You are on page 1of 37

‫منهج الدكتور‪ /‬عبدالرحمن حسن حبنكه الميداني في تفسير معارج التفكر ودقائق التدبر‬

‫بحث إلستيفاء متطلبات دراسة الدكتوراه في مادة‬


‫‪Quranic Exegesislncontemprary Middle East‬‬

‫إشراف‪:‬‬
‫‪1- Prof.Dr. Nasaraddin Umar, MA‬‬
‫‪2- Dr.faizah Ali Syibro Malisi, MA‬‬
‫‪3- Dr .Farid F. Seenong, MA‬‬
‫‪4- Dr.Hamka Hasan, LC. MA‬‬
‫‪5- Dr.Saiful Bahri, LC. MA‬‬

‫إعداد الباحث‪:‬‬
‫علي محمد السميري‬
‫رقم القيد‬
‫‪31201200100075‬‬
‫الدراسات العليا‬
‫جامعة شريف هداية هللا الحكومية‬
‫العام الدراسي‪2021‬م‬

‫‪١‬‬
٢
‫المقدمة‬
‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬احلمد هلل الذي أنعم على هذه األمة بنعمة اإلسالم‪ ،‬وأنعم عليها خبري نيب لألنام‪ ،‬وجعل ورثة هذا العلم من‬
‫العلماء اجملتبني األخيار‪ ،‬الذين حف اهلل مهم هذا الدين‪ ،‬جيالً بعد جيل‪ ،‬ح ى أيامنا هذه‪ ،‬ففي كل جيل نر أناساً بزَوزوا أقراهنم علماً‪،‬‬
‫وسبقوهم فضالً‪ ،‬أولئك هم صفوة اهلل يف هذه األمة‪ ،‬كيف ال وهم حيملون قلماً ذاباً مدافعاً عن دين اهلل‪ ،‬وهم الذين يزُ َوعوون الناس ويبينون‬
‫هلم حقائق دينهم‪ ،‬وقد رأينا من أبناء القرن املاضي الكثري من العلماء‪ ،‬منهم ما زال حياً ومنهم من سبقت إليه يد املنية‪ ،‬وهؤالء كثر كأمثال‬
‫الدكتور حممد عبد العظيم الزرقاين‪ ،‬ومصطفى صادق الرافعي‪ ،‬وحممد عبد اهلل دراز‪ ،‬وأبو األعلى املودودي‪ ،‬والساعايت‪ ،‬والدكتور مصطفى‬
‫الزرقا والدريين‪ ،‬وغريهم الكثري‪ .‬وممن برز يف القرن املاضي أيضاً عامل هو مدار هذا البحث‪ ،‬وهو الشيخ عبد الرمحن حسن حبنكة امليداين‪،‬‬
‫جزاه اهلل عن أمة اإلسالم خرياً‪ ،‬فقد كان عاملاً ورعاً صاحب قلم ولسان‪ ،‬كتاباته خري شاهد على غزارة علمه‪ ،‬فقد كتب فيما يتعلق بالقرآن‬
‫الكرمي‪ ،‬ويف أصول الدين‪ ،‬ويف علوم اللغة‪ ،‬ويف الفقه والفكر والدعوة وغري ذلك‪.‬‬
‫لكننا يف هذا البحث سندرس منهجاً للشيخ يف أحد كتبه العظيمة اجلليلة‪ ،‬وكل كتبه كذلك‪ ،‬وهو تفسريه الذي كتبه يف آخر ي ِّ‬
‫سين حياته‬
‫وتويف ومل يكمله‪ ،‬تفسري "معارج التفكر ودقائق التدبر"‪.‬‬
‫وقد تناول أحد الطالب يف مرحلة املاجستري هذا املوضوع‪ 1‬اإال أنه مل َيوفاق يف تبويبه بشكل علمي دقيق‪ ،‬كما أناه أغفل بعض اجلوانب‬
‫عند احلديث عن الشيخ ومنهجه‪ ،‬وهو ما سنحاول إبرازه يف هذه الدراسة‪.‬‬
‫مشكلة الدراسة‪:‬‬
‫حتاول هذه الدراسة اإلجابة عن التساؤالت اآلتية‪:‬‬
‫‪ -1‬من الشيخ عبد الرمحن حبنكة‪ ،‬وما املنهج العام لتفسريه؟‬
‫‪ -2‬ما منهج الشيخ يف التعامل مع القضايا األثرية؟‬
‫‪ -3‬ما منهج الشيخ يف التعامل مع القضايا اللغوية؟‬
‫‪ -4‬ما منهج الشيخ يف التعامل مع القضايا العقلية؟‬
‫‪ -5‬ماذا يؤخذ للشيخ وماذا يؤخذ عليه؟‪.‬‬
‫أهمية الدراسة‪:‬‬
‫تنبع أمهية هذه الدراسة من خالل النقاط اآلتية‪:‬‬
‫‪ -1‬أهنا تأيت للتعريف مبنهج عامل معاصر يف تفسريه‪.‬‬
‫‪ -2‬أهنا تأيت لبيان إجيا بيات وسلبيات طريقته يف التعامل مع اآليات‪ ،‬مما جيعلنا نعرف اخلطوط الصحيحة يف التفسري واخلطوط اخلاطئة‬
‫واليت كان من األحر باملفسر جتنبها‪.‬‬
‫أهداف الدراسة‪:‬‬
‫من خالل ما سبق يتبني أ ان هذه الدراسة هتدف لعدة أمور هي‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان من الشيخ عبد الرمحن حبنكة‪ ،‬وما هي أبرز معامل تفسريه‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان ما منهجه يف التعامل مع القضايا األثرية واللغوية والعقلية‪.‬‬
‫‪ -3‬بيان ما أهم اإلجيابيات وأهم السلبيات يف تفسريه‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫منهج الدراسة‪:‬‬
‫أما املنهج املتبع يف هذه الدراسة فهو املنهج االستقرائي والتحليلي‪ ،‬فهي تقوم على استقراء تفسريه وقواعده‪ ،‬ومن مث حتليلها وبيان املنهج‬
‫التفصيلي الذي سار عليه‪ ،‬وحتليل هذا لبيان أهم ما له وأهم ما عليه‪.‬‬
‫خطة الدراسة‪:‬‬
‫تشتمل هذه الدراسة على مقدمة ثالثة مباحث‪ ،‬على النحو اآليت‪:‬‬
‫املبحث األول‪ :‬التعريف باملفسر والتفسري‪ ،‬وفيه مطلبان‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬التعريف بالشيخ عبد الرمحن حسن حبنكة امليداين‬
‫املطلب الثاين‪ :‬التعريف بتفسري‪" :‬معارج التفكر ودقائق التدبر"‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬منهج الشيخ عبد الرمحن حبنكة يف تفسريه‪ ،‬وفيه أربعة مطالب‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬املنهج العام الذي سار عليه وأهم مصادره يف تفسريه‬
‫املطلب الثاين‪ :‬منهجه يف التعامل مع القضايا األثرية‪ ،‬وفيه مسائل‪:‬‬
‫املسألة األوىل‪ :‬تفسري القرآن بالقرآن‪.‬‬
‫املسألة الثانية‪ :‬تفسري القرآن بالسنة‪.‬‬
‫املسألة الثالثة‪ :‬تفسري القرآن بأقوال الصحابة والتابعني‪.‬‬
‫املسألة الرابعة‪ :‬موقفه من أسباب النزول‪.‬‬
‫املسألة اخلامسة‪ :‬املكي واملدين‬
‫املسألة السادسة‪ :‬موقفه من القراءات القرآنية‪.‬‬
‫املسألة السابعة‪ :‬موقفه من اإلسرائيليات‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬منهجه يف التعامل مع القضايا اللغوية‪ ،‬وفيه مسائل‪:‬‬
‫املسألة األوىل‪ :‬ما يتعلق بدالالت األلفاظ والقضايا الصرفية‬
‫املسألة الثانية‪ :‬ما يتعلق بالقضايا النحوية‬
‫املسألة الثالثة‪ :‬ما يتعلق بالقضايا البالغية‬
‫املطلب الرابع‪ :‬منهجه يف التعامل مع القضايا العقلية‪:‬‬
‫املسألة األوىل‪ :‬املناسبات‬
‫املسألة الثانية‪ :‬التفسري املوضوعي‬
‫املسألة الثالثة‪ :‬القضايا العلمية‬
‫املسألة الرابعة‪ :‬القضايا العقدية‬
‫املسألة اخلامسة‪ :‬ترتيب القرآن‬
‫املسألة السادسة‪ :‬اهتمامه ببيان السنن اإلهلية‬
‫املبحث الثالث‪ :‬القيمة العلمية هلذا التفسري‪ ،‬وفيه مطلبان‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬ما يؤخذ للتفسري‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬ما يؤخذ على التفسري‪.‬‬
‫اخلامتة‪.‬‬
‫المبحث األول‪ :‬التعريف بالمفسر والتفسير‬
‫المطلب األول‪ :‬التعريف بالشيخ عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني‬
‫هو الشيخ عبد الرمحن بن حسن بن مرزوق بن عرايب بن ُغنيم حبنكة امليداين‪ُ ،‬ولد رمحه اهلل يف العشرينيات من القرن املاضي[عام‬
‫‪1345‬هز‪1927/‬م] يف حي امليدان بدمشق‪ . 2‬نشأ – رمحه اهلل – يف بيت جده مرزوق وعاش يف كنفه إىل أن مجع اهلل مشل أبيه بالعائلة –‬
‫بعد أن كان الجئاً يف األردن بعد توقف الثورة السورية – واليت كان ينفق عليها احلاج مرزوق مبا يعود عليه من تربية األغنام واستثمار أصوافها‬
‫وألباهنا وما ينتج عنها‪. 3‬‬
‫بيت أهله ما بني عامل مفكر جماهد‬ ‫أما عن حياته العلمية فقد كان للبيئة الداخلية واخلارجية أثر يف نبوغه العلمي؛ فقد نشأ رمحه اهلل يف ٍ‬
‫حمبة للعلم والعلماء‪ ،‬أهنى املرحلة االبتدائية يف مدرسة يف حدود الشام القدمية مث الزم العلماء والشيوخ وأخذ عنهم علم اللغة والفقه واألصول‬
‫والعقيدة وغريها من العلوم‪ ، 4‬وله تالميذ كبار كابنه الشيخ عبد الرمحن حبنكة والشيخ الدكتور حممد سعيد رمضان البوطي والدكتور مصطفى‬
‫صلباً ثابتاً يف مواقفه‪ ،5‬عرضت عليه الدولة منصب شيخ اإلسالم والقضاء يف‬ ‫اخلن وغريهم‪ .‬وكان حاد الذكاء حاضر الذهن جريئاً يف احلق ُ‬
‫عهد الوحدة بني مصر وسوريا فرفض ذلك‪ .‬أسهم يف تأسيس رابطة العلماء بدمشق‪ ،‬وكان أمينها العام‪ ،‬مث صار رئيسها بعد وفاة الشيخ مكي‬
‫الكناين‪ ،6‬وتويف رمحه اهلل عام مثانية وسبعني وتسعمائة وألف للميالد‪.‬‬
‫أما أمه فهي السيدة نظمية بنت إبراهيم السودان‪ ،‬لقبت من قبل بعضهم بز"ست الشام وأم طلبة العلم" متيزت خبدمتها للعلم وطالبه‪،‬‬
‫وقد كانت أمية تعلمت من زوجها مبادئ القراءة والكتابة ح ى صارت تدرس ذلك للفتيات الصغريات من حوهلا‪ ،‬وكانت ال متل من تقدمي‬
‫اخلدمات لكل من يتلقى العلم على يد الشيخ حسن‪ ،‬تقدم الطعام والشراب وختيط اجلبب يف ليايل رمضان لتوزيعها على طالب الشيخ يف‬
‫ٍ‬
‫بصمت ورضاً وتسلي ٍم‪.7‬‬ ‫أيام العيد‪ ،‬ح ى غدت أماً حانية خادمة‬
‫نشأ الشيخ إذاً مع العلم والدعاة‪ ،‬والزمهما مبكراً حتت عناية والده ورعايته‪ ،‬والذي كان أول شيخ الزمه وأخذ عنه‪ .‬بدأ العلم صبياً صغرياً‬
‫يف مدرسة وقاية األبناء االبتدائية‪ ،‬مث التحق بعد ذلك مبعهد التوجيه اإلسالمي الذي أسسه والده‪ ،‬ويف هذا املعهد نال الشيخ قسطه من العلم‬
‫واملعرفة‪ ،‬وكان هو واملنتسبون إليه يعتقدون أن الطريقة املتبعة فيه هي الطريق املثلى لتخريج كبار العلماء احملققني القادرين على حل املعضالت‬
‫والرجوع إىل املصادر واستخراج كنوز العلم منها مع الضبط والتحرير والتدقيق‪ ،‬وكان والده يكلف طالبه ويلزمهم بإعطاء دروس عامة ومواع‬
‫للناس يف املساجد ويدرمهم على اخلطابة أمام اجلماهري‪.8‬‬
‫وهكذا سار الشيخ عبد الرمحن برعاية والده وتعليمه وتدريبه‪ ،‬ح ى خترج من املعهد سنة ألف وتسعمائة وسبع وأربعني وله من العمر‬
‫عشرون عاماً مل يتجاوزها‪ ،‬وصار مدرساً فيه ملواد خمتلفة ملدة ثالث سنوات مث انتسب بعدها إىل كلية الشريعة يف األزهر الشريف والتحق‬
‫بالسنة الثالثة‪ ،‬وخترج منها مث حصل على شهادة العاملية مع إجازة يف التدريس‪ .‬ويف عام ‪1960‬م أُسندت إليه إدارةُ التعليم الشرعي يف وزارة‬
‫األوقاف وعمره مل يتجاوز الثانية والثالثني‪ ،‬وكان عليه مواجهة أمرين‪ :‬نظام منهار للتعليم الشرعي هذا أوالً‪ ،‬أما ثانياً فهو نظام سياسي حيارب‬
‫كل ما ميت لإلسالم بصلة‪ .‬فبدأ ‪ -‬رمحه اهلل‪ -‬باجلانب اإلداري فرسم هيكالً ينطلق منه إىل التكامل‪ ،‬مث تال ذلك بطائفة من املناهج‬
‫واألنظمة العلمية مل تلبث أن أخذت سبيلها إىل التنفيذ‪.109‬‬
‫وأمام هذا التطور فيما يتعلق بالعلم الشرعي وقفت السلطات احلاكمة موقفاً سيئاً فقامت باعتقال الشيخ حسن وبعض أبنائه وكثرياً من‬
‫العلماء‪ ،‬إال أن الشيخ عبد الرمحن جنا واستطاع أن يذهب إىل السعودية حيث عمل يف كلية الشريعة بالرياض ملدة سنتني‪ ،‬مث حتول إىل كلية‬
‫‪5‬‬
‫الشريعة مبكة املكرمة‪ ،‬واستقر مدرساً يف كلية الدعوة وأصول الدين يف جامعة أم القر ‪ ،‬واستمر هناك قرابة ثالثني عاماً تقاعد بعدها وقد بلغ‬
‫السبعني‪ ،‬تفرغ حينها لكتابة التفسري وتدوينه‪.11‬‬
‫مصنفاته‪ :‬تشهد املكتبة العلمية اليت تركها الشيخ له بغزارة العلم واملعرفة‪ ،‬فقد كتب ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف جوانب متعددة مما يصعب حصره هنا‪،‬‬
‫فقد كتب فيما يتعلق بالقرآن كتباً كثرية أشهرها كتابني ومها "قواعد التدبر األمثل لكتاب اهلل عز وجل" وتفسريه املعروف بز "معارج التفكر‬
‫ودقائق التدبر"‪ ،‬وكتب يف اللغة العربية أيضاً ومن كتبه‪" :‬البالغة العربية أسسها وعلومها"‪ ،‬وكتب يف الفكر وقضايا األمة كتباً كثرية منها‪:‬‬
‫"كواشف زيوف يف املذاهب الفكرية املعاصرة"‪ ،‬و"أجنحة املكر الثالثة وخوافيها‪ :‬التبشري االستشراق واالستعمار"‪ ،‬وكتب يف أصول الدين‬
‫أيضاً كتباً كثرية أشهرها‪" :‬العقيدة اإلسالمية وأسسها"‪ ،‬ويف العلوم العقلية كتب "ضوابط املعرفة وأصول االستدالل واملناظرة" وله كتب يف الفقه‬
‫واألحكام ويف الدعوة والدعاة مما تزخر به املكتبات اإلسالمية‪.‬‬
‫ومن املالح على مؤلفاته التوسع يف الكتابة والتحليل واالستدالل واالستنباط باإلضافة إىل سهولة العبارة وحسن التبويب والتنظيم‬
‫والتنسيق مما يسهل على القارئ قراءهتا وفهمها‪.12‬‬
‫لقد كان رمحه اهلل عاملاً ربانياً جليالً‪ ،‬صاحب مهة وقلم‪ ،‬كتب فأبدع‪ ،‬وعمل فأنتج‪ ،‬ح ى وافته املنية بعد أن ابتلي بسرطان القولون ووفاة‬
‫زوجته‪ ،‬وكان ذلك عام ألفني وأربعة يف مكة املكرمة‪ ،‬فجزاه اهلل عنا وعن املسلمني كل خري‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬التعريف بتفسير "معارج التفكر ودقائق التدبر "‬
‫تفسري " معارج التفكر ودقائق التدبر " تفسري لسور القرآن حبسب ترتيب نزوهلا‪ ،‬فقد أقامه مؤلفه على ترتيب نزول القرآن الكرمي ‪ ،‬حيث‬
‫يقول مبيناً سبب اختياره هذا املنهج ‪":‬وقد رأيت بالتدبر امليداين للسور أن ما ذكره املختصون بعلوم القرآن الكرمي من ترتيب النزول‪ ،‬هو يف‬
‫معظمه حق‪ ،‬أخذاً من تسلسل البناء املعريف التكاملي‪ ،‬وتسلسل التكامل الرتبوي‪ ،‬واكتشفت يف هذا التدبر أموراً جليلة تتعلق حبركة البناء‬
‫املعريف ألمور الدين‪ ،‬وحركة املعاجلات الرتبوية الربانية للرسول ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ ، -‬وللذين آمنوا به واتبعوه‪ ،‬وللذين مل يستجيبوا لدعوة‬
‫الرسول مرتددين‪ ،‬أو مكذبني كافرين"‪ .13‬وقد حاول املؤلف تطبيق ما ذكره يف كتابه (قواعد التدبر األمثل للقرآن الكرمي) يف تفسريه هذا ‪،‬‬
‫يقول رمحه اهلل ‪":‬وبعد فقد فتح اهلل عز وجل علي خالل تدبري الطويل لكتابه اجمليد‪ ،‬باستخراج أربعني قاعدة من قواعد التدبر األمثل لكتابه‪،‬‬
‫قابلة للزيادة عليها‪ ،‬وهذه القواعد تقدم للمتدبرين أصول التفسري األقوم للقرآن‪ ،‬ومل أجد يف املفسرين من اهتم بالتزام مضموهنا‪ ،‬وال بالتزام كثري‬
‫منها‪ .‬وقد رأيت من الواجب علي أن أقدم ما أستطيع تقدميه من تدبر لسور هذا الكتاب العزيز املعجز‪ ،‬ملتزماً على مقدار استطاعيت مبضمون‬
‫عسري جداً‪ ،‬بل قد يكون بالنسبة إىل متدبر واحد متعذراً"‪.14‬‬ ‫علي‪ ،‬مع االعرتاف بأن التزامها التزاماً دقيقاً وشامالً ٌ‬
‫القواعد اليت فتح اهلل مها َّ‬
‫وقد صدر من الكتاب مخسة عشر جملداً يف مخس جمموعات‪ ،‬كل جمموعة يف ثالثة جملدات ‪ ،‬وقد صدرت اجمللدات الثالثة األوىل (‪-1‬‬
‫‪ )3‬من هذا التفسري التدبري عام ‪1420‬هز‪ ،‬واشتملت على تدبر ‪ 38‬سورة من السور املكية‪ ،‬ابتداء من سورة العلق ‪ ،‬وانتهاء بسورة ص‪،‬‬
‫وصدرت اجمللدات الثالثة (‪ )6-4‬من اجملموعة الثانية عام ‪1421‬هز‪ ،‬وقد اشتملت على تدبر سورة األعراف واجلن‪ ،‬ويس والفرقان‪ ،‬وصدرت‬
‫اجمللدات الثالثة (‪ )9-7‬من اجملموعة الثالثة عام ‪1423‬هز‪ ،‬واشتملت على تدبر سور فاطر ومرمي‪ ،‬وطه والواقعة والشعراء والنمل والقصص‬
‫واإلسراء‪ ،‬وصدرت اجمللدات الثالثة (‪ )12-10‬من اجملموعة الرابعة عام ‪1425‬هز ‪ ،‬وقد اشتملت على تدبر سور يونس وهود ويوسف‪،‬‬
‫واحلجر واألنعام والصافات ولقمان‪ ،‬وسبأ والزمر وغافر وفصلت والشور والزخرف‪ ،‬وصدرت اجمللدات الثالثة (‪ )15-13‬من اجملموعة‬
‫اخلامسة عام ‪1427‬هز‪ ،‬وقد اشتملت على تدبر بقية السور املكية ابتداءً بالدخان وانتهاءً باملطففني‪.15‬‬

‫‪6‬‬
‫وقد أدرك الشيخ أ ان املنية قد تعاجله قبل إهناء مجيع سور القرآن‪ ،‬وهو ما أشار إليه يف مقدمة كتابه‪" :‬وإذا مل تسعف القدرات‪ ،‬أو مل‬
‫يسعف العمر باستكمال هذا التدبر لكل القرآن اجمليد‪ ،‬فإن من املفيد جداً أن أقدم ما يفتح اهلل الوهاب يل فيه‪ ،‬عسى يتم العمل متدبرون‬
‫الحقون‪ ،‬حمتذين أو مضيفني أو معدلني"‪.16‬‬
‫وكما مر سابقاً فإن هذا التفسري قد بناه صاحبه وف ق كتابه اآلخر "قواعد التدبر األمثل لكتاب اهلل عز وجل"‪ ،‬وقد مسى تفسريه‬
‫بالتفصيل‪" :‬معارج التفكر ودقائق التدبر‪ :‬تفسري تدبري للقرآن الكرمي حبسب ترتيب النزول وفق منهج كتاب قواعد التدبر األمثل لكتاب اهلل‬
‫عز وجل"‪ ،‬ولذلك ال بد من تعريف بسيط لكتاب قواعد التدبر‪.‬‬
‫أما قواعد التدبر األمثل ف هي قواعد رأ واضعها أنه اهتد إليها خالل ممارسته تدبر كتاب اهلل بعمق وأناة قرابة ثلث قرن أو أكثر‪،‬‬
‫اعتمد يف بعضها على السرب الشامل آليات القرآن الكرمي خالل املعجم املفهرس أللفاظ القرآن الكرمي حملمد فؤاد عبد الباقي ‪ -‬رمحه اهلل‪.-‬‬
‫واعتمد ‪-‬أيضاً‪ -‬على الرأي األرجح ‪-‬بزعمه‪ -‬من أقوال علماء العربية واملفسرين حول الكلمة واستعماالهتا يف القرآن اجمليد‪.17‬‬
‫وقد صدرت الطبعة األوىل من هذا الكتاب يف متوز ‪ 1979‬ميالدية‪ .‬وقد أضاف هلذه القواعد مالحظات وقواعد أخر يف الطبعة الرابعة‬
‫ٍ‬
‫وبالغة‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫وصرف‬ ‫ضمها الكتاب أربعني قاعدة‪ُ ،‬جلوها يتعلق باللغة وعلومها املختلفة من حن ٍو‬‫للكتاب عام ‪ 1987‬ميالدية‪ ،‬فأصبح عدد القواعد اليت ا‬
‫وباقيها يتعلق بقضايا التفسري وأدواته وبعض علوم القرآن‪.‬‬
‫وأوىل املالحظات حول هذه القواعد اأهنا يف غالبها ليست جديدة بل هي قضايا بديهية قد حتدث عنها الكثري من العلماء السابقني‪،‬‬
‫وعلى سبيل املثال ال احلصر ما ذكره حول الوحدة املوضوعية يف السورة القرآنية يف القاعدة الثانية حيث قال‪" :‬وبالتتبع الطويل اهتديت ‪-‬‬
‫بتوفيق اهلل‪ -‬إىل أ ان السورة القرآنية متعانقة اآليات واجلمل يف اآلية حول موضوع كلي واحد‪ ،‬كما اهتد آخرون معاصرون إىل هذه احلقيقة ‪-‬‬
‫بفضل اهلل‪ -‬إذ أدمنوا النظر الثاقب يف كتاب اهلل"‪ ،18‬واحلقيقة أ ان هذا األمر الذي اهتد إليه قد حتدث عنه السابقون للشيخ فضالً عن‬
‫املعاصرين له‪ ،‬فقد حتدث الشاطيب يف املوافقات عن هذا املوضوع وحتدث من جاء بعده من أمثال الرافعي ودراز وسيد رمحهم اهلل مجيعاً‪ ،‬مثا‬
‫معان متماسكة تشبه حلقات مرتابطات‪ ،‬مشموالت‬ ‫قال‪" :‬ولد البحث الدقيق املتعمق نالح أن السورة القرآنية تشتمل على وحدات ٍ‬
‫حبلقة أكرب منها وهي داخلة فيها ومتعلقة مها"‪ ،19‬وهذا الكالم ردده سيد مراراً يف الظالل حول تقسيم السورة إىل حلقات وأشواط ومقاطع‬
‫تدور حول حموٍر واحد‪ ،‬وليس اكتشافاً جديداً وال حيتاج إىل هذا البحث العميق ح ى يقرر‪.‬‬
‫ومن القواعد البديهية اليت قررها يف القاعدة الثالثة حيث قال‪" :‬إ ان من الظواهر يف النصوص األدبية البليغة الرفيعة أ ان الناص قد يكون‬
‫موجهاً لعدة أهداف‪ ،‬وهذه األهداف كلها مقصودة من النص‪ ،‬ويظهر هذا جبالء حينما يكون املخاطب به مجاعة ذات فئات خمتلفات‪،‬‬
‫‪20‬‬
‫محال ذو وجوه‪ ،‬وقد ذكر ابن تيمية يف مقدمته شرحاً مستفيضاً‬ ‫وعناصر متباينات" ‪ ،‬وهذه قضية مقررة يف ذهن املفسرين القدامى؛ فالقرآن ٌ‬
‫يف ذلك‪ ،‬فال تستحق أن تفرد هذه بقاعدة مستقلة‪.‬‬
‫إذن فالكثري من هذه القواعد قد سبق مها املصنف أو إهنا غري مطردة ومتداخلة أحياناً‪.‬‬
‫فمثالً‪ :‬القاعدة األوىل والثانية تتحدثان حول الوحدة املوضوعية يف القرآن الكرمي‪ ،‬والقاعدة السابعة تتحدث حول تتبع التفسري املأثور‬
‫ملعىن النص‪ ،‬والقاعدة احلادية عشرة تتحدث حول النظر فيما ورد من أسباب النزول‪ ،‬وكذلك القواعد (‪21‬و‪22‬و‪23‬و‪ )24‬وما بعدها‪ ،‬كلها‬
‫ذلك يتحدث حول قضايا لغوية ال فاصل بينها‪ ،‬وكان األحر باملصنف ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬أن جيعل قواعده يف حماور قليلة ينضوي حتتها الكثري من‬
‫الفروع والتفصيالت‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫ويضاف إىل ذلك كله أ ان الكثري من هذه القواعد ليس مسلماً به بل هي قابلة للنقاش والنقد‪ ،‬ولعل من أمهها ما ذكره يف جدول خاطئ‬
‫يف هناية القاعدة التاسعة للسور املكية واملدنية‪ ،21‬وما يف السور املكية من آيات مدنية وما يف السور املدنية من آيات مكية‪ ،‬وقد اعتمد على‬
‫هذا اجلدول يف حتليالته وقواعده اليت خطها‪.‬‬
‫وهذا اجلدول ال يسلم من النقد الكثري (سيأيت احلديث عنه الحقاً)‪ ،‬فنحن نعلم أن ترتيب السور القرآنية وفق النزول هو ظين وشاق‬
‫وحيتاج لصحة الرواية وسالمة الدراية‪ ،‬مثا إناه من املقرر أن السورة كانت تنزل عرب سنوات طويلة‪ ،‬يتنزل خالهلا سور كاملة كما نعلمه من حال‬
‫سورة البقرة‪ ،‬فكيف يتسىن لنا هذا الرتتيب‪ ،‬ولذلك فإ ان أولئك الذين حاولوا ترتيب السور القرآنية حسب النزول من أمثال‪ :‬حممد عزة دروزة‬
‫وعبد القادر مال حويش وحممد عابد اجلابري مل يسلموا من النقد بل والرفض الشديد‪ ،‬مثا إ ان مسألة وجود آيات قليلة يف سور مدنية مسألة مل‬
‫تثبت رواية وال دراية ومع ذلك تعامل معها املصنف ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬على أهنا بديهية من البديهيات‪ ،‬بل إنه جعل القاعدة العاشرة يف‪ :‬احلكمة‬
‫من وضع آيات مدنية التنزيل يف سور مكية ووضع آيات مكية التنزيل يف سور مدنية‪ ،‬كذلك جند املصنف ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬قد اعتمد على الكثري‬
‫من أسباب النزول اليت حتتاج لدراسة مستفيضة يف أسانيدها ومتوهنا‪ ،‬واألمثلة على ذلك كثرية مبثوثة يف الكتاب‪.‬‬
‫وجند املفسر أيضاً يعتمد يف توجيهاته على آراء مرجوحة يف التفسري‪ ،‬فمثالً عند حديثه عن القسم يف القرآن الكرمي يتحدث عن القسم‬
‫يف سورة الفجر‪ ،‬وير أن األزمان املذكورة يف السورة هي أزمنة إهالك اهلل عز وجل أولئك املكذبني الذين ذكروا يف السورة‪ ،22‬فقد أهلك اهلل‬
‫عز وجل مثود بالصيحة عند الفجر‪ ،‬وكذلك سار بنو إسرائيل من مصر بقيادة موسى يف ليال عشر من أول احملرم يف اجتاه البحر إىل صحراء‬
‫سيناء‪ ،‬وأهلك اهلل عز وجل عاداً إذ بعث إليهم عند الفجر رحياً صرصراً عاتية يف سبع ٍ‬
‫ليال ومثانية أيام حسوماً أي شفعاً ووتراً‪ ،‬والليل إذا‬
‫يسري يشري إىل تبييت اهلل عز وجل من يريد إهالكهم إذ جيعل ليل اإلهالك يسري مهدوء ح ى إذا كان وقت الفجر فوجئ املقرر إهالكهم مبا‬
‫به يزُ ْهلَكون‪.‬‬
‫فالقسم مهذه األزمنة كناية عن القسم باألحداث اليت جرت فيها‪ ،‬والقسم باألحداث هو كناية عن حكمة اهلل اليت قضت مها‪ ،‬وقدرته اليت‬
‫نفذهتا‪ ،‬وعلمه الذي أحاط بكل شيء‪.23‬‬
‫واحلقيقة أن هذا األمر ال يسلم له فيه وليس اآلن الوقت املالئم ملناقشته فيه‪.‬‬
‫واألظهر من ذلك ما ذكره حول القسم املنفي يف القرآن‪ ،24‬حيث وردت صيغة (ال أقسم) أو (فال أقسم) يف مواضع مثانية من القرآن‬
‫الكرمي‪ ،‬وقد خلص إىل أ ان ذكر القسم ونفيه إاّنا هو أسلوب بياين مبتكر للداللة على أن املوضوع مع حال املخاطبني يقتضي اقتضاءين‬
‫متعارضني‪:‬‬
‫أحدمها يستدعي البيا ُن فيه القسم املؤكد للخرب الذي هو املقسم عليه‪ ،‬واآلخر يستدعي البيان فيه عدم القسم‪.‬‬
‫فكان احلل املبتكر يف أساليب البيان القرآنية اختيار أسلوب ذكر لف القسم‪ ،‬وذكر املقسم به تنبيهاً عليه مع سبقه بأداة نفي‪ .‬فالوجه‬
‫القسم روعي حاله بذكر القسم واملقسم به‪ ،‬تنبيهاً على ما يف املقسم به من تأكيد أو حجة هادية إىل أن املوضوع الذي يُراد‬ ‫َ‬ ‫الذي اقتضى‬
‫تأكيده هو متحقق الوقوع‪.‬‬
‫والوجه الذي اقتضى عدم احلاجة إىل القسم ُروعي حاله بنفي القسم بأداة النفي (ال)‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫ٍ‬
‫وتكلف كب ٍري يف تطبيقاته‪ ،‬بل ال تتجلى فيه البالغة القرآنية كما يزعم املصنف ‪-‬رمحه اهلل‪-‬‬ ‫نقد ٍ‬
‫شديد‬ ‫وهذا الكالم ال يسلم ‪-‬أيضاً‪ -‬من ٍ‬
‫ويتناقض مع املنهج القرآين والبالغة الرفيعة اليت نزل مها‪.‬‬
‫ويتناقض مع هذه البالغة الرفيعة ‪-‬أيضاً‪ -‬ما ذكره يف القاعدة السابعة والعشرين حول "رعاية فواصل اآليات اهتماماً بالنسق اللفظي"‪،‬‬
‫فإنه شتان بني أن تكون الفاصلة تبعاً للمعىن وأن يكون املعىن تبعاً للفاصلة وللجرس اللفظي يف القرآن‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫هذه بعض املالحظات حول كتاب "قواعد التدبر األمثل" والذي قد بىن الشيخ تفسريه عليه‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬منهج الشيخ عبد الرحمن حبنكة في تفسيره‬
‫المطلب األول‪ :‬المنهج العام الذي سار عليه وأهم مصادره في تفسيره‬
‫املسألة األوىل‪ :‬املنهج العام الذي سار عليه الشيخ يف التفسري‬
‫يذكر الشيخ يف بداية كل سورة (حسب ترتيب نزوهلا) األمور التالية‪:25‬‬
‫‪ -1‬امسها أو أمساؤها (إن ُوجد هلا أكثر من اسم كالعلق والقلم والفاحتة)‪ ،‬وترتيبها يف املصحف وترتيبها يف النزول ومكيها ومدنيها (إن‬
‫كانت مما قيل إ ان فيها من املكي واملدين‪ ،‬مثل القلم وق ويس والفرقان وغريها‪ ،‬وإال فال يذكر أهي مكية أم مدنية مثل العلق والبلد والطارق‬
‫وص وغريها) وسبب تسميتها يف بعض األحيان‪.‬‬
‫‪ -2‬يذكر نص السورة كامالً وما فيها من فرش القراءات‪ ،‬حبيث يكون نص السورة يف أعلى الصفحة وفرش القراءات يف اجلزء السفلي‪.‬‬
‫‪ -3‬ذكر ما ورد يف السنة بشأن السورة اليت يتدبرها ويفسرها قائالً‪ :‬مما ورد يف السنة بشأن سورة كذا‪ ،‬أو مما روي عن النيب ‪-‬صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ‪ -‬بشأن هذه السورة وحنوها‪ ،‬ويذكر جمموعة من األحاديث الواردة يف ذلك‪ ،‬كما يذكر سبب النزول إن ُوجد‪.‬‬
‫‪ -4‬ذكر موضوع السورة أو موضوعاهتا‪.‬‬
‫‪ -5‬تقسيم السورة إىل دروس‪ -‬حبسب طوهلا وقصرها (فبعض السور القصرية كالكوثر مثالً تعترب كلها درساً واحداً)‪ -‬مقسماً آياهتا على‬
‫عدد الدروس‪ ،‬ويذكر موجزاً عن الدرس وآياته‪ ،‬وقد جيمع االثنني معاً فيقول‪ :‬موضوع السورة ودروسها‪.‬‬
‫‪ -6‬مث يبدأ بالتدبر التحليلي لكل درس من دروس السورة‪ ،‬فيورد اآليات اليت يتناوهلا الدرس مث بتناول كل آية على حده‪ ،‬فإن كان فيها‬
‫قراءات بينها وقام بتوجيهها‪ ،‬مث يتناول األلفاظ واملفردات بالتحليل اللغوي وبيان معانيها مث يشرح اآلية شرحاً إمجالياً موضحاً املعىن العام هلا‬
‫بعد حتليل ألفاظها‪ ،‬مث يذكر ما يندرج حتتها من دروس‪ ،‬ويذكر أقوال املفسرين بشأن اآلية إما بذكر اسم املفسر أو ُجيمل األمر يف ذلك غالباً‪،‬‬
‫مث يذكر ما ورد عن النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬أو أصحابه يف شأن بيان معىن اآلية إن ُوجد‪ .‬مث خيتم السورة ‪-‬غالباً‪ -‬بذكر ملحق أو‬
‫أكثر يكون عادة حول بالغيات السورة وموضوعات أخر مل يتطرق هلا عند شرح آيات السورة‪.‬‬
‫وامتاز الشيخ يف طريقة عرضه وتدبره باستخدامه ملنهج التفسري املوضوعي‪ ،‬ومبناقشاته الكثرية ألقوال السابقني من مفسرين وحنويني‬
‫بأهنا ال سند هلا‪ ،‬ويعرض أقواهلم غالباً مجلة دون ذكر اسم املفسر أو اسم‬ ‫وبالغيني وغريهم‪ ،‬ورده لكثري من آرائهم ووصفها أحياناً باخلطأ أو ا‬
‫التفسري‪ ،‬وأمثلة ذلك كثرية منها‪:‬‬
‫‪ -1‬من تفسري سورة املرسالت يقول يف امللحق األخري عن القسم ما نصه‪" :‬جاء عند املفسرين تفسري (املرسالت) بالرياح وباملالئكة‬
‫ذكرا) باملالئكة‪ ،‬ورأيت أ ان هذه التفسريات ال تستند إىل بيان نبوي‪ ،‬وإاّنا هي آراء اجتهادية ذكرها‬ ‫واألنبياء‪ ،‬وتفسري (الفارقات) و (امللقيات ً‬
‫املفسرون" مث قال بعد أن عرض وجهة نظره وهي طويلة ملخصها أ ان القسم هو على أمور كونية مشاهدة لتأكيد نبأ غييب‪ ،‬وال يكون بأمور‬
‫غيبية ينكرها املخاطب لتأكيد أمر غييب آخر‪ ،‬قال بعدها‪" :‬هذا ما جعلين أستبعد اآلراء اليت ذكرت يف تفسري ما أقسم اهلل به يف صدر سورة‬
‫ألهتا من آيات اهلل الكرب املشهودة يف الكون"‪.26‬‬
‫املرسالت‪ ،‬باستثناء الرياح ا‬
‫ت السَّا َعةُ َوا ْن َش َّق ْالقَ َم ُر (‪[ })1‬القمر‪ ]1 :‬على التقدمي‬
‫‪ -2‬من تفسري سورة القمر يقول‪ " :‬زعم ابن كيسان أن قول اهلل عز وجل { ْقتَ َربَ ِ‬
‫والتأخري‪ ،‬وأن األصل‪ :‬انشق القمر واقرتبت الساعة‪ ،‬متومهاً أن انشقاق القمر سابق القرتاب الساعة‪ ،‬لقد ظن أن اقرتاب الساعة هو قدومها‬
‫فوقع يف اخلطأ‪ ،‬مع أن اقرتاب الساعة شيء ووقوعها شيء آخر‪ ،‬فاقرتاب الساعة حاصل قبل انشقاق القمر حتماً"‪.27‬‬

‫‪9‬‬
‫وهكذا ميضي الشيخ يف متابعة أقوال األئمة والعلماء من مفسرين وحنويني وأدباء وغريهم‪ ،‬وال يُسلم ملا ذكروه‪ ،‬ويرد مجلة من أقواهلم‬
‫ويتخذ لنفسه رأياً ومذهباً‪ ،‬األمر الذي يدل على أدبه اجلم وغزارة علمه وقوة فكره وعقله‪.‬‬
‫ومما يتعلق مبنهجه العام اإلحاالت يف بعض املواضع‪ ،‬وهي إما إحالة على التفسري نفسه‪ ،‬أو إحاالت إىل مراجع خارجة عنه سواء كانت‬
‫من تأليفه وتصنيفه‪ ،‬أم كانت من تأليف غريه من العلماء‪ .‬ومن األمثلة على ذلك‪:‬‬
‫كاف حول احلروف املقطعة‬ ‫‪ -1‬عند تفسري قوله تعاىل من سورة األعراف‪{ :‬المص (‪ })1‬يقول‪" :‬وقد سبق يف أول سورة القلم بيان ٍ‬
‫املوجودة يف أوائل بعض السور"‪ ،28‬وعند قوله تعاىل يف نفس السورة من آية ‪ 87-85‬يف قصة شعيب مع قومه مدين يقول‪" :‬هذا هو النص‬
‫الثالث حبسب ترتيب النزول من النصوص العشرة اليت جاءت يف القرآن اجمليد بشأن هؤالء القوم" مث يذكر يف احلاشية‪" :‬انظر الدراسة التكاملية‬
‫هلذه النصوص يف امللحق السادس من مالحق هذه السورة"‪.29‬‬
‫ْث ِش ْئتُ َما َو ََل تَ ْق َربَا هَ ِذ ِه ال َّش َج َرةَ فَتَ ُكونَا‬‫‪ -2‬عند تفسري قوله تعاىل يف سورة األعراف ‪َ { :‬ويَاآ َد ُم ا ْس ُك ْن أَ ْنتَ َو َزوْ جُكَ ْال َجنَّةَ فَ ُك ََل ِم ْن َحي ُ‬
‫ِمنَ الظَّالِ ِمينَ (‪ }19‬يقول‪" :‬وأورد ابن كثري يف كتابه"قصص األنبياء" قال‪ :‬حكى السدي‪..‬اخل" ويف احلاشية أحال على اجلزء والصفحة من‬
‫كتاب ابن كثري‪ ، 30‬ويف سورة العصر عند ذكره ما ورد من آثار بشأن السورة يقول يف األثر األول والثاين يف احلاشية‪" :‬عن ابن كثري يف‬
‫تفسريه"‪ 31‬إىل غري ذلك من اإلحاالت يف كتابه‪.‬‬
‫أما يف ختام كل سورة فريجع الشيخ الفضل إىل اهلل فيقول‪" :‬ومهذا مت لنا تدبر سورة األعلى على ما فتح اهلل به"‪ ،32‬أو "ومهذا مت تدبر‬
‫سورة الفجر واحلمد هلل على فتحه وعظيم منته"‪ 33‬وحنوها‪.‬‬
‫لكن مما يؤخذ على الشيخ رمحه اهلل يف بعض املواضع من التفسري االعتداد برأيه وما توصل إليه من معان مل ينتبه هلا غريه‪ ،34‬واعتبار أن‬
‫ك آبَاؤُ نَا ِم ْن قَ ْب ُل َو ُكنَّا ُذرِّ يَّةً‬ ‫ما ذهب إليه هو األوىل باألخذ واالعتبار‪ ،‬فمن تلك املواضع مثالً ما ورد عند قوله تعاىل { أَوْ تَقُولُوا إِنَّ َما أَ ْش َر َ‬
‫ِم ْن بَ ْع ِد ِه ْم أَفَتُ ْهلِ ُكنَا بِ َما فَ َع َل ْال ُم ْب ِطلُونَ (‪[ })173‬األعراف‪ ]173 :‬حيث قال‪" :‬واستعمال عبارة (أفتهلكنا) دلت على أن اعتذارهم الوارد يف‬
‫اآلية إّنا يكون حينما يشاهدون بوادر اإلهالك يف الدنيا عقاباً هلم على شركهم‪ ،‬إذ اإلهالك هو اإلماتة باستئصال شامل باملهلكات‬
‫املعذبات‪ ،‬واهلالك هو املوت الذي يستهلك وجود الكائن احلي‪ ،‬أما عذاب يوم الدين فال موت فيه وال استهالك يعقبه‪ ،‬وكل ما استعمل يف‬ ‫ِّ‬
‫القرآن من مادة اهلالك واإلهالك فهو يف املوت والعذاب الدنيوي املميت‪ ،‬ومل أجد من املفسرين من تنبه إىل هذه الفكرة فوجه االعتذار يف‬
‫اآليتني[‪ ]173-172‬ليوم القيامة‪ ،‬يوم احلساب وفصل القضاء‪ ،‬ولكن الفهم الذي فتح اهلل به علي أوىل باالعتماد واهلل أعلم"‪.35‬‬
‫َّللاُ ِم ْنهَا َو َما يَ ُكونُ لَنَا أَ ْن نَعُو َد فِيهَا إِ ََّل‬ ‫ويف موضع آخر يف تفسري قوله تعاىل‪ { :‬قَ ِد ا ْفت ََر ْينَا َعلَى َّ‬
‫َّللاِ َك ِذبًا إِ ْن ُع ْدنَا فِي ِملَّتِ ُك ْم بَ ْع َد إِ ْذ نَجَّانَا َّ‬
‫ق َوأَ ْنتَ َخ ْي ُر ْالفَاتِ ِحينَ (‪[ })89‬األعراف‪:‬‬
‫َّللاِ تَ َو َّك ْلنَا َربَّنَا ا ْفتَحْ بَ ْينَنَا َوبَ ْينَ قَوْ ِمنَا بِ ْال َح ِّ‬
‫َّللاُ َربُّنَا َو ِس َع َربُّنَا ُك َّل َش ْي ٍء ِع ْل ًما َعلَى َّ‬
‫أَ ْن يَشَا َء َّ‬
‫‪36‬‬
‫‪]89‬حيث قال‪" :‬وما فتح اهلل علي يف فهم هذه العبارة هو احلق املطابق لقواعد اإلميان" ‪.‬‬
‫ا‬
‫فيلح من هاتني العبارتني اعتداد الشيخ برأيه وما ذهب إليه‪ ،‬وإن كان رمحه اهلل متصفاً بدرجة عالية من التواضع واالعرتاف بفضل اهلل‬
‫عليه فيما فتح عليه يف تفسري كالم اهلل تعاىل‪ ،‬فلعل ذلك يؤخذ عليه‪.‬‬
‫املسألة الثانية‪ :‬مصادر الشيخ يف تفسريه‬
‫مصادر الشيخ يف التفسري كثرية‪ ،‬مشلت كتب التفسري واحلديث واللغة والسرية والتاريخ والنحو والبالغة والعلوم وغريها‪ ،‬ويتمثل موقف‬
‫الشيخ من كتب التفسري وغريها يف أمرين‪:37‬‬
‫األول‪ :‬النقل سواء بالنص أو املعىن والتصرف يف كالم هذه املصادر‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬النقد وعدم التسليم بشكل دائم ألقوال هؤالء املفسرين‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫ويف نقله عن تلك املصادر سلك طريقني اثنني‪:‬‬
‫األول‪ :‬ذكر أمساء الذين ينقل عنهم‪ ،‬كقوله‪ :‬رو اإلمام الطربي‪ ،‬نقل ابن كثري يف تفسريه‪ ،‬قال القرطيب‪ ...‬وغري ذلك من العبارات‬
‫اليت تدل صراحة على اسم املصدر الذي اعتمد عليه ونقل منه يف هذا املوضع أو ذاك‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬اإلشارة إىل مجلة املفسرين دون ختصيصهم أو ذكر أمسائهم‪ ،‬كقوله‪ :‬قال بعض املفسرين‪ ،‬اختلفت أقوال املفسرين‪ ،‬وقد نظرت‬
‫فيما ذكره املفسرون‪ ،‬إىل غري ذلك من األلفاظ اليت ال يصرح فيها بذكر اسم املصدر أو صاحبه‪.‬‬
‫ومن أهم الكتب اليت اعتمد عليها ذاكراً أمساء أصحامها‪:‬‬
‫‪ -1‬تفسري الطربي‪ :‬وقد ورد ذكره كثرياً يف تفسريه األمر الذي يدل على مقدار اعتماده عليه واهتمامه به‪ ،‬وقد نقل عنه يف جوانب‬
‫{ودُّوا لَ ْو تُ ْد ِه ُن فَيُ ْد ِهنُو َن (‪ } )9‬ويف‬
‫متعددة‪ ،‬كفضائل السور وأسباب النزول وبيان معاين اآليات وغري ذلك‪ ،‬كما يف سورة القلم يف قوله تعاىل‪َ :‬‬
‫البسملة يف أول الفاحتة وغريها من املواضع املختلفة‪.‬‬
‫‪ -2‬الكشاف للزخمشري وقد استفاد منه يف بيان املعاين اللغوية والقضايا البالغية وغريها‪.‬‬
‫وكذلك اعتمد على "أحكام القرآن البن العريب املالكي"‪ ،‬و"اجلامع ألحكام القرآن"‪ ،‬و"مفاتح الغيب للرازي"‪ ،‬و"احملرر الوجيز البن‬
‫عطية"‪ ،‬و"البحر احمليط أليب حيان"‪ ،‬و"تفسري القرآن العظيم البن كثري"‪ ،‬و"فتح القدير للشوكاين"‪ ،‬و"التحرير والتنوير البن عاشور"‪.‬‬
‫هذه هي أهم املصادر اليت اعتمدها يف تفسريه على تفاوت يف مد التأثر ومقدار االعتماد على هذا املصدر أو ذاك‪ ،‬وهذه املصادر كان‬
‫يأخذها ويذكر أصحامها‪ ،‬وهو يف جانب آخر يعتمد على مصادر ال يذكرها وال يذكر أصحامها‪ ،‬وإّنا يشري إىل مجلة املفسرين بعبارات خمتلفة‪،‬‬
‫وسلك طريقني يف هذا األمر‪:‬‬
‫األول‪ :‬اإلشارة إىل قول املفسرين وإيراده دون تعقيب أو نقد‪ .‬مثل ما ورد يف تفسريه لسورة الفلق حيث قال‪" :‬وجاء عند املفسرين تفسري‬
‫غس َق أي يذهب نوره ويسود ويُظلم"‪.38‬‬ ‫الغاسق يف سورة الفلق بالليل‪ ،‬وجاء تفسريه بالقمر ألن القمر ُخيسف في ي‬
‫َ‬
‫الثاين‪ :‬اإلشارة إىل قول املفسرين وإتباعه بالنقد والتعقيب وهو األكثر يف معارج التفكر‪ .‬مثل ما ورد يف تفسريه لسورة الفجر عند حديثه‬
‫عن األقسام اليت أقسمها اهلل قال‪" :‬وقد نظرت فيما ذكره املفسرون من أقوال اجتهادية‪ ،‬فلم أجد فيها قوالً يتضمن مناسبة بني األزمنة اليت‬
‫أقسم اهلل مها‪ ،‬وبني احلديث عن إهالك عاد ومثود وفرعون وجنوده‪ ،‬فلم ينشرح صدري لقول منها"‪ .39‬وغريها من األمثلة الكثرية املبثوثة يف‬
‫تفسريه‪.‬‬
‫‪40‬‬
‫أما مصادره من العلوم األخر ‪ ،‬فمن كتب احلديث اعتمد على املوطأ واملسند لإلمام أمحد والكتب الستة‪ ،‬ومن شروح احلديث اعتمد‬
‫على فتح الباري البن حجر وجامع العلوم واحلكم البن رجب احلنبلي وعلى كتابه املسمى‪ :‬روائع من أقوال الرسول‪ .‬أما يف اللغة فقد اعتمد‬
‫على كتاب الصحاح للجوهري والدر املصون للسمني احلليب ومغين اللبيب ولسان العرب‪ ،‬ويف القراءات اعتمد على البدور الزاهرة يف القراءات‬
‫العشر املتواترة للشيخ عبد الفتاح القاضي واملهذب يف القراءات العشر وتوجيهها من طريق طيبة النشر للدكتور حممد سامل حميسن‪ ،‬واعتمد يف‬
‫السرية على السرية النبوية البن إسحاق ويف التاريخ على قصص األنبياء البن كثري واعتمد أيضاً على التوراة يف نقله عن الكتاب املقدس يف‬
‫أكثر من موضع‪.‬‬
‫هذه هي أهم ما اعتمد عليه يف تفسريه‪ ،‬والناظر يف هذه الكتب يعلم مد إحاطة الشيخ بالعلوم املختلفة‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬منهجه في التعامل مع القضايا األثرية‬
‫يهتم الشيخ عبد الرمحن حبنكة باملأثور يف تفسريه‪ ،‬وقد جعل ذلك قاعدة من قواعد التدبر األمثل فقال‪" :‬القاعدة السابعة‪ :‬حول تتبع‬
‫التفسري املأثور ملعىن النص‪ :‬فهو حري ألن يكون يف كثري من األحيان فهماً صحيحاً وإن مل يكن كامالً شامالً لكل ما يهدف إليه النص‬
‫‪11‬‬
‫القرآين‪ ،‬ويشمل التفسري املأثور ما فهمه الصحابة والتابعون‪ ،‬أما البيان النبوي ملعىن النص القرآين فإذا صح فهو الذي جيب املصري إليه‪ ،‬وقد‬
‫يكون البيان النبوي بعض ما اشتمل ع ليه عموم النص‪ ،‬أو بعض ما اشتملت عليه دالالته‪ ،‬فيكون ما جاء يف البيان أحد املعاين اليت اشتملت‬
‫عليه دالالته"‪.41‬‬
‫أوًل‪ :‬تفسير القرآن بالقرآن‪:‬‬
‫ا‬
‫‪42‬‬
‫منحى ‪:‬‬ ‫حنى الشيخ يف تفسري القرآن بالقرآن أكثر من ً‬
‫األول‪ :‬بيان معاين األلفاظ واآليات وما يتعلق بذلك يف آيات معينة مبا جاء يف آيات أخر ‪ :‬مثال على ذلك ما ذكره عند قوله‬
‫ِّث ) الضحى (‪ )11‬قال‪" :‬ظهر يل أن املراد بنعمة ربه يف هذه اآلية هي نعمة تعاليم اإلسالم اليت هد اهلل مها‬ ‫تعاىل ‪َ ( :‬وأَ َّما بِ ِن ْع َم ِة َربِّكَ فَ َحد ْ‬
‫رسوله وعلمه إياها‪ ،‬ونعمة آيات القرآن اليت ينزل مها عليه الوحي من اهلل عز وجل‪ ،‬ويدل على هذا الفهم نصوص قرآنية متعددة منها‬
‫النصوص التالية املشتملة على دالالت واضحات‪:‬‬
‫‪ -1‬قول اهلل عز وجل يف سورة القلم(‪68‬مصحف‪4/‬نزول) خطاباً لرسوله ورداً على متهميه باجلنون {ن َو ْالقَلَ ِم َو َما يَ ْسطُرُونَ (‪َ )1‬ما‬
‫ون (‪ })2‬بنعمة اهلداية واإلسالم وما يتنزل عليك من القرآن‪.‬‬ ‫ك ِب َمجْ نُ ٍ‬ ‫أَ ْنتَ بِ ِن ْع َم ِة َربِّ َ‬
‫ت َربِّكَ بِ َكا ِه ٍن َو ََل َمجْ نُو ٍن (‪ })29‬أي فما أنت مبا‬ ‫‪ -2‬وقول اهلل عز وجل يف سورة الطور(‪52‬مصحف‪76/‬نزول) {فَ َذ ِّكرْ فَ َما أَ ْنتَ بِنِ ْع َم ِ‬
‫ينزل اهلل عليك من نعمة القرآن وشرائع اإلسالم‪...‬‬
‫‪ -3‬وقول اهلل عز وجل يف سورة العنكبوت(‪29‬مصحق‪85/‬نزول) بشأن مشركي مكة { أَ َولَ ْم يَ َروْ ا أَنَّا َج َع ْلنَا َح َر ًما آ ِمنًا َويُتَخَطَّفُ النَّاسُ‬
‫ِم ْن َحوْ لِ ِه ْم أَفَبِ ْالبَا ِط ِل ي ُْؤ ِمنُونَ َوبِ ِن ْع َم ِة ََّّللاِ يَ ْكفُرُونَ (‪.})67‬‬
‫ك فَ ْتحً ا ُمبِينًا (‪ )1‬لِيَ ْغفِ َر لَكَ َّ‬
‫َّللاُ َما تَقَ َّد َم ِم ْن‬ ‫‪ -4‬وقول اهلل عز وجل يف سورة الفتح(‪28‬مصحف‪111/‬نزول) خطاباً لرسوله {إِنَّا فَتَحْ نَا لَ َ‬
‫ص َراطًا ُم ْستَقِي ًما (‪. } )2‬‬ ‫ك ِ‬ ‫ك َو َما تَأ َ َّخ َر َويُتِ َّم نِ ْع َمتَهُ َعلَ ْيكَ َويَ ْه ِديَ َ‬ ‫َذ ْنبِ َ‬
‫اْل ْس ََل َم ِديناا }‬ ‫يت لَ ُك ُم ِْ‬ ‫ض ُ‬ ‫ت َعلَ ْي ُكم نِ ْعمتِي ور ِ‬
‫ْ َ ََ‬ ‫ْت لَ ُك ْم ِدينَ ُك ْم َوأَتْ َم ْم ُ‬
‫‪ -5‬وقول اهلل عز وجل يف سورة املائدة(‪5‬مصحف‪112/‬نزول) { الْيَ ْوَم أَ ْك َمل ُ‬
‫فالنعمة املرادة هنا هي نعمة شرائع اإلسالم وأحكام الدين ونعمة اهلداية إىل صراط اهلل املستقيم‪ .‬وهي اليت تالئم امتنان اهلل عليه بقوله‬
‫ض ًاَل فَهَدَى (‪.43" })7‬‬ ‫ك َ‬ ‫{و َو َج َد َ‬
‫َ‬
‫الثاين‪ :‬بيان التكامل بني نصوص القرآن الكرمي يف الداللة على املعىن املراد‪ .‬مثال على ذلك ما جاء يف تفسري قوله تعاىل { َوًَل‬
‫تَ ْقتُ لُوا أ َْوًَل َد ُك ْم َخ ْشيَةَ إِ ْم ََل ٍق نَ ْح ُن نَ ْرُزقُ ُه ْم َوإِيَّا ُك ْم إِ َّن قَ ْت لَ ُه ْم َكا َن ِخطْئاا َكبِ ايرا (‪ })31‬قال‪" :‬الوصية السابعة‪ :‬النهي عن قتل األوالد خشية الفقر‪ ،‬إذ‬
‫كان هذا من عادات بعض أهل اجلاهلية من العرب‪ ،‬دل على هذه الوصية قول اهلل عز وجل { َوًَل تَ ْقتُ لُوا أ َْوًَل َد ُك ْم َخ ْشيَةَ إِ ْم ََل ٍق نَ ْح ُن نَ ْرُزقُ ُه ْم‬
‫َوإِيَّا ُك ْم إِ َّن قَ ْت لَ ُه ْم َكا َن ِخطْئاا َكبِ ايرا (‪[ })31‬اْلسراء‪ ، ]31 :‬مث أنزل اهلل عز وجل يف سورة األنعام (‪6‬مصحف‪ 55/‬نزول) آية قيل هي ذات تنزيل‬
‫ش َما ظَهَ َر ِم ْنهَا َو َما بَطَنَ َو ََل‬ ‫ق نَحْ نُ نَرْ ُزقُ ُك ْم َوإِيَّاهُ ْم َو ََل تَ ْق َربُوا ْالفَ َوا ِح َ‬ ‫ض امت إىل سورة مكية التنزيل { َو ََل تَ ْقتُلُوا أَوْ ََل َد ُك ْم ِم ْن إِ ْم ََل ٍ‬ ‫مدين ُ‬
‫س الَّتِي َح َّر َم ََّّللاُ إِ ََّل بِ ْال َح ِّق َذلِ ُك ْم َوصَّا ُك ْم بِ ِه لَ َعلَّ ُك ْم تَ ْعقِلُونَ (‪ })151‬وهذان النصان يتعلقان بقتل األوالد للتخلص من النفقة عليهم‬ ‫تَ ْقتُلُوا النَّ ْف َ‬
‫بسبب الفقر امل ُخوف من حدوثه أو الواقع فعالً‪ ،‬فما جاء يف سورة اإلسراء جاء التعبري به بعبارة {خشية إمالق} أي خشية حدوث فقر يف‬
‫َ‬
‫املستقبل‪ ،‬وجاء التعقيب عليه يف اآلية بعبارة {حنن نرزقهم وإياكم} ففيها تقدمي رزق األوالد على رزق اآلباء ألن الفقر أمر خموف من حدوثه‬
‫يف املستقبل‪ .‬ويف سورة األنعام جاء التعبري بعبارة {من إمالق} أي من فقر واقع‪ ،‬وجاء التعقيب عليه يف اآلية بعبارة {حنن نرزقكم وإياهم}‬
‫ففيها تقدمي رزق اآلباء على رزق األوالد‪ ،‬ألن الفقر أمر واقع موجود‪ ،‬واآلباء حباجة آنية إىل الرزق‪ ،‬فتكامل النصان يف أداء املعىن املراد‪ ،‬وجاء‬
‫تأخري آية األنعام إىل املرحلة املدنية على ما قيل ألن النهي عن قتل األوالد فيها جمموع مع وصايا فيها بيانات من املناسب تأخري تنزيلها إىل‬
‫‪12‬‬
‫وض امت إىل سورة مكية للداللة على أن مطلوب اهلل فيها بعد إكمال الدين جيب توجيهه يف زمن يعادل أواسط النصف الثاين‬ ‫العهد املدين‪ُ ،‬‬
‫من املرحلة املكية"‪.44‬‬
‫الثالث‪ :‬بيان االرتباط املوضوعي لآلية مبا تفرق يف القرآن الكرمي‪ .‬مثال على ذلك ما جاء يف تفسريه لقوله تعاىل { َويَاقَ ْوِم إِنِّي‬
‫تناد‪ ،‬إذ ينادي فيه أهل‬ ‫اف َعلَي ُكم ي وم التَّنَ ِاد (‪[ })32‬غافر‪ ]32 :‬حيث قال‪" :‬وأطلقت عبارة يوم التناد على يوم الدين ملا حيصل فيه من ٍ‬
‫أَ َخ ُ ْ ْ َ ْ َ‬
‫أهل الكفر نداءً عن بعد بني الفريقني‪ ،‬وينادي فيه أهل الكفر أهل اإلميان‪ ،‬ومن التنادي يوم الدين‪:‬‬
‫اإلميان َ‬
‫‪ -1‬قول املنافقني للمؤمنني يف احلشر عند السواق‪ ،‬كما جاء يف سورة احلديد(‪57‬مصحف‪94 /‬نزول)‪{ :‬يَوْ َم يَقُو ُل ْال ُمنَافِقُونَ َو ْال ُمنَافِقَ ُ‬
‫ات‬ ‫ا‬
‫اطنُهُ فِي ِه ال َّرحْ َمةُ َوظَا ِه ُرهُ ِم ْن قِبَلِ ِه‬ ‫ُور لَهُ بَابٌ بَ ِ‬ ‫ب بَ ْينَهُ ْم بِس ٍ‬ ‫ُر َ‬‫ور ُك ْم قِي َل ارْ ِجعُوا َو َرا َء ُك ْم فَ ْالتَ ِمسُوا نُو ًرا فَض ِ‬ ‫لِلَّ ِذينَ آ َمنُوا ا ْنظُرُونَا نَ ْقتَبِسْ ِم ْن نُ ِ‬
‫ْال َع َذابُ (‪})13‬‬
‫ادى أَصحاب ال ِ‬
‫اب النَّا ِر أَ ْن قَ ْد َو َج ْدنَا َما َو َع َدنَا َربُّنَا َح ًّقا فَ َه ْل‬
‫َص َح َ‬
‫ْجنَّة أ ْ‬
‫{ونَ َ ْ َ ُ َ‬ ‫‪ -2‬وقول اهلل عز وجل يف سورة األعراف(‪7‬مصحف‪39/‬نزول)‪َ :‬‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ين (‪. })44‬‬ ‫َو َج ْدتُ ْم َما َو َع َد َربُّ ُك ْم َح ًّقا قَالُوا نَ َع ْم فَأَذَّ َن ُم َؤذِّ ٌن بَ ْي نَ ُه ْم أَ ْن ل َْعنَةُ اللَّه َعلَى الظَّالم َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫اه ْم قَالُوا َما أَغْنَى عَنْ ُك ْم َج ْم ُع ُك ْم َوَما ُكنْتُ ْم‬ ‫اب ْاألَ ْع َراف ِر َج ااًل يَ ْع ِرفُونَ ُه ْم بس َ‬
‫يم ُ‬ ‫َص َح ُ‬
‫ادى أ ْ‬ ‫‪ -3‬وقول اهلل عز وجل يف سورة األعراف أيضاً‪َ :‬‬
‫{ونَ َ‬
‫تَ ْستَ ْكبِ ُرو َن (‪. })48‬‬
‫اب ْال َجنَّ ِة أَ ْن أَفِيضُوا َعلَ ْينَا ِمنَ ْال َما ِء أَوْ ِم َّما َرزَ قَ ُك ُم َّ‬
‫َّللاُ‬ ‫ار أَصْ َح َ‬‫‪ -4‬وقول اهلل عز وجل يف سورة األعراف أيضاً‪َ { :‬ونَادَى أَصْ َحابُ النَّ ِ‬
‫قَالُوا إِ َّن ََّّللاَ َح َّر َمهُ َما َعلَى ْال َكافِ ِرينَ "‪.45‬‬
‫ُوج (‪})6‬‬ ‫أيضا ما جاء يف سورة [ق] يف قوله تعاىل‪{ :‬أَفَلَ ْم يَ ْنظُرُوا إِلَى ال َّس َما ِء فَوْ قَهُ ْم َك ْيفَ بَنَ ْينَاهَا َو َزيَّنَّاهَا َو َما لَهَا ِم ْن فُر ٍ‬ ‫ومن ذلك ً‬
‫حيث قال‪" :‬وقد اقتصر النص هنا على ذكر التزيني‪ ،‬دون بيان األشياء اليت زينت مها السماء‪ ،‬ولكن جاء بيان هذا يف جنوم التنزيل اليت نزلت‬
‫نصوصا مخسة حول تزيني السماء للناظرين يف األرض‪ ،‬وهي نصوص متكاملة الدالالت فيما بينها وفق‬ ‫ً‬ ‫بعد سورة [ق]‪ ،‬وجند يف القرآن اجمليد‬
‫املنهج القرآين‪:‬‬
‫النص األول‪ :‬هو هذا النص الذي نتدبره يف سورة [ق‪ 50/‬مصحف‪ 34/‬نزول]‬
‫اظ ِرينَ (‪} )16‬‬ ‫النص الثاين‪ :‬قول اهلل عز وجل يف سورة [احلجر‪37 /‬مصحف‪54 /‬نزول]‪َ { :‬ولَقَ ْد َج َع ْلنَا فِي ال َّس َما ِء بُرُوجً ا َو َزيَّنَّاهَا لِلنَّ ِ‬
‫ب (‪َ )6‬و ِح ْفظًا ِم ْن ُك ِّل‬ ‫النص الثالث‪ :‬قول اهلل عز وجل يف سورة [الصافات‪37 /‬مصحف‪56 /‬نزول]‪ { :‬إِنَّا زَ يَّنَّا ال َّس َما َء ال ُّد ْنيَا بِ ِزينَ ٍة ْال َك َوا ِك ِ‬
‫خَطفَ ْال ْ‬
‫خَطفَةَ فَأَ ْتبَ َعهُ‬ ‫صبٌ (‪ )9‬إِ ََّل َم ْن ِ‬ ‫ب (‪ُ )8‬دحُو ًرا َولَهُ ْم َع َذابٌ َوا ِ‬ ‫َل ْاألَ ْعلَى َويُ ْق َذفُونَ ِم ْن ُك ِّل َجانِ ٍ‬
‫ار ٍد (‪ََ )7‬ل يَ َّس َّمعُونَ إِلَى ْال َم َ ِ‬
‫َش ْيطَا ٍن َم ِ‬
‫ِشهَابٌ ثَاقِبٌ (‪})10‬‬
‫ك تَ ْق ِدي ُر ْال َع ِز ِ‬
‫يز‬ ‫النص الرابع‪ :‬قول اهلل عز وجل يف سورة [فصلت‪41 /‬مصحف‪61 /‬نزول]‪َ { :‬و َزيَّنَّا ال َّس َما َء ال ُّد ْنيَا بِ َم َ‬
‫صا ِبي َح َو ِح ْفظًا َذلِ َ‬
‫ْال َعلِ ِيم}‬
‫لشي ِ‬ ‫سماء الدُّنْ يا بِمصابِيح وجعلْنَاها رج ِ‬
‫اطي ِن‬ ‫النص اخلامس‪ :‬قول اهلل عز وجل يف سورة [امللك‪ 67 /‬مصحف‪ 77 /‬نزول { َولَ َق ْد َزيَّنَّا ال َّ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ُ ُ ا‬
‫وما ل َّ َ‬
‫السعِي ِر (‪.46" })5‬‬ ‫اب َّ‬‫َوأَ ْعتَ ْدنَا ل َُه ْم َع َذ َ‬
‫ثانياا‪ :‬تفسير القرآن بالسنة‪:47‬‬
‫يف إطار احلديث عن موقف الشيخ من تفسري القرآن بالسنة يكون الكالم ضمن ما يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬منهجه يف قبول احلديث‪.‬‬
‫‪ .2‬طريقته يف إيراد احلديث واالستشهاد به‪.‬‬
‫‪ .3‬جماالت توظيفه للحديث خالل التفسري‪.‬‬
‫أما منهجه يف قبول احلديث فيتمثل يف األمور التالية‪:‬‬
‫‪13‬‬
‫‪ )1‬تقدمي ما ورد يف كتب الصحاح على غريها‪ ،‬فغالباً ما يبدأ مبا جاء يف الصحيحني عند إيراد جمموعة من األحاديث مث يذكر ما‬
‫مثال ما ذكره‬ ‫جاء يف السنن واملسند واملوطأ واملستدرك وغريها‪ ،‬وهذا واضح يف بدايات السور عند إيراده ما جاء يف السنة بشأهنا‪ .‬ومن ذلك ً‬
‫من أحاديث عند حديثه عن الدرس الرابع يف سورة املرسالت‪ ،‬حيث أورد جمموعة أحاديث ابتدأها حبديث اإلمام مسلم‪ ،‬مث ثىن برواية ابن أيب‬
‫حامت وابن جرير‪.48‬‬
‫‪ )2‬اعتماد الصحيح دون غريه عند االستشهاد‪ ،‬فمثالً يف سورة القصص بعد أن أورد جمموعة من الروايات يف قصة موسى عليه‬
‫اك َس ْب اعا ِم َن ال َْمثَانِي‬
‫‪49‬‬
‫السالم قال‪" :‬وإذ ال توجد أسانيد تصحح هذه األقوال فال داعي العتمادها" ‪ ،‬وعند تفسري قوله تعاىل مثالً َ‬
‫{ولََق ْد آتَ ْي نَ َ‬
‫َوالْ ُق ْرآ َن ال َْع ِظ َيم (‪[ })87‬الحجر‪ ]87 :‬قال‪" :‬وقد صح عن رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬أن الفاحتة هي السبع املثاين وهي القرآن‬
‫العظيم‪ ،‬فال عدول عن هذا الذي صح عن الرسول"‪. 50‬‬
‫أيضا يف { ِر ْزقًا لِ ْل ِعبَا ِد َوأَحْ يَ ْينَا بِ ِه بَ ْل َدةً َم ْيتًا َك َذلِ َك ْال ُخرُو ُج (‪[ })11‬ق‪" ]11 :‬وتدل ظواهر النصوص القرآنية على أ ان اهلل جل‬
‫وقال ً‬
‫جالله وعظم سلطانه ينبت أجساد املوتى يف األرض‪ ،‬كما ينبت النباتات اليت نشاهد عودهتا إىل احلياة يف ظاهرات متكررات‪ ،‬إذ ينزل من‬
‫السماء ماء صاحلًا لتفجري نويات أجساد املوتى‪ ،‬فتأخذ يف النماء‪ ،‬كما تنبت البقول‪ ...‬وهذا هو ما دلت عليه بيانات الرسول ‪-‬صلى اهلل‬
‫عليه وسلم ‪ -‬فوجب اعتماده" مث أورد ثالث روايات من صحيح البخاري ومسلم للتأكيد على هذا‪ ،‬ورفض أي قول خيالف هذا الذي‬
‫بينه‪.51‬‬
‫لكنه قد يعتمد ما هو دون الصحيح أحيانًا إذا كان متف ًقا مع السياق من وجهة نظره‪ ،‬كما يف سورة املرسالت يف حديثه عن وادي‬
‫يرق سنده عند احملدثني إىل درجة الصحيح‪ ،‬إال أ ان معناه يلتقي مع داللة البيان القرآين يف‬ ‫"ويل"‪ ،‬فقد قال بعد أن ذكر حديثًا عنه‪" :‬ولئن مل َ‬
‫هذا النص من سورة املرسالت"‪.52‬‬
‫‪ ) 3‬رده لألحاديث الضعيفة واملوضوعة وذلك إما ببيان هذا الضعف أو باإلشارة إليها مع عدم إيرادها‪ ،‬مثل قوله‪" :‬ورو اإلمام‬
‫مسلم عن أيب هريرة رضي اهلل عنه قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪" :‬ثالث إذا خرجن {ي وم يأْتِي ب ْعض آي ِ‬
‫َم‬ ‫سا إِ َ‬
‫يمانُ َها ل ْ‬ ‫ك ًَل يَنْ َف ُع نَ ْف ا‬ ‫ات َربِّ َ‬‫َْ َ َ َ ُ َ‬
‫تَ ُك ْن َآمنَ ْت ِم ْن قَ ْب ُل أ َْو َك َسبَ ْت فِي إِ َيمانَِها َخ ْي ارا} [األنعام‪ ]158 :‬طلوع الشمس من مغرمها والدجال ودابة األرض" مث قال‪" :‬وجاءت آثار يف‬
‫وصف هذه الدابة‪ ،‬ووصف بعض أعماهلا‪ ،‬ال ترقى إىل مستو االحتجاج أعرضت عن ذكرها"‪.53‬‬
‫وأما طريقته يف إيراد احلديث واالستشهاد به فهي إما أن يورد احلديث مع ذكر راويه من الصحابة ومصدره من كتب احلديث ‪ ،‬واألمثلة‬
‫على ذلك كثرية‪ ،‬منها عند تفسريه لسورة الكوثر يقول‪" :‬رو البخاري يف صحيحه من حديث شيبان بن عبد الرمحن عن قتاد عن أنس بن‬
‫مالك قال‪ :‬ملا عرج النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬إىل السماء قال‪" :‬أتيت على هنر حافتاه قباب اللؤلؤ اجملوف‪ ،‬فقلت‪ :‬ما هذا يا جربيل؟‬
‫قال‪ :‬هذا الكوثر"‪ ،55"54‬وأمثلة ذلك كثرية يف تفسريه‪ .56‬وإما أن يورد احلديث مع بيان مصدره واحلكم عليه دون ذكر راويه من الصحابة‪،‬‬
‫كما جاء يف سورة يس قال‪" :‬وعند اإلمام أمحد بسند فيه جمهوالن عن النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال‪" :‬البقرة سنام القرآن وذروته‪...‬‬
‫{سنَ ِس ُمهُ‬
‫‪58 57‬‬
‫ويس قلب القرآن‪ ، " "...‬وإما أن يقتصر على موضع االستشهاد مع اإلشارة إىل صحته‪ ،‬ومثاله ما ورد عند تفسري قوله تعاىل َ‬
‫الناس يف النار على‬ ‫ب َ‬ ‫َعلَى الْ ُخ ْرطُ ِوم (‪[ })16‬القلم‪ ]16 :‬قال‪" :‬وقد ثبت يف الصحيح عن النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قوله "وهل يَ ُك و‬
‫حصائد ألسنتهم"‪ ،60"59‬وإما أن يشري إىل مضمون الروايات وفحواها مث يقوم برتجيح ما يراه أوىل‬ ‫ُ‬ ‫وجوههم أو قال على مناخرهم إال‬
‫باالعتبار‪ ،61‬أو أن ينقل األحاديث من كتب التفسري مع نقدها واحلكم عليها‪ ،62‬أو أن يورد احلديث مع ذكر مصدره وسنده دون ذكر‬
‫من الصحة والضعف‪.63‬‬

‫‪14‬‬
‫كدا به ما يراه من معىن وإن مل يكن مرتبطًا باآلية‪ ،‬ومن ذلك تفسريه للتقومي يف {لَقَ ْد خَ لَ ْقنَا ْ ِ‬
‫اْل ْنسَانَ فِي‬ ‫كما أناه أحيانًا يأيت باحلديث مؤ ً‬
‫أَحْ َس ِن تَ ْق ِو ٍيم (‪[ })4‬التين‪ ]4 :‬حبسن التقومي يف اخللقة‪ ،‬فقال‪" :‬وقد فهم بعض العلماء من احلديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم‬
‫وأمحد عن أيب هريرة‪ ،‬عن النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬أناه قال‪" :‬خلق اهلل آدم على صورته" أناه منحه نفحات مصغرات ضئيالت من‬
‫الصفات اليت تُطلق عليها األمساء اليت تُطلق على صفات اهلل عز وجل‪ ،‬غري أ ان صفات اهلل سبحانه أزلية ال هناية لكماهلا‪ ...‬وبسبب إعطاء‬
‫اهلل له من هذه الصفات كان اإلنسان خملوقًا يف أحسن تقومي"‪.64‬‬
‫ومن املالح على الشيخ أنه خيرج احلديث من أكثر من مصدر ويشري إىل أكثر من كتاب‪ ،‬ورمبا يقصد يف ذلك تقوية الرواية واحلديث‬
‫الذي يورده‪ ،‬وأيضاً يقوم أحياناً بشرح احلديث وتبيني بعض ألفاظه وغريبه‪ ،‬فمثالً عند سورة اإلسراء قال‪((" :‬رو البخاري عن ابن مسعود‬
‫رضي اهلل عنه قال يف "بين إسرائيل والكهف ومرمي" إهنن من ال عتاق األول وهن من تالدي)) يف بين إسرائيل‪ :‬أي يف سورة بين إسرائيل وهي‬
‫اإلسراء‪ ،‬من العتاق األ َُول‪ :‬أي من النفائس القدمية‪ ،‬العتاق مجع العتيق وهو القدمي النفيس‪.65"...‬‬
‫أما توظيفه للحديث فهو يف بيان أسباب النزول وفضائل السور وكذلك يف االستدالل على حكم شرعي أو لبيان معىن اآلية أو للعظة‬
‫منها وغري ذلك‪.‬‬
‫ثالثاا‪ :‬تفسير القرآن بأقوال الصحابة والتابعين‬
‫أكد الشيخ على ضرورة النظر فيما ورد عن املفسرين ألن من شأن هذا النظر أن يبصر املتدبر جبوانب قد تغيب عنه وال ختطر على باله‬
‫ولكن دون تأثر تام بل بتحري ٍر ومتيي ٍز للمقبول منها أو املردود‪ ،‬وإتباع ذلك بانتقاء اآلراء فليس علم التدبر حشراً ألقوال وآراء التأويل واإلكثار‬
‫من عرض ما قال الناس‪.66‬‬
‫وقد تعامل الشيخ – رمحه اهلل – مع هذه األقوال بأكثر من طريقة‪:‬‬
‫‪ )1‬إيراد األقوال منسوبة إىل قائليها من الصحابة أو التابعني‪ ،‬حنو حديثه عن احلروف املقطعة حيث قال‪" :‬ولكن أكثر السلف رأوا‬
‫أن حروف التهجي يف أوائل بعض السور مما استأثر اهلل بعلمه وأهنا سر من أسرار القرآن‪ :‬روي عن أيب بكر أنه قال‪ :‬يف كل كتاب سر وسر‬
‫اهلل يف القرآن أوائل السور‪ ،‬وروي عن علي رضي اهلل عنه أنه قال‪ :‬لكل كتاب صفوة‪ ،‬وصفوة هذا الكتاب حروف التهجي‪،‬وروي حنو ذلك‬
‫عن الشعيب من التابعني‪ ،‬وهلذا جند كثرياً من املفسرين يقولون بشأهنا‪ :‬اهلل أعلم مبراده"‪.67‬‬
‫‪ )2‬إيراد األقوال غري منسوبة إىل أصحامها وقائليها‪ ،‬كما ورد يف تفسري سورة العلق قال‪" :‬وبعد نزول هذه اآليات اخلمس من هذه‬
‫السورة فرت الوحي‪ ،‬واختلفت الروايات يف مدة فرتة الوحي بعدها‪ ،‬فقيل أربعون يوماً‪ ،‬وقيل ستة أشهر‪ ...‬وليس يف الصحيح ما يثبت قوالً من‬
‫هذه األقوال‪ ،‬لكن الفرتة قد حصلت"‪. 68‬‬
‫وأحياناً يورد هذه األقوال دون نقد أو تعقيب‪ ،‬كما ورد عند تفسري قوله تعاىل {قُلْ أُو ِح َي إِلَ َّي أَنَّهُ ا ْستَ َم َع نَفَ ٌر ِمنَ ْال ِجنِّ فَقَالُوا إِنَّا َس ِم ْعنَا‬
‫قُرْ آنًا َع َجبًا (‪[ })1‬الجن‪ ]1 :‬قال‪" :‬وروي عن ابن مسعود أهنم من جن نصيبني"‪ ،69‬أو يتعقبها بالنقد كما يف املثال الثاين أعاله‪ ،‬أو باملوافقة‬
‫ت السَّا َعةُ َوا ْن َش َّق ْالقَ َم ُر (‪[ })1‬القمر‪ ]1 :‬حيث أورد جمموعة من الروايات اليت تثبت حادثة انشقاق القمر مث قال‪:‬‬ ‫كما يف قوله تعاىل {ا ْقتَ َربَ ِ‬
‫"فهل بعد هذه الروايات الثابتات من أسانيد خمتلفة جمال لتشكك بعض املتشككني الذين حياولون تأويل النص القرآين ومحله على أنه خرب‬
‫عما سيحدث مستقبالً عند قيام الساعة أو قبيلها"‪ ،70‬وأمثلة ذلك كثرية يالحظها املتتبع للتفسري‪.‬‬
‫هذا هو موقف الشيخ – رمحه اهلل – من التفسري باملأثور كما يراه يف قواعده‪ ،‬ويالح عليه دقته يف البحث عن الصحيح دون الضعيف‪،‬‬
‫والثابت دون غريه‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫ولكن الذي نراه هنا هو ما قرره الدكتور فضل عباس يف كتاب "التفسري أساسياته واجتاهاته" وقد بني بتوسع امللحوظات على مثل هذا‬ ‫ا‬
‫صح عن الرسول ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬وبأقوال‬ ‫التقسيم الذي سار عليه كثري من أ ان التفسري باملأثور هو تفسري القرآن بالقرآن ومبا ا‬
‫وج ْع يل هذا مقابالً للتفسري بالرأي‪ ،‬ومن املعلوم أن بعض ما ورد عن الصحابة‬
‫الصحابة والتابعني‪ ،‬وقد ابني اإلشكاليات على هذا التقسيم‪َ ،‬‬
‫والتابعني هو عبارة عن اجتهاد منهم‪ ،‬وكذلك بعض ما نُقل أنه من تفسري الرسول ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬مل يكن كذلك‪ ،‬وإّنا هو من‬
‫صح عن الرسول ‪-‬صلى اهلل‬‫اجتهاد املفسر يف فهم احلديث ومحله على القرآن‪ ،‬وقد رجح ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬أ ان ما ميكن اعتباره من املأثور هو‪ :‬ما ا‬
‫عليه وسلم ‪ ، -‬وما كان ناجتاً عن اختالف القراءات القرآنية الصحيحة‪ ،‬وأخرياً ما كان تفسرياً لغوياً للف ‪ ،‬ولالستزادة ميكن الرجوع إىل‬
‫الكتاب املذكور‪.71‬‬
‫رابعا‪ :‬موقفه من أسباب النزول‬ ‫ا‬
‫لقد اهتم الشيخ بأسباب النزول وجعل ذلك ضمن القاعدة احلادية عشر من قواعد التدبر األمثل‪ ،‬ولذلك عين الشيخ عناية فائقة بإيراد‬
‫أسباب النزول‪ ،‬وذلك ضمن اإلطار التايل‪:‬‬
‫‪ -‬اعتماد ما صح من روايات سبب النزول ويف ذلك يقول‪" :‬فكثرياً ما يلقي سبب النزول الذي صح سنده الضوءَ على املعىن املراد من‬
‫النص القرآين"‪.72‬‬
‫‪ -‬العربة بعموم اللف ال خبصوص السبب‪ ،‬بشرط عدم قطع النص عن سياقه‪ ،‬ويف هذا يقول‪" :‬ال يصح أن ُجتَّزأ كل فكرة وردت يف مجلة‬
‫من اآلية مث يقال العربة بعموم النص ال خبصوص السبب‪ ،‬ما مل يكن إيرادها يف اآلية بوصفها قاعدة عامة"‪ ،73‬ويقول‪" :‬إن على متدبر كالم‬
‫اهلل أن يكون شديد احلذر من اقتطاع النصوص واجلمل القرآنية عن سوابقها ولواحقها‪ ،‬ح ى يتأكد متاماً من أن جمموعة اآليات اليت اقتطعها‬
‫ال تُ َك ِّون مع غريها وحدة متماسكة فيؤثر االقتطاع يف فهم داللتها"‪. 74‬‬
‫‪ -‬عدم اعتماد كل ما ذكره امل فسرون على أنه من أسباب النزول‪ ،‬إال أن يثبت بسند صحيح وال يتنا ى مع تاريخ نزول النص أو يكون‬
‫فيه ما خيدش اعتباره سبباً لنزول النص املوضوع للتدبر‪.75‬‬
‫هذا جممل موقفه من أسباب النزول كما بينه‪ ،‬إال أناه مل يلتزم بكل ما ذكره‪ ،‬فقد كان –رمحه اهلل‪ -‬يتوسع يف بعض اآليات من ذكر ما‬
‫ت‬‫مثال ما ذكره من سبب نزول قوله تعاىل { ذَ ْرنِي َوَم ْن َخلَ ْق ُ‬
‫يتعلق مها من أسباب نزول مما ورد يف كتب السري ال يف كتب احلديث‪ ،‬ومن ذلك ً‬
‫ودا (‪َ )13‬وَم َّه ْد ُت لَهُ تَ ْم ِهي ادا (‪ )14‬ثُ َّم يَط َْم ُع أَ ْن أَ ِزي َد (‪[ })15‬المدثر‪ ، ]15 - 11 :‬حيث نقل‬
‫ين ُش ُه ا‬‫ِ‬
‫ودا (‪َ )12‬وبَن َ‬ ‫َو ِحي ادا (‪َ )11‬و َج َعل ُ‬
‫ْت لَهُ َم ااًل َم ْم ُد ا‬
‫سبب النزول مما جاء يف سرية ابن هشام ومما رواه الطربي يف تفسريه‪ ،‬والروايات يف هذا متقاربة‪ ،76‬ويف سورة الكوثر ذكر روايات يف أسباب‬
‫نزول آخر آية فيها ال ترقى لدرجة الصحيح‪ ،‬وبعضها غري صريح يف نزول اآلية‪ ،‬كما أنه قد يذكر أسبابًا متعددة آلية واحدة‪ ،‬دون إشارة منه‬
‫أيضا‪ ،‬وهو ال يعتمد كما قال الصحيح فقط‪ ،‬بل إناه ينزل من الصحيح‬ ‫–رمحه اهلل– إىل الصحيح منها‪ ،‬كما ذكر يف سورة الكافرون والكوثر ً‬
‫إىل احلسن وهو كثري يف تفسريه‪ ،‬بل إنه كان يشري إىل ذلك بقوله‪" :‬وإسناده حسن" كما هو يف سورة اإلخالص‪ ،‬بل إنه أحيانًا ينقل قول‬
‫خاصا له كما يف سورة النجم حيث أشار إىل سبب النزول بقوله‪" :‬قال ابن عطية‪ :‬سبب نزوهلا أ ان‬ ‫قوال ًّ‬ ‫مفسر يف سبب النزول ويكون ً‬
‫‪77‬‬
‫يتقول القرآن وخيتلق أقواله‪ ،‬فنزلت السورة يف ذلك" ‪.‬‬ ‫حممدا ا‬ ‫املشركني قالوا‪ :‬إ ان ً‬
‫وأول ما يالح على الشيخ إيراده ما ورد من أسباب النزول يف بداية تفسريه للسور‪ ،78‬وهذا إذا كان سبب النزول يشمل السورة كاملة‬
‫مثال‪ ،‬كما يذكر أسباب النزول داخل السورة إذا‬ ‫مثال‪ ،‬أو إذا كان السبب لآليات األول يف السورة كالعلق وعبس ً‬ ‫كسورة املسد واإلخالص ً‬
‫صلَّى (‪[ })10‬العلق‪ ]10 ،9 :‬فقد أورد السبب اخلاص‬ ‫كانت آليات معينة منها كما يف قوله سبحانه {أَ َرأَيْتَ الَّ ِذي يَ ْنهَى (‪َ )9‬ع ْبدًا إِ َذا َ‬
‫هلذه اآليات عند احلديث عنها‪.‬‬
‫‪16‬‬
‫وقد ينقل أحياناً عن بعض املفسرين يف أسباب النزول‪ ،79‬وأحياناً يذكر فحو الروايات دون إيرادها بلفظها‪ ،80‬وأحياناً ال يذكر السبب‬
‫الوارد لعدم صحته دون أن يشري إليه‪.‬‬
‫فخالصة ما يبدو من منهجه يف التعامل مع سبب النزول أنه يعتمد الروايات الصحيحة واحلسنة أحيانًا‪ ،‬وقد يذكر درجة الرواية من حيث‬
‫الصحة‪ ،‬وقد يعرض عن ذلك خاصة إن كانت الرواية مما نقله عن املفسرين‪ ،‬وأحياناً يتوقف عند بعض الروايات ويقول‪ :‬اهلل أعلم‪ ،‬ويؤمن بأن‬
‫العربة بعموم اللف ال خبصوص السبب ويبني ذلك يف تفسريه وبيانه ملعاين اآليات‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬موقفه من المكي والمدني‬
‫ا‬
‫اعتىن الشيخ مهذا اجلانب يف تفسريه‪ ،‬فكان يذكر ما ورد يف السورة بقوله إهنا مكية أو مدنية كلها أو بعضها‪ ،‬ويبدو ذلك واضحاً عند‬
‫بداية كل سورة ويف صفحة مستقلة مع امسها‪ ،‬مثال‪( :‬سورة ق ‪50‬مصحف ‪34‬نزول مكية كلها إال اآلية (‪ )38‬منها فمدنية) وهكذا‪ ،‬وقد‬
‫يرجح أحياناً كوهنا مكية أو مدنية مثل‪( :‬سورة الزمر ‪39‬مصحف ‪59‬نزول‪ :‬وهي سورة مكية كلها على األرجح‪ ،‬وقيل إال اآليات‬
‫‪ ،)54/52،53‬ويبين الشيخ ترجيحه إما على الروايات الثابتة اليت بينت ترتيب النزول‪ ،‬أو على قوة االستنباط‪.‬‬
‫ضمت إليها‬ ‫ويقوم الشيخ رمحه اهلل أيضاً ببيان احلكمة من وجود اآليات املدنية يف السور املكية أو العكس‪ ،‬ويذكر أن عدد السور اليت ُ‬
‫ضمت إليها آيات مكية (‪ )3‬فقط‪.81‬‬ ‫آيات مدنية (‪ )33‬سورة‪ ،‬وأن السور املدنية اليت ُ‬
‫وبني رمحه اهلل أن احلكمة من هذا األمر هي مراعاة اقتضاءين اثنني‪:‬‬
‫األول‪ :‬اقتضاء فكري موضوعي‪ ،‬من حيث مالءمة موضوع هذه اآليات املدنية مثالً ملوضوع السورة املكية اليت وضعت فيها‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬اقتضاء تربوي قائم على سنة التدرج ومراعاة حال املخاطبني يف التعليم والرتبية‪ ،‬مع مالحظة أن االقتضاء الفكري ال مينع من‬
‫‪82‬‬
‫تأخري البيان والتبليغ مراعاة لالقتضاء الرتبوي الذي ينبغي أن يقوم على أسلوب التدرج احلكيم‪.‬‬
‫لكن هذا مما يؤخذ على الشيخ‪ ،‬فإناه مل يثبت بالرواية وال بالعقل وقوع آيات مكية التنزيل يف‬
‫هذا جممل ما نص عليه حول املكي واملدين‪ ،‬ا‬
‫عقال خبالف األول الذي‬ ‫ودل عليه الدليل‪ ،‬وال معارض له ً‬ ‫سور مدنية‪ ،‬وقد نص عليه رمباا ملقابلة وجود املدين يف املكي‪ ،‬وهو أمر قد وقع ا‬
‫عقال؛ ألناه ال يُعقل أ ْن تنزل اآلية وتبقى معلقة إىل أن تأيت السورة املدنية فتجد هلا مكانًا فيها‪ ،‬فهذا خيالف منهج الرسول ‪-‬صلى اهلل‬
‫يستحيل ً‬
‫عليه وسلم ‪ -‬يف إرشاده لكتبة الوحي يف وضع اآليات يف مكاهنا‪.‬‬
‫وأما احلكمتني اللتني ذكرمها فتعلقهما بتنزيل آيات مدنية ووضعها يف سور مكية دون العكس‪ ،‬فما هي احلكم إذن من وضع آيات مكية‬
‫يف سور مدنية؟‬
‫وقد قام أستاذنا الدكتور فضل عباس بتمحيص كث ٍري مما ادعي أناه من باب املدين يف السور املكية‪ ،‬وأما املكي يف السور املدنية فأثبت‬
‫عدم صحته‪ ،‬وذلك يف كتابه "إتقان الربهان يف علوم القرآن" حيث يقول‪" :‬والذي يظهر يل أنه(أي وجود آيات مكية يف سور مدنية) شيء ال‬
‫وجود له‪ ،‬فال يُعقل أن تنزل اآلية يف مكة املكرمة‪ ،‬وأن تبقى سنني طويلة ال مكان هلا إىل أن تنزل السورة يف املدينة املنورة‪ ،‬مث توضع تلك‬
‫اآليات‪ ،‬أو اآلية‪ ،‬أو اآليتان يف تلك السورة‪ ...‬وننبه هنا على أن ما استثنوه يف السور املكية من آيات مدنية يظهر فيه الغلو والتكلف يف كثري‬
‫وقل أن جند سورة من السور املكية‪ ،‬إال وقد استثنوا منها آيات قالوا‪ :‬إهنا مدنية‪ ،‬ويف أغلب األحوال يكون هذا االستثناء‬ ‫من األحيان‪ ،‬ا‬
‫ألسباب واهية‪ ،‬إما رواية ضعيفة‪ ،‬وإما ذكر كلمة ُويهم أهنا ليست مما ينزل يف مكة‪ ،‬وإما محل بعض الكلمات على تفسري معني"‪.83‬‬
‫فعلى سبيل املثال استثىن الشيخ حبنكة من سورة األعراف املكية اآليات (‪ ،)170-163‬وقال‪" :‬وهي آيات مدنية التنزيل مضمومة‬
‫بالوحي إىل موضعها من سورة األعراف املكية ملراعاة اقتضاءين‪ :‬املناسبة الفكرية‪ ،‬واحلكمة التنزيلية يف العهد املدين حيث ظهر االحتكاك مع‬
‫اليهود"‪.84‬‬
‫‪17‬‬
‫يقول الدكتور فضل عباس عن هذا االستثناء‪" :‬وهو استثناء ال دليل عليه‪ ،‬وما يُقال إن قوله سبحانه { َواسْأ َ ْلهُ ْم ع َِن ْالقَرْ يَ ِة} [األعراف‪:‬‬
‫اتصاال تاما مبا قبلها‪ ،‬من حديث عن بين إسرائيل‬
‫ً‬ ‫‪ ]163‬حديث عن اليهود‪ ،‬وأن أخبارهم كانت يف مكة؟ جياب عنه بأن اآلية متصلة‬
‫واختاذهم العجل‪ ،‬وغري ذلك من معاصيهم"‪.85‬‬
‫واألمثلة على مثل هذا كثرية تالح يف كتاب الدكتور فضل عباس يف متحيصه ملا قيل إنه مدين يف السور املكية‪ ،‬والعكس كذلك إال أنه‬
‫ملا مل يكن يف تفسري الشيخ حبنكة شيء من السور املدنية كون املنية عاجلته وملا يكمل تفسريه‪ ،‬مل يكن من املقدور مقارنة قوله ومناقشته‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬موقفه من القراءات‬
‫ا‬
‫لقد أكد الشيخ عبد الرمحن حبنكة على ضرورة معرفة القراءات وتوظيفها يف تدبر كتاب اهلل وتفسريه وبيان معانيه‪ ،‬وجعل ذلك القاعدة‬
‫األربعني من قواع د التدبر األمثل‪ ،‬وقد قال‪" :‬إن على متدبر كتاب اهلل أن يبحث عن املعاين‪ ،‬وعن الصور البيانية املوصولة بإعجاز القرآن اليت‬
‫تدل عليها وجوه القراءات املختلفة‪ ،‬اليت ال يظهر بوضوح أن الغرض من االختالف فيها جمرد التهوين والتسهيل على ألسنة الناطقني بالعربية‬
‫إباان تنزيل القرآن"‪.86‬‬
‫وقد بني ‪ -‬رمحه اهلل – مصادره من كتب القراءات(وقد ذكرهتا سابقاً) وهي‪ :‬كتاب البدور الزاهرة يف القراءات العشر املتواترة للشيخ عبد‬
‫الفتاح القاضي‪ ،‬واملهذب يف القراءات العشر وتوجيهها للدكتور حممد سامل حميسن‪ ،‬كما أنه استعان ببعض التفاسري يف توجيه القراءات كتفسري‬
‫الكشاف مثال‪.87‬‬
‫كامال يف اجلزء العلوي من الصفحة‪ ،‬ويف اجلزء السفلي كان يذكر‬ ‫وقد كان ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬يذكر يف بداية تفسري كل سورة نص السورة ً‬
‫القراءات املتواترة الواردة يف النص العلوي‪.‬‬
‫مث كان يذكر خالل التفسري مقاطع اآليات أو نص اآلية مث يورد القراءات مرة أخر ‪ ،‬ويعتمد يف ذلك على القراءات العشر املتواترة فقط‬
‫مع بيان كل قارئ يف كل قراءة إما تصرحياً بامسه أو إشارة إىل بقية القراء‪ ،‬مث يقوم بتوجيه القراءات وبيان ما فيها‪.‬‬
‫مثال على ذلك‪:‬‬
‫ين (‪ )69‬لِيُ ْن ِذ َر َم ْن َكا َن َحيًّا َويَ ِح َّق‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِّع َر َوَما يَنْبَغي لَهُ إِ ْن ُه َو إًَِّل ذ ْك ٌر َوقُ ْرآ ٌن ُمبِ ٌ‬
‫‪ )1‬ما جاء يف سورة (يس) يف قوله تعاىل‪َ { :‬وَما َعلَّ ْمنَاهُ الش ْ‬
‫ين (‪ })70‬يذكر ما فيه من قراءات فيقول‪" :‬قرأ نافع وابن عامر وأبو جعفر ويعقوب (لتنذر) خطاباً للرسول الذي أنزل اهلل‬ ‫ِ‬
‫الْ َق ْو ُل َعلَى الْ َكاف ِر َ‬
‫عز وجل عليه القرآن‪ ،‬ويف العبارة التفات إىل الرسول صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وقرأ باقي القراء العشرة (لينذر) حديثاً عن الرسول بضمري الغائب‪،‬‬
‫منذر ببيانات اإلنذار اليت فيه‪ ،‬ففي القراءتني تكامل يف األداء البياين‪ ،‬وتكامل فكري يف أداء‬ ‫أو حديثاً عن القرآن‪ ،‬إذ الرسول منذر‪ ،‬والقرآن ٌ‬
‫املعىن املراد"‪.88‬‬
‫ك ِم ْن أَوْ لِيَا َء َولَ ِك ْن َمتَّ ْعتَهُ ْم َوآبَا َءهُ ْم‬‫ك َما َكانَ يَ ْنبَ ِغي لَنَا أَ ْن نَتَّ ِخ َذ ِم ْن دُونِ َ‬ ‫‪ )2‬ما جاء يف سورة الفرقان من قوله تعاىل {قَالُوا ُس ْب َحانَ َ‬
‫يسم فاعله‪ ،‬وقرأ باقي القراء العشرة‬ ‫َّخ َذ من دونك) بالفعل املبين ملا مل ا‬ ‫َحتَّى نَسُوا ال ِّذ ْك َر َو َكانُوا قَوْ ًما بُو ًرا (‪ })18‬قال‪" :‬قرأ أبو جعفر (أن نزُت َ‬
‫َّخ َذ من دونك) بالفعل املبين للمعلوم‪ .‬وبني القراءتني تكامل يف أداء املعىن املراد‪ ،‬إذ هم ينزهون اهلل عن أن يتخذوا من دونه أولياء هلم‪،‬‬ ‫(أن نزَت ي‬
‫وينزهون اهلل عن رضاهم بأن يتخذهم أحد أولياء من دونه"‪.89‬‬
‫وغريها من األمثلة الكثرية اليت يستطيع القارئ الرجوع إليها يف كل موضع فيه قراءة‪.‬‬
‫وكان ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬يذكر توجيه القراءات يف بداية السورة عند عرضه للنص وفرش القراءات‪ ،‬خاصة ما يتعلق منها باللغات املختلفة‪ ،‬ح ى‬
‫أيضا‪ ،‬وكان أحيانًا يعيد ذكر توجيهها مرة أخر عند‬ ‫ال يذكره عند التفسري‪ ،‬وأحيانًا كان يوجه القراءات اليت هلا أثر يف املعىن يف بداية السورة ً‬
‫التفسري‪.‬‬
‫‪18‬‬
‫مثاال لكل صورة منها‪ ،‬أما ما يتعلق باللغات فمن ذلك توجيهه لكلمة "مطلع" يف سورة‬ ‫واألمثلة على هذه احلالة املتعددة كثرية‪ ،‬سأذكر ً‬
‫القدر حيث قال عند عرض نص السورة والقراءات اليت حيويها‪" :‬قرأ الكسائي وخلف "مطْلي يع" بكسر الالم‪ .‬وقرأها باقي القراء العشرة "مطْلَع"‬
‫مضموم العني "طلَ َع يطْلُ ُع"‪ .‬وأما‬
‫ُ‬ ‫بفتح الالم‪ .‬والقراءتان وجهان عربيان‪ .‬أما "مطلَع" بفتح الالم فهو جا ٍر على القياس‪ ،‬أل ان مضارع فعليه‬
‫"مطليع" بكسر الالم فقد ُمسع يف نطق العرب على خالف القياس‪ ،‬فهو لغة عربية مساعية"‪.90‬‬
‫ومن األمثلة على توجيه قراءات هلا أثر يف املعىن مع عدم تكرير ذلك خالل تفسري السورة توجيهه لكلمة "لرتو ان" يف سورة التكاثر حيث‬
‫قال‪" :‬قرأ ابن عامر والكسائي "لتُزَرُو َّن" بضم التاء‪ ،‬وقرأ باقي القراء العشرة "لتَزَرُو ان" بفتح التاء‪ .‬والقراءتان متكاملتان يف املعىن‪ ،‬إذ هم يزَُرْوهنا‬
‫َفريوهنا"‪.91‬‬
‫ومن األمثلة على التوجيه يف البداية وإعادة ذكره خالل التفسري ما ذكره يف توجيه كلمة "مجع" وكلمة "حيسب" يف سورة اهلمزة‪ ،‬واألوىل مما‬
‫له أثر يف املعىن‪ ،‬والثانية من لغات العرب‪ ،‬وقد ذكر توجيههما مرتني‪.92‬‬
‫وأما موقفه من القراءات الشاذة؛ فمن خالل التتبع ملوقف الشيخ من القراءات تبني أنه ال يعرتف بالقراءات الشاذة وال يلتفت إليها ومل‬
‫أجد يف كتابه أي ذكر هلا‪ ،‬وهذا مما يسجل للشيخ ال عليه رمحه اهلل‪.‬‬
‫سابعا‪ :‬موقفه من اْلسرائيليات‬
‫ا‬
‫ال شك أن لإلسرائيليات أثراً وخطورة على عقائد املسلمني الحتوائها على كثري من اخلرافات واألباطيل‪ ،‬فهي تنفث يف العقائد حني‬
‫ذكرها ما ال يليق بذات اهلل وصفاته‪ ،‬وكثرياً ما تسيء إىل األنبياء واملرسلني وتضع من مكانتهم‪ ،‬مث إهنا تفقد الثقة ببعض الصحابة والتابعني‬
‫الذين نسبت إليهم رواية كثري منها‪ ،‬وهي كذلك تصرف الناس عن الغرض الذي أنزل القرآن لتحقيقه‪.93‬‬
‫وقد تفاوت املفسرون يف نقلهم اإلسرائيليات بني املكثر واملقل والناقد واملتوقف‪ ،‬أما موقف الشيخ عبد الرمحن حبنكة فقد جاء مضطرباً‬
‫غري واضح يف تعامله مع اإلسرائيليات على الغالب‪ ،94‬وله يف ذلك نواح عدة‪:‬‬
‫‪ ) 1‬بعض املواضع واآليات اليت أفاض فيها قسم من املفسرين بالروايات والتفاصيل اإلسرائيلية سواء عقبوا عليها وبينوا أعوارها أم ال‪ ،‬تكاد‬
‫ال جتد هذا يف تفسريه كما يف قصة سفينة نوح وما يتعلق مها‪ ،‬فقد أورد فقط أن ابن نوح يام وأنه رابع أبنائه من زوجة امسها واعلة‪ ،‬كانت كافرة‬
‫مع كفار قومها‪.95‬‬
‫‪ ) 2‬قسم مل يذكر فيه اإلسرائيليات وإّنا أشار إىل وجودها وورودها عند املفسرين‪ ،‬كما يف سورة سبأ عند قصة موت سليمان فقال‪" :‬جاء‬
‫يف قصة موت سليمان عليه السالم حكايات ليس هلا أسانيد جتعلها ذات قيمة خربية‪ ،‬فمن اخلري عدم ذكر شيء منها"‪. 96‬‬
‫‪ )3‬قسم نسب فيه الكالم إىل مجلة املؤرخني املفسرين كما يف سورة (ص) عند حديثه عن قصة أيوب فقال‪" :‬وذكر املؤرخون واملفسرون‬
‫أن أيوب كان كثري املال‪...‬اخل"‪.97‬‬
‫‪ )4‬قسم بني أنه ليس له سند عن رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬مث يورده‪ ،‬ومن ذلك ما جاء يف تفسري سورة القصص قال‪" :‬جاء‬
‫عند املفسرين أقوال ليس هلا سند عن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم منها ما يلي‪ :‬سار موسى من مصر إىل مدين مل يأكل إال البقل وورق‬
‫الشجر ح ى لصق بطنه بظهره من اجلوع وإن خضرة البقل لرت من داخل جوفه" وأورد بعضاً من هذه الروايات مث قال‪" :‬وإذ ال توجد أسانيد‬
‫صحيحة هلذه األقوال فال داعي العتمادها"‪.98‬‬
‫‪ )5‬وأحياناً كان يذكر الرواية اإلسرائيلية مث حياول أن يأخذ منها بعض األمور‪ ،‬أو أن يصححها‪ ،‬كما جاء يف سورة القصص عند احلديث‬
‫عن الشيخ أبو املرأتني من مدين‪ ،‬إذ قام بذكر أقوال املفسرين وما ورد يف الكتاب املقدس(التوراة) مث قال‪" :‬والذي أراه أن ال داعي العتماد‬
‫قول بعينه‪ ،‬وعلى الرغم مما عند أهل الكتاب من أغاليط كثرية فال مانع عقالً من أن يكون هذا الرجل (رعوئيل) وأن لف (ثريون) لقب شرف‬
‫‪19‬‬
‫(م ْديان) أي كان ذا رياسة دينية يف قومه على ملة الرسول شعيب عليه السالم"‪ ،99‬وكما جاء يف سورة (صٓ) عن‬ ‫كاهن َ‬
‫أطلق عليه وأنه كان َ‬
‫قصة داود واخلصمني‪ ،‬فبعد أن ذكر الروايات اإلسرائيلية كيف أهنا تكلمت عن أنه أحب زوجة أحد قادته الكبار وفعل الفاحشة معها وأراد‬
‫ضمها إىل نسائه التسع وتسعني‪ ،‬قال‪" :‬وبالتجريد من الزوائد اإلسرائيلية ميكن أن تُصور القصة اإلسرائيلية على الوجه التايل‪ :‬رأ داود عليه‬
‫السالم عرضاً ومن دون قصد منه زوجة (أوريا احليثاي) أحد قواده الكبار‪ ،‬وكانت امرأة حسناء فاستحسنها ومتناها‪ ،‬وخطرت له خواطر من‬
‫األماين‪ ،‬ورمبا سأله أن يتنازل له عنها‪ ،‬فلما سقط (أوريا احلثي) قتيالً يف املعارك اجلهادية وجد يف نفسه راحة ملا جر ‪ ،‬مث خطب هذه املرأة‬
‫اليت استحسنها ضمن أحكام الزواج الشرعي وضمها إىل نسائه بزواج شرعي فولدت له سليمان عليه السالم"‪ .100‬وهذا كالم ال جيوز وكنا‬
‫نربأ بالشيخ أن يذكر مثل ذلك‪.‬‬
‫‪ ) 6‬قسم كان يرجع فيه إىل الكتاب املقدس وينقل عنه ما جاء فيه عن املوضع املقصود‪ ،‬ولعله أراد مهذا تنزيه السلف رضوان اهلل عليهم‬
‫من نسبة شيء من ذلك إليهم وأن مصدر هذا الكالم أهل الكتاب وكتبهم‪ ،‬وأمثلة هذا كثرية يف كتابه‪ ،‬منها مثالً ما جاء يف سورة يوسف‬
‫حيث قال‪" :‬جاء يف اإلصحاح (‪ ) 37‬من سفر التكوين عند اإلسرائيليني أن الذي هناهم عن قتله واقرتح عليهم إلقاءه يف اجلب هو أخوه‬
‫األكرب رأوبني"‪.101‬‬
‫وهذا املوقف الذي تبناه يف اإلسرائيليات مما يؤخذ عليه‪ ،‬إذ إنه جيب أن خيلو التفسري من هذه اهلرطقات واألباطيل اليت ال سند وال أصل‬
‫هلا إال بنو إسرائيل‪ ،‬بل جيب على املفسر إظهار ما يف القصة القرآنية من وجوه العرب اليت أرادها اهلل عز وجل‪ ،‬فكان من األفضل أن ال يرويها‬
‫من األصل‪ ،‬ال أن يروي بعضها مث يبني أن ال سند له‪ ،‬أو أن حياول تصحيح ما فيها من أخطاء‪ ،‬أو أن يأخذ منه بعضه‪ ،‬إذ إنه‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬ال فائدة ترجى من ورائه‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬يضيف إىل القرآن ما ليس منه‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬جيعل كثرياً من العامة يتناقلون مثل هذه الروايات خاصة تلك اليت مل يزَُرَّدها ومل يبني أنه ال أصل هلا‪.‬‬
‫وإن كان يف منهجه ال يسلم لكثري منها بل يرد كثرياً منها‪ ،‬وذلك واضح يف عدم إيراده الكثري مما أورده من سبقه من املفسرين‪ ،‬ويبني‬
‫حتريف أهل الكتاب ملا جاء عندهم‪ ،‬وينبه على كثري مما ورد يف أقوال من سبقه‪ ،‬إال أنه كان من األفضل عدم التطرق هلا بتاتاً ‪ -‬واهلل أعلم ‪-‬‬
‫‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬منهجه في التعامل مع القضايا اللغوية‬
‫لقد ظهر من خالل هذا التفسري مدة عناية الشيخ امليداين رمحه اهلل باللغة جبميع مسائلها‪ ،‬من اهتمام بداللة األلفاظ وبالقضايا الصرفية‬
‫والنحوية والبالغية‪ ،‬وهذا ما سنلقي الضوء عليه بإذن اهلل‪.‬‬
‫المسألة األولى‪ :‬ما يتعلق بدًلًلت األلفاظ والقضايا الصرفية‬
‫حرص الشيخ يف تفسريه على بيان دالالت األلفاظ اليت تواجهه يف التفسري مع بيان اشتقاقها‪ ،‬وقد جتلى هذا يف جمموعة أمور برزت فيما‬
‫يتعلق بعنايته باأللفاظ‪:‬‬
‫‪ -1‬بيان معىن اللف وأصوله واشتقاقه من معاجم اللغة كلسان العرب وغريه‪ ،‬ومن مث توجيه املراد به يف اآلية اسرتشاداً مهذا املعىن‬
‫ض َرةٌ (‪ })22‬يقول رمحه اهلل‬ ‫اللغوي‪ ،‬وأمثلته كثرية متفرقة يف مجيع أحناء كتابه مثل ما جاء يف قوله تعاىل يف سورة القيامة { ُوجُوهٌ َيوْ َمئِ ٍذ نَا ِ‬
‫ضَرةً ونضارة‬‫نضُر" نضراً ونَ ْ‬ ‫ي‬
‫ضَر يَ ُ‬
‫نضُر‪ ،‬ونَ ُ‬ ‫ينضُر‪ ،‬ونَضَر يَ َ‬
‫"نضَر ُ‬
‫عن ناضرة‪" :‬أي حسنة غضة ناعمة‪ ،‬مؤنث "ناضر" اسم فاعل من فعل َ‬
‫ي ‪102‬‬ ‫ي‬
‫ونضري ونَضٌر" ‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫ناضر‬
‫ونُضوراً‪ ،‬أي‪َ :‬ح ُس َن‪ ،‬قهو ذو بريق تظهر عليه عالمات السرور والنِّعمة والبشر‪ ،‬فهو ٌ‬

‫‪20‬‬
‫ت الصَّا َّخةُ} [عبس‪ ]33 :‬حيث قال‪" :‬الصخ يف اللغة‪ :‬الضرب باحلديد على احلديد‪،‬‬ ‫أيضا ما جاء يف قوله تعاىل {فَإ ِ َذا َجا َء ِ‬ ‫ومن ذلك ً‬
‫صخ‪ .‬تقول‪ :‬ضربت الصخرة‬ ‫أو الضرب بالعصا الصلبة على شيء مصمت‪ .‬وكل صوت صادر من أثر وقع صخرة على صخرة‪ ،‬فهو يف اللغة ٌّ‬
‫وإما مصدر‬ ‫صاخة‪ ،‬ا‬ ‫صاخ وهي ا‬ ‫صخا‪ ،‬فهو ا‬ ‫يصخ ًّ‬
‫حبجر فسمعت هلا صخة‪ .‬فلف "الصاخة" الذي مسيت به القيامة‪َّ :‬إما اسم فاعل من صخ ا‬
‫مبعىن الصخ"‪.103‬‬
‫ويف سورة املرسالت عن كلمة "ظليل" قال‪" :‬جاء يف كتب اللغة‪ :‬مكان ظليل أي‪ :‬ذو ظل‪ ،‬وقيل‪ :‬الدائم الظل‪ ،‬وصيغة "ظليل" على‬
‫ظليال يدل على نفي ما تقع عليه املبالغة‪ ،‬وهي تقع على الدوام‪ ،‬وتقع على ما هو املقصود‬ ‫وزن فعيل هي من صيغ املبالغة‪ ،‬ونفي كونه ً‬
‫بالظل‪ ،‬وهو سرت احلرارة وحجبها"‪ ،‬ويف كلمة "شرر" قال‪" :‬اسم جنس مجَْعي ٌّي‪ ،‬واحدته شررة"‪.104‬‬
‫‪ -2‬بيان الفرق بني األلفاظ املتقاربة يف املعىن أو ما قيل عنها من أهنا مرتادفة‪ ،‬كما يف تفريقه بني السعي واملشي عند قوله تعاىل‪:‬‬
‫س لِ ِْْلنْ َس ِان إًَِّل َما َس َعى} [النجم‪ ]39 :‬حيث قال‪" :‬ويالح أن اهلل عز وجل استعمل مادة (السعي) يف القرآن لعمل اآلخرة‪ ،‬وأما‬ ‫{وأَ ْن ل َْي َ‬
‫َ‬
‫العمل املباح لكسب الرزق ومصاحل احلياة الدنيا فقد استعمل فيه مادة (املشي) فقال تعاىل يف سورة (امللك‪67/‬مصحف‪77 /‬نزول) {ه َُو‬
‫وَل فَا ْم ُشوا فِي َمنَا ِكبِهَا َو ُكلُوا ِم ْن ِر ْزقِ ِه َوإِلَ ْي ِه النُّ ُشو ُر (‪} )15‬وقال تعاىل يف سورة‬ ‫ض َذل ُ ً‬ ‫الَّ ِذي َج َع َل لَ ُك ُم ْاألَرْ َ‬
‫(اإلسراء‪17/‬مصحف‪50/‬نزول) { َو َم ْن أَ َرا َد ْاْل ِخ َرةَ َو َس َعى لَهَا َس ْعيَهَا َوهُ َو ُم ْؤ ِم ٌن فَأُولَئِ َك َكانَ َس ْعيُهُ ْم َم ْش ُكو ًرا (‪ . })19‬املشي‪ :‬هو‬
‫االنتقال اهلادئ برفق للكدح واحلمل وغري ذلك‪ ،‬السعي‪ :‬هو االنتقال مبهمة ونشاط وقوة يف الكدح والعمل‪ ،‬واملراد احلالة النفسية ولو كان‬
‫املطلوب السكينة والرفق‪ ،‬فالسعي يف اللغة حركته فوق حركة املشي ودون حركة العدو والركض"‪.105‬‬
‫وقال يف { َمتَاعًا لَ ُك ْم َو ِألَ ْن َعا ِم ُك ْم } [عبس‪" :]32 :‬املتاع كل شيء ينتفع به مدة مث يأتيه الفناء‪ ،‬وهو يشمل كل ما فيه منفعة أو لذة من‬
‫مأكل أو مشرب أو ملبس أو منكح‪ ،‬أو أداة لشيء من ذلك‪ ،‬وقد جاء يف القرآن ختصيص لفظة (متاع) ومشتقاهتا باألشياء ذوات املنافع‬
‫الزائلة يف الدنيا‪ ،‬أما ما يصيبه املتقون يف اجلنة فقد جاءت تسميته يف القرآن نعيماً‪ ،‬للتنبيه على أن النعيم له صفة الدوام وأنه مقيم"‪.106‬‬
‫‪ -3‬محل اللف على معانيه املتعددة ما كان السياق حيتمل ذلك‪ ،‬ومل يكن بينها تضاد وال تنافر‪ ،‬وهذا األمر متثله القاعدة الثامنة‬
‫والعشرون‪ ،‬وقد أشار الشيخ إىل أن هذا األمر هو من الفنون البالغية القائمة على اإلجياز‪ ،‬وفيه عطاء فكري وإمتاع لألذكياء‪ ،‬وفيه استغناء‬
‫معان خمتلفة مرادة‪ ،107‬وقد طبق الشيخ هذه القاعدة يف أكثر من موضع ومنها على سبيل التمثيل ما جاء عند‬ ‫عن تكرار اللف للداللة على ٍ‬
‫ينق ُم) مثل ضرب يضرب‪ ،‬و(ن َق َم ين َق ُم) مثل‬ ‫(نقم ي‬
‫ي‬ ‫تفسريه لقوله تعاىل‪{ :‬وما نَ َقموا ِمنْ هم إًَِّل أَ ْن ي ْؤِمنُوا بِاللَّ ِه الْع ِزي ِز ال ِ ِ‬
‫ْحميد} [البروج‪ ]8 :‬قال‪" :‬فعل َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ََ ُ ُ ْ‬
‫تعب يتعب‪ ،‬يأيت مبعىن عاب وذم ومبعىن كره أشد الكراهية وأبغض‪ ،‬ويأيت مبعىن عاقب‪ ،‬وتعدية الفعل على هذه املعاين الثالثة تأيت حبرف اجلر‬
‫(من)"‪.108‬‬
‫يج} [ق‪[" ]5 :‬مريج] كلمة تدور حول املعاين التالية‪" :‬ملت ٍو أعوج‪ -‬ملتبس‬ ‫ق لَ َّما َجا َءهُ ْم فَهُ ْم فِي أَ ْم ٍر َم ِر ٍ‬ ‫وقال يف {بَلْ َك َّذبُوا بِ ْال َح ِّ‬
‫خمتلط‪ -‬خمتلف‪ -‬مضطرب‪ -‬قلق‪ -‬فاسد" ولد متابعة مذاهب الكافرين باحلق الرباين‪ ،‬والتفكر يف عقائدهم ومفهوماهتم‪ ،‬حول الوجود‬
‫مجيعا"‪.109‬‬
‫واحلياة والنشأة واملصري‪ ،‬جمد أ ان كل معاين كلمة "مريج" تنطبق عليهم بوجه عام‪ ،‬على التوزيع‪ ،‬وبعضها ينطبق عليهم ً‬
‫معان‪ ،‬ومن ذلك ما أورده عند احلديث عن قوله سبحانه {قَ ْد َعلِ ْمنَا َما تَ ْنقُصُ‬ ‫‪ -4‬يهتم باألوزان الصرفية‪ ،‬وما يرتتب عليها من ٍ‬
‫ْاألَرْ ضُ ِم ْنهُ ْم َو ِع ْن َدنَا ِكتَابٌ َح ِفيظٌ} [ق‪ ]4 :‬فقال‪" :‬حفي على وزن فعيل‪ ،‬وهذا الوزن يأيت مبعىن اسم الفاعل وملعىن اسم املفعول‪ ،‬مع‬
‫الداللة على الكثرة واملبالغة فيهما‪ .‬فعلى املعىن األول هو حاف غاية احلف لكل معلوم‪ ،‬ال يضل عنه وال يتغري وال يتبدل فيه معلوم‪ ،‬وعلى‬
‫املعىن الثاين‪ :‬هو حمفوظ غاية احملفوظية‪ ،‬حيف اهلل له من أن يؤثر عليه أي شيء يف كل الوجود من دون اهلل عز وجل‪.‬‬
‫وجاء استخدام لف "حفي " باملعنيني‪ ،‬وهذا من اإلجياز القرآين البديع"‪.110‬‬
‫‪21‬‬
‫ص َرةا َو ِذ ْك َرى لِ ُك ِّل َع ْب ٍد ُمنِ ٍ‬
‫يب } [ق‪" : ]8 :‬منيب اسم فاعل من "أناب ينيب"‪ ...‬واسم الفاعل يشبه الفعل املضارع يف املعىن‪،‬‬ ‫وقال يف {تَ ْب ِ‬
‫يدل على احلال واالستقبال والتكرار"‪.111‬‬
‫المسألة الثانية‪ :‬ما يتعلق بالقضايا النحوية‬
‫كان الشيخ – رمحه اهلل – يعتين باجلانب النحوي‪ ،‬حيث إنه كان يقوم ببيان أوجه اإلعراب يف املوضع قيد التدبر مث بيان ما يرتتب عليها‬
‫من املعاين‪ ،‬ورمبا يتبع ذلك مبناقشات أدلة األعاريب وبياهنا حني اختالفها‪ ،‬وليس األمر يف هذا عند كل اختالف مذكور يف اإلعراب‪ ،‬فإنه قد‬
‫يتخذ موقفاً منذ البداية يف إعراب لف أو تركيب دون اإلشارة إىل اختالف العلماء فيه‪ ،‬ويقوم أحياناً مبناقشة النحويني والرد عليهم‪ ،‬ويعتين‬
‫كثرياً مبا يتعلق حبروف املعاين‪ .‬أمثلة على ذلك‪:‬‬
‫ير ِم ْن قَ ْبلِ َك لَ َعلَّهُ ْم يَتَ َذ َّكرُونَ } [القصص‪ ]46 :‬قال رمحه اهلل‪" :‬ترددت يف تفسريها‬ ‫‪ -1‬عند قوله تعاىل‪ { :‬لِتُ ْن ِذ َر قَوْ ًما َما أَتَاهُ ْم ِم ْن نَ ِذ ٍ‬
‫أقوال املفسرين بني إثبات إنذار آبائهم ونفيه‪ ،‬وعلى النفي فلف (ما) حرف نفي‪ ،‬وعلى اإلثبات ميكن أن يكون لف (ما) امساً موصوالً مبعىن‬
‫الذي‪ ،‬وميكن أن يكون حرفاً مصدرياً يؤول ما بعده مبصدر"‪ ،112‬مث استكمل الشيخ املعاين على النفي واإلثبات‪ ،‬وبني أدلة كل من املثبتني‬
‫والنافني‪.‬‬
‫ب َوأَنْتُ ْم َعنْهُ غَافِلُو َن} [يوسف‪ ]13 :‬قال‪" :‬الم االبتداء يف‬ ‫ْهبُوا بِ ِه َوأَ َخ ُ‬
‫اف أَ ْن يَأْ ُكلَهُ ِّ‬
‫الذئْ ُ‬ ‫ال إِنِّي لَيَ ْح ُزنُنِي أَ ْن تَذ َ‬
‫‪ -2‬عند قوله تعاىل‪ { :‬قَ َ‬
‫(ليحزنين) دخلت على فعل مضارع يراد به املستقبل على خالف ما ير النحاة من أهنا جتعل املضارع خالصاً للحال‪ ،‬فيظهر أهنا كذلك يف‬
‫الغالب"‪. 113‬‬
‫ب َوفَجَّرْ نَا فِيهَا ِمنَ ْال ُعيُو ِن} [يس‪ ]34 :‬قال‪" :‬ولف (من) يف عبارة (من‬ ‫ت ِم ْن نَ ِخي ٍل َوأَ ْعنَا ٍ‬ ‫‪ -3‬عند قوله تعاىل‪َ { :‬و َج َعلْنَا فِيهَا َجنَّا ٍ‬
‫خنيل وأعناب) لبيان اجلنس‪ ،‬وحرف (من) يف عبارة ( من العيون) للتبعيض‪ ،‬ألن بعض العيون تتفجر يف البساتني أو جتري أهنارها فيها‪ ،‬وبعض‬
‫العيون تتفجر يف مواطن أخر ال تكون فيها بساتني وجنات"‪.114‬‬
‫‪ -4‬عند قوله تعاىل { أَإِ َذا ِم ْتنَا َو ُكنَّا تُ َرابًا َذلِ َك َرجْ ٌع بَ ِعي ٌد} [ق‪ ]3 :‬قال‪" :‬وقد طو النص من مقالتهم جواب "إذا" الشرطية‪ ،‬إذ دلت‬
‫رجع إىل‬‫عله مقالتهم ﭽ ﭧ ﭨ ﭩ ﭼ‪ .‬وباستطاعتنا أن نربز جواب "إذا" املطوي الذي يستدعيه الذهن بأدىن تأمل فنقول‪ :‬أإذا متنا وكنا ترابًا نُ َ‬
‫احلياة مرة أخر ‪ ...‬ذلك رجع بعيد"‪.115‬‬
‫المسألة الثالثة‪ :‬ما يتعلق بالقضايا البَلغية‬
‫اعتىن الشيخ بالبالغة وعلومها وقد ظهر ذلك جلياً يف تفسريه من خالل اعتنائه بعلوم البالغة املختلفة كعلم املعاين والبيان والبديع‪،‬‬
‫واألمثلة على ذلك كثرية جلية منها‪:‬‬
‫‪ -1‬ما يتعلق بعلم المعاني‪ :‬مثالً يف تفسريه لسورة الفرقان يقول يف النقطة التاسعة من ملحقات البالغيات‪ :" :‬يف هذه السورة من أمثلة‬
‫القصر ما يلي‪:‬‬
‫ِ‬ ‫أ) ما جاء يف قول اهلل عز وجل‪ { :‬وقَ َ ِ‬
‫ورا} [الفرقان‪.]8 :‬‬‫ال الظَّال ُمو َن إِ ْن تَ تَّب ُعو َن إًَِّل َر ُج اَل َم ْس ُح ا‬ ‫َ‬
‫ين إًَِّل إِنَّ ُه ْم لَيَأْ ُكلُو َن الطَّ َع َام‬ ‫ِ‬ ‫ب) ما جاء يف قول اهلل عز وجل خطاباً لرسوله ورداً على اعرتاض الذين كفروا‪{ :‬وما أَرسلْنا قَ ب لَ َ ِ‬
‫ك م َن ال ُْم ْر َسل َ‬ ‫ََ ْ َ َ ْ‬
‫َسو ِ‬
‫اق} [الفرقان‪]20 :‬‬ ‫ويم ُ ِ‬
‫شو َن في ْاأل ْ َ‬ ‫ََْ‬
‫ك بِ َمثَ ٍل إًَِّل ِج ْئ نَ َ‬
‫اك‬ ‫ج) ما جاء يف قول اهلل عز وجل خطاباً لرسوله بشأن اعرتاض الذين كفروا على تنزيل القرآن منجماً‪َ :‬‬
‫{وًَل يَأْتُونَ َ‬
‫س َن تَ ْف ِس ايرا} [الفرقان‪.]33 :‬‬
‫َح َ‬ ‫بِال َ‬
‫ْح ِّق َوأ ْ‬

‫‪22‬‬
‫ث َّ‬
‫َّللاُ َرس ً‬
‫ُوَل}‬ ‫د) ما جاء يف قول اهلل عز وجل خطاباً لرسوله بشأن الكافرين به‪َ { :‬وإِ َذا َرأَوْ كَ إِ ْن يَتَّ ِخ ُذونَ َ‬
‫ك إِ ََّل هُ ُز ًوا أَهَ َذا الَّ ِذي بَ َع َ‬
‫[الفرقان‪]41 :‬‬
‫‪116‬‬
‫ه) ما جاء يف قول اهلل عز وجل خطاباً لرسوله { َو َما أَرْ َس ْلنَا َك إِ ََّل ُمبَ ِّش ًرا َونَ ِذي ًرا } [الفرقان‪. " ]56 :‬‬
‫ومن ذلك أيضاً ما أورده عند قوله تعاىل‪{ :‬إِيَّا َك نَ ْعبُ ُد َوإِيَّا َك نَ ْستَ ِعينُ } [الفاتحة‪ ]5 :‬حيث قال‪[ " :‬إياك] ضمري منفصل منصوب على‬
‫متقدم عليه إلفادة احلصر والتخصيص ‪ ،‬بالداللة على إفراد اهلل عز وجل بالعبادة‪ ،‬والتربؤ من كل شرك فيها‪.‬‬ ‫أنه مفعول به لفعل [نعبد] ٌ‬
‫فمن أغراض تقدمي املعمول على عامله إرادة التخصيص واحلصر كما هو مقرر لد علماء البالغة"‪.117‬‬
‫صدُو ُرهُ ْم َو َما يُ ْعلِنُونَ } [النمل‪ ]74 :‬قال‪" :‬وجاء تأكيد هذا اخلرب عن مشول علم اهلل عز وجل‬ ‫ك لَيَ ْعلَ ُم َما تُ ِك ُّن ُ‬ ‫ويف قوله َ‬
‫{وإِ َّن َربَّ َ‬
‫‪118‬‬
‫باملؤكدات التاليات‪" :‬إ ان" و "اجلملة االمسية" و "الالم املزحلقة للخرب" كما يقول البالغيون" ‪.‬‬
‫‪ -2‬ما يتعلق بعلم البيان‪ :‬ومن األمثلة على ذلك‪:‬‬
‫املشبَّه به‬
‫ون} [الواقعة‪:]23 ،22 :‬قال ‪" :‬هذا التشبيه ذكر فيه املشبه و َ‬ ‫ين (‪َ )22‬كأ َ ْمثَا ِل اللُّ ْؤلُ ِؤ ْال َم ْكنُ ِ‬ ‫{وحُو ٌر ِع ٌ‬‫عند قوله تعاىل َ‬
‫وأداة التشبيه‪ ،‬ومل يذكر فيه وجه الشبه‪ ،‬فهو من التشبيه املرسل‪ ،‬لذكر أداة التشبيه فيه‪ ،‬ومن التشبيه اجململ لعدم ذكر وجه الشبه‪ ،‬فهو تشبيه‬
‫مرسل جممل"‪.119‬‬
‫صا ِد } [الفجر‪ ]14 :‬حيث قال‪" :‬وهذا التعبري القرآين كناية عن مراقبة اهلل تعاىل‬ ‫ك لَبِ ْال ِمرْ َ‬‫ومن ذلك أيضاً عند قوله تعاىل‪{ :‬إِ َّن َربَّ َ‬
‫حكيم ع ْد ٌل‬ ‫داهتا وأصغرها‪ ،‬مع مشول علمه لكل حركة وسكنة من حركاهتم وسكناهتم‪ ،‬ومبا أناه‬ ‫للمجرمني دواماً‪ ،‬يف كل األزمان ح ى أقص ير وح ي‬
‫ٌ‬ ‫ََ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫إملاح إىل إنذار ووعيد بعذاب وإهالك لكل اجملرمني‪ ،‬م ى وصلت‬ ‫ٍ‬
‫منتقم جبا ٌار‪ ،‬وله سنةٌ يف عباده ثابتةٌ ال تبديل هلا وال حتويل فيها‪ ...‬ويف هذا ٌ‬ ‫ٌ‬
‫‪120‬‬
‫َّ‬
‫حالتهم إىل مثل احلالة اليت وصل إليها املعذبون املهلَكون الغابرون" ‪.‬‬
‫ص ْف ٌر } [المرسَلت‪ ]33 ،32 :‬يقول‪" :‬مهذا‬ ‫ت ُ‬ ‫كما أناه يعتين بالتصوير‪ ،‬ففي قوله تعاىل {إِنَّهَا تَرْ ِمي بِش ََر ٍر َك ْالقَصْ ِر (‪َ )32‬كأَنَّه ُ ِج َمالَ ٌ‬
‫‪121‬‬
‫أيضا‪" :‬وفيما سبق كان‬ ‫متت اللقطة السريعة األوىل من تصوير موقع املكذبني يف قاع وادي "ويل" من وديان جهنم يوم الدين" ‪ ،‬وقال ً‬
‫التدبر متعل ًقا باللقطة األوىل من الصورة اليت وصف اهلل عز وجل مها موقع املكذبني يف قاع وادي "ويل"‪ .‬أما اللقطة الثانية فهي وصف الظل‬
‫الذي يُ َكلافون االنطالق إليه بأنه ذو ثالث شعب"‪.122‬‬
‫ك هُ ُم‬‫ضا ِح َكة ٌ ُم ْستَ ْب ِش َرةٌ (‪َ )39‬و ُوجُوهٌ يَوْ َمئِ ٍذ َعلَ ْيهَا َغبَ َرةٌ (‪ )40‬تَرْ هَقُهَا قَت ََرةٌ (‪ )41‬أُولَئِ َ‬ ‫ويف قوله تعاىل { ُوجُوهٌ يَوْ َمئِ ٍذ ُم ْسفِ َرةٌ (‪َ )38‬‬
‫ْال َكفَ َرةُ ْالفَ َج َرةُ (‪[ })42‬عبس‪ ]42 - 38 :‬يقول‪" :‬بعد بيان لقطة من مشاهد يوم البعث‪ ،‬وهي لقطة يربز فيها فرار كل إنسان من أقاربه‬
‫وأحبابه‪ ،‬ح ى أحب الناس إليه يف الدنيا‪ ،‬فكيف يكون حاله مع سائر الناس؟ يعرض البيان يف السورة لقطتني‪ :‬لقطة تظهر فيها أمارات‬
‫السعادة والفرحة وأخر تظهر فيها أمارات التعاسة والشقاء‪ .‬فاللقطة التصويرية األوىل‪ :‬جاء فيها عرض وجوه مسفرة ضاحكة مستبشرة‪...‬‬
‫واللقطة التصويرية الثانية‪ :‬جاء فيها عرض وجوه أخر عليها غربة ترهقها قرتة‪.123"...‬‬
‫ت ْال َوقُو ِد} [البروج‪" ]5 :‬وصفت نار هذا األخدود بأهنا ذات الوقود‪ ،‬لتصوير مشهد املدد من الوقود‪ ،‬الذي مجعه‬ ‫ويقول يف {النَّ ِ‬
‫ار َذا ِ‬
‫أو جيلبُه أصحاب األخدود‪ ،‬وجيعلونه قريبًا منهم‪ ،‬فهم ُمييدووهنا بالوقود والالزم هلا‪ ،‬كلما تقاصرت ألسنة هلبها‪ .‬ويف هذا التصوير إبراز لشناعة‬
‫عملهم وفظاعته‪ 124"...‬مث يقول يف {إِ ْذ هُ ْم َعلَ ْيهَا قُعُو ٌد} [البروج‪" ]6 :‬ويف هذا البيان متابعة لتصوير شناعة ما قاموا به‪ ،‬وتصوير فظاعته‪،‬‬
‫للتنبيه على حالتهم النفسية البالغة غاية اإلجرام واللؤم واخلسة والكالحة اجلهنمية"‪.125‬‬
‫ات َسائِ ٌغ َش َرابُهُ َو َه َذا‬
‫ْب فُ َر ٌ‬ ‫‪ -3‬ما يتعلق بعلم البديع‪ :‬كما جاء يف سورة فاطر مثالً عند تفسريه لقوله تعاىل‪{ :‬وما يستَ ِوي الْب ْحر ِ‬
‫ان َه َذا َعذ ٌ‬ ‫َ َ‬ ‫ََ َ ْ‬
‫ْك فِ ِيه َم َو ِاخ َر لِتَْبتَ غُوا ِم ْن فَ ْض ِل ِه َول ََعلَّ ُك ْم تَ ْش ُك ُرو َن} [فاطر‪ ]12 :‬حيث قال‪:‬‬ ‫ِ‬
‫َح اما طَ ِريًّا َوتَ ْستَ ْخ ِر ُجو َن حلْيَةا تَلْبَ ُ‬
‫سونَ َها َوتَ َرى الْ ُفل َ‬ ‫ِملْح أُج ِ‬
‫اج َوم ْن ُك ٍّل تَأْ ُكلُو َن ل ْ‬
‫ٌ َ ٌ‬

‫‪23‬‬
‫"يف هذا البيان من البدائع املعنوية لف جممل ونشر مفصل‪ ،‬فاللف اجململ يف عبارة َوَما يَ ْستَ ِوي الْبَ ْح َر ِان فقد ذكر فيها البحران على طريقة اللف‬
‫اج ‪ ،‬وحيسن مثل هذا اإلجراء البديع ملا فيه من مساعدة للفكر على‬ ‫ِ‬ ‫ْب فُر ٌ ِ‬
‫ُج ٌ‬
‫ْح أ َ‬
‫ات َسائ ٌغ َش َرابُهُ َو َه َذا مل ٌ‬ ‫اجململ‪ ،‬والنشر جاء يف عبارة َه َذا َعذ ٌ َ‬
‫استيعاب األقسام بعد ذكر اجلامع بينها‪ ،‬وحتديد حدود الكليات واجلزئيات"‪.126‬‬
‫حذف من‬
‫ٌ‬ ‫ومن ذلك أيضاً عند قوله تعاىل {فَقَ ْد َك َّذبُوا فَ َسيَأْتِي ِه ْم أَ ْنبَا ُء َما َكانُوا بِ ِه يَ ْستَه ِْزئُونَ } [الشعراء‪ ]6 :‬حيث قال‪" :‬يف هذه اآلية‬
‫األوائل للداللة على األواخر وبالعكس‪ ،‬وه و ما يسمى عند البالغيني (االحتباك) والتقدير‪" :‬فقد كذبوا واستهزؤوا فسيأتيهم حتقيق أنباء ما‬
‫كانوا به يكذبون ويستهزئون" ‪ ،‬ومهذا التقدير يظهر للمتدبر حذف مضاف قبل (أنباء) أيضاً"‪.127‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬منهجه في التعامل مع القضايا العقلية‬
‫كان الشيخ – رمحه اهلل – يهتم بإعمال عقله يف التفسري‪ ،‬سواء يف مناقشاته لغريه – كما مر – أو يف اهتمامه ببعض القضايا العقلية‪،‬‬
‫نوافقه على أكثرها لكن نأخذ عليه إحد قضاياها‪ ،‬وسأذكر يف هذا املطلب أهم القضايا العقلية اليت برزت يف تفسريه‪.‬‬
‫المسألة األولى‪ :‬المناسبات‬
‫ألقى الشيخ – رمحه اهلل – على مسألة املناسبات عناية خاصة باعتبارها عامالً مهماً من عوامل فهم السورة والوقوف على املراد مها‪ ،‬وال‬
‫شك أن الدافع له إىل ذلك هو إظهار أمهية ترتيب النزول ودوره يف معرفة التكامل فيما هدفت إليه السور املتجاورة يف ترتيب النزول‪ ،‬قال مثالً‬
‫عند تفسري سورة الشرح‪" :‬تكاد تكون سورة الشرح تتمة لسورة الضحى أو درساً من دروسها‪ ،‬بيد أهنا سورة منفصلة‪ ،‬نزلت بعد الضحى‬
‫خطاباً لرسول اهلل حممد صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬واألسلوب البياين والرتبوي والتكليفي فيها مشابه ألسلومها‪ ،‬مع فارق بياين استدعى فصلها"‪.128‬‬
‫ومن املالح أن هذا األمر يظهر متاماً عند السور املتجاورة يف ترتيب املصحف مما تقارب تاريخ نزوهلا‪ ،‬أما اليت اختلف ترتيبها حسب‬
‫النزول عن ترتيبها يف املصحف فإن كالمه يف املناسبة بينها ال يظهر بشكل واضح‪ ،‬إال ضمن املناسبة العامة بني سور القرآن املتعلقة ببيان‬
‫التدرج يف التشريع والبناء الفكري والرتبوي‪ ،‬ومعاجلة مواقف املشركني‪ ،‬فرتاه يشري مثالً عند بداية كثري من السور إىل متابعة كل سورة ملا أوردته‬
‫السورة السابقة هلا يف النزول من قضايا فكرية أو اعتقادية‪ ،‬وهذا كله بسبب اعتماده ترتيب النزول‪.129‬‬
‫فمثال يقول‬
‫أيضا بإبراز املناسبات بني دروس السورة املختلفة‪ً ،‬‬ ‫واعتناؤه باملناسبات أخذ جانبًا آخر غري ارتباط السور ببعضها‪ ،‬فهو يعتين ً‬
‫يف بداية الدرس الثاين من سورة األعلى حتت عنوان "ارتباط هذا الدرس بالدرس األول"‪" :‬تضمن الدرس األول من السورة توجيه الرسول حممد‬
‫‪-‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬أن يشرح للناس القضايا اليت اشتمل عليها‪ ،‬واملتعلقة باهلل جل جالله‪ ،‬وتنزيهه عما ال يليق به‪ ،‬وبيان أدلة ربوبيته‬
‫يف كونه‪.‬‬
‫وقد سبق أن علي َم صلوات اهلل عليه فيما أنزل اهلل عليه من القرآن أ ان هذه القضايا املتعلقة باهلل إّنا هي فقرات أوىل من أُسس العقيدة يف‬
‫اإلسالم‪ ،‬وال بُ اد أن تتبعها بيانات أخر تتعلق بسائر فقرات أركان اإلميان‪ ،‬وبيانات تتعلق بأنواع السلوك الديين يف احلياة‪ ،‬وأ ان عليه أن يتلقى‬
‫هذه البيانات بتتابع‪ ،‬وهو يف حالة استعداد نفسي كامل لتلقيها وحفظها‪ ،‬ومحل مسؤولية تبليغها والتذكري مها‪ ...‬وإذ يعلم الرسول ‪-‬صلى اهلل‬
‫عليه وسلم ‪ -‬من نفسه أنه بشر‪ ،‬وأنه معرض ألن ينسى بعض ما ينزل اهلل عليه من القرآن‪ ،‬فال بد أن يتخوف من هذا األمر العظيم‪ ،‬وهو‬
‫هم حف كل كلمة وكل حرف‪ ...‬هلذا كان من احلكمة أن يطمئن اهلل عز وجل رسوله بشأن األمرين‬ ‫حيمل رسالة ربه اجلليلة‪ ،‬وأن حيمل ا‬
‫املهمني لنفسه وقلبه‪:‬‬
‫األمر األول‪ :‬ختوفه من أن ينسى بعض ما ينزل اهلل عليه من كتابه اجمليد‪.‬‬
‫األمر الثاين‪ :‬ختوفه من أن ال يستطيع تأدية وظائف رسالته اليت أرسله اهلل مها على أمت وجه وأكمله‪.‬‬
‫فأبان اهلل له أنه سيمده بعطاء من لدنه جيعله ال ينسى‪. 130...‬‬
‫‪24‬‬
‫أيضا ألن‬
‫ويقول يف الدرس الثالث من سورة يس‪" :‬يبدأ هذا الدرس الثالث من دروس السورة بآية صاحلة ألن تكون بداية له‪ ،‬وصاحلة ً‬
‫وختاما للدرس الثاين‪ ،‬وهذا من لطائف سالسل الربط بني الدروس يف السورة القرآنية"‪ .131‬واألمثلة على هذا اجلانب كثرية مطردة‬
‫تكون هناية ً‬
‫يف كتابه‪.‬‬
‫فخ الصة منهجه يف املناسبات أنه سار فيه بطريقني؛ أحدمها‪ :‬بيان املناسبات بني السور‪ ،‬وثانيهما‪ :‬بيان املناسبات بني دروس السورة‪.‬‬
‫المسألة الثانية‪ :‬التفسير الموضوعي‬
‫وقد ظهر اعتناؤه مهذا اجلانب على أكثر من اجتاه‪ ،‬األول هو عند حديثه عن السورة ككل ورسم صورة هلا تكون حمور السورة وحمورها‪،‬‬
‫ففي كل سورة يعطي حملة موجزة عن السورة‪ ،‬فيحدد موضوعها أو موضوعاهتا اليت حتويها واالرتباط بينها‪ ،‬وبيان األساليب اليت اتبعتها السورة‬
‫يف عرض موضوعها أو موضوعاهتا‪ ،‬ومن مث تقسيم السورة إىل دروس تعطي صورة جمملة عما تتضمنه من أفكار‪.‬‬
‫أم ا الثاين فهو املتمثل يف حتديد موضوعات معينة ومجع اآليات القرآنية اليت تشرتك يف بياهنا واحلديث عنها‪ ،‬ومن مث دراستها وفق املنهجية‬
‫املوضوعية فقد بدا ذلك واضحاً يف منهج الشيخ‪ .‬ومن ذلك ما فعله يف امللحق الثاين من سورة النجم بعنوان‪" :‬حول معاجلة املشركني بشأن‬
‫عقيدهتم يف املالئكة" فقد أورد املعاجلات وفق ترتيب النزول يف القرآن مث تلخيصها بعد ذلك يف عناصر متنوعة مبينًا عناصر املعاجلة هلم‪،132‬‬
‫املدعو الذي مل يستجب"‪ ،133‬وغريها‪ ،‬وأكثر هذا‬‫أيضا ما فعله يف امللحق الثاين من نفس السورة حول "سياسة الداعي يف أحوال ا‬ ‫ومن ذلك ً‬
‫يظهر يف ملحقات السور‪.‬‬
‫وأما الثالث واألخري فهو الذي يعىن بتتبع لفظة معينة واستخدام القرآن هلا‪ ،‬وهذا يدل على اهتمام الشيخ مهذا األمر‪ ،‬مثل تتبعه لكلمة‬
‫الصراط عند تفسريه لسورة الفاحتة‪ ،134‬وكتتبعه للف "الرياح" يف سورة املرسالت حيث تتبع يف القرآن كله مبينًا ما مييز كل نص‪ ،135‬وأمثلة‬
‫ذلك كثرية‪.‬‬
‫المسألة الثالثة‪ :‬القضايا العلمية‬
‫لقد وضع الشيخ رمحه اهلل ضمن قواعد التدبر األمثل قاعدة تتعلق مهذا األمر‪ ،‬بني فيها موقفه وما ينبغي على املفسر اتباعه وتوظيفه عند‬
‫تدبره اآليات اليت حتتوي على تلك اإلشارات العلمية‪ ،‬ويتلخص موقفه فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬وجوب فهم النص أو النصوص القرآنية مبقتضى احلقائق العلمية اليت ثبتت بأدوات ووسائل البحث العلمي اإلنساين ثبوتاً قطعياً‪.‬‬
‫‪ -2‬الفرضيات العلمية اليت مل يقل العلم فيها كلمته األخرية القطعية ميكن أن يفسر النص القرآين مبقتضاها ضمن ضوابط التفسري‪ ،‬ولكن‬
‫دون جزم وال قطع‪ ،‬ويبقى الباب مفتوحاً الحتماالت فهم النص املتعددة‪.‬‬
‫‪ -3‬ال جيوز تطويع النصوص القرآنية وإكراهها بتأويالت متعسفة لتوافق القضايا العلمية اليت مل تثبت‪ ،‬أو ال ميكن فهمها مبقتضى قواعد‬
‫فهم النصوص العربية‪ ،‬وعلى متدبر القرآن أن حيذر من االنزالق يف املزالق اخلطرة اليت جتر إىل فهم كالم اهلل على غري ما أذن اهلل به يف تدبر‬
‫‪136‬‬
‫قرآنه‪.‬‬
‫ومن خالل ما سبق يظهر أن الشيخ رمحه اهلل ير بضرورة التفسري العلمي لآليات اليت تضمنت الكالم حول قضايا علمية خمتلفة أو‬
‫أشارت إىل مثلها‪ ،‬وقد قام رمحه اهلل بتطبيق ق اعدته يف تفسريه‪ ،‬وهذا ظاهر يف تفسريه عند جميء القضايا العلمية املختلفة‪ ،‬فيقوم بتدبر اآليات‬
‫مبقتضى ما ثبت من العلوم‪ ،‬مستنبطاً ما فيها من إشارات حول هذه العلوم‪ ،‬مبيناً ما يف القرآن من دالئل وراء ذكر هذه العلوم‪ ،‬ومشرياً إىل‬
‫هدف القرآن من إيرادها‪ ،‬خلوصاً إىل عد ذلك من عناصر اإلعجاز القرآين‪ ،‬وأحيانًا كان ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬حييل القارئ إىل مكان وجود هذه‬
‫القضايا العلمية للتوسع فيها‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫الر ْج ِع } [الطارق‪ ، ]11 :‬حيث قال‪:‬‬ ‫السم ِاء ذَ ِ‬
‫ات َّ‬ ‫ومن األمثلة على توظيفه للقضايا العلمية يف التفسري ما جاء يف تفسريه لقوله تعاىل َ‬
‫{و َّ َ‬
‫ذات الرجع‪ ،‬أي‪ :‬ذات اإلرجاع‪ .‬وجتيبنا الظاهرة املتكررة اليت أدركها‬ ‫"ونتساءل عن السبب الداعي لوصف هذه السماء القريبة منا بأهنا ُ‬
‫طبقات ما من الغالف الغازي حول األرض‪ ،‬وهو الذي تتكون منه السماء القريبة امللتصقة‬ ‫ٍ‬ ‫األقدمون‪ ،‬وهي ظاهرة تبخر املياه وتصاعدها إىل‬
‫مها‪ ،‬ضمن سنن وأسباب حمكمة بقضاء اهلل وقدره‪ ،‬ويرجع إىل األرض مطراً‪ ،‬ماء حلواً أو ثلجاً أو برداً‪ ،‬لسقيا الناس والدواب وإلحياء األرض‬
‫بالنباتات املختلفة‪ ...‬وكل الناس يالحظون أن أي شيء يصعد يف هذه السماء القريبة من األرض واملالصقة هلا بقوة ما‪ ،‬فال بد أن يرجع إىل‬
‫األ رض م ى تالشت القوة اليت جعلته يصعد فيها‪ ،‬وقد عرف الباحثون العلميون سبب ذلك‪ ،‬منذ أدركوا قانون اجلاذبية بني األشياء‪ .‬فهذه‬
‫السماء القريبة ذات َرجع لكل ما يصعد فيها من األرض‪ ،‬إذ هو يرجع إليها بقوة جاذبية األرض له‪ 137" ...‬مث يذكر األشعة الضوئية اليت‬
‫تالمس الغالف اجلوي من خارج األرض وأن هناك قسم يرجعه وهو القسم الضار ح ى ال يصل إىل األرض‪.‬‬
‫ض َشقًا‬
‫صبًا (‪ )25‬ثُ َّم َشقَ ْقنَا ْاألَرْ َ‬
‫صبَ ْبنَا ْال َما َء َ‬ ‫أيضا ما جاء يف تفسريه لقوله سبحانه {فَ ْليَ ْنظُ ِر ْ ِ‬
‫اْل ْن َسانُ إِلَى طَ َعا ِم ِه (‪ )24‬أَنَّا َ‬ ‫ومنه ً‬
‫ق ُغ ْلبًا (‪َ )30‬وفَا ِك َهةً َوأَبًا (‪َ )31‬متَاعًا لَ ُك ْم َو ِ َ‬
‫أل ْن َعا ِم ُك ْم}‬ ‫(‪ )26‬فَأ َ ْنبَ ْتنَا فِيهَا َحبًا (‪َ )27‬و ِعنَبًا َوقَضْ بًا (‪َ )28‬وزَ ْيتُونًا َون َْخ ًَل (‪َ )29‬و َحدَائِ َ‬
‫"وظاهر أنه ليس املراد جمرد النظر بالباصرة‪ ،‬بل املراد النظر املصحوب بالتفكر والتأمل‪ ،‬واستخراج الروابط‬ ‫ٌ‬ ‫[عبس‪ ]32 - 24 :‬حيث قال‪:‬‬
‫والعلل واألسباب والغايات‪ ،‬ومعرفة دالئل اآليات الكونية الكثرية املنبتة يف األرض ويف السماء‪ ،‬إلعداد طعام اإلنسان يف الكون‪ ،‬ومنها أشعة‬
‫الشمس وما يسببه القمر من مد وجزر يف البحار‪ ،‬ومنها تبخر املياه من احمليطات‪ ،‬وتكوين السحاب وسوقُها‪ ،‬وإنزال األمطار من السماء‪ ،‬إىل‬
‫غري ذلك مما يكتشفه البحث العلمي اإلنساين" مث قال‪" :‬ولعلماء الكونيات يف هذا اجملال حبوث كثرية دقيقة نفيسة‪ ،‬وهي مشحونة بأدلة آيات‬
‫اهلل اخلالق البديع العليم احلكيم القدير"‪.138‬‬
‫‪139‬‬
‫المسألة الرابعة‪ :‬القضايا العقدية‬
‫اعتمد ال شيخ عبد الرمحن رمحه اهلل على القرآن والسنة وما فيهما من أدلة وحجج وبراهني يف استعراض موضوعات العقيدة وإثباهتا‬
‫واحلديث عنها وبياهنا‪ ،‬ومل يتبع مذهباً معيناً من مذاهب أهل االعتقاد‪ ،‬ويف هذا يقول‪" :‬ومل ألتزم مذهباً معيناً من مذاهب أهل االعتقاد‪ ،‬إال‬
‫مذهب أهل السنة واجلماعة بشكل عام‪ ،‬وطريقة السلف هي الطريقة اليت رأيتها أقرب لسالمة الفطرة وصفاء الفكرة‪ ،‬وبُعدها عن التعقيدات‬
‫الفلسفية املتشعبة اليت تكثر متاهاهتا وكبواهتا"‪ ،140‬وهو األمر الذي سار عليه يف تفسريه‪ ،‬فلم أحل ذكراً للمذاهب االعتقادية أو مناقشات‬
‫وجمادالت مثل تلك اليت حتصل بينهم أو بياناً الختالفهم يف املوضوعات‪ ،‬وإليك بعض األمثلة على ذلك من تفسريه‪:‬‬
‫{و ََل ت َْط ُر ِد الَّ ِذينَ يَ ْد ُعونَ َربَّهُ ْم بِالْ َغدَا ِة َو ْال َع ِش ِّي ي ُِري ُدونَ َوجْ هَهُ} [األنعام‪" :]52 :‬أي يريدون رضا ذاته‬ ‫‪ -1‬يقول عند قوله تعاىل َ‬
‫ونفسه عنهم‪ ،‬يطلق الوجه ويراد به الذات كلها وهذا هو املراد هنا‪ ،‬ويطلق الوجه على القصد وعلى اجلهة والناحية إىل غري ذلك من‬
‫إطالقات‪ ،‬والقرائن تدل على املراد"‪.141‬‬
‫{ولِتُ ْصنَ َع َعلَى َع ْينِي} [طه‪ ]39 :‬يقول‪" :‬أي وقدرت وقضيت إيصالك إىل فرعون‪ ،‬وإلقاء حمبتك يف قلومهم‪ ،‬لتُزنَشَّأ‬ ‫‪ -2‬وعند قوله تعاىل‪َ :‬‬
‫يف القصر الفرعوين إنشاءً خالصاً‪ ،‬تُصنه فيه صنعاً راقياً بعناييت بك‪ ،‬ومحاييت ورعاييت لك‪( ،‬على عيين)‪ :‬أي على املكان احملاط بعناييت بك‬
‫ومحاييت ورعاييت لك‪ ،‬أطلق لف العني وأريد به بالغ العناية‪ ،‬ألن العني مها تكون الرؤية واملراقبة فيكون موسى على املواضع اليت تشملها وحتيط‬
‫مها عناية اهلل الدائمة له كدوام رؤية اهلل لكل ما ميكن عقالً رؤيته يف الوجود كله"‪.142‬‬
‫ش } [األعراف‪ ]54 :‬قال‪:‬‬ ‫ض فِي ِستَّ ِة أَي ٍَّام ثُ َّم ا ْستَ َوى َعلَى ْال َعرْ ِ‬
‫ت َو ْاألَرْ َ‬ ‫َّللاُ الَّ ِذي َخلَ َ‬
‫ق ال َّس َما َوا ِ‬ ‫‪ -3‬وعند قوله تعاىل َّ‬
‫{ن َرب َّ ُك ُم َّ‬
‫"االستواء لغة‪ :‬االستقامة واالعتدال‪ ،‬واستو فالن على سرير امللك إذا توىل تصريف شؤون مملكته‪ ،‬وقد وصف اهلل نفسه بأنه استو على‬
‫العرش‪ ،‬وقد كان اهلل قبل أن خيلق اخللق ومل يكن معه شيء‪ ،‬ووصف نفسه بأنه استو إىل السماء فسواهن سبع مسوات‪ ،‬استواء وصف اهلل به‬

‫‪26‬‬
‫نفسه فنحن نثبته ضمن حدود ما أثبته لنفسه جل جالله وعظم سلطانه‪ ،‬وهو استواء يليق بذاته سبحانه عما وصفه به الواصفون‪ ،‬وأحسن‬
‫بيان حول االستواء ما قاله اإلمام مالك رمحه اهلل‪[ :‬الكيف غري معقول واالستواء غري جمهول واإلميان به واجب والسؤال عنه بدعة]‪ ،‬العرش‪:‬‬
‫خملوق أعظم فوق السموات السبع وحميط مها"‪.143‬‬
‫صفًا} [الفجر‪ ]22 :‬قال‪" :‬أي‪ :‬وجاء ربك اهلل اخلالق البارئ املصور املهيمن بصفات‬
‫صفًا َ‬
‫ك َ‬ ‫‪ -4‬وعند قوله تعاىل { َو َجا َء َربُّ َ‬
‫ك َوالْ َملَ ُ‬
‫ربوبيته جميئًا يليق جبالله وعظيم سلطانه"‪.144‬‬
‫المسألة الخامسة‪ :‬ترتيب القرآن‬
‫اختار الشيخ عبد الرمحن حبنكة تفسري القرآن حسب تاريخ نزول سوره ال حسب ما هو موجود يف املصاحف اليوم‪ ،‬ورأ أن ذلك من‬
‫التدبر األمثل لكتاب اهلل الذي ينبغي أن يسلك طريقه املفسر‪ ،‬وقد أشار إىل أنه اكتشف خالل تدبره القرآن على هذا الرتتيب أموراً جليلة‬
‫تتعلق حبركة البناء املعريف ألمور الدين‪،‬وحركة املعاجلات الرتبوية الربانية الشاملة للرسول صلى اهلل عليه وسلم وللذين آمنوا به واتبعوه‪ ،‬وللذين مل‬
‫يستجيبوا لدعوة الرسول مرتيثني أو مكذبني كافرين‪.145‬‬
‫وقد اجتهد رمحه اهلل يف وضع ترتيب لسور القرآن‪ ،‬وسلك يف ذلك طريقني‪:‬‬
‫األول‪ :‬النظر يف ترتيب السور املبَز َّني عند العلماء بالتنزيل وما ورد يف ذلك من روايات كتلك اليت رويت عن عكرمة وأخر عن ابن‬
‫ُ‬
‫عباس وغريها‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬إعمال العقل‪ ،‬فقد ذهب إىل أن ترتيب النزول قد يُعرف بالتبصر العقلي اهلادي إىل قواعد سنة اهلل اليت جر وفقها إنزال‬
‫معظم النصوص القرآنية وأحكام التشريع‪ .146‬وبناء على هذا وضع جدوالً بني فيه ترتيب سور القرآن‪ 147‬وسار عليه يف تفسريه‪.‬‬
‫وكان عند ذكره للسورة يف تفسريه يذكرها واضعاً إياها بني قوسني على الشكل التايل مثالً‪ :‬ما جاء يف سورة [هود‪11/‬مصحف‪52/‬نزول]‬
‫وحنو ذلك‪.‬‬
‫وهذه املسألة من املسائل اليت ظهرت على يد بعض املفسرين يف العصر احلديث فقط‪ ،‬وهي قضية مبتناها العقل وحده وال يوجد عندنا‬
‫نص يُثبت مثل هذا الرتتيب‪ ،‬وسأبني خطأ هذا املذهب يف املبحث القادم عند ذكر املآخذ على الشيخ بإذن اهلل‪.‬‬
‫المسألة السادسة‪ :‬اهتمامه ببيان السنن اْللهية‬
‫ود‬
‫س َوثَ ُم ُ‬‫الر ِّ‬
‫اب َّ‬ ‫َص َح ُ‬
‫وح َوأ ْ‬ ‫ت قَ ْب لَ ُه ْم قَ ْوُم نُ ٍ‬‫اهتم الشيخ رمحه اهلل ببيان السنن اإلهلية ما أمكن‪ ،‬وهذا من املباحث اجلليلة‪ ،‬ومن ذلك قوله { َك َّذبَ ْ‬
‫س ِم ْن َخل ٍْق‬ ‫الرسل فَح َّق و ِع ِ‬
‫يد (‪ )14‬أَفَ َعيِينَا بِالْ َخل ِْق ْاأل ََّو ِل بَ ْل ُه ْم ِفي ل َْب ٍ‬ ‫ب ُّ ُ َ َ َ‬
‫ِ‬
‫اب ْاألَيْ َكة َوقَ ْوُم تُبَّ ٍع ُك ٌّل َك َّذ َ‬
‫َص َح ُ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫(‪َ )12‬و َعا ٌد َوف ْر َع ْو ُن َوإِ ْخ َوا ُن لُوط (‪َ )13‬وأ ْ‬
‫َج ِد ٍيد (} [ق‪ ]15 - 12 :‬ما نصه‪" :‬سنة اهلل يف املكذبني األولني أن يتوعدهم بالعذاب واإلهالك إذا أصروا على كفرهم‪ ،‬وأن حيقق فيهم‬
‫حممدا تنطبق عليهم هذه السنة من سنن اهلل فلريتقبوا‬ ‫وعيده م ى اقتضت حالتهم اليت وصلوا إليها إنزال اهلالك فيهم‪ ...‬أي‪ :‬والذين كذبوا ً‬
‫ميؤوسا منها‪ ،‬وكثر إفسادهم يف األرض"‪ ،148‬ويقول عن الدرس الثالث يف سورة املرسالت‪" :‬درس تضمن‬ ‫ً‬ ‫إهالكهم م ى صارت حالة عامتهم‬
‫االستدالل على ق انون اجلواء الرباين‪ ،‬والقدرة على البعث‪ ،‬بعرض ظواهر كونية معلومة من أحداث تاريخ األمم الغابرة ذات اآلثار الباقية‪،‬‬
‫وظواهر كونية مشهودة‪ ،‬يف جماري تصاريف اهلل عز وجل يف كونه‪ ،‬فمن الظواهر الكونية التارخيية الغابرة إهالك اهلل املكذبني اجملرمني األولني‪،‬‬
‫وإهالكه أمثاهلم ما توالت القرون‪.149"...‬‬
‫هذه باختصار أهم معامل منهج الشيخ عبد الرمحن حسن حبنكة امليداين‪ ،‬أسأل اهلل تعاىل أن أكون قد أحطت بطريقته يف تفسريه‪ ،‬جزاه‬
‫اهلل عنا وعن املسلمني كل خري‪ ،‬فقد كان تفسريه تفسرياً عظيماً وضع فيه املؤلف خالصة ما توصل إليه فكره يف سبعني سنة‪ ،‬واجلوانب اليت‬

‫‪27‬‬
‫تؤخذ للتفسري كثرية جداً‪ ،‬فقد حو يف طياته فوائد مجة يتلقفها القارئ يف كل عباراته‪ ،‬لكن اإلنسان بطبيعته مهما طلب الكمال فلن يصل‬
‫إليه‪ ،‬وال يعدم كل كتاب من مالحظات عليه‪ ،‬لكن ذلك ال يفقده قيمته العلمية‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬القيمة العلمية لهذا التفسير‬
‫المطلب األول‪ :‬ما يؤخذ للتفسير‬
‫أما املالحظات اليت تؤخذ للتفسري فكثرية‪ ،‬فقد حو كتابه على العلوم املختلفة اليت تعني على فهم كتاب اهلل‪ ،‬فقد اعتمد رمحه اهلل على‬
‫التفسري باملأثور وذكر أسباب النزول‪ ،‬كما أننا نراه ال يأخذ إال بالقراءات الصحيحة املتواترة دون غريها من القراءات الشاذة والضعيفة‪ ،‬وهذا‬
‫مما يؤخذ له‪ ،‬كذلك قيامه مبناقشات كثرية يف كتابه مدعماً آراءه باحلجة والدليل والربهان يضفي على تفسريه قيمة علمية كبرية‪ ،‬مث إن قيامه‬
‫باالعتناء جبانب اللغة وبيان األلفاظ ودالالهتا يف القرآن الكرمي واعتناؤه بالنحو والبالغة‪ ،‬كل ذلك يزيد تفسريه قوة فالقرآن أنزل بلسان عريب‬
‫مبني‪ ،‬باإلضافة إىل قيامه بالدراسات املوضوعية يف تفسريه من خالل إبراز الوحدة املوضوعية للسورة وأوجه املناسبات كل ذلك جيعله ذا قيمة‬
‫علمية كبرية‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬ما يؤخذ على التفسير‬
‫أما املالحظات اليت تؤخذ على التفسري فليست كثرية وهي‪:‬‬
‫‪ -1‬استخدامه لرتتيب نزول السور يف تفسريه‪ ،‬فقد استخدم الشيخ –رمحه اهلل– طريقة حديثة يف تفسري القرآن الكرمي وهي تفسريه‬
‫حسب ترتيب نزول سوره‪ ،‬وهي طريقة مل يستخدمها إال القليل من أبناء القرن املاضي ومن الذين سبقوا الشيخ يف هذه الطريقة األستاذ حممد‬
‫عزة دروزة‪ 150‬بتفسريه املسمى "التفسري احلديث" والشيخ عبد القادر مال حويش‪ 151‬يف تفسريه "بيان املعاين على حسب ترتيب النزول"‪ ،‬ومل‬
‫ينقل عن القرن قبل املاضي استخدامهم هلذه الطريقة يف تفسري القرآن الكرمي‪ ،‬وتقوم هذه الطريقة ابتداء على تقسيم سور القرآن إىل مكية‬
‫ومدنية ومن مث ترتيب سور كل قسم منها‪ ،‬والقيام بعد ذلك بتفسري هذه السور على منهج كل مفسر من املفسرين الذين اعتمدوا هذه‬
‫الطريقة‪ .‬وهذه الطريقة ختالف ترتيب السور يف املصحف وكذلك ختالف ما ذهب إليه جل املفسرين من تفسري للقرآن حبسب الرتتيب الذي‬
‫بني أيدينا ويف هذا يقول الدكتور عدنان زرزور‪" :‬أما ترتيب سور القرآن حبسب النزول ال للتدوين يف املصاحف‪ ،‬ولكن يف كتب التفسري أو‬
‫بغرض التفسري فقد ذهب إىل جوازه بعض العلماء وإن كنا نر أنه غري مستساغ‪ ،‬وقد ال يكون كذلك ممكناً بغري قدر من التجاوز‪ ،‬ألن‬
‫السورة من القرآن مل تكن تنزل دائماً مرة واحدة أو مل تكن تنزل آية أو آيات من سورة ثانية إال بعد أن يكتمل بناء السورة السابقة‪ ،‬فالرتتيب‬
‫حبسب النزول ال ميكن وصفه بالدقة إىل جانب ما فيه من تضخيم مرحلية البناء‪ ،‬وتضيق ساحة النص القرآين الذي أراد اهلل أن يكون عاماً‬
‫شامالً يعني تنجيمه وأسباب نزوله على مزيد من الفهم ال على االنغالق يف حدود البيئة أو الزمان‪.152"...‬‬
‫وير أصحاب هذه الطريقة أن هلا جدو وقيمة‪ ،‬يقول األستاذ حممد عزة دروزة‪ " :‬إن هذه الطريقة تفيد القارئ يف تتبع سور التنزيل‬
‫القرآين مرحلة فمرحلة‪ ،‬واالستشعار جبو هذه السورة‪ ،‬حيث يكون هذا الرتتيب أدعى إىل تفهم القرآن وحكمة التنزيل‪ ،‬كما أنه يتسق مع‬
‫املنهج الذي أعتقده األفضل لفهم القرآن وخدمته‪ ،‬إذ بذلك ميكن متابعة السرية النبوية زمناً بعد زمن‪ ،‬كما ميكن متابعة أطوار التنزيل ومراحله‬
‫بشكل أوضح وأدق‪ ،‬ومهذا وذاك يندمج القارئ يف جو نزوله وجو ظروفه ومناسباته ومداه ومفهوماته وتتجلى حكمة التنزيل"‪. 153‬‬
‫ويبني ذلك الشيخ عبد الرمحن حبنكة بقوله‪ " :‬إن مراعاة مراحل التنزيل وأزمانه ومالحظاهتا لد التدبر حتمي من أخطاء تفسريية قد يقع‬
‫وحي امل بذلك النص القرآين ما ال حيمل‪.154" ...‬‬
‫فيها بعض املفسرين‪ ،‬فبعضهم قد يأيت بقصص مدنية فيضعها شرحاً أو سبباً لنص مكي‪ُ ،‬‬
‫لكن املخالفني هلذه الطريقة ذكروا جمموعة من املالحظات واالنتقادات واملخاطر اليت حتول دون الوصول إىل ما أراده مستخدمو ترتيب‬
‫النزول يف تفاسريهم‪ ،‬فقد أشار سيد قطب –رمحه اهلل– مثالً إىل وجود هذه املخاطر بقوله‪ " :‬وعلى كل ما يف حماولة تتبع آيات القرآن وسوره‬
‫‪28‬‬
‫وفق الرتتيب الزمين للنزول من قيمة‪ ،‬ومن مساعدة على تصور منهج احلركة اإلسالمية ومراحلها وخطواهتا‪ ،‬فإن قلة اليقني يف هذا الرتتيب جتعل‬
‫األمر شاقاً‪ ،‬كما أهنا جتعل النتائج اليت يُتوصل إليه ا تقريبية ظنية وليست هنائية يقينية‪ ،‬وقد ترتتب على هذه النتائج الظنية التقريبية نتائج أخر‬
‫خطرية "‪.155‬‬
‫ون ضيف إىل كالم سيد أن السور مل تكن تنزل متكاملة بل قد تنزل سورة مثل سورة البقرة يف عشر سنوات وتنزل خالهلا معظم السور‬
‫املدنية‪ ،‬فهذا ال يعني على فهم التدرج يف الدعوة والرتبية واملنهج بشكل دقيق بل يبقى األمر ظنياً‬
‫ومن االنتقادات على هذه الطريقة أيضاً‪:‬‬
‫أ‪ -‬عدم وجود ترتيب يثبت على النقد أو يستند إىل أسانيد قوية ووثيقة‪.156‬‬
‫ب‪ -‬يف استخدام هذه الطريقة طمس جلوانب من فهم القرآن‪ ،‬والتعرف إىل أسرار إعجازه تتعلق رمبا يف املناسبات بني السور وبيان‬
‫أسرار ترتيبها‪ ،‬واليت أخذت جهداًكبرياً من العلماء للوقوف عليها وجتليتها‪.157‬‬
‫ت‪ -‬نشأ بني املفسرين (على هذه الطريقة) اختالف يف ترتيب السور‪.‬‬
‫ث‪ -‬املفسرون مهذه الطريقة قاموا بتفسري السورة كاملة‪ ،‬فهل هذا يعترب من مراعاة ترتيب النزول؟‪ ،‬إن تفسريهم للقرآن مل يكن‬
‫حسب ترتيب النزول؛ إذ إهنم اعتربوا ترتيب السور باعتبار صدرها م ى نزل دون باقي أجزائها اليت قد تنزل على أوقات متفرقة‪.‬‬
‫فخالصة ما ذهبوا إليه هو أهنم خالفوا الرتتيب الذي أمجع أغلب األمة على وقفيته‪ ،‬ولو أهنم التزموا الرتتيب الذي عليه القرآن لكان‬
‫أجد وأجود إذ إهنم بذلك يسخرون جهودهم إلبراز جوانب اإلعجاز يف ترتيب السور‪ ،‬لكن هذا ال جيعلنا نقلل من جهدهم فقد بذلوا‬
‫خالصة ما توصلت إليه عقوهلم ووضعوه يف تفسريهم لكالم اهلل عز وجل‪ ،‬فبارك اهلل فيهم وجزاهم خرياً عن جهودهم املبذولة يف خدمة كتاب‬
‫اهلل‪.‬‬
‫‪ -2‬أنه مل يزَُرَّد كل ما ذكر من إسرائيليات‪ ،‬فقد كان أحياناً يصحح بعض ما جاء يف الرواية أو يأخذ بعض املعلومات منها‪ ،‬هذا‬
‫باإلضافة إىل اعتماده على الكتاب املقدس وقاموسه‪ ،‬والنقل عن كتب أهل الكتاب‪ ،‬صحيح أنه كان غالباً ما يعرب عن رفضه ملا جاء فيها‪،‬‬
‫لكنه باب ضرره أكرب من نفعه‪ ،‬ونتج عنه اهتمامه ببيان بعض املبهمات وكذلك التفصيل يف بعض املواضع يف األمور التارخيية أثناء دراسة‬
‫القصص‪ ،‬وقد مت بيان موقفه عند احلديث عن اإلسرائيليات يف تفسريه‪.‬‬
‫‪ -3‬مل يكن رمحه اهلل يعتين دائماً بتوثيق كالم العلماء‪ ،‬بل كان – غالباً – ما يعزو القول إىل مجهور املفسرين أو النحاة أو املؤرخني‪،‬‬
‫وهذا يزيد صعوبة الرجوع إىل مثل هذه األقوال ومتابعتها‪.‬‬
‫‪ -4‬وجود كثري من اإلحاالت على كتب أخر ‪ ،‬األمر الذي يقطع اسرتسال القارئ وحيرمه من الوقوف على املوضوع خاصة إذا مل‬
‫حال إليه‪.‬‬
‫يكن بني يديه الكتاب امل ُ‬
‫ُ‬
‫‪ -5‬اعتداده يف بعض األحيان برأيه وتقدميه لنفسه على غريه‪ ،‬لكن يف األغلب كان متواضعاً يف كالمه مهذباً يف عرض رأيه‪ ،‬ال‬
‫ينتقص من سبقه‪.‬‬
‫‪ -6‬إكثاره من جعل آيات مدنية يف سور مكية دون حتقيقها‪.‬‬
‫‪ -7‬خروجه عن النص أحيانًا‪ ،‬فنجده يف سورة عبس جيعل يف بداية السورة مبحثًا بعنوان "حملة من أخبار عبد اهلل بن أم مكتوم"‪ ،‬ويف‬
‫ناقال إياها من كتب السري بتوسع يف مخس صفحات‪ ،‬ومثله يف سورة الربوج‬ ‫حديثه عن سورة الفيل يورد يف بدايتها قصة أصحاب الفيل ً‬
‫وغريها‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫تفسري جم املنافع‪ ،‬زخر بكثري من العلوم املختلفة‪ ،‬باإلضافة إىل يُسر عبارته‬
‫هذه باختصار أهم املالحظات على تفسريه‪ ،‬واحلق يقال أنه ٌ‬
‫وسهولة فهمها للقارئ‪ ،‬وال يضريه أن ُوجدت بعض املالحظات عليه‪ ،‬فالكمال املطلق هلل وحده‪.‬‬
‫نسأل اهلل تعاىل أن جيزي الشيخ عبد الرمحن حبنكة خري ما جز به أحداً قط‪ ،‬وأن جيعل هذا العمل شاهداً عليه وعلى علمه وشفيعاً له‬
‫يوم القيامة‪ ،‬فخدمة كتاب اهلل أمر عظيم ُجيز صاحبه عنه كل خري‪.‬‬
‫الخاتمة‬
‫احلمد هلل الذي أمت لنا هذا البحث حول منهج عامل من علماء املسلمني يف تفسريه وهو الشيخ عبد الرمحن حبنكة امليداين‪ ،‬وقد ظهر لنا‬
‫بعد دراسة منهجه النتائج اآلتية‪:‬‬
‫‪ -1‬من خالل التعريف بالشيخ توصلنا إىل نتيجة مفادها أن البيئة اليت عاش فيها الشيخ مع العلم والدعاة كان هلا أكثر األثر يف صبغ عقل‬
‫الشيخ صبغة علمية حبتة‪ ،‬ظهرت من خالل ما تركه من مكتبة‪.‬‬
‫‪ -2‬لقد بىن الشيخ طريقته يف تفسريه على ترتيب نزول القرآن‪ ،‬وهي طريقة ال حتقق ملن قام مها ما يريد من أهداف‪ ،‬كما أهنا طريقة حمتملة غري‬
‫منضبطة‪ ،‬وال يوجد مها من الدقة ما جيعلنا نعتمدها يف التفسري‪.‬‬
‫‪ -3‬قام الشيخ بالبناء على ما وصل إليه السابقون‪ ،‬من خالل اعتماده على كتب يف التفسري سابقة‪ ،‬وكتب يف العلوم املختلفة كذلك‪.‬‬
‫كل جمموعة منها درساً‪ ،‬مما جيعل التفسري مرحياً‬
‫‪ -4‬سار يف تفسريه على طريقة ممنهجة واضحة مل حي ْد عنها‪ ،‬وتقسيمات آليات السور جاعالً َّ‬
‫عند تصفحه‪.‬‬
‫‪ -5‬كان كثري املناقشات ألقوال السابقني من املفسرين والنحويني والبالغيني‪ ،‬وكثري الرد ألقواهلم‪ ،‬مما جعل له شخصية يف التفسري مستقلة‪.‬‬
‫‪ -6‬بعض القضايا يف منهجه مل يكن للشيخ مها سو التقليد للسابقني‪ ،‬دون مناقشة أو رد‪ ،‬كتقسيمات املأثور عنده‪ ،‬واملكي واملدين وغريمها‪.‬‬
‫‪ -7‬الشيخ كثري العناية باملناسبات وباللغة يف التفسري‪ ،‬لكنه يستفيض أحياناً يف قضايا األعاريب فيقوم مبناقشات ألدلة اإلعراب وللنحويني‪.‬‬
‫‪ -8‬ال يؤمن الشيخ بالرتادف بل حياول أن يبني الفروق بني األلفاظ املتقاربة‪ ،‬كما أنه ينفي وقوع التكرار أيضاً‪.‬‬
‫‪ -9‬يؤمن بضرورة التفسري العلمي لكن بشروط‪ ،‬وهو بذلك يوافق املعتدلني يف هذه املسألة‪.‬‬
‫هذه أهم النتائج اليت برزت يف هذا البحث‪ ،‬والذي نسأل اهلل تعاىل أن يتقبله وأن جيعله يف ميزان حسناتنا‪.‬‬
‫وآخر دعوانا أن احلمد هلل رب العاملني‬
‫الهوامش‬

‫‪ 11‬هو الطالب نادي حسن صربا وقد وسم رسالته بزي‪" :‬منهج عبد الرمحن حبنكة امليداين يف التفسري‪ ،‬وقد أجيزت هذه الرسالة سنة ‪2006‬م من كلية الشريعة‬
‫باجلامعة األردنية‪.‬‬
‫‪ 2‬انظر‪ :‬جراح‪ ،‬عائدة راغب‪ ،‬عبد الرمحن حبنكة امليداين العامل املفسر‪ :‬زوجي كما عرفته‪ -‬ص‪ ،11‬دار القلم‪ -‬دمشق‪ -‬ط‪1422 -1‬هز‪.‬‬
‫‪ 3‬امليداين‪ ،‬عبد الرمحن حسن حبنكة‪ ،‬الوالد الداعية املريب الشيخ حسن حبنكة امليداين‪ -‬ص‪ ،64‬دار القلم‪ -‬دمشق‪ -‬ط‪1423 -1‬ه‪.‬‬
‫‪ 4‬انظر‪ :‬املصدر السابق‪ -‬ص‪(56-51‬باختصار)‪.‬‬
‫‪ 5‬انظر‪ :‬الوالد الداعية‪ :‬ص‪.69‬‬
‫‪ 6‬انظر‪ :‬الوالد الداعية‪ -‬ص‪.75-74‬‬
‫‪ 7‬انظر‪ :‬زوجي كما عرفته‪ -‬ص‪.13‬‬
‫‪ 8‬انظر‪ :‬الوالد الداعية‪ -‬ص‪.140‬‬
‫‪ 9‬انظر‪ :‬اجملذوب‪ ،‬حممد‪ ،‬علماء ومفكرون عرفتهم‪ -‬ج‪ ،60/3‬دار الشواف‪ -‬الرياض‪ -‬ط‪.4‬‬

‫‪30‬‬
‫‪ 10‬انظر‪ :‬اجملذوب‪ ،‬حممد‪ ،‬علماء ومفكرون عرفتهم‪ -‬ج‪ ،60/3‬دار الشواف‪ -‬الرياض‪ -‬ط‪.4‬‬
‫‪ 11‬انظر‪ :‬زوجي كما عرفته‪ -‬ص‪.19‬‬
‫‪ 12‬نادي حسن صربا‪ ،‬منهج عبد الرمحن حبنكة امليداين يف التفسري(رسالة ماجستري)‪ ،‬إشراف الدكتور حممد خازر اجملايل‪ ،‬اجلامعة األردنية‪2006 ،‬م‪.‬‬
‫‪ 13‬امليداين‪ ،‬عبد الرمحن حسن حبنكة‪ -‬معارج التفكر ودقائق التدبر ‪ -‬دار القلم ز دمشق‪ -‬ط‪1421 -1‬هز‪2000/‬م‪ -‬ج‪.6/1‬‬
‫‪ 14‬املصدر السابق‪ -‬ج‪.5/1‬‬
‫‪ 15‬انظر‪ :‬املوقع االلكرتوين‪http://tafsir.net/vb/tafsir4961 :‬‬
‫‪ 16‬امليداين‪ ،‬معارج التفكر ودقائق التدبر‪ -‬ج‪.6/1‬‬
‫‪ 17‬انظر‪ :‬مقدمة الكتاب‪.‬‬
‫‪ 18‬امليداين‪ ،‬عبد الرمحن حبنكة‪ ،‬قواعد التدبر األمثل لكتاب اهلل عز وجل‪ -‬ص‪ ،27‬دار القلم‪ -‬دمشق‪ -‬ط‪1425 -3‬ه‪.‬‬
‫‪ 19‬املصدر السابق‪ -‬ص‪.28‬‬
‫‪ 20‬املصدر السابق‪ -‬ص‪.45‬‬
‫‪ 21‬انظر‪ :‬املصدر السابق‪ -‬ص‪ 178‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ 22‬انظر‪ :‬املصدر السابق‪ -‬ص‪ 468‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ 23‬املصدر السابق‪ -‬ص‪.470‬‬
‫‪ 24‬انظر‪ :‬املصدر السابق‪ -‬ص‪ 480‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ 25‬انظر‪ :‬منهج عبد الرمحن حبنكة امليداين يف تفسريه‪ -‬ص‪59‬‬
‫‪ 26‬انظر‪ :‬امليداين‪ ،‬معارج التفكر ودقائق التدبر‪ ،‬ج‪.665/2‬‬
‫‪ 27‬املصدر السابق‪ -‬ج‪.334/3‬‬
‫‪ 28‬املصدر السابق‪ -‬ج‪.51/4‬‬
‫‪ 29‬املصدر السابق‪ -‬ج‪.402/4‬‬
‫‪ 30‬املصدر السابق‪ -‬ج‪.130/4‬‬
‫‪ 31‬املصدر السابق‪ -‬ج‪.606-605/1‬‬
‫‪ 32‬املصدر السابق‪ -‬ج‪.467/1‬‬
‫‪ 33‬املصدر السابق‪ -‬ج‪.550/1‬‬
‫‪ 34‬انظر‪ :‬منهج عبد الرمحن حبنكة امليداين يف تفسريه‪ -‬ص‪.67‬‬
‫‪ 35‬املصدر السابق‪ -‬ج‪.15/5‬‬
‫‪ 36‬املصدر السابق‪ -‬ج‪.422/4‬‬
‫‪ 37‬انظر‪ :‬منهج عبد الرمحن حبنكة امليداين يف تفسريه‪ -‬ص‪.70‬‬
‫‪ 38‬معارج التفكر ودقائق التدبر‪ -‬ج‪.31/2‬‬
‫‪ 39‬املصدر السابق‪ -‬ج‪.518/1‬‬
‫‪ 40‬انظر‪ :‬منهج عبد الرمحن حبنكة امليداين يف تفسريه‪ -‬ص‪.80‬‬
‫‪ 41‬قواعد التدبر األمثل‪ -‬ص‪.133‬‬
‫‪ 42‬انظر هذه األقسام‪ :‬منهج عبد الرمحن حبنكة امليداين يف تفسريه‪ -‬ص‪.93‬‬
‫‪ 43‬معارج التفكر‪ -‬ج‪ .573/1‬واألمثلة على ذلك كثرية‪ ،‬انظر مثالً‪ :‬ج‪ ،308/1‬ج‪ ،560/1‬ج‪ ،299/2‬ج‪ ،434/8‬ج‪ ،547/11‬وغريها‪.‬‬
‫‪ 44‬املصدر السابق‪ -‬ج‪ .610/9‬واألمثلة على ذلك مبثوثة يف تفسريه ‪ ،‬انظر مثالً‪ :‬ج‪ ،104/8‬ج‪ 168/8‬فما بعدها‪ ،‬وغريها‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫‪ 45‬املصدر السابق‪ -‬ج‪.420/12‬‬
‫‪ 46‬املصدر السابق‪ -‬ج‪3‬‬
‫‪ 47‬انظر‪ :‬منهج عبد الرمحن حبنكة امليداين يف تفسريه‪ -‬ص‪.99‬‬
‫‪ 48‬انظر‪ :‬املصدر السابق‪ -‬ج‪.600-599/2‬‬
‫‪ 49‬املصدر السابق‪ -‬ج‪.378/9‬‬
‫‪ 50‬املصدر السابق‪ -‬ج‪.89/11‬‬
‫‪ 51‬املصدر السابق‪ -‬ج‪.70/3‬‬

‫‪ 52‬املصدر السابق‪ -‬ج‪.593/2‬‬


‫‪ 53‬املصدر السابق‪ -‬ج‪.185/9‬‬
‫‪ 54‬البخاري‪ ،‬حممد بن إمساعيل أبو عبد اهلل(‪256‬ه)‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ -‬كتاب التفسري‪ -‬باب تفسري سورة "إنا أعطيناك الكوثر"‪ -‬ح(‪ ،)4680‬دار ابن كثري‪،‬‬
‫اليمامة‪-‬بريوت‪ ،‬حتقيق‪ :‬مصطفى ديب البغا‪ ،‬ط‪1407 -3‬ه‪.‬‬
‫‪ 55‬معارج التفكر‪ -‬ج‪.649/1‬‬
‫‪ 56‬انظر مثالً‪ :‬ج‪ ،542/1‬ج‪ ،36/2‬ج‪ ،276/1‬وغريها‪.‬‬
‫‪ 57‬ابن حنبل‪ ،‬أمحد بن حممد(‪241‬ه)‪ ،‬املسند ح(‪ ،)20300‬حتقيق‪ :‬الشيخ شعيب األرناؤوط وآخرون‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪1420 -2‬ه وقال الشيخ شعيب‬
‫األرناؤوط‪ :‬إسناده ضعيف جلهالة الرجل وأبيه‪.‬‬
‫‪ 58‬معارج التفكر‪ -‬ج‪.16/6‬‬
‫‪ 59‬أخرجه‪ :‬الرتمذي‪ ،‬أبو عيسى حممد بن عيسى بن سورة بن موسى(‪279‬ه)‪ ،‬السنن‪ -‬كتاب اإلميان‪ -‬باب ما جاء يف حرمة الصالة‪ -‬ح(‪ ،)2616‬مجعية املكنز‬
‫اإلسالمي‪1421 -‬ه‪ ،‬والنسائي‪ ،‬أبو عبد الرمحن أمحد بن شعيب(‪303‬ه)‪ ،‬السنن الكرب ‪ -‬كتاب التفسري‪ -‬باب سورة السجدة‪ -‬ح(‪ ،)11394‬حتقيق‪ :‬د‪ .‬عبد‬
‫الغفار سليمان البنداري وسيد كسروي حسن‪ -‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪-‬لبنان‪ ،‬ط‪1411 -1‬ه‪.‬‬
‫‪ 60‬معارج التفكر‪ -‬ج‪.232/1‬‬
‫‪ 61‬انظر مثالً‪ :‬ج‪.615/2‬‬
‫‪ 62‬انظر مثالً‪ :‬ج‪.113/2‬‬
‫‪ 63‬انظر مثالً‪ :‬ج‪.757/9‬‬
‫‪ 64‬معارج التفكر‪ :‬ج‪.404/2‬‬
‫‪ 65‬معارج التفكر‪ -‬ج‪.520/9‬‬
‫‪ 66‬انظر‪ :‬قواعد التدبر‪ -‬ص‪.133‬‬
‫‪ 67‬معارج التفكر‪ -‬ج‪.208/1‬‬
‫‪ 68‬املصدر السابق‪ -‬ج‪.31/1‬‬
‫‪ 69‬املصدر السابق‪ -‬ج‪.545/5‬‬
‫‪ 70‬املصدر السابق‪ -‬ج‪.334/3‬‬
‫‪ 71‬انظر‪ :‬عباس‪ ،‬فضل حسن‪ ،‬التفسري أساسياته واجتاهاته‪ -‬ص‪ ،189-183‬مكتبة دنديس‪ ،‬ط‪1426 ،1‬ه‪.‬‬
‫‪ 72‬قواعد التدبر األمثل‪ -‬ص‪.203‬‬
‫‪ 73‬املصدر السابق‪ -‬ص‪.203‬‬
‫‪ 74‬املصدر السابق‪ -‬ص‪.204‬‬

‫‪32‬‬
‫‪ 75‬انظر‪ :‬املصدر السابق‪ -‬ص‪.205‬‬
‫‪ 76‬معارج التفكر‪.98/1 -‬‬
‫‪ 77‬معارج التفكر‪.95/2 -‬‬
‫‪ 78‬انظر‪ :‬منهج عبد الرمحن حبنكة امليداين يف تفسريه‪ -‬ص‪.138‬‬
‫‪ 79‬انظر مثالً ما جاء يف أسباب نزول سورة لقمان ونقله عن أيب حيان ج‪ ،678/11‬وانظر ما نقله عن الطربي ج‪ ،148/2‬وغريها‪.‬‬
‫‪ 80‬انظر مثالً ما أورده يف سبب نزول سورة عبس ‪ ،208/2‬وآية الروح ‪.719/9‬‬
‫‪ 81‬ويبدو أن الشيخ تأثر برأي الزركشي يف الربهان والسيوطي من بعده‪ ،‬إال أن الراجح هو عدم وجود آيات مكية يف سور مدنية إذ ال يُعقل أن تبقى اآلية اليت نزلت‬
‫يف مكة معلقة إىل أن تأيت السورة املدنية لضمها‪ ،‬أما وجود اآليات املدنية يف السور املكية فقليل جداً‪ ،‬وال جمال هنا لإلطالة يف هذا البحث‪ ،‬ولالستزادة ميكن الرجوع‬
‫إىل كتاب‪ :‬إتقان الربهان‪ -‬للدكتور فضل حسن عباس عند حديثه عن املكي واملدين‪ -‬ج‪.412-390/1‬‬
‫‪ 82‬قواعد التدبر‪ -‬ص‪.187‬‬
‫‪ 83‬فضل عباس‪ ،‬إتقان الربهان يف علوم القرآن‪ ،‬ج‪ ،389/1‬دار النفائس‪ ،‬ط‪1430 ،2‬هز‪2010/‬م‪.‬‬
‫‪ 84‬معارج التفكر‪ -‬ج‪.667/4‬‬
‫‪ 85‬إتقان الربهان‪ -‬ج‪.391/1‬‬
‫‪ 86‬قواعد التدبر األمثل‪ -‬ص‪.722‬‬
‫‪ 87‬املصدر السابق‪ -‬ص‪.764‬‬
‫‪ 88‬معارج التفكر‪ -‬ج‪.183/6‬‬
‫‪ 89‬املصدر السابق‪ -‬ج‪.386/6‬‬
‫‪ 90‬معارج التفكر‪.281/2 -‬‬
‫‪ 91‬املصدر السابق‪.663/1 -‬‬
‫‪ 92‬انظر‪ :‬املصدر السابق‪.532-531 ،527/2 -‬‬
‫‪.93‬انظر‪:‬الذهيب‪،‬حممد السيد حسني ‪،‬اإلسرائيليات يف التفسري واحلديث _ص ‪ ،45_31‬دار اإلميان‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪1405 ،2‬هز‪.‬‬
‫‪ 94‬انظر‪ :‬منهج عبد الرمحن حبنكة امليداين يف تفسريه‪ -‬ص‪.120‬‬
‫‪ 95‬معارج التفكر‪ -‬ج‪.396/10‬‬
‫‪ 96‬املصدر السابق‪ -‬ج‪.54/12‬‬
‫‪ 97‬املصدر السابق‪ -‬ج‪.579/3‬‬
‫‪ 98‬املصدر السابق‪ -‬ج‪.378/9‬‬
‫‪ 99‬املصدر السابق‪ -‬ج‪.381/9‬‬
‫‪ 100‬املصدر السابق‪ -‬ج‪.527/3‬‬
‫‪ 101‬املصدر السابق‪ -‬ج‪.397/9‬‬
‫‪ 102‬املصدر السابق‪ -‬ج‪.503/2‬‬
‫‪ 103‬املصدر السابق‪ -‬ج‪.253/2‬‬
‫‪ 104‬املصدر السابق‪ -‬ج‪.589/2‬‬
‫‪ 105‬املصدر السابق‪ -‬ج‪.100/2‬‬
‫‪ 106‬املصدر السابق‪ -‬ج‪.250/2‬‬
‫‪ 107‬قواعد التدبر‪.567 -‬‬

‫‪33‬‬
‫‪ 108‬معارج التفكر‪ -‬ج‪.370/2‬‬
‫‪ 109‬املصدر السابق‪ -‬ج‪.36/3‬‬
‫‪ 110‬املصدر السابق‪ -‬ج‪.30/3‬‬
‫‪ 111‬املصدر السابق‪ -‬ج‪.41/3‬‬
‫‪ 112‬املصدر السابق‪ -‬ج‪.35/6‬‬
‫‪ 113‬املصدر السابق‪ -‬ج‪.627/10‬‬
‫‪ 114‬املصدر السابق‪ -‬ج‪.107/6‬‬
‫‪ 115‬املصدر السابق‪ -‬ج‪.26/3‬‬
‫‪ 116‬املصدر السابق‪ -‬ج‪.732/6‬‬
‫‪ 117‬املصدر السابق‪ -‬ج‪ ،298/1‬وأمثلة ذلك كثرية‪ ،‬انظر مثالً‪ :‬ج‪ 221/9 ،259/7 ،792/12 ،547/12 ،253/7‬وغريها‪.‬‬
‫‪ 118‬املصدر السابق‪ -‬ج‪.33/3‬‬
‫‪ 119‬املصدر السابق‪ -‬ج‪.525/8‬‬
‫‪ 120‬املصدر السابق‪ -‬ج‪.530/1‬‬
‫‪ 121‬املصدر السابق‪ -‬ج‪.590/2‬‬
‫‪ 122‬املصدر السابق‪ -‬ج‪ .592/2‬واألمثلة على مسائل البيان كثرية‪ ،‬انظر مثالً‪ :‬ج‪ ،681/10 ،338/8 ،84/5 ،81/5 ،530/1‬وغريها‪.‬‬
‫‪ 123‬املصدر السابق‪ -‬ج‪.258-257/2‬‬
‫‪ 124‬املصدر السابق‪ -‬ج‪.368/2‬‬
‫‪ 125‬املصدر السابق‪ -‬ج‪.370/2‬‬
‫‪ 126‬املصدر السابق‪ -‬ج‪.263/7‬‬
‫‪ 127‬املصدر السابق‪ -‬ج‪ .735/8‬وأمثلة ذلك كثرية‪ ،‬انظر مثالً‪ 223/9 ،148/5 ،331/2 ،260/2 ،619/1 :‬وغريها‪.‬‬
‫‪ 128‬املصدر السابق‪ -‬ج‪.584/1‬‬
‫‪ 129‬انظر‪ :‬منهج عبد الرمحن حبنكة امليداين يف تفسريه‪ -‬ص‪.144‬‬
‫‪ 130‬املصدر السابق‪.452-451/1 -‬‬
‫‪ 131‬املصدر السابق‪.93/6 -‬‬
‫‪ 132‬املصدر السابق‪.172/2 -‬‬
‫‪ 133‬املصدر السابق‪.193/2 -‬‬
‫‪ 134‬املصدر السابق‪.319/1 -‬‬
‫‪ 135‬املصدر السابق‪.621/2 -‬‬
‫‪ 136‬انظر‪ :‬قواعد التدبر‪ -‬ص‪.238-225‬‬
‫‪ 137‬معارج التفكر‪ -‬ج‪.276-275/3‬‬
‫‪ 138‬املصدر السابق‪.248-246/2 -‬‬
‫‪ 139‬انظر‪ :‬منهج عبد الرمحن حبنكة امليداين يف تفسريه‪ -‬ص‪.202‬‬
‫‪ 140‬امليداين‪ ،‬عبد الرمحن حبنكة‪ ،‬العقيدة اإلسالمية وأسسها ‪ -‬ص‪.8‬‬
‫‪ 141‬معارج التفكر‪ -‬ج‪.250/11‬‬
‫‪ 142‬املصدر السابق‪ -‬ج‪.93/8‬‬

‫‪34‬‬
‫‪ 143‬املصدر السابق‪ :‬ج‪.287/4‬‬
‫‪ 144‬املصدر السابق‪ -‬ج‪.541/2‬‬
‫‪ 145‬انظر معارج التفكر‪ -‬ج‪.6/1‬‬
‫‪ 146‬قواعد التدبر‪ -‬ص‪.153‬‬
‫‪ 147‬املصدر السابق‪ -‬ص‪.178‬‬
‫‪ 148‬معارج التفكر‪.73/3 -‬‬
‫‪ 149‬املصدر السابق‪.548/2 -‬‬
‫‪ 150‬حممد عزة بن عبد اهلادي بن درويش بن إبراهيم بن حسن دروزة‪ ،‬ولد يف مدينة نابلس يف فلسطني عام ‪1888‬م‪ ،‬له مؤلفات كثرية منها‪ :‬سرية الرسول صلى اهلل‬
‫عليه وسلم من القرآن‪ ،‬والتفسري احلديث‪ ،‬والدستور القرآين يف شؤون احلياة وغريها‪[ .‬انظر‪ :‬السلمان‪ ،‬فريد مصطفى ‪ ،‬حممد عزة دروزة وتفسري القرآن الكرمي‪-‬‬
‫ص‪ ،60-33‬مكتبة الرشد‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط‪1414 ،1‬ه]‪.‬‬
‫‪ 151‬هو العامل املفسر القاضي(‪1880‬م‪1987-‬م) درس يف بغداد ورحل إىل دير الزور يف سوريا واستوطن مها‪ ،‬الزم الشيخ حسني األزهري وأجيز منه‪ ،‬له كتب‬
‫عديدة مل يطبع منها سو تفسريه الرائد يف جماله‪[ .‬انظر‪ :‬حممد خري رمضان يوسف‪ ،‬تتمة األعالم للزركلي‪ -‬ج‪ ،301 /5‬دار ابن حزم‪ ،‬ط‪1998 ،1‬م]‪.‬‬
‫‪ 152‬زرزور‪ ،‬عدنان حممد‪ ،‬مدخل إىل تفسري القرآن الكرمي وعلومه‪ ،141 -‬دار القلم‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪1416 ،1‬ه‪.‬‬
‫‪ 153‬دروزة‪ ،‬حممد عزة‪ ،‬التفسري احلديث‪ -‬ج‪ ،12/1‬مطبعة عيسى البايب احلليب وأوالده‪ ،‬القاهرة‪1962 ،‬م‪.‬‬
‫‪ 154‬قواعد التدبر األمثل‪ -‬القاعدة التاسعة‪ -‬ص‪.152‬‬
‫‪ 155‬سيد قطب‪ ،‬يف ظالل القرآن‪ -‬ج‪ ،1429/3‬دار الشروق‪ ،‬ط‪1425 ،34‬ه‪.‬‬
‫‪ 156‬املصدر السابق‪.‬‬
‫‪ 157‬فريد السلمان‪ ،‬حممد عزة دروزة ‪ -‬ص‪.126‬‬

‫‪35‬‬
‫قائمة املصادر واملراجع‬
‫‪ .1‬البخاري‪ ،‬حممد بن إمساعيل أبو عبد اهلل(‪256‬ه)‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ -‬كتاب التفسري‪ -‬باب تفسري سورة "إنا أعطيناك الكوثر"‪ ،‬دار‬
‫ابن كثري‪ ،‬اليمامة‪-‬بريوت‪ ،‬حتقيق‪ :‬مصطفى ديب البغا‪ ،‬ط‪1407 -3‬ه‪.‬‬
‫‪ .2‬الرتمذي‪ ،‬أبو عيسى حممد بن عيسى بن سورة بن موسى(‪279‬ه)‪ ،‬السنن‪ -‬كتاب اإلميان‪ -‬باب ما جاء يف حرمة الصالة)‪ ،‬مجعية‬
‫املكنز اإلسالمي‪1421 -‬ه‪.‬‬
‫‪ .3‬جراح‪ ،‬عائدة راغب‪ ،‬عبد الرمحن حبنكة امليداين العامل املفسر‪ :‬زوجي كما عرفته ‪ ،‬دار القلم‪ -‬دمشق‪ -‬ط‪1422 -1‬هز‪.‬‬
‫ابن حنبل‪ ،‬أمحد بن حممد(‪241‬ه)‪ ،‬املسند‪ ،‬حتقيق‪ :‬الشيخ شعيب األرناؤوط وآخرون‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪1420 -2‬ه وقال الشيخ‬
‫شعيب األرناؤوط‪ :‬إسناده ضعيف جلهالة الرجل وأبيه‪.‬‬
‫‪ .4‬دروزة‪ ،‬حممد عزة‪ ،‬التفسري احلديث‪ ،‬مطبعة عيسى البايب احلليب وأوالده‪ ،‬القاهرة‪1962 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .5‬الذهيب‪ ،‬حممد السيد حسني ‪،‬اإلسرائيليات يف التفسري واحلديث‪ ،‬دار اإلميان‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪1405 ،2‬ه‪.‬‬
‫‪ .6‬زرزور‪ ،‬عدنان حممد‪ ،‬مدخل إىل تفسري القرآن الكرمي وعلومه‪ ،141 -‬دار القلم‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪1416 ،1‬ه‪.‬‬
‫‪ .7‬السلمان‪ ،‬فريد مصطفى ‪ ،‬حممد عزة دروزة وتفسري القرآن الكرمي‪ ،‬مكتبة الرشد‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط‪1414 ،1‬ه]‪.‬‬
‫‪ .8‬سيد قطب‪ ،‬يف ظالل القرآن‪ ، -‬دار الشروق‪ ،‬ط‪1425 ،34‬ه‪.‬‬
‫‪ .9‬عباس‪ ،‬فضل حسن‪ ،‬إتقان الربهان يف علوم القرآن‪ ،‬دار النفائس‪ ،‬ط‪1430 ،2‬هز‪2010/‬م‪.‬‬
‫‪ .10‬عباس‪ ،‬فضل حسن‪ ،‬التفسري أساسياته واجتاهاته‪ ،‬مكتبة دنديس‪ ،‬ط‪1426 ،1‬ه‪.‬‬
‫‪.11‬امليداين‪ ،‬عبد الرمحن حبنكة‪ ،‬قواعد التدبر األمثل لكتاب اهلل عز وجل‪ ،‬دار القلم‪ -‬دمشق‪ -‬ط‪1425 -3‬ه‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫‪.12‬اجملذوب‪ ،‬حممد‪ ،‬علماء ومفكرون عرفتهم‪ ،‬دار الشواف‪ -‬الرياض‪ -‬ط‪.4‬‬
‫‪ .13‬امليداين‪ ،‬عبد الرمحن حسن حبنكة‪ ،‬معارج التفكر ودقائق التدبر ‪ -‬دار القلم ز دمشق‪ -‬ط‪1421 -1‬هز‪2000/‬م‪-‬‬
‫‪ .14‬امليداين‪ ،‬عبد الرمحن حبنكة‪ ،‬قواعد التدبر األمثل لكتاب اهلل عز وجل ‪ ،‬دار القلم‪ -‬دمشق‪ -‬ط‪1425 -3‬ه‪.‬‬
‫‪ .15‬النسائي‪ ،‬أبو عبد الرمحن أمحد بن شعيب(‪303‬ه)‪ ،‬السنن الكرب ‪ -‬كتاب التفسري‪ -‬باب سورة السجدة‪ -‬حتقيق‪ :‬د‪ .‬عبد الغفار‬
‫سليمان البنداري وسيد كسروي حسن‪ -‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪-‬لبنان‪ ،‬ط‪1411 -1‬ه‪.‬‬
‫‪ .15‬يوسف‪ ،‬حممد خري رمضان‪ ،‬تتمة األعالم للزركلي‪ ،‬دار ابن حزم‪ ،‬ط‪1998 ،1‬م]‪.‬‬

‫‪37‬‬

‫‪View publication stats‬‬

You might also like