

‫لكنهما يختلطان على‬


‫إن سماحة اإلسالم مع أهل الكتاب شيء‪ ،‬واتّخاذهم أولياء شيء آخر‪ّ ،‬‬
‫"ّ‬

‫(‪)1‬‬
‫محمد بن عيسى (ت ‪272‬ه)‪ ( ،‬سنن الترمذي)‪ ،‬ح ّققه أحمد شاكر وآخرين‪ ،‬مطبعة مصطفى البابي الحلبي‪ ،‬مصر‪،‬‬
‫الترمذي‪ّ ،‬‬
‫ط‪0323 ،2‬ه‪0273-‬م‪ 3 ،‬أجزاء‪ .‬كتاب المناقب‪ ،‬باب مناقب أهل النبي ‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪ ،661‬حديث رقم‪ ،3782 :‬قال الترمذي حديث‬
‫حسن غريب‪.‬‬

‫(‪)2‬‬
‫محمد بن إسماعيل (ت‪236‬ه)‪( ،‬الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول اهلل ‪ ‬وسننه وأيامه)‪ ،‬حقّقه‬
‫البخاري‪ّ ،‬‬
‫مصطفى ديب البغا‪ ،‬دار ابن كثير‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪0117 ،3‬ه –‪0287‬م‪ 6 ،‬أجزاء‪ .‬كتاب الرقاق‪ ،‬باب التواضع‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪ ،2381‬حديث‬
‫رقم ‪.6037‬‬

‫(‪)3‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪.333‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)4‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 8‬ص‪.1702‬‬

‫‪71‬‬
‫بعض المسلمين‪ ،‬الذين لم تتّضح في نفوسهم الرؤية الكاملة لحقيقة هذا الدين ووظيفته‪ ،‬بوصفه‬

‫التصور اإلسالمي الذي يختلف‬


‫ّ‬ ‫حركة منهجية واقعية‪ ،‬تتّجه إلى إنشاء واقع في األرض‪ ،‬وفق‬

‫التصورات التي تعرفها البشرية‪ ... ،‬فيخلطون بين دعوة اإلسالم إلى السماحة في‬
‫ّ‬ ‫عن سائر‬

‫البر بهم في المجتمع المسلم الذي يعيشون فيه مكفولي الحقوق‪ ،‬وبين الوالء‬
‫معاملة أهل الكتاب و ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫الذي ال يكون إال هلل ورسوله وللجماعة المسلمة"‪.‬‬

‫حوى بصاحب الظالل في هذا الموطن وغيره من المواطن‪ ،‬بتشابه‬


‫ويمكن تعليل تأثّر ّ‬

‫تبنى فكر اإلخوان المسلمين‪ ،‬كذلك المعاصرة‬


‫الرجلين في االتّجاه الحركي والدعوي؛ فكالهما ّ‬

‫فك ٌل تأثّر بثقافة نفس العصر‪ ،‬أضف إلى ذلك إبداع صاحب الظالل في النواحي االجتماعية‬

‫لحوى وجود هذا التفسير في السجن الذي قطنه‪ ،‬فكان من جملة‬


‫تيسر ّ‬
‫والتربوية في تفسيره‪ ،‬وقد ّ‬

‫المصادر األربعة التي اعتمد عليها في كتابة تفسيره‪.‬‬

‫وبعد‪ ،‬فهذه لفتات تربوية فيما يتعلّق ببعض أعمال القلوب‪ ،‬وفي المبحث الثاني مزيد حديث‬

‫حول ما يتعّلق بأمراض القلوب‪ ،‬واهلل المستعان‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪.0110‬‬
‫قطب‪( ،‬في ظالل القرآن)‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪201-212‬؛ ّ‬

‫‪72‬‬
‫المبحث الثاني‬

‫أمراض القلوب‬

‫أن طهارة القلب من أمراضه‪ ،‬إحدى األمور التي يتوّقف عليها كمال صلة‬
‫ذكرت فيما سبق ّ‬

‫ألهم هذه األمراض‪:‬‬


‫القلب باهلل ‪ ،‬وفي المطالب التالية عرض ّ‬

‫المطلب األول‪ :‬الكفر‬

‫وفيه ثالث مسائل‪:‬‬

‫المسألة األولى‪ :‬أخالقيات الكفر‬

‫(‪)1‬‬
‫أن وصف‬
‫ويبين الشيخ ّ‬
‫تدل على وجوده ‪ّ ،‬‬
‫إن الكفر حالة قلبية تنبثق عنها أخالقياتها التي ّ‬
‫ّ‬

‫القرآن للنفس البشرية وصف محيط‪ ،‬وكذا في وصفه سائر أحوال النفس البشرية‪ ،‬ومن ذلك ما‬

‫جاء في وصف النفس الكافرة‪ ،‬فلذلك أثره العظيم في تنبيه المؤمنين من أن تتسّلل إليهم هذه‬

‫األحوال‪ ،‬فتصبح عميقة الجذور في النفس والقلب‪ ،‬فضالً عن أن يتخلّى المؤمن عن هذه‬

‫(‪)2‬‬
‫حوى في ثنايا تفسيره‬
‫مما ذكره ّ‬
‫األحوال والصفات ‪ ،‬وفيما يلي بعض صفات الكافرين وأحوالهم ّ‬

‫لبعض اآليات‪:‬‬

‫الصد عن سبيل اهلل ‪ ،‬كما في قوله تعالى‪ :‬ﱡ ﭐﱴ ﱵ‬


‫و ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫حب الدنيا‬
‫‪ّ .0‬‬

‫ﱿﲁ‬
‫ﲀ‬ ‫ﱶﱷﱸﱹﱺﱻﱼﱽﱾ‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪.87‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 6‬ص‪.2862‬‬

‫ويوضح الشيخ ذلك في تفسيره لقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲎ ﲏ‬


‫ّ‬ ‫ويندرج تحت ذلك الخوف الناجم عن اختالل النظرة إلى موازين القوى‪،‬‬ ‫(‪)3‬‬

‫ﲕﲗﲘﲙ ﲚﲛﲜﲝﲞﲟﲠﲡﲢﲣﲤ ﲥ‬
‫ﲖ‬ ‫ﲐﲑﲒﲓﲔ‬
‫ﲦ ﲧ ﲨﱠ القصص‪٣٥ :‬؛ فبعض ضعاف النفوس إذا أقيمت عليهم الحجة باإلسالم‪ ،‬علّلوا رفضهم بخوفهم من تكالب قوى=‬
‫‪73‬‬
‫أن هذه الصفات هي صفات مشتركة عند‬
‫حوى ّ‬ ‫ﲂ ﲃ ﲄﲅﱠﭐإبراهيم‪ّ ،٥ :‬‬
‫فيبين ّ‬

‫الحق ألنه يكرهه وذلك ألن للكفر متعته‪ ،‬وهي آثار الكفر في‬
‫ّ‬ ‫كل كافر؛ فالكافر يعادي‬
‫ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫االنفالت من التكليف‪.‬‬

‫‪ .2‬اتّباع الشهوات‪ ،‬من ذلك ما جاء في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐﱑ ﱒ ﱓ ﱔ‬

‫ﱕ ﱗ ﱘﱙﱠ الحجر‪ ،٥ :‬فاألكل والتّمتّع في الدنيا واألمل هي ّ‬


‫كل شيء‬ ‫ﱖ‬

‫حق‬
‫أن الواجب في ّ‬
‫أن أَ ْم َر الرسول ‪ ‬بتركهم‪ ،‬يشير إلى ّ‬
‫حوى ّ‬
‫بالنسبة للكافر‪ ،‬ويرى ّ‬

‫أهمية كبيرة في التربية اإلسالمية‪ ،‬في‬


‫هؤالء ازدراؤهم‪ ،‬واحتقار ما هم فيه ولهذا التوجيه ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫كل الحركات السياسية على تعليق اإلنسان باآلمال الدنيوية‪.‬‬
‫ظل قيام ّ‬
‫ّ‬

‫‪ .3‬العناد‪ ،‬ومن ذلك ما جاء في سورة ص‪ ،‬من قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ‬

‫ﱌﱍﱠ ص‪ ،٨ :‬إلى قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐﳚ ﳛ ﳜ ﳝ ﳞ ﳟ ﳠ‬

‫ﳡﳢﱠ ص‪ ،١٤ :‬ففي هذا الموضع القرآني عرض لبعض صفات الكافر الذي ال‬

‫(‪)3‬‬
‫فصلت‬
‫لعزة‪ ،‬والمشا ّقة هلل ورسوله‪ ،‬وتكذيب الرسل واتّهامهم ‪ ،‬وقد ّ‬
‫ينفع معه اإلنذار؛ كا ّ‬

‫بأن اهلل قد يعطي االمن للكافرين فكيف ال يعطيه للمؤمنين‪ ،‬ومن جانب آخر فإن الدنيا‬
‫الشيخ على أمثال هؤالء ّ‬ ‫ويرد‬
‫=العالم عليهم‪ّ ،‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 7‬ص‪.1012‬‬ ‫نجاهد؛ انظر‪ّ :‬‬ ‫أن‬
‫دار ابتالء وعلينا ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪ ،2778‬وج‪ 2‬ص‪ 1832‬و ص‪.3073‬‬
‫(‪)2‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 6‬ص‪.2862‬‬

‫(‪)3‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 8‬ص‪.1763‬‬

‫‪74‬‬
‫(‪)1‬‬
‫في صفات الكافرين الذين وصلوا إلى حالة يستوي معهم فيها اإلنذار‬ ‫سورة القمر‬

‫(‪)2‬‬
‫وعدمه‪ ،‬وضربت األمثلة‪ ،‬وبينت ما يستحقه هؤالء وأمثالهم في الدنيا واآلخرة‪.‬‬

‫‪ .1‬الكافر في وضع نفسي يبعده عن اإليمان‪ ،‬فمن خالل قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱁ ﱂ‬

‫ﱉﱋﱌﱍﱎﱏﱐ‬
‫ﱊ‬ ‫ﱃﱄﱅﱆﱇﱈ‬

‫أن الكافر في وضع نفسي يبعده عن‬ ‫ﱑ ﱒ ﱓﱠ آل عمران‪ّ ،١٣١:‬‬


‫يبين الشيخ ّ‬

‫اإليمان؛ فقد اجتمع له ما ال يعقل معه الكفر وهو القرآن الكريم‪ ،‬والرسول ‪ ،‬واليوم‬

‫فإن الكافر معرض عن آيات‬


‫السنة والسيرة وفي ذلك كفاية اإليمان‪ ،‬كذلك ّ‬
‫بقي القرآن و ّ‬

‫تدل عليه؛ واال فهذه اآليات كافيةإلخراج‬


‫اهلل الكونية‪ ،‬وما تشير إليه هذه اآليات وما ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫الكافرين من كفرهم‪.‬‬

‫‪ .3‬ومن صفات الكافرين المذكورة في القرآن الكريم أيضاً‪ ،‬الظلم‪ ،‬وطغيان الكافر كلّما رأى‬

‫نفسه مستغنيًا‪ ،‬والمجادلة في آيات اهلل ‪ ‬الناجمة عن الكبر‪ ،‬كذلك الجحود والكبرياء‬

‫والبطر في النعمة‪ ،‬واليأس والقنوط في المحنة‪ ،‬والكافر جاهل في شأن األلوهية‪ ،‬وجهله‬

‫تعنت في المطالب فهي طريق الك ّفار‬


‫هذا هو الذي دفعه للكفر‪ ،‬ومن صفات الكافرين ال ّ‬
‫(‪)4‬‬
‫الحق‪.‬‬
‫ّ‬ ‫كل عصر‪ ،‬كذلك الجرأة على األنبياء والعلماء ودعاة‬
‫في ّ‬

‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪6‬‬


‫مما يتعلّق بذلك‪ ،‬انظر‪ّ :‬‬
‫طالع على مزيد من األمثلة القرآنية وتعليقات الشيخ عليها ّ‬
‫لال ّ‬
‫( ‪)1‬‬

‫ص‪ ،2866‬ج‪ 7‬ص‪.3122‬‬

‫(‪)2‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 01‬ص‪.3633-3631‬‬

‫(‪)3‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪ ،812‬و ج‪ 7‬ص‪.3136-3133‬‬

‫(‪)4‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪ 227‬و ص‪ ،323‬ج‪ 2‬ص‪ ،727‬ج‪ 8‬ص‪ ،1220‬ج‪ 2‬ص‪ 1282‬و ص‪ 3131‬وص‪،3831‬‬
‫ج‪ 00‬ص‪.6616‬‬

‫‪75‬‬
‫المسألة الثانية‪ :‬الكفر هو ثمرة األمراض القلبية والسلوكية‬

‫فإن الكفر أثر عن االتّصاف‬


‫أن للكفر أخالقياته الداّلة على وجوده‪ ،‬وفي المقابل ّ‬
‫ظهر ّ‬

‫بأمراض متراكمة حالت بين أصحابها واإليمان؛ فسبب الكفر هو األمراض القلبية والسلوكية‪ ،‬فإذا‬

‫تحرر اإلنسان من هذه األمراض‪ ،‬كانت البداية الصحيحة لالهتداء بكتاب اهلل ‪‬؛ فمن خالل‬
‫ّ‬

‫آيات سورة الجاثية‪ ،‬في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ‬

‫ﲙﲛﲜ‬
‫ﲚ‬ ‫ﲍﲏﲐﲑ ﲒ ﲓﲔﲕﲖﲗﲘ‬
‫ﲎ‬ ‫ﲊﲋﲌ‬

‫أن المتّصفين باإلثم والكذب‪ ،‬والمعرضين‬ ‫ﲝ ﲞ ﲟ ﱠ الجاثية‪ ،٨- ٥ :‬يدلّل ّ‬


‫حوى على ّ‬

‫عن آيات اهلل ‪ ،‬والمستهزئين بها هم الذين ال يؤمنون‪ ،‬فكفرهم لم يكن أث ًار عن موقف عقلي أو‬

‫أثر عن اتّصافهم بأمراض متراكمة حالت بينهم وبين اإليمان‪ ،‬فاستحقّوا بذلك‬
‫علمي‪ ،‬بل اً‬

‫العذاب(‪.)1‬‬

‫كذلك في تفسير قوله تعالى في شأن فرعون‪ :‬ﱡﭐﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ‬

‫ﱾﱿﲀ ﲁﲂﲃﲄﲅﲆﲇﲈ ﲉﲊ‬

‫ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﱠ طه‪ ،٣٤ –٣٤ :‬يقول ‪" :‬في هذا‬

‫أن الذين ال يؤمنون يكذبون ويرفضون‪ ،‬ال لقصور في الحجة‪ ،‬وال النعدام‬
‫تعرفنا على ّ‬
‫السياق ّ‬

‫الحق ثمرة أمراض قلبية؛ وجميع الخطايا دون‬


‫ّ‬ ‫اآليات بل لمرض في أنفسهم"(‪)2‬؛ فالكفر ورفض‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪.3202-3208‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 7‬ص‪.3368‬‬

‫‪76‬‬
‫درجة الكفر‪ّ ،‬إنما هي بريد الكفر‪ ،‬فسير اإلنسان في طريقها يجني على نفسه شيئًا فشيئًا‪ ،‬فإذا ما‬

‫(‪)1‬‬
‫أحاطت به الخطايا وصل إلى درجة الكفر‪.‬‬

‫تأص لت على التمام والكمال‪ ،‬حتّى لم يعد ينفع اإلنذار مع‬


‫إما أن تكون قد ّ‬
‫وهذه األمراض ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫صاحبها‪ ،‬وا ّما ّأنها لم تصل إلى هذه الحال‪ ،‬ففي شأن صاحب هذه الحال أن يهتدي‪.‬‬

‫وفي المسألة التالية تفصيل في موضوع الكفر الذي ال ينفع معه اإلنذار‪.‬‬

‫المسألة الثالثة‪ :‬الكفر الذي ال ينفع معه اإلنذار‬

‫في حديث الشيخ عن هذا الموضوع هي قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐﱁ ﱂ ﱃ‬ ‫(‪)3‬‬


‫إن اآليات المحورية‬
‫ّ‬

‫ﱓ‬ ‫ﱒ‬ ‫ﱄﱅﱆﱇﱈﱉﱊﱋﱌﱍﱎﱏﱐﱑ‬

‫ﱖ ﱘ ﱙ ﱚﱛﱠ البقرة‪٥-٤ :‬؛ فقد ظهر من خالل هذه اآليات‬


‫ﱗ‬ ‫ﱔﱕ‬

‫أن العالمة األكبر للكفر تتجلى في كون الكافر ال يؤثّر فيه اإلنذار حين وقوعه من أهله‪ ،‬فهؤالء‬
‫ّ‬

‫أناس علم اهلل ّأنهم ال يؤمنون؛ فيستوي عليهم اإلنذار وعدمه‪ ،‬فقلوبهم مختوم عليها‪ ،‬وما ختم‬

‫وصمموا عليها‬
‫ّ‬ ‫عليها إال بسبب من أعمال ارتكبوها وطريق ساروا فيها؛ فاختاروا طريق الكفر‬

‫أن هذا نوع خاص من الكفر‪ ،‬هو الكفر الكامل‪ ،‬وهو ما انعدمت فيه الفطرة في قلب‬
‫حوى ّ‬
‫ويرى ّ‬

‫اإلنسان‪ ،‬ولهذا الكفر عالماته وحقيقته وثمراته‪ ،‬ولكون ما سبق ال يعلمه إال اهلل ‪ُ ،‬كّلف‬

‫إن هناك كافرين لم يصلوا إلى مرحلة الكفر الكامل‪ ،‬ففي‬


‫المسلمون باإلنذار إلقامة الحجة‪ ،‬حيث ّ‬

‫شأن هؤالء أمل أن يهتدوا بإذن اهلل ‪ ،‬كما في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪.070‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 01‬ص‪.3616-3611‬‬

‫(‪)3‬‬
‫وقد كانت هذه اآلية محو اًر لعدد من السور القرآنية‪ ،‬كسورتي اإلنبياء والقمر‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫ﲘ ﱠ األنعام‪١٨٨ :‬‬
‫ﲙ‬ ‫ﲋﲌﲍﲎﲏﲐ ﲑﲒﲓﲔﲕﲖﲗ‬

‫(‪)2‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫أما من وصل إلى‬
‫الحجة على الخلق أجمعين" ‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ثم أمر النبي ‪ ‬بالتبليغ واقامة‬
‫" ‪" ،‬ومن ّ‬

‫مرحلة الكفر الكامل فال يهتدي‪ ،‬كما في قوله تعالى‪:‬ﱡﭐ ﳓ ﳔ ﳕ ﳖ ﳗ ﳘﱠ‬

‫(‪)3‬‬
‫البقرة‪.٨٤٨:‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬النفاق‬

‫وفيه ثالث مسائل‪:‬‬

‫المسألة األولى‪ :‬ضربا النفاق بحسب تم ّكنه في القلب‬

‫إن النفاق مرض في القلب يصيب اإلنسان كما يصيبه الكفر وغير ذلك من األمراض‬
‫ّ‬

‫أن المظهر الرئيس لهذا المرض هو الوالء للكافرين والمنافقين‪ ،‬وقد يكون هذا الوالء‬
‫حوى ّ‬
‫ويبين ّ‬
‫ّ‬
‫(‪)4‬‬
‫خفياً‪ ،‬وأحياناً ظاهريًا‪ ،‬وقد يكون بأشكال أخرى‪.‬‬

‫والنفاق بحسب تم ّكنه في القلب ضربان؛ فهناك المنافق الخالص‪ ،‬وفي المقابل المنافق الذي‬

‫أن آيات سورة البقرة‪ ،‬وهي قوله تعالى‪ :‬ﱡﱁ ﱂ ﱃ‬


‫في قلبه بقية إيمان‪ ،‬ويرى الشيخ ّ‬

‫ﱄﱅﱆﱇﱈﱉ ﱊﱋﱌﱍﱎﱏﱐﱑﱒ‬

‫ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱠ البقرة‪ ،١٤ – ١٥ :‬تضرب مثالً للمنافق الخالص‪ ،‬فمثله‬

‫فلما أضاءت ما حوله وانتفع بها وأبصر بها‪ ،‬وبينما هو كذلك أطفئت ناره‬
‫كالذي استوقد نا ًار‪ّ ،‬‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪ 62-67‬و ص‪ 83‬و ص‪ ،011‬ج‪ 6‬ص‪.2866‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 01‬ص‪.3616‬‬

‫(‪)3‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪.606‬‬

‫(‪)4‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪.0122‬‬

‫‪78‬‬
‫أصم وأبكم وأعمى ال يبصر حتى لو ُوجد الضياء‬
‫فصار في ظالم شديد ال يهتدي‪ ،‬وهو مع هذا ّ‬

‫أن هذا المثل ينطبق على‬


‫حوى ّ‬
‫فلن يرجع إلى الهداية التي كان عليها‪ ،‬وباعها بالضاللة‪ ،‬ويرى ّ‬

‫غرهم عالم‬
‫ثم ّ‬
‫ممن كانوا من أهل االلتزام والعبادة‪ّ ،‬‬
‫كثير من أبناء المسلمين في هذا العصر ّ‬

‫األول‪ ،‬وازدادوا في الكفر والضالل‪ ،‬ويستفاد من هذا المثل‬


‫الكفر والضالل‪ ،‬فسخروا من حالهم ّ‬

‫في المجال التربوي ّأنه ال بد من كون منطلقات المسلم في حكمه على األشياء منطلقات‬

‫(‪)1‬‬
‫إسالمية‪ ،‬فمن ال يرى األشياء بنور اإليمان فهو منافق‪.‬‬

‫أما المنافق الذي ال زال في قلبه بقية إيمان‪ ،‬فبيان مثله في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐﱚ ﱛ ﱜ‬
‫ّ‬

‫ﱪ‬ ‫ﱩ‬ ‫ﱝﱞ ﱟﱠﱡﱢﱣﱤﱥﱦﱧ ﱨ‬

‫ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ‬

‫ﲃ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋﱠ البقرة‪١٨ :‬‬
‫ﲄ‬ ‫ﱼﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ‬

‫ويشك تارة أخرى(‪ )2‬؛ فإن ظهر له شيء من اإليمان‬


‫ّ‬ ‫الحق تارة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫– ‪٨٣‬؛ فهذا المنافق يظهر له‬

‫حائر‪ ،‬وهذا هو الحال‬


‫ًا‬ ‫استأنس به واتّبعه‪ ،‬لكن سرعان ما تسيطر عليه الشكوك فيظلم قلبه‪ ،‬فيقف‬

‫لكن حال كثير من أبناء‬


‫أن هذا المثل من أغمض أمثال القرآن الكريم‪ّ ،‬‬
‫حوى ّ‬
‫الثاني‪ ،‬ويرى ّ‬

‫المسلمين في هذا العصر مفتاح لفهم المثل من خالل واقعهم‪ ،‬ففي هذا العصر المليء بال ُشبه‬

‫والدعوات الضالّة‪ُ ،‬وجد مسلمون ‪-‬بحكم النشأة والبيئة‪ -‬لم تُتح لهم فرصة للسير في طريق‬

‫اإليمان كي يتح ّقق في قلوبهم‪ ،‬فاشتملت قلوبهم على إيمان ونفاق‪ ،‬أو إيمان وكفر‪ ،‬فإن أروا حجة‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪.71‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫انظر‪ :‬ابن كثير‪ ،‬أبا الفداء إسماعيل بن عمر (ت‪774‬ه)‪( ،‬تفسير القرآن العظيم)‪ ،‬حقّقه سامي سالمة‪ ،‬دار طيبة للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫ط‪1421 ،2‬ه – ‪1999‬م‪8 ،‬أجزاء‪ .‬ج‪ 0‬ص‪.082‬‬

‫‪79‬‬
‫من حجج اإلسالم القوية أضاءت جوانب قلوبهم باإليمان‪ ،‬فأعانهم ذلك على السير قليالً‪ ،‬لكن‬

‫سرعان ما ينطفئ النور بعد أن تحيط بهم شبهة ما‪ ،‬فيقفون حائرين خائفين من انكشاف أمرهم‬

‫للمؤمنين‪ ،‬ومن عقاب اهلل ‪ ،‬وما انطفأ النور في قلوبهم إال بسبب أعمال ارتكبوها‪ ،‬وطريق‬

‫(‪)1‬‬
‫ساروا فيها فاستحقّوا ما صاروا فيه‪.‬‬

‫المسألة الثانية‪ :‬صفات المنافقين وأحوالهم ونماذجهم‬

‫أن قضية النفاق قد جاءت في‬


‫حوى ّ‬
‫ويبين ّ‬
‫تدل عليها‪ّ ،‬‬
‫النفاق حالة قلبية لها أخالقياتها التي ّ‬

‫ولما كان‬
‫لشدة خطر هذه الظاهرة على المجتمع اإلسالمي‪ّ ،‬‬
‫ومفصلة؛ وذلك ّ‬
‫ّ‬ ‫محددة‬
‫القرآن الكريم ّ‬

‫أمر المنافق مشتبهاً على كثير من الناس‪ ،‬وال سبيل لمعرفته إال من سيماه‪ ،‬وفلتات لسانه‪ ،‬كما‬

‫ﱊﱌﱍ‬
‫ﱋ‬ ‫ﱅﱇﱈ ﱉ‬
‫ﱆ‬ ‫قال تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ‬

‫ﱎ ﱏ ﱠ محمد‪ ،٥٣ :‬جاءت آيات القرآن ّ‬


‫تفصل في صفاتهم وأحوالهم ونماذجهم(‪)2‬؛ "وهي‬

‫فإنه من خالل إدراك طبيعتها وأقوالها وأفعالها نستطيع‬


‫نماذج مستقرة في الحياة البشرية؛ ولذلك ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫وقد أعطى الشيخ هذا الموضوع مساحة واسعة‬ ‫نتعرف على أشباهها في كل جيل وعصر"‬
‫أن ّ‬

‫في تفسيره‪ ،‬وفيما يلي وقفات مع تلك النماذج والصفات واألحوال من خالل جهود الشيخ‪:‬‬

‫‪ .0‬موقف المنافق من النفير والقتال‪ ،‬ويمكن توضيح ذلك من خالل سورة التوبة فقد ش ّكلت‬

‫مواقف المنافقين من النفير العام لغزوة تبوك في هذه السورة "النماذج التطبيقية على‬

‫مواقف الناس من النفير؛ فاإلنسان هو اإلنسان‪ ،‬واإليمان هو اإليمان‪ ،‬والنفاق هو‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪ 76-73‬وص‪.011‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪ 62-67‬وص‪ ،87‬وج‪ 1‬ص‪.2223‬‬

‫(‪)3‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪.2303‬‬

‫‪81‬‬
‫النفاق‪ ،‬ومن خالل النماذج يأتي الدرس والتوجيه والتربية والتعليم"(‪ ،)1‬وهي أربعة‬

‫نماذج(‪:)2‬‬

‫بحجة ّأنهم إذا خرجوا‬


‫أ‪ .‬النموذج األ ّول‪ :‬نموذج يطلب اإلذن بالتخلّف عن الخروج‪ّ ،‬‬

‫للجهاد و أروا النساء ال يصبرون فيقعون في الحرام‪ ،‬كما في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱒ‬

‫ﱝﱟﱠﱡ‬
‫ﱞ‬ ‫ﱘﱚﱛﱜ‬
‫ﱙ‬ ‫ﱓﱔﱕﱖﱗ‬

‫ﱢ ﱣ ﱠ التوبة‪.٨٨ :‬‬

‫لماز؛ يعيب على الرسول ‪ ‬تقسيمه الصدقات‬


‫ب‪ .‬النموذج الثاني‪ :‬نموذج طامع ّ‬

‫ويش ّكك في عدل القيادة‪ ،‬كما في قوله تعالى‪ :‬ﱡ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ‬

‫ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺﱻﱠ التوبة‪٣٤ :‬؛‬

‫فبي ن اهلل ‪ ‬مصارف الزكاة؛ ليعلم‬


‫وفعلهم هذا ال يكون إال حظًّا للنفس والشيطان‪ّ ،‬‬

‫قسمها‪.‬‬
‫أن اهلل ‪ ‬هو الذي ّ‬
‫المنافقون ّ‬

‫ت‪ .‬النموذج الثالث‪ :‬نموذج يؤذي الرسول ‪ ‬بالكالم‪ ،‬كما في قوله تعالى‪ :‬ﱡﲪ‬

‫ﲰﲲ ﲳﲴ ﲵ ﲶﲷ‬
‫ﲱ‬ ‫ﲫ ﲬ ﲭ ﲮﲯ‬

‫ﲽﲿﳀﳁ‬
‫ﲾ‬ ‫ﲸﲹﲺﲻ ﲼ‬

‫ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﱠ التوبة‪.٤١ :‬‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪.2288‬‬
‫ّ‬

‫(‪)2‬انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪.2223-2288‬‬

‫‪81‬‬
‫ث‪ .‬النموذج الرابع‪ :‬نموذج يستهزئ باإلسالم وأهله‪ ،‬وباهلل ‪ ‬وآياته‪ ،‬واذا ما ووجهوا‬

‫ادعوا أ ّن ذلك على سبيل المداعبات والتندرات‪ ،‬كما في قوله تعالى‪:‬‬


‫بأقوالهم‪ّ ،‬‬

‫ﱩ ﱫ‬
‫ﱪ‬ ‫ﱡﭐﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ‬

‫ﱬ ﱭﱮﱯﱰﱱﱲﱳﱴ ﱵﱶ‬

‫ﱹ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁﱠ‬
‫ﱺ‬ ‫ﱷﱸ‬

‫التوبة‪.٤٣ – ٤٨ :‬‬

‫‪ .2‬في آيات سورة البقرة من قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ‬

‫ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱠ البقرة‪ ،٤ :‬إلى قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﳃ ﳄ ﳅ‬

‫ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﱠ البقرة‪ ،١٤ :‬في‬

‫أن أهله َيكذبون في‬


‫هذه اآليات عرض لحقيقة النفاق وسببه‪ ،‬فتتجلّى حقيقة النفاق في ّ‬

‫ادعائهم اإليمان باهلل ‪ ،‬واإليمان باليوم اآلخر‪ ،‬وخداعهم هذا ناتج عن مرض في‬
‫ّ‬

‫الشك‪ ،‬والرغبة في الدنيا‪ ،‬والحرص عليها؛ ومن نماذج أقوال المنافقين‬


‫ّ‬ ‫قلوبهم هو‬

‫(‪)1‬‬
‫ومواقفهم في هذه اآليات‪:‬‬

‫أ‪ .‬نموذج المنافق المتظاهر باإلصالح؛ فحين دعوته لالنتهاء عن إفساده‪ ،‬يقابل هذه الدعوة‬

‫أن ما يفعله إصالح‪ ،‬بل ويقصر اإلصالح على عمله‪ ،‬كما في قوله تعالى‪ :‬ﭐﱡﭐ ﲁ‬
‫بزعم ّ‬

‫ﲂﲃ ﲄﲅﲆﲇ ﲈﲉ ﲊﲋ ﲌ ﱠ البقرة‪.١١ :‬‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪ 73-71‬و ص‪.87‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬

‫‪82‬‬
‫الحق ال يجيب‪ ،‬بل يسفّه أهله‬
‫ّ‬ ‫الحق؛ فإذا ُدعي إلى‬
‫ّ‬ ‫المسخف بأهل‬
‫ّ‬ ‫ب‪ .‬نموذج المنافق‬

‫ويستجهلهم‪ ،‬كما في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ‬

‫ﲠ ﲢ ﲣﲤ ﲥ ﲦﲧﲨﲩ ﱠ البقرة‪.١٥ :‬‬


‫ﲡ‬ ‫ﲟ‬

‫ت‪ .‬نموذج المنافق المتملّق؛ الذي يظهر اإليمان والمواالة حين مالقاة المؤمنين‪ ،‬وتظهر‬

‫حقيقته إذا ما خال إلى ساداته وكبرائه‪ ،‬كما في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ‬

‫ﲯﲰﲱﲲ ﲳﲴﲵ ﲶ ﲷﲸﲹﲺﱠ البقرة‪.١٨ :‬‬

‫أن أهل هذه النماذج لم يظهروا في عصر كما ظهروا في هذا العصر ويمثل‬
‫حوى ّ‬
‫ويرى ّ‬

‫فيدعون‬
‫األمة ّ‬
‫األول بالدعاة إلى الكفر والمعصية‪ ،‬والعاملين بهما‪ ،‬من أبناء هذه ّ‬
‫للنموذج ّ‬

‫كالتقدمية‬
‫ّ‬ ‫اإلسالم‪ ،‬وينعتون دعواتهم الكافرة بأسماء ّبراقة‪ ،‬من شأنها إعطاؤهم صفة المصلحين‪،‬‬

‫تجر أهله في هذا العصر على‬


‫أما النموذج الثاني فكم ّأ‬
‫التقدميين‪ ،‬والحرية واألحرار‪ ،‬وغير ذلك‪ّ ،‬‬
‫و ّ‬

‫العّباد وغيرهم‪ ،‬فنعتوهم بالرجعية والتخّلف والجمود وضيق‬


‫أهل اإليمان من العلماء والدعاة و ُ‬

‫حوى للنموذج الثالث بالمؤسسات الكافرة‬


‫األحق بهذه األوصاف‪ ،‬وأخي ًار يمثّل ّ‬
‫ّ‬ ‫األفق‪ ،‬وكانوا هم‬

‫ممن يعمل في سلك هذه المؤسسات‬


‫التجمعات الفاسدة‪ ،‬فكثير من أبناء المسلمين ّ‬
‫ّ‬ ‫أو الخائنة‪ ،‬أو‬

‫ولكنه مع زعمائه في عمله على غاية المتابعة والوالء‬


‫يتظاهر مع أهل اإليمان باإليمان‪ّ ،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫يحصلوا من أمر الدنيا‪ ،‬ففي عاقبة األمر هم الخاسرون‪.‬‬
‫ّ‬ ‫فليحصلوا ما‬
‫ّ‬

‫‪ .3‬سلّطت سورة المنافقون الضوء على بعض طبائع المنافقين‪ ،‬من ذلك(‪:)2‬‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪.73-70‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 01‬ص‪.3230‬‬

‫‪83‬‬
‫أ‪ .‬الطبيعة المنافقة تحسن الكالم في الدنيا‪ ،‬الحياة فيها‪ ،‬كما في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐﲮ ﲯ‬

‫ﲺﱠ المنافقون‪.٨:‬‬
‫ﲻ‬ ‫ﲶﲸﲹ‬
‫ﲷ‬ ‫ﲱ ﲳﲴﲵ‬
‫ﲲ‬ ‫ﲰ‬

‫كل حديث بين اثنين هو المقصود فيه‪ ،‬و ّأنه هدف التآمر؛ فالطبيعة‬
‫أن ّ‬
‫يظن ّ‬
‫ب‪ .‬المنافق ّ‬

‫المنافقة كثيرة الجبن‪ ،‬وشديدة الشك‪ ،‬كما في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲼ ﲽ ﲾ‬

‫ﲿﱠ المنافقون‪.٨ :‬‬


‫ﳀ‬

‫تامًا‪ ،‬كما‬
‫أشد الناس عداوة لإلسالم وأهله‪ ،‬ومصروفة عن الخير صرفًا ّ‬
‫ث‪ .‬الطبيعة المنافقة ّ‬

‫ﳆ ﳈ ﳉﳊﱠ المنافقون‪.٨ :‬‬


‫ﳃﳅ ﳇ‬
‫ﳄ‬ ‫في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﳁ ﳂ‬

‫المسألة الثالثة‪ :‬سبيل الخروج من النفاق‬

‫من خالل قوله تعالى‪:‬ﱡﭐ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ‬

‫ﲗ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣﱠﭐ‬
‫ﲘ‬ ‫ﲖ‬

‫أن طريق الخالص من النفاق يكون بما اليخرج عن‬


‫يستدل الشيخ على ّ‬
‫ّ‬ ‫المنافقون‪،١٣-٨:‬‬

‫التّح ّقق بصفات المتقين؛ وذلك لكون اآليتيين تأمارن المؤمنين بعدم االنشغال عن الذكر‬

‫أن أ ْم َر المؤمنين بهما‪ ،‬كان للنجاة من‬


‫يدل على ّ‬
‫مما ّ‬
‫وباإلنفاق‪ ،‬وذلك في سورة المنافقون‪ّ ،‬‬

‫صرح به القرآن الكريم في أكثر‬


‫أن الكافرين والمنافقين ال ينفقون‪ ،‬وهو الذي ّ‬
‫سيما و ّ‬
‫النفاق؛ ال ّ‬

‫من مكان‪ ،‬كقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲟ ﲠﱠ التوبة‪ ،٤٥ :‬وقوله تعالى‪ :‬ﱡﲪ‬

‫(‪)1‬‬
‫ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﱠ النساء‪.٥٥ :‬‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 01‬ص‪.3237-3236‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬

‫‪84‬‬
‫بد من قطع‬
‫فتطهير النفس من النفاق يكون بالسلوك الحقيقي لطريق اإليمان‪ ،‬كذلك ال ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫كل مظاهر الوالء المنحرف‪.‬‬
‫كل معاني الوالء في األنفس ألعداء اهلل ‪ ،‬وتحريرها من ّ‬
‫ّ‬

‫المطلب الثالث‪ :‬الفسوق‬

‫أن الفاسق في المصطلح القرآني إذا ورد في سياق الحديث عن الكافرين‬


‫يبين الشيخ ّ‬
‫ّ‬

‫والمنافقين فالمراد به الكافر(‪ ،)2‬واذا ورد في سياق الحديث عن المسلمين العصاة‪ ،‬فالمراد به‬

‫المقصرون في عبادة اهلل ‪ ،)3(‬واذا ورد في سياق الوعيد للكافرين والمنافقين فينسحب الوعيد‬
‫ّ‬
‫(‪)4‬‬
‫ممن وافق الك ّفار والمنافقين في معصية‪ ،‬فالفسوق مسّبب لإلضالل‪.‬‬
‫على عصاة المؤمنين ّ‬

‫وقد ّبين القرآن الكريم األمور التي تؤدي إلى الفسوق‪ ،‬ومن األمثلة على ذلك ما جاء في‬

‫قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ‬

‫ﳓﳕﳖ ﳗﳘ‬
‫ﳔ‬ ‫ﳌﳎﳏﳐﳑﳒ‬
‫ﳍ‬ ‫ﳇﳈﳉﳊﳋ‬

‫ﳙ ﳛ ﳜ ﳝ ﳞ ﳟ ﳠ ﳡ ﱠ الحجرات‪١١ :‬؛ فاالستهزاء والطعن والتنابز‬


‫ﳚ‬

‫(‪)5‬‬
‫كل ذلك يوصل صاحبه إلى الفسوق‪.‬‬
‫ال‪ّ ،‬‬
‫بااللقاب َج ّداً أو هز ً‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪.0131-0122‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬

‫(‪ )2‬كما في سورة البقرة‪ :‬اآليات [‪.]27-26‬‬

‫(‪)3‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 01‬ص‪.3772‬‬
‫سماه الشيخ الفسوق النسبي؛ انظر‪ّ :‬‬
‫وهو ما ّ‬
‫(‪)4‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪.22‬‬

‫(‪)5‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪.3101-3103‬‬

‫‪85‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬الشرك‬

‫من خالل قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ‬

‫أن الشرك‬
‫يستدل الشيخ على ّ‬
‫ّ‬ ‫ﳍ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓﳔﱠ الروم‪،٥٨ – ٥١ :‬‬
‫ﳎ‬

‫(‪)1‬‬
‫التفرق فيه‪ ،‬وبسببه تنشأ العصبية للباطل‪.‬‬
‫رأس العلل‪ ،‬ومنه يحدث تفريق الدين‪ ،‬و ّ‬

‫مخل في التوحيد‪ ،‬ومن أشكال هذا اإلخالل االعتماد على األسباب‪ ،‬أو نسبة‬
‫ّ‬ ‫والشرك‬

‫خالت‬
‫أن ذلك لم يكن إال باهلل ‪ ،‬وقد غرقت كثير من البيئات في ُم ّ‬
‫األفعال إليها دون مالحظة ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫بد أن تكون حماية جناب التوحيد أعظم واجب على اإلطالق عند العلماء‪.‬‬
‫التوحيد الكبرى‪ ،‬فال ّ‬

‫فإن اتّباع غير طريق اهلل ‪ ‬شرك‪ ،‬عاقبته ندامة يوم القيامة‪ ،‬وقد دّلت اآليات من‬
‫كذلك ّ‬

‫قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱾ‬


‫ﱽﱿﲀﲁﲂﲃﲄ ﲅﲆ‬

‫ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﱠ البقرة‪ ،١٤٣ :‬إلى قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲰ ﲱ‬

‫ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﱠ البقرة‪ ١٤٥ :‬على هذه المعاني؛ فال ّ‬


‫بد لإلنسان أن يد ّقق كثي ًار في‬

‫(‪)3‬‬
‫قضية االتّباع‪ ،‬لمن تكون؟ ولماذا؟ وكيف؟‪ ،‬حتّى ينجو من الندامة‪.‬‬

‫وبمناسبة قوله تعالى‪:‬ﱡﱙﱚﱛﱜﱝﱞﱟﱠﱠ يوسف‪ ١٣٤:‬ينقل‬

‫ال من الشرك الظاهر والخفي في هذا العصر‪ ،‬فمن أشكال‬


‫الشيخ عن صاحب الظالل أشكا ً‬

‫الشرك الشرك الواضح الظاهر الدينونة لغير اهلل ‪ ‬في شأن من شؤون الحياة‪ ،‬والدينونة في‬

‫يشرعها‬
‫يشرعها الناس ولم ّ‬
‫شرع يتحاكم إليه‪ ،‬والدينونة في تقليد من التقاليد كاتّخاذ أعياد ومواسم ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 8‬ص‪.1272‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪ 013‬و ص‪.000‬‬

‫(‪)3‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪.333‬‬

‫‪86‬‬
‫ي؛ بحيث يخالف ما أمر اهلل ‪ ‬به من الستر‪ ،‬وذلك بأن يكشف أو‬
‫اهلل ‪ ،‬والدينونة في الز ّ‬

‫أن الضابط الذي ترتفع به هذه األمور‬


‫يبين صاحب الظالل ّ‬
‫يحدد العورات التي فُرض سترها‪ ،‬و ّ‬

‫من درجة كونها ذنباً‪ ،‬إلى أن تصير شركاً باهلل ‪ ،‬هو كون الباعث على القيام بها الطاعة‬

‫والخضوع والدينونة لعرف اجتماعي سائد من صنع البشر‪ ،‬وتركاً لألمر الواضح الصادر من‬

‫(‪)1‬‬
‫رب البشر؛ لداللته على الدينونة لغير اهلل ‪.‬‬
‫ّ‬

‫أما بشأن الشرك الخفي فيقول صاحب الظالل‪" :‬مشركون قيمة من قيم هذه األرض في‬
‫ّ‬

‫تقريرهم لألحداث واألشياء واألشخاص‪ ،‬مشركون سبباً من األسباب مع قدرة اهلل ‪ ‬في النفع أو‬

‫الضر سواء ‪ ،...‬مشركون في رجاء يتعلق بغير اهلل من عباده على اإلطالق‪ ،‬مشركون في‬
‫ّ‬

‫ضر ولكن لغير‬


‫تضحية يشوبها التطّلع إلى تقدير الناس‪ ،‬مشركون في جهاد لتحقيق نفع أو دفع ّ‬

‫اهلل‪ ،‬مشركون في عبادة يلحظ فيها وجه مع وجه اهلل ‪ ،...‬فهذا هو الشرك الخفي الذي يحتاج‬

‫(‪)2‬‬
‫للتحرز منه ليخلص اإليمان"‪.‬‬
‫ّ‬ ‫إلى اليقظة الدائمة‬

‫ومن وسائل تطهير القلب من الشرك إقامة الحجة على وحدانية اهلل ‪ ،‬وقد أقامت آيات‬

‫الحجة على ذلك‪ ،‬ففي قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ‬


‫ّ‬ ‫كثيرة في القرآن الكريم‬

‫ﳄﳆﳇ‬
‫ﳅ‬ ‫ﲴﲶﲷﲸﲹﲺﲻﲼﲽﲾﲿﳀ ﳁﳂﳃ‬
‫ﲵ‬

‫ﳏﳑﳒﳓﳔﳕﳖﳗﳘ ﳙﳚ‬
‫ﳈﳉﳊﳋﳌ ﳍﳎ ﳐ‬

‫ﱃﱅﱆﱇ‬
‫ﱄ‬ ‫ﳛﳜﳝﳞﳟﳠﳡﳢ ﱁﱂ‬

‫كل شيء‬
‫ثم بخضوع ّ‬
‫ال بالوحي‪ّ ،‬‬ ‫ﱈ ﱠ النحل‪ ،٣٣ – ٣١ :‬أُقيمت ّ‬
‫الحجة على وحدانية اهلل ‪ّ ‬أو ً‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪.2700‬‬
‫سيد قطب‪( ،‬في ظالل القرآن)‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪2133‬؛ ّ‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫سيد قطب‪( ،‬في ظالل القرآن)‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪.2132‬‬
‫ّ‬

‫‪87‬‬
‫ثم بكون النعم كلّها من اهلل‪ ،‬وأخي اًر بما رّكبت عليه الفطرة البشرية من االلتجاء إلى اهلل وحده‬
‫هلل‪ّ ،‬‬

‫الشدة(‪.)1‬‬
‫عند ّ‬

‫بد له من علم وذكر‪ ،‬وال‬


‫كل مظهر من مظاهر الشرك ال ّ‬
‫"ومن أجل أن يتحرر اإلنسان من ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫بد له من معرفة باهلل ‪ ‬عقلية وقلبية‪ ،‬ومعرفة بشريعته والتزام بها"‪.‬‬
‫ّ‬

‫المطلب الخامس‪ :‬الكبر والحسد‬

‫من خالل قصة آدم ‪ ‬يظهر أن األسباب األولى للضالل تكمن في ِ‬


‫الك ْبر والحسد والشهوة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫أدق الموضوعات المتغلغلة في السلوك البشري‬
‫أن موضوع الكبر من ّ‬
‫حوى ّ‬
‫والحرص ‪ ،‬ويرى ّ‬

‫وغ ْمط الناس"(‪)4‬؛‬


‫الحق َ‬
‫ّ‬ ‫ولتوضيح أثر الكبر في السلوك‪ ،‬يستعين ‪ ‬بقول النبي ‪" :‬الكبر َبطَر‬

‫فإنه يكون بذلك‬


‫حق‪ ،‬أو انتقص خلق اهلل ‪ّ ،‬‬
‫فأي موقف لإلنسان رفض فيه ح ّقًا مع معرفة أّنه ّ‬
‫" ُّ‬

‫سالكاً خطوات الشيطان‪ ،‬ومن غمط الناس ما نراه من استكبار الكثيرين عن األخذ عن العلماء‬

‫إن اهلل ‪ ‬جعل التواضع لعباده تواضعًا له‪ ،‬وهذا هو‬


‫بانيين‪ ،‬أو طاعتهم أو التواضع لهم؛ إذ ّ‬
‫الر ّ‬

‫إن إبليس لم يستنكف عن عبادة اهلل ‪ ،‬ولكن عندما كّلفه رّبه بالسجود لمخلوق‬
‫امتحانه األكبر‪ّ ،‬‬
‫(‪)5‬‬
‫ممن هم على غاية من‬
‫مثله ظهر كبره وكفره" ‪ ،‬وغمط الناس هو حال كثير من المسلمين ّ‬

‫لكنهم يأنفون من طاعة غيرهم‪ ،‬ولو كان في ذلك مصلحة اإلسالم والمسلمين‪ ،‬ويرى‬
‫العبادة‪ّ ،‬‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 6‬ص‪.2216‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪.0716‬‬

‫(‪)3‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪.033‬‬

‫(‪)4‬‬
‫رواه مسلم‪( ،‬المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول اهلل ‪ ،)‬كتاب اإليمان‪ ،‬باب تحريم الكبر وبيانه‪ ،‬ج‪0‬‬
‫ص‪ ،23‬حديث رقم‪.20 :‬‬

‫(‪)5‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 6‬ص‪.2222‬‬
‫ّ‬

‫‪88‬‬
‫أن هذه الحال هي السبب في قلّة التقاء المسلمين على عمل جماعي منظّم‪ ،‬مع ّأنهم قد‬
‫حوى ّ‬
‫ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫يعطون أعداء اهلل ‪ ‬من االنقياد ما ال يعطونه لرسل اهلل ‪.‬‬

‫والكبر هو منشأ الحسد والبغي‪ ،‬والحسد هو األسف على الخير عند الغير‪ ،‬وقد يوصل‬

‫إن ما حمل يهود المدينة على الكفر بمحمد ‪ ‬هو البغي والحسد‪ ،‬كما‬
‫صاحبه إلى الكفر؛ حيث ّ‬

‫في قوله تعالى‪ :‬ﱡﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ‬

‫ﲒ ﱠ البقرة‪ ،١٣٨ :‬وهذا الحسد من‬


‫ﲓ‬ ‫ﲉ ﲊﲋﲌﲍﲎﲏﲐﲑ‬

‫(‪)2‬‬
‫ألنه اعتراض مباشر على الذات اإللهية‪.‬‬
‫أعظم أنواع الحسد ّ‬

‫فإن اإلنسان ال يصل إلى حقيقة اإلسالم‬


‫وكلما ارتقت نفس اإلنسان لم يبق عنده كبر‪ ،‬كذلك ّ‬

‫وفي قلبه مثقال ذرة من كبر‪ ،‬فليحرر المسلم نفسه من الكبر‪ ،‬بعرضه نفسه على الميزان الذي‬

‫الحق"(‪.)3‬‬
‫ّ‬ ‫حدده رسول اهلل ‪" :‬الكبر غمط الناس‪ ،‬وبطر‬
‫ّ‬

‫المادة المتعّلقة بعناصر هذا‬


‫ّ‬ ‫وفي ختام هذا الفصل أذكر ما ذكرته في بدايته من كون‬

‫أن التفسير بالمأثور كان السمة الغالبة على مثل‬


‫سيما و ّ‬
‫الفصل من تفسير األساس ضخمة‪ ،‬ال ّ‬

‫هذه الموضوعات؛ فقد أكثر الشيخ من ذكر األحاديث والمرويات التي اعتمد في نقلها على‬

‫مما يمكن مالحظته‬


‫تفسيري ابن كثير والنسفي‪ ،‬إلثراء الحديث عن أعمال القلوب وأمراضها‪ ،‬و ّ‬

‫سيما فيما يتعّلق‬


‫حوى في بعض المواطن‪ ،‬ال ّ‬
‫في هذا الفصل هو ظهور البعد الواقعي في تفسير ّ‬

‫بموضوع النفاق؛ فقد أبلى الشيخ بالء حسنًا في إسقاط النماذج القرآنية للطبيعة المنافقة على‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 6‬ص‪.2231-2222‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪ 086-083‬و ص‪.213‬‬

‫(‪)3‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 6‬ص‪ ،3212‬ج‪ 7‬ص‪3333-3332‬؛ والحديث سبق تخريجه ص‪.88‬‬

‫‪89‬‬
‫سيما في موضوع الشرك‬
‫منافقي هذا العصر‪ ،‬كذلك ُيالحظ أيضاً التأثّر بصاحب الظالل‪ ،‬ال ّ‬

‫الخفي وأشكاله المعاصرة‪.‬‬

‫وبانتهاء الحديث عن اإلشارات التربوية المتعلّقة بأمراض القلوب ُيستكمل الحديث عن منهج‬

‫عرض لمنهج الشيخ ‪ ‬في الحديث عن‬


‫ٌ‬ ‫حوى في تربية القلب‪ ،‬وفي الفصل التالي‬
‫الشيخ سعيد ّ‬

‫تربية جوارح اإلنسان‪ ،‬وأخالقه وما يتعّلق بذلك‪ ،‬واهلل الموّفق والمستعان‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫الفصل الثالث‬

‫حوى في تربية جوارح اإلنسان وأخالقه وعالقاته‬


‫منهج الشيخ سعيد ّ‬

‫وفيه مبحثان‪:‬‬

‫حوى في تربية الجوارح‬


‫األول‪ :‬منهج الشيخ سعيد ّ‬
‫المبحث ّ‬

‫حوى في تربية أخالق اإلنسان وآدابه وعالقاته‬


‫المبحث الثاني‪ :‬منهج الشيخ سعيد ّ‬

‫‪91‬‬
‫األول‬
‫المبحث ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫حوى في تربية الجوارح‬
‫منهج الشيخ سعيد ّ‬

‫تمهيد‬

‫إن هناك عالقة وثيقة بين عمل القلب وعمل الجوارح‪ ،‬وقد تطرقت في الفصل السابق‬
‫ّ‬

‫عرض‬
‫للحديث عن منهج الشيخ سعيد حوى في تربية القلب‪ ،‬وفي هذا المبحث من هذا الفصل ْ‬

‫أخصص‬
‫ّ‬ ‫أهم مالمح العالقة المذكورة؛‬
‫لمنهج الشيخ في الحديث عن تربية الجوارح‪ ،‬ولتوضيح ّ‬

‫أتطرق لبعض المفهومات‬


‫األول من هذا المبحث للحديث عن ذلك‪ ،‬وفي المطلب الثاني ّ‬
‫المطلب ّ‬

‫ماهية التكليف اإلسالمي؛ أتطرق للحديث عن أعمال‬


‫المهمة المتعّلقة بقضية التكليف‪ ،‬ولتوضيح ّ‬
‫ّ‬

‫منهيات الجوارح في المطلب الرابع من‬


‫الجوارح وعباداتها في المطلب الثالث‪ ،‬وأختم بالحديث عن ّ‬

‫حوى في تفسيره (األساس)‪ ،‬واهلل المستعان‪.‬‬


‫هذا المبحث‪ ،‬وذلك كلّه من خالل جهود الشيخ سعيد ّ‬

‫(‪)1‬‬
‫أن الكائن اإلنساني وحدة متّصلة مترابطة‪ ،‬ال يمكن أن تح ّل إلى‬
‫محمد قطب ‪ ‬في كتابه (منهج اإلسالم في التربية) " ّ‬
‫يبين الدكتور ّ‬
‫ّ‬
‫أجزاء‪ ،‬وانما هي ضرورة البحث التي تملي علينا أن نتحدث عن كل جزء على حدة‪ ،‬وان لم يكن كذلك في الحقيقة"‪ .‬محمد قطب‪،‬‬
‫(منهج التربية اإلسالمية)‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪.011‬‬

‫‪92‬‬
‫األول‪ :‬العالقة بين عمل القلب وعمل الجارحة‬
‫المطلب ّ‬

‫تطرق الشيخ ‪ ‬للحديث عن العالقة بين عمل القلب وعمل الجوارح في ظالل تفسيره لعدد من‬
‫ّ‬

‫اآليات الكريمة‪ ،‬ويمكن إبراز مالمح هذه العالقة من خالل النقاط اآلتية‪:‬‬

‫إن أفعال القلوب أعظم من أفعال سائر الجوارح‪ ،‬فاإليمان‪ ،‬والكفر‪ ،‬والكبر‪ ،‬كلّها من‬
‫‪ّ .0‬‬
‫(‪)1‬‬
‫أفعال القلب‪.‬‬

‫‪ .2‬عمل الجوارح طريق إلى اإليمان القلبي؛ فمن خالل قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲇ ﲈ ﲉ‬

‫ﲋ ﱠ الحجرات‪ ،١٨ :‬يفهم الشيخ ّ‬


‫أن اإليمان لم يدخل بعد‪ ،‬وهو على وشك‬ ‫ﲌ‬ ‫ﲊ‬

‫أن هذا المفهوم أصل كبير في التربية؛ ذلك‬


‫ويوضح ّ‬
‫ّ‬ ‫استمر العمل باإلسالم‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الدخول إن‬

‫ألن القلب البشري قد يموت أو تنتابه غفلة‪ ،‬وطري ق الخالص في الحالتين هو العمل‬

‫أن هذه الطريق هي‬


‫باإلسالم؛ من قراءة قرآن وذكر وصالة وغير ذلك من األعمال‪ ،‬كما ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫أيضًا سبيل ترّقي القلب من طور إلى طور‪ ،‬حتّى يصل القلب إلى اإليمان الكامل‬

‫كذلك فإن تعليل أحكام الظهار باإليمان‪ ،‬في قوله تعالى‪ :‬ﱡ ﭐﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ‬

‫ﲘﲚﲛﲜ‬
‫ﲙ‬ ‫ﲑﲓﲔﲕﲖﲗ‬
‫ﲒ‬ ‫ﲍﲎﲏﲐ‬

‫ﲡ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦﱠ المجادلة‪ ،٨ :‬دليل على ّ‬


‫أن‬ ‫ﲝﲟﲠ ﲢ‬
‫ﲞ‬

‫(‪)3‬‬
‫يعمق اإليمان باهلل ورسوله‪.‬‬
‫االلتزام بأحكام اهلل ‪ّ ‬‬

‫(‪ )1‬حوّ ى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪.663‬‬

‫(‪ )2‬انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 9‬ص‪.5438‬‬


‫( ‪)3‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 11‬ص‪ 5783‬و ‪.5816‬‬

‫‪93‬‬
‫‪ .3‬عمل القلب وعمل الجوارح كالهما الزم لحياة الفطرة؛ فمدد الشريعة باإليمان والعمل الزم‬

‫ال‪ ،‬فإذا انقطع هذا المدد انطفأت الفطرة‪ ،‬وهذه المعاني مستوحاة‬
‫لبقاء نور الفطرة مشتع ً‬

‫ﲣ‬ ‫ﲢ‬ ‫ﲜ ﲞﲟ ﲠ ﲡ‬
‫ﲝ‬ ‫من قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲙ ﲚ ﲛ‬

‫ﲦ ﲨ ﲩﲪﲫ ﲬﲭﲮﲯﲰ ﲱ‬
‫ﲧ‬ ‫ﲤﲥ‬

‫ﲿﳁﳂﳃ‬
‫ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻﲼ ﲽ ﲾ ﳀ‬

‫ﳊ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﱠ النور‪٥٣ :‬؛ فالزجاجة‬


‫ﳋ‬ ‫ﳅﳇﳈﳉ‬
‫ﳆ‬ ‫ﳄ‬

‫القلب‪ ،‬والمصباح اإليمان‪ ،‬والزيت العمل بالشريعة فالقلب يحتاج إلى مدد دائم بالعمل‬

‫مستمدة من‬
‫ّ‬ ‫بالشريعة‪ ،‬فذلك زيته ووقوده‪ ،‬ومن افتقد النور فعليه بالعمل؛ فهداية الفطرة‬

‫(‪)1‬‬
‫هداية الشريعة‪.‬‬

‫ال‬
‫معينة للقلب؛ فالعقيدة الصالحة والقلب الصالح يثمران عم ً‬
‫‪ .1‬عمل الجوارح أثر عن حال ّ‬

‫صالحًا‪ ،‬والعقيدة الفاسدة والقلب الفاسد يثمران عمالً فاسدًا‪ ،‬وقد ّبين الشيخ ذلك من خالل‬

‫ﲪ ﲬ ﲭ ﲮﲯ‬
‫ﲫ‬ ‫قوله تعالى في سورة المؤمنون‪ :‬ﱡﭐ ﲧ ﲨ ﲩ‬

‫ﲰﲱﲲﲳﲴﲵﲶﲷﲸﲹ ﲺﲻﲼﲽﲾﲿ‬

‫ﳃﳅﳆﳇ ﳈﳉﳊﳋﳌﳍﳎﳏﳐ‬
‫ﳄ‬ ‫ﳀﳁﳂ‬

‫ﳑﳒ ﳓﳔﳕﳖﳗﳘﳙﳚﳛﳜ ﱁﱂﱃ‬

‫ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 7‬ص‪ 3771‬و ص‪ 3776‬و ص‪.3783‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬

‫‪94‬‬
‫ﱘﱚﱛﱜﱝﱞﱟﱠﱡ‬
‫ﱙ‬ ‫ﱒﱓﱔﱕ ﱖﱗ‬

‫ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱠ‬

‫المؤمنون‪٤٥ – ٣٥ :‬؛ فقلوب المؤمنين وجلة‪ ،‬وهم يسارعون في الخيرات‪ ،‬وقلوب‬

‫تفرقهم في الدين‪ ،‬ولهم أعمال‬


‫الكافرين في غمرة‪ ،‬فكانت هذه الغمرة والجهالة سببًا في ّ‬

‫فإن في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ‬ ‫(‪)1‬‬


‫من دون ذلك ‪ ،‬كذلك ّ‬

‫ﲐﲑﲒ ﲓﲔﲕﲖﲗﲘﲙﲚﲛﲜﲝ ﲞﲟ‬

‫ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﱠ الصف‪،٨- ٨ :‬‬

‫أن من آثار اإليمان أن ينطبق القول مع العمل‪ ،‬وأن يكون العمل على ما‬
‫ال على " ّ‬
‫دلي ً‬

‫يحبه اهلل ‪.)2("‬‬


‫ّ‬

‫‪ .3‬الكاملون في اإليمان هم الذين يجمعون بين أعمال القلوب وأعمال الجوارح‪ ،‬وقد أشار‬

‫الشيخ إلى هذا المعنى في ثنايا تفسيره لقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ‬

‫ﱜﱝ ﱞﱟﱠﱡﱢﱣﱤﱥﱦ ﱧﱨ‬

‫ﱳﱠ‬
‫ﱴ‬ ‫ﱩﱪﱫﱬﱭ ﱮﱯﱰﱱﱲ‬

‫األنفال‪٨ – ٨ :‬؛ فلما جمعوا بين أعمال القلوب من الوجل واإلخالص والتو ّكل‪ ،‬وأعمال‬

‫(‪)3‬‬
‫شك‪.‬‬
‫تردد فيه وال ّ‬
‫بأنهم هم المؤمنون إيماناً ال ّ‬
‫الجوارح من الصالة والصدقة‪ ،‬وصفوا ّ‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 7‬ص‪ 3632‬و ‪.3671‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 01‬ص‪.3878‬‬

‫(‪)3‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪.2003‬‬

‫‪95‬‬
‫‪ .6‬صالح القلب وصالح العمل‪ ،‬كالهما يتوقّف عليه قبول العمل‪ ،‬ونجاة المؤمن عند اهلل‬

‫ينجي‬
‫المقيد بقيود الوحي‪ ،‬وغير المنبثق عن اإليمان الصحيح ال ّ‬
‫ّ‬ ‫‪‬؛ "فالعمل غير‬

‫بد من إيمان صحيح وعمل صحيح للنجاة"(‪ ،)1‬وال يتوّقف األمر عند هذا‬
‫صاحبه‪ ،‬فال ّ‬

‫إن اإليمان مع العمل الصالح سبب للحياة الطيبة في الدنيا أيضًا‪ ،‬مصداقًا‬
‫الحد‪ ،‬بل ّ‬
‫ّ‬

‫لقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ‬

‫ﲂ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﱠ النحل‪،)2(٨٥ :‬‬
‫ﲃ‬

‫فكل عمل هو عبادة هلل ‪ ‬إذا رافقته ّنية‬


‫والعبادة في اإلسالم ذات مدلول واسع؛ ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫صالحة‪ ،‬حتّى المباح‪.‬‬

‫فإنه يكون قد عطّل الحكمة التي من أجلها ُخلق‬


‫‪ .7‬من لم يعرف اهلل ‪ ،‬ولم يعبده ّ‬

‫فكل ما جاء في القرآن الكريم من تشريع‪ ،‬أو‬


‫فالعبادة هي المقصد األعظم للقرآن الكريم؛ ّ‬

‫توحيد أو أدب أو نظام‪ّ ،‬إنما هو من أجل تحقيق هذا المقصد‪ ،‬ويشير الشيخ إلى هذا‬

‫المعنى في تفسير قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲅ‬


‫ﲄﲆﲇ ﲈﲉﲊﲋﲌﲍ‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 00‬ص‪.6120‬‬
‫ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫الطيبة‪ ،‬يقول‬
‫انظر‪ :‬ج‪ 6‬ص‪2223 – 2222‬؛ وفي هذا المقام ينقل الشيخ عن صاحب الظالل ‪ ‬كالماً رائعاً في وصف الحياة ّ‬
‫يهم أن تكون ناعمة رغدة ثرّية بالمال؛ فقد تكون به‪،‬‬
‫صاحب الظالل‪ " :‬العمل الصالح مع اإليمان جزاؤه حياة طيبة في هذه األرض‪ ،‬ال ّ‬
‫وقد ال يكون معها‪ ،‬وفي الحيا ة أشياء كثيرة غير المال الكثير تطيب بها الحياة في حدود الكفاية‪ :‬فيها االتّصال باهلل والثقة به‬
‫ومودات القلوب‪ ،‬وفيها الفرح بالعمل‬
‫ّ‬ ‫واالطمئنان إلى رعايته وستره ورضاه‪ ،‬وفيها الصحة والهدوء والرضى والبركة‪ ،‬وسكن البيوت‬
‫الصالح وآثاره في الضمير وآثاره في الحياة‪ ،‬وليس المال إال عنص ًار واحدًا يكفي منه القليل‪ ،‬حين يتّصل القلب بما هو أعظم وأزكى‬
‫وأبقى عند اهلل ‪ ."...‬قطب‪( ،‬في ظالل القرآن)‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪.2023‬‬
‫(‪)3‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 6‬ص‪.2828‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬

‫‪96‬‬
‫ﲓ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﱠ هود‪ ،٨ – ١ :‬وقوله تعالى‪:‬‬
‫ﲎﲏ ﲐﲑﲒ ﲔ‬

‫(‪)1‬‬
‫ﱡﭐ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱠ الذاريات‪٣٤ :‬‬

‫أن عمل القلب أعظم من عمل الجارحة‪ ،‬وكل منهما‬


‫من خالل ما سبق يمكن القول ّ‬

‫ال‪ ،‬ويحظى صاحبهما‬


‫يعتمد في وجوده على اآلخر‪ ،‬وباجتماعهما يبقى نور الفطرة مشتع ً‬

‫بحياة طيبة في الدنيا‪ ،‬وتتح ّقق نجاته عند اهلل ‪ ‬في اآلخرة‪.‬‬

‫سبق الشيخ إلى مثل هذه المفهومات‪ ،‬ومن عبارات العلماء الدالّة على ذلك‪ :‬ما‬
‫وقد ُ‬

‫ذكره اإلمام الرازي في مفاتيح الغيب‪ ،‬يقول ‪" :‬والقلب أشرف من الجوارح؛ فكان عمل‬

‫القلب أشرف من عمل الجوارح‪ ،)2("...‬وكذلك ما جاء عن صاحب تفسير اللباب من قوله‪:‬‬

‫أن العبادة لها ركنان؛ عمل القلب وعمل الجوارح‪ ،‬وعمل القلب أشرف من عمل‬
‫"واعلم ّ‬

‫الجوارح‪ ،‬وهو اإلسالم‪ ،)3("...‬وما ذكره البقاعي من قوله‪" :‬ولما كان المقصود األعظم طهارة‬

‫القلب الذي عنه ينشأ عمل الجوارح‪ ،)4("...‬وعبارة السعدي‪" :‬فإذا عقلتم ذلك بإيقانكم واتصفت‬

‫قلوبكم بمعرفتها‪ ،‬أثمر ذلك عمل الجوارح واالنقياد إليه‪ ،)5("...،‬وغير ذلك‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪ 2333‬وج‪ 01‬ص‪.3321‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫محمد بن عمر (ت ‪616‬ه)‪( ،‬مفاتيح الغيب)‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪0120 ،0‬ه‪2111-‬م‪32 ،‬جزءاً‪.‬‬
‫الرازي‪ ،‬فخر الدين ّ‬
‫ج‪ 2‬ص‪117‬؛ وقد أشار الرازي إلى ذلك في المواضع التالية‪ :‬ج‪ 28‬ص‪ ،08‬وج‪ 26‬ص‪.132‬‬

‫(‪)3‬‬
‫علي (ت ‪881‬ه)‪( ،‬تفسير اللباب)‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط بدون‪ 21 ،‬جزءاً‪ .‬ج‪ 0‬ص‪.182‬‬
‫ابن عادل‪ ،‬عمر بن ّ‬
‫(‪)4‬‬
‫البقاعي‪ ،‬إبراهيم بن عمر (ت ‪883‬ه)‪( ،‬نظم الدرر في تناسب اآليات والسور)‪ ،‬ح ّققه عبد الرازق المهدي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬ط بدون‪0103 ،‬ه‪0223-‬م‪ 8 ،‬أجزاء‪ .‬ج‪ 3‬ص‪.327‬‬

‫(‪)5‬‬
‫السعدي‪ ،‬عبد الرحمن بن ناصر (ت ‪0376‬ه)‪( ،‬تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المّنان)‪ ،‬ح ّققه عبد الرحمن اللويحق‪،‬‬
‫مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط ‪0121 ،0‬ه‪2111-‬م‪ .‬ص‪.323‬‬

‫‪97‬‬
‫(‪)1‬‬
‫مهمة في قضية التكليف‬
‫المطلب الثاني‪ :‬مفهومات ّ‬

‫عدة مسائل‪:‬‬
‫وفيه ّ‬

‫المسألة األولى‪ :‬قاعدتا بناء التكليف‬

‫الشاق على النفس‪ ،‬كالهما يش ّكل قاعدة بناء‬


‫ّ‬ ‫الشاق على النفس‪ ،‬وكذلك الترك‬
‫ّ‬ ‫إن الفعل‬
‫ّ‬

‫إما طلب فعل‪ ،‬أو طلب ترك‪ ،‬ويضرب الشيخ مثاالً يجمع بينهما من‬
‫التكليف؛ فالتكليف إذن ّ‬

‫سورة المؤمنون‪ ،‬وذلك في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ‬

‫ﱎ ﱏ ﱐ ﱠ المؤمنون‪٥ – ٨ :‬؛ فالخشوع في الصالة فعل ّ‬


‫شاق على النفس‪ ،‬وكذا‬

‫(‪)2‬‬
‫شاق على النفس‪.‬‬
‫اإلعراض عن اللغو‪ ،‬ترك ّ‬

‫المسألة الثانية‪ :‬التكليف يراعي الحالة النفسية لإلنسان‬

‫أما الناحية األولى فهي كون نفس‬


‫وقد جاء حديث الشيخ عن هذا الموضوع من ناحيتين؛ ّ‬

‫األحكام فيها مراعاة للحالة النفسية للمكلّف‪ ،‬ومن األمثلة على ذلك ما جاء عند تفسير قوله‬

‫أن من ِحكم كون طالق المرأة في‬


‫تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱆ ﱇ ﱠ الطالق‪ ،١ :‬فيرى الشيخ ّ‬

‫عدتها‪ ،‬هو مراعاة الحالة النفسية‬


‫األول من أقرائها الثالثة‪ ،‬التي تنقضي بها ّ‬
‫المتقدم للقرء ّ‬
‫ّ‬ ‫الطهر‬

‫للرجل‪ ،‬بحيث يطلّق زوجته وهو في كامل إدراكه وتفكيره وتع ّقله فال تُطلّق المرأة في حيض‪ ،‬وال‬

‫(‪)3‬‬
‫في طهر جامعها فيه زوجها‪.‬‬

‫التكليف‪ :‬هو الخطاب بما فيه كلفة‪ ،‬وأقسام األحكام الثابتة ألفعال المكلفين خمسة؛ الواجب والمحظور والمباح والمندوب والمكروه؛‬
‫( ‪)1‬‬

‫مؤسسة‬
‫محمد بن سليمان األشقر‪ّ ،‬‬
‫محمد (ت ‪313‬ه)‪( ،‬المستصفى في علم األصول)‪ ،‬حقّقه ّ‬
‫محمد بن ّ‬
‫انظر‪ :‬الغزالي‪ ،‬أبا حامد ّ‬
‫الرسالة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪0107 ،0‬ه‪0227-‬م‪ ،‬جزءان‪ .‬ج‪ 0‬ص‪ ،063‬ص‪.027‬‬

‫(‪)2‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 7‬ص‪.3603‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)3‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 01‬ص‪.3273 – 3272‬‬

‫‪98‬‬
‫األول لألحكام‪ -‬في‬
‫أما الناحي ة الثانية فهي ورود التكليف في القرآن الكريم –وهو المصدر ّ‬
‫ّ‬

‫إطار يحمل المكّلف على غاية االلتزام‪ ،‬ومن األمثلة على ذلك تشريع صالة الجمعة وما يتعّلق‬

‫ذم اليهود على تفريطهم في حمل التوراة‪ ،‬وذلك‬


‫بها من الخطبة وغير ذلك‪ ،‬حيث جاء في سياق ّ‬

‫بالمثل الذي ضربه اهلل لهم في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ‬

‫ﲄ ﱠ الجمعة‪ ،٣ :‬فبضرب هذا المثل ُرفع االستعداد للتلقّي عند‬


‫ﲅ‬ ‫ﲁ ﲂ ﲃ‬

‫المسلم إلى أعاله‪ ،‬وبعد ذلك جاء خطاب المؤمنين بشأن صالة الجمعة؛ فأعطى ذلك دالالت‬

‫حمد ‪ ‬من أجله‪ ،‬وأن‬


‫أن صالة الجمعة وخطبتها ينبغي أن تُح ّقق ما ُبعث م ّ‬
‫معينة‪ ،‬منها‪ّ :‬‬
‫ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫األمة ما وقع فيه اليهود‪ ،‬وفي ذلك درس لخطيب الجمعة وللمستمع‪.‬‬
‫تتجنب ّ‬
‫ّ‬

‫ومن األمثلة أيضًا على كون القرآن يوجد االستعداد للتطبيق الخالص عند المكلّف‪ ،‬ما جاء‬

‫يقسم السورة القرآنية إلى‬


‫في تفسير سورة هود ‪‬؛ فقد كان من منهج الشيخ في تفسيره أن ّ‬

‫األول في سورة هود يشمل اآليات من قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲅ‬


‫ﲄﲆﲇ‬ ‫مقاطع‪ ،‬فكان المقطع ّ‬

‫ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏﱠ هود‪ ، ١ :‬إلى قوله تعالى‪ :‬ﱡ ﭐ ﱿ ﲀ‬

‫ﲈ ﲊ ﲋ ﲌﱠ هود‪،٨٨ :‬‬
‫ﲉ‬ ‫ﲄﲆﲇ‬
‫ﲅ‬ ‫ﲁ ﲂﲃ‬

‫أن الحكمة من إنزال القرآن الكريم على‬


‫فصلت هذه اآليات في موضوع العبادة‪ ،‬وذلك ببيان ّ‬
‫وقد ّ‬

‫ثم‬
‫فصلت في نهاية العابدين والكافرين‪ّ ،‬‬
‫ما هو عليه من إحكام وتفصيل هو عبادة اهلل وحده‪ ،‬و ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫أن إعراض‬
‫أن عبادة اهلل ‪ ‬هي دعوة الرسل جميعًا ألقوامهم‪ ،‬و ّ‬
‫ّبينت ّ‬ ‫تال ذلك أربعة مقاطع‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 01‬ص‪ 3213‬وص‪ 3218‬وص‪.3200‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬

‫وهي اآليات من قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖﱠ هود‪ ،٨٣ :‬إلى قوله تعالى‪:‬ﭐﱡﭐ ﳋ ﳌ‬
‫( ‪)2‬‬

‫ﳙ ﳛ ﳜ ﳝ ﳞ ﱠ هود‪.١٣٤ :‬‬
‫ﳚ‬ ‫ﳍﳎﳏﳐﳑﳒﳓ ﳔﳕﳖﳗﳘ‬
‫‪99‬‬
‫المستمرة في الدنيا‬
‫ّ‬ ‫سنة اهلل ‪‬‬
‫هذه األقوام كان السبب في عقابهم‪ ،‬وهذا العقاب للكافرين ّ‬

‫ثم ُختمت السورة بالمقطع السادس وهو مقطع عمل‬


‫واآلخرة؛ فمثّلت لنهاية العابدين والكافرين‪ّ ،‬‬

‫يأمر بالعبادة‪ ،‬ويح ّذر من مشابهة بني إسرائيل في اختالفهم في الكتاب‪ ،‬ويأمر باالستقامة‪ ،‬واقام‬

‫الصالة‪ ،‬واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬وغير ذلك من المعاني‪ ،‬والتي وردت في اآليات‬

‫ﱇﱉﱊﱋﱌﱍ ﱎﱏ‬
‫ﱈ‬ ‫من قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ‬

‫ﱐ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱠ هود‪ ، ١٣٨ :‬إلى قوله تعالى‪ :‬ﭐﱡﭐ ﲀ ﲁ‬


‫ﱑ‬

‫ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ‬

‫ﲑ ﱠ هود‪ ،١٨٥ :‬فكانت المقاطع السابقة لهذا المقطع ّ‬


‫مقدمات في العبادة‪ ،‬ولّدت عند اإلنسان‬

‫(‪)1‬‬
‫االستعداد للتطبيق الخالص لما جاء في هذا المقطع من عمل‪.‬‬

‫أن طريقة عرض المعاني في القرآن الكريم –ومنها ما يتعّلق‬


‫ومن ناحية أخرى يرى الشيخ ّ‬

‫بالتكليف‪ -‬فيها مراعاة الحتياجات النفس البشرية‪ ،‬وهذا جزء من عملية التكوين الشامل للنفس‬

‫البشرية؛ وفي سبيل بيان ذلك يقول ‪" :‬والنفس البشرية ملول‪ ،‬ومن متعتها تغيُّر المشاهد‪ ،‬وهي‬

‫تحتاج إلى أن تأخذ بعض المواضيع متداخلة‪ ،‬وأحيانًا متسلسلة‪ ،‬وأحيانًا تحتاج إلى أن تأخذ‬

‫جز التكليف‬
‫ثم تأخذه ضمن إطار آخر‪ ،‬والتكليف فيه مش ّقة؛ فأن ُي ّأ‬
‫المعنى الواحد ضمن إطار‪ّ ،‬‬

‫كل هذه المعاني وغيرها‪ ،‬بعض‬


‫كل جزء منه في اإلطار الذي تقبله النفس دون تلكؤ‪ّ ،‬‬
‫وأن يوضع ّ‬

‫حكم كون المواضيع القرآنية عرضت كما هي في القرآن‪ ،...‬فاهلل الذي خلق الكون واإلنسان‪...،‬‬

‫جعل كتابه الهادي لهذا اإلنسان‪ ،‬بما يتّفق مع خلق هذا اإلنسان وتركيبه العقلي والنفسي‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪ 2613‬و ص‪.2600‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬

‫‪111‬‬
‫ﱻﱽﱾ‬
‫ﱼ‬ ‫والشعوري‪ ...،‬قال تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ‬

‫ﱿ ﲀ ﲁ ﱠ ﭐ ﭐالفرقان‪.)1(" ٤ :‬‬

‫لتفرق أحكام االستئذان وآدبه في سورة النور؛ فآيات استئذان‬


‫لحوى كالتعليل ّ‬
‫وقد جاء هذا الحديث ّ‬

‫األجانب وهي قوله تعالى‪ :‬ﭐﱡﭐ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ‬

‫ﳊ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ‬
‫ﳋ‬ ‫ﳈ ﳉ‬

‫ﱔ ﱖ ﱗ‬
‫ﱕ‬ ‫ﱐ ﱒ ﱓ‬
‫ﱑ‬ ‫ﱊ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ‬
‫ﱋ‬ ‫ﱇ ﱈ ﱉ‬

‫ﱘ ﱙ ﱚ ﱠ النور‪ ،٨٤ – ٨٥ :‬جاءت هذه اآليات في سياق تربية اجتماعية‬

‫تمس العرض‪ ،‬وهي‬


‫للمجتمع المسلم‪ ،‬وهي عملية التطهير النفسي والقلبي للمسلم‪ ،‬في قضية ّ‬

‫الحديث عن القذف والزنى‪ ،‬في حين لم يناسب هذا المقام الحديث عن استئذان المماليك‬

‫واألطفال‪ ،‬وذلك في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ‬

‫ﲩﲫﲬﲭﲮﲯﲰﲱﲲﲳ ﲴ‬
‫ﲪ‬ ‫ﲣﲤﲥﲦﲧ ﲨ‬

‫ﳂﳄﳅﳆ‬
‫ﳃ‬ ‫ﲻﲽﲾ ﲿﳀﳁ‬
‫ﲷﲹﲺ ﲼ‬
‫ﲸ‬ ‫ﲵﲶ‬

‫ﳎ ﳐﳑ ﳒ ﳓ ﱁ ﱂ ﱃ‬
‫ﳏ‬ ‫ﳈ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ‬
‫ﳉ‬ ‫ﳇ‬

‫ﱋﱍﱎﱏﱐ‬
‫ﱌ‬ ‫ﱄﱅﱆﱇﱈ ﱉﱊ‬

‫ﱑ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖﱠ النور‪٣٨ – ٣٤ :‬؛ فقد جاءت هذه اآليات في سياق آخر‬


‫ﱒ‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 7‬ص‪.3806‬‬
‫ّ‬

‫‪111‬‬
‫(‪)1‬‬
‫مقدمات‬
‫وهو الحديث عن الهداية والضالل ؛ فموضوع االستئذان بالنسبة للطوافين يحتاج إلى ّ‬

‫توطئ لاللتزام باألحكام‪ ،‬فكانت معاني الهداية والضالل في المقطع السابق للمقطع الذي وردت‬

‫(‪)2‬‬
‫المقدمات التي تخدم في قضية االلتزام‪.‬‬
‫فيه هذه اآليات‪ ،‬هي ّ‬

‫الجنة في حدود قدرة اإلنسان‬


‫المسألة الثالثة‪ :‬التكليف الالزم لدخول ّ‬

‫في تفسير قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ‬

‫أن التكليف إلزام ما‬


‫حوى ّ‬ ‫ﲬ ﲮ ﲯ ﲰﲱﱠ األعراف‪ّ ،٨٨ :‬‬
‫يبين ّ‬ ‫ﲭ‬ ‫ﲪﲫ‬

‫الجنة غير‬
‫فإن هذه المش ّقة في حدود طاقة اإلنسان وقدرته؛ فدخول ّ‬
‫فيه مش ّقة‪ ،‬وفي المقابل ّ‬

‫متوّقف على ما ال يمكن عمله(‪.)3‬‬

‫حرية اإلنسان في ضوء التكليف‬


‫المسألة الرابعة‪ّ :‬‬
‫(‪)4‬‬
‫بأنه‬
‫إن العبادة هلل ‪ ‬يدخل فيها االلتزام بجميع أحكام اهلل ‪ ‬وتطبيقها ‪ ،‬واقرار اإلنسان ّ‬
‫ّ‬

‫عبد هلل مسؤول أمامه نقطة جوهرية في موضوع الهداية في اإلسالم؛ وفي هذا المقام يشير الشيخ‬

‫حر غير مسؤول أمام اهلل ‪ ،‬وغير‬


‫أن اإلنسان ّ‬
‫إلى وجود كتابات معاصرة‪ ،‬غايتها تعميق فكرة ّ‬

‫خص بالذكر الفلسفة الوجودية(‪ ،)5‬باعتبارها آخر قفزة لهذه الفكرة؛ فمثّلت االنفالت من‬
‫مكّلف‪ ،‬وي ّ‬

‫وذلك في المقطع السابق للمقطع الذي وردت فيه هذه اآليات‪ ،‬وآيات المقطع السابق من قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜﲝ‬ ‫(‪)1‬‬

‫ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢﲣ ﲤ ﲥ ﲦﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ‬
‫ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻﲼ ﲽ ﲾ ﲿﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ‬
‫ﳐ ﱠ النور‪ ،٥٣:‬إلى قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐﱰ ﱱ ﱲ ﱳﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻﱼﱠ النور‪.٨٤ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 7‬ص‪ 3811–3813‬و ص‪.3807-3806‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)3‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪.0210‬‬

‫(‪)4‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 01‬ص‪.3271‬‬

‫(‪ )5‬سبق التعريف بهذه الفلسفة في الفصل األوّ ل؛ انظر‪ :‬ص‪ 24‬من هذا البحث‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫كل قيد؛ فال عبادة وال التزام وال ضبط للشهوات‪ ،‬وقد أُشير إلى هذه المعاني في تفسير قوله‬
‫ّ‬

‫تعالى‪ :‬ﱡﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅﳆﱠ الفرقان‪ ،)1(٨٥ :‬وفي‬

‫حر؛ فال عبودية‬


‫أن مقامه الصحيح هو العبودية هلل‪ ،‬يعتبر غير المسلم نفسه ًّا‬
‫حين يعتبر المسلم ّ‬

‫وال عبادة‪ ،‬أو عبودية وعبادة في غير محلّهما الصحيح‪ ،‬وهذا مفترق الطريق بين المسلم وغيره‬

‫ﲐﲒﲓﲔ ﲕ‬
‫ﲑ‬ ‫كما في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ‬

‫ﱠ البقرة‪ ، ١٥٤ :‬فحرّية اإلنسان ّ‬


‫(‪)2‬‬
‫مقيدة بعبوديته هلل ‪ ،‬وما أُنيط به من تكليف‪ ،‬وهو مسؤول‬

‫عن ذلك في اآلخرة‪.‬‬

‫التعبدية‬
‫المسألة الخامسة‪ :‬األساس الفطري للشعائر ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫أن‬
‫حوى عن صاحب الظالل ‪ ‬ما مفاده ّ‬
‫ّ‬ ‫ينقل‬‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫إن لتكوين النفس ارتباطاً بعمل البدن‬
‫ّ‬

‫مغيبة‪ ،‬وجسد ظاهر كان سببًا في وجود ميل فطري التّخاذ أشكال ظاهرة‬
‫تكوين اإلنسان من روح ّ‬

‫أهمها‪ :‬وجود تناسق بين الظاهر والباطن‬


‫المغيبة؛ وذلك لغايات ّ‬
‫ّ‬ ‫تعبر عن مكنون المشاعر‬
‫ّ‬

‫أن على هذا األساس الفطري أقام اإلسالم شعائره‬


‫ويبين قطب ّ‬
‫المضمر‪ّ ،‬‬
‫َ‬ ‫مكنون‬
‫َ‬ ‫وادارك الحس‬

‫التعبدية كلّها‪ ،‬ويمثّل لذلك بكون القيام واالتّجاه إلى القبلة‪ ،‬والركوع والسجود في الصالة‪ ،‬واإلحرام‬
‫ّ‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 7‬ص‪.3823-3821‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪ 38‬وص ‪.283-282‬‬

‫(‪)3‬‬
‫وقد ذكر الشيخ ذلك خالل تفسير سورة البقرة ضمن تعليله لورود الكالم عن الذكر والشكر والصبر والصالة‪ ،‬وذلك في قوله تعالى‪:‬‬
‫ﳃ ﳅ ﳆ ﳇ‬
‫ﳄ‬ ‫ﱡﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ‬

‫ﲖ‬ ‫ﲕ‬ ‫ﲑ ﲓﲔ‬


‫ﲒ‬ ‫ﳈﳉﱠ البقرة‪ ،١٣٥–١٣٨:‬بين الكالم عن القبلة في قوله تعالى‪ :‬ﱡﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ‬

‫ﲛﱠ البقرة‪ ،١٨٨ :‬والكالم عن السعي بين الصفا والمروة في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐﱵ ﱶ ﱷ‬
‫ﲜ‬ ‫ﲗﲘﲙﲚ‬

‫ﱺ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆﱠ البقرة‪١٣٤ :‬؛ فذلك إيذان ّ‬


‫بأن هذا الدين شعائر كما ّأنه‬ ‫ﱸﱹ ﱻ‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪.333‬‬
‫شرائع‪ ،‬و ّأنه خصائص نفسية كما هو أعمال بدنية‪ .‬انظر‪ّ :‬‬
‫‪113‬‬
‫كل ذلك أشكال ظاهرة‬
‫الحج‪ ،‬واالمتناع عن الطعام والشراب في الصيام‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫والتلبية والنحر في‬

‫(‪)1‬‬
‫كل حركة عبادة‪.‬‬
‫النية؛ ففي كل عبادة حركة‪ ،‬وفي ّ‬
‫وجه الروحي و ّ‬
‫للتّ ّ‬

‫المطلب الثالث‪ :‬عبادات الجوارح المفروضة‬

‫أخصص‬
‫ّ‬ ‫المهمة في قضية التكليف‪،‬‬
‫ّ‬ ‫بعد الوقوف في المطلب السابق مع بعض المفهومات‬

‫هذا المطلب للحديث عن األثر التربوي ألحد أنواع التكليف‪ ،‬و"ما من قضية من قضايا التكليف‬

‫سنة رسوله ‪ ، ‬أو بما أحال عليه الكتاب والسنة من‬


‫إال وقد ّبينها اهلل ‪ ‬في كتابه‪ ،‬أو ّ‬

‫أن مجموع ذلك وغيره إسالم‪ ،‬أو من اإلسالم"(‪ ،)3‬وتتفاوت‬


‫تستنبط منها أحكام اهلل ‪ ،‬و ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫أصول‬

‫هذه التكاليف من حيث طلبها الشرعي؛ فهناك العبادات الواجبة وهي الفرائض‪ ،‬والعبادات غير‬

‫الواجبة وهي النوافل‪ ،‬وهنا حديث لآلثار التربوية للعبادات الواجبة‪.‬‬

‫الحج‪ ،‬تعطي‬
‫حوى أ ّن العبادات الرئيسة في اإلسالم‪ ،‬وهي‪ :‬الصالة والزكاة والصوم و ّ‬
‫يبين ّ‬
‫ّ‬

‫أثرها الكامل في تنوير النفس وتطهيرها‪ ،‬بقدر ما تُالحظ معانيها الباطنة؛ فهي تؤثّر التأثير‬

‫ال‪ ،‬ويرافق هذا‬ ‫الكامل إذا كانت كاملة‪ ،‬بحيث َّ‬


‫يؤدى ظاهرها وهو هيئتها وكيفيتها الشرعية كام ً‬

‫عبر عنه الشيخ بعمل الباطن؛ كأن يرافق الصالة‬


‫لكل عبادة‪ ،‬وهو ما ّ‬
‫األداء آداب القلب الالزمة ّ‬

‫عمل الظاهر‬
‫التدبر‪ ،‬والذكر الحضور؛ فإن رافق َ‬
‫الخشوع‪ ،‬والزكاة حسن النية‪ ،‬وتالوة القرآن حسن ّ‬

‫(‪)1‬‬
‫سيد قطب‪( ،‬في ظالل القرآن)‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪.028-027‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬

‫(‪ )2‬وهي ما يُعرف في علم أصول الفقه بأدلّة األحكام كاإلجماع والقياس‪ ،‬وغيرهما على خالف بين المذاهب الفقهية‪ .‬انظر‪ :‬الغزالي‪،‬‬
‫(المستصفى في علم األصول)‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪.082‬‬

‫(‪)3‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪.000‬‬
‫ّ‬

‫‪114‬‬
‫عم ُل الباطن‪ ،‬كان هذا األداء هو الكمال والتمام في التنوير والتطهير(‪ ،)1‬وفي المسائل التالية‬

‫بعض اآلثار التربوية لهذه العبادات‪.‬‬

‫المسألة األولى‪ :‬الصالة‬

‫حمله على ترك‬


‫أهم اآلثار التي تتركها المواظبة على الصالة في نفس المصلّي‪ْ ،‬‬
‫إن من ّ‬
‫ّ‬

‫الفواحش والمنكرات‪ ،‬كما في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ‬

‫أن الصالة ّإنما تكون كذلك إذا كانت كاملة؛ وذلك‬ ‫ﲷﱠ العنكبوت‪ ،٨٣ :‬و ّ‬
‫يبين الشيخ ّ‬ ‫ﲸ‬

‫بأن يأتي المصلّي بأركانها وسننها‪ ،‬ويراعي فيها ما يجب من إخالص القلب‪ ،‬ودفع وساوس‬

‫جبار السماوات‬
‫منتصب بين يدي ّ‬
‫ٌ‬ ‫النفس والشيطان‪ ،‬ويراعي آداب الجوارح‪ ،‬مستحض ًار ّأنه‬

‫واألرض‪ ،‬ويراعي أدب القلب وهو الخشوع فيها‪ ،‬فإذا ما اجتمع ذلك‪ ،‬كان للصالة الدور األكبر‬

‫(‪)2‬‬
‫في التطهير‪.‬‬

‫المسألة الثانية‪ :‬الزكاة‬

‫عام ‪-‬إن كان في سبيل اهلل ‪ّ ،-‬أنه‬


‫أهم الثمار التربوية إليتاء الزكاة واإلنفاق بشكل ّ‬
‫من ّ‬

‫يستدل الشيخ على ذلك‬


‫الشح عامل رئيس في النكوس عن التقوى‪ ،‬و ّ‬
‫شحها‪ ،‬و ّ‬
‫مطهّر للنفس من ّ‬

‫من خالل الربط بين قوله تعالى‪ :‬ﱡﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧﲨﱠ‬

‫مقدمة سورة البقرة ختمت بقوله تعالى‪ :‬ﱡ ﭐﱩ‬


‫أن صفات المتّقين في ّ‬
‫التغابن‪ ،١٤ :‬ومالحظة ّ‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪ ،‬سعيد بن ديب (ت‪0282‬م)‪( ،‬المستخلص في تزكية األنفس)‪ ،‬دار السالم للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪،01‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫‪0121‬ه‪2111-‬م‪ .‬ص‪.30‬‬

‫(‪)2‬‬
‫حوى‪( ،‬المستخلص في تزكية األنفس)‪،‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪ 011‬و ج‪ 8‬ص‪1206-1201‬؛ وانظر‪ّ :‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫ص‪.33‬‬

‫‪115‬‬
‫ﱪ ﱫ ﱬﱠ البقرة‪ ٣ :‬؛ فال فالح إال بالخروج من شح النفس(‪)1‬؛ فاإلنفاق في سبيل اهلل‬

‫‪ ‬برهان كما في قول النبي ‪" :‬والصدقة برهان"(‪)2‬؛ برهان على التقوى‪ ،‬كما في قوله تعالى‪:‬‬

‫ﱡﭐﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱠ الليل‪ ،)3(١٤–١٥ :‬وبرهان على اإليمان‬

‫استدل الشيخ على ذلك في سياق تفسيره للفقرة القرآنية من قوله تعالى‪:‬‬
‫ّ‬ ‫باهلل واليوم اآلخر‪ ،‬وقد‬

‫ﱡﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ‬

‫ﲍ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﱠ البقرة‪ ،٨٣٨ :‬إلى قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲫ ﲬ‬


‫ﲎ‬

‫ﲭ ﲮﲯﲰﲱﲲﲳﲴ ﲵﲶﲷﲸ‬

‫ﲹ ﲺ ﲻ ﲼﱠ البقرة‪٨٥٨ :‬؛ يقول ‪" :‬فالمال حبيب للنفس‪ ،‬وهو عديل الروح‬

‫فيحب العمل من أجل‬


‫ّ‬ ‫فيحبه‪ ،‬وما لم يؤمن باليوم اآلخر؛‬
‫اهلل ّ‬
‫اإلنسان َ‬
‫ُ‬ ‫كما يقولون‪ ،‬فما لم يعرف‬

‫فإنه يصعب عليه أن ينفق‪ ،‬ومن ثم كان الحديث عن اهلل ‪ ‬في هذه الفقرة‪ ،‬أعظم‬
‫الثواب فيه‪ّ ،‬‬

‫إن من يق أر‬
‫أي مكان آخر من كتاب اهلل‪ ،‬أليس فيها آية الكرسي أعظم آية في كتاب اهلل‪ّ ،‬‬
‫منه في ّ‬
‫(‪)4‬‬
‫أن السياق‬
‫حوى ّ‬
‫هذه الفقرة مالحظاً البداية والنهاية والوسط‪ ،‬سيجد نفسه مندفعاً لإلنفاق" ‪ ،‬ويرى ّ‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 01‬ص‪.3232-3238‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫مسلم‪( ،‬المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول اهلل ‪ ،)‬كتاب الطهارة‪ ،‬باب فضل الوضوء‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪،213‬‬
‫حديث رقم‪.223 :‬‬

‫(‪)3‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 00‬ص‪.6338‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)4‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪.322-320‬‬

‫‪116‬‬
‫القرآني لهذه الفقرة القرآنية حتّى خواتيم سورة البقرة‪ " ،‬يشعر باالحتياجات التربوية الكثيرة للنفس‬

‫(‪)1‬‬
‫البشرية‪ ،‬لتنضبط بأمر اهلل ‪ ‬في ما يتعّلق بالمال"‪.‬‬

‫المسألة الثالثة‪ :‬الصوم‬

‫يعود النفس على ضبط شهواتها ‪-‬شهوتي البطن‬


‫من أه ّم الثمار التربوية للصوم ّأنه ّ‬

‫والفرج(‪ -)2‬ابتغاء مرضاة اهلل ‪ ،‬مبلغًا بذلك مقام التقوى‪ ،‬الذي فيه خي ار الدنيا واآلخرة‪ ،‬وقد‬

‫جاءت حكمة الصوم هذه في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ‬

‫ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱠ البقرة‪١٤٥ :‬؛ فإقامة شهر رمضان‬

‫(‪)3‬‬
‫لسَنة‪.‬‬
‫بفرائضه وسننه زاد من التقوى َ‬

‫الحج‬
‫المسألة الرابعة‪ّ :‬‬

‫الحج‬
‫ّ‬ ‫عدة؛ ويشير الشيخ إلى بعض المعاني التربوية لبعض أعمال‬
‫الحج ففيه أعمال ّ‬
‫ّ‬ ‫أما‬
‫ّ‬

‫تجرد من الدنيا‪ ،‬والوقوف في عرفات استعداد لالنطالق نحو البيت بال ذنب‬
‫فالتجرد من اللباس ّ‬
‫ّ‬ ‫"‬

‫الحج كلّه تربية على‬


‫ورمي الجمار قبل الطواف وبعده إشارة إلى الصراع المستمر مع الشيطان‪ ،‬و ّ‬

‫وللحج دور كبير في استثارة مشاعر الوحدة بين المسلمين‪ ،‬لقوله‬


‫ّ‬ ‫رب العالمين"(‪،)4‬‬
‫التسليم هلل ّ‬

‫ﱯ ﱠ الحج‪ ،٤٥ :‬وتذ ّكر هذه المعاني‬


‫ﱰ‬ ‫تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ‬

‫(‪)5‬‬
‫الحج يؤتي ثماره كاملة‪.‬‬
‫وغيرها أحد العوامل التي تجعل ّ‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪.322‬‬
‫ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫حوى‪( ،‬المستخلص في تزكية األنفس)‪ ،‬ص‪.60‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)3‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪.103-102‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)4‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪.173‬‬

‫(‪)5‬‬
‫حوى‪( ،‬المستخلص في تزكية األنفس)‪ ،‬ص‪.63‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬

‫‪117‬‬
‫(‪)1‬‬
‫يش ّكالن‬ ‫إن اإليمان بالغيب والتوحيد‬
‫يلخص ما سبق‪ ،‬يقول ‪ّ " :‬‬
‫وكالم الشيخ اآلتي ّ‬

‫يتفرع عن هذه الشجرة من‬


‫تتفرع عنهما شجرة اإلسالم‪ ،‬والصالة هي الغذاء اليومي لما ّ‬
‫البذرة التي ّ‬

‫الضارة من أرض القلب‪ ،‬ودور الصوم يتجّلى في‬


‫ّ‬ ‫يجتث الحشائش‬
‫ّ‬ ‫الثمار‪ ،‬واإلنفاق هو الذي‬

‫ينمي استسالم العبد لرّبه‬


‫الحج ّ‬
‫فيتعود المسلم على ضبطها‪ ،‬و ّ‬
‫ّ‬ ‫ضبط أخطر االندفاعات النفسية‪،‬‬

‫فإنه يكمل بذلك تقواه؛ فالصالة‬


‫لكل فريضة مداها في نفسه‪ ،‬ومن نفسه‪ّ ،‬‬
‫وبقدر ما يعطي المسلم ّ‬

‫اد للقلب‪ ،‬من آثاره القيام‬


‫كل ذلك ز ٌ‬
‫الحج‪ ،‬ووجود اإلنفاق‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫في أوقاتها‪ ،‬والصوم في وقته‪ ،‬وأداء‬

‫(‪)2‬‬
‫كل شيء‪ ،‬واالستقامة على أمر اهلل"‪.‬‬
‫بأمر اهلل ‪ ‬في ّ‬

‫سيما فيما يتعلّق بكون اآلثار‬


‫حوى الواضح باإلمام الغزالي‪ ،‬ال ّ‬
‫وفيما سبق يظهر تأثّر ّ‬

‫لكل عبادة‪ ،‬فمن‬


‫التربوية ألعمال الجوارح مفقتقرة في وجودها إلى مرافقة اآلداب القلبية الالزمة ّ‬

‫عبر يها اإلمام الغزالي عن مثل هذه المعاني‪ ،‬قوله‪ " :‬بيان المعاني الباطنة التي‬
‫النصوص التي ّ‬

‫ست جمل‪ ،‬وهي‪:‬‬


‫أن هذه المعاني تكثر العبارات عنها‪ ،‬ولكن يجمعها ّ‬
‫تتم بها حياة الصالة‪ ،‬اعلم ّ‬
‫ّ‬

‫حضور القلب‪ ،‬والتفهّم‪ ،‬والتعظيم‪ ،‬والهيبة‪ ،‬والرجاء‪ ،‬والحياء‪.)3("... ،‬‬

‫تعرض فيه لمثل هذه‬


‫حوى (المستخلص في تزكية األنفس)‪ ،‬والذي ّ‬
‫فإن كتاب ّ‬
‫كذلك ّ‬

‫المعاني‪ ،‬هو خالصة مستقاة من كتاب (إحياء علوم الدين) لإلمام الغزالي‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫وقد جاء التفصيل بشأن ما يتعلّق بهذا الركن في الفصل الماضي ص‪13‬؛ لكون أعمال القلوب المكان األليق به‪ ،‬واهلل تعالى أعلم‪.‬‬

‫(‪)2‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪.103-102‬‬
‫ّ‬

‫(‪ )3‬الغزالي‪( ،‬إحياء علوم الدين)‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪161‬‬

‫‪118‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬النوافل‬

‫النوافل –كما سبق بيانه‪ -1‬هي ميدان لمن أراد مزيد قربى إلى اهلل ‪ ،‬كما في الحديث‬

‫أحبه؛ فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به‬


‫إلي بالنوافل حتّى ّ‬
‫يتقرب ّ‬
‫الشريف‪" :‬وما يزال عبدي ّ‬

‫ألعطينه‪ ،‬ولئن‬
‫ّ‬ ‫وبصره الذي يبصر به‪ ،‬ويده التي يبطش بها‪ ،‬ورجله التي يمشي بها‪ ،‬وا ْن سألني‬

‫ألعيذنه"(‪)2‬؛ فالحديث الشريف يبرز األثر األكبر للنوافل على اإلجمال‪ ،‬وهو ارتفاع‬
‫ّ‬ ‫استعاذني‬

‫سيما أثر قراءة‬


‫المنزلة عند اهلل ‪ ،‬وفي المسائل التالية حديث عن آثار النوافل التربوية‪ ،‬ال ّ‬

‫األول‪.‬‬
‫القرآن الكريم كونه مصدر الهداية ّ‬

‫المسألة األولى‪ :‬قراءة القرآن وتدبره‬

‫حوى على دورها في تربية اإلنسان‪ ،‬ومن هذه‬


‫أهم العبادات النوافل التي رّكز ّ‬
‫وهي من ّ‬

‫المتدرج‪ ،‬وذلك‬
‫ّ‬ ‫بالحق من خالل البناء‬
‫ّ‬ ‫أن القرآن الكريم يصنع النفس البشرية‬
‫األدوار التربوية ّ‬

‫ثم إجمال المعاني وتفصيلها‬


‫بوضع اإلنسان في الظرف المالئم له‪ ،‬وهو ظرف العبودية هلل ‪ّ ،‬‬

‫متجدد‪ ،‬بما لم يألفه الناس‬


‫ّ‬ ‫وعرض المعنى الواحد على طرائق شتّى من العرض(‪ ،)3‬وتكريره بشكل‬

‫ويعرفوه‪ ،‬وفي أعلى مستوى من البيان واإلحاطة(‪.)4‬‬

‫‪ 1‬وذلك صفحة ‪ 71‬من هذا البحث‪.‬‬

‫(‪)2‬‬
‫البخاري‪( ،‬الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول اهلل ‪ ‬وسننه وأيامه)‪ ،‬كتاب الرقاق‪ ،‬باب التواضع‪ ،‬ج‪3‬‬
‫ص‪ .2381‬حديث رقم ‪.6037‬‬

‫(‪)3‬‬
‫فإن طريقة عرض المعاني في القرآن على اختالفها طريقة معجزة‪ ،‬ويمكن التمثيل لذلك بما قاله الشيخ في كلمة أخيرة في‬‫كذلك ّ‬
‫إن‬
‫سورة سبأ‪ ،‬حيث أشار إلى كيفية معالجة القرآن الكريم لقضايا ال عقيدة‪ ،‬وذلك من خالل السياق القرآني في سورة سبا؛ يقول ‪ّ " :‬‬
‫يحدثك‬
‫طريقة القرآن في المعالجات والعرض طريقة معجزة‪ ،‬والمعاني التي يعرضها القرآن هي في بابها معجزة‪ ،‬فأنت عندما ترى القرآن ّ‬
‫أدق خلجات النفس‬ ‫بأروع البيان عن حال الكافرين في اآلخرة بما ال يمكن أن يخطر ببال بشر‪ ،‬ثم يكون بجانب هذا حديث عن ّ‬
‫ثم يكون كلّه مرتبط ًا بمحور ضمن وحدة كلّية للقرآن؛ فإذا لم يكن‬
‫كليات هذا الوجود وجزيئاته‪ّ ،‬‬
‫ثم يكون بجانب هذا حديث عن ّ‬ ‫البشرية‪ّ ،‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 8‬ص‪.1333‬‬ ‫هذا كلّه معج ًاز فما هو المعجز؟!"‪ّ .‬‬
‫(‪)4‬‬
‫حوى أثر القرآن هذا‪ ،‬في إنكاره لعملية غسيل الدماغ والتي تمارسها الدول‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪2122‬؛ وقد أبرز ّ‬
‫ثم تبدأ عملية‬
‫لتقبل ما يلقى إليه‪ّ ،‬‬
‫الدكتاتورية‪ ،‬وهي عملية تقوم "على وضع اإلنسان أو الشعب في ظروف صعبة‪ ،‬تجعل عنده استعداداً ّ‬
‫‪119‬‬
‫ال في فطرة اإلنسان‬
‫أهمية قراءة القرآن كذلك في كونه مذ ّك اًر بالحقائق الموجودة أص ً‬
‫وتظهر ّ‬

‫ففي قوله تعالى‪ :‬ﱡ ﭐﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱﱠ‬

‫أن الحقائق التي يعرضها القرآن موجودة في الفطرة‪ ،‬والقرآن مذ ّكر بها‬
‫طه‪ ،٥ – ١:‬دليل على ّ‬

‫أي شذوذ عن كتاب اهلل ‪ ‬تعذيب لهذه الفطرة وشقاء‬


‫ففطرة اإلنسان مفتقرة إلى هذا القرآن‪ ،‬و ّ‬

‫لها(‪.)1‬‬

‫ألنه‬
‫فإن القرآن الكريم يخاطب الكينونة البشرية كّلها؛ فيسعدها كّلها‪ ،‬وذلك ّ‬
‫ومن جانب آخر ّ‬

‫السر‪ ،‬كما في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲋ ﲌ ﲍ‬


‫السر وما هو أخفى من ّ‬
‫ممن يعلم الجهر و ّ‬
‫تنزيل ّ‬

‫بد أن يكون هذا الكتاب ُم ْس ِعدًا لهذه الجوانب كّلها(‪.)2‬‬


‫ﲎ ﲏ ﲐ ﲑﲒﱠ طه‪ ،٥ :‬فال ّ‬

‫والقرآن تأثيره في القلوب عجيب‪ ،‬ومن اآليات التي تصف هذا التأثير ما جاء في قوله‬

‫تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ‬

‫ﱳﱵ‬
‫ﱴ‬ ‫ﱫﱭﱮﱯ ﱰﱱﱲ‬
‫ﱬ‬ ‫ﱥﱦﱧﱨ ﱩﱪ‬

‫أخذ اإلنسان‬
‫أن ْ‬ ‫ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱠ الزمر‪ ،٨٥ :‬لكن في المقابل ّ‬
‫يبين الشيخ ّ‬

‫من هذا القرآن متوقّف على قدر استعداده وايمانه‪ ،‬كما جاء في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱼ ﱽ‬

‫ﱾ ﱿﱠ يونس‪٣٥ :‬؛ فالكافرون والمنافقون ال نصيب لهم فيه ‪ ،‬كذلك ّ‬


‫(‪)3‬‬
‫فإن المؤمن يرى‬

‫حوى ذلك لبيان قصور نظم التربية‬


‫المتجدد؛ حتّى تصاغ نفسية الفرد أو الشعب بالشكل الذي يريده الحاكم"‪ ،‬كذلك يبرز ّ‬
‫ّ‬ ‫المتكرر‬
‫ّ‬ ‫اإللقاء‬
‫المعاصرة‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 7‬ص‪.3311-3313‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 7‬ص‪.3313‬‬

‫(‪)3‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪ 1870‬و ج‪ 3‬ص‪.2183‬‬

‫‪111‬‬
‫من حكمة القرآن –وهو حكيم في تربيته وتشريعه وتعليمه‪ -‬بقدر نور بصيرته‪ ،‬وقد أُشير إلى‬

‫(‪)1‬‬
‫ﱁ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱠ يونس‪.١:‬‬
‫المعنى األخير في تفسير قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱂ‬

‫كثير‪ ،‬وأبرز دورها في التأثير على نفس‬


‫ًا‬ ‫ومن الظواهر القرآنية التي وقف الشيخ عندها‬

‫أهميته وبعده في النفس البشرية‪ ،‬ومن تلك‬


‫اإلنسان‪ ،‬ظاهرة التكرار في القرآن الكريم؛ وذلك ببيان ّ‬

‫اآلثار‪:‬‬

‫فالقصة في القرآن الكريم في‬


‫ّ‬ ‫سيما تكرار القصص(‪،)2‬‬
‫‪ ‬أثر التكرار في تحقيق العظة ال ّ‬

‫العام ومحورها‬
‫ّ‬ ‫فإنها تخدم سياق السورة التي وردت فيها وموضوعها‬
‫كل مكان ترد فيه ّ‬
‫ّ‬

‫إن من‬
‫القصة القرآنية في إطار تحقيق العظة‪ ،‬حيث ّ‬
‫ّ‬ ‫في الترتيب القرآني‪ ،‬كذلك تأتي‬

‫خصائص القرآن الكريم ّأنه موعظة‪ ،‬كما في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱵ ﱶ ﱷ ﱠ‬

‫القصة في أكثر من موضع؛ ليأخذ التالي العظةَ من حيث‬


‫ّ‬ ‫يونس‪ ٣٥ :‬؛ وذلك بأن تأتي‬

‫قصة نوح ‪ ‬في‬


‫القصة دورها في السياق الواردة فيه؛ فعلى سبيل المثال ّ‬
‫ّ‬ ‫تال‪ ،‬مع آداء‬

‫سورة يونس خدمت سياق السورة من خالل نفي العجب من إرسال الرسول ِ‬
‫المنذر‪ ،‬وذلك‬

‫يتعجبون من إنزال الوحي وارسال الرسول‪ ،‬كما في‬


‫ّ‬ ‫ٍ‬
‫أناس‬ ‫ألنها جاءت في سياق ِذ ْكر‬
‫ّ‬

‫قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ‬

‫ﱛﱝﱞﱟﱠ ﱡﱢ‬
‫ﱜ‬ ‫ﱔﱕ ﱖﱗﱘﱙﱚ‬

‫القصة قضية كون‬


‫ّ‬ ‫القصة في تفنيد هذه الدعوة‪ ،‬وكذلك خدمت‬
‫ّ‬ ‫ﱣ ﱠ يونس‪٨ :‬؛ فخدمت‬

‫(‪)1‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪.2122‬‬

‫(‪)2‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪ 0623‬و ج‪ 6‬ص‪ 3031-3033‬و ج‪ 7‬ص‪.3118‬‬
‫لالطّالع على مزيد من األمثلة انظر‪ّ :‬‬

‫‪111‬‬
‫ال عن‬
‫أن عاقبة المن َذرين رهيبة في الدنيا فض ً‬
‫القرآن موعظة وهدى‪ ،‬من خالل بيان ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫اآلخرة‪.‬‬

‫‪ ‬أثر التكرار في غسيل القلب‪ ،‬لتجلية ما ران على فطرة اإلنسان‪ ،‬فالقرآن يذ ّكر بمعنى في‬

‫سورة على طريقة وبأسلوب وتسلسل‪ ،‬وعلى طريقة وبأسلوب وتسلسل في سورة أخرى‬

‫فإنه ال ينتهي من تالوة كتاب‬


‫وهكذا‪" ،‬فإذا ُوجد القلب الذي يحسن التل ّقي عن اهلل ‪ّ ،‬‬

‫كرر زاد التح ّقق‪ ،‬والتعّلق حتى ُيخلص اإلنسان هلل‬


‫ثم إذا ّ‬
‫مرة إال وقد تح ّقق وتعّلق‪ّ ،‬‬
‫اهلل ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫وكتابه وشرعه‪ ،‬فإذ رافق هذا عبادة‪ ،‬واقامة فرائض ونوافل‪ ،‬كان غسيل القلب كامالً"‬

‫ويمثّل الشيخ لذلك بقضية التقوى في القرآن الكريم؛ فسياق سورة البقرة يرّبي على التقوى‬

‫ماهية‬
‫يفصل في ّ‬
‫فصل في أساس التقوى‪ ،‬وسياق سورة النساء ّ‬
‫وسياق سورة آل عمران ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫التقوى‪ ،‬وهكذا‪.‬‬

‫(‪)4‬‬
‫أن بعض‬
‫فإن فطرة قلب اإلنسان تحتاج إلى تكرار التنبيه ‪ ،‬أضف إلى ذلك ّ‬
‫‪ ‬كذلك ّ‬

‫المعاني تحتاج النفس البشرية أن تتذ ّكرها ليل نهار؛ فمثل هذه المعاني ُوجدت في القرآن‬

‫(‪)5‬‬
‫مما ال ينقضي العجب فيه‬
‫متعددة‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫متكررة بأشكال وأجراس وأحجام وطرق‬
‫ّ‬ ‫الكريم‬

‫ويتجز بحسب‬
‫ّأ‬ ‫يتكرر في القرآن الكريم بحسب احتياجات تعميقه في النفس‪،‬‬
‫فالموضوع ّ‬

‫مرة‪ ،‬فالقرآن‬
‫ويتجز كذلك ليذ ّكر اإلنسان أكثر من ّ‬
‫ّأ‬ ‫احتياج السياق للجزء الذي ورد منه‪،‬‬

‫(‪)1‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪ 2121‬و ص‪.2121-2123‬‬

‫(‪)2‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 2‬ص ‪.0268‬‬
‫ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪.0268-0267‬‬

‫ومن األمثلة على ذلك ما نقله الشيخ عن صاحب الظالل ‪ ‬عند تفسيره لقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐﱁ ﱂﱠ فصلت‪ .١ :‬انظر‪ :‬ج‪2‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫سيد قطب‪( ،‬في ظالل القرآن)‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪.3017‬‬


‫ص‪3111‬؛ ّ‬
‫(‪)5‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪ 3111‬و ج‪ 7‬ص‪ 3617‬وج‪ 2‬ص‪ 0103‬وص‪.0102‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬

‫‪112‬‬
‫الكريم إلى جانب كونه كتاب علم وحكمة وتشريع‪ ،‬هو كتاب تربية وتزكية واعجاز‬

‫(‪)1‬‬
‫كل شيء‪.‬‬
‫وتوجيه للبشر في ّ‬

‫ويمكن التمثيل لما سبق من اآلثار بمثال واحد يغطيها جميعاً‪ ،‬وهو تكرار قضية التقوى في‬

‫القرآن الكريم‪ ،‬فقد وقف الشيخ عند هذه القضية كثي ًار‪ ،‬وذلك مرتبط بنظريته التي سار عليها في‬

‫مقدمة سورة البقرة‬


‫ال جاء في ّ‬
‫تضمنت سور قرآنية كثيرة الحديث عن التقوى؛ فمث ً‬
‫ّ‬ ‫التفسير(‪)2‬؛ فقد‬

‫(‪)4‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫وكأنها تفصيل لصفات المتّقين‪ ،‬فبدأت‬
‫ّ‬ ‫ثم جاءت سورة آل عمران‬
‫وصف المتّقين ‪ّ ،‬‬

‫وختمت بقوله تعالى‪:‬ﭐﱡﭐ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂﳃ ﱠ‪ ،‬كما بدأت اآليات‬


‫بد‪:‬ﱡﭐﱁﱂﱠ‪ُ ،‬‬

‫وختمت بقوله تعالى‪ :‬ﭐﱡﭐ ﱩ ﱪ‬


‫التي وصفت المتقين في سورة البقرة بد‪ :‬ﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱠ‪ُ ،‬‬

‫(‪)1‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪.0102‬‬

‫(‪)2‬‬
‫أن ك ّل المعاني القرآنية تنبثق عن معان‬‫انطالق ًا من قول النبي ‪ ‬بشأن سورة البقرة‪" :‬إن كادت لتستحصي الدين كلّه"‪ ،‬يرى الشيخ ّ‬
‫أُجملت في سورة البقرة‪ ،‬وقد ربط الشيخ ك ّل سورة من سور القرآن بآية أو أكثر من سورة البقرة‪ ،‬ش ّكلت هذه اآليات محاو اًر لسور القرآن‪،‬‬
‫أن سور الحجر والنحل‬
‫حوى ّ‬
‫وذلك راجع الرتباط المعاني الواردة في السورة بمعنى المحور الذي ارتبطت فيه‪ ،‬فعلى سبيل المثال يرى ّ‬
‫تفصل في حيّز قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ‬ ‫واإلسراء والكهف ومريم‪ ،‬جاءت ّ‬
‫ﲧ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﱠ البقرة‪٨٣٤ :‬؛ فخدمت في موضوع الدخول في السلم كافّة‪ ،‬وللتوضيح يمكن االطّالع‬
‫ﲨ‬ ‫ﲦ‬
‫ال على ما يتعّلق بسورة النحل في هذا الشأن‪ :‬انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 6‬ص‪ 2263‬و ص‪.2282‬‬
‫مث ً‬
‫تم معالجتها‬
‫أن القضية التربوية ‪-‬على سبيل المثال قضية التقوى‪ ،-‬قد ّ‬ ‫أما عن البعد التربوي في نظرية الشيخ هذه‪ ،‬فقد ظهر لي ّ‬
‫ّ‬
‫وتوضيحها من خالل الحديث في مقاطع السور –حيث قُسمت ك ّل سورة إلى أقسام و مقاطع بحسب حجمها‪ ،-‬وفي خاتمة ك ّل مقطع‬
‫يبين الرابط بين المعاني الواردة‪ ،‬ومحور السورة من سورة البقرة‪ ،‬والمحاور المتعلّقة بقضية‬
‫ثم ّ‬‫حوى ملخص ما ورد في المقطع‪ّ ،‬‬
‫يعرض ّ‬
‫العام‬
‫حوى هذه الصلة ضمن حديثه عن السياق ّ‬
‫ويوضح ّ‬
‫ّ‬ ‫مقدمة السورة اآليات [‪ ،]3-0‬واآليات [‪،]23-20‬‬
‫التقوى من سورة البقرة‪ ،‬هي‪ّ :‬‬
‫الخاص للسورة‪ ،‬وهكذا قل في سائر السور‪.‬‬
‫ّ‬ ‫لآليات؛ إذ ّأنه لم ُيغفل الحديث عن السياق‬
‫(‪)3‬‬
‫وذلك في اآليات [‪.]3-0‬‬

‫(‪)4‬‬
‫مقدمة سورة البقرة‪ ،‬ما يتعلّق باهتداء المتقين بالكتاب؛ فاالهتداء الكامل‬
‫مما أجمل في ّ‬
‫فصلتها سورة آل عمران ّ‬
‫من األمور التي ّ‬
‫وعرفت السورة من هم أولو االلباب‪ ،‬كما في قوله تعالى‪ :‬ﭐﱡﭐﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ‬ ‫بالكتاب هو ألولي األلباب‪ّ ،‬‬
‫أن االهتداء‬ ‫ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﱠ‪ّ ،‬‬
‫وبينت ّ‬
‫بالكتاب يدخل فيه التسليم للمتشابه‪ ،‬والعمل بالمحكم‪ ،‬وذلك في قوله تعالى‪ :‬ﱡﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ‬
‫ﲡﲣﲤﲥﲦ ﲨ‬
‫ﲧ‬ ‫ﲢ‬ ‫ﲓﲕﲖﲗﲘﲙﲚﲛﲜ ﲝﲞﲟﲠ‬
‫ﲔ‬ ‫ﲏﲐﲑ ﲒ‬

‫ﲲ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﱠ آل عمران‪ .٥ :‬انظر‪ّ :‬‬


‫حوى‪( ،‬األساس في‬ ‫ﲩﲪﲫﲬﲭﲮﲯﲰﲱ ﲳ‬
‫التفسير)‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪.271‬‬
‫‪113‬‬
‫ففصلت في الطريق للتح ّقق بالتقوى واإليمان والعمل الصالح‬ ‫ﱫ ﱬ ﱠ‪ّ ،‬‬
‫أما سورة النساء ّ‬

‫عام‬
‫وضحت السورة التقوى وما يدخل فيها في مقاطعها كلّها‪ ،‬فهي بشكل ّ‬
‫بالمفهوم األوسع؛ فقد ّ‬

‫فصلت في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ‬


‫قد ّ‬

‫ﲕ ﲖ ﲗ ﱠ البقرة‪ ،)1(٨١ :‬وقد كانت هذه اآلية وما يتلوها محو ًار أيضًا لعدد من السور‬

‫(‪)2‬‬
‫دل‬
‫الحج ‪ ،‬وان ّ‬
‫فصلت في قضية التقوى بأشكال أخرى‪ ،‬ومن ذلك سورتا هود و ّ‬
‫القرآنية‪ ،‬والتي ّ‬

‫يدل على ضخامة معنى التقوى في اإلسالم(‪ ،)3‬ودور تكرار هذا المعنى‬
‫فإنه ّ‬
‫هذا على شيء ّ‬

‫وتجزئته في تحقيق األغراض سابقة الذكر‪.‬‬

‫والعرض السابق للتقوى من خالل سور القرآن الكريم يندرج تحت تفصيل الشيخ لنظريته في‬

‫األول عن كتاب األساس‪.‬‬


‫الوحدة القرآنية‪ ،‬والتي أشرت إليها في حديثي في الفصل ّ‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪.0271-0266‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬

‫إن األمر بالعبادة للوصول إلى التقوى في سورة البقرة كان مرفقاً بالتعريف على اهلل ‪ ،‬كما في قوله تعالى‪ :‬ﭐﱡﭐ ﲌ ﲍ‬
‫حيث ّ‬
‫(‪)2‬‬

‫ﲎﲏﲐﲑ ﲒﲓﲔﲕﲖﲗﲘﲙﲚ ﲛﲜﲝﲞﲟﲠﲡﲢ‬


‫الحج في قضية التقوى من خالل جزء المعرفة؛ فقد‬
‫ّ‬ ‫ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨﲩ ﱠ البقرة‪ ،٨٨ - ٨١ :‬وقد ّ‬
‫فصلت سورة‬
‫رّكزت السورة على معرفة اهلل كثي ًار‪ ،‬ومن األمثلة على ذلك ما جاء في اآليات التالية‪ :‬ﱡﭐ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ‬

‫ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱠ الحج‪ ،٥ :‬ﱡﭐ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱠ الحج‪،٤ :‬‬

‫ﱡﭐ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕﲖ ﱠ الحج‪،٣ :‬‬

‫ﱡﭐﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﱠ الحج‪ ،٤٥ :‬ﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ‬


‫ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖﱗ ﱘ ﱙ ﱚ‬
‫فصلت في قضية‬ ‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 7‬ص‪3618‬؛ ّ‬
‫أما سورة هود فقد ّ‬ ‫ﱛ ﱜ ﱝﱠ الحج‪ .٤٣:‬انظر‪ّ :‬‬
‫التقوى من خالل جزء العبادة‪ ،‬وما يدخل فيها‪ ،‬وما ينبثق عنها‪ ،‬وما هي عاقبة أهلها وعاقبة المعرضين عنها‪ ،‬على نسق عجيب تلتقي‬
‫فيه الب دايات واألواسط والنهايات؛ فبدايتها بيان أن عبادة اهلل وحدة هي الحكمة من إنزال القرآن على ما هو عليه ﱡﭐﲄﲅ ﲆ ﲇ‬

‫ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓﲔ ﱠ‪ ،‬ووسطها بيان لفحوى دعوة األنبياء وهو عبادة اهلل وحده ﱡﭐ ﲢ‬

‫ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩﲪ ﱠ‪ ،‬وخاتمتها أمر باالستقامة والعبادة ﱡﭐﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀﲁ ﲂ ﲃ‬

‫ﲄ ﲅ ﲆ ﱠ‪ .‬انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪ 2600‬و ص‪.2603‬‬


‫(‪)3‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 7‬ص‪.3617‬‬

‫‪114‬‬
‫حوى في مدارسة القرآن الكريم‪:‬‬
‫منهج الشيخ سعيد ّ‬

‫أن منهجه في مدراسة القرآن الكريم مع إخوانه كان بقراءة قدر من القرآن الكريم‬
‫حوى ّ‬
‫يبين ّ‬
‫ّ‬

‫ثم الوقوف عند األوامر والنواهي‪ ،‬ويتلو ذلك‬


‫التعرف على مفردات القرآن في ذلك القدر‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ثم‬
‫ّ‬

‫وقوف عند األحكام الفقهية‪ ،‬وذلك عند المرور على آيات األحكام‪ ،‬وأخي ًار كانت الوقفات الطوال‬

‫(‪)1‬‬
‫تم مدارسته من القرآن الكريم‪.‬‬
‫مع بحث األخالق –أخالق متّقين أو كافرين أو منافقين‪ -‬فيما ّ‬

‫المسألة الثانية‪ :‬الذكر‬

‫يستشهد الشيخ بقول اإلمام القرطبي ‪" :‬أصل الذكر التّ ّنبه بالقلب للمذكور‪ ،‬والتي ّقظ له‬

‫لما كثُر إطالق الذكر على القول‬


‫ألنه داللة على الذكر القلبي‪ ،‬غير ّأنه ّ‬
‫وسمي باللسان ذك ًار ّ‬
‫ّ‬

‫اللساني صار هو السابق للفهم"(‪ ،)2‬و من اآلثار التربوية التي يتركها الذكر في نفس الذاكر هلل‬

‫أن الذكر يؤهل صاحبه لالنتفاع بالذكرى كما في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲦ ﲧ ﲨ‬
‫‪‬؛ ّ‬

‫ﲩ ﱠ هود‪ ،١١٨ :‬كذلك ّ‬


‫فإن لذكر اهلل ‪ ‬أكبر األثر في نهي النفس عن الفحشاء والمنكر‬

‫والصالة هي أعظم الذكر‪ ،‬كما في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ‬

‫(‪)3‬‬
‫ﲻ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﱠ العنكبوت‪.٨٣ :‬‬
‫ﲼ‬ ‫ﲷﲹﲺ‬
‫ﲸ‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 00‬ص‪.6230‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫محمد بن أحمد بن أبي بكر (ت‪670‬ه)‪( ،‬الجامع ألحكام القرآن)‪ ،‬حقّقه أحمد البردوني وابراهيم إطفيش‪ ،‬دار الكتب‬
‫القرطبي‪ّ ،‬‬
‫المصرية‪ ،‬القاهرة‪0381 ،‬ه‪0261-‬م‪ ،‬ط‪ 21 ،2‬جزءاً‪ .‬ج‪ 2‬ص‪.070‬‬

‫(‪)3‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪ ،2618‬ج‪ 8‬ص‪.1232-1230‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬

‫‪115‬‬
‫فكل شيء في‬
‫أن األمر بالعبادة في القرآن الكريم‪ ،‬يتْبعه أمر بذكر اهلل ‪‬؛ ّ‬
‫ويالحظ الشيخ ّ‬

‫سيما ذ ْكر‬
‫القرآن الكريم جاء من أجل تحقيق مقصد العبادة‪ ،‬والذكر مرافق لهذا المقصد؛ ال ّ‬

‫االستغفار‪ ،‬كما في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲐ ﲑ ﲒ ﲔ‬


‫ﲓﲕﲖﲗﲘﲙﲚﲛﲜ‬

‫ﲝ ﱠ هود‪ ،٥ – ٨:‬وفي هذا ملحظ تربوي؛ وهو أن يستشعر العبد قصوره بعد أداء العبادة‪،‬‬

‫حق القيام(‪،)1‬‬
‫بحق اهلل في العبادة ّ‬
‫ويحمي نفسه من العجب؛ فيبقى في عبادة دائمة‪ ،‬فال أحد يقوم ّ‬

‫ومن األمثلة على ذلك‪ ،‬األمر بالذكر بعد قضاء مناسك يوم النحر‪ ،‬كما في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐﲎ‬

‫ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗﱠ‬

‫(‪)2‬‬
‫البقرة‪.٨٣٣:‬‬

‫أن أذكار النبي ‪ ‬ودعواته أعظم تطبيق‬


‫حوى ّ‬
‫فيبين ّ‬
‫أما عن هيئة الذكر وما يدخل فيه‪ّ ،‬‬
‫ّ‬

‫لمعاني العبودية‪ ،‬وأعظم تحقيق ألوامر اهلل ‪ ،‬وفيها أعظم تجسيد للمعاني اإلسالمية‪ ،‬ومن‬

‫الجد‬
‫اللهم ال مانع لما أعطيت‪ ،‬وال معطي لما منعت‪ ،‬وال ينفع ذا ّ‬
‫األمثلة على ذلك قوله ‪ّ " :‬‬

‫فيبين الشيخ في تفسيره لقوله تعالى‪ :‬ﱡﲍ ﲎ ﲏ‬


‫عما يدخل فيه‪ّ ،‬‬
‫أما ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫الجد" ‪ ،‬و ّ‬
‫منك ّ‬

‫أن الذكر يدخل‬ ‫ﲗﱠ المنافقون‪ّ ،٨ :‬‬


‫يبين ‪ّ ‬‬ ‫ﲐﲑ ﲒﲓﲔﲕﲖ ﲘ‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪ 2333‬و ج‪ 0‬ص‪.162‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬

‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪173‬؛ ومن ذلك أيض ًا ما جاء في اآليات التالية‪ :‬ﱡﭐ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ‬ ‫(‪)2‬‬

‫ﲇ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌﲍﱠ البقرة‪ ،١٨٨ :‬ﱡﭐ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ‬


‫ﲆ ﲈ‬

‫ﲍﱠ النساء‪ ،١٣٥:‬ﱡﭐ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ‬


‫ﲎ‬

‫ﱦﱧﱠ الجمعة‪.١٣:‬‬

‫(‪)3‬‬
‫البخاري‪( ،‬الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول اهلل ‪ ‬وسننه وأيامه)‪ ،‬كتاب القدر‪ ،‬باب ال مانع لما أعطى هللا‪،‬‬
‫ج‪ 6‬ص‪ ،2132‬حديث رقم‪.6210 :‬‬

‫‪116‬‬
‫فيه الفرض كالصلوات الخمس‪ ،‬و المندوب كالسنن الرواتب‪ ،‬وقراءة القرآن وغير ذلك من األذكار‬

‫ينصب على االنشغال عن‬


‫ّ‬ ‫أن النهي في اآلية الكريمة ّأول ما‬
‫ويبين ّ‬
‫التي تجري على اللسان‪ّ ،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫الفرائض‪.‬‬

‫السيما فيما‬
‫ّ‬ ‫وقد كان من منهج الشيخ في حديثه عن الذكر‪ ،‬االستعانة بالحديث النبوي؛‬

‫يتعّلق بفضائل األذكار(‪ ،)2‬وذلك عند تفسيره لآليات المتعّلقة بذكر ما(‪ ،)3‬كاالستغفار والصالة‬

‫األهمية‪ ،‬وما‬
‫ّ‬ ‫أهمية الذكر‪ ،‬ولفت نظر القارئ إلى تلك‬
‫على النبي ‪ ‬ويأتي ذلك في إطار بيان ّ‬

‫مما يتعلّق باالستغفار‪ ،‬قوله ‪" :‬من قال‬


‫يتبع ذلك من أثر في التطبيق العملي‪ ،‬ومن ذلك ّ‬

‫فر من الزحف"(‪،)4‬‬
‫الحي القيوم‪ ،‬وأتوب إليه‪ُ ،‬غفر له‪ ،‬وان كان قد ّ‬
‫ّ‬ ‫أستغفر اهلل الذي ال إله إال هو‬

‫ﲇ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍﱠ‬
‫وقد جاء ذلك عند تفسير قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐﲆ ﲈ‬

‫(‪)5‬‬
‫البقرة‪.١٨٨ :‬‬

‫أهمية الذكر لطالب التزكية‪ ،‬وذلك في مبحث وسائل‬


‫وفي الفصل األخير مزيد حديث عن ّ‬

‫التزكية‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 01‬ص‪.3233‬‬
‫ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫وقد اعتمد الشيخ في نقل األحاديث المتعلّقة بفضائل األذكار على تفسير ابن كثير؛ ولالطّالع على بعض تلك المواضع‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪ ،2380‬و ج‪ 8‬ص‪ 1203‬و ص‪ 1131‬و ص‪ 1130‬و ص‪ ،1177‬وج‪ 2‬ص‪.1213‬‬

‫ﱧ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯﱰﱠ األحزاب‪:‬‬
‫ﱨ‬ ‫مثل قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ‬ ‫(‪)3‬‬

‫ﲤ ﲦ ﲧﲨ‬
‫ﲥ‬ ‫‪ ،٣٤‬ﱡﲔ ﲕ ﲖﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲟ‬
‫ﲞ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ‬

‫ﲩﲪﱠﭐالزمر‪.٣٥:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫أبو داود‪ ،‬سليمان بن األشعث السجستاني (ت ‪273‬ه)‪( ،‬سنن أبي داود)‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط بدون‪ 1 ،‬أجزاء‪ .‬كتاب‬
‫الوتر‪ ،‬باب في االستغفار‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪ ،361‬حديث رقم‪ ،0302 :‬حكم األلباني على الحديث‪ :‬صحيح‪.‬‬

‫(‪)5‬‬
‫انظر‪( :‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪.162‬‬

‫‪117‬‬
‫المسألة الثالثة‪ :‬التف ّكر‬

‫إ ّن ل لمؤمن إحساساته اإليجابية بظواهر هذا الكون؛ فيرى في الكون ما ال يراه الكافر‪ ،‬وثمرة‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى إلى ذلك في‬
‫تلك الرؤية تتجّلى بخشية أو ذكر أو دعاء أو أُنس وغير ذلك ‪ ،‬وقد أشار ّ‬

‫يدل على عظيم‬ ‫سياق تفسير قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﳁ ﳂ ﳃﱠ الرعد‪ ،١٥ :‬وما ذكره ّ‬
‫حوى ّ‬

‫األثر التربوي الذي يتركه التف ّكر في اإلنسان؛ فأَثَُر الكون في العقل‪َ ،‬ح َّر َك القلب بخشية وأنس‬

‫وح َّر َك الجوارح بذكر ودعاء‪.‬‬


‫َ‬

‫يدل على اهلل ‪ ،‬فاهلل‬


‫أن األثر األعظم للتف ّكر يتمثّل في كون النظر العقلي في الكون ّ‬
‫كما ّ‬

‫مما يثير إحساسات المشاعر الجمالية‪ ،‬التي هي نعمة من‬


‫يمن على اإلنسان بما خلق‪ّ ،‬‬
‫‪ّ " ‬‬

‫بكل‬
‫كل شيء لإلنسان‪ ،‬وأَ ْن يخلق هذا اإلنسان بحيث يستفيد من هذا الكون ّ‬
‫نعمه‪ ،‬فأَ ْن يخلق ّ‬

‫يدل على اهلل بشكل قطعي"(‪،)2‬‬


‫أنواع االستفادة من اإلحساس بجماله إلى غير ذلك‪ ،‬فهذا كّله ّ‬

‫العباد على اهلل ‪ ‬وصفاته بمحض التفكر‪ ،‬واآليات الكونية تتفق تمامًا مع‬
‫َ‬ ‫تدل‬
‫فظواهر الكون ّ‬

‫اآليات القرآنية‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ‬

‫(‪)3‬‬
‫ﳐﱠ البقرة‪.٨١٨ :‬‬

‫ومن اآلثار التي يتركها التف ّكر في سلوك صاحبه بعد معرفة اهلل ‪ ‬الفرار إليه؛ ففي سورة‬

‫الذاريات بعد ذكر عدد من اآليات‪ ،‬كما في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬حوّ ى‪( ،‬األساس في الفسير)‪ ،‬ج‪ 5‬ص‪2747‬‬

‫(‪)2‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 6‬ص‪.2202‬‬

‫(‪)3‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪.612‬‬

‫‪118‬‬
‫ﳄﳅ ﳆﳇﳈﳉﳊﳋﳌﳍﳎ ﳏﳐﳑﱠ‬

‫ﳔ ﱠ الذاريات‪٣٣ :‬؛ فرؤية اآليات تقتضي‬


‫الذاريات‪ ،٨٨-٨٥ :‬جاء قوله تعالى‪ :‬ﱡ ﭐﳒ ﳓ ﳕ‬

‫(‪)1‬‬
‫الفرار إلى اهلل ‪ ‬وعدم اإلشراك به‪.‬‬

‫فإن من يق أر الكون باسم اهلل ‪ ،‬موعود باإلكرام العظيم وبمزيد من العطايا والعلوم‬
‫كذلك ّ‬

‫حوى إلى هذا المعنى في تفسير قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ‬


‫وقد أشار ّ‬

‫(‪)2‬‬
‫ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﱠ العلق‪.٥ – ١ :‬‬

‫حوى في تفسيره لآليات المتعلّقة بموضوع التف ّكر اإلحالة على كتابه (اهلل‬
‫وقد كان من منهج ّ‬

‫أن الطريق إلى معرفة اهلل ‪ ‬هي آثاره الدالّة عليه‬


‫مقدمة كتابه هذا ّ‬
‫حوى في ّ‬
‫‪ ،)‬وقد ّبين ّ‬

‫خصص كتاب (اهلل ‪ )‬لموضوع‬


‫وهذه اآلثار هي‪ :‬الكون ‪ ،‬والقرآن‪ ،‬والمعجزات والكرامات‪ ،‬وقد ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫وحسب‪ ،‬وذلك من حيث داللتها على اهلل ‪ ،‬وكيف أ ّن هذه الظواهر كافية‬ ‫الظواهر الكونية‬

‫(‪)4‬‬
‫وحدها للداللة على اهلل ‪.‬‬

‫أهمية الفكر إلى جانب العقل والعلم في االستفادة من‬


‫حوى في كتابه آنف الذكر إلى ّ‬
‫ويشير ّ‬

‫تدل عليه‪ ،‬وهي‬


‫إن الطريق إلى اهلل ‪ ‬هي آثاره التي ّ‬
‫آثار اهلل ‪ ‬الدالّة عليه؛ فيقول ‪ّ " :‬‬

‫طريق وحيد‪ ،‬والعقل والفكر والعلم شروط أساسية لسالك هذا الطريق؛ إذ بدون عقل لن َنعرف‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 01‬ص‪ 3332‬و ص‪.3711‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪.6610‬‬

‫(‪ )3‬ويتطرّق في كتابه هذا إلى تسع ظواهر كونية كنماذج على الظواهر الكونية الكثيرة‪ ،‬هذه الظواهر هي‪ :‬ظاهرة حدوث الكون‪،‬‬
‫ظاهرة اإلرادة‪ ،‬ظاهرة الحياة‪ ،‬ظاهرة اإلجابة‪ ،‬ظاهرة الهداية‪ ،‬ظاهرة اإلبداع‪ ،‬ظاهرة الحكمة‪ ،‬ظاهرة العناية‪ ،‬ظاهرة الوحدة‪.‬‬

‫(‪ )4‬انظر‪ :‬حوّ ى‪ ،‬سعيد بن ديب (‪1989‬م)‪( ،‬اهلل ‪ ،)‬دار السالم للطباعة والنشر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪0101 ،2‬ه‪ .0221-‬ص‪.2-8‬‬

‫‪119‬‬
‫اآلية‪ ،‬وبدون فكر لن ُي عرف صاحبها‪ ،‬وبدون علم لن تكون معرفة لآلية أو لصاحبها"(‪ ،)1‬وفي‬

‫أن القرآن الكريم قد لفت بشكل واضح وكبير للعقل والفكر والعلم واآلثار‪،‬‬
‫ذات السياق يشير إلى ّ‬

‫ومن األمثلة على ذلك قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ‬

‫ﲫ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﱠ األحقاف‪،٨ :‬‬
‫ﲬ‬ ‫ﲧﲨﲩﲪ‬

‫وقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ‬

‫ﲢ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﱠ الرعد‪ ،٨ :‬وقوله‬
‫ﲣ‬ ‫ﲛﲜﲝﲞﲟﲠ ﲡ‬

‫ﲀﲂﲃ ﲄ‬
‫ﲁ‬ ‫تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ‬

‫ﲔ‬ ‫ﲓ‬ ‫ﲅ ﲆ ﲇﲈ ﱠ النحل‪ ،١١ :‬وقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐﲑ ﲒ‬

‫ﱽﱿﲀ‬
‫ﱾ‬ ‫ﲕﲖﲗﱠ الذاريات‪ ،٨١ – ٨٣ :‬وقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐﱸﱹ ﱺﱻ ﱼ‬

‫ﲁ ﲂﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﱠ يونس‪ ،١٣١ :‬وقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ‬

‫ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﱠ سبأ‪٤ :‬؛ فاإلسالم يفرض على‬

‫(‪)2‬‬
‫المسلم أن يف ّكر وأن يتعلّم‪ ،‬فالفكر والعلم جزءان من شخصية المسلم‪.‬‬

‫حوى في تفسيره على بعض الظواهر الكونية‪ ،‬كظاهرة الهداية‪ ،‬وذلك في مواطن‬
‫وقد وقف ّ‬

‫ﲜ ﱠ النور‪ ،٥٣ :‬فقد نقل ّ‬


‫حوى‬ ‫ﲝ‬ ‫عدة؛ منها ماجاء عند تفسير قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲙ ﲚ ﲛ‬
‫ّ‬

‫أن معنى ذلك هو "هادي أهل السماوات واألرض"(‪ ،)3‬ويحيل في ذلك‬


‫عن ابن عباّس ‪ ‬قوله من ّ‬

‫(‪ )1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.17‬‬

‫انظر‪ :‬حوّ ى‪( ،‬اهلل ‪ ،)‬ص‪ ،9‬وص‪.18-17‬‬


‫( ‪)2 ()2‬‬

‫(‪ )3()3‬ابن كثير‪( ،‬تفسير القرآن العظيم)‪ ،‬ج‪ 6‬ص‪57‬؛ وانظر‪ :‬حوّ ى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 7‬ص‪.3773-3772‬‬

‫‪121‬‬
‫للتوسع في ظاهرة هداية اهلل ‪ ،‬وقد سرد ّ‬
‫حوى في ذلك الكتاب أمثلة‬ ‫ّ‬ ‫المقام إلى كتاب (اهلل ‪)‬‬
‫(‪)1‬‬
‫تعم مخلوقات‬
‫أن ظاهرة الهداية ّ‬
‫تبين مظاهر الهداية لبعض مخلوقات اهلل ‪ ، ‬كذلك فقد ّبين ‪ّ ‬‬

‫حسياً كان أو معنوياً‬


‫ومما قاله بهذا الشأن‪" :‬لقد خلق اهلل ك ّل شيء‪ّ ،‬‬
‫الحسية والمعنوية‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫اهلل جميعاً‪،‬‬

‫من األخالق الفاسدة إلى األخالق الحسنة‪ ،‬إلى اإلنسان‪ ،‬إلى الوجود كلّه‪ ،‬وأعطى ك ّل شيء هدايته‬

‫فالكبر مهتد إلى طريقه‪ ،‬وكذلك الحسد‪ ،‬وكلك الضالل‪ ،‬وكذلك ك ّل نوع من أنواع الضالل‪ ،‬وكذلك‬

‫أي شيء تصادفه‪ ،‬وكذلك الشمس‪ ،‬وكذلك‬


‫تلتف حول ّ‬
‫ّ‬ ‫الهداية‪ ،‬وكذلك أعواد شجر العنب التي‬

‫خاصة‪ :‬ذاته‪ ،‬ونفسه‪ ،‬وجسمه‪ ،‬وك ّل شيء فيه مهتد إلى طريقه إذا ترك‬
‫ّ‬ ‫القمر‪ .‬وبالنسبة لإلنسان‬

‫الشر له فتنة‪:‬‬
‫أهلته للتكليف‪ُ ،‬جعل الخير و ّ‬
‫ولكن هذا اإلنسان بما أُتي من ملكات ّ‬
‫ّ‬ ‫سجيته‪،‬‬
‫ّ‬ ‫على‬

‫ﳑ ﱠ األنبياء‪ ،٥٣ :‬ونتيجة لهذا‪ ،‬فُرض عليه أن يحاول التغلّب على‬


‫ﳒ‬ ‫ﱡﭐﳎ ﳏ ﳐ‬

‫معين‪َ ،‬ح ّده له الوحي اإللهي‬


‫يكيف ذاته حسب هدى ّ‬
‫كثير من ميوله ورغباته وأهوائه وشهواته‪ ،‬وأن ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫ليقوم بدوره على هذه األرض ضمن طريق مخصوص"‪.‬‬

‫حوى في الحديث عن اآلثار التربوية للتف ّكر اإلكثار من النقل عن‬


‫كذلك فقد كان من منهج ّ‬

‫سيد قطب ‪ ‬بأسلوبه األدبي الراقي في وصف المشاهد الكونية بما‬


‫صاحب الظالل؛ فقد أبدع ّ‬

‫يستثير العقل والقلب معاً‪ ،‬ومن مواطن النقل عن قطب ما جاء عند تفسيره لقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲌ‬

‫ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔﲕ ﱠ يونس‪ ، ٤٥ :‬يقول صاحب الظالل‪:‬‬

‫"والمنهج القرآني يستخدم المشاهد الكونية كثي اًر في معرض الحديث عن قضية األلوهية والعبودية‬

‫(‪ )1‬من ذلك ظاهرة هداية الطفل للرضاعة من أمّه‪ ،‬وهداية الدجاجة لتقليب بيضتها‪ ،‬وكذلك ما نقله حوّ ى عن كتاب (العلم يدعو إلى‬
‫اإليمان) من أنّ الجراد البالغ من العمر سبعة عشر عاما ً في والية نيوانكالند‪ ،‬يغادر شقوقه تحت األرض حيث عاش في ظالم مع‬
‫ت غيير طفيف في درجة الحرارة‪ ،‬ويظهر بالماليين في ‪ 24‬أيار من السنة السابعة عشرة تماماً‪ ،‬بحيث يضبط مواعيده للظهور في اليوم‬
‫تقريبا ً بهداية يعجز عنها اإلنسان لوال أ ّنه يستعمل "التقويم"‪ .‬انظر‪ :‬حوّ ى‪( ،‬اهلل ‪ ،)‬ص‪.73-71‬‬

‫(‪ )2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.77‬‬

‫‪121‬‬
‫أن هذا الكون بوجوده وبمشاهده‪ ،‬شاهد ناطق للفطرة‪ ،‬ال تملك لمنطقه ردًا‪ ،‬كذلك يخاطب‬
‫ذلك ّ‬

‫ال؛ فهذا الليل الذي‬


‫الناس بما في عالقتهم بهذا الكون من تناسق‪ ،‬وهم يجدون هذا في حياتهم فع ً‬

‫كونيتان شديدتا االتّصال بحياتهم‬


‫يسكنون فيه‪ ،‬وهذا النهار الذي يبصرون به‪ ،‬هما ظاهرتان ّ‬

‫يتعمقوا في البحث و"العلم"‪-‬‬


‫وتناسق هذه الظواهر الكونية مع حياة الناس يحسونه هم‪ -‬ولو لم ّ‬

‫بتجدد المعرفة‬
‫متجددة ّ‬
‫ّ‬ ‫أن فطرتهم الداخلية تفهم عن هذا الكون لغته الخفية! ‪ ...‬وهي لغة‬
‫ذلك ّ‬

‫وكلما ارتقى الناس في المعرفة كانوا أقدر على فهمها‪ ،‬متى تفتّحت قلوبهم باإليمان ونظرت بنور‬

‫(‪)1‬‬
‫اهلل في هذه اآلفاق!"‪.‬‬

‫المطلب الخامس‪ :‬منهيات الجوارح‬

‫وفيه مسألتان‪:‬‬

‫المسألة األولى‪ :‬األهواء والشهوات‬

‫فإن التركيز على موضوع األهواء‬


‫منهيات الجوارح يأخذ طابعاً تربوياً‪ّ ،‬‬
‫إذا كان الحديث عن ّ‬

‫الحسية‬
‫ّ‬ ‫حوى إلى أ ّن الشهوات‬
‫هميته التي ال تُغفل في هذا المقام‪ ،‬حيث أشار ّ‬
‫والشهوات له أ ّ‬

‫والمعنوية هي باب الخطيئة؛ فحرص آدم ‪ ‬على الخلود واستجابته لشهوة الطعام كانا سبب‬

‫العز والرئاسة‪ ،‬أو‬


‫إما شهوة ّ‬
‫كل العصور‪ ،‬تحكمه أحد شهوتين؛ ّ‬
‫الخطيئة‪ ،‬وهذا شأن اإلنسان في ّ‬

‫يقيد‬
‫أن ّ‬‫شهوة الفرج والبطن‪ ،‬وقليل هم السالكون في طريق اهلل ‪ ،‬فاإلنسان في طبعه ال يريد ّ‬

‫تصور عدم قدرة أحد‬


‫ّ‬ ‫الحق لذلك‪ ،‬ويعينه على هذا الفرار من التكليف‬
‫ّ‬ ‫هواه وشهوته‪ ،‬بل يعادي‬

‫(‪)2‬‬
‫عليه‪ ،‬كما في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆﲇﱠ البلد‪.٣:‬‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪.2182‬‬
‫قطب‪( ،‬في ظالل القرآن)‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪0813‬؛ ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫انظر‪( :‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪ ،022‬ج‪ 00‬ص‪ 6266‬و ص‪.6322‬‬

‫‪122‬‬
‫فإن نهي النفس عن الهوى‪ ،‬إلى جانب خوف اهلل ‪ ‬هما ركنا النجاة من‬
‫ومن جانب آخر ّ‬

‫النار‪ ،‬كما في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ‬

‫(‪)1‬‬
‫ﲾ ﲿ ﳀ ﱠ النازعات‪.٨١ – ٨٣ :‬‬

‫واألصل أن يكون الهوى تابعاً لما جاء في كتاب اهلل ‪ ،‬وفي قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐﲨ‬

‫ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﱠ البقرة‪:‬‬

‫أن أهل الكتاب خالفوا هذا األصل‪ ،‬فأرادوا أن يكون شرع اهلل ‪ ‬تابعًا ألهوائهم‬
‫يبين الشيخ ّ‬
‫‪ّ ،٤٥‬‬

‫وفي هذا المقام يشير الشيخ إلى الواقع المعاصر للمسلمين من هذا األصل‪ ،‬فكثير من المسلمين‬

‫ال يقبلون إال ما يوافق أهواءهم‪ ،‬ويك ّذبون فيما سوى ذلك‪ ،‬وقد يقتلون الدعاة إليه إن كان لهم‬

‫سلطان‪ ،‬حتى صار تبيين اإلسالم كما هو مهمة عسيرة على العلماء المخلصين‪ ،‬لكثرة مسايرة‬

‫(‪)2‬‬
‫المدعوين لألهواء‪.‬‬

‫ومن منهج اإل سالم في ضبط الغرائز والشهوات‪ ،‬تشريع األحكام التي تضبط تلك الشهوات‬

‫غض البصر وحفظ الفروج‬


‫في نفس اإلنسان‪ ،‬ومن األمثلة على ذلك تشريع أحكام الزواج وأحكام ّ‬

‫عبر عنه قطب بالحيلولة دون‬


‫وستر العورات‪ ،‬وذلك فيما يتعلّق بقطع الذريعة إلى الزنا‪ ،‬وهو ما ّ‬

‫االستثارة‪ ،‬وابقاء الدوافع الفطرية سليمة‪ ،‬وسورة النور من أوضح السور في تجلية هذا المنهج‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 01‬ص‪.6363‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪.081‬‬

‫‪123‬‬
‫ﱴﱶ‬
‫ﱵ‬ ‫ومن ذلك ما جاء في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ‬

‫(‪)1‬‬
‫ﱸ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾﱿﱠ النور‪.٥٣:‬‬
‫ﱹ‬ ‫ﱷ‬

‫منهيات الجوارح‬
‫المسألة الثانية‪ :‬أبعاد تربوية لبعض ّ‬

‫منهيات الجوارح من المعاصي‬


‫حوى لآليات التي اشتملت على ما يدخل في ّ‬
‫في تفسير ّ‬

‫سيما فيما‬
‫والكبائر واألخالق المذمومة‪ ،‬اشتمل التفسير على تفصيل في األحكام الفقهية؛ ال ّ‬

‫يتعلّق بالقصاص والحدود كالزنا والخمر السرقة‪ ،‬ولم تخ ُل بعض المواضع من اإلشارات التربوية‬

‫ومن ذلك‪:‬‬

‫حرم اهلل ‪ ‬دلي ٌل على فساد الفطرة؛ ففي قوله تعالى إخبا ًار عن النبي‬
‫‪ ‬اإلقبال على ما ّ‬

‫‪ :‬ﱡﭐ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱠ األعراف‪ ،١٣٥ :‬إعالن‬

‫أن‬
‫االمة إال ما هو خبيث مستق َذر عافته الفطرة السليمة؛ فلو ّ‬
‫حرم على هذه ّ‬
‫بأنه لم ُي َّ‬
‫ّ‬

‫يدل ذلك إال على‬


‫نفسًا لم تستقذر البول والغائط وأقبلت عليهما في األحوال العادية‪ ،‬لم ّ‬

‫حرم اهلل‬
‫مما ّ‬
‫فساد فطرتها‪ ،‬فكذلك من يقبل على أكل الخنزير‪ ،‬وشرب الخمر‪ ،‬وغير ذلك ّ‬

‫يدل على فساد فطرة المقبل‪ ،‬فضالً عن مجاوزته لحدود اهلل ‪ ‬الذي له‬
‫فكل ذلك ّ‬
‫‪ّ ،‬‬

‫حق التشريع ‪ ،‬وقد تكون الحكمة في تحريم بعض األمور إبقاء التركيب الفطري لإلنسان‬
‫ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫على سالمته‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫سيد قطب‪( ،‬في ظالل القرآن)‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪.2300‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 7‬ص‪3731‬؛ ّ‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫انظر‪( :‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪.373-371‬‬

‫‪124‬‬
‫حوى لقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲕ‬
‫‪ ‬النفس التي تقبل الربا هي نفس جشعة مستغلّة؛ ففي تفسير ّ‬

‫ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟﲠﲡﲢﱠ‬ ‫ﲖﲗ ﲘ ﲙ‬

‫يدل اإلنفاق‬
‫أن االقتصاد اإلسالمي يرّبي ضمير اإلنسان‪ ،‬وبقدر ما ّ‬
‫يبين ّ‬
‫البقرة‪ّ ،٨٥٤ :‬‬

‫يدل الربا على النفس الشريرة الجشعة المستغلّة‪ ،‬ومن جانب آخر‬
‫على النفس الزكية‪ّ ،‬‬

‫كل مسلم استحالة‬


‫بد أن يكون في عقيدة ّ‬
‫يشير إلى ما ذكره صاحب الظالل من ّأنه ال ّ‬

‫وتقدمها‪ ،‬واستحالة أن‬


‫حرمه اهلل شيء يتوّقف عليه قيام الحياة البشرية ّ‬
‫أن يكون فيما ّ‬

‫فإنما‬
‫وتقدمها‪ ،‬فإن كان شيء من ذلك؛ ّ‬
‫يكون هناك شيء خبيث هو حتمي لقيام الحياة ّ‬

‫تصور قيام النظام االقتصادي العالمي‬


‫التصور وسوء الفهم؛ فاستحالة ّ‬
‫ّ‬ ‫هو نات ج عن سوء‬

‫(‪)1‬‬
‫على أساس غير األساس الربوي ليس سوى وهم‪.‬‬

‫وبعد‪ ،‬فقد حاولت فيما سبق توضيح مالمح تربية جوارح اإلنسان في القرآن الكريم من‬
‫ُ‬

‫أتطرق في المبحث التالي‬


‫خالل تفسير األساس‪ ،‬واستكماالً للحديث عن تربية اإلسالم لإلنسان‪ّ ،‬‬

‫حوى في تربية أخالق اإلنسان وآدابه وعالقاته من خالل ما‬


‫للحديث عن منهج الشيخ سعيد ّ‬

‫استنبطه من القرآن الكريم‪ ،‬واهلل المستعان‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫سيد قطب (في ظالل القرآن)‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪.323-322‬‬
‫انظر‪( :‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪ 631‬و ص‪632‬؛ ّ‬

‫‪125‬‬
‫المبحث الثاني‬

‫حوى في التربية األخالقية واالجتماعية‬


‫منهج الشيخ سعيد ّ‬

‫تمهيد‬

‫يأتي الحديث عن األخالق بعد الحديث عن تربية القلب والجوارح‪ ،‬لكون األخالق ثمرة ما‬

‫حوى إلى ذلك‪ ،‬ما ذكره من كون التذكير باآليات يستتبع عند المؤمنين‬
‫سبق‪ ،‬ومن إشارات ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫بد منه‬
‫فإن تربية أخالق اإلنسان جزء ال ّ‬
‫أن السلوك النظيف أثر عن العبادة ‪ ،‬كذلك ّ‬
‫سلوكًا‪ ،‬و ّ‬

‫إن‬
‫ألن التخلّق بمكارم األخالق أحد منطلقات الهداية‪ ،‬بل ّ‬
‫في الحديث عن تربية اإلنسان؛ ذلك ّ‬

‫استحقاق اإلنسان للهداية يكون بقدر تحقّقه بصفات أهل الخير(‪ ،)2‬فال يمكن إهمال هذا الجانب‬

‫دل اإلنسان على طريق الهدى‪ ،‬دّله من جملة ما دّله على الطريق‬
‫من اإلنسان‪" ،‬والقرآن الذي ّ‬

‫الذي يكون به المسلم هو اإلنسان األعلى في هذا الوجود‪ ،‬تطّلعات وأخالقاً وقيماً ومبادئ‬

‫وأهدافاً‪ ،‬وكما رّباه على الكمال في األخالق الفردية‪ ،‬رّباه على الكمال في األخالق الجماعية‬

‫(‪)3‬‬
‫كل شيء"‪.‬‬
‫األمة على الكمال في ّ‬
‫أمة كاملة‪ ،‬كما رّبى هذه ّ‬
‫ال في ّ‬
‫بحيث يكون عضوًا كام ً‬

‫أخصص المطلب‬
‫ّ‬ ‫وللتفصيل فيما سبق‪ ،‬وما يتبع ذلك من الحديث عن اآلداب والعالقات‪،‬‬

‫األول من هذا المبحث للحديث عن أخالق اإلنسان وآدابه‪ ،‬وفي المطلب الثاني حديث عن‬
‫ّ‬

‫عالقات اإلنسان األسرية واألخوية والمجتمعية‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫انظر‪( :‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪ ،2327‬وج‪ 8‬ص‪.1611‬‬
‫(‪)2‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪ ،2122‬ج‪ 3‬ص‪.2731‬‬

‫(‪)3‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪.3111‬‬

‫‪126‬‬
‫األول‪ :‬التربية األخالقية‬
‫المطلب ّ‬

‫وفيه ثالث مسائل‪:‬‬

‫المسألة األولى‪ :‬تربية األخالق‬

‫األمة رسوالً بوحي‬


‫بد منه لتهذيب الطبيعة البشرية‪ ،‬وقد بعث اهلل ‪ ‬لهذه ّ‬
‫إن الوحي ال ّ‬
‫ّ‬

‫األمة على ضوء المعرفة‬


‫ومعه أشرف الكتب‪ ،‬يهدي للتي هي أقوم‪ ،‬وبقدر ما تُبنى هذه ّ‬

‫ألن اهلل من ّزل القرآن هو‬


‫الصحيحة لكتاب اهلل ‪ ‬تكون سائرة في طريق بناء اإلنسان الصحيح؛ ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫األعلم باإلنسان‪.‬‬

‫أن األخالق‬
‫حوى نظريته في األخالق على آية في كتاب اهلل ‪‬؛ فيرى ‪ّ ‬‬
‫وقد بنى ّ‬

‫األساسية الجامعة في اإلسالم هي ما جاء في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ‬

‫ﲑﲒﲓﲔﲕﲖﲗ ﲘﲙﲚﲛﲜﲝﲞﲟ‬

‫ﲭ ﲯﲰﲱﲲﲳ‬
‫ﲮ‬ ‫ﲦﲨﲩﲪﲫﲬ‬
‫ﲧ‬ ‫ﲠ ﲡﲢﲣﲤﲥ‬

‫ﲴﲵﲶﲷﲸﲹ ﲺﲻﲼﲽﲾﲿﳀﳁﳂﳃ‬

‫ولتوضيح ذلك‬ ‫(‪)2‬‬


‫ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﱠ المائدة‪٣٤ – ٣٨ :‬؛‬

‫(‪)3‬‬
‫مما يتعلّق‬
‫ألهم ما جاء في الكتاب ّ‬
‫يحيل على كتابه (جند اهلل ثقاف ًة وأخالقاً) ‪ ،‬وفيما يلي إجمال ّ‬

‫بموضوع االخالق الجامعة في اإلسالم‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫انظر‪( :‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 6‬ص‪ ،3130-3131‬ج‪ 7‬ص‪ ،1021‬ج‪ 00‬ص‪.6307‬‬

‫(‪)2‬‬
‫أن هذه اآليات فيها صفات المؤمنين الكُ ّمل؛ انظر‪ :‬ابن كثير‪( ،‬تفسير القرآن العظيم)‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪.036‬‬
‫يرى ابن كثير ‪ّ ‬‬
‫(‪)3‬‬
‫انظر‪( :‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪.0130‬‬

‫‪127‬‬
‫حوى في القسم الثاني من ذلك الكتاب‬
‫حوى في األخالق‪ :‬في حديث ّ‬
‫نظرية الشيخ سعيد ّ‬

‫أن كثي ًار من األخالق التي‬


‫تتبعها ُوجد ّ‬
‫أن األخالق األساسية في اإلسالم كثيرة‪ ،‬ولكن عند ّ‬
‫وضح ّ‬
‫ّ‬

‫تتفرع عن أصل جامع‪ ،‬وقد اتّجه البحث عن هذه األخالق‪ ،‬في سبيل‬
‫السنة‪ّ ،‬‬
‫ذكرت في الكتاب و ّ‬

‫التتبع وصل ‪‬‬


‫كل األخالق األخرى‪ ،‬وبعد ّ‬
‫فرع عنها ّ‬
‫الوصول إلى هذه األصول الجامعة التي تت ّ‬

‫كل األخالق اإلسالمية‪ ،‬هي التي وصف‬


‫تتفرع عنها ّ‬
‫أمهات األخالق التي ّ‬
‫أن ّ‬
‫إلى نتيجة مفادها ّ‬

‫اهلل ‪ ‬بها حزبه في القرآن الكريم؛ فما من ُخلق في اإلسالم ّإال ويرجع إلى صفة من هذه‬

‫(‪)1‬‬
‫الصفات‪.‬‬

‫حوى على المواضع التي ورد فيه ِذ ْكر كلمة (حزب اهلل) في القرآن الكريم‬
‫وقد وقف ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫في‬ ‫فكانت موضعين؛ أحدهما في سورة المائدة في الموضع السابق‪ ،‬واآلخر في سورة المجادلة‬

‫قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ‬

‫ﱕﱗ ﱘﱙﱚ ﱛ‬
‫ﱖ‬ ‫ﱎﱏﱐ ﱑ ﱒ ﱓﱔ‬

‫ﱧﱩﱪ‬
‫ﱨ‬ ‫ﱞ ﱠﱡﱢ ﱣ ﱤﱥ ﱦ‬
‫ﱟ‬ ‫ﱜ ﱝ‬

‫ﱭ ﱯ ﱰ ﱱﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱠ المجادلة‪:‬‬
‫ﱮ‬ ‫ﱫﱬ‬

‫أن الصفات المذكورة هي صفات حزب اهلل(‪ ،)3‬وهذه الصفات هي‪:‬‬


‫‪ ،٨٨‬وقد برهن على ّ‬

‫المحبة‪ ،‬لقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲗ ﲘ ﱠ‬


‫ّ‬ ‫‪‬‬

‫‪ ‬الذلّة على المؤمنين‪ ،‬لقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲙ ﲚ ﲛ ﱠ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬حوّ ى‪ ،‬سعيد بن ديب (ت ‪1989‬م)‪( ،‬جند هللا ثقافة وأخالقا)‪ ،‬مكتبة وهبة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪1413 ،4‬ه‪1992-‬م‪ .‬ص‪.191‬‬

‫(‪ )2‬انظر‪( :‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 11‬ص‪.5797‬‬


‫( ‪)3‬‬
‫وذلك ألنّ آيات سورة المائدة المذكورة قد ابتدأت بذكر الردّة‪ ،‬وانتهت بذكر الغلبة‪ ،‬وتوسّط ذلك حديث عن القوم الذين واجهوا الردّة‬
‫فاستحقّوا الغلبة‪ ،‬فهم حزب هللا‪ .‬انظر‪ :‬حوّ ى‪( ،‬جند هللا ثقافة وأخالقا)‪ ،‬ص‪.192‬‬

‫‪128‬‬
‫العزة على الكافرين‪ ،‬لقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲜ ﲝ ﲞ ﱠ‬
‫ّ‬ ‫‪‬‬

‫ﲦﱠ‬
‫ﲧ‬ ‫‪ ‬الجهاد‪ ،‬لقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ‬

‫‪ ‬الوالء‪ ،‬لقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ‬

‫ﲽ ﲾ ﲿﳀﱠ‬

‫أما سورة المجادلة فقد أشارت إلى الصفة األخيرة فحسب‪ ،‬على اعتبار ّأنها ذروة صفات‬
‫ّ‬

‫حزب اهلل(‪" ،)1‬فال يكون اإلنسان من حزب اهلل ‪ّ ‬إال إذا صفت مودته‪ ،‬وصفى والؤه للمؤمنين‬

‫(‪)2‬‬
‫ودته عن الكافرين والمنافقين والفاسقين"‪.‬‬
‫وحجب والءه وم ّ‬

‫وما من ُخلق ُذكر في القرآن الكريم‪ّ ،‬إال ويرجع ألحد األخالق المذكورة في اآليات‬

‫ال مرجعها إلى قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐﲗ ﲘﱠ‪ ،‬لقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐﲑ ﲒ‬ ‫(‪)3‬‬
‫السابقة ؛ فالتقوى مث ً‬

‫ﲓ ﲔﲕﱠ التوبة‪ ،٨:‬واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر مرجعه إلى قوله تعالى‪:‬‬

‫ﲦ ﱠ‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫ﲧ‬ ‫ﱡﭐ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ‬

‫أن البناء األخالقي للمسلم ال ُيستكمل إذا فقد واحداً من األخالق اإلسالمية‬
‫وي ّبين ‪ّ ‬‬

‫الردة‬
‫الردة أو شبه ّ‬
‫أن إحياء هذه األخالق مجتمعة هو الطريق الوحيد للقضاء على ّ‬
‫الجامعة‪ ،‬كما ّ‬

‫الحالية المنتشرة في العالم اإلسالمي‪ ،‬ويذكر من أشكال تفريط المسلمين بهذه األخالق‪ ،‬تضخيم‬

‫ُخلق من هذه األخالق‪ ،‬وتصغير خلق آخر‪ ،‬مع ّأنهما قد يكونان سواء في ميزان اإلسالم‪ ،‬بل‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬جند اهلل ثقافة وأخالقاً)‪،‬ص‪.021-023‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫(األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 01‬ص‪.3727‬‬

‫(‪)3‬‬
‫تحدث فيها عن ما تغذيه ك ّل صفة‪ ،‬وما يدخل فيها من‬
‫حوى في كتابه آنف الذكر فقرة لك ّل صفة من هذه الصفات‪ّ ،‬‬ ‫وقد عقد ّ‬
‫أن ك ّل األخالق اإلسالمية ترجع إلى هذه الصفات الخمس‪.‬‬
‫وبين فيها ّ‬
‫أخالق‪ّ ،‬‬

‫‪129‬‬
‫لكل‬
‫ظ األكبر من االهتمام لم تُفهم الفهم الصحيح المستوعب ّ‬
‫وحتّى األخالق التي نالت الح ّ‬

‫أدى إلى‬
‫مما ّ‬
‫أمهات األخالق اإلسالمية ونسيانها؛ ّ‬
‫جوانبها‪ ،‬فكان عاقبة ذلك أن ضاع كثير من ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫فقدان الشخصية اإلسالمية لجمالها‪ ،‬وكمالهما‪ ،‬وتناسق سلوكها وتكامله‪.‬‬

‫أدى إلى البون الواسع بين شخصية المسلم في القرون األولى‪ ،‬وشخصيته فيما‬
‫والتفريط هذا ّ‬

‫أن المسلم المعاصر‬


‫كل أخالق اإلسالم‪ ،‬في حين ّ‬
‫تجسدت فيه ّ‬
‫األول ّ‬
‫تال من العصور؛ فالمسلم ّ‬

‫فرط في جوانب أخرى‪ ،‬فهناك عالِم ال يعرف‬


‫متضخمة‪ ،‬وفي المقابل قد ّ‬
‫ّ‬ ‫فيه جوانب من اإلسالم‬

‫القتال‪ ،‬وفي المقابل مقاتل ال يعرف اهلل ‪ ،‬وهكذا ضاعت الشخصية اإلسالمية النموذجية التي‬

‫(‪)2‬‬
‫كل مسلم‪.‬‬
‫يفترض أن يكون عليها ّ‬

‫وهذه النظرة التكاملية عند الشيخ في موضوع األخالق والشخصية النموذجية اإلسالمية‬

‫بالتدبر‪ ،‬وبحث واقعها العملي والتطبيقي على مستوى الفرد والجماعة المسلمة؛ حتّى‬
‫ّ‬ ‫جديرة‬

‫أمة كاملة‪ ،‬متّصفة بما‬


‫ال في ّ‬
‫األخالقي للشخصية اإلسالمية‪ ،‬فتكون عضواً كام ً‬
‫ّ‬ ‫ُيستكمل البناء‬

‫وصف اهلل ‪ ‬به حزبه في كتابه العزيز‪ ،‬عندها تنال الغَلبة والفالح‪.‬‬

‫المهمة في حديث الشيخ عن األخالق في تفسيره اإلشارة إلى أخالق‬


‫ّ‬ ‫ومن ضمن الجوانب‬

‫الجماعة المسلمة‪ ،‬ومن ذلك ما جاء في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱄ‬


‫ﱃﱅﱆﱇﱈ‬

‫ﱔﱖ ﱗﱘﱙﱚ‬
‫ﱕ‬ ‫ﱋ ﱍﱎﱏﱐﱑﱒﱓ‬
‫ﱌ‬ ‫ﱉﱊ‬

‫ﱠ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ‬
‫ﱡ‬ ‫ﱛ ﱝ ﱞ ﱟ‬
‫ﱜ‬

‫ﱱﱳﱴﱵ ﱶﱷﱸ‬
‫ﱲ‬ ‫ﱪ ﱫﱬﱭﱮﱯﱰ‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬جند اهلل ثقافة وأخالقاً)‪ ،‬ص‪ 082‬وص‪.022‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.021‬‬

‫‪131‬‬
‫ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱠ الفتح‪ ،٨٨ :‬فالصفات المذكورة في اآلية الكريمة هي صفات‬

‫مما ورد فيه؛ من اإليمان‬


‫لكل مسلم أن يأخذ حظّه ّ‬
‫بد ّ‬‫من يستأهل الغلبة والنصر والرعاية‪ ،‬فال ّ‬

‫والعمل الصالح والوحدة والتالحم والتفاني ووضاءة الوجوه من أثر العبادة والركوع والسجود‪ ،‬كذلك‬

‫(‪)1‬‬
‫الشدة على الكافرين‪.‬‬
‫الرحمة على المؤمنين‪ ،‬و ّ‬

‫لحوى في تفسيره وقفات عند أفراد األخالق كالعدل والتواضع واألمانة وغير‬
‫هذا وقد كان ّ‬

‫ذلك من األخالق‪ ،‬وكان من منهجه في الحديث عن ذلك يتجّلى في ِذ ْكر فضائل تلك األخالق‬

‫واردافها باآلثار التي تثريها‪ ،‬معتمدًا في ذلك على ما ُذكر في تفسيري ابن كثير والنسفي من‬

‫األمة من األخالق المذكورة‪ ،‬ومن األمثلة على ذلك(‪:)2‬‬


‫المرويات‪ ،‬وفي بعض األحيان يذكر حال ّ‬

‫ﱞﱠ‬
‫ﱟ‬ ‫ما جاء عند قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ‬

‫المؤدية إلى بلوغه؛ كالصوم والتفكر‬


‫ّ‬ ‫ويفصل في الطرق‬
‫ّ‬ ‫حوى ُخلق العفّة‪،‬‬
‫النور‪ ،٥٥:‬يذكر ّ‬

‫حوى عن ابن كثير‬


‫المهيجات كالنظر وغير ذلك‪ ،‬وبمناسبة هذه اآلية ينقل ّ‬
‫ّ‬ ‫والذكر‪ ،‬والبع د عن‬

‫وغيره مجموعة من المرويات للتفصيل في موضوع الع ّفة‪ ،‬ومن ذلك قول النبي ‪" :‬يا معشر‬

‫الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء"(‪ ،)3‬وذلك‬

‫(‪)4‬‬
‫المؤدية للعفّة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫في سبيل بيان الطرق‬

‫(‪)1‬‬
‫انظر‪ :‬حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪.3387‬‬

‫(‪)2‬‬
‫طالع على مزيد من األمثلة؛ انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪ 131‬ج‪ 2‬ص‪ ،0121‬ج‪ 3‬ص‪ 0323‬ص‪ ،0612‬ج‪ 7‬ص‪3703‬‬
‫لال ّ‬
‫و ص‪ ، 3702‬ج‪ 8‬ص‪ 1128‬و ص‪ 1188‬و ص‪ 1701‬و ص‪ ،1721‬ج‪ 2‬ص‪. 3031‬‬

‫البخاري‪( ،‬الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول اهلل ‪ ‬وسننه وأيامه)‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب قول النبي ‪( ‬من‬ ‫( ‪)3‬‬

‫استطاع منكم الباءة فليزوج)‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪ ،0231‬حديث رقم‪.1778 :‬‬

‫(‪ )4‬انظر‪ :‬حوّ ى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 7‬ص‪ ،3735‬وص ‪3764‬‬

‫‪131‬‬
‫وبمناسبة قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ‬

‫ﲡﲣﲤﲥﲦﲧ‬
‫ﲢ‬ ‫ﲖﲗﲘﲙﲚﲛﲜﲝ ﲞﲟﲠ‬

‫ﲲﲴﲵﲶﲷ‬
‫ﲳ‬ ‫ﲨﲩ ﲪﲫﲬﲭﲮﲯﲰﲱ‬

‫ﲸﲹﲺﲻﲼﲽ ﲾﲿﳀﳁﳂﳃﳄﳅﳆ‬

‫ﳇﳈﳉﳊﳋﳌﳍﳎﳏﳐ ﳑﳒﳓﳔﳕ‬

‫أن من أخالق‬
‫مر معنا ندرك ّ‬
‫مما ّ‬ ‫ﳖ ﳗ ﳘﱠ آل عمران‪ ،٥٥ – ٥٣ :‬يقول ّ‬
‫حوى‪ّ " :‬‬

‫كل الظروف‪ ،‬والوفاء بالعهد‪ ،‬والصدق في اليمين‪ ،‬ولقد‬


‫المسلمين أداء األمانات إلى أهلها في ّ‬

‫تساهل بعضهم في هذه المعاني بسبب من ظروفنا الصعبة‪ ،‬وبسبب من عموميات فهموها‬

‫كل عمل ّإال عن فتوى بصيرة من أهلها‪ ،‬وحاالت الضرورة‬


‫إن المسلم ال يصدر في ّ‬
‫والذي نقوله‪ّ :‬‬

‫حق‪ ،‬وما‬
‫تقدر بقدرها‪ ،‬وما يعتبر أمانة أوغير أمانة‪ ،‬وما يعتبر ح ّقًا للمسلم‪ ،‬أو غير ّ‬
‫واالضطرار ّ‬

‫يعتبر إكراهاً أو غير إكراه‪ ،‬وما هو ملزم من اإليمان‪ ،‬وما ليس ملزماً بسبب من اإلكراه‪ ،‬إلى‬

‫(‪)1‬‬
‫غير ذلك من أمور‪ ،‬كلّه تحكمه –كما قلنا‪ -‬الفتوى البصيرة من أهلها"‪.‬‬

‫ومن خالل قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ‬

‫أن خلقي كظم‬ ‫ﱗ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱠ آل عمران‪ّ ،١٥٨ :‬‬


‫يبين ّ‬ ‫ﱘ‬ ‫ﱕ ﱖ‬

‫الغيظ والعفو من أخالق المتّقين‪ ،‬فهم ال ُيع ِملون غضبهم في الناس‪ ،‬ويحتسبون ذلك عند اهلل ‪،‬‬

‫الشر يعفون ع ّمن ظلمهم؛ فال يبقى في أنفسهم َو ْجد على أحد‪ ،‬وهذا أكمل األحوال‬
‫كف ّ‬ ‫ومع ّ‬

‫( ‪)1‬‬
‫(األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪.817‬‬

‫‪132‬‬
‫وهو من مقامات المحسنين‪ ،‬ومن فضائل التحقّق بكظم الغيظ ما جاء في حديث النبي ‪" :‬من‬

‫أي‬
‫يخيره في ّ‬
‫كظم غيظًا وهو يستطيع أن ينفذه‪ ،‬دعاه اهلل يوم القيامة على رؤوس الخالئق حتّى ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫الحور شاء"‪.‬‬

‫المسألة الثانية‪ :‬آداب المعاملة‬

‫إن أبرز مالمح حديث الشيخ عن اآلداب هو اإلجمال في ذلك‪ ،‬واإلشارة إليها من خالل‬
‫ّ‬

‫كالمه في سياق السور‪ ،‬كذلك فقد اعتمد على أقوال العلماء‪ ،‬واآلثار المروية في إثراء تلك‬

‫اآلداب‪ ،‬والتي كان أغلبها عن ابن كثير ‪.‬‬

‫أن هذه السورة‬


‫حوى ّ‬
‫ومن السور التي برز فيها الحديث عن اآلداب‪ ،‬سورة النور؛ فقد ذكر ّ‬

‫أمهات من القضايا االجتماعية والسلوكية واإليمانية واألخالقية‪ ،‬ذات أثر كبير‬


‫قد اشتملت على ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫ومما اشتملت عليه سورة النور فيما يتعلّق بموضوع اآلداب‪ ،‬مايلي‪:‬‬
‫على المجتمعات البشرية ‪ّ ،‬‬

‫ذكرت السورة آداب االستئذان؛ فنهت عن دخول بيت اآلخرين إال بإذن‪ ،‬وأمرت األرقّاء‬

‫كل حال‪ ،‬كما‬


‫أما الكبار فاالستئذان في ّ‬
‫واألطفال أن يستاذنوا على أهليهم في ثالث أوقات‪ّ ،‬‬

‫رواد المساجد‪ ،‬وأذنت لإلنسان أن يأكل من‬


‫ذكرت آداب المسلم مع المساجد‪ ،‬وذكرت خصائص ّ‬

‫حددت بعض آداب المسلمين في اجتماعاتهم‪ ،‬وأمرت باألدب الكامل مع‬


‫محددة‪ ،‬كذلك ّ‬
‫بيوت ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫الرسول ‪ ،‬وغير ذلك من اآلداب‪.‬‬

‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪ 879‬و ص‪882‬؛ والحديث رواه الترمذي‪( ،‬سنن الترمذي)‪ ،‬كتاب الب ّر والصلة‪ ،‬با ٌ‬
‫ب‬ ‫انظر‪ّ :‬‬
‫( ‪)1‬‬

‫في كظم الغيظ‪ ،‬ج‪ 4‬ص‪ ،372‬حديث رقم‪ ،2121 :‬وحكم الترمذي على الحديث‪ :‬حديث حسن غريب‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫انظر‪( :‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 7‬ص‪.3683‬‬

‫(‪)3‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 7‬ص‪.3827-3826‬‬

‫‪133‬‬
‫وجهت المسلم نحو‬
‫تحدثت عن اآلداب سورة الحجرات؛ حيث ّ‬
‫ومن أعظم السور التي ّ‬

‫السنة برأي أو قول أو فعل‬


‫التقدم بين يدي الكتاب و ّ‬
‫مجموعة كبيرة من اآلداب‪ ،‬منها‪ :‬عدم ّ‬

‫التسرع في‬
‫ّ‬ ‫وخفض الصوت عند رسول اهلل ‪ ،‬كذلك أمرت السورة بامتحان خبر الفاسق وعدم‬

‫أصر على الظلم‬


‫رد الباغي عن ظلمه‪ ،‬ولو بالقتال إن ّ‬
‫البناء عليه‪ ،‬واإلصالح بين المؤمنين‪ ،‬و ّ‬

‫وأمرت كذلك بالعدل في اإلصالح‪ ،‬واعطاء المؤمنين اإلخاء‪ ،‬ونهت عن السخرية بأهل اإليمان‬

‫مبرر‬
‫الظن السيء بأهل الخير بدون ّ‬
‫ّ‬ ‫وطعن أهل اإليمان‪ ،‬والتنابز باأللقاب‪ ،‬وأمرت باجتناب‬

‫الحق ألهل الباطل‪ ،‬ونهت عن الغيبة‪ ،‬والتفاخر في األحساب‬


‫ّ‬ ‫خاصة على أهل‬
‫التجسس وب ّ‬
‫ّ‬ ‫وترك‬

‫(‪)1‬‬
‫ادعاء اإليمان‪ ،‬وغير ذلك من اآلداب‪.‬‬
‫القوميات‪ ،‬ونهت كذلك عن ّ‬
‫واألنساب و ّ‬

‫بد‬
‫همية البالغة لتلك اآلداب؛ فال ّ‬
‫أن هذه السورة هي سورة اآلداب اإلسالمية‪ ،‬لأل ّ‬
‫حوى ّ‬
‫ويرى ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫حيثيات اآلداب المذكورة فيها‪.‬‬
‫للمسلم من دراسة هذه السورة‪ ،‬ودراسة ّ‬

‫يخل تفسير الشيخ أيضاً من اللفتات التربوية المتعلّقة باآلداب في ثنايا تفسيره‪ ،‬ومن‬
‫ولم ُ‬

‫األمثلة على ذلك(‪:)3‬‬

‫م ّما يتعلّق بآداب الحوار‪ ،‬ما جاء عند قوله تعالى‪ :‬ﱡ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ‬

‫ﱵﱠ اإلسراء‪ ،٣٥:‬يقول ‪" :‬وفي هذا األمر أدب من أرقى اآلداب اإلسالمية وأصعبها؛ ّإال‬
‫ﱶ‬

‫كل حال‪...،‬‬
‫الطيبة في ّ‬
‫من عصمه اهلل ‪ ‬وحفظه‪ ،‬وهو أن يقول المسلم ألخيه المسلم الكلمة ّ‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪.3132‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪.3132‬‬

‫(‪)3‬‬
‫طالع على مزيد من األمثلة؛ انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪ ،13‬ج‪ 3‬ص‪ 0320‬و ص‪ ،0660‬ج‪ 7‬ص‪ 33703‬و‬
‫لال ّ‬
‫ص‪ 3702‬و ص‪ ،3722‬ج‪ 8‬ص‪ ،1320‬ج‪ 2‬ص‪.3100‬‬

‫‪134‬‬
‫الطيبة‪ ،‬وترك الكلمة‬
‫ّ‬ ‫كنا مأمورين بالكلمة‬
‫الكلمة التي ال تجرح قلبًا‪ ،‬والتقطع أواصر‪ ،‬واذا ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫وجدًا"‪.‬‬
‫الخشنة‪ ،‬فمن باب أولى أن نكون منهيين عن الفعل الخشن مزاحًا ّ‬

‫ومما يتعلّق بآداب المجالس‪ ،‬ما ذكره الشيخ في تفسير سورة المجادلة(‪)2‬؛ فقد ذكرت السورة‬
‫ّ‬

‫أدباً رفيعاً فيه هضم للنفس في ذات اهلل ‪ ،‬وهو اإلفساح للغير‪ ،‬والنهوض ألجل أن يجلس‬

‫الغير‪ ،‬كذلك عّلمت السورة من خالل آيات المناجاة كيف يكون محور الحديث في مجالس‬

‫المسلمين‪ ،‬وذلك في سياق الحديث عن المناجاة الظالمة بين أعداء اهلل ‪‬؛ فعّلمت المسلمين‬

‫لتقي ‪ ،‬وأدب المجالس‪ ،‬وأدب مناجاة رسول اهلل ‪ ،‬فللمسلمين آدابهم‬


‫الحق ا ّ‬
‫ّ‬ ‫أدب التناجي‬

‫وللفاسقين طرائقهم(‪.)3‬‬

‫ومما يتعّلق بأدب المسلم في األمور التي ال يعلمها‪ ،‬اإلقرار بعدم العلم؛ فقد اعتاد كثير من‬
‫ّ‬

‫كل شيء دون أن يكون عندهم علم فيه‪ ،‬واّنما هي الظنون أو‬
‫الناس الهجوم على الحديث في ّ‬

‫األوهام‪ ،‬وقد أفاد الشيخ هذا األدب من جواب المالئكة ‪ ‬في قوله تعالى‪ :‬ﱡﱰ ﱱ ﱲ ﱳ‬

‫ﱷ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼﱽﱠ البقرة‪ ،)4(٥٨ :‬كذلك من أدب المسلم في األمور‬


‫ﱸ‬ ‫ﱴﱵﱶ‬

‫قضية ال يكون المسلم على‬


‫ّ‬ ‫كل‬
‫عام في ّ‬ ‫التي يجهلها‪ُّ ،‬‬
‫رد العلم إلى اهلل ‪ ،‬وهذا أدب إسالمي ّ‬

‫تام بها‪ ،‬وهذا األدب مستنبط من قوله تعالى‪ :‬ﱡﱵ ﱶ ﱷ ﱸﱠ الكهف‪.٨٨ :‬‬
‫(‪)5‬‬
‫علم ّ‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 6‬ص‪.3127-3126‬‬
‫ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫وذلك في تفسير اآليات [‪.]03-8‬‬

‫(‪)3‬‬
‫انظر‪( :‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 01‬ص‪.3720-3782‬‬

‫(‪)4‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪.020-021‬‬

‫(‪)5‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 6‬ص‪.3072‬‬

‫‪135‬‬
‫قصتي إبراهيم ولوط ‪ ،)1( ‬فمن‬
‫حوى تعقيبًا على ّ‬
‫ومما يتعلّق بآداب الضيافة ما ذكره ّ‬
‫ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫الطيب للضيف‪ ،‬والتعجيل له بالطعام‪ ،‬والحرص عليه والدفاع عنه‪.‬‬
‫ذلك‪ :‬االستقبال ّ‬

‫المطلب الثاني‪ :‬التربية االجتماعية‬

‫وفيه ثالث مسائل‪:‬‬

‫(‪)3‬‬
‫األسرية‬ ‫المسألة األولى‪ :‬العالقات‬

‫إن العالقات األسرية في تفسير األساس‪ ،‬كشأن معظم التفاسير تجّلى قسم كبير منها في‬
‫ّ‬

‫تفصيل األحكام الفقهية المتعّلقة بتنظيم تلك العالقات‪ ،‬وذلك في ظالل اآليات المشتملة على تلك‬

‫ثم ِذ ْكر آراء المذاهب الفقهية في تلك‬


‫حوى توضيح تلك األحكام‪ّ ،‬‬
‫األحكام‪ ،‬وكان من منهج ّ‬

‫المسائل‪ ،‬فاتّسمت تلك المواضع بكثرة النقول‪ ،‬والفوائد الفقهية‪ ،‬ومن األمثلة على ذلك ما جاء في‬

‫تفسير سورة البقرة من ذكر أحكام اإليالء‪ ،‬والحيض‪ ،‬وأحكام الطالق والرجعة‪ ،‬وأحكام الرضاعة‬

‫(‪)4‬‬
‫العدة‪ ،‬وغير ذلك من األحكام‪.‬‬
‫وأحكام ّ‬

‫يخل الحديث عن األحكام الفقهية من بعض اللفتات التربوية‪ ،‬ومن األمثلة على‬
‫كذلك لم ُ‬

‫ﱦﱨﱩﱪ‬
‫ﱧ‬ ‫ذلك‪ ،‬ما ُذكر عند قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ‬

‫ﱴﱶﱷﱸﱹﱺ‬
‫ﱵ‬ ‫ﱮﱰﱱﱲﱳ‬
‫ﱯ‬ ‫ﱫﱬﱭ‬

‫ﲈ ﲊ‬
‫ﲉ‬ ‫ﲁﲃﲄﲅﲆﲇ‬
‫ﲂ‬ ‫ﱼﱾ ﱿﲀ‬
‫ﱽ‬ ‫ﱻ‬

‫(‪)1‬‬
‫وذلك في سورة هود‪ ،‬اآليات‪.]83-62[ :‬‬

‫(‪)2‬‬
‫انظر‪( :‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪ ،2387‬ج‪ 01‬ص‪.3307‬‬

‫(‪)3‬‬
‫السنة‪ ،‬والعمل بهما‪ ،‬ووضع األمور‬
‫عام الحكمة؛ والحكمة هي علم الكتاب و ّ‬
‫أهم األمور في إقامة العالقات بشكل ّ‬
‫أن من ّ‬ ‫حوى ّ‬‫يبين ّ‬
‫ّ‬
‫في مواضعها‪ ،‬وال يكون هذا إال بتوفيق من اهلل ‪‬؛ فيضع الحكيم األمور في مواضعها في إطار تعامله مع زوجته وأوالده وجيرانه‬
‫وعمله وسائر مسؤولياته؛ انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪.620‬‬
‫(‪)4‬‬
‫لالطّالع على بعض تلك المواضع؛ انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪ ،338-321‬ج‪ 2‬ص‪.0078-0076‬‬

‫‪136‬‬
‫ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﱠ البقرة‪ ،٨٨١ :‬حيث ّ‬
‫إن معاشرة أهل الشرك‬

‫ييسر‬
‫حب الدنيا‪ ،‬وايثارها على اآلخرة‪ ،‬فأحكام اهلل ّإنما جاءت بما ّ‬
‫ومخالطتهم تبعث على ّ‬

‫فحرمت الزواج من المشركين‪ ،‬فالمؤمنون أولى بالمصاهرة‬


‫الجنة والمغفرة؛ ّ‬
‫ّ‬ ‫للمؤمنين طريق‬

‫(‪)1‬‬
‫والمواالة‪.‬‬

‫ومن جانب آخر كان الحديث عن العالقات األسرية من خالل الوقوف على بعض الحقوق‬

‫المتبادلة بين أعضاء األسرة‪ ،‬فمنها ما تعلّق بعالقة الزوجين‪ ،‬ومنها ما تعلّق بحقوق األبناء على‬

‫اآلباء‪ ،‬ومنها ما تعلّق بحقوق اآلباء على األبناء‪ ،‬وفيما يلي بعض األمثلة(‪:)2‬‬

‫حوى قاعدة التقابل في الحقوق بين الرجال والنساء‬


‫أما عن العالقة بين الزوجين‪ ،‬فيذكر ّ‬
‫ّ‬

‫ﲌ ﱠ البقرة‪ ،٨٨٤ :‬ومن أوجه هذا‬


‫ﲍ‬ ‫والواردة في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ‬

‫حق الزوجة على زوجها‬


‫التقابل ما أورد ابن كثير في تفسيره من قول النبي ‪ ‬عندما ُسئل عن ّ‬

‫تقبح‪ ،‬وال تهجر إال‬


‫فقال ‪ " :‬تُطعمها إذا طعمت‪ ،‬وتكسوها إذا اكتسيت‪ ،‬وال تضرب الوجه‪ ،‬وال ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫في البيت"‪.‬‬

‫ويتحدث الشيخ عن مفهوم وقاية األهل في ظالل بعض اآليات‪ ،‬من ذلك قوله تعالى‪:‬‬
‫ّ‬

‫ﱡﭐﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ‬

‫(‪)1‬‬
‫انظر‪( :‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪.301‬‬

‫(‪)2‬‬
‫طالع على مزيد من األمثلة؛ انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 7‬ص‪ ،0076‬ج‪ 8‬ص‪ 1127-1123‬و ص‪ ،1136‬ج‪ 01‬ص‪.6110‬‬
‫لال ّ‬

‫(‪)3‬‬
‫محمد بن‬
‫انظر‪ :‬ج‪ 0‬ص‪338‬؛ ابن كثير‪( ،‬تفسير القرآن العظيم)‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪601‬؛ والحديث رواه اإلمام أحمد‪ ،‬ابن حنبل‪ ،‬أحمد بن ّ‬
‫هالل (ت‪210‬ه)‪( ،‬مسند اإلمام أحمد بن حنبل)‪ ،‬ح ّققه‪ :‬شعيب األرنؤوط وآخرون‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪0120 ،0‬ه‪2110-‬م‪31 ،‬‬
‫جده‪ ،‬ج‪ 33‬ص‪ 207‬حديث رقم ‪ ،21103‬حكم شعيب األرنؤوط على‬
‫جزءًا‪ ،‬مسند البصريين‪ ،‬حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن ّ‬
‫الحديث‪ :‬إسناده حسن‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀﱠ التحريم‪ ،٤ :‬ومن خالل سياق‬

‫أن عملية الوقاية تقتضي عدم الرضوخ لرغبات الزوجات‪ ،‬كذلك تقتضي‬
‫حوى ّ‬
‫سورة التحريم‪ ،‬يفهم ّ‬

‫تأديب الزوجات‪ ،‬وحمل النفس واألهل على الطاعة الكاملة‪ ،‬ويعّلل ‪ ‬األمر بالجهاد في هذا‬

‫ليهتم بشؤون‬
‫ّ‬ ‫السياق بكثرة األحوال التي تحاول فيها المرأة صرف زوجها عن شؤون الجهاد؛‬

‫السيما العامل في مجال الدعوة؛ فقد بلغ األمر ببعض‬


‫عائلته‪ ،‬وللزوجة تأثير كبير على زوجها‪ّ ،‬‬

‫تحول من اإليمان إلى الكفر إلرضاء الزوجة؛ فح ّذرت‬


‫العاملين أن يكون الزواج بحقّهم نقطة ّ‬

‫(‪)1‬‬
‫السورة من الرضوخ لرغبات الزوجات‪ ،‬وحملت على بذل الجهد لتقويم النساء‪.‬‬

‫ويبين مقتضيات كون المرأة لباسًا لزوجها والزوج لباسًا لها‪ ،‬وذلك في قوله تعالى‪ :‬ﱡﱉ‬
‫ّ‬

‫ﱎ ﱠ البقرة‪ ،١٤٥ :‬من توّفر شروط اللباس في ّ‬


‫كل منهما؛ فيكون‬ ‫ﱏ‬ ‫ﱊ ﱋﱌﱍ‬

‫(‪)2‬‬
‫خاصاً بصاحبه‪ ،‬متناسباً مع مكانته‪.‬‬
‫ّ‬ ‫كل دنس‪،‬‬
‫سات اًر ال يكشف عورة صاحبه‪ ،‬طاه اًر من ّ‬

‫قصة زكريا ‪ ‬في سورة‬


‫ومما يتعّلق بحقوق األبناء ما ُذكر بشأن تربية األطفال من خالل ّ‬
‫ّ‬

‫أن ما ذكر من خصائص يحيى ‪ ‬وذلك في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱁ‬


‫مريم ‪ ،‬فقد ّبين الشيخ ّ‬

‫ﱍﱏﱐﱑﱒ‬
‫ﱎ‬ ‫ﱄﱆﱇﱈﱉ ﱊﱋﱌ‬
‫ﱅ‬ ‫ﱂﱃ‬

‫ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱠ مريم‪ ،١٨ – ١٨ :‬يعتبر نقاط ّ‬


‫مهمة في طريق تربية‬

‫إن تربية األبناء على هذه الخصائص هي أسمى الغايات‪ ،‬وهذه الخصائص هي‪:‬‬
‫األطفال‪ ،‬بل ّ‬

‫(‪)1‬‬
‫انظر‪( :‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 01‬ص‪ 6100‬و ص‪.6106‬‬

‫(‪)2‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪.123‬‬

‫‪138‬‬
‫بجد وعزم‪ ،‬والتربية على فهم الحكمة والتحقّق بها كي يكون حكيمًا‬
‫تربية الولد على أخذ الكتاب ّ‬

‫والتربية على الطهارة في األخالق والسلوك‪ ،‬والتربية على التقوى واإلسالم والطاعة‪ ،‬كذلك تربية‬

‫(‪)1‬‬
‫وتجنب العقوق‪ ،‬وتربيته على التواضع والطاعة‪.‬‬
‫البر ّ‬
‫الولد على ّ‬
‫(‪)3‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫تؤخذ بعين االعتبار في تربية األبناء‪ ،‬ذلك ألن اهلل‬ ‫‪ ‬البنه‬ ‫فإن وصايا لقمان‬
‫كذلك ّ‬

‫حق لقمان‪ :‬ﱡ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄﱠ لقمان‪ ،١٨ :‬فكانت وصاياه هي ذروة‬


‫‪ ‬قال في ّ‬

‫(‪)4‬‬
‫أب ابنه ّإال بأغلى ما عنده‪.‬‬
‫أحب الخلق إلى الوالد‪ ،‬وال يوصي ٌ‬
‫ألن الولد ّ‬
‫الحكمة؛ ّ‬

‫فأهمها ّبر الوالدين‪ ،‬ومن أصعب ما يختبر به المرء في‬


‫أما عن حقوق اآلباء على األبناء‪ّ ،‬‬
‫ّ‬

‫ﱑﱓﱔ‬
‫ﱒ‬ ‫حوى عند قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱎ ﱏ ﱐ‬
‫هذا المقام‪ ،‬ما أشار إليه ّ‬

‫ﱝﱟﱠﱡﱢﱣﱤﱥﱠ‬
‫ﱞ‬ ‫ﱕﱖﱗﱘﱙﱚﱛ ﱜ‬

‫حوى‪" :‬من أصعب‬


‫العنكبوت‪ ،٤ :‬فقد جاءت الوصية في سياق الحديث عن الجهاد‪ ،‬يقول ّ‬

‫يتصرف‬
‫ّ‬ ‫يمر بها المؤمن المجاهد موقف والديه منه‪ ،‬ومن أصعب األمور أن‬
‫االمتحانات التي ّ‬

‫ثم ألزم اهلل ‪ ‬المؤمن هنا بشيئين‪ :‬اإلحسان‪ ،‬وعدم‬


‫التصرف المناسب في هذا الموطن‪ ،‬ومن ّ‬
‫ّ‬

‫ثم ذكر اهلل ‪ ‬في هذا‬


‫الطاعة في المعصية‪ ،‬وهما أمران ال يستطيعهما معاً ّإال موّفق‪ ،‬ومن ّ‬

‫(‪)1‬‬
‫انظر‪( :‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 6‬ص‪.3238-3237‬‬

‫فممن قال بنبوءته‬


‫يورد ابن عطية في المحرّر الوجيز اختالف العلماء في شأن لقمان ‪ ‬هل هو نبي أم رجل صالح فحسب؟!‪ّ ،‬‬
‫( ‪)2‬‬

‫الحق بن غالب بن عبد الرحمن األندلسي (ت ‪312‬ه)‪،‬‬


‫ّ‬ ‫عكرمة والشعبي‪ ،‬وقال بصالحه فحسب مجاهد وغيره‪ .‬انظر‪ :‬ابن عطية‪ ،‬عبد‬
‫محمد‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪0122 ،0‬ه‪ .‬ج‪1‬‬ ‫المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز)‪ ،‬ح ّققه عبد السالم عبد الشافي ّ‬
‫( ّ‬
‫أن لقمان عبد صالح‪ .‬انظر‪ :‬ابن كثير‪( ،‬تفسير القرآن العظيم)‪ ،‬ج‪6‬‬
‫حوى عن ابن كثير كون أكثرية العلماء على ّ‬‫ص‪317‬؛ وقد نقل ّ‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 8‬ص‪.1327‬‬
‫ص‪333‬؛ ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫وهي ما ورد في سورة لقمان‪ ،‬اآليات [‪.]02-03‬‬

‫(‪)4‬‬
‫انظر‪( :‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 8‬ص‪.1308-1307‬‬

‫‪139‬‬
‫(‪)1‬‬
‫كل األحوال‬
‫فبر الوالدين الزم على المسلم في ّ‬
‫أعده لمن آمن وعمل صالحاً" ؛ ّ‬
‫السياق ما ّ‬

‫ويحكمه اإلحسان وعدم الطاعة في معصية‪.‬‬

‫المسألة الثانية‪ :‬العالقات األخوية‬

‫أن اإلخاء في اهلل ‪ ‬من أعظم القربات‪ ،‬فالقرابة التي تعود على صاحبها بالنفع‬
‫حوى ّ‬
‫يبين ّ‬
‫ّ‬

‫هي ما كان أساسها اإليمان؛ فقرابة الدين غامرة لقرابة النسب‪ ،‬ولهذا األمر شواهده من القرآن‬

‫ﱇ‬ ‫ﱆ‬ ‫الكريم‪ ،‬من ذلك قوله تعالى في خطاب نوح ‪ ‬في شأن ولده‪ :‬ﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ‬

‫(‪)2‬‬
‫ﱋ ﱠ هود‪.٨٤ :‬‬
‫ﱌ‬ ‫ﱈﱉﱊ‬

‫أن عقد اإلخاء أبدي‪ ،‬فهي خّلة باقية إلى يوم القيامة‪ ،‬ومن شواهد ذلك قوله تعالى‪:‬‬
‫كما ّ‬

‫ﱡﭐﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒﲓﱠ الزخرف‪ ،٤٥ :‬فال ّ‬


‫بد أن يكون‬

‫(‪)3‬‬
‫للمسلم مودة وطاعة واخاء في اهلل ‪ ،‬وليحذر من تضييع إخاء كسبه فذلك العجز الكبير‪.‬‬

‫أن اقتران‬
‫الغل‪ ،‬فيرى الشيخ ّ‬
‫ومن األمور التي تم ّكن عالقة اإلخاء في القلب‪ ،‬تطهيره من ّ‬

‫الغل باألخوة في قوله تعالى‪ :‬ﱡﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ‬


‫ذكر انتفاء ّ‬

‫بد للمسلم أن يحرص على‬


‫األخوة متنافيان؛ فال ّ‬
‫الغل و ّ‬ ‫ﲷ ﲸﱠ الحجر‪ ،٨٥ :‬دليل على ّ‬
‫أن ّ‬

‫يؤدي إلى أن يكون‬


‫كل موطن ّ‬
‫الغل في عالقته مع المؤمنين‪ ،‬وأن يبتعد عن ّ‬
‫تطهير قلبه من ّ‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 8‬ص‪.1078‬‬
‫ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 3‬ص ‪ 2338‬و ص‪ ،2321‬ج‪ 2‬ص‪.3073‬‬

‫(‪)3‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪.3073‬‬

‫‪141‬‬
‫تتطور‬
‫ثم ّ‬ ‫غل في قلب غيره عليه؛ فالشيطان قد ُيوقع بين المؤمنين‪ ،‬فيجد قبوالً‪ّ ،‬‬
‫سبباً في إيجاد ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫األمور من سيء إلى أسوأ وهكذا‪.‬‬

‫األخوة ما جاء في قوله تعالى على لسان موسى ‪ :‬ﱡﭐ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ‬


‫ّ‬ ‫ومن آداب‬

‫ﲼﲽﲾ ﲿﳀﳁﳂﳃﳄﳅﳆﳇﳈﳉﳊ ﳋﳌﳍ‬

‫يؤيده بأخيه نفهم‬ ‫ﳎ ﳏ ﱠ طه‪ ،٥٨ – ٨٨ :‬يقول ّ‬


‫حوى‪" :‬من كالم موسى عندما سأل اهلل أن ّ‬

‫شد األزر‪ ،‬واالشتراك في األمر‪ ،‬والهدف ذكر اهلل‬


‫األخوة في اهلل ‪ ،‬والغاية منها؛ فاألدب ّ‬
‫ّ‬ ‫أدب‬

‫أخوة خالصة في اهلل‪ ،‬واذا كان لها‬


‫خوة كثرة الذكر‪ ،‬ال تكون ّ‬
‫‪ ‬وتسبيحه‪ ،‬فما لم يتح ّقق باأل ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫أخوة في اهلل"‪.‬‬
‫هدف آخر غير ذلك فليست ّ‬

‫أما عن خوارم هذه العالقة فمن ذلك ما جاء في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ‬
‫ّ‬

‫ﳌﳎ‬
‫ﳍ‬ ‫ﲻﲼﲽﲾ ﲿﳀﳁﳂﳃﳄﳅﳆﳇﳈﳉﳊﳋ‬

‫ﳙﳛﳜﳝﳞﳟ‬
‫ﳚ‬ ‫ﳓﳕﳖ ﳗﳘ‬
‫ﳔ‬ ‫ﳏﳐﳑﳒ‬

‫ﱋ ﱍﱎﱏ‬
‫ﱌ‬ ‫ﳠﳡ ﱁﱂﱃﱄﱅﱆﱇﱈﱉﱊ‬

‫ﱞﱠﱡ‬
‫ﱛﱝ ﱟ‬
‫ﱜ‬ ‫ﱒﱔﱕﱖ ﱗﱘﱙﱚ‬
‫ﱓ‬ ‫ﱐﱑ‬

‫ﱢ ﱣ ﱤﱠ ﭐ ﭐالحجرات‪ ،١٨–١١ :‬ففي اآليات تعميق معنى اإلخاء اإلسالمي بتحريم خوارم‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 6‬ص‪ 2881‬وص‪.2883‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬

‫(‪ )2‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 7‬ص‪.3338‬‬

‫‪141‬‬
‫التجسس والغيبة‪ ،‬وهذه األمور‬
‫الظن و ّ‬
‫ّ‬ ‫اإلخاء‪ ،‬وهي‪ :‬االستهزاء والطعن والتنابز باأللقاب وسوء‬

‫(‪)1‬‬
‫أي مجتمع بشري‪.‬‬
‫تنتشر عادة في ّ‬

‫المسألة الثالثة‪ :‬العالقات داخل المجتمع‬

‫إن من المعاني الكبرى في اإلسالم موضوع لزوم الجماعة‪ ،‬وقد دلّت سورة الفاتحة من خالل‬
‫ّ‬

‫الخطاب الجماعي‪ :‬ﱡ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙﱚﱠ‬

‫أن‬
‫أن األصل في المسلم أن يكون جزءاً من كل هو جماعة المسلمين‪ ،‬و ّ‬
‫الفاتحة‪ ٤ - ٣ :‬على ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫األصل في التربية اإلسالمية ّأنها تقوم على التربية الجماعية‪.‬‬

‫أمة اإلسالم‬
‫والحديث عن العالقات المجتمعية يستدعي الحديث عن روح الجماعة عند ّ‬

‫حوى إلى ضرورة التفكير في األسباب واألمراض التي تحول دون وجود‬
‫وفي هذا السياق يشير ّ‬

‫هذه الروح عند األكثرين من المسلمين‪ ،‬فروح الفردية في هذا العصر عاتية‪ ،‬وبعض المسلمين‬

‫كل‬
‫عاجز عن التعامل مع بعضهم اآلخر‪ ،‬بل أصبح أبناء المسلمين بعضهم أعداء بعض‪ٌ ،‬‬

‫ينصر طبقة من طبقات الكفر والنفاق والفسوق‪ ،‬واهلل ‪ ‬يقول في كتابه‪ :‬ﱡﭐﲁ‬

‫ﲅﱠ التوبة‪ ،٥١ :‬ومن خالل ما ّ‬


‫تم اإلشارة إليه في تمهيد هذا‬ ‫ﲆ‬ ‫ﲂﲃ ﲄ‬

‫المبحث من كون القرآن قد اشتمل على الهداية الكاملة في موضوع األخالق الفردية والجماعية‬

‫أن المشكلة تكمن في التناقض بين واقع المسلمين‬


‫يتبين ّ‬
‫كل شيء‪ّ ،‬‬
‫األمة على الكمال في ّ‬
‫ورّبى ّ‬

‫حوى‪ ،‬كما أرجع األسباب في انعدام روح الجماعة إلى‬


‫وبين ما كّلفوا به‪ ،‬وهو ما أشار إليه ّ‬

‫شح‪ ،‬واإلعجاب‬
‫حب الدنيا‪ ،‬وايثار العافية‪ ،‬وال ّ‬
‫عامة كانعدام الثقة‪ ،‬أو أم ارض فردية مثل ّ‬
‫مرض ّ‬
‫أ ا‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪.3106‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪.32‬‬

‫‪142‬‬
‫بالرأي‪ ،‬والحسد‪ ،‬وغير ذلك من األمراض‪ ،‬التي تمنع المسلم من مشاركته لجماعة المسلمين في‬

‫أمة واحدة‬
‫األمة ّ‬
‫بد إذن من المعالجة‪ ،‬حتّى تعود ّ‬
‫الميدان الذي تفترض فيه المشاركة‪ ،‬فال ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫تتحرك حركة واحدة‪ ،‬وتتّجه اتّجاهاً واحداً‪.‬‬
‫ّ‬

‫أن " العالقات االجتماعية في‬


‫حوى ّ‬
‫يبين ّ‬
‫أما عن تفاصيل العالقات في المجتمع المسلم ّ‬
‫ّ‬

‫أي مستوى من‬


‫البر والتقوى‪ ،‬أو تعاون على اإلثم والعدوان‪ ،‬على ّ‬
‫إما تعاون على ّ‬
‫الغالب ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫البر والتقوى التناصح واألمر بالمعروف والنهي‬
‫مستويات التعامل" ‪ ،‬ومن أشكال التعاون على ّ‬

‫أخصص اآلتي للحديث فيه‪.‬‬


‫ّ‬ ‫ألهمية هذا النوع من العالقات في صالح المجتمع‪،‬‬
‫عن المنكر‪ ،‬و ّ‬

‫التناصح واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر‬

‫بالحق وأمرها بعضها بالمعروف‪ ،‬ونهيها‬


‫ّ‬ ‫إن من مظاهر تكاتف الجماعة المسلمة تواصيها‬
‫ّ‬

‫ضل‪ ،‬كما في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱛ‬


‫يضرها من ّ‬
‫ّ‬ ‫تمسكت بذلك اهتدت‪ ،‬ولم‬
‫عن المنكر‪ ،‬فإذا ّ‬

‫ﱦ ﱠ المائدة‪ ،١٣٣ :‬واذا تركت هذه‬


‫ﱧ‬ ‫ﱟ ﱡﱢﱣﱤﱥ‬
‫ﱠ‬ ‫ﱜﱝﱞ‬

‫(‪)3‬‬
‫األمة‬
‫بد من السعي قدر المستطاع من أجل استقامة أمور ّ‬
‫األمور ال تكون مهتدية ‪ ،‬كذلك ال ّ‬
‫(‪)4‬‬
‫أُّنب فيها الجميع بفعل البعض‬ ‫َّ‬
‫الموجهة لبني إسرائيل‬ ‫ألن في ذلك نجاة الجميع‪ ،‬فاآليات‬
‫ّ‬

‫أن‬
‫أن اإلنسان ال ُيسأل عن فعل غيره‪ّ ،‬إال ّ‬
‫تقرر شرعًا من ّ‬
‫والالحق بفعل السابق‪ ،‬ورغم ما ّ‬

‫(‪)1‬‬
‫انظر‪( :‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪ ،31-12‬ج‪ 1‬ص‪ ،2307‬ج‪ 2‬ص‪.3111‬‬

‫(‪)2‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪.0302‬‬

‫(‪)3‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪.0333‬‬

‫كقوله تعالى‪ :‬ﱡﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱠ طه‪٤٣ :‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪143‬‬
‫ال لبني إسرائيل بسبب الموافقة واالستمرار على فعل المنكر‪ ،‬وفي هذا درس‬
‫الخطاب كان شام ً‬
‫(‪)1‬‬
‫تقر خطأ وقع في أحد من أفرادها‪.‬‬
‫ألمة المسلمين بأن ال ّ‬
‫ّ‬

‫ال‬
‫حوى إلى الطبيعة اإلنسانية في استثقال النصيحة‪ ،‬حتّى في صفوف المؤمنين‪ ،‬إ ّ‬
‫ويشير ّ‬

‫الصديقين منهم‪ ،‬وجاءت هذه اإلشارة في تفسير قوله تعالى في شأن صالح ‪ :‬ﱡﭐﲕ ﲖ‬
‫ّ‬

‫ﲗﲘﲙﲚ ﲛﲜﲝﲞﲟﲠﲡﲢ ﲣﱠ‬

‫(‪)2‬‬
‫األعراف‪.٥٨ :‬‬

‫وهم فيها شيء من‬


‫يمح ص النصيحة أن تكون خالصة من المطامع كا ّفة‪ ،‬فإذا تُ ّ‬
‫مما ّ‬
‫و ّ‬

‫المطامع لم تنفع‪ ،‬لذا كان من جملة ما واجه الرسل به أقوامهم عدم طلب أجر على الدعوة‪ ،‬كما‬

‫ﲻ ﱠ هود‪:‬‬
‫ﲼ‬ ‫ﲴﲶﲷﲸﲹ ﲺ‬
‫ﲵ‬ ‫في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ‬

‫(‪)3‬‬
‫‪.٣١‬‬

‫بد للمؤمن أن يتخلّق باألمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬حتّى يكون داخالً في جملة‬
‫وال ّ‬

‫األمة الممدوحة في قوله تعالى‪ :‬ﱡﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ‬


‫ّ‬

‫(‪)4‬‬
‫ﱙ ﱠ آل عمران‪.١١٣ :‬‬
‫ﱚ‬ ‫ﱕﱖﱗﱘ‬

‫(‪)1‬‬
‫(األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪.237‬‬

‫(‪)2‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪.0210‬‬

‫(‪)3‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪.2370‬‬

‫(‪)4‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪.831‬‬

‫‪144‬‬
‫وفي ختام هذا المبحث‪ ،‬وفي سبيل الوقوف على المصادر التي تأثّر بها الشيخ في موضوع‬

‫(‪)1‬‬
‫التصوف‬
‫ّ‬ ‫حوى على أياديهم في علم‬
‫إلى العلماء الذين تتلمذ ّ‬ ‫مرة أخرى‬
‫األخالق‪ ،‬تجدر اإلشارة ّ‬

‫حوى‬
‫محمد الهاشمي؛ ألثرهما الكبير في صقل شخصية ّ‬
‫محمد الحامد‪ ،‬والشيخ ّ‬
‫سيما الشيخ ّ‬
‫ال ّ‬

‫حوى‪.‬‬
‫األخالقية‪ ،‬وفكره التربوي‪ ،‬والذي انعكس على هذا التفسير وغيره من مؤلفات ّ‬

‫حوى التربوية فيما يتعّلق بأخالق المسلم‬


‫ألهم لفتات ّ‬
‫وبعد‪ ،‬فقد كانت تلك المطالب عرضًا ّ‬
‫ُ‬

‫تجنبت فيها ذكر الجوانب الفقهية خشية اإلطالة‬


‫وآدابه وعالقاته األسرية واالجتماعية‪ ،‬وقد ّ‬

‫والتصاق الجانب التربوي منها بموضوع األطروحة‪ ،‬وبختام هذا المبحث‪ُ ،‬يستكمل الحديث عن‬

‫حوى في تربية اإلنسان قلبًا وجوارَح وأخالقاً‪ ،‬ليصبح الحديث في الفصل التالي‬
‫منهج الشيخ سعيد ّ‬

‫حول منهج الشيخ ‪ ‬في تربية اإلنسان المسلم الداعية المرّبي‪ ،‬والمسلم التلميذ‪ ،‬وللحديث‬

‫هية الدعوة‪ ،‬واهلل المستعان‪.‬‬


‫متعلّقاته من التفصيل في شأن ما ّ‬

‫(‪)1‬‬
‫تم ذكر ذلك سابقاً في الفصل األول‪ ،‬في سيرة الشيخ العلمية ص‪.3‬‬
‫ّ‬

‫‪145‬‬
‫الفصل الرابع‬

‫حوى ‪ ‬في الحديث عن عناصر عملية الدعوة‬


‫منهج الشيخ سعيد ّ‬

‫المربي‪ ،‬التلميذ‪ ،‬الدعوة)‬


‫( ّ‬

‫وفيه مبحثان‪:‬‬

‫المربي والتلميذ‬
‫ّ‬ ‫حوى في الحديث عن‬
‫األول‪ :‬منهج الشيخ سعيد ّ‬
‫المبحث ّ‬

‫حوى في الحديث عن الدعوة‬


‫المبحث الثاني‪ :‬منهج الشيخ سعيد ّ‬

‫‪146‬‬
‫األول‬
‫المبحث ّ‬

‫المربي والتلميذ‬
‫ّ‬ ‫حوى في الحديث عن‬
‫منهج الشيخ سعيد ّ‬

‫تمهيد‬

‫كثي ًار ما اتّجه الخطاب التربوي للشيخ في تفسيره إلى من يتولون عملية التربية اإلسالمية‬

‫النبوة‪ ،‬وتارة العالم‪ ،‬وقد اعتبرت في بحثي هذا‬


‫فتارة يخاطب الداعية‪ ،‬وتارة المرّبي‪ ،‬وتارة وارث ّ‬

‫جميع هذه األلفاظ دالّة على ذات واحدة‪ ،‬وقد كا ن الخطاب عبارة عن توجيهات إيمانية وعملية‬

‫حوى كذلك من توجيهات تربوية لطالب التزكية أو السالك أو المريد‬


‫وأخالقية‪ ،‬ولم يخ ُل خطاب ّ‬

‫وهذه االلفاظ أيضاً اعتبرتها داّلة على ذات واحدة‪.‬‬

‫أهمية وجود‬
‫حوى عن ّ‬
‫األول لحديث ّ‬
‫حيثيات ذلك أتطرق في المطلب ّ‬
‫ّ‬ ‫وفي سبيل بيان‬

‫المرّبي كمدخل للمطلبين الالحقين‪ ،‬وسأتطرق للحديث عن التوجيهات اإليمانية المتعلّقة بشخص‬

‫الداعية في المطلب الثاني‪ ،‬وفي المطلب الثالث سأتطرق للتوجيهات العملية واألخالقية‪ ،‬وأخي اًر‬

‫سأعرض في المطلب الرابع من هذا المبحث بعض التوجيهات المتعّلقة بطالب التزكية‪ ،‬واهلل‬

‫المستعان‪.‬‬

‫‪147‬‬
‫المربي‬
‫ّ‬ ‫أهمية وجود‬
‫األول‪ :‬حديث الشيخ عن ّ‬
‫المطلب ّ‬

‫لألمة بشكل عام في ظالل تفسيره لعدد من اآليات‪ ،‬ويمكن‬


‫أهمية وجود المرّبي ّ‬
‫حوى عن ّ‬
‫تحدث ّ‬
‫ّ‬

‫األهمية في النقاط التالية‪:‬‬


‫ّ‬ ‫إجمال هذه‬

‫حوى إلى هذا المعنى في ثنايا تفسيره‬


‫يجدد لها الدين‪ :‬وقد أشار ّ‬
‫األمة تحتاج إلى من ّ‬
‫‪ّ .0‬‬

‫لقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ‬

‫ﲀ ﱠ البقرة‪ ،٨١٥ :‬وقوله‬


‫ﲁ‬ ‫ﱸﱹ ﱺﱻﱼ ﱽ ﱾ ﱿ‬

‫تعالى على لسان زكريا ‪:‬ﱡﭐ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ‬

‫ﱰﱲﱳ‬
‫ﱱ‬ ‫ﱥﱦﱧﱨﱩﱪﱫﱬﱭ ﱮﱯ‬

‫ﱴ ﱵ ﱠ مريم‪ ،٤ – ٣ :‬ووجه الداللة في اآليات‪ّ ،‬‬


‫أن الناس بحاجة لألنبياء للفصل‬

‫في خالفاتهم‪ ،‬وإلرجاعهم عن الكفر‪ ،‬وأن الجيل الالحق قد ينحرف؛ فيحتاج إلى نبي‬

‫األمة هو‬
‫كل شيء؛ فما تحتاجه هذه ّ‬
‫محمد ‪ ،‬والقرآن فيه تبيان ّ‬
‫جديد‪ ،‬وال بعثة بعد ّ‬

‫األمة وعلمائها‪ ،‬وقد ّبينت السنة‬


‫مهمة أولياء هذه ّ‬
‫مجددين لهذا الدين وحسب‪ ،‬والتجديد ّ‬
‫ّ‬

‫يجدد لها دينها على رأس كل قرن(‪ ،)1‬كما‬


‫األمة من ّ‬
‫سنة اهلل في أن يبعث لهذه ّ‬
‫النبوية ّ‬

‫يجدد‬
‫األمة على رأس كل مائة سنة من ّ‬
‫إن اهلل تعالى يبعث لهذه ّ‬
‫في قول النبي ‪ّ " :‬‬

‫لها دينها"(‪.)2‬‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 6‬ص‪ ،3232-3238‬ص‪ ،2321-2382‬ج‪ 7‬ص‪.3816‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫انظر‪ :‬أبا داود‪( ،‬سنن أبي داود) ‪ ،‬كتاب المالحم‪ ،‬باب ما يذكر في قرن المائة‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪ 078‬رقم الحديث‪ ،1223:‬حكم األلباني‬
‫على الحديث‪ :‬صحيح‪.‬‬

‫‪148‬‬
‫محمد ‪‬‬
‫‪" .2‬مدد الفطرة إلى القلب اليستمر إال إذا وجدت تغذية من رجل صالح‪ ،‬من لدن ّ‬
‫(‪)2‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫عباس ‪ ‬للزيتونة‬
‫إلى قيام الساعة" ‪ ،‬وقد أفاد الشيخ ‪ ‬هذا المعنى من تفسير ابن ّ‬

‫في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ‬

‫ﲳ ﲴﱠ النور‪٥٣ :‬؛ حيث ّ‬


‫فسرها بالرجل الصالح؛ فاستئناف الحياة اإلسالمية يلزمه‬

‫(‪)3‬‬
‫إحياء هذه الرتبة‪.‬‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬التوجيهات اإليمانية للداعية‬

‫إن أبرز التوجيهات اإليمانية التي غلبت على خطاب الشيخ ‪ ،‬توجيه الداعية نحو‬
‫ّ‬

‫الصبر؛ لذا سيقتصر حديثي في هذا المطلب عن الصبر‪ ،‬وأمور أخرى يستدعيها هذا الحديث‬

‫شاق الدعوة‪ ،‬وكذلك اآليات التي عرضت موقف‬


‫وذلك في ظالل اآليات التي تحدثت عن م ّ‬

‫بد‬
‫شاق‪ ،‬ال ّ‬
‫ّ‬ ‫أن طريق الدعوة طريق‬
‫ويتلخص هذا التوجيه في ّ‬
‫ّ‬ ‫الكافرين من الدعاة إلى اهلل ‪،‬‬

‫فيه من تحقّق الداعية بالصبر‪ ،‬وعلى سبيل البيان لذلك استشهد بما يلي‪:‬‬

‫لمحمد ‪ ‬في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ‬


‫ّ‬ ‫أن التوجيه الرّباني‬
‫حوى ّ‬
‫يرى ّ‬

‫ق طريق الدعوة‪ ،‬حتّى تحتاج نفس كنفس‬ ‫ﲿ ﳀ ﱠ األحقاف‪ّ ،٥٣ :‬‬


‫يدل على عظم مشا ّ‬

‫حوى بعد استقرائه لقصص األنبياء ‪ ‬في سورة‬


‫يبين ّ‬
‫محمد ‪ ‬إلى مثل هذا التوجيه‪ ،‬كذلك ّ‬
‫ّ‬

‫أن صفة الصبر مشتركة عند كل األنبياء‪ ،‬وفي هذا درس للنذير(‪.)4‬‬
‫األنبياء‪ّ ،‬‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 7‬ص‪.3781-3783‬‬
‫ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫انظر‪ :‬ابن كثير‪( ،‬تفسير القرآن العظيم)‪ ،‬ج‪ 6‬ص‪.61‬‬

‫(‪)3‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 7‬ص‪.3781‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)4‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪ ،3271‬ج‪ 7‬ص‪.3186‬‬
‫‪149‬‬
‫وفي أمر لقمان ‪ ‬البنه بالصبر‪ ،‬بعد أمره باألمر بالمعروف‪ ،‬والنهي عن المنكر‪ ،‬في قوله‬

‫ﲾﱠ‬
‫ﲿ‬ ‫تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ‬

‫بد أن يناله أذى من الناس‬


‫أن اآلمر بالمعروف والناهي عن المنكر ال ّ‬
‫لقمان‪ ،١٥ :‬داللة على ّ‬

‫فجاء األمر بالصبر(‪.)1‬‬

‫حوى لقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ‬


‫وفي سياق تفسير ّ‬

‫ﲹ ﱠ آل عمران‪ ،١٤٤ :‬ينقل عن ابن كثير ‪ ‬قوله‪" :‬‬


‫ﲺ‬ ‫ﲴﲵﲶﲷﲸ‬

‫بد أن يؤذى‪ ،‬فما له دواء إال الصبر‬


‫أمر بمعروف‪ ،‬أو نهى عن منكر‪ ،‬فال ّ‬
‫بحق‪ ،‬أو َ‬
‫فكل من قام ّ‬
‫ّ‬

‫في اهلل‪ ،‬واالستعانة باهلل‪ ،‬والرجوع إلى اهلل ‪.)2("‬‬

‫مما يستدعي صبراً وثباتاً‬


‫عما يواجهه الداعية‪ّ ،‬‬
‫والحديث عن الصبر يستدعي الحديث ّ‬

‫بحق‬
‫حوى تسليط الضوء على المواقف السلبية‪ ،‬والتهم والشبهات المعاصرة ّ‬
‫وقد كان من منهج ّ‬

‫الداعية‪ ،‬وذلك في سياق تفسيره لآليات التي اشتملت على مواقف المعادين لرسل اهلل ‪‬؛‬

‫ظل قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ‬


‫الحق في ّ‬
‫ّ‬ ‫فيتحدث عن التوعية الشعبية ضد أهل‬
‫ّ‬

‫ﳀﳁﳂﳃ ﳄﳅﳆﳇﳈﳉﳊﳋﳌﳍ ﳎ ﱠ‬

‫الحق‬
‫ّ‬ ‫الشعراء‪ ،٣٤ – ٣٥ :‬يقول ‪ " :‬وهو التدبير المستمر للطغاة في كل العصور ضد أهل‬

‫الحق‪ّ :‬إنهم فئة قليلة منحرفة‬


‫ّ‬ ‫يحشرون الناس‪ ،‬ويجمعونهم بسلطة السلطان‪ ...،‬ويقولون عن أهل‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 8‬ص‪.1302‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ابن كثير‪( ،‬تفسير القرآن العظيم)‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪.081‬‬

‫‪151‬‬
‫أن على جميع الشعب أن‬
‫عن إرادة الشعب‪ ... ،‬و ّأنهم يقومون بأعمال إجرامية ضد السلطة‪ ،‬و ّ‬

‫يكون حذ ًار وواعيًا‪.)1( "...‬‬

‫ظل‬
‫ويتحدث عن اتّهام الداعية في ّنيته‪ ،‬و ّأنه ال يريد وجه اهلل في دعوته اإلصالحية في ّ‬
‫ّ‬

‫قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ‬

‫ﳖ ﳗ ﳘ ﳙ ﱠ يونس‪ّ ،٥٤ :‬‬


‫ويفند الشيخ هذه الدعوة‪ ،‬بكون الداعية قد سلك بدعوته‬

‫الطريق األصعب‪ ،‬وقد ّنبه الشيخ في سياق تفسيره لقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ‬

‫ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﱠ القلم‪ّ ،٣١ :‬نبه على حقد‬

‫الكافرين الشديد على صاحب الدعوة‪ ،‬فلو كانت الدنيا مراد الداعية؛ التّجه إلى طريق المداهنة‬

‫(‪)2‬‬
‫حوى في المعنى األخير في ثنايا تفسيره لقوله‬
‫فصل ّ‬
‫وخدمة الطغاة فهي الطريق األسهل ‪ ،‬وقد ّ‬

‫أن أهل الكفر‬ ‫تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﱠ القلم‪ ،٨ :‬حيث قال ‪ّ " :‬‬
‫دل هذا على ّ‬

‫تنصب محاوالتهم على أن يتخّلى صاحب الدعوة عن شيء من دعوته‪ ،‬ولكن شتّان‬
‫ّ‬ ‫والتكذيب‬

‫أما هم‬
‫بين إدهانهم وادهان صاحب الحق‪ ،‬فصاحب الدعوة إذا الن فذلك على حساب الحق‪ ،‬و ّ‬

‫حق"(‪.)3‬‬
‫فإذا النوا فذلك على حساب الباطل‪ ،‬وما أرخص الباطل‪ ،‬وأغلى ال ّ‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 7‬ص‪.3208‬‬
‫ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪ ،2126‬ج‪ 01‬ص‪.6167‬‬

‫(‪)3‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 01‬ص‪.6133‬‬

‫‪151‬‬
‫ومما يواجهه الداعية اتّهامه بالرذالة وضحالة الرأي‪ ،‬وقد أشار الشيخ إلى هذا المعنى في‬
‫ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫ظل قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﱠ هود‪.٨٥ :‬‬

‫وقد كان إلى جانب توجيه الداعية إلى الصبر في مقابلة مواقف الكافرين واتّهاماتهم‬

‫حوى‪ ،‬وسيتم التطرق لها في المسألة الثانية (التوجيهات العملية‬


‫توجيهات عملية ذكرها ّ‬
‫ٌ‬

‫واألخالقية)‪ ،‬من هذا المطلب‪.‬‬

‫إضافة لما سبق فقد جاء التوجيه للصبر في المواضع القرآنية التي تتحدث عن استبطاء‬

‫النصر‪ ،‬ففي تفسير قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ ﳖ ﳗ ﳘ ﳙ ﳚ ﳛ ﳜ‬

‫ﳝ ﳞ ﳟ ﳠ ﳡ ﳢ ﳣ ﳤ ﳥ ﳦ ﳧ ﳨ ﱠ الحج‪ّ ،١٣ :‬‬


‫يبين‬

‫أن كثي ًار من الدعاة يتركون دعوة اهلل ‪ ،‬الستبطائهم النصر لها‪ ،‬وفي هذا المقام يدعو‬
‫حوى ّ‬
‫ّ‬

‫إلى الصبر في كل الظروف(‪.)2‬‬

‫ﲊ‬ ‫ﲉ‬ ‫وفي مقام آخر في ظالل قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ‬

‫توجيه للداعية نحو الثقة المطلقة بوعد اهلل في‬


‫ٌ‬ ‫ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﱠ إبراهيم‪،٨٥ :‬‬

‫النصرة؛ ألن مقتضى اتّصافه بأسمائه المذكورة‪ ،‬حصول ما أخبر عنه‪ ،‬وهذه الثقة سمة رئيسة‬

‫من سمات الداعية ُليخرج الناس من الظلمات إلى النور(‪ ،)3‬وفي موقف هود ‪ ‬في قوله تعالى‪:‬‬

‫(‪)1‬‬
‫مما يتعلّق بثبات الداعية وما يواجهه‪ ،‬انظر‪ :‬المرجع‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪2333‬؛ لالطالع على مزيد ّ‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫السابق‪ ،‬ج‪ 7‬ص‪ ،3362-3368‬ج‪ 8‬ص‪ ،1023‬ج‪ 00‬ص‪.6033‬‬

‫(‪)2‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 7‬ص‪.3337‬‬

‫(‪)3‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪.2802‬‬

‫‪152‬‬
‫ﱡﭐ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﱠ األعراف‪ ،٥١ :‬تجسيد لثقة الداعية المطمئن‬

‫(‪)1‬‬
‫القوة التي يستشعرها الداعية إلى اهلل ‪.‬‬
‫وهذه الثقة هي مناط ّ‬

‫المطلب الثالث‪ :‬التوجيهات العملية واألخالقية للداعية‬

‫(‪)2‬‬
‫حوى في تفسيره‪:‬‬
‫عرج عليها ّ‬
‫والتي ّ‬ ‫من التوجيهات العملية والتربوية للداعية‬

‫‪ .0‬توجيه الداعية للدعاء‪ ،‬ففي تفسير قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ‬

‫ﲭﲮﲯﲰﲱﲲ ﲳﲴﲵﲶﲷﲸﲹﲺﲻﲼﲽ‬

‫ﲾ ﲿﳀﳁﳂﳃﳄﳅﳆﳇﳈﳉﳊ ﳋﳌﳍ‬

‫حوى الداعية للدعاء‬ ‫ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔﱠ طه‪ّ ،٥٣ – ٨٣ :‬‬


‫يوجه ّ‬

‫ألهميتها في أمر الدعوة‪ ،‬ويعّلل‬


‫ّ‬ ‫السيما هذه الدعوات –وهي على لسان موسى ‪-‬؛‬
‫ّ‬

‫تحمل آداء الدعوة‪ ،‬وبدون تيسير األمور‬


‫كل واحدة منها؛ فانشراح الصدر يحتاجه ُّ‬
‫‪ّ ‬‬

‫بث‬
‫وي ّ‬
‫الحجة‪ ،‬وبدون أخ يستشار ُ‬
‫ّ‬ ‫بد من طالقة لسان إلقامة‬
‫ينكسر قلب الداعية‪ ،‬وال ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫إليه‪ ،‬يشعر الداعية بغربة محزنة‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪.0237‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫لالطالع على المزيد من التوجيهات العملية واألخالقية‪ ،‬انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪ ،3121‬ج‪ 1‬ص‪.2302‬‬

‫(‪)3‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 7‬ص‪.3338‬‬

‫‪153‬‬
‫‪ .2‬قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﱠ طه‪ ،٨٨ :‬يرى الشيخ ‪ّ ‬‬
‫أن في اآلية " داللة‬

‫أن رجل الدعوة ال ينبغي له أن يفتر عن ذكر اهلل ‪ ،‬ومتى فتر قصر‪ ،‬ولم‬
‫على ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫يستطع الدعوة والمتابعة‪ ،‬والمجابهة على ما يقتضيه أمر اهلل ‪."‬‬

‫األهمية في تفسيره لقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ‬


‫ّ‬ ‫حوى إلى هذه‬
‫أهمية السجود والتسبيح للداعية‪ ،‬يشير ّ‬
‫‪ّ .3‬‬

‫ﱣﱤ ﱥﱦﱧﱨﱩﱪﱫﱬﱭﱮ ﱯﱰ‬

‫ﱱ ﱠ الحجر‪ ،٨٤ – ٨٥ :‬وقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ‬

‫ﲁ ﲃﲄﲅﲆﲇﲈﲉﲊﲋﱠ‬
‫ﲂ‬ ‫ﱾﱿﲀ‬

‫أهمية التسبيح والسجود للداعية‪ ،‬وذلك‬


‫حوى إلى ّ‬
‫ظل هذه اآليات يشير ّ‬
‫طه‪ ،١٥٣ :‬في ّ‬

‫في صموده أمام أقوال أهل الكفر وايذائهم؛ فالسجود والتسبيح هما زاد الداعية في دعوته‬

‫(‪)2‬‬
‫أن التسبيح بحمد اهلل هو وسيلة السعادة في الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫كما ّ‬

‫‪ .1‬توجيه الداعية لقيام الليل والذكر‪ ،‬وقد جاء ذلك في تفسير قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱁ ﱂ‬

‫ﱃﱄﱅﱆﱇﱈﱉﱊﱋﱌﱍ ﱎﱏﱐﱑﱒﱓﱔﱕ‬

‫ﱖﱗﱘﱙ ﱚﱛﱜﱝﱞﱟﱠﱡﱢﱣﱤﱥﱦﱧ‬

‫ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱠ المزمل‪ ،٤ – ١ :‬يقول‬

‫يكرس ليله لقيام الليل‪ ،‬وأن يجتمع له في ليله‬


‫أن رجل الدعوة عليه أن ّ‬
‫‪" :‬وهذا يفيد ّ‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 7‬ص‪.3361‬‬
‫ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 6‬ص‪ ،2828‬ج‪ 7‬ص‪.3101‬‬

‫‪154‬‬
‫بد‬
‫ونهاره ذكر‪ ،‬وأن يكون له انقطاع إلى اهلل ‪ ،‬ويعطي ألمور الدنيا بالقدر الذي ال ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫منه"‪.‬‬

‫الحسية والمعنوية للداعية‪ ،‬وقد جاء هذا التوجيه في تفسير قوله تعالى‪:‬‬
‫ّ‬ ‫أهمية الطهارة‬
‫‪ّ .3‬‬

‫حوى أن السياق القرآني‬ ‫ﱡﭐﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﱠﭐ ﭐ ﭐ ﭐالمدثر‪٣ – ٨ :‬؛ ّ‬


‫فيبين ّ‬

‫الذي وردت فيه هذه األوامر هو سياق إنذار؛ لقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲝ ﲞ ﲟﱠ المدثر‪٨ :‬؛‬

‫ِ‬
‫المنذر إلى طهارة فعله بأن يكون خالياً من‬ ‫حوى الداعي َة‬
‫يوجه ّ‬
‫وبناء على ذلك ّ‬

‫أي عيب‬
‫فإن الناس إذا أروا ّ‬
‫فكل ذلك مؤثر في نجاح دعوته؛ ّ‬
‫المعاصي‪ ،‬وطهارة مظهره‪ّ ،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫في الداعية نفروا من دعوته‪ ،‬ولم يقبلوها‪.‬‬

‫أهمية إص غاء الداعية للمخاطب‪ ،‬وقد جاء هذا التوجيه في سياق تفسير قوله تعالى‪:‬‬
‫‪ّ .6‬‬

‫ﲰﲲ ﲳﲴ ﲵﲶ‬
‫ﲱ‬ ‫ﱡﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ‬

‫ﲽ ﱠ التوبة‪ ،٤١ :‬ففي‬


‫ﲾ‬ ‫ﲷﲸﲹﲺﲻﲼ‬

‫ظ ّل هذه اآلية التي اشتملت على وصف اهلل ‪ ‬للنبي ‪ ‬باإلصغاء الشديد وتصديق‬

‫حوى‬
‫أن المنافقين يرون ذلك نقيصة‪ ،‬يسلّط ّ‬
‫أهل اإليمان على سبيل مدحه ‪ ،‬في حين ّ‬

‫أهمية إصغاء الداعية لمن يخاطبه؛ ألثره العظيم في تأليف القلوب وكونه‬
‫الضوء على ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫من أبرز صفات القادة العظام‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 00‬ص‪.6213‬‬
‫ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 00‬ص‪.6231‬‬

‫(‪)3‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪.2302‬‬

‫‪155‬‬
‫‪ .7‬ضرورة تقدير الداعية للموقف الذي سيجابهه‪ ،‬وقد جاء هذا التوجيه في سياق تفسير قوله‬

‫تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﱠ ﭐ الشعراء‪ ،١٨ :‬وقوله تعالى على‬

‫لسان موسى ‪ :‬ﱡﭐ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱﱠ الشعراء‪ ،١٨ :‬فمن‬

‫يوجه الشيخ الداعية إلى‬


‫خالل تقدير موسى ‪ ‬الصحيح لما سيواجهه من آل فرعون؛ ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫ضرورة تقدير الموقف الذي يمكن أن يجابهه‪ ،‬وطلب العون من اهلل ‪.‬‬

‫أهم التوجيهات اإليمانية والعملية واألخالقية المتعلّقة بشخص الداعية‪ ،‬وقد‬


‫وبعد‪ ،‬فهذه هي ّ‬
‫ُ‬

‫كل فرصة للحديث عن الدعوة ومشا ّقها‪ ،‬وسرعان ما يجود بما‬


‫حوى ‪ ‬استثمار ّ‬
‫كان من منهج ّ‬

‫استنتجه من ظالل آية كريمة‪ ،‬أو من وحي تجربة شخصية‪ ،‬وقد ُعرف ‪ ‬بجهوده الدعوية‬

‫مشاق الدعوة‪ ،‬وما ترتّب عليها من السجن والنفي وغير ذلك‪ ،‬وقد انعكست ظالل ذلك‬
‫ّ‬ ‫ومعاناة‬

‫على تفسيره في مثل المواطن السابقة وغيرها‪.‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬التوجيهات المتع ّلقة بطالب التزكية‬

‫وفيه مسألتان‪:‬‬

‫المسألة األولى‪ :‬توجيه طالب التزكية بشأن أدبه مع المرّبي‬

‫حوى لطالب التزكية كانت تدور حول اآلداب التي يجب أن يراعيها مع‬
‫إن أبرز توجيهات ّ‬
‫ّ‬

‫مرّبيه(‪ ،)2‬ومن ذلك ما جاء في سياق تفسيره لقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ‬

‫ﱐﱒﱓﱔ ﱕ‬
‫ﱑ‬ ‫ﱆﱇﱈﱉ ﱊﱋﱌﱍﱎﱏ‬

‫ﱙ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ‬
‫ﱚ‬ ‫ﱖ ﱗ ﱘ‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 7‬ص‪.3200‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫لالطالع على مزيد من توجيهات الشيخ لطالب التزكية‪ ،‬انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪ ،2122‬ج‪ 8‬ص‪.1118‬‬

‫‪156‬‬
‫ﱥﱧﱨﱩﱪﱫﱬﱭﱮﱯ ﱰﱱ‬
‫ﱦ‬ ‫ﱣﱤ‬

‫ﱻﱽﱾﱿﲀ‬
‫ﱼ‬ ‫ﱳﱵﱶﱷﱸ ﱹﱺ‬
‫ﱴ‬ ‫ﱲ‬

‫ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﱠ النور‪ ،٤٥ – ٤٨ :‬فأشار ‪ ‬إلى ّ‬


‫أن‬

‫النبوة‪ ،‬ومن له إمرة شرعية من‬


‫وراث ّ‬‫بحق النبي ‪ ،‬يجب أن تُراعى مع ّ‬
‫اآلداب المذكورة هنا ّ‬

‫المسلمين‪ ،‬وهذه اآلداب هي‪ :‬االحترام في النداء والكالم‪ ،‬واالستجابة‪ ،‬وعدم االنصراف إال‬

‫باإلذن(‪.)1‬‬

‫كذلك في سياق تفسيره لقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ‬

‫ﲎ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﱠ األحزاب‪ ،٤٨ :‬يشير الشيخ إلى قضية ّ‬


‫مهمة‬ ‫ﲏ‬ ‫ﲋﲌﲍ‬

‫فينبه ‪ ‬على خطورة‬


‫الصف اإلسالمي‪ ،‬وينطلق منها إلرشاد طالب التزكية؛ ّ‬
‫ّ‬ ‫ومؤثرة في وحدة‬

‫إيذاء وتحطيم القيادة اإلسالمية –إال في حال كونها غير رشيدة‪ ،-‬وهذا أخطر ما تواجهه‬

‫الجماعات من قبل أفرادها؛ لكون الثقة في القيادة من أهم عوامل نجاح أعمال هذه القيادة؛ وبناء‬

‫بأنه‬
‫حوى طالب التزكية من االعتراض على شيخه‪ ،‬ويصف هذا االعتراض ّ‬
‫على ما سبق يح ّذر ّ‬

‫حدده الشارع؛ فما‬


‫بحق الشرع القطعي‪ ،‬وبالطريق الذي ّ‬
‫السم القاتل للقلب‪ ،‬إال إذا كان االعتراض ّ‬
‫ّ‬

‫أصعب البناء‪ ،‬وأسهل الهدم(‪.)2‬‬

‫الجن في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱬ ﱭ ﱮ‬


‫حوى في تعقيب له على قول ّ‬
‫وفي ذات السياق يح ّذر ّ‬

‫ٍ‬
‫وتعقيب على قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﳄ ﳅ‬ ‫ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱠ الجن‪،٣ :‬‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 7‬ص‪.3821‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 8‬ص‪.1120‬‬

‫‪157‬‬
‫ﳆ ﳇﳈﳉﳊﳋﳌﳍﳎﳏﳐﳑ ﳒﳓﳔﳕﳖ‬

‫ﳗ ﳘ ﳙ ﱠ الجن‪ ،٨٥ – ٨٤ :‬يح ّذر من إعطاء العصمة لغير أهلها‪ ،‬وتجاوز الثقة‬

‫أشد أس باب الضالل في تاريخ البشرية؛ فال ثقة إال بما وافق القرآن الكريم‬
‫حدودها‪ ،‬فذلك من ّ‬

‫األمة وكأنهم‬
‫ويشدد النكير على من عامل بعض أفراد هذه ّ‬
‫ّ‬ ‫فقلب النبي ‪ ‬وحده المعصوم‪،‬‬

‫الحد ببعضهم إلى ترك الشرع كلّه(‪.)1‬‬


‫فأولوا نصوص الشرع‪ ،‬بل وصل ّ‬
‫معصومو القلوب‪ّ ،‬‬

‫المسألة الثانية‪ :‬توجيهات متعلّقة بالسلوك إلى اهلل ‪‬‬

‫ومن التوجيهات المتعّلقة بسلوك الطالب إلى اهلل ‪ ،‬توجيه الطالب نحو اإلكثار من ذكر‬

‫همية أشار الشيخ إليها عند قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ‬


‫اآلخرة؛ لما لذلك من أ ّ‬

‫ﱪ ﱫ ﱠ ص‪ ،٨٤ :‬ويشير ‪ ‬إلى ّ‬


‫أهمية االنتباه إلى هذه اآلية في قضية السلوك إلى اهلل‬

‫‪ ،‬وفي توضيح ذلك يستعين بالقول المأثور‪" :‬الناس هلكى إال العالمون‪ ،‬والعالمون هلكى إال‬

‫العاملون‪ ،‬والعاملون هلكى إال المخلِصون‪ ،‬والمخلِصون على خطر عظيم" ‪ ،‬فيرى الشيخ ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫أن‬

‫هذا الخطر العظيم ينجو منه المخلَص‪ ،‬وهو رتبة فوق المخلِص‪ ،‬وسبيل المؤمن حتّى يصبح‬

‫(‪)3‬‬
‫مخَلصًا هو تذ ّكر اآلخرة كما ّبينت اآلية السابقة‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 00‬ص‪.6086 ،6076‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫وقد ذكر الغزالي هذا القول في تفسيره‪ ،‬وقال في نسبته‪( :‬وقيل)؛ انظر‪ :‬الغزالي‪( ،‬إحياء علوم الدين)‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪101‬؛ ووجدت للقول‬
‫نسبة للنبي ‪ ‬وذلك عند اآللوسي؛ انظر‪ :‬اآللوسي‪ ،‬محمود بن عبد اهلل (ت‪0271‬ه)‪( ،‬روح المعاني في تفسير القرآن العظيم‬
‫والسبع المثاني)‪ ،‬حقّقه علي عبد الباري عطية‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪0103 ،0‬ه‪ 06 ،‬جزءاً‪ .‬ج‪ 0‬ص‪ ،312‬وعند البقاعي‬
‫حوى للحسن البصري‪.‬‬
‫في (نظم الدرر)‪ ،‬ج‪ 0‬ص‪ ،178‬ولم أقف على القول في مصادر الحديث‪ ،‬وقد نسبه ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 8‬ص‪.1810‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬

‫‪158‬‬
‫المبحث الثاني‬

‫حوى في الحديث عن دعوة الداعية‬


‫منهج الشيخ سعيد ّ‬

‫تمهيد‬

‫حوى في أكثر من موطن من مواطن الحديث عن‬


‫رددها ّ‬
‫"إحياء القلوب على اهلل ‪ "‬عقيدة ّ‬

‫مهمة الداعية‪ُ ،‬ليبرز الموقع الصحيح للداعية في دعوته؛ فيقول ‪ ‬في أجواء سورة يس‪ ،‬تعقيبًا‬
‫ّ‬

‫ﲦﲨﲩ ﲪ‬
‫ﲧ‬ ‫على قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ‬

‫ﲫ ﲬ ﭐ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﱠ يس‪ ،١٨-١١ :‬وقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ‬

‫ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﱠ يس‪ ،٥٣ :‬يقول‪" :‬هذا يفيد ضمنًا ّ‬


‫أن إحياء القلوب على اهلل‬

‫بد من األسباب؛ ِ‬
‫المنذر بنذارته‪ ،‬والمن َذر ببذل الجهد‪ ،‬واهلل ‪ ‬هو الذي‬ ‫‪ ،‬واهلل يتوّاله‪ ،‬لكن ال ّ‬

‫فإن على الدعاة إلى اهلل ‪ ‬أن يالحظوا هذا؛ فيعقدوا حلقات‬
‫ثم ّ‬‫يتولّى عملية اإلحياء‪ ،‬ومن ّ‬

‫كل‬
‫الوعظ‪ ،‬ويدعوا الناس إليها‪ ،‬وعلى الناس أن يحضروا‪ ،‬وعلى الدعاة ّأال يهملوا الوعظ أبدًا في ّ‬

‫حال‪ ،‬وعلى الناس أن يسمعوا‪ ،‬والتقصير في هذا يؤدي إلى فقدان حياة القلوب‪ ،‬وبالتالي إلى‬

‫ضعف اإلسالم"(‪.)1‬‬

‫األهمية‬
‫ّ‬ ‫فإن الداعية بدعوته أحد سببي إحياء القلوب؛ ونظ ًار لهذه‬
‫بناء على ما سبق ّ‬

‫أخصص هذا المبحث للحديث عن منهج الشيخ في الحديث عن دعوة الداعية‪ ،‬ضمن عناصر‬

‫المطالب التالية‪ ،‬واهلل المستعان‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 8‬ص‪.1612‬‬
‫ّ‬

‫‪159‬‬
‫المطلب األول‪ :‬الفئة التي يستهدفها الداعية ونقطة البداية مع المدعو‬

‫أن صاحب الدعوة عليه أن يبّلغ دعوته للجميع‪ ،‬لكن تبقى فئة الشباب هي‬
‫حوى ّ‬
‫يبين ّ‬
‫ّ‬

‫الحق‪ ،‬وهم الذين يستجيبون للدعوات اإلصالحية‪ ،‬وهم‬


‫ّ‬ ‫ألنهم أقرب لقبول‬
‫الوجهة األولى للداعية؛ ّ‬

‫معدن النصرة‪ ،‬وقد الحظ الشيخ هذا المعنى من قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ‬

‫ﱴ ﱠ يونس‪ ،)1(٤٥ :‬كذلك من قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ‬

‫ﲭ ﱠ الكهف‪ ،١٥ :‬ومن قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﱠ الكهف‪ ،٤٣ :‬وقوله تعالى‪:‬‬

‫ﱡﭐ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱠ األنبياء‪ ،٤٣ :‬وبمناسبة اآلية األخيرة‪،‬‬

‫عباس ‪" :‬ما بعث اهلل نبياً ّإال شابًا‪ ،‬وال أوتي العلم عالم ّإال وهو شاب"‬
‫حوى قول ابن ّ‬
‫يذكر ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫وتال هذه اآلية‪.‬‬

‫تحدث الشيخ ‪ ‬عن البداية مع طالب التزكية‪ ،‬أو‬


‫أما عن نقطة البداية مع المدعو فقد ّ‬
‫ّ‬

‫وبين ‪‬‬
‫المريد‪ ،‬أو السالك‪ ،‬في ظالل كثير من اآليات‪ ،‬فلم تكن بداية فحسب‪ ،‬ولكن بدايات‪ّ ،‬‬

‫أن مقدار نجاح الداعية في النهايات متوقّف على مقدار نجاحه في هذه البدايات‪ ،‬ومن المواضع‬
‫ّ‬

‫القرآنية التي أشار الشيخ في تفسيره لها‪ ،‬إلى بدايات في التربية‪:‬‬

‫‪ .0‬قوله تعالى‪ :‬ﭐﱡﭐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ ﳖ ﳗ ﳘ ﳙ ﳚ ﳜ‬


‫ﳛﳝ‬

‫ﳞ ﳟ ﳠ ﳡ ﳢ ﱠ الرعد‪ّ ،٨٤ – ٨٥ :‬‬


‫يوجه الشيخ الداعية إلى التركيز‬

‫(‪)1‬‬
‫البينات‪ ،‬والحجج القاطعات‪ ،‬والبراهين‬
‫جاء في تفسير هذه اآلية‪" :‬يخبر تعالى ّأنه لم يؤمن بموسى ‪ ‬مع ما جاء به من اآليات ّ‬
‫يردوهم إلى ما كانوا عليه من الكفر‪."...‬‬
‫الساطعات‪ ،‬إال قليل من قوم فرعون‪ ،‬من الذرية وهم الشباب‪ ،‬على وجل منه ومن مإله‪ ،‬أن ّ‬
‫ابن كثير‪( ،‬تفسير القرآن العظيم)‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪.287‬‬

‫(‪)2‬‬
‫عباس في‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪ ،2128‬ج‪ 6‬ص‪ ،3067‬ص‪ ،3218‬ج‪ 7‬ص‪ .3177‬وقد ورد قول ابن ّ‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫تفسير ابن كثير‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪.312‬‬

‫‪161‬‬
‫أن هذه البدايات‬
‫ويبين ّ‬
‫على مواضيع التوبة واإلنابة‪ ،‬واإليمان باهلل ‪ ‬واإلكثار من ذكره‪ّ ،‬‬

‫ثم كانوا أنجح الناس في نقل اإلنسان من حال إلى‬


‫قد رّكز عليها صالحو الصوفية‪ ،‬ومن ّ‬

‫حوى على ضرورة أن يكون للمسلم حظّه اليومي من‬


‫حال‪ ،‬وفي هذا المقام يؤ ّكد ّ‬

‫األذكار‪ ،‬ال يتخّلى عنها مهما كانت األحوال‪ ،‬وعلى رأس هذه األذكار الصالة فهي‬

‫أهمية الذكر في البداية في ظل قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ‬ ‫(‪)1‬‬


‫أعالها ‪ ،‬وفي ذات السياق يشير إلى ّ‬

‫ﲾﲿﳀﳁﳂﳃﳄ ﳅﳆﳇﳈﳉﳊﳋﳌﳍ‬

‫ﳎ ﳏ ﱠ األحزاب‪٨١ :‬؛ فبقدر هذه البداية يكون االقتداء برسول اهلل ‪ ،‬وان‬

‫أن مجيء‬
‫كان رجاء اهلل واليوم اآلخر بجانب الذكر في طريق الوصول إلى االقتداء‪ّ ،‬إال ّ‬

‫أن الذكر الكثير طريق لتنمية‬


‫الرجاء بصيغة المضارع‪ ،‬والذكر بصيغة الماضي‪ ،‬يشعر ّ‬

‫بد للمرّبي أن يالحظ هذه البداية باإلضافة إلى توجيه السالك نحو‬
‫الرجاء أيضًا؛ فال ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫العمل الصالح واإلخالص؛ حتّى يكون السالك سائ ًار على قدم رسول اهلل ‪.‬‬

‫‪ .2‬قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﱁ‬

‫ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱠ طه‪ ،١٥ – ١٨ :‬وفي ظل هذه األوامر اإللهية ّ‬


‫يبين‬

‫ال التواضع في‬


‫أهمية تعليم األدب وتعلّمه في بداية التربية؛ يقول ‪" :‬علّمه ّأو ً‬
‫الشيخ ّ‬

‫أن تعليم األدب‬


‫فدل ذلك على ّ‬
‫ثم طالبه بأدب اإلنصات‪ّ ،‬‬
‫هيئته؛ إذ أمره بخلع النعلين‪ّ ،‬‬

‫كل‬
‫مرب لم يبدأ بتعليم األدب ففاته ّ‬
‫وتعّلمه هو البداية الصحية في التربية؛ وكم من ّ‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪.2762-2768‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 6‬ص‪.3213-3212‬‬

‫‪161‬‬
‫كل رسل اهلل ‪ ‬كانوا يطالبون أقوامهم بأمرين‪ :‬التقوى‬
‫أن ّ‬
‫ثم نالحظ ّ‬
‫شيء‪ ،...‬ومن ّ‬

‫النبوة أن‬
‫وراث ّ‬‫التام بين األدب مع اهلل ‪ ‬واألدب مع رسله ‪‬؛ فعلى ّ‬
‫والطاعة؛ للتالزم ّ‬

‫يالحظوا ذلك‪ ،‬وعلى الراغبين في العلم والتعلّم والوصول إلى اهلل أن يعطوا ذلك ح ّقه"(‪.)1‬‬

‫‪ .3‬قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱠ‬

‫أن الصالة هي‬


‫أن معرفة اهلل هي البداية‪ ،‬و ّ‬
‫أن في اآلية داللة على ّ‬
‫حوى ّ‬
‫طه‪ ،١٨ :‬يرى ّ‬

‫أي بداية غير هذه البداية أو ما يؤدي إليها‬


‫أن ّ‬
‫يثنى بها‪ ،‬وفي هذا المقام يشير إلى ّ‬
‫التي ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫فليست من التربية اإلسالمية في شيء‪.‬‬

‫(‪)3‬‬
‫أن اتّباع القرآن وخشية اهلل‪ ،‬والشكر‪ ،‬واإلنفاق والتقوى‬
‫يبين ّ‬
‫ّ‬ ‫‪ .1‬وفي مواضع قرآنية أخرى‬

‫واإليمان‪ ،‬وتالوة القرآن الكريم‪ ،‬والذكر والصالة كذلك‪ ،‬هي بدايات في طريق الهداية(‪.)4‬‬

‫أن الهداية‪ ،‬وجدوى اإلنذار‬


‫والناظر في اآليات التي استنبط الشيخ منها البدايات يرى ّ‬

‫كل ذلك مترتّب على أمور؛ وهو ما جعل الشيخ يعتبر تلك األمور بدايات في‬
‫والتيسير لليسرى‪ّ ،‬‬

‫طريق الوصول إلى تلك الغايات‪.‬‬

‫كذلك يمكن الجمع بين ما ذكر من هذه البدايات تحت بداية معرفة اهلل‪ ،‬والذكر؛ فمعرفة اهلل‬

‫تقتضي تقواه‪ ،‬وايمانًا به‪ ،‬وخشية منه‪ ،‬وشك ًار له‪ ،‬وأدبًا معه ومع من يدعو إلى سبيله‪ ،‬وانفاقًا في‬

‫سبيله‪ ،‬والذكر يشمل الصالة‪ ،‬وتالوة القرآن‪ ،‬واألذكار من التسبيح واالستغفار وغير ذلك‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪7‬ص‪.3333‬‬
‫ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 7‬ص ‪.3331-3333‬‬

‫ﲷﲹﲺ‬
‫ﲸ‬ ‫ﲰﲲﲳﲴﲵﲶ‬
‫ﲱ‬ ‫قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ‬ ‫(‪)3‬‬

‫ﲦﲨ‬
‫ﲧ‬ ‫ﲻ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﱠ العنكبوت‪ ،٥٤ :‬وقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ‬
‫ﲼ‬
‫ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﱠ يس‪ ،١١ :‬وقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﱠ الليل‪-٣:‬‬
‫‪.٥‬‬
‫(‪)4‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 8‬ص‪ ،1632 ،1620 ،1210‬ج‪ 00‬ص‪.6333‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫‪162‬‬
‫حوى إ لى ضرورة توفير ما تحتاجه هذه البدايات من بيئات مناسبة‪ ،‬تجعل السالك‬
‫ويشير ّ‬

‫ينصهر في تلك البدايات؛ فعلى سبيل المثال التركيز على تالوة القرآن في البدايات‪ ،‬يقتضي تعّلم‬

‫أحكام التجويد‪ ،‬وهكذا(‪.)1‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬عناصر مؤثرة في عملية الدعوة‬

‫وفيه مسألتان‪:‬‬

‫المسألة األولى‪ :‬مراعاة طبيعة المدعو ومحّله في أسلوب الدعوة‬

‫ويمكن توضيح هذه المسألة من خالل قصص األنبياء ‪ ‬مع أقوامهم في سورة هود؛ فقد‬

‫كل قصة من هذه القصص لها مدلول خاص في الدعوة؛ بحيث تسع ما يمكن أن‬
‫أن ّ‬
‫حوى ّ‬
‫ّبين ّ‬

‫يصادفه الداعية‪ ،‬واالختالف في أسلوب الدعوة مع هذه األقوام نابع من اختالف طبائعها‬

‫ويوضح هذه القضية من خالل تذكير األنبياء ‪ ‬ألقوامهم؛ فتذكير نوح ‪ ‬في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ‬
‫ّ‬

‫ﲛ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﱠ هود‪ ،٨٤ :‬يرافقه الوعظ‪ ،‬وتذكير‬


‫ﲗﲘﲙﲚ ﲜ‬

‫ﲟﲡﲢﲣﲤﲥﲦﲧﲨ‬
‫ﲠ‬ ‫هود ‪ ‬في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲜ ﲝ ﲞ‬

‫ﲩ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﱠ هود‪ ،٣٣ :‬يرافقه التأنيب‪ ،‬وتذكير صالح ‪ ‬في قوله‬


‫ﲪ‬

‫ﳈﳊﳋ‬
‫ﳉ‬ ‫ﲾﳀ ﳁﳂﳃﳄﳅﳆﳇ‬
‫ﲿ‬ ‫تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲻ ﲼ ﲽ‬

‫ﳓ ﳕ ﳖ ﳗ ﳘ ﳙ ﱠ هود‪ ،٤١ :‬يرافقه‬


‫ﳔ‬ ‫ﳌﳍ ﳎﳏﳐﳑﳒ‬

‫فلكل طريقة محلّها وأهلها(‪.)2‬‬


‫التذكير بالنعمة؛ ّ‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 8‬ص‪.1210‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪.2373-2371‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬

‫‪163‬‬
‫يوضح الشيخ قضية مراعاة الداعية لطبيعة المدعو كذلك من خالل‬
‫وفي أجواء نفس السورة ّ‬

‫ردود األنبياء نوح وهود وصالح ‪ ‬على أقوامهم؛ فقد اختلفت الردود أيضًا بسبب اختالف‬

‫رد صالح ‪ ‬إظهار العجز عن ترك دعوة اهلل ‪ ،‬والتذكير بالمعجزة‬


‫الطبائع؛ يقول ‪" :‬كان ّ‬

‫المفصل‬
‫ّ‬ ‫رد نوح ‪ ‬النقاش‬
‫التحدي لهم والتو ّكل على اهلل ‪ ،‬وكان ّ‬
‫ّ‬ ‫رد هود ‪ ‬هو‬
‫بينما كان ّ‬

‫ولكل طبيعة كلمة‬


‫ّ‬ ‫ولكل كلمة محّلها‪ ،‬والناس طبائع‪،‬‬
‫كل قدوة‪ّ ،‬‬
‫لكل جزء من أجزاء كالمهم‪ ،‬وفي ّ‬
‫ّ‬

‫لكل نفس ما يناسبها‬


‫ولكل من الدعاة طبيعة‪ ،‬والقرآن يسع النفس البشرية كّلها‪ ،‬وفيه ّ‬
‫ّ‬ ‫تناسبها‪،‬‬

‫الحق ودائرته"(‪.)1‬‬
‫ّ‬ ‫ضمن إطار‬

‫المسألة الثانية‪ :‬اختيار الوقت المناسب للدعوة‬

‫ظل قوله‬
‫يقدمه في ّ‬
‫أهمية اختيار الداعية للوقت المناسب لما يرغب أن ّ‬
‫أشار الشيخ إلى ّ‬

‫تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﱠ طه‪٣٨ :‬؛ حيث اختار موسى‬

‫(‪)2‬‬
‫المحاجة أكبر‬
‫ّ‬ ‫سيحاج فيه سحرة فرعون؛ وذلك ليحضر تلك‬
‫ّ‬ ‫ضحى‪ ،‬للوقت الذي‬
‫ً‬ ‫‪ ‬يوم الزينة‬

‫بصحة رسالة موسى ‪ ‬عليهم أجمعين(‪.)3‬‬


‫ّ‬ ‫الحجة‬
‫قدر من الناس؛ فتقوم ّ‬

‫يظن‬
‫كل األحوال ‪-‬حتّى في تلك التي ّ‬
‫أهمية الدعوة في ّ‬
‫ومن ناحية أخرى يشير ‪ ‬إلى ّ‬

‫الداعية فيها عدم جدوى الدعوة‪-‬؛ لما لذلك من آثار عاجلة أو آجلة قد ال يدركها الداعية؛ وقد‬

‫جاءت هذه اإلشارة في سياق تفسيره لقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ‬

‫(‪)1‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪.2376‬‬

‫(‪)2‬‬
‫محمد بن جرير (ت‪301‬ه)‪( ،‬جامع‬
‫يتفرغ الناس من األعمال‪ ،‬ويشهدون ويحضرون ويرون"‪ .‬الطبري‪ّ ،‬‬
‫يوم الزينة‪" :‬يوم العيد؛ يوم ّ‬
‫البيان عن تأويل آي القرآن)‪ ،‬حقّقه محمود وأحمد شاكر‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬لبنان‪0121 ،‬ه‪2111-‬م‪ ،‬ط‪ 21 ،0‬جزءاً‪ .‬ج‪08‬‬
‫ص‪.321‬‬

‫(‪)3‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 7‬ص‪.3371‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬

‫‪164‬‬
‫ﲯ ﲱﲲﲳﲴﲵﲶﲷﲸﲹ ﲺﲻ‬
‫ﲰ‬ ‫ﲭﲮ‬

‫ﱠ طه‪٤٨ – ٤١ :‬؛ فيقول ‪" :‬وفي قول موسى هذا‪ ،‬درس بليغ للدعاة ّأال ّ‬
‫يقصروا في الوعظ‬

‫ألشد أنصار الظالمين‪ ،‬فهؤالء السحرة حشدهم فرعون ليجابه موسى ‪‬؛‬
‫ّ‬ ‫كل حال‪ ،‬وحتّى‬
‫في ّ‬

‫يتركن‬
‫ّ‬ ‫ومرة بعد ذلك؛ إذ أسلموا جميعاً‪ ،‬فال‬
‫مرة في خلخلة صفّهم‪ّ ،‬‬
‫مرتين؛ ّ‬
‫فأفاد هذا الوعظ ّ‬

‫أي ظرف"(‪.)1‬‬
‫المسلم دعوته في ّ‬

‫قصة مؤمن آل فرعون في سورة غافر‪ ،‬ففيها‬


‫حوى على المعنى األخير‪ ،‬من خالل ّ‬
‫ويؤ ّكد ّ‬

‫ألن‬
‫أن إنذار الكافرين إن لم يفد في تحقيق اإليمان‪ ،‬فقد يفيد في شؤون أخرى؛ وذلك ّ‬
‫دليل على ّ‬

‫كالم مؤمن آل فرعون أثّر في صرف فرعون عن قتل موسى ‪ ،‬كما في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱁ‬

‫ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱠ غافر‪ ،٨٤ :‬ليصبح موقف فرعون خالل اإلنذار هو ّ‬


‫التعرف على‬

‫إله موسى ‪ ،‬كما جاء في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ‬

‫ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﱠ غافر‪ ، ٥٥ - ٥٤ :‬وليس هناك‬

‫(‪)2‬‬
‫طاغية كفرعون‪ ،‬وقد تزحزح عن موقفه بسبب اإلنذار البليغ‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 7‬ص‪.3371‬‬
‫ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪.1261‬‬

‫‪165‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬سلوك الداعية في دعوته‬

‫عدة مسائل‪:‬‬
‫وفيه ّ‬

‫المسألة األولى‪ :‬تعريف الداعية على نفسه‬

‫يعد‬
‫أن ذلك ال ّ‬
‫حوى ّ‬
‫الناس بمنزلته في العلم؛ فقد ّبين ّ‬
‫يعرف الداعيةُ َ‬
‫أن ّ‬
‫والمراد من ذلك هو ّ‬

‫من باب التزكية‪ ،‬إذا كان الهدف من ذلك تحقيق مقص د أخروي‪ ،‬أو مقصد تحتاجه الدعوة إلى‬

‫اهلل ‪ ،‬أو إذا جهل الناس منزلة الداعية في العلم(‪ ،)1‬وقد أشار إلى ذلك في تفسيره لقوله تعالى‪:‬‬

‫ﱡﭐ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﱠ الشعراء‪ ،١٣٥ :‬وقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﳐ ﳑ ﳒ ﳔ‬


‫ﳓﳕﳖ‬

‫ﳗ ﳘ ﳙ ﳚ ﳛ ﳜ ﳝ ﳞ ﳟ ﳠ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ‬

‫ﱏﱑﱒﱓﱔﱕﱖ ﱗ‬
‫ﱐ‬ ‫ﱆﱈﱉ ﱊﱋﱌﱍﱎ‬
‫ﱇ‬ ‫ﱅ‬

‫(‪)2‬‬
‫ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱠ يوسف‪.٥٤ – ٥٥ :‬‬

‫المسألة الثانية‪ :‬توجيهات بشأن قضية التعريف على اهلل ‪‬‬

‫أهم البدايات في تربية السالك –كما ُذكر‬


‫أن معرفة اهلل ‪ ‬من ّ‬
‫حوى على بيان ّ‬
‫لم يقتصر ّ‬

‫تطرق في بعض المواضع لتوجيه الداعية في كيفية التعريف؛ فمن الفوائد‬


‫في مطلب سابق‪ ،-‬بل ّ‬

‫ﲴﲶﲷﲸ‬
‫ﲵ‬ ‫التي استنبطها ‪ ‬من قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ‬

‫ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﱠ األنبياء‪ّ ،٨٥ – ٨٨ :‬‬


‫أن تعريف اهلل‬

‫(‪)1‬‬
‫أن العالم إذا جهلت منزلته في‬
‫والتعريف في حال جهل الناس بالمنزلة نقله الشيخ عن اإلمام النسفي ‪ ،‬وعبارة النسفي ‪" :‬وفيه ّ‬
‫العلم فوصف نفسه بما هو بصدده‪ ،‬وغرضه أن يقتبس منه‪ ،‬لم يكن من باب التزكية"‪ .‬النسفي‪( ،‬مدارك التنزيل وحقائق التأويل)‪ ،‬ج‪2‬‬
‫ص‪.001‬‬

‫(‪)2‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪ ،2636‬ج‪ 7‬ص‪.3232‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬

‫‪166‬‬
‫ال‪ ،‬وبالقدر الذي يحتاجه اإلنسان‪ ،‬وتقوم به‬
‫‪ ‬على نفسه في القرآن الكريم‪ ،‬كان تعريفًا كام ً‬

‫الحجة عليه‪ ،‬وما فوق ذلك‪ ،‬خبره في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﱠ طه‪ ١١٣ :‬؛‬
‫ّ‬

‫حوى في شأن التعريف على اهلل ‪ ،‬والتعريف على مسؤولية اإلنسان في‬
‫يوجه ّ‬
‫وبناء على هذا ّ‬

‫ال‬
‫مقابل ذلك؛ فيقول ‪" :‬ففي الدعوة إلى اهلل ‪ ‬علينا أن نبرهن أ ّن اهلل موجود‪ ،‬وأّنه أرسل رسو ً‬

‫كل شيء بعلمه وارادته‬


‫أن ّ‬
‫وعلى ّأنه أنزل وحيًا‪ ... ،‬وفي عملية التعريف على اهلل ‪ ،‬نذكر ّ‬

‫أن اإلنسان مكلّف مختار‪ ،‬ونبرهن على‬


‫وقدرته‪ ،‬وفي عملية التعريف على مسؤولية اإلنسان نثبت ّ‬

‫أن اختيار اإلنسان ال يتنافى مع إحاطة العلم واإلرادة والقدرة؛ أل ّن القدرة تعمل على وفق اإلرادة‬
‫ّ‬

‫بد‬
‫واإلرادة تعمل على وفق العلم‪ ،‬والعلم كاشف ال مجبر‪ ،‬عند هذا يقف الكالم‪ ...‬في النهاية ال ّ‬

‫الرب‪ ،‬ﱡﭐﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ‬
‫أن يسأل اهلل؛ فاهلل هو ّ‬
‫أن أحداً ليس من ح ّقه ّ‬
‫أن يكون واضحاً ّ‬

‫ﳂ ﳃﱠ األنبياء‪ّ ... ،٨٥ :‬‬


‫(‪)1‬‬
‫إن التسليم هلل تعالى هو غاية العقل وغاية الحكمة"‪.‬‬

‫ومما رّكز الشيخ عليه في قضية التعريف على اهلل ‪ ،‬التعريف بجالله وجماله؛ فقد ّبين‬
‫ّ‬

‫استدل على ذلك في أكثر من مقام‪ ،‬ففي قوله‬


‫ّ‬ ‫أن هذا التعريف أصل أصيل في التذكير‪ ،‬وقد‬
‫‪ّ ‬‬

‫تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﱠ الحجر‪٣١ :‬؛ أُمر النبي ‪ ‬بإخبار قومه عن‬

‫ضيف إبراهيم ‪ ،‬وقد اشتمل هذا اإلخبار –كما في اآليات الالحقة(‪ -)2‬على تبشير إبراهيم ‪‬‬

‫جمالي‪ ،‬كما اشتمل اإلخبار كذلك على هالك قوم لوط ‪‬‬
‫ّ‬ ‫بغالم عليم‪ ،‬وهذا مظهر رحمة‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 7‬ص‪.3116‬‬
‫ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫اآليات [‪ ]71-32‬من سورة الحجر‪.‬‬

‫‪167‬‬
‫جاللي؛ فاشتمل نبأ النبي ‪ ‬لقومه على إخبار عن رحمة اهلل‬
‫ّ‬ ‫بالصيحة‪ ،‬وهو مظهر نقمة‬

‫(‪)1‬‬
‫ونقمته‪ ،‬وفي هذا درس للداعية‪.‬‬

‫المسألة الثالثة‪ :‬التبشير‬

‫بث األمل‬
‫المهمة التي يجب أن يأخذها الداعية بعين االعتبار في دعوته‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫من األمور‬

‫بنصر اهلل في نفوس المسلمين؛ لما لهذا األمر من دور عظيم في دفع المسلم إلى أقصى حدود‬

‫حوى لقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱑ ﱒ ﱓ‬


‫العمل وبذل الجهد‪ ،‬وقد جاء هذا التوجيه‪ ،‬في تفسير ّ‬

‫ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞﱟﱠ‬

‫التوبة‪ ،٥٥ :‬وقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ‬

‫ﳉ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﱠ الفتح‪ ،٨٤ :‬ويستنكر ّ‬


‫حوى في هذا المقام على المرّبين‬ ‫ﳊ‬

‫ويرد عليهم من خالل قول النبي ‪:‬‬


‫الذين أصبح كالمهم كلّه يأسًا‪ ،‬ويربون المسلمين عليه‪ّ ،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫أن اإلسالم قد انتهى‬
‫يظن ّ‬
‫كل من ّ‬
‫"من قال هلك المسلمون فهو أهلكهم" ‪ ،‬وكذلك يستنكر على ّ‬

‫أن اإلسالم سينشط بعد فتوره‪ ،‬ومن‬


‫يدل على ّ‬
‫مما ّ‬
‫السنة الصحيحة‪ّ ،‬‬
‫ويرد عليه من خالل ّ‬
‫دوره‪ّ ،‬‬

‫أمتي َمثل المطر‪ ،‬ال يدرى ّأوله خير أم آخره؟"(‪.)3‬‬


‫ذلك قوله ‪" :‬مثل ّ‬

‫المسألة الرابعة‪ :‬توجيهات متعّلقة بأخطاء السالكين‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 6‬ص‪ ،2881‬ج‪ 00‬ص‪.6213‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫وقد وجدت الحديث بلفظ‪" :‬من قال هلك الناس‪ ،‬فهو أهلكهم"‪ .‬مسلم‪( ،‬المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول‬
‫البر والصلة واآلداب‪ ،‬باب النهي من قول هلك الناس‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪ ،2121‬حديث رقم‪.2623 :‬‬
‫اهلل ‪ ،)‬كتاب ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪ ،2273‬ج‪ 2‬ص‪3373‬؛ لمزيد حول مناقشة هذا الموضوع‪ ،‬يحيل الشيخ إلى كتابه‬ ‫انظر‪ّ :‬‬
‫(جند اهلل ثقافة وأخالقاً)‪.‬‬
‫أمتي مثل المطر‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪ ،032‬حديث رقم‪ ،2862 :‬حكم‬
‫والحديث أخرجه الترمذي‪( ،‬سنن الترمذي)‪ ،‬كتاب األمثال‪ ،‬باب مثل ّ‬
‫الترمذي على الحديث‪ :‬حديث حسن غريب من هذا الوجه‪.‬‬

‫‪168‬‬
‫طالب‬
‫الخاصة من ّ‬
‫ّ‬ ‫بد أن يصادف الداعية بعض العقبات في دعوته؛ سواء مع دائرته‬
‫ال ّ‬

‫لعامة الناس‪ ،‬وما أنا بصدد ذكره في هذا المقام‪ ،‬هو العقبات المتعّلقة‬
‫التزكية‪ ،‬أو في دعوته ّ‬

‫بأخطاء الطالب في سلوكه‪ ،‬وموقف الداعية من ذلك‪ ،‬ويمكن توضيح هذه المسألة من خالل‬

‫مايلي‪:‬‬

‫حوى هذا المعنى من‬


‫مقيدة بقيود الشرع‪ ،‬وما اتُفق عليه من شروط؛ وقد أفاد ّ‬
‫‪ .0‬الصحبة ّ‬

‫إن األفعال التي قام بها‬


‫أما من حيث موافقة الشرع؛ ف ّ‬
‫قصة موسى مع الخضر ‪‬؛ ّ‬
‫ّ‬

‫الخضر ‪ ‬ليست مشروعة في الظاهر‪ ،‬ومع علم موسى ‪ ‬بأفضلية الخضر ‪ ‬منه‬

‫محل‬
‫في بعض جوانب العلم؛ ّإال أ ّن ذلك لم يمنعه من النكير عليه‪ ،‬والنبي موسى ‪ّ ‬‬

‫ﲿ‬ ‫ﲾ‬ ‫قدوة؛ لكونه من جملة األنبياء الذين قال اهلل في ح ّقهم‪ :‬ﱡﭐﲻ ﲼ ﲽ‬

‫أن المسلم إذا رأى ما ظاهره‬ ‫ﳁﱠ األنعام‪٨٣ :‬؛ وبناء على ذلك ّ‬
‫يبين الشيخ ّ‬ ‫ﳂ‬ ‫ﳀ‬

‫السيما‬
‫بغض النظر عن فاعله‪ ،‬مراعياً األدب في اإلنكار‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫منكر‪ ،‬ال يسعه إال أن ينكره‬

‫مما‬
‫المن َكر عليه صالحًا؛ الحتمال أن يكون للمسألة وجه‪ ،‬إن كانت المسألة ّ‬
‫إذا كان ُ‬

‫ليرد على بعض الشيوخ الذين يطالبون‬


‫يحتمل وجوهاً‪ ،‬ويؤكد الشيخ على هذا المعنى ّ‬

‫الخضر موسى ‪ ‬ﱡﭐ ﲦ ﲧ ﱠ الكهف‪،٥٣ :‬‬


‫ُ‬ ‫تالميذهم باألدب الذي طالب به‬

‫وكل وضع له في شريعتنا حكم‪ ،‬وعلى الداعية إلى شيء أن‬


‫إن شريعتنا كاملة‪ّ ،‬‬
‫فيقول‪ّ " :‬‬

‫وسنة رسوله هو األولى"‪.‬‬


‫يقيم الدليل؛ وا ّال فاتّباع كتاب اهلل‪ّ ،‬‬

‫أما من حيث االلتزام بشروط الصحبة؛ فقد اشترط الخضر على موسى ‪ ‬عدم‬
‫ّ‬

‫السؤال كما في قوله تعالى على لسان الخضر‪ :‬ﱡﭐ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ‬

‫‪169‬‬
‫ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﱠ الكهف‪٥٣ :‬؛ فإذا كان السير مشروطًا بشرط‬

‫المخل يفارق‪ ،‬إال إذا تنازل الطرف اآلخر عن ح ّقه(‪.)1‬‬


‫ّ‬ ‫فإن‬
‫وحدث إخالل بهذا الشرط‪ّ ،‬‬

‫فإن موقف ال داعية حيال ذلك هو التبرؤ من‬


‫‪ .2‬في حال قيام طالب التزكية بعمل سيء؛ ّ‬

‫حوى على ذلك من خالل قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱺ‬


‫ويستدل ّ‬
‫ّ‬ ‫العمل وليس من ذات الطالب‪،‬‬

‫ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﱠ الشعراء‪ ،٨١٤ :‬وفي ذات السياق فيما يتعلّق‬

‫يستدل بقوله تعالى‪ :‬ﭐﱡﭐ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ‬


‫ّ‬ ‫بالدعوة الشاملة‬

‫ﲫ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﱠ المائدة‪ ،٤٥ :‬على ّ‬


‫أهمية مخالطة‬ ‫ﲬ‬ ‫ﲩﲪ‬

‫العباد والزّهاد(‪.)2‬‬
‫الناس وتقويم أخطائهم‪ ،‬وينكر على من يعتزلهم من ّ‬

‫‪ .3‬من خالل قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ‬

‫أن على الداعية اإلقبال على‬


‫حوى ّ‬ ‫ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱠ عبس‪ّ ،٨ – ١ :‬‬
‫يبين ّ‬

‫يتشوف لمن ترّفع عن‬


‫طالب التزكية كائنًا من كان‪ ،‬وأن يعطيه الرعاية الكاملة‪ ،‬و ّأال ّ‬

‫أهمية ويكون خي ًار من‬


‫فمهمة الداعية التزكية والتذكير؛ "فكم من إنسان ال تعطيه ّ‬
‫ّ‬ ‫دعوته؛‬

‫(‪)3‬‬
‫مئات من من الناس الذين يظن فيهم الخير‪ ،‬ثم ال يخرج منهم شيء كثير"‪.‬‬

‫ظل قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ‬


‫‪ .1‬في ّ‬

‫ﲏﲑﲒ‬
‫ﲐ‬ ‫ﲄﲅﲆﲇﲈﲉﲊﲋ ﲌﲍﲎ‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 6‬ص‪ 3202‬ص‪.3207‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 7‬ص‪ ،3261‬ج‪3‬ص‪.0133‬‬

‫(‪)3‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 00‬ص‪ 6371‬ص‪.6383-6382‬‬

‫‪171‬‬
‫ﲠ‬ ‫ﲟ‬ ‫ﲓﲔﲕ ﲖﲗﲘﲙﲚﲛﲜﲝﲞ‬

‫أن الشيطان لن‬


‫حوى ّ‬ ‫ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﱠ الحج‪ّ ،٣٥– ٣٨ :‬‬
‫يبين ّ‬

‫أن هلل ‪ُ ‬سّنة هي أن يكون المناخ المالئم لنفاذ أمر اإللقاء‬


‫يترك المدعوين بال إلقاء‪ ،‬و ّ‬

‫ال إلى فتنة اإلنسان‬


‫فإن للشيطان سبي ً‬
‫هو القلب المريض والقاسي‪ ،‬وما دام القلب كذلك؛ ّ‬

‫أهمية الدور الذاتي الذي يبذله‬


‫حوى إلى ّ‬
‫وفي سبيل خالص القلب من ذلك يشير ّ‬

‫قويًا لن ينجح في عالجه إذا لم يبذل الطالب جهده‪ ،‬وفي‬


‫فمهما كان المرّبي ّ‬
‫ّ‬ ‫الطالب؛‬

‫يقسي القلب‪ ،‬ككثرة الكالم ونحوه‪ ،‬وضرورة‬


‫هذا المقام‪ ،‬يرشد الشيخ إلى ترك كل ما ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫التسلّح بالعلم‪.‬‬

‫بد أن يأخذ الداعية بعين االعتبار ّأنه إذا حدثت استجابة إللقاء‬
‫ومن جانب آخر ال ّ‬

‫حوى موقف الداعية‬


‫يبين ّ‬
‫ضد الداعية‪ ،‬و ّ‬
‫فإن ذلك سيثمر موقفًا من الطالب ّ‬
‫الشيطان‪ّ ،‬‬

‫ﱶﱸﱹ ﱺﱻﱼﱽﱾ‬
‫ﱷ‬ ‫تجاه ذلك من خالل قوله تعالى‪ :‬ﱡ‬

‫ﲂ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﱠ الحج‪٤٣ :‬؛ فقد يقابل‬


‫ﱿﲀﲁ ﲃ‬

‫فإن اهلل سينصره‪ ،‬وهذا‬


‫الداعية الموقف بمثله‪ ،‬وال حرج عليه إن فعل‪ ،‬وفي حال ظُلمه ّ‬

‫بد أن يكون الداعية على ذكر دائم لهاتين‬


‫سنة من سنن اهلل ‪ ‬أيضاً‪ ،‬وال ّ‬
‫النصر ّ‬

‫السنة األولى‬
‫ظل ما سيواجهه في دعوته؛ فبمعرفة ّ‬
‫السنتين‪ ،‬حتّى ال يشعر باألسى في ّ‬
‫ّ‬

‫(إلقاء الشيطان المستمر وتأثيره في مرضى القلوب)‪ ،‬لن يتفاجأ الداعية عند رؤية خلل‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 7‬ص ‪ 3382‬ص‪.3327-3326‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬

‫‪171‬‬
‫السنة الثانية (صدور موقف ضد الداعية) سيصبح‬
‫في تصرفات األتباع‪ ،‬وبمعرفة ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫الداعية أكثر إقدامًا على العقوبة العادلة‪.‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬توجيهات متعلّقة بعملية اإلنذار‬

‫حوى‬
‫إن من مهام الدعاة إلى اهلل ‪ ‬البشارة والنذارة ويكون ذلك باألقوال واألفعال‪ ،‬وفقد ّبين ّ‬
‫ّ‬

‫حق‬
‫يقدم التبشير في ّ‬
‫مقدم على التبشير‪ ،‬كما ّ‬
‫حق الكافرين والغافلين ّ‬
‫أن "اإلنذار في ّ‬
‫‪ّ ‬‬

‫المؤمنين"(‪.)2‬‬

‫وقد كان الغالب على توجيهات الشيخ المتعلّقة بالدعوة ّأنها متعلّقة بجانب اإلنذار‪ ،‬ويمكن‬

‫األهم للداعية‪ ،‬رغم عموم دعوته‪.‬‬


‫ّ‬ ‫تعليل ذلك؛ بكون العصاة والغافلين هم الوجهة‬

‫جل توجيهات الشيخ ‪ ‬المتعّلقة بعملية اإلنذار مستوحاة من سورة نوح ‪‬؛‬
‫أن ّ‬
‫وجدت ّ‬
‫ُ‬ ‫وقد‬

‫عدة دروس في اإلنذار‪ ،‬ومن الدروس التي ذكرها الشيخ(‪:)3‬‬


‫أن السورة اشتملت على ّ‬
‫فيرى الشيخ ّ‬

‫‪ .0‬إظهار الشفقة والحرص على المدعويين‪ ،‬وقد أفاد الشيخ ذلك من نداء نوح ‪ ‬لقومه‬

‫واضافتهم لنفسه‪ ،‬وذلك في قوله تعالى‪ :‬ﱡﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼﱽﱠ نوح‪.٨ :‬‬

‫‪ .2‬تحديد مضمون الدعوة وطبيعتها؛ بحيث ال ي ترك الداعية فرصة ألحد يعطي اآلخرين‬

‫حدد مضمون دعوته وهو‪ :‬العبادة والتقوى والطاعة‪ ،‬كما‬


‫تصو اًر خاطئًا عنه؛ فنوح ‪ّ ‬‬
‫ّ‬

‫جاء في قوله تعالى‪ :‬ﱡﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂﲃﱠ نوح‪.٥:‬‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 7‬ص‪ 3383‬ص‪.3322‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪.2333‬‬

‫(‪)3‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 00‬ص‪.6061-6012‬‬

‫‪172‬‬
‫ِ‬
‫مجتمعة‪ ،‬وذلك لقوله تعالى‪ :‬ﱡﱾ ﱿ‬ ‫‪ .3‬ضرورة التربية على العبادة والتقوى والطاعة‬

‫ﲀ ﲁ ﲂﲃﱠ نوح‪٥:‬؛ فباجتماع هذه المعاني ينتقل المجتمع من طور إلى‬

‫أن الدعاة الكاملين هم الذين يرّبون على هذه المعاني مجتمعة‪ ،‬ضمن‬
‫حوى ّ‬
‫ويبين ّ‬
‫طور‪ّ ،‬‬

‫صيغة قرآنية إسالمية‪ ،‬وا ذا لم تكن التربية على هذا النحو فستكون النتيجة قصو ًار في‬

‫ممن يشتغلون في‬


‫حوى إهمالها على كثير ّ‬
‫السيما الطاعة؛ فقد أنكر ّ‬
‫أحد هذه المعاني‪ّ ،‬‬

‫الدعوة في هذا العصر‪ ،‬فأنتج ذلك طاعة للكافرين من قبل كثير من المسلمين‪.‬‬

‫تتميز عن الدعوات‬
‫‪ .1‬اشتمال دعوة الداعية إلى اهلل ‪ ‬على الوعد اآلخروي‪ ،‬وهي بهذا ّ‬

‫حوى هذا المعنى من قوله تعالى على لسان نوح ‪ ‬داعيًا قومه‪:‬‬
‫الدنيوية‪ ،‬وقد أفاد ّ‬

‫ﲓﲕﲖ‬
‫ﲔ‬ ‫ﲋﲍﲎﲏﲐﲑﲒ‬
‫ﲌ‬ ‫ﱡﭐﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ‬

‫ﲗﲘ ﱠ نوح‪.٨ :‬‬

‫كل األحوال‪ ،‬والدأب الدائم على الدعوة؛ لتفاوت الناس في األوقات‬


‫‪ .3‬استم اررية الدعوة في ّ‬

‫ظل قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ‬


‫المناسبة لدعوتهم‪ ،‬وجاء هذا الدرس في ّ‬

‫ﲞ ﲟ ﲠ ﱠ نوح‪.٣ :‬‬

‫السرية في تبليغ الدعوة‪ ،‬كما في قوله تعالى على لسان نوح‬


‫كل الوسائل العلنية و ّ‬
‫‪ .6‬استخدام ّ‬

‫‪ :‬ﱡﭐ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﱠ‬

‫نوح‪.٨ – ٤ :‬‬

‫‪173‬‬
‫‪ .7‬التركيز في الدعوة على االستغفار‪ ،‬وتعظيم اهلل‪ ،‬كما فعل نوح ‪ ‬في قوله تعالى‪:‬‬

‫ﱡﭐﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉﱠ نوح‪ ،١٣ :‬وقوله تعالى‪:‬ﱡﭐ ﱐ ﱑ ﱒ‬

‫ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱠ نوح‪.)1(١٥ :‬‬

‫يحبونها ‪ ،‬ويأتي ذلك ضمن أسلوب الترغيب في‬


‫‪ .8‬استدعاء المدعويين من الطريق التي ّ‬

‫الدعوة؛ فقوم نوح ‪ ‬كانوا أهل دنيا‪ ،‬فرتّب على استجابتهم له‪ ،‬تح ّقق رخاء دنيوي من‬

‫إرسال األمطار‪ ،‬وامدادهم بالمال والبنين‪ ،‬وغير ذلك‪ ،‬كما في قوله تعالى على لسان نوح‬

‫‪ :‬ﱡﭐ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ‬

‫ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱠ نوح‪.١٨ – ١٣ :‬‬

‫أما عن دروس اإلنذار من غير سورة نوح ‪ ،‬فمن ذلك‪:‬‬


‫ّ‬

‫حوى ذلك من خالل مثال من سورة المؤمنون؛ فقد أنذر اهلل‬


‫ويوضح ّ‬
‫ّ‬ ‫التدرج في اإلنذار‪،‬‬
‫‪ّ .0‬‬

‫‪ ‬كافري قريش بثالثة أشياء حتّى يخرجهم من غمرة قلوبهم؛ أنذرهم بداية بأخذ المترفين‬

‫كما في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱠ‬

‫ثم بأخذ الجميع ﭐ‪ ،‬كما في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ‬


‫المؤمنون‪ ٤٨ :‬ﭐ‪ّ ،‬‬

‫ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱠ المؤمنون‪ّ ،٥٥ :‬‬


‫ثم بالموت وما يجدونه بعده‬

‫من عذاب البرزخ ‪ ،‬كما في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ‬

‫ﲬ ﲮ‬
‫ﲭ‬ ‫ﲧﲩ ﲪ ﲫ‬
‫ﲨ‬ ‫ﲦ‬ ‫ﲥ‬ ‫ﲟ ﲠﲡ ﲢ ﲣﲤ‬

‫حوى إلى هذا المعنى في تفسير قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲠ ﲡ ﲢ ﱠ المدثر‪ ،٥ :‬حيث قال ‪ّ " :‬‬
‫(‪)1‬‬
‫إن األمر بالتعظيم في‬ ‫وقد أشار ّ‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪00‬‬ ‫بأنه بدون تعظيم كامل هلل في القلب ال تتأتّى عملية اإلنذار"‪ّ .‬‬
‫إشعار ّ‬
‫ٌ‬ ‫سياق األمر باإلنذار‪،‬‬
‫ص‪.6222‬‬
‫‪174‬‬
‫ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﱠ المؤمنون‪ ،١٣٣ – ٨٨ :‬واإلنذار األخير كان من‬

‫خالل ذكر اآلخرة‪ ،‬كما في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ‬

‫(‪)1‬‬
‫ﲽ ﲾ ﲿ ﱠ المؤمنون‪.١٣١ :‬‬

‫أهمية اإلنذار بيوم القيامة‪:‬‬


‫‪ّ .2‬‬

‫واإلنذار بيوم القيامة وغيره يندرج تحت أسلوب الترهيب في التربية‪ ،‬وقد ظهر من خالل‬

‫أهمية هذا النوع من اإلنذار‬


‫حوى على ّ‬
‫أن اإلنذار األخير كان بيوم القيامة‪ ،‬وقد أ ّكد ّ‬
‫البند السابق ّ‬

‫عدة آيات؛ ففي كلمة أخيرة عن سورة الشورى‪ ،‬والتي اشتملت على قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ‬
‫من خالل ّ‬

‫ﲏ‬ ‫ﲎ‬ ‫ﱿﲀﲁﲂﲃﲄﲅﲆﲇ ﲈﲉﲊﲋﲌﲍ‬

‫إن من ِح َكِم إنزال القرآن الكبرى‬


‫ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖﱠ الشورى‪ ،٥ :‬يقول ‪ّ " :‬‬

‫ﲎ ﱠ‪ ،‬ومن ّ‬
‫ثم فعلينا أن نالحظ هذا المعنى في‬ ‫اإلنذار بيوم القيامة ﱡﭐﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲏ‬

‫ألن اإلنذار باليوم‬


‫وكأنه الحكمة الوحيدة‪ ،‬أقول هذا ّ‬
‫ألن القرآن ذ َكره ّ‬
‫التعليم والوعظ والتربية؛ ّ‬

‫اآلخر يكاد يكون معدومًا في تعليم العلماء وخطب الخطباء‪ ،‬على حساب مواضيع أخرى ال ننكر‬

‫كل قضية حجمها"(‪.)2‬‬


‫أهميتها‪ ،‬ولكن يجب أن نعطي ّ‬
‫ّ‬

‫صبت في سياقها الرئيس‬


‫أن السورة ّ‬
‫يبين كيف ّ‬
‫المدثر‪ّ ،‬‬
‫وفي حديث الشيخ عن سياق سورة ّ‬

‫على التذكير بيوم القيامة في البداية والوسط والنهاية؛ فمن البداية قوله تعالى‪ :‬ﭐﱡﭐﲰ ﲱ ﲲ‬

‫ﲳ ﲴﱠ المدثر‪ ، ٤ :‬ومن وسطها‪ ،‬قوله تعالى‪:‬ﭐﱡﭐ ﱢ ﱣ ﱤﱠ المدثر‪ ، ٨٤ :‬ومن‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 7‬ص‪ 3633‬ص‪.3668‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪.3003‬‬

‫‪175‬‬
‫النهاية‪ ،‬قوله تعالى‪ :‬ﭐﱡﭐ ﳟ ﳠ ﳡ ﳢ ﳣﱠ المدثر‪ ،٨٨ :‬وقد ُذكر فيما سبق أن سياق سورة‬

‫أن مجيء التذكير‬ ‫المدثر هو اإلنذار؛ لقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲝ ﲞ ﲟ ﱠ المدثر‪ ، ٨ :‬ويرى ّ‬
‫حوى ّ‬ ‫ّ‬

‫ويبين‬
‫ال بموضوع اليوم اآلخر‪ّ ،‬‬
‫أن اإلنذار مرتبط ارتباطاً كام ً‬
‫يدل على ّ‬
‫باآلخرة في هذا السياق‪ّ ،‬‬

‫أن‬
‫يبين ‪ّ ‬‬
‫أّنه ال مذ ّكر باآلخرة كالقرآن الكريم؛ فأداة اإلنذار هو القرآن الكريم‪ ،‬وفي هذا السياق ّ‬

‫من الوسائل التي استخدمها القرآن الكريم لتهيئة النفس لقبول اإلنذار‪ :‬التعريف على اهلل ‪،‬‬

‫وعلى القرآن الكريم؛ فهو تذكرة‪ ،‬كما في قوله تعالى‪ :‬ﭐﱡﭐﱥ ﱦ ﱧ ﱨﱠ المدثر‪٣٨ :‬؛ وبناء‬

‫حوى الدعاة لإلكثار من تفسير القرآن الكريم‪ ،‬وربط الناس به‪ ،‬وقد أشار إلى المعنى‬
‫يوجه ّ‬
‫عليه‪ّ ،‬‬

‫األخير في تفسير قوله تعالى‪ :‬ﭐﱡﭐ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﱠ القمر‪ ،٨ :‬ففي‬

‫بد من التركيز‬
‫أن القرآن الكريم هو النذير الكافي والمستمر إلى يوم القيامة؛ فال ّ‬
‫اآلية إشارة إلى ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫على ربط اإلنسان به‪.‬‬

‫‪ .3‬التذكرة تنفع القلوب المؤمنة‪:‬‬

‫أن القرآن الكريم تذكرة‪ ،‬وفي قوله تعالى في‬


‫المدثر ّ‬
‫كر في البند السابق من خالل سورة ّ‬
‫ذ ُ‬

‫سورة طه‪ :‬ﱡﭐﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱﱠ طه‪ ،٥ :‬بيان ألهل هذه التذكرة‪ ،‬والخشية من ثمار‬

‫أن التذكرة إنما تنفع القلوب‬


‫حوى في أكثر من موضع ّ‬
‫تم بيانه سابقًا‪ ،-‬وقد ّبين ّ‬
‫اإليمان –كما ّ‬

‫عدة آيات منها‪ ،‬قوله‬


‫استدل على ذلك‪ ،‬من خالل ّ‬
‫ّ‬ ‫المؤمنة‪ ،‬و ّأنها ال توضع عند غير أهلها‪ ،‬وقد‬

‫ﲆ ﱠ الزمر‪،١٤ :‬‬
‫ﲇ‬ ‫ﲀﲂﲃﲄﲅ‬
‫ﲁ‬ ‫تعالى‪:‬ﭐﱡﭐ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ‬

‫وقوله تعالى‪ :‬ﱡﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱠ الذاريات‪ ،٣٣ :‬وقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱑ ﱒ‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 00‬ص‪ ،6212‬ج‪ 01‬ص‪.3616‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬

‫‪176‬‬
‫ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱠ ق‪ ،٥٥ :‬ومن اآلية‬

‫(‪)1‬‬
‫المتدبر ينتفع أيضًا بالتذكرة‪.‬‬
‫المتأمل و ّ‬
‫ّ‬ ‫أن اإلنسان‬
‫حوى على ّ‬
‫يستدل ّ‬
‫ّ‬ ‫األخيرة‬

‫وكل له خطابه؛ فمن‬


‫أن فحوى الدعوة متوقّف على الشخص المدعو‪ٌ ،‬‬
‫وخالصة أمر التذكرة ّ‬

‫يخاف وعيد اهلل ُيذ ّكر بالقرآن حتّى يرجع‪ ،‬كما في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ‬

‫شك‪ ،‬كما في قوله تعالى‪ :‬ﭐﱡﭐ ﱝ ﱞ ﱟ‬


‫ﲱ ﲲﱠ ق‪ ٨٣ :‬فالمؤمن ينتفع بالذكرى بال ّ‬

‫ﱠ ﱡ ﱢﱠ الذاريات‪ ٣٣ :‬فما دام في قلوب المسلمين إيمان‪ ،‬ال مكان للقول ّ‬


‫بأنه‬

‫الفائدة من العمل أو التذكير‪ ،‬أما الكافرون فقسمان‪ :‬منهم من في قلبه مح ٌل لوعيد اهلل‪ ،‬فهذا‬

‫لعل الذكرى تنفعه‪ ،‬ومن ليس في قلبه محل لوعيد اهلل‪ ،‬فنقطة البداية معه أن تقام‬
‫يذ ّكر بالقرآن‪ّ ،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫يلخص السابق‪:‬‬
‫طط اآلتي ّ‬
‫الحجة بوجود اهلل ‪ ،‬والمخ ّ‬
‫عليه ّ‬

‫َّ‬
‫المذكر‬

‫كافر‬ ‫أو‬ ‫مؤمن‬

‫محل لوعيد اهلل‬


‫محل لوعيد اهلل أو ليس في قلبه ّ‬
‫في قلبه ّ‬ ‫شك‬
‫تنفعه الذكرى بال ّ‬

‫في دعوته تقام عليه الحجة‬ ‫قد تنفعه الذكرى بالقرآن‬

‫بوجود اهلل ّأوالً‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪ 1861‬و ص‪ ،3163‬ج‪ 01‬ص‪.3323‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 01‬ص‪.3331‬‬

‫‪177‬‬
‫وبعد‪ ،‬فهذه أبرز توجيهات الشيخ ‪ ‬المتعلّقة بعناصر عملية الدعوة‪ ،‬وقد اجتهدت في‬

‫يوضح مالمح منهج الشيخ في الحديث عن ذلك‪ ،‬وأرجو‬


‫جمعها وتبويبها وترتيبها‪ ،‬بالشكل الذي ّ‬

‫أن أكون وف ّقت في هذا العرض‪ ،‬واهلل المستعان‪.‬‬

‫‪178‬‬
‫الفصل الخامس‬

‫وسائل التزكية ومعيقاتها‬

‫وفيه مبحثان‪:‬‬

‫األول‪ :‬وسائل التزكية‬


‫المبحث ّ‬

‫المبحث الثاني‪ :‬معيقات التزكية‬

‫‪179‬‬
‫تمهيد‪:‬‬

‫ﱡﭐ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ‬

‫ﳀﳁﳂ ﳃﳄﳅﳆﳇﳈﳉﳊﳋ ﱠ‬

‫آل عمران‪١٤٨ :‬‬

‫وظائف للمرّبي األ ّول لهذه‬


‫ٌ‬ ‫إن التزكية إلى جانب تالوة القرآن وتعليم الكتاب والحكمة‪ ،‬هي‬
‫ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫تعددت أقوال الباحثين في العالقة بين‬
‫األمة ‪‬؛ فالتزكية إذن هي إحدى وظائف المرّبي ‪ ،‬وقد ّ‬
‫ّ‬

‫بأنهما مترادفتان(‪ ،)2‬وقائل بأن التزكية تمثل تعديل السلوك في التربية‬


‫التربية والتزكية؛ فمن قائل ّ‬
‫(‪)4‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫أن‬
‫بأنها مطلب فوق التربية ‪ ،‬وما ر ّجحته خالل بحثي هو القول األخير وهو ّ‬
‫الحديثة ‪ ،‬وقائل ّ‬

‫التزكية ثمرة التربية ومطلب فوقه‪ ،‬والتربية هي الوسيلة المعينة على تحقيقه‪ ،‬وهذا ما يمكن‬

‫استنتاجه من قول اآللوسي ‪ ‬في تفسيره لقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ‬

‫ﲂ ﱠ النساء‪ ،٥ :‬حيث عّلل ‪ ‬األمر اإللهي بقوله‪ّ " :‬‬


‫لتقل شهواتكم وتحفظوا فروجكم‬ ‫ﲃ‬ ‫ﲁ‬

‫فتستعينوا بذلك على التربية‪ ،‬لما يحصل لكم من التزكية عن الفاحشة" (‪)5‬؛ فتنفيذ األمر هو نوع‬

‫تربية‪ ،‬وثمرته هنا التزكية عن الفاحشة‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫انظر‪ :‬النحالوي‪( ،‬أصول التربية اإلسالمية وأساليبها في البيت والمدرسة والمجتمع)‪ ،‬ص‪.032‬‬

‫(‪ )2‬انظر‪ :‬فحلة‪ ،‬حسن أحمد‪ ،‬أثر السنّة في توجيه العلوم التربوية واالجتماعية‪ ،‬مؤتمر السّنة النبوية في الدراسات المعاصرة‪ ،‬جامعة‬
‫اليرموك‪ ،‬األردن‪ .2117/1/08 ،‬مقالة ‪ 7‬ص‪.37‬‬

‫(‪)3‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬مقالة ‪ 7‬ص‪.36‬‬

‫محمد‪ ،‬البناء النفسي للمسلم في ضوء السنّة النبوية وأبعاده الحضارية‪ ،‬مؤتمر السّنة النبوية في‬
‫انظر‪ :‬الجيوسي‪ ،‬عبد اهلل ّ‬
‫(‪)4‬‬

‫الدراسات المعاصرة‪ ،‬جامعة اليرموك‪ ،‬األردن‪ .2117/1/08 ،‬مقالة ‪ 03‬ص‪.1‬‬

‫(‪)5‬‬
‫اآللوسي‪( ،‬روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني)‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪.102‬‬

‫‪181‬‬
‫محمد قطب ‪ ،‬حيث قال في كتابه منهج‬
‫تبنى هذا القول من المحدثين الشيخ ّ‬
‫كذلك فقد ّ‬

‫التربية اإلسالمية‪ " :‬التربية اإلسالمية على منهج اهلل هي التي تعين اإلنسان على تزكية نفسه‬

‫(‪)1‬‬
‫أي‪ :‬تقويمها على الفطرة السليمة"‪.‬‬

‫تم الحديث عن منهج الشيخ في تربية اإلنسان؛ قلبًا وجسمًا وأخالقاً‬


‫وفي الفصول السابقة ّ‬

‫حوى في الحديث عن عناصر عملي ة الدعوة‪ ،‬وفي هذا الفصل‬


‫تم الحديث عن منهج ّ‬
‫كذلك ّ‬

‫أتطرق للحديث عن الغاية من ذلك كّله‪ ،‬وهو تزكية النفس؛ من حيث ما يعين عليها‪ ،‬وما يعيقها‬

‫فمن تح ّقق بالتربية اإلسالمية للقلب والجسم واألخالق‪ ،‬وتح ّقق بالتربية اإلسالمية للمتعلّم إن كان‬

‫بد لصاحب هذه النفس‬


‫مظنة أن تكون نفسه مزّكاة‪ ،‬لكن ال ّ‬
‫متعلّماً‪ ،‬أو للعالم إن كان عالماً‪ ،‬هو ّ‬

‫بد أن يأخذ بعين‬


‫ينميها‪ ،‬فال ّ‬
‫أن يكون على وجل‪ ،‬فهناك ما يعيق التزكية‪ ،‬وفي المقابل هناك ما ّ‬

‫االعتبار هذه األمور‪.‬‬

‫وفي سبيل بيان كيفية تنمية هذه الثمرة –التزكية‪ -‬والمحافظة عليها‪ ،‬وحتّى إيجادها‪ ،‬أتطرق‬

‫حوى التربوية فيما يتعلّق بوسائل التزكية‪ ،‬وفي المبحث‬


‫األول من هذا الفصل للفتات ّ‬
‫في المبحث ّ‬

‫سأتحدث عن اللفتات التربوية المتعلّقة بميعقات التزكية‪ ،‬واهلل المستعان‪.‬‬


‫ّ‬ ‫الثاني‬

‫( ‪)1‬‬
‫محمّد قطب‪( ،‬منهج التربية اإلسالمية)‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪.477‬‬

‫‪181‬‬
‫األول‬
‫المبحث ّ‬

‫وسائل التزكية‬

‫أتطرق في هذا المبحث للحديث عن وسائل التزكية‪ ،‬وذلك ضمن المطالب اآلتية‪:‬‬
‫ّ‬

‫التفوق المدني)‬
‫األول‪ :‬البيئة الصالحة (حياة المسجد‪ ،‬الصحبة الصالحة‪ّ ،‬‬
‫المطلب ّ‬

‫وفيه ثالث مسائل‪:‬‬

‫أهمية المساجد في مدد اإليمان‬


‫المسألة األولى‪ّ :‬‬

‫األهمية من خالل السيا ق القرآني الذي ورد فيه قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﳑ ﳒ‬
‫ّ‬ ‫حوى هذه‬
‫يبين ّ‬
‫ّ‬

‫ﳓ ﳔ ﳕ ﳖ ﳗ ﳘ ﳙ ﳚ ﳛ ﳜ ﳝ ﳞﳟﱠ النور‪ ،٥٤ :‬فقد‬

‫ﲜﲞﲟ‬
‫ﲝ‬ ‫ُسبقت اآلية بوصف قلب المؤمن‪ ،‬وذلك في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲙ ﲚ ﲛ‬

‫ﲦ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ‬
‫ﲧ‬ ‫ﲢ ﲤ ﲥ‬
‫ﲣ‬ ‫ﲠ ﲡ‬

‫ﲿﳁ‬
‫ﲻ ﲽﲾ ﳀ‬
‫ﲯﲰ ﲱﲲﲳﲴﲵﲶﲷﲸﲹﲺ ﲼ‬

‫ﳊ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﱠ النور‪ ، ٥٣ :‬يقول‬
‫ﳋ‬ ‫ﳅﳇﳈﳉ‬
‫ﳆ‬ ‫ﳂﳃﳄ‬

‫(‪)1‬‬
‫ثم فعلى العلماء أن يقيموا حلقات العلم‬
‫المساجد‪ ،‬ومن ّ‬ ‫مظنته‬
‫أن مدد اإليمان ّ‬
‫‪" :‬وهذا يفيد ّ‬

‫ال‪" :‬المساجد‬
‫والقرآن في المساجد‪ ،‬من أجل أن يوقدوا مصباح اإلنسان‪ ،‬وهو قلبه"‪ ،‬ثم يكمل قائ ً‬

‫األول في إيجاد اإليمان‪ ،‬ووجود المؤمن‪ ،‬وهذا يجعل مسؤوليتنا كبيرة في عمارة‬
‫لها الدور ّ‬

‫(‪ )1‬بل مئ ّنته المساجد‪.‬‬

‫‪182‬‬
‫ثم يكمل‪ " :‬التربية اإليمانية الكاملة ّإنما تكون في المسجد؛ إذ هي وحدها التي‬
‫المساجد‪ّ "...‬‬
‫(‪)1‬‬
‫تتوافر فيها شروط التربية الصالحة"‪.‬‬

‫حوى أن للمسلم آدابًا مع المساجد‪ ،‬هي تعظيمها‪ ،‬وذكر اهلل ‪‬‬


‫يبين ّ‬
‫ومن ناحية أخرى ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫فيها‪.‬‬

‫المسألة الثانية‪ :‬الصحبة الصالحة‬

‫حوى في تفسير قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱢ ﱣ ﱤ‬


‫ويمكن توضيح ذلك من خالل ما جاء عن ّ‬

‫إما مجاهد أو‬


‫أن الصادقين ّ‬ ‫ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪﱠ التوبة‪ّ ،١١٨ :‬‬
‫ويبين ّ‬

‫أن‬
‫عالم‪ ،‬وق د اعتمد على نصوص القرآن الكريم في الوصول إلى هذه النتيجة‪ ،‬فمن األدّلة على ّ‬

‫العالم يدخل في الصادقين‪ ،‬ورود قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ‬

‫ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍﱠ التوبة‪ ،١٨٨ :‬في‬

‫سياق األمر بالكينونة مع الصادقين‪ ،‬وذلك في اآلية السابقة‪ ،‬ومن األدلّة على كون المجاهد‬

‫ﱈﱊﱋ‬
‫ﱉ‬ ‫داخل في الصادقين‪ ،‬قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ‬

‫ﱐ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕﱠ األحزاب‪ّ ،٨٥ :‬‬


‫فحددت هذه اآليات وغيرها‬ ‫ﱑ‬ ‫ﱌﱍﱎﱏ‬

‫(‪)3‬‬
‫يتسنى للمسلم معرفتهم‪ ،‬فيلزمهم‬
‫في كتاب اهلل ‪ ‬مفهوم الصادقين بما يقطع الدعاوى‪ ،‬حتّى ّ‬

‫يصح أن‬
‫ّ‬ ‫يقول الشيخ ‪" :‬فالكينونة ينبغي أن تكون مع الذين ي ازولون الجهاد‪ ،‬ومع العلماء‪ ،‬وال‬

‫( ‪)1‬‬
‫حوّ ى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 11‬ص‪ .3775‬وينقل الشيخ في هذا السياق قول ابن كثير‪" :‬لما ضرب هللا ‪ ‬مثل قلب المؤمن‪...‬‬
‫ذكر محلّها وهي المساجد‪ ،‬التي هي أحبّ البقاع إلى هللا تعالى من األرض"‪ .‬ابن كثير‪( ،‬تفسير القرآن العظيم)‪ ،‬ج‪ 6‬ص‪.62‬‬

‫(‪ )2‬انظر‪ :‬حوّ ى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 7‬ص‪.3786‬‬


‫( ‪)3‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 4‬ص‪.2369-2368‬‬

‫‪183‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وختمت السورة –سورة التوبة‪ -‬بوصف رسول اهلل ‪‬‬
‫تكون الكينونة مع أهل النفاق‪ُ ،...‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ليقتدي به الصادقون‪ ،‬الذين ينبغي أن يكون اإلنسان معهم"‪.‬‬

‫التفوق المدني‬
‫المسألة الثالثة‪ّ :‬‬

‫المدنيات؛ لما لذلك‬


‫ّ‬ ‫أن المدنية اإلسالمية يجب أن تكون أرقى‬
‫ومن جانب آخر يرى الشيخ ّ‬

‫الردة‬
‫من إخضاع نفسي لبقية المدنيات وأهلها‪ ،‬وكذلك من سبيل للقضاء على بعض أسباب ّ‬

‫أدت إلى وجود عقدة نقص عند المسلمين‬


‫التفوق المدني للكافرين‪ ،‬حيث ّ‬
‫المعاصرة‪ ،‬والمتمثّلة في ّ‬

‫ومن جانب آخر أتاحت الفرصة للكافرين لمهاجمة المسلمين والتفاخر عليهم‪ ،‬وقد ّنبه الشيخ ‪‬‬

‫ﳗﳙ‬
‫ﳘ‬ ‫إلى هذا الدرس العظيم‪ ،‬من خالل قوله تعالى في شأن ملكة سبأ‪ :‬ﱡﭐﳔ ﳕ ﳖ‬

‫ﳦﳨﳩﳪ ﳫ‬
‫ﳧ‬ ‫ﳟﳡﳢﳣﳤﳥ‬
‫ﳠ‬ ‫ﳚﳛﳜﳝﳞ‬

‫ﳬ ﳭ ﳮ ﳯ ﳰ ﳱ ﳲ ﳳ ﱠ النمل‪ ،)3(٨٨ :‬فكان التطور المدني في‬

‫ثم إسالمها‪.‬‬
‫حضارة سليمان ‪ ‬سببًا إلخضاعها نفسياً‪ ،‬ومن ّ‬

‫وفي قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ‬

‫ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﱠ مريم‪ ، ٥٥ :‬بيان لهذا المنطق عند الكافرين‪ ،‬والذي‬

‫هو منطق أكثر الناس اليوم؛ إذ يحتجون برخاء عيش الشعوب كاألوروبية واألمريكية رغم كفرهم‬

‫بحق أو‬
‫ّ‬ ‫أن الغنى والفقر ال يتعّلقان‬
‫الحجة بتقرير حقيقة ّ‬
‫ّ‬ ‫ويرد الشيخ هذه‬
‫فيرفضون اإلسالم‪ّ ،‬‬

‫وذلك في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ‬ ‫( ‪)1‬‬

‫ﲩ ﲪ ﱠ التوبة‪.١٨٤ :‬‬
‫(‪ )2‬حوّ ى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 4‬ص‪.2383‬‬
‫( ‪)3‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 7‬ص‪.4117‬‬

‫‪184‬‬
‫باطل(‪ ،)1‬وشاهد لذلك في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ‬

‫ﳂ ﳃﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈﱠ المؤمنون‪ ،٣٤–٣٣ :‬ففي اآلية نفي الرتباط فكرة الرخاء بفكرة‬

‫(‪)2‬‬
‫رضا اهلل ‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬مجالس القرآن والذكر والعلم‬

‫عدة مسائل‪:‬‬
‫وفيه ّ‬

‫المسألة األولى‪ :‬غياب العلم يزيد االستعداد للفتنة‬

‫إن الظنون واألوهام تش ّكل بناء الكفر؛ فالكفر ال يقوم على شيء يقيني‪ ،‬كما في قوله‬
‫ّ‬

‫تعالى‪:‬ﱡﭐ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲲ‬
‫ﲱﲳ ﲴﲵﲶﲷﲸ‬

‫إن غياب العلم يزيد من‬ ‫ﲹ ﲺ ﲻ ﱠ األنعام‪ ،١١٤ :‬والتقف األمور عند هذا ّ‬
‫الحد‪ ،‬بل ّ‬

‫قصة السامري مع أتباع‬


‫حوى من ّ‬
‫االستعداد للفتنة في صفوف المؤمنين‪ ،‬وهذا درس استنتجه ّ‬

‫ي روح الورع التي رّباها موسى ‪ ‬في أتباعه‬


‫استغل السامر ّ‬
‫ّ‬ ‫موسى ‪ ،)3(‬يقول ‪" :‬فقد‬

‫(‪)4‬‬
‫ليوجهها توجيهًا سيئًا‪ ،‬يخدم أغراضه الكافرة‪ ،‬وذلك قد يحدث دائمًا إذا لم يوجد علم ووعي"‬

‫أن االستعداد للفتنة يبقى دائمًا‪ ،‬إذا لم يكن المسلم على غاية من العلم‬
‫حوى ّ‬
‫وبناء عليه يرى ّ‬

‫حوى ّأنه ال ينبغي ألحد أن‬


‫يبين ّ‬
‫والوعي؛ فقد تكون الفتنة باسم الدين نفسه‪ ،‬وفي مقام آخر ّ‬

‫يتوقّف عن طلب العلم‪ ،‬وان وصل نهايته؛ فهذا نبي اهلل موسى ‪ ،‬كان شرطه في اتّباع‬

‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 6‬ص‪.3312-3311‬‬


‫( ‪)1‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫( ‪)2‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 7‬ص‪.3647‬‬

‫(‪ )3‬وذلك في سورة طه‪ ،‬اآليات [‪.]97 – 83‬‬


‫( ‪)4‬‬
‫حوّ ى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 7‬ص‪.3382‬‬

‫‪185‬‬
‫الخضر ‪ ‬أن يأخذ العلم منه‪ ،‬وذلك في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ‬

‫(‪)1‬‬
‫ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﱠ الكهف‪.٤٤ :‬‬

‫أهمية تعاهد القرآن‬


‫المسألة الثانية‪ّ :‬‬

‫أهمية العلم والوعي في محاربة الفتنة‪ ،‬بيان في‬


‫على ضوء ما جاء في المسألة السابقة من ّ‬

‫أن أعظم أنواع الجهل هي‬


‫همية العلم بما جاء في القرآن الكريم؛ فقد ّبين ‪ّ ‬‬
‫هذه المسألة أل ّ‬

‫ألن المسلم لن يعرف حدود وقيود شرع اهلل ‪ ‬إال من خاللهما‬


‫السنة؛ وذلك ّ‬
‫الجهل بالكتاب و ّ‬

‫السنة‪ ،‬فينهى‬
‫التصور وسالمة السلوك تتوّقفان على معرفة ما جاء في الكتاب و ّ‬
‫ّ‬ ‫فإن سالمة‬
‫كذلك ّ‬

‫السنة‪ ،‬ومن خالل قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱱ‬


‫همة المسلم دون استيعاب الكتاب و ّ‬
‫حوى عن أن تتوّقف ّ‬
‫ّ‬

‫ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿﱠ‬

‫ورده اليومي من القرآن الكريم؛ فالقرآن يعالج‬


‫أهمية أن يكون للمسلم َ‬
‫حوى ّ‬
‫يبين ّ‬
‫يونس‪ّ ،٣٥:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫اإلنسان بأنواع معالجات‪ ،‬ال تُبقي جانباً من جوانب اإلنسان إال وترّبيه تربية كاملة‪.‬‬

‫أهمية إعطاء الخطاب القرآني مدلوله العملي‪ ،‬وجاءت هذه اإلشارة في‬
‫كذلك يشير ‪ ‬إلى ّ‬

‫تفسير قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﱠ‬

‫الغاشية‪ ،١٤ – ١٥ :‬تعقيبًا على قول شريح القاضي ‪‬؛ حيث قال‪" :‬اخرجوا بنا حتّى ننظر‬

‫إلى اإلبل كيف خلقت‪ ،‬والى السماء كيف رفعت"(‪.)3‬‬

‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪ ،1751‬ج‪ 7‬ص‪ ،3382‬ج‪ 6‬ص‪.3219‬‬


‫انظر‪ّ :‬‬
‫( ‪)1‬‬

‫(‪ )2‬انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 6‬ص‪ ،2947‬ج‪ 9‬ص‪.5153-5152‬‬

‫(‪ )3‬انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 11‬ص‪6499‬؛ وقول القاضي شريح نقله الشيخ عن ابن كثير‪ .‬ابن كثير‪( ،‬تفسير القرآن العظيم)‪ ،‬ج‪8‬‬
‫ص‪.387‬‬

‫‪186‬‬
‫ظل تفسيره لقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱾ ﱿ‬
‫أهمية تعاهد القرآن الكريم في ّ‬
‫ويؤ ّكد الشيخ على ّ‬

‫ﲀ ﲁ ﱠ فصلت‪٨١ :‬؛ فيقول‪" :‬ومن ّ‬


‫عزته أن ال يبقى في قلب‪ ،‬إذا لم يعط حقّه من العناية‬

‫(‪)1‬‬
‫تفصيًا من‬
‫أشد ّ‬
‫والرعاية" ‪ ،‬ويستشهد بقول الرسول ‪" :‬تعاهدوا القرآن‪ ،‬فوالذي نفسي بيده لهو ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫اإلبل من عقلها"‪.‬‬

‫المسألة الثالثة‪ :‬أثر الذكر في التزكية‬

‫حوى الضوء على هذا المعنى أثناء تفسيره لسورة األعلى؛ حيث بدأت السورة باألمر‬
‫يسلّط ّ‬

‫ثم بعد آيات جاء قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱐ ﱑ ﱒ‬


‫اإللهي‪ :‬ﱡﭐ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﱠ األعلى‪ّ ،١ :‬‬

‫ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱠ األعلى‪ ،١٣ – ١٨ :‬وفي ّ‬


‫ظل هذا السياق يقول ‪:‬‬

‫"ومجيء ذكر الفالح وربطه بالتزكية والصالة‪ ،‬في سياق األمر بالتسبيح ال يخفى؛ فالتسبيح جزء‬

‫من الصالة‪ ،‬وهو طريق إلى تزكية النفس‪ ،‬فبقدر استقرار التنزيه في النفس البشرية تكون تزكيتها‬

‫سبح النفس‪ ،‬يكون استقرار التنزيه"(‪)3‬؛ فالتسبيح –وهو نوع ذكر‪ٍ ،-‬‬
‫مؤد للتنزيه والتنزيه‬ ‫وبقدر ما تُ ّ‬

‫ٍ‬
‫مؤد للتزكية؛ فبقدر الذكر تكون التزكية‪.‬‬

‫(‪)4‬‬
‫حوى على صلة‬
‫كذلك من خالل آيات سورة األعلى –وغيرها من السور القرآنية ‪ -‬يدلّل ّ‬

‫ذكر التسبيح بتثب يت العلم والتيسير‪ ،‬حيث جاء في سياق األمر بالتسبيح‪ ،‬قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐﲤ‬

‫ﲥ ﲦﲧﱠ األعلى‪ ،٤ :‬وقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲳ ﲴ ﲵ ﱠ األعلى‪ ، ٤ :‬وفي هذا المقام‬

‫( ‪)1‬‬
‫حوّ ى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 9‬ص‪.5132-5131‬‬

‫(‪ )2‬البخاري‪( ،‬الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول اهلل ‪ ‬وسننه وأيامه)‪ ،‬كتاب فضائل القرآن‪ ،‬باب استذكار القرآن‬
‫وتعاهده‪ ،‬ج‪ 4‬ص‪ ،1921‬حديث رقم‪.4746 :‬‬
‫( ‪)3‬‬
‫حوّ ى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 11‬ص‪.6483‬‬
‫( ‪)4‬‬
‫كسورتي الحجر وطه‪.‬‬

‫‪187‬‬
‫أهمية كبيرة في‬
‫فإن لذكر (ال إله إال اهلل) ّ‬
‫حوى طلبة العلم لإلكثار من هذا الذكر‪ ،‬كذلك ّ‬
‫يوجه ّ‬
‫ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫ويبين ‪ّ ‬أنه بقدر فهم هذا الذكر‪ ،‬وترداده تقوى جذوره في‬
‫تثبيت المؤمن في الدنيا واآلخرة ‪ّ ،‬‬

‫القلب‪ ،‬ولذكر الصالة على النبي ‪ ‬أثره الكبير في الخروج من الظلمات إلى النور‪ ،‬فهذه‬

‫(‪)2‬‬
‫حوى أثر صالة اهلل على العبد في هدايته‬
‫وضح ّ‬
‫الصالة سبب لصالة اهلل على العبد ‪ ،‬وقد ّ‬

‫وذلك في تفسيره لقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﳕ ﳖ ﳗ ﳘ ﳙ ﳚ ﳛ ﳜ‬

‫(‪)3‬‬
‫ﳞ ﳠ ﳡ ﳢ ﳣ ﱠ األحزاب‪.٨٥ :‬‬
‫ﳟ‬ ‫ﳝ‬

‫كما جاء في قول النبي ‪ " :‬المسلم إذا سئل في القبر‪ ،‬شهد أن ال إله إال هللا‪ ،‬وأنّ محمداً رسول هللا‪ ،‬فذلك قوله‪ :‬ﱡﭐ ﱝ ﱞ‬ ‫( ‪)1‬‬

‫ﱧ ﱠ" إبراهيم‪ .٨٥ :‬البخاري‪( ،‬الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور‬


‫ﱨ‬ ‫ﱟﱠﱡﱢﱣﱤ ﱥﱦ‬
‫رسول اهلل ‪ ‬وسننه وأيامه)‪ ،‬كتاب التفسير‪ ،‬سورة إبراهيم‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪ ،0733‬حديث رقم‪.1122 :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫علي صالة صلّى اهلل عليه بها عش اًر"‪ .‬مسلم‪( ،‬المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل‬
‫كما جاء في قوله ‪ " :‬من صلّى ّ‬
‫ثم يسأل اهلل له الوسيلة‪،‬‬
‫ثم يصلّي على النبي ‪ّ ‬‬
‫إلى رسول اهلل ‪ ،)‬كتاب الصالة‪ ،‬باب استحباب القول مثل قول المؤّذن لمن سمعه ّ‬
‫ج‪ 0‬ص‪ ،288‬حديث رقم‪.381 :‬‬

‫(‪)3‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 00‬ص‪ ،6181‬ج‪ 3‬ص‪ ،2812‬ج‪ 8‬ص‪ .1132-1130‬ويحيل الشيخ لكتابه (جند اهلل‬ ‫انظر‪ّ :‬‬
‫ثقافة وأخالقاً) لالطالع على أسباب صالة اهلل ‪ ‬على العبد‪.‬‬

‫‪188‬‬
‫المبحث الثاني‬

‫معيقات التزكية‬

‫التطرق بإذن‬
‫ّ‬ ‫سيتم‬
‫طرق في المبحث السابق للحديث عن وسائل التزكية‪ ،‬وفي هذا المطلب ّ‬
‫تم الت ّ‬
‫ّ‬

‫عدة مطالب‪ ،‬على النحو اآلتي‪:‬‬


‫اهلل للحديث عن معيقات عملّية التزكية‪ ،‬وذلك ضمن ّ‬

‫األول‪ :‬البيئة والصحبة الفاسدة‬


‫المطلب ّ‬

‫وفيه مسألتان‪:‬‬

‫المسألة األولى‪ :‬خطورة البيئة الفاسدة‬

‫إن تواجد المؤمن في بيئة فاسدة‪ ،‬يجعله عرضة ألن تتسلّل إليه بعض أخالق أهلها‪ ،‬وقد‬
‫ّ‬

‫حوى إلى هذا المعنى في تفسيره لقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲥ ﲦ ﲧ ﱠ المطففين‪،١ :‬‬
‫أشار ّ‬

‫أن خلق التطفيف قد يتسلل للمؤمن بسبب غفلة‪ ،‬أو ضعف إيمان‪ ،‬أو مخالطة بيئة‬
‫فذكر ّ‬

‫فاسدة(‪.)1‬‬

‫ومن مخاطر البيئة الفاسدة ّأنها تفقد النفس خصائصها األصيلة؛ السّيما إذا رافقها ترف‬

‫ويستدل الشيخ على هذا المعن ى من خالل الموقف الذي وقفه عزيز مصر من زوجته‪ ،‬عندما‬
‫ّ‬

‫علم بمراودتها يوسف عن نفسه‪ ،‬حيث كان موقفه أن اكتفى بأمرها باالستغفار لما عملته‪ ،‬كما‬

‫ﳁ ﳃ ﳄ ﳅ‬
‫ﳂ‬ ‫جاء في قوله تعالى على لسان عزيز مصر‪ :‬ﱡﭐ ﳀ‬

‫ﳆ ﳇ ﱠ يوسف‪ ٨٨ :‬؛ فموقفه هذا ٌ‬


‫(‪)2‬‬
‫دال على غياب الغيرة من قلبه‪ ،‬وانحراف‬

‫فطرته‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 00‬ص‪.6121‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪.2633‬‬
‫‪189‬‬
‫حق اهلل ‪ ،‬حين أمر‬
‫قدم فيه ّ‬
‫أن موقف العزيز مع زوجته صائب؛ فهو ّ‬
‫ويرى بعض العلماء ّ‬

‫يؤيد هذا الرأي عدم إنكار اآليات‬


‫ومما ّ‬
‫زوجته باالستغفار‪ ،‬وتنازل عن ح ّقه فلم ينتقم لنفسه منها‪ّ ،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫أن للبيئة‬
‫القصة وهو ّ‬
‫ّ‬ ‫فإن الشاهد في هذه‬
‫في سورة يوسف على العزيز ‪ ،‬ومهما يكن من أمر‪ّ ،‬‬

‫تأثيرها على خصائص النفس وانحرافها‪ ،‬هو المقصود واهلل تعالى أعلم‪.‬‬

‫أشد‪ ،‬إن كان هذا الفساد في الطبقة الحاكمة؛ لما تملكه من‬
‫وخطر البيئة الفاسدة يكون ّ‬

‫تعم ضعاف النفوس من الشعب وما أكثرهم‪ ،‬ويمكن التمثيل‬


‫صالحيات‪ ،‬كفيلة بجعل آثار الفساد ّ‬

‫لذلك بقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ‬

‫أن المترفين –وهم أولو النعمة والحشمة‬


‫حوى من ذلك على ّ‬
‫فيستدل ّ‬
‫ّ‬ ‫ﲅ ﲆ ﱠ سبأ‪،٥٨ :‬‬

‫(‪)3‬‬
‫تم ذكره‬
‫فإن ما ّ‬
‫للصد عن سبيل اهلل ‪ ، ‬كذلك ّ‬
‫ّ‬ ‫والثروة والرياسة(‪ -)2‬هم الذين يتصدرون‬

‫(‪)4‬‬
‫الحق‪ ،‬هو أيضاً أثر من آثار فساد الطبقة الحاكمة‪ ،‬وقد‬
‫ّ‬ ‫ضد أهل‬
‫من التوعية الشعبية ّ‬ ‫سابقاً‬

‫تجّلى ذلك بموقف فرعون من موسى ‪ ،‬في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ‬

‫ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﱠ الشعراء‪– ٣٥:‬‬

‫(‪)5‬‬
‫‪.٣٤‬‬

‫( ‪)1‬‬
‫وقد أشار إلى هذا المعنى فضيلة الشيخ الدكتور هارون كامل الشرباتي أثناء مناقشة هذه الرسالة‪ ،‬بتاريخ ‪.2115/11/27‬‬

‫(‪)2‬‬
‫ابن كثير‪( ،‬تفسير القرآن العظيم)‪ ،‬ج‪ 6‬ص‪.320‬‬

‫(‪)3‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 8‬ص‪.1311‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬

‫(‪ )4‬انظر‪ :‬ص‪ 151‬من صفحات هذا البحث‪.‬‬

‫(‪)5‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 7‬ص‪.3208‬‬

‫‪191‬‬
‫المسألة الثانية‪ :‬موقف المسلم تجاه البيئة الفاسدة‬

‫تبين أن هناك توجيهات على المستوى‬


‫من خالل استقراء توجيهات الشيخ ‪ ‬المتعّلقة بذلك‪ّ ،‬‬

‫أما بالنسبة للفرد المسلم فيمكن ترتيب‬


‫الشخصي للمسلم‪ ،‬وهناك توجيهات على المستوى الحاكم؛ ّ‬

‫ما يتعلّق به في النقاط التالية‪:‬‬

‫بد من‬
‫إن صالح المؤمن في البيئة الفاسدة غير كاف إلنجائه من عذاب اهلل ‪ ،‬بل ال ّ‬
‫‪ّ .0‬‬

‫حوى من خالل قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ‬


‫فيبين ّ‬
‫سعيه في إصالحها‪ّ ،‬‬

‫ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ ﳖ ﱠ هود‪ّ ،١١٥ :‬‬


‫أن العذاب مرافق للفساد‪ ،‬فال يكفي‬

‫بد من إصالحها؛ حتّى يأمنوا عذاب اهلل ‪.)1(‬‬


‫صالح أهل القرى‪ ،‬بل ال ّ‬

‫‪ .2‬بعد استنفاد المسلم وسعه في الدعوة‪ ،‬واصالح بيئته الفاسدة‪ ،‬يكون موقفه من تلك البيئة‪:‬‬

‫حوى إلى ذلك من خالل قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﭐﱇ ﱈ‬


‫‪ ‬المفارقة بالقلب والبدن‪ ،‬ويشير ّ‬

‫ﱉﱠ الكهف‪١٤ :‬؛ فأصحاب الكهف فارقوا الكفر وأهله بأبدانهم‪ ،‬ولم يكتفوا‬

‫(‪)2‬‬
‫بالمفارقة القلبية‪.‬‬

‫قصة إبراهيم ‪ ‬مع قومه‬


‫حوى على ذلك من خالل ّ‬
‫دل ّ‬
‫‪ ‬المفارقة بالقول والفعل‪ ،‬ويست ّ‬

‫في سورة مريم ‪ ،‬وقد تجّلى هذا الموقف النبوي الراقي في قوله تعالى على لسان‬

‫إبراهيم ‪:‬ﱡﭐ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ‬

‫القصة داللة على‬


‫ّ‬ ‫ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﱠ مريم‪ ،٨٤ :‬ومن جانب آخر يرى ّ‬
‫أن في‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪.2612‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 6‬ص‪.3068‬‬

‫‪191‬‬
‫أن من قام بمثل هذا الموقف‪ ،‬سيكافئه ا هلل المكافآت العظيمة في الدارين؛ وذلك‬
‫ّ‬

‫بحق إبراهيم ‪ ‬بعد اعتزال قومه‪ :‬ﱡﭐ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ‬


‫ّ‬ ‫لقوله تعالى‬

‫ﳋﳍﳎﳏﳐ ﳑﳒﳓﳔ‬
‫ﳌ‬ ‫ﳆﳇﳈﳉﳊ‬

‫ﳕ ﳖ ﳗ ﳘ ﳙ ﳚ ﱠ مريم‪.)1(٣٣ - ٨٨ :‬‬

‫‪ ‬وان كان المسلم بعد عجزه عن تغيير الفساد‪ ،‬مأمو اًر بمفارقته قلباً وبدناً وقوالً وفعالً‬

‫فإنه مأمور من باب أولى بعدم الركون ألهل الفساد‪ ،‬وقد جاء النهي عن الركون‬
‫ّ‬

‫ألهل الفساد في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ‬

‫ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﱠ هود‪ ،١١٥ :‬وبمناسبة‬

‫طل كتاب اهلل ‪‬‬


‫هذه اآلية يقول ‪" :‬تجد كثيرين من المسلمين‪ ،‬يركنون إلى من ع ّ‬

‫أن أفظع أنواع الركون‪ ،‬يقوم به بعض من‬


‫ورفضه‪ ... ،‬ومن أعظم البالء أن نرى ّ‬

‫العامة – من علماء المسلمين‪.)2("...‬‬


‫يعتبرون – عند ّ‬

‫بد أن يكون له موقف إيجابي في‬


‫أما عن المستوى الحاكم في المجتمع اإلسالمي‪ ،‬فال ّ‬
‫ّ‬

‫مما يتعّلق بذلك‬ ‫ِ‬


‫اإلصالح ومواجهة الفساد‪ ،‬وال يكتف باإلنكار‪ ،‬ويمكن توضيح ما ذكره الشيخ ّ‬

‫فيما يلي‪:‬‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 6‬ص‪.3272‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬

‫(‪ )2‬المرجع السابق ‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪.2602‬‬

‫‪192‬‬
‫حوى إلى هذا المعنى في تفسيره‬
‫‪ .0‬العمل على تغيير نفوس المؤمنين إلى األحسن‪ ،‬وقد أشار ّ‬

‫ﲥﱠ الرعد‪ ،١١:‬فقال‪" :‬بدون‬


‫ﲦ‬ ‫لقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐﲜ ﲝﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ‬

‫(‪)1‬‬
‫األمة بأحسن"‪.‬‬
‫األمة ال تطمع ّ‬ ‫ٍ‬
‫تغيير ألنفس ّ‬

‫مبرراتها الواقعية؛ لحسم‬


‫‪ .2‬الحدود والقصاص فرائض رّبانية‪ ،‬أُمر الحاكم بإقامتها حال وجود ّ‬

‫حوى إلى ذلك في سياق بيانه للوحدة الموضوعية في‬


‫مادة الفساد في األرض‪ ،‬وقد أشار ّ‬
‫ّ‬

‫سورة المائدة؛ وقد اشتملت سورة المائدة على ذكر نوع إفساد في األرض‪ ،‬وهو قتل النفس‬

‫ثم ِذ ْكر‬
‫وحد الحرابة للمفسدين‪ّ ،‬‬
‫ثم تبع ذلك حديث عن القصاص ّ‬
‫بالحق‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫حرم اهلل إال‬
‫التي ّ‬

‫حد السرقة‪ ،‬وذلك في اآليات التالية‪ :‬ﱡﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ‬ ‫الجهاد‪ِ ،‬‬


‫وذ ْكر ّ‬

‫ﱇﱈﱉﱊ ﱋﱌﱍﱎﱏﱐﱑﱒﱓ ﱔ‬

‫ﱛﱝﱞﱟﱠ‬
‫ﱜ‬ ‫ﱕﱖﱗﱘﱙﱚ‬

‫ﱡﱢﱣ ﱤﱥﱦﱧﱨﱩﱪﱫ ﱬﱭ‬

‫ﱮﱯﱰﱱﱲﱳ ﱴﱵﱶﱷﱸﱹﱺ‬

‫ﲉ‬ ‫ﲈ‬ ‫ﲂﲄ ﲅﲆﲇ‬


‫ﲃ‬ ‫ﱻ ﱼﱽﱾﱿﲀﲁ‬

‫ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏﱠ المائدة‪ ،٥٥ – ٥٨ :‬ﱡﭐ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ‬

‫ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﱠ‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪.2716‬‬
‫ّ‬

‫‪193‬‬
‫المائدة‪ ،٥٣ :‬ﱡﭐ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ‬

‫(‪)1‬‬
‫ﱘ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱠ المائدة‪.٥٤ :‬‬
‫ﱙ‬

‫أن في إنكار موسى على هارون ‪،‬‬


‫‪ .3‬جهاد الكافرين والقضاء على الكفر؛ فيرى الشيخ ّ‬

‫ي(‪ ،)2‬حسم في القضاء على الكفر‪ ،‬وهذا هو اإلصالح ولو كان‬


‫ومعالجتهما لفعل السامر ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫محمد ‪‬؛ حيث‬
‫األمة ‪ ،‬ومزيد توضيح لهذا اإلجراء في أجواء سورة ّ‬
‫على حساب وحدة ّ‬

‫األمة اإلسالمية ال تقف من الفسوق موقفًا سلبيًا‪ ،‬بل تقف‬


‫أن ّ‬ ‫يقول ‪" :‬ومن السورة عرفنا ّ‬

‫أن اإلثخان في‬


‫منه موقفًا إيجابيًا بالقتال‪ ،‬وباستكمال أسباب النصر‪... ،‬وعرفنا من السورة ّ‬

‫كل فساد‬
‫الردة‪ ،‬هو الطريق الرئيس‪ ،‬وا ّن ّ‬
‫الفاسقين سواء كان فسقهم أصليًا‪ ،‬أو فسقهم بسبب ّ‬

‫في المجتمع اإلسالمي سببه ترك الجهاد‪ ،‬وعدم اإلثخان‪ ،‬وفي ذلك تفصيل لطريقة استئصال‬

‫أن في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱭ ﱮ‬


‫حوى ّ‬
‫(‪)4‬‬
‫الفسوق‪ ،‬والسيطرة عليه داخليًا وخارجيًا" ‪ ،‬ويرى ّ‬

‫ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ‬

‫ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﱠ محمد‪ ،٨٥ - ٨٨ :‬دليل على ّ‬


‫أن ترك الجهاد عاقبته‬

‫إفساد المسلمين في األرض‪ ،‬وتقطيع أرحامهم‪ ،‬وما ينتج عن ذلك من استحقاقهم لّلعنة وعمى‬

‫(‪)5‬‬
‫القلب‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪.0378 ،0372 ،0332‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫القصة في سورة طه‪ ،‬اآليات [‪.]27-86‬‬
‫ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 7‬ص‪.3382‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)4‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪.3331‬‬

‫(‪)5‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪.3303‬‬

‫‪194‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬فتنة الدنيا والنساء‬

‫عدة مسائل‪:‬‬
‫وفيه ّ‬

‫المسألة األولى‪ :‬نظرة الناس للحياة الدنيا‬

‫لحب الدنيا في النفس اإلنسانية؛ فعند قوله تعالى‪:‬‬


‫ّ‬ ‫حوى إلى البعد الفطري‬
‫يشير ّ‬

‫ﱡﭐﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔﱠ طه‪:‬‬

‫أن الرغبة في الخلود والملك‪ ،‬نزعتان عميقتان في الطبيعة‬


‫دل ذلك على ّ‬
‫‪ ،١٨٣‬يقول ‪ّ " :‬‬

‫البشرية استغلها الشيطان لحرف اإلنسان عن أمر اهلل ‪ ،‬وهما نزعتان ال يزال الشيطان‬

‫(‪)1‬‬
‫يستغّلهما لصرف اإلنسان عن وحي اهلل ‪ ‬وكتبه"‪.‬‬

‫أن وضع أكثر الخلق اآلن‪ ،‬هو تعظيم الدنيا وتمجيدها‪ ،‬والتهالك عليها‪ ،‬دون‬
‫ويرى ‪ّ ‬‬

‫إن المدنية والحضارة العالميتين‪ ،‬تقومان على هذا النوع من التفكير‪ ،‬وقد‬
‫النظر إلى اآلخرة‪ ،‬حتّى ّ‬

‫أشار إلى هذا المعنى في تفسيره لقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱠ يونس‪:‬‬

‫ﲕ ﱠ‬
‫ﲖ‬ ‫‪ ،٥‬وفي تفسيره لقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ‬

‫أن هذا الحرص يصرفهم عن اتّباع‬


‫القصص‪ ،٣٥ :‬يشير إلى حرص الناس على الدنيا‪ ،‬وكيف ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫سبيل اهلل ‪.‬‬

‫التصور اإلسالمي‬
‫ّ‬ ‫المسألة الثانية‪ :‬الحياة الدنيا في‬

‫أما‬
‫إن للحياة الدنيا ظاه ًار وباطنًا‪ ،‬فما ُيعرف من زخارفها وقوانينها وزينتها هذا هو ظاهرها‪ّ ،‬‬
‫ّ‬

‫تزود فيها المسلم بالعمل الصالح‬


‫تدل بظواهرها على اهلل ‪ ،‬وي ّ‬
‫باطنها فهو كونها طريق لآلخرة‪ّ ،‬‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 7‬ص‪.3112‬‬
‫ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪ ،2122‬ج‪ 7‬ص‪.1012-1010‬‬

‫‪195‬‬
‫وقد أفاد الشيخ هذا المعنى من خالل قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱠ‬

‫(‪)1‬‬
‫الروم‪.٥:‬‬

‫مما يتعلّق بشأن النظرة إلى الدنيا‪ ،‬قضية ارتباط‬


‫ومن القضايا التي يعالجها القرآن الكريم ّ‬

‫فكرة الرخاء بفكرة رضا اهلل ‪ ،‬فعند قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ‬

‫أن الرخاء‬ ‫ﳃ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﱠ المؤمنون‪ّ ،٣٤ – ٣٣ :‬‬


‫يبين الشيخ ‪ّ ‬‬ ‫ﳄ‬ ‫ﳀﳁﳂ‬

‫إن عالمة الرضى هي التوفيق للعمل الصالح‪ ،‬وهو‬


‫الدنيوي ليس مقياس الرضى من اهلل ‪ ،‬بل ّ‬

‫الطيبات(‪.)2‬‬
‫الشكر العملي على ما أباحه اهلل ‪ ‬من ّ‬

‫قرر‬
‫أن القرآن الكريم ّ‬
‫حوى ّ‬
‫يبين ّ‬
‫وفي سياق الحديث عن تصحيح التصورات حول الدنيا‪ّ ،‬‬

‫البينة‪ :‬ﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ‬
‫الشر‪ ،‬كما جاء في سورة ّ‬
‫ميزان الخير و ّ‬

‫ﱌﱎﱏﱐﱑﱒﱓﱔﱕﱖﱗ‬
‫ﱍ‬ ‫ﱈﱉﱊﱋ‬

‫ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱠ البينة‪ ،٥ – ٤ :‬وبناء على هذا الميزان ّ‬


‫يتعجب ‪ ‬من جهل من‬

‫يتعجب من جهل من من‬


‫شر البرية‪ ،‬وفي المقابل ّ‬
‫قررت هذه اآلية ّأنه ّ‬
‫يحكم لكافر بالخيرية‪ ،‬وقد ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫يحكم على مؤمن بالشرية‪ ،‬وقد جعله اهلل ‪ ‬خير البرية‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 8‬ص‪.1230‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 7‬ص‪ 3617‬وص‪.3631‬‬

‫(‪)3‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 00‬ص‪.6621‬‬

‫‪196‬‬
‫المسألة الثالثة‪ :‬أنواع الفتن‬

‫من الفتن التي ذكرها القرآن الكريم‪ ،‬وتطرق الشيخ للحديث عنها(‪:)1‬‬

‫‪ .0‬فتنة المال والولد؛ فاألموال واألوالد ال تخلو من الفتنة‪ ،‬لقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲍ ﲎ‬

‫الكافر في حالة‬
‫َ‬ ‫أن رؤية المسلم‬ ‫ﲐﱠ التغابن‪ّ ،١٣ :‬‬
‫ويبين الشيخ ّ‬ ‫ﲑ‬ ‫ﲏ‬

‫اقتصادية أجود من حالته‪ ،‬من األسباب التي قد تفتن المسلم عن دينه(‪ ،)2‬وفي قوله‬

‫تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙﱚﱠ الجن‪ ،١٤ :‬درس للذين‬

‫ينحرفون عن دين اهلل ‪ ‬ابتغاء الرزق؛ فاالستقامة ال تعني الحرمان‪ ،‬بل التوسعة في‬

‫(‪)3‬‬
‫الرزق‪.‬‬

‫حوى خطورة فتنة المال والعيال من خالل السياق القرآني الذي ورد فيه‬
‫ويوضح ّ‬
‫ّ‬

‫قوله تعالى‪ :‬ﱡﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ‬

‫ﱪ ﱫ ﱠ األنفال‪ ،٨٤ :‬فقد اشتمل السياق حديثاً عن ترك القتال‪ ،‬وحديثًا عن خيانة‬

‫اهلل ‪ ‬ورسوله‪ ،‬وذلك بالمعصية‪ ،‬وحديثاً عن خيانة األمانة وذلك بإفشاء األسرار‪ ،‬ويعلّل‬

‫بأنه في الغالب ال يدفع‬


‫أن أمواله وأواللده فتنة في هذا السياق؛ ّ‬
‫أمر المسلم أن يعلم ّ‬
‫حوى ْ‬
‫ّ‬

‫ﲣ‬ ‫ﲢ‬ ‫وينقل الشيخ في تفسير قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ‬ ‫(‪)1‬‬

‫ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﱠ العنكبوت‪ ،٥ – ٨ :‬ينقل عن صاحب الظالل حديثه عن الفتن وأنواعها‪ ،‬ومن‬


‫ذلك‪ :‬فتنة التعرض لألذى من أهل الباطل‪ ،‬وفتنة الخوف على األهل واألحياء‪ ،‬وفتنة إقبال الدنيا على المبطلين‪ ،‬وفتنة الغربة في البيئة‬
‫متحضرة في حياتها‪ ،‬والفتنة األعنف فتنة النفس والشهوة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫واالستيحاش في العقيدة‪ ،‬وفتنة أن يجد المؤمن دوالً غارقة في الرذالة ومع ذلك‬
‫انظر‪ :‬قطب‪( ،‬في ظالل القرآن)‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪.2720-2721‬‬
‫(‪)2‬‬
‫يحيل الشيخ في هذا المقام إلى كتابه (اإلسالم)‪ ،‬لمزيد بيان في هذا الموضوع‪.‬‬

‫(‪)3‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 01‬ص‪ ،3238‬ج‪ 2‬ص‪ ،3033‬ج‪ 00‬ص‪.6081‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬

‫‪197‬‬
‫اإلنسان إلى هذه األمور ّإال رجاء مال أو خوف على العيال‪ ،‬أو نسياناً لما عند اهلل‬

‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬

‫وضح الشيخ ذلك في‬


‫تمر باإلنسان‪ ،‬وقد ّ‬
‫‪ .2‬فتنة النساء‪ :‬وهي أفظع الفتن التي يمكن أن ّ‬

‫أن يوسف ‪ ‬استقبل فتنة اإللقاء في‬


‫قصة يوسف ‪ ،‬يقول ‪" :‬نالحظ ّ‬
‫تعليق على ّ‬

‫ولكنه شكا هذه الشكوى‬


‫البئر بالصبر‪ ،‬واستقبل العبودية بصبر‪ ،‬واستقبل السجن بصبر‪ّ ،‬‬

‫تعرض لفتنة الجمال‪ ،‬وقال قبل ذلك‪ :‬ﱡﭐﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ‬


‫عندما ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫الحارة‬
‫ّ‬

‫ﲀ ﱠ يوسف‪٥٥ :‬؛ ففتنة الجمال هي الفتنة التي تعصف برأس الحكيم‪ ،‬ومن ّ‬
‫ثم قال‬ ‫ﲁ‬

‫أضر على الرجال من النساء""(‪.)3‬‬


‫‪" :‬ما تركت بعدي فتنة ّ‬

‫المسألة الرابعة‪ :‬موقف المسلم من زينة الدنيا‬

‫إن العامل األول في صرف الناس عن الدخول في اإلسالم كافّة‪ ،‬هو تزيين الحياة الدنيا‬
‫"ّ‬
‫(‪)4‬‬
‫يبين الشيخ من خالل قوله‬
‫أن ذلك الدخول قرين الحرمان‪ ،‬و ّ‬
‫لتوهمهم ّ‬
‫وازدراء أهل اإليمان" ‪ّ ،‬‬

‫تعالى‪ :‬ﱡﭐﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱠ األعلى‪ّ ،١٤ :‬‬


‫أن إيثار الحياة الدنيا هو العلّة الرئيسة‬

‫(‪)5‬‬
‫لرفض التذكير والتزكية والصالة‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪.2032‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬

‫وهي ما جاء في قوله تعالى على لسان يوسف ‪ :‬ﱡﭐ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﱠ يوسف‪.٣٣ :‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫(‪)3‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪ ،2633‬والحديث رواه البخاري‪( ،‬الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول اهلل‬ ‫ّ‬
‫‪ ‬وسننه وأيامه)‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب ما يتّقى من شؤم المرأة‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪ ،0232‬حديث رقم‪.1818 :‬‬

‫(‪)4‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 6‬ص‪.3211-3213‬‬
‫ّ‬
‫(‪)5‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 6‬ص‪ ،3228-3227‬و ج‪ 00‬ص‪6182‬؛ ومن األدّلة أيض ًا على كون الدنيا تشغل المؤمن عن رّبه‪ ،‬ما‬
‫قاله الشيخ بمناسبة قوله تعالى عن سليمان ‪: ‬ﱡﭐ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃﱠ ﭐص‪ .٥٨ :‬انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪8‬‬
‫ص‪.1778‬‬

‫‪198‬‬
‫حوى من خالل قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ‬
‫يستدل ّ‬
‫ّ‬ ‫ومن جانب آخر‬

‫ﲳ ﱠ الحجرات‪ ،٥ :‬على ّ‬
‫أن القلوب تفتن‪ ،‬ومنها ما ينجح ومنها ما يسقط‪.‬‬ ‫ﲴ‬

‫وبناء على ما سبق ينبغي على المسلم أن يكون حذ اًر تجاه زينة الحياة الدنيا‪ ،‬وقد جاءت‬

‫حوى‬
‫السيما في ظالل سورة الكهف؛ فقد ّبين ّ‬
‫لفتات تربوية للشيخ تتعّلق بموقف المسلم من ذلك‪ّ ،‬‬

‫أهم قضية تواجه مشاعر أهل اإليمان ليالً‬


‫وموجهة‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫أن السورة تعالج بطريقة مدهشة ومرّبية‬
‫ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫حررت السورة المسلم من الركون إلى زينة الحياة الدنيا من‬
‫ونها ًار‪ ،‬وهي زينة الحياة الدنيا ‪ ،‬وقد ّ‬

‫خالل مايلي(‪:)2‬‬

‫الفارين‬
‫اقتداء بأصحاب الكهف‪ ،‬الذين اعتزلوا إلى الكهف‪ ،‬ودعوا دعاء ّ‬
‫ً‬ ‫‪ .0‬الفرار من الفتنة‪،‬‬

‫بدينهم‪ ،‬كما في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ‬

‫ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﱠ الكهف‪.١٣ :‬‬

‫‪ .2‬صبر النفس مع أهل اإليمان‪ ،‬كما في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ‬

‫ﱊﱠ الكهف‪.٨٤ :‬‬


‫ﱋ‬ ‫ﱆﱇﱈ ﱉ‬

‫‪ .3‬النهي عن التطّلع لمجالسة أهل الدنيا‪ ،‬كما في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ‬

‫ﱓ ﱠ الكهف‪.٨٤ :‬‬
‫ﱔ‬ ‫ﱐﱑﱒ‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 6‬ص‪ 3031-3012‬و ص‪.3211‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 6‬ص‪ 3066‬وص‪.3080‬‬

‫‪199‬‬
‫‪ .1‬النهي عن طاعة الغافلين‪ ،‬كما في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ‬

‫ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱠ الكهف‪.٨٤ :‬‬

‫‪ .3‬األمر بقول الحق‪ ،‬كما في قوله تعالى‪:‬ﱡﭐ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱠ الكهف‪.٨٨ :‬‬

‫‪ .6‬التذكير بجزاء الكافرين والمؤمنين‪ ،‬كما في قوله تعالى‪:‬ﱡﭐ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ‬

‫ﱼﱾ ﱿﲀ‬
‫ﱽ‬ ‫ﱴ ﱶﱷﱸﱹﱺﱻ‬
‫ﱵ‬ ‫ﱳ‬

‫ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏﱠ‬

‫الكهف‪.٥٣ – ٨٨ :‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬وساوس الشيطان وتزيينه‬

‫وفيه مسألتان‪:‬‬

‫المسألة األولى‪ :‬أين يؤثّر إلقاء الشيطان‬

‫إن الشيطان في معركته مع اإلنسان قد أخذ على عاتقه إضالل قدر معلوم من الناس‪ ،‬كما‬
‫ّ‬

‫جاء عنه في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﱠ النساء‪:‬‬

‫أن سالح الشيطان في معركته مع المؤمن هو التزيين واإلغواء‪ ،‬كما جاء‬


‫حوى ّ‬
‫ويبين ّ‬
‫‪ّ ،١١٤‬‬

‫عن إبليس في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱠ الحجر‪:‬‬

‫أما اإلغواء فيكون عن‬


‫‪ ،٥٨‬والتزيين يكون يتزيين الشهوات والمعاصي والمنكر والحال السيء‪ّ ،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫الحق وصراط اهلل‪ ،‬وعن السنن‪.‬‬
‫ّ‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪ ،0071-0073‬ج‪ 6‬ص‪.2882-2880‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬

‫‪211‬‬
‫حوى إلى بعض صفات من يؤثّر فيهم هذا التزيين واإلغواء‪ ،‬وذلك في ظالل‬
‫وقد أشار ّ‬

‫بعض اآليات‪ ،‬من ذلك‪:‬‬

‫‪ ‬قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ‬

‫ﲟ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﱠ الحج‪٣٥ :‬؛ ف ّ‬
‫سنة اهلل ‪ ‬أن‬ ‫ﲠ‬

‫(‪)1‬‬
‫يؤثّر إلقاء الشيطان في مرضى القلوب‪ ،‬وأصحاب القلوب القاسية‪.‬‬

‫‪ ‬قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ‬

‫ﱽ ﱾ ﱿ ﱠ األنعام‪ ،١١٥ :‬وقد ُسبقت هذه اآلية بالحديث عن إيحاءات‬

‫(‪)2‬‬
‫أن هذا اإليحاء يجد مكاناً له في قلوب‬
‫الجن واإلنس ‪ ،‬وقد ّبينت اآلية ّ‬
‫ّ‬ ‫شياطين‬

‫الذين ال يؤمنون باآلخرة‪ ،‬والذين يقترفون المعاصي‪)3(.‬ﭐ‬

‫المسألة الثانية‪ :‬كيف يواجه المسلم ما يلقاه من الشيطان‬

‫حوى إلى بعض األمور التي من شأنها أن تخرج اإلنسان من الدائرة المتأثّرة بإلقاء‬
‫أشار ّ‬

‫الشيطان‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬

‫أن المؤمن المتو ّكل ال يقبل من‬


‫‪ ‬التح ّقق باإليمان والتو ّكل والتقوى؛ فيذكر الشيخ ّ‬

‫الشيطان وساوسه‪ ،‬كما في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ‬

‫ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﱠ النحل‪ ،)4(٨٨ :‬وفي مقام آخر يشير إلى أثر‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 7‬ص‪.3382‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬

‫ﱧ ﱠ‪.‬‬
‫ﱨ‬ ‫كما في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ‬ ‫(‪)2‬‬

‫(‪)3‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪.0712‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)4‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 6‬ص‪.2227‬‬
‫‪211‬‬
‫ظل قوله تعالى‪:‬‬
‫صد وساوس الشيطان‪ ،‬وقد جاءت هذه اإلشارة في ّ‬
‫التقوى في ّ‬

‫ﱡﭐﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ‬

‫ﲅﱠ األعراف‪٨٣١ :‬؛ فعباد اهلل المتقين برعاية اهلل ‪ ‬لهم تذوب وساوس‬

‫(‪)1‬‬
‫الشيطان أمامهم‪.‬‬

‫‪ ‬التح ّقق بصفات عباد اهلل المخَلصين‪ ،‬فقد استثناهم إبليس من هدف الغواية‬

‫والتزيين‪ ،‬كما في قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ‬

‫ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﱠ الحجر‪،٨٣ – ٥٨ :‬‬

‫أن عباد اهلل ‪ ‬قد وردت صفاتهم في أكثر من مكان‪ ،‬كقوله تعالى‪:‬‬
‫ويبين ‪ّ ‬‬
‫ّ‬

‫ﱡﭐﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ‬

‫ﲭ ﲮﱠ الفرقان‪ ،٤٥ :‬والمخَلصين هم الذين اجتمع لهم العلم والعمل‬

‫(‪)2‬‬
‫واإلخالص‪ ،‬فأُخلصوا‪.‬‬

‫‪ ‬قراءة القرآن‪ :‬للقرآن أثره الذي اليخفى في حماية المؤمن‪ ،‬كما في قوله تعالى‪:‬‬

‫ﱡﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ‬

‫ﲦ ﱠ اإلسراء‪ ،٨٣ :‬وهذا ال يمنع من أن تكون بعض آياته أكثر خصوصية في‬

‫حوى بشأن قوله تعالى‪:‬ﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ‬


‫عالج وساوس الشيطان‪ ،‬ومن ذلك ما ذكره ّ‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪.2138-2137‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫تم الحديث عن طريق الوصول إلى رتبة المخَلص وأدّلة ذلك في توجيهات‬ ‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 6‬ص‪ .2882-2880‬وقد ّ‬
‫ثم النجاة من تزيين‬
‫أهمية تذ ّكر اآلخرة في الوصول إلى هذه الرتبة‪ ،‬ومن ّ‬
‫الشيخ لطالب التزكية‪ ،‬صفحة ‪ ،038‬وقد أشار ‪ ‬إلى ّ‬
‫الشيطان واغوائه‪.‬‬

‫‪212‬‬
‫ﱈﱊﱋ ﱌﱍﱎﱏﱐﱑ‬
‫ﱉ‬ ‫ﱄﱅﱆﱇ‬

‫ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱠ إبراهيم‪ – ١٨ :‬؛‪ ٨٣‬فيرى ّ‬


‫أن هاتين اآليتين دواء‬

‫وشك‬
‫ّ‬ ‫شك ودواء من الوسوسة؛ فقد جاءتا في سياق دعوة الرسل ‪ ‬ألقوامهم‬
‫لل ّ‬

‫فاستدل الشيخ من سياق اآليات على المعنى الذي ذهب‬


‫ّ‬ ‫أقوامهم في هذه الدعوة؛‬

‫(‪)1‬‬
‫إليه‪.‬‬

‫أهمية كبيرة في صرف الشيطان‪ ،‬وقد أشار‬


‫إن للمداومة على ذكر اهلل ‪ّ ‬‬
‫‪ ‬الذكر‪ّ :‬‬

‫حوى إلى ذلك في تفسيره لقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ‬


‫ّ‬

‫ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱠ الزخرف‪ ،٥٤ :‬وفي هذا المقام ينقل قول اإلمام النسفي‬

‫(‪)2‬‬
‫أن من داوم على ذكر اهلل ‪ ‬لم يقرنه الشيطان‪.‬‬
‫‪ ،‬من ّ‬

‫الجن إذا وسوس‪ ،‬كما‬


‫ّ‬ ‫‪ ‬االستعاذة باهلل ‪ :‬وهي الحيلة الوحيدة في شأن شيطان‬

‫ال عن ابن كثير ‪ ،‬وذلك بمناسبة قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲙ ﲚ‬


‫ذكر الشيخ نق ً‬

‫ﲟ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤﲥﱠ فصلت‪،)3(٥٤ :‬‬


‫ﲠ‬ ‫ﲛﲜﲝﲞ‬

‫وفي تفسيره لقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ‬

‫أن االستعاذة‬ ‫ﱿ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﱠ األعراف‪ّ ،١٥ :‬‬


‫يبين الشيخ ّ‬ ‫ﲀ‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪.2728‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫انظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪3010‬؛ وانظر‪ :‬النسفي‪( ،‬مدارك التنزيل وحقائق التأويل)‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪.273‬‬

‫(‪)3‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪3123‬؛ وانظر‪ :‬ابن كثير‪( ،‬تفسير القرآن العظيم)‪ ،‬ج‪ 7‬ص‪.080‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬

‫‪213‬‬
‫تكون من الجهات كلّها‪ ،‬وذلك في مقابل قسم إبليس أن يتسلّط على اإلنسان من‬

‫(‪)1‬‬
‫جهاته كّلها‪.‬‬

‫‪ ‬إضافة لما سبق‪ ،‬يذكر الشيخ طريقة معالجة شيطان اإلنس‪ ،‬وذلك في قوله تعالى‪ :‬ﭐ‬

‫ﱾ ﲀﲁﲂﲃﲄﲅﲆ‬
‫ﱿ‬ ‫ﱡﭐ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ‬

‫ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﱠ فصلت‪ ، ،٥٨ :‬وينقل عن ابن كثير ‪‬‬

‫أمر اهلل المؤمنين بالصبر عند‬


‫عباس ‪ ‬في تفسير هذه اآلية‪َ " :‬‬
‫قول ابن ّ‬

‫الغضب‪ ،‬والحلم عند الجهل‪ ،‬والعفو عند اإلساءة؛ فإذا فعلوا ذلك عصمهم اهلل ‪‬‬

‫( ‪)2‬‬
‫من الشيطان‪ ،‬وخضع لهم عدوهم كأنه ولي حميم"‪.‬‬

‫بأنه أرقى من الناس‪ ،‬وقد‬


‫وبقي أن أذكر عائقاً أختم به هذا المبحث‪ ،‬وهو شعور المؤمن ّ‬

‫ّنبه الشيخ ‪ ‬على هذا المنزلق الخطر‪ ،‬في تفسيره لقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ‬

‫ﱼ ﱾﱿﲀﲁﲂﲃﲄﲅﲆﲇ‬
‫ﱽ‬ ‫ﱷﱸﱹﱺﱻ‬

‫ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﱠ طه‪ ،٤٨-٤١ :‬يقول ‪ّ " :‬‬


‫إن أهل اإليمان إذا‬

‫خاصًا عند اهلل ‪ ،‬يبيح لهم أن يفعلوا ما شاؤوا؛ فيخالفوا‬


‫ّ‬ ‫أن لهم شأناً‬
‫يظنون ّ‬
‫ّأيدهم اهلل ‪ ،‬قد ّ‬

‫ثم أكمل اهلل ‪‬‬


‫ويعصوا‪ ... ،‬ففي اآليات تنبيه ألهل اإليمان على منعرج خطر في الطريق‪ّ ... ،‬‬

‫دل على ال طريق في حالة وقوع الطغيان‪ ،‬وهو التوبة واإليمان والعمل الصالح‬
‫الدرس بأن ّ‬

‫واالستقامة"(‪.)3‬‬

‫(‪)1‬‬
‫حوى‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪.0872‬‬
‫انظر‪ّ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫انظر‪:‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪.3123‬‬

‫(‪)3‬‬
‫عباس؛ انظر‪ :‬ابن كثير‪( ،‬تفسير القرآن العظيم)‪ ،‬ج‪ 7‬ص‪.080‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 7‬ص‪ ،3372‬وللوقوف على قول ابن ّ‬
‫‪214‬‬
‫أهم وسائل التزكية ومعيقاتها‪ ،‬والتي حاولت استنباطها من خالل تفسير‬
‫وبعد‪ ،‬فهذه هي ّ‬

‫كل مسلم سائر‬


‫قصرت في اعتباره‪ -‬في حسبان ّ‬
‫مما ّ‬
‫الشيخ ‪ ،‬وأرجو أن تكون هي وغيرها ‪ّ -‬‬

‫رب العالمين‪.‬‬
‫وكل من يبحث عن هذه الطريق‪ ،‬والحمد هلل ّ‬
‫في الطريق إلى اهلل ‪ّ ،‬‬

‫‪215‬‬
‫اخلامتة‬

‫فإني في هذا المقام وبعد انتهائي من بيان منهج‬


‫تتم الصالحات‪ّ ،‬‬
‫الحمد هلل الذي بنعمته ّ‬

‫حوى التربوي في تفسيره (األساس)‪ ،‬أشير إلى كون هذا البحث محاولة اجتهدت فيها‬
‫الشيخ سعيد ّ‬

‫لكشف مالمح هذا المنهج‪ ،‬وقد أكون قد قصرت في توضيح الفكر التربوي للشيخ ‪ ‬من خالل‬

‫تفسيره‪ ،‬والحال هذه ال يسعني إال التماس العذر‪ ،‬فهذا جهد المقل‪ ،‬وأختم بما خلصت به من‬

‫نتائج البحث وتوصياته‪:‬‬

‫النتائج‪:‬‬

‫‪ ‬اشتمال كتاب (األساس في التفسير) على جهود تربوية محيطة بنواحي التربية‬

‫اإلسالمية‪ ،‬والتي تشمل اإلنسان بقلبه وجسمه وأخالقه وعالقاته االجتماعية‪ ،‬إضافة إلى‬

‫توجيهات تربوية متعّلقة بعملية الدعوة‪ ،‬وقد ش ّكلت تلك الجهود قوام المنهج التربوي عند‬

‫التفسير‪.‬‬ ‫حوى في هذا‬


‫الشيخ سعيد ّ‬

‫حوى على اآلثار والمرويات ‪-‬والتي كان ُجّلها مقتبسًا من تفسير ابن كثير‪ -‬في‬
‫‪ ‬اعتماد ّ‬

‫إثرائه لكثير من الموضوعات‪ ،‬كأعمال القلوب وأمراضها‪ ،‬واآلخالق واآلداب‪ ،‬والعبادات‬

‫النوافل كالذكر‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬

‫حوى باإلمام الغزالي فيما يتعّلق باآلثار التربوية ألعمال الجوارح‪ ،‬والتي خالصتها‬
‫‪ ‬تأثّر ّ‬

‫تؤدي دورها التربوي إذا أ ُّديت كاملة بظاهرها‪ ،‬ورافق ذلك اآلداب‬
‫أن أعمال الجوارح ّ‬
‫ّ‬

‫لكل عبادة‪.‬‬
‫القلبية الالزمة ّ‬

‫تتفرع عنها‬
‫أمهات األخالق التي ّ‬
‫تتلخص في كون ّ‬
‫حوى في األخالق ّ‬
‫‪ ‬نظرية الشيخ سعيد ّ‬
‫‪216‬‬
‫كل األخالق اإلسالمية‪ ،‬هي التي وصف اهلل ‪ ‬بها حزبه في القرآن الكريم؛ وهذه‬
‫ّ‬

‫العزة على الكافرين‪ ،‬والجهاد‪ ،‬والوالء‪.‬‬


‫المحبة‪ ،‬والذّلة على المؤمنين‪ ،‬و ّ‬
‫ّ‬ ‫األوصاف هي‪:‬‬

‫حوى في تفسيره‪.‬‬
‫يميز ّ‬
‫المعاصر من أبرز ما ّ‬
‫‪ ‬إسقاط مدلول اآليات على الواقع ُ‬

‫سيما فيما يتعلّق بموضوعات الشرك الخفي‬


‫حوى الشديد بفكر صاحب الظالل‪ ،‬ال ّ‬
‫‪ ‬تأثّر ّ‬

‫والعبادة والحاكمية هلل ‪ ،‬واآليات الكونية‪ ،‬والحياة األسرية والمجتمعية‪.‬‬

‫مصنفاته األخرى في تفصيل بعض المواضيع؛ فورد في (األساس)‬


‫ّ‬ ‫حوى على‬
‫‪ ‬اعتماد ّ‬

‫إحاالت إلى كتب (جند اهلل ثقافة وأخالقاً)‪ ،‬و(دروس في العمل اإلسالمي)‪ ،‬و(اإلسالم)‪،‬‬

‫وغير ذلك‪.‬‬

‫خلصت إليها من خالل موضوعات البحث‪ ،‬ما يلي‪:‬‬


‫ُ‬ ‫أهم النتائج التي‬
‫ومن ّ‬

‫البين‪ ،‬الذي يتم سلوكه في عملية الوالية‪ ،‬والقيام‬


‫‪ ‬المنهج التربوي هو الطريق الواضح ّ‬

‫على شؤون الصغير‪ ،‬وتغذيته‪ ،‬حتّى يغادر مرحلة الطفولة‪ ،‬وهو الوسيلة لتحقيق الغايات‬

‫التربوية‪.‬‬

‫تفوق المنهج التربوي اإلسالمي على غيره من المناهج التربوية المعاصرة؛ من حيث‬
‫‪ّ ‬‬

‫سمو غايته وهدفه‪ ،‬ومسايرته‬


‫مصدره الرّباني‪ ،‬ونظرته الشمولية لإلنسان‪ ،‬ومن حيث ّ‬

‫للفطرة‪.‬‬

‫تدل‬
‫‪ ‬أعمال القلوب وأمراضها هي حاالت قلبية‪ ،‬تنبثق عنها أخالقياتها الظاهرة‪ ،‬والتي ّ‬

‫كل منها‪.‬‬
‫على وجود ّ‬

‫‪ ‬لركن اإليمان باآلخرة قيمته التي ال تُغفل في الحديث عن أعمال القلوب وأمراضها‪ ،‬ألثر‬

‫فإن شعور الكافر‬


‫هذا اإليمان في سالمة التصور‪ ،‬وسالمة السلوك البشري‪ ،‬وفي المقابل ّ‬

‫‪217‬‬
‫أهم األسباب التي تقف وراء إنكاره لآلخرة‪.‬‬
‫يعد من ّ‬
‫بعدم المسؤولية ّ‬

‫كل ذلك‬
‫التحرر من الكفر والنفاق‪ّ ،‬‬
‫‪ ‬اإليمان باهلل ‪ ‬وباليوم اآلخر وبالوحي والغيب‪ ،‬و ّ‬

‫بد منها لوجود التقوى في القلب‪.‬‬ ‫ٍ‬


‫معان ال ّ‬

‫تأصلت هذه األمراض على الكمال‬


‫ّ‬ ‫‪ ‬الكفر هو ثمرة األمراض القلبية والسلوكية‪ ،‬واذا‬

‫والتمام‪ ،‬وصل الكافر إلى مرحلة الكفر الذي ال ينفع معه اإلنذار‪.‬‬

‫إن عمل القلب أعظم من عمل الجارحة‪ ،‬وكل منهما يعتمد في وجوده على اآلخر‬
‫‪ّ ‬‬

‫ال‪ ،‬ويحظى صاحبهما بحياة طيبة في الدنيا‪ ،‬وتتح ّقق‬


‫وباجتماعهما يبقى نور الفطرة مشتع ً‬

‫نجاته عند اهلل ‪ ‬في اآلخرة‪.‬‬

‫أهم نقاط البداية في الطريق إلى اهلل ‪ ،‬نقطتان هما معرفة اهلل ‪ ‬والذكر‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪‬‬

‫المدعو وأسلوب الدعوة ومكانها وزمانها‪ ،‬كلّها عناصر مؤثّرة في عملية الدعوة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ ‬طبيعة‬

‫إن العالقة بين التربية والتزكية تتمثّل في كون التزكية ثمرة التربية‪ ،‬ومطلب فوقه‬
‫‪ّ ‬‬

‫والتربية هي الوسيلة المعينة على تحقيقه‪.‬‬

‫أهم وسائل التزكية البيئة الصالحة‪ ،‬ومجالس القرآن والذكر والعلم‪ ،‬ومن أبرز‬
‫إن من ّ‬
‫‪ّ ‬‬

‫معيقاتها البيئة الفاسدة‪ ،‬وفتنة الدنيا والنساء‪ ،‬ووساوس الشيطان وتزيينه‪.‬‬

‫‪218‬‬
‫التوصيات‪:‬‬

‫بعد الوصية بتقوى اهلل ‪ ،‬فإنني أخلص من هذه الدراسة بالتوصية بما يلي‪:‬‬

‫بكل اإلنسان؛ قلبه وجسده‬


‫‪ ‬للسائرين إلى اهلل ‪ ،‬والدعاة والمرّبين‪ ،‬ضرورة االهتمام ّ‬

‫وأخالقه في عملية التربية‪ ،‬على ضوء المنهج التربوي اإلسالمي المتكامل‪ ،‬وعدم‬

‫إن في شأ ن الذات‪ ،‬أو في شأن‬


‫أي جانب من هذه الجوانب‪ْ ،‬‬
‫التقصير في تربية ّ‬

‫يدسيها‬
‫المدعويين‪ ،‬وضرورة تعاهد النفس‪ ،‬بالتزام ما يعين في تزكيتها‪ ،‬واجتناب ما ّ‬

‫ويعيق تزكيتها‪.‬‬

‫إن النظرة التكاملية عند الشيخ في موضوع األخال ق والشخصية النموذجية اإلسالمية‬
‫‪ّ ‬‬

‫بالتدبر‪ ،‬وبحث واقعها العملي والتطبيقي على مستوى الفرد والجماعة المسلمة‬
‫ّ‬ ‫جديرة‬

‫أمة كاملة‬
‫ال في ّ‬
‫األخالقي للشخصية اإلسالمية‪ ،‬فتكون عضواً كام ً‬
‫ّ‬ ‫حتّى ُيستكمل البناء‬

‫متّصفة بما وصف اهلل ‪ ‬به حزبه في كتابه العزيز‪ ،‬عندها تنال الغلَبة والفالح‪.‬‬

‫السيما‬
‫حيثيات ذلك‪ّ ،‬‬
‫لكل مسلم ومسلمة‪ ،‬ودراسة ّ‬
‫‪ ‬ضرورة دراسة األخالق واآلداب القرآنية ّ‬

‫لألهمية البالغة لما ورد فيها من اآلداب‪.‬‬


‫ّ‬ ‫ما جاء في سورة الحجرات؛‬

‫أهمية الوقوف على توجيهات الشيخ سعيد فيما يتعلّق‬


‫‪ ‬للعاملين في سلك الدعوة والتربية‪ّ ،‬‬

‫بعملية الدعوة‪ ،‬وذلك في الفصل الرابع من هذه الدراسة‪.‬‬

‫كل سورة‪ ،‬وذلك بناء على السياق‬


‫حوى في ّ‬
‫‪ ‬إمكانية دراسة الجهود التربوية للشيخ سعيد ّ‬

‫كبير في تفسيره‪.‬‬
‫الخاص للسورة؛ فقد أعطاه الشيخ ‪ ‬مدى ًا‬

‫‪219‬‬
‫املصادر واملراجع‬

‫‪ ‬القرآن الكريم‬

‫كتب التفسير‪:‬‬

‫‪ ‬اآللوسي‪ ،‬محمود بن عبد اهلل (ت‪0271‬ه)‪( ،‬روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع‬

‫المثاني)‪ ،‬تحقيق‪ :‬علي عبد الباري عطية‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪0103 ،0‬ه‪06 ،‬‬

‫جزءًا‪.‬‬

‫‪ ‬البقاعي‪ ،‬إبراهيم بن عمر(ت ‪883‬ه)‪ ( ،‬نظم الدرر في تناسب اآليات والسور)‪ ،‬تحقيق‪:‬‬

‫عبد الرازق المهدي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط بدون‪0103 ،‬ه‪0223-‬م‪ 8 ،‬أجزاء‪.‬‬

‫حوى‪ ،‬سعيد بن ديب (ت ‪0282‬م)‪( ،‬األساس في التفسير)‪ ،‬دار السالم للطباعة والنشر‬
‫‪ّ ‬‬

‫والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪0113 ،0‬ه‪0283-‬م‪ 00 ،‬جزءاً‪.‬‬

‫محمد بن عمر (ت ‪616‬ه)‪( ،‬مفاتيح الغيب)‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬


‫ّ‬ ‫‪ ‬الرازي‪ ،‬فخر الدين‬

‫بيروت‪ ،‬ط‪0120 ،0‬ه‪2111-‬م‪32 ،‬جزءًا‪.‬‬

‫‪ ‬السعدي‪ ،‬عبد الرحمن بن ناصر (ت ‪0376‬ه)‪( ،‬تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم‬

‫الم ّنان)‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الرحمن اللويحق‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط ‪0121 ،0‬ه‪2111-‬م‪.‬‬

‫علي (ت ‪881‬ه)‪( ،‬تفسير اللباب)‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‬


‫‪ ‬ابن عادل‪ ،‬عمر بن ّ‬

‫بدون‪ 21 ،‬جزءًا‪.‬‬

‫المحرر الوجيز‬
‫الحق بن غالب بن عبد الرحمن األندلسي (ت ‪312‬ه)‪ّ ( ،‬‬
‫ّ‬ ‫‪ ‬ابن عطية‪ ،‬عبد‬

‫محمد‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬


‫ّ‬ ‫في تفسير الكتاب العزيز)‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد السالم عبد الشافي‬

‫‪211‬‬
‫بيروت‪ ،‬ط‪0122 ،0‬ه‪ 6 ،‬أجزاء‪.‬‬

‫محمد بن جرير (ت‪301‬ه)‪( ،‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن)‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمود‬


‫‪ ‬الطبري‪ّ ،‬‬

‫وأحمد شاكر‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪0121 ،0‬ه‪2111-‬م‪ 21 ،‬جزءاً‪.‬‬

‫‪ ‬قطب‪ ،‬سيد بن قطب بن إبراهيم ( ت‪0383‬ه)‪( ،‬في ظالل القرآن)‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬بيروت‪-‬‬

‫القاهرة‪ ،‬ط‪0102 ،07‬ه‪ 6 ،‬أجزاء‪.‬‬

‫‪ ‬ابن كثير‪ ،‬أبو الفداء إسماعيل بن عمر (ت‪771‬ه)‪( ،‬تفسير القرآن العظيم)‪ ،‬تحقيق‪ :‬سامي‬

‫سالمة‪ ،‬دار طيبة للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪0121 ،2‬ه – ‪0222‬م‪8 ،‬أجزاء‪.‬‬

‫‪ ‬النسفي‪ ،‬عبد اهلل بن أحمد (ت ‪701‬ه)‪( ،‬مدارك التنزيل وحقائق التأويل)‪ ،‬تحقيق‪ :‬يوسف‬

‫الطيب‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪0102 ،0‬ه‪0228-‬م‪ 3 ،‬أجزاء‪.‬‬


‫بديوي‪ ،‬دار الكلم ّ‬

‫مراجع الحديث النبوي الشريف‪:‬‬

‫محمد بن إسماعيل (ت‪236‬ه)‪( ،‬الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور‬


‫‪ ‬البخاري‪ّ ،‬‬

‫وسننه وأيامه)‪ ،‬تحقيق‪ :‬مصطفى ديب البغا‪ ،‬دار ابن كثير‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪،3‬‬ ‫‪‬‬ ‫رسول اهلل‬

‫‪0117‬ه– ‪0287‬م‪ 6 ،‬أجزاء‪.‬‬

‫محمد بن عيسى (ت ‪272‬ه)‪ ( ،‬سنن الترمذي)‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد شاكر وآخرون‪،‬‬


‫‪ ‬الترمذي‪ّ ،‬‬

‫مطبعة مصطفى البابي الحلبي‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪0323 ،2‬ه‪0273-‬م‪ 3 ،‬أجزاء‪.‬‬

‫محمد بن هالل (ت‪210‬ه)‪( ،‬مسند اإلمام أحمد بن حنبل)‪ ،‬تحقيق‪:‬‬


‫‪ ‬ابن حنبل‪ ،‬أحمد بن ّ‬

‫شعيب األرنؤوط وآخرون‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪0120 ،0‬ه‪2110-‬م‪ 31 ،‬جزءاً‪.‬‬

‫‪ ‬أبو داود‪ ،‬سليمان بن األشعث السجستاني (ت‪273‬ه)‪( ،‬سنن أبي داود)‪ ،‬دار الكتاب‬

‫العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط بدون‪ 1 ،‬أجزاء‪( .‬نسخة مرفقة بأحكام الشيخ األلباني)‬

‫‪211‬‬
‫محمد بن سالمة األزدي (ت‪320‬ه)‪( ،‬شرح مشكل اآلثار)‪،‬‬
‫‪ ‬الطحاوي‪ ،‬أبو جعفر أحمد بن ّ‬

‫تحقيق‪ :‬شعيب األرنؤوط‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪0103 ،0‬ه‪0221-‬م‪ 06 ،‬جزء‪.‬‬

‫‪ ‬ابن عبد البر‪ ،‬يوسف بن عبد اهلل (ت‪163‬ه)‪( ،‬التمهيد لما في الموطّأ من المعاني‬

‫واألسانيد)‪ ،‬تحقيق‪ :‬مصطفى العلوي ومحمد البكرى‪ ،‬و ازرة عموم األوقاف والشؤون‬

‫اإلسالمية‪ ،‬المغرب‪ ،‬ط بدون‪0387 ،‬ه‪ 21 ،‬جزءاً‪.‬‬

‫الحجاج (ت‪260‬ه)‪ ( ،‬المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل‬


‫ّ‬ ‫‪ ‬مسلم‪ ،‬مسلم بن‬

‫محمد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪3 ،‬‬
‫إلى رسول اهلل ‪ ،)‬تحقيق‪ّ :‬‬

‫أجزاء‪.‬‬

‫مراجع األخالق والتزكية‪:‬‬

‫حوى‪ ،‬سعيد بن ديب (ت‪0282‬م)‪( ،‬تربيتنا الروحية)‪ ،‬دار السالم للطباعة والنشر والتوزيع‪،‬‬
‫‪ّ ‬‬

‫القاهرة‪ ،‬ط‪2117 ،2‬م‪.‬‬

‫حوى‪ ،‬سعيد بن ديب (ت‪0282‬م)‪( ،‬المستخلص في تزكية األنفس)‪ ،‬دار السالم للطباعة‬
‫‪ّ ‬‬

‫والنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪0121 ،01‬ه‪2111-‬م‪.‬‬

‫حوى‪ ،‬سعيد بن ديب (ت‪0282‬م)‪( ،‬جند اهلل ثقافة وأخالقاً)‪ ،‬مكتبة وهبة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪ّ ‬‬

‫‪0103‬ه‪0222-‬م‪.‬‬

‫‪ ‬الغزالي‪ ،‬أبو حامد محمد بن محمد (ت‪313‬ه)‪( ،‬إحياء علوم الدين)‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬

‫بيروت‪ ،‬ط‪2113 ،1‬م‪ 1 ،‬أجزاء‪.‬‬

‫مراجع علم التربية‪:‬‬

‫‪ ‬إبراهيم‪ ،‬عبد اللطيف فؤاد‪( ،‬المناهج (أسسها وتنظيماتها وتقويم أثرها))‪ ،‬مكتبة مصر‪،‬‬

‫‪212‬‬
‫مصر‪ ،‬ط‪0281 ،6‬م‪.‬‬

‫‪ ‬بلوم‪ ،‬بنجامين وآخرون‪ ( ،‬نظام تصنيف األهداف التربوية)‪ ،‬ترجمة‪ :‬محمد الخوالدة وصادق‬

‫عودة‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬جدة‪ ،‬ط‪0283 ،0‬م‪.‬‬

‫عمان‪ ،‬ط‪،0‬‬
‫‪ ‬الحاج محمد‪ ،‬أحمد علي‪( ،‬في فلسفة التربية نظرياً وتطبيقياً)‪ ،‬دار المناهج‪ّ ،‬‬

‫‪.2112‬‬

‫‪ ‬الحازمي‪ ،‬خالد بن حامد‪( ،‬أصول التربية اإلسالمية)‪ ،‬دار عالم الكتب للطباعة والنشر‬

‫المنورة‪ ،‬ط‪0121 ،0‬ه‪2111-‬م‪.‬‬


‫والتوزيع‪ ،‬المدينة ّ‬

‫‪ ‬أبو حويج‪ ،‬مروان‪( ،‬المناهج التربوية المعاصرة (مفاهيمها‪ .‬عناصرها‪.‬أسسها وعملياتها))‪،‬‬

‫دار الثقافة‪ ،‬األردن‪ ،‬ط بدون‪2116 ،‬م‪.‬‬

‫‪ ‬داود‪ ،‬عبد الباري محمد‪ ( ،‬المنهج التربوي والعلمي عند الصوفية)‪ ،‬مطبعة اإلشعاع الفنية‪،‬‬

‫اإلسكندرية‪ ،‬ط‪2112 ،0‬م‪.‬‬

‫‪ ‬شبل بدران‪ ،‬وفاروق محفوظ‪( ،‬أسس التربية)‪ ،‬دار المعرفة الجامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬ط‪،0‬‬

‫‪0223‬م‪.‬‬

‫عمان‪ ،‬ط‪0283 ،0‬م‪.‬‬


‫‪ ‬صالح هندي‪ ،‬هشام عليان‪( ،‬دراسات في المناهج واألساليب)‪ّ ،‬‬

‫‪ ‬عبد المجيد منصور‪ ،‬محمد التويجري‪ ،‬إسماعيل الفقي‪( ،‬علم النفس التربوي)‪ ،‬مكتبة‬

‫العبيكان‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط‪2111 ،3‬م‪.‬‬

‫محمد بن قطب بن إبراهيم (ت ‪2101‬م)‪( ،‬منهج التربية اإلسالمية)‪ ،‬دار الشروق‪،‬‬


‫‪ ‬قطب‪ّ ،‬‬

‫ط‪ ،06‬جزءان‪.‬‬

‫‪ ‬قالدة‪ ،‬فؤاد سليمان‪ ( ،‬أساسيات المناهج في التعليم النظامي وتعليم الكبار)‪ ،‬دار‬

‫‪213‬‬
‫المطبوعات الجديدة للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬ط بدون‪0276 ،‬م‪.‬‬

‫‪ ‬الكيالني‪ ،‬ماجد عرسان (ت‪2115‬م)‪( ،‬فلسفة التربية اإلسالمية)‪ ،‬دار المنارة‪ ،‬السعودية‪،‬‬
‫ط‪1417 ،1‬ه‪1987-‬م‪.‬‬

‫‪ ‬مدكور‪ ،‬علي أحمد‪( ،‬مناهج التربية أسسها وتطبيقاتها)‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬ط بدون‪،‬‬

‫‪2110‬م‪.‬‬

‫‪ ‬محمّد المفتي‪ ،‬حلمي الوكيل‪( ،‬أسس بناء المناهج وتنظيماتها)‪ ،‬مطبعة حسان‪0282 ،‬م‪.‬‬

‫‪ ‬أبو مرق‪ ،‬جمال زكي‪( ،‬سيكولوجية اإلنسان في القرآن والس ّنة)‪ ،‬مطبعة الرابطة‪ ،‬الخليل‪،‬‬

‫ط‪2113 ،0‬م‪.‬‬

‫‪ ‬النحالوي‪ ،‬عبد الرحمن‪ ( ،‬أصول التربية اإلسالمية وأساليبها في البيت والمدرسة‬

‫والمجتمع)‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬ط ‪6351 ،52‬ه‪5117-‬م‪.‬‬

‫‪ ‬يحيى هندام‪ ،‬جابر جابر‪ ( ،‬المناهج‪ ،‬أسسها‪ ،‬تخطيطها‪ ،‬تقويمها)‪ ،‬دار النهضة العربية‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬ط‪0283 ،7‬م‪.‬‬

‫مراجع ومصادر أخرى‪:‬‬

‫مقدمة لنيل‬
‫حوى في التربية والسلوك)‪ ،‬رسالة ّ‬
‫‪ ‬أحمد‪ ،‬حسين علي‪( ،‬منهج الشيخ سعيد ّ‬

‫صدام للعلوم اإلسالمية‪ ،‬إشراف الدكتور‬


‫تخصص فكر إسالمي‪ ،‬جامعة ّ‬
‫ّ‬ ‫درجة الماجستير في‬

‫محمد جاسم‪ ،‬ط بدون‪0120 ،‬ه‪2110-‬م‪.‬‬


‫منذر ّ‬

‫حوى‪ ،‬سعيد بن ديب (ت ‪0282‬م)‪( ،‬هذه تجربتي وهذه شهادتي)‪ ،‬مكتبة وهبة‪ ،‬مصر‪،‬‬
‫‪ّ ‬‬

‫ط‪0287 ،0‬م‪.‬‬

‫حوى‪ ،‬سعيد بن ديب (ت ‪0282‬م)‪( ،‬اهلل ‪ ،)‬دار السالم للطباعة والنشر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫‪ّ ‬‬

‫‪0101‬ه‪0221-‬م‪.‬‬

‫‪214‬‬
‫حوى)‪ ،‬دار قرطبة للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫محمد‪( ،‬الفكر الحركي عند الشيخ سعيد ّ‬
‫ّ‬ ‫الدراجي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫‪‬‬

‫الجزائر‪ ،‬ط بدون‪.‬‬

‫محمد بن أبي بكر (ت‪666‬هد)‪( ،‬مختار الصحاح)‪ ،‬تحقيق‪ :‬يوسف الشيخ محمد‪،‬‬
‫‪ ‬الرازي‪ّ ،‬‬

‫المكتبة العصرية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪0222 ،3‬م‪.‬‬

‫مقدمة لنيل درجة‬


‫حوى ومنهجه في التفسير)‪ ،‬رسالة ّ‬
‫‪ ‬زيدان‪ ،‬سعدي أحمد‪( ،‬سعيد ّ‬

‫تخصص أصول الدين‪ ،‬جامعة بغداد‪ ،‬إشراف األستاذ الدكتور محسن عبد‬
‫ّ‬ ‫الماجستير في‬

‫الحميد‪ ،‬ط بدون‪0101 ،‬ه‪0223-‬م‪.‬‬

‫‪ ‬العقيل‪ ،‬عبد اهلل‪ ( ،‬من أعالم الدعوة والحركة اإلسالمية المعاصرة)‪ ،‬دار البشير‪ ،‬ط بدون‪،‬‬

‫‪2118‬م‪.‬‬

‫محمد (ت ‪313‬ه)‪( ،‬المستصفى في علم األصول)‪ ،‬تحقيق‪:‬‬


‫محمد بن ّ‬
‫‪ ‬الغزالي‪ ،‬أبو حامد ّ‬

‫مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪0107 ،0‬ه‪0227-‬م‪ ،‬جزءان‪.‬‬


‫محمد بن سليمان األشقر‪ّ ،‬‬
‫ّ‬

‫‪ ‬ابن منظور‪ ،‬محمد بن مكرم بن منظور اإلفريقي (ت ‪700‬هد)‪( ،‬لسان العرب)‪ ،‬دار صادر‪،‬‬

‫ط‪ ،3‬بيروت‪0101 ،‬ه‪ 03 ،‬جزءًا‪.‬‬

‫مقدمة لنيل درجة‬


‫حوى)‪ ،‬رسالة ّ‬
‫‪ ‬موجاري‪ ،‬جميلة‪( ،‬نظرية الوحدة القرآنية في تفسير سعيد ّ‬

‫تخصص التفسير وعلوم القرآن‪ ،‬جامعة األمير عبد القادر‪ ،‬الجزائر‪ ،‬إشراف‬
‫ّ‬ ‫الماجستير في‬

‫الدكتور أحمد رحماني‪ ،‬ط بدون‪0122 ،‬ه‪2110-‬م‪.‬‬

‫مقدمة لنيل درجة‬


‫حوى في تفسيره األساس)‪ ،‬رسالة ّ‬
‫‪ ‬الوصابي‪ ،‬عمر صالح‪( ،‬منهج سعيد ّ‬

‫الماجستير في قسم الدراسات اإلسالمية‪ ،‬جامعة صنعاء‪ ،‬إشراف الدكتور صالح صواب‪،‬‬

‫الحق القاضي‪ ،‬ط بدون‪0127 ،‬ه‪2116-‬م‪.‬‬


‫ّ‬ ‫واألستاذ الدكتور عبد‬

‫‪215‬‬
‫المقاالت‪:‬‬

‫محمد‪ ،‬البناء النفسي للمسلم في ضوء السنّة النبوية وأبعاده‬


‫ّ‬ ‫‪ ‬الجيوسي‪ ،‬عبد اهلل‬

‫الحضارية‪ ،‬مؤتمر الس ّنة النبوية في الدراسات المعاصرة‪ ،‬جامعة اليرموك‪ ،‬األردن‪،‬‬

‫‪ .2117/1/08‬مقالة ‪03‬‬

‫‪ ‬فحلة‪ ،‬حسن أحمد‪ ،‬أثر السنّة في توجيه العلوم التربوية واالجتماعية‪ ،‬مؤتمر الس ّنة‬

‫النبوية في الدراسات المعاصرة‪ ،‬جامعة اليرموك‪ ،‬األردن‪ .2117/1/08 ،‬مقالة ‪7‬‬

‫‪216‬‬

You might also like