You are on page 1of 131

‫وزارة التعليم العالي والبحث العلمي‬

‫جامعة البصرة كلية الداب‬

‫المطابقة في النحو العربي‬


‫وتطبيقاتها في‬
‫القرآن الكريم‬
‫رسالة تقدم بها الطالب‬
‫فراس عصام شهاب السامرائي‬
‫إلى مجلس كلية الداب في جامعة البصرة‬
‫وهي جزء من متطلبات نيل درجة الماجستير في‬
‫اللغة العربية وآدابها‬
‫بإشراف‬
‫الستاذ الدكتور ‪ :‬عدنان عبد الكريم جمعة‬

‫‪ 2005‬م‬ ‫‪ 1426‬هـ‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬


‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬ ‫ر‬
‫َ َ ٍ‬ ‫ج‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ض‬
‫ْ ِ ِ ْ‬ ‫ر‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫في‬ ‫وأ ّ َ ِ‬
‫ما‬ ‫ن‬ ‫ول َ ْ‬
‫َ‬
‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫د ِِِ‬
‫ع ِ‬
‫ن بَ ْ‬
‫م ِِْ‬‫مدِِّهُ ِ‬ ‫حُر ي َ ُ‬
‫والب َ ْ‬‫م َ‬ ‫أقل ٌِِ‬
‫الصفحة ‪ 8‬من ‪142‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ة أَ‬
‫ه‬
‫ِ‬ ‫الل‬ ‫ت‬ ‫ما‬
‫َ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ك‬ ‫ت‬
‫َ ْ‬ ‫د‬ ‫ف‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ما‬
‫ع َُ ْ ُ ٍ َ‬
‫ر‬ ‫ح‬ ‫ب‬ ‫سب ْ َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫حكِي ٌ‬ ‫زيٌز َ‬‫ع ِ‬
‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫إ ِ َّ‬
‫(‬
‫لقمان‪)27 :‬‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫( المقدمة )‬

‫ل الذي طابقت أسما ُؤهُ صفاتِهِ ‪ ،‬والصلةُ والسلمُ على الذي يدخلُ الناسُ الجن َة‬ ‫الحمدُ ِ‬
‫ن إلى يومِ‬ ‫بدعائهِ ‪ ،‬وعلى آلهِ الطيبينَ الطاهرينَ ‪ ،‬وصحبهِ ال ُغرّ الميامينِ ‪ ،‬ومن تبعهم بإحسا ٍ‬
‫الدينِ ‪.‬‬

‫وبعدُ ‪ ،‬فقد وقعَ اختياري على موضوعِ ( المطابقةِ في النحو العربيّ وتطبيقاتها في القرآن‬
‫ل منها مبحثين كبيرين نسبياً‬ ‫الكريم )‪ ،‬عنواناً لرسالتي التي جاءت في ثلثة فصولٍ ‪ ،‬يحوي الو َ‬

‫الصفحة ‪ 9‬من ‪142‬‬


‫‪ ،‬ويحوي قسيماه أربعةَ مباحث ‪ ،‬لكلّ واح ٍد منهما ‪ ،‬ثمّ الخاتمة وقائمة المصادر والمــراجع‬
‫والبحـوث ‪.‬‬

‫أمّا الفصلُ الول فأسميتهُ ‪ ( :‬المطابقة بين المسند والمسند إليه ) ‪ ،‬ويحوي مبحثين ‪ ،‬هما ‪:‬‬
‫ن المبتدأ والخبرَ نوعان ‪ :‬مبتدأ له خبرٌ ‪،‬‬
‫أولً ‪ ( :‬المطابقة بين المبتدأ والخبر ) ‪ ،‬وذكرتُ فيه أ ّ‬
‫ومبتدأ له فاعلٌ يسد مسد الخبر ‪ ،‬والمطابقة بينهما تختلفُ بحسبِ نوعيهما ‪ ،‬فالمطابقة في النوعِ‬
‫الولِ تتمثلُ في العدد وفي الجنس وفي التعريف والتنكير ‪ ،‬وذكرتُ المثلة من القرآن الكريم‬
‫لما جاءَ مطابقاً ‪ ،‬والياتِ الكريمةَ التي جاءَ ظاهرها المخالفة ‪ ،‬وذكرتُ آراءَ العلماءِ فيها ‪،‬‬
‫ب ذلك الترجيح ‪.‬‬‫مرجحًا بينها ‪ ،‬ومبيناً سب َ‬

‫أمّا المطابقةُ في النوعِ الثاني ‪ ،‬فتكونُ في العدد ‪ ،‬ذاكراً رأي من اعترض على هذا التركيبِ‬
‫‪ ،‬ومبينًا سببَ رفضنا لعتراضه ‪ ،‬ومستشهداً باليات الكريمة ‪ ،‬وإنْ كانتْ قليلة في القرآن‬
‫الكريم من مثل هذا النوع من نوعي المبتدأ والخبر ‪ ،‬وذكرت في نهاية هذا المبحث فقرة تكلمتُ‬
‫ن له ثلث حالت في وروده ‪ ،‬وفصلتُ فيها‬ ‫فيها عن مجيء أفعل التفضيل خبراً ‪ ،‬فقد ذكرت أ ّ‬
‫ما يتعلق منها بالمطابقة مستشهدا بالقرآن الكريم على ذلك ‪.‬‬

‫ثانيًا ‪ ( :‬المطابقةُ بيـن الفعلِ والفاعلِ ) ‪ ،‬والمطابقةُ فـي هذا المبحثِـ تكونُـ فـي العددِ وفـي‬
‫الجن سِ ‪ ،‬وقد ذكر تُ الحال تِ التي أُستثنيتْ من المطابق ِة في الجن سِ ‪ ،‬كوجودِ الفاصلِ ‪ ،‬أو مجيء‬
‫ل مؤنثاً مجازيًا ‪ ،‬أو لكونــه مــن الجموعـِ ‪ ،‬وقــد ذكرتـُ تطــبيقَ ذلك كلّهـُ فــي القرآن الكريــم ‪،‬‬
‫الفاع ِ‬
‫ت التي ظاهرها المخالفة ‪ ،‬مبيناً آراء العلماء فيها ‪ ،‬ومرجحًا بينها ‪ ،‬وسببَ ذلك‬ ‫وذكرتُ أيضاً اليا ِ‬
‫الترجيـح ‪ ،‬وتكلمتُـ أيضاً على المطابقـة بيـن الفعـل والفاعـل فـي العدد ‪ ،‬ومـا قيـل فـي لغـة ( أكلونـي‬
‫البراغيثُ ) التي جاء عليها القرآن الكريم في بعض المواضع ‪.‬‬

‫أمّا الفصل الثاني ‪ ،‬فأسمّيت ُه ‪ ( :‬المطابقة بين التابع والمتبوع ) ‪ ،‬وقسّمتُ هذا الفصلَ على‬
‫ث ‪ :‬الول منها أسمّيتهُ ‪ ( :‬المطابقة بين النعت والمنعوت ) ‪ ،‬وبينتُ فيه أنّ النعتَ‬ ‫أربعة مباح َ‬
‫ل المطابقةُ فيه في العراب وفي العدد وفي الجنس ‪ ،‬وفي‬ ‫ينقسمُ على نوعين ‪ :‬حقيقي ‪ ،‬وتتمث ُ‬
‫التعريف والتنكير ‪ ،‬مستشهداً لما جاء على ذلك في القرآن الكريم ‪ ،‬ثمّ ذكرتُ ظاهرة القطع ‪،‬‬
‫مستشهداً لما جاء عليها في القرآن الكريم ‪ ،‬مبيناً الوجه العجازي والجمالي في مجيء هذه‬
‫الظاهرة في كتاب ال العزيز ‪.‬‬

‫وأمّا النوع الثاني من نوعي النعت ‪ ،‬فهو النعت السببي ‪ ،‬والمطابقة فيه تكونُ في العراب‬
‫وفي التعريفِ والتنكيرِ فقط ‪ ،‬وأمّا في العددِ ‪ ،‬فإنّهُ يكونُ على حسبِ مرفوعه ل منعوته ‪ ،‬وقد‬
‫ذكرتُ الياتِ الكريمةَ من القرآن الكريم للتدليل على ذلك ‪.‬‬

‫أمّا المبحثُ الثاني فهو ‪ ( :‬المطابقةُ بين المعطوف والمعطوف عليه ) ‪ ،‬وبينتُ في هذا‬
‫المبحث أنّ العلماءَ قسّموا العطفَ على نوعين أيضًا هما ‪ :‬عطف البيان ‪ ،‬والمطابقة فيه‬
‫ت الكريمةَ التي وردت منه في القرآن الكريم ‪،‬‬
‫كالمطابقةِ في النعتِ الحقيقي ‪ ،‬وقد ذكرتُ اليا ِ‬
‫وأمّا النوع الثاني فهو ‪ :‬عطف النسق ‪ ،‬وذكرتُ فيه أنّ المطابقة تكونُ في العراب فقط ‪،‬‬

‫الصفحة ‪ 10‬من ‪142‬‬


‫مستشهداً بالقرآن الكريم ‪ ،‬ذاكرًا أنّ ظاهرة القطع تكونُ فيه كما كانت في النعت الحقيقي ‪،‬‬
‫ومستشهداً أيضاً بما جاء في القرآن الكريم على هذه الظاهرة ‪.‬‬

‫ثمّ المبحث الثالث ‪ ،‬وهو ‪ ( :‬المطابقة بين الم ِؤكّدِ والم َوكّدِ ) ‪ ،‬وبينتُ أنّ العلما َء قسموه على‬
‫ن في العراب وفي العدد وفي الجنس ‪، ،‬‬ ‫نوعين هما ‪ :‬التوكيد المعنوي ‪ ،‬والمطابقة فيه تكو ُ‬
‫وأما في التعريف والتنكير ‪ ،‬فذكرتُ أنّ التوكيد المعنوي ل يكون إل في المعارف على الصحيح‬
‫‪ ،‬مستشهدًا لكل ذلك باليات القرآنية الكريمة ‪ ،‬والنوع الثاني هو ‪ :‬التوكيد اللفظي ‪ ،‬والمطابقة‬
‫فيه تكون في العراب فقط ‪ ،‬واستشهدتُ لذلك من القرآن الكريم ‪.‬‬

‫وأخيراً المبحث الرابع في هذا الفصل ‪ ،‬وهو ‪ ( :‬المطابقةُ بين البدل والمبدل منه ) ‪ ،‬وبينتُ‬
‫ن العلماءَ قسّموهُ على أربعة أقسام ‪ ( :‬بدل مطابق ) و ( بعض من كل ) و ( اشتمال ) ‪،‬‬ ‫فيه أ ّ‬
‫( ومباين) ‪ ،‬وبينتُ أنّ المطابقة تكون في العراب ‪ ،‬وهذا جارٍ على كل أنواع البدل ‪ ،‬وأمّا‬
‫المطابقة في العدد وفي الجنس ‪ ،‬فل تكون إل في البدل المطابق ليس غيرُ ‪ ،‬مستشهداً باليات‬
‫القرآنية الكريمة ‪ ،‬وأمّا المطابقة في التعريف والتنكير ‪ ،‬فل تُشترطُ ‪ ،‬إل أنّ مجيء كلّ من‬
‫البدلِ والمبدلِ منه معرفتين أو نكرتين ‪ُ ،‬يعَدّ مظهراً من مظاهر المطابقة ‪ ،‬وقد ذكرتُ الياتِ‬
‫الكريم َة في هذا المجال ‪.‬‬

‫ثم الفصل الثالث ‪ ،‬وهو ‪ ( :‬المطابقة بين الضمير ومرجعه ) ‪ ،‬وقسّمتهُ على أربعة‬
‫مباحث ‪ ،‬أولها ‪ ( :‬المطابقة بين الضمير ومرجعه في الفراد ) ‪ ،‬ويشملُ هذا المبحثُ فقرتين ‪:‬‬
‫إذا كان الضميرُ مفرداً مذكراً ‪ ،‬وذكرتُ أمثلة المطابقة في القرآن الكريم لما جاء على مثل هذا‬
‫ت الياتِ التي ظاهرها المخالفةُ ‪ ،‬ذاكراً آراء العلماء فيها ‪ ،‬ومرجحاً بعض‬ ‫التركيب ‪ ،‬ثم ذكر ُ‬
‫القوال على بعض ‪ ،‬وسبب ذلك الترجيح ‪ ،‬وأما الفقرة الثانية فهي ‪ :‬إذا كان الضمير مفرداً‬
‫مؤنثاً ‪ ،‬وفعلتُ فيها ما فعلتُ في سابقتها ‪.‬‬

‫ثانيها ‪ ( :‬المطابقة بين الضمير المثنى ومرجعه ) ‪ ،‬ذكرتُ أمثلة ذلك من القرآن الكريم ‪،‬‬
‫وذكرت ما جاء منه وظاهره المخالفة ‪ ،‬وبينتُ سببه من أقوال العلماء ‪ ،‬ومرجحًا بعض القوال‬
‫ب ذلك الترجيح ‪.‬‬
‫على بعض ‪ ،‬ذاكراً سب َ‬

‫ثالثها ‪ ( :‬المطابقة بين الضمير الجمع ومرجعه ) ‪ ،‬وهو كالمبحث الول حيثُ يحوي‬
‫فقرتين ‪ :‬إذا كان الضميرُ جمعاً مذكراً ‪ ،‬فذكرتُ أمثلة ذلك من القرآن الكريم ‪ ،‬وذكرتُ ما جاء‬
‫في ظاهره مخالفًا منها ‪ ،‬مبيناً سبب ذلك التخالف من أقوال العلماء ‪ ،‬مرجحًا بين تلك القوال‬
‫ومبيناً سبب ذلك الترجيح ‪ ،‬وأمّا الفقرة الثانية ‪ ،‬فهي ‪ :‬إذا كان الضميرُ جمعاً مؤنثًا ‪ ،‬وفعلتُ‬
‫ت في سابقتها‬
‫فيها ما فعل ُ‬

‫رابعها ‪ ( :‬المطابقةُ بين ضميري الفصل والشأن ومرجعيهما ) ‪ ،‬وقد قسمته على فقرتين ‪،‬‬
‫الولى في ضمير الفصل ومرجعه ‪ ،‬وتمثلت المطابقة في العدد وفي الجنس وفي الشخص ‪،‬‬
‫ت القرآنية الكريمة ‪ ،‬وأمّا الفقرةُ الثانية ‪ ،‬ففي ضمير الشأن وما يعود عليه ‪،‬‬
‫مستشهداً لذلك باليا ِ‬
‫ت الكريمة في هذا‬
‫وتمثلت المطابقةُ هنا في الجنس وفي الشخص فقط ‪ ،‬وقد ذكرتُ اليا ِ‬
‫المجال ‪ ،‬ثمّ اتبعتُ هذه الدراسة بالخاتمة ‪ ،‬وبقائمة المصادر والمراجع والبحوث ‪.‬‬
‫الصفحة ‪ 11‬من ‪142‬‬
‫ي في هذه الرسالةِ من صوابٍ ‪ ،‬فمن ال تعالى ‪ ،‬ثمّ فضل أُستاذي المشرف‬
‫وما كان ل ّ‬
‫الدكتور ( عدنان عبد الكريم جمعة ) وفقه ال للخير ‪ ،‬وما كان من خطأ أو زلل فمن‬
‫نفسي ومن الشيطان ‪.‬‬
‫والُ الموفقُ للصوابِ‬

‫ث‬
‫الباح ُ‬

‫( التمهيد )‬

‫ً ‪ -‬المطابقة لغة ‪:‬‬ ‫أول‬

‫ل والتسـاوي ‪ ،‬جاء فـي اللسـان ‪ " :‬وتطابقَـ الشيئان‬ ‫يُقصـد بلفـظ المطابقـة فـي اللغـة ‪ ،‬التماث ُ‬
‫تسـاويا ‪ ،‬والمطابقةُ الموافقـة ‪ ،‬والتطابقُـ التفاق ‪ ،‬وطابقتُـ بيـن الشيئيـن إذا جعل ُتهُمـا على حذوٍ‬
‫طبِيقَهُـ ومُطبقهُـ وقالبهُـ ‪،‬‬
‫واح ٍد وألزق ُتهُمـا ‪ ،‬وهذا الشيْـ وِفقَـ هذا ووفاقهُـ وطِباقهُـ وطابقهُـ وطِبقَهُـ و َ‬
‫بمعنىً واحدٍ "‪ ،1‬وجاء فــي تاج العروس ‪ " :‬والمطابقةُ الموافقةُ ‪ ،‬وقــد طابقهــُ مطابقةً وطباقاً ‪،‬‬
‫وقال الراغبُ ‪ :‬المطابق ُة من السماء المتضايفة ‪ ،‬وهو أن يجعلَ الشيء فوق آخ ٍر بقدرهِ ‪( 000‬‬
‫و) مــن المجاز المطابقةُ ( مشــي المقيــد ) وهــو مقاربةُ الخطــو ( و) وهــو مأخوذٌ مــن قولهــم ‪:‬‬
‫المطابقةُ هو (وضع الفرس رجليه موضع يديه) ‪ ،‬وهو اللحقُ من الخيل ‪ ،‬وكذلك البعيرُ "‪.2‬‬

‫‪ 1‬لسان العرب ‪ ، 210-209 / 10 ،‬مادة ( طبق ) ‪.‬‬


‫‪ 2‬تاج العروس ‪ ، 417 / 6 ،‬فصل ( الطاء مع القاف ) ‪.‬‬
‫الصفحة ‪ 12‬من ‪142‬‬
‫يا ‪ -‬المطابقة اصطلحا ‪:‬‬ ‫ثان‬

‫على الرغـم مـن أنّ هذا المصـطلح مسـتعملٌ متداولٌ عنـد النحاة ‪ ،‬إل أننـي لم أجـد له تعريفًا‬
‫يخصــه ‪ ،‬ومــن خلل تتبــع هذا المصــطلح فــي كتبهــم ‪ ،‬نســتطي ُع أن نعرف المطابقــة بأنهــا ‪:‬‬
‫مجموعــة مــن العناصــر اللغويــة التــي تؤدي وظائف متماثلة أو متشابهــة ‪ ،‬أو تدل على معان ـٍ‬
‫نحوي ٍة ‪ ،‬كالعراب مــن رفعــٍ ونصــبٍ وج ٍر ‪ ،‬وكالعدد مــن إفرادٍ وتثنيةٍ وجمعـٍـ ‪ ،‬وكالتعريــف‬
‫والتنكير ‪ ،‬وكالجنس من تذكير وتأنيث ‪ ،‬وكالشخص من تكلمٍ وخطابٍ وغيبةٍ‪.‬‬

‫وإننـا نلحظُـ هذه الظاهرة فـي المبتدأ والخـبر متمثلة فـي العدد وفـي الجنـس وفـي التعريـف‬
‫والتنكيـر ‪ ،‬ونلحظهـا فـي الفعـل والفاعـل ‪ ،‬وتتمثلُ فـي العدد وفـي الجنـس ‪ ،‬ونلحظهـا أيضًا فـي‬
‫التوابـع ‪ ،‬وتتمثـل فـي العراب وفـي التعريـف والتنكيـر ‪ ،‬وتُوجدُ فـي الضمائر متمثلة فـي العدد‬
‫وفي الجنس وفي الشخص ‪ ،‬وهذه هي أهم الجوانب التركيبة التي يظهر فيها هذا المصطلح في‬
‫النحو العربي ‪.‬‬

‫وكما قلنا إن هذا المصطلح متداولٌ عند النحاة ‪ ،‬فنج ُد ‪ -‬مثلً‪ -‬الرضي رحمه الُ في شرحه‬
‫الكافيـــة يقولُ ‪ " :‬قوله ‪ ( :‬فإن طابقـــت مفرداً جاز المران ) أي إن كانـــت الصـــفة المذكورة‬
‫مطابقـة للمرفوع بعدهـا فـي الفراد ‪ ،‬جاز المران ‪ ،‬لكونهـا مبتدأ ومـا بعدهـا فاعلهـا ‪ ،‬ولكونهـا‬
‫ل أيضًا عنـد الحديـث عن ضميـر الشأن ‪ " :‬ويُختارُ تأنيث الضميـر ؛‬ ‫خبراً عمّا بعدها "‪ ، 1‬ويقو ُ‬
‫لرجوعهِـ إلى المؤنثٍـ ‪ ،‬أي القصـة ‪ ،‬إذا كان فـي الجملة المفسـّرة مؤنثٌـ ؛ لقصـد المطابقـة ‪ ،‬ل‬
‫‪2‬‬ ‫َ‬
‫" ‪.‬‬ ‫مى اْلب ْ َ‬
‫صاُر‬ ‫ع َ‬ ‫فإِن َّ َ‬
‫ها ل ت َ ْ‬ ‫َ‬ ‫لن مفسره ذلك المؤنث كقوله تعالى ‪:‬‬
‫ب ( أن يكون ) هو ‪ ،‬أي الخبر ( طبق المبتدأ ) في التذكير‬ ‫ويقولُ الدمامينيّ ‪ (" :‬و) يج ُ‬
‫‪3‬‬
‫والتأنيـث ‪ ،‬والفراد والتثنيـة والجمـع ‪ ،‬مدة ( مـا أمكـن ) ذلك " ‪ ،‬وهذه إشارات صـريحة لهذا‬
‫المصــطلح ‪ ،‬ول ننسَـ أن كلم النحاة فــي عدد مــن البواب النحويــة ‪ ،‬وإن لم يذكروا فيــه لفــظ‬
‫ل سـيبويه ‪ " :‬واعلمْـ أن‬‫المطابقـة ‪ ،‬فإنّهـا مقصـودة ضمنًا ‪ ،‬وذلك نحـو حديثهـم فـي التوابـع ‪ ،‬يقو ُ‬
‫‪4‬‬
‫المعرفـــة ل تُوصـــفُ إل بمعرفةٍ ‪ ،‬كمـــا أن النكرة ل تُوصـــفُ إل بنكرةٍ " ‪ ،‬وجاء فـــي كتاب‬
‫ل منهُـ "‪ ،5‬ويقولُ ابنُـ هشام ‪ " :‬وحكمُـ المعطوفِـ أنّهُـ‬
‫المقتصـد ‪ " :‬والبدلُ يُعربُـ بإعرابِـ المُبد ِ‬
‫يتب عُ المعطو فَ عليه في أربعةٍ من عشرة ‪ ،‬وهي واح ٌد من الرف عِ والنصب والجر ‪ ،‬وواحدٍ من‬
‫التعريفِ والتنكيرِ ‪ ،‬وواحدٍ من الفرادِ والتثنية والجمعِ ‪ ،‬وواحدٌ من التذكير والتأنيثِ "‪.6‬‬

‫ول يخفـى أنّ هذا المصـطلحَ متداولٌ عنـد البلغييـن والمناطقـة ‪ ،‬فنج ُد البلغييـن يسـتعملونه‬
‫بمعنـى الجمـع بيـن المتضاديـن ‪ ،‬فهـم يُعرفون علم البديـع بقولهـم ‪ " :‬وهـو علمٌـ يُعرفُـ بـه وجوه‬

‫‪ 1‬شرح الرضي على الكافية ‪ ، 228 / 1 ،‬وينظر ‪ :‬المصدر نفسه ‪. 360 / 2 ،‬‬
‫‪ 2‬شرح الرضي على الكافية ‪ ، 467 / 2 ،‬والية من ( الحج ‪. ) 46 /‬‬
‫‪ 3‬المنهل الصافي ‪ ، 244 / 1 ،‬وينظر ‪ :‬مغني اللبيب ‪ ، 509 ،‬وشرح ابن عقيل ‪. 197 / 1 ،‬‬
‫‪ 4‬الكتاب ‪ ، 302 / 2 ،‬وينظر ‪ :‬الصول ‪ ، 32-21 / 2 ،‬والمقتصد في شرح اليضاح ‪. 900 / 2 ،‬‬
‫‪ 5‬المقتصد في شرح اليضاح ‪. 929 / 2 ،‬‬
‫‪ 6‬شرح شذور الذهب ‪.380 ،‬‬
‫الصفحة ‪ 13‬من ‪142‬‬
‫تحســين الكلمــِ "‪ ، 1‬ومــن هذه الوجوه " ( المطابقــة ‪ ،‬وتســمى الطباق والتضاد أيضًا ‪ ،‬وهــي‬
‫الجمعُـ بيـن المتضاديـن ‪ ،‬أي معنييـن متقابليـن فـي الجملة ) أي يكونُـ بينهـا تقابلٌ ولو فـي بعـض‬
‫الصور ‪ 000‬ويكون ذلك الجم ُع ( بلفظين من نوع ) واح ٍد من أنواع الكلمة ‪ ،‬اسمين ‪ ،‬نحو ‪:‬‬
‫‪2‬‬
‫حي ِِِي‬
‫يُ ْ‬ ‫‪ ،‬أو فعليـــن ‪ ،‬نحـــو ‪:‬‬‫قودٌ‬ ‫م ُر ُ‬
‫ه ِِْ‬ ‫قاظا ً َ‬
‫و ُ‬ ‫م أَي ْ َ‬
‫ه ْ‬
‫سب ُ ُ‬‫ح َِِ‬‫وت َ ْ‬‫َ‬
‫‪3‬‬
‫ما‬ ‫علَي ِِْ َ‬
‫ها َِِ‬ ‫و َ‬
‫ت َ‬ ‫ما ك َِِ َ‬
‫سب َ ْ‬ ‫ها َِِ‬‫ت ‪ ،‬أو حرفيـــن ‪ ،‬نحـــو ‪ :‬ل َِِ َ‬ ‫مي ُِِ‬ ‫وي ُ ِ‬ ‫َ‬
‫‪5 4‬‬
‫" ‪.‬‬ ‫ت‬ ‫اكْت َ َ‬
‫سب َ ْ‬
‫ونج ُد المناطقة يستعملون المصطلح أيضاً ‪ ،‬وذلك في حديثهم عن دللة اللفاظ ‪ ،‬فيقسمون‬
‫الدللة على ثلثة أقسام ‪ :‬مطابقة ‪ ،‬وتضمن ‪ ،‬والتزام ‪ ،‬يقول الخضيري في السلم ‪:‬‬

‫ي دعونها دللة الم ُطابقــة‬ ‫" دَللـةُ ال لفظِ ع لى ما وا فقه‬


‫‪6‬‬
‫فهو ال تز امٌ إن ْ بعقلٍ أُلتِزمْ " ‪.‬‬ ‫وجزئه ِ تضمنا ومـــا لَزِمْ‬

‫ويُعرفُـ شارحُـ هذا المتـن دلل َة المطابقةِ بقوله ‪ " :‬هـي دللة اللفظِـ على تمام المعنـى ‪ ،‬أي‬
‫ق للمعنى تماماً ‪ ،‬مثل وضع لفظ ( زيد ) على جميع أجزاء جسمه ‪ ،‬ومثل لفظ‬ ‫اللفظُ مطاب ٌ‬
‫‪7‬‬
‫( بيت ) على جميع جدرانه وسقفه ‪ ،‬ومثل ( إنسان ) على الحيوان الناطق " ‪.‬‬

‫ن في دراستنا هذه نبتعدُ عن هذين المعنيين الخيرين ‪.‬‬


‫ونح ُ‬

‫‪ 1‬مختصر المعاني ‪. 265 ،‬‬


‫‪ ( 2‬الكهف ‪. ) 18 /‬‬
‫‪ ( 3‬البقرة ‪. ) 258 /‬‬
‫‪ ( 4‬البقرة ‪. ) 286 /‬‬
‫‪ 5‬مختصر المعاني ‪. 265 ،‬‬
‫‪ 6‬الشرح الواضح المنسق لنظم السلم المرونق ‪. 12 ،‬‬
‫‪ 7‬المصدر نفسه ‪. 12 ،‬‬
‫الصفحة ‪ 14‬من ‪142‬‬
‫الصفحة ‪ 15‬من ‪142‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫الجملةَ بنا ٌء لغويٌ مستقلٌ‪ ،‬وهي أكبرُ الوحداتِ اللغويةِ في الكلمِ ‪ ،‬والعنصرُ الساس فيه‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫ي ‪ ،‬ولكل كائنٍ‬
‫ومن خللها نكتسبُ اللغةَ ‪ ،‬وبها نتواصل مع الخرين ‪ ،‬فهي كائنٌ لغويّ ح ّ‬
‫روحٌ ‪ ،‬وروحُ الجملةِ السنادُ ‪.‬‬

‫والسنا ُد في حقيقة أمره نسب ٌة تفيد فائدة ‪ ،‬يقول الرضي ‪ " :‬والمراد بالسناد أن يُخبر في‬
‫الحال أو في الصل بكلمة أو أكثر عن أُخرى ‪ ،‬على أن يكون المُخبر عنه أهم ما يُخبر عنه بذلك‬
‫‪2‬‬
‫الخبر في الذكر وأخص به " ‪.‬‬

‫وطرفا السناد معروفان ‪ ،‬مسند إليه ومسند ‪،‬والسناد هو العلقة النحوية الرابطة بينهما ‪،‬‬
‫وهو بدوره يمثل البنا َء النحوي للجملة ‪ ،‬والتي تتكون من ركنين نحويين هما ‪ :‬المبتدأ والخبر في‬
‫الجملة السمية ‪ ،‬والفعل والفاعل في الجملة الفعلية ‪ ،‬يقـــول سيبويه ‪ ( " :‬باب المسند والمسند‬
‫‪3‬‬
‫إليه ) ‪ ،‬وهما ما ل يَغنى واحد منهما عن الخر ول يجد المتكل ُم منه بُداً "‬

‫إن مـن أبرز العلقات بيـن المسـند والمسـند إليـه ‪ ،‬المطابق َة ‪ ،‬وتتمثـل فـي الجنـس مـن تذكيـر‬
‫وتأنيـث ‪ ،‬وفـي العدد مـن إفراد وتثنيـة وجمـع ‪ ،‬وفـي التعريـف والتنكيـر ‪ ،‬هذا فـي المبتدأ والخـبر ‪،‬‬
‫أما المطابقة بين الفعل والفاعل فتتمثل في الجنس وفي العدد فقط ‪.‬‬

‫‪ 1‬ينظر اللغة ‪،‬فندريس ‪.101 ،‬‬


‫‪ 2‬شرح الرضي على الكافية ‪ ،1/31،‬وينظر ‪ ،‬مفتاح العلوم ‪.141 ،‬‬
‫‪ 3‬الكتاب ‪ ، 1/23 ،‬وينظر ‪ ،‬المقتضب ‪.4/126 ،‬‬

‫الصفحة ‪ 16‬من ‪142‬‬


‫المبحث الول‬
‫المطابقة بين المبتدأ و بين الخ بر ‪:‬‬

‫اشترطَ النحا ُة التطابقَ بين المبتدأ والخبر في الجنس والعدد ‪ ،‬ولم يشترطوا ذلك في التعريف‬
‫والتنكير ‪ ،‬إذ قد يتفقان ‪ ،‬وقد يختلفان ‪ ،‬وهو الصل كما سيجيء ‪.‬‬

‫يقول الدماميني ‪( " :‬و) يجب (أن يكون) هو ‪ ،‬أي الخبر (طبق المبتدأ) في التذكير والتأنيث‬
‫‪1‬‬
‫والفراد والتثنية والجمع مدة ( ما أمكن) ذلك " ‪.‬‬

‫والمبتدأ في العربية على ضربين ‪:‬‬


‫ل يسد مسد الخبر ‪ ،‬وغالباً ما يكون هذا‬
‫الول منهما ‪ :‬مبتدأ يتبعه خب ٌر ‪ ،‬والثاني ‪ :‬مبتدأ له فاع ٌ‬
‫المبتدأ مسبوقاً بنفي أو استفهام ‪.‬‬

‫يقول ابنُ الحاجب " فالمبتدأ هو الس ُم المجردُ عن العوامل اللفظية مسنداً إليه ‪ ،‬أو الصفةُ‬
‫الواقعةُ بعد حرف النفي وألف الستفهام ‪ ،‬رافعةً لظاهر ‪ ،‬مثل (زيدٌ قائمٌ) و(ما قائمٌ الزيدانِ) و‬
‫‪2‬‬
‫(أقائمٌ الزيدان) "‪.‬‬

‫وجاء في شرح شذور الذهب ‪ " :‬وأقول الثالث من المرفوعات المبتدأ ‪ ،‬وهو نوعان ‪ :‬مبتدأ‬
‫‪3‬‬
‫له خبر ‪ ،‬وهو الغالب ‪ ،‬ومبتدأ ليس له خبر ‪ ،‬لكن له مرفوع يغني عن الخبر " ‪.‬‬

‫وقد ورد المبتدأ والخبر في القرآن الكريم من النوع الول بكثرة ‪ ،‬أما النوع الثاني ‪ ،‬فقد‬
‫وردت منه آيات معدودة ‪ ،‬وإن النظم القرآني قد حافظ على المطابقة بين المبتدأ وخبره في أغلب‬
‫اليات القرآنية ‪ ،‬إل في مواطن محددة جاء ظاهرها عدم التطابق ‪ ،‬ولهذا أسباب ُه وغايتهُ البيانية ‪.‬‬

‫وإننا لو رجعنا إلى تأويل مثل هذه اليات ‪ ،‬لوجدناها جاريةً على أُسلوب المطابقة بين المبتدأ‬
‫والخبر ‪.‬‬
‫‪ 1‬المنهل الصافي في شرح الوافي ‪. 1/244 ،‬‬
‫‪ 2‬شرح الرضي على الكافية ‪. 1/223 ،‬‬
‫‪ 3‬شرح شذور الذهب ‪. 180 ،‬‬

‫الصفحة ‪ 17‬من ‪142‬‬


‫أ ولً ‪ :‬ا لمبتد أ ال ذي له خب ر‪:‬‬

‫والمطابقة في هذا النوع كما يأتي ‪:‬‬


‫أ‪ -‬المطابقة في الفراد‪ ،‬تذكيراً وتأنيثاً ‪.‬‬
‫ب‪ -‬المطابقة في التثنية‪ ،‬تذكيراً وتأنيثاً ‪.‬‬
‫ج‪ -‬المطابقة في الجمع‪ ،‬تذكيراً وتأنيثًا ‪.‬‬
‫د‪-‬المطابقة في التعريف والتنكير ‪.‬‬

‫أ‪ -‬ا لمطاب قةُ في ال فراد ‪ ،‬تذك يرا وتأن يثا ‪:‬‬

‫‪ -‬الم بتد أ مفردٌ م ذكرٌ و الخبر ُ مفردٌ م ذكرٌ ‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫بل‬ ‫ك الْكِتَا ُ‬
‫وقد ورد بكثرةٍ في القرآن الكريم ‪ ،‬فمن ذلك قوله تعالـــى ‪ :‬ذَل ِ َ‬
‫ذَل ِ َ‬
‫ك‬ ‫ن (البقرة‪ ، )2:‬وقوله تعالى ‪:‬‬ ‫قي َ‬ ‫مت َّ ِ‬ ‫ى لِل ْ ُ‬ ‫هد ً‬ ‫ه ُ‬‫في ِ‬ ‫ب ِ‬ ‫َري ْ َ‬
‫ن‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬‫َ‬ ‫دنْيَا (آل عمران‪ ، )14:‬وقوله تعالى ‪:‬‬ ‫ة ال ُّ‬ ‫حيَا ِ‬‫ع ال ْ َ‬‫متَا ُ‬ ‫َ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن (النساء‪:‬‬ ‫س ٌ‬‫ح ِ‬ ‫م ْ‬
‫و ُ‬‫ه َ‬‫و ُ‬
‫ه َ‬ ‫ه لِل ِ‬ ‫ه ُ‬
‫ج َ‬ ‫و ْ‬ ‫م َ‬ ‫سل َ َ‬‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م َّ‬‫ن ِدينا ً ِ‬ ‫س ُ‬‫ح َ‬ ‫أ ْ‬
‫(العراف‪، )68:‬‬ ‫ن‬ ‫‪ ، )125‬وقوله تعالى ‪ :‬وأَنَا لَك ُم نَاص َ‬
‫مي ٌ‬‫حأ ِ‬ ‫ِ ٌ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫‪1‬‬ ‫َ‬
‫(الفتح‪ ، )29:‬وغير ذلك كثير ‪،‬‬ ‫ل الل ّه‬ ‫سو ُ‬ ‫مدٌ َر ُ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬‫وقوله تعالى ‪ُ :‬‬
‫فنحن نلحظ أن الخبر قد جاء مطابقاً للمبتدأ إفراداً وتذكيراً ‪.‬‬

‫ما ظاهر هُ عد م المط ابق ة ‪:‬‬

‫قد ورد في القرآن الكريم ما ظاهره عدم المطابقة بين المبتدأ والخبر في الفراد والتذكير ‪،‬‬
‫ث المطابقة وذلك في قوله تعالى ‪:‬‬
‫ل فيها من حي ُ‬ ‫وبالرجوع إلى تأويل مثل هذه اليات ل نجد إشكا ً‬
‫‪ 1‬ينظر ‪ ( :‬البقرة ‪( ، ) 19 /‬النساء ‪ ( ، ) 70/‬النفال ‪) 41 /‬‬

‫الصفحة ‪ 18‬من ‪142‬‬


‫َ‬ ‫ْ‬
‫ما‬
‫ع َ‬ ‫ما أتَّب ِ ُ‬ ‫ل إِن َّ َ‬ ‫ق ْ‬‫ها ُ‬ ‫جتَبَيْت َ َ‬
‫ول ا ْ‬ ‫قالُوا ل َ ْ‬ ‫ة َ‬ ‫م بِآي َ ٍ‬
‫ه ْ‬‫م تَأت ِ ِ‬ ‫وإِذَا ل َ ْ‬ ‫َ‬
‫ة‬‫م ٌ‬
‫ح َ‬ ‫وَر ْ‬ ‫ى َ‬ ‫هد ً‬ ‫و ُ‬‫م َ‬‫ن َربِّك ُ ْ‬ ‫م ْ‬‫صائُِر ِ‬ ‫هذَا ب َ َ‬‫ن َربِّي َ‬ ‫م ْ‬ ‫ي ِ‬ ‫َ‬
‫حى إِل َّ‬ ‫يُو َ‬
‫صائُِر‬ ‫هذَا ب َ َ‬ ‫َ‬ ‫(العراف‪ )203:‬وقوله تعالى ‪:‬‬ ‫ن‬‫منُو َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫وم ٍ ي ُ ْ‬
‫ق ْ‬ ‫لِ َ‬
‫(الجاثِية‪ ، )20:‬فقد‬ ‫ن‬‫قنُو َ‬ ‫وم ٍ يُو ِ‬ ‫ة لِ َ‬
‫ق ْ‬ ‫م ٌ‬ ‫ح َ‬‫وَر ْ‬‫ى َ‬ ‫هد ً‬ ‫و ُ‬‫س َ‬ ‫َ‬
‫لِلن ّا ِ‬
‫أخبر عن اسم الشارة المفرد المذكر ( هَذَا ) ‪ ،‬بجمعٍ مؤنث ( َبصَائِر) ‪ ،‬وتأويل ذلك ‪ :‬لما كان‬
‫القرآن يحوي سوراً وآياتٍ وبراهينَ كثيرة ؛ فإن معناه الجمع ؛ ولذلك جاز الخبار عنه بالجمع ‪.‬‬
‫م ‪،‬أي هذا الموحى إليّ الذي أنا‬ ‫ن َربِّك ُ ْ‬‫م ْ‬ ‫هذَا ب َ َ‬
‫صائُِر ِ‬ ‫َ‬ ‫يقول أبو حيان ‪" :‬‬
‫ت‪،‬‬ ‫أتبعه ل أبتدعه ‪ ،‬وهو القرآنُ ‪(،‬بصائر)‪ ،‬أي حججٌ وبيناتٌ يُبصر بها وتتضح الشياءُ الخفيا ُ‬
‫علَى بصير َ‬
‫عنِي أي على أمرٍ‬ ‫ن اتَّب َ َ‬
‫م ِ‬
‫و َ‬ ‫ة أنَا َ‬ ‫َ ِ َ ٍ‬ ‫َ‬ ‫وهو جمع بصيرة كقوله ‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫جليّ منكشفٍ ‪ ،‬وأخبر عن الجمع بمفردٍ لشتماله على سورٍ وآياتٍ " ‪،‬فجعل تلك السور واليات‬
‫‪2‬‬
‫وما تحويه من البراهين والدلئل والحكام ‪ ،‬بمنزلة البصائر في القلوب ‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫أو يكون على حذف مضافٍ والتقدير‪ :‬هذا – أي القرآن – ذو بصائر ‪،‬وبهذا تتم المطابقة ‪،‬‬
‫‪4‬‬
‫وقد قرئ (هذه بصائر) ‪.‬‬

‫َ‬
‫م‬ ‫ن أُوتُوا ال ْ ِ‬
‫عل ْ َ‬ ‫ر ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫صدُو ِ‬
‫في ُ‬
‫ت ِ‬‫ت بَيِّنَا ٌ‬
‫و آيَا ٌ‬ ‫َ‬ ‫ه‬‫ل ُ‬‫وقال تعالـى‪ :‬ب َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن (العنكبوت‪ ، ) 49:‬فقد اخبر عن‬ ‫مو َ‬‫حدُ بِآياتِنَا إ ِ ّل الظّال ِ ُ‬
‫ج َ‬
‫ما ي َ ْ‬
‫و َ‬
‫َ‬
‫الضمير المفرد المذكر (هو) ‪،‬بجمع مؤنث (أيآت) ‪ ،‬وأُختلف في هذا الضمير ‪ ،‬أيرج ُع إلى‬
‫‪ ،‬أم إلى القرآن الكريم ؟ قولن ‪:‬‬ ‫المصطفى‬
‫‪5‬‬
‫‪ ،‬ويكون التقدير " بل‬ ‫الول ‪ :‬ذهب ابنُ عباس وقتادةُ إلى أن الضميرَ يرجعُ إلى المصطفى‬
‫ت بيناتٌ ‪ ،‬أي ذو آياتٍ بيناتٍ "‪ ، 6‬وبهذا تتم المطابق ُة بين المبتدأ والخبر‪.‬‬
‫محمدٌ آيا ٌ‬

‫‪ 1‬البحر المحيط‪،5/261 ،‬والية من ( يوسف ‪ ، ) 108 /‬وينظر ‪ :‬أضواء البيان‪. 202-7/201،‬‬


‫‪ 2‬ينظر ‪ :‬فتح القدير ‪. 5/8 ،‬‬
‫‪ 3‬ينظر ‪ :‬البحر المحيط ‪. 5/261 ،‬‬
‫‪ 4‬ينظر ‪ :‬الكشاف ‪ ، 3/114،‬و الجامع لحكام القرآن ‪ ، 16/165،‬والبحر المحيط ‪.9/419،‬‬
‫‪ 5‬ينظر ‪ :‬جامع البيان ‪ ، 21/5 ،‬و زاد المسير ‪ ، 6/278 ،‬والجامع لحكام القرآن ‪13/354 ،‬‬
‫‪ 6‬زاد المسير ‪. 6/278،‬‬

‫الصفحة ‪ 19‬من ‪142‬‬


‫أما القول الخر ‪ ،‬فيرى أن الضمير يرجع إلى القرآن الكريم ‪ ،‬جاء في معاني القرآن ‪" :‬‬
‫‪1‬‬
‫ث يقول الفراءُ " ثم قال ‪:‬‬
‫ح ‪ ،‬حي ُ‬
‫‪ ،‬وهو الراج ُ‬ ‫ت بَي ِّنَات ‪ ،‬يريد القرآن "‬
‫و آيَا ٌ‬
‫ه َ‬ ‫بَ ْ‬
‫ل ُ‬
‫‪2‬‬
‫ت بيناتٌ) ‪ ،‬يريد القرآن ‪ ،‬وفي قراءة عبد ال (بل هي آيات) " ‪ ،‬ويكون المعنى ‪ :‬بل‬
‫(بل هو آيا ٌ‬
‫‪3‬‬
‫آيات القرآن آيات بينات ‪ ،‬والمطابقة تتم أيضاً في هذا المعنى ‪،‬ومما يؤيد أن المراد بهذا الضمير‬
‫ل عن ورود لفظ‬ ‫القرآن الكريم ‪ ،‬ورود لفظ (الكتاب) في خمس آيات من هذه السورة ‪ ،‬فض ً‬
‫‪4‬‬
‫(اليات) في أربع آيات من السورة نفسها ‪.‬‬

‫واستعمالُ ضمير المفرد المذكر (هو) ‪ ،‬في غير قراءة عبد الـله بن مسعود ‪ ،‬وإن كان المشار‬
‫إليه آيات القرآن ‪ ،‬دللةٌ على عظم هذه اليات ‪ ،‬وزيادة في عُلوّ شأنها ومكانتها ‪.‬‬

‫(ص‪ ، )58:‬فقد أخبر عن‬ ‫ج‬ ‫شكْل ِ َ‬‫ن َ‬


‫وا ٌ‬ ‫ه أْز َ‬
‫ِ‬ ‫م ْ‬‫خُر ِ‬
‫وآ َ‬
‫َ‬ ‫وقال تعالى‬
‫المفرد المذكر (آخر) ‪،‬بجمعٍ مذكر (أزواج) ‪،‬وجاز هذا ؛ لن معنى (آخر) ‪،‬المصدر فقد قال‬
‫شكْل ِ ِ‬
‫ه‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫خُر ِ‬ ‫وآ َ‬‫ساقٌ ‪َ ‬‬ ‫غ َّ‬ ‫و َ‬
‫م َ‬ ‫مي ٌ‬‫ح ِ‬
‫قوهُ َ‬‫فلْيَذُو ُ‬‫هذَا َ‬‫َ‬ ‫تعالى ‪:‬‬
‫ص‪ ، )58-57:‬أي ولنعذبهم عذابًا آخر" وإذا كان المعنى للفعل ُ‬ ‫َ‬
‫خبّر عن‬ ‫ج ( ّ‬ ‫وا ٌ‬‫أْز َ‬
‫‪5‬‬
‫الواحد باثنين وجماعة كما تقول عذاب فلن ضربان وعذابه ضروبٌ شتى " ‪ ،‬أو جاز ذلك لن‬
‫‪6‬‬
‫العذاب متعدد ؛ فسمى " كل جز ٍء من ذلك الخر باسم الكل " ‪ ،‬وقد قرأ الحسنُ ومجاهد‬
‫‪7‬‬
‫والجحدريّ وابنُ جُبير وعيسى وأبو عمرو (أُخر) على الجمع ‪ ،‬وبكل القراءتين ومعنييهما تتم‬
‫المطابقةُ بين المبتدأ والخبر ‪.‬‬
‫صيَرةٌ (القيامة‪:‬‬ ‫ه بَ ِ‬
‫س ِ‬
‫ف ِ‬ ‫علَى ن َ ْ‬‫ن َ‬ ‫سا ُ‬‫ل اْلِن ْ َ‬‫وقال تعالى ‪ :‬ب َ ِ‬
‫‪ ، )14‬فقد أ ّنثَ الخبر المفرد (بصيرة) ‪ ،‬مع تذكير المبتدأ المفرد (النسان) ‪ ،‬وقد ورد لفظ‬
‫(النسان) في القرآن الكريم خمسًا وأربعين مرةً ‪ ،‬ل يوجد في أيّ موضع من تلك المواضع ما‬
‫ن‬
‫سا َ‬ ‫س اْلِن ْ َ‬
‫م َّ‬ ‫وإِذَا َ‬
‫َ‬ ‫يشير إلى تأنيثه ‪ ،‬ومن ذلك ‪ -‬على سبيل المثال‪ -‬قوله تعالى ‪:‬‬
‫‪ 1‬معاني القرآن ‪ ،‬الفراء ‪. 2/317،‬‬
‫‪ 2‬المصدر نفسه ‪، 2/317،‬وينظر روح المعاني ‪، 21/6،‬ويقصد عبد ال بن مسعود ‪،‬ينظر‪ :‬فتح القدير ‪. 4/207 ،‬‬
‫‪ 3‬ينظر‪ :‬معاني القرآن ‪ ،‬الفراء ‪،2/317،‬و زاد المسير ‪، 6/278،‬و الجامع للحكام القرآن ‪، 13/354،‬و فتح القدير ‪.4/207،‬‬
‫ث ورد لفظ (الكتاب) ‪ ،‬أما لفظ (اليات) فينظر اليات (‪-49-24-23‬‬ ‫‪ 4‬ينظر ‪:‬سورة العنكبوت ‪،‬اليات (‪ )51-48-47-46-45‬حي ُ‬
‫‪ )50‬من السورة نفسها ‪.‬‬
‫‪ 5‬معاني القرآن الكريم ‪ ،‬النحاس ‪. 131-6/130 ،‬‬
‫‪ 6‬البحر المحيط ‪. 9/168 ،‬‬
‫‪ 7‬ينظر ‪ :‬المصدر نفسه ‪، 9/169،‬ونسب الفراء هذه القراءة إلى مجاهد فقط ‪ ،‬ينظر‪ :‬معاني القرآن ‪ ،‬الفراء ‪ ، 411-2/410 ،‬وقد‬
‫تفاوتت نسبة هذه القراءة بين العلماء ‪،‬فبعضهم ينسبها إلى جماعة ‪ ،‬وبعضهم ينسبها إلى اثنين‪ ،‬وبعضهم ينسبها إلى واحد ‪،‬‬
‫ينظر= = تفصيل ذلك ‪ :‬السبعة في القراءات ‪ ، 58،‬و معاني القرآن الكريم ‪ ،‬النحاس ‪ ، 6/130 ،‬والحجة في القراءات السبع ‪،‬‬
‫‪، 1/306‬وحجة القراءات ‪. 1/615،‬‬
‫الصفحة ‪ 20‬من ‪142‬‬
‫َ‬ ‫ال ُّ‬
‫ول َ ْ‬
‫م يََر‬ ‫ه (يونس‪ ، )12:‬وقوله تعالى ‪ :‬أ َ‬ ‫جنْب ِ ِ‬ ‫عانَا ل ِ َ‬
‫د َ‬‫ضُّر َ‬
‫ن‬
‫مبِي ٌ‬ ‫م ُ‬ ‫صي ٌ‬
‫خ ِ‬
‫و َ‬
‫ه َ‬ ‫ة َ‬
‫فإِذَا ُ‬ ‫ن نُطْ َ‬
‫ف ٍ‬ ‫م ْ‬
‫قنَاهُ ِ‬ ‫خل َ ْ‬‫ن أَنَّا َ‬‫سا ُ‬‫اْلِن ْ َ‬
‫(يِّس‪. )77:‬‬

‫والسبب في هذا التأنيث يرجعُ إلى الحمل على المعنى ‪ ،‬فالبصيرة بمعنى شاهد ‪ ،‬وهو شهود‬
‫عل َ‬ ‫‪1‬‬
‫م‬
‫ه ْ‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫شهد‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫م‬‫َ‬ ‫و‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫‪:‬‬ ‫يقول‬ ‫تعالى‬ ‫ل‬
‫ُ‬ ‫فا‬ ‫‪،‬‬ ‫الجوارح ‪ ،‬وهذا تفسير ابن عباس ومجاهد‬
‫أَل ْسنَت ُهم وأَيديهم َ‬
‫ن (النور‪)24:‬‬ ‫ملُو َ‬ ‫ع َ‬ ‫ما كَانُوا ي َ ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫جل ُ ُ‬‫وأْر ُ‬ ‫ِ ُ ْ َ ْ ِ ِ ْ َ‬
‫َ‬ ‫علَى أ َ ْ‬
‫م‬
‫ه ْ‬ ‫دي ِ‬ ‫وتُكَل ِّ ُ‬
‫منَا أي ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫ه ِ‬‫وا ِ‬
‫ف َ‬ ‫م َ‬ ‫خت ِ ُ‬
‫م نَ ْ‬‫و َ‬‫‪ ،‬ويقول أيضاً ‪ :‬الْي َ ْ‬
‫َ‬
‫ن (يِّس‪. )65:‬‬ ‫سبُو َ‬ ‫ما كَانُوا يَك ْ ِ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ه ْ‬‫جل ُ ُ‬
‫هدُ أْر ُ‬ ‫وت َ ْ‬
‫ش َ‬ ‫َ‬

‫أو إنّ الهاء دخلت للمبالغة ‪ ،‬كقولنا ‪( :‬زيدٌ علمةٌ) ‪ ،2‬ووجه ثالث وهو ‪ " :‬لما كان معناه‬
‫حجة على نفسه ؛ دخلت لتأنيث الحجة "‪ ، 3‬ومن خلل هذا التأويل تتم المطابقة بين المبتدأ والخبر‬
‫تذكيراً وتأنيثاً ‪.‬‬

‫‪ -‬ا لمبتد أ مفر د م ؤن ث والخ بر مفرد مؤن ث ‪:‬‬ ‫‪2‬‬


‫ى أو جم ٍع مذكرٍ أو مؤنثٍ ‪. 4‬‬
‫فل يخبرعن المفرد المؤنث بمفردٍ مذك ٍر ‪ ،‬أو مثن ً‬

‫ل من ورودهما مفردين‬ ‫إنّ ورودَ المبتدأ والخبر مفردين مؤنثين في القرآن الكريم أق ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ‬ ‫َ‬
‫ة‬‫وي َ ٌ‬
‫ِ‬ ‫خا‬‫َ‬ ‫ي‬
‫َ‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫ة‬
‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫ق‬ ‫ى‬ ‫عل‬
‫َ‬ ‫ر‬ ‫م‬
‫َ ّ‬ ‫ذي‬ ‫ِ‬ ‫و كال‬
‫مذكرين ‪ ،‬فمن ذلك قولُه تعالى ‪ :‬أ ْ‬
‫ة‬
‫م آي َ ٌ‬ ‫ن لَك ُ ْ‬
‫د كَا َ‬ ‫ق ْ‬ ‫َ‬
‫َّ‬
‫ها (البقرة‪ ، )259:‬وقوله تعالى ‪:‬‬ ‫ش َ‬
‫عُرو ِ‬ ‫علَى ُ‬ ‫َ‬
‫خَرى كَا ِ‬
‫فَرةٌ‬ ‫وأ ُ ْ‬‫َ‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ل الل‬
‫سبِي ِ‬ ‫في َ‬ ‫ل ِ‬ ‫قات ِ ُ‬‫ة تُ َ‬‫فئ َ ٌ‬‫قتَا ِ‬‫ن الْت َ َ‬‫ِ‬ ‫فئَتَي ْ‬
‫في ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬
‫م إ ِل‬‫مْري َ َ‬‫ن َ‬ ‫ح اب ْ ُ‬ ‫سي ُ‬‫م ِ‬ ‫ما ال ْ َ‬‫َ‬ ‫(آل عمران‪ ، )13:‬وقوله تعالى ‪:‬‬
‫ْ‬ ‫وأ ُ ُّ‬
‫ن‬‫ة كَانَا يَأكُل ِ‬ ‫ق ٌ‬ ‫دّي َ‬ ‫ص ِ‬‫ه ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ل َ‬‫س ُ‬ ‫ه الُّر ُ‬ ‫ن َ‬
‫قبْل ِ ِ‬ ‫م ْ‬‫ت ِ‬‫خل َ ْ‬ ‫قدْ َ‬‫ل َ‬ ‫سو ٌ‬ ‫َر ُ‬
‫‪2‬‬ ‫َ‬
‫م (المائدة‪ ، )75:‬وغير ذلك ‪.‬‬ ‫الطّ َ‬
‫عا َ‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬الجامع لحكام القرآن‪، 19/99،‬و تفسير النسفي ‪، 4/314،‬و البحر المحيط ‪. 10/347 ،‬‬
‫‪2‬ينظر ‪ :‬تفسير النسفي ‪، 4/314،‬والبحر المحيط ‪. 10/347،‬‬
‫‪3‬مشكل إعراب القرآن ‪ ، 2/778،‬والضمير في (دخلت) يقصد به الهاء من (بصيرة) ‪.‬‬
‫‪4‬ينظر ‪ :‬المنهل الصافي ‪.1/244 ،‬‬

‫‪ 2‬ينظر ‪ ( :‬هود ‪ ، ) 64 /‬و ( طه ‪ ، ) 20 /‬و ( الصافات ‪. ) 19 /‬‬


‫الصفحة ‪ 21‬من ‪142‬‬
‫ما ظاهر ه ع دم ا لمطاب قة ‪:‬‬

‫ورد في بعض المواطن في القرآن الكريم ما ظاهره المخالفة بين المبتدأ والخبر‪ ،‬قال تعالى‬
‫مَرأَتِي‬ ‫ي الْكِبَُر َ‬
‫وا ْ‬ ‫قدْ بَل َ َ‬
‫غن ِ َ‬ ‫و َ‬‫م َ‬‫غل ٌ‬ ‫ن لِي ُ‬ ‫َ‬
‫ب أنَّى يَكُو ُ‬
‫ل َر ِّ‬ ‫َ‬
‫قا َ‬ ‫‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫(آل عمران‪ ، )40:‬فقد أخبر عــــن‬ ‫قر‬ ‫عا ِ‬
‫َ‬
‫المفرد المؤثث (امرأتي) ‪ ،‬بمفرد مذكر (عاقر) ‪ ،‬والقول في هذه الية من وجهين ‪:‬‬

‫ث على حدٍ سواء ‪ ،‬فنقول ‪:‬‬


‫الول ‪ :‬إن لفظ (عاقر) من اللفاظ التي يستوي فيها المذكرُ والمؤن ُ‬
‫‪2‬‬
‫(رجلٌ عاقرٌ) ‪ ،‬و (امرأةٌ عاقرٌ) ‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫ل الية على النسبِ ‪ ،‬فعاق ٌر أي ذاتُ عقر‪ ،‬ومعناه مفعول أي معقورة ‪ " ،‬وإنما قيل‬
‫الخر ‪ :‬حم ُ‬
‫عاقر ؛ لنه يراد بها ذات عقر على النسب ‪ ،‬ولو كان على الفعل لقال ‪ :‬عقرت ‪ ،‬فهي عقيرة ‪،‬‬
‫‪4‬‬
‫كأن بها عقراً أي ‪ :‬كبراً من السن يمنعها من الولد " ‪ ،‬وبهذا تتم المطابقة بين المبتدأ والخبر‬
‫إفراداً وتأنيثاً ‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ضَر‬
‫ح َ‬ ‫م إِذَا َ‬‫هادَةُ بَيْنِك ُ ْ‬ ‫منُوا َ‬
‫ش َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫ها ال ّ ِ‬‫وقال تعالى ‪ :‬يَا أي ُّ َ‬
‫َ‬
‫منْكُم‬‫ل ِ‬ ‫عدْ ٍ‬‫وا َ‬ ‫ة اثْنَا ِ‬
‫ن ذَ َ‬ ‫صي َّ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫و ِ‬ ‫حي َ‬ ‫ت ِ‬ ‫و ُ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫م ْ‬ ‫دك ُ ُ‬
‫ح َ‬
‫أ َ‬
‫(المائدة‪ ، )106:‬فأخبر عن المبتدأ المفرد المؤنث (شهادة ) ‪ ،‬بمثنىً مذكر (اثنان) ‪،‬‬
‫وتُحمل‬
‫‪5‬‬
‫هــــذه الي ُة على حذف مضاف من (اثنان) ‪ ،‬والتقدير ‪ :‬شهادة بينكم شهادة اثنين‪ ،‬يقول أبو حيان‬
‫‪6‬‬
‫‪ ":‬واحتِيجَ إلى الحذف ليطابق المبتدأُ الخبرَ" ‪.‬‬

‫‪ 1‬ورد لفظ (عاقر) في القرآن الكريم ثلث مرات ‪ ،‬أولها ما ذكرناه ‪،‬وثانيها وثالثها في سورة مريم ‪ ،‬ينظر ‪( :‬مريم ‪ 5/‬و ‪)8‬‬
‫‪ 2‬ينظر ‪ :‬زاد المسير ‪. 1/385 ،‬‬
‫‪ 3‬ينظر التبيان في إعراب القرآن ‪. 1/133 ،‬‬
‫‪ 4‬الجامع لحكام القرآن ‪ ، 4/79 ،‬وينظر ‪ :‬مشكل إعراب القرآن ‪. 1/158 ،‬‬

‫‪ 5‬ينظر ‪ :‬الكشاف ‪، 1/487 ،‬و تفسير النسفي ‪، 1/306 ،‬وتفسير القرآن العظيم ‪ ، 2/112 ،‬والبحر المحيط ‪ ، 4/390 ،‬وإرشاد‬
‫العقل السليم‪. 3/88 ،‬‬
‫‪ 6‬البحر المحيط ‪. 4/390 ،‬‬
‫الصفحة ‪ 22‬من ‪142‬‬
‫‪1‬‬
‫ويقول اللوسي ‪ " :‬وأُل ُتزِمَ ذلك ليتصادقَ المبتدأُ والخبرُ " ‪ ،‬وهناك رأيّ يقولُ ‪ :‬إن (اثنان) ‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫مرتفع على الفاعلية ‪ ،‬والتقدير ‪ :‬ليشهد اثنان ‪.‬‬

‫حيِي‬‫ن يُ ْ‬
‫م ْ‬
‫ل َ‬‫قا َ‬‫ه َ‬ ‫خل ْ َ‬
‫ق ُ‬ ‫ي َ‬
‫س َ‬ ‫ون َ ِ‬ ‫ب لَنَا َ‬
‫مثَل ً َ‬ ‫ضَر َ‬ ‫و َ‬‫وقال تعالى ‪َ :‬‬
‫(يِّس‪ ، )78:‬فقد أخبر عن المفرد المؤنث (هي) ‪،‬‬ ‫م‬‫مي ٌ‬
‫ي َر ِ‬‫ه َ‬
‫و ِ‬ ‫عظَا َ‬
‫م َ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫بمفرد مذكر (رميم) ‪ ،‬ولم يقل (رميمة) ‪ ،‬والقول في هذه الية من ثلثة أوجه ‪:‬‬

‫الول ‪:‬‬
‫إن لفظ (رميم) على وزن فعيل ‪ ،‬وهذا الوزن يستوي فيه المذكرُ والمؤنثُ ‪ ،‬والمفر ُد‬
‫والمثنى والجم ُع ‪ ،‬جاء في لسان العرب ‪ " ،‬إنما قال تعالى ( وهي رميم ) ؛ لن فعيلً وفعولً قد‬
‫‪3‬‬
‫استوى فيهما المؤنثُ والمذكرُ والجمعُ ‪ ،‬مثل ‪ :‬رسول وعدو وصديق " ‪ ،‬ويقول الشوكاني ‪" :‬‬
‫والولى أن يقال فيه أنه فعيل بمعنى فاعل أو مفعول ‪ ،‬وهو يستوي فيه المذكرُ والمؤنثُ كما قيل‬
‫‪4‬‬
‫في جريح وصبور " ‪.‬‬

‫الثاني ‪:‬‬
‫إن لفظ (رميم) معدول عن (رميمة) ‪ ،‬أي معدول عن (فاعلة) ‪ " ،‬وإنما قال رميم ولم يقل‬
‫(رميمة) ؛ لنها معدولة عن (فاعلة) ‪ ،‬وما كان معدولً عن وجهه ووزنه ‪ ،‬كان مصروفاً عن‬

‫غيّاً ‪ ،‬أسقط الهاءَ ؛ لنها مصروفةٌ عن‬


‫ك بَ ِ‬ ‫ت أ ُ ُّ‬
‫م ِ‬ ‫ما كَان َ ْ‬
‫و َ‬
‫َ‬ ‫إعرابه ‪ ،‬كقوله تعالى ‪:‬‬
‫‪5‬‬
‫باغيةٍ "‬
‫الثالث ‪:‬‬
‫ن‬
‫م ْ‬
‫ل َ‬ ‫َ‬
‫قا َ‬ ‫حَملُ الية على المعنى ‪ ،‬فـ (رميم) بمعنى (بالية) ‪ ،‬يقول القرطبي ‪":‬‬
‫عظَا َ‬
‫م‬ ‫حيِي ال ْ ِ‬
‫يُ ْ‬
‫‪6‬‬
‫م ‪ ،‬أي باليةٌ ‪ ،‬رمّ العظمُ فهو رمي ٌم ورمامُ " ‪ ،‬وهو الذي أراهُ ؛ فإن العدو َ‬
‫ل‬ ‫مي ٌ‬
‫ي َر ِ‬
‫ه َ‬ ‫و ِ‬
‫َ‬
‫عن لفظٍ إلى آخ َر في القرآن الكريم ‪ ،‬ل يكون إل لغاية جمالية ‪ ،‬فلو رجعنا إلى تفسير هذه الية ‪،‬‬
‫‪ 1‬روح المعاني ‪. 7/47 ،‬‬
‫‪ 2‬ينظر ‪ :‬معاني القرآن ‪ ،‬الفراء ‪ ، 1/323 ،‬والكشاف ‪ ، 1/487 ،‬والبحر المحيط ‪. 4/390 ،‬‬
‫‪ 3‬لسان العرب ‪ ، 12/253 ،‬مادة (رمم) ‪ ،‬وينظر ‪ :‬مختار الصحاح ‪ ، 1/108،‬مادة (رمم) ‪.‬‬
‫‪ 4‬فتح القدير ‪. 4/383 ،‬‬
‫‪ 5‬الجامع لحكام القرآن ‪ ، 15/58 ،‬وينظر البرهان في علوم القرآن ‪ ، 3/363 ،‬وفتح القدير ‪ ، 4/383 ،‬والية من (مريم ‪.)28 /‬‬
‫‪ 6‬الجامع لحكام القرآن ‪. 15/58 ،‬‬
‫الصفحة ‪ 23‬من ‪142‬‬
‫ف إلى المصطفى‬
‫ي بنُ أبي خل ٍ‬
‫لوجدناها قد نزلت في أحد المعاندين والمنكرين للبعث ‪ ،‬فقد أتى اُب ّ‬
‫‪ ،‬وفي يده عظمٌ قد بلى ‪ ،‬فقال للنبي ‪ " :‬أترى ال يحيي هذا بعدما رمّ ؟ فقال ‪ :‬نعم ‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫ويبعثكَ ويدخلكَ النار" ‪.‬‬

‫فنحن نلحظ أن هذا الكافر أراد أن يستنكر قدرة ال تعالى على البعث والنشور ‪ ،‬فجاء بعظم‬
‫ل في خطابه للمصطفى ‪ ،‬عن استعمال لفظ (بالية) ‪ -‬مثلً ‪ -‬إلى لفظ‬ ‫قد أبلته السنون ‪ ،‬عاد ً‬
‫(رميم) ‪ ،‬تأكيداً وإنكاراً منه على أن ل مجال لحياء الموتى من هذه العظام التي أهلكها مرّ‬
‫الليالي واليام ‪ ،‬وهذا المعنى ل يمكن لي لفظة أُخرى أن تؤديه ‪ ،‬فقد تكرر فيها صوت (الميم)‪،‬‬
‫وهو من الصوات المتوسطة بين الشدة والرخاوة ‪ ،‬والذي يحدث حفيفاً عند النطق به وهذا‬
‫‪2‬‬
‫الحفيف يُقرب هذه الصوات من الصوات الرخوة ‪ ،‬وكل هذه الصفات تُناسب الهلك الذي‬
‫أصاب هذه العظام ‪ ،‬فاللفظة مختارة بدقة من بين عدد من اللفاظ ‪ ،‬فحتم هذا الختيار دقةَ معنى‬
‫‪3‬‬
‫‪.‬‬ ‫الجملة ‪ ،‬والمناسب َة مع السياق العام‬

‫عولً‬ ‫م ْ‬
‫ف ُ‬ ‫عدُهُ َ‬
‫و ْ‬ ‫ه كَا َ‬
‫ن َ‬ ‫من ْ َ‬
‫فطٌِر ب ِ ِ‬ ‫ماءُ ُ‬ ‫ال َّ‬
‫س َ‬ ‫وقال تعالى ‪:‬‬
‫(المزمل‪ ، )18:‬فقال ‪ (:‬منفطر) ولم يقل ‪(:‬منفطرة) ‪.‬‬

‫والقول في هذه الية من أربعة أوجه ‪:‬‬

‫الول ‪:‬‬
‫ماءُ‬
‫س َ‬‫إن لفظ (السماء) يذكر ويؤنث ‪ ،‬يقول الفراء ‪ " :‬وقوله عز وجلّ ال َّ‬
‫‪:‬‬

‫ه ‪ ،‬بذلك اليوم ‪ ،‬والسماء تُذكر وتؤنث ‪ ،‬فهي ها هنا في وجه التذكير ‪ ،‬قال‬
‫فطٌِر ب ِ ِ‬ ‫من ْ َ‬
‫ُ‬
‫الشاعر ‪:‬‬
‫‪4‬‬
‫لَ حق نا بالنُجُومِ مَعَ ا لسَحَابِ "‬ ‫فَلَو رَفَعَ السّمَ اءُ إلَيهِ قَومَا‬

‫الثاني ‪:‬‬

‫‪ 1‬تفسير البيضاوي ‪. 4/443 ،‬‬


‫‪ 2‬ينظر ‪ :‬الصوات اللغوية ‪. 46-45 ،‬‬
‫‪ 3‬ينظر ‪ :‬العجاز الفني في القرآن ‪. 75 ،‬‬

‫لحقنا بالسماء مع السحاب )‬ ‫‪ 4‬معاني القرآن ‪ ،‬الفراء ‪. 3/199،‬والبيت للفرزدق ‪ ،‬وفي ديوانه ‪ ( :‬ولو رفعَ اللهُ إليهِ قوم ًا‬
‫‪ ،‬شرح ديوان الفرزدق ‪ ، 165 / 1 ،‬قصيدة رقم ‪. 77 /‬‬
‫الصفحة ‪ 24‬من ‪142‬‬
‫‪1‬‬
‫حملها على النسب ‪ ،‬أي ذاتُ انفطار ‪.‬‬

‫الثالث ‪:‬‬
‫‪2‬‬
‫إنّ السما َء بمعنى السقف ‪ ،‬يقول الزمخشـــــــريّ ‪ " :‬أو على تأويل السماء بالســقف " ‪،‬‬
‫ونسب القرطبي هذا القول إلى أبى عمرو بن العلء " وقال أبو عمرو بن العلء ‪ :‬لم يقل‬
‫علْنَا‬
‫ج َ‬‫و َ‬
‫َ‬ ‫منفطرة لن مجازها السقف ‪ ،‬تقول ‪ :‬هذا سماء البيت … وفي التنزيل ‪:‬‬
‫‪3‬‬ ‫فوظا ً‬
‫" ‪.‬‬ ‫ح ُ‬ ‫قفا ً َ‬
‫م ْ‬ ‫س ْ‬
‫ماءَ َ‬ ‫ال َّ‬
‫س َ‬

‫الرابع ‪:‬‬
‫ء‬
‫ما ُ‬ ‫جَع ُل (منفطرة) بمعنى (متشققة) ‪ ،‬يقول القرطبي ‪ " :‬قوله تعالى ‪ :‬ال َّ‬
‫س َ‬
‫ر بِه ‪،‬‬ ‫فطِ ٌ‬‫من ْ َ‬
‫ُ‬
‫‪4‬‬
‫ل على شدة ذلك‬ ‫ل من (متشققة) أد ّ‬‫أي متشققة لشدته " ‪ ،‬ونؤيدُ ذلك ؛ فإن استعمال (منفطر) بد ً‬
‫اليوم الذي يجعل الولدان شيبًا ‪ ،‬يو ٌم يذهل المرضعة عما أرضعت ‪ ،‬وتضع فيه ولهوله كلّ ذات‬
‫حملٍ حملَها ‪،‬وتشخص فيه البصارُ وتبلغ القلوبُ الحناجرَ‪،‬فهو يو ٌم عصيبٌ شديدٌ ‪ ،‬يحتاج إلى لفظ‬
‫يدل على شدة هوله وعظمته ‪،‬فاستخدامُ هذا اللفظ بصيغة التذكير يجعل دللةَ المعنى أقوى وأشد‬
‫رهبةً في نفس السامع ‪ ،‬مما لو استخدم لفظًا مؤنثاً‪.‬‬

‫ب‪ -‬ا لمطا بقة في التث نية ‪ ،‬تذ كيرا وتأ ني ثا ‪:‬‬

‫ن المبتدأ والخبر ل بُ ّد لهما من التطابق في الفراد والتثنية والجمع‬


‫كما ذكرنا سابقًا ‪ ،‬إ ّ‬
‫والتذكير والتأنيث ‪ ،‬فكما ل يُخبر عن المفرد ‪ -‬مذكره و مؤنثه ‪ -‬إل بما يُطابقهُ ‪ ،‬فل يُخبر عن‬
‫‪5‬‬
‫المثنى – مُذكرهِ ومؤنثهِ – إل بما يُطابقه ‪.‬‬

‫‪ 1‬ينظر ‪ :‬الكشاف ‪ ، 3/283،‬والتبيان في إعراب القرآن ‪. 2/272 ،‬‬


‫‪ 2‬الكشاف ‪. 283 /3 ،‬‬
‫‪ 3‬الجامع لحكام القرآن ‪ ،19/51 ،‬وينظر ‪ :‬التبيان في إعراب القرآن ‪، 2/272 ،‬وتفسير البيضاوي ‪ ، 5/408،‬والية من‬
‫( النبياء‪.) 32 /‬‬

‫‪ 4‬الجامع لحكام القرآن ‪. 19/50 ،‬‬


‫‪ 5‬ينظر ‪ :‬ص ( ‪ ) 9‬من البحث ‪.‬‬
‫الصفحة ‪ 25‬من ‪142‬‬
‫لو تتبعنا مجئ المثنى في القرآن الكريم ‪ ،‬مبتدأ وخبراً ‪ ،‬لوجدناه قليل الورود ‪ ،‬وبالرغم من هذه‬
‫القلة ‪ ،‬ورد ما ظاهره عدم التطابق بين المبتدأ والخبر ‪ ،‬لكن هذا ل يقودنا إلى القول إنّ صيغة‬
‫‪1‬‬
‫المثنى مترددة وغير ثابتة ‪ ،‬أو أنها داخلة في حيز الجمع ‪ ،‬فـاليات التي ظاهرها عدمُ التطابق ‪،‬‬
‫سواء في باب المبتدأ والخبر أو في باب الفعل والفاعل ‪ ،‬تحتمل التأويل ‪ ،‬ولم يكن هذا الخروج‬
‫إل لجمال النص والدعوة إلى التفكر فيه ‪.‬‬

‫علَى‬ ‫عثَِر َ‬ ‫ن ُ‬ ‫َ‬


‫فإ ِ ْ‬ ‫ل من المبتدأ والخبر مثنىً مذكراً ‪ ،‬قوله تعالى ‪:‬‬ ‫ومن مجئ ك ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ما (المائدة‪:‬‬ ‫ه َ‬ ‫م ُ‬ ‫م َ‬
‫قا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ما ِ‬ ‫قو َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫خَرا ِ‬ ‫قا إِثْما ً َ‬
‫فآ َ‬ ‫ح ّ‬‫ست َ َ‬
‫ما ا ْ‬ ‫ه َ‬ ‫أن َّ ُ‬
‫م‬‫ه ْ‬‫في َرب ِّ ِ‬ ‫موا ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫خت َ َ‬
‫نا ْ‬ ‫ما ِ‬‫ص َ‬ ‫خ ْ‬ ‫ن َ‬‫هذَا ِ‬‫َ‬ ‫‪ ، )107‬وقوله تعالى‬
‫قالُوا إِنَّا‬ ‫و َ‬ ‫هَرا َ‬ ‫ن تَظَا َ‬ ‫حَرا ِ‬ ‫قالُوا ِ‬
‫س ْ‬ ‫َ‬ ‫(الحج‪ ، )19:‬وقوله تعالى ‪:‬‬
‫(القصص‪. )48:‬‬ ‫ن‬ ‫فُرو َ‬ ‫ل كَا ِ‬‫بِك ُ ٍّ‬
‫فنحن نلحظ أن المطابقة قد تمت بين المبتدأ والخبر ‪ ،‬وإن جاء الخبر في أغلبها فعلً مسنداً‬
‫ت‬‫قال َ ِ‬
‫و َ‬‫إلى ألف الثنين ‪ ،‬أما مثال المبتدأ والخبر المثنى المؤنث ‪ ،‬فنحو قوله تعالى ‪َ :‬‬
‫قالُوا ب َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ما َ‬ ‫ول ُ ِ‬
‫عنُوا ب ِ َ‬ ‫م َ‬
‫ه ْ‬‫دي ِ‬ ‫غل ّ ْ‬
‫ت أي ْ ِ‬ ‫غلُول َ ٌ‬
‫ة‬ ‫م ْ‬ ‫هودُ يَدُ الل ّ ِ‬
‫ه َ‬ ‫الْي َ ُ‬
‫(المائدة‪. )64:‬‬ ‫سوطَتَا ِ‬
‫ن‬ ‫مب ْ ُ‬
‫ه َ‬
‫يَدَا ُ‬

‫ما ظاهر ه عد م المط ابق ة ‪:‬‬

‫وقد جاء موطنٌ واحدٌ ظاهره أنه مخالفة بين المبتدأ وخبره المثنى المؤنث ‪ ،‬وذلك في قوله‬
‫ُ‬ ‫تعالى ‪ :‬كِلْتَا ال ْ َ َ‬
‫(الكهف‪، )33:‬فقال (آتت) ‪ ،‬ولم‬ ‫ها‬‫ت أكُل َ َ‬‫ن آت َ ْ‬
‫جن ّتَي ْ ِ‬
‫يقل (آتتا) مطابقة للمبتدأ (كلتا) ‪ ،‬ويعلل العلماءُ هذا ‪ ،‬بأن (كلتا) وإن كانت تدل على مثنىً‬
‫ل على لفظ (كلتا) ‪ ،‬يقول العكبريّ ‪( " :‬كلتا‬
‫مؤنث ‪ ،‬إل أن لفظها مفردٌ‪ ،‬فقد جاء الخبرُ مفرداً حم ً‬
‫‪2‬‬
‫الجنتين) ‪ ،‬مبتدأ ‪ ،‬و (آتت) خبرهُ ‪ ،‬وأفرد الضميرَ حملً على لفظ (كلتا) " ‪.‬‬

‫أو إن هذه التثنية ليست مقصودة حقيقةً ‪ ،‬وإنما المرادُ أن لهذه الجنة وجهين ‪ ،‬فإذا نظرتَ‬
‫يميناً أو شمالً رأيتَ في كلتا الناحيتين ما تق ّر به عي ُنكَ و يمل قل َبكَ بهج ًة و مس ّر ًة ‪ ،‬فالخبا ُر في‬

‫‪ 1‬ينظر ‪ :‬دراسات في اللغة ‪،‬إبراهيم السامرائي ‪. 66 ،‬‬

‫‪ 2‬التبيان في إعراب القرآن ‪ ، 2/103 ،‬وينظر ‪ :‬تفسير البيضاوي ‪ ، 496 /3 ،‬والتقان ‪. 1/494 ،‬‬
‫الصفحة ‪ 26‬من ‪142‬‬
‫‪1‬‬
‫حقيقتهِ يعو ُد إلى مفرد مؤنث وهو الجنة ‪ ،‬فما أعظمَ هذا العجاز ‪ ،‬ودقة الختيار ‪ ،‬فل يصلح‬
‫لهذا المعنى إل ما اختاره القرآنُ العظيمُ له ‪.‬‬
‫ج‪ -‬الم طاب قة ب ين ال مبتد أ والخ بر في ال جم ع تذكي را وت أن يثا ‪:‬‬

‫– ا لمب تدأ جمع مذ كر والخ بر جم ع مذ كر ‪:‬‬ ‫‪1‬‬


‫ورد المبتدأ والخبر جمعًا مذكراً بكثرة في القرآن الكريم ‪ ،‬وفي كلّ مواطن وروده قد تمت‬
‫المطابقةُ ‪ ،‬إل في مواطنَ معدود ٍة ‪ ،‬جاء الخبرُ فيها مخالفاً للمبتدأ ‪ ،‬وذلك لسباب نعرفها في‬
‫مواطنها ‪.‬‬

‫ْ َ‬
‫ض‬
‫في الْر ِ‬ ‫سدُوا ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫م ل تُ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫ل لَ ُ‬‫قي َ‬ ‫وإِذَا ِ‬ ‫فمثال المطابقة قوله تعالى ‪َ :‬‬
‫ن (البقرة‪، )11:‬وقوله تعالى ‪:‬‬ ‫حو َ‬ ‫صل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫ما ن َ ْ‬ ‫قالُوا إِن َّ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ضَر‬ ‫ح َ‬ ‫حتَّى إِذَا َ‬ ‫ت َ‬ ‫سيِّئَا ِ‬ ‫ن ال َّ‬ ‫ملُو َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬
‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ة لِل ّ ِ‬ ‫وب َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ت الت َّ‬ ‫س ِ‬ ‫ولَي ْ َ‬ ‫َ‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ه ْ‬‫و ُ‬ ‫ن َ‬ ‫موتُو َ‬ ‫ن يَ ُ‬‫ذي َ‬ ‫ول ال ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ت اْل َ‬ ‫ل إِنِّي تُب ْ ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ت َ‬ ‫و ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ه ُ‬ ‫حدَ ُ‬ ‫أ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ك ُ َّ‬
‫فوا‬ ‫و ُ‬ ‫منُوا أ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬ ‫فاٌر (النساء‪ ، )18 :‬وقوله تعالى ‪ :‬يَا أي ُّ َ‬
‫َ‬ ‫ُ َّ‬
‫غيَْر‬ ‫م َ‬ ‫علَيْك ُ ْ‬ ‫ما يُتْلَى َ‬ ‫عام ِ إ ِ ّل َ‬ ‫ة اْلَن ْ َ‬ ‫م ُ‬ ‫هي َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ت لَ‬ ‫ْ‬ ‫حل‬ ‫قوِد أ ِ‬ ‫ع ُ‬‫بِال ْ ُ‬
‫صيد َ‬
‫واءٌ‬ ‫س َ‬ ‫َ‬ ‫(المائدة‪ ، )1:‬وقوله تعالى ‪:‬‬ ‫م‬
‫حُر ٌ‬ ‫م ُ‬ ‫وأنْت ُ ْ‬ ‫حل ِّي ال َّ ْ ِ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن (العراف‪ ، )193:‬وغير‬ ‫متُو َ‬ ‫صا ِ‬ ‫م َ‬ ‫م أنْت ُ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫مو ُ‬ ‫وت ُ ُ‬ ‫ع ْ‬ ‫م أدَ َ‬ ‫عليْك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫‪2‬‬
‫ذلك ‪.‬‬

‫ما ظاهر ه عد م المط ابق ة ‪:‬‬

‫قَربُوا‬‫فل ي َ ْ‬
‫س َ‬
‫ج ٌ‬ ‫ركُو َ‬
‫ن نَ َ‬ ‫ش ِ‬ ‫ما ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫وذلك نحو قوله تعالى ‪ :‬إِن َّ َ‬
‫(التوبة‪ ، )28:‬فقد اخبر عن‬ ‫هذَا‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫م ِ‬
‫عا ِ‬‫عدَ َ‬ ‫م بَ ْ‬ ‫جدَ ال ْ َ‬
‫حَرا َ‬ ‫س ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫م ْ‬
‫ل‪.‬‬
‫الجمع المذكر (المشركون) ‪ ،‬بمفرد مذكر (نجس) ‪ ،‬ولم يقل (أنجاس) مث ً‬

‫‪ 1‬ينظر ‪ :‬البرهان في علوم القرآن ‪. 3/5 ،‬‬

‫‪ 2‬ينظر ‪( :‬البقرة ‪ ، )243/‬و (النساء ‪ ، )43/‬و(المائدة ‪)10/‬‬


‫الصفحة ‪ 27‬من ‪142‬‬
‫إنّ سببَ إفراد الخبر ‪ ،‬راج ٌع إلى كون (نجس) مصدراً ‪ ،‬والمصادرُ ل تُثنى ول تجمع ‪ ،‬بل‬
‫ل ‪ ،‬يقول البغوي ‪ " :‬وهومصدرٌ يستوي فيه الذكرُ والُنثى ‪ ،‬والتثنية‬
‫هي مفردةٌ على كلّ حا ٍ‬
‫‪1‬‬
‫جسٌ)‬
‫جسٌ) ‪ ،‬و(رجلن نَ َ‬
‫جسٌ) و(امرأةٌ نَ َ‬
‫والجمعُ " ‪ ،‬ويقول القرطبي ‪ " :‬يٌقال‪( :‬رجلٌ َن َ‬
‫‪2‬‬
‫جسٌ) ‪ ،‬ليُثنى ول يُجمع ؛ لنه مصدرٌ " ‪.‬‬
‫جسٌ) و(نساءٌ نَ َ‬
‫جسٌ) ‪ ،‬و(رجالٌ َن َ‬
‫و(امرأتان نَ َ‬

‫إنّ العدول عن لفظ (أنجاس) وغيره من اللفاظ التي تدل على قبح المشركين ‪ ،‬إلى لفظ‬
‫‪3‬‬
‫جسٌ) ‪ ،‬جاء ليقرر معنىً خاصًا وفريداً ‪ ،‬أل وهو أن المشركين هم النجاسة عينها ‪.‬‬
‫المصدر (نَ َ‬
‫َ‬
‫م‬‫ه ْ‬‫م ل يَْرتَدُّ إِلي ْ ِ‬
‫ه ْ‬
‫س ِ‬ ‫عي ُر ُ‬
‫ؤو ِ‬ ‫م ْ‬
‫قن ِ ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫عي َ‬
‫هطِ ِ‬ ‫م ْ‬‫وقال تعالى ‪ُ :‬‬
‫(إبراهيم‪ ، )43:‬فلم يتاطبق المبتدأ‬ ‫واءٌ‬
‫ه َ‬‫م َ‬‫ه ْ‬ ‫وأ َ ْ‬
‫فئِدَت ُ ُ‬ ‫م َ‬
‫ه ْ‬ ‫طَْر ُ‬
‫ف ُ‬
‫(أفئدتهم) مع خبره (هواء) ‪.‬‬
‫والقول في هذه الية من وجهين ‪:‬‬

‫الول‪:‬‬
‫حملُ الية على المعنى ‪ ،‬فالمقصود بـ (هواء) أنها فارغ ٌة وخربةٌ وخاوي ٌة ‪ ،‬يقول العكبريّ ‪:‬‬
‫" فإن قيل كيف أفرد هواء وهو خبر لجمع ‪ ،‬قيل لما كان معنى (هواء) ها هنا فارغة متخرقة ‪،‬‬
‫أفرد ‪ ،‬كما يجوز إفراد فارغة ؛ لن تاء التأنيث فيها تدل على تأنيث الجمع الذي في أفئدتهم ‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫ل فاسدةٌ) ‪ ،‬وغير ذلك ‪" .‬‬
‫ومثله (أحوالٌ صعبةٌ ‪ ،‬وأفعا ٌ‬

‫الخر ‪:‬‬
‫ل ‪ ،‬ول يخفى ما في هذا الرأي‬
‫إنّ الهواءَ مصدرٌ ‪ ،‬وكما قلنا إن المصادرَ مفردةٌ في كلّ حا ٍ‬
‫من بلغةٍ وروعةٍ ودق ٍة في التعبيرِ ‪ ،‬فقد جعل القلوبَ هي عين الهواء ؛ لشدة حيرتها وذهولها من‬

‫‪ 1‬معالم التنزيل ‪ ، 2/281 ،‬و(هو) يقصد به المصدر (نجس) ‪.‬‬


‫‪ 2‬الجامع لحكام القرآن ‪. 8/105 ،‬‬
‫‪ 3‬ينظر ‪ :‬الكشاف ‪ ، 2/34 ،‬وتفسير النسفي ‪ ، 2/122 ،‬والبحر المحيط ‪، 398-5/397 ،‬وإرشاد العقل السليم ‪. 4/57 ،‬‬

‫‪ 1‬التبيان في إعراب القرآن ‪ ، 2/70 ،‬وينظر ‪ :‬روح العاني ‪. 13/452،‬‬


‫‪ 2‬البحر المحيط ‪6/452 ،‬‬
‫‪ 3‬ينظر ‪( :‬الكهف ‪ ، )59 /‬و(النمل ‪ ، )52 /‬و( الحزاب ‪. )6 /‬‬

‫الصفحة ‪ 28‬من ‪142‬‬


‫فزعِ ذلك اليوم العظيم ‪ ،‬فهي مضطربةٌ جائشةٌ في صدور المجرمين ‪ " ،‬وإنها تجئ وتذهب وتبلغ‬
‫على ما رُوي ‪ ،‬حناجرَهم فهي في ذلك كالهواء الذي هو أبدًا في اضطرابٍ "‪.2‬‬

‫وما كان الخروج عن المطابقة في هذه المواطنِ ‪ ،‬إل زياد َة بلغةٍ وإبداعٍ في النصِ القرآنيّ ‪.‬‬

‫‪ -‬ا لمبتد أ جمعٌ م ؤنث ٌ والخ برُ جم عٌ مؤنثٌ ‪:‬‬ ‫‪2‬‬


‫وهو قليلُ الورود في القرآنِ الكريمِ ‪ ،‬وقد طابق الخبرُ المبتدأ في كلّ مواضع الورود ‪ ،‬إل في‬
‫موضعٍ واحدٍ ‪.‬‬

‫حكِيمِ‬‫ب ال ْ َ‬‫ت الْكِتَا ِ‬‫ك آيَا ُ‬‫فمثالُ المطابقة قولُه تعالى ‪ :‬ألر تِل ْ َ‬
‫ن‬ ‫ب ال ْ ُ‬
‫مبِي ِ‬ ‫ت الْكِتَا ِ‬‫ك آيَا ُ‬‫(يونس‪ ، )1:‬وقوله تعالى ‪ :‬الر تِل ْ َ‬
‫(يوسف‪ ، )1:‬وغير ذلك ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫ما ظاهر ه عد م ا لمط ابق ة ‪:‬‬

‫ذي أَنَْز َ‬ ‫َ‬


‫ل‬ ‫و ال ّ ِ‬‫ه َ‬
‫ُ‬ ‫أما الموطنُ الذي لم تتم فيه المطابق ُة ‪ ،‬فهو قوله تعالى ‪:‬‬
‫ب (آل‬ ‫م الْكِتَا ِ‬ ‫ن أ ُ ُّ‬
‫ه َّ‬
‫ت ُ‬ ‫ما ٌ‬‫حك َ َ‬
‫م ْ‬
‫ت ُ‬ ‫ه آيَا ٌ‬‫من ْ ُ‬
‫ب ِ‬‫ك الْكِتَا َ‬‫علَي ْ َ‬
‫َ‬
‫عمران‪ ، )7:‬فقد أخبر عن الجمع المؤنث (هنّ) ‪ ،‬بمفرد مؤنث (أمّ) ‪.‬‬
‫والحديث في هذه الية من ثلثة أوجه ‪- :‬‬

‫أولها ‪:‬‬
‫ن آياتِ القرآن عبارة عن معجزة‬
‫أراد بهذا التعبير أنّ الياتِ تُع ّد آيةً واحد ًة ‪ ،‬أي أ ّ‬
‫‪1‬‬
‫واحدة ‪ ،‬فاليات كأنها آية واحدة في بلغتها ودقة نظمها وإعجازها ‪ ،‬فأفرد على هذا المعنى ‪.‬‬
‫ثانيها ‪:‬‬
‫الكتفاء بالمفرد عن الجمع " كما قال علقمة الفحل ‪:‬‬

‫فَبِيضٌ وأمّا جِلدُها فَصَلِيبُ ‪.‬‬ ‫بِهَ ا جِيَفُ ا لحَس َرى فأمّ ا عِظَامُهَا‬
‫‪ 1‬ينظر ‪ :‬معالم التنزيل ‪ ، 1/278 ،‬والتبيان في إعراب القرآن ‪ ، 1/124 ،‬وإرشاد العقل السليم ‪ ، 2/7 ،‬وروح المعاني ‪. 3/180 ،‬‬
‫الصفحة ‪ 29‬من ‪142‬‬
‫‪1‬‬
‫إنما يريد جلودها فوحد ؛ لنه قد عُلم أنّه ل يكون للجماعةِ جل ٌد ‪" .‬‬
‫ثالثها ‪:‬‬
‫م‬
‫ه ْ‬
‫جلِدُو ُ‬ ‫َ‬
‫فا ْ‬ ‫ن كلّ آيةٍ من آياتِ القرآن الكريم أُمّ الكتابِ ‪ " ،‬كما قال ال تعالى ‪:‬‬
‫إّ‬
‫‪2‬‬
‫‪ ،‬أي فاجلدوا كُلّ واحد منهم "‬ ‫ن‬
‫مانِي َ‬ ‫ثَ َ‬
‫والوجه الول أولى ؛ لقوة بلغته ‪ ،‬فإن البارئَ ع ّز وجلّ قد عدل عن لفظ (أُمهات) إلى لفظ‬
‫ج َزةٌ ‪،‬‬‫ب مُع َ‬
‫ل آياتِ الكتا ِ‬
‫(أُمّ) ؛ ليبين أنّ آيات القرآن كلها تعدل آي ًة واحدةً ‪ ،‬فعلى الرغم من أنّ كُ ّ‬
‫لم يستطعْ العربُ أن يقاربوا إعجازها ‪ ،‬فكيف يأتوا بمثلها ؟ وكيف إذا كان كُلّ هذا يعدل آيةً‬
‫واحدةً ؟ فالمسألة أصعبُ ‪ ،‬والتحدي أكبرُ ‪.‬‬

‫د‪ -‬ا لمطا بقة ب ين ا لمبتد أ والخب ر تعر يفا وتن كي را ‪:‬‬

‫ل تُشترطُ المطابق ُة في التعريف والتنكير بين المبتدأ والخبر ‪ ،‬وكما هو معروف ‪ ،‬إنّ غاي َة‬
‫ل ‪ ،‬وإعلمه به ‪ ،‬فإنه يتحتم على المتكلم في أغلب الحوال أنّ‬ ‫الكلم وهدفَه إفها ُم السامع ما يجه ُ‬
‫‪3‬‬
‫يبدأ كلمَه بما يعرفهُ السام ُع ويفهمهُ ‪ ،‬وهذا ل يكون إل بالمعرفة أو ما يُجاريها ‪.‬‬
‫والصلُ في باب المبتدأ والخبر أنّ يُبتدأ بالمعرفة ‪ ،‬ويُخبر عنها بالنكرة ‪ ،‬فـ " البتداء إنما‬
‫‪4‬‬
‫هو خب ٌر ‪ ،‬وأحسنه إذا اجتمع نكرةٌ ومعرفةٌ أنّ يُبتدأ بالعرف ‪ ،‬وهو أصلُ الكلم "‬

‫يقول المبردُ ‪ " :‬فأما المبتدأ فل يكون إل معرفةً أو ما قاربَ المعرفةَ من النكرات ‪ ،‬أل ترى‬
‫ت ‪( :‬رجل قائمٌ) ‪ ،‬أو (رجلٌ ظريفٌ) ‪ ،‬لم تُفد السامعَ شيئاً ؛ لنّ هذا ل يُستنكر أن يكونَ‬
‫أنك لو قل َ‬
‫‪5‬‬
‫مثلُه كثيراً " ‪.‬‬

‫‪ 1‬الجامع لحكام القرآن ‪ ، 1/190 ،‬والبيت لعلقمة الفحل من قصيدة له يمدح فيها الحارث بن جبلة ‪ ،‬وكان أسر أخاه ‪،‬ويصف في‬
‫هذا البيت طريقه التي سلكها إلى ممدوحه ‪،‬و(الحسرى) هي (المُعيِيَة) من البل ‪ ،‬يتركها أهلُها في السفر فتموت ‪ ،‬ووصف‬
‫عظامها بالبيض ؛ لن السباع والطير أكلت لحمها فتركت عظامها متعرية ‪ ،‬و(الصليب) ‪ ،‬اليابس من الجلد الذي لم يُدبغ ‪ .‬ينظر‬
‫ديوان علقمة الفحل ‪ ، 41 – 40،‬و الكتاب ‪ ، 1/209 ،‬و المقتضب ‪. 2/173 ،‬‬
‫‪ 2‬إرشاد العقل السليم ‪ ، 2/7 ،‬والية من سورة (النور‪. )4 /‬‬

‫‪ 3‬كالنكرة الموصوفة ‪.‬‬


‫‪ 4‬الكتاب ‪. 1/328 ،‬‬
‫‪ 5‬المقتضب ‪ ، 4/127 ،‬وينظر‪ :‬الصول في النحو ‪ ، 1/63 ،‬و شرح المفصل ‪. 86-1/85 ،‬‬
‫الصفحة ‪ 30‬من ‪142‬‬
‫وقد يُطابق المبتدأ الخبرَ في التعريف ‪ ،‬جاء في كتاب الصول ‪ " :‬الثاني ‪ :‬أن يكون المبتدأ‬
‫معرفةً والخبرُ معرفة ‪ ،‬نحو‪ :‬زي ٌد أخوكَ ‪ ،‬وأنتَ تُريدُ أنه أخوه من النسب ‪ ،‬وهذا ونحوه إنما‬
‫ول يدري أنه زيدٌ‬ ‫‪000‬‬ ‫يجوز إذا كان المخاطبُ يعرف زيدًا على انفراده ول يعلم أنه أخوه‬
‫ت زيدٌ أخوكَ ‪ ،‬أي هذا الذي عرفته هو أخوكَ الذي كُنتَ علمته ‪ ،‬فتكون‬ ‫هذا ‪ ،‬فتقول له ‪ :‬أن َ‬
‫الفائدة في اجتماعهما ‪ ،‬وذلك هو الذي استفاده المخاطبُ ‪ ،‬فمتى كان الخبرُ عن المعرف ِة معرفةً ‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫فإنما الفائدة في مجموعهما "‬
‫أما الصورة الثالثة ‪ ،‬فهي مجيء المبتدأ نكرةً وكذا خبره ‪ ،‬وهذه الصورة أيضا مظهرٌ من‬
‫مظاهر المطابقة بين المبتدأ والخبر ‪ ،‬وهذا وإن كان أصله غير جائز ‪ ،‬إل أنه يجوز إذا وُجدَ‬
‫تخصيصٌ للمبتدأ النكرة ‪ " ،‬والضرب الثالث أن يكونا نكرتين ‪ ،‬كقولك ‪( :‬رجلٌ من قبيلةِ كذا‬
‫عالمٌ) ‪ ،‬والخبار بالنكرة عن النكرة غيرُ مستقيم في الصل ؛ إذ إسنا ُد المجهولِ ل نصيبَ ل ُه في‬
‫ت في تخصيصكَ (رجلٌ) ‪ ،‬بقولكَ (من‬ ‫الفادةِ ‪ ،‬فإنما تأتي النكرتان إذا وُجدَ تخصصٌ ‪ ،‬كما فعل َ‬
‫‪2‬‬
‫قبيلةِ كذا) " ‪.‬‬

‫إذن ‪ ،‬فمدارُ الحديثِ حولَ ما يجوزُ وما ل يجوزُ من تعريفِ المبتدأ والخبرِ أو تنكيرهما ‪ ،‬هو‬
‫فائدةُ السام ِع ‪ ،‬فمتى ما حصلتْ الفائدةُ ‪ ،‬جا َز الكل ُم ‪.‬‬

‫إن تطبيقَ تلك الصور التي تحدثنا عنها ‪ ،‬جاء في القرآن الكريم بنسبٍ متفاوتة ‪ ،‬فالصورة‬
‫الولى كان لها النصيب الكبر في القرآن الكريم ؛ لكونها الصلَ في هذا الباب ‪ ،‬أما الصورة‬
‫ل منهما ‪ ،‬فمثال المبتدأ المعرفة وخبره النكرة ‪ ،‬قوله‬
‫ل من الولى ‪ ،‬وأما الثالثة فأق ّ‬ ‫الثانية فهي أق ّ‬
‫ي‬
‫ه َ‬ ‫و ِ‬ ‫َ‬ ‫ن (البقرة‪ ، )11:‬وقوله تعالى ‪:‬‬ ‫حو َ‬ ‫صل ِ ُ‬‫م ْ‬ ‫ن ُ‬‫ح ُ‬ ‫تعالى ‪ :‬إِن َّ َ‬
‫ما ن َ ْ‬
‫ه‬ ‫َ‬
‫فنَادَت ْ ُ‬ ‫(البقرة‪ ، )259:‬وقوله تعالى ‪:‬‬ ‫ها‬‫ش َ‬ ‫عُرو ِ‬‫علَى ُ‬ ‫ة َ‬‫وي َ ٌ‬
‫خا ِ‬
‫َ‬
‫)‬ ‫(آل عمران‪39:‬‬ ‫ب‬
‫حَرا ِ‬ ‫في ال ْ ِ‬
‫م ْ‬ ‫صل ِّي ِ‬
‫م يُ َ‬ ‫و َ‬
‫قائ ِ ٌ‬ ‫ه َ‬
‫و ُ‬
‫ة َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ملئِك َ ُ‬
‫‪.‬‬
‫ب‬‫وا ُ‬ ‫وأَنَا الت َّ َّ‬ ‫أما مثال تطابق المبتدأ و الخبر تعريفًا ‪ ،‬فنحو قوله تعالى ‪َ :‬‬
‫م‬‫ه ُ‬
‫ف ُ‬ ‫ت َ‬ ‫م َّ‬
‫ن ِ‬ ‫فإ ِ ْ‬‫م (البقرة‪ ، )160:‬وقوله تعالى ‪ :‬أ َ َ‬ ‫حي ُ‬‫الَّر ِ‬
‫ن‬
‫غالِبُو َ‬ ‫م ال ْ َ‬‫ه ُ‬
‫ف ُ‬‫ن (النبياء‪ ، )34:‬وقوله تعالى ‪ :‬أ َ َ‬ ‫خالِدُو َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫(النبياء‪.)44:‬‬

‫‪ 1‬الصول في النحو ‪ ، 1/71 ،‬وينظر ‪ :‬شرح المفصل ‪ ، 1/98 ،‬ويقصد بقوله (الثاني) ‪ ،‬أي من أحوال المبتدأ والخبر في التعريف‬
‫والتنكير ‪.‬‬
‫‪ 2‬المقتصد في شرح اليضاح ‪. 1/308 ،‬‬
‫الصفحة ‪ 31‬من ‪142‬‬
‫ه كَبِيٌر‬
‫في ِ‬ ‫قتَا ٌ‬
‫ل ِ‬ ‫ل ِ‬ ‫ق ْ‬‫ُ‬ ‫وأما مثال تطابق المبتدأ والخبر تنكيراً فنحو قوله تعالى ‪:‬‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫ق ْ‬
‫ل‬ ‫ه (البقرة‪ ، )217:‬وقوله تعالـــى ‪:‬‬ ‫ل الل ّ ِ‬
‫سبِي ِ‬‫ن َ‬ ‫ع ْ‬‫صدٌّ َ‬
‫و َ‬ ‫َ‬
‫(البقرة‪)220:‬‬ ‫خيٌْر‬
‫م َ‬ ‫ح لَ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫صل ٌ‬ ‫إِ ْ‬
‫‪1‬‬

‫ثا نيا ‪ :‬المب تدأ ا لذ ي ل ه ف اعلٌ ي سدُ مسدّ الخب ر‪:‬‬

‫لقد اعترض بعضُ الدارسين على جعل هذا التركيب من باب المبتدأ والخبر ‪ ،‬قال الدكتور‬
‫مهدي المخزومي ‪ " :‬أما قولنا ‪ :‬أقائ ٌم الرجلن ؟ أو قائ ٌم الرجلن ‪ ،‬فرفع ُه ل يعني شيئاً ‪ ،‬ول‬
‫ع على البتداء‬ ‫ل بأنه مرفو ٌ‬
‫دللةَ ل ُه على معنىً إعرابي يقتضي الرف َع ‪ ،‬ولهذا كان من السخفِ القو ُ‬
‫‪2‬‬
‫‪ ،‬كما زعم البصريون ‪ ،‬وأنه مبتدأ سدّ فاعلُ ُه مسدّ خبرهِ " ‪.‬‬

‫ورأي الدكتور المخزومي أتى من العتقاد بأن صيغة (فاعل) فعليةٌ في اللفظ والمعنى ‪ ،‬وهذه‬
‫‪3‬‬
‫الصيغة وإن وقعت في سياق النفي أو الستفهام ‪ ،‬فإنّ كنهها وحقيقتها ل تتغير ول تتبدل ‪ ،‬ومن‬
‫هذا المنطلق تحامل الدكتور المخزومي على البصريين ؛ لنهم لم يعدوا هذه الصيغة ضمن أبنية‬
‫‪4‬‬
‫الفعال ‪.‬‬

‫ول نؤيدُ ما ذهبَ إليه ‪ ،‬فالكوفيون كما ذكر النحاةُ ل يختلفون مع البصريين في أصل المسألة‬
‫ن عقيل ‪ " :‬ومذهب البصريين‬ ‫‪ ،‬لكون الوصف مبتدأ ‪ ،‬والمرفوع فاعلً يس ُد مسدّ الخبر ‪ ،‬يقول اب ُ‬
‫‪ -‬إل الخفش ‪ -‬أن هذا الوصف ل يكون مبتدأ ‪ ،‬إل إذا اعتمد على نفي أو استفهام ‪ ،‬وذهب‬
‫الخفشُ والكوفيون إلى عدم اشتراط ذلك ‪ ،‬فأجازوا (قائمٌ الزيدان) ‪ ،‬فقائم ‪ :‬مبتدأ ‪ ،‬والزيدان ‪:‬‬
‫‪5‬‬
‫ل سدّ مس ّد الخبر " ‪.‬‬
‫فاع ٌ‬

‫‪225‬‬ ‫‪ 1‬ينظر ‪ :‬دراسات لسلوب القرآن الكريم ‪/ 8 ،‬‬


‫‪ 2‬في النحو العربي نقد وتوجيه ‪.140-139 ،‬‬
‫‪ 3‬المصدر نفسه ‪. 119 ،‬‬
‫‪ 4‬المصدر نفسه ‪. 151 ،‬‬
‫‪ 5‬شرح ابن عقيل ‪. 193-1/192 ،‬‬
‫الصفحة ‪ 32‬من ‪142‬‬
‫إذن ‪ ،‬فالخلفُ بين الفريقين في شكلِ التركيب هل يعتمدُ ؟ أو ل يعتم ُد ؟ ‪ ،‬أمرٌ آخرٌ ‪ ،‬أل‬
‫وهو لحاق التنوين لهذه الصيغة ‪ ،‬فمن الصعوبة بمكان إلحاق هذه الصيغة بالفعال ‪ ،‬والتنوين‬
‫داخلٌ عليها ‪ ،‬أي إخراجُ هذا التركيب من نطاق الجملة السمية إلى نطاق الجملة الفعلية ‪.‬‬

‫وهذا النوع من المبتدأ يُطابق مرفوعَهُ في التذكير والتأنيث ‪ ،‬جاء في الكتاب ‪ " :‬فإن بدأتَ‬
‫ك؟‪،‬‬ ‫ك ‪ :‬أذاهبةٌ جاريتا َ‬
‫بنعتٍ بمؤنثٍ فهو يجري مجرى المذكر ‪ ،‬إل أنكَ تُدخل الها َء ‪ ،‬وذلك قول َ‬
‫و أكريمةٌ نساؤكم ؟ ‪ ،‬فصارت الها ُء في السماء بمنزلة التاء في الفعل إذا قلتَ ‪ :‬قالت نســاؤكم‬
‫‪1‬‬
‫وذهبت جاريتاكَ " ‪.‬‬
‫أما المطابقةُ في الفرادُ وفرعيه ‪ ،‬فقد يتطابق المرفوعُ ووصفُهُ ‪ ،‬وقد ل يتطابقان ‪ ،‬وذلك‬
‫على النحو التي ‪:‬‬

‫‪ -‬ا لو صف ُ مفرد ٌ ومرف وعُه ُ مفردٌ ‪:‬‬ ‫‪1‬‬


‫ف مع مرفوعهِ إفراداً ‪ ،‬وذلكَ نحو قولنا ‪( :‬أذاهبٌ زيدٌ) ‪( ،‬وأذاهب ٌة هندٌ) ‪ ،‬وهذا‬
‫يتطابق الوص ُ‬
‫التطابقُ يؤدي إلى جواز نوعين من العراب ‪ ،‬الول منهما يكون الوصفُ فيه مبتدأ و ما بعده‬
‫‪2‬‬
‫فاعلً يسد مسد الخبر ‪ ،‬أما الثاني ‪ ،‬فيكون فيه الوصفُ خبراً مقدماً ‪ ،‬والمرفوعُ مبتدأ مؤخراً ‪.‬‬

‫‪ -‬ال وص فُ مثنىً ومر فو عهُ مثنىً ‪:‬‬ ‫‪2‬‬


‫وذلك نحو قولنا ‪( :‬أذاهبان العمران) ‪.‬‬

‫‪ -‬ال وص فُ جمعٌ ومر فو عهُ جم عٌ ‪:‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ 1‬الكتاب ‪. 2/36 ،‬‬


‫‪ 2‬ينظر ‪ :‬الفوائد الضيائية ‪ ، 1/278 ،‬وشرح الشموني ‪. 193-1/192 ،‬‬
‫الصفحة ‪ 33‬من ‪142‬‬
‫كقولنا ‪( :‬أذاهبون العمرون ) ‪ ،‬وفي هذه الحالة والتي قبلها يكون الوصفُ خبراً مقدمًا‬
‫ومرفوعُهُ مبتدأ مؤخراً " هذا على المشهور من لغة العرب ‪ ،‬ويجوز على لغة أكلوني البراغيث ‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫ف مبتدأ وما بعده فاعلٌ أغنى عن الخبر " ‪.‬‬
‫أن يكون الوص ُ‬

‫ع في الفراد وفرعيه ‪ ،‬فقد يجئ الوصفُ مفرداً و مرفوعُهُ‬ ‫وقد ل يتطابق الوصفُ والمرفو ُ‬
‫مثنىً أو مجموعًا ‪ ،‬وذلك نحو قولنا ‪ ( :‬أقائ ٌم أخواكَ) ‪ ،‬و (أقائمٌ اخو ُتكَ) ‪ ،‬وفي هذه الحالة يُعرب‬
‫الوصفُ مبتدأ و مرفوعه فاعل له يسد مسد الخبر ل غيرُ ؛ لننا لو حملنا هذا التركيب على‬
‫التقديم والتأخير ‪ ،‬لل َز َمنَا ذلك ‪ ،‬الخبارَ عن المثنى والجم ِع بالمفرد ‪ ،‬وهذا ل يجوز ‪.‬‬
‫إن سبب جواز حالة عدم التطابق ؛ هو النظر إلى هذا التركيب من زاوية المعنى ‪ ،‬يقول ابنُ‬
‫ن قولَهم ‪ ( :‬أقائمٌ الزيدان ) إنما أفاد نظراً إلى المعنى ‪ ،‬إذ المعنى ( أيقومُ‬
‫يعيش ‪ " :‬وأعلمْ أ ّ‬
‫‪2‬‬
‫الزيدان) " ‪ ،‬فالمعنى معنىً فعلي ‪.‬‬
‫وورد هذا التركيب في القرآن الكريم في آياتٍ قليلةٍ ‪ ،‬وذلك في قوله تعالى ‪:‬‬
‫(يونس‪ ، )53:‬وإن كان (حقٌ) ليس وصفاً ‪ ،‬إل إنه‬ ‫هو‬‫ق ُ‬‫ح ٌّ‬ ‫ويستَنْبئُون َ َ َ‬
‫كأ َ‬ ‫َ َ ْ ِ‬
‫َ‬ ‫‪3‬‬
‫مبتدأ ‪ ،‬و (هو) مرفوع‬ ‫هو‬ ‫ح ٌّ‬
‫ق ُ‬ ‫أ َ‬ ‫بمعنى (ثابت) ‪ ،‬يقول العكبري ‪ " :‬وقوله تعالى ‪:‬‬
‫‪4‬‬
‫به ‪ ،‬ويجوز أن يكون (هو) و (أحقٌ) الخبر " وهذا العراب على ما مرّ بنا من جواز‬
‫‪5‬‬
‫الوجهين ‪ ،‬لكون المبتدأ ووصفه مفردين ‪ ،‬ونحن نلحظ أن المطابقة قد تمت بين الوصف‬
‫ومرفوعه إفراداً وتذكيراً ‪.‬‬

‫م‬ ‫َ‬ ‫ل أََرا ِ‬ ‫َ‬


‫قا َ‬
‫هي ُ‬
‫هتِي يَا إِبَْرا ِ‬
‫ن آل ِ َ‬
‫ع ْ‬
‫ت َ‬
‫ب أن ْ َ‬
‫غ ٌ‬ ‫وقال تعالى ‪:‬‬
‫(مريم‪ ، )46:‬وقد تطابق الوصفُ (راغبٌ) مع مرفوع ِه (أنتَ) إفراداً وتذكيراً ‪ ،‬وإعرابُ‬
‫ل يسد مسد الخبر ‪ ،‬ل على التقديم‬ ‫هذه الية ‪ ،‬يكون بجعل الوصفِ مبتدأ ‪ ،‬والمرفوعِ فاع ً‬
‫ل بين العامل (أراغبٌ) ‪،‬‬ ‫والتأخير ؛ ذلك لن الصل عد ُم التقديم والتأخير ‪ ،‬ولو قلنا به للزم الفص ُ‬
‫ومعموله (عن آلهتي) ‪ ،‬بأجنبي (أنتَ) ‪ ،‬فـ (أنتَ) مبتدأ مؤخر ‪ ،‬و (راغبٌ) ‪ ،‬خبر مقدم ‪ ،‬ول‬

‫‪ 1‬شرح ابن عقيل ‪ ، 1/199 ،‬وينظر ‪ :‬معاني النحو ‪. 1/179 ،‬‬


‫‪ 2‬شرح المفصل ‪. 1/96 ،‬‬

‫‪3‬ينظر ‪ :‬روح المعاني ‪ ، 11/135 ،‬ودراسات لسلوب القرآن الكريم ‪. 8/223 ،‬‬
‫‪4‬التبيان في إعراب القرآن ‪ ، 2/29 ،‬وينظر ‪ :‬الجامع لحكام القرآن ‪8/351 ،‬‬
‫‪ 5‬ينظر ‪ :‬ص ( ‪ ) 26‬من البحث ‪.‬‬
‫الصفحة ‪ 34‬من ‪142‬‬
‫عملَ للخبر على المبتدأ ‪ ،‬وبذلك يكون (أنتَ) فاصلً بين العامل (أراغبٌ) ‪ ،‬ومعموله (عن آلهتي)‬
‫‪1‬‬
‫‪ ،‬بخلف لو قلنا بالفاعلية ‪.‬‬

‫ة أَ ْ‬
‫هلَكْنَا َ َ‬
‫ن‬
‫عو َ‬
‫ج ُ‬
‫م ل يَْر ِ‬ ‫ها أن َّ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫علَى َ‬
‫قْري َ ٍ‬ ‫م َ‬
‫حَرا ٌ‬
‫و َ‬
‫َ‬ ‫وقال تعالى ‪:‬‬
‫‪2‬‬
‫(النبياء‪ ، )95:‬فـ (حرامٌ) مبتدأ ‪ ،‬و(أنهم ل يرجعون) فاعل يسد مسد الخبر‪ ،‬والمعنى‬
‫‪3‬‬
‫"ممتنع رجوعهم إلى الدنيا" ‪ ،‬ولم يتخالف الوصفُ ومرفوعُهُ ‪ ،‬فـ (الرجوع) مصدرٌ يستوي فيه‬
‫ب‬‫ري ٌ‬ ‫ري أ َ َ‬
‫ق ِ‬
‫َ‬
‫ن أدْ ِ‬
‫ل إِ ْ‬ ‫ُ‬
‫ق ْ‬ ‫المذكرُ والمؤنثُ والمفردُ والمثنى والجمعُ ‪ .‬وقال تعالى ‪:‬‬
‫مداً (الجِن‪، )25:‬فـ (قريبٌ) مبتدأ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه َربِّي أ َ‬ ‫ل لَ ُ‬‫ع ُ‬
‫ج َ‬
‫م يَ ْ‬‫نأ ْ‬ ‫عدُو َ‬‫ما تُو َ‬ ‫َ‬
‫‪4‬‬
‫و(ما) مرفوعٌ به يسد مسد الخبر ‪ ،‬وقد تطابق الوصفُ والمرفوعُ إفراداً وتذكيراً ‪ ،‬ويجوز‬
‫‪5‬‬
‫إعرابُ الية على التقديم والتأخير ‪ ،‬إل أن ما ذكرناه أولى ؛ لنه الصل ‪.‬‬

‫ت التي ورد فيها هذا التركيبُ ‪ ،‬جاءت من نوع واحد ‪ ،‬وهو‬ ‫من كلّ ما تقدم ‪ ،‬نجد أنّ اليا ِ‬
‫إفرادُ الوصفِ ومرفوعِهِ وتذكيرهما‪ ،‬وقد لحظنا أنّ المطابقةَ قد تمت بينهما في كلّ المواطنِ ‪.‬‬

‫إذ ا كا ن أف عل ال تف ضيل خبرا ‪:‬‬

‫يُعرفُ العلماءُ أفعل التفضيل بأنّ ُه ‪ " :‬الصفة الدالة على المشاركة وزيادة ‪ ،‬نحو ‪ :‬أفضل‬
‫وأعلم وأكثر "‪. 6‬‬

‫ينظر ‪ :‬مشكل إعراب القرآن ‪ ، 2/456 ،‬والبحر المحيط ‪ ، 7/270 ،‬وشرح ابن عقيل ‪ ، 1/197 ،‬و أضواء البيان ‪429-3/438 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪.‬‬
‫‪ 2‬ينظر ‪ :‬التبيان في إعراب القرآن ‪. 2/137 ،‬‬
‫‪ 3‬المصدر نفسه ‪ ، 2/137 ،‬وينظر ‪ :‬إرشاد العقل السليم ‪ ، 85-6/84 ،‬و فتح القدير ‪ ، 3/426 ،‬و روح المعاني ‪. 17/91 ،‬‬

‫‪ 4‬ينظر ‪ :‬مشكل إعراب القرآن ‪. 2/765 ،‬‬


‫‪ 5‬ينظر ‪ :‬فتح القدير ‪ ، 5/311 ،‬ودراسات لسلوب القرآن الكريم ‪. 8/224 ،‬‬
‫‪ 6‬شرح قطر الندى ‪. 280 ،‬‬
‫الصفحة ‪ 35‬من ‪142‬‬
‫ت ثلثٌ يأتي بها في تركيب الكلم ‪ ،‬فيأتي مجردًا من الضافة و من‬ ‫ولفعل التفضيل حال ٌ‬
‫اللف واللم ‪ ،‬ويأتي مضافًا ‪ ،‬ويأتي محلى باللف واللم‪ ، 1‬ويأتي أفعل التفضيل خبراً في تركيب‬
‫الكلم ‪ ،‬فمرة يكون خبرًا عن مفرد مذكر ‪ ،‬أو مؤنث ‪ ،‬ومرة يكون خبراً عن مثنىً مذكرٍ ‪ ،‬أو‬
‫مؤنث ‪ ،‬ومرة يكون خبراً عن جمع مذكر ‪ ،‬أو مؤنث ‪ ،‬ومجيء أفعل التفضيل خبراً في تركيب‬
‫الكلم يدخل في موضوع المطابقة بين المبتدأ والخبر ‪.‬‬

‫أ ولً – إذ ا كان أفع ل ا لتف ضيل الخ بر مجر دا ع ن ال ضاف ة و ال لف وا للم ‪:‬‬

‫فإذا جاء أفعل التفضيل مجرداً عن الضافة واللف واللم ‪َ ،‬لزِمَ الفرا َد والتذكيرَ ‪ ،‬أي‬
‫ن عقيل ‪ " :‬ويلزمُ أفعل التفضيل المجرد الفرادَ‬ ‫مخالفة المبتدأ في العدد والجنس ‪ ،‬يقولُ اب ُ‬
‫ل ‪ ( :‬زي ٌد أفضلُ من عمروٍ ‪ ،‬والزيدان أفضلُ من عمروٍ والزيدون أفضلُ من‬ ‫والتذكيرَ " ‪ ، 2‬فنقو ُ‬
‫عمروٍ ‪ ،‬وهندٌ أفضلُ من زينب ‪ ،‬والهندان أفضلُ من زينب ‪ ،‬والهنداتُ أفضلُ من زينب ) ‪،‬‬
‫ل ‪ " :‬قد تقدم القولُ أن أفعل‬ ‫ويعللُ ابن يعيشٍ هذا الفرادَ والتذكير مع غير المفرد المذكر فيقو ُ‬
‫منك موضوعٌ للتفضيل ‪ ،‬وهو بمنزلة الفعل ‪ ،‬إذ كان عبارة عنه ‪ ،‬ودالً على المصدر والزيادة ‪،‬‬
‫كدللة الفعل على المصدر والزمان ‪ ،‬فمنع التعريف ‪ ،‬كما ل يكون الفعل معرفًا ‪ ،‬ومنع التثنية‬
‫والجمع ‪ ،‬كما ل يكون الفعل مثنىً ول مجموعًا ‪ ،‬وكذلك ل يجوز تأنيثه ‪ ،‬إنما تقولُ ‪ ( :‬هندٌ‬
‫ك ) من غير تأنيث ‪ ،‬وذلك لن التقدير ( هن ٌد يزيدُ فضلها على فضلك ) فكان أفعل ينتظمُ‬ ‫أفضلُ من َ‬
‫معنى الفعل والمصدر ‪ ،‬وكل واحد من الفعل والمصدر مذك ٌر ل طريقَ إلى تأنيثه "‪. 3‬‬

‫ح ُّ‬
‫ق‬ ‫َ‬ ‫وقد جاء من نحو هذا التركيب في القرآن الكريم ‪ ،‬قال تعالى ‪ [:‬لَ َ‬
‫هادَتُنَ ا أ َ‬ ‫ش َ‬
‫ف‬ ‫س ُ‬ ‫قالُوا لَيُو ُ‬ ‫ما (المائدة‪ ، )107:‬وقال تعالى ‪ :‬إِذْ َ‬ ‫ه َ‬‫هادَت ِ ِ‬ ‫ش َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫خو َ‬ ‫َ‬
‫ول َ ْ‬
‫م‬ ‫منَّا (يوسف‪ ، )8:‬وقال تعالى ‪ َ :‬أ َ‬ ‫ب إِلَى أبِينَا ِ‬ ‫ح ُّ‬ ‫هأ َ‬ ‫وأ ُ ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ض َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ة ال ِ‬ ‫قب َ ُ‬ ‫عا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ف كا َ‬ ‫فيَنْظُروا كي ْ َ‬ ‫في ا َلْر ِ‬ ‫سيُروا ِ‬ ‫يَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وأثَاُروا اْلْر‬ ‫َ‬
‫ها أكْثََر‬ ‫مُرو َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬‫و َ‬‫َ‬ ‫ض‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫وةً‬‫ق َّ‬ ‫م ُ‬ ‫ْ‬ ‫ه‬
‫من ْ ُ‬‫دَ ِ‬ ‫ش ّ‬‫م كَانُوا أ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫قبْل ِ ِ‬ ‫َ‬
‫َّ‬
‫ه‬
‫ن الل ُ‬ ‫ما كَا َ‬ ‫ف َ‬‫ت َ‬ ‫م بِالْبَيِّنَا ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫سل ُ ُ‬ ‫م ُر ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫جاءَت ْ ُ‬ ‫و َ‬ ‫ها َ‬ ‫مُرو َ‬ ‫ع َ‬ ‫ما َ‬ ‫م َّ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ن (الروم‪ ، )9:‬وقال جلّ‬ ‫مو َ‬ ‫م يَظْل ِ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫س ُ‬ ‫ف َ‬ ‫ن كَانُوا أن ْ ُ‬ ‫ولَك ِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫م ُ‬ ‫لِيَظْل ِ َ‬
‫ت‬‫قيَا ُ‬ ‫والْبَا ِ‬ ‫دنْيَا َ‬ ‫ة ال ُّ‬‫حيَا ِ‬ ‫ة ال ْ َ‬ ‫زين َ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬‫والْبَنُو َ‬ ‫ل َ‬ ‫ما ُ‬ ‫وعل ‪ :‬ال ْ َ‬
‫َ‬
‫ملً (الكهف‪ ، )46:‬فنحنُ‬ ‫خيٌْر أ َ‬ ‫و َ‬‫وابا ً َ‬ ‫ك ثَ َ‬ ‫عنْدَ َرب ِّ َ‬ ‫خيٌْر ِ‬ ‫ت َ‬ ‫حا ُ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫ال َّ‬
‫‪ 1‬شرح ابن عقيل ‪. 176 / 2 ،‬‬

‫‪ 2‬شرح ابن عقيل ‪. 178 / 2 ،‬‬


‫‪ 3‬شرح المفصل ‪ ، 96 / 6 ،‬وينظر ‪ :‬اليضاح في شرح المفصل ‪. 656 / 1 ،‬‬

‫الصفحة ‪ 36‬من ‪142‬‬


‫ظ أنّ أفعل التفضيل جاء بصيغة واحدة ‪ ،‬وهي الفراد والتذكير ‪ ،‬على الرغم من مجيئه خبراً‬ ‫نلح ُ‬
‫عن مفرد مؤنث ( شهادتنا ) ‪ ،‬وعن مثنىً مذكر ( يوسف وأخوه ) ‪ ،‬وعن جمع مذكر ‪ ،‬الضمير‬
‫من ( كانوا ) ‪ ،‬وعن جمع مؤنث ( الباقيات ) ‪ ،‬وهذه الحالة ل تعنينا في دراستنا ‪.‬‬

‫ثا نيا – إ ذا كا ن أ فع ل الت فضي ل الخب ر مضافا ‪:‬‬

‫أ – إذ ا كا ن مضا فا إل ى م عرف ة ‪:‬‬

‫إذا أُضيف أفعل التفضيل إلى معرفة ‪ ،‬جاز فيه المطابقة وعدمها ‪ ،‬جاء في شرح المفصل ‪" :‬‬
‫( فأما إذا أُضيف ساغ المران ) الفراد في كلّ حالٍ ‪ ،‬تقولُ ‪ :‬زي ٌد أفضلكم ‪ ،‬والزيدان أفضلكم ‪،‬‬
‫والزيدون أفضلكم ‪،‬وتقول في المؤنث ‪ :‬هن ٌد أفضلكم ‪ ،‬والهندان أفضلكم ‪ ،‬والهنداتُ أفضلكم ‪،‬‬
‫ش هذا الجوازَ وعدمه بقوله ‪" :‬‬ ‫ن يعي ٍ‬ ‫والتثنية والجمع إذا وقع على مثنىً او مجموع "‪ ، 1‬ويعللُ اب ُ‬
‫ف واللمَ ‪ ،‬وتجري مجراها ‪ ،‬فكما‬ ‫وإنما جاز المران في ما أُضيف ؛ لنّ الضافة تعاقبُ الل َ‬
‫ل مع الضافة التي هي بمنزلة ما فيه اللف‬ ‫أ ّنكَ تؤنثُ وتثني وتجمع مع اللف واللم ‪ ،‬كذلك تفع ُ‬
‫ك إذا أضفته كان بعض ما تضيفه إليه ‪ ،‬تقولُ ‪ :‬حماركَ خيرُ‬ ‫واللم ‪ ،‬وأمّا علّة الفراد ‪ ،‬فل ّن َ‬
‫ك أفضلُ الناس ‪ ،‬ل ْم يجزْ ؛ لنّهُ ليس منهم ‪،‬‬ ‫ت ‪ :‬حمار َ‬ ‫الحمير ‪ ،‬لنّ الحمار بعض الحمير ‪ ،‬ولو قل َ‬
‫ن الغرض تفضيل الشيء على جنسه ‪ ،‬وإذا كان كذلك ‪ ،‬فهو مضارعٌ للبعض ‪ ،‬الذي يقعُ‬ ‫لّ‬
‫للمذكر والمؤنث والتثنية والجمع بلفظ واحد ‪ ،‬فل ْم يُثنّ ولمْ يُجم ْع ‪ ،‬ولمْ يُونثْ ‪ ،‬كما أنّ البعضَ‬
‫‪2‬‬
‫كذلك "‬

‫لقد استعمل النظمُ القرآني هذا التركيب مطابقًا وغير مطابقٍ ‪ ،‬فمثاله مطابقاً ‪ ،‬قوله تعالى ‪:‬‬
‫د‬
‫ه ُ‬‫ش ِ‬ ‫دُنْيَا َ‬
‫وي ُ ْ‬ ‫ة ال ّ‬ ‫حيَا ِ‬ ‫في ال ْ َ‬ ‫ه ِ‬ ‫ول ُ ُ‬‫ق ْ‬ ‫ك َ‬ ‫جب ُ َ‬ ‫ع ِ‬
‫ن يُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫س َ‬
‫ِ‬ ‫ن النَّا‬‫م َ‬ ‫و ِ‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫صام (البقرة‪ ، )204:‬وقوله‬ ‫خ َ ِ‬ ‫د ال ْ ِ‬ ‫و أل َ ُّ‬ ‫ه َ‬ ‫و ُ‬ ‫ه َ‬ ‫قلْب ِ ِ‬‫في َ‬ ‫ما ِ‬ ‫علَى َ‬ ‫ه َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن (آل‬ ‫ري َ‬ ‫ماك ِ ِ‬ ‫خيُْر ال ْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫والل ّ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫مكََر الل ّ ُ‬ ‫مكَُروا َ‬
‫و َ‬ ‫و َ‬ ‫تعالى ‪َ :‬‬
‫ل ائْتُونِي‬ ‫قا َ‬ ‫م َ‬‫ه ْ‬ ‫ز ِ‬
‫ِ‬ ‫ها‬ ‫ج َ‬‫م بِ َ‬ ‫ه ْ‬‫هَز ُ‬ ‫ج َّ‬ ‫ما َ‬ ‫ول َ َّ‬‫َ‬ ‫عمران‪ ، )54:‬وقوله تعالى ‪:‬‬
‫خيُْر‬
‫وأنَا َ‬‫َ‬ ‫في الْكَي ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫بأ َخ لَك ُم من أَبيك ُ َ‬
‫ل َ‬ ‫ن أنِّي أو ِ‬ ‫و َ‬ ‫م أل تََر ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ِ ْ ِ‬ ‫ِ ٍ‬
‫ن (يوسف‪ ، )59:‬وغير ذلك ‪ ،‬وإنّ أغلب ما ورد من أفعل التفضيل الخبر‬
‫‪3‬‬
‫زلِي َ‬‫من ْ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫المضاف إلى معرفة ‪ ،‬هو خبرٌ عن مفر ٍد مذكرٍ‪.‬‬
‫ْ‬ ‫فروا من أ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ‬
‫ب‬
‫ِ‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫ت‬‫ِ‬ ‫ك‬ ‫ال‬ ‫ل‬
‫ِ‬ ‫ه‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ذي‬
‫ِ‬ ‫ن ال‬
‫وأمّا مثاله غير مطابق ‪ ،‬قوله تعالى ‪ :‬إ ِ ّ‬
‫ُ‬
‫شُّر‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ك ُ‬ ‫ها أولَئ ِ َ‬ ‫في َ‬ ‫ن ِ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫م َ‬‫هن َّ َ‬
‫ج َ‬
‫ر َ‬
‫ِ‬ ‫في نَا‬ ‫ن ِ‬‫ركِي َ‬
‫ِ‬ ‫ش‬‫م ْ‬ ‫وال ْ ُ‬‫َ‬
‫َ‬
‫ملُوا‬ ‫ع ِ‬‫و َ‬ ‫منُوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬‫ة (البينة‪ ، )6:‬وقوله تعالى ‪ :‬إ ِ َّ‬ ‫الْب َ ِ‬
‫ري َّ ِ‬
‫‪ 1‬شرح المفصل ‪ ، 96 / 6 ،‬وينظر ‪ :‬اليضاح في شرح المفصل ‪ ، 656 / 1 ،‬وشرح ابن عقيل ‪. 181 / 2 ،‬‬
‫‪ 2‬المصدر نفسه ‪ ، 96 / 6 ،‬وينظر ‪ :‬اليضاح في شرح المفصل ‪ ، 657 – 656 / 1 ،‬وشرح ابن عقيل ‪181 / 2 ،‬‬
‫‪ 3‬ينظر ‪ ( ، :‬النعام ‪ ( ، ) 62 /‬العراف ‪ ( ، ) 151 /‬يوسف ‪. ) 64 /‬‬

‫الصفحة ‪ 37‬من ‪142‬‬


‫ة (البينة‪ ، )7:‬وإنّ مواطن المطابقة‬ ‫خيُْر الْب َ ِ‬
‫ري َّ ِ‬ ‫م َ‬
‫ه ْ‬ ‫ت أُولَئ ِ َ‬
‫ك ُ‬ ‫حا ِ‬ ‫ال َّ‬
‫صال ِ َ‬
‫‪1‬‬
‫من مثل هذا التركيب في القرآن الكريم بلغت أضعاف مواطن المخالفة ‪.‬‬

‫ب – إذ ا ك ان أفع ل ال تف ضيل الخ بر مضافا إ لى نك رة ‪:‬‬

‫فإذا أضيف أفعل التفضيل إلى نكرة ‪ ،‬وجب عدم المطابقة ‪ ،‬يقول ابنُ هشام ‪ " :‬الثاني ‪ :‬ما‬
‫ل وهو نوعان ‪ :‬أحدهما المجرد من‬ ‫ب فيه أن ل يُطابق ‪ ،‬بل يكون مفرداً مذكراً على كلّ حا ٍ‬
‫يج ُ‬
‫أل والضافة ‪ ، 000 ،‬والثاني المضاف إلى نكرة ‪ ،‬تقولُ زي ٌد أفضلُ رجلٍ ‪ ،‬والزيدان أفضلُ‬
‫رجلين ‪ ، 2" 000‬وقد ورد مثلُ هذا التركيب في القرآن الكريم ‪ ،‬قال تعالى ‪ :‬انْظُْر‬
‫خر ُ َ‬ ‫ف َّ‬
‫ت‬ ‫ة أكْبَُر دََر َ‬
‫جا ٍ‬ ‫ولَْل ِ َ‬‫ض َ‬ ‫ع ٍ‬ ‫علَى ب َ ْ‬
‫م َ‬
‫ه ْ‬
‫ض ُ‬ ‫ضلْنَا ب َ ْ‬
‫ع َ‬ ‫ف َ‬‫كَي ْ َ‬
‫ضيلً (السراء‪ ، )21:‬ول تعنينا هذه الحالة ‪ ،‬لنها ل تدخل ضمن‬ ‫ف ِ‬ ‫وأَكْبَُر ت َ ْ‬
‫َ‬
‫مظهر المطابقة ‪.‬‬

‫ثالثا – إ ذا كا ن أف عل الت فضيل الخب ر محل ى ب ال لف وا للم ‪:‬‬

‫فإذا جاء أفعــل التفضيــل محلى باللف واللم ‪ ،‬وجــب فيــه مطابقتــه لمــا قبله فــي العدد وفــي‬
‫الجنـس ‪ ،‬جاء فـي شرح المفصـل ‪ ( " :‬فأمـا إذا دخلت اللف واللم ) نحـو ‪ :‬زي ٌد الفضلُ ‪ ،‬خرج‬
‫عن أن يكون بمعنى الفعل ‪ ،‬وصار بمعنى الفاعل ( واستغنى عن من والضافة ) وعلم أنّهُ قد بان‬
‫بالفضــل فحينئ ٍذ يؤنــث إذا أريــد بــه المؤنــث ‪ ،‬ويثنــى ويُجمــع ‪ ،‬فتقول ‪ :‬زيدٌ الفضلُ ‪ ،‬والزيدان‬
‫الفضلن ‪ ،‬والزيدون الفضلون والفاضـــــل ‪ ،‬وهنـــــد الفضلى ‪ ،‬والهندان الفضليان ‪ ،‬والهندات‬
‫عرّفَ باللفِ واللم ‪ ،‬أُنثَ وثُني وجُمع ؛‬ ‫الفضلياتُ والفُضلُ "‪ ، 3‬جاء في كتاب اليضاح ‪ " :‬فإذا ُ‬
‫لنّ تعريفـه باللم أخرجـه عـن شبـه الفعليـة ‪ ،‬فجرى على طبـق مـا هـو له مـن التأنيـث والتثنيـة‬
‫والجمع "‪. 4‬‬

‫علَى‬ ‫ت اْل َ ْ‬ ‫ف إن َِِّ َ َ‬ ‫قلْن َِِا ل ت َ َ‬ ‫فمثاله مفرداً مذكرًا قوله تعالى ‪ُ :‬‬
‫ك أ ن ِِْ َ‬ ‫خ ِِْ ِ‬
‫(طِه‪ ، )68:‬ولم يأ تِ في القرآن الكريم أفعل التفضيل الخبر مفرداً مؤنثاً ‪ ،‬أو مثنىً مذكراً أو‬
‫حَزنُوا‬ ‫ول ت َ ْ‬ ‫هنُوا َ‬ ‫ول ت َ ِ‬ ‫َ‬ ‫مثنىً مؤنثاً ‪ ،‬وأمّــا مثاله جمعًا مذكراً ‪ ،‬فنحـــو قوله تعالى ‪:‬‬
‫م اْل َ ْ‬ ‫َ‬
‫ن (آل عمران‪ ، )139:‬وقوله‬ ‫منِي َِ‬ ‫ؤ ِ‬‫م ْ‬
‫م ُ‬ ‫ن كُنْت ُِ ْ‬‫ن إ ِِ ْ‬ ‫عل َ ْ‬
‫و َِ‬ ‫وأنْت ُِ ُ‬‫َ‬
‫ن (هود‪، )22:‬‬ ‫َ‬
‫م اْل ْ‬ ‫في اْل ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سُرو َ‬ ‫خ َ‬ ‫ه ُ‬‫ة ُ‬ ‫خَر ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫م أن ّ ُ‬ ‫جَر َ‬ ‫تعالى ‪ :‬ل َ‬
‫‪5‬‬
‫ولم يرد في القرآن الكريم أفعل التفضيل الخبر جمعًا مؤنثاً ‪.‬‬
‫‪ 1‬ينظر ‪ :‬دراسات لُسلوب القرآن الكريم ‪. 219– 212 / 4 ،‬‬
‫‪ 2‬شرح شذور الذهب ‪ ، 417– 416 ،‬وينظر ‪ :‬شرح قطر الندى ‪ ، 281 ،‬وشرح ابن عقيل ‪. 178 / 2 ،‬‬
‫‪ 3‬شرح المفصل ‪. 96 / 6 ،‬‬

‫‪ 4‬اليضاح في شرح المفصل ‪ ، 656 / 1 ،‬وينظر ‪ :‬شرح قطر الندى ‪ ، 281 ،‬وشرح ابن عقيل ‪ ، 181– 178 / 2 ،‬وحاشية‬
‫الخضري ‪. 111 / 2 ،‬‬
‫‪ 5‬ينظر ‪ :‬دراسات لُسلوب القرآن الكريم ‪. 144 / 4 ،‬‬

‫الصفحة ‪ 38‬من ‪142‬‬


‫المبحث الثاني‬

‫ابقة بين الف عل والفا عل ‪:‬‬ ‫ا لمط‬

‫ن الفاعلَ في عرف‬
‫ل مسندٌ إليه ‪ ،‬جاء في شرح المفصل ‪ " :‬واعلم أ ّ‬
‫الفعلُ مسندٌ والفاع ُ‬
‫‪1‬‬
‫ل اسم ذكرتَه بعد فعلٍ ‪ ،‬وأسندتَ ونسبتَ ذلك الفعلَ إلى ذلك السمِ " ‪.‬‬
‫النحويين ‪ ،‬ك ّ‬

‫ويعرفُهُ ابنُ الحاجب بقوله ‪ " :‬هو ما أسند إليه الفعلُ ‪ ،‬أو شبهه ‪ ،‬وقُدم عليه ‪ ،‬على جهة‬
‫‪2‬‬
‫قيامه به مثل ‪( :‬قامَ زيدٌ) و (زيدٌ قا َم أبوهُ) … " ‪.‬‬

‫ق بين هذين الطرفين ؛ لكونهما متلزمين ‪،‬‬


‫إنّ عملية السناد بين الفعل والفاعل ‪ ،‬يتبعها تطاب ٌ‬
‫وإنّ مدارَ الحديث حول المطابقة بينهما يكون في محورين ‪:‬‬

‫الول ‪ :‬المطابقة بين الفعل والفاعل في الجنس ‪ ،‬أي التذكير والتأنيث ‪.‬‬

‫الثاني ‪ :‬المطابقة بين الفعل والفاعل في العدد ‪ ،‬أي الفراد والتثنية والجمع ‪.‬‬
‫‪ 1‬شرح المفصل ‪. 1/74 ،‬‬
‫‪ 2‬شرح الرضي على الكافية ‪ ، 1/185 ،‬وينظر ‪ :‬شرح ابن عقيل ‪ ، 464-1/426 ،‬وشرح الشموني ‪ ، 43-2/42 ،‬وحاشية الخضري‬
‫‪. 1/358 ،‬‬

‫الصفحة ‪ 39‬من ‪142‬‬


‫أ ولً ‪ -‬المط ابق ة ف ي الجنس ‪:‬‬

‫فإذا جاء الفاعلُ مذكراً ‪ُ ،‬ذ ّكرَ الفعلُ لجله ‪ ،‬وإذا جاء الفاعل مؤنثاً ‪ ،‬ألحقتْ علمة التأنيث‬
‫بالفعل ‪ ، ،‬هذا هو الصلُ ‪.‬‬

‫إنّ الحديثَ حول المطابقة بين الفعل وفاعله المذكر ل إشكالَ فيه ‪ ،‬فل يُؤنثُ فعلٌ وفاعلُهُ‬
‫مذكرٌ مفردٌ أو مثنىً أو جمعٌ سالمٌ ‪ ،‬وما جاء في القرآن الكريم يؤيدُ هذا ‪.‬‬
‫قل ُ‬
‫ُ‬ ‫عل َ‬ ‫َّ‬
‫م‬ ‫ه ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وب‬ ‫ى‬ ‫َ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫م الل‬‫خت َ َ‬‫َ‬ ‫فمثال (الفاعل المفرد المذكر) ‪ ،‬قوله تعالى ‪:‬‬
‫غُروراً‬ ‫ن إَِّل ُ‬‫شيْطَا ُ‬ ‫هم ال َّ‬
‫عدُ ُ ُ‬
‫ما ي َ ِ‬
‫و َ‬
‫َ‬ ‫(البقرة‪ ، )7:‬وقوله تعالى ‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫ومثال (الفاعل المثنى المذكر‬ ‫(النساء‪ )120:‬وغير ذلك ‪ ،‬كثيرٌ جدًا في القرآن الكريم ‪.‬‬
‫(آل عمران‪ ، )155:‬وقوله‬ ‫عان‬ ‫م َ‬
‫ج ْ‬‫قى ال ْ َ‬ ‫م الْت َ َ‬
‫و َ‬
‫) ‪ ،‬قوله تعالى ‪ :‬ي َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫علَيه َ‬
‫ما‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫ه َ‬ ‫ع َ‬
‫ن أن ْ َ‬ ‫خا ُ‬
‫فو َ‬ ‫ن يَ َ‬‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬
‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫جل ِ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫َ‬
‫قا َ‬ ‫تعالى ‪:‬‬
‫(المائدة‪ ، )23:‬وغير ذلك ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫َ‬
‫ن‬ ‫م ال ّل ِ‬
‫عنُو َ‬ ‫ه ُ‬
‫عن ُ ُ‬‫ويَل ْ َ‬
‫َ‬ ‫وأما مثال (الفاعل الجمع المذكر السالم) ‪ ،‬قوله تعالى ‪:‬‬
‫ن (المائدة‪)44:‬‬ ‫ها النَّبِيُّو َ‬‫م بِ َ‬‫حك ُ ُ‬‫(البقرة‪ ، )159:‬وقوله تعالى ‪ :‬ي َ ْ‬
‫‪1‬‬
‫ن (النفال‪ ، )8:‬وغير ذلك ‪.‬‬ ‫مو َ‬ ‫ر ُ‬‫ج ِ‬ ‫رهَ ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ول َ ْ‬
‫و كَ ِ‬ ‫َ‬ ‫‪ ،‬وقوله تعالى ‪:‬‬

‫ل مفرداً ‪ ،‬أم مثنىً ‪ ،‬أم‬


‫نلحظ أنّ الفعل قد طابق فاعلَه في التذكير والتأنيث ‪ ،‬سواءٌ كان الفاع ُ‬
‫مجموعاً جم َع مذكرٍ سالماً ‪.‬‬

‫‪ 1‬ينظر ‪ ( :‬النعام ‪ ( ، ) 74 /‬التوبة ‪ ( ، ) 14 /‬يوسف ‪. ) 92 /‬‬


‫‪ 2‬ينظر ‪( :‬النساء ‪( ، )7 /‬المائدة‪. )95 /‬‬
‫‪3‬ينظر على سبيل المثال‪( :‬المؤمنون ‪( ، )22 /‬العنكبوت ‪( ، )4 /‬سبأ ‪)45 /‬‬
‫‪ 4‬شرح الرضي على الكافية ‪. 4/479 ،‬‬

‫الصفحة ‪ 40‬من ‪142‬‬


‫وأما الفاعلُ المؤنثُ وإلحاق علمة التأنيث بفعله ‪ ،‬فأم ٌر فيه تفصيل ‪ ،‬يقول الرضي ‪ " :‬إعل ْم‬
‫أنه إنما جاز إلحاقُ علمة التأنيث بالمسند ‪ ،‬مع أنّ المؤنث هو المسند إليه دون المسند ؛ للتصال‬
‫الذي بين الفعل – وهو الصل في السناد – وبين الفاعل ‪ ،‬وذلك التصال من جهة احتياجه إلى‬
‫الفعل ‪ ،‬وكون الفاعل كجزءٍ من أجزاء الفعل "‪.4‬‬

‫إذن ‪ ،‬التصال بين الفعل والفاعل ‪ ،‬المتمثل في احتياج الفعل لفاعله ‪ ،‬ولكون الخير جزءاً‬
‫من أجزاء الول ‪ ،‬هو سببُ إلحاق علمة التأنيث بالفعل إذا كان فاعله مؤنثاً ‪.‬‬
‫ق واجبٌ ‪ ،‬وآخرُ جائ ٌز ‪ ،‬فالواجبُ في‬‫إل أنّ هذا اللحاقَ ليس على إطلقه ‪ ،‬فهناك إلحا ٌ‬
‫موطنين ‪:‬‬
‫أولهما ‪:‬‬
‫أن يكون الفاعلُ ضميراً مؤنثاً متصلً بعامله ‪ ،‬سواءٌ أكان ذلك المؤنث حقيقي التأنيث ‪ ،‬أم‬
‫‪1‬‬
‫س طلعتْ) ‪.‬‬
‫‪ ،‬وذلك نحو قولنا ‪( :‬هندٌ قَامتْ) و (الشم ُ‬ ‫مجازي التأنيث‬

‫ثانيهما ‪:‬‬
‫أن يكون الفاعلُ اسمًا ظاهراً حقيقيّ التأنيث غيرَ مفصول عن عامله ‪ ،‬وذلك نحو قولنا ‪:‬‬
‫ت زينبُ) ‪.‬‬‫(قَامتْ هندٌ) و (جاء ْ‬

‫ضرَبَ جاري ُتكَ زيداً) و (جاءَ أ َم ُتكَ) و( قامَ هندٌ) ‪ ،‬فغيرُ جائزٍ ؛ لن‬
‫يقول المبردُ ‪ " :‬فأما ( َ‬
‫‪2‬‬
‫ث ‪ ،‬نحو ( الدارُ‬ ‫ت إلى مضمرٍ مؤن ٍ‬ ‫ن يعيش ‪ " :‬فإن أسند َ‬ ‫تأنيثَ هذا تأنيثٌ حقيقيّ " ‪ ،‬ويقول اب ُ‬
‫انهدمتْ) و (موعظةٌ جاءتْ) ‪ ،‬لم يكن بدّ من إلحاق التاء ؛ وذلك لن الراج َع ينبغي أن يكون على‬
‫ل ‪ ،‬فلذلك‬‫ظرُ ذلك الفاع ُ‬
‫حسب ما يرجع إليه ؛ لئل يُتوهم أن الفعلَ مسن ٌد إلى شئٍ من سببه ‪َ ،‬فيُنتَ َ‬
‫‪3‬‬
‫ق العلم ِة لقطع هذا التوهم … وسواءٌ ذلك في الحقيقيّ وغيرِ الحقيقيّ " ‪.‬‬
‫لزم إلحا ُ‬

‫‪ 1‬يقول ابن يعيش في المؤنث الحقيقي ‪ " :‬ما كان بإزائه ذكرٌ من الحيوان " أما المجازي ‪ ،‬فهو " أمرٌ راج ٌع إلى اللفظ ‪ ،‬بأن تقرن‬
‫ى ‪ ،‬نحو ‪ :‬البشرى والذكرى … وذلك يكون بالصطلح ووضع الواضع " شرح‬ ‫به علمة التأنيث من غير أن يكون تحته معن ً‬
‫المفصل ‪. 92-5/91‬‬
‫‪ 2‬المقتضب ‪. 2/146 ،‬‬
‫‪ 3‬شرح المفصل ‪ ، 95-5/94 ،‬وينظر ‪ :‬شرح شذور الذهب ‪ ، 171-169 ،‬وشرح ابن عقيل ‪ ، 1/476 ،‬وشرح الشموني ‪،‬‬
‫‪ ، 2/51‬والفرائد الجديدة ‪. 2/811 ،‬‬

‫الصفحة ‪ 41‬من ‪142‬‬


‫إنّ النظم القرآني قد حافظ على المطابقة بين الفعل وفاعله في كلتا الحالتين اللتين ذكرناهما ‪،‬‬
‫حيثُ جاء في هذا الكتاب العزيز ‪ ،‬الفاعلُ المؤنث المضمر ‪ -‬حقيقيه ومجازيه ‪ -‬مع فعله ‪ ،‬وقد‬
‫أُنثَ هذا الفعلُ بإلحاق علمة التأنيث به ‪ ،‬ومواطنه كثيرةٌ جدا في القرآن الكريم ‪ ،‬فمن ذلك قوله‬
‫ها أُنْثَى (آل‬ ‫عت ُ َ‬
‫ض ْ‬ ‫و َ‬ ‫ب إِنِّي َ‬ ‫ت َر ِّ‬ ‫قال َ ْ‬
‫ها َ‬ ‫عت ْ َ‬
‫ض َ‬
‫و َ‬‫ما َ‬ ‫فل َ َّ‬‫تعالى ‪َ :‬‬
‫ها (يوسف‪:‬‬ ‫م بِ َ‬ ‫ه َّ‬‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫ت بِ ِ‬‫م ْ‬‫ه َّ‬
‫قدْ َ‬ ‫ول َ َ‬‫َ‬ ‫عمران‪ ، )36:‬وقوله تعالى ‪:‬‬
‫ة‬
‫م َ‬
‫ع َ‬ ‫د ْ‬
‫ل نِ ْ‬ ‫ن يُب َ ِّ‬
‫م ْ‬ ‫و َ‬‫َ‬ ‫‪ )24‬هذا في الحقيقي ‪ ،‬وأما المجازي ‪ ،‬فنحو قوله تعالى ‪:‬‬
‫َ‬
‫ت‬‫ق ْ‬‫ضا َ‬ ‫و َ‬ ‫جاءَتْه (البقرة‪ ، )211:‬وقوله تعالى ‪َ :‬‬ ‫ما َ‬‫د َ‬‫ع ِ‬
‫ن بَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫الل ّ ِ‬
‫ه ِ‬
‫‪1‬‬ ‫َ‬
‫(التوبة‪ ، )25:‬وغير ذلك كثيرٌ جداً ‪.‬‬ ‫ت‬
‫حب َ ْ‬
‫ما َر ُ‬ ‫م اْلْر ُ‬
‫ض بِ َ‬ ‫علَيْك ُ ُ‬
‫َ‬
‫قال َ ِ‬
‫ت‬ ‫أما أمثلة الفاعل الظاهر الحقيقي التأنيث المتصل بفعله ‪ ،‬فنحو قوله تعالى ‪ :‬إِذْ َ‬
‫َ‬
‫شي‬ ‫م ِ‬‫مَران (آل عمران‪ ، )35:‬وقوله تعالى ‪ :‬إِذْ ت َ ْ‬ ‫ع ْ‬‫ت ِ‬ ‫مَرأ ُ‬ ‫ا ْ‬
‫‪2‬‬
‫(طِه‪ )40:‬وغيرُ ذلك ‪.‬‬ ‫ختُك‬ ‫اُ ْ‬

‫ويستثنى مما مضى ‪ ،‬ما يأتي ‪:‬‬

‫أ ولً ‪ ( :‬وجود الف اصل ب ين ال فع ل وف اعل ه الظاه ر الحق يق ي ال تأ نيث ) ‪.‬‬

‫ضرَ القاضيَ امرأةٌ) ‪ ،‬لنه‬


‫ح َ‬
‫يقول سيبويه ‪ " :‬وكلما طال الكلمُ فهو أحسن ‪ ،‬نحو قولك ‪َ ( :‬‬
‫ف أجمل ‪ ،‬وكأنه شي ٌء يصيرُ بدلً من شيءٍ ‪ ،‬كالمعاقبة ‪ ،‬نحو قولك ‪:‬‬‫إذا طال الكلمُ كان الحذ ُ‬
‫‪3‬‬
‫(زنادقةٌ) و (زناديقٌ) ‪ ،‬فتحذف الياءَ لمكان الهاءِ " ‪،‬ويقول جرير ‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫عَلـ ـى بَابِ اُستِهَ ا صُلُبٌ وشَـامُ ‪،‬‬ ‫لَقَـ د وَلـ دَ الُخَ يطِلَ أُمّ سـ وْءٍ‬

‫‪ 1‬ينظر ‪( :‬النساء ‪( ، )128 /‬الرعد ‪( ، )8 /‬المائدة ‪. )114 /‬‬


‫‪ 2‬ينظر ‪( :‬البقرة ‪( ، )233 /‬لقمان ‪( ، )14 /‬الذاريات ‪. )29/‬‬
‫‪ 3‬الكتاب ‪. 2/38 ،‬‬
‫‪ 4‬البيت من قصيدة له يهجو بها الخطل ‪ ،‬و(شام) جمع شامة ‪ ،‬ينظر ‪ :‬ديوانه ‪ ، 1/283 ،‬وينظر ‪ :‬صدره في المقتضب ‪،‬‬
‫‪ ، 2/148‬وبتمامه في التكملة ‪ ، 294 ،‬والخصائص ‪ ، 2/414 ،‬وشرح المفصل ‪. 5/92 ،‬‬
‫الصفحة ‪ 42‬من ‪142‬‬
‫فالفاعلُ حقيقي ولم يؤنث لجله فعلُ ُه ‪ ،‬وذلك بسبب الفصل بينهما بالمفعول به ‪.‬‬
‫ويقول المبرد ‪ " :‬أل ترى أن النحويين ل يقولون ‪( :‬قا َم هندٌ) و (ذهبَ جاري ُتكَ) ‪ ،‬ويجيزون‬
‫ف مع طول الكلم ؛ لنهم يرون ما زاد‬ ‫ضرَ القاضيَ اليومَ امرأةٌ يا فتى) ‪ ،‬فيجيزون الحذ َ‬
‫ح َ‬
‫‪َ(:‬‬
‫‪1‬‬
‫عوضا مما حُذفَ "‬
‫‪2‬‬
‫إن إثبات التاء هنا أحسن وأجود " وقيل واجبٌ " ‪ ،‬وبه جاء التنزيلُ ‪ ،‬قال تعالى ‪:‬‬
‫ء (القصص‪ )25:‬وقال‬ ‫حيَا ٍ‬ ‫علَى ا ْ‬
‫ست ِ ْ‬ ‫شي َ‬‫م ِ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫حدَا ُ‬ ‫ه إِ ْ‬
‫جاءَت ْ ُ‬‫ف َ‬‫َ‬
‫رهاً (الحقاف‪ ، )15:‬حيثُ فُصل بين الفعل‬ ‫ه كُ ْ‬ ‫ه أ ُ ُّ‬
‫م ُ‬ ‫ملَت ْ ُ‬‫ح َ‬
‫َ‬ ‫تعالى ‪:‬‬
‫وفاعله بالمفعول به ‪ ،‬واُثبتتِ التا ُء ‪.‬‬

‫أما ( الفاعل الظاهر المجازي التأنيث المفصول عن فعله ) فقد ورد في القرآن الكريم وعامله‬
‫مجردٌ من علمة التأنيث في مواطن ‪ ،‬وفي غيرها ألحقت به العلمة ‪ ،‬يقول سيبويه ‪ " :‬ومما جاء‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫ة ِ‬‫عظَ ٌ‬ ‫و ِ‬
‫م ْ‬‫جاءَهُ َ‬‫ن َ‬
‫م ْ‬‫ف َ‬‫َ‬ ‫من الموات قد حُذفت في ِه التاءُ ‪ ،‬قولُه ع ّز وجلّ ‪:‬‬
‫‪،‬‬ ‫ت‬‫م الْبَيِّنَا ُ‬‫ه ُ‬‫جاءَ ُ‬
‫ما َ‬‫د َ‬‫ع ِ‬ ‫ن بَ ْ‬
‫م ْ‬ ‫ِ‬ ‫‪ ،‬وقوله تعالى ‪:‬‬ ‫هى‬ ‫ه َ‬
‫فانْت َ َ‬ ‫َرب ِّ ِ‬
‫‪3‬‬
‫وهذا النحو كثيرٌ في القرآن " ‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫وقد قيل إنّ الجودَ حذفُ العلمةِ " إظهاراً لفضل الحقيقي على غيره " ‪ ،‬وليس بسديد ؛ لنّ‬
‫الستعمالَ يشه ُد بخلف ذلك ‪ ،‬فمواطن تأنيث الفعل مع الفاعل المجازي التأنيث المفصول عن‬
‫‪5‬‬
‫عامله ‪ ،‬أكثرُ بكثير من تذكير الفعل مع هذا النوع من الفاعل ‪.‬‬

‫ل هذا التركيب ‪ " :‬والذي يظهرُ‬


‫يقول الدماميني رداً على من يقول بأجودية حذف العلمة في مث ِ‬
‫ف ذلك ‪ ،‬فإن الكتابَ العزيز قد َك ُثرَ فيه التيانُ بالعلمة عند السناد إلى ظاهرٍ غير حقيقي‬
‫لي خل ُ‬

‫‪ 1‬المقتضب ‪ ، 2/338 ،‬وينظر ‪ :‬التكملة ‪. 294 ،‬‬

‫‪ 2‬حاشية الصبان ‪. 2/52 ،‬‬


‫‪ 3‬الكتاب ‪ ، 39 /2 ،‬واليتان من ‪( :‬البقرة ‪( ، )275/‬آل عمران ‪. )105 /‬‬
‫‪ 4‬ينظر ‪ :‬حاشية الصبان ‪. 2/52 ،‬‬
‫‪ 5‬ينظر ‪ :‬دراسات لُسلوب القرآن الكريم ‪ ، 466-8/462 ،‬و ‪. 470-8/469‬‬
‫الصفحة ‪ 43‬من ‪142‬‬
‫وأكثريةُ أح ِد الستعمالين دليلُ أرجحيته ‪ ،‬فينبغي أن إثبات العلمة أحسن‬ ‫كثرةً فاشيةً‪000‬‬
‫‪1‬‬
‫وتطبيق ذلك في القرآن الكريم على النحو التي ‪ :‬فمثال التيان بالعلمة‬ ‫" ‪.‬‬
‫َ‬
‫ت‬‫حاطَ ْ‬ ‫وأ َ‬‫َ‬ ‫قوله تعالى ‪:‬‬
‫َ‬
‫ة‬
‫صيب َ ٌ‬
‫م ِ‬ ‫صابَتْك ُ ْ‬
‫م ُ‬ ‫نأ َ‬ ‫فإ ِ ْ‬‫َ‬ ‫ه (البقرة‪ ، )81:‬وقوله تعالى ‪:‬‬ ‫خطِيئَت ُ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫بِ ِ‬
‫صيبَنَا دَائَِرةٌ‬ ‫َ‬ ‫خ َ‬
‫شى أ ْ‬
‫ن تُ ِ‬ ‫(النساء‪ ، )72:‬وقوله تعالى ‪ :‬ن َ ْ‬
‫‪2‬‬
‫(المائدة‪ ، )52:‬وغير ذلك كثيرٌ جداً ‪.‬‬

‫ن‬‫م ْ‬‫ة ِ‬ ‫عظَ ٌ‬ ‫و ِ‬‫م ْ‬


‫جاءَهُ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ف َ‬ ‫َ‬ ‫ل ترك العلمة ‪ ،‬فنحو قوله تعالى ‪:‬‬
‫وأما مثا ُ‬
‫ك كَثَْرةُ ال ْ َ‬
‫خبِيث‬ ‫جب َ َ‬ ‫و أَ ْ‬
‫ع َ‬ ‫ول َ ْ‬‫َ‬ ‫(البقرة‪ ، )275:‬وقوله تعالى ‪:‬‬ ‫ه‬
‫َرب ِّ ِ‬
‫‪3‬‬
‫(المائدة‪ ، )100:‬وغير ذلك ‪.‬‬

‫ثا نيا ‪ ( :‬ا لفا علُ مؤ نثٌ مج ازي ) ‪.‬‬

‫ل مؤنثاً مجازياً ‪ ،‬جاز تركُ علمةِ التأنيث مع فعله ‪ ،‬يقول المبردُ ‪ " :‬فأما‬ ‫إذا كان الفاع ُ‬
‫ي ‪ ،‬ولو‬‫(ضُ ِربَ جار َي ُتكَ) و (جا َء أ َم ُتكَ) و (قا َم هندٌ) ‪ ،‬فغيرُ جائزٍ ؛ لن تأنيثَ هذا تأنيثٌ حقيق ّ‬
‫ع ُمرَ بلد ُتكَ) ؛ لنه تأنيثُ لفظٍ‬
‫كان من غير الحيوان لصلح ‪ ،‬وكان جيداً ‪ ،‬نحو ‪( :‬هُدِ َم دا ُركَ) و ( َ‬
‫َ‬
‫‪،‬‬ ‫ة‬
‫ح ُ‬ ‫موا ال َّ‬
‫صي ْ َ‬ ‫ن ظَل َ ُ‬‫ذي َ‬ ‫خذَ ال ّ ِ‬‫وأ َ َ‬
‫َ‬ ‫ل‪:‬‬‫ل حقيقية تحته ‪ ،‬كما قال عزّ وج ّ‬
‫‪4‬‬
‫" ‪.‬‬ ‫ه‬
‫ن َرب ِّ ِ‬
‫م ْ‬ ‫عظَ ٌ‬
‫ة ِ‬ ‫و ِ‬
‫م ْ‬
‫جاءَهُ َ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ف َ‬ ‫وقال أيضًا ‪:‬‬

‫‪ 1‬حاشية الصبان ‪. 2/52 ،‬‬

‫‪ 2‬ينظر ‪( :‬آل عمران ‪( ، )24 /‬النعام ‪( ، )70 /‬العراف ‪ 78 /‬و ‪( ، )91‬التوبة ‪( ، )25 /‬يونس ‪. )22 /‬‬
‫‪ 3‬ينظر ‪( :‬النعام ‪( ، )157 /‬العراف ‪( ، )95 /‬هود ‪( ، )67 /‬الروم ‪. )57 /‬‬
‫‪ 4‬المقتضب ‪ ، 2/146 ،‬وينظر ‪ :‬المصدر نفسه ‪ ، 4/59 ،‬و ملك التأويل ‪ ، 661-660 / 2،‬واليتان من ‪( :‬هود ‪( ، )67 /‬البقرة ‪/‬‬
‫‪. )275‬‬
‫الصفحة ‪ 44‬من ‪142‬‬
‫ويقول ابن يعيش ‪ " :‬فإن كان المؤنثُ غيرَ حقيقي‪ ،‬بأن يكون من غير الحيوان ‪ ،‬نحو ‪ :‬النعل‬
‫ت الفعلَ إلى شيءٍ من ذلك ‪ ،‬كنتَ مخيراً في إلحاقِ‬‫والقدر والسوق ‪ ،‬ونحو ذلك ‪ ،‬فإنكَ إذا أسند َ‬
‫العلمةِ وتركها ‪ ،‬وإن لصقَ ‪ ،‬نحو ‪( :‬انقطعَ النعلُ) و (انقطعتِ النعلُ) … لن التأنيثَ لما لم‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬
‫يكنْ حقيقيًا ضعفَ ‪ ،‬ولم يعين بالدللة عليه ‪ ،‬مع أن المذكر هو الصلُ ‪ ،‬فجاز الرجوعُ إليه " ‪.‬‬

‫ظ على المطابقة بين الفعل وفاعله من هذا النوع ‪ ،‬بإلحاق علمة‬


‫إل أن النظم القرآني قد حاف َ‬
‫ل عنه ‪ ،‬فقد بلغت مواطنُ التيان‬‫التأنيث بالفعل ‪ ،‬سواءٌ كان الفاعلُ متصلً بفعله أم منفص ً‬
‫‪3‬‬
‫بالعلمة خمسة أضعاف المواطن التي تُركت فيها هذه العلمةُ ‪.‬‬
‫م‬
‫ه ْ‬‫جاَرت ُ ُ‬ ‫ت تِ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ما َرب ِ َ‬ ‫ف َ‬‫َ‬ ‫فمثالُ إلحاق العلمة مع التصال ‪ ،‬قوله تعالى ‪:‬‬
‫م‬ ‫ه ْ‬ ‫ه ِ‬
‫وا ِ‬ ‫ف َ‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ضاءُ ِ‬ ‫غ َ‬ ‫ت الْب َ ْ‬ ‫قدْ بَدَ ِ‬ ‫َ‬ ‫(البقرة‪ ، )16:‬وقوله تعالى ‪:‬‬
‫‪4‬‬
‫(آل عمران‪ )118:‬وغير ذلك كثيرٌ جدًا ‪.‬‬
‫سنَا النَّاُر‬ ‫م َّ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫قالُوا ل َ ْ‬ ‫و َ‬ ‫ومثالُ إلحاق العلمةِ مع النفصال ‪ ،‬قوله تعالى ‪َ :‬‬
‫حتَّى يَأْتِيَنَا‬ ‫َ َ‬
‫َ‬ ‫عدُودَةً (البقرة‪ ، )80:‬وقوله تعالى ‪:‬‬ ‫م ْ‬ ‫إ ِ ّل أيَّاما ً َ‬
‫‪3‬‬ ‫ْ‬
‫(آل عمران‪ ، )183:‬وغير ذلك ‪.‬‬ ‫ه النَّار‬
‫ن تَأكُل ُ ُ‬ ‫قْربَا ٍ‬‫بِ ُ‬
‫ه‬
‫ن َرب ِّ ِ‬‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫عظَ ٌ‬ ‫و ِ‬‫م ْ‬‫جاءَهُ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ف َ‬ ‫َ‬ ‫ل ترك العلمة ‪ ،‬فنحو قوله تعالى ‪:‬‬ ‫أما مثا ُ‬
‫ث‬
‫خبِي ِ‬ ‫ك كَثَْرةُ ال ْ َ‬ ‫جب َ َ‬ ‫ع َ‬ ‫و أَ ْ‬‫ول َ ْ‬
‫َ‬ ‫(البقرة‪ ، )275:‬وقوله تعالى ‪:‬‬
‫ل بكثير من مواطن إلحاق‬ ‫(المائدة‪ ، )100:‬وغير ذلك ‪ ،‬ومواطنه في القرآن الكريم أق ُ‬
‫‪4‬‬

‫العلمة ‪.‬‬
‫‪ 1‬فالتأنيثُ الحقيقي يكتسب تأنيثه من اللفظ والمعنى ‪ ،‬أما غير الحقيقي ‪ ،‬فيكتسب التأنيث من جهة اللفظ دون لمعنى ‪ ،‬ينظر ‪ :‬شرح‬
‫المفصل ‪. 5/92 ،‬‬
‫‪ 2‬المصدر نفسه ‪ ، 5/93 ،‬وينظر ‪ :‬مشكل إعراب الشعار الستة الجاهلية ‪ ،‬القسم الخامس ‪ ،‬ديوان طرفة ‪. 34 ،‬‬

‫‪ 3‬ينظر ‪ :‬دراسات لُسلوب القرآن الكريم ‪. 470-8/452 ،‬‬


‫‪ 4‬ينظر ‪( :‬النعام ‪( ، )55 /‬العراف ‪( ، )137 /‬يونس ‪(( ، )33 /‬يوسف ‪. )84 /‬‬
‫‪ 3‬ينظر ‪ ( :‬النساء ‪ ( ، ) 78 /‬المائدة ‪ ( ، ) 52 /‬هود ‪ ( ، ) 74 /‬إبراهيم ‪. ) 50 /‬‬
‫‪ 4‬ينظر ‪( :‬النعام ‪( ، )157 /‬هود‪( ، )67/‬الحج ‪ ، )37 /‬الزمر ‪. )19 /‬‬
‫ق وهو مذك ٌر ‪ ،‬والثاني أنهُ مقدرٌ بالجمع وهو مذكرٌ ‪،‬‬‫‪ 5‬وهو الصحيح ؛ لن " التذكير فيه من جهتين ‪ ،‬من جهة أن الواحد با ٍ‬
‫والتأنيث من جهة واحدة ‪ ،‬وهو تقديره بالجماعة ‪ ،‬فَ ُرجِحَ على التأنيث " شرح المفصل ‪ ، 5/104 ،‬وينظر ‪ :‬شرح ابن عقيل ‪،‬‬
‫‪ ، 1/482‬وشرح الشموني ‪2/54 ،‬‬
‫‪ 6‬ينظر ‪ :‬المقتضب ‪ ، 3/346 ،‬وشرح المفصل ‪ ، 5/103 ،‬وشرح شذور الذهب ‪. 175 ،‬‬
‫‪ 7‬ينظر ‪ :‬الكتاب ‪. 40-2/39 ،‬‬

‫الصفحة ‪ 45‬من ‪142‬‬


‫ث الثا ‪ ( :‬ال جمو ع ) ‪.‬‬

‫لقد ج ّوزَ النحاةُ تذكير الفعل وتأنيثه عند إسناده إلى الجموع ‪ -‬عدا جمع المذكر السالم ‪،5-‬‬
‫فالتذكير على التأويل بالجمع ‪ ،‬والتأنيث على التأويل بالجماعة ‪ ، 6‬ويرى سيبويه أنّ حذف العلمة‬
‫‪7‬‬
‫في الجمع مع الموات أكثر منه مما لو كان في الحيوان ‪.‬‬

‫وهذا الجمع يشمل ‪ :‬جمع المؤنث السالم ‪ ،‬وجمع التكسير ‪ ،‬واسم الجمع ‪ ،‬يقول المبردُ ‪ " :‬أل‬
‫؛ لن‬ ‫ح‬
‫م نُو ٍ‬‫و ُ‬ ‫م َ‬
‫ق ْ‬ ‫قبْل َ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫ترى أن القومَ اس ٌم مذكرٌ ‪ ،‬وقال ع ّز وجلّ ‪ :‬كَذَّب َ ْ‬
‫ت َ‬
‫‪1‬‬
‫التقدير وال أعلم ‪ ،‬إنما هو جماعة قوم نوح " ‪.‬‬
‫ن يعيش ‪ " :‬قد تقدم القولُ أنّ الجمعَ يكسب السم تأنيثًا ؛ لنه يصير في معنى‬ ‫ويقول اب ُ‬
‫الجماعة ‪ ،‬وذلك التأنيثُ ليس بحقيقي ؛ لنه تأنيثُ السم ل تأنيث المعنى ‪ ،‬فهو بمنزلة (الدار)‬
‫ث لما‬
‫ث ) فالتأني ُ‬
‫و(النعل) ونحوهما ‪ ،‬فلذلك ( إذا أسن َد إليه فعلٌ ‪ ،‬جاز في فعله التذكيرُ والـتأني ُ‬
‫‪2‬‬
‫ذكرناه ‪ ،‬والتذكيرُ على إرادة الجمع " ‪.‬‬

‫وهذه الجموع هي ‪:‬‬

‫‪( -‬جم ع الم ؤن ث السا لم ) ‪:‬‬ ‫‪1‬‬


‫وهو حقيقي ومجازي ‪ ،‬فسيبويه يرى أن ترك العلمة مع جمع المؤنث السالم يكون في‬
‫‪3‬‬
‫الموات دون الحيوان ‪.‬‬
‫وقد وافق المبردُ سيبويه ‪ ،‬معللً ذلك بقوله ‪ " :‬لنّ هذا جمعٌ حقيقيّ ‪ ،‬ل يغير الواحد عن‬
‫‪4‬‬
‫بنائهِ " ‪ ،‬ويقول ابنُ يعيش ‪ " :‬فما كان منه لمؤنثٍ ‪ ،‬نحو المسلمات و الهندات ‪ ،‬كان الوجهُ‬

‫‪ 1‬المقتضب ‪ ، 3/347 ،‬والية من ‪( :‬الحج ‪. )42 /‬‬


‫‪ 2‬شرح المفصل ‪. 5/103 ،‬‬
‫‪ 3‬ينظر ‪ :‬الكتاب ‪. 2/39 ،‬‬
‫‪ 4‬المقتضب ‪. 3/349 ،‬‬
‫الصفحة ‪ 46‬من ‪142‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬
‫تأنيثَ الفعلِ " ‪ ،‬وهو مذهبُ جمهور البصريين ‪ ،‬وذلك لنّ جم َع المؤنث السالم ‪ ،‬مؤنثٌ من‬
‫وجهين ‪ ،‬أحدهما ‪ :‬إنّ مفرَ َدهُ مؤنثٌ ‪ ،‬والثاني ‪ :‬تقديره بالجماعة ‪ ،‬ولو ذكرّنا فعله ‪ ،‬يكون ذلك‬
‫‪3‬‬
‫التذكير من جهة التأويل بالجمع فقط ‪.‬‬
‫أما الرضي ‪ ،‬فيرى أنّ هذا الجمع ‪ -‬حقيقيه ومجازيه ‪ -‬كالمؤنثِ المجازي ؛ لنّ مفرده يتغير‬
‫ث العلمة " إما بحذفها إن كان تا ًء ‪ ،‬نحو ‪( :‬الغرفات) ‪ ،‬أو بقلبها ‪ ،‬إن كان ألفًا ‪ ،‬كما في‬
‫من حي ُ‬
‫‪4‬‬
‫(الحبليات) و (الصحراوات) " ‪ ،‬فيجوز عنده إثباتُ العلمة ‪ ،‬ويجوز تركُها ‪.‬‬

‫إن النظم القرآني قد حافظ على المطابقة بين الفعل وفاعله المجموع جم َع مؤنثٍ سالمٍ ‪ ،‬في‬
‫مواطنَ تزيد كثيراً على مواطن ترك العلمة ‪ ،‬وكان في أغلب هذه المواطن مجازيّ التأنيث ‪،‬‬
‫م الْبَي ِّنَا ُ‬
‫ت‬ ‫جاءَتْك ُ ُ‬
‫ما َ‬ ‫د َ‬ ‫ع ِ‬‫ن بَ ْ‬
‫م ْ‬
‫ِ‬ ‫فمثالُ إلحاق العلمة قوله تعالى ‪:‬‬
‫ما (العراف‪:‬‬ ‫ه َ‬‫وآت ُ ُ‬ ‫س ْ‬‫ما َ‬ ‫ت لَ ُ‬
‫ه َ‬ ‫(البقرة‪ ، )209:‬وقوله تعالى ‪ :‬بَدَ ْ‬
‫‪5‬‬
‫‪ ، )22‬وغير ذلك ‪.‬‬

‫ل بكثير من مواطن التأنيث وذلك نحو قوله تعالى ‪:‬‬


‫أما مواطنُ تذكير الفعل فهي أق ُ‬
‫م‬ ‫َ َ‬ ‫م الْبَيِّنَات (آل عمران‪، )86:‬وقوله تعالى ‪:‬‬
‫ه ْ‬
‫صاب َ ُ‬
‫فأ َ‬ ‫ه ُ‬
‫جاءَ ُ‬
‫و َ‬‫َ‬
‫‪6‬‬
‫(النحل‪، )34:‬وغير ذلك ‪.‬‬ ‫ملُوا‬
‫ع ِ‬
‫ما َ‬ ‫سيِّئَا ُ‬
‫ت َ‬ ‫َ‬

‫وإننا لو تتبعنا هذه المواطن (مواطن التذكير) ‪ ،‬لوجدناها كلّها قد فُصل فيها الفاعلُ عن فعله‬
‫عنِّي‬‫ت َ‬ ‫ب ال َّ‬
‫سيِّئَا ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ذَ َ‬ ‫بفاصل ‪ ،‬إل في موطنٍ واحدٍ ‪ ،‬وهو قولُه تعالى ‪:‬‬
‫(هود‪ ، )10:‬وأما جمع المؤنث السالم الحقيقي التأنيث ‪ ،‬فقد ُذكّر فعله في موطنين ‪ ،‬هما قوله‬

‫‪ 1‬شرح المفصل ‪ ، 5/103 ،‬والهاء في (منه) يُراد بها الجمع السالم ‪.‬‬
‫‪ 2‬ينظر ‪ :‬حاشية الخضري ‪ ، 1/371 ،‬وأما مذهب الكوفيين ‪ ،‬فيرى تجويز المرين في كل الجموع ‪ ،‬حتى المذكر السالم منه ‪،‬‬
‫ووافقهم أبو عليّ الفارسي إل على جمع المذكر السالم ‪ ،‬ينظر ‪ :‬المصدر السابق ‪ ، 1/371 ،‬وشرح شذور الذهب ‪ ، 171 ،‬هـ ‪3‬‬
‫‪ 3‬ينظر ‪ :‬شرح المفصل ‪. 103 /5 ،‬‬

‫‪ 4‬شرح الرضي على الكافية ‪. 342/ 3 ،‬‬


‫‪ 5‬ينظر ‪( :‬يونس ‪( ، )101 /‬هود ‪( ، )107 /‬الرعد ‪( ، )16 /‬لقمان ‪( ، )27 /‬الشورى ‪. )5 /‬‬
‫‪ 6‬ينظر ‪( :‬غافر ‪( ، )66 /‬الممتحنة ‪ 10 /‬و ‪)12‬‬
‫الصفحة ‪ 47‬من ‪142‬‬
‫منَات (الممتحنة‪ ، )10:‬وقوله تعالى ‪:‬‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫جاءَك ُ ُ‬‫تعالى ‪:‬إِذَا َ‬
‫(الممتحنة‪ ، )12:‬وذلك لجل الفصل بالكاف ‪ ،‬أو‬ ‫منَات‬ ‫ؤ ِ‬ ‫ك ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫جاءَ َ‬
‫إِذَا َ‬
‫على حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه ‪ ،‬أي إذا جاءكم أو جاءك النسا ُء المؤمناتُ ‪ ،‬أو تُقدرُ‬
‫(أل) في المؤمنات بـ (اللتي) ‪ ،‬وتكون هذه الخيرةُ اسمَ جمع ‪ ،‬وهو مما يجوز فيه الوجهان‬
‫‪1‬‬
‫على ما سنعرف لحقًا ‪ ،‬ويكون التقدير ‪ :‬اللتي آمنّ ‪.‬‬

‫‪ ( -‬جم ع التكس ير ) ‪:‬‬ ‫‪2‬‬


‫ن يعيش ‪ " :‬فما كان‬‫وهو أيضاً مما يجوز فيه الوجهان ؛ ذلك لنّ مفرده قد تغير ‪ ،‬يقول اب ُ‬
‫من الجمع مكسّرًا ‪ ،‬فأنتَ مخيرٌ في تذكير فعله وتأنيثه ‪ ،‬نحو ‪( :‬قامَ الرجالُ) و (قامتِ الرجالُ) ‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫ن لفظ الواحد فيه قد زال بالتكسير وصارت المعاملةُ مع لفظ الجمع " ‪ ،‬ول‬
‫ح؛لّ‬
‫من غير ترجي ٍ‬
‫‪3‬‬
‫فرق في ذلك بين جم ِع التكسيرِ المذكرِ وجمعِ التكسيرِ المؤنثِ ‪.‬‬

‫إنّ النظم القرآني قد أتى بعلمة التأنيث في مواطنَ كثيرةٍ جداً بالنسبة إلى مواطنِ تركها ‪،‬‬
‫ل متصلً بفعله أم منفصلً عنه ‪.‬‬
‫سواءٌ أكان الفاع ُ‬

‫م (البقرة‪:‬‬ ‫قلُوب ُ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫ت ُ‬ ‫ه ْ‬‫شاب َ َ‬‫فمثاله في حالة التصال ‪ ،‬قوله تعالى ‪ :‬ت َ َ‬
‫م (آل عمران‪:‬‬ ‫مْري َ ُ‬‫ة يَا َ‬‫ملئِك َ ُ‬ ‫ت ال ْ َ‬
‫قال َ ِ‬
‫وإِذْ َ‬
‫‪ ، )118‬وقوله تعالى ‪َ :‬‬
‫‪4‬‬
‫‪42‬و ‪ ، )45‬وغير ذلك ‪.‬‬

‫َ‬
‫ها اْلن ْ َ‬
‫هاُر‬ ‫حت ِ َ‬‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬
‫أما مثاله في حالة النفصال ‪ ،‬فنحو قوله تعالى ‪ :‬ت َ ْ‬
‫ن‬
‫سن َ ٌ‬
‫م ُ‬ ‫قبْلِك ُ ْ‬‫ن َ‬‫م ْ‬
‫ت ِ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫َ‬
‫قدْ َ‬ ‫(البقرة‪ ، )266:‬وقوله تعالى ‪:‬‬

‫‪ 1‬ينظر ‪ :‬شرح شذور الذهب ‪ ، 171 ،‬وشرح الشموني ‪. 55-2/54 ،‬‬

‫‪ 2‬شرح المفصل ‪ ، 5/103 ،‬وينظر شرح الرضي على الكافية ‪ ، 3/342 ،‬والفرائد الجديدة ‪. 2/811 ،‬‬
‫‪ 3‬ينظر ‪ :‬المقرب ‪. 332 ،‬‬
‫‪ 4‬ينظر ‪( :‬النساء ‪( ، )36 /‬العراف ‪( ، )53 /‬التوبة ‪( ، )85 /‬الكهف ‪( ، )105 /‬الحج ‪. )46 /‬‬
‫الصفحة ‪ 48‬من ‪142‬‬
‫‪1‬‬
‫(آل عمران‪)13:‬وغير ذلك ‪ ،‬وهذان الموطنان متساويان تقريبًا في عدد ورودهما في‬
‫‪2‬‬
‫القرآن الكريم ‪.‬‬

‫ل من سابقه ‪ ،‬وقد أتى بصورتين أيضًا ‪ ،‬فمثاله في التصال قوله تعالى ‪:‬‬
‫أما التذكير ‪ ،‬فهو أق ّ‬
‫ن النَِّاس (البقرة‪ ، )142:‬وقوله تعالى ‪:‬‬ ‫م َ‬‫هاءُ ِ‬ ‫س َ‬
‫ف َ‬ ‫ل ال ُّ‬‫قو ُ‬ ‫سي َ ُ‬
‫َ‬
‫‪3‬‬
‫(العراف‪ ، )113:‬وغير ذلك ‪.‬‬ ‫ون‬
‫ع ْ‬
‫فْر َ‬
‫حَرةُ ِ‬ ‫جاءَ ال َّ‬
‫س َ‬ ‫و َ‬
‫َ‬

‫ما‬‫ة لَ َ‬
‫جاَر ِ‬
‫ح َ‬‫ن ال ْ ِ‬
‫م َ‬‫ن ِ‬‫وإ ِ َّ‬
‫َ‬ ‫أما مثاله في حالة النفصال ‪ ،‬فنحو قوله تعالى ‪:‬‬
‫َ‬
‫جاءَك ُ ْ‬
‫م‬ ‫قدْ َ‬ ‫ل َ‬‫ق ْ‬ ‫ُ‬ ‫هاُر (البقرة‪ )74:‬وقوله تعالى ‪:‬‬ ‫ه اْلن ْ َ‬‫من ْ ُ‬‫جُر ِ‬‫ف َّ‬‫يَت َ َ‬
‫‪4‬‬
‫(آل عمران‪ ، )183:‬وغير ذلك ‪ ،‬وحالة‬ ‫قبْلِي بِالْبَي ِّنَات‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ل ِ‬‫س ٌ‬ ‫ُر ُ‬
‫النفصال هذه ‪ ،‬أقلّ من سابقتها في القرآن الكريم ‪.‬‬

‫– (ا سم ال جم ع )‬ ‫‪3‬‬
‫وهو الذي ليس له واحدٌ من لفظه ‪ ،‬نحو ‪ :‬نساء وقوم ‪ ،‬وقد عبر عنه سيبويه عند حديثه عن‬
‫تحقير اسم الجمع بقوله ‪ " :‬هذا بابُ تحقير ‪ " :‬هذا بابُ تحقير ما لم يُكسر عليه واحد الجمع ‪،‬‬
‫‪5‬‬
‫ولكنه واحدٌ يق ُع على الجميع… " ‪.‬‬

‫‪ 1‬ينظر ‪( :‬التوبة ‪( ، )118 /‬هود ‪( ، )101 /‬إبراهيم ‪( ، )9 /‬النحل ‪. )14 /‬‬


‫‪ 2‬ينظر ‪ :‬دراسات لُسلوب القرآن الكريم ‪. 481-8/477 ،‬‬

‫‪ 3‬ينظر ‪( :‬هود ‪( ، )19 /‬الحجر ‪( ، )80 /‬الزخرف ‪. )65 /‬‬


‫‪ 4‬ينظر ‪( :‬النعام ‪( ، )5 /‬النعام ‪( ، )130 /‬النفال ‪. )5 /‬‬
‫‪ 5‬الكتاب ‪ ، 3/494 ،‬وينظر ‪ :‬المقتضب ‪ ، 3/347 ،‬وحاشية الخضري ‪. 1/271 ،‬‬
‫الصفحة ‪ 49‬من ‪142‬‬
‫يقول الرضي ‪ " :‬وأما اسم الجمع بعضه واجب التأنيث كالبل والغنم والخيل ‪ ،‬فحاله كحال‬
‫جمع التكسير في الظاهر والضمير ‪ ،‬وبعضه يجوز تذكيره وتأنيثه ‪ ،‬كالركب ‪ ،‬قال ‪:‬‬

‫مَعَ الصُبحِ رَكب ٌ من أُحَاظَةَ مُ جفِلُ‬ ‫فَعَ بّتْ غِش َاشـا ثُمّ مـرّتْ كأنهَا‬

‫فهو كاسم الجنس ‪ ،‬نحو (مضى الركبُ) و(مضتِ الركبُ)‪ ،‬و(الركبُ مضى ومضتْ ومضوا) "‪.1‬‬
‫وورد هذا الفاعلُ في القرآن الكريم مرةً بتذكير فعله ‪ ،‬وأخرى بتأنيثه ‪ ،‬ومواطنهما متقاربة‬
‫ول‬‫هودُ َ‬ ‫ك الْي َ ُ‬
‫عن ْ َ‬‫ضى َ‬
‫ن تَْر َ‬ ‫ول َ ْ‬
‫َ‬ ‫العدد ‪ ،‬فمثالُ تأنيث الفعل قوله تعالى ‪:‬‬
‫ل‬
‫ه ِ‬‫ن أَ ْ‬
‫م ْ‬‫ة ِ‬ ‫ت طَائ ِ َ‬
‫ف ٌ‬ ‫ودَّ ْ‬
‫َ‬ ‫صاَرى (البقرة‪ ، )120:‬وقوله تعالى ‪:‬‬ ‫الن َّ َ‬
‫‪2‬‬
‫(آل عمران‪ ، )69:‬وغير ذلك‪.‬‬ ‫الْكِتَا ِ‬
‫ب‬

‫م (البقرة‪:‬‬ ‫ه ْ‬
‫من ْ ُ‬
‫ق ِ‬
‫ري ٌ‬‫ف ِ‬‫أما مواطنُ التذكير ‪ ،‬فنحو قوله تعالى ‪ :‬نَبَذَهُ َ‬
‫(البقرة‪، )109:‬‬ ‫ل الْكِتَاب‬
‫ه ِ‬‫ن أَ ْ‬ ‫ودَّ كَثِيٌر ِ‬
‫م ْ‬ ‫‪ ، )100‬وقوله تعالى ‪َ :‬‬
‫‪3‬‬
‫وغير ذلك ‪.‬‬

‫إنّ أقوالَ النحاة حول إلحاق علمة التأنيث بالفعل مع الجموع ‪ ،‬تتوافق في جموع محددة ‪،‬‬
‫وتختلف في جموع أخرى ‪ ،‬فكما مرّ بنا ‪ ،‬نجد الكوفيين يُجيزون إلحاق العلمة وتركها مطلقاً‬
‫ي الفارسيّ ‪ ،‬إل على جم ِع المذكرِ‬
‫ل الجموع ‪ ،‬حتى المذكر السالم منها ‪ ،‬وقد وافقهم أبو عل ّ‬
‫بفعل ك ّ‬
‫السالمِ ‪ ،‬فإنّ ُه أوجب فيه التذكيرَ ‪ ،‬وأما البصريون ‪ ،‬فيُجيزون الوجهين في جمع التكسير واسم‬
‫‪4‬‬
‫الجمع ‪ ،‬ويُوجبون التذكي َر في جمع المذكر السالم ‪ ،‬والتأنيثَ في جمع المؤنث السالم ‪.‬‬
‫ل مؤنثاً سواءٌ أكان حقيقيًا أم مجازياً ‪ ،‬وسواءٌ أكان ظاهرًا أم‬
‫إنّ الياتِ التي ورد فيها الفاع ُ‬
‫ن فعله‬‫مضمراً ‪ ،‬وسواءٌ أكان مفرداً أم مثنىً أم جمعاً ‪ ،‬في حالة اتصاله بفعله أو انفصاله ‪ ،‬نجدُ أ ّ‬
‫قد ألحقت به علم ُة التأنيث في أغلب المواطن ‪ ،‬والتي تصلُ إلى ضعفي مواطن ترك العلمة ‪،‬‬
‫بعبارةٍ اُخرى ‪ ،‬إنّ القرآن الكريم حافظ على المطابقة بين الفعل وفاعله المؤنث ‪ ،‬بإلحاق علمة‬
‫التأنيث بالفعل بنسبة أكبر من ترك هذه المطابقة ‪.‬‬
‫‪ 1‬شرح الرضي على الكافية ‪ ، 3/345 ،‬وينظر ‪ :‬الفرائد الجديدة ‪ ، 2/811 ،‬والبيت للشنفرى الزدي من قصيدته المسماة بلمية‬
‫ل ‪ ،‬وأُحاظة ‪:‬‬
‫ب ‪ ،‬والعب ‪ :‬الجرع ‪ ،‬وغشاشاً ‪ :‬أي على عجل ‪ ،‬أو شربت قلي ً‬‫العرب ‪،‬في وصف سرب من القطا بعد أن شَرِ َ‬
‫موضع ‪ ،‬أو اسم قبيلة من اليمن أو الزد ‪ ،‬ومجفل ‪ :‬مسرع ‪ ،‬ينظر ‪ ،‬ديوانه ‪ ،65 ،‬وشرح الرضي على الكافية ‪ ،3/345 ،‬هـ ‪.1‬‬

‫‪ 2‬ينظر ‪( :‬العراف ‪( ، )38 /‬النفال ‪( ، )19 /‬يوسف ‪. )94 /‬‬


‫‪ 3‬ينظر ‪( :‬النساء ‪( ، )153 /‬العراف ‪( ، )160 /‬يونس ‪( ، )24 /‬الحجرات ‪. )11 /‬‬
‫‪ 4‬ينظر ‪ :‬شرح شذور الذهب ‪ ، 171 ،‬هـ ‪. 3‬‬
‫الصفحة ‪ 50‬من ‪142‬‬
‫ت التي ورد فيها تركُ العلمة ‪ ،‬ولو دققنا النظر في تعليل‬
‫إل أنّه ل يجد ُر بنا تجاهل اليا ِ‬
‫النحاة لبعض مواطن التذكير ‪ ،‬فإننا ل نجدُ فيها قوةَ الحج ِة ‪ ،‬بل إنّ هناكَ بعض اليات تنقض ما‬
‫ل النحاة ‪ :‬إنّ الفصل بين الفعل وفاعله المؤنث‬‫ذهبوا إليه في مثل تلك التعليلتِ ‪ ،‬من ذلك مثلً قو ُ‬
‫ضرَ القاضيَ امرأةٌ) ‪،‬‬
‫ح َ‬
‫ك علمةِ التأنيثِ " وكلما طال الكلمُ فهو أحسن ‪ ،‬نحو قولكَ ‪َ ( :‬‬‫‪ ،‬يُبيحُ تر َ‬
‫‪1‬‬
‫لنّه إذا طال الكلمُ كان الحذفُ أجمل …" ‪.‬‬
‫ه‬
‫ن َرب ِّ ِ‬‫م ْ‬
‫ة ِ‬‫عظَ ٌ‬
‫و ِ‬ ‫م ْ‬
‫جاءَهُ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ف َ‬ ‫لكننا نجد في قوله تعالى ‪:‬‬
‫َ‬
‫م‬‫جاءَتْك ُ ْ‬ ‫قدْ َ‬‫س َ‬ ‫ها النَّا ُ‬ ‫يَا أي ُّ َ‬ ‫(البقرة‪ ، )275:‬وقوله تعالى ‪:‬‬
‫ن الفاصلَ في الية الُولى ‪( :‬الهاء) أقلّ‬ ‫م (يونس‪ ، )57:‬أ ّ‬ ‫ن َرب ِّك ُ ْ‬
‫م ْ‬ ‫عظَ ٌ‬
‫ة ِ‬ ‫و ِ‬‫م ْ‬
‫َ‬
‫من الفاصل في الية الثانية ‪( :‬كم) ‪ ،‬ومع ذلك ‪ ،‬أنثَ مع الفاصل الكبر ‪ ،‬وذ ّكرَ مع الفاصل‬
‫‪2‬‬
‫الصغر ‪ ،‬والفعلُ والفاعلُ واح ٌد في الحالتين !! ‪.‬‬

‫وفي مواطنَ أخرى نج ُد أنّ الفعلَ والفاعل والفاصلَ واح ٌد ‪َ ،‬فيُذكّرهُ في موطن ‪ ،‬ويؤنثهُ في‬
‫م (النعام‪، )157:‬‬ ‫ن َربِّك ُ ْ‬‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫م بَيِّن َ ٌ‬‫جاءَك ُ ْ‬ ‫د َ‬ ‫ق ْ‬‫ف َ‬
‫َ‬ ‫آخر ‪ ،‬يقول تعالى ‪:‬‬
‫م (العراف‪73:‬و ‪، ) 85‬‬ ‫ن َرب ِّك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫جاءَتْك ُ ْ‬
‫م بَي ِّن َ ٌ‬ ‫َ‬
‫قدْ َ‬ ‫ويقول تعالى ‪:‬‬
‫ث‪.‬‬‫فالفعلُ واحدٌ (جاءَ) ‪ ،‬والفاعلُ واح ٌد (بينة) ‪ ،‬والفاصلُ واح ٌد (كم) ‪ ،‬فمرةً ذكّر ‪ ،‬ومرةً أن َ‬

‫َ‬
‫(هود‪ )67:‬وقال‬ ‫ة‬
‫ح ُ‬‫صي ْ َ‬‫موا ال َّ‬ ‫ن ظَل َ ُ‬ ‫خذَ ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫وأ َ َ‬
‫َ‬ ‫وقال تعالى ‪:‬‬
‫َ‬
‫ة (هود‪ ، )94:‬فالفعلُ واحدٌ‬ ‫ح ُ‬ ‫موا ال َّ‬
‫صي ْ َ‬ ‫ن ظَل َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ت ال ّ ِ‬ ‫وأ َ َ‬
‫خذَ ِ‬ ‫َ‬ ‫تعالى ‪:‬‬
‫ل واحدٌ (الصيحة) ‪ ،‬والفاصلُ واح ٌد (الذين ظلموا) ‪ ،‬فمرةً ذكّر ‪ ،‬ومرةً أ ّنثَ ‪ ،‬ولو‬ ‫(أخذَ) ‪ ،‬والفاع ُ‬
‫ل هذه المواطنِ لطال المقامُ بنا ‪ ،‬إل أننا نقول ‪ :‬إنّ إلحاق علمة التأنيث بفعل الفاعل‬ ‫تتبعنا مث َ‬
‫‪3‬‬
‫المؤنث ‪،‬أم ٌر يحكمه المعنى والسياقُ والمقامُ ‪.‬‬

‫‪ 1‬الكتاب ‪ ، 2/38 ،‬وينظر ‪ :‬المقتضب ‪ 2/148 ،‬و ‪ ، 2/338‬والتكملة ‪ ، 294 ،‬وشرح المفصل ‪. 2/92 ،‬‬

‫‪ 2‬ينظر ‪ :‬معاني النحو ‪. 2/482 ،‬‬


‫‪ 3‬ينظر ‪ :‬حاشية الصبان ‪. 2/52 ،‬‬
‫الصفحة ‪ 51‬من ‪142‬‬
‫إنّ الحملَ على المعنى " مدارُ كثيرٍ من أحوال التذكير والـتأنيث في القرآن الكريم ‪ ،‬وقد‬
‫‪1‬‬
‫يكون لغرضٍ آخر ‪ ،‬كتنزيل المذكرِ منزلةَ المؤنثِ ‪ ،‬وبالعكس ‪ ،‬أو لغير ذلك من الغراض " ‪.‬‬

‫ه‬
‫ن َرب ِّ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬‫عظَ ٌ‬‫و ِ‬‫م ْ‬
‫جاءَهُ َ‬‫ن َ‬‫م ْ‬ ‫ف َ‬‫َ‬ ‫ولنأخذ على سبيل المثال قولَه تعالى ‪:‬‬
‫َ‬
‫م‬‫جاءَتْك ُ ْ‬‫قدْ َ‬‫س َ‬ ‫ها النَّا ُ‬‫يَا أي ُّ َ‬ ‫(البقرة‪ ،)275:‬وقولَه سبحانه ‪:‬‬
‫م (يونس‪.)57:‬‬ ‫ن َربِّك ُ ْ‬
‫م ْ‬ ‫عظَ ٌ‬
‫ة ِ‬ ‫و ِ‬‫م ْ‬
‫َ‬

‫فـ (الموعظة) في الية الُولى بمعنى (القرآن) ‪ ،‬يقول أبو جعفر النحاس ‪ " :‬ثم قال تعالى ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫هى‬
‫‪،‬قال سفيان ‪ :‬يعني القرآن " ‪.‬‬‫ه فانت َ َ‬‫ن َرب ِّ ِ‬
‫م ْ‬
‫ة ِ‬‫عظَ ٌ‬
‫و ِ‬‫م ْ‬
‫جاءَهُ َ‬‫ن َ‬‫م ْ‬ ‫ف َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫عظَ ٌ‬
‫ة ِ‬ ‫و ِ‬
‫م ْ‬
‫جاءَهُ َ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ف َ‬ ‫أو إن (الموعظة) بمعنى (الوعظ) ‪ ،‬يقول الواحدي ‪" :‬‬
‫‪3‬‬
‫ه أي ‪ :‬وعظٌ " ‪.‬‬ ‫َرب ِّ ِ‬

‫ن‬
‫م ْ‬‫ة ِ‬‫عظَ ٌ‬ ‫و ِ‬
‫م ْ‬
‫جاءَهُ َ‬
‫ن َ‬ ‫َ‬
‫فم ْ‬ ‫أو إن (الموعظة) بمعنى (النهي) ‪ ،‬يقول ابنُ كثير ‪" :‬‬
‫َ َ َّ‬ ‫ف َ‬
‫‪،‬أي ‪ :‬من بلغه نهيّ‬ ‫ه‬
‫مُرهُ إِلى الل ِ‬
‫وأ ْ‬ ‫سل َ َ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ه َ‬ ‫فل َ ُ‬
‫هى َ‬ ‫ه َ‬
‫فانْت َ َ‬ ‫َرب ِّ ِ‬
‫‪4‬‬
‫عن الربا ‪ ،‬فانتهى حالَ وصولِ الشرعِ إليه ‪ ،‬فله ما سلفَ من المعاملةِ " ‪.‬‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫عظَ ٌ‬
‫ة ِ‬ ‫و ِ‬
‫م ْ‬
‫جاءَهُ َ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ف َ‬ ‫أو إنّ (الموعظة) بمعنى (البيان) ‪ ،‬يقول السيوطي ‪" :‬‬
‫يعني البيان‬ ‫ه‬
‫َرب ِّ ِ‬
‫‪5‬‬
‫الذي في القرآن في تحريم الربا " ‪.‬‬
‫‪ 1‬معاني النحو ‪. 2/483 ،‬‬

‫‪ 2‬معاني القرآن الكريم ‪ ،‬النحاس ‪. 1/307 ،‬‬


‫‪ 3‬الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ‪ ، 1/192 ،‬وينظر ‪ :‬معالم التنزيل ‪ ، 1/263 ،‬والكشاف ‪ ، 1/302 ،‬وزاد المسير ‪، 1/331 ،‬‬
‫والتبيان في إعراب القرآن ‪ ، 1/116 ،‬وحجة القراءات ‪ 1/39 ،‬و ‪ ، 1/373‬والجامع لحكام القرآن ‪ 2/268 ،‬و ‪. 17/57‬‬
‫‪ 4‬تفسير القرآن العظيم ‪. 1/238 ،‬‬
‫‪ 5‬الدر المنثور ‪ ، 2/105 ،‬وينظر ‪ :‬فتح القدير ‪. 1/297 ،‬‬

‫الصفحة ‪ 52‬من ‪142‬‬


‫ب كلّ تلك المعاني‬
‫ج ُ‬
‫فلفظ (الموعظة) يُحملُ على معنىً مذك ٍر ‪ ،‬ذلك لنّ السياقَ يُو ِ‬
‫ل على العبد‬
‫المذكورة ‪ ،‬ول أقولُ أحدَها أو بعضَها ‪ ،‬فـ (الموعظة) هي القرآن الكريم ‪ ،‬وهو دلي ٌ‬
‫إذا خالفه ‪ ،‬وهو تبيانٌ لما يجبُ على ذلك العبدِ من تركِ محظو ٍر منه‪ ،‬أو إتيان مأمور به ‪ ،‬وهو‬
‫سيَ ‪ ،‬وناهٍ له إذا تجاوز ‪.‬‬
‫واعظٌ للعبد إذا نَ ِ‬

‫م‬‫ن َرب ِّك ُ ْ‬


‫م ْ‬ ‫عظَ ٌ‬
‫ة ِ‬ ‫و ِ‬‫م ْ‬ ‫جاءَتْك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫قدْ َ‬‫َ‬ ‫أما قوله تعالى ذكرهُ في الية الثانية‪:‬‬
‫ب الخلقَ مرغباً لهم في خطابه ؛ للقبال‬ ‫(يونس‪ ، )57:‬فالكلمُ على أصله ‪ ،‬فالخالقُ يخاط ُ‬
‫إلى هذا الكتابِ الكريم بذكر أوصافه التي كلها ح َسنَة ‪ ،‬وهي ضروريةٌ للعباد ‪ ،‬فقال ‪ :‬يَا‬
‫َ‬
‫ة ‪ ،‬تعظكم وتنذركم من العمالِ الموجبةِ‬ ‫عظَ ٌ‬ ‫و ِ‬
‫م ْ‬
‫م َ‬ ‫جاءَتْك ُ ْ‬
‫قدْ َ‬ ‫س َ‬‫ها النَّا ُ‬ ‫أي ُّ َ‬
‫لسخطِ الِ ‪ ،‬والمقتضية لعقابه ‪ ،‬وتحذركم عنها ‪ ،‬ببيانِ آثارِ ارتكابها ‪ ،‬وما يلحق ذلك من مفاسد ‪.‬‬
‫َ‬
‫فـ (الموعظة) بمعنى (الذكرى) ‪ ،‬يقول القرطبيّ ‪ " :‬يقول تعالى ذكره لخلقه ‪ :‬يَا أي ُّ َ‬
‫ها‬
‫م ‪ ،‬يعني ‪ :‬ذكرى تذكركم عقابَ ال‬ ‫ن َرب ِّك ُ ْ‬
‫م ْ‬
‫ة ِ‬ ‫عظَ ٌ‬‫و ِ‬
‫م ْ‬
‫م َ‬‫جاءَتْك ُ ْ‬
‫قدْ َ‬‫س َ‬‫النَّا ُ‬
‫‪1‬‬
‫‪ ،‬وتخوفكم وعي َدهُ " ‪.‬‬

‫َ‬
‫جاءَتْك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ها النَّا ُ‬
‫س َ‬
‫قدْ َ‬ ‫يَا أي ُّ َ‬ ‫أو بمعنى (التزكية) ‪ ،‬يقول اللوسي ‪" :‬‬
‫م أي ‪ :‬تزكيةٌ لنفوسكم بالوعد والوعيد ‪ ،‬والزجر عن الذنوب‬ ‫ن َربِّك ُ ْ‬
‫م ْ‬ ‫عظَ ٌ‬
‫ة ِ‬ ‫و ِ‬‫م ْ‬
‫َ‬
‫‪2‬‬
‫المتسببة للعقاب ‪ ،‬والتحريض على الطاعة الموجبة بفضل ال تعالى للثواب " ‪.‬‬
‫ب ليةِ سورةِ‬
‫ب ليةِ سورةِ البقرةِ ‪ ،‬وأما التأنيثُ ‪ ،‬فهو مناس ٌ‬ ‫ظ أنّ التذكيرَ مناس ٌ‬
‫فنحنُ نلح ُ‬
‫س‪.‬‬
‫يون َ‬
‫م (النعام‪، )157:‬‬ ‫ن َربِّك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬‫م بَيِّن َ ٌ‬ ‫جاءَك ُ ْ‬ ‫قدْ َ‬ ‫ف َ‬‫َ‬ ‫وقولَه تعالى ‪:‬‬
‫م (العراف‪73:‬و ‪) 85‬‬ ‫ن َربِّك ُ ْ‬‫م ْ‬‫ة ِ‬ ‫م بَيِّن َ ٌ‬‫جاءَتْك ُ ْ‬‫د َ‬ ‫َ‬
‫ق ْ‬ ‫وقولَه تعالى ‪:‬‬
‫ت‪.‬‬
‫ق هذه اليا ِ‬ ‫ب الختلفِ ‪ ،‬ل بد لنا من الرجوع إلى سيا ِ‬ ‫‪ ،‬ولمعرفةِ سب ِ‬

‫علَى‬‫ماما ً َ‬ ‫َ‬ ‫ب تَ‬‫سى الْكِتَا َ‬ ‫مو َ‬ ‫ُ‬ ‫م آتَيْنَا‬ ‫يقول تعالى قبل آية النعام ‪ :‬ث ُ َّ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ه ْ‬ ‫عل ّ ُ‬‫ةل َ‬ ‫م ً‬‫ح َ‬‫وَر ْ‬
‫ى َ‬‫هد ً‬ ‫و ُ‬ ‫ء َ‬‫ي ٍ‬ ‫ْ‬ ‫ش‬‫ل َ‬ ‫صيل ً لِك ُ ِّ‬‫ف ِ‬‫وت َ ْ‬
‫ن َ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫ذي أ ْ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ه‬ ‫فاتَّب ِ ُ‬
‫عو ُ‬ ‫ك َ‬‫مبَاَر ٌ‬ ‫ب أنَْزلْنَاهُ ُ‬ ‫هذَا كِتَا ٌ‬ ‫و َ‬ ‫ن ‪َ ‬‬‫منُو َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م يُ ْ‬‫ه ْ‬‫ء َرب ِّ ِ‬ ‫بِل ِ َ‬
‫قا ِ‬
‫‪ 1‬الجامع لحكام القرآن ‪. 11/124 ،‬‬
‫‪ 2‬روح المعاني ‪. 11/176 /‬‬

‫الصفحة ‪ 53‬من ‪142‬‬


‫علَى‬ ‫قولُوا إن َّما أ ُ‬ ‫قوا ل َعلَّك ُم ت ُرحمون ‪ ‬أ َ‬ ‫وات َّ ُ‬
‫ب َ‬ ‫ل الْكِتَا ُ‬ ‫ز َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ْ‬ ‫ْ ْ َ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫و‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ن َ‬ ‫طائ ِ َ‬ ‫َ‬
‫ن‪ ‬أ ْ‬ ‫فلِي َ‬ ‫غا ِ‬ ‫مل َ‬ ‫ه ْ‬ ‫س َت ِ ِ‬‫ن ِدَرا َ‬ ‫ع ْ‬ ‫ن كن ّا َ‬ ‫وإ ِ ْ‬‫قبْلِنَا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫فتَي ْ ِ‬
‫ب لَكُنَّا أ ْ‬ ‫ُ‬
‫و أنَّا أن ْ‬ ‫َ‬
‫د‬
‫ق ْ‬‫ف َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬
‫هدَى ِ‬ ‫علَيْنَا الْكِتَا ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ز َ‬ ‫ِ‬ ‫قولُوا ل َ ْ‬ ‫تَ ُ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫م َّ‬ ‫م ِ‬ ‫ن أظْل َ ُ‬ ‫م ْ‬
‫َ‬ ‫ف َ‬ ‫ة َ‬ ‫م ٌ‬‫ح َ‬ ‫وَر ْ‬ ‫ى َ‬ ‫هد ً‬ ‫و ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن َربِّك ُ ْ‬ ‫م ْ‬
‫َ‬
‫ة ِ‬ ‫م بَيِّن َ ٌ‬ ‫جاءَك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ع ْ‬
‫ن َ‬ ‫فو َ‬ ‫د ُ‬‫ص ِ‬ ‫زي ال ّ ِ‬ ‫ت الل ّ ِ‬ ‫َ‬
‫كَذّ َ‬
‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ج ِ‬‫سن َ ْ‬ ‫ها َ‬ ‫عن ْ َ‬ ‫ف َ‬ ‫صدَ َ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫ب بِآيا ِ‬
‫(النعام‪-154:‬‬ ‫ن‬‫فو َ‬ ‫د ُ‬ ‫ص ِ‬‫ما كَانُوا ي َ ْ‬ ‫ب بِ َ‬ ‫عذَا ِ‬ ‫سوءَ ال ْ َ‬ ‫آيَاتِنَا ُ‬
‫‪)157‬‬

‫فنحنُ نجدُ أنّ مدا َر الحديث حول الكتب السماوية ‪( :‬ثم أتينا موسى الكتاب) ‪(،‬وهذا كتابُ‬
‫أنزلناه) ‪( ،‬إنما أُنزل الكتابُ) ‪( ،‬لو أنا أُنزل علينا الكتابُ) ‪،‬ثم يقول تعالى ‪( :‬فقد جاءكم بينةٌ) ‪،‬‬
‫ث عن الكتب السماوية ‪ ،‬يقول‬ ‫والمقصود بـ (البينة) هنا (القرآن) ‪ ،‬مناسبة للسياق العام الذي يتحد ُ‬
‫أبو حيان ‪ " :‬والظاهر أنّ (البينة) هي (القرآن) ‪ ،‬وهو الحج ُة الواضحةُ الدالةُ النيرةُ ‪ ،‬حيثُ َنزَلَ‬
‫‪1‬‬
‫عليهم بلسانهم ‪ ،‬وألزم العالمَ أحكامَهُ وشري َعتَهُ " ‪.‬‬

‫ب أنزله الُ‬
‫أي ‪ :‬كتا ٌ‬ ‫ن َربِّك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م ْ‬
‫ة ِ‬ ‫جاءَك ُ ْ‬
‫م بَي ِّن َ ٌ‬ ‫ف َ‬
‫قدْ َ‬ ‫َ‬ ‫ويقول الشوكاني ‪" :‬‬
‫‪2‬‬
‫على نبيكم ‪ ،‬وهو منكم يا معشرَ العربِ " ‪ ،‬ولذلك ل يُناسبُ هنا إل التذكير ‪.‬‬

‫صاحبِ الناقة ‪ ،‬ولننظر إلى‬


‫أما آيتا العرافِ ‪ ،‬فالُولى منهما في قصة نبي ال صالح‬
‫وم‬ ‫ل يَا َ‬
‫ق ْ ِ‬ ‫صالِحا ً َ‬
‫قا َ‬ ‫م َ‬
‫ه ْ‬
‫خا ُ‬‫مودَ أ َ َ‬
‫وإِلَى ث َ ُ‬
‫َ‬ ‫ل تعالى يقولُ ‪:‬‬
‫الية نفسها ‪ ،‬فا ُ‬
‫َ‬
‫ن َربِّك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م ْ‬‫ة ِ‬ ‫م بَيِّن َ ٌ‬
‫ْ‬ ‫جاءَتْك ُ‬‫قدْ َ‬ ‫غيُْرهُ َ‬‫ه َ‬‫ن إِل َ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ْ‬ ‫ما لَك ُ‬ ‫َ‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫عبُدُوا الل ّ‬ ‫ا ْ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ول‬ ‫ه َ‬‫ض الل ِ‬ ‫في أْر ِ‬ ‫ل ِ‬‫ها تَأك ُ ْ‬‫فذَُرو َ‬ ‫ة َ‬ ‫م آي َ ً‬ ‫ه لَك ُ ْ‬‫ة الل ّ ِ‬ ‫ه نَا َ‬
‫ق ُ‬ ‫ذ ِ‬
‫ه ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫م (العراف‪ ، )73:‬فنحنُ‬ ‫ب ألِي ٌ‬ ‫عذَا ٌ‬
‫م َ‬ ‫خذَك ُ ْ‬ ‫فيَأ ُ‬ ‫ء َ‬‫سو ٍ‬ ‫ها ب ِ ُ‬ ‫سو َ‬ ‫م ُّ‬ ‫تَ َ‬
‫‪ ،‬ولوجدنا أيضًا أنّ تفسيرَ (البينة) يعني (الناقة)‬ ‫ن الحديثَ فيها عن الناقة ‪ ،‬وهي معجزتُهُ‬
‫نجدُ أ ّ‬
‫َ‬
‫ة‬ ‫لَك ُ ْ‬
‫م آي َ ً‬ ‫ة الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ه نَا َ‬
‫ق ُ‬ ‫ذ ِ‬
‫ه ِ‬ ‫ن َرب ِّك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫م ْ‬
‫ة ِ‬ ‫جاءَتْك ُ ْ‬
‫م بَي ِّن َ ٌ‬ ‫د َ‬ ‫‪ ،‬بدليل ‪َ :‬‬
‫ق ْ‬

‫‪ 1‬البحر المحيط ‪. 4/697 ،‬‬


‫‪ 2‬فتح القدير ‪ ، 2/219 ،‬وينظر ‪ :‬معاني النحو ‪. 2/486 ،‬‬

‫الصفحة ‪ 54‬من ‪142‬‬


‫‪ ،‬أي آية ظاهرة وشاهدٌ على صحة‬ ‫ة‬ ‫جاءَتْك ُ ْ‬
‫م بَيِّن َ ٌ‬ ‫َ‬
‫قدْ َ‬ ‫‪ ،‬ويقولُ الزمخشري ‪" :‬‬
‫‪1‬‬ ‫َ‬
‫" ‪.‬‬ ‫ة‬ ‫ه لَك ُ ْ‬
‫م آي َ ً‬ ‫ة الل ّ ِ‬ ‫ه نَا َ‬
‫ق ُ‬ ‫ذ ِ‬
‫ه ِ‬
‫َ‬ ‫نبوتي ‪ ،‬وكأنه قِيلَ ‪ :‬ما هذه البينة ؟ فقال ‪:‬‬

‫فالمقا ُم يتطلب التأنيثَ ؛ كون (البينة) ‪ ،‬ناقةَ صالح ‪ ،‬وهي حجته على قومه بصحة نبوته ‪.‬‬

‫ن‬‫مدْي َ َ‬ ‫وإِلَى َ‬ ‫َ‬ ‫وأما الية الثانية ‪ ،‬ففي قصة نبي ال شعيب ‪ ،‬يقول تعالى ‪:‬‬
‫َ‬
‫ه َ‬
‫غيُْرهُ‬ ‫ن إِل َ ٍ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫ما لَك ُ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫عبُدُوا الل ّ َ‬ ‫وم ِ ا ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫ل يَا َ‬ ‫عيْبا ً َ‬
‫قا َ‬ ‫ش َ‬ ‫م ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫خا ُ‬ ‫أَ َ‬
‫ة من ربك ُم َ َ‬
‫ول‬ ‫ن َ‬ ‫ميَزا َ‬ ‫وال ْ ِ‬ ‫ل َ‬ ‫فوا الْكَي ْ َ‬ ‫و ُ‬‫فأ ْ‬ ‫م بَيِّن َ ٌ ِ ْ َ ِّ ْ‬ ‫جاءَتْك ُ ْ‬ ‫قدْ َ‬ ‫َ‬
‫عدَ‬ ‫ض بَ ْ‬ ‫ْ َ‬
‫في الْر ِ‬ ‫سدُوا ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫ول ت ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫شيَاءَ ُ‬ ‫س أَ ْ‬
‫سوا النَّا َ‬ ‫خ ُ‬ ‫تَب ْ َ‬
‫ن (العراف‪، )85:‬‬ ‫منِي َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬
‫م ُ‬ ‫ن كُنْت ُ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫خيٌْر لَك ُ ْ‬‫م َ‬‫ها ذَلِك ُ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫صل ِ‬ ‫إِ ْ‬
‫ة‬
‫م بَي ِّن َ ٌ‬ ‫جاءَتْك ُ ْ‬ ‫قدْ َ‬ ‫و (البينة) هنا (المعجزة) أو (الموعظة) ‪ ،‬يقولُ الزمخشري ‪َ " :‬‬
‫ت عليكم اليمانَ بي ‪ ،‬والخذَ بما آمركم به‬ ‫م ‪ ،‬معجزةٌ شاهدةٌ بصحة نبوتي أوجب ْ‬ ‫ن َربِّك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫‪2‬‬
‫والنتهاءَ عمّا أنهاكم عنه ‪ ،‬فآمنوا ول تبخسوا " ‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫ل إل التأنيثَ ‪.‬‬
‫ويقولُ أبو حيان ‪ " :‬و (البينة) هنا الموعظة " ‪ ،‬وواضحٌ أنّ المقامَ ل يحتم ُ‬

‫َ‬
‫(هود‪:‬‬ ‫ة‬
‫ح ُ‬ ‫صي ْ َ‬ ‫موا ال َّ‬ ‫ن ظَل َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫خذَ ال ّ ِ‬ ‫وأ َ َ‬
‫َ‬ ‫وننتقل إلى قوله تعالى ‪:‬‬
‫َ‬
‫(هود‪، )94:‬‬ ‫ة‬
‫ح ُ‬ ‫صي ْ َ‬ ‫موا ال َّ‬ ‫ن ظَل َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ت ال ّ ِ‬ ‫خذَ ِ‬ ‫وأ َ َ‬‫َ‬ ‫‪ )67‬وقوله تعالى ‪:‬‬
‫جيْنَا‬ ‫مُرنَا ن َ َّ‬ ‫َ‬ ‫فل َ َّ‬‫َ‬
‫جاءَ أ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫فالي ُة الولى في قصة نبي ال صالح ‪ ،‬يقول تعالى ‪:‬‬
‫َ‬
‫ن‬‫ذ إ ِ َّ‬‫مئ ِ ٍ‬
‫و ِ‬‫ي يَ ْ‬ ‫خْز ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫و ِ‬ ‫منَّا َ‬ ‫ة ِ‬ ‫م ٍ‬‫ح ََ‬‫ه بَِر ْ‬ ‫ع ُ‬ ‫م َ‬‫منُوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وال ّ ِ‬
‫صالِحا ً َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ة‬
‫ح ُ‬‫صي ْ َ‬ ‫موا ال َّ‬ ‫ن ظَل َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫خذَ ال ّ ِ‬ ‫وأ َ‬ ‫زيُز ‪َ ‬‬ ‫ع ِ‬‫ي ال ْ َ‬ ‫و ُّ‬‫ق ِ‬‫و ال ْ َ‬‫ه َ‬‫ك ُ‬ ‫َرب َّ َ‬
‫ن (هود‪66:‬و ‪. )67‬‬ ‫َ َ‬
‫مي َ‬ ‫جاث ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫ر ِ‬‫في ِديَا ِ‬ ‫حوا ِ‬ ‫صب َ ُ‬
‫فأ ْ‬

‫‪ 1‬الكشاف ‪ ، 1/55 ،‬وينظر ‪ :‬تفسير النسفي ‪ ، 2/61 ،‬والبحر المحيط ‪. 92-5/91 ،‬‬
‫‪ 2‬الكشاف ‪ ، 1/559 ،‬وينظر ‪ :‬تفسير النسفي ‪. 2/63 ،‬‬
‫‪ 3‬البحر المحيط ‪. 5/104 ،‬‬

‫الصفحة ‪ 55‬من ‪142‬‬


‫مُرنَا‬ ‫َ‬ ‫ول َ َّ‬
‫جاءَ َأ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬ ‫وأما اليةُ الثانية ففي قصة نبي ال شعيب ‪ ،‬يقول تعالى ‪:‬‬
‫َّ‬
‫ن‬‫ذي َ‬‫ت ال ّ ِ‬ ‫وأ َ َ‬
‫خذَ ِ‬ ‫َ‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ة‬
‫ٍ‬ ‫م‬‫َ‬ ‫ح‬‫ْ‬ ‫ر‬
‫ِ َ‬ ‫ب‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫وا‬‫ُ‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫آ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ذي‬‫ِ‬ ‫وال‬‫عيْبا ً َ‬ ‫جيْنَا ُ‬
‫ش َ‬ ‫ن َ َّ‬
‫ة َ َ‬
‫ن (هود‪، )94:‬‬ ‫مي َ‬ ‫جاث ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ر ِ‬ ‫في ِديَا ِ‬ ‫حوا ِ‬ ‫صب َ ُ‬
‫فأ ْ‬ ‫ح ُ‬‫صي ْ َ‬ ‫ظَل َ ُ‬
‫موا ال َّ‬
‫فقد ذكّر في الية الُولى ‪ ،‬وأنثَ في الية الثانية ‪ ،‬ويقول المفسرون إنّ هذا من باب الحمل على‬
‫المعنى ‪ ،‬فعندما يُذكّر ‪ ،‬يحمل (الصيحة) على (الصياح) ‪ ،‬وعندما يؤنث ‪ ،‬يأخذ اللفظَ على ظاهره‬
‫ت التاءُ ؛ لنه حمل على معنى‬
‫‪ ،‬وهو التأنيثُ ‪ ،‬جاء في مشكل إعراب القرآن ‪ " :‬وقيل إنما حُذف ِ‬
‫‪1‬‬
‫(الصياح) ‪ ،‬إذ الصيحةُ والصياحُ بمعنىً واحدٍ ‪ ،‬وكذلك ال ِعلّةُ في كلّ ما شابهَهُ " ‪ .‬ولو دققنا النظرَ‬
‫في سياق اليتين لوجدنا ‪:‬‬
‫أولً ‪:‬‬
‫في قصة نبي ال صالح ‪ ،‬تكون (الصيحة) بمعنى (العذاب) و (الخزي) ‪ ،‬وهو معنىً‬
‫مذكرٌ ‪ ،‬يُناسب تركَ العلمةِ من الفعلِ ‪ ،‬والدليلُ قوله تعالى قبل هذه الية ‪:‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫منَّا‬
‫ة ِ‬‫م ٍ‬ ‫ح‬
‫ْ‬ ‫ر‬‫ب‬ ‫ه‬
‫َ ُ ِ َ َ‬‫ع‬
‫َ‬ ‫م‬ ‫وا‬ ‫ُ‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫آ‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ذي‬‫ِ‬ ‫وال‬ ‫صالِحا ً َ‬‫جيْنَا َ‬ ‫مُرنَا ن َ َّ‬ ‫جاءَ أ ْ‬‫ما َ‬‫فل َ َّ‬
‫َ‬
‫ز (هود‪، )66:‬‬ ‫زي ُ‬
‫ع ِ‬ ‫ي ال ْ َ‬ ‫و ُّ‬‫ق ِ‬ ‫و ال ْ َ‬‫ه َ‬
‫ك ُ‬ ‫ذ إ ِ َّ‬
‫ن َرب َّ َ‬ ‫مئ ِ ٍ‬
‫و ِ‬
‫ي يَ ْ‬‫خْز ِ‬‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫و ِ‬
‫َ‬
‫‪2‬‬
‫والموافق ُة واضح ٌة ‪.‬‬

‫‪ ،‬في القرآن الكريم كلّ ِه ‪:‬‬


‫ص قصةَ نبي ال شعيبٍ‬ ‫ولنتتبع آياتٍ تخ ُ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫ن اتَّب َ ْ‬
‫عت ُ ْ‬ ‫م ِ َ‬
‫ه لئ ِ ِ‬ ‫و ِ‬ ‫ن َ‬
‫ق ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن كَ َ‬
‫فُروا ِ‬ ‫ذي َ‬‫مَل ُ ال ّ ِ‬
‫ل ال ْ َ‬ ‫و َ‬
‫قا َ‬ ‫َ‬ ‫يقول تعالى ‪:‬‬
‫ة َ َ‬ ‫فأ َ َ‬
‫في‬
‫حوا ِ‬ ‫صب َ ُ‬ ‫فأ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫ج َ‬ ‫م الَّر ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫خذَت ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫سُرو َ ‪‬‬ ‫خا ِ‬ ‫م إِذا ً ل َ َ‬ ‫عيْبا ً إِنَّك ُ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫ُ‬
‫وإِلَى‬ ‫َ‬ ‫ن (العراف‪ ، )91-90:‬ويقول تعالى ‪:‬‬ ‫مي َ‬ ‫جاث ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ر ِ‬ ‫ِ‬ ‫دَا‬
‫َّ‬
‫جوا‬ ‫واْر ُ‬ ‫ه َ‬‫عبُدُوا الل َ‬ ‫وم ِ ا ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫ل يَا َ‬ ‫قا َ‬ ‫ف َ‬‫عيْبا ً َ‬ ‫ش َ‬ ‫م ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫خا ُ‬ ‫ن أَ َ‬ ‫مدْي َ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫م اْل ِ‬
‫فكَذّبُو ُ‬
‫ه‬ ‫ن‪َ ‬‬ ‫دي َ‬ ‫س ِ‬‫ف ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ض ُ‬ ‫في الْر ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫عث َ ْ‬
‫ول ت َ ْ‬ ‫خَر َ‬ ‫و َ‬‫الْي َ ْ‬
‫ة َ َ‬ ‫ج َ‬ ‫فأ َ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫مي َ‬ ‫جاث ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ر ِ‬ ‫في دَا ِ‬ ‫حوا ِ‬ ‫صب َ ُ‬ ‫فأ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫م الَّر ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫خذَت ْ ُ‬
‫َ‬
‫ب ْلَيْك َ ِ‬
‫ة‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫بأ ْ‬ ‫(العنكبوت‪ ، )37-36:‬ويقول تعالى ‪ :‬كَذَّ َ‬
‫ن‪َ َ …‬‬
‫فكَذّبُوهُ‬ ‫قو َ‬ ‫ب أَل تَت َّ ُ‬ ‫عي ْ ٌ‬ ‫ش َ‬‫م ُ‬ ‫ه ُ َْ‬‫ل لَ ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ن ‪‬إِذْ َ‬ ‫سلِي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫يم‬
‫عظِ ٍ‬ ‫وم ٍ َ‬ ‫ب يَ ْ‬ ‫عذَا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ه كَا َ‬ ‫ة إِن َّ ُ‬‫وم ِ الظّل ّ ِ‬ ‫ب يَ ْ‬ ‫عذَا ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫خذَ ُ‬ ‫فأ َ َ‬ ‫َ‬
‫(الشعراء‪. )189-177-176:‬‬

‫‪ 1‬مشكل إعراب القرآن ‪، 1/368 ،‬وينظر ‪ :‬زاد السير ‪ ، 5/147 ،‬وحجة القراءات ‪ ، 1/373 ،‬والجامع لحكام القرآن ‪ 9/92 ،‬و‬
‫‪. 17/57‬‬
‫‪ 2‬ينظر ‪ :‬نتائج الفكر ‪. 170 ،‬‬

‫الصفحة ‪ 56‬من ‪142‬‬


‫فنحنُ نجدُ (الرجفةُ) في العراف والعنكبوت ‪ ،‬و (الظلةِ) في الشعراء ‪ ،‬وهذان اللفظان‬
‫‪1‬‬
‫ث التأنيث مع (الصيحة) في هود ‪ ،‬ويقول ابنُ القيم ‪ " :‬فإنّ الرجفةَ بدأت‬
‫يتوافقان تمامًا من حي ُ‬
‫بهم ‪،‬فأصحروا إلى الفضاء ‪ ،‬خوفاً من سقوط البنية عليهم ‪ ،‬فصهرتهم الشمسُ بحرها ‪ ،‬وَ رُ ِف َعتْ‬
‫لهم الظلةُ ‪ ،‬فأهرعوا إليها يستظلون بها من الشمس ‪ ،‬فنزل عليهم من العذاب وفيه الصيح ُة ‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫ن من ذِكر الصياح ‪ ،‬وكان ذِك ُر التاءِ " ‪.‬‬
‫فكان ذِك ُر الصيح ِة مع الرجف ِة والظلةِ ‪ ،‬أحس َ‬

‫ثاني ًا ‪:‬‬
‫ن‬‫ها أَل إ ِ َّ‬
‫في َ‬
‫وا ِ‬ ‫غن َ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬
‫م يَ ْ‬ ‫َ‬
‫هي ‪ :‬كَأ ْ‬ ‫إنّ الي َة التي بعد آية قصة صالح‬
‫َ‬
‫د (هود‪ ، )68:‬أما الية التي بعد آية‬ ‫عدا ً لِث َ ُ‬
‫مو َ‬ ‫م أل ب ُ ْ‬ ‫فُروا َرب َّ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫مودَ ك َ َ‬
‫ثَ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫ن كَ َ‬
‫ما ب َ ِ‬
‫عدَ ْ‬ ‫عدا ً ل ِ َ‬
‫مدْي َ َ‬ ‫ها أل ب ُ ْ‬
‫في َ‬
‫وا ِ‬
‫غن َ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬
‫م يَ ْ‬ ‫كَأ ْ‬ ‫‪ ،‬فهي ‪:‬‬ ‫قصة شعيب‬

‫)‪.‬‬ ‫(هود‪95:‬‬ ‫ثَ ُ‬


‫مودُ‬

‫َ‬
‫د ‪ ،‬تناسبًا مع التذكيرِ في آيةِ‬ ‫مو َ‬ ‫عدا ً لِث َ ُ‬‫فنحنُ نجدُ في خاتم ِة اليةِ الُولى ‪ :‬أل ب ُ ْ‬
‫مودُ ‪ ،‬تناسباً مع‬ ‫ت ثَ ُ‬‫عدَ ْ‬‫ما ب َ ِ‬‫قصةِ صالح ‪ ،‬ونج ُد أيضاً في خاتم ِة اليةِ الثانيةِ ‪ :‬ك َ َ‬
‫التأنيثِ في آي ِة قصةِ شعيبٍ ‪ ،‬وهذا تناسبٌ واضحٌ جداً ‪.‬‬
‫إنّ السياقَ القرآني ل يتحددُ في آياتٍ متقارب ٍة في سور ٍة معينةٍ ‪ ،‬بل يمتدُ فضا ُؤهُ على امتدادِ‬
‫القرآنِ الكريمِ في سورهِ كلّها ‪ ،‬كما رأينا في النقطةِ الُولى ‪.‬‬
‫ح لنا تما َم التضاحِ أنّ تذكيرَ الفعلِ مع الفاعلِ المؤنثِ في بعضِ مواضع القرآن‬ ‫مما تقد َم يتض ُ‬
‫ل مع الفاعلِ‬
‫ن مواطنَ إلحاقِ العلمةِ بالفع ِ‬ ‫الكريم ‪ ،‬أمرٌ راج ٌع إلى المعنى والسياق ‪ ،‬ول ننسى أ ّ‬
‫‪3‬‬
‫ي مواطنِ تركها ‪.‬‬
‫ل إلى ضعف ّ‬
‫المؤنثِ تص ُ‬

‫ثا نيا ‪ -‬ا لمطا بقة في ا لعدد ‪:‬‬

‫‪ 1‬ينظر ‪ :‬أسرار التكرار في القرآن ‪. 1/109 ،‬‬


‫‪ 2‬بدائع الفوائد‪. 1/126 ،‬‬

‫‪ 3‬ينظر ‪ :‬دراسات لُسلوب القرآن الكريم ‪. 8/449 ،‬‬


‫الصفحة ‪ 57‬من ‪142‬‬
‫إنّ ظاهرةَ المطابقة بين الفعل وفاعله في العدد شغلت النحويين ‪ ،‬وأخذت حظاً وافراً من‬
‫كتبهم ‪ ،‬فهم يعدون المطابقة بين الفعل وفاعله ‪ ،‬تثنيةً وجمعًا ‪ ،‬ليس كــلم عامة العرب ‪ ،‬بل هو‬
‫‪1‬‬
‫كلم طائفة مخصوصة منهم ‪ ،‬وهم طيء ‪ ،‬وقيل هم أزد شنوءة ‪ ،‬وقيل بنو الحارث بن كعب ‪.‬‬

‫فنقول ‪( :‬قا َم زيدٌ) و (قامَ الزيدان أو الهندان) و (قا َم الزيدون) و (قامَ الهنداتُ) ‪ ،‬ول نقول ‪:‬‬
‫ن الهنداتُ) ‪ ،‬إل على هذه اللغة ‪ ،‬وقد‬
‫(قاما الزيدان) و (قامتا الهندان) و (قاموا الزيدون) و ( ُقمْ َ‬
‫‪2‬‬
‫سمّاها النحاةُ ‪( :‬لغة أكلوني البراغيثُ) ‪ ،‬وقد سمّاها ابنُ مالك ‪( :‬لغة يتعاقبون فيكم ملئكةٌ) ‪.‬‬

‫جا َء في الكتاب ‪ " :‬واعلمْ أنّ من العرب من يقول ‪( :‬ضربوني قو ُمكَ) و (ضرباني أخواكَ) ‪،‬‬
‫فشبهوا هذا بالتاءِ التي يُظهرونها في ( قالتْ فلنةُ ) ‪ ،‬وكأنهم أرادوا أن يجعلوا للجمع علم ًة كما‬
‫‪3‬‬
‫جعلوا للمؤنثِ " ‪.‬‬

‫ف مؤذنٌ بأنّ الفعلَ لثنين ‪،‬‬


‫ويقول ابنُ يعيش ‪ " :‬وإذا قُلتَ ‪( :‬قاما الزيدان) ‪ ،‬فاللفُ حر ٌ‬
‫‪4‬‬
‫وكذلك إذا قُلتَ ‪( :‬قاموا) ‪ ،‬فالواو حرفٌ مؤذنٌ بأن الفعلَ لجماعةٍ " ‪.‬‬
‫وقد ترددت هذه اللغة في كتب النحاة بين آخ ٍذ بها ‪ ،‬وبين را ٍد لها ‪ ،‬فسيبويه ينعتها بالقليلة ‪،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫موا (النبياء‪)3:‬‬ ‫ن ظَل َ ُ‬ ‫وى ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫سُّروا الن َّ ْ‬
‫ج َ‬ ‫وأ َ‬‫َ‬ ‫ويتأول قوله تعالى ‪:‬‬
‫‪5‬‬
‫على البدلية‪.‬‬
‫‪7‬‬ ‫‪6‬‬
‫وقد ج ّو َز الفراءُ هذه اللغة ‪ ،‬ووافقه الزمخشريّ على ذلك ‪ ،‬ويقول ابنُ يعيش ‪ " :‬وهي‬
‫‪8‬‬
‫لغةٌ فاشيةٌ لبعض العرب ‪ ،‬كثيرةٌ في كلمهم وأشعارهم " ‪.‬‬

‫‪ 1‬ينظر ‪ :‬الكتاب ‪ ، 1/20 ،‬وشرح المفصل ‪ ، 3/87 ،‬وشرح الرضي عل الكافية ‪ ، 1/225 ،‬وشرح ابن عقيل ‪ ، 1/473 ،‬وشرح‬
‫الشموني ‪ ، 2/47 ،‬وهمع الهوامع ‪ ، 2/256 ،‬و المدخل إلى علم اللغة ومناهج البحث اللغوي ‪. 299 ،‬‬
‫‪ 2‬ينظر ‪ :‬شرح ابن عقيل ‪ ، 1/473 ،‬وتسمية ابن مالك هذه ‪ ،‬جملة من حديث نبوي شريف لنا معه وقفة بعد قليل‪.‬‬
‫‪ 3‬الكتاب ‪. 2/40 ،‬‬
‫‪ 4‬شرح المفصل ‪ ، 3/87 ،‬وينظر ‪ :‬شرح شذور الذهب ‪ ، 179-167،‬وشرح ابن عقيل ‪ ، 472-1/468 ،‬وشرح الشموني ‪-2/46 ،‬‬
‫‪ ، 48‬وهمع الهوامع ‪. 257-2/256 ،‬‬

‫‪ 5‬ينظر ‪ :‬الكتاب ‪. 2/40 ،‬‬


‫‪ 6‬ينظر ‪ :‬معاني القرآن ‪ ،‬الفراء ‪. 1/317 ،‬‬
‫‪ 7‬ينظر ‪ :‬الكشاف ‪. 2/320 ،‬‬
‫‪ 8‬شرح المفصل ‪. 3/87 ،‬‬
‫الصفحة ‪ 58‬من ‪142‬‬
‫إن القرآن الكريم قد استعمل هذا التركيب ‪ ،‬وذلك في عدد من اليات ‪ ،‬إل أننا نجد أنّ الجدل‬
‫قد طال حولها ‪ ،‬فبعضهم يحملها على هذه اللغة ‪ ،‬وبعضهم يتأول لها وجوهًا ل وجهاً واحداً ‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫تصل هذه الوجوه في بعض الحيان إلى أح َد عشرَ وجهاً ‪.‬‬

‫(المائدة‪، )71:‬‬ ‫م‬‫ه ْ‬ ‫موا كَثِيٌر ِ‬


‫من ْ ُ‬ ‫ص ُّ‬
‫و َ‬‫موا َ‬ ‫ع ُ‬‫م َ‬ ‫قال تعالى ‪ :‬ث ُ َّ‬
‫عمِي‬
‫ل عليها ‪ ،‬تُريد ‪َ :‬‬‫قال الفراءُ في هذه الية ‪ " :‬فقد يكون رفعُ (كثيرٌ) من جهتين ‪ :‬أنّ ُت ِكرّ الفع َ‬
‫ت (عموا وصموا) فعلً للكثير ‪ ،‬كما قال الشاع ُر ‪:‬‬ ‫وصَمّ كثيرٌ منهم ‪ ،‬وإن شئتَ جعل َ‬

‫ــ ـلَ أهل ِــــي فَكُلّ هُم‬ ‫يَلُومُونَنِي في ا شتِرَا ئي ال نَخِيـ‬


‫أل ْــــوَمُ‬

‫ت جعلتَ الكثيرَ مصدراً ‪ ،‬فقلتَ أي ذلك كثي ٌر منهم ‪،‬‬


‫وهذا لمن قال ‪( :‬قاَموا قو ُمكَ) ‪ ،‬وإن شئ َ‬
‫‪2‬‬
‫ت على هذا المعنى ‪ ،‬كان صواباً " ‪.‬‬
‫وهذا وج ٌه ثالثٌ ‪ ،‬ولو نصب َ‬

‫ل على لغة (أكلوني‬


‫ل من الضمير‪ ،‬أو فاع ٌ‬
‫ويوافق الزمخشريّ الفرّاءَ ‪ ،‬فـ (كثيرٌ) إما بد ٌ‬
‫‪3‬‬
‫البراغيثُ) ‪ ،‬أو خبر مبتدأ محذوفٍ ‪ ،‬والتقدير‪:‬أُولئكَ كثيرٌ منهم ‪ ،‬أما النسفيّ ‪ ،‬فيرى البدليةَ ‪ ،‬أو‬

‫‪ 1‬ينظر ‪ :‬مغني اللبيب ‪ ، 480 ،‬والمدخل إلى علم اللغة ومناهج البحث اللغوي ‪. 303-302 ،‬‬
‫‪ 2‬معاني القرآن ‪ ،‬الفراء ‪ ، 1/316 ،‬ويقصد بالوجه الول من الرفع (أن ُتكِرّ …) البدليةَ ‪ ،‬فـ (كثيرٌ) بدلٌ من الفاعل في (عموا‬
‫وصموا) ‪،‬ينظر ‪ :‬المصدر نفسه ‪ ، 1/316 ،‬هـ ‪ ، 1 /‬والبيت لُحية بن الجلح ‪ ،‬ينظر ‪ :‬ديوانه ‪ ، 71 ،‬وفيه ( اشتراء ) بدل‬
‫( اشترائي ) ‪ ،‬و( يعذل ) بدل ( ألوم ) ‪ ،‬والشاهد فيه جمعه بين واو الجمع في (يلومونني) ‪ ،‬وبين الفاعل الظاهر(أهلي) ‪ ،‬ينظر ‪:‬‬
‫معاني القرآن ‪ ،‬الفراء ‪ ،1/316،‬هـ ‪، 1/‬وشرح المفصل ‪ ، 3/87 ،‬وفيه (يعذل) بدل (ألومُ) ‪ ،‬ونُسب في الهامش إلى أُمية بن أبي‬
‫الصلت ‪ ،‬وشرح ابن عقيل ‪ ، 1/470 ،‬رقم ‪ ، 143/‬من دون نسبة ‪ ،‬وشرح الشموني ‪ ، 2/47 ،‬رقم ‪ ، 272 /‬ولم ينسبه العيني في‬
‫شرحه لشواهد الشموني ‪ ،‬وهمع الهوامع ‪ ، 2/257 ،‬رقم ‪. 629/‬‬

‫‪ 3‬ينظر‪ :‬الكشاف ‪. 1/476 ،‬‬


‫الصفحة ‪ 59‬من ‪142‬‬
‫‪1‬‬
‫ب إليه أبو حيان ‪ ،‬مضعفاً وجهًا رابعاً ‪ ،‬وهو‬
‫الخبرَ ‪ ،‬دونَ لغةِ (أكلوني البراغيثُ) ‪ ،‬وهو ما ذه َ‬
‫‪2‬‬
‫أن يكونَ (كثيرٌ) مبتدأً ‪ ،‬والجمل َة قبله خبراً له ‪.‬‬

‫َّ‬ ‫َ‬
‫موا (النبياء‪)3:‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ظ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ذي‬
‫ِ‬ ‫وى ال‬ ‫سُّروا الن َّ ْ‬
‫ج َ‬ ‫وأ َ‬ ‫َ‬ ‫أما قوله تعالى ‪:‬‬
‫سُّروا‬ ‫َ‬
‫وأ َ‬ ‫‪،‬فسيبويه يحمل َاليةَ على البدلية ‪ ،‬حيثُ يقول ‪ " :‬وأما قوله جلّ ثَناؤ ُه ‪َ :‬‬
‫ل له‬
‫‪ ،‬فإنما يجيء على البدل ‪ ،‬وكأنه قال ‪ :‬انطلقوا ‪ ،‬فَقِي َ‬ ‫موا‬‫ن ظَل َ ُ‬ ‫ذي َ‬‫وى ال ّ ِ‬‫ج َ‬‫الن َّ ْ‬
‫‪3‬‬
‫‪ :‬من ؟ ‪ ،‬قال ‪ :‬بنو فُلن " ‪.‬‬
‫ويرى الفراءُ أنّ (الذين) مرفو ٌع على الستئنافِ ‪ ،‬أو نعتٌ للناس في قوله تعالى ‪:‬‬
‫(النبياء‪، )1:‬وهي هاهنا مخفوضةٌ ‪ ،‬أو إ ّ‬ ‫هم‬ ‫ساب ُ ُ‬
‫ح َ‬‫س ِ‬ ‫َ‬ ‫إ ْ‬
‫ن‬ ‫ب لِلن ّا ِ‬ ‫قتََر َ‬
‫‪4‬‬
‫الية على لغة (أكلوني البراغيثُ) ‪.‬‬

‫وزادَ صاحبُ مشكل إعراب القرآن الرفعَ على إضمار (يقول) ‪ ،‬أو النصبَ على تقدير‬
‫‪5‬‬
‫(أعني) ‪ ،‬ويذكر الزمخشريّ البدليةَ ‪ ،‬أو لغةَ أكلوني البراغيثُ ‪ ،‬أو النصبَ على الذم ‪ ،‬أو مبتدأ‬
‫‪7‬‬ ‫‪6‬‬
‫خبره ما قبله قُدِمَ عليه ‪،‬وهناكَ وجوهٌ إعرابيةٌ أُخرى غير التي ذكرنا ‪.‬‬
‫ما‬‫وقد ورد في القراءات القرآنية ما يجري على هذه اللغة ‪ ،‬من ذلك قوله تعالى ‪ :‬إ ِ َّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫(السراء‪ ، )23:‬فقد‬ ‫ما‬‫ه َ‬
‫و كِل ُ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫ك الْكِبََر أ َ‬
‫حدُ ُ‬
‫ه َ‬ ‫عنْدَ َ‬‫ن ِ‬ ‫يَبْل ُ َ‬
‫غ َّ‬
‫‪8‬‬
‫ب أبو حيان هذه‬
‫س َ‬
‫ي (يبلغان) ‪ ،‬باللف على التثنية ‪ ،‬وبنون مشددة ‪ ،‬وقد نَ َ‬
‫قرأ حمز ُة والكسائ ّ‬
‫‪9‬‬
‫القراءةَ بقوله ‪ " :‬وهي قراءة السلمي وابنِ وثابٍ وطلح َة والعمشِ والجحدريّ " ‪ ،‬ويرى أنّ‬

‫‪ 1‬ينظر ‪ :‬تفسير النسفي ‪. 1/294 ،‬‬


‫‪ 2‬ينظر ‪ :‬البحر المحيط ‪ ، 4/328 ،‬وسبب التضعيف ‪ ،‬لن " الفعل قد وقع موقعه ‪ ،‬فل يُنوى به التأخير " ‪ ،‬المصدر نفسه ‪،‬‬
‫‪. 4/328‬‬
‫‪ 3‬الكتاب ‪ ، 2/41 ،‬وينظر ‪ :‬زاد المسير ‪ ، 5/340 ،‬وتفسير الجللين ‪. 1/420 ،‬‬
‫‪ 4‬ينظر ‪ :‬معاني القرآن ‪ ،‬الفراء ‪. 317-1/316 ،‬‬
‫‪ 5‬ينظر ‪ :‬مشكل إعراب القرآن ‪. 2/477 ،‬‬
‫‪ 6‬ينظر ‪ :‬الكشاف ‪. 321-2/320 ،‬‬
‫‪ 7‬ينظر ‪ :‬البحر المحيط ‪ ، 7/408 ،‬ومغني اللبيب ‪. 480 – 479 ،‬‬

‫‪ 8‬ينظر ‪ :‬معاني القرآن ‪ ،‬الفراء ‪ ، 2/120 ،‬والسبعة في القراءات ‪ ، 1/379 ،‬وحجة القراءات ‪. 1/399 ،‬‬
‫‪ 9‬البحر المحيط ‪. 7/35 ،‬‬
‫الصفحة ‪ 60‬من ‪142‬‬
‫(أحدهما) فاعل ‪ ،‬واللفُ علم ُة تثنيةٍ على لغة (أكلوني البراغيثُ) ‪ ،‬أو أنّ (أحدهما) ‪ ،‬بدلٌ من‬
‫‪1‬‬
‫الضمير في (يبلغان) ‪.‬‬

‫ن (المؤمنون‪ ، )1:‬يقول أبو‬ ‫منُو َ‬ ‫م ْ‬


‫ؤ ِ‬ ‫فل َ َ‬
‫ح ال ْ ُ‬ ‫قدْ أ َ ْ‬
‫َ‬ ‫وفي قوله تعالى ‪:‬‬
‫حيان ‪ " :‬قال عيس بن عمرَ ‪ :‬سمعتُ طلح َة بنَ مصرف ‪ ،‬يقرأ ‪( :‬قد أفلحوا المؤمنون) ‪ ،‬فقلتُ له‬
‫أتلحنُ ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬كما لحن أصحابي ‪ .‬انتهى ‪ ،‬يعني أنّ مرجوعَهُ في القراءة إلى ما رُوي‬
‫‪2‬‬
‫ن ؛ لنه على لغة (أكلوني البراغيثُ) " ‪.‬‬
‫وليس بلح ٍ‬

‫ن الكريمُ في بعض المواضع ‪،‬‬ ‫نستطيعُ القولَ ‪ :‬إنّ هذه اللغةَ لغة صحيحة ‪ ،‬جاءَ عليها القرآ ُ‬
‫وكذلك وردت هذه اللغةُ في القراءات القرآنية ‪ ،‬فل داعي ‪ ،‬لتأولها وحملها على وجوهٍ كثيرةٍ ‪،‬‬
‫وواضحٌ أنّ هذا التأولُ والحملَ كان الغايةُ منه إخراجَ هذه اللغةِ من القرآنِ الكريمِ ‪ ،‬ل سيما إنّ‬
‫هذه اللغة تأتي في إطار المحافظة على المطابقة بين الفعل والفاعل في العدد – مذكره ومؤنثه –‬
‫" فظاهرةُ التطابقُ عمليةٌ تكا ُد تكون عمليةً ل شعوريةً فطريةً ساذجةً ‪ ،‬تتم في إطار المنطق‬
‫والحس اللغويين ‪ ،‬أما ظاهرة عدم التطابق ‪ ،‬فهي عمليةٌ تبدو فيها الصنعةُ ‪ ،‬ويظهر فيها عملُ‬
‫‪3‬‬
‫العقلِ " ‪.‬‬

‫وقد وردت هذه اللغة في الحديث النبوي الشريف ‪ ،‬فقد جاءَ في صحيح البخاري ‪ ،‬أن رسولَ‬
‫ال ‪ ،‬قال ‪ " :‬يتعاقبون فيكم ملئكةٌ بالليل وملئكةٌ بالنهار ‪ ،‬ويجتمعون في صلة الفجر‬
‫ف تركتم عبادي ؟‬
‫وصلة العصر ‪ ،‬ثم يعرجُ الذين باتوا فيكم ‪ ،‬فيسألهم وهو أعل ُم بهم ‪ ،‬كي َ‬
‫‪4‬‬
‫فيقولون ‪ :‬تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون " ‪ ،‬وقد ذكر مسلم في صحيحه هذا‬
‫الحديث‬
‫‪5‬‬
‫باللفظ نفسه ‪.‬‬

‫‪ 1‬ينظر ‪ :‬المصدر نفسه ‪. 7/35 ،‬‬


‫‪ 2‬البحر المحيط ‪ ، 7/546 ،‬وينظر ‪ :‬روح المعاني ‪. 18/213 ،‬‬
‫‪ 3‬دراسات في اللغة والنحو العربي ‪ ،‬حسن عون ‪. 54 ،‬‬
‫‪ 4‬صحيح البخاري ‪ ، 1/203 ،‬باب (فضل صلة العصر) ‪.‬‬
‫‪ 5‬ينظر ‪ :‬صحيح مسلم ‪ ، 1/439 ،‬باب (فضل صلتي الصبح والعصر والمحافظة عليهما) ‪.‬‬
‫الصفحة ‪ 61‬من ‪142‬‬
‫‪1‬‬
‫وبهذا الحديث سمى ابنُ مالك هذه اللغة بقوله (لغة يتعاقبون فيكم ملئكةٌ) ‪ ،‬ول داعي للقول‬
‫بأنّ هذه كلماتٌ مقتطعةٌ من حديثٍ مطولٍ أصله في مسند البزار ‪ ،‬كما يقول الشموني والصبان‬
‫‪2‬‬
‫‪ ،‬فإن الحكم بين الروايات الحديثية ‪ ،‬بالرجحية أو عدمها ‪ ،‬أمرٌ راجعٌ لهل الحديث ‪ ،‬ل‬
‫لغيرهم ‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫فابنُ حجرٍ يقول " فالعزو إليهما أولى " ‪ ،‬يقصد العزو إلى الصحيحين ‪ ،‬أولى من العزو إلى‬
‫‪4‬‬
‫ث نبويةٍ شريفةٍ أُخرى ‪.‬‬
‫مسندِ البزار ‪ ،‬حول هذا الحديثِ ‪ ،‬وقد وردت هذه اللغةُ في أحادي َ‬

‫وقد جاءت هذه اللغ ُة في الشعر كثيراً ‪ ،‬قال الفرزدقُ ‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫بح ور انَ يَعْصِرْ ن السلّ يطَ أقَارِبُهْ‬ ‫وَلَكِــنْ دِيَ افِــيّ أ بــو هُ وأُمّهُ‬

‫وقال أُحيةُ بنُ الجلح ‪:‬‬


‫‪6‬‬
‫ـــل أهلِــــ ي فَكُلّهُم ي عــــ ذلُ‬ ‫يَلُومُونَنِ ي ف ي اشتِرَ اءِ النَخِي ـ‬

‫ل بنُ قيسٍ الرقيات ‪:‬‬


‫وقال عبدُ ا ِ‬

‫‪ 1‬ينظر ‪ :‬شرح ابن عقيل ‪. 1/473 ،‬‬


‫‪ 2‬ينظر ‪ :‬شرح الشموني ‪ ، 2/48 ،‬وحاشية الصبان عل شرح الشموني ‪ ، 2/48 ،‬وشرح ابن عقيل ‪ ، 1/473 ،‬هـ ‪ ، 1 /‬و المخل‬
‫إلى علم اللغة ومناهج البحث اللغوي ‪ ، 303 ،‬ودراسات في اللغة والنحو ‪ ،‬عدنان محمد سلمان ‪. 168،‬‬
‫‪ 3‬فتح الباري ‪. 2/34 ،‬‬
‫‪ 4‬ينظر ‪ :‬صحيح مسلم بشرح النووي ‪ ، 2/8 ،‬وسنن أبي داوود ‪. 1/196 ،‬‬
‫‪ 5‬شرح ديوان الفرزدق ‪ ، 82/ 1،‬و (ديافيّ) نسبةً إلى (دياف) ‪ ،‬وهو موضع في جزيرة العرب ‪ ،‬و (السليط) الزيت ‪ ،‬وينظر ‪:‬‬
‫الكتاب ‪ ، 40 / 2 ،‬وشرح الرضي على الكافية ‪ ، 414 / 2 ،‬شاهد رقم ‪. 366 /‬‬
‫‪ 6‬تقدم تخريجه ‪ ،‬ينظر ‪ :‬ص ( ‪ ) 53‬من البحث ‪.‬‬

‫الصفحة ‪ 62‬من ‪142‬‬


‫‪7‬‬
‫وَقــد أ ســلَمَ اهُ مُــبعَ دٌ وحَمِـ يمُ‬ ‫تَول ـى قِتَالَ المــ ارِقِ ينَ بِنَفسِهِ‬

‫‪ 7‬ديوانه ‪ ، 196 ،‬والبيت من قصيدة له قالها في رثاء مصعب بن الزبير ‪ ،‬والمارقون ‪ :‬الخوارج ‪ ،‬وأسلما ‪ :‬خذله ‪ ،‬ومبع ٌد ‪:‬‬
‫الرجل الغريب ‪ ،‬وحميم ‪ :‬الرجل الوثيق الصداقة ‪ ،‬والشاهد فيه إثبات ألف التثنية في قوله (أسلماه) مع وجود الفاعل الظاهر (مبعدٌ‬
‫وحميمُ) وهذا جارٍ على لغة (أكلوني البراغيث) وينظر ‪ :‬شرح شذور الذهب ‪ ، 177 ،‬رقم ‪ ، 81/‬وشرح ابن عقيل ‪،1/469 ،‬‬
‫رقم ‪ ، 142 /‬وشرح الشموني ‪ ، 2/47 ،‬رقم ‪ ، 271/‬وهمع الهوامع ‪ ، 2/257 ،‬رقم ‪. 628 /‬‬

‫الصفحة ‪ 63‬من ‪142‬‬


‫الصفحة ‪ 64‬من ‪142‬‬
‫الصفحة ‪ 65‬من ‪142‬‬
‫يُعرف النحا ُة التاببع بأنبه " السبم المشارك لمبا قبله فبي إعراببه مطلقاً "‪ ،1‬والتواببع‬
‫خمسبة ‪ :‬نعتٌب وتوكيدٌ وعطفُب بيانٍب وعطفٌب بحرفٍب وبدلٌ ‪ ،‬جاء فبي الُصبول " هذه توابعُب‬
‫السماء في إعرابها ‪.‬‬
‫التوابعُ خمسةٌ ‪ :‬التوكيدُ والنعتُ وعطفُ البيان والبدلُ والعطف بالحروف ‪ ،‬وهذه الخمسة‬
‫‪ ،‬أربعةٌ تتببع بغيبر متوسبط ‪ ،‬والخامسُب وهبو العطفُب ‪ ،‬ل يتببع إل بتوسبط حرفٍب ‪ ،‬فجميبع‬
‫‪2‬‬
‫هذه تجري على الثاني ما جرى على الول من الرفع والنصب والجر "‬
‫المبحث الول‬

‫المطابقة بين النعت وال منعوت‪:‬‬

‫يقسم العلما ُء النعتَ على نوعين ‪:‬‬


‫الول منهمبا يسبمونه ( النعبت الحقيقبي ) ‪ :‬وهبو التاببع الذي يقوم بإتمام متبوعبه بالدللة على‬
‫وصف ثابت فيه ‪ ،‬وذلك كقولنا ( جاء محمدٌ الطوي ُل ) ‪.‬‬
‫أما النوع الخر فهو ( النعت السببي ) ‪ :‬وهو التابع الذي يقوم بإتمام متبوعه بوصف‬
‫ثابت متعلق بالمنعوت ‪ ،‬كقولنا ‪ (:‬جاءَ محم ٌد الفاضلُ أبوهُ ) ‪ ،‬يقول ابنُ يعيش ‪ " :‬والصفةُ لفظٌ‬
‫يتب ُع الموصوفَ في إعرابه تحلي ًة وتخصيصًا له بذكر معنىً في الموصوف ‪ ،‬أو في شيء من‬
‫صفُ بحال‬‫ض للذات لزمٌ له " ‪ ،‬ويقول ابنُ الحاجـب ‪ " :‬ويُو َ‬
‫‪3‬‬
‫سبب ِه ‪ ،‬وذلك المعنى عر ٌ‬
‫الموصوف وحال متعلقه ‪ ،‬نحو ( مررتُ برجل حسنٍ غلم ُه ) " ‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫ول بدّ للنعت من مطابقة منعوته ‪ ،‬وهذه المطابقة تختلف بحسب نوعي النعت ‪،‬‬

‫‪ 1‬شرح ابن عقيل ‪. 2/190 ،‬‬


‫‪ 2‬الُصول في النحو ‪ ، 2/17 ،‬وينظر ‪ :‬المقتصد في شرح اليضاح ‪ ، 2/896 ،‬وشرح المفصل ‪ ، 3/39 ،‬وشرح الرضي على‬
‫الكافية ‪ ، 2/277،‬وارتشاف الضرب ‪. 2/279 ،‬‬
‫‪ 3‬شرح المفصل ‪ ، 47 / 3 ،‬وينظر ‪ :‬شرح ابن عقيل ‪ ، 190 / 2 ،‬وشرح الشموني ‪. 59 / 3 ،‬‬
‫‪ 4‬شرح الرضي على الكافية ‪.302 / 2 ،‬‬
‫الصفحة ‪ 66‬من ‪142‬‬
‫أولً ‪ -‬ا لمطا بقة في ال نع ت الحق يق ي ‪:‬‬
‫فالنعتُ الحقيقيّ يطابق منعوته في العراب ‪ ،‬وفي التعريف والتنكير ‪ ،‬وفي الفراد‬
‫ف إل‬ ‫والتثنية والجمع ‪ ،‬وفي التذكير والتأنيث ‪ ،‬يقول سيبويه ‪ " :‬وأعلمْ أنّ المعرفةَ ل توص ُ‬
‫بمعرف ٍة ‪ ،‬كما إنّ النكرة ل توصف إل بنكرةٍ " ‪ ،‬وجاء في شرح المفصل ‪ " :‬قال الشارح ‪ :‬قد‬
‫‪1‬‬

‫تقدم قولنا ( إن الصفة تابعة للموصوف في أحواله ) وجملتُها عشرة أشيا ٍء ‪ ،‬رفعه ونصبه‬
‫وخفضه ‪ ،‬وإفرادهُ وتثنيتهُ وجمعهُ ‪ ،‬وتنكيرهُ وتعريفهُ ‪ ،‬وتذكيرهُ وتأنيثهُ "‬
‫‪2‬‬

‫وسبب هذا التطابق ؛ إنّ النعت والمنعوت " كالسم الواحد " ‪ ،‬يقول ابن يعيش ‪ " :‬وإنما‬
‫‪3‬‬

‫وجب للنعت أن يكون تابعًا للمنعوت فيما ذكرناه ‪ ،‬من ِقبَلِ أنّ النعت والمنعوت كالشيء‬
‫ل أنّ‬ ‫ق النعتَ ‪ ،‬وإنما قلنا أنهما كالشيء الواحد ‪ ،‬من ِقبَ ِ‬‫ق السمَ يلح ُ‬
‫الواحد ‪ ،‬فصار ما يلح ُ‬
‫ص من‬ ‫ج المنعوتَ من نوعٍ إلى نوعٍ أخصّ من ُه ‪ ،‬فالنعتُ والمنعوتُ بمنزلةِ نوعٍ أخ ّ‬ ‫النعتَ يُخرِ ُ‬
‫ع المنعوتِ وحده " ‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫نو ِ‬
‫مما تقدم يتضح لنا أن المطابقة بين النعت ومنعوته واجب ٌة في العراب ‪ ،‬وفي العدد وفي‬
‫ع مثله ‪،‬‬‫الجنس وفي التعريف والتنكير ‪ ،‬فل يُوصفُ مرفوعٌ بمنصوبٍ أو مجرورٍ ‪ ،‬بل بمرفو ٍ‬
‫وكذلك إذا كان منصوباً أو مجروراً ‪ ،،‬فينعت بما يطابقه إعرابًا ‪ ،‬ول يوصف المفرد بمثنىً أو‬
‫جم ٍع ‪ ،‬بل بمفردٍ مثله ‪ ،‬وكذلك إذا كان مثنىً أو جمعاً فينعت بما يطابقه عدداً ‪ ،‬ول يوصف‬
‫مذكرٌ بمؤنثٍ ول العكس ‪ ،‬بل كلٌ بما يطابقهُ ‪ ،‬وكذا المر في التعريف والتنكير ‪ ،‬فل توصف‬
‫المعرفة إل بمعرفةٍ مثلها ‪ ،‬ول توصف النكرة إل بنكرة مثلها وهذا كله في النعت الحقيقي ‪،‬‬
‫وحافظ النظم القرآني على تلك المطابقة بين النعت ومنعوته كما يأتي ‪:‬‬
‫أ‪ -‬ف ي الع راب ‪:‬‬

‫ت في مواطنَ ورودهِ كلّها في القرآن الكريم قد طابق منعوته رفعاً ونصباً‬ ‫نجدُ النع َ‬
‫م‬
‫م عَظِي ٌ‬ ‫ن َرب ِّك ُ ْ‬
‫م ْ‬
‫م بَلءٌ ِ‬‫وجرًا ‪ ،‬فمثال التطابق رفعاً قوله تعالى ‪ :‬وَفِي ذَلِك ُ ْ‬
‫(البقرة‪ ، )49:‬وقوله تعالى ‪ :‬ب ْ َ‬
‫ن (العراف‪)81:‬‬ ‫سرِفُو َ‬
‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫م قَوْ ٌ‬
‫ل أنْت ُ ْ‬ ‫َ‬
‫وغير ذلك ‪.5‬‬
‫َ‬
‫م الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ما َرَزقَك ُ ُ‬ ‫أما مثال التطابق بينهما نصباً ‪ ،‬فنحو قوله تعالى‪ :‬وَكُلُوا ِ‬
‫م َّ‬
‫حلل ً طَيبا ً (المائدة‪ )88:‬وقوله تعالى ‪ :‬ل َ َ َ‬
‫مبَي ِّنَا ٍ‬
‫ت‬ ‫قد ْ أنَْزلْنَا آيَا ٍ‬
‫ت ُ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬
‫(النور‪ ، )46:‬وغير ذلك ‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫‪ 1‬الكتاب ‪ ، 302 / 2 ،‬وينظر ‪ :‬الصول ‪ 21 / 2‬و ‪ ، 32‬والمقتصد في شرح اليضاح ‪. 900 /2 ،‬‬
‫‪ 2‬شرح المفصل ‪ ، 54 / 3 ،‬وينظر ‪ :‬شرح الرضي على الكافية ‪ ، 302 / 2 ،‬وشرح ابن عقيل ‪ ، 194 – 193 / 2 ،‬والمنهل‬
‫الصافي ‪ ، 618 / 2 ،‬والفوائد الضيائية ‪. 37 / 2 ،‬‬
‫‪ 3‬الكتاب ‪.421 / 1 ،‬‬
‫‪ 4‬شرح المفصل ‪. 55 /3 ،‬‬
‫‪ 5‬ينظر ( آل عمران ‪ ( ، ) 62/‬النساء ‪ (، ) 92 /‬إبراهيم ‪. ) 6 /‬‬
‫‪ 6‬ينظر ( الكهف ‪ ( ، ) 2 /‬الفرقان ‪ ( ، ) 18 /‬الواقعة ‪. ) 37 /‬‬
‫الصفحة ‪ 67‬من ‪142‬‬
‫شيْطَا ٍ‬
‫ن‬ ‫ل َ‬ ‫ن ك ُ ِّ‬
‫م ْ‬‫حْفظا ً ِ‬ ‫وأما مثالُ التطابق بينهما جرًا ‪ ،‬فنحو قوله تعالى ‪ :‬وَ ِ‬
‫ذّكْرِ ( ّ‬
‫ص‪:‬‬ ‫ن ذِي ال ِ‬ ‫مارِدٍ (الصافات‪ ، )7:‬وقوله تعالى ‪ :‬ص وَالُْقْرآ ِ‬ ‫َ‬
‫‪ ، )1‬وغير ذلك ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫النعت المقطوع ‪:‬‬

‫ت منعو َتهُ في حركته العرابية ‪ ،‬وهذا ما يُعرف في العربية بظاهرة‬ ‫قد يخالفُ النع ُ‬
‫ت لمنعوتِهِ إعراب ًا ‪ ،‬وهذه الظاهرة تقع في العطف أيضاً ‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫القطع ‪ ،‬ويقصد بها مغايرة النع ِ‬
‫على ما سنعرف لحقًا ‪.‬‬

‫جاء في الكتاب ‪ " :‬هذا باب ما ينتصب على التعظيم والمدح ‪.‬‬
‫وإن شئتَ جعلته صفةً ‪ ،‬فجرى على الول ‪ ،‬وإن شئتَ قطعته فابتدأته ‪ ،‬وذلك قولك ‪ ( :‬الحمدُ‬
‫ك ) ‪ ،‬ولو ابتدأته فرفعته‬
‫ك لِ أهلَ المل ِ‬
‫لِ الحميدَ هو ) و ( الحمدُ لِ أهلَ الحمدِ ) ‪ ،‬و ( المل ُ‬
‫كان أحسن ‪ ،‬كما قال الخطل ‪:‬‬

‫ذكَرُ‬
‫أبدَى النواجذَ يَومٌ باسلٌ َ‬ ‫نَفسِي فِدَاءُ أمِيرِ المُؤ ِمنِـينَ إذا‬
‫‪3‬‬
‫خليفةُ الِ يُستَسقَى ِبهِ ال َمطَــرُ ‪" .‬‬ ‫الخائضُ الغمرَ والميمونُ طائـرُهُ‬

‫وهذه الظاهر ُة تجوزُ إذا كان المنعوتُ معروفاً لدى السامع ‪ ،‬وإن نعته ل يميزه عن غيرهِ‬
‫‪ ،‬وإنما جيء به لمجرد المدح أو الذم ‪ ،‬فإذا كان المنعوت مبهماً لدى السامع من دون‬
‫النعت ‪ ،‬فل ب ّد من اتباع النعت لمنعوته ‪ ،‬فالنعتُ في مثل هذا معنوي ل لفظي ‪ ،‬أي أنّ السم‬
‫ت في المعنى أمّا من ناحية العراب فله حكم آخر ‪. 4‬‬‫الذي قُطع هو نع ُ‬

‫ن غاية هذه الظاهرة تركيز ذهن المتلقي على النعت المقطوع ‪ ،‬وإبراز المعنى الموجود‬ ‫إّ‬
‫في هذا النعت ‪ ،‬وذلك لهميةٍ محدد ٍة توجد فيه استدعت هذا التركيز ‪ " ،‬والعرب تعترض من‬
‫صفات الواحد إذا تطاولت بالمدحِ أو الذمّ ‪ ،‬فيرفعون إذا كان الس ُم رفعاً وينصبون بعضَ‬
‫المدح ‪ ،‬فكأنهم ينوون إخراج المنصوب بمدحٍ مجددٍ غير مُ ْتبَعٍ لول الكلم "‪ ، 5‬ويقول‬
‫السيوطيّ ‪ " :‬قطعُ النعوتِ في مقامِ المدحِ والذمّ أبلغُ من إجرائها ‪ ،‬قال الفارسيّ ‪ :‬إذا ذُكرتْ‬
‫ح أو الذمّ ‪ ،‬فالحسنُ أن يخالف في إعرابها ‪ ،‬لنّ المقا َم يقتضي‬ ‫ت في معرض المد ِ‬ ‫صفا ٌ‬

‫‪ 1‬ينظر ‪ ( ،‬آل عمران ‪ ( ، ) 184/‬المائدة ‪ ( ، ) 26 /‬سبأ ‪. ) 9 /‬‬


‫‪ 1 2‬ينظر ‪ :‬معاني النحو ‪. 187 / 3 ،‬‬
‫‪ 3‬الكتاب ‪ ، 62 / 2 ،‬وينظر ‪ :‬المصدر نفسه ‪ ، 70 / 2 ،‬و شرح شذور الذهب ‪ ، 434 ،‬وشرح ابن عقيل ‪ ، 404 / 2 ،‬وشرح‬
‫الشموني ‪ ، 68 / 3 ،‬والبيتان في شعر الخطل من قصيدة له يمدح فيها عبد الملك بن مروان ‪ ،‬وقبل البيت الثاني ‪:‬‬
‫إلى امرئ ل تعرينا نوافله أضفره ال فليهنى له الظفرُ ‪،‬‬
‫و(الخائض) في الديوان بالكسر ‪ ،‬وفي البيت الول (فهو) مكان (نفسي) ‪ ،‬ينظر ‪ :‬شعر الخطل ‪. 199-196 / 1 ،‬‬
‫‪ 4‬يُنظر ‪ :‬نتائج الفكر ‪. 237 ،‬‬
‫‪ 5‬معاني القرآن ‪ ،‬الفراء ‪ ، 105 / 1 ،‬وقد نقل كل َم الفراء هذا ‪ ،‬السهيليّ ‪ ،‬ينظر ‪ :‬نتائج الفكر ‪. 237،‬‬
‫الصفحة ‪ 68‬من ‪142‬‬
‫ب ‪ ،‬فإذا خُولِف في العراب كان المقصو ُد أكملَ ‪ ،‬لن المعاني عند الختلف تتنوعُ‬ ‫الطنا َ‬
‫وتتفنن ‪ ،‬وعند التحاد تكون نوعاً واحدًا "‪. 1‬‬
‫َ‬
‫ت يَدَا أبِي ل َ َه ٍ‬
‫ب‬ ‫إ ّن ما ورد في القرآن الكريم من هذه الظاهرة ‪ ،‬قوله تعالى ‪ :‬تَب َّ ْ‬
‫َ‬
‫ب‪‬‬ ‫ت لَهَ ٍ‬‫صلَى نَارا ً ذ َا َ‬ ‫سي َ ْ‬‫ب‪َ ‬‬ ‫س َ‬‫ما ك َ َ‬ ‫مال ُ ُ‬
‫ه وَ َ‬ ‫ما أغْنَى ع َن ْ ُ‬
‫ه َ‬ ‫ب‪َ ‬‬ ‫وَت َ َّ‬
‫وا َ‬
‫ب (المسد‪ ) 4-1:‬بنصب (حبمّالة) ‪ ،‬يقول سيبويه ‪" :‬‬ ‫حط َ ِ‬‫ة ال ْ َ‬‫مال َ َ‬
‫ح َّ‬ ‫ه َ‬
‫مَرأت ُ ُ‬‫َ ْ‬
‫َ‬
‫ب ‪ ،‬لم يجعلِ‬ ‫حط َ ِ‬ ‫ة ال ْ َ‬
‫مال َ َ‬
‫ح َّ‬‫ه َ‬ ‫مَرأت ُ ُ‬
‫وبلغنا أنّ بعضَهم قرأ هذا الحرفَ نصباً ‪ :‬وَا ْ‬
‫ب شتماً لها ) "‪ ، 2‬وجاء في‬ ‫الحمالةَ خبراً للمرأة ‪ ،‬ولكنه كأنه قال ‪ ( :‬أذكر حمالةَ الحط ِ‬
‫معاني القرآن ‪ " :‬وأما النصب فعلى جهتين ‪ ،‬إحداهما ‪ :‬أن تجعلَ الحمالة قطعاً ‪ ،‬لنها نكرة ‪،‬‬
‫أل ترى أنك تقولُ ‪( ،‬وامرأ ُتهُ الحمالةُ الحطبِ) ‪ ،‬فإذا ألقيتَ اللفَ واللمَ كانت نكر ًة ‪ ،‬ولم‬
‫يستقمْ أن تنصب معرفةً بنكرةٍ ‪ ،‬والوجه الخر أن تشتمها بحملها الحطب فيكون نصبها‬
‫على الذم "‪. 3‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫و‬
‫م وَهُ َ‬ ‫ه ال ْ ُ‬
‫حك ْ ُ‬ ‫ق أل ل َ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫ح ِّ‬ ‫م ُردُّوا إِلَى الل ّهِ‬
‫موْلهُ ُ‬
‫َ‬ ‫ويقول تعالى ‪ :‬ث ُ َّ‬
‫َ‬
‫ن (النعام‪ ، )62:‬بنصب (الحقّ) ‪ ،‬جاء في البحر المحيط ‪" :‬‬ ‫سبِي َ‬ ‫سَرع ُ ال ْ َ‬
‫حا ِ‬ ‫أ ْ‬
‫ش ‪( ،‬ال ْ َ‬
‫حقَّ)‪ ،‬بالنصب ‪ ،‬والظاهرُ أنه صفة قُطعتْ فانتصبت على‬ ‫وقرأ الحسنُ والعم ُ‬
‫المدح "‪. 4‬‬

‫إنّ أغلب ما ورد من هذه الظاهرة في القرآن الكريم ‪ ،‬هو من القراءات القرآنية‪. 5‬‬
‫ب‪ -‬في العدد ‪:‬‬

‫ذكرنا أنه ل بدّ من التطابق بين النعت والمنعوت في العدد ‪ ،‬إفراداً وتثنيةً وجمعاً‪ ، 6‬وهو‬
‫م‬
‫ل هَذ َا يَوْ ٌ‬ ‫ما جاء في القرآن الكريم ‪ ،‬فمثال التطابق إفراداً قوله تعالى ‪ :‬وَقَا َ‬
‫معْل ُ‬ ‫ُ َّ‬
‫ٍ‬ ‫وم‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫د‬ ‫ق‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ل‬ ‫ه إِ‬‫ما نُنَّزِل ُ‬
‫ب (هود‪ ، )77:‬وقوله تعالى ‪ :‬وَ َ‬ ‫صي ٌ‬‫عَ ِ‬
‫(الحجر‪ ، )21:‬وغير ذلك ‪.7‬‬
‫ن‬
‫ضعْ َ‬ ‫ت يُْر ِ‬ ‫والِدَا ُ‬ ‫أما مثال المطابقة في التثنية ‪ ،‬فنحو قوله تعالى ‪ :‬وَال ْ َ‬
‫َ َ َ‬ ‫أ َ ْولدَهُ َّ‬
‫هل‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ن (البقرة‪ ، )233:‬وقوله تعالى ‪ :‬وَقا‬ ‫حوْلَي ْن كَا ِ َ‬
‫ملي ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن َ‬
‫َ‬ ‫تَت َّ ِ‬
‫(النحل‪ ، )51:‬وغير ذلك‪. 8‬‬ ‫ن اثْنَي ْ ِ‬
‫ن‬ ‫خذ ُوا إِلهَي ْ ِ‬
‫‪ 1‬التقان ‪. 188 / 2 ،‬‬
‫‪ 2‬الكتاب ‪ ، 70 / 2 ،‬ويقصد ببعضهم ‪ ،‬عاصمَ بنَ أبي النجود ‪ ،‬ينظر ‪ :‬السبعة في القراءات ‪ ، 700 / 1 ،‬والحجة في القراءات‬
‫السبع ‪ ، 377 / 1 ،‬وحجة القراءات ‪. 777 / 1 ،‬‬
‫‪ 3‬معاني القرآن ‪ ،‬الفراء ‪ ، 298 / 3 ،‬وينظر ‪ :‬الجامع لحكام القرآن ‪ ، 338 / 30 ،‬والتبيان في إعراب القرآن ‪، 296 / 2 ،‬‬
‫والبحر المحيط ‪ ، 567 / 10 ،‬وروح المعاني ‪. 264-263 / 30 ،‬‬
‫‪ 4‬البحر المحيط ‪. 541 / 4 ،‬‬
‫‪ 5‬ينظر ‪ :‬دراسات لسلوب القرآن الكريم ‪. 521 -512 / 10 ،‬‬

‫‪ 6‬ينظر ص ( ‪ ) 60 - 59‬من البحث ‪.‬‬


‫‪ 7‬ينظر ‪ ( :‬آل عمران ‪ ( ، ) 113 /‬النساء ‪ ( ، ) 110/‬العراف ‪. ) 184 /‬‬
‫‪ 8‬ينظر ‪ ( :‬المجادلة ‪. ) 4 /‬‬
‫الصفحة ‪ 69‬من ‪142‬‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫خيٌْر أمِ‬‫ن َ‬ ‫متََفّرِقُو َ‬ ‫ب ُ‬ ‫أما مثال المطابقة في الجمع ‪ ،‬فنحو قوله تعالى ‪ :‬أ أْربَا ٌ‬
‫قد ْ أَنَْزلْنَا إِلَي ْ َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫حد ُ الَْق َّهاُر (يوسف‪ ، )39:‬وقوله تعالى ‪ :‬وَل َ َ‬ ‫ه الْوَا ِ‬‫الل ّ ُ‬
‫(البقرة‪ ، )99:‬وغيرذلك‪ ،1‬فنحن نلحظ أنّ المطابقة قد تمت بين‬ ‫ت بَي ِّنَات‬
‫آيَا ٍ‬
‫النعت والمنعوت إفرادًا وتثنيةً وجمعاً ‪.‬‬

‫ما ظاهره عدم المطابقة ‪:‬‬

‫وردت بعضُ الياتِ في القرآن الكريم ‪ ،‬ظاهرها عدمُ التطابق بين النعت والمنعوت ‪ ،‬من‬
‫َْ‬ ‫س َّ‬
‫(البقرة‪:‬‬ ‫ض‬
‫ماءِ وَالْر ِ‬ ‫ن ال َّ‬
‫س َ‬ ‫خرِ بَي ْ َ‬ ‫ب ال ْ ُ‬
‫م َ‬ ‫حا ِ‬ ‫ذلك قوله تعالى ‪ :‬وَال َّ‬
‫س َ‬
‫‪ ، )164‬إذ وصف ( السحاب ) وهو جمع بب ( المسخر ) وهو مفرد‪.‬‬

‫إن سبب هذا التخالف هو أنّ ( السحاب ) اس ُم جنسٍ‪ ، 2‬وهو ما يجوز فيه الجم ُع مراعاةً‬
‫لمعناه ‪ ،‬والفرادُ مراعاةً للفظهِ ‪ ،‬والقرآنُ الكري ُم يؤيدُ ذلك ‪ ،‬فقد ورد لفظ (السحاب) في‬
‫القرآن‬

‫ظهُ ‪ ،‬وهو الفراد ‪،‬‬


‫الكريم وقد روعي معناه ‪ ،‬وهو الجمع ‪ ،‬وفي مواضعٍ أخرى روعي فيه لف ُ‬
‫‪1‬‬
‫فوصفَ بمفردٍ أو عاد عليه ضميرٌ مفردٌ ‪.‬‬
‫ب‬
‫حا َ‬ ‫ئ ال َّ‬
‫س َ‬ ‫ش ُ‬‫فمثا ُل ما روعي فيه معناه ‪ ،‬وهو الجم ُع ‪ ،‬قوله تعالى ‪ :‬وَيُن ْ ِ‬
‫ل (الرعد‪ ، 2)12:‬أما مثال ما روعي فيه اللفظُ ‪ ،‬وهو الفرا ُد ‪ ،‬فنحو قوله تعالى‬ ‫الثَِّقا َ‬
‫ماءِ (البقرة‪ ، )164:‬وقوله تعالى ‪:‬‬ ‫ن ال َّ‬
‫س َ‬ ‫س َّ‬
‫خرِ بَي ْ َ‬ ‫ب ال ْ ُ‬
‫م َ‬ ‫حا ِ‬ ‫‪ :‬وَال َّ‬
‫س َ‬
‫َ َ َ‬ ‫َ‬
‫ه ُركَاما ً فَتََرى‬
‫جعَل ُ ُ‬ ‫ه ث ُ َّ‬
‫م يَ ْ‬ ‫م يُؤَل ِّ ُ‬
‫ف بَيْن َ ُ‬ ‫حابا ً ث ُ َّ‬
‫س َ‬
‫جي َ‬ ‫ه يُْز ِ‬‫ن الل ّ َ‬‫م تََر أ ّ‬ ‫أل َ ْ‬
‫(النور‪ ، )43:‬وغير ذلك‪. 3‬‬ ‫خللِهِ‬
‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫ج ِ‬ ‫خُر ُ‬‫الْوَدْقَ ي َ ْ‬
‫ي فيه معنى السحاب ولفظه ‪َ ،‬ف ُوصِفَ بجمعٍ ‪،‬‬ ‫وقد ورد موضعٌ في سورة العراف ‪ ،‬روع َ‬
‫شراً‬ ‫َ‬
‫ح بُ ْ‬
‫ل الّرِيَا َ‬ ‫وعاد عليه ضميرٌ مفر ٌد ‪ ،‬وذلك قوله تعالى ‪ :‬وَهُوَ ال ّذِي يُْر ِ‬
‫س ُ‬
‫َ َ‬
‫ت‬ ‫قنَ اهُ لِبَلَد ٍ َ‬
‫مي ِّ ٍ‬ ‫حاباً ثَِقالً ُ‬
‫س ْ‬ ‫س َ‬ ‫حتَّى إِذ َا أقَل ّ ْ‬
‫ت َ‬ ‫متِهِ َ‬
‫ح َ‬ ‫ن يَدَيْ َر ْ‬ ‫بَي ْ َ َ‬
‫(العراف‪ ، )57:‬فوصفُ ( السحاب ) بب ( ثقالً ) ‪ ،‬وذلك لن‬ ‫ماءَ‬‫ه ال ْ َ‬
‫فَأنَْزلْنَا ب ِ ِ‬
‫السحاب جمع ومعناه السحائب ‪،‬وعاد عليه ضميرٌ مفردٌ في ( سقناه ) و ( به ) مراعاةً للفظ‬
‫‪4‬‬
‫( السحاب ) المفرد ‪.‬‬
‫‪ 1‬ينظر ‪ ( :‬التوبة ‪ ( ، ) 100 /‬هود ‪ ( ، ) 27 /‬النور ‪. ) 23 /‬‬
‫‪ 2‬وهو ما يفرق بينه وبين مفرده إما بنا ٍء كـ(تمر وثمرة) ‪ ،‬و(بقر وبقرةٍ) ‪ ،‬أو بالياء كـ(رو ٍم ورومي) ‪ . ،‬ينظر ‪ :‬شرح الرضي‬
‫على الكافية ‪. 365 / 3 ،‬‬

‫ث من النترنت ‪ ،‬عنوانه ‪:‬‬ ‫‪ 1‬ينظر ‪ :‬اللفظ والمعنى في لغة التنزيل ‪ ،‬إبراهيم السامرائي ‪ ،‬بح ٌ‬
‫‪ ، www . balagh .com / mosoa /quran /lilexyo2.htm‬ص ‪. 7‬‬
‫‪ 2‬ينظر ‪ :‬جامع البيان ‪ ،123 / 13 ،‬وزاد المسير ‪ ، 313 / 4 ،‬وتفسيرالنسفي ‪ ،244 / 2 ،‬وتفسير البيضاوي ‪.322-321/ 3 ،‬‬
‫‪ 3‬ينظر ‪ ( :‬الروم ‪ ( ، ) 48 /‬فاطر ‪. ) 9/‬‬
‫‪ 4‬ينظر ‪ :‬تفسير النسفي ‪ ، 57 / 2 ،‬وتفسير البيضاوي ‪ ، 28 / 3 ،‬وإرشاد العقل السليم ‪. 234 / 3 ،‬‬
‫الصفحة ‪ 70‬من ‪142‬‬
‫وفي آية سورة البقرة ‪ ،‬يقول أبو حيان ‪ " :‬ووصف السحاب هنا بالمسخر ‪ ،‬وهو مفرد ‪،‬‬
‫لنه اسم جنس … ‪ ،‬فتارةً يُوصفُ به بما يُوصفُ الواحد ُة المؤنثة ‪ ،‬وتار ًة يُوصفُ بما‬
‫َ َ‬
‫حابا ً ثَِقال ً (العراف‪:‬‬ ‫س َ‬
‫ت َ‬ ‫حتَّى إِذ َا أقَل ّ ْ‬
‫َ‬ ‫ف به الجم ُع ‪ ،‬كقوله تعالى ‪:‬‬
‫يُوص ُ‬
‫‪.5 ")57‬‬

‫وجاء في روح المعاني ‪ " :‬والسحابُ عطفٌ على ما قلبه ‪ ،‬وهو اسم جنسٍ واحده‬
‫َْ‬ ‫س َّ‬
‫ض ‪ :‬صفةٌ للسحاب باعتبار لفظه ‪،‬‬ ‫ماءِ َوالْر ‪ِ 6‬‬ ‫ن ال َّ‬
‫س َ‬ ‫خرِ بَي ْ َ‬ ‫سحابةٌ ‪ …،‬ال ْ ُ‬
‫م َ‬
‫وقد يعتبر معناه ‪ ،‬فيوصف بالجمع كب ( سحاباً ثقا ًل ) " ‪.‬‬

‫(النبياء‪:‬‬ ‫مةِ‬ ‫ط لِيَوْم ِ ال ْ ِ‬


‫قيَا َ‬ ‫ن الِْق ْ‬
‫س َ‬ ‫ضعُ ال ْ َ‬
‫موَازِي َ‬ ‫وَن َ َ‬
‫وقال تعالى ‪:‬‬
‫‪ ، )47‬فقد نَعَتَ الجمعَ (الموازين) ‪ ،‬بمفردٍ ( القسط ) ‪ ،‬وسبب ذلك لن ( القسط )‬
‫س يدلُ بلفظهِ على‬
‫مصدرٌ ‪ ،‬والمصدر ل يُثنى ول يجمعُ ‪ ،‬فهو مفردٌ على كلّ حا ٍل ‪ " ،‬لنه جن ٌ‬
‫القليلِ والكثيرِ فاستُغني عن تثنيتهِ وجمعهِ "‪. 1‬‬
‫ط ‪( ،‬القسط) ‪ ،‬من صفة‬ ‫س َ‬
‫ن الِْق ْ‬ ‫ضعُ ال ْ َ‬
‫موَازِي َ‬ ‫يقولُ الفراءُ ‪ " :‬وقوله ‪ :‬وَن َ َ‬
‫(الموازين) ‪ ،‬وإن كان موحدًا ‪ ،‬وهو بمنزلة قولك للقوم ‪ :‬أنتم رضاً وعدلٌ "‪. 2‬‬
‫ويقول الطبري ‪ " :‬وجعل (القسط) وهو موحدٌ من نعت (الموازين) وهو جمعٌ لنه في‬
‫مذهب عدل ورضا "‪. 3‬‬

‫أو تكون الية على حذف مضاف ‪ ،‬والتقدير ‪( :‬ونضع الموازين ذوات القسط) ‪ ،‬وبهذا‬
‫‪4‬‬
‫تتم المطابقة ‪ ،‬يقول الزمخشري ‪ … " :‬أو على حذف مضاف أي ذوات القسط " ‪.‬‬

‫والرأي الول أولى ‪ ،‬لنه يناسب معنى الية ‪ ،‬وأدلّ في إعجازها ‪ ،‬فقد سِيقَتْ هذه اليةُ‬
‫ع ِملَ ‪ ،‬ل ينقص من عمله‬ ‫لبيان عدل الباري سبحانه وتعالى بين عباده ‪ ،‬فكلٌ يُجازى بما َ‬
‫شيءٌ ‪ ،‬سواء كان خيراً أم شراً ‪ ،‬وسواءٌ كان المُجازى مؤمناً أم كافرًا ‪ ،‬ولو كان ذلك العمل‬
‫ل يأتي بها ليُجَازِي بها‬ ‫مثقالَ حبةٍ من خرد ٍل ‪ ،‬التي هي أصغرُ الشياء وأحقرها ‪ ،‬فإنّ ا َ‬
‫ن‬ ‫خيْرا ً يََره ُ ‪ ‬وَ َ‬
‫م ْ‬ ‫ل ذََّرةٍ َ‬
‫مثَْقا َ‬ ‫م ْ‬
‫ل ِ‬ ‫ن يَعْ َ‬
‫م ْ‬ ‫صاحبَها ‪ ،‬فالُ تعالى يقول ‪ :‬فَ َ‬
‫(الزلزلة‪. )8-7:‬‬ ‫شّرا ً يََره ُ‬
‫ل ذََّرةٍ َ‬
‫مثَْقا َ‬ ‫م ْ‬
‫ل ِ‬ ‫يَعْ َ‬
‫فمعنى العدالة يتحقق بنصبه تعالى للموازين ‪ ،‬التي هي عين القسط والعدل ‪ ،‬وهذا‬
‫‪5‬‬
‫المعنى يكون بوصف الموازين بالمصدر ‪ ،‬وهذا من قسطه وعدله ج ّل وعل ‪.‬‬
‫‪ 5‬البحر المحيط ‪. 82 / 2 ،‬‬
‫‪ 6‬روح المعاني ‪. 33 / 2 ،‬‬

‫‪ 1‬شرح المفصل ‪. 50 / 3 ،‬‬


‫‪ 2‬معاني القرآن ‪ ،‬الفراء ‪. 205 / 2 ،‬‬
‫‪ 3‬جامع البيان ‪ ، 268 / 1 ،‬وينظر ‪ :‬زاد المسير ‪ ، 245 / 5 ،‬والجامع لحكام القرآن ‪ ، ، 294 / 11 ،‬ولسان العرب‪ ،‬مادة‬
‫(قسط) ‪ ، 377 / 7 ،‬وتفسير البيضاوي ‪.96 / 4 ،‬‬
‫‪ 4‬الكشاف ‪ ، 377 / 2 ،‬وينظر ‪ :‬زاد المسير ‪ ، 245 / 5 ،‬وتفسير النسفي‪ ، 80 / 3 ،‬ولسان العرب ‪ ،‬مادة ( قسط ) ‪، 377 / 7 ،‬‬
‫وفتج القدير ‪ ، 411 / 3 ،‬وأضواء البيان ‪. 160 / 4 ،‬‬
‫‪ 5‬ينظر ‪ :‬الكشاف ‪ ، 2/330 ،‬وتفسير النسفي ‪ ، 3/81 ،‬وأضواء البيان ‪. 4/158 ،‬‬
‫الصفحة ‪ 71‬من ‪142‬‬
‫قنا اْلنسان من نطَْفة أ َ‬
‫جعَلْنَا ُ‬
‫ه‬ ‫ج نَبْتَلِيهِ فَ َ‬
‫ٍ‬ ‫َ‬
‫شا‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ٍ‬ ‫ِْ َ َ ِ ْ ُ‬ ‫خل َ ْ َ‬
‫وقال تعالى ‪ :‬إِنَّا َ‬
‫صيراً (النسان‪ ، )2:‬فقد وصف ( النطفة ) وهي مفرد بجمع ( أمشاج )‬ ‫ميعا ً ب َ ِ‬
‫س ِ‬
‫َ‬
‫‪.‬‬

‫والقول في هذه الية من وجهين ‪:‬‬


‫الول ‪:‬‬
‫ج ) كب‬
‫ظ ( أمشاج ) لفظٌ مفر ٌد غيرُ مجموع ‪ ،‬يقول الزمخشري ‪ ( " :‬نطفةٍ أمشا ٍ‬ ‫إنّ لف َ‬
‫ظ مفردةٌ غير جموع ‪ ،‬ولذلك وقعت صفاتٍ للفراد‬ ‫(برمة أعشار)‪ ،‬و(دبر أكباش) ‪ ،‬وهي ألفا ٌ‬
‫"‪.1‬‬
‫الثاني ‪:‬‬
‫ن المقصود بالنطفة هنا ‪ ،‬ماءُ الرج ِل وما ُء المرأةِ ‪ ،‬وكل الماءين يحوي صفات‬ ‫إّ‬
‫متعددة ‪ ،‬وجاز وصفها – النطفة – بالجمع لهذا المعنى ‪ ،‬يقول البيضاوي ‪ " :‬وجمع النطفة‬
‫به ‪ ،‬لن المراد مجموع منيّ الرجل والمرأة ‪ ،‬وكلّ منهما مختلف الجزاء في الرقة والقوام‬
‫والخواص "‪ ، 2‬وجاء في روح المعاني ‪ " :‬والحاصل أنه َن ّزلَ الموصوفَ منزلةَ الجم ِع ‪،‬‬
‫صفَ بصفة أجزائهِ "‪. 3‬‬ ‫و ُو ِ‬

‫وهو الذي نؤيده ؛ ففي بداية السورة التي وردت فيها هذه الية ‪ ،‬كان الحديث حول بدء‬
‫خلق النسان ‪ ،‬فالُ تعالى يقولُ ‪ :‬هَ ْ َ‬
‫ن الدَّهْ ِ‬
‫ر‬ ‫م َ‬
‫ن ِ‬
‫حي ٌ‬
‫ن ِ‬ ‫ل أتَى عَلَى اْلِن ْ َ‬
‫سا ِ‬
‫قنا اْلنسان من نطَْفة أ َ‬
‫ه‬
‫ج نَبْتَلِي ِ‬
‫ٍ‬ ‫َ‬
‫شا‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ٍ‬ ‫ِْ َ َ ِ ْ ُ‬ ‫خل َ ْ َ‬‫مذ ْكُورا ً ‪ ‬إِنَّا َ‬ ‫شيْئا ً َ‬‫ن َ‬‫م يَك ُ ْ‬‫لَ ْ‬
‫صيراً (النسان‪ ، )2-1:‬فقد مرّ على النسان زمنٌ طويلٌ قبل‬ ‫ميعا ً ب َ ِ‬ ‫س ِ‬‫جعَلْنَاه ُ َ‬
‫فَ َ‬
‫ل تعالى آد َم ( ) من‬ ‫مذ ْكُوراً ‪ ،‬ثمّ خلق ا ُ‬ ‫شيْئا ً َ‬‫ن َ‬ ‫م يَك ُ ْ‬ ‫وجوده ‪ ،‬وهو معدو ٌم ‪ ،‬ل َ ْ‬
‫َ‬
‫ج ‪ ،‬ذلك الماء المُستَقذر الناتج‬ ‫شا ٍ‬ ‫ن نُطَْفةٍ أ ْ‬
‫م َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬ ‫طين ‪ ،‬وجعل نسله بعده متسلسلً‬
‫عن اختلط ماء الرجل بماء المرأة ‪ ،‬لب (نَبْتَلِيهِ) بطريقة خلقه وأصل منبته ‪ ،‬ليعلم الُ هل‬
‫يرى النسانُ حا َلهُ الولى ويتفطنُ لها ؟ ‪ ،‬أم يتركها خلفَ ظهره ‪ ،‬ناسياً إيّاها ‪ ،‬مغتراً‬
‫‪4‬‬
‫بنفسه ؟‬
‫ج‪ -‬في الجنس ‪:‬‬

‫‪ 1‬الكشاف ‪ ، 295 / 3 ،‬وينظر تفسير النسفي‪ ، 317 / 4 ،‬والبحر المحيط ‪ ، 359 / 10 ،‬وفتح القدير ‪ ، 345 / 5 ،‬وروح‬
‫المعاني ‪ ، 51 / 29 ،‬وأظنّ أن عبارة ( دبر أكباش ) خطأ في متن الكشاف ‪ ،‬والصحيح ( بُردٌ أكياش ) فقد ذكر أبو حيان قول‬
‫الزمخشري بالصيغة التي أوردتها ‪ ،‬حيث يقول ‪ " :‬وقال الزمخشري ‪ :‬نطفة أمشاج كـ(برمة أعشار) و ( برد أكياش ) وهي‬
‫ألفاظ مفردة …" البحر المحيط ‪ ، 359 / 10 ،‬وجاء في روح المعاني ‪ " :‬وقيل هو مفرد جاء على أفعال ‪ ،‬كأعشار و‬
‫( أكياش ) في قولهم أعشار أي متكسرة ‪ ،‬و ( بردُ أكيش ) أي مغزول غزله مرتين أ واختاره الزمخشري " روح المعاني ‪،‬‬
‫‪ ، 51 / 29‬وينظر اللسان ‪ ، 344 / 6 ،‬مادة ( كيش ) ‪ ،‬وتاج العروس ‪ ، 337 / 6 ،‬مادة ( خلق ) ‪.‬‬
‫‪ 2‬تفسير البيضاوي ‪ ، 425 /5 ،‬وينظر إرشاد العقل السليم ‪. 70 / 9 ،‬‬
‫‪ 3‬روح المعاني ‪. 51 / 29 ،‬‬
‫‪ 4‬يُنظر ‪ :‬تيسير الكريم الرحمن ‪. 1256 ،‬‬

‫الصفحة ‪ 72‬من ‪142‬‬


‫فالمذكرُ يُوصفُ بمذك ٍر مثله ‪ ،‬والمؤنث يُوصفُ بمؤنثٍ مثله ‪ ،‬وهذا ما جاء عليه القرآن‬
‫َ‬
‫الكريم‪ .‬فمثا ُل وصفِ المذكرِ بالمذكر قولُببببببببببببببببهُ تعالى ‪ :‬وَأعْتَدْنَا لِلْكَافِرِي َ‬
‫ن‬
‫م عَذ َابا ً أَلِيماً‬
‫منْهُ ْ‬
‫ِ‬
‫َّ‬
‫(هود‪، )44:‬‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫مي‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ل بُعْدا ً لِلَْقوْم ِ الظ‬
‫وَقِي َ‬
‫(النساء‪ ، )161:‬وقوله تعالى ‪:‬‬
‫وغير ذلك ‪.1‬‬
‫ل اذ ْكُُروا‬
‫سرائي َ‬ ‫ف المؤنثِ بالمؤنثِ فنحو قوله تعالى ‪ :‬يَا بَنِي إ ِ ْ‬ ‫أما مثا ُل وص ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫س‬‫ت (البقرة‪ ، )47:‬وقوله تعالى ‪ :‬يَا أيُّهَا النَّا ُ‬ ‫ي ال ّتِي أ َنْعَ ْ‬
‫م ُ‬ ‫مت ِ َ‬
‫نِعْ َ‬
‫(النساء‪ ، )1:‬وغير ذلك‬ ‫حدَةٍ‬
‫س وَا ِ‬
‫ن نَْف ٍ‬
‫م ْ‬
‫م ِ‬ ‫خل َ َ‬
‫قك ُ ْ‬ ‫م ال ّذِي َ‬ ‫اتَُّقوا َربَّك ُ ُ‬
‫‪.2‬‬

‫ما ظاهرهُ المخالفة ‪:‬‬


‫وقد وردت بعضُ اليات في القرآن الكريم ‪ ،‬ظاهرُها التخالفُ بين النعت ومنعوته في‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫الجنس ‪ ،‬وذلك راجعٌ إلى الحمل على المعنى ‪ ،‬قال تعالى ‪ :‬وَهُوَ ال ّذِي أْر َ‬
‫س َ‬
‫ل‬
‫ماءً طَهُوراً ‪‬‬ ‫َ‬
‫ماءِ َ‬ ‫ن ال َّ‬
‫س َ‬ ‫متِهِ وَأنَْزلْنَا ِ‬
‫م َ‬ ‫ح َ‬ ‫شرا ً بَي ْ َ‬
‫ن يَدَيْ َر ْ‬ ‫ح بُ ْ‬
‫الّرِيَا َ‬
‫ي كَثِيراً‬ ‫َ‬ ‫خل َ ْ َ‬
‫قنَا أنْعَاما ً وَأنَا ِ‬
‫س َّ‬ ‫م َّ‬
‫ما َ‬ ‫ه ِ‬
‫قي َ ُ‬ ‫ميْتاً وَن ُ ْ‬
‫س ِ‬ ‫ي بِهِ بَلْدَةً َ‬
‫حي ِ َ‬
‫لِن ُ ْ‬
‫(الفرقان‪ ، )49-48:‬فقد وصف الب (بلدة ) وهي مؤنثٌ بصفة المذكر ( ميت ًا )‪ ،3‬وفي‬
‫موطن آخر في القرآن الكريم ‪ ،‬وصف الب ( بلدة ) بصفة المؤنث ‪ ،‬وذلك في قوله تعالى ‪:‬‬
‫فوٌر (سبأ ‪. )15 :‬‬ ‫ب غَ ُ‬‫ة وََر ٌّ‬‫بَلْدَة ٌ طَي ِّب َ ٌ‬
‫والسببُ في ذلك يرجعُ إلى الحمل على المعنى ‪ ،‬فب (البلدة) بمعنى (البلد) ‪ ،‬قال تعالى ‪:‬‬
‫منَا ً (ابراهيم‪ ، )35:‬وقال تعالى‬ ‫ل هَذ َا الْبَلَدَآ ِ‬
‫جعَ ْ‬
‫با ْ‬ ‫م َر ِّ‬ ‫ل إِبَْراهِي ُ‬‫وَإِذ ْ قَا َ‬
‫ن‬ ‫ت (فاطر‪ ، )9:‬وقال أيضًا ‪ :‬وَهَذ َا الْبَلَدِ اْل َ ِ‬
‫مي ِ‬ ‫مي ِّ ٍ‬‫قنَاه ُ إِلَى بَلَدٍ َ‬ ‫‪ :‬فَ ُ‬
‫س ْ‬
‫(التين‪ ، )3:‬يقبول الزمخشريّ ‪ " :‬قبال (ميتا) ؛ لنّ (البلدة) في معنببى (البلد) فبي‬
‫ت ) "‪. 1‬‬ ‫قنَاه ُ إِلَى بَلَد ٍ َ‬
‫ميِّــــــ ٍ‬ ‫قولبه ‪ ( :‬فَ ُ‬
‫س ْ‬
‫‪ 1‬ينظر ‪ ( :‬الحج ‪ ( ، ) 1 /‬النور ‪ ( ، ) 25 /‬الفرقان ‪. ) 26 /‬‬
‫‪ 2‬ينظر ‪ ( :‬البقرة ‪ ( ، ) 128 /‬آل عمران ‪ ( ، ) 131 /‬السراء ‪. ) 101 /‬‬
‫َ‬
‫ن‬‫م َ‬
‫ل ِ‬ ‫ذي نََّز َ‬ ‫وال ّ ِ‬ ‫( َ‬ ‫‪ 3‬ورد مثل هذا التركيب في موطنين آخرين في القرآن الكريم ‪ ،‬هما قوله تعالى ‪:‬‬
‫ن)‬‫جو َ‬ ‫خَر ُ‬
‫ك تُ ْ‬ ‫ميْتا ً كَذَل ِ َ‬
‫ه بَلْدَةً َ‬ ‫فأَن ْ َ‬
‫شْرنَا ب ِ ِ‬ ‫ر َ‬‫ٍ‬ ‫قدَ‬‫ماءً ب ِ َ‬
‫ء َ‬
‫ما ِ‬ ‫ال َّ‬
‫س َ‬
‫ميْتا ً ) (قّ‪)11:‬‬ ‫عباد َ‬
‫ه بَلْدَةً َ‬ ‫حيَيْنَا ب ِ ِ‬
‫وأ ْ‬‫رْزقا ً لِل ْ ِ َ ِ َ‬ ‫(الزخرف‪ ، )11:‬وقوله تعالى ‪ِ ( :‬‬
‫‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫‪ 1‬الكشاف ‪ ، 411 / 2 ،‬وينظر ‪ :‬الجامع لحكام القرآن ‪ 56 / 13 ،‬و ‪ ، 7 / 17‬وتفسير النسفي ‪ ، 170 / 3 ،‬ولسان العرب ‪ ،‬مادة‬
‫( موت ) ‪ ، 911 / 2 ،‬والبحر المحيط ‪ ، 116 / 8 ،‬وروح المعاني ‪ ، 31 / 19 ،‬و ‪ / 67 / 25‬و ‪. 176 / 26‬‬
‫الصفحة ‪ 73‬من ‪142‬‬
‫أو إنّ ( البلدة ) بمعنى (المكان) ‪ ،‬أو ( الموضع ) ‪ ،‬قال ذلك الطبريّ ‪ ،2‬وبهذين التأويلين‬
‫تتم المطابقة ‪.‬‬

‫ر (القمر‪، )20:‬‬
‫َ‬
‫وقال تعالى ‪ :‬تنزع ُ النَاس كَأنَه َ‬
‫منَْقعِ ٍ‬‫ل ُ‬ ‫خ ٍ‬‫جاُز ن َ ْ‬‫م أعْ َ‬ ‫ُّ ْ‬ ‫ّ َ‬ ‫َْ ِ‬
‫فوصف (النخل) وهو لفظٌ مؤنثٌ ‪ ،‬بب ( منقعر ) وهو مذكرٌ ‪ ،‬وفي موطن آخر وصف‬
‫خاوِيَةٍ (الحاقة‪:‬‬ ‫ل َ‬ ‫( النخل ) بصفةٍ مؤنثةٍ ‪ ،‬قال تعالى ‪ :‬كَأَنَه َ‬
‫خ ٍ‬‫جاُز ن َ ْ‬ ‫م أعْ َ‬‫ُّ ْ‬
‫ن‬
‫م ْ‬
‫ل ِ‬ ‫ن الن َّ ْ‬
‫خ ِ‬ ‫م َ‬‫‪ ، )7‬وقد أعاد على هذا اللفظ ضميرًا مؤنثاً في قوله تعالى ‪ :‬وَ ِ‬
‫(النعام‪. )99:‬‬ ‫ة‬ ‫طَلْعِهَا قِنْوَا ٌ‬
‫ن دَانِي َ ٌ‬

‫والسببُ في ذلك لنّ لفظ ( النخل ) من أسماء الجناس ‪ ،‬وهذه السماء يجوز فيها‬
‫ن كلّ‬ ‫التذكير نظراً للجنس ‪ ،‬ويجوز فيها التأنيث نظراً لمعناها ‪ ،‬يقولُ المبردُ ‪ " :‬وأعلمْ أ ّ‬
‫جمع ليس بينه وبين واحده إل الهاء ‪ ،‬فإنه جارٍ على سنة الواحد ‪ ،‬وإن عنيتَ به جمع‬
‫الشيء ‪ ،‬مَنْ أنثه فليس إلى السم يقصد ‪ ،‬ولكنه يؤنثها على معناه ‪ ،‬كما قال عزّ وجلّ ‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ر ل ّن (النخل) جنسٌ وقال ‪ :‬فَتََرى‬ ‫منَْقعِ ٍ‬ ‫ل ُ‬ ‫جازن َ ْ‬
‫خ ٍ‬ ‫س كَأنَّهُم أعْ َ‬ ‫َ‬ ‫تَنْزِع ُ النَّا‬
‫(الحاقة‪ ، )7:‬لنه جمعُ‬ ‫الَْقوم فيها صرعَى كَأَنَه َ‬
‫خاوِيَةٍ‬
‫ل َ‬
‫خ ٍ‬ ‫جاُز ن َ ْ‬
‫م أعْ َ‬ ‫ُّ ْ‬ ‫ْ َ ِ َ َ ْ‬
‫ل‬
‫خ ٍ‬ ‫(نخلةٍ) ‪ ،‬فهو على المعنى جماعة "‪ ، 3‬وجاء في مشكل إعراب القرآن ‪ " :‬قوله ‪ :‬ن َ ْ‬
‫قعِرٍ ‪ ،‬إنما ذكر ( منقعر ) لنّ النخل يُذكرُ ويؤنّثُ ‪ ،‬فلذلك قال ( منقعر ) ‪ ،‬وقال في‬ ‫من ْ َ‬ ‫ُ‬
‫خاوِيَةٍ ‪ ،‬فأنّث "‪ ، 1‬ويقول النسفيّ ‪ " :‬وذ ّكرَ صفة‬ ‫ل َ‬ ‫َ‬
‫خ ٍ‬ ‫جاُز ن َ ْ‬
‫موضع آخر ‪ :‬أعْ َ‬
‫ل‬ ‫( نخل ) على اللفظ ‪ ،‬ولو حملها على المعنى لنّثَ ‪ ،‬كما قال ‪ :‬كَأَنَه َ‬
‫خ ٍ‬ ‫جاُز ن َ ْ‬
‫م أعْ َ‬
‫ُّ ْ‬
‫خاوِيَةٍ ‪.2‬‬ ‫َ‬

‫والتأنيث في مثل هذه السماء لغةُ أهلِ الحجاز ‪ ،‬وأما التذكير فهو لغة أهل تميم ‪.3‬‬

‫وبالرغم من جواز المرين فإن النظم لم يستعمل هذين التركيبين اعتباطًا ‪ ،‬بل كلٌ يناسب‬
‫ر ‪،‬‬ ‫ما ورد فيه ‪ ،‬فآية سورة القمر‪ :‬تنزع ُ النَاس كَأَنَه َ‬
‫منَْقعِ ٍ‬
‫ل ُ‬‫خ ٍ‬‫جاُز ن َ ْ‬
‫م أعْ َ‬
‫ُّ ْ‬ ‫ّ َ‬ ‫َْ ِ‬
‫مناسبة تماماً لفواصل اليات في تلك السورة ‪ ،‬فقد وردت كلّ الفواصل مختومة بصوت‬

‫‪ 2‬يُنظر ‪ :‬جامع البيان ‪ ، 21 / 19 ،‬وينظر ‪ :‬معالم التنزيل ‪ ، 372 / 3 ،‬وزاد المسير ‪ ، 94 / 6 ،‬والبرهان ‪. 359 / 3 ،‬‬
‫‪ 3‬المقتضب ‪. 346 / 3 ،‬‬

‫‪ 1‬مشكل إعراب القرآن ‪. 700 – 699 / 2 ،‬‬


‫‪ 2‬تفسير النسفي ‪ ، 203 / 4 ،‬وينظر ‪ :‬لسان العرب ‪ ،‬مادة ( خوا ) ‪ ، 245 / 14 ،‬والبحر المحيط ‪ ، 531 / 9 ،‬وتفسير‬
‫البيضاوي ‪ ، 267 / 5 ،‬والتقان ‪ ، 555 / 1 ،‬وإرشاد العقل السليم ‪ ، 171 / 8 ،‬وفتح القدير ‪. 125 / 5 ،‬‬
‫‪ 3‬ينظر ‪ :‬المقتضب ‪ ، 346 /3 ،‬هـ –‪ ، 4‬وزاد المسير ‪. 96-95 / 8‬‬
‫الصفحة ‪ 74‬من ‪142‬‬
‫( الراء ) ‪ ،‬كب ( القمر ‪ ،‬مستمر ‪ ،‬مستقر‪ ،‬مزدجر ‪ ، )…،‬وإنّ الخروج في آية واحدة ‪ -‬من‬
‫أصل خمسٍ وخمسين آية ‪ -‬فيه من الثقل على السامع ما فيه ‪.‬‬

‫كَأَنَه َ‬
‫خاوِيَةٍ‬
‫ل َ‬
‫خ ٍ‬
‫جاُز ن َ ْ‬
‫م أعْ َ‬
‫ُّ ْ‬ ‫وكذا الحال في الية الخرى من سورة الحاقة ‪:‬‬
‫‪ ،‬فهي مناسبةٌ تمام المناسبةِ للفواصل في تلك السورة ‪ ،‬كب ( الطاغية ‪ ،‬عاتية ‪ ،‬باقية ‪ ،‬رابية‬
‫‪ ،‬واعية …) ‪.‬‬

‫يقول السيوطي ‪ " :‬أعجازُ ‪ :‬أصولُ نخلٍ ‪ ،‬منقع ُر ‪ :‬منقطعٌ ساقطٌ على الرض ‪ ،‬وشبّهوا‬
‫ة ‪ ،‬مراعاةًَ للفواصل في‬
‫خاوِي َ ٍ‬
‫ل َ‬
‫خ ٍ‬
‫بالنخل لطولهم ‪ ،‬وذ ّكرَ هنا وأنّث في الحاقة ن َ ْ‬
‫الموضعين "‪.1‬‬

‫ح طَيِّب َ ٍ‬
‫ة‬ ‫م بِرِي ٍ‬
‫ن بِهِ ْ‬
‫جَري ْ َ‬ ‫م فِي الُْفل ْ ِ‬
‫ك وَ َ‬ ‫حتَّى إِذ َا كُنْت ُ ْ‬
‫َ‬ ‫وقال تعالى ‪:‬‬
‫ف (يونس‪. )22:‬‬ ‫ص ٌ‬‫ح عَا ِ‬ ‫جاءَتْهَا رِي ٌ‬ ‫وَفَرِ ُ‬
‫حوا بِهَا َ‬
‫ظ مذكر ( عاصف )‪ ، 1‬والقول في هذه الية من وجوه ‪:‬‬ ‫فقد وصف المؤنث ( ريح ) بلف ٍ‬
‫أولها ‪:‬‬
‫‪2‬‬
‫إنّ الريحَ تُؤنّث وتذ ّكرُ ‪ " ،‬والعربُ تقول ‪ :‬عاصفٌ و عاصفةٌ " ‪ ،‬فمن ذكّرها فإلى‬
‫اللفظ يقصد ‪ ،‬ومن أنّثها فإلى المعنى يقصد ‪ ،‬يقول القرطبيّ ‪ " :‬وقال أبو بكر النباري ‪ :‬سُئل‬
‫ف مسألةٍ ‪ ،‬هذه من جملتها ‪ ،‬فقيل له ما الفرق بين‬ ‫المبر ُد بحضرة إسماعيل القاضي عن أل ِ‬
‫ف ‪،‬‬ ‫ص ٌ‬ ‫ح عَا ِ‬‫جاءَتْهَا رِي ٌ‬‫َ‬ ‫ة و‬‫صَف ً‬
‫ح عَا ِ‬ ‫ن الّرِي َ‬ ‫سلَي ْ َ‬
‫ما َ‬ ‫قوله تعالى ‪ :‬وَل ِ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫وقوله ‪ :‬كَأَنَه َ‬
‫منَْقعِرٍ‬
‫ل ُ‬ ‫جاُز ن َ ْ‬
‫خ ٍ‬ ‫م أع ْ َ‬ ‫خاوِيَةٍ و كَأنَّهُ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫جاُز ن َ ْ‬
‫خ ٍ‬ ‫م أعْ َ‬ ‫ُّ ْ‬
‫‪ ،‬فقال كلما ورد عليك من هذا الباب ‪ ،‬فإن شئتَ رددته إلى اللفظ تذكيراً ‪ ،‬أو إلى المعنى تأنيثاً‬
‫) "‪. 3‬‬

‫ثانيها ‪:‬‬

‫‪ 1‬تفسير الجللين ‪ ، 706 / 1 ،‬وينظر ‪ :‬روح المعاني ‪. 87 / 27 ،‬‬


‫ل مؤنثٍ‬ ‫ظ بتقدم فع ٍ‬‫ث فيها هذا اللف ُ‬
‫‪ 1‬ورد لفظا ( الريح ‪-‬الرياح ) في القرآن الكريم سبعًا وعشرين مرة ‪ ،‬أربعة عشر موطنًا ُأنّ َ‬
‫ث إليه ‪ ،‬وقد ُذكّرَ في موطنين ‪ ،‬وفي أحد عشر موطنًا ل يوجد فيها ما يشير إلى التذكير أو التأنيث ‪،‬‬ ‫عليه ‪ ،‬أو عود ضمير مؤنّ ٍ‬
‫ه يَك ْ ُ‬ ‫َ ً َ َ ُّ‬ ‫فرأ َ‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫فمثال التذكير قوله تعالى ( ولَئ ِن أ َ‬
‫ن)‬
‫فُرو َ‬ ‫د ِ‬
‫ع ِ‬ ‫ب‬
‫ْ َ ْ‬‫ن‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫وا‬ ‫ل‬ ‫ظ‬ ‫ل‬ ‫را‬ ‫ف‬ ‫ص‬‫م‬ ‫ه‬
‫َ ْ ُ ُ ْ ّ‬‫و‬ ‫ريحا‬
‫ِ‬ ‫ا‬‫َ‬ ‫ن‬ ‫سل‬ ‫ر‬
‫ْ ْ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫وم‬ ‫ث َ‬
‫ق ْ ٍ‬ ‫حْر َ‬ ‫ت َ‬ ‫صٌّر= = أ َ‬
‫صاب َ ْ‬ ‫ها ِ‬ ‫في َ‬‫ح ِ‬
‫ري ٍ‬‫ل ِ‬ ‫مث َ ِ‬‫(الروم‪ ، )51:‬ومثال التأنيث قوله تعالى ‪( :‬ك َ َ‬
‫ه ) (آل عمران‪ ، )117:‬أما مثال عدم ما يشير إلى التذكير أو التأنيث فنحو‬ ‫فأ َ ْ‬
‫هلَكَت ْ ُ‬ ‫م َ‬‫ه ْ‬‫س ُ‬ ‫ف َ‬‫موا أَن ْ ُ‬ ‫ظَل َ ُ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬‫عالَى الل ُ‬ ‫ع الل ّ ِ‬
‫ه تَ َ‬ ‫م َ‬
‫ه َ‬‫ه أإِل َ ٌ‬
‫مت ِ ِ‬
‫ح َ‬
‫ي َر ْ‬
‫ن يَدَ ْ‬‫شرا ً بَي ْ َ‬ ‫ح بُ ْ‬
‫ريَا َ‬
‫ل ال ّ ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ن يُْر ِ‬‫م ْ‬ ‫و َ‬‫قوله تعالى ‪َ ( :‬‬
‫ن) (النمل‪ ، )63:‬وغير ذلك من اليات ‪ ،‬ينظر‪ ( :‬العراف ‪ ( ،) 57 /‬الحج ‪ ( ، ) 31 /‬سبأ ‪/‬‬ ‫ركُو َ‬ ‫ش ِ‬‫ما ي ُ ْ‬ ‫ع َّ‬
‫َ‬
‫‪. ) 12‬‬
‫‪ 2‬معاني القرآن ‪ ،‬الفراء ‪ ، 460 / 1 ،‬وينظر ‪ :‬جامع البيان ‪ ، 100 / 11 ،‬ومعالم التنزيل ‪ ، 349 / 2 ،‬وزاد المسير ‪، 19 / 4 ،‬‬
‫وروح المعاني ‪97 / 11 ،‬‬
‫‪ 3‬الجامع لحكام القرآن ‪ ، 137 / 17 ،‬وينظر ‪ :‬البرهان في علوم القرآن ‪. 368 – 367 / 3 ،‬‬
‫الصفحة ‪ 75‬من ‪142‬‬
‫ح َتجْ إلى‬
‫إنّ ( العصف ) مختصٌ بالريح ‪ ،‬فل يُوصف به غيرها ‪ ،‬وإذا كان كذلك لم يُ ْ‬
‫التفريق ‪ ،‬يقول البغويّ ‪ " :‬ولم يق ْل ( ريحٌ عاصفة ) ؛ لختصاص الريح بالعصوف " ‪.4‬‬

‫ت عصفٍ ) يقولُ النسفيّ ‪" :‬‬‫ثالثها ‪ :‬تكون اليةُ على حذف مضاف ‪ ،‬والتقدير ( ريحٌ ذا ُ‬
‫ت عصفٍ ‪ ،‬أي شديدة الهبوب " ‪ ،5‬وبهذا تتم المطابقة بين النعت‬‫ف ‪ ،‬ذا ُ‬‫ص ٌ‬‫ح عَا ِ‬ ‫رِي ٌ‬
‫ومنعوته ‪.‬‬

‫د ‪ -‬في التعريف والتنكير ‪:‬‬

‫توصف المعرفة بمعرفةٍ ‪ ،‬والنكرة بنكرة ‪ ،‬ول يجوز خلف ذلك ‪ ،‬جاء في القرآن الكريم‬
‫من وصفِ المعرفةِ بالمعرفةِ قوُلهُ تعالى ‪ :‬يحكم بها النَبيُون الَّذي َ‬
‫موا‬‫سل َ ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ِ َ‬ ‫ِّّ َ‬ ‫َ ْ ُ َِ‬
‫(المائدة‪ ، )44:‬وقوله‬
‫(التوبة‪ ، )100:‬وغير ذلك ‪.1‬‬ ‫ن اْلَوَّلُو َ‬
‫ن‬ ‫سابُِقو َ‬‫تعالى ‪ :‬وَال َّ‬
‫ن‬ ‫مبِي ٌ‬ ‫م نَذِيٌر ُ‬ ‫أما مثال وصف النكرة بالنكرة ‪ ،‬فنحو قوله تعالى ‪ :‬إِن ِّ َي لَك ُ ْ‬
‫ة طَيِّب َ ً‬ ‫َ‬
‫ة‬ ‫مثَل ً كَل ِ َ‬
‫م ً‬ ‫ب الل ّ ُ‬
‫ه َ‬ ‫ضَر َ‬
‫ف َ‬ ‫(هود‪ )25:‬وقوله تعالى أل َ ْ‬
‫م تََر كَي ْ َ‬
‫(ابراهيم‪ ، )24:‬وغير ذلك ‪.2‬‬ ‫جَرةٍ طَي ِّبَةٍ‬ ‫كَ َ‬
‫ش َ‬

‫ما ظاهرة عدم المطابقة ‪:‬‬

‫وقد وردت بعض اليات ظاهرها عدمُ المطابقة بين النعت ومنعوته في التعريف‬
‫َ‬ ‫قتُلُوا ال َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫صيْد َ وَأنْت ُ ْ‬ ‫منُوا ل ت َ ْ‬ ‫والتنكير ‪ ،‬من ذلك قوله تعالى ‪ :‬يَا أيُّهَا ال ّذِي َ‬
‫نآ َ‬
‫حك ُ ُ‬
‫م‬ ‫ن النَّعَم ِ ي َ ْ‬
‫م َ‬
‫ل ِ‬‫ما قَت َ َ‬ ‫مث ْ ُ‬
‫ل َ‬ ‫جَزاءٌ ِ‬ ‫مدا ً فَ َ‬‫متَعَ ِّ‬ ‫م ُ‬ ‫منْك ُ ْ‬‫ه ِ‬ ‫ن قَتَل َ ُ‬ ‫م ْ‬‫م وَ َ‬‫حُر ٌ‬ ‫ُ‬
‫(المائدة‪ ، )95:‬وقال أيضاً‪:‬‬ ‫م هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ‬ ‫منْك ُ ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫بِهِ ذ َوَا عَد ْ ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫مطُِرنَا ب َ ْ‬ ‫م ْ‬
‫ض ُ‬‫م قَالُوا هَذ َا عَارِ ٌ‬ ‫ل أوْدِيَتِهِ ْ‬ ‫قب ِ َ‬
‫ست َ ْ‬
‫م ْ‬ ‫ما َرأوْه ُ عَارِضاً ُ‬ ‫فَل َ َّ‬
‫َ‬
‫م (الحقاف‪ ، )24:‬ففي آية‬ ‫ب ألِي ٌ‬‫ح فِيهَا عَذ َا ٌ‬ ‫م بِهِ رِي ٌ‬ ‫جلْت ُ ْ‬‫ستَعْ َ‬‫ما ا ْ‬ ‫هُوَ َ‬
‫المائدة وصف ( هدي ًا ) بب ( بالغ الكعبة ) ‪ ،‬وفي آية الحقاف وصف (عارضاً) بب ( مستقبل‬
‫أوديتهم) ‪ ،‬ووصف (عارضٌ) بب (ممطرنا ) ‪ ،‬وفي كلّ تخالفٌ ‪ ،‬فالموصوفُ نكر ٌة ‪َ ،‬ووَص ُفهُ‬
‫مضافٌ إلى معرفةٍ ‪.‬‬

‫‪ 4‬معالم التنزيل ‪ ، 349 / 2 ،‬وينظر ‪ :‬إرشاد العقل السليم ‪ ، 134 / 4 ،‬وروح المعاني ‪. 97 / 11 ،‬‬
‫‪ 5‬تفسير النسفي‪ ،158 / 2،‬وينظر تفسير البيضاوي ‪ ، 192 /3 ،‬وإرشاد العقل السليم ‪ ، 134 / 4 ،‬وروح المعاني ‪. 97 / 11 ،‬‬

‫‪ 1‬ينظر ( هود ‪ ( ، ) 27 /‬يوسف ‪ ( ، ) 40 /‬إبراهيم ‪) 39 /‬‬


‫‪ 2‬ينظر ‪ ( :‬الكهف ‪ ( ، ) 40 /‬مريم ‪ ( ، ) 50 /‬الحج ‪. ) 8 /‬‬

‫الصفحة ‪ 76‬من ‪142‬‬


‫وليس هناك مشكلٌ ‪ ،‬فحقيقةُ الضافة في ( بالغَ الكعبةِ ) و ( مستقبلَ أوديتهم ) و‬
‫جئِ بها لتخفيف اللفظ ليس إل ‪ ،‬فبدل أن يقول ‪( :‬بالغاً الكعبةَ ) و‬ ‫(ممطرنا ) ‪ ،‬لفظيةٌ ‪ ،‬أي ِ‬
‫( مستقبلً أودي َتهَم ) و ( ممطرٌ لنا ) ‪ ،‬قال ‪ ( :‬بالغَ الكعبةِ ) ‪ ،‬و ( مستقبلَ أوديتهم ) و‬
‫(ممطرنا ) ‪ ،‬وهذا أخفّ في اللفظ طبع ًا ‪ ،‬فالضافة هنا ل تفيد تعريفاً للمضاف ول تخصيص ًا ‪،‬‬
‫ولذلك جاز وصف النكرة بما ُاضِيف إلى المعرفة ‪.‬‬

‫يقول سيبويه ‪ " :‬وليس يُغي ُر كفّ التنوين إذا حذفتَهَ مستخف ًا شيئ ًا من المعنى ‪ ،‬ول‬
‫يجعله معرفةً ‪ ،‬فمن ذلك ‪ :‬ك ُ ُّ‬
‫ت ‪ ، … ،‬ويزيد عندك هذا‬ ‫موْ ِ‬‫ة ال ْ َ‬
‫س ذ َائَِق ُ‬
‫ل نَْف ٍ‬
‫‪ ،‬فلو‬ ‫مطُِرنَا‬
‫م ْ‬‫ض ُ‬‫بياناً قولُه تعالى جدّهُ ‪ :‬هَدْيا ً بَالِغَ الْكَعْبَةِ ‪ ،‬و ‪ :‬عَارِ ٌ‬
‫لمْ يكنْ هذا في معنى النكرة والتنوين ‪ ،‬ل ْم تُوصفْ به النكرةُ "‪.1‬‬
‫ويقول المبردُ ‪ " :‬أل ترى أنّ السم المضاف إلى معرفةٍ على نية التنوين ‪ ،‬ل يكون إل‬
‫مطُِرنَا و‬ ‫م ْ‬‫ض ُ‬‫نكر ًة ؛ لنّ التنوين في النية ‪ ،‬نحو قوله ع ّز وجلّ ‪ :‬هَذ َا عَارِ ٌ‬
‫‪ ،‬وهو وصفٌ للنكرةِ " ‪.1‬‬ ‫هَدْيا ً بَالِغَ الْكَعْبَةِ‬

‫وجاء في جامع البيان ‪ " :‬وأمّا قوله ‪ :‬هَدْياً ‪ ،‬فإنه مصدرٌ على الحال من الهاء‬
‫‪ ،‬من نعت الهدي وصفته ؛‬ ‫م بِهِ ‪،‬وقوله ‪ :‬بَالِغَ الْكَعْبَةِ‬ ‫حك ُ ُ‬
‫التي في قوله ‪ :‬ي َ ْ‬
‫وإنما جاز إن يُنعت به وهو مضافٌ إلى معرفةٍ ؛ لنه في معنى النكرة ؛ وذلك أنّ معنى ‪:‬‬
‫بَالِغَ الْكَعْبَةِ ‪ ،‬يبلغ الكعبة ‪ ،‬فهو وإن كان مضافاً ‪ ،‬فمعناه التنوين ؛ ل ّن ُه بمعنى‬
‫رنَا ‪ ،‬فوصف بقوله ‪:‬‬ ‫مط ِ ُ‬‫م ْ‬ ‫ض ُ‬
‫الستقبال ‪ ،‬وهو نظير قوله ‪ :‬هَذ َا عَارِ ٌ‬
‫معنى التنوين ؛ لنّ تأويله‬ ‫مطُِرنَا‬ ‫م ْ‬‫ُ‬ ‫ن في‬‫ع َارِضا ً ‪ ،‬ل ّ‬ ‫مطُِرنَا‬
‫م ْ‬
‫ُ‬
‫ض يُمطرنا فكذلك في قوله ‪ :‬هَدْيا ً بَالِغَ‬ ‫الستقبال ‪ ،‬فمعناه هذا عار ٌ‬
‫" ‪.2‬‬ ‫الْكَعْبَةِ‬
‫ثانيا‪ -‬المطابقة في النعت السببي ‪:‬‬
‫ن المطابقة في النعت السببي تختلف عنه في النعت الحقيقي ‪ ،‬فالنعت السببي يوافق‬ ‫إّ‬
‫منعوته في العراب وفي التعريف والتنكير فقط ‪ ،‬أمّا في الفراد وفرعيه وفي التذكير‬
‫والتأنيث ‪ ،‬فإنه يكون كالفعل ؛ للشبه الذي بينهما ‪ ،‬فإن كان للمفرد أو للمثنى أو للجمع ‪،‬‬
‫ت برجلين‬
‫ن أبوهُ ) ‪ ،‬و ( مرر ُ‬
‫حسَ ٍ‬
‫ت ‪ ،‬كما يُفعل مع الفعل ‪ ،‬فنقولُ ‪ ( :‬مررتُ برجلٍ َ‬
‫أُفرد النع ُ‬
‫سنٍ آباؤهم) ‪.‬‬
‫ح َ‬
‫سنٍ أبواهما ) و (مررتُ برجالٍ َ‬ ‫ح َ‬
‫َ‬

‫عهُ مذكراً ذ ّكرَ لجله ‪ ،‬وإن كان مؤنثاً‬


‫وكذا الحالُ في التذكير والتأنيث ‪ ،‬فإن كان مرفو ُ‬
‫حقيقي ًا غير مفصولٍ عن عامله ‪ُ ،‬أنّثَ لجله ‪ ،‬وإن كان مرفوعه مؤنث ًا غير حقيقي ‪ ،‬أو‬
‫حقيقيًا مفصولً عن عامله ‪ ،‬ذُكّر وُأنّثَ جوازاً ‪.‬‬
‫‪ 11‬الكتاب ‪ ، 166 / 1 ،‬و الية الُولى من ‪( :‬آل عمران ‪ ) 185/‬و ( النبياء ‪ ) 35 /‬و ( العنكبوت ‪) 57 /‬‬
‫المقتضب ‪ ، 227/ 3 ،‬وينظر ‪ 150– 149/ 4 :‬من المصدر نفسه ‪ ،‬ومغني اللبيب ‪ ، 664-663 ،‬وشرح ابن عقيل ‪– 45/ 2 ،‬‬
‫‪ ، 46‬وشرح الشموني ‪241-240/ 2 ،‬‬
‫‪ 2‬جامع البيان ‪ ، 50/ 7 ،‬وينظر ‪ :‬الكشاف ‪ 484/ 1 ،‬و ‪، 123 / 3‬والتبيان في إعراب القرآن ‪ ، 227 / 1 ،‬و ‪، 235 / 2‬‬
‫واللسان ‪ ،‬مادة ( عرض ) ‪ ، 174 / 7 ،‬والبحر المحيط ‪ ، 446 / 9 ،‬وروح المعاني ‪ ، 26 / 7 ،‬و ‪. 26 / 26‬‬
‫الصفحة ‪ 77‬من ‪142‬‬
‫ت برج ٍل يَقعُدُ‬‫فنقولُ ‪ ( :‬مررتُ برجلٍ قاع ٍد أبوه وبامرأة قاعدةٍ ُأمُها ) ‪ ،‬كما نقولُ ‪ ( :‬مرر ُ‬
‫أبوه وبامرأ ٍة تَقعُدُ ُأ ُمهَا ) ‪ ،‬ونقول ‪ ( :‬مررتُ برجلٍ هُدِمَ دارُ ُه وهُ ِدمَتْ دَارُهُ ) ‪ ،‬كما نقولُ ‪:‬‬
‫( هُدِمَ الدارُ و هُدِمتِ الدا ُر ) ‪.‬‬
‫جاء في الكتاب ‪" :‬هذا باب ما جرى من الصفات غير العمل على السم الول إذا كان‬
‫لشئٍ من سببه ‪.‬‬
‫ن أبُوهُ ‪ ، … ،‬وإنما اُجريتْ هذه الصفاتُ على الول‬ ‫حسَ ٍ‬
‫ت برجلٍ َ‬ ‫وذلك قولك ‪ ( :‬مرر ُ‬
‫ك قد تَضعها في موضعِ اسمه ‪ ،‬فيكون منصوبًا ومجرورًا ومرفوعاً‬ ‫حتى صارت كأنها له ؛ لنّ َ‬
‫ت موسعاً عليه الدنيا ) و‬ ‫ت لغيره ‪ ،‬وذلك قولك ‪ ( :‬مررتُ بالكريمِ أبُو ُه ) و ( لَقِي ُ‬ ‫‪ ،‬والنع ُ‬
‫ك والذي أتيتَ غير صاحبِ الصفةِ ‪ ،‬وقد وقع موقع اسمه‬ ‫سنَةُ أخل ُقهُ ) ‪ ،‬فالذي أتا َ‬
‫ح َ‬‫( أتاني ال َ‬
‫ل فيه ‪ ،‬وكأنّكَ قلتَ ‪ ( :‬مررتُ بالكري ِم ‪ ،‬ولقيتُ موسّع ًا عليه ‪ ،‬وأتاني‬ ‫‪ ،‬وعمل فيه ما كان عام ً‬
‫ن ) ‪ ،‬فكما جرى مجرى اسمه ‪ ،‬كذلك جرى مجرى صفته " ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫حسَ ُ‬‫ال َ‬

‫ن يعيشٍ ‪ " :‬وقوله ‪ ( :‬إل إذا كان فع ُل ما هو من سببه ) ‪ ،‬يعني أنّ الصفة إذا‬‫ويقولُ اب ُ‬
‫رفعتِ الظاهر ‪ ،‬وكان الظاهر من سبب الموصوف ‪ ،‬فإنّ الصفة تكون موحدة على كلّ حالٍ‬
‫… ‪ ،‬وكذلك ل يُؤنثان إل أن يكون المرفوع بها مؤنث ًا "‪. 2‬‬

‫ت السببي ورد في القرآن الكريم بصورةٍ قليلةٍ جداً قياساً بورود النعت الحقيقي ‪،‬‬ ‫إنّ النع َ‬
‫ع‬ ‫ل إِنَّهَا بََقَرة ٌ َ‬
‫صْفَراءُ فَاقِ ٌ‬ ‫ه يَُقو ُ‬‫ل إِن َّ ُ‬
‫فآياتهُ معدودة ‪ 3،‬من ذلك قوله تعالى ‪ :‬قَا َ‬
‫ن (البقرة‪ ، )69:‬فب (فاق ٌع ) صفةٌ لب ( صفرا ُء ) وقد طابقه‬ ‫سُّر النَّاظِرِي َ‬‫لَوْنُهَا ت َ ُ‬
‫في العراب ‪ ،‬فالوصفُ مرفوعٌ كموصوفه ‪ ،‬وكلهما نكر ٌة ‪ ،‬أمّا بالنسبة للعدد ‪ ،‬فكما قلنا‬
‫يُفرد الوصفُ على كلّ حا ٍل ‪ ،‬وهو ها هنا مفردٌ ‪ ،‬وأمّا الجنس ‪ ،‬فقد طابق الوصفُ ( فاقعٌ )‬
‫عهُ ‪( ،‬لونها ) ‪ ،‬فكلهما مذ ّكرٌ ‪.‬‬ ‫مرفو َ‬
‫َ‬ ‫ه أَنَْز َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫جنَا ب ِ ِ‬
‫خَر ْ‬‫ماءً فَأ ْ‬ ‫ماءِ َ‬ ‫ن ال َّ‬
‫س َ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫م تََر أ ّ‬‫وقال تعالى ‪ :‬أل َ ْ‬
‫ف أَلْوَانُهَا‬‫ختَل ِ ٌ‬‫م ْ‬ ‫مٌر ُ‬
‫ح ْ‬‫ض وَ ُ‬
‫جدَد ٌ بِي ٌ‬‫ل ُ‬ ‫ن ال ْ ِ‬
‫جبَا ِ‬ ‫م َ‬
‫َ‬
‫ختَلِفا ً ألْوَانُهَا وَ ِ‬
‫م ْ‬
‫ت ُ‬‫مَرا ٍ‬ ‫ثَ َ‬
‫ت ) ‪ ،‬وقد تطابقا إعراباً‬ ‫سودٌ (فاطر‪ ، )27:‬فب ( مختلفًا ) صفةٌ لب (ثمرا ٍ‬ ‫ب ُ‬ ‫وَغََرابِي ُ‬
‫وتنكيرًا ‪ ،‬فكلهما منصوبٌ نكر ٌة ‪ ،‬أمّا في العدد ‪ ،‬فالوصفُ مفردٌ كالفع ِل ‪ ،‬وأمّا في‬

‫الجنس ‪ ،‬فالظاهر المخالفةُ ‪ ،‬فالوصف مذكرٌ (مختلفًا ) ولفظُ مرفوعه مؤنثٌ ( ألوانها ) ‪،‬‬
‫ن ( ألوانها )جمع تكسير ‪ ،‬وهو مما يجوز فيه التذكير والتأنيث ‪4،‬وفي(‬ ‫وليس كذلك ؛ ل ّ‬

‫‪ 1‬الكتاب ‪ ، 22/ 2 ،‬وينظر ‪ :‬المقتضب ‪. 155 / 4 ،‬‬


‫‪ 2‬شرح المفصل ‪ ، 55/ 3 ،‬والضمير في ( وكذلك ل يؤنثان ) يقصد به اسم الفاعل والمفعول ‪ ،‬وينظر ‪ :‬شرح الرضي على‬
‫الكافية ‪ ، 309– 307/ 2 ،‬ومغني اللبيب ‪ ، 855 ،‬وشرح ابن عقيل ‪ ، 193/ 2 ،‬والفوائد الضيائية ‪ ، 38-37/ 2 ،‬وشرح‬
‫الشموني ‪. 61 / 3 ،‬‬
‫‪ 3‬ينظر ‪ ( :‬النساء ‪ ( ، ) 75 /‬فاطر ‪ 12 /‬و ‪ ( ، ) 28‬الزمر ‪. ) 21 /‬‬

‫‪ 4‬ينظر ‪ :‬البحر المحيط ‪. 29 / 9 ،‬‬


‫الصفحة ‪ 78‬من ‪142‬‬
‫جددٌ ) و (مختلفٌ ألونُها) تمت المطابقة بين الوصف وموصوفه من جهةٍ ‪ ،‬وبين الوصف‬
‫ومرفوعه من جهةٍ أُخرى ‪.‬‬

‫المبحث الثاني‬
‫بين المعطوف والمعطوف عليه ‪:‬‬ ‫المطابقة‬

‫يقسّمُ العلماءُ العطفَ على نوعين ‪ :‬أولهما ‪ :‬عطف البيان ‪ ،‬وثانيهما ‪ :‬عطف النسق ‪،‬‬

‫أولً‪ -‬المطابقة في عطف البيان ‪:‬‬

‫فعطف البيان ‪ " :‬هو التابع الجامد المُشبه للصفة في إيضاح متبوعه وعدم استقلله "‬
‫‪2‬‬
‫ن متبوعه أيضاً ‪ ،‬ويجئُ للتأكيد والمدح ‪.‬‬
‫‪ ،1‬ويخصصُ عطفُ البيا ِ‬

‫ع بنفسهِ ‪ ،‬ل بمعنىً في المتبوع ‪،‬‬


‫إل أ ّنهُ يختلفُ عن النعت " من حيثُ أ ّنهُ يكشفُ المتبو َ‬
‫ول في سببه "‪. 3‬‬

‫إنّ المطابقة بين عطف البيان ومعطوفه ‪ ،‬كالمطابقة بين النعت ومنعوته ‪ ،‬فتجبُ‬
‫المطابقةُ بينهما في العراب ‪ ،‬وفي التعريف والتنكير ‪ ،‬وفي التذكير والتأنيث ‪ ،‬وفي العدد‪،‬‬
‫ب كلّ هذا بين النعت والمنعوت ‪.‬‬
‫كما وَجَ َ‬

‫يقول ابنُ هشام ‪ " :‬وحكم المعطوف أنّه يتبع المعطوفَ عليه في أربع ٍة من عشر ٍة ‪ ،‬وهي‬
‫واحدٌ من الرفعِ والنصب والجر ‪ ،‬وواح ٌد من التعريف والتنكير ‪ ،‬وواحدٌ من الفراد والتثنية‬
‫‪ 1‬شرح ابن عقيل ‪. 218/ 2 ،‬‬
‫‪ 2‬ينظر ‪ :‬حاشية الصبان ‪. 86– 85 / 3 ،‬‬
‫‪ 3‬شرح الشموني ‪. 86 / 3 ،‬‬
‫الصفحة ‪ 79‬من ‪142‬‬
‫ن عقيلٍ ‪ " :‬لمّا كان عطفُ البيان مُش ِبهَ ًا‬
‫والجمع ‪ ،‬وواح ٌد من التذكير والتأنيث "‪ ، 1‬ويقولُ اب ُ‬
‫ت ‪ ،‬فيوافقه في إعرابه وتعريفه أو تنكيره ‪ ،‬وتذكيره أو‬ ‫للصفة َلزِمَ فيه موافقةُ المتبوعِ كالنع ِ‬
‫تأنيثه ‪ ،‬وإفراده أو تثنيته أو جمعه "‪. 2‬‬

‫لقد حافظ النظمُ القرآنيّ على المطابقةِ بين عطفِ البيان ومعطوفه ‪ ،‬وذلك في القرآن‬
‫ن‬‫سى اب ْ ُ‬ ‫عي َ‬ ‫ح ِ‬ ‫سي ُ‬‫م ِ‬ ‫ما ال ْ َ‬
‫الكريم كّل ِه ‪ ،‬فمثالُ التطابقِ بينهما إعرابًا ‪ ،‬قوُلهُ تعالى ‪ :‬إِن َّ َ‬
‫ُ َ‬
‫م إِنَّا قَتَلْنَا‬
‫(النساء‪ ، )171:‬وقوله تعالى‪ :‬وَقَوْلِهِ ْ‬ ‫ل الل ّهِ‬ ‫سو‬ ‫م َر ُ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫ما أنْزِ َ‬
‫ل‬ ‫(النساء‪ ، )157:‬وقوله تعالى ‪ :‬وَ َ‬ ‫م‬‫مْري َ َ‬
‫ن َ‬
‫سى اب ْ َ‬ ‫عي َ‬ ‫ح ِ‬ ‫سي َ‬‫م ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫عَلَى ال ْ َ َ‬
‫ت (البقرة‪ ، )102:‬وغير ذلك ‪.3‬‬ ‫ماُرو َ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫ل هَاُرو َ‬ ‫ن بِبَاب ِ َ‬‫ملكَي ْ ِ‬
‫أمّا مثالُ التطابق بينهما تعريفًا وتنكيراً ‪ ،‬فنحو قوله تعالى ‪ :‬مل َّ َ َ‬
‫ة أبِيك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ِ‬
‫ب‬‫ن ‪َ‬ر ِّ‬
‫مي َ‬ ‫ب الْعَال َ ِ‬ ‫منَّا بَِر ِّ‬
‫م (الحج‪ ، )78:‬وقوله تعالى ‪ :‬قَالُوا آ َ‬ ‫إِبَْراهِي َ‬
‫ن (الشعراء‪، )48-47:‬هذا في التعريف‪،‬وأمّا في التنكير ‪ ،‬فنحو‬ ‫سى وَهَاُرو َ‬ ‫مو َ‬‫ُ‬
‫(النور‪ ، )35:‬وقوله تعالى‬ ‫مبَاَركَةٍ َزيْتُونَةٍ‬
‫جَرةٍ ُ‬
‫ش َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫قوله تعالى ‪ :‬يُوقَد ُ ِ‬
‫صدِيدٍ (ابراهيم‪. )16:‬‬ ‫ماءٍ َ‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬ ‫سَقى ِ‬ ‫م وَي ُ ْ‬‫جهَن َّ ُ‬
‫ن وََرائِهِ َ‬‫م ْ‬
‫ِ‬ ‫‪:‬‬

‫ف البيان في النكرات ‪ ،‬وأجازه الكوفيون ‪ ،‬وتبعهم أبو‬ ‫وقد منع البصريون وقوعَ عط ِ‬
‫عليّ الفارسيّ ‪،‬وابنُ جنيّ ‪ ،‬والزمخشريّ ‪ ،‬وابنُ عصفو ٍر ‪ ،‬والسيوطيّ ‪ ،‬وذكر الشيخ محمد‬
‫‪4‬‬

‫المير في حاشيته على مغني اللبيب سببَ منعِ البصريين لذلك ‪ ،‬حيثُ يقولُ ‪ " :‬لنّ النكرةَ‬
‫غير بينةٌ في نفسها ‪ ،‬فكيف تبين غيرها ‪ ،‬وفيه أنّ النكراتِ تتفاوتُ ‪ ،‬على أنّهم قالوا يجوز‬
‫ع ‪ ،‬وأن يكون عطفُ البيان للمدح "‪ ، 5‬وجاء مثلُ هذا في حاشية‬ ‫أن يتضح المُرادُ بالمجمو ِ‬
‫ن كاسمه ‪،‬‬ ‫ن البيان بيا ٌ‬
‫الصبّان ‪ " :‬قوله ‪( :‬ويخصون عطف البيان بالمعارف) ‪ ،‬احتجوا بأ ّ‬
‫ص مبببن بعضّ‬ ‫ن بعضَ النببببكراتِ أخ ّ‬ ‫والنكرةُ مجهولةٌ ‪ ،‬والمجهولُ ل يبين المجهولَ ‪ ،‬ورُدّ بأ ّ‬
‫ن‬
‫‪ ،‬والخببصّ يُبببببي ُ‬
‫الع ّم "‪. 6‬‬

‫ح ‪ ،‬فقد أعربَ‬‫وأمّا القولُ بجوازِ التخالفِ ‪ ،‬بين عطف البيان ومعطوفه ‪ ،‬فليس براج ٍ‬
‫ت في قوله تعالى ‪:‬‬ ‫ف بيانٍ لب آيَا ٌ‬
‫راهِيم عط َ‬ ‫م إِب ْ َ‬
‫مَقا ُ‬
‫َ‬ ‫الزمخشريّ ‪،‬‬
‫‪ 1‬شرح شذور الذهب ‪. 436 ،‬‬
‫‪ 2‬شرح ابن عقيل ‪ ، 220/ 2 ،‬و ينظر ‪ :‬شرح الشموني ‪ ، 86 / 3 ،‬والفرائد الجديدة ‪. 722 / 2 ،‬‬

‫‪ 3‬ينظر ‪ ( :‬البقرة ‪ ( ، ) 21 /‬مريم ‪ ( ، ) 2 /‬طه ‪. ) 30 /‬‬


‫‪ 4‬ينظر ‪ :‬الكشاف ‪ ، 175-174/ 2 ،‬وشرح المفصل ‪ ، 72/ 3 ، ،‬والبحر المحيط ‪ ، 419 / 6 ،‬ومغني اللبيب ‪ ، 743 ،‬وشرح‬
‫قطر الندى ‪ ، 298 ،‬وشرح ابن عقيل ‪ ، 220/ 2 ،‬وشرح الشموني ‪ ، 86/ 3 ،‬والفرائد الجديدة ‪ ، 723 / 2 ،‬والتقان في علوم‬
‫القرآن ‪ ، 190 / 2 ،‬وروح المعاني ‪. 167/ 18 ،‬‬
‫‪ 5‬حاشية الشيخ محمد المير على مغني اللبيب ‪. 139 / 2 ،‬‬
‫‪ 6‬حاشية الصبان ‪. 86 / 3 ،‬‬

‫الصفحة ‪ 80‬من ‪142‬‬


‫(آل عمران‪ ، 1)97:‬يقولُ الخضريّ ‪" :‬‬ ‫م‬
‫م إِبَْراهِي َ‬
‫مَقا ُ‬‫ت َ‬ ‫ت بَي ِّنَا ٌ‬
‫فِيهِ آيَا ٌ‬
‫ت ‪،‬‬ ‫م إِبَْراهِيم عطفَ بيانٍ على آيَا ٌ‬ ‫مَقا ُ‬
‫َ‬ ‫ن‬
‫وأمّا قولُ الزمخشريّ ‪ ،‬إ ّ‬
‫م‬
‫مَقا ُ‬
‫َ‬ ‫ن من ثلثة أوجه ‪ ،‬فب‬
‫ف البيانُ والمبي ُ‬
‫ف لجماعهم " ‪ ، 2‬وقد اختل َ‬ ‫فمخال ٌ‬
‫ت جمعٌ مؤنثٌ نكرةٌ ‪.3‬‬ ‫إِبَْراهِيم ‪،‬مفردٌ مذكرٌ معرفةٌ ‪ ،‬و آيَا ٌ‬
‫أمّا مثالُ التطابق بين عطف البيان ومعطوفه في العدد ‪ ،‬فنحو قوله تعالى‪ :‬ذِكُْر‬
‫ل عَلَى‬ ‫ما أُنْزِ َ‬
‫ك عَبْدَه ُ َزكَرِيَّا (مريم‪ ، )2:‬وقوله تعالى ‪ :‬وَ َ‬ ‫ت َرب ِّ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬‫َر ْ‬
‫(البقرة‪ ، )102:‬وقد مضى ذِكر ُه ‪ ،‬وقوله‬ ‫ت‬
‫ماُرو َ‬ ‫ت وَ َ‬‫ل هَاُرو َ‬ ‫ن بِبَاب ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ملَكَي ْ‬
‫ال ْ َ‬
‫ُ َ َ َ‬
‫سيلَة‬
‫م الْوَ ِ‬‫ن إِلَى َرب ِّهِ ُ‬
‫ن يَبْتَغُو َ‬
‫ن يَدْعُو َ‬ ‫ك ال ّذِي َ‬ ‫تعالى ‪ :‬أولئ ِ‬
‫(السراء‪. )57:‬‬
‫وأمّا مثالُ التطابقِ بين عطف البيان ومعطوفه في الجنس ‪ ،‬فنحو قوله تعالى ‪ :‬إِذْ‬
‫وى (النازعـات‪ ، )16:‬وهذا في التذكير ‪ ،‬أمّا‬ ‫س طُ ً‬ ‫قد َّ ِ‬
‫م َ‬‫ه بِالْوَادِ ال ْ ُ‬ ‫نَادَاهُ َرب ُّ ُ‬
‫(النور‪. )35:‬‬ ‫مبَاَركَةٍ َزيْتُونَةٍ‬
‫جَرةٍ ُ‬ ‫ش َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬ ‫التأنيث ‪ ،‬فنحو قوله تعالى ‪:‬‬

‫ص إلى أن المطابقة بين عطف البيان ومعطوفه في القرآن الكريم ‪ ،‬قد تمت‬
‫مما تقدمَ نخل ُ‬
‫ن‪.‬‬‫بينهما في كلّ المواضع التي ورد فيها عطفُ البيا ِ‬
‫ثانيا‪ -‬المطابقة في عطف النسق ‪:‬‬

‫ع من نوعي‬‫ف ‪ ،4‬وهذا النو ُ‬


‫وهو التابعُ الذي يتوسطُ بينه وبين متبوعه أح ُد حروفِ العط ِ‬
‫العطف ليس كسابقه في أمر المطابقة ‪ ،‬فيُشترطُ فيه التطابقُ مع معطوفه في العراب فقط ‪،‬‬
‫وأمّا بالنسبة للتعريفِ والتنكير ‪ ،‬او العدد ‪ ،‬أو الجنس ‪ ،‬فليس العطف فيها جارياً على‬
‫المعطوف عليه ‪.‬‬

‫ف مع المعطوفِ عليه في الحكم العرابي ‪ ،‬يقول سيبويه ‪:‬‬ ‫فحرفُ العطفِ يُشركُ المعطو َ‬
‫ب ما أشركَ بين السمين في الحرف الجار فجريا عليه …‬ ‫" هذا با ُ‬
‫ت بينهما في الباء ‪ ،‬فجريا عليه "‪، 5‬‬ ‫وذلك قولكَ ‪ ( :‬مررتُ برجلٍ وحمارٍ قَبلُ ) ‪ ،‬فالواو أشرك ْ‬
‫ل على فع ٍل في موضعٍ من‬ ‫ك ل تعطفُ اسماً على اسمٍ ‪ ،‬ول فع ً‬ ‫ويقول المبردُ ‪ " :‬إعل ْم انّ َ‬
‫العربيةِ ‪ ،‬إل كان مثله ‪ ،‬تقولُ ‪ ( :‬مررتُ بزيدٍ وعمرٍو ) ‪ ،‬و ( رأيتُ زيدًا وعمراً ) ‪ ،‬و ( وأنا‬
‫ب "‪.6‬‬
‫ب ول تند ْم ) ‪ ،‬ول ْم ُيرَدِ الجوا ُ‬
‫آتيكَ وأُكرمُكَ ) ‪ ،‬و ( ول تذه ْ‬

‫‪ 1‬ينظر ‪ :‬الكشاف ‪. 337 / 1 ،‬‬


‫‪ 2‬حاشية الخضري ‪. 139 / 2 ،‬‬
‫‪ 3‬ينظر‪:‬حاشية الصبان ‪ ، 86/ 3،‬ولم يذهب إلى جواز التخالف إل الزمخشري ‪ ،‬ينظر‪ :‬دراسات لسلوب القرآن الكريم ‪/ 11 ،‬‬
‫‪. 63‬‬
‫‪ 4‬ينظر ‪ :‬الفرائد الجديدة ‪. 738 / 2 ،‬‬
‫‪ 5‬الكتاب ‪. 437 / 1 ،‬‬
‫‪ 6‬المقتضب ‪ ، 387 / 4 ،‬وينظر ‪ :‬شرح المفصل ‪ ، 74 / 3 ،‬والمقرب ‪. 259 ،‬‬
‫الصفحة ‪ 81‬من ‪142‬‬
‫ف عليه في غير العراب بقوله‬ ‫وقد عّللَ ابنُ يعيشٍ عدمَ التطابقِ بين المعطوف والمعطو ِ‬
‫ف ؛ من ِق َبلِ أنّ الثاني فيه غير‬
‫‪ " :‬وإنّما كان هذا الضربُ من التوابعِ ل يتبعُ إل بتوسطِ حر ٍ‬
‫الولِ ‪ ،‬فلمْ يتصلْ إل بحرفٍ ؛ إذ كان يأتي بعد أن يستوفي العاملُ عم َلهُ ‪ ،‬وهو غيرُ الول ؛‬
‫فل ْم يتصلْ إل بحرفٍ "‪.1‬‬

‫إنّ القرآنَ الكريمَ حافظَ في نظمه على المطابقة بين المعطوف والمعطوف عليه في‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬
‫جرِي ِ‬ ‫جنَّا ٌ‬
‫ت تَ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن اتََّقوْا ِ‬
‫عنْد َ َربِّهِ ْ‬ ‫العراب ‪ ،‬فمن ذلك قوله تعالى ‪ :‬لِل ّذِي َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن الل ّهِ (آل‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ضوَا ٌ‬ ‫مطَهََّرة ٌ َورِ ْ‬ ‫ج ُ‬ ‫ن فِيهَا وَأْزوَا ٌ‬ ‫خالِدِي َ‬ ‫حتِهَا اْلَنْهَاُر َ‬ ‫تَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫خلْقا ً ِ‬
‫م َّ‬ ‫حدِيدا ً ‪ ‬أوْ َ‬ ‫جاَرة ً أوْ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ل كُونُوا ِ‬ ‫عمران‪ ، )15:‬وقوله تعالى ‪ :‬قُ ْ‬
‫ُ ْ َ َ‬
‫ل أبِالل ّهِ‬ ‫م (السراء‪ ، )51-50:‬وقوله تعالى ‪ :‬ق‬ ‫صدُورِك ُ ْ‬ ‫يَكْبُُر فِي ُ‬
‫(التوبة‪ ، )65:‬وغير ذلك كثيرٌ جداً ‪، 2‬‬ ‫ستَهْزِئُون‬ ‫م تَ ْ‬ ‫سولِهِ كُنْت ُ ْ‬ ‫وَآيَاتِهِ وََر ُ‬
‫َ ٌ َ‬
‫ن‬‫ل لِل ّذِي َ‬ ‫وهذا في عطفِ السماء ‪ ،‬أمّا مثالُ عطفِ الفعال فنحو قوله تعالى ‪ :‬فوَي ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه (البقرة‪، )79:‬‬ ‫عنْدِ الل ّ ِ‬ ‫ن ِ‬
‫م ْ‬ ‫ن هَذ َا ِ‬ ‫م يَُقولُو َ‬ ‫م ث ُ َّ‬‫ب بِأيْدِيهِ ْ‬ ‫ن الْكِتَا َ‬ ‫يَكْتُبُو َ‬
‫ه لَهُ َّ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫حتَّى يَتَوَفَّاهُ َّ‬
‫سبِيلً‬ ‫ن َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫جعَ‬‫ت أو ْ ي َ ْ‬ ‫موْ ُ‬‫ن ال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫وقوله تعالى ‪:‬‬
‫َّ‬
‫جرا ً إِلَى اللهِ‬ ‫مهَ َا ِ‬ ‫ن بَيْتِهِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫خُر ْ‬ ‫ن يَ ْ‬‫م ْ‬ ‫(النساء‪ ، )15:‬وقوله تعالى ‪ :‬وَ َ‬
‫َ‬
‫(النساء‪:‬‬ ‫جُره ُ عَلَى الل ّهِ‬ ‫قد ْ وَقَعَ أ ْ‬ ‫ت فَ َ‬ ‫موْ ُ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫م يُدْرِك ْ ُ‬ ‫سولِهِ ث ُ َّ‬‫َوَر ُ‬
‫‪3‬‬
‫‪ )100‬وغير ذلك‪.‬‬

‫العطف المقطوع ‪:‬‬

‫ض خاصةٍ كالمدحِ والذ ّم ‪ ،‬وهذا‬


‫ت قد يُخالفُ منعوته إعرابأ ‪ ،‬وذلك لغرا ٍ‬
‫مرّ إنّ النع َ‬
‫يقبببببببعُ‬
‫‪4‬‬
‫أيض ًا في العطفِ ‪.‬‬

‫ت معينةٍ لمْ يكن كيفما اتفق ‪ ،‬بلْ هو تحولٌ‬


‫إنّ التحولَ في اسلوب القرآن الكريم في آيا ٍ‬
‫‪5‬‬
‫ب‪.‬‬‫مقصودٌ اقتضاه المقا ُم والسياقُ ‪ ،‬وهذا التحولُ يتبعه تغيّرٌ في العرا ِ‬

‫‪ 1‬شرح المفصل ‪. 74 / 3 ،‬‬


‫‪ 2‬ينظر ‪ ( :‬البقرة ‪ ( ، ) 24 /‬هود ‪ ( ، ) 89 /‬يونس ‪. ) 50 /‬‬
‫‪ 3‬ينظر ‪ ( :‬المدثر ‪ ( ، ) 37 /‬طه ‪ ( ، ) 45 /‬الطلق ‪. ) 2 /‬‬

‫‪ 4‬ينظر ‪ :‬معاني النحو‪ ، 187 / 3 ،‬و ‪ :‬ص ‪ 61‬من البحث ‪.‬‬


‫‪ 5‬ينظر ‪ :‬أثر التحويلت الُسلوبية في تغيير العراب في اليات القرآنية والشواهد الشعرية ‪ ،‬يحيى القاسم ‪ ،‬مجلة‬
‫أبحاث اليرموك ( سلسلة الداب واللغويات ) ‪ ،‬م ‪ ، 11 /‬ع ‪ ، 1993 ، 1/‬ص ‪. 11‬‬
‫الصفحة ‪ 82‬من ‪142‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ب‬‫مغْرِ ِ‬ ‫ق وَال ْ َ‬‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ال ْ َ‬
‫م قِب َ َ‬ ‫جوهَك ُ ْ‬ ‫س الْبَِّر أ ْ‬
‫ن تُوَل ّوا وُ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫قال تعالى‪ :‬لَي ْ‬
‫ب وَالنَّبِيِّي َ‬
‫ن‬ ‫ملئِكَةِ وَالْكِتَا ِ‬ ‫خرِوَال ْ َ‬ ‫ن بِالل ّهِ وَالْيَوْم ِ اْل ِ‬‫م َ‬ ‫نآ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن الْبَِّر َ‬ ‫وَلَك ِ َّ‬
‫ن‬
‫ن وَاب ْ َ‬ ‫ساكِي َ‬ ‫م َ‬ ‫مى وَال ْ َ‬ ‫حبِّهِ ذ َوِي الُْقْربَى وَالْيَتَا َ‬ ‫ل عَلَى ُ‬ ‫ما َ‬ ‫وَآتَى ال ْ َ‬
‫صلةَ وَآتَى الَّزكَاةَ‬ ‫م ال َّ‬ ‫َ‬ ‫ل وَال َّ‬ ‫ال َّ‬
‫ب وَأقَا َ‬ ‫ِ‬ ‫ن وَفِي الّرِقَا‬ ‫َ‬ ‫سائِلِي‬ ‫ِ‬ ‫سبِي‬
‫ْ‬
‫ضَّراءِ‬ ‫ساءِ وَال َّ‬ ‫ن فِي الْبَأ َ‬ ‫صابِرِي َ‬ ‫م إِذ َا عَاهَدُوا وَال َّ‬ ‫ن بِعَهْدِهِ ْ‬ ‫موفُو َ‬ ‫وَال ْ ُ‬
‫(البقرة‪ ، )177:‬فقد نصب ( الصابرين ) المعطوف على‬ ‫س‬ ‫وحين الْبأ ْ‬
‫َ ِ َ َ ِ‬
‫( الموفون ) ‪ ،‬في الظاهر ‪ ،‬وبينهما تخالفٌ إعرابي ‪.‬‬

‫لقد ذكر العلماءُ لهذة اليةِ أوجهاً ‪:‬‬

‫أولها ‪:‬‬
‫إنّ نصبَ ( الصابرين ) يكونُ على إضمار فعلٍ ‪ ،‬وتقديره ‪ ( :‬أعني ) ‪ ،‬جاء في مشكلِ‬
‫إعرابِ القرآنِ ‪ " :‬قوله ( والصابرين ) نصب على إضمار ( أعني ) "‪.1‬‬

‫ثانيها ‪:‬‬
‫ص َبهُ نسق ًا‬
‫ي ‪ " :‬وقيل نَ َ‬
‫إنّ ( الصابرين ) معطوفٌ على ( ذوي القربى ) ‪ ،‬يقولُ البغو ّ‬
‫على ( ذوي القربى ) ‪ ،‬أي ‪ ( :‬وآتى الصابرين ) "‪ ، 2‬وهو رأيّ الكسائيّ ‪ ،‬وقد رده العكبريّ‬
‫‪3‬‬

‫بقوله ‪ " :‬ول يجوز أن يكونَ معطوفاً على ( ذوي القربى ) ؛ لئل يُفصل بين المعطوف‬
‫والمعطوف عليه الذي هو في حكم الصلة بالجنبي وهم الموفون "‪.4‬‬

‫ثالثها ‪:‬‬
‫إنّ ( الصابرين ) منصوبٌ على الختصاص والمدح ‪ ،‬وهو رأي الخليل رحمه ال ‪،‬‬
‫جاء في معالم التنزيل ‪ " :‬وقال الخليلُ ‪ :‬نصب على المدح ‪ ،‬والعربُ تنصبُ الكل َم على المدح‬
‫والذ ّم ‪ ،‬كأنهم يريدون إفرا َد الممدوح والمذموم ‪ ،‬فل يُتبعونه أ ّولَ الكلم وينصبونه "‪، 5‬‬
‫ويقول الزمخشريّ ‪ " :‬وأخرج ( الصابرين ) منصوباً على الختصاص والمدح ؛ إظهاراً‬
‫لفضل الصبر في الشدائد ومواطن القتال على سائر العمال "‪.6‬‬

‫ن المقامَ مقا َم مدحٍ ‪ ،‬فال تعالى يمدحُ في هذه اليةِ المؤمنينَ بال‬
‫وهو الظاهرُ ؛ ل ّ‬
‫واليومِ الخرِ الملئكةِ والكتابِ والنبيينَ ‪ ،‬والذين ينفقون الما َل في كلّ وجوه الخير ‪ ،‬والذين‬
‫يقيمون الصلةَ ويؤتون الزكاةَ ‪ ،‬والذين يوفون بعهودهم عند قطعها على أنفسهم ‪ ،‬إل أنّ‬
‫هناك صنف ًا من الناس يفوق هؤلءِ كلّهم في الجر والثواب ‪ ،‬أل وهم الصابرون ‪ ،‬وليس أيّ‬
‫صبرٍ ‪ ،‬فهناك صبرٌ‬

‫‪ 1‬مشكل إعراب القرآن ‪ ، 181 / 1 ،‬وينظر ‪ :‬معالم التنزيل ‪ ، 144 / 1 ،‬والتبيان في إعراب القرآن ‪. 78 / 1 ،‬‬
‫‪ 2‬معالم التنزيل ‪. 144 / 1 ،‬‬
‫‪ 3‬ينظر ‪ :‬فتح القدير ‪. 173 / 1 ،‬‬
‫‪ 4‬التبيان في إعراب القرآن ‪. 78 / 1 ،‬‬
‫‪ 5‬معالم التنزيل ‪. 144 / 1 ،‬‬
‫‪ 6‬الكشاف ‪ ، 252/ 1 ،‬وينظر ‪ :‬النصاف في مسائل الخلف ‪ ، 471 – 468/ 2 ،‬والجامع لحكام القرآن ‪، 240 - 239 / 2 ،‬‬
‫وتفسير النسفي ‪ ، 90 / 1 ،‬والبحر المحيط ‪ ، 140 / 2 ،‬وفتح القدير ‪. 173 / 1 ،‬‬
‫الصفحة ‪ 83‬من ‪142‬‬
‫ْ‬
‫فِي الْبَأ َ‬
‫ساءِ‬ ‫يُحتَملُ ‪ ،‬وآخر ل تُطِي ُقهُ الجبالُ ‪ ،‬فال تعالى حدد هذا الصبرَ بقوله ‪:‬‬
‫ضَراءِ وحين الْبأ ْ‬
‫س ‪ ،‬فالصبرُ في البأساء ‪ ،‬الفقر‪ ،1‬والفقي ُر يحتاجُ إلى الصبرِ‬ ‫َ ِ َ َ ِ‬ ‫وَال َّ ّ‬
‫ع تألمَ‬
‫في كلّ أمور ِه ‪،‬ويُصيبه من اللمِ النفسي والبدني ما ل يُصيبُ غيرَ ُه ‪ ،‬فهو إن جا َ‬
‫ب له ‪ ،‬تألمتْ نَفسُهُ ‪.‬‬
‫جسَدُهُ ‪ ،‬وإن رأى ما ل َتنَاُلهُ يدُ ُه ‪ ،‬وهو راغ ٌ‬ ‫ع ِريَ تألم َ‬
‫جو ُفهُ ‪ ،‬وإن َ‬

‫ي عضو من جسده ‪،‬‬


‫وأمّا الصبرُ في الضراء فهو المرض ‪ ،‬والنسانُ إذا اُصيب في أ ّ‬
‫ن بدنَهُ كّلهُ يأل ُم ‪.‬‬
‫مهما صَ ُغ َر ذلك العضو ‪ ،‬فإ ّ‬

‫وأمّا الصبرُ الخير ‪ ،‬فهو حين البأس ‪ ،‬أي الحرب عند قتال العداء ‪ ،‬وهذا مشقةٌ ما‬
‫بعده مشق ٌة ‪ ،‬فالنفسُ والبدن يخافان في الحربِ ‪ ،‬الجرحَ والسرَ والقتلَ ‪.‬‬

‫وهذه الحوالُ ‪ -‬البأساء والضراء والبأس ‪ -‬تحتاجُ إلى صبرٍ شديدٍ وعزيمةٍ قويةٍ ‪،‬‬
‫واحتساب ما يُصيبُ النسانَ فيها من البلءِ ‪ ،‬لِ ع ّز وجلّ ‪ ،‬فلهذا الصنفِ من الناسِ أج ٌر ل‬
‫م ) ‪ " :‬سمعتُ جدي‬ ‫سَل ُ‬ ‫ي ( عَلَيِّهِ َ‬
‫ما ال َّ‬ ‫ن بنُ عل ّ‬
‫يُدانيه أجرُ أيّ عب ٍد ‪ ،‬يقولُ المام الحس ُ‬
‫ن في الجنةِشجرةً يُقالُ لها شجرةُ البلوى ‪ ،‬يُؤتى بأهل البل ِء يومَ‬ ‫يقولُ ‪ :‬إ ّ‬ ‫رسولَ الِ‬
‫ن ‪ُ ،‬يصَبُ عليهم الجرُ صب ًا ‪ ،‬وقرأ‪:‬‬ ‫القيامةِ ‪ ،‬فل يُرفعُ لهم ديوانٌ ول يُنصَبُ لهم ميزا ٌ‬
‫صابرو َ‬
‫ب "‪.2‬‬ ‫سا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫م بِغَيْرِ ِ‬
‫جَرهُ ْ‬
‫نأ ْ‬ ‫ما يُوَفَّى ال َّ ِ ُ َ‬ ‫إِن َّ َ‬
‫ل تعالى الصابرين ‪ ،‬وجزاهم ما لمْ يُجازِ عليه أحداً من عباده ‪،‬‬ ‫فلكلّ هذه السبابِ مدحَ ا ُ‬
‫" إذ لمْ يقصد سبحانه و تعالى مطلقَ الخبر عندما تحدث عنه في البأساءِ ‪ ،‬ولك ّنهُ أرادَ أن‬
‫يُثني على هؤلءِ الصابرين ‪ ،‬فعندما تَمّ هذا ‪ ،‬قام بتحويل الكل ِم من السلوب الخبري العادي ‪،‬‬
‫ن وقعه أكثرَ على عموم الصابرين في‬ ‫إلى أسلوب المدحِ والثناء ‪ ،‬فغّيرَ في إعرابِ الكلمِ ليكو َ‬
‫البأساء والضرا ِء ‪ ،‬حتى يحثهم على مزيدٍ من الصبرِ على مصائب الدهر " ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫ن‬‫منُو َ‬ ‫ن يُؤْ ِ‬
‫منُو َ‬ ‫م وَال ْ ُ‬
‫مؤْ ِ‬ ‫ن فِي الْعِلْم ِ ِ‬
‫منْهُ ْ‬ ‫خو َ‬‫س ُ‬‫ن الَّرا ِ‬ ‫َ‬
‫وقال تعالى ‪ :‬لك ِ ِ‬
‫ن‬
‫مؤْتُو َ‬‫صلةَ وَال ْ ُ‬ ‫ن ال َّ‬‫مي َ‬ ‫قي ِ‬ ‫ك وَال ْ ُ‬
‫م ِ‬ ‫ن قَبْل ِ َ‬ ‫م ْ‬
‫ل ِ‬ ‫ما أُنْزِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫كو‬‫ل إِلَي ْ َ‬‫ما أُنْزِ َ‬‫بِ َ‬
‫جرا ً عَظِيماً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫خرِ أولَئ ِ َ‬ ‫َ‬
‫مأ ْ‬ ‫سنُؤْتِيهِ ْ‬
‫ك َ‬ ‫ن بِالل ّهِ وَالْيَوْم ِ اْل ِ‬ ‫منُو َ‬‫مؤْ ِ‬ ‫الَّزكَاة َ وَال ْ ُ‬
‫بعد قوله ‪:‬‬ ‫صلة َ‬ ‫ن ال َّ‬ ‫مي َ‬‫قي ِ‬ ‫م ِ‬‫(النساء‪ ، )162:‬فقد نصبَ ال ْ ُ‬
‫‪.‬‬ ‫ن‬ ‫مؤْ ِ‬
‫منُو َ‬ ‫و ال ْ ُ‬ ‫ن‬
‫خو َ‬ ‫س ُ‬‫الَّرا ِ‬
‫لقد ذكر العلماءُ لهذه اليةِ أوجه ًا ‪ ،‬منها ‪:‬‬

‫أول ‪:‬‬

‫‪ 1‬ينظر ‪ :‬تفسير سفيان الثوري ‪. 55 ،‬‬

‫‪ 2‬المعجم الكبير ‪ ، 92 / 3 ،‬واليةُ من ‪ ( :‬الزمر ‪) 10 /‬‬


‫‪ 3‬أثر التحويلت الُسلوبية في تغيير العراب في اليات القرآنية والشواهد الشعرية ‪ ،‬يحيى القاسم ‪ ،‬مجلة أبحاث اليرموك‬
‫( سلسلة الداب واللغويات ) ‪ ،‬م ‪ ، 11 /‬ع ‪ ، 1993 ، 1/‬ص ‪. 19-18‬‬
‫الصفحة ‪ 84‬من ‪142‬‬
‫النصب على المدح ‪ ،‬يقولُ الطبريّ ‪ " :‬وقالَ آخرون وهو قول بعض نحوي الكوفة‬
‫ْ ْ‬ ‫الَّرا ِ‬ ‫ن ال َّ‬ ‫والبصرة ‪ :‬وَال ْ ُ‬
‫ن فِي العِلم ِ‬ ‫خو َ‬
‫س ُ‬ ‫من صفة‬ ‫صلةَ‬ ‫مي َ‬
‫قي ِ‬
‫‪‬‬‫م ِ‬
‫ن‬
‫مي َ‬ ‫قي ِ‬ ‫‪ ،‬ولكن لما كان الكل ُم تطاول ‪ ،‬واعترض بين ( الراسخين في العلم ) و وَال ْ ُ‬
‫م ِ‬
‫ما اعترض من الكلم فطال ؛ نصب المقيمين على وجه المدح "‪.1‬‬ ‫ال َّ‬
‫صلة َ‬ ‫‪‬‬

‫ثانيًا ‪:‬‬
‫‪ ،‬مخفوضٌ بعطفه على ( ما ) في قوله تعالى ‪:‬‬ ‫ن ال َّ‬
‫صلة َ‬ ‫مي َ‬
‫قي ِ‬
‫‪‬‬ ‫م ِ‬ ‫وَال ْ ُ‬ ‫إنّ‬
‫ك ‪ ،‬وبالمقيمين‬
‫‪ ،‬أي يكون المعنى ‪ " :‬يؤمنون بما أُنزل إلي َ‬ ‫ك‬‫ل إِلَي ْ َ‬ ‫ما أُنْزِ َ‬
‫ب َ‬
‫الصلة "‪ ،2‬أو معطوفٌ على الضمير ( هم ) في ( منهم ) ‪ ،‬والمعنى ‪ " :‬لكن الراسخون في‬
‫ك ) ‪ ،‬والمعنى ‪" :‬يؤمنون بما‬
‫العلم منهم ومن المقيمين الصلة "‪ ،3‬أو على الضمير في ( إلي َ‬
‫ك ‪ ،‬وإلى المقيمين الصلة "‪.4‬‬
‫أُنزل إلي َ‬

‫وقد ذكروا غير هذين الوجهين‪ ، 5‬إل أنّ الوجه الول أولى ؛ لنّ ال تعالى أراد بيان‬
‫فضل هذا الصنف من الناس على مَنْ ذُكروا معه ‪ ،‬كالراسخين في العلم والمؤمنين والمؤتين‬
‫الزكاة ‪ " ،‬فأراد ال أن يحثَ الناسَ على إقامةِ الصلةِ بمدحِ مقيمي الصلة والثناء عليهم ؛‬
‫ب تبعاً للتغير الُسلوبي الذي‬
‫فغ ّيرَ أُسلوبه من الخبر العادي إلى المدحِ والثناء ؛ فغ ّيرَ العرا َ‬
‫طرأ على الكلمِ والمراد منه " ‪.6‬‬

‫والخلصةُ إنّ المطابق َة بين المعطوف والمعطوف عليه حاصلةٌ في القرآن الكريم في‬
‫العراب ‪ ،‬وما ورد مخالفاً لهذه المطابق ِة ‪ ،‬كان لسبابٍ اقتضاها المقامُ والمعنى العام لمثلِ‬
‫ت‪.‬‬
‫هذه اليا ِ‬

‫‪ 1‬جامع البيان ‪ ، 25 / 6 ،‬وينظر ‪ :‬معاني القرآن ‪ ،‬النحاس ‪ ، 238 / 2 ،‬ومشكل إعراب القرآن ‪ ، 213-212 / 1 ،‬ومعالم‬
‫التنزيل ‪ ، 499/ 1 ،‬وزاد المسير ‪ ، 253 / 2 ،‬والنصاف في مسائل الخلف ‪. 468 / 2 ،‬‬
‫‪ 2‬مشكل إعراب القرآن ‪ ، 212/ 1 ،‬وينظر ‪ :‬زاد المسير ‪. 252 / 2 ،‬‬
‫‪ 3‬معالم التنزيل ‪ ، 499 / 1 ،‬وينظر ‪ :‬زاد المسير ‪. 252/ 2 ،‬‬
‫‪ 4‬المصدر نفسه ‪. 499 / 1 ،‬‬
‫‪ 5‬ينظر ‪ :‬التبيان في إعراب القرآن ‪ ، 202 / 1 ،‬والبحر المحيط ‪ ، 135-134 / 4 ،‬وروح المعاني ‪. 15-14 / 6 ،‬‬
‫‪ 6‬أثر التحويلت الُسلوبية في تغيير العراب في اليات القرآنية والشواهد الشعرية ‪ ،‬يحيى القاسم ‪ ،‬مجلة أبحاث اليرموك‬
‫( سلسلة الداب واللغويات ) ‪ ،‬م ‪ ، 11 /‬ع ‪ ، 1993 ، 1/‬ص ‪. 20 /‬‬

‫الصفحة ‪ 85‬من ‪142‬‬


‫المبحث الثالث‬

‫المطابقةُ بين المُؤَكّد ِ والمؤَكّدِ ‪:‬‬

‫ي ومعنويّ ‪ ،‬فاللفظيّ ‪ :‬يكونُ بتكرارِ لفظِ المتبوعِ‬ ‫يُقسّمُ العلماءُ التوكيد على نوعين ‪ ،‬لفظ ّ‬
‫‪ ،‬وذلك نحو قولنا ‪ ( :‬جا َء زيدٌ زيدٌ ) ‪ ،‬وأمّا التوكيدُ المعنوي ‪ :‬فهو الذي يُزيلُ احتمالَ إرادةِ‬
‫غير الظاهرِ من اللفظِ ‪ ،‬كقولنا ‪ ( :‬جاءَ زيدٌ عي ُنهُ ) ‪ ،‬فب ( عينه ) أزال احتمال مجئِ عبدٍ‬
‫‪1‬‬
‫لزي ٍد ‪ ،‬أو كتابٍ له ‪.‬‬

‫ص به في أمرِ المطابقةِ ‪ ،‬ونبدأ بالتوكيد المعنويّ ‪.‬‬


‫ولك ّل نوعٍ من نوعيّ التوكيد كلمٌ خا ٌ‬

‫أولً‪ -‬المطابقة في التوكيد المعنوي ‪:‬‬

‫ظ مخصوصةٍ كب (النفس والعين ) و( كل وكلتا ) و( كل وجميع‬


‫ويكونُ بألفا ٍ‬
‫‪2‬‬
‫وعامة ) ‪.‬‬

‫أ‪ (-‬النفس والعين ) ‪:‬‬

‫ئ وحقيقته "‪ ،3‬وهما يطابقان المؤَكّ َد في‬ ‫ويُستعملن في التوكيد لرادة " جملة الش ِ‬
‫سهُ أو عينَهُ ) و ( مررتُ‬‫إعرابه ‪ ،4‬فنقولُ ‪ ( :‬جا َء زيدٌ نفسُ ُه أو عي ُنهُ ) ‪ ،‬و ( رأيتُ زيداً نف َ‬
‫بزيدٍ نفسِهِ أو عي ِنهِ ) ‪.‬‬

‫س أو العين ‪ ،‬حسبَ المؤَكّ ِد ‪،‬‬ ‫ن بتغيير صيغةِ النف ِ‬ ‫وأمّا المطابقةُ في العددِ والجنسِ فتكو ُ‬
‫فيُفردان مع المفر ِد ‪ ،‬ويُجمعان مع المُثنى والجمع على وزن ( أ ْفعَل ) ‪ ،‬ويُعادُ على المؤكّدِ‬
‫س أو العين ‪ ،‬مطابقٌ للمؤَكّ ِد في الفرا ِد والتثنيةِ الجمعِ ‪ ،‬وفي التذكيرِ والتأنيثِ‬ ‫ضميرٌ مع النف ِ‬
‫‪ ،‬نقولُ ‪:‬‬
‫( جا َء زيدٌ نفسُهُ أو عي ُنهُ ) ‪ ،‬و( جاءتْ هن ٌد نفسُها أو عينُها ) ‪ ،‬و ( جاءَ الزيدان أن ُفسُهما أو‬
‫سهُم أو أعي ُنهُم‬ ‫أع ُينُهما ) ‪ ،‬و ( جببباءتِ الهندان أن ُفسُهما أو أع ُينُهما ) ‪ ،‬و ( جاءَ الزيدون أن ُف ُ‬
‫)‪،‬و‬

‫‪ 1‬ينظر ‪ :‬شرح المفصل ‪ ، 40-39 / 3 ،‬وشرح شذور الذهب ‪ ، 429-428 ،‬وشرح الرضي على الكافية ‪ ، 363 / 2 ،‬وشرح‬
‫الشموني ‪ ، 73 / 3 ،‬و ‪ ، 81-79 / 3‬والفرائد الجديدة ‪. ، 725 / 2 ،‬‬
‫‪ 2‬ينظر ‪ :‬شرح المفصل ‪ ، 40 / 3 ،‬وشرح الرضي على الكاقية ‪ ، 363 / 2 ،‬وشرح ابن عقيل ‪ ، 208-206 / 2 ،‬وشرح‬
‫الشموني ‪. 75– 73 / 3 /‬‬
‫‪ 3‬حاشية الخضري ‪. 131 / 2 ،‬‬
‫‪ 4‬أساليب التأكيد في اللغة العربية ‪. 21-17 ،‬‬
‫الصفحة ‪ 86‬من ‪142‬‬
‫سهُنّ أو أع ُي ُنهُنّ ) ‪.‬‬
‫( جاءتِ الهنداتُ أن ُف ُ‬
‫يقولُ الجاميّ ‪ ( " :‬فالولن ) أي النفس والعين ‪ ( ،‬يعمان ) ‪ ،‬أي يقعان على الواحدِ‬
‫والمثنى والمجموعِ ‪ ،‬والمذكرِ والمؤنثِ ‪ ( ،‬باختلفِ صيغتهما ) إفرادًا وتثنيةً وجمعاً ‪ ( ،‬و )‬
‫اختلفِ ضميرهما العائد إلى المتبوعِ المؤَكّ ِد ‪ ( ،‬تقولُ ‪ :‬نفسُهُ ) في المذكر الواح ِد ‪،‬‬
‫( نفسُها ) في المؤنثِ الواحدة ‪ ( ،‬أن ُفسُهما ) بإيراد صيغة الجمعِ في تثنية المذكر والمؤنث ‪،‬‬
‫وعن بعض العرب ‪:‬‬
‫نفساهما وعيناهما ‪ ( ،‬أنفسهم ) في جمع المذكر العاقل ‪ ( ،‬أنفسهن ) في جمع المؤنث وغير‬
‫العاقل من المذكر "‪.1‬‬

‫أمّا المطابقةُ في التعريف والتنكير ‪ ،‬فل يؤكد بالتوكيد المعنوي إل المعارف على الصحيح‬
‫؛ لن ألفاظ التوكيد المعنوي معارفٌ ‪ ،‬يقولُ سيبويه عند حديثه عن الوصف بالضمائر ‪" :‬‬
‫ن وصفاً للمظهر ؛ كراهيةَ أن يصفوا المُظ َهرَ بالمُضمر ‪ ،‬كما‬
‫واعلمْ أنّ هذه الحروفَ ل تكو ُ‬
‫سهِ ) و‬
‫كرهوا أن يكونَ أجمعون ونفسه معطوفاً على النكرة في قولهم ‪ ( :‬مررتُ برجلٍ نف ِ‬
‫( مررتُ بقو ٍم أجمعين ) " ‪.2‬‬

‫ن يعيشٍ عدمَ الجوازِ هذا بقوله ‪ " :‬وإنما لم تُؤكدِ النكراتِ بالتوكيدِ المعنوي ؛‬
‫ويعللُ اب ُ‬
‫لنّ النكر َة لم يَثبُتْ لها حقيقة ‪ ،‬والتأكيدُ المعنوي ‪ ،‬إنما هو لتمكين معنى السم وتقرير‬
‫س محالٌ " ‪ ، 3‬وهذا رأي جمهور البصريين ‪.‬‬ ‫حقيقته ‪ ،‬وتمكينُ ما لم يثبتْ في النف ِ‬

‫أمّا الكوفيّون والخفش ‪ ،‬فأجازوا توكيدَ النكر ِة توكيدًا معنويًا ‪ ،‬شرطَ أن تكونَ هذه‬
‫النكرةُ محدودةً ‪ ،‬كب ( الشهر واليوم والليلة ) وغيرها من اللفاظِ التي تدلُ على مدةٍ معلومةِ‬
‫المقدار‪، 4‬يقول أبو حيانٍ " ول يجوز عند البصريين أن تؤكدَ النكرةُ بشئٍ من ألفاظ التوكيد ‪،‬‬
‫ك‪،‬‬ ‫وأجاز ذلك بعضُ الكوفيين مطلق ًا ‪ ،‬سواءٌ أكانتْ مؤقتةً ‪ ،‬أم غي َر مؤقتةٍ ‪ ،‬واختاره ابنُ مال ٍ‬
‫فأجاز ‪:‬‬
‫( صُمتُ شهراً كّل ُه ) ‪ ،‬و ( هذا أس ٌد نفسُ ُه ) ‪ ،‬وجاء في الشعر توكيدها بما يقتضي الحاطة "‬
‫‪.5‬‬

‫ولم يرد هذان اللفظان في التوكيد في النظم القرآني ‪.‬‬


‫ب‪ ( -‬كل وكلتا وكل وجميع وعامة ) ‪:‬‬

‫صحُ‬
‫ظ ترفعُ " توهم عدم إرادة الشمول "‪ ،6‬و " ل يُؤك ْد بهن إل ما له أجزاء ي ُ‬
‫وهذه اللفا ُ‬

‫‪ 1‬الفوائد الضيائية ‪ ، 59-58 / 2 ،‬وينظر ‪ :‬شرح الشموني ‪ ، 74-73 / 3 ،‬وحاشية الخضري ‪ ، 131 / 2 ،‬وأساليب التأكيد في‬
‫اللغة العربية ‪. 21-17 ،‬‬
‫‪ 2‬الكتاب ‪ ، 386 / 2 ،‬ويقصد بالحروف ‪ ،‬ضمائرَ الرفع المنفصلة ‪ ( :‬أنا – أنت – نحن … ) ‪.‬‬
‫‪ 3‬شرح المفصل ‪ ، 44 / 3 ،‬وينظر ‪ :‬المقرب ‪ ،263 ،‬وشرح الرضي على الكافية ‪ ،272 / 2 ،‬وشرح شذور الذهب ‪. 429 ،‬‬
‫‪ 4‬ينظر ‪ :‬النصاف في مسائل الخلف ‪ ، 456-451 / 2 ،‬وشرح المفصل ‪ ، 45-44 / 3 ،‬وشرح ابن عقيل ‪، 211 / 2 ،‬‬
‫وشرح الشموني ‪ ، 78-77 / 3 ،‬والفرائد الجديدة ‪. 725 / 2 ،‬‬
‫‪ 5‬إرتشاف الضرب ‪. 613-612 / 2 ،‬‬
‫‪ 6‬شرح ابن عقيل ‪ ، 207 / 2 ،‬وينظر ‪ :‬الفرائد الجديدة ‪. 725 / 2 ،‬‬
‫الصفحة ‪ 87‬من ‪142‬‬
‫وقوع بعضها موقعه ؛ لرفع احتمال تقدير بعض مضافٍ إلى متبوعهن "‪.1‬فنقولُ ‪ ( :‬مضى‬
‫ضيّ بعضِهِ ‪.‬‬‫ن جميعَ الركبِ قد مضى ‪ ،‬ولزالة احتمال ُم ِ‬ ‫الركبُ كّلهُ ) ‪ ،‬للتأكيد على أ ّ‬
‫ويؤكد بب ( كل ) المثنى المذكر وبب( كلتا ) المثنى المؤنث ‪ ،‬فنقولُ ‪ ( :‬جاءَ الزيدان‬
‫كلهما ) ‪ ،‬و ( جاءتِ الهندان كلتاهما ) ‪ ،‬حيثُ يرفعُ هذان اللفظان إراد َة غيرِ التثنيةِ ‪.‬‬

‫والمطابقةُ في هذين اللفظين تكون في العراب رفعًا ونصباً وجراً ‪ ،‬فنقولُ ‪ ( :‬ذه َ‬
‫ب‬
‫الزيدان كلهما ) ‪ ،‬و ( ذهبتِ الهندان كلتاهما ) ‪ ،‬ونقولُ ‪ ( :‬ضربتُ الزيدَينِ كليهما والهندَي ِ‬
‫ن‬
‫ن كلتيهما ) ‪.‬‬
‫كلتيهما ) ‪ ،‬وقولُ ‪ ( :‬مررتُ بالزيدينِ كليهما وبالهندي ِ‬

‫ن بإعاد ِة ضميرٍ من لفظِ ال ُمؤَكّ ِد على ال ُمؤَكّدِ ‪ ،‬ويُطابقُ هذا‬


‫أمّا المطابقةُ في العدد فتكو ُ‬
‫س ‪ ،‬فإنّ لفظَ ( كل ) يكونُ للمثنى المذكر ‪ ،‬و( كلتا )‬ ‫الضميرُ ‪ ،‬المؤَكّ َد في التثنيةِ ‪ ،‬وأمّا الجن ُ‬
‫للمثنى المؤنث ‪.‬‬

‫ق بين ال ُمؤَكّدِ‬
‫ن مؤَكّدِهما معرفةً ؛ ليتم التطاب ُ‬
‫ول يُؤكدْ بهما النكرة ‪ ،‬بل يجبُ أن يكو َ‬
‫وال ُمؤَكّدِ‪ ،2‬والمثلةُ التي ذكرناها تُوضحُ ذلك ‪ ،‬ول ْم ُيؤَكّدْ بهما في القرآن الكريم أيضاً ‪.‬‬

‫وأمّا ( كل وجميع وعامة ) فترفعُ هذه اللفاظُ احتمالَ إرادة عد ِم الشمولِ ‪ ،3‬وهي تُطابقُ‬
‫ب كّلهُ أو جمي ُعهُ أو عام ُتهُ ) و ( رأيتُ الركبَ كّلهُ أو‬‫ُمؤَكّدِها إعراب ًا ‪ ،‬فنقولُ ‪ ( :‬جاءَ الرك ُ‬
‫جمي َعهُ أو عا َم َتهُ ) ‪ ،‬و ( مررتُ بالركبِ كّلهِ أو جميعِ ِه أو عامتِ ِه ) ‪.‬‬

‫وبالرغ ِم من أنّ لفظي ( كل وجميع ) مفردٌ مذكرٌ ‪ ،‬ولفظ ( عامة ) مفردٌ مؤنثٌ ‪،‬‬
‫فالمطابقةُ حاصل ٌة بين هذه اللفاظ ومؤكّدها ‪ ،‬حيثُ تُضافُ إلى ضمائرَ تعودُ على المؤكّد ‪،‬‬
‫ت الكتابَ كّلهُ أو جمي َعهُ أو عام َتهُ ) ‪ ،‬و‬
‫تُطابقهُ في العدد وفي الجنس ‪ ،‬فنقولُ ‪ ( :‬قرأ ُ‬
‫( اشتريتُ الدارَ ُكلّها أو جميعَها أو عامتَها ) ‪ ،‬و ( جاءَ المحمدون كّلهُم أو جمي ُعهُم او‬
‫ن)‪.‬‬‫ن أو جمي َعهُنّ أو عام َتهُ ّ‬
‫عام ُتهُم ) ‪ ( , ،‬رأيتُ الهنداتِ كّلهُ ّ‬

‫وأمّا المطابقةُ في التعريف والتنكير ‪َ ،‬ف ُمؤَكّدُ هذه اللفاظ معرفةٌ مُطابقٌ لها كما هو واضحٌ‬
‫من المثلةِ ‪ ،‬جا َء في شرح ابن عقيل ‪ " :‬ول بُ ّد من إضافتها كلّها إلى ضميرٍ يُطابقُ المؤَكّدَ‬
‫"‪.4‬‬

‫وقد وقع في النظم القرآني التوكيدُ بب ( كل وجميع ) ‪ ،‬وقد جاءَ التوكيد في هذه المواط ِ‬
‫ن‬
‫كلّها مطابق ًا للمؤَكّدِ في العراب وفي العدد وفي الجنس وفي التعريف ‪ ،‬فمثالُ التوكيد بب ( كل‬
‫ُ ُّ َ‬
‫ه لِل ّهِ‬
‫ن كل ُ‬ ‫ة وَيَكُو َ‬
‫ن الدِّي ُ‬ ‫حتَّى ل تَكُو َ‬
‫ن فِتْن َ ٌ‬ ‫م َ‬ ‫) ‪ ،‬قوله تعالى ‪ :‬وَقَاتِلُوهُ ْ‬
‫َ َ َ‬
‫(النفال‪ )39:‬وقوله تعالى ‪:‬‬ ‫صيٌر‬ ‫ملُو َ‬
‫ن بَ ِ‬ ‫ما يَعْ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه بِ َ‬ ‫فَإ ِ ِ‬
‫ن انْتَهَوْا فإ ِ ّ‬
‫‪ 1‬شرح الشموني ‪. 75 / 3 ،‬‬
‫‪ 2‬ينظر ‪ :‬شرح ابن عقيل ‪ ، 208 / 2 ،‬وشرح الشموني ‪. 75 / 3 ،‬‬
‫‪ 3‬ينظر ‪ :‬شرح ابن عقيل ‪ ، 207 / 2 ،‬وشرح الشموني ‪ . 74 / 3 ،‬والتقان في علوم القرآن ‪. 177 / 2 ،‬‬
‫‪ 4‬شرح ابن عقيل ‪ ، 208 / 2 ،‬والضمير في (كلها) يعود على ( كل وكلتا وجميع ) ‪ ،‬وينظر ‪ :‬شرح الشموني ‪، 75 / 3 ،‬‬
‫والفرائد الجديدة ‪. 725 / 2 ،‬‬
‫‪4‬‬

‫الصفحة ‪ 88‬من ‪142‬‬


‫ل أَنْبِئُونِي‬‫ملئِكَةِ فََقا َ‬‫م عَلَى ال ْ َ‬ ‫ضهُ ْ‬
‫م عََر َ‬ ‫ماءَ كُلَّهَا ث ُ َّ‬ ‫س َ‬
‫َ‬
‫م اْل ْ‬ ‫م آد َ َ‬
‫َ‬
‫وَعَل ّ َ‬
‫َ‬
‫وَل‬ ‫(البقرة‪ ، )31:‬وقوله تعالى ‪:‬‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫صادِقِي‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ن كُنْت ُ‬‫ماءِ هَؤُلءِ إ ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫س‬
‫بِأ ْ‬
‫َ‬ ‫ن كُلُّهُ َّ‬
‫م وَكَا َ‬
‫ن‬ ‫ما فِي قُلُوبِك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه يَعْل َ ُ‬
‫ن وَالل ّ ُ‬ ‫ما آتَيْتَهُ َّ‬ ‫ن بِ َ‬‫ضي ْ َ‬‫ن وَيَْر َ‬ ‫حَز َّ‬
‫َ‬
‫يَ ْ‬
‫‪1‬‬
‫حلِيما ً (الحزاب‪ ، )51:‬وغير ذلك ‪.‬‬ ‫ه عَلِيما ً َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫أمّا مثالُ التوكيد بب ( جميع ) فلم يرد في القرآن الكريم ‪ ،‬إل أنه وقع التوكيد بب (أجمع ) ‪،‬‬
‫قال ابن عقيل ‪ " :‬يُجاء بعد ( كل ) بأجمع ‪ 000‬لتقوية قصد الشمول "‪ ،2‬وقد جاء عن العرب‬
‫استعمال أجمع دون أن يسبقها ( كل ) ‪ ، 3‬وكل الستعمالين قد ورد في القرآن الكريم ‪ ،‬فمثالُ‬
‫ة كُلُّه َ‬
‫ن‬ ‫معُو َ‬ ‫مأ ْ‬
‫ج َ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ملئِك َ ُ‬‫جد َ ال ْ َ‬ ‫مجيئه مع ( كل ) ‪ ،‬قوله تعالى ‪ :‬فَ َ‬
‫س َ‬
‫(الحجر‪ )30:‬و ( ص ‪ ، )73 :‬ولم ترد غير هاتين اليتين ‪ ،‬وأمّا مثا ُل مجيئه من دون (‬
‫س‬
‫جنُود ُ إِبْلِي َ‬
‫ن ‪ ‬وَ ُ‬ ‫م وَالْغَاوُو َ‬‫كل ) ‪ ،‬فنحو قوله تعالى ‪ :‬فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُ ْ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ن كََفُروا‬ ‫ن ال ّذِي َ‬ ‫ن (الشعراء ‪ ، )95-94 :‬وقوله تعالى ‪ :‬إ ِ ّ‬
‫َ‬
‫معُو َ‬ ‫أ ْ‬
‫ج َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫م كَُّفاٌر أُولَئ ِ َ‬
‫ن‬
‫معِي َ‬
‫ج َ‬
‫سأ ْ‬ ‫وَال ْ َ‬
‫ملئِكَةِ وَالن ّا ِ‬ ‫م لَعْن َ ُ‬
‫ة الل ّهِ‬ ‫ك عَلَيْهِ ْ‬ ‫ماتُوا وَهُ ْ‬
‫وَ َ‬
‫(البقرة‪ )161:‬وغير ذلك‪ ،4‬وكل هذه المواطنِ تمتْ فيها المطابقةُ كما هو واضحٌ من‬
‫اليات المذكورة ‪.‬‬

‫ولم يُؤك ْد بب ( أجمع ) ول بب ( جميع ) ‪ ،‬المؤنثَ المفردَ ‪ ،‬ول المؤنثَ الجمعَ ‪ ،‬ولمْ يُؤك ْد بب‬
‫( عامة ) ‪ ،‬في القرآن الكريم مطلقًا ‪.‬‬

‫ثانيا‪ -‬المطابقة في التوكيد اللفظي ‪:‬‬

‫كما قلنا إنّ التوكيد اللفظي يكون بتكرار لفظ المتبوع ‪ ،‬ويكون في " السم والفعل‬
‫ش)‬
‫والحرف والجملة والمظهر والمضمر " ‪ ،5‬فنقولُ ‪ ( :‬جا َء زيدٌ زيدٌ ) ‪ ،‬و ( جاءَ جاءَ الجي ُ‬
‫ق ) ‪ ،‬و ( ما أعجبني إل أنتما‬ ‫ل ناصرُ الح ّ‬ ‫ل ناصرُ الحقّ ا ُ‬
‫‪ ،‬و ( إنّ إنّ زيداً قائ ٌم ) ‪ ،‬و ( ا ُ‬
‫أنتما ) ‪.‬‬

‫‪ 1‬ينظر ‪ ( :‬آل عمران ‪ 119 /‬و ‪ ( ، ) 154‬طه ‪ ( ، ) 56 /‬الحجر ‪. ) 30 /‬‬


‫‪ 2‬شرح ابن عقيل ‪. 209 / 2 ،‬‬
‫‪ 3‬المصدر نفسه ‪. 209 / 2 ،‬‬
‫‪ 4‬ينظر ‪ ( :‬النعام ‪ ( ، ) 149 /‬يوسف ‪ ( ، ) 93 /‬النبياء ‪. ) 77 /‬‬

‫‪5‬شرح المفصل ‪ ، 41 / 3 ،‬وينظر ‪ :‬ارتشاف الضرب ‪. 617-615 / 2 ،‬‬


‫الصفحة ‪ 89‬من ‪142‬‬
‫إنّ مظهر المطابقة في هذا النوع من التوكيد يتمثلُ في تكرار لفظ المؤَكّد من دون تغيير‬
‫له مطلقاً ‪.‬‬
‫وقد ورد التوكيدُ اللفظي في القرآن الكريم ‪ ،‬فمثالُ توكيد السم ‪ ،‬قوله تعالى ‪:‬‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫ت قَوَارِيرا ‪ ‬قَوَارِيَر ِ‬
‫م ْ‬ ‫ب كَان َ ْ‬ ‫ضةٍ وَأكْوَا ٍ‬ ‫ن فِ َّ‬ ‫م ْ‬ ‫م بِآنِيَةٍ ِ‬ ‫ف عَلَيْهِ ْ‬
‫وَيُطَا ُ‬
‫قدِيرا ً (النسان‪ ، )16-15:‬أمّا مثالُ توكيد الفعل ‪ ،‬فنحو قوله‬ ‫ضةٍ قَدَُّروهَا ت َ ْ‬ ‫فِ َّ‬
‫َ‬
‫و‬
‫ك هُ َ‬ ‫ه ذَل ِ َ‬
‫ما ل يَنَْفعُ ُ‬ ‫ضُّره ُ وَ َ‬‫ما ل ي َ ُ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬ ‫ن دُو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫تعالى ‪ :‬يَدْعُو ِ‬
‫مولَى‬ ‫َ‬
‫س ال ْ َ ْ‬‫ن نَْفعِهِ لَبِئ ْ َ‬‫م ْ‬‫ب ِ‬ ‫ضُّره ُ أقَْر ُ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ل الْبَعِيد ُ ‪ ‬يَدْع ُو ل َ َ‬‫ضل ُ‬ ‫ال َّ‬
‫(الحج‪ ، 1)13-12:‬فب ( يدعو) الثانية توكيدٌ لب ( يدعو) الُولى ‪،‬‬ ‫شيُر‬ ‫س الْعَ ِ‬ ‫وَلَبِئ ْ َ‬
‫يقولُ الزمخشريّ ‪ " :‬أو كرر ( يدعو) ‪ ،‬كأ ّنهُ قالَ ‪ :‬يدعو يدعو من دون ال ما يضره وما ل‬
‫ينفعه " ‪. 2‬‬
‫ومثالُ توكيد الحرف ‪ ،‬قوله تعالى ‪ :‬وإن كَانوا من قَب َ‬
‫ل عَلَيْهِ ْ‬
‫م‬ ‫ن يُنََّز َ‬‫لأ ْ‬‫ِ ْ ْ ِ‬ ‫ُ‬ ‫َِ ْ‬
‫ما‬‫ن عَاقِبَتَهُ َ‬ ‫(الروم‪ ، )49:‬وقوله تعالى ‪ :‬فَكَا َ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫سي‬‫مبْل ِ ِ‬
‫ُ‬ ‫ن قَبْلِهِ ل َ‬‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫(الحشر‪)17:‬‬ ‫ن‬
‫مي َ‬
‫جَزاءُ الظال ِ ِ‬ ‫ك َ‬ ‫ن فِيهَا وَذَل ِ َ‬
‫خالِدَي ْ ِ‬ ‫ما فِي النَّارِ َ‬ ‫أنَّهُ َ‬
‫ن قَبْلِهِ ) من باب التكرير والتوكيد ‪ ،‬كقوله تعالى ‪:‬‬ ‫م ْ‬ ‫‪ ،3‬يقول الزمخشريّ ‪ِ ( " :‬‬
‫ما فِي النَّارِ َ‬ ‫َ‬
‫"‪.4‬‬ ‫ن فِيهَا‬ ‫خالِدَي ْ ِ‬ ‫ما أنَّهُ َ‬ ‫ن عَاقِبَتَهُ َ‬ ‫فَكَا َ‬
‫ج َ‬
‫ك‬ ‫ومثال توكيد المضمر قوله تعالى ‪ :‬وقُلْنا يا آدم اسك ُ َ‬
‫ت وََزوْ ُ‬ ‫ن أن ْ َ‬ ‫َ َ َ َ ُ ْ ْ‬
‫(البقرة‪ ، )35:‬وقوله تعالى ‪:‬‬ ‫ما‬‫شئْت ُ َ‬
‫ث ِ‬ ‫منْهَا َرغَدا ً َ‬
‫حي ْ ُ‬ ‫ة َوكُل ِ‬ ‫جن َّ َ‬‫ال ْ َ‬
‫م إِلَيْنَا ل‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫قّ وَظَنُّوا أنَّهُ ْ‬ ‫ض بِغَيْرِ ال ْ َ‬
‫ح ِ‬ ‫جنُودُه ُ فِي الْر ِ‬ ‫و وَ ُ‬‫ستَكْبََر هُ َ‬ ‫وَا ْ‬
‫(العنكبوت‪ ، )39:‬والتوكيدُ اللفظيّ في القرآن الكريم يكثرُ في مثل هذا‬ ‫ن‬
‫جعُو َ‬ ‫يُْر َ‬
‫التركيب ‪ ،5‬وأمّا المظهرُ ‪ ،‬فهو السم ‪ ،‬وقد مثلنا له ‪.‬‬

‫سرِ‬‫معَ الْعُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫سراً ‪ ‬إ ِ َّ‬


‫سرِ ي ُ ْ‬‫معَ الْعُ ْ‬‫ن َ‬ ‫ومثالُ توكيد الجملة قوله تعالى ‪ :‬فَإ ِ َّ‬
‫م أَوْلَى ل َ َ‬
‫ك‬ ‫ك فَأ َ ْولَى ‪ ‬ث ُ َّ‬‫(الشرح‪ ، )6-5:‬وقوله تعالى ‪ :‬أَوْلَى ل َ َ‬ ‫سراً‬‫يُ ْ‬
‫‪6‬‬
‫(القيامة‪ ، )35-34:‬وغير ذلك ‪.‬‬ ‫فَأ َ ْولَى‬

‫‪ 1‬وينظر ‪ ( :‬الطارق ‪. ) 17 /‬‬


‫‪ 2‬الكشاف ‪ ، 343 / 2 ،‬وينظر ‪ :‬التبيان في إعراب القرآن ‪ ، 140 / 2 ،‬وفتح القدير ‪ ، 441 / 3 ،‬وروح المعاني ‪/ 17 ،‬‬
‫‪. 125‬‬
‫‪ 3‬ينظر ‪ ( :‬هود ‪ ( ، ) 108 /‬البينة ‪. ) 6 /‬‬
‫‪ 4‬الكشاف ‪ ، 512 / 2 ،‬وينظر ‪ :‬البحر المحيط ‪. 399 / 8 ،‬‬

‫‪ 5‬ينظر ‪ ( :‬البقرة ‪ ( ، ) 249 /‬المائدة ‪ ( ، ) 24 /‬النعام ‪ ( ، ) 91 /‬هود ‪. ) 19 /‬‬


‫‪ 6‬ينظر ‪ ( :‬النبأ ‪ ( ، ) 5-4 /‬التكاثر ‪. ) 4-3 /‬‬
‫الصفحة ‪ 90‬من ‪142‬‬
‫ما‬
‫ت لِ َ‬
‫ت هَيْهَا َ‬
‫هَيْهَا َ‬ ‫ووقع التوكيدُ اللفظيّ في اسم الفعل ‪ ،‬قال تعالى ‪:‬‬
‫(المؤمنون‪.1 )36:‬‬ ‫ن‬
‫تُوعَدُو َ‬

‫المبحث الرابع‬

‫( المطابقةُ بن البدل والمبدل منه ) ‪:‬‬

‫يُع ّرفُ العلماءُ البدلَ بأنّه ‪ " :‬تاب ٌع مقصودٌ بالذكرِ ‪ ،‬وذكرُ المتبوعِ قبله للتوطئة والتمهيد‬
‫"‪ ، 2‬أو " هو " التابعُ المقصودُ بالنسبة بل واسطة "‪ ،3‬وذلك نحو قولنا ‪ ( :‬جاءَ أخوكَ زيدٌ )‬
‫‪.‬‬

‫وهو ينقسمُ على أربعةِ أقسا ٍم ‪ :‬بدلٍ مطابقٍ ‪ :‬وهو ما يكونُ فيه البدلُ مساوياً للمبدلِ منه‬
‫ل بعضٍ من كلّ ‪ :‬وهو ما يكونُ فيه البدلُ‬ ‫في المعنى ‪ ،‬كقولنا ‪ ( :‬مررتُ بأخيكَ زيدٍ ) ‪ ،‬وبد ِ‬
‫جزءاً من المبدلِ منه ‪ ، ،‬كقولنا ‪ ( :‬أكلتُ الرغيفَ ثُُلثَهُ ) ‪ ،‬وبدلِ الشتمالِ ‪ " :‬وهو بدلُ شئٍ‬
‫‪4‬‬
‫من شئٍ يشتملُ عامله على معناه بطريق الجمال ‪ ،‬كأعجبني زيدٌ عل ُم ُه أو حس ُنهُ أو كل ُمهُ "‬
‫ن فيه ذكرُ المبدلِ‬ ‫‪ ،‬والبدل المباين ‪ ،‬وهذا ينقسمُ ثلثة أقسام ‪ ،‬أولها ‪ :‬بدل الغلط ‪ :‬وهو ما يكو ُ‬
‫ط ‪ ،‬كقولنا ‪ ( :‬رأيتُ حصاناً حمارًا ) ‪،‬‬ ‫منه غلط ًا باللسان ‪ ،‬ويكون البدلُ تصحيحَ ذلك الغل ِ‬
‫وثانيها ‪ :‬بدل النسيان ‪ :‬وهو الذي يكون فيه ذكرُ البدلِ من المتكلمِ عمدًا ‪ ،‬ثم يتبين له عدمَ‬
‫عهُ كما‬ ‫صحة قصده ‪ ،‬فيتركه ‪ ،‬ويذكرُ البدلَ ‪ ،‬وثالثها ‪ :‬بدل الضراب ‪ " :‬وهو ما يُقصَدُ متبو ُ‬

‫‪ 1‬ينظر ‪ :‬التقان ‪. 178 / 2 ،‬‬

‫‪ 2‬اليضاح في شرح المفصل ‪ ، 449 / 1 ،‬وينظر ‪ :‬شرح الرضي على الكافية ‪ ، 379 / 2 ،‬وشرح شذور الذهب ‪. 439 ،‬‬
‫‪ 3‬شرح ابن عقيل ‪. 247 / 2 ،‬‬
‫‪ 4‬شرح الشموني ‪. 25 / 3 ،‬‬
‫الصفحة ‪ 91‬من ‪142‬‬
‫ت خبزاً ‪ ،‬ثم بدا لكَ‬
‫ت خبزاً لحم ًا ) ‪ ،‬قصدتَ أو ًل الخبارَ بأنّكَ أكل َ‬
‫يُقصَدُ هو ‪ ، 000‬نحو ‪ ( :‬أكل ُ‬
‫‪1‬‬
‫أنكَ تُخبرُ أنكَ أكلتَ لحم ًا أيضًا ‪".‬‬

‫والمطابقةُ في البدلِ تكونُ في أقسامه الثلثة الُو ِل ؛ لنّها الجارية في القرآن الكريم ‪،‬‬
‫ن في القرآن وفي‬‫وفي كلم العرب ‪ ،‬شعرهم ونثرهم ‪ ،‬يقولُ المبردُ ‪ " :‬فهذه ثلث ُة أوجه تكو ُ‬
‫ن مثله في القرآن ول شعر ول كلم‬ ‫الشعر وفي كلم كل مستقيم ‪ ،‬ووجهٌ رابعٌ ل يكو ُ‬
‫مستقيم ‪ ،‬وإنما يأتي في لفظ الناسي أو الغالط " ‪. 2‬‬

‫وكون البدل من التوابع ؛ فالمطابقةُ جاريةٌ بينه وبين المبدل منه ‪ ،‬في العراب ‪ ،‬نقول ‪:‬‬
‫( جاءَ أخوكَ زيدٌ ) ‪ ،‬و ( رأيتُ أخاكَ زيدًا ) ‪ ،‬و ( مررتُ بأخيكَ زيدٍ ) ‪ ،‬يقولُ أبو عليّ‬
‫ن يعيش ‪ " :‬البدلُ ثانٍ يُقدرُ في‬ ‫الفارسيّ ‪ " :‬والبدلُ يُعربُ بإعرابِ المبدلِ منه " ‪ ،3‬ويقولُ اب ُ‬
‫ن من حيثُ كان تابع ًا للول في‬ ‫ك زيدٍ ) فب ( زي ٌد ) ثا ٍ‬ ‫موضع الول‪ ،‬نحو قولكَ ‪ ( :‬مررتُ بأخي َ‬
‫إعرابه ‪ ،‬واعتباره بأن يُقدرَ في موضع الول " ‪ ،‬وهذا التطابقُ جارٍ على كل أقسام البدل ‪،‬‬
‫‪4‬‬

‫م (النعام‪ ، )102:‬وقال تعالى ‪ :‬قُم ِ اللَّي ْ َ‬


‫ل‬ ‫ه َربُّك ُ ْ‬
‫َ‬
‫م الل ّ ُ‬ ‫قال تعالى ‪ :‬ذَلِك ُ ُ‬
‫(المزمل‪ ، )3-2:‬وقال تعالى ‪:‬‬ ‫ه قَلِيل ً‬ ‫إَّل قَلِيلً ‪ ‬ن ِصَفه أ َ‬
‫من ْ ُ‬
‫ص ِ‬ ‫ْ‬ ‫ق‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ان‬ ‫و‬
‫ْ ُ ِ‬ ‫ِ‬
‫ل فِيه‪( ‬البقرة‪ ، )217:‬وغير ذلك ‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حَرامِ قِتَا ٍ‬ ‫شهْرِ ال َ‬ ‫سألون َك ع َ ِ‬‫يَ ْ‬
‫‪5‬‬

‫أما المطابقةُ في الفراد وفرعيه ‪ ،‬وفي التذكير والتأنيث ‪ ،‬فَتلزمُ إذا كان البدلُ مطابقاً ‪،‬‬
‫س غيرُ ‪ ،‬يقول الشموني ‪ " :‬وأما الفرادُ والتذكير وأضدادهما ‪ ،‬فإن كان بدلَ ك ّل ‪ ،‬وافقَ‬ ‫لي َ‬
‫متبوعه فيها ما لم يمن ْع مانعٌ من التثنية والجمع ؛ لكون أحدهما مصدراً ‪ ،‬نحو ‪ِ ( :‬إنّ‬
‫عنَاباً) (النبأ‪ ، )32-31:‬أو ُقصِدَ به التفصيلَ ‪ ،‬كقوله ‪:‬‬
‫حدَائِقَ وََأ ْ‬
‫َ‬ ‫لِ ْل ُمتّقِينَ مَفَازاً‪‬‬

‫َورِجلٍ َرمَى فِيهَا ال َزمَانُ َفشُلّتِ‬ ‫صحِيحَةٌ‬


‫وكُنتُ كَذِي رِجلَينِ ‪ :‬رِجلٍ َ‬

‫وإن كان غيره من أنواعِ البدلِ لم يلز ْم موافقته أيّاها "‪.6‬‬

‫‪4‬‬ ‫‪ 1‬شرح ابن عقيل ‪ ، 249 / 2 ،‬وينظر في أقسام البدل ‪ :‬الكتاب ‪ ، 158-150 / 1 ،‬و ‪ ، 440-439 / 1‬والمقتضب ‪, ، 27 / 1 ،‬‬
‫‪ ، 298-295 /‬وشرح المفصل ‪ ، 66-63 / 3 ،‬وشرح ابن عقيل ‪ ، 250-249 / 2 ،‬وشرح شذور الذهب ‪ ، 429-428 ،‬وشرح‬
‫الشموني ‪. 126-124 / 3 ،‬‬
‫‪ 2‬المقتضب ‪ ، 297 / 4 ،‬ويقصد بـ ( ثلثة أوجه ) ‪ :‬بدل المطابقة ‪ ،‬والبعض من الكل ‪ ،‬وبدل الشتمال ‪.‬‬
‫‪ 3‬المقتصد في شرح اليضاح ‪. 929 / 2 ،‬‬
‫‪ 4‬شرح المفصل ‪ ، 63 / 3 ،‬وينظر ‪ :‬شرح الشموني ‪. 127 / 3 ،‬‬
‫‪ 5‬ينظر ‪ ( :‬فاطر ‪ ( ، ) 14 /‬آل عمران ‪ ( ، ) 97 /‬البروج ‪. ) 5-4 /‬‬
‫حدَائِقَ وَأَع ْنَابا ً ‪‬‬‫مفَازا ً ‪َ ‬‬
‫ن َ‬ ‫متَّقِي َ‬
‫ن لِل ْ ُ‬‫‪ 6‬شرح الشموني ‪ ، 128 / 3 ،‬واليتان من قوله تعالى ‪ ( :‬إ ِ َّ‬
‫ن فِيهَا لَغْوا ً وَل كِذَّاباً) (النبأ‪)35-31 :‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م ُعو َ‬ ‫ب أتَْرابا ً ‪‬وَكَأسا ً دِهَاقا ً ‪‬ل ي َ ْ‬
‫س َ‬ ‫وَكَوَا ِ‬
‫ع َ‬
‫‪ ،‬والظاه ُر أنها من بدل الشتمال ‪ ،‬أو بدل البعض من الكل ‪ ،‬ل من البدل المطابق ‪ ،‬بدليل الياتِ التي بعد هاتين اليتين ‪ ،‬فال‬
‫تعالى يُبينُ أن للمتقين مفازًا متمثلً بالحدائق والعناب ‪ ،‬والكواعب التراب ‪ ،‬والكأس المملوءة ‪ ،‬وعدم سماع المتقين للغو‬
‫والكذب ‪ ،‬فهذه مكونات المفاز ‪ ،‬أو الفوز في الجنة ‪ ،‬فهي أجزاءٌ لذلك الفوز ‪ ،‬أو أن الفوز مشتملٌ على هذه الشياء ‪ ،‬وأما‬
‫ق ‪ ،‬فيكون بالنظر إلى معنى المصدر ( مفازًا ) ‪ ،‬وذلك بجعله عين الشياء التي ذكرها ال تعالى‬ ‫جعل الية على أنها بدلٌ مطاب ٌ‬
‫بعد ذلك المفاز ‪ ،‬ينظر ‪ :‬تفسير البيضاوي ‪ ، 443/ 5 ،‬وفتح القدير ‪ ، 368 / 5 ،‬وروح المعاني ‪ ، 18 / 30 ،‬وأما الشاهد‬
‫الشعري ‪ ،‬فهو لكثير عزّة ‪ ،‬والشاهد فيه إبدال ( رجل صحيحة ) ‪ ،‬من ( ( رجلين ) ‪ ،‬وعطف على الرجل الولى ( ورجل ) ؛‬
‫ب أن يكون المبدل مثنىً كالمبدل منه ‪ ،‬فقد أجمل ثم فصّل ‪ ،‬ينظر ‪ :‬ديوان كثير عزّة ‪، 99 ،‬‬
‫ى ‪ ،‬فوج َ‬‫ن المبدل منه مثن ً‬
‫لّ‬
‫الصفحة ‪ 92‬من ‪142‬‬
‫م‪‬‬
‫قي َ‬
‫ست َ ِ‬ ‫ط ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫صَرا َ‬
‫اهْدِنَا ال ِّ‬ ‫فمثالُ المطابقة إفراداً وتذكيراً ‪ ،‬قوله تعالى ‪:‬‬
‫ط ال ّذي َ‬ ‫َ‬
‫ذَل ِ َ‬
‫ك‬ ‫(الفاتحة‪ ، )7-6:‬وقوله تعالى ‪:‬‬ ‫ت عَلَيْهِ ْ‬
‫م‬ ‫م َ‬‫ن أنْعَ ْ‬‫ِ َ‬ ‫صَرا َ‬ ‫ِ‬
‫‪1‬‬
‫(البقرة‪ ، )2:‬وغير ذلك ‪.‬‬ ‫ن‬ ‫مت َّ ِ‬
‫قي َ‬ ‫ب فِيهِ هُدىً لِل ْ ُ‬ ‫ب ل َري ْ َ‬‫الْكِتَا ُ‬

‫جَرةَ‬ ‫ش َ‬ ‫ومثالُ المطابقة إفراداً وتأنيثاً ‪ ،‬قوله تعالى ‪ :‬ول تَْقربَا هَذِهِ ال َّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ن‬
‫َ‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ذ‬ ‫ال‬ ‫ى‬ ‫ل‬ ‫إ‬
‫َ ِ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫أ‬ ‫‪:‬‬ ‫تعالى‬ ‫وقوله‬ ‫‪،‬‬ ‫)‬ ‫‪35‬‬ ‫(البقرة‪:‬‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫مي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن الظ‬ ‫َ‬ ‫فَتَكُونَا ِ‬
‫م‬
‫َّ ُ ً َ ُ‬
‫صلَوْن َ َها‬ ‫م يَ ْ‬ ‫جهَن َّ َ‬ ‫َ‬ ‫م دَاَر الْبَوَار‪‬‬ ‫مهُ ْ‬ ‫حل ّوا قَوْ َ‬ ‫ت اللهِ كْفرا وَأ َ‬ ‫م َ‬ ‫بَدَّلُوا نِعْ َ‬
‫راُر (إبراهيم‪ ، )29-28 :‬وغير ذلك ‪.‬‬ ‫س الَْق َ‬ ‫وَبِئ ْ َ‬
‫‪2‬‬

‫َّ َ َ َ‬
‫ن‬‫ل ال ّذِي َ‬ ‫ه قو ْ‬ ‫معَ الل ُ‬ ‫س ِ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ومثالُ المطابقة جمعاً وتذكيراً ‪ ،‬قوله تعالى ‪ :‬ل َ َ‬
‫م اْلَنْبِيَاءَ‬ ‫ن الل َّه فَقير ونح َ‬
‫ما قَالُوا وَقَتْلَهُ ُ‬ ‫ب َ‬ ‫سنَكْت ُ ُ‬ ‫ن أغْنِيَاءُ َ‬ ‫َ ِ ٌ ََ ْ ُ‬ ‫قَالُوا إ ِ َّ‬
‫م وَأ َ َّ‬
‫ن‬ ‫ت َأيْدِيك ُ ْ‬
‫َ‬
‫م ْ‬ ‫ما قَد َّ َ‬ ‫ك بِ َ‬ ‫ق‪ ‬ذَل ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫حرِي‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫ل ذ ُوقُوا عَذ َا َ‬ ‫ق وَنَُقو ُ‬ ‫ح ٍّ‬ ‫بِغَيْرِ َ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ن الل ّه عَهد إلَينا أ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ن‬
‫َ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ؤ‬ ‫ُ‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫وا‬ ‫ال‬ ‫ق‬ ‫ن‬
‫ْ َ‬ ‫ي‬‫ِ‬ ‫ذ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫‪‬‬ ‫د‬
‫ِ‬ ‫ي‬‫ِ‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ل‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫لم‬
‫ٍْ‬ ‫ظ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫س‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫الل‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫س ٌ‬ ‫م ُر ُ‬ ‫جاءَك ُ ْ‬ ‫ل قَد ْ َ‬ ‫ه النَّاُر قُ ْ‬ ‫ن تَأكُل ُ ُ‬ ‫حتَّى يَأتِيَن َ َا بُِقْربَا ٍ‬ ‫ل َ‬ ‫سو ٍ‬ ‫لَِر ُ‬
‫ن (آل‬ ‫صادِقِي َ‬ ‫م َ‬ ‫ن كُنْت ُ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫موهُ ْ‬ ‫م قَتَلْت ُ ُ‬ ‫م فَل ِ َ‬ ‫ت وَبِال ّذِي قُلْت ُ ْ‬ ‫قَبْلِي بِالْبَيِّنَا ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن إِذ َا ذ ُكَِر الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ن ال ّذِي َ‬ ‫منُو َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ما ال ْ ُ‬ ‫عمران‪ ، )183-181 :‬وقوله تعالى ‪ :‬إِن َّ َ‬
‫م‬ ‫مانا ً وَعَلَى َرب ِّهِ ْ‬ ‫م إِي َ‬ ‫ه َزادَتْهُ ْ‬ ‫م آيَات ُ ُ‬ ‫ت عَلَيْهِ ْ‬ ‫م وَإِذ َا تُلِي َ ْ‬ ‫ت قُلُوب َُهُ ْ‬ ‫جل َ ْ‬ ‫وَ ِ‬
‫َ‬
‫(النفال‪:‬‬ ‫ن‬‫م يُنِْفُقو َ‬ ‫ما َرَزقْنَاهُ ْ‬ ‫م َّ‬ ‫صلة َ وَ ِ‬ ‫ن ال َّ‬ ‫مو َ‬ ‫قي ُ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫ن ‪‬ال ّذِي َ‬ ‫يَتَوَك ّلُو َ‬
‫‪3‬‬
‫‪ ، )3-2‬وغير ذلك ‪.‬‬
‫وأما مثال المطابقة جمعاً وتأنيثًا ‪ ،‬فنحو قوله تعالى ‪ :‬وتِل ْ َ َ‬
‫م نُدَاوِلُهَا بَي ْ َ‬
‫ن‬ ‫ك اْليَّا ُ‬ ‫َ‬
‫ن‪‬‬‫سا ٌ‬‫ح َ‬ ‫ت ِ‬ ‫خيَْرا ٌ‬ ‫س (آل عمران‪ ، )140:‬وقوله تعالى ‪ :‬فِيهِ َّ‬
‫ن َ‬ ‫َ‬
‫الن ّاَ ِ‬
‫ت فِي ال ْ ِ‬
‫خيَام ِ‬ ‫صوَرا ٌ‬
‫مْق ُ‬
‫حوٌر َ‬‫ذّبَــان ‪ُ ‬‬ ‫ما تُك َ ِ‬
‫ي آلءِ َربِّك ُ َ‬
‫فَبِأ ِ ّ‬
‫(الرحمن‪. )72-70:‬‬

‫فنحنُ نلحظُ أنّ المطابقةَ حاصل ٌة بين البدل والمبدل منه في العدد ‪ ،‬وفي الجنس ‪ ،‬في‬
‫ت التي وردت ‪.‬‬
‫اليا ِ‬

‫والكتاب ‪ ، 433-432 / 1 ،‬والمقتضب ‪ ، 290 / 4 ،‬وشرح المفصل ‪ ، 69-68 / 3 ،‬و شرح شواهد الشموني على هامش شرح‬
‫الشموني ‪.138 / 3 ،‬‬

‫‪ 1‬ينظر ‪ ( :‬البقرة ‪ ( ، ) 87 /‬آل عمران ‪. ) 39 /‬‬

‫‪ 2‬ينظر ‪ ( :‬البقرة ‪ ( ، ) 87 /‬آل عمران ‪. ) 18 /‬‬


‫‪ 3‬ينظر ‪ ( :‬الحزاب ‪. ) 39-38 /‬‬
‫الصفحة ‪ 93‬من ‪142‬‬
‫أما المطابقة بين البدل والمبدل منه تعريفاً أو تنكيراً ‪ ،‬فل تُشترطُ بينهما ‪ ،‬إذ قد يأتيان‬
‫معرفتين ‪ ،‬أو نكرتين ‪ ،‬أو مختلفين ‪ ،‬إل أنّ مجيئهما معرفتين أو نكرتين ‪ ،‬يُع ّد مظهراً من‬
‫مظاهر المطابقة ‪ ،‬وإنْ ل ْم يُشترطْ هذا التطابقُ ‪.‬‬
‫يقول سيبويه ‪ " :‬هذا بابُ بدل المعرفة من النكرة ‪ ،‬والمعرفة من المعرفة ‪000‬‬
‫ل ) ‪ ،‬كأ ّنهُ قِيلَ لهُ بمن مررتَ ؟ أو‬
‫أما بدل المعرفة من النكرة ‪ ،‬فقولكَ ‪ ( :‬مررتُ برجلٍ عبدِ ا ِ‬
‫ظنّ أنّه يُقالُ ل ُه ذلكَ ‪ ،‬فأبدلَ مكانه ما هو أعرف منه ‪ 000‬وأما المعرفة التي تكون بدلً من‬
‫ت ‪ ،‬وإما بدا لك أن تُضرِبَ‬ ‫ل زيدٍ ) ‪ ،‬إما غلطتَ فتدارك َ‬ ‫ك ‪ ( :‬مررتُ بعبدِ ا ِ‬ ‫المعرفة ‪ ،‬فهو كقول َ‬
‫ك بالول ‪ ،‬وتجعله للخِر" ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫عن مرور َ‬

‫ن عصفور ‪ " :‬والبد ُل ينقسم بالنظر إلى التعريف والتنكير ‪ ،‬أربعة أقسام ‪:‬‬
‫ويقول اب ُ‬
‫معرفة من معرفة ‪ ،‬ونكرة من نكرة ‪ ،‬ومعرفة من نكرة ‪ ،‬ونكرة من معرفة " ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫ن يعيشٍ عدمَ وجوب المطابقة بين البدل والمبدل منه تعريفاً أو تنكيرًا بقوله ‪" :‬‬‫ويعللُ اب ُ‬
‫ليس المرُ في البدل والمبدل منه كالنعت والمنعوت ( فيلزم تطابقُهما في التعريف والتنكير )‬
‫كما كان ذلك في النعت ؛ لنّ النعت من تمام المنعوت ‪ ،‬وتحليةً له ‪ ،‬والبدل منقطعٌ من المبدل‬
‫منه ‪ ،‬يُقدرُ في موضع الول على ما ذكرنا ؛ فلذلك يجوز بدلُ المعرفة من المعرفة ‪ ،‬والنكرة‬
‫من المعرفة ‪ ،‬والنكرة من النكرة ‪ ،‬والمعرفة من النكرة "‪. 3‬‬

‫وتعليلُ ابنِ يعيشٍ هذا ‪ ،‬على جعلِ البدلِ في موضع المبدلِ منه ‪ ،‬فب " لما كان مقصودًا‬
‫والولُ كالتتمة ‪ ،‬لمْ يلز ْم مطابقته ‪ ،‬كما لزمَ في التتمة ؛ لقوةِ ما هو أص ٌل ‪ ،‬وضعفِ ما هو‬
‫فرعٌ ‪ ،‬والبد ُل أصلٌ ؛ لنّهُ مقصودٌ ‪ ،‬والصفةُ فرعٌ لنّها تتمةٌ "‪. 4‬‬

‫وعلى رأي من يقولُ إنّ البدلَ في حكم تكرير العامل ‪ ،‬يكونُ المبدلُ منه وعامُل ُه جملة ‪،‬‬
‫والبدلُ وعامُلهُ جملة أُخرى ؛ " فل يلزم التطابقُ "‪. 5‬‬

‫إنّ النظ َم القرآني استعملَ البدلَ مطابقاً للمبدل منه ‪ ،‬تعريفاً وتنكيراً ‪ ،‬واستعمله مخالفاً‬
‫للمبدل منه أيض ًا ‪.‬‬

‫صَرا َ‬
‫ط‬ ‫فمثالُ إبدال المعرفة من المعرفة ‪ ،‬بدلً مطابقًا ‪ ،‬قوله تعالى ‪ :‬اهْدِنَا ال ِّ‬
‫ط الَّذي َ‬
‫م وَل‬‫ب عَلَيْهِ ْ‬‫ضو ِ‬ ‫م غَيْرِ ال ْ َ‬
‫مغْ ُ‬ ‫ت عَلَيْهِ ْ‬ ‫صَرا َ ِ َ‬
‫ن أنْعَ ْ‬
‫م َ‬ ‫ِ‬ ‫م‪‬‬‫قي َ‬‫ست َ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫جعَ َ‬
‫ل‬ ‫ن (الفاتحة‪ ، )7-6:‬وقوله تعالى ‪ :‬إِذ ْ َ‬ ‫ضال ِّي َ‬
‫ال َّ‬

‫‪ 1‬الكتاب ‪ ، 16-14 / 2 ،‬وينظر ‪ :‬المقتضب ‪ ، 296-295 / 4 ،‬والُصول في النحو ‪. 46 / 2 ،‬‬


‫‪ 2‬المقرب ‪ ، 268 ،‬وينظر ‪ :‬شرح الرضي على الكافية ‪ ، 387 / 2 ،‬وارتشاف الضرب ‪ ، 620-619 / 2 ،‬وشرح شذور‬
‫الذهب ‪ ، 444 ،‬وشرح الشموني ‪ ، 128 / 3 ،‬والمنهل الصافي ‪. 583 / 2 ،‬‬
‫‪ 3‬شرح المفصل ‪. 68 / 3 ،‬‬
‫‪ 4‬اليضاح في شرح المفصل ‪. 451 / 1 ،‬‬
‫‪ 5‬المصدر نفسه ‪ ، 451 / 1 ،‬وينظر ‪ :‬المنهل الصافي ‪. 584 / 2 ،‬‬
‫الصفحة ‪ 94‬من ‪142‬‬
‫َّ‬
‫(الفتح‪، )26:‬‬ ‫ة ال ْ َ‬
‫جاهِلِيَّةِ‬ ‫مي َّ َ‬ ‫مي َّ َ‬
‫ة َ‬
‫ح ِ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫ح ِ‬ ‫ه‬
‫ِِ ُ‬ ‫وب‬‫ُ‬ ‫ل‬‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ي‬‫ِ‬ ‫ف‬ ‫روا‬
‫ُ‬ ‫ف‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ن‬
‫ال َ‬
‫ي‬‫ِ‬ ‫ذ‬
‫‪6‬‬
‫وغير ذلك ‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م َ‬
‫نآ َ‬ ‫م ْ‬‫ت َ‬ ‫مَرا ِ‬ ‫ن الث ّ َ‬
‫م َ‬ ‫ومثاله في بدل البعض ‪ ،‬قوله تعالى ‪ :‬وَاْرُزقْ أهْل َ ُ‬
‫ه ِ‬
‫َ‬
‫ن يَعِدُ‬‫ل إِ ْ‬‫خرِ (البقرة‪ ، )126:‬وقوله تعالى ‪ :‬ب َ ْ‬ ‫م بِالل ّهِ َوالْيَوْم ِ اْل ِ‬ ‫منْهُ َ ْ‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫‪2‬‬
‫روراً (فاطر‪)40:‬وغير ذلك ‪.‬‬ ‫م بَعْضا ً إ ِ ّل غُ ُ‬ ‫ضهُ ْ‬
‫ن بَعْ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫الظ ّال ِ ُ‬
‫ي‬
‫م َرب ِّ َ‬ ‫حَّر َ‬‫ما َ‬‫ل إِن َّ َ‬
‫وأما مثاله في بدل الشتمال ‪ ،‬فنحو قوله تعالى ‪ :‬قُ ْ‬
‫(العراف‪ ، )33:‬وقوله تعالى ‪:‬‬ ‫ما بَطَن‬ ‫ما ظَهََر ِ‬
‫منْهَا وَ َ‬ ‫ش َ‬
‫ح َ‬ ‫الَْفوَا ِ‬
‫ت الْوَقُودِ (البروج‪ ، )5-4:‬وغير ذلك ‪.‬‬ ‫ب اْل ُ ْ‬ ‫قُت ِ َ َ‬
‫‪3‬‬
‫خدُودِ ‪ ‬النَّارِ ذ َا ِ‬ ‫حا ُ‬‫ص َ‬‫لأ ْ‬
‫َ‬
‫مثَلً‬
‫ه َ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫ضَر َ‬ ‫َ‬ ‫ومثال إبدال النكرة من النكرة ‪ ،‬بدلً مطابقاً ‪ ،‬قوله تعالى ‪:‬‬
‫ن‬‫يءٍ (النحل‪ ، )75:‬وقوله تعالى ‪ :‬إ ِ َّ‬ ‫ش ْ‬‫قدُِر عَلَى َ‬ ‫ملُوكا ً ل ي َ ْ‬ ‫م ْ‬‫عَبْداً َ‬
‫قتَدِرٍ‬ ‫م ْ‬‫ك ُ‬ ‫ملِي ٍ‬‫عنْد َ َ‬ ‫ق ِ‬‫صد ْ ٍ‬
‫مْقعَدِ ِ‬ ‫ت وَنَهَرٍ فِي َ‬ ‫جنَّا ٍ‬ ‫ن فِي َ‬ ‫قي َ‬‫مت َّ ِ‬
‫ال ْ ُ‬
‫(القمر‪ ، )55-54:‬وغير ذلك ‪ ،4‬ول ْم يرد إبدالُ النكرة من النكرة في القرآن الكريم ‪ ،‬إل في‬
‫‪5‬‬
‫البدل المطابق ‪.‬‬

‫م يَك ُ ِ‬
‫ن‬ ‫َ أما أمثلة تخالف البدل والمبدل منه تعريفاً وتنكيرًا ‪ ،‬فنحو قوله تعالى ‪ :‬ل َ ْ‬
‫ْ‬ ‫ال ّذين كََفروا م َ‬
‫م‬‫حتَّى تَأتِيَهُ ُ‬
‫ن َ‬ ‫كّي َ‬
‫ف ِ‬
‫من ْ َ‬
‫ن ُ‬ ‫شرِكِي َ‬ ‫ب وَال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ل َ الْكِتَا ِ‬ ‫ن أه ْ ِ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ِ َ‬
‫رةً (البينة ‪ ، )2-1:‬وقوله‬ ‫مطَهَّ َ‬
‫حفا ً ُ‬ ‫ص ُ‬‫ن الل ّهِ يَتْلُو ُ‬ ‫م َ‬
‫ل ِ‬ ‫سو ٌ‬ ‫الْبَيِّنَة ‪َ ‬ر ُ‬
‫َ‬
‫صلَوْنَهَا فَبِئ ْ َ‬
‫س‬ ‫م يَ ْ‬ ‫جهَن َّ َ‬‫ب ‪َ ‬‬ ‫مآ ٍ‬‫شَّر َ‬ ‫ن لَ َ‬‫ن لِلط ّاِغي َ‬ ‫تعالى ‪ :‬هَذ َا وَإ ِ َّ‬
‫‪6‬‬
‫ص‪ ، ) 56-55 :‬وغير ذلك ‪.‬‬ ‫مهَادُ ( ّ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫وبالرغم من جواز تخالف البدل والمبدل منه تعريفاً وتنكيرًا ‪ ،‬فقد استعمل القرآن الكريم‬
‫البدل والمبدل منه متطابقين ‪ ،‬في مواطنَ تصلُ إلى ضعفِ مواطنِ التخالف بينهما ‪.‬‬

‫‪ 6‬ينظر ‪ ( :‬العراف ‪ ( ، ) 142 /‬هود ‪ ( ، ) 60 /‬الرعد ‪. ) 28 /‬‬


‫‪ 2‬ينظر ‪ ( :‬آل عمران ‪ ( ، ) 97 /‬الزمر ‪. ) 60 /‬‬
‫‪ 3‬ينظر ‪ ( :‬النعام ‪ ( ، ) 151 /‬الزخرف ‪. ) 33 /‬‬
‫‪ 4‬ينظر ‪ ( :‬يوسف ‪ ( ، ) 20 /‬النحل ‪ ( ، ) 76 /‬الرحمن ‪. ) 72-70 /‬‬
‫‪ 5‬ينظر ‪ :‬دراسات لُسلوب القرآن الكريم ‪. 50-48 / 11 ،‬‬
‫‪ 6‬ينظر ‪ ( :‬مريم ‪ ( ، ) 61 /‬الشورى ‪. )53-52 /‬‬

‫الصفحة ‪ 95‬من ‪142‬‬


‫الصفحة ‪ 96‬من ‪142‬‬
‫قسّمَ النحاة الضميرَ على ثلثة أقسام ‪ :‬ضمير تكلم ‪ ،‬وضمير خطاب ‪ ،‬وضمير غيبة‪،‬‬
‫ن ‪ " :‬باب المضمر ‪ ،‬وهذه تسمية البصريين ‪ ،‬ويسميه الكوفيون الكنايةَ والمكنى ‪،‬‬‫يقول أبو حيا ٍ‬
‫ب وغائبٍ " ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫ول يحتاجُ إلى رسمٍ ؛ لنه محصور ‪ ،‬وينقسم إلى متكلمٍ ومخاط ٍ‬

‫ولنّ الضمير من الشياء المبهمة ؛ فإنّهُ يحتاجُ إلى ما يُفسره ‪ ،‬ويرفع عنه هذا البهامَ ‪،‬‬
‫كما في السماء الموصولة ‪ ،‬إذ تُوج ُد جمل ُة الصلة التي تُزيلُ إبها َم تلك السما ِء ‪.‬‬

‫وليس هذا بجارٍ على كل أقسام الضمير الثلثة ‪ ،‬فضمير المتكلم أو المخاطب ‪ ،‬ل يحتاجُ‬
‫ن حضورَ صاحبه أو المشاهدة تؤدي ذلك ‪ ،‬وأما ضمير الغائب ‪،‬‬ ‫إلى ما يُوضحهُ أو يُفسر ُه ؛ ل ّ‬
‫ش ‪ " :‬والحوالُ‬
‫ن يعي ٍ‬‫سرِ أو المرجع ‪ ،‬يقولُ اب ُ‬ ‫فخالٍ من هذه المشاهدة ؛ فاحتاج إلى هذه المُفَ ّ‬
‫المقترنة بها ‪ ،‬حضور المتكلم والمخاطب ‪ ،‬والمشاهدة لهما ‪ ،‬وتَقَدّمُ ذِك ِر الغائب الذي يصيرُ‬
‫بمنزلة الحاضر الشاهد "‪.2‬‬

‫ويقولُ السيوطيّ ‪ " :‬ضمير التكلم والخطاب يُفسرهما المشاهدة ‪ ،‬وأما ضمير الغائب ‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫فعارٍ عن المشاهدة ؛ فاحتيجَ إلى ما يُفسرهُ "‬

‫ل‪:‬‬ ‫وهذا المفسّر – في العم الغلب – يكون اسمًا ظاهراً مقدماً على ضميره ‪ ، 4‬فنقو ُ‬
‫ضرَبتُهُ ) ‪ ،‬وأن يكون القرب إليه ‪ ،‬نقولُ ‪ ( :‬ضربتُ زَيداً وعمراً أوجعتُهُ ) ‪ ،‬فالهاءُ‬ ‫( محمدٌ َ‬
‫عائد ٌة على ( عمراً ) إل إذا وجد دليلٌ على أنّ الضميرَ عائدٌ على غير القرب ‪ " ،‬كما في‬
‫ريَّت ِ ِ‬
‫ه‬ ‫في ذُ ّ ِ‬‫علْنَا ِ‬
‫ج َ‬
‫و َ‬
‫ب َ‬ ‫قو َ‬ ‫ع ُ‬
‫وي َ ْ‬
‫حاقَ َ‬‫س َ‬ ‫هبْنَا ل َ ُ‬
‫ه إِ ْ‬ ‫و َ‬
‫و َ‬
‫َ‬ ‫قوله تعالى ‪:‬‬
‫ب ‪ ،‬فضمير ( ذريته ) عائ ٌد على إبراهيم ‪ ،‬وهو غير القرب ؛ لنّهُ‬ ‫والْكِتَا َ‬
‫وةَ َ‬
‫‪‬‬‫النُّب ُ َّ‬
‫المُحَ ّدثُ عنه من أول القصة إلى آخرها "‪.5‬‬

‫ل عليه حساً ‪ ،‬كما قالَ تعالى‬


‫وقد ل يُصرحُ بلفظ المرجع في بعض الحيان ؛ لوجود ما يد ُ‬
‫(القصص‪ ، )26:‬والمقصود موسى عليه السلم ‪،‬‬ ‫جْره‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ستَأ ِ‬
‫تا ْ‬ ‫‪ :‬يَا أب َ ِ‬
‫وإن لم يُصرح بلفظه ‪ ،‬لكونه حاضراً ‪ ،‬أو وُجِدَ ما يدل عليه علماً ‪ ،‬كما في قوله تعالى ‪ :‬إِنَّا‬

‫‪ 1‬ارتشاف الضرب ‪ ، 462/ 1 ،‬وينظر ‪ :‬شرح الرضي على الكافية ‪ ، 401/ 2 ،‬والفوائد الضيائية ‪. 6/ 2 ،‬‬
‫‪ 2‬شرح المفصل ‪ ، 84 / 3 ،‬والضمير في (بها) ‪ ،‬يقصد به الضمائر ‪.‬‬
‫‪ 3‬همع الهوامع ‪ ، 227/ 1 ،‬وينظر والضمائر في اللغة العربية ‪. 95 ،‬‬
‫ل ‪ ( :‬أكرمَ أخاهُ محمدٌ ) فالضميرُ في ( أخاه ) ‪ ،‬عائدٌ على (‬‫‪ 4‬إذ قد يتقدمُ الضمي ُر على مرجعه في اللفظ دون المعنى ‪ ،‬كما نقو ُ‬
‫محمدٌ )‪ ،‬وإن تقدمَ عل مرجعه ؛ لن الصلَ ( أكر َم محمدٌ أخاه ) ‪ ،‬ينظر ‪ :‬إرتشاف الضرب ‪ ، 481/ 1 ،‬وشرح الرضي على‬
‫الكافية ‪ ، 404/ 2 ،‬والفوائد الضيائية ‪. 76/ 2 ،‬‬
‫‪ 5‬همع الهوامع ‪ ، 227/ 1 ،‬والية من ( العنكبوت ‪ ، ) 27 /‬وينظر ‪ :‬معاني النحو ‪ ، 66/ 1 ،‬والضمائر في اللغة العربية ‪96 ،‬‬
‫الصفحة ‪ 97‬من ‪142‬‬
‫(القدر‪ ، )1:‬أي القرآن الكريم ‪ ،‬أو يكون‬ ‫ر‬
‫قدْ ِ‬ ‫في لَيْل َ ِ‬
‫ة ال ْ َ‬ ‫أَنَْزلْنَاهُ ِ‬
‫ب‬‫قَر ُ‬‫و أَ ْ‬ ‫دلُوا ُ‬
‫ه َ‬ ‫ع ِ‬
‫المف ّسرُ جزءًا من مدلول مرجعه ‪ ،‬كما في قوله تعالى ‪ :‬ا ْ‬
‫(المائدة‪ ، )8:‬فالضمير ( هو ) يعود على العدل المفهوم من‬ ‫وى‬ ‫ق َ‬‫لِلت َّ ْ‬
‫ل على المصدر والزمان ‪ ،‬في حين‬ ‫( اعدلوا ) ‪ ،‬والعدلُ جز ٌء من ( اعدلوا ) ؛ لن الخير يد ُ‬
‫ل الول على المصدر فقط ‪.‬‬ ‫يد ُ‬

‫ول بُدّ لهذا الضمير من مطابقة مرجعه في العدد وفي الجنس ‪ ،‬فإذا كان المرجع مفرداً‬
‫مذكراً ‪ ،‬وجب أن يكون الضمير مفرداً مذكراً ‪ ،‬وإذا كان المرجع مفرداً مؤنثًا ‪ ،‬وجب أن يكونَ‬
‫الضميرُ مفرداً مؤنثاً ‪ ،‬وإذا كان المرج ُع مثنىً ‪ ،‬وجب أن يكون الضمير مثنىً ‪ ،‬وإذا كان‬
‫المرجعُ جمعاً مذكراً ‪ ،‬وجب أن يكون الضمير جمعاً مذكراً ‪ ،‬وإذا كان المرجعُ جمعًا مؤنثاً ‪،‬‬
‫ي ‪ " :‬وقد قسّم النحويون ضميرَ الغيبة إلى‬ ‫وجب أن يكون الضمير جمعاً مؤنثًا ‪ ،‬يقول الزركش ّ‬
‫أقسام ‪ :‬أحدها – وهو الصل – أن يعود إلى شي ٍء سبق ذكره في اللفظ بالمطابقة ‪ ،‬نحو ‪:‬‬
‫‪ 2 ،‬إِذَا‬ ‫ه‬
‫ح ابْن َ ُ‬‫ونَادَى نُو ٌ‬ ‫وى ‪،‬‬ ‫غ َ‬ ‫ه َ‬
‫ف َ‬ ‫م َرب َّ ُ‬ ‫صى آدَ ُ‬ ‫ع َ‬ ‫و َ‬
‫‪1‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ال ْ ُ‬
‫قْرآ َ‬ ‫ن‬
‫عو َ‬ ‫م ُ‬
‫ست َ ِ‬
‫‪ ،‬وقوله ‪ :‬ي َ ْ‬ ‫‪3‬‬
‫ها‬ ‫م يَك َ ْ‬
‫د يََرا َ‬ ‫ج يَدَهُ ل َ ْ‬
‫خَر َ‬ ‫أَ ْ‬
‫‪.5 " 4‬‬ ‫ضُروه‬ ‫ح َ‬ ‫ما َ‬ ‫فل َ َّ‬‫َ‬

‫المبحث الول‬

‫‪ ( 1‬طه ‪. ) 21 /‬‬
‫‪ ( 2‬هود ‪. ) 42 /‬‬
‫‪ ( 3‬النور ‪) 40 /‬‬
‫‪ ( 4‬الحقاف ‪. ) 29 /‬‬
‫‪ 5‬البرهان في علوم القرآن ‪. 25 / 4 ،‬‬

‫الصفحة ‪ 98‬من ‪142‬‬


‫بين الضمير ومرجعه ف ي ال فراد ‪:‬‬ ‫المطابقة‬

‫أولً ‪ -‬إ ذا كا ن ا لض مير مفرد ا مذ كرا ‪:‬‬

‫فالصلُ عند مجيء ضمير غائ بٍ مفردٍ مذكرٍ ‪ ،‬أن يكون مطابقًا لمرجعه‬
‫َ‬
‫ها‬ ‫علَي ِْ َ‬
‫ل َ‬ ‫خ َ‬‫ما دَ َ‬ ‫‪ ،‬وهذا مــا جاء عليــه القرآن الكريــم ‪ ،‬قال ال تعالى ‪ :‬كُل ِّ َ‬
‫َ‬
‫ك‬ ‫م أن َِّى ل َِ ِ‬ ‫مْري َِ ُ‬ ‫رْزقا ً َ‬
‫قا َ‬
‫ل ي َِا َ‬ ‫ها ِ‬
‫عنْدَِ َ‬‫جدَ ِ‬ ‫و َ‬‫َ‬ ‫ب‬
‫حَرا َِ‬ ‫ري َِّا ال ْ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ِ‬ ‫َزك َ‬
‫َ‬
‫ه (آل عمران‪ ، )37:‬فالضميرُ ( هو )‬ ‫د الل ّ ِ‬
‫عن ْ ِ‬‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫و ِ‬‫ه َ‬
‫ت ُ‬ ‫قال َ ْ‬‫هذَا َ‬ ‫َ‬
‫عائدٌ على ( رزقاً ) ‪ ،‬وقــد جاء مطابقاً لمرجعــه فــي العدد والجنــس ‪ ،‬فالضميرُ مفردٌ‬
‫مذكرٌ وكذا مرجعه ‪.‬‬

‫(هود‪، )46:‬‬ ‫ك‬ ‫ن أَ ْ‬


‫هل ِ َ‬ ‫م ْ‬
‫س ِ‬ ‫ح إِن َّ ُ‬
‫ه لَي ْ َ‬ ‫وقال تعالى ‪َ :‬‬
‫قا َ‬
‫ل يَا نُو ُ‬
‫ونَادَى‬ ‫فالهاءُ في ( إنه ) عائدةٌ على ابن نوح المذكور قبل هذه الية قال تعالى ‪َ :‬‬
‫ح ُّ‬
‫ق‬ ‫ك ال ْ َ‬‫عدَ َ‬
‫و ْ‬
‫ن َ‬‫وإ ِ َّ‬
‫هلِي َ‬‫ن أَ ْ‬
‫م ْ‬ ‫ب إ ِ َّ‬
‫ن ابْنِي ِ‬ ‫ل َر ِّ‬ ‫قا َ‬ ‫ف َ‬‫ه َ‬ ‫ح َرب َّ ُ‬‫نُو ٌ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫(هود‪ ، )45:‬وقد تمت المطابقةُ بين الضمير‬ ‫ن‬
‫مي َ‬ ‫حاك ِ ِ‬‫م ال ْ َ‬‫حك َ ُ‬
‫تأ ْ‬ ‫وأن ْ َ‬‫َ‬
‫ومرجعه ‪ ،‬فكلهما مفردٌ مذكرٌ ‪.‬‬
‫ل إِنَّا ِ‬
‫منْك ُ ْ‬
‫م‬ ‫سلما ً َ‬
‫قا َ‬ ‫قالُوا َ‬
‫ف َ‬ ‫علَي ْ ِ‬
‫ه َ‬ ‫خلُوا َ‬ ‫وقال تعالى ‪ :‬إِذْ دَ َ‬
‫‪،‬‬ ‫(الحجر‪ ، )52:‬فالضمير في ( عليه ) عائدٌ على ( إبراهيم )‬ ‫جلُو َ‬
‫ن‬ ‫و ِ‬
‫َ‬
‫(الحجر‪:‬‬ ‫م‬‫هي َ‬‫ف إِبَْرا ِ‬
‫ضي ْ ِ‬
‫ن َ‬
‫ع ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫ونَبِّئ ْ ُ‬
‫وذلك في قوله تعالى ‪َ :‬‬
‫‪ ، )51‬وقد تمت المطابقة هنا أيضاً وهذا التطابقُ جاء في مواطن كثيرةٍ جدًا في القرآن الكريم‬
‫‪1‬‬
‫‪.‬‬

‫ما ظاهره عدم المطابقة ‪:‬‬


‫وردت بعض اليات في القرآن الكريم ظاهرها المخالف ُة بين الضمير ومرجعه في الفراد‬
‫علَيك ُم إذَا ح َ َ‬
‫ن‬
‫ت إِ ْ‬
‫و ُ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫م ْ‬ ‫حدَك ُ ُ‬
‫ضَر أ َ‬ ‫َ‬ ‫ب َ ْ ْ ِ‬ ‫والتذكير ‪ ،‬قال تعالى ‪ :‬كُت ِ َ‬
‫قاً‬
‫ح ّ‬‫ف َ‬ ‫عُرو ِ‬ ‫م ْ‬‫ن بِال ْ َ‬‫قَربِي َ‬ ‫واْل َ ْ‬‫ن َ‬ ‫والِدَي ْ ِ‬ ‫ة لِل ْ َ‬
‫صي َّ ُ‬‫و ِ‬ ‫خيْرا ً ال ْ َ‬ ‫ك َ‬‫تََر َ‬
‫علَى‬ ‫ه َ‬‫م ُ‬‫ما إِث ْ ُ‬‫فإِن َّ َ‬
‫ه َ‬‫ع ُ‬
‫م َ‬
‫س ِ‬‫ما َ‬ ‫عدَ َ‬‫ه بَ ْ‬ ‫ن َبَدَّل َ ُ‬ ‫م ْ‬‫ف َ‬ ‫ن‪َ ‬‬‫قي َ‬ ‫مت َّ ِ‬‫علَى ال ْ ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫(البقرة‪. )181-180:‬‬ ‫م‬‫علِي ٌ‬ ‫ع َ‬ ‫مي ٌ‬ ‫س ِ‬‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫دّلُون َ ُ‬
‫ه إ ِ َّ‬ ‫ن يُب َ ِ‬
‫ذي َ‬‫ال ّ ِ‬

‫‪ 1‬ينظر ‪ ( :‬آل عمران ‪ ( ، ) 59 /‬التوبة ‪ ( ، ) 61 /‬طه ‪. ) 115 /‬‬

‫الصفحة ‪ 99‬من ‪142‬‬


‫نج ُد الضمير في ( بَ ّدلَ ُه ) ‪ ،‬مفرداً مذكراً ‪ ،‬وقد عاد على ( الوصية ) ‪ ،‬وهي مفردٌ مؤنث ‪،‬‬
‫وظاهر هذا التخالفُ ‪.‬‬

‫والقولُ في هذه اليةِ من وجهين ‪:‬‬

‫الول‪:‬‬
‫ظ مفردٌ مذكرٌ ؛ ولذلك‬
‫إن ( الوصية ) في الية الكريمة بمعنى ( اليصاء ) ‪ ،‬وهذا لف ٌ‬
‫ن بَدَّل َ ُ‬
‫ه‬ ‫م ْ‬‫ف َ‬‫جاز عودُ الضمير عليه مفرداً مذكراً ‪ ،‬وبهذا تتم المطابق ُة ‪ ،‬قال الواحديّ ‪َ " :‬‬
‫ه ‪ ،‬أي بدل اليصاء وغيره من وصي وولي وشاهد بعدما سمعه عن‬ ‫ع ُ‬
‫م َ‬
‫س ِ‬
‫ما َ‬ ‫عدَ َ‬
‫بَ ْ‬
‫فمن غيّر اليصاء عن وجهه إن كان‬ ‫ن بَدَّل َ ُ‬
‫ه‬ ‫م ْ‬
‫ف َ‬‫الميت "‪ ، 1‬وقال الزمخشريّ ‪َ " :‬‬
‫موافقًا للشرع من الوصياء والشهود "‪.2‬‬

‫الثاني ‪:‬‬
‫إن الهاء عائدة على مفهومٍ من السياق يدلُ عليه الظاهر ‪ ،‬وهو أمر الميت ‪ ،‬فال تعالى‬
‫خيْراً‬ ‫علَيك ُم إذَا ح َ َ‬
‫ك َ‬ ‫ن تََر َ‬ ‫ت إِ ْ‬‫و ُ‬
‫م ْ‬‫م ال ْ َ‬
‫حدَك ُ ُ‬
‫ضَر أ َ‬ ‫َ‬ ‫ب َ ْ ْ ِ‬ ‫يقول ‪ :‬كُت ِ َ‬
‫‪ ،‬فالهاء عائدة على أمر الميت ‪ ،‬قال الطبريّ ‪ " :‬فإن قال لنا قائلٌ ‪:‬‬ ‫صي َّ ُ‬
‫ة‬ ‫و ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫؟ قِيلَ على محذوف من الكلم يدل عليه‬ ‫ن بَدَّل َ ُ‬
‫ه‬ ‫م ْ‬ ‫وعلمَ عادت الهاءُ في قوله ‪َ :‬‬
‫ف َ‬
‫الظاهر ‪ ،‬وذلك هو أمر الميت وإيصاؤه إلى من أوصى إليه ‪ ،‬بما أوصى به ‪ ،‬لمن أوصى له‬
‫"‪ ،3‬ولفظ ( أمر الميت ) مفر ٌد مذكرٌ ‪ ،‬وبه يتم التطابقُ بين الضمير ومرجعه إفراداً وتذكيراً ‪.‬‬

‫وقد ذكر أبو حيان أن الضمير في الية راجعٌ على " أمر ال تعالى في هذه الية "‪ ،4‬وهو‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫مردودٌ بقول الطبري رحمه ال ‪ ،‬حيثُ يقولُ ‪ " :‬وإنما قلنا إن الهاء في قوله ‪َ :‬‬
‫ف َ‬
‫ف من الكلمِ يدل عليه الظاهر ؛ ل ّن قوله ‪ :‬كُت ِ َ‬
‫ب‬ ‫عائدةٌ على محذو ٍ‬ ‫ه‬‫بَدَّل َ ُ‬
‫علَيك ُم إذَا ح َ َ‬
‫‪،‬‬ ‫صي َّ ُ‬
‫ة‬ ‫خيْرا ً ال ْ َ‬
‫و ِ‬ ‫ن تََر َ‬
‫ك َ‬ ‫ت إِ ْ‬
‫و ُ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫م ْ‬ ‫دك ُ ُ‬
‫ح َ‬
‫ضَر أ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ْ ِ‬
‫من قوله تعالى ‪ ،‬إن تبديل ال ُمبَدّل إنما يكون لوصية الموصي ‪ ،‬فأما أمرُ ال بالوصية ‪ ،‬فل‬
‫يقد ُر هو ول غيره أن يُبدله "‪.5‬‬

‫ل على المعنى جا ٍر في لسان العرب ‪ ،‬يقول أبو حيان‬


‫والول من الوجهين أولى ؛ لن الحم َ‬
‫‪ " :‬والتذكير على المعنى واردٌ في لسانهم "‪.6‬‬

‫‪ 1‬الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ‪. 149 / 1 ،‬‬


‫‪ 2‬الكشاف ‪ ، 245 / 1 ،‬وينظر ‪ :‬التبيان في إعراب القرآن ‪ ، 78 / 1 ،‬وتفسير النسفي ‪ ، 93 / 1 ،‬والبحر المحيط ‪، 165 / 2 ،‬‬
‫وتفسير الجللين ‪ ، 37 / 1 ،‬وروح المعاني ‪، 55 / 2 ،‬‬
‫‪ 3‬جامع البيان ‪. 122 / 2 ،‬‬

‫‪ 4‬البحر المحيط ‪. 165 / 2 ،‬‬


‫‪ 5‬جامع البيان ‪. 122 / 2 ،‬‬
‫‪ 6‬البحر المحيط ‪ ، 165 / 2 ،‬وقد ذكر العلما ُء غير هذين الوجهين ‪ ،‬ينظر ‪ :‬التبيان في إعراب القرآن ‪ ، 78 / 1 ،‬والبحر‬
‫المحيط ‪. 165 / 2 ،‬‬
‫الصفحة ‪ 100‬من ‪142‬‬
‫َ‬
‫ك‬
‫شُر ِ‬ ‫ه يُب َ ّ ِ‬‫ن الل ّ َ‬‫م إ ِ َّ‬‫مْري َ ُ‬
‫ة يَا َ‬‫ملئِك َ ُ‬ ‫ت ال ْ َ‬ ‫قال َ ِ‬ ‫وقال تعالى ‪ :‬إِذْ َ‬
‫في‬ ‫جيها ً ِ‬ ‫و ِ‬ ‫م َ‬
‫مْري َ َ‬‫ن َ‬ ‫سى اب ْ ُ‬ ‫عي َ‬ ‫ح ِ‬‫سي ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ال ْ َ‬‫م ُ‬‫س ُ‬‫ها ْ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ة ِ‬ ‫بِكَل ِ َ‬
‫م ٍ‬
‫(آل عمران‪ ، )45:‬فقد عاد‬ ‫ن‬‫قَّربِي َ‬‫م َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫و ِ‬‫ة َ‬ ‫واْل ِ‬
‫خَر ِ‬ ‫الدُّنْيَا َ‬
‫ضميرٌ مفردٌ مذك ٌر وهو الهاء من ( اسمه ) على ( كلمة ) ‪ ،‬وهي لفظٌ مفردٌ مؤنثٌ ‪.‬‬

‫والكلمُ هنا من وجوهٍ منها ‪:‬‬

‫أولً‪:‬‬
‫يعنططي‬ ‫ه‬
‫من ِْ ُ‬
‫ة ِ‬‫م ٍ‬‫إن ( الكلمططة ) فططي اليططة بمعنططى ( الخططبر ) ‪ ،‬قال الطططبريّ ‪ " :‬وقوله ‪ :‬بِكَل ِ َ‬
‫ن إليّ كلمةً سرني بها ) ‪ ،‬بمعنى ‪( :‬أخبرني‬
‫برسالة من ال وخبر من عنده ‪ ،‬وهو من قول القائل ‪ ( :‬ألقى فُل ٌ‬
‫خبراً َفرِحتُ به) "‪.1‬‬

‫ثانياً‪:‬‬
‫؛ فقد َذ ّكرَ لهذا المعنى ‪ ،‬قال الزمخشريّ ‪ " :‬فإن قلتَ‬ ‫سمّى الكلمة َذ َكرٌ ‪ ،‬وهو نبي ال عيسى‬ ‫بما أن مُ َ‬
‫‪2‬‬
‫سمّى بها مذكرٌ " ‪.‬‬
‫‪ِ :‬ل َم ذ ّكرَ ضمير الكلمة ؟ قلتُ ‪ :‬لن ال ُم َ‬

‫ن‬ ‫ثالثاً ‪ :‬إن عيسى خلقه ال تعالى بكلمة ‪ ،‬أي أن عيسى أوجده ال تعالى بقوله ‪ :‬ك ُ ْ‬
‫ن ‪،‬‬ ‫‪ ،‬فالمقصود بـ ( الكلمة ) الولدُ الذي وجوده في الحياة الدنيا بقول ال تعالى ‪ :‬ك ُ ْ‬
‫ب‬‫ت َ َر ِّ‬ ‫قال َ ْ‬ ‫َ‬ ‫وقد ذكر ال تعالى هذا المر في عدد من اليات الكريمة ‪ ،‬قال ال تعالى ‪:‬‬
‫َ‬
‫ك الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ل كَذَل ِ ِ‬ ‫قا َ‬ ‫شٌر َ‬ ‫سنِي ب َ َ‬ ‫س ْ‬ ‫م َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ول َ ْ‬ ‫ولَدٌ َ‬ ‫ن لِي َ‬ ‫أنَّى يَكُو ُ‬
‫َ‬
‫فيَكُو ُ‬
‫ن‬ ‫ن َ‬ ‫ه كُ ْ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫قو ُ‬ ‫ما ي َ ُ‬ ‫فإِن َّ َ‬ ‫مرا ً َ‬ ‫ضى أ ْ‬ ‫ق َ‬ ‫شاءُ إِذَا َ‬ ‫ما ي َ َ‬ ‫ق َ‬ ‫خل ُ ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫َّ‬ ‫مث َ َ‬ ‫(آل عمران‪ ، )47:‬وقال تعالى ‪ :‬إ ِ َّ‬
‫ه‬
‫عنْدَ الل ِ‬ ‫سى ِ‬ ‫عي َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ن َ‬
‫فيَكُو ُ‬
‫ن‬ ‫ن َ‬ ‫ه كُ ْ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫قا َ‬ ‫م َ‬ ‫ب ث ُ َّ‬ ‫ن تَُرا ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬‫ق ُ‬ ‫خل َ َ‬ ‫م َ‬ ‫ل آدَ َ‬ ‫مث َ ِ‬ ‫كَ َ‬
‫ل‬‫و َ‬ ‫ق ْ‬ ‫م َ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫سى اب ْ ُ‬ ‫عي َ‬ ‫ك ِ‬ ‫(آل عمران‪ ، )59:‬وقال جلّ شأنُ ُه ‪ :‬ذَل ِ َ‬
‫ن يَت َّ ِ‬ ‫فيه يمت َرون ‪ ‬ما كَان لِل َّ َ‬ ‫َ‬
‫ول َ ٍ‬
‫د‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫خذَ ِ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ذي ِ ِ َ ْ ُ‬ ‫ق ال ّ ِ‬ ‫ح ِّ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬
‫ن‬‫فيَكُو ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ه كُ ْ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫قو ُ‬ ‫ما ي َ ُ‬ ‫فإِن َّ َ‬ ‫مرا ً َ‬ ‫ضى أ ْ‬ ‫ق َ‬ ‫ه إِذَا َ‬ ‫حان َ ُ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫ُ‬
‫ملئِك َ ُ‬
‫ة‬ ‫ت ال ْ َ‬ ‫قال َ ِ‬ ‫(مريم‪ ، )35 -34:‬قال ابن كثير ‪ " :‬قال ال تعالى ‪ :‬إِذْ َ‬
‫َّ‬
‫‪ ،‬أي بولدٍ يكون وجوده‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫من ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫م ٍ‬ ‫َ‬ ‫ك بِكَل ِ‬ ‫شُر ِ‬ ‫ه يُب َ ّ ِ‬ ‫َ‬ ‫ن الل‬ ‫م إ ِ َّ‬ ‫مْري َ ُ‬ ‫يَا َ‬
‫َ‬
‫ك‬‫شُر ِ‬ ‫ه يُب َ ّ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫بكلمةٍ من ال ‪ ،‬أي بقوله كنْ فيكونُ " ‪ .‬ويقول الزركشيّ ‪ " :‬و إ ِ َّ‬ ‫‪3‬‬

‫‪ ،‬تجوّز بالكلمة‬ ‫م‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫سى اب ْ ُ‬ ‫عي َ‬ ‫ح ِ‬ ‫سي ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫م ُ‬ ‫س ُ‬ ‫ها ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ة ِ‬ ‫م ٍ‬ ‫بِكَل ِ َ‬
‫في الدُّنْيَا‬ ‫جيها ً ِ‬ ‫و ِ‬ ‫َ‬ ‫ب ‪ ،‬بدليل قوله ‪:‬‬ ‫عن المسيح ؛ لكونه تكوّن بها من غير أ ٍ‬
‫‪ ،‬ول تتصف الكلمة بذلك "‪ ،4‬والرأي الخير‬ ‫ن‬‫قَّربِي َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م َ‬ ‫م َ‬ ‫و ِ‬ ‫ة َ‬ ‫خَر ِ‬ ‫واْل ِ‬ ‫َ‬
‫‪ 1‬جامع البيان ‪. 269 / 3 ،‬‬
‫‪ 2‬الكشاف ‪ ، 323 / 1 ،‬وينظر ‪ :‬تفسير النسفي ‪ ، 158 / 1 ،‬وإرشاد العقل السليم ‪ ، 36 / 2 ،‬وروح المعاني ‪. 160 / 3 ،‬‬
‫‪ 3‬تفسير القرآن العظيم ‪. 364 / 1 ،‬‬
‫‪ 4‬البرهان في علوم القرآن ‪. 297 / 2 ،‬‬
‫الصفحة ‪ 101‬من ‪142‬‬
‫َ‬
‫م‬‫ه لَك ُ ْ‬
‫ن بِالل ّ ِ‬
‫فو َ‬ ‫حل ِ ُ‬‫أولى ؛ لدعم القرآن الكريم له ‪ ،‬وقال تعالى ‪ :‬ي َ ْ‬
‫ن كَانُوا‬ ‫ضوك ُم والل َّه ورسول ُه أ َح ُ َ‬
‫ضوهُ إ ِ ْ‬‫ن يُْر ُ‬ ‫قأ ْ‬ ‫ُ َ ّ‬ ‫ُ َ َ ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫لِيُْر ُ‬
‫(التوبة‪ ، )62:‬فقد جاء الضمير مفرداً مذكراً ‪ ،‬وهو في الظاهر‬ ‫ن‬
‫منِي َ‬ ‫م ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫ُ‬
‫‪1‬‬
‫‪.‬‬ ‫عائ ٌد على مثنىً ‪ :‬لفظ الجللة ( ال ) ورسوله‬
‫والقول في هذه الية من وجوه ‪:‬‬

‫أولها ‪:‬‬
‫‪ ،‬فهو من رضى‬ ‫إن الهاءَ عائدة على لفظ الجللة ( ال ) تعالى ‪ ،‬أما رضا الرسول‬
‫ال تعالى ؛ ولذلك وحّد الضمير ‪ ،‬قال البغويّ ‪ " :‬فالهاء راجع ٌة إلى ال ‪ ،‬ورضا رسوله يندرج‬
‫في رضى ال تعالى "‪ ، 2‬وقال الزمخشريّ ‪ " :‬وإنما وحّد الضميرَ ؛ لنه ل تفاوت بين رضا‬
‫ن زيدٍ واجماله نعشني‬
‫‪ ،‬فكانا في حكم مرضيّ واح ٍد ‪ ،‬كقولك ‪ ( :‬إحسا ُ‬ ‫ال ورضا رسوله‬
‫‪:‬‬ ‫وجبر مني "‪ ،3‬وقد جاء في الشعر مثل قوله تعالى هذا ‪ ،‬قال حسّانُ‬

‫‪4‬‬
‫ـود ِ ما لم يُعاص َ كان جُنونَا‬ ‫إنّ شرخَ ا لشّبابِ وا لشّعرِ السـ‬

‫ل في الشباب ‪.‬‬
‫ن الشعر السود داخ ٌ‬
‫فلم يقلْ ( يُعاصيا ) ؛ل ّ‬

‫ثانيها ‪:‬‬
‫ل على التقديم والتأخير ‪ ،‬يقول أبو جعفرٍ النحاس ‪ " :‬وقوله‬
‫إن في الية حذفاً ‪ ،‬أو تُحم ُ‬
‫‪5‬‬
‫ل وعزّ ‪ :‬المعنى عند سيبويه ‪ :‬وال أحق أن يرضوه ورسوله أحق أن يرضوه ‪ ،‬ثم حذف "‬ ‫جّ‬
‫‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫منُوا أطِيعُوا الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫نآ َ‬ ‫ورد مثل هذا التركيب في القرآن الكريم ‪ ،‬نحو قوله تعالى ‪ :‬يَا أيُّهَا ال ّذِي َ‬ ‫‪1‬‬

‫َ‬
‫ن (النفال‪ ، )20:‬وقوله تعالى ‪ :‬يَا أَي ُّ َها‬ ‫معُو َ‬‫س َ‬‫م تَ ْ‬
‫َ‬
‫ه وَأنْت ُ ْ‬‫ه وَل تَوَل ّوْا ع َن ْ ُ‬ ‫سول َ ُ‬‫وََر ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫‪،‬‬ ‫(النفال‪)24:‬‬ ‫حيِيك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ما ي ُ ْ‬
‫م لِ َ‬‫ل إِذ َا دَع َاك ُ ْ‬
‫سو ِ‬ ‫جيبُوا لِل ّهِ وَلِلَّر ُ‬ ‫ست َ ِ‬‫منُوا ا ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ال ّذِي َ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫م إِذ َا فَرِيقٌ ِ‬
‫منْهُ ْ‬ ‫م بَيْنَهُ ْ‬‫حك ُ َ‬
‫سولِهِ لِي َ ْ‬‫وقوله تعالى ‪ :‬وَإِذ َا دُع ُوا إِلَى الل ّهِ وََر ُ‬
‫ن (النور‪. )48:‬‬ ‫ضو َ‬ ‫معْرِ ُ‬ ‫ُ‬
‫‪ 2‬معالم التنزيل ‪. 97 / 2 ،‬‬
‫‪ 3‬الكشاف ‪ ، 47 / 2 ،‬وينظر ‪ :‬مغني اللبيب ‪ ، 509 ،‬والمسائل السفرية في النحو ‪ ، 86 ،‬والجامع لحكام القرآن ‪-273 / 1 ،‬‬
‫‪ ، 274‬والبحر المحيط ‪ ، 451-450 / 5 ،‬وتفسير البيضاوي ‪ ، 155 / 3 ،‬والبرهان في علوم القرآن ‪ ، 127 / 3 ،‬والتقان في‬
‫علوم القرآن ‪. 549 / 1 ،‬‬
‫‪ 4‬شرح ديوان حسان ‪ ، 473 ،‬وينظر ‪ :‬الجامع لحكام القرآن ‪ ، 374-373 / 1 ،‬والمسائل السفرية في النحو ‪. 86 ،‬‬
‫‪ 5‬معاني القرآن ‪ ،‬النحاس ‪ ، 228 / 3 ،‬وينظر ‪ :‬الكتاب ‪. 77-73 / 1 ،‬‬
‫الصفحة ‪ 102‬من ‪142‬‬
‫وأمّا القولُ بالتقديم والتأخير‪ ،‬فهو للمبرد‪ ،1‬ويكون المعنى ‪ " :‬وال أحق أن يرضوه ورسوله‬
‫"‪ ،2‬وبهذين المعنيين ل مخالفة ‪.‬‬

‫ثالثها ‪:‬‬
‫ل ْم يقلْ ( ترضوهما ) ؛ لنه ل يُجمعُ بين لفظ الجللة واسم في ضميرٍ‪ ،‬يقول‬
‫ص ‪ " :‬ولم يقل ‪( :‬ترضوهما ) ؛ لن اسم ال واسم غيره ل يجتمعان في كناية ‪ ،‬وروي‬ ‫الجصا ُ‬
‫ل ‪ ،‬فقال ‪ :‬من يطع ال ورسوله فقد رشد ‪ ،‬ومن يعصهما‬
‫أنه خطب بين يديه رج ٌ‬ ‫عن النبي‬
‫‪ :‬قُ ْم ‪ ،‬فبئس خطيب القوم أنتَ ‪ ،‬لقوله ‪ :‬ومن يعصهما "‪.3‬‬ ‫فقد غوى ‪ ،‬فقال النبي‬
‫والول من الوجوه أولى ؛ لسلمته من الحذف ‪ ،‬أو التقديم والتأخير ‪ ،‬ولورود مثل هذا‬
‫َ‬
‫ه‬‫ن الل ّ َ‬
‫َ‬
‫حبُّو َ‬ ‫ن كُنْت ُ ْ‬
‫م تُ ِ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫ُ‬
‫ق ْ‬ ‫المعنى في القرآن الكريم ‪ ،‬قال تعالى ‪:‬‬
‫َ‬
‫فوٌر‬‫غ ُ‬ ‫والل ّ ُ‬
‫ه َ‬ ‫م َ‬ ‫فْر لَك ُ ْ‬
‫م ذُنُوبَك ُ ْ‬ ‫غ ِ‬
‫وي َ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫ه َ‬ ‫حبِبْك ُ ُ‬ ‫فاتَّب ِ ُ‬
‫عونِي ي ُ ْ‬ ‫َ‬
‫(آل عمران‪ ، )31:‬فمحبة ال لعباده تأتي من اتباع الرسول وحبه ‪،‬‬ ‫م‬‫حي ٌ‬ ‫َر ِ‬
‫وكذلك الحال بالنسبة في رضا ال وخشيته ‪.‬‬

‫ن لَك ُ ْ‬
‫م‬ ‫فإ ِ ْ‬
‫ن طِب ْ َ‬ ‫حل َ ً‬
‫ة َ‬ ‫ن نِ ْ‬ ‫ه َّ‬ ‫د َ‬
‫قات ِ ِ‬ ‫ص ُ‬‫ساءَ َ‬‫وآتُوا الن ِّ َ‬‫َ‬ ‫وقال تعالى ‪:‬‬
‫(النساء‪، )4:‬‬ ‫ريئا ً‬ ‫م ِ‬ ‫هنِيئا ً َ‬ ‫فكُلُوهُ َ‬‫فسا ً َ‬ ‫ه نَ ْ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ء ِ‬‫ي ٍ‬
‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ع ْ‬
‫َ‬
‫فالضمير في ( منه ) مفردٌ مذك ٌر ‪ ،‬و مرجعه ( صدقاتهن ) جم ٌع مؤنثٌ ‪.‬‬

‫والقول في هذه الية من وجوه منها ‪:‬‬

‫أولً ‪:‬‬
‫إن ( الصدقات ) في الية بمعنى ( الصداق ) ‪ ،‬وإذا عاد الضمير في ( منه ) على هذا‬
‫ن لَك ُ ْ‬
‫م‬ ‫َ‬
‫فإ ِ ْ‬
‫ن طِب ْ َ‬ ‫المعنى ‪ ،‬تتم المطابقةُ بين الضمير ومرجعه ‪ ،‬قال الواحديّ ‪" :‬‬
‫أي إن طابت لكم أنفسهن عن شي ٍء من الصداق ‪ ،‬فكلوه هنيئاً في الدنيا ل يقضي به عليكم‬
‫ن ‪ ،‬مريئًا في الخرة ل يؤاخذكم ال به "‪ ،4‬وقال الزمخشريّ ‪ :‬أو يرجع الضميرُ إلى ما‬ ‫سلطا ٌ‬
‫‪5‬‬
‫هو في معنى الصدقات ‪ ،‬وهو الصداق " ‪.‬‬

‫ثانياً ‪:‬‬

‫‪ 1‬ينظر ‪ :‬المقتضب ‪. 113-112 / 3 ،‬‬


‫‪ 2‬معاني القرآن ‪ ،‬النحاس ‪ ، 229 / 3 ،‬وينظر حول رأيي سيبويه والمبرد ‪ :‬مشكل إعراب القرآن ‪ ، 332-331 / 1 ،‬والجامع‬
‫لحكام القرآن ‪ ، 194– 193 / 8 ،‬والبحر المحيط ‪ ، 450 / 5 ،‬وإرشاد العقل السليم ‪. 78 / 4 ،‬‬

‫‪ 3‬أحكام القرآن ‪ ،‬الجصاص ‪ ، 244 / 5 ،‬وينظر ‪ :‬البرهان في علوم القرآن ‪ ، 128-127 / 3 ،‬والحديث النبوي الشريف في ‪:‬‬
‫صحيح مسلم ‪ ، 594 / 2 ،‬وسنن البيهقي الكبرى ‪ ، 86 / 1 ،‬وفتح الباري ‪. 468 / 7 ،‬‬
‫‪ 4‬الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ‪. 252 / 1 ،‬‬
‫‪5‬الكشاف ‪ ، 376 / 1 ،‬وينظر ‪ :‬تفسير النسفي ‪ ، 206 / 1 ،‬وتفسير البيضاوي ‪ ، 146 / 2 ،‬والبحر المحيط ‪ ، 511 / 3 ،‬وقد‬
‫ي أبو حيانٍ إلى عكرمةَ ‪ ،‬وفتح القدير ‪. 422 / 1 ،‬‬
‫نسب هذا الرأ َ‬
‫الصفحة ‪ 103‬من ‪142‬‬
‫إن الضمير في الية يجري مجرى اسم الشارة ‪ " ،‬فكأنّه قيل عن أي شيءٍ من ذلك ‪،‬‬
‫م ‪ ،‬بعد ذكر الشهوات ‪،‬‬ ‫ن ذَلِك ُ ْ‬
‫م ْ‬‫ر ِ‬
‫خي ْ ٍ‬
‫م بِ َ‬ ‫ل أَ ُ‬
‫ؤنَب ِّئُك ُ ْ‬ ‫ُ‬
‫ق ْ‬ ‫كما قال ال تعالى ‪:‬‬
‫ومن الحجج المسموعة من أفواه العرب ما روي عن رؤبة أنه قيل له في قوله ‪:‬‬

‫كَأنّهُ فِي الجِلدِ تَولِيعُ ا لبَهَق‬

‫فقال ‪ :‬أردتُ كأن ذاك "‪. 1‬‬

‫وقد ذكر أبو حيانٍ غير هذين الوجهين ‪ ،‬فقد جاء في البحر المحيط ‪ " :‬وقيل يعود على‬
‫المال ‪ ،‬وهو غير مذكورٍ ‪ ،‬ولكن يدل عليه صدقاتهن ‪ ،‬وقيل يعود على اليتاء ‪ ،‬وهو المصدر‬
‫الدال عليه ( وآتوا ) ‪ ،‬قاله الراغبُ ‪ ،‬وذكره ابنُ عطيةٍ "‪، 2‬‬

‫ل على المعنى في التأنيث والتذكير ‪.‬‬


‫والول أولى ؛ لنه جرى في كلم العرب الحم ُ‬

‫مما سبق نستطيع القول إن المطابقة بين الضمير المفرد المذكر ومرجعه ‪ ،‬هي الغالبة في‬
‫القرآن الكريم ‪ ،‬وما جاء في ظاهره مخالفاً لهذه المطابقة ‪ ،‬فإنه راج ٌع إلى الحمل على المعنى ‪،‬‬
‫كما مرّ ‪.‬‬

‫ثان يا – إ ذا كا ن ا لضمي ر مفردا مؤنثا ‪:‬‬

‫فالواجبُ في الضمير المفرد المؤنث المطابقةُ مع مرجعه إفراداً وتأنيثاً ‪ ،‬وهذا هو الغالب‬
‫فكُلُوا‬‫ة َ‬ ‫ه ال ْ َ‬
‫قْري َ َ‬ ‫ذ ِ‬ ‫خلُوا َ‬
‫ه ِ‬ ‫قلْنَا ادْ ُ‬‫وإِذْ ُ‬
‫َ‬ ‫في القرآن الكريم ‪ ،‬قال تعالى ‪:‬‬
‫غدا (البقرة‪ ، )58:‬فالضمير في ( منها ) عائدٌ على‬ ‫م َر َ‬‫شئْت ُ ْ‬
‫ث ِ‬ ‫حي ْ ُ‬
‫ها َ‬‫من ْ َ‬
‫ِ‬
‫القرية ‪ ،‬والمطابقة حاصلةٌ بين الضمير ومرجعه إفراداً وتأنيثاً‬

‫د‬
‫ه ٌ‬ ‫شا ِ‬ ‫هدَ َ‬ ‫ش ِ‬ ‫و َ‬ ‫سي َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن نَ ْ‬‫ع ْ‬ ‫ودَتْنِي َ‬ ‫ي َرا َ‬
‫ه َ‬ ‫ل ِ‬‫قا َ‬‫َ‬ ‫وقال تعالى ‪:‬‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫و ِ‬ ‫ه َ‬ ‫و ُ‬
‫ت َ‬ ‫ق ْ‬ ‫صدَ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ل َ‬ ‫ن ُ‬
‫قب ُ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ق َّ‬
‫د ِ‬ ‫ه ُ‬‫ص ُ‬‫مي ُ‬ ‫ن َ‬
‫ق ِ‬ ‫ن كَا َ‬ ‫ها إ ِ ْ‬ ‫ن أَ ْ‬
‫هل ِ َ‬ ‫م ْ‬
‫ِ‬
‫ن (يوسف‪ ، )26:‬فالضمائر ‪ ( :‬هي ) ‪ ،‬والهاء من ( أهلها ) والمستتر‬ ‫الْكَاِذبِي َ‬
‫قال َ ِ‬
‫ت‬ ‫َ‬ ‫في ( فصدقت ) ( هي ) ‪ ،‬راجع ٌة إلى امرأة العزيز ‪ ،‬وذلك في قوله تعالى ‪:‬‬
‫ه‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫امرأ َت ال ْعزيز اْلن حصحص ال ْح ُ َ‬
‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫ع ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ودْت ُ ُ‬
‫ق أنَا َرا َ‬ ‫َ ّ‬ ‫َ َ ْ َ َ‬ ‫َ ِ ِ‬ ‫ْ َ ُ‬

‫‪ 1‬الكشاف ‪ ، 376 / 1 ،‬وينظر ‪ :‬تفسير البيضاوي ‪ ، 147-146 / 2 ،‬والبحر المحيط ‪ ، 512-511 / 3 ،‬وفتح القدير ‪، 422 / 1 ،‬‬
‫والية في قول الزمخشري من ( آل عمران ‪ ، ) 15 /‬وقول رؤبة هو عجز بيت له ‪ ،‬وصدره ‪ ( :‬فيها خطوطٌ من سوادٍ وبلق )‬
‫‪ ،‬والبيت في وصف مفازة ‪ ،‬وفي الديوان ( كأنّها ) بدل ( كأنّه ) ‪ ،‬ينظر ‪ :‬مجموعة أشعار العرب وهو مشتمل على ديوان‬
‫رؤبة بن العجاج ‪ ، 104 ،‬قصيدة رقم ‪ ، 40 /‬وعجزه في الكشاف ‪ ، 376 / 1 ،‬وتفسير البيضاوي ‪ ، 147 / 2 ،‬والبحر‬
‫المحيط ‪. 512 / 3 ،‬‬
‫‪ 2‬البحر المحيط ‪. 512 / 3 ،‬‬
‫الصفحة ‪ 104‬من ‪142‬‬
‫(يوسف‪ ، )51:‬والمطابقةُ حاصلةٌ بين هذه‬ ‫ن‬
‫قي َ‬ ‫ن ال َّ‬
‫صاِد ِ‬ ‫م َ‬ ‫وإِن َّ ُ‬
‫ه لَ ِ‬ ‫َ‬
‫الضمائر ومرجعها إفراداً وتأنيثاً ‪.‬‬
‫ها (النمل‪، )19:‬فالهاء‬ ‫ول ِ َ‬ ‫ن َ‬
‫ق ْ‬ ‫م ْ‬‫حكا ً ِ‬‫ضا ِ‬‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫فتَب َ َّ‬‫َ‬ ‫وقال تعالى ‪:‬‬
‫َ‬
‫علَى َ‬
‫واِد‬ ‫حتَّى إِذَا أت َ ْ‬
‫وا َ‬ ‫َ‬ ‫في ( قولها ) ‪ ،‬راجعةٌ على (النملة) في قوله تعالى ‪:‬‬
‫َ‬
‫مل‬ ‫ساكِنَك ُ ْ‬
‫م َ‬‫خلُوا َ‬ ‫ل ادْ ُ‬‫م ُ‬ ‫ها الن َّ ْ‬
‫ة يَا أي ُّ َ‬‫مل َ ٌ‬‫ت نَ ْ‬‫قال َ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫الن َّ ْ‬
‫م ِ‬
‫ن (النمل‪:‬‬ ‫عُرو َ‬‫ش ُ‬‫م ل يَ ْ‬ ‫ه ْ‬‫و ُ‬
‫جنُودُهُ َ‬ ‫و ُ‬ ‫ن َ‬‫ما ُ‬ ‫سلَي ْ َ‬
‫م ُ‬ ‫منَّك ُ ْ‬
‫حطِ َ‬ ‫يَ ْ‬
‫‪ ، )18‬والمطابقةُ أيضاً حاصلةٌ بين الضمير ومرجعه إفراداً وتأنيثاً ‪ ،‬وغير ذلك كثيرٌ جداً في‬
‫‪1‬‬
‫القرآن الكريم ‪.‬‬

‫ما ظاهره عدم المطابقة‬

‫ض المواطن في القرآن الكريم ظاهرها المخالفة بين الضمير المفرد المؤنث‬ ‫وردت بع ُ‬
‫وإِن َّ َ‬
‫ها‬ ‫ة َ‬ ‫وال َّ‬
‫صل ِ‬ ‫ر َ‬ ‫عينُوا بِال َّ‬
‫صب ْ ِ‬ ‫ست َ ِ‬
‫وا ْ‬ ‫َ‬ ‫ومرجعه ‪ ،‬من ذلك قوله تعالى ‪:‬‬
‫َ‬
‫ن (البقرة‪ ، )45:‬فقد تقدم على الضمير في‬ ‫عي َ‬
‫ش ِ‬‫خا ِ‬‫علَى ال ْ َ‬‫لَكَبِيَرةٌ إ ِ ّل َ‬
‫( وإنها ) شيئان هما ‪ ( :‬الصبر والصلة ) ‪ ،‬وظاهر ذلك المخالفة ‪.‬‬

‫والقول في هذه الية من وجوه منها ‪:‬‬

‫أولً ‪:‬‬
‫إن الضمير عائدٌ على ( الصلة ) وحدها ‪ ،‬والصبر مندرجٌ تحتها ‪ ،‬جاء في جامع البيان ‪:‬‬
‫ها ‪ ،‬وإن الصلة ‪ ،‬فالهاء واللف في ( وإنها ) عائدتان على الصلة "‪ ،2‬وهو‬ ‫وإِن َّ َ‬
‫َ‬ ‫"‬
‫‪3‬‬
‫رأي ابن عباس والحسن ومجاهد ‪ ،‬ول مخالفة في ذلك ‪.‬‬

‫ثانياً ‪:‬‬
‫إن الضمير يعود على المصدر وهو ( الستعانة ) ‪ ،‬المفهومة من قوله تعالى ‪:‬‬
‫عينُوا ‪ ،‬يقول صاحب مشكل إعراب القرآن ‪ " :‬وقيل بل يعود على الستعانة ‪،‬‬ ‫ست َ ِ‬
‫وا ْ‬ ‫َ‬
‫عينُوا " ‪ ،‬ويقول أبو حيانٍ ‪ " " :‬وقيل يعود على‬
‫‪4‬‬
‫ست َ ِ‬‫وا ْ‬ ‫َ‬ ‫ل على الستعانة قوله ‪:‬‬ ‫ود ّ‬
‫عينُوا ‪ ،‬فيكون مثل ‪:‬‬ ‫ست َ ِ‬
‫وا ْ‬‫َ‬ ‫الستعانة ‪ ،‬وهو المصدر المفهوم من قــــــوله ‪:‬‬
‫‪ ،‬أي العـــــدل أقرب ‪،‬‬ ‫وى‬ ‫ب لِلت َّ ْ‬
‫ق َ‬ ‫قَر ُ‬ ‫و أَ ْ‬ ‫دلُوا ُ‬
‫ه َ‬ ‫ع ِ‬ ‫ا ْ‬

‫‪ 1‬ينظر ‪ ( :‬طه ‪ ( ، ) 20 /‬الشعراء ‪ ( ، ) 32 /‬ص ‪ ( ، ) 77 /‬الدخان ‪. ) 27 /‬‬


‫‪ 2‬جامع البيان ‪ ، 261 / 1 ،‬وينظر ‪ :‬مشكل إعراب القرآن ‪ ، 92 / 1 ،‬ومعالم التنزيل ‪ ، 288 / 2 ،‬والكشاف ‪ ، 214 / 1 ،‬وزاد‬
‫المسير ‪ ، 76 / 1 ،‬والجامع لحكام القرآن ‪. 373 / 1 ،‬‬
‫‪ 3‬ينظر ‪ :‬زاد المسير ‪ ، 76 / 1 ،‬وتفسير القرآن العظيم ‪. 373 / 1 ،‬‬

‫‪ 4‬مشكل إعراب القرآن ‪. 92 / 1 ،‬‬


‫الصفحة ‪ 105‬من ‪142‬‬
‫قاله البجلي‪ ،2" 1‬وقد ذكر هذا الرأي محمد‪ 3‬بن القاسم النحوي‪ ، 4‬والمطابقة حاصلة أيضاً ‪.‬‬

‫ثالثها ‪:‬‬
‫ن الضمير عائ ٌد على الكعبة ‪ ،‬يدل على ذلك ذكرُ الصلة ‪ ،‬جاء في زاد المسير ‪" :‬‬‫إّ‬
‫والثاني أنها للكعبة والقبلة ؛ لنه لما ذكر الصلة دلت على القبلة ‪ ،‬ذكره الضحاك عن ابن‬
‫عباس ‪ ،‬وبه قال مقاتل "‪ ،5‬وقد ذكر أبو حيانٍ سبعة أقوالٍ في هذه الية من ضمنها الثلثة التي‬
‫‪6‬‬
‫ذكرنا ‪.‬‬

‫وأرجح هذه القوال ‪ ،‬أولُهُا ؛ ذلك لن الصلة أعمّ من الصبر ‪ ،7‬وظاهر الكلم يدل‬
‫عليـــها ‪ " ،‬وهو القاعدة في علم العربية ‪ :‬أن ضمير الغائب ل يعو ُد على غير القرب إل‬
‫َ‬
‫ن ‪،‬‬ ‫عي َ‬‫ش ِ‬‫خا ِ‬‫علَى ال ْ َ‬ ‫وإِن َّ َ‬
‫ها لَكَبِيَرةٌ إ ِ ّل َ‬ ‫َ‬ ‫بدليل "‪ ،8‬ويقول اللوسي ‪" :‬‬
‫الضمير للصلة كما يقتضيه الظاهرُ ‪ ،‬وتخصيصها برد الضمير إليها ؛ لعظم شأنها ‪،‬‬
‫واستجماعها ضروباً من الصبر "‪. 9‬‬

‫إضاف ًة على ذلك ‪ ،‬ذكر ال تعالى في هذه الية نفسها لفظ ( الخاشعين ) ‪ ،‬وهذه الصفة من‬
‫َ‬ ‫د أَ ْ‬
‫م‬
‫ه ْ‬‫ن ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن‪ ‬ال ّ ِ‬
‫منُو َ‬
‫ؤ ِ‬ ‫ح ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫فل َ َ‬ ‫َ‬
‫ق ْ‬ ‫صفات المصلين المفلحين ‪ ،‬قال تعالى ‪:‬‬
‫ن (المؤمنون‪ ، )2-1:‬وسئل المامُ عليّ بن أبي‬ ‫عو َ‬ ‫ش ُ‬
‫خا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫صلت ِ ِ‬
‫في َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫‪،‬‬ ‫ن‬
‫عو َ‬
‫ش ُ‬
‫خا ِ‬
‫م َ‬
‫ه ْ‬
‫صلت ِ ِ‬
‫في َ‬
‫م ِ‬
‫ه ْ‬
‫ن ُ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫عن قوله تعالى ‪:‬‬ ‫طالب‬
‫ك للمرأ المسلم ‪ ،‬وأن ل تلتفت في صل ِتكَ "‪،10‬‬
‫‪ " :‬الخشوعُ في القلب ‪ ،‬وأن تُلين كتف َ‬ ‫فقال‬
‫ح َزبَهُ أمرٌ ‪ ،‬صلى "‪.11‬‬
‫إذا َ‬ ‫وجاء في الحديث ‪ " :‬كان رسول ال‬
‫من اْل َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫ر‬
‫ِ‬ ‫ا‬‫َ‬ ‫ب‬ ‫ح‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫يرا‬‫ِ‬ ‫ث‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫وا‬‫ُ‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫آ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ذي‬
‫ِ‬ ‫وقال تعالى ‪ :‬يَا أي ُّ َ‬
‫ها ال‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن‬
‫ع ْ‬ ‫صدُّو َ‬
‫ن َ‬ ‫وي َ ُ‬ ‫س بِالْبَاطِ ِ‬
‫ل َ‬ ‫وا َ‬
‫ل الن ّا ِ‬ ‫م َ‬
‫نأ ْ‬‫ن لَيَأكُلُو َ‬ ‫والُّر ْ‬
‫هبَا ِ‬ ‫َ‬

‫‪ 1‬هو أبو علي الحسين بن الفضل بن عمير الكوفي ‪ ،‬مفسر أديب إمام في معاني القرآن وعابد كبير ‪ ،‬أقام بنيسابور يعلم الناس‬
‫العلم وتوفي ودفن فيها سنة اثنتين وثمانين ومائتين ‪ ،‬ينظر ‪ :‬طبقات المفسرين ‪. 41 – 40 / 1 ،‬‬
‫‪ 2‬البحر المحيط ‪ ، 299 / 1 ،‬والية من ( المائدة ‪ ، ) 8 /‬وينظر ‪ :‬الكشاف ‪ ، 214 / 1 ،‬والجامع لحكام القرآن ‪، 747 / 1 ،‬‬
‫وتفسير النسفي ‪ ، 46 / 1 ،‬والبرهان في علوم القرآن ‪ ، 128 / 3 ،‬وفتح القدير ‪ ، 79 / 1 ،‬وروح المعاني ‪. 249 / 1 ،‬‬
‫‪ 3‬هو أبو بكر بن أبي محمد بن بشار بن الحسن النباري النحوي ‪ ،‬صدوقٌ ثقة حب ٌر من أهل السنة ‪ ،‬صنّف في النحو والدب‬
‫وعلوم القرآن وغريب الحديث ‪ ،‬ومن تصانيفه ‪ ( :‬غريب الحديث ) ‪ ،‬و ( إعراب القرآن المسمى بالبيان )‪ ،‬وقيل إنّه كان‬
‫يحفظ مئة وعشرين تفسيرًا للقرآن الكريم بأسانيدها ‪ ،‬ولد سنة إحدى وسبعين ومئتين ‪ ،‬وتوفي سنة ثمان وعشرين وقيل سبع‬
‫وعشرين ومئتين ‪ .‬ينظر ‪ :‬طبقات المفسرين ‪. 67– 66 / 1 ،‬‬
‫‪ 4‬ينظر ‪ :‬زاد المسير ‪. 76 / 1 ،‬‬
‫‪ 5‬زاد المسير ‪ ، 76 / 1 ،‬ويقصد بـ ( الثاني ) أي القول الثاني في مرجع هذا الضمير ‪ ،‬وينظر ‪ :‬البحر المحيط ‪. 299 / 1 ،‬‬
‫‪ 6‬ينظر ‪ :‬البحر المحيط ‪. 299 / 1 ،‬‬
‫‪7‬معالم التنزيل ‪. 288 / 2 ،‬‬
‫‪ 8‬البحر المحيط ‪ ، 299 / 1 ،‬وينظر ‪ :‬البرهان في علوم القرآن ‪. 128 / 3 ،‬‬
‫‪ 9‬روح المعاني ‪. 249 / 1 ،‬‬

‫‪ 10‬سنن البيهقي الكبرى ‪ ، 279 / 2 ،‬باب جماع أبواب الخشوع في الصلة والقبال عليها ‪.‬‬
‫‪ 11‬مسند أحمد بن حنبل ‪ ، 388 /5 ،‬حديث رقم ‪ ، 23347 /‬وينظر ‪ :‬فتح الباري ‪ ، 172 / 3 ،‬باب الصبر عند الصدمة الولى‬

‫الصفحة ‪ 106‬من ‪142‬‬


‫ف ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن الذَّ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫ها‬
‫قون َ َ‬ ‫ول يُن ْ ِ‬
‫َ‬ ‫ة‬
‫َ‬ ‫ض‬ ‫ّ‬ ‫ف‬
‫ِ‬ ‫وال‬
‫َ‬ ‫ب‬
‫َ‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫زو‬‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ذي‬
‫ِ‬ ‫وال‬‫َ‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ل الل‬
‫سبِي ِ‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ب ألِيمٍ (التوبة‪ ، )34:‬فقد ورد‬ ‫عذَا ٍ‬ ‫م بِ َ‬
‫ه ْ‬ ‫شْر ُ‬ ‫فب َ ّ ِ‬‫ه َ‬ ‫ل الل ّ ِ‬ ‫سبِي ِ‬ ‫في َ‬ ‫ِ‬
‫الضمير مفرداً مؤنثاً في ( ول ينفقونها ) ‪ ،‬وقد تقدمه شيئان هما ‪ ( :‬الذهب والفضة ) ‪.‬‬

‫والقول في هذه الية من وجوه منها ‪:‬‬

‫أولً ‪:‬‬
‫إنّ الضمير يعود على ( الكنوز ) المفهوم من ( يكنزونها ) ‪ ،‬يقول أبو جعفرٍ النحاس ‪" :‬‬
‫يجوز أن يكون المعنى ول ينفقون الكنوز ؛ لن الكنوز تشتمل على الذهب والفضة ها هنا "‪،1‬‬
‫َ‬
‫ه قيل‬ ‫ل الل ّ ِ‬‫سبِي ِ‬ ‫في َ‬ ‫ها ِ‬ ‫ف ُ‬
‫قون َ َ‬ ‫ول يُن ْ ِ‬
‫َ‬ ‫ويقول البغويّ ‪ " :‬قوله عزّ وجلّ ‪:‬‬
‫ل‪:‬‬‫لِمَ قال ‪ ( :‬ول ينفقونها ) ‪ ،‬ولمْ يقلْ‪ ( :‬ينفقونهما ) ‪ ،‬وقد ذكر( الذهب والفضة ) جميعًا ؟ قِي َ‬
‫أراد الكنوزوأعيان الذهب والفضة "‪.2‬‬
‫ثانياً ‪:‬‬
‫ل في حكمها‪ ،‬جاء في مشكل إعراب القرآن ‪:‬‬ ‫إنّ الضمير يعود على الفضة ‪ ،‬والذهب داخ ٌ‬
‫‪3‬‬
‫" وقيل تعود على الفضة ‪ ،‬وحذف ما يعود على الذهب ؛ لدللة الثاني عليه " ‪.‬‬

‫ثالثاً ‪:‬‬
‫إنّ الضمير عائدٌ على الذهب ؛ لن لفظه يُذكرُ ويؤنث ‪ ،‬يقول العكبريّ ‪ " :‬وقيل يعود‬
‫على الذهب ‪ ،‬ويذكر ويؤنث "‪ ،4‬ويقول القرطبيّ ‪ " :‬والذهب تُؤنثه العرب ‪ ،‬تقول ‪ :‬هي الذهبُ‬
‫‪6‬‬
‫الحمراءُ ‪ ،‬وقد تذكر ‪ ،‬والتأنيث أشهر "‪ ،5‬وقد ذكر العلماءُ أقوالً أُخرى ‪.‬‬

‫والوجه الثاني أولى ؛ وذلك لن الفضة أقرب المذكورين‪ ،7‬وهو أعمّ وأغلبُ ‪،8‬فالذهب‬
‫ل في أيدي الناس‪. 9‬‬
‫ل في الفضة ‪ ،‬فهي أكثرُ تداو ً‬
‫داخ ٌ‬

‫وأمرٌ آخ ُر ‪ ،‬فعند عود الضمير على الفضة في ( ينفقونها ) ‪ ،‬فإن الذهب يكون من باب‬
‫أولى ؛ لنّهُ أغلى وأثمن ‪ ،‬ويصبح الزجرُ عن كنزه من دون أداء زكاته أقوى ‪ ،‬وهذا المر‬
‫ُ َ َ‬
‫ك أ َ ّل‬‫ضى َرب ّ‬
‫ق َ‬‫و َ‬
‫َ‬ ‫واردٌ في كتاب ال تعالى ‪ ،‬فقد ذكر ال في برّ الوالدين ‪:‬‬
‫َّ‬
‫ك الْكِبََر‬‫عنْدَ َ‬‫ن ِ‬‫غ َّ‬ ‫ما يَبْل ُ َ‬
‫سانا ً إ ِ َّ‬‫ح َ‬ ‫ن إِ ْ‬‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬‫د‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫ْ‬ ‫ال‬
‫َ ِ َ‬ ‫وب‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ا‬‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ي‬‫عبُدُوا إ ِ َ ِ‬
‫إ‬ ‫ل‬ ‫تَ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ق ْ‬
‫ل‬ ‫و ُ‬
‫ما َ‬‫ه َ‬‫هْر ُ‬
‫ول تَن ْ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ما أ ٍ ّ‬ ‫ه َ‬‫ل لَ ُ‬‫ق ْ‬ ‫فل ت َ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ه َ‬
‫و كِل ُ‬ ‫ما أ ْ‬
‫ه َ‬
‫حدُ ُ‬
‫أ َ‬
‫‪ 1‬معاني القرآن ‪ ،‬النحاس ‪. 203-202 / 3 ،‬‬
‫‪ 2‬معالم التنزيل ‪ ، 288 / 2 ،‬وينظر ‪ :‬الكشاف ‪ ، 37 / 2 ،‬وزاد المسير ‪ ، 429 / 3 ،‬والبحر المحيط ‪. 412 / 5 ،‬‬
‫‪ 3‬مشكل إعراب القرآن ‪. 328 / 1 ،‬‬
‫‪ 4‬التبيان في إعراب القرآن ‪. 14 / 2 ،‬‬
‫‪ 5‬الجامع لحكام القرآن ‪ ، 127 / 8 ،‬وينظر ‪ :‬البحر المحيط ‪. 412 / 5 ،‬‬
‫‪ 6‬ينظر ‪ :‬مشكل إعراب القرآن ‪ ، 328 / 1 ،‬والكشاف ‪ ، 37 / 2 ،‬والجامع لحكام القرآن ‪. 128-127 / 8 ،‬‬

‫‪ 7‬ينظر ‪ :‬التبيان في إعراب القرآن ‪ ، 14 / 2 ،‬وتفسير البيضاوي ‪ ، 143 / 3 ،‬والبرهان في علوم القرآن ‪ ، 127 / 3 ،‬وإرشاد‬
‫العقل السليم ‪. 63 / 4 ،‬‬
‫‪ 8‬ينظر ‪ :‬معالم التنزيل ‪ ، 288 / 2 ،‬والجامع لحكام القرآن ‪ ، 127 / 8 ،‬وفتح القدير ‪. 356 / 2 ،‬‬
‫‪ 9‬ينظر ‪ :‬البرهان في علوم القرآن ‪. 127 / 3 ،‬‬
‫الصفحة ‪ 107‬من ‪142‬‬
‫ريماً (السراء‪ ، )23:‬فقولُ ( ُأفٍ ) وهو أدنى مراتب‬ ‫ول ً ك َ ِ‬ ‫ما َ‬
‫ق ْ‬ ‫لَ ُ‬
‫ه َ‬
‫الذى ‪ ،‬محذو ٌر ‪ ،‬فكيف بضربهما ؟! ‪.‬‬

‫المبحث الثاني‬

‫بين الضمير ال مثنى ومرجعه ‪:‬‬ ‫المطابقة‬

‫الصفحة ‪ 108‬من ‪142‬‬


‫فإذا ورد ضمير غائب مثنى ‪ ،‬وجب أن يعود على مرج ٍع مثنىً مثله ‪ ،‬وهذا ما ورد في‬
‫فأ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫هما ال َّ‬ ‫َ َ َّ‬
‫ما‬‫َ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ج‬
‫َ‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫خ‬
‫ْ‬ ‫ها‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ن‬
‫ُ‬ ‫ا‬ ‫ط‬‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ش‬ ‫القرآن الكريم ‪ ،‬قال تعالى ‪ :‬فأَزل َ‬
‫ُ‬
‫ه (البقرة‪ ، )36:‬فالضميران ( هما ) من ( فأزلهما ) ‪ ،‬ومن‬ ‫في ِ‬‫ما كَانَا ِ‬‫م َّ‬
‫ِ‬
‫وزوجه ‪ ،‬قال تعالى‬ ‫( فأخرجهما ) ‪ ،‬واللف من ( كانــا ) ‪ ،‬عائــدان على نبـــي ال آدم‬
‫جن َّ َ‬ ‫َ‬
‫(البقرة‪:‬‬ ‫ة‬ ‫ك ال ْ َ‬
‫ج َ‬ ‫و ُ‬
‫وَز ْ‬
‫ت َ‬ ‫سك ُ ْ‬
‫ن أن ْ َ‬ ‫ما ْ‬ ‫قلْنَا يَا آدَ ُ‬
‫و ُ‬
‫َ‬ ‫‪:‬‬
‫‪ ، )35‬وقد تمت المطابقة بين الضمير المثنى ومرجعه ‪.‬‬

‫ء‬
‫ما ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫م َ‬ ‫منِي ِ‬ ‫ص ُ‬‫ع ِ‬ ‫ل يَ ْ‬
‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫جب َ‬
‫َ‬
‫سآوي إِلَى َ‬ ‫ل َ‬ ‫قا َ‬ ‫َ‬ ‫وقال تعالى ‪:‬‬
‫َ‬
‫ل‬‫حا َ‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫ح َ‬‫ن َر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه إ ِ ّل َ‬ ‫ر الل ّ ِ‬ ‫م ِ‬‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫و َ‬‫م الْي َ ْ‬ ‫ص َ‬ ‫عا ِ‬ ‫لل َ‬ ‫قا َ‬ ‫َ‬
‫ن (هود‪ ، )43:‬فالضمير‬ ‫قي َ‬ ‫غَر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫فكَا َ‬ ‫ج َ‬ ‫و ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ال ْ َ‬ ‫ه َ‬‫بَيْن َ ُ‬
‫ري‬ ‫ج ِ‬ ‫ي تَ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫و ِ‬‫َ‬ ‫ح وابنه في قوله تعالى ‪:‬‬ ‫( هما ) من ( بينهما ) ‪ ،‬عائدٌ على نبي ال نو ٍ‬
‫ل‬
‫ز ٍ‬ ‫ع ِ‬ ‫م ْ‬ ‫في َ‬ ‫ن ِ‬ ‫وكَا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ح ابْن َ ُ‬ ‫ونَادَى نُو ٌ‬ ‫ل َ‬ ‫جبَا ِ‬ ‫ج كَال ْ ِ‬ ‫و ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫في َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫بِ ِ‬
‫ن (هود‪ ، )42:‬وقد‬ ‫ري َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ع الْكَا ِ‬ ‫م َ‬
‫ن َ‬ ‫ول تَك ُ ْ‬ ‫عنَا َ‬ ‫م َ‬‫ب َ‬ ‫ي اْرك َ ْ‬ ‫يَا بُن َ َّ‬
‫تمت المطابقة بين الضمير المثنى ومرجعه ‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫ن تَُزول‬‫ضأ ْ‬ ‫واْلْر َ‬ ‫ت َ‬ ‫وا ِ‬‫ما َ‬‫س َ‬‫ك ال َّ‬ ‫س ُ‬‫م ِ‬‫ه يُ ْ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫وقال تعالى ‪ :‬إ ِ َّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫حلِيماً‬
‫ن َ‬ ‫ه إِن َّ ُ‬
‫ه كَا َ‬ ‫د ِ‬
‫ع ِ‬
‫ن بَ ْ‬
‫م ْ‬ ‫د ِ‬‫ح ٍ‬ ‫نأ َ‬‫م ْ‬‫ما ِ‬‫ه َ‬‫سك َ ُ‬‫م َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ن َزالَتَا إ ِ ْ‬‫ولَئ ِ ْ‬ ‫َ‬
‫فورا (فاطر‪ ، )41:‬فاللف من ( تزول ) و( زالتا ) ‪ ،‬والضمير ( هما ) من‬ ‫ً‬ ‫غ ُ‬‫َ‬
‫(أمسكهما) ‪ ،‬عائدان على السماوات والرض المَذكورين ‪ ،‬وقد تمت المطابقة أيضًا ‪ ،‬وقد‬
‫‪1‬‬
‫وردت مثل هذه المواطن في القرآن الكريم ‪.‬‬

‫ما ظاهر ه ا لمخال فة ‪:‬‬

‫وردت بعض المواطن في القرآن الكريم ظاهرها التخالف بين الضمير المثنى ومرجعه ‪،‬‬
‫ع‬
‫م َ‬
‫ج َ‬‫م ْ‬ ‫حتَّى أَبْل ُ َ‬
‫غ َ‬ ‫ح َ‬
‫َ‬ ‫سى ل ِ َ‬
‫فتَاهُ ل أبَْر ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ل ُ‬ ‫قا َ‬‫وإِذْ َ‬
‫َ‬ ‫قال تعالى ‪:‬‬
‫سيَا‬ ‫ما بَل َ َ‬ ‫فل َ َّ‬
‫قباً ‪َ ‬‬‫ح ُ‬ ‫الْبحرين أ َ َ‬
‫ما ن َ ِ‬
‫ه َ‬
‫ع بَيْن ِ ِ‬
‫م َ‬
‫ج َ‬ ‫م ْ‬
‫غا َ‬ ‫ي ُ‬‫ض َ‬‫م ِ‬
‫وأ ْ‬ ‫َ ْ َ ْ ِ ْ‬
‫ربا (الكهف‪، )61-60:‬‬ ‫ً‬ ‫س َ‬
‫ر َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫خذَ َ‬ ‫َ‬ ‫ما َ‬
‫ح ِ‬‫في الب َ ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫سبِيل ُ‬ ‫فات ّ َ‬ ‫ه َ‬‫حوت َ ُ‬
‫ُ‬
‫وفتاه ‪ ،‬ول إشكال في هذا ‪ ،‬إل أن ال تعالى‬ ‫فقوله تعالى ‪ ( :‬نسيا ) عائدٌ على موسى‬
‫غدَاءَنَا ل َ َ‬
‫قدْ‬ ‫فتَاهُ آتِنَا َ‬
‫ل لِ َ‬ ‫وَزا َ‬
‫قا َ‬ ‫جا َ‬
‫ما َ‬‫فل َ َّ‬
‫َ‬ ‫يقول في اليتين التاليتين ‪:‬‬
‫ويْنَا إِلَى‬ ‫َ‬ ‫قا َ َ َ‬
‫‪َ ‬‬ ‫صبا ً‬ ‫س َ‬ ‫لَ ِ‬
‫ت إِذْ أ َ‬
‫ل أَرأي ْ َ‬ ‫هذَا ن َ َ‬
‫رنَا َ‬
‫ف ِ‬ ‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫قينَا ِ‬
‫‪ 1‬ينظر ‪ ( :‬النساء ‪ ( ، ) 1 /‬النبياء ‪ ( ، ) 16 /‬القصص ‪. ) 24 /‬‬

‫الصفحة ‪ 109‬من ‪142‬‬


‫ن‬‫شيْطَا ُ‬‫سانِيه إَّل ال َّ‬ ‫َ‬
‫ما أن ْ َ‬ ‫ت ال ْ ُ‬ ‫ة َ‬ ‫ال َّ‬
‫ُ ِ‬ ‫و َ‬‫ت َ‬ ‫حو َ‬ ‫سي ُ‬‫فإِنِّي ن َ ِ‬ ‫خَر ِ‬‫ص ْ‬
‫جباً (الكهف‪-26:‬‬ ‫وات َّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ع َ‬
‫ر َ‬ ‫ح ِ‬ ‫في الْب َ ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫سبِيل َ ُ‬‫خذَ َ‬ ‫ن أذْكَُرهُ َ‬ ‫أ ْ‬
‫قد نسب النسيان لنفسه فقط وذلك في قوله ‪:‬‬ ‫‪ ، )36‬فنحنُ نلحظُ أن فتى موسى‬
‫ن ‪ ،‬وفي ظاهر هذا‬ ‫شيْطَا ُ‬‫سانِيه إَّل ال َّ‬ ‫َ‬
‫ما أن ْ َ‬ ‫ت و‬ ‫حو َ‬ ‫ت ال ْ ُ‬ ‫سي ُ‬ ‫نَ ِ‬
‫ُ ِ‬ ‫َ‬
‫تخالفٌ بين اليات في نسب ِة النسيانِ ‪ ،‬وفيما عاد عليه الضميرُ المثنى ‪.‬‬

‫ض أهل العربية ‪ :‬إن الحوت كان مع يوشع ‪ ،‬وهو الذي نسيه‬ ‫يقول الطبريّ ‪ " :‬قال بع ُ‬
‫فأُضيف النسيان إليهما … وإنما جاز عندي أن يُقال ‪ :‬نسيا ؛ لنهما كانا جميعًا تزوداه لسفرهما‬
‫ل ‪ :‬خرج القو ُم من موضع كذا ‪،‬‬ ‫‪ ،‬فكان حملُ أحدهما ذلك مضافاً إلى أنه حَملٌ منهما ‪ ،‬كما يُقا ُ‬
‫وحملوا معهما من الزاد كذا‪ ، ،‬وإنما حمله أحدهم ‪ ،‬ولكنه لما كان ذلك عن رأيهم وأمرهم ‪،‬‬
‫أُضيف إلى جميعهم ‪ ،‬فكذلك إذا نسيه حامله في موضع ‪ ،‬قيل ‪ :‬نسي القوم زادهم ‪ ،‬فأُضيف‬
‫ذلك إلى الجميع بنسيان حامله ذلك ‪ ،‬فيجري الكلم على الجميع ‪ ،‬والفعلُ من واح ٍد ‪ ،‬فكذلك‬
‫ما ؛ لن ال عزّ ذِكرهُ خاطب العـــــربَ بلغتها وما‬ ‫ه َ‬‫حوت َ ُ‬‫سيَا ُ‬‫ذلك في قــوله ‪ :‬ن َ ِ‬
‫يتعارفونـــــه بينهم مـــن‬
‫الكلم "‪.1‬‬

‫وفتاه ‪ ،‬يقول‬ ‫وقال جماع ٌة من المفسرين ‪ :‬إنّ الضمير عائد على نبي ال موسى‬
‫ل إمارةً على الظفر بالطلبة ‪ ،‬وقيل‬
‫جعِ َ‬
‫الزمخشريّ ‪ " :‬أي نسيا تفقد أمره وما يكون منه ‪ ،‬مما ُ‬
‫‪2‬‬
‫ن ‪ ،‬جاء‬
‫نسي يوشع أن يقدمه ‪ ،‬ونسي موسى أن يأمره فيه بشيءٍ " ‪ ،‬وهو ما رجحه أبو حيا ٍ‬
‫في البحر المحيط ‪ " :‬والظاهر نسبة النسيان إلى موسى وفتاه "‪ ،3‬وقد ذكر وجهًا آخر ‪ ،‬وهو‬
‫أن تكون الية على حذف مضافٍ ‪ ،‬والتقدير " نسي أحدهما "‪.4‬‬

‫وقول الطبريّ أولى ؛ لنه جارٍ على ما تكلمت به العربُ ‪ ،‬والذي يؤيدُ نسبة النسيان‬
‫ما‬
‫و َ‬
‫ت َ‬ ‫ت ال ْ ُ‬
‫حو َ‬ ‫سي ُ‬
‫فإِنِّي ن َ ِ‬‫َ‬ ‫ليوشع (فتى موسى ) وحده ‪ ،‬قوله تعالى ‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫شيْطَا ُ‬ ‫سانِيه إَّل ال َّ‬ ‫أَ‬
‫ن أذْكَُر ُ‬
‫ه‬ ‫نأ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن‬

‫خل‬ ‫ما بَْرَز ٌ‬‫َ‬ ‫ه‬


‫ن بَيْن َ ُ‬
‫قيَا ِ ‪‬‬ ‫ن يَلْت َ ِ‬‫ِ‬ ‫ج الْب َ ْ‬
‫حَري ْ‬ ‫مَر َ‬
‫َ‬ ‫وقال تعالى ‪:‬‬
‫ؤل ُ ُ‬ ‫ُ‬
‫ما الل ّ ْ‬ ‫غيان‪َ َ ‬‬
‫ؤ‬ ‫ه َ‬
‫من ْ ُ‬‫ج ِ‬ ‫خُر ُ‬ ‫ن‪ ‬ي َ ْ‬‫ذّبَا ِ‬‫ما تُك َ ِ‬ ‫ء َرب ِّك ُ َ‬‫ي آل ِ‬
‫فبِأ ِ ّ‬ ‫يَب ْ ِ َ ِ‬
‫ن (الرحمن‪ ، )22-19:‬فقد عاد ضميرٌ مثنىً في قوله ‪ ( :‬منهما )‬ ‫جا ُ‬‫مْر َ‬‫وال ْ َ‬
‫َ‬
‫على (البحرين) ‪ ،‬ول مشكل ‪ ،‬إل أن اللؤلؤَ والمرجانَ يخرجان من الماء المالح دون العذب ‪،‬‬
‫وفي ظاهر هذا تخالفٌ ‪ ،‬فقد عاد الضمير المثنى على مفرد ‪.‬‬

‫‪ 1‬جامع البيان ‪ ، 273 / 15 ،‬وينظر ‪ :‬المصدر نفسه ‪ ، 468 / 2‬ومعالم التنزيل ‪ ، 171 / 3 ،‬وزاد المسير ‪ ، 165 / 5 ،‬وأحكام‬
‫القرآن ‪ ،‬الجصاص ‪ ، 43 / 5 ،‬والجامع لحكام القرآن ‪ ، 13-12 / 11 ،‬وتفسير النسفي ‪. 19 / 3 ،‬‬
‫‪ 2‬الكشاف ‪. 264 / 2 ،‬‬
‫‪ 3‬البحر المحيط ‪ ، 200 / 7 ،‬وينظر ‪ :‬روح المعاني ‪. 314 / 15 ،‬‬
‫‪ 4‬المصدر نفسه ‪ ، 201 / 7 ،‬وينظر ‪ :‬روح المعاني ‪. 314 / 15 ،‬‬
‫الصفحة ‪ 110‬من ‪142‬‬
‫والقول في هذه الية من وجوه ‪:‬‬
‫أولً ‪:‬‬
‫ت ‪ :‬لِمَ قال ‪:‬‬
‫إنّ هذا التركيب مستعملٌ في لسان العرب ‪ ،‬يقول الزمخشريّ ‪ " :‬فإن قُل َ‬
‫(منهما) ‪ ،‬وإنما يخرجان من الملح ؟ قُلتُ ‪ :‬لما التقيا وصارا كالشي ِء ‪ ،‬جاز أن يُقال ‪ :‬يخرجان‬
‫ل ‪ :‬يخرجان من البحر ‪ ،‬ول يخرجان من جميع البحر ‪ ،‬ولكن من بعضه ‪،‬‬ ‫منهما ‪ ،‬كما يُقا ُ‬
‫وتقولُ ‪ :‬خرجتُ من البلد ‪،‬و إنما خرجتَ من محلةٍ من مَحَاِلهِ ‪ ،‬بل من دارٍ واحدةٍ من دُو ِرهِ‬
‫ج من الملح ل العذب ؛ لنّ العربَ تجمعُ‬ ‫"‪ ، 1‬ويقول القرطبيّ ‪ " :‬وقال ( منهما ) وإنما يخر ُ‬
‫س‬ ‫ن َ ْ‬ ‫شَر ال ْ ِ‬
‫ع َ‬
‫والِن ْ ِ‬ ‫ج ِّ‬ ‫م ْ‬‫الجنسين ‪ ،‬ثُمّ تُخبرُ عن أحدهما ‪ ،‬كقوله تعالى ‪ :‬يَا َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫م ‪ ،‬وإنما الرسل من النس دون الجن ‪ ،‬قاله الكلبيّ‬ ‫منْك ُ ْ‬ ‫س ٌ‬
‫ل ِ‬ ‫م ُر ُ‬ ‫م يَأتِك ُ ْ‬‫أل َ ْ‬
‫وغيره "‪.2‬‬
‫ثانياً ‪:‬‬
‫إنّ الية الكريمة تكون على حذف مضاف ‪ ،‬يقول القرطبيّ ‪ " :‬وقال أبو عليّ الفارسيّ ‪:‬‬
‫ن‬
‫م َ‬‫ل ِ‬‫ج ٍ‬‫علَى َر ُ‬ ‫َ‬ ‫هذا من باب حذف المضاف ‪ ،‬أي من أحدهما ‪ ،‬كقوله ‪:‬‬
‫عظِيمٍ ‪ ،‬أي من إحدى القريتين "‪. 3‬‬ ‫ن َ‬ ‫قْريَتَي ْ ِ‬‫ال ْ َ‬
‫ثالثاً ‪:‬‬
‫إن المقصود بـ ( منهما ) ‪ ،‬ماءُ السما ِء والماءُ المالحِ ‪ ،‬فإذا التقيا بسقوط المطر ‪ ،‬خرج‬
‫اللؤلؤ والمرجان ‪ ،‬فعن ابن عباسٍ ‪ " :‬هما بحرا السماء والرض ‪ ،‬فإذا وقع ماءُ السماء في‬
‫صدف البحر ‪ ،‬انعقد لؤلؤاً ‪ ،‬فصار خارجاً منهما "‪ ،4‬وجاء في البحر المحيط ‪ " :‬وقال ابن‬
‫عباسٍ وعكرمة ‪:‬تكون هذه الشياء في البحر بنزول المطر ؛ لن الصدف وغيرها تفتحُ‬
‫أفواهها للمطر ؛ فلذلك قال ‪ :‬منهما "‪ ،5‬وقد ذكر العلماءُ غير هذه الوجوه‪ ،6‬والول أولى‬
‫لجريانه على لسان العرب‬

‫‪ 1‬الكشاف ‪. 188 / 3 ،‬‬


‫‪ 2‬الجامع لحكام القرآن ‪ ، 163 / 17 ،‬والية من( النعام ‪ ، ) 130 /‬وينظر ‪ :‬تفسير القرآن العظيم ‪ ، 273 / 4 ،‬وروح‬
‫المعاني ‪107-106 / 27 ،‬‬
‫‪ 3‬الجامع لحكام القرآن ‪ ، 163 / 17 ،‬وينظر ‪ :‬البحر المحيط ‪ ، 61-60 / 10 ،‬والية من ‪ ( :‬الزخرف ‪) 31 /‬‬

‫‪ 4‬المصدر نفسه ‪ ، 163 /17 ،‬وينظر ‪ :‬تفسير القرآن العظيم ‪. 273 / 4 ،‬‬
‫‪ 5‬البحر المحيط ‪. 60 / 10 ،‬‬
‫‪6‬ينظر ‪ :‬الجامع لحكام القرآن ‪ ، 163 / 17 ،‬والبحر المحيط ‪ ، 61-60 / 10 ،‬وروح المعاني ‪. 107-106 / 27 ،‬‬

‫الصفحة ‪ 111‬من ‪142‬‬


‫المبحث الثالث‬

‫بين الضمير ومرجعه في الجمع ‪:‬‬ ‫المطابقة‬

‫أولً – إ ذا كا ن ا لضمي ر ج معا مذ كرا ‪:‬‬

‫فإذا ورد الضمير الغائب وهو جم ٌع مذكرٌ ‪ ،‬وجب أن يعود على مرجعٍ مثله ‪ ،‬وهذا ما جاء‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ‬
‫م‬‫ه ْ‬‫عن ْ ُ‬
‫ي َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫غ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫ل‬ ‫روا‬
‫ُ‬ ‫ف‬ ‫ك‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ذي‬
‫ِ‬ ‫ن ال‬
‫عليه القرآن الكريم ‪ ،‬قال تعالى ‪ :‬إ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫شيئا ً وأ ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قودُ‬‫و ُ‬
‫َ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬ ‫ول‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ن الل‬
‫م َ‬
‫م ِ‬
‫ه ْ‬
‫ولدُ ُ‬
‫ول أ ْ‬
‫م َ‬ ‫وال ُ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫م َ‬ ‫أ ْ‬
‫ر (آل عمران‪ ، )10:‬فـ ( هم ) من ( أموالهم ) ومن ( أولدهم ) ‪ ،‬و( هم )‬ ‫النَّا ِ‬
‫ضمائرعائدة على ( الذين كفروا ) ‪ ،‬والمطابق ُة حاصلةٌ بين الضمير ومرجعه جمعًا وتذكيراً ‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫س‬
‫ج ٌ‬ ‫ركُو َ‬
‫ن نَ َ‬ ‫ش ِ‬ ‫ما ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫منُوا إِن َّ َ‬‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫ها ال ّ ِ‬‫وقال تعالى ‪ :‬يَا أي ُّ َ‬
‫(التوبة‪:‬‬ ‫هذَا‬
‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫م ِ‬
‫عا ِ‬‫د َ‬ ‫ع َ‬
‫م بَ ْ‬ ‫د ال ْ َ‬
‫حَرا َ‬ ‫ج َ‬
‫س ِ‬‫م ْ‬ ‫قَربُوا ال ْ َ‬
‫فل ي َ ْ‬
‫َ‬

‫الصفحة ‪ 112‬من ‪142‬‬


‫‪ ، )28‬فـ ( الواو) من ( يقربوا ) ‪ ،‬و ( هم ) من ( عامهم ) ‪ ،‬عائدان على ( المشركين ) ‪ ،‬وقد‬
‫تمت المطابق ُة بين الضمير ومرجعه جمعًا وتذكيرًا ‪.‬‬

‫ة‬
‫عدُودَ ٍ‬ ‫م ْ‬
‫ة َ‬ ‫ب إِلَى أ ُ َّ‬
‫م ٍ‬ ‫عذَا َ‬ ‫م ال ْ َ‬‫ه ُ‬ ‫عن ْ ُ‬
‫خْرنَا َ‬ ‫ن أ َ َّ‬‫ولَئ ِ ْ‬
‫َ‬ ‫وقال تعالى ‪:‬‬
‫م‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫قول ُ َّ‬
‫لَي َ ُ‬
‫ه ْ‬
‫عن ْ ُ‬
‫صُروفا َ‬ ‫م ْ‬
‫س َ‬ ‫م لي ْ َ‬ ‫ه ْ‬‫م يَأتِي ِ‬ ‫و َ‬
‫ه أل ي َ ْ‬ ‫س ُ‬‫حب ِ ُ‬ ‫يَ ْ‬ ‫ما‬
‫ن َ‬
‫ن (هود‪ ، )8:‬فـ ( هم ) من‬ ‫زئُو َ‬ ‫ه ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ما كَانُوا ب ِ ِ‬ ‫َ‬ ‫م‬ ‫حاقَ ب ِ ِ‬
‫ه ْ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫( عنهم ) ومن ( يأتيهم ) ومن (عنهم) ومن ( بهم ) ‪ ،‬و( الواو ) من ( ليقولون ) ومن‬
‫ولَئ ِ ْ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫( كانوا ) ومن ( يستهزئون) ‪ ،‬عائدان على ( الذين كفروا ) من قوله تعالى ‪:‬‬
‫َ ُ َ َ َ‬
‫فُروا‬ ‫ن كَ َ‬‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬
‫ت لي َقول ّ‬‫و ِ‬ ‫د ال ْ َ‬
‫م ْ‬ ‫ع ِ‬
‫ن بَ ْ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫عوثُو َ‬‫مب ْ ُ‬‫َ‬ ‫م‬‫ت إِنَّك ُ َ ْ‬‫قل ْ َ‬‫ُ‬
‫‪1‬‬
‫ن (هود‪ ، )7:‬وغير ذلك كثيرٌ في القرآن الكريم ‪.‬‬ ‫مبِي ٌ‬
‫حٌر ُ‬
‫س ْ‬ ‫ِ‬ ‫هذَا إ ِ ّل‬ ‫ن َ‬ ‫إِ ْ‬

‫ما ظاهره عدم المطابقة‬

‫ض اليات في القرآن الكريم ظاهرها المخالفة بين ضمير الغائب الجمع المذكر‬
‫وردت بع ُ‬
‫علَيْك ُ ْ‬
‫م‬ ‫س ُ‬
‫ل َ‬ ‫ويُْر ِ‬‫ه َ‬‫عبَاِد ِ‬
‫وقَ ِ‬ ‫هُر َ‬
‫ف ْ‬ ‫و ال ْ َ‬
‫قا ِ‬ ‫ه َ‬
‫و ُ‬‫َ‬ ‫ومرجعه ‪ ،‬قال تعالى ‪:‬‬
‫ت ت َو َّ‬ ‫َ‬
‫مل‬ ‫ه ْ‬‫و ُ‬‫سلُنَا َ‬ ‫ُر ُ‬
‫ه‬
‫فت ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫و ُ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫م ْ‬ ‫حدَك َُ ُ‬
‫جاءَ أ َ‬ ‫حتَّى إِذَا َ‬ ‫ة َ‬ ‫فظَ ً‬ ‫ح َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫حك ْ ُ‬
‫م‬ ‫ه ال ْ ُ‬
‫أل ل َ ُ‬
‫ق‬‫ح ِّ‬‫م ال ْ َ‬ ‫ه ُ‬‫ول ُ‬ ‫م ْ‬‫ه َ‬‫م ُردُّوا إِلَى الل ّ ِ‬ ‫رطُو َ‬
‫ن‪ ‬ث ُ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ف ّ‬ ‫يُ َ‬
‫ه َ‬
‫ن (النعام‪ ، )62-61:‬فالضمير في ( ردوا ) جمعٌ‬ ‫سبِي َ‬ ‫ع ال ْ َ‬
‫حا ِ‬ ‫سَر ُ‬ ‫وأ ْ‬ ‫و ُ َ‬ ‫َ‬
‫مذكرٌ ‪ ،‬وقد عاد على مفر ٍد مذكرٍ ‪ ،‬وهو قوله ‪( :‬أحدكم ) أو الهاء في ( توفتهُ ) ‪.‬‬

‫والسببُ في ذلك ‪ ،‬أن ( أحدكم ) معناه الجم ُع ‪ ، ،‬يقولُ أبو السعود ‪ " :‬قوله تعالى ‪:‬‬
‫َ‬ ‫م ردُّوا عطفٌ على ت َو َّ‬
‫حدَك ُ ُ‬
‫م‬ ‫ه والضمير للكل المدلول عليه بـ أ َ‬ ‫فت ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ث ُ َّ ُ‬
‫وهو السر في مجيئه بطريق اللتفات تغليباً ‪ ،‬والفراد أولً والجمعُ آخرًا ؛ لوقوعِ التوفي‬
‫على النفراد والرد على الجتماع ‪ ،‬أي ثُمّ رُدوا بعد البعث بالحشر إلى ال "‪ ، 2‬وقيل إن‬
‫الضمير يعودُ على العباد ‪ ،‬وهو ما رجحه أبو حيانٍ‪ 3‬أو على الرسل ‪.4‬‬

‫ث إِذْ‬‫حْر ِ‬‫في ال ْ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫حك ُ َ‬


‫ما ِ‬ ‫ن إِذْ ي َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫سلَي ْ َ‬
‫و ُ‬ ‫ودَ َ‬ ‫ودَا ُ‬ ‫َ‬ ‫وقال تعالى ‪:‬‬
‫ن‬
‫دي َ‬
‫ه ِ‬
‫شا ِ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫م ِ‬‫حك ْ ِ‬‫وكُنَّا ل ِ ُ‬ ‫وم ِ َ‬ ‫ق ْ‬‫م ال ْ َ‬‫غن َ ُ‬ ‫ه َ‬
‫في ِ‬‫ت ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ف َ‬‫نَ َ‬
‫(النبياء‪ ، )78:‬فقد عاد ضميرُ جمع المذكر ( هم ) على مثنىً ( داود وسليمان )‬
‫(ع لي هم ا الس لمُ ) ‪.‬‬
‫‪ 1‬ينظر ‪ ( :‬الحجر ‪ ( ، ) 30 /‬النحل ‪ ( ، ) 35 /‬الحقاف ‪. ) 13 /‬‬

‫‪ 2‬إرشاد العقل السليم ‪ ،3/145،‬وينظر‪ :‬البحر المحيط ‪ ، 540 / 4 ،‬وفتح القدير ‪ ، 125-124 / 2 ،‬وروح المعاني ‪. 177 / 7 ،‬‬
‫‪ 3‬ينظر ‪ :‬البحر المحيط ‪. 540 ، 4 ،‬‬
‫‪ 4‬ينظر ‪ :‬روح المعاني ‪. 177 / 7 ،‬‬
‫الصفحة ‪ 113‬من ‪142‬‬
‫والقولُ في هذه الية من وجهين ‪:‬‬

‫الول ‪:‬‬
‫إن الضمير راجعٌ إلى ( داودَ وسليمانَ ) ( ع لي هم ا السلمُ ) ‪ ،‬والجم ِع الذين حُكم بينهم ‪،‬‬
‫ن يقو ُ‬
‫ل وكنا لحكم داود‬ ‫دي َ‬ ‫ه ِ‬‫شا ِ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫ِ‬ ‫م‬ ‫وكُنَّا ل ِ ُ‬
‫حك ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫قال الطبريّ ‪" :‬‬
‫‪1‬‬
‫ث أهلِ الحرثِ " ‪،‬‬
‫وسليمان والقوم الذين حكما بينهم فيما أفسدت غن ُم أهلِ الغنمِ من حر ِ‬
‫‪2‬‬
‫ن إليهما " ‪.‬‬
‫وقال الزمخشريّ ‪" :‬وجمع الضمير ؛ لنــّهُ أرادهما وال ُمتَحَا ِكمِي َ‬

‫الثاني ‪:‬‬
‫إنّ الضمير لـ ( داود وسليمان ) ( عل يه ما ال سلمُ ) ‪ ،‬على رأي من يقول إن أقل‬
‫وة يريد أخوين‬ ‫خ َ‬ ‫ن لَ ُ‬
‫ه إِ ْ‬ ‫ن كَا َ‬ ‫َ‬
‫فإ ِ ْ‬ ‫الجمع اثنان ‪ ،‬قال الفراءُ ‪ " :‬وهو مثلُ قوله ‪:‬‬
‫جمَعَ أثنين "‪ ،3‬وقد ذكر ابنُ‬
‫إذ َ‬ ‫ن‬‫دي َ‬ ‫ه ِ‬
‫شا ِ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫حك ْ ِ‬
‫م ِ‬ ‫فما زاد ‪ ،‬فهذا كقوله ‪ :‬ل ِ ُ‬
‫‪4‬‬
‫ي في تفسيره ‪.‬‬
‫الجوزيّ هذا الرأ َ‬

‫والول أولى ؛ فالحك ُم يستلزمُ الحاكمَ ‪ ،‬وقد ذكره ال تعالى وهما ‪ ( :‬داود وسليمان )‬
‫( عل يه ما ال سلمُ ) ‪،‬ويستلزمُ أيضًا الخصومَ ‪ ،‬وأقلهما اثنان ‪ ،‬وبهذا ل مخالفة ‪ ،‬ولو قصد بـ‬
‫( داود وسليمان) ( ع لي هم ا السلمُ ) الجم َع ‪ ،‬لقال ‪ ( :‬إذ يحكمون ) أيضًا ‪ ،‬كما قال ‪:‬‬
‫‪.‬‬ ‫م‬
‫ه ْ‬ ‫حك ْ ِ‬
‫م ِ‬ ‫لِ ُ‬
‫ن أبي عبلةَ "‪ ( : 5‬لحكمهما ) بضمير التثنية ‪ ،‬وعلى‬
‫س واب ُ‬
‫وقد قرأ " ابنُ مسعودٍ وابنُ عبا ٍ‬
‫هذه القراءة تتم المطابقةُ ‪.‬‬
‫َ‬
‫ضى الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ق َ‬‫ة إِذَا َ‬‫من َ ٍ‬
‫ؤ ِ‬‫م ْ‬‫ول ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ٍ‬ ‫م‬
‫ؤ ِ‬‫م ْ‬‫ن لِ ُ‬‫ما كَا َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬ ‫وقال تعالى ‪:‬‬
‫َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫ورسول ُ َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫و َ‬
‫م َ‬‫ه ْ‬‫ر ِ‬
‫م ِ‬
‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫خيََرةُ ِ‬ ‫ه ُ‬‫ن لَ ُ‬ ‫ن يَكُو َ‬ ‫مرا ً أ ْ‬ ‫هَ أ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ُ‬
‫مبِيناً (الحزاب‪:‬‬ ‫َ‬
‫ضلل ً ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ض ّ‬ ‫قدْ َ‬ ‫ف َ‬ ‫سول َ ُ‬
‫ه َ‬ ‫وَر ُ‬
‫ه َ‬ ‫ص الل ّ َ‬
‫ع ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫‪ ، )36‬فقد أعاد الضمير ( هم ) من ( لهم ) و ( أمرهم ) ‪ ،‬وهو جم ٌع مذكرٌ ‪ ،‬على ( مؤمن )‬
‫و( مؤمنة ) ‪ ،‬وظاهر ذلك المخالفة ‪.‬‬

‫‪ 1‬جامع البيان ‪. 51 / 17 ،‬‬


‫‪ 2‬الكشاف ‪ ، 333 / 2 ،‬وينظر ‪ :‬زاد المسير ‪ ، 371 / 5 ،‬والتبيان في إعراب القرآن ‪ ، 135 / 2 ،‬والجامع لحكام القرآن ‪11 ،‬‬
‫‪ ،307 /‬وتفسير النسفي ‪ ، 85 / 3 ،‬والبحر المحيط ‪ ، 455 / 7 ،‬وتفسير البيضاوي ‪ ، 102 / 4 ،‬وروح المعاني ‪. 74 / 17 ،‬‬
‫‪ 3‬معاني القرآن ‪ ،‬الفراء ‪ ، 208 / 2 ،‬والية من ( النساء ‪ ، ) 11 /‬ويقصد بالضمير ( هو ) قراء َة الجمهورِ ‪ ( :‬لحكمهم ) ‪،‬‬
‫ينظر ‪ :‬المصدر نفسه ‪ ، 208 / 2 ،‬هـ ‪. 7 /‬‬
‫‪ 4‬ينظر‪ :‬زاد المسير ‪ ، 317 / 5 ،‬والتبيان في إعراب القرآن ‪ ، 135 /2 ،‬وروح المعاني ‪ ، 74 / 17 ،‬والتثنية في اللغة العربية ‪،‬‬
‫‪. 180‬‬
‫‪ 5‬زاد المسير ‪ ، 371 / 5 ،‬وينظر ‪ :‬معاني القرآن ‪ ،‬الفراء ‪ ، 208 / 2 ،‬والكشاف ‪. 333 / 2 ،‬‬
‫الصفحة ‪ 114‬من ‪142‬‬
‫والسبب في ذلك ؛ أن ( مؤمن ) و ( مؤمنةٌ ) وقعا في سياق النفي ‪ ،‬والنكرة إذا وقعت في‬
‫ع ّمتْ ‪ ،‬فالية محمولة على المعنى ‪ ،‬أي اُريد بها كلّ مؤمنٍ ومؤمنةٍ ‪ ،‬يقول‬ ‫سياق النفي َ‬
‫ل ول امرأةٍ‬
‫الزمخشريّ ‪ " :‬فإن قلتَ كان من الضمير أن يُوحد ‪ ،‬كما تقول ‪ :‬ما جاءني من رج ٍ‬
‫ت نعم ‪ ،‬ولكنهما وقعا تحت النفي ‪ ،‬فعمّا كلّ مؤمنٍ ومؤمنةٍ ‪ ،‬فرجع‬ ‫إل كان من شأنه كذا ‪ ،‬قل ُ‬
‫‪1‬‬
‫الضميرُ على المعنى ل على اللفظ " ‪.‬‬
‫يع ّم في سياق‬ ‫ة‬
‫من َ ٍ‬ ‫م ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫ول ُ‬‫ن َ‬ ‫م ٍ‬ ‫م ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫ويقولُ أبو حيا ٍن ‪ " :‬ولما كان قوله ‪ :‬ل ِ ُ‬
‫مغلباً فيه المذكر على‬ ‫م‬
‫ه ُ‬‫النفي ؛ جاء الضميرُ مجموعاً على المعنى في قوله ‪ :‬ل َ ُ‬
‫المؤنث "‪ ، 2‬وعلى هذا ل مُخالفة‬
‫قتَتَلُوا‬ ‫نا ْ‬ ‫منِي َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫فتَا ِ‬ ‫ن طَائ ِ َ‬ ‫وإ ِ ْ‬ ‫وقال تعالى ‪َ :‬‬
‫قاتِلُوا‬ ‫ف َ‬ ‫خَرى َ‬ ‫ُ‬
‫علَى اْل ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ما َ‬ ‫َ َ‬
‫ه ََ‬ ‫حدَا ُ‬ ‫ت إِ ْ‬ ‫غ ْ‬ ‫ن بَ َ‬ ‫فإ ِ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫حوا بَيْن َ ُ‬ ‫صل ِ ُ‬
‫فأ ْ‬ ‫َ‬
‫فاءَت َ َ‬ ‫َ‬ ‫حتَّى ت َ ِ‬
‫حوا‬ ‫صل ِ ُ‬
‫فأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ه َ‬
‫فإ ِ ْ‬ ‫ر الل ّ ِ‬ ‫م َِ‬‫فيءَ إِلَى أ ْ‬ ‫غي َ‬ ‫ال ّتِي تَب ْ ِ‬
‫ن‬‫سطِي َ‬ ‫ق ِ‬ ‫م ْ‬‫ب ال ْ ُ‬ ‫ح ُّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫سطُوا إ ِ َّ‬ ‫ق ِ‬ ‫وأ َ ْ‬
‫ل َ‬ ‫عدْ ِ‬ ‫ما بِال ْ َ‬ ‫ه َ‬‫بَيْن َ ُ‬
‫قتَتَلُوا ‪ ،‬وعاد الضميرُ على لفظٍ مثنىً‬ ‫(الحجرات‪ ،3 )9:‬فقد قال عزّ وجلّ ‪ :‬ا ْ‬
‫‪‬‬

‫ما‬ ‫َ َ‬ ‫طَائ ِ َ‬
‫ع ضمير‬ ‫‪ ،‬مرتين بإرجا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫حوا بَيْن َ ُ‬ ‫صل ِ ُ‬‫فأ ْ‬ ‫ن ‪ ،‬ثم قال ‪:‬‬ ‫فتَا ِ‬
‫ن‬‫فتَا ِ‬ ‫التثينة إلى لفظ الـ طَائ ِ َ‬

‫والسببُ في ذلك لن لفظ ( الطائفة ) يشملُ عدداً من الناسِ ‪ ،‬فكيفَ بالطائفتين ؟ ‪ ،‬أي أن‬
‫معنى الطائفتين جمعٌ ؛ فلذلك أعاد ضميرَ جم ٍع عليه ‪ ،‬يقولُ الزمخشريّ ‪ " :‬هو مما حُمل على‬
‫ن‬‫وإ ِ ْ‬ ‫‪4‬‬
‫المعنى دون اللفظ ؛ لن الطائفتين في معنى القومِ والناسِ " ‪ ،‬ويقولُ البيضاويّ ‪َ " :‬‬
‫‪ ،‬تقاتلوا ‪ ،‬والجمعُ باعتبار المعنى ‪،‬‬ ‫قتَتَلُوا‬ ‫نا ْ‬ ‫منِي َ‬ ‫ؤ ِ‬‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬‫م َ‬ ‫ن ِ‬‫ِ‬ ‫فتَا‬‫طَائ ِ َ‬
‫فإن كلّ طائفةٍ جمعٌ "‪.5‬‬
‫ما‬ ‫َ َ‬
‫‪ ،‬فسببها النظرُ إلى اللفظ ‪ ،‬يقولُ‬ ‫ه َ‬‫حوا بَيْن َ ُ‬ ‫صل ِ ُ‬‫فأ ْ‬ ‫وأما التثنيةُ في‬
‫ما‬ ‫َ‬ ‫النسفيّ ‪ " :‬وثنى َ‬
‫ه َ‬ ‫حوا بَيْن َ ُ‬ ‫صل ِ ُ‬‫فأ ْ‬
‫‪6‬‬
‫‪ ،‬نظراً إلى اللفظ " ‪.‬‬
‫ويعللُ اللوسيّ مراعاةَ المعنى أولً ثم اللفظَ ‪ ،‬بقوله ‪ " :‬والنكتةُ في ذلك ‪ ،‬ما قِيلَ أنهما أولً‬
‫في حال القتالِ مختلطون ؛ فلذلك جمع أولً ضميرهم ‪ ،‬وفي حال الصلح متميزون متفارقون ؛‬
‫فلذا ثنى الضمير "‪ 7‬وبهذا ل مخالفةَ ‪.‬‬

‫‪ 1‬الكشاف ‪. 539 / 2 ،‬‬


‫‪ 2‬البحر المحيط ‪ ، 481 / 8 ،‬وينظر ‪ :‬التبيان في إعراب القرآن ‪ ، 193 / 2 ،‬وتفسير النسفي ‪ ، 304 / 3 ،‬وتفسير البيضاوي ‪،‬‬
‫‪ ، 376-375 / 4‬وإرشاد العقل السليم ‪ ، 104 / 7 ،‬وروح المعاني ‪. 22 / 22‬‬
‫ب ع َلَى‬ ‫ما أُنْزِ َ‬
‫ل الْكِتَا ُ‬ ‫ن تَقُولُوا إِن َّ َ‬
‫َ‬
‫ورد مث ُل هذا التركيب في القرآن الكريم ‪ ،‬وهو قوله تعالى ‪ :‬أ ْ‬ ‫‪3‬‬

‫(النعام‪. )156:‬‬ ‫م لَغَافِلِي َ‬


‫ن‬ ‫ستِهِ ْ‬ ‫ن كُنَّا ع َ ْ‬
‫ن دَِرا َ‬ ‫ن قَبْلِنَا وَإ ِ ْ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫َ‬
‫طائِفَتَي ْ ِ‬
‫‪ 4‬الكشاف ‪. 151 / 3 ،‬‬
‫‪ 5‬تفسير البيضاوي ‪ ، 215 / 5 ،‬وينظر ‪ :‬تفسير الجللين ‪ ، 686 / 1 ،‬وروح المعاني ‪. 149 / 26 ،‬‬
‫‪ 6‬تفسير النسفي‪ 169 / 4 ،‬وينظر ‪ :‬تفسير الجللين ‪ ، 686 / 1 ،‬وفتح القدير ‪. 63 / 5 ،‬‬

‫‪ 7‬روح المعاني ‪. 150 / 26 ،‬‬


‫الصفحة ‪ 115‬من ‪142‬‬
‫وقد قرأ ابنُ أبي عبل َة وأبو المتوكلِ الناجي وأبوالجون ‪ ( :‬اقتتلتا )‪ ، 1‬وقرأ زيدُ ابن علي‬
‫وعبيدُ بن عمير واُبي بن كعب وابنُ مسعو ٍد وأبو عمران الجوني ‪ ( :‬اقتتل )‪ ، 2‬وعلى هاتين‬
‫القراءتين ل مخالفةَ أيضاً ‪.‬‬

‫ث ان يا – إذا كان ا لض مي رُ جم عا مؤنثا ‪:‬‬

‫ل على جمع تأنيثٍ ‪ ،‬وجب أن يرج َع إلى جم ٍع مؤنثٍ مثله ‪ ،‬وهذا‬ ‫فإذا جاء ضميرُ غائبٍ دا ٌ‬
‫َ‬
‫مطَل ّ َ‬
‫ن‬
‫ص َ‬‫ت يَتََرب َّ ْ‬
‫قا ُ‬ ‫وال ْ ُ‬
‫َ‬ ‫ما جاء عليه القرآنُ الكريمُ ‪ ،‬قال تعالى ‪:‬‬
‫ل ل َه َ َ‬ ‫بِأَن ْ ُ‬
‫خل َ َ‬
‫ق‬ ‫ما َ‬ ‫ن َ‬‫م َ‬ ‫ن يَكْت ُ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ح ُّ ُ ّ‬ ‫ول ي َ ِ‬ ‫َ‬ ‫ء‬
‫قُرو ٍ‬ ‫ة ُ‬ ‫ن ثَلث َ َ‬ ‫ه َّ‬ ‫ِ‬ ‫س‬
‫ف ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ر‬
‫خ ِ‬‫وم ِ اْل ِ‬ ‫والْي َ ْ‬
‫ه َ‬ ‫ن بِالل ّ ِ‬ ‫م َّ‬ ‫ؤ ِ‬‫ن يُ ْ‬ ‫ن ك ُ َّ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫ه َّ‬ ‫ِ‬ ‫م‬
‫حا ِ‬ ‫في أْر َ‬ ‫ه ِ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫َ‬ ‫وبعولَت ُه َ َ‬
‫ول َ ُ‬
‫ه َّ‬
‫ن‬ ‫صلحا ً َ‬ ‫ن أَرادُوا إ ِ ْ‬ ‫ك إِ ْ‬ ‫في ذَل ِ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ه َّ‬ ‫د ِ‬
‫ق بَِر ِّ‬ ‫ح ُّ‬ ‫نأ َ‬ ‫ُ ّ‬ ‫َ ُ ُ‬
‫ل َ َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫ج ٌ‬‫دَر َ‬‫ن َ‬ ‫ه َّ‬‫علي ْ ِ‬ ‫جا ِ‬ ‫ر َ‬ ‫ولِل ّ ِ‬ ‫ف َ‬ ‫عُرو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن بِال ْ َ‬ ‫ه َّ‬ ‫علي ْ ِ‬
‫ذي َ َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫مث ْ ُ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫م (البقرة‪ ، )228:‬والمطابقةُ حاصلةٌ كما هو واضحٌ من‬ ‫حكِي ٌ‬ ‫زيٌز َ‬ ‫ع ِ‬ ‫ه َ‬ ‫والل ُ‬ ‫َ‬
‫الية ‪ ،‬فالنون من ( يتربصن – بأنفسهن – لهن – يكتمن – أرحامهن – كُنّ – بعولتهن –‬
‫بردهن – ولهن – عليهن – عليهن ) ‪ ،‬عائدةٌ على المطلقات ‪.‬‬

‫ت‬ ‫ع بَ َ‬ ‫ْ‬ ‫ف أَي ُها الصديق أ َ‬


‫قَرا ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ب‬ ‫س‬
‫َ‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫ا‬‫َ‬ ‫ن‬‫ِ‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫ِّ ِّ ُ‬ ‫س ُ ّ َ‬ ‫وقال تعالى ‪ :‬يُو ُ‬
‫خَر‬‫وأ ُ َ‬
‫ر َ‬ ‫ض ٍ‬ ‫خ ْ‬ ‫ت ُ‬ ‫سنْبُل ٍ‬ ‫ع ُ‬ ‫ِ‬ ‫سب ْ‬‫و َ‬
‫َ‬ ‫ف‬
‫جا ٌ‬‫ع َ‬‫ع ِ‬
‫سب ْ ٌ‬‫ن َ‬ ‫ه َّ‬ ‫ْ‬
‫ن يَأكُل ُ ُ‬ ‫ما ٍ‬‫س َ‬‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫مو َ‬ ‫عل َ ُ‬
‫م يَ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫عل ّ ُ‬ ‫س لَ َ‬ ‫ج ُ َ‬
‫ع إِلى الن ّا ِ‬ ‫عل ِّي أْر ِ‬ ‫ت لَ َ‬‫سا ٍ‬‫يَاب ِ َ‬
‫(يوسف‪ ، )46:‬فالضمير ( هن ) في (يأكلهن) عائ ٌد على ( بقراتٍ ) ‪ ،‬والمطابقةُ تامةٌ‬
‫بين الضمير ومرجعه جمعاً وتأنيثًا ‪.‬‬

‫َ‬
‫ن (الرحمن‪، )58:‬‬ ‫جا ُ‬ ‫وال ْ َ‬
‫مْر َ‬ ‫ت َ‬ ‫ن الْيَا ُ‬
‫قو ُ‬ ‫وقال تعالى ‪ :‬كَأن َّ ُ‬
‫ه َّ‬
‫فالضمير ( هن ) في ( كأنهن ) راج ٌع على ( قاصرات الطرف ) ‪ ،‬في قوله تعالى ‪:‬‬
‫َ‬
‫ول‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫قبْل َ ُ‬
‫س َ‬ ‫ه َّ‬
‫ن إِن ْ ٌ‬ ‫م يَطْ ِ‬
‫مث ْ ُ‬ ‫ف لَ ْ‬
‫ت الطّْر ِ‬ ‫صَرا ُ‬
‫قا ِ‬ ‫ه َّ‬
‫ن َ‬ ‫في ِ‬ ‫ِ‬
‫ن (الرحمن‪ ، )56:‬والمطابقةُ تامةٌ بين الضمير ومرجعه جمعاً وتأنيثًا ‪ ،‬وغير‬ ‫جا ٌّ‬‫َ‬
‫ذلك من‬
‫‪3‬‬
‫اليات ‪.‬‬

‫‪ 1‬ينظر ‪ :‬الكشاف ‪ ، 151 / 3 ،‬وزاد المسير ‪ ، 463 / 7 ،‬والجامع لحكام القرآن ‪ ، 6 / 16 ،‬والبحر المحيط ‪ ، 516 / 9 ،‬وفتح‬
‫القدير ‪ ، 63 / 5 ،‬وروح المعاني ‪. 150 / 26 ،‬‬
‫‪ 2‬ينظر ‪ :‬الكشاف ‪ ، 151 / 3 ،‬وزاد المسير ‪ ، 463 / 7 ،‬والجامع لحكام القرآن ‪ ، 316 / 16 ،‬والبحر المحيط ‪، 516 / 9 ،‬‬
‫وفتح القدير ‪ ، 63 / 5 ،‬وروح المعاني ‪. 150 / 26 ،‬‬

‫‪ 3‬ينظر ‪ ( :‬النور ‪ ( ، ) 31 /‬الحزاب ‪ ( ، ) 49 /‬الطلق ‪. ) 1 /‬‬


‫الصفحة ‪ 116‬من ‪142‬‬
‫ما ظاهر ه ع دم ا لمطاب قة ‪:‬‬

‫ض المواطن في القرآن الكريم ظاهرها المخالفةُ بين الجمع المؤنث ومرجعه ‪،‬‬
‫وردت بع ُ‬
‫َ‬
‫ج‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫ح َّ‬ ‫ه َّ‬
‫في ِ‬
‫ض ِ‬
‫فَر َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ف َ‬‫ت َ‬‫ما ٌ‬‫علُو َ‬
‫م ْ‬‫هٌر َ‬ ‫جأ ْ‬
‫ش ُ‬ ‫قال تعالى ‪ :‬ال ْ َ‬
‫ح ُّ‬
‫ن‬‫م ْ‬‫علُوا ِ‬ ‫ما ت َ ْ‬
‫ف َ‬ ‫و َ‬‫ج َ‬ ‫في ال ْ َ‬
‫ح ِّ‬ ‫ل ِ‬‫جدَا َ‬ ‫ول ِ‬‫سوقَ َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ول ُ‬ ‫ث َ‬ ‫ف َ‬ ‫فل َر َ‬ ‫َ‬
‫وات َّ ُ‬ ‫خيَْر الَّزاِد الت َّ ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫قو ِ‬ ‫وى َ‬ ‫ق َ‬ ‫ن َ‬‫فإ ِ َّ‬‫ودُوا َ‬
‫وتََز َّ‬
‫ه َ‬ ‫ه الل ّ ُ‬ ‫عل َ ْ‬
‫م ُ‬ ‫ر يَ ْ‬‫خي ْ ُ ٍ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ب (البقرة‪ ، )197:‬فقد عاد ضمير الجمع المؤنث من ( فيهن‬ ‫يَا أولِي اْللْبَا ِ‬
‫) على ( أشهر ) ‪.‬‬

‫والسببُ في ذلك ‪ ،‬أن ( أشهر) جم ُع قلةٍ ‪ ،‬وجم ُع القلةِ فيما ل يعقلُ يجري كالجم ِع‬
‫ن ولم يقل ‪ ( :‬فيها ) ‪،‬‬ ‫ه َّ‬‫في ِ‬
‫ِ‬ ‫المؤنثِ ‪ ،‬وجمعُ الكثرةِ عكسُهُ ‪ ،‬يقولُ القرطبيّ ‪ " :‬وقال ‪:‬‬
‫فقال قو ٌم ‪ :‬هما سواءٌ في الستعمال ‪ ،‬وقال المازنيّ أبو عثمانٍ ‪ :‬الجم ُع للكثير لما ل يعقل ‪،‬‬
‫ع انكسرنّ ) و ( الجذوعُ‬‫يأتي كالواحدةِ المؤنثة ‪ ،‬والقليلُ ليس كذلك ‪ ،‬تقولُ ‪( :‬الجذا ُ‬
‫ها‬‫من َ‬ ‫ر ‪ ،‬ثم قال ‪:‬‬ ‫عدَّةَ ال ُّ‬ ‫انكسرتْ ) ‪ ،‬ويؤيدُ ذلك قوله تعالى ‪ :‬إ ِ َّ‬
‫ِ‬ ‫هو ِ‬‫ش ُ‬ ‫ن ِ‬
‫"‪. 1‬‬

‫َ‬ ‫ْ‬ ‫هار وال َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬


‫مُر‬‫َ‬ ‫ق‬ ‫وال‬
‫َُ َ‬‫س‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ش‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫وال‬
‫َ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ه الل‬ ‫ن آيَات ِ ِ‬‫م ْ‬ ‫و ِ‬ ‫وقال تعالى ‪َ :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ذي‬ ‫ه ال ّ ِ‬
‫جدُوا لِل ّ ِ‬‫س ُ‬
‫وا ْ‬ ‫ر َ‬ ‫م ِ‬‫ق َ‬ ‫ول لِل ْ َ‬ ‫س َ‬ ‫م ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫جدُوا لِل ّ‬ ‫س ُ‬‫ل تَ ْ‬
‫ن (فصلت‪ ، )37:‬فقد عاد ضميرُ‬ ‫عبُدُو َ‬ ‫م إِيَّاهُ ت َ ْ‬ ‫ن كُنْت ُ ْ‬ ‫ه َّ‬
‫ن إِ ْ‬ ‫ق ُ‬‫خل َ َ‬
‫َ‬
‫الجمع المؤنث ( هن ) من (خلقهن) ‪ ،‬على ( الليل والنهار والشمس والقمر ) ‪.‬‬

‫جدُوا‬‫س ُ‬ ‫والسببُ في ذلك ‪ ،‬كما في الية المذكورة آنفاً ‪ ،‬يقول الفراءُ ‪ " :‬ل ت َ ْ‬
‫خل َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫لِل َّ‬
‫خلق‬ ‫ن‬‫ه َّ‬
‫ق ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬
‫دوا لِل ّ ِ‬
‫ج ُ‬
‫س ُ‬
‫وا ْ‬‫ر َ‬‫م ِ‬‫ق َ‬‫ول لِل ْ َ‬ ‫س َ‬ ‫م ِ‬ ‫ش ْ‬
‫ن )؛ لن كلّ ذك ٍر من غير‬ ‫ه َّ‬
‫ق ُ‬‫خل َ َ‬
‫الشمسَ والقمرَ والليلَ والنهارَ ‪ ،‬وتأنيثهن في قوله ‪َ ( :‬‬
‫ل ‪ ( :‬م ّر بي أثوابٌ فابتَع َتهَنّ ) و ( وكانت لي‬
‫الناس وشبههم ‪ ،‬فهو في جمعه مؤنثٌ ‪ ،‬تقو ُ‬
‫ن وبنيتهنّ ) ‪ ،‬يُبنى على هذا "‪.2‬‬
‫مساجد فهدمته ّ‬

‫‪ ،‬الليل والنهار ‪ ،‬والشمس والقمر ؛ لنّ حكمَ‬ ‫ه َّ‬


‫ن‬ ‫خل َ َ‬
‫ق ُ‬ ‫َ‬
‫وقال الزمخشريّ ‪" :‬‬
‫جماعةِ ما ل‬
‫‪3‬‬
‫ل أبو حيانٍ كلمَ‬
‫يعقلُ حكمُ الُنثى أو الناثِ ‪ ،‬يُقالُ ‪ ( :‬القلمُ بريتُها ‪ ،‬وبريتُهنّ ) " ‪ ،‬وقد نق َ‬
‫الزمخشريّ معلقًا عليه بقوله ‪ " :‬وكان ينبغي أن يُفرقَ بين جمع القلة من ذلك ‪ ،‬فإن الفصحَ أن‬

‫‪ 1‬الجامع لحكام القرآن ‪ ، 406 / 2 ،‬و الية من ( التوبة ‪ ، ) 36 /‬وينظر ‪ :‬البحر المحيط ‪ ، 279 / 2 ،‬والجواهر الحسان ‪/ 1 ،‬‬
‫‪. 155-154‬‬
‫‪ 2‬معاني القرآن ‪ ،‬الفراء ‪. 18 / 3 ،‬‬
‫‪ 3‬الكشاف ‪. 72 / 3 ،‬‬
‫الصفحة ‪ 117‬من ‪142‬‬
‫يكونَ كضمير الواحدة ‪ ،‬تقولُ ‪ ( :‬الجذاعُ انكسرتْ ) على الفصح ‪ ،‬و ( الجذوعُ انكسرنّ )‬
‫على الفصح ‪ ،‬والذي تقدم في الية ليس بجم ِع قلةٍ ‪ ،‬أعني بلفظٍ واح ٍد ‪ ،‬ولكنه ذك َر أربعةً‬
‫ظ واحدٍ "‪. 1‬‬
‫متعاطف ًة ؛ َف ُن ّزِلتْ منزل َة الجمعِ المعبر عنها بلف ٍ‬

‫ن‬‫م ْ‬‫و ِ‬
‫ن عائدٌ على معنى الياتِ في قوله ‪َ :‬‬ ‫ه َّ‬ ‫خل َ َ‬
‫ق ُ‬ ‫َ‬ ‫ن الضميرَ في‬‫وقد قيلَ إ ّ‬
‫كُنّ في معنى الياتِ ؛‬ ‫ه‬
‫ن آيَات ِ ِ‬
‫م ْ‬
‫و ِ‬
‫َ‬ ‫ه ‪ ،‬يقول الزمخشريّ ‪ " :‬أو لما قال ‪:‬‬ ‫آيَات ِ ِ‬
‫ن "‪ ، 2‬وقيل إن الضمير يعود على ( الشمس والقمر ) فقط ‪ ،‬على‬ ‫ه َّ‬ ‫خل َ َ‬
‫ق ُ‬ ‫َ‬ ‫ل‪:‬‬ ‫فقي َ‬
‫‪3‬‬
‫رأي من يقولُ إن أقل الجمعِ اثنان ‪.‬‬

‫المبحث الرابع‬

‫المطابقة بين ضميري ّ الفصلِ وال شأ ن ومرجعهما ‪:‬‬

‫أولً – ا لمط ابق ة بي ن ضمي ر الفص ل ومرج عه ‪:‬‬

‫يُعرفُ العلماءُ ضميرَ الفصلِ بأنّه ضمي ٌر يقعُ بين المبتدأ والخبر أو شبههما – مما كان‬
‫أصله مبتدءاً وخبراً ثم تغير بدخول الناسخ – إذا كانا معرفتين ‪ ،‬ويأتي بصيغة التكلم والخطاب‬
‫والغيبة‪.‬‬

‫ن وأخواتهن فصلً )‪.‬‬ ‫يقول سيبويه ‪ ( " :‬هذا بابُ ما يكونُ فيه هو وأنتَ وأنا ونح ُ‬
‫ل ‪ ،‬السمُ بعده بمنزلته‬
‫ن كذلك إل في كُلّ فع ٍ‬‫إعلمْ أ ّنهُنّ ل َيكُنّ فصلً إل في الفعلِ ‪ ،‬ول يَك ّ‬
‫في حال البتداء ‪ ،‬فجاز هذا في هذه الفعال التي السماء بعدها بمنزلتها في البتداء ‪ ،‬إعلماً‬
‫‪ 1‬البحر المحيط ‪ ، 307 / 9 ،‬وينظر ‪ :‬روح المعاني ‪. 125 / 24 ،‬‬
‫‪ 2‬الكشاف ‪ ، 72 / 3 ،‬وينظر ‪ :‬الجامع لحكام القرآن ‪ ، 364 / 15 ،‬والبحر المحيط ‪ ، 307 / 9 ،‬والبرهان في علوم القرآن ‪/ 3،‬‬
‫‪. 367‬‬
‫‪ 3‬ينظر ‪ :‬معاني القرآن الكريم ‪ ،‬النحاس ‪ ، 271 / 6 ،‬والجامع لحكام القرآن ‪ ، 364 / 15 ،‬والبحر المحيط ‪. 307 / 9 ،‬‬

‫الصفحة ‪ 118‬من ‪142‬‬


‫بأنّهُ قد َفصَلَ السمَ ‪ ،‬وأنّهُ فيما يَنتظرُ المح ّدثُ ويتوقعه منه ‪ ،‬مما ل بُدّ له أن يذكره للمح ّدثِ ؛‬
‫ك إذا ابتدأتَ السم ‪ ،‬فإنما تبتدئه لما بعده ‪ ،‬فإذا ابتدأتَ فقد وجبَ عليكَ مذكو ٌر بعد المبتدأ ل‬ ‫ل ّن َ‬
‫بُ ّد منه ‪ ،‬وإل فسد الكلمُ ولمْ يس ْغ لكَ ‪ ،‬فكأنّه َذ َك َر هو ؛ ليستدل المح ّدثُ أن ما بعد السم ما‬
‫ل رحمه الُ "‪. 1‬‬ ‫يُخرجه مما وجب عليه ‪ ،‬وأنّ ما بعد السم ليس منه ‪ ،‬هذا تفسيرُ الخلي ِ‬

‫ل وفي البتداء ‪ ،‬ولكن ما‬ ‫وجاء في الكتاب أيضاً ‪ " :‬واعلمْ أنها تكون في إنّ وأخواتها فص ً‬
‫ل حتى يكون ما بعدها‬ ‫بعدها مرفوعٌ قبل أن تذكرَ الفصلَ واعلم أن هو ل يحسن أن تكون فص ً‬
‫معرف ًة ‪ ،‬أو ما أشبه المعرفة مما طال ولم تدخله اللفُ واللمُ وضارعَ زيداً وعمراً ‪ ،‬نحو ‪:‬‬
‫خي ٌر منكَ ومثلكَ وأفضل منكَ وش ٌر منكَ ‪ ،‬كما إنها ل تكون في الفصل إل وقبلها معرفةٌ أو ما‬
‫ضارعها ‪ ،‬كذلك ل يكون ما بعدها إل معرفةً أو ما ضارعها "‪.2‬‬

‫ث شرائط ‪ :‬أحدها ‪ :‬أن يكون‬‫ن الضميرَ الذي يق ُع فصلً له ثل ُ‬


‫ويقول ابنُ يعيش ‪ " :‬إعلمْ أ ّ‬
‫من الضمائر المنفصلة المرفوعة الموضع ‪ ،‬ويكون هو الول في المعنى ‪ ،‬الثاني ‪ :‬أن يكون‬
‫بين المبتدأ وخبره ‪ ،‬أو هو ما داخلٌ على المبتدأ وخبره من الفعال والحروف ‪ ،‬نحو إنّ‬
‫وأخواتها ‪ ،‬وكان وأخواتها ‪ ،‬وظننتُ وأخواتها ‪ ،‬الثالث ‪ :‬أن يكون بين معرفتين ‪ ،‬أو معرفة‬
‫وما قاربها من النكرات "‪. 3‬‬

‫ويسميه البصريون فصلً ؛ لنه بين المبتدأ الخبر ‪ ،‬أو لنه فصل بين الخبر والنعت ‪ ،‬أو‬
‫لنه فصل بين الخبر والتابع ‪،4‬‬
‫وأما الكوفيون فيسمونه عماداً ‪ " ،‬كأنه عمد السم الول وقواه بتحقيق الخبر بعده "‪ 5‬يقول ابنُ‬
‫ل ‪ " :‬كأنّهُ فصل السم الول عمّا بعده ‪ ،‬وآذنَ‬ ‫يعيشٍ في سبب تسميتةِ هذا الضميرِ فص ً‬
‫‪6‬‬
‫بتمام ِه ‪ ،‬وإنْ ل ْم يبقَ منه بقي ٌة من نعتٍ ول بدلٍ ‪ ،‬إل الخبر ‪ ،‬ل غيرُ "‬
‫ومظهر المطابقة في ضمير الفصل موجودٌ ‪ ،‬فيُشترطُ أن يكون مطابقاً للمبتدأ في العدد‬
‫وفي الجنس وفي الشخص ( التكلم والخطاب والغيبة ) ‪ ،‬جاء في لباب العراب ‪ " :‬وإذا كان‬
‫الخبرُ معرف ًة أو مضارعاً لها في امتناعِ دخول حرف التعريف عليه ‪ ،‬كـ ( أفعل من كذا ) ‪،‬‬
‫والفعلِ المضارعِ ‪ ،‬جاز تخللُ ضمير الفصل بينهما ‪ ،‬وهو أحد الضمائر المنفصلة المرفوعة ‪،‬‬
‫مطابقًا للمبتدأ ‪ ،‬إيذانًا بأنه خبرٌ ل نعتٌ "‪.7‬‬

‫ويقول الدماميني ‪ ( " :‬مطابقٌ للمبتدأ ) في الفراد وفرعيه ‪ ،‬والتذكير وفرعه ‪ ،‬والتكلم‬
‫والخطاب والغيبة "‪ ،8‬ويقول السيوطيّ ‪ " :‬ويقعُ بلفظ المرفوع المنفصل ‪ ،‬مطابقاً ما قبله في‬
‫الفراد والتثنية والجمع ‪ ،‬والتذكير والتأنيث ‪ ،‬والتكلم والخطاب والغيبة "‪. 9‬‬

‫‪ 1‬الكتاب ‪. 389 / 2 ،‬‬


‫‪ 2‬المصدر نفسه ‪ ، 392 / 2 ،‬وينظر ‪ :‬لباب العراب ‪ ، 233 ،‬والمنهل الصافي ‪. 681-680 / 2 ،‬‬
‫‪ 3‬شرح المفصل ‪. 110 / 3 ،‬‬
‫‪ 4‬ينظر ‪ :‬الفرائد الجديدة ‪. 150 / 1 ،‬‬
‫‪ 5‬شرح المفصل ‪. 110 / 3 ،‬‬
‫‪ 6‬المصدر نفسه ‪. 110 / 3 ،‬‬
‫‪ 7‬لباب العراب ‪. 233 ،‬‬
‫‪ 8‬المنهل الصافي ‪. 682 ، 2 ،‬‬
‫‪ 9‬همع الهوامع ‪. 237 / 1 ،‬‬
‫الصفحة ‪ 119‬من ‪142‬‬
‫وقد ورد ضميرُ الفصل في القرآن الكريم ‪ ،‬إذ بلغت مواطنُ وروده مئة وسبعاً وتسعينَ‬
‫موطنًا ‪ ،‬وفي كلّ هذه المواطنِ تمت المطابق ُة بين ضمير الفصل وما عاد عليه ‪.‬‬

‫ها‬‫ما أَتَا َ‬‫فل َ َّ‬‫َ‬ ‫ل ( ضمير الفصل المتكلم المفرد المذكر ) قوله تعالى ‪:‬‬ ‫فمثا ُ‬
‫ن‬
‫م َ‬‫ة ِ‬ ‫ة ال ْ ُ‬
‫مبَاَرك َ ِ‬ ‫ع ِ‬ ‫ق َ‬‫في الْب ُ ْ‬ ‫ن ِ‬
‫ِ‬ ‫م‬‫َ‬ ‫واِد اْلَي ْ‬
‫َ‬ ‫ئ ال ْ‬
‫شاطِ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ي ِ‬ ‫نُوِد َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ش جر َ‬
‫ن‬
‫مي َ‬ ‫عال َ ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫سى إِنِّي أنَا الل ّ ُ‬
‫ه َر ُّ‬ ‫مو َ‬ ‫ةأ ْ‬
‫ن يَا ُ‬ ‫ال َّ َ َ ِ‬
‫ن ) ‪ ،‬وهو الياء من ( إنّي ) ‪،‬‬ ‫(القصص‪ ، )30:‬فضمير الفصل ( أنا ) مطابقٌ لسم ( إ ّ‬
‫وذلك في العدد وفي الجنس وفي الشخص ‪ ،‬فكلهما مفردٌ مذك ٌر متكلمٌ ‪.‬‬

‫ولمْ يرد في القرآن الكريم غير هذه الية من نحو هذا التركيب ‪ ،‬كما لمْ يرد في القرآن‬
‫ث ‪ ،‬ول مثنىً ‪.‬‬
‫الكريم ضميرُ فصلٍ لمتكلمٍ مفردٍ مؤن ٍ‬

‫حَرةُ‬ ‫س َ‬‫جاءَ ال َّ‬ ‫و َ‬ ‫ومثالُ ( ضمير الفصل المتكلم الجمع المذكر) قوله تعالى ‪َ :‬‬
‫ن‬‫غالِبِي َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ح ُ‬‫ن كُنَّا ن َ ْ‬ ‫جرا ً إ ِ ْ‬ ‫ن لَنَاَل َ ْ‬ ‫قالُوا إ ِ َّ‬ ‫ن َ‬ ‫و َ‬‫ع ْ‬
‫فْر َ‬ ‫ِ‬
‫ق لمرجعه ( نا ) من (كنّأ) ‪ ،‬وذلك في‬ ‫(العراف‪ ، )113:‬فضمير الفصل ( نحنُ ) مطاب ٌ‬
‫وإِنَّا‬ ‫العدد وفي الجنس وفي الشخص ‪ ،‬فكلهما جمعٌ مذكرٌ متكل ٌم ‪ ،‬و قوله تعالى ‪َ :‬‬
‫ن (الصافات‪ ، )166:‬فالمطابق ُة حاصلةٌ في العددِ‬ ‫حو َ‬ ‫سب ِّ ُ‬
‫م َ‬‫ن ال ْ ُ‬‫ح ُ‬ ‫لَن َ ْ‬
‫ما‬‫ب َ‬ ‫ونَكْت ُ ُ‬‫وتَى َ‬ ‫م ْ‬‫ي ال ْ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن نُ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫ص ‪ ،‬وقال تعالى ‪ :‬إِنَّا ن َ ْ‬ ‫والجنسِ والشخ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫مبِي ٍ‬ ‫مام ٍ ُ‬‫في إ ِ َ‬ ‫صيْنَاهُ ِ‬ ‫ح َ‬‫ءأ ْ‬ ‫ي ٍ‬‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫وك ُ ّ‬
‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫وآثَاَر ُ‬ ‫موا َ‬ ‫قدَّ ُ‬ ‫َ‬
‫(يِّس‪ ، )12:‬فضميرُ الفصلِ مطابقٌ للمبتدأ في العدد والجنس والشخص ‪ ،‬فكلهما جمعٌ‬
‫ل اللوس ّ‬
‫ي‬ ‫ب العزّ ِة والجللةِ ‪ ،‬يقو ُ‬
‫مذكرٌ متكل ٌم ‪ ،‬إل أنّ الشارةَ به إلى مفردٍ ‪ ،‬فالمتكلمُ هو ر ّ‬
‫عن هذه الية ‪ " :‬وضميرُ العظمةِ للشارةِ إلى جللة الفعل ‪ ،‬والتأكيد للعتناء بأمرِ الخب ِر ‪ ،‬أو‬
‫َ‬
‫ت‬‫مو ُ‬ ‫حيَاتُنَا الدُّنْيَا ن َ ُ‬ ‫ي إ ِ ّل َ‬
‫ه َ‬‫ن ِ‬ ‫لردِ النكار ‪ ،‬فإنّ الكفرةَ كانوا يقولون ‪ :‬إ ِ ْ‬
‫"‪ 1‬وبهذا ل إشكال في الية ‪ ،‬وقد ورد ضميرُ‬ ‫ن‬
‫عوثِي َ‬‫مب ْ ُ‬
‫ن بِ َ‬
‫ح ُ‬
‫ما ن َ ْ‬
‫و َ‬‫حيَا َ‬ ‫ون َ ْ‬
‫َ‬
‫‪2‬‬
‫الفصل الجمع المتكلم في غير هذه اليات ‪.‬‬

‫حان َ َ‬
‫ك‬ ‫سب ْ َ‬ ‫قالُوا ُ‬ ‫ومثال( ضمير الفصل المخاطب المفرد المذكر ) قوله تعالى ‪َ :‬‬
‫عل َّمتَنَا إن َّ َ َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫م ال ْ َ‬
‫حكِي ُ‬ ‫ت ال ْ َ‬
‫علِي ُ‬ ‫ك أن ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫ما َ ْ‬ ‫م لَنَا إ ِ ّل َ‬
‫عل ْ َ‬
‫ل ِ‬
‫(البقرة‪ ، )32:‬والمطابقةُ حاصلةٌ بين ضمير الفصل ( أنتَ ) والكاف في ( إ ّنكَ ) ‪،‬‬
‫وذلك في العدد والجنس والشخص ‪ ،‬فكلهما مفردٌ مذكرٌ مخاطبٌ ‪.‬‬

‫‪ 1‬روح المعاني ‪. 218 / 22 ،‬‬


‫‪ 2‬ينظر ‪ ( :‬العراف ‪ ( ، ) 115 /‬الشعراء ‪ ( ، ) 41 /‬الصافات ‪. ) 165 /‬‬

‫الصفحة ‪ 120‬من ‪142‬‬


‫ت لَ َ‬ ‫َ‬
‫ما‬
‫ك َ‬ ‫إِنِّي نَذَْر ُ‬ ‫ب‬‫ن َر ِّ‬ ‫مَرا َ‬ ‫ع ْ‬
‫ت ِ‬ ‫مَرأ ُ‬ ‫تا ْ‬ ‫قال َ ِ‬‫وقال تعالى ‪ :‬إِذْ َ‬
‫َ‬ ‫منِّي إِن َّ َ‬
‫م‬
‫علِي ُ‬‫ع ال ْ َ‬
‫مي ُ‬ ‫ال َّ‬
‫س ِ‬ ‫ت‬ ‫ك أن ْ َ‬ ‫ل ِ‬ ‫قب َّ ْ‬‫فت َ َ‬‫حَّررا ً َ‬
‫م َ‬‫في بَطْنِي ُ‬ ‫ِ‬
‫(آل عمران‪ ، )35:‬وقد تمت المطابقةُ بين ضمير الفصل ( أنتَ ) والكاف من‬
‫ب‪.‬‬
‫( إ ّنكَ ) ‪ ،‬وذلك في العدد والجنس والشخص ‪ ،‬فكلهما مفر ٌد مذكرٌ مخاط ٌ‬

‫غي‬ ‫ملْكا ً ل يَنْب َ ِ‬


‫ب لِي ُ‬
‫ه ْ‬
‫و َ‬
‫فْر لِي َ‬ ‫با ْ‬
‫غ ِ‬ ‫ل َر ِّ‬ ‫َ‬
‫قا َ‬ ‫وقال تعالى ‪:‬‬
‫َ‬
‫ص‪ ، )35:‬وقد تمت المطابقةُ في‬ ‫ب ( ّ‬ ‫و َّ‬
‫ها ُ‬ ‫ت ال ْ َ‬ ‫ك أن ْ َ‬ ‫دي إِن َّ َ‬ ‫ع ِ‬
‫ن بَ ْ‬
‫م ْ‬‫د ِ‬ ‫ِل َ َ‬
‫ح ٍ‬
‫هذه الية أيضاً كسابقتها ‪ ،‬وقد ورد من نحو هذا التركيب في القرآن الكريم ‪ ،1‬ولم يرد ضمير‬
‫الفصل المخاطب في القرآن الكريم غير المفرد المذكر ‪ ،‬فلم يرد ضمير فصلٍ مخاطبٍ مفردٍ‬
‫مؤنثٍ ‪ ،‬أو مثنىً ‪ ،‬أو جم ٍع بنوعيه ‪ ،‬المذكرِ منه والمؤنث ‪.‬‬

‫و‬‫ه َ‬‫هذَا ل َ ُ‬
‫ن َ‬ ‫وأما مثال ( ضمير الفصل الغائب المفرد المذكر ) قوله تعالى ‪ :‬إ ِ َّ‬
‫ح ُّ‬
‫ق‬ ‫ص ال ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ص‬
‫َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ق‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫م (آل‬ ‫حكِي ُ‬ ‫زيُز ال ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ال‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫الل‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫وإ‬
‫َ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫الل‬ ‫ل‬ ‫ه إِ‬‫ن إِل َ ٍ‬‫م ْ‬
‫ما ِ‬‫و َ‬‫َ‬
‫ق لـ ( هذا ) في العدد‬ ‫عمران‪ ، )62:‬فضميرا الفصل مطابقان لسم ( إنّ ) ‪ ،‬فالول مطاب ٌ‬
‫والجنس والشخص ‪ ،‬فكلهما مفردٌ مذك ٌر غائبٌ ‪ ،‬والثاني مطابقٌ لـلفظ الجللة ( ال ) ‪ ،‬وذلك‬
‫في العدد والجنس والشخص ‪ ،‬فكلهما مفردٌ مذكرٌ غائبٌ ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫ح‬
‫سي ُ‬ ‫م ِ‬ ‫و ال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ه‬‫َ‬ ‫الل‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫وا‬
‫َ‬
‫ُ‬ ‫قال‬‫َ‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ذي‬ ‫ِ‬ ‫فَر ال‬ ‫قدْ ك َ َ‬ ‫وقال تعالى ‪ :‬ل َ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫هل ِ َ‬
‫ك‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫ن أَرادَ أ ْ‬ ‫شيْئا ً إ ِ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫مل ِ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ن يَ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬ ‫ل َ‬
‫ف‬ ‫ق ْ‬ ‫م ُ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫اب ْ ُ‬
‫َّ‬ ‫ميعا ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ه‬
‫ولِل ِ‬ ‫َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ض َ‬ ‫ِ‬ ‫في اْلْر‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬ ‫و‬‫َ‬ ‫ه‬‫ُ‬ ‫م‬ ‫وأ َّ‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫مْري َ‬ ‫َ‬ ‫ن‬
‫ح اب ْ َ‬ ‫سي َ‬‫م ِ‬ ‫َ‬ ‫ال ْ‬
‫َ‬ ‫ت واْل َ‬
‫والل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫شاءُ َ‬ ‫ما ي َ َ‬ ‫ق َ‬ ‫خل ُ ُ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫ه َ‬‫ما بَيْن َ ُ‬ ‫و َ‬ ‫ض َ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫ْ‬ ‫وا ِ َ‬ ‫ما َ‬‫س َ‬‫ك ال َّ‬ ‫مل ْ ُ‬ ‫ُ‬
‫ر (المائدة‪ ، )17:‬وقد تمت المطابقةُ هنا أيضاً بين‬ ‫دي ٌ‬ ‫ق ِ‬ ‫ء َ‬ ‫ي ٍ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫علَى ك ُ ِّ‬ ‫َ‬
‫ضمير الفصل (هو) ‪ ،‬واسم ( إنّ ) لفظ الجللة ( ال ) ‪ ،‬وذلك في العدد والجنس والشخص ‪،‬‬
‫زيُز‬ ‫و ال ْ َ‬
‫ع ِ‬ ‫ك لَ ُ‬
‫ه َ‬ ‫وإ ِ َّ‬
‫ن َرب َّ َ‬ ‫فكلهما مفردٌ مذك ٌر غائبٌ ‪ ،‬وكذا المرُ في قوله تعالى ‪َ :‬‬
‫‪2‬‬
‫م (الشعراء‪ ، )9:‬وقد ورد غير هذه اليات في القرآن الكريم ‪.‬‬ ‫حي ُ‬‫الَّر ِ‬

‫ما‬‫وم ِ إِن َّ َ‬
‫ق ْ‬‫ومثال ( ضمير الفصل الغائب المفرد المؤنث ) ‪ ،‬قوله تعالى ‪ :‬يَا َ‬
‫ر‬
‫قَرا ِ‬‫ي دَاُر ال ْ َ‬
‫ه َ‬ ‫ن اْل ِ‬
‫خَرةَ ِ‬ ‫وإ ِ َّ‬
‫ع َ‬
‫متَا ٌ‬ ‫ه ال ْ َ‬
‫حيَاةُ الدُّنْيَا َ‬ ‫ذ ِ‬
‫ه ِ‬
‫َ‬
‫(غافر‪ ، )39:‬فضمير الفصل ( هي ) مطابقٌ لسم ( إنّ ) ‪( ،‬الخرة) ‪ ،‬وذلك في العدد و‬
‫الجنس والشخص ‪ ،‬فكلهما مفر ٌد مؤنثٌ غائبٌ ‪.‬‬

‫‪ 1‬ينظر ‪ ( :‬البقرة ‪ ( ، ) 128 /‬المائدة ‪ ( ، ) 109 /‬يوسف ‪. ) 90 /‬‬


‫‪ 2‬ينظر ‪ ( :‬البقرة ‪ ( ، ) 37 /‬البقرة ‪ ( ، ) 120 /‬لقمان ‪) 26 /‬‬

‫الصفحة ‪ 121‬من ‪142‬‬


‫وأ َ ْ‬ ‫ي أَ َ‬ ‫َ‬
‫قيلً‬‫م ِ‬ ‫و ُ‬
‫ق َ‬ ‫وطْئا ً َ‬
‫دُ َ‬
‫ش ّ‬ ‫ه َ‬
‫ل ِ‬‫ة الل ّي ْ ِ‬
‫شئ َ َ‬ ‫وقال تعالى ‪ :‬إ ِ َّ‬
‫ن نَا ِ‬
‫(المزمل‪ ، )6:‬والمطابقةُ حاصلةٌ أيضًا بين ضمير الفص ( هي ) واسم ( إنّ ) ‪،‬‬
‫ب ‪ ،‬وكذا المرُ‬
‫( ناشئة الليل ) ‪ ،‬وذلك في العدد والجنس والشخص ‪ ،‬فكلهما مفردٌ مؤنثٌ غائ ٌ‬
‫حيم هي ال ْ ْ‬
‫وى (النازعِات‪، )39:‬‬ ‫مأ َ‬
‫َ‬ ‫ج ِ َ ِ َ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫فإ ِ َّ‬
‫في قوله تعالى ‪َ :‬‬
‫‪1‬‬
‫وقد ورد في غيرُ هذه اليات ‪.‬‬

‫ى‪.‬‬
‫ولمْ ير ْد في القرآن الكريم ضمير فصلٍ غائبٍ مثن ً‬

‫علَى‬ ‫ومثال ( ضمير الفصل الغائب الجمع المذكر ) ‪ ،‬قوله تعالى ‪ :‬أُولَئ ِ َ‬
‫ك َ‬
‫ن (البقرة‪، )5:‬‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫م ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ه ُ‬
‫ك ُ‬‫وأُولَئ ِ َ‬
‫م َ‬
‫ه ْ‬
‫ن َرب ِّ ِ‬
‫م ْ‬
‫ى ِ‬
‫هد ً‬
‫ُ‬
‫ق للمبتدأ ( أولئكَ ) ‪ ،‬وذلك في العدد والجنس والشخص ‪ ،‬فكلهما‬
‫فضمير الفصل ( هم ) مطاب ٌ‬
‫ب‪.‬‬‫جم ٌع مذكرٌ غائ ٌ‬

‫فأُولَئ ِ َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ه ُ‬
‫ك ُ‬ ‫ك َ‬ ‫ول ّى ب َ ْ‬
‫عدَ ذَل ِ َ‬ ‫ن تَ َ‬
‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ف َ‬ ‫وقال تعالى ‪:‬‬
‫(آل عمران‪ ، )82:‬والمطابقةُ حاصلةٌ هنا أيضاً ‪ ،‬بين ضمير‬ ‫ن‬
‫قو َ‬ ‫س ُ‬
‫فا ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫الفصل ( هم ) ‪ ،‬والمبتدأ ( أولئكَ ) ‪ ،‬وذلك في العدد والجنس والشخص ‪ ،‬فكلهما جم ٌع مذكرٌ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫قل ُ‬
‫ُ‬ ‫ب ‪ ،‬وكذا الم ُر في قوله تعالى ‪ :‬أ َ‬
‫ض أم ِ اْرتَابُوا أ ْ‬ ‫مَر ٌ‬
‫م َ‬‫ه ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وب‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫غائ ٌ‬
‫ل أُولَئ ِ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ه ُ‬‫ك ُ‬ ‫سول ُ ُ‬
‫ه بَ ْ‬ ‫وَر ُ‬
‫َ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫عل‬
‫َ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ف الل‬ ‫ن يَ ِ‬
‫حي َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫فو َ‬ ‫خا ُ‬
‫َّ‬
‫يَ َ‬
‫‪2‬‬
‫ن (النور‪ ، )50:‬وقد وردت في القرآن الكريم غير هذه اليات ‪.‬‬ ‫مو َ‬ ‫الظال ِ ُ‬
‫مما تقدمَ نستطي ُع القولَ بأنّ المطابقةَ بين ضمير الفصل وما عاد عليه ‪ ،‬قد تمت في مواطنِ‬
‫وروده كلّها في القرآن الكريم ‪ ،‬وقد تمثلت هذه المطابقةُ في العدد والجنس والشخص ‪.‬‬

‫‪ 1‬ينظر ‪ ( :‬التوبة ‪ ( ، ) 40 /‬النازعات ‪. ) 41 /‬‬


‫‪ 2‬ينظر ‪ ( :‬الروم ‪ ( ، ) 38 /‬الصافات ‪ ( ، ) 172 /‬الزمر ‪. ) 33 /‬‬

‫الصفحة ‪ 122‬من ‪142‬‬


‫ثان يا – المط ابقةُ بي ن ض مي رِ الشأنِ و مرج عه ‪:‬‬

‫يتقدمُ الجمل َة في بعض التراكيب ضميرٌ مفر ٌد غائبٌ ‪ ،‬يُقصدُ به التفخي ُم والتعظيمُ ‪ ،‬يسميه‬
‫النحا ُة ‪ ( :‬ضمير الشأن أو القصة ) ‪ ،‬وهذه تسمية البصريين له ‪ ،‬وأما الكوفيون فيسمونه‬
‫‪1‬‬
‫الضمير المجهول ؛ لعد ِم تقدمِ شي ٍء عليه ‪.‬‬

‫ش ‪ " :‬إعلمْ أنّهم إذا أرادوا ذِكرَ جمل ٍة من الجملِ السمية أو الفعلية ‪ ،‬فقد‬
‫ن يعي ٍ‬
‫يقولُ اب ُ‬
‫يُقدمون قبلها ضميراً يكون كنايةً عن تلك الجملة ‪ ،‬وتكون الجمل ُة خبراً عن ذلك الضميرِ‬
‫ن وحديثٌ ‪،‬‬‫ن كلّ جملةٍ شأ ٌ‬
‫وتفسيراً له ‪ ،‬ويوحدون الضميرَ ؛ لنّهم يريدون المرَ والحديثَ ؛ ل ّ‬
‫‪2‬‬
‫ول يفعلون ذلك إل في مواضع التفخيم والتعظيم "‬

‫ويقول الرضيّ ‪ " :‬وهذا الضميرُ كأنّه راجعٌ في الحقيقة إلى المسئول عنه بسؤالٍ مقدر ‪،‬‬
‫ل مثلً ‪ ( :‬هو الميرُ مقبلٌ ) ‪ ،‬كأنّه سمع ضوضاءً وجلب ًة ؛ فاستبهم المرَ فسأل ما الشأنُ ؟‬ ‫تقو ُ‬
‫ل ) ‪ ،‬أي الشأنُ هذا ‪، ...‬والقصدُ بهذا البهام ثم التفسير ‪ :‬تعظيمُ‬ ‫فقيل له ‪ ( :‬هو الميرُ مقب ٌ‬
‫المرِ وتفخيمُ الشأن ‪ ،‬فعلى هذا ل بُ ّد أن يكون مضمونُ الجملة المفسّرة شيئاً عظيماً يُعتنى به ‪،‬‬
‫ل مثلً ‪ ( :‬هو الذبابُ يطيرُ ) "‪. 3‬‬
‫فل يُقا ُ‬

‫وكونّهُ مفرداً غائباً دائمًا ؛ فإنّ مظهرَ المطابقةِ في هذا الضميرِ مع الجملة التي بعده يتمثلُ‬
‫ن يعيشٍ ‪ " :‬وربما أنّثوا ذلك الضميرَ على إردة القصة ‪ ،‬وأكثرُ ما‬ ‫في الجنس فقط ‪ ،‬يقول اب ُ‬
‫يجيء إضمار القصةِ مع المؤنثِ ‪ ،‬وإضمارها مع المذكر جائ ٌز في القياس ؛ لنّ التذكير على‬
‫ث لذلك "‪.4‬‬
‫إضمار المذكرِ ‪ ،‬وهو المرُ والحديثُ ‪ ،‬فجائ ٌز إضمارُ القصةِ والتأني ِ‬

‫ويقولُ ابنُ مالكٍ ‪ " :‬وإفراده لزمٌ ‪ ،‬وكذا تذكيرهُ ما لمْ َيلِهِ مؤنثٌ ‪ ،‬أو مذكرٌ شبي ٌه به مؤن ٌ‬
‫ث‬
‫ح تأنيثهُ باعتبار القصة على تذكيره باعتبار الشأن "‪ ، 5‬وترجيحُ‬ ‫ل بعلمةِ تأنيثٍ ‪ ،‬فيرُج ُ‬‫‪ ،‬أو فع ٌ‬
‫ث ضميرِ الشأن مع المؤنث مذهبُ البصريين ‪ ،‬وأما الكوفيون ‪ ،‬فيُوجبون التذكيرَ مع‬ ‫تأني ِ‬
‫‪6‬‬
‫المذكر والتأنيثَ مع المؤنث ‪.‬‬

‫ن‬
‫م ْ‬
‫ه َ‬ ‫ولقد ورد ضميرُ الشأن في القرآن الكريم ‪ ،‬فمثاله مذكراً قوله تعالى ‪ :‬إِن َّ ُ‬
‫ْ‬
‫حيَى‬
‫ول ي َ ْ‬ ‫ها َ‬
‫في َ‬‫ت ِ‬ ‫مو ُ‬ ‫م ل يَ ُ‬ ‫هن َّ َ‬
‫ج َ‬
‫ه َ‬‫ن لَ ُ‬ ‫رما ً َ‬
‫فإ ِ َّ‬ ‫ج ِ‬
‫م ْ‬ ‫ت َرب َّ ُ‬
‫ه ُ‬ ‫يَأ ِ‬
‫‪ 1‬ينظر ‪ :‬شرح المفصل ‪ ، 114 / 3 ،‬وارتشاف الضرب ‪ ، 486-485 / 1 ،‬وشرح الرضي على الكافية ‪ ، 464 / 2 ،‬وهمع‬
‫الهوامع ‪. 232 / 1 ،‬‬
‫‪ 2‬شرح المفصل ‪. 114 / 3 ،‬‬
‫‪ 3‬شرح الرضي على الكافية ‪. 465-464 / 2 ،‬‬
‫‪4‬شرح المفصل ‪. 116 / 3 ،‬‬
‫‪ 5‬تسهيل الفوائد ‪. 28 ،‬‬
‫‪ 6‬ينظر ‪ :‬ارتشاف الضرب ‪ ، 488-486 / 1 ،‬والجامع الصغير في النحو ‪ ، 23 ،‬وهمع الهوامع ‪. 234-233 / 1 ،‬‬

‫الصفحة ‪ 123‬من ‪142‬‬


‫(طِه‪ ، )74:‬يقو ُ‬
‫ل القرطبيّ ‪ " :‬والكنايةُ ترج ُع إلى المرِ والشأن "‪ 1‬ويقولُ النسفيّ ‪" :‬‬
‫‪2‬‬
‫( إنّهُ ) ‪ :‬هو ضمير الشأن "‬
‫ُ‬ ‫علَيه أَن َّه من ت َوَّله َ َ‬
‫ه‬
‫دي ِ‬ ‫ه ِ‬‫وي َ ْ‬ ‫ضل ّ ُ‬
‫ه َ‬ ‫فأن َّ ُ‬
‫ه يُ ِ‬ ‫ُ َ ْ َ ُ‬ ‫ب َ ْ ِ‬ ‫وقال تعالى ‪ :‬كُت ِ َ‬
‫ل إعراب القرآن ‪ ( " :‬أنّ ُه من‬ ‫ر (الحج‪ ، )4:‬جاء في مشك ِ‬ ‫عي ِ‬ ‫ب ال َّ‬
‫س ِ‬ ‫عذَا ِ‬‫إِلَى َ‬
‫ل البيضاويّ ‪:‬‬
‫توله ) فشأنه أنّه يضله ‪ ،‬أو فأمره أنّه يضله ‪ ،‬أي فشأنه الضلل "‪ ، 3‬ويقو ُ‬
‫" ( أنّه من توله ) ‪ ،‬تبعه ‪ ،‬والضميرُ للشأن "‪.4‬‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫وقال تعالى ‪ :‬أ َ‬
‫ن‬‫ن لَ ْ‬
‫ضأ ْ‬ ‫مَر ٌ‬ ‫م َ‬‫ه ْ‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وب‬ ‫قل ُ‬
‫ُ‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ذي‬
‫ِ‬ ‫ال‬ ‫ب‬
‫َ‬ ‫س‬
‫ِ‬ ‫ح‬‫َ‬ ‫م‬‫ْ‬
‫َ‬
‫ل أبو السعود ‪ " :‬و ( أنْ ) مخففةٌ‬‫م (محمد‪ ، )29:‬يقو ُ‬ ‫ه ْ‬
‫غان َ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ه أَ ْ‬
‫ج الل ّ ُ‬
‫ر َ‬
‫خ ِ‬
‫يُ ْ‬
‫من ( أنّ ) ‪ ،‬وضميرُ الشأن الذي هو اسمها محذوفٌ "‪ ، 5‬ويقول الشوكانيّ ‪ " :‬و( أنْ ) هي‬
‫‪7‬‬
‫المخففة من الثقيلة واسمها ضمير شأن مقدر "‪ ، 6‬وواضحٌ ان المطابقةَ تام ٌة في هذه اليات ‪.‬‬

‫فإِذَا‬ ‫ح ُّ‬
‫ق َ‬ ‫عدُ ال ْ َ‬
‫و ْ‬‫ب ال ْ َ‬ ‫وا ْ‬
‫قتََر َ‬ ‫أما مثاله إذا كان مؤنثاً ‪ ،‬فنحو َقوله تعالى ‪َ :‬‬
‫قدْ كُنَّا ِ‬ ‫ويْلَنَا َ‬ ‫خص ٌ َ‬
‫في‬ ‫فُروا يَا َ‬‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬‫صاُر ال ّ ِ‬‫ة أب ْ َ‬ ‫شا ِ َ‬‫ي َ‬ ‫ه َ‬ ‫ِ‬
‫ل العكبريّ ‪:‬‬‫ن (النبياء‪ ، )97:‬يقو ُ‬ ‫مي َ‬ ‫ل كُنَّا ظَال ِ ِ‬ ‫هذَا ب َ ْ‬‫ن َ‬‫م ْ‬
‫ة ِ‬‫فل َ ٍ‬ ‫َ‬
‫غ ْ‬
‫" و ( هي ) ‪ ،‬ضميرُ القصة "‪. 8‬‬
‫في اْل َ‬ ‫وقال تعالى ‪ :‬أ َ‬
‫ب‬‫قلُو ٌ‬ ‫م ُ‬ ‫ن لَ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫فتَكُو َ‬‫ض َ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫روا‬‫ُ‬ ‫سي‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫فل َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ها َ‬ ‫قلُون بها أ َ‬
‫صاُر‬ ‫مى الب ْ َ‬ ‫ع َ‬
‫ها ل ت َ ْ‬ ‫فإِن ّ َ‬ ‫ن بِ َ‬
‫عو َ‬ ‫م ُ‬
‫س َ‬
‫ن يَ ْ‬ ‫و آذَا ٌ‬ ‫ْ‬ ‫َ ِ َ‬ ‫ع ِ‬
‫يَ ْ‬
‫َ‬
‫ر (الحج‪ ، )46:‬يقولُ‬ ‫صدُو ِ‬ ‫في ال ُّ‬ ‫ب ال ّتِي ِ‬ ‫قلُو ُ‬ ‫مى ال ْ ُ‬ ‫ع َ‬ ‫ولَك ِ ْ‬
‫ن تَ ْ‬ ‫َ‬
‫النسفيّ ‪ " :‬الضميرُ في ( فإنّها )‬
‫‪10‬‬
‫سرٌ بالجملةِ بعده ‪.‬‬
‫ضميرُ القصةِ "‪ ، 9‬ويقولُ اللوسيّ ‪ " :‬ضميرُ ( فإنّها ) للقصة ‪ ،‬فهو مفَ ّ‬

‫ل‬‫خْردَ ٍ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬ ‫حب َّ ٍ‬
‫ة ِ‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْ َ‬
‫قا َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫ي إِن َّ َ‬
‫ها إ ِ ْ‬ ‫وقال تعالى ‪ :‬يَا بُن َ َّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫خر َ‬
‫ت‬
‫ض يَأ ِ‬‫في الْر ِ‬ ‫و ِ‬‫تأ ْ‬ ‫وا ِ‬ ‫ما َ‬ ‫في ال َّ‬
‫س َ‬ ‫و ِ‬ ‫ةأ ْ‬ ‫ص ْ َ ٍ‬‫في َ‬ ‫ن ِ‬ ‫فتَك ُ ْ‬
‫َ‬

‫‪ 1‬الجامع لحكام القرآن ‪. 226 / 11 ،‬‬


‫‪ 2‬تفسير النسفي ‪ ، 60 / 3 ،‬وينظر ‪ :‬تفسير البيضاوي ‪. 62 / 4 ،‬‬
‫‪ 3‬مشكل إعراب القرآن ‪. 486 / 2 ،‬‬
‫‪ 4‬تفسير البيضاوي ‪ ، 114 / 4 ،‬وينظر ‪ :‬روح المعاني ‪. 114 / 17 ،‬‬
‫‪ 5‬ارشاد العقل السليم ‪. 100 / 8 ،‬‬
‫‪ 6‬فتح القدير ‪ ، 39 / 5 ،‬وينظر ‪ :‬روح المعاني ‪. 76 / 26 ،‬‬
‫‪ 7‬ينظر ‪ ( :‬يونس ‪ ( ، ) 12 /‬الرعد ‪ ( ، ) 31 /‬الفتح ‪. ) 12 /‬‬
‫‪ 8‬التبيان في إعراب القرآن ‪. 137 / 2 ،‬‬

‫‪ 9‬تفسير النسفي ‪. 105 / 3 ،‬‬


‫‪ 10‬روح المعاني ‪ ، 167 / 17 ،‬وينظر ‪ :‬تفسير البيضاوي ‪ ، 131 / 4 ،‬والجواهر الحسان ‪. 84 / 3 ،‬‬
‫الصفحة ‪ 124‬من ‪142‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫(لقمان‪ ، )16:‬يقولُ أبو حيانٍ ‪" :‬‬ ‫خبِيٌر‬ ‫ه لَطِي ٌ‬
‫ف َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ها الل ّ ُ‬
‫ه إ ِ َّ‬ ‫بِ َ‬
‫والظاهرُ أن الضميرَ في (إنّها) ضمير القصة " ‪.‬‬
‫‪11‬‬

‫وقد تمت المطابقةُ في هذه اليات ‪ ،‬ولمْ يرد ضميرُ الشأن في القرآن الكريم مخالفاً لما‬
‫يفسره‬

‫( الخاتمة )‬
‫وبعدُ ‪...‬‬
‫فإنّ مظهر المطابقة ل ْم يغفله النحاةُ ‪ ،‬وإنْ لم يُفردوا له باباً خاصًا به ‪ ،‬فنحنُ نجدهم‬
‫يتكلمون عليها كلما كان ذكرها مناسبًا ‪ ،‬وذلك واضحٌ في كتبهم وما ذكرناه في فصول الرسالة‬
‫وعلى الرغم من أنّ الصل تخالف المبتدأ والخبر تعريفاً وتنكيراً ‪ ،‬فالول معرفة‬
‫‪ ،‬والثانــي نكرة ‪ ،‬فإنّـ مجيئهمــا معرفتيــن أو نكرتيــن ‪ ،‬يُعدّ مظهراً مــن مظاهــر‬
‫المطابقـة ‪ ،‬أمـا المبتدأ الذي له فاعلٌ يسـد مسـد الخـبر ‪ ،‬فإن مجيئه فـي القرآن الكريـم‬
‫كان مطابقاً ‪ ،‬وعلى الرغم من جواز المخالفة بين أفعل التفضيل المضاف إلى معرفة‬
‫‪ 11‬البحر المحيط ‪. 414 / 8 ،‬‬
‫الصفحة ‪ 125‬من ‪142‬‬
‫وما قبله ‪ ،‬فقد جاء في القرآن الكريم مطابقاً في مواطن تزيد على مواطن المخالفة ‪،‬‬
‫وحافـظ النظمُـ القرآنـي على المطابقـة بيـن الفعـل والفاعـل المؤنـث ‪ ،‬وعلى الرغـم مـن‬
‫جواز تذكيــر فعــل الفاعــل المؤنــث المجازي المتصــل بعامله والمنفصــل عنــه ‪ ،‬فإنّ‬
‫القرآن الكريـم جاء بالمطابقـة فـي مثـل هذا التركيـب ‪ ،‬ول ب ّد لنـا مـن مراعاة السـياق‬
‫والمعنـى العام عنـد تأويـل اليات التـي ظاهرهـا التخالف ‪ ،‬كمـا نسـتطيعُ أن نقولَ أن‬
‫لغة ( أكلوني البراغيثُ ) لغة ورد عليها القرآن الكريم ‪ ،‬ول مُسوّغ لردها في بعض‬
‫اليات القرآنية الكريمة ؛ لنّها جارية على مظهر المطابقة ‪.‬‬
‫وجاء النعتُ السببي في كلّ مواطن وروده في القرآن الكريم محافظاً على المطابقة ‪ ،‬وكذا‬
‫المر في عطف البيان ‪ ،‬والتوكيد ‪ ،‬والبدل ‪ ،‬وإنّ مجيءَ ظاهرة القطع في كلّ من النعت‬
‫الحقيقي ‪ ،‬وعطف النسق ‪ ،‬لم يكن إل زيادة جمالٍ وروعةٍ في النص القرآني الكريم ‪ ،‬وعلى‬
‫الرغم من جواز تخالف البدل والمبدل منه في التعريف والتنكير ‪ ،‬فإن القرآن الكريم استعملهما‬
‫متطابقين في مواطنَ بلغتْ ضعفَ مواطن تخالفهما ‪.‬‬
‫والمطابقة في القرآن الكريم بين الضمير الغائب المفرد بنوعيه ‪ :‬المذكر والمؤنث ‪،‬‬
‫والمثنى ‪ ،‬والجمع بنوعيه ‪ :‬المذكر والمؤنث ‪ ،‬قد تمت في مواطن تزي ُد كثيراً على المواطن‬
‫التي ظاهرها التخالفُ ‪ ،‬ول ننسى أن لهذه المواطن حملً على المعنى ‪ ،‬وقد تمت المطابقة في‬
‫ل مواطن ورود ضميري الفصل والشأن ‪.‬‬ ‫القرآن الكريم في ك ّ‬
‫وإننـي فـي رسـالتي هذه ل أدعـي أنـي أحصـيتُ كلّ مـا جاء مطابقاً أو مـا جاء‬
‫غير مطابق في القرآن الكريم ‪ ،‬واكتفيتُ بنصوصٍ وافيةٍ من القرآن الكريم ؛ فالقرآن‬
‫معجزة ال تعالى ‪ ،‬ل يسـتطي ُع الباحـث أن يحيـط بكلّ جوانبـه وخصـائصه وأسـراره ‪،‬‬
‫وإننـا لو تتبعنـا أيّ ظاهرةٍ فيـه ‪ ،‬فإنّ دراسـتنا ل تتجاوز آياتٍـ معدودة محدودة ‪ ،‬ذلك‬
‫ل حرف ـٍ فيــه معنىً ‪ ،‬ولكلّ كلم ٍة فيــه‬‫لنّـ هذا الكتاب ـَ وحيّ مــن حكيم ـٍ عليم ٍـ ‪ ،‬لك ّ‬
‫ق للصواب ‪.‬‬‫مغزىً ‪ ،‬ولكلّ آيةٍ فيه برهانٌ ‪.‬وال الموف ُ‬
‫ث‬
‫الباح ُ‬ ‫والحمد ل أولً وآخراً والصلة على اللِ الطيبين والصحب الميامين ‪.‬‬

‫( قائمة المصادر والمراجع والبحوث )‬


‫( القرآن الكريم ) ‪.‬‬

‫‪ -1‬التقان في علوم القرآن ‪ ،‬جلل الدين السيوطي ‪ ،‬ت ‪ 911‬هـ ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬محمد العربي ‪،‬‬
‫القاهرة ‪ ،‬ط ‪ 1415 ، 1/‬هـ – ‪ 1995‬م ‪.‬‬

‫ي الرازي الجصاص ‪ ،‬ت ‪ 370‬هـ ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬محمد الصادق‬


‫‪ -2‬أحكام القرآن ‪ ،‬أبو بك ٍر أحمدُ بنُ عل ّ‬
‫قمحاوي ‪ ،‬بيروت ‪ 1405 ،‬هـ – ‪ 1985‬م ‪.‬‬

‫الصفحة ‪ 126‬من ‪142‬‬


‫د‪0‬‬ ‫‪ -3‬إرتشاف الضرب من لسان العرب ‪ ،‬أبو حيان الندلسي ‪ ،‬ت ‪ 754‬هـ ‪ ،‬تحقيق وتعليق ‪:‬‬
‫مصطفى أحمد النماس ‪ ،‬مطبعة المدني ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬ط ‪ 1408 ، 1 /‬هـ – ‪ 1988‬م ‪.‬‬

‫‪ -4‬إرشاد العقـل السـليم إلى مزايـا القرآن الكريـم ‪ ،‬أبـو السـعود محمـد بـن محمـد‬
‫العمادي ‪ ،‬ت ‪ 951‬هـ ‪ ،‬دار إحياء التراث العربي ‪ ،‬بيروت ‪.‬‬
‫‪ -5‬أساليب التأكيد في اللغة العربية ‪ ،‬الياس ديب ‪ ،‬دار الفكر اللبناني ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ط ‪ 1404 ، 1 /‬هـ‬
‫– ‪ 1984‬م ‪.‬‬

‫‪ -6‬أسرار التكرار في القرآن ‪ ،‬محمد بن حمزة بن نصر الكرماني ‪ ،‬ت ‪ 505‬هـ ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬عبد‬
‫القادر أحمد عطا ‪ ،‬دار العتصام ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬ط ‪ 1396 ، 2 /‬هـ – ‪ 1976‬م ‪.‬‬

‫‪ -7‬الصوات اللغوية ‪ ،‬د ‪ 0‬إبراهيم أنيس ‪ ،‬مكتبة النجلو المصرية ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬ط ‪– 1395 ، 5 /‬‬
‫‪ 1975‬م ‪.‬‬

‫‪ - 8‬الصول في النحو ‪ ،‬أبو بكرٍ بن السراج النحوي البغدادي ‪ ،‬ت ‪ 316‬هـ ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬د ‪ 0‬عبد‬
‫الحسين الفتلي ‪ ،‬مطبعة النعمان ‪ ،‬النجف الشرف ‪ 1393 ،‬هـ – ‪ 1973‬م ‪.‬‬

‫‪ -9‬أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن ‪ ،‬محمد المين بن محمد المختار الجنكي الشنقيطي ‪،‬‬
‫ت ‪ 1393‬هـ ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬مكتب البحوث والدراسات ‪ ،‬دار الفكر ‪ ،‬بيروت ‪ 1415 ،‬هـ – ‪ 1995‬م ‪.‬‬

‫‪ -10‬العجاز الفني في القرآن ‪ ،‬عمر السلمي ‪ ،‬مصنع الكتاب للشركة التونسية للتوزيع ‪ ،‬تونس ‪،‬‬
‫‪ 1400‬هـ – ‪ 1980‬م ‪.‬‬

‫‪ -11‬النصاف في مسائل الخلف بين النحويين البصريين والكوفيين ‪ ،‬كمال الدين أبو البركات عبد‬
‫الرحمن بن محمد بن أبي سعيد النباري النحوي ‪ ،‬ت ‪ 577‬هـ ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬محمد محيي الدين عبد‬
‫الحميد ‪ ،‬دار الفكر ‪ ،‬بيروت ‪.‬‬
‫‪ -12‬أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك ‪ ،‬أبو محمد عبد ال جمال الدين بن يوسف بن أحمد ابن‬
‫عبد ال بن هشام النصاري المصري ‪ ،‬ت ‪ 761‬هـ ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬محمد محيي الدين عبد الحميد ‪،‬‬
‫المكتبة العصرية ‪ ،‬بيروت ‪.‬‬

‫‪ -13‬اليضاح في شرح المفصل ‪ ،‬أبو عمرو عثمان بن عمرو المعروف بابن الحاجب النحوي ‪،‬‬
‫ت ‪ 646‬هـ ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬د ‪ 0‬موسى بناي العليلي ‪ ،‬مطبعة العاني ‪ ،‬بغداد ‪1402 ،‬هـ – ‪ 1982‬م ‪.‬‬

‫‪754‬‬ ‫‪ -14‬البحر المحيط في التفسير ‪ ،‬محمد بن يوسف الشهير بأبي حيان الندلسي الغرناطي ‪ ،‬ت‬
‫هـ ‪ ،‬طبعة جديدة بعناية ‪ :‬صدقي محمد جميل ‪ ،‬دار الفكر ‪ ،‬بيروت ‪1412 ،‬هـ – ‪ 1992‬م ‪.‬‬

‫‪ -15‬بدائع الفوائد ‪ ،‬ابن قيم الجوزية ‪ ،‬ت ‪ 751‬هـ ‪ ،‬عنى بتصحيحه والتعليق عليه ومقابلة أصوله ‪:‬‬
‫إدارة المطبعة المنيرية ‪ ،‬دار الكتاب العربي ‪ ،‬بيروت ‪.‬‬

‫الصفحة ‪ 127‬من ‪142‬‬


‫‪ -16‬البرهان في علوم القرآن ‪ ،‬أبو عبد ال محمد بن بهاد بن عبد ال الزركشي ‪ ،‬ت ‪ 794‬هـ ‪،‬‬
‫تحقيق ‪ :‬محمد أبو الفضل إبراهيم ‪ ،‬دار المعرفة ‪ ،‬بيروت ‪1391 ،‬هـ – ‪ 1971‬م ‪.‬‬

‫‪ -17‬تاج العروس من جواهر القاموس ‪ ،‬محمد مرتضى الزبيدي ‪ ،‬مكتبة الحياة ‪ ،‬بيروت ‪.‬‬

‫‪ -18‬التبيان في إعراب القرآن ‪ ،‬أبو البقاء محب الدين عبد ال بن أبي عبد ال الحسين بن أبي‬
‫البقاء العكبري ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬علي محمد البجاوي ‪ ،‬دار إحياء الكتب العربية ‪.‬‬

‫‪ -19‬تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد ‪ ،‬ابن مالك ‪ ،‬ت ‪ 672‬هـ ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬محمد كامل بركات ‪،‬‬
‫وزارة الثقافة ‪ ،‬القاهرة ‪1378 ،‬هـ – ‪ 1967‬م ‪.‬‬

‫‪ -20‬تفسير البيضاوي ‪ ،‬البيضاوي ‪ ،‬ت ‪ 791‬هـ ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬عبد القادر عرفات العشا حسونة ‪ ،‬دار‬
‫الفكر ‪ ،‬بيروت ‪ 1416 ،‬هـ – ‪1996‬م ‪.‬‬

‫‪ -21‬تفسير الجللين ‪ ،‬محمد بن أحمد المحلي وعبد الرحمن بن أبي بكرٍ السيوطي ‪ ،‬ت ‪ 911‬هـ ‪،‬‬
‫دار الحديث ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬ط ‪. 1 /‬‬
‫‪ -22‬تفسير سفيان الثوري ‪ ،‬أبو عبد ال سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ‪ ،‬ت ‪ 161‬هـ ‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ط ‪ 1403 ، 1/‬هـ – ‪ 1983‬م ‪.‬‬

‫‪ -23‬تفسير القرآن العظيم ‪ ،‬أبو الفداء اسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي ‪ ،‬ت ‪ 774‬هـ ‪ ،‬دار الفكر‬
‫‪ ،‬بيروت ‪ 1401 ،‬هـ – ‪ 1981‬م ‪.‬‬

‫‪ -24‬تفسير النسفي ‪ ،‬أبو البركات عبد ال أحمد بن محمود النسفي ‪ ،‬ت ‪ 710‬هـ ‪ ،‬دار الكتاب‬
‫العربي ‪ ،‬بيروت‪.‬‬

‫‪ -25‬التكملة ‪ ،‬أبو علي الفارسي ‪ ،‬ت ‪ 377‬هـ ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬كاظم بحر المرجان ‪ ،‬دار الكتب للطباعة‬
‫والنشر ‪ ،‬جامعة الموصل ‪ 1401 ،‬هـ – ‪ 1981‬م ‪.‬‬

‫‪1376‬‬ ‫‪ -26‬تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلم المنان ‪ ،‬عبد الرحمن بن ناصر السعدي ‪ ،‬ت‬
‫هـ ‪ ،‬جمعية إحياء التراث السلمي ‪ ،‬الكويت ‪ ،‬ط ‪ 1421 ، 5 /‬هـ – ‪ 2000‬م ‪.‬‬

‫‪ -27‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن ‪ ،‬أبو جعف ٍر محمد بن جرير بن يزيد بن خالد الطبري ‪ ،‬ت‬
‫‪ 310‬هـ ‪ ،‬دار الفكر ‪ ،‬بيروت ‪ 1405 ،‬هـ – ‪ 1985‬م ‪.‬‬

‫‪ -28‬الجامع الصغير في النحو ‪ ،‬أبو محمد جمال الدين بن عبد ال بن يوسف بن هشام النصاري‬
‫المصري ‪ ،‬ت ‪ 761‬هـ ‪ ،‬تحقيق وتعليق ‪ :‬د ‪ 0‬أحمد محمود الهرميل ‪ ،‬مكتبة الخانجي ‪ ،‬القاهرة ‪،‬‬
‫‪ 1400‬هـ – ‪ 1980‬م ‪.‬‬

‫الصفحة ‪ 128‬من ‪142‬‬


‫‪ -29‬الجامـع لحكام القرآن ‪ ،‬أبـو عبـد ال محمـد بـن أحمـد بـن أبـي بكرٍ بـن فرج‬
‫‪2‬‬ ‫القرطبي ‪ ،‬ت ‪ 761‬هـ ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬أحمد عبد العليم البردوني ‪ ،‬دار الشعب ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬ط ‪/‬‬
‫‪ 1372 ،‬هـ – ‪ 1952‬م ‪.‬‬
‫‪ -30‬الجواهر الحسان في تفسير القرآن ‪ ،‬عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي ‪ ،‬ت ‪875‬هـ ‪،‬‬
‫مؤسسة العلمي للمطبوعات ‪ ،‬بيروت ‪.‬‬

‫‪ -31‬حاشية الخضري ت (‪1870‬م ) على شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك ‪ ،‬شرحها وعلق عليها‬
‫‪ :‬تركي فرحان المصطفى ‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ط ‪ 1419 ، 1 /‬هـ – ‪ 1998‬م ‪.‬‬

‫‪ -32‬حاشية الصبان على شرح الشموني على ألفية ابن مالكٍ ومعه شرح الشواهد للعيني ‪ ،‬ت‬
‫‪ 1206‬هـ ‪ ،‬دار إحياء الكتب العربية ‪ ،‬عيسى البابي الحلبي وشركاه ‪.‬‬

‫‪ -33‬الحجة في القراءات السبع ‪ ،‬أبو عبد ال الحسين بن أحمد بن خالويه ‪ ،‬ت ‪ 370‬هـ ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬د‬
‫‪ 0‬عبد العال سالم مكرم ‪ ،‬دار الشروق ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ط ‪ 1401 ، 4 /‬هـ – ‪ 1981‬م ‪.‬‬

‫‪ -34‬حجة القراءات ‪ ،‬أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد بن زنجلة ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬سعيد الفغاني ‪،‬‬
‫مؤسسة الرسالة ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ط ‪ 1402 ، 2/‬هـ – ‪ 1982‬م ‪.‬‬

‫‪ -35‬الخصائص ‪ ،‬أبو الفتح عثمان بن جني ‪ ،‬ت ‪ 392‬هـ ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬محمد علي النجار ‪ ،‬دار الهدى‬
‫للطباعة والنشر ‪ ،‬ط ‪ ، 2 /‬بيروت ‪.‬‬

‫‪ -36‬دراسات في اللغة ‪ ،‬د ‪ 0‬إبراهيم السامرائي ‪ ،‬مطبعة العاني ‪ ،‬بغداد ‪ 1381 ،‬هـ – ‪ 1961‬م‬

‫‪ -37‬الدر المنثور في التفسير المأثور‪ ،‬وهو مختصر تفسير ترجمان القرآن ‪ ،‬عبد الرحمن بن‬
‫الكمال جلل الدين السيوطي ‪ ،‬ت ‪ 911‬هـ ‪ ،‬دار الفكر ‪ ،‬بيروت ‪ 1413 ،‬هـ – ‪ 1993‬م ‪.‬‬

‫‪ -38‬دراسات في اللغة والنحو ‪ ،‬د ‪ 0‬عدنان محمد سلمان ‪ ،‬دار الحكمة للطباعة والنشر ‪ 1411 ،‬هـ‬
‫– ‪ 1991‬م ‪.‬‬

‫‪ -39‬دراسات في اللغة والنحو العربي ‪ ،‬حسن عون ‪ ،‬معهد البحوث والدراسات اللغوية ‪ ،‬مطبعة‬
‫الكيلني ‪ 1389 ،‬هـ – ‪ 1969‬م ‪.‬‬

‫‪ -40‬دراسات لُسلوب القرآن الكريم ‪ ،‬محمد عبد الخالق عضيمة ‪ ،‬دار الحديث ‪ ،‬القاهرة ‪.‬‬

‫‪ -41‬ديوان اُحية بن الجلح الوسي الخزرجي ‪ ،‬ت ‪ 497‬مـ ‪ ،‬دراسة وجمع وتحقيق ‪ :‬د ‪ 0‬حسن‬
‫محمد باجوده ‪ ،‬شركة مكة للطباعة والنشر ‪ 1399 ،‬هـ‪ 1979-‬م ‪.‬‬

‫‪ -42‬ديوان جرير بشرح محمد بن حبيب ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬د ‪ 0‬نعمان محمد أمين طه ‪ ،‬دار المعارف ‪،‬‬
‫مصر ‪ 1389 ،‬هـ – ‪ 1969‬م ‪.‬‬

‫الصفحة ‪ 129‬من ‪142‬‬


‫‪ -43‬ديوان عبد ال بن قيسٍ الرقيات ‪ ،‬تحقيق وشرح ‪ :‬د ‪ 0‬محمد يوسف نجم ‪ ،‬دار صادر – دار‬
‫بيروت ‪ ،‬بيروت ‪ 1378 ،‬هـ – ‪ 1958‬م ‪.‬‬

‫‪ -44‬ديوان علقمة الفحل بشرح العلم الشنتمري ‪ ،‬ت ‪ 603‬مـ ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬لطفي الصقال و درية‬
‫الخطيب ‪ ،‬راجعه ‪ :‬فخر الدين قباوة ‪ ،‬دار الكتاب العربي ‪ ،‬حلب ‪ 1389 ،‬هـ – ‪ 1969‬م ‪.‬‬

‫‪1971‬‬ ‫‪ -45‬ديوان كثير عزة ‪،‬جمعه وشرحه ‪ :‬د ‪ 0‬إحسان عباس ‪ ،‬دار الثقافة ‪ ،‬بيروت ‪ 1391 ،‬هـ –‬
‫م‪.‬‬

‫‪1270‬‬ ‫‪ -46‬روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني ‪ ،‬أبو الفضل محمود اللوسي ‪ ،‬ت‬
‫هـ ‪ ،‬دار إحياء التراث العربي ‪ ،‬بيروت ‪.‬‬

‫‪ -47‬زاد المسير في علم التفسير ‪ ،‬عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي ‪ ،‬ت ‪ 597‬هـ ‪ ،‬المكتب‬
‫السلمي ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ط ‪ 1404 ، 3/‬هـ – ‪ 1984‬م ‪.‬‬

‫‪ -48‬السبعة في القراءات ‪ ،‬أبو بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد التميمي البغدادي ‪ ،‬ت‬
‫‪ 324‬هـ ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬د ‪ 0‬شوقي ضيف ‪ ،‬دار المعارف ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬ط ‪ 1400 ، 2 /‬هـ – ‪ 1980‬م ‪.‬‬

‫‪ -49‬سنن أبي داود ‪ ،‬أبو داود سليمان بن الشعث السجستاني الزدي ‪ ،‬ت ‪ 275‬هـ ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬محمد‬
‫محيي الدين عبد الحميد ‪ ،‬دار الفكر ‪ ،‬بيروت ‪.‬‬

‫‪ -50‬سنن البيهقي الكبرى ‪ ،‬أبو بكرٍ أحمد بن الحسين بن علي بن موسى البيهقي ‪ ،‬ت ‪ 458‬هـ ‪،‬‬
‫تحقيق ‪ :‬محمد عبد القادر عطا ‪ ،‬دار الباز ‪ ،‬مكة المكرمة ‪ 1414 ،‬هـ – ‪ 1994‬م ‪.‬‬

‫‪ -51‬شرح ابن عقيل ‪ ،‬بهاء الدين عبد ال بن عقيل العقيلي الهمداني المصري ‪ ،‬على ألفية ابن مالك‬
‫‪ ،‬أبو عبد ال محمد بن جمال الدين بن مالك ‪ ،‬ت ‪ 769‬هـ ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬محمد محيي الدين عبد‬
‫الحميد ‪ ،‬مطبعة السعادة ‪ ،‬مصر ‪ ،‬ط ‪ 1384 ، 14 /‬هـ – ‪ 1964‬م ‪.‬‬

‫‪ -52‬شرح الرضي على الكافية ‪ ،‬رضي الدين الستراباذي ‪ ،‬ت ‪ 686‬هـ ‪ ،‬تصحيح وتعليق ‪ :‬يوسف‬
‫حسن عمر ‪ ،‬مؤسسة الصادق ‪ ،‬طهران ‪.‬‬

‫‪ -53‬شرح المفصل ‪ ،‬موفق الدين بن يعيش النحوي ‪ ،‬ت ‪ 643‬هـ ‪ ،‬عالم الكتب ‪ ،‬بيروت ‪.‬‬

‫‪ -54‬الشرح الواضح المنسق لنظم السلم المرونق ‪ ،‬د ‪ 0‬عبد الملك عبد الرحمن السعدي ‪ ،‬دار‬
‫النبار ‪ ،‬بغداد ‪ ،‬ط ‪ 1416 ، 1 /‬هـ – ‪ 1996‬م ‪.‬‬

‫‪ -55‬شرح ديوان الفرزدق ‪ ،‬ضبط معانيه وشروحه وأكملها ‪ :‬إيليا الحاوي ‪ ،‬دار الكتاب اللبناني‬
‫ومكتبة المدرسة ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ط ‪ 1403 ، 1 /‬هـ – ‪ 1983‬م ‪.‬‬

‫‪ -56‬شرح ديوان حسان بن ثابت النصاري ‪ ،‬ت ‪ 674‬مـ ‪ ،‬ضبط الديوان وصححه ‪ :‬عبد الرحمن‬
‫البرقوقي ‪ ،‬دار الندلس ‪ ،‬بيروت ‪ 1403 ،‬هـ – ‪ 1983‬م ‪.‬‬

‫الصفحة ‪ 130‬من ‪142‬‬


‫‪ -57‬شرح شذور الذهب في معرفة كلم العرب ‪ ،‬أبو محمد عبد ال جمال الدين بن يوسف بن‬
‫أحمد ابن عبد ال ابن هشام النصاري المصري ‪ ،‬ت ‪ 761‬هـ ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬محمد محيي الدين عبد‬
‫الحميد ‪ ،‬مطبعة السعادة ‪ ،‬مصر ‪ ،‬ط ‪ 1385 ، 10 /‬هـ – ‪ 1965‬م ‪.‬‬

‫‪761‬‬ ‫‪ -58‬شرح قطر الندى وبل الصدى ‪ ،‬أبو محمد عبد ال جمال الدين بن هشام النصاري ‪ ،‬ت‬
‫هـ ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬محمد محيي الدين عبد الحميد ‪ ،‬مطبعة السعادة ‪ ،‬مصر ‪ ،‬ط ‪ 1383 ، 11 /‬هـ – ‪1963‬‬
‫م‪.‬‬

‫‪ -59‬شعر الخطل ‪ ،‬أبو مالك غياث بن غوث التغلبي ‪ ،‬صنعه السكري رواية عن أبي جعفر‬
‫محمد ابن حبيب ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬فخر الدين قباوة ‪ ،‬دار الصمعي ‪ ،‬حلب ‪.‬‬

‫‪ -60‬شعر الشنفرى الزدي ‪ ،‬أبو خير مؤرج بن عمرو السدوسي ‪ ،‬ت ‪ 195‬هـ ‪ ،‬تحقيق وجمع ‪:‬‬
‫علي ناصر غالب ‪ ،‬مركز دراسات الخليج العربي ‪ ،‬جامعة البصرة ‪ ،‬قسم الدراسات الدبية و‬
‫اللغوية ‪ 1413 ،‬هـ – ‪ 1993‬م ‪.‬‬
‫‪ -61‬صحيح البخاري ‪ ،‬أبو عبد ال محمد بن اسماعيل البخاري الجعفي ‪ ،‬ت ‪ 256‬هـ ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬د ‪0‬‬
‫مصطفى ديب البغا ‪ ،‬دار ابن كثير واليمامة ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ط ‪ 1407 ، 3 /‬هـ – ‪ 1987‬م ‪.‬‬

‫‪ -62‬صحيح مسلم ‪ ،‬أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري ‪ ،‬ت ‪ 261‬هـ ‪ ،‬تحقيق ‪:‬‬
‫محمد فؤاد عبد الباقي ‪ ،‬دار إحياء التراث العربي ‪ ،‬بيروت ‪.‬‬

‫‪ -63‬صحيح مسلم بشرح النووي ‪ ،‬أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري النووي ‪ ،‬ت ‪ 676‬هـ ‪ ،‬دار‬
‫إحياء التراث العربي ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ط ‪ 1392 ، 2 /‬هـ – ‪ 1972‬م ‪.‬‬

‫‪1403‬‬ ‫‪ -64‬الضمائر في اللغة العربية ‪ ،‬د ‪ 0‬محمد عبد ال جبر ‪ ،‬دار المعارف ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ط ‪، 1 /‬‬
‫هـ – ‪ 1983‬م ‪.‬‬

‫‪ -65‬طبقات المفسرين ‪ ،‬أحمد بن محمد الدنروي ‪ ،‬ت تحقيق ‪ :‬سليمان بن صالح الخزي ‪ ،‬مكتبة‬
‫العلوم والحكم ‪ ،‬المدينة المنورة ‪ ،‬ط ‪ 1417 ، 1 /‬هـ – ‪ 1997‬م ‪.‬‬

‫‪ -66‬فتح الباري شرح صحيح البخاري ‪ ،‬أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلني الشافعي ‪،‬‬
‫ت ‪ 852‬هـ ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬محب الدين الخطيب ‪ ،‬دار المعرفة ‪ ،‬بيروت ‪.‬‬

‫‪ -67‬فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير ‪ ،‬محمد بن علي بن محمد‬
‫الشوكاني ‪ ،‬ت ‪ 1250‬هـ ‪ ،‬دار الفكر ‪ ،‬بيروت ‪.‬‬

‫‪ -68‬الفرائد الجديدة تحتوي على نظم الفريدة وشرحها المطالع السعيدة ‪ ،‬عبد الرحمن السيوطي ‪،‬‬
‫ت ‪ 911‬هـ ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬الشيخ عبد الكريم المدرس ‪ ،‬مطبعة الرشاد ‪ ،‬بغداد ‪ 1397 ،‬هـ – ‪ 1977‬م ‪.‬‬

‫‪ -69‬الفوائد الضيائية شرح كافية ابن الحاجب ‪ ،‬نور الدين عبد الرحمن الجامي ‪ ،‬ت ‪ 898‬هـ ‪،‬‬
‫دراسة وتحقيق ‪ :‬د ‪ 0‬أُسامة طه الرفاعي ‪ ،‬مطبعة وزارة الوقاف والشؤون الدينية ‪ ،‬بغداد ‪1402 ،‬‬
‫هـ – ‪ 1982‬م ‪.‬‬
‫الصفحة ‪ 131‬من ‪142‬‬
‫‪ -70‬في النحو العربي نق ٌد وتوجيه ‪ ،‬د ‪ 0‬مهدي المخزومي ‪ ،‬منشورات المكتبية العصرية ‪ ،‬بيروت‬
‫‪ ،‬ط ‪ 1384 ، 1/‬هـ – ‪. 1964‬‬

‫‪ -71‬الكتاب ‪ ،‬كتاب سيبويه ‪ ،‬أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر ‪ ،‬ت ‪ 180‬هـ ‪ ،‬تحقيق وشرح ‪ :‬عبد‬
‫السلم محمد هارون ‪ ،‬عالم الكتب ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ط ‪ 1403 ، 3 /‬هـ – ‪ 1983‬م ‪.‬‬

‫‪ -72‬الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون القاويل في وجوه التنزيل ‪ ،‬أبو القاسم جار ال محمود بن‬
‫عمر الزمخشري الخوارزمي ‪ ،‬ت ‪ 538‬هـ ‪ ،‬ومعه حاشية السيد الشريف علي بن محمد بن علي‬
‫السيد زين الدين أبي الحسن الحسيني الجرجاني ‪ ،‬وبهامشه القرآن الكريم برسم وضبط الدوزي‬
‫عن أبي محمد ابن المنير السكندري المالكي ‪ ،‬وبآخر الكتاب تنزيل اليات على الشواهد من‬
‫البيات ‪ ،‬للعالم المدقق محب الدين أفندي ‪ ،‬شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي‬
‫وأولده ‪ ،‬مصر ‪ 1367 ،‬هـ – ‪ 1984‬م ‪.‬‬

‫‪ -73‬لسان العرب ‪ ،‬محمد بن مكرم بن منظورالفريقي المصري ‪ ،‬ت ‪ 711 ،‬هـ ‪ ،‬دار صادر‪،‬‬
‫بيروت ‪ ،‬ط ‪1 /‬‬

‫‪ -74‬اللغة ‪ ،‬ج ‪ 0‬فندريس ‪ ،‬تعريب ‪ :‬عبد الحميد الدواخلي ومحمد القصاص ‪ ،‬مكتبة النجلو‬
‫المصرية ‪ 1370 ،‬هـ – ‪ 1950‬م ‪.‬‬

‫‪ -75‬مجموعة أشعار العرب ‪ ،‬وهو مشتملٌ على ديوان رؤبة بن العجاج وعلى أبيات مُفَردات‬
‫منسوبة إليه ‪ ،‬اعتنى بتصحيحه وترتيبه ‪ :‬وليم بن الورد البروسي ‪ ،‬منشورات دار الفاق الجديدة ‪،‬‬
‫بيروت ‪ ،‬ط ‪ 1399 ، 1/‬هـ – ‪ 1979‬م ‪.‬‬

‫‪ -76‬مختار الصحاح ‪ ،‬محمد بن أبي بكر عبد القادر الرازي ‪ ،‬ت ‪ 721‬هـ ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬محمود خاطر‬
‫‪ ،‬مكتبة لبنان ناشرون ‪ ،‬بيروت ‪ 1415 ،‬هـ – ‪ 1995‬م ‪.‬‬

‫‪ -77‬مختصر المعاني ‪ ،‬سعد الدين التفتازاني ‪ ،‬دار الفكر ‪ ،‬قم ‪ ،‬ط ‪ 1411 ، 1 /‬هـ – ‪ 1991‬م‬

‫‪ -78‬المدخل إلى علم اللغة ومناهج البحث اللغوي ‪ ،‬د ‪ 0‬رمضان عبد التواب ‪ ،‬مكتبة الخانجي ‪،‬‬
‫القاهرة ‪ ،‬ط ‪ 1997 – 1417 ، 3 /‬م ‪.‬‬

‫‪ -79‬المسائل السفرية في النحو ‪ ،‬ابن هشام النصاري ‪ ،‬ت ‪ 761‬هـ ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬د ‪ 0‬علي حسين‬
‫البواب ‪ ،‬دار طيبة للنشر والتوزيع ‪ ،‬الرياض ‪.‬‬

‫‪ -80‬مسند المام أحمد بن حنبل ‪ ،‬أبو عبد ال بن حنبل الشيباني ‪ ،‬ت ‪ 241‬هـ ‪ ،‬مؤسسة قرطبة ‪،‬‬
‫مصر ‪.‬‬

‫‪ -81‬مشكل إعراب الشعار الستة الجاهلية ‪ ،‬القسم الخامس ‪ ،‬ديوان طرفة بن العبد ‪ ،‬بشرح محمد‬
‫ابن إبراهيم بن محمد الحضرمي ‪ ،‬ت ‪ 609‬هـ ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬د ‪ 0‬علي خلف الهُروط ‪ ،‬منشورات‬
‫جامعة مؤتة ‪ ،‬ط ‪ 1416 ، 1 /‬هـ – ‪ 1995‬م ‪.‬‬

‫الصفحة ‪ 132‬من ‪142‬‬


‫‪ -82‬مشكل إعراب القرآن ‪ ،‬أبو محمد مكي بن أبي طالب القيسي ‪ ،‬ت ‪ 437‬هـ ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬د ‪ 0‬حاتم‬
‫صالح الضامن ‪ ،‬مؤسسة الرسالة ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ط ‪ 1405 ، 2/‬هـ – ‪ 1985‬م ‪.‬‬

‫‪ -83‬معالم التنزيل ‪ ،‬أبو محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي ‪ ،‬ت ‪ 516‬هـ ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬خالد العك‬
‫ومروان سوار ‪ ،‬دار المعرفة ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ط ‪ 1407 ، 2 /‬هـ – ‪ 1978‬م ‪.‬‬

‫‪ -84‬معاني القرآن ‪ ،‬أبو زكريا يحيى بن زياد الفراء ‪ ،‬ت ‪ 207‬هـ ‪ ،‬تصدير ‪ :‬محمد أبو الفضل‬
‫إبراهيم ‪ ،‬عالم الكتب ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ط ‪ 1400 ، 2 /‬هـ – ‪ 1980‬م ‪.‬‬

‫‪ -85‬معاني القرآن الكريم ‪ ،‬أبو جعفر النحاس ‪ ،‬ت ‪ 338‬هـ ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬محمد علي الصابوني ‪،‬‬
‫جامعة أم القرى ‪ ،‬مكة المكرمة ‪ ،‬ط ‪ 1409 ، 1 /‬هـ – ‪ 1989‬م ‪.‬‬
‫‪ -86‬معاني النحو ‪ ،‬د ‪ 0‬فاضل صالح السامرائي ‪ ،‬وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ‪ ،‬جامعة‬
‫بغداد ‪ ،‬بيت الحكمة ‪ 1407 / 1406 ،‬هـ – ‪ 1987 / 1986‬م ‪.‬‬

‫‪ -87‬المعجم الكبير ‪ ،‬أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني ‪ ،‬ت ‪ 360‬هـ ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬حمدي‬
‫عبد المجيد السلفي ‪ ،‬مكتبة الزهراء ‪ ،‬الموصل ‪ ،‬ط ‪ 1404 ، 2 /‬هـ – ‪ 1983‬م ‪.‬‬

‫‪ -88‬مغني اللبيب ‪ ،‬جمال الدين بن هشام النصاري ‪ ،‬ت ‪ 761‬هـ ‪ ،‬حققه وعلق عيه ‪ :‬د ‪ 0‬مازن‬
‫المبارك ومحمد علي حمد ال ‪ ،‬وراجعه ‪ :‬سعيد الفغاني ‪ ،‬دار الفكر ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ط ‪ 1405 ، 6 /‬هـ‬
‫– ‪ 1985‬م ‪.‬‬

‫‪ -89‬مغني اللبيب ‪ ،‬جمال الدين بن هشام النصاري ‪ ،‬وبهامشه حاشية الشيخ محمد المير ‪ ،‬دار‬
‫إحياء الكتب العربية ‪ ،‬عيسى البابي الحلبي وشركاه ‪.‬‬

‫‪ -90‬مفتاح العلوم ‪ ،‬أبو يعقوب يوسف بن محمد بن علي السكاكي ‪ ،‬ت ‪ 626‬هـ ‪ ،‬حققه وقدم له‬
‫وفهرسه ‪ :‬د ‪ 0‬عبد الحميد هنداوي ‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ط ‪ 1420 ، 1 /‬هـ – ‪ 2000‬م ‪.‬‬

‫‪ -91‬المقتصد في شرح اليضاح ‪ ،‬عبد القاهر الجرجاني ‪ ،‬ت ‪ 471‬هـ ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬د ‪ 0‬كاظم بحر‬
‫المرجان ‪ ،‬دار الرشيد للنشر ‪ ،‬منشورات وزارة الثقافة والعلم ‪ /‬الجمهورية العراقية ‪ 1402 ،‬هـ‬
‫– ‪ 1982‬م ‪.‬‬

‫‪ -92‬المقتضب ‪ ،‬أبو العباس محمد بن يزيد المبرد ‪ ،‬ت ‪ 285‬هـ ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬محمد عبد الخالق‬
‫عضيمة ‪ ،‬عالم الكتب ‪ ،‬بيروت ‪.‬‬

‫‪ -93‬المُقرب ‪ ،‬علي بن مؤمن المعروف بابن عصفور ‪ ،‬ت ‪ 669‬هـ ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬أحمد عبد الستار‬
‫الجواري و عبد ال الجبوري ‪ ،‬مطبعة العاني ‪ ،‬بغداد ‪ 1406 ،‬هـ – ‪ 1986‬م ‪.‬‬

‫‪ -94‬ملك التأويل القاطع بذوي اللحاد والتعطيل في توجيه المتشابه اللفظ من آي التنزيل ‪ ،‬أحمد‬
‫بن إبراهيم بن الزبير الثقفي العاصمي الغرناطي ‪ ،‬ت ‪ 708‬هـ ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬سعيد الفلح ‪ ،‬دار الغرب‬
‫السلمي ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ط ‪ 1403 ، 1 /‬هـ – ‪ 1983‬م ‪.‬‬

‫الصفحة ‪ 133‬من ‪142‬‬


‫‪ -95‬مناهل العرفان في علوم القرآن ‪ ،‬محمد عبد العظيم الزرقاني ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬مكتب البحوث‬
‫والدراسات ‪ ،‬دار الفكر ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ط ‪ 1416 ، 1 /‬هـ – ‪ 1996‬م ‪.‬‬

‫‪ -96‬نتائج الفكر في النحو ‪ ،‬أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد ال السّهيلي ‪ ،‬ت ‪ 581‬هـ ‪ ،‬تحقيق ‪:‬‬
‫محمد إبراهيم البنا ‪ ،‬مطابع الشروق ‪ ،‬بيروت ‪.‬‬

‫‪ -97‬همع الهوامع في شرح جمع الجوامع ‪ ،‬جلل الدين السيوطي ‪ ،‬ت ‪ 911‬هـ ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬عبد‬
‫العال سالم مكرم ‪ ،‬دار البحوث العلمية ‪ ،‬الكويت ‪ 1397 ،‬هـ – ‪ 1977‬م ‪.‬‬

‫‪ -98‬الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ‪ ،‬أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي ‪ ،‬ت ‪ 468‬هـ ‪ ،‬تحقيق ‪:‬‬
‫صفوان عدنان داوودي ‪ ،‬دار القلم – الدار الشامية ‪ ،‬دمشق – بيروت ‪ ،‬ط ‪ 1415 ، 1 /‬هـ – ‪1995‬‬
‫م‪.‬‬

‫( الرسائل والطاريح )‬
‫‪ -1‬التثنية في اللغة العربية ‪ ،‬حسين محيسن ختلن البكري ‪ ،‬رسالة ماجستير ‪ ،‬إشراف ‪ :‬د ‪ 0‬عبد‬
‫المير محمد أمين الورد ‪ ،‬جامعة بغداد ‪ 1409 ،‬هـ – ‪ 1989‬م ‪.‬‬

‫‪ -2‬لباب العراب ‪ ،‬الفاضل السفرايني ‪ ،‬ت ‪ 684‬هـ ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬عبد الباقي عبد السلم الخزرجي ‪،‬‬
‫رسالة ماجستير ‪ ،‬إشراف ‪ :‬أ ‪0‬د ‪ 0‬طه محمد الزيني ‪ ،‬جامعة الزهر ‪ 1399 ،‬هـ – ‪ 1979‬م ‪.‬‬

‫‪ -3‬المنهل الصافي في شرح الوافي ‪ ،‬بدر الدين الدماميني ‪ ،‬ت ‪ 828‬هـ ‪ ،‬دراسة وتحقيق ‪ :‬فاخر جبر‬
‫مطر ‪ ،‬أُطروحة دكتوراه ‪ ،‬إشراف ‪ :‬أ ‪0‬د ‪ 0‬عدنان محمد سلمان ‪ 1410 ،‬هـ – ‪ 1989‬م ‪.‬‬

‫( البحوث )‬
‫‪ -1‬أثر التحويلت الُسلوبية في تغيير العراب في اليات القرآنية والشواهد الشعرية ‪ ،‬يحيى القاسم‬
‫‪ ،‬مجلة أبحاث اليرموك ‪ ،‬سلسلة الداب واللغويات ‪ ،‬مجلة نصف سنوية محكّمة ‪ ،‬المجلد ‪، 11 /‬‬
‫العدد ‪ /‬الول ‪ 1413 ،‬هـ – ‪ 1993‬م ‪.‬‬
‫ث منشورٌ على النترنت ‪ ،‬عنوانه ‪:‬‬ ‫‪ -2‬اللفظ والمعنى في لغة التنزيل ‪ ،‬د ‪ 0‬إبراهيم السامرائي ‪ ،‬بح ٌ‬
‫( ‪. www . balagh .com / mosoa /quran /lilexyo2.htm‬‬

‫الفهرس‬

‫الصفحة ‪ 134‬من ‪142‬‬


‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫‪12 - 10‬‬ ‫المقدمة ‪.‬‬
‫‪15 - 13‬‬ ‫التمهيد ‪.‬‬
‫‪16‬‬ ‫الفصل الول ‪ ( :‬المطابقة بين المسند‬
‫والمسند إليه )‬
‫‪17‬‬ ‫ف بالسناد‬ ‫تعري ٌ‬
‫‪18‬‬ ‫المبحث الول ‪ ( :‬المطابقة بين المبتدأ والخبر ) ‪.‬‬
‫‪18‬‬ ‫أول ً ‪ :‬المبتدأ الذي له خبٌر ‪.‬‬
‫‪19‬‬ ‫أ ‪ -‬المطابقة في الفراد تذكيرا ً وتأنيثا ً ‪.‬‬
‫‪19‬‬ ‫‪ - 1‬المبتدأ مفردٌ مذكٌر والخبُر مفردٌ مذكٌر ‪.‬‬
‫‪22‬‬ ‫–‬ ‫‪19‬‬ ‫ما ظاهره عدم المطابقة ‪.‬‬
‫‪22‬‬ ‫ث‪.‬‬ ‫ث والخبر مفردٌ مؤن ٌ‬ ‫‪ - 2‬المبتدأ مفردٌ مؤن ٌ‬
‫‪25‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪22‬‬ ‫ما ظاهره عدم المطابقة ‪.‬‬
‫‪26‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪25‬‬ ‫ب – المطابقة في التثنية تذكيرا ً وتأنيثا ً ‪.‬‬
‫‪27‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪26‬‬ ‫ما ظاهره عدم المطابقة ‪.‬‬
‫‪27‬‬ ‫ج – المطابقة بين المبتدأ والخبر في الجمع‬
‫تذكيرا ً وتأنيثا ً ‪.‬‬
‫‪27‬‬ ‫ع مذكٌر ‪.‬‬ ‫ع مذكٌر والخبر جم ٌ‬ ‫‪ - 1‬المبتدأ جم ٌ‬
‫‪27-28‬‬ ‫ما ظاهره عدم المطابقة ‪.‬‬
‫‪28-29‬‬ ‫ث‪.‬‬ ‫ع مؤن ٌ‬ ‫ث والخبُر جم ٌ‬ ‫ع مؤن ٌ‬ ‫‪ - 2‬المبتدأ جم ٌ‬
‫‪29‬‬ ‫ما ظاهره عدم المطابقة ‪.‬‬
‫‪30-31‬‬ ‫د – المطابقة بين المبتدأ والخبر تعريفاً‬
‫وتنكيرا ً ‪.‬‬
‫‪31-32‬‬ ‫ل يسد مسد الخبر‬ ‫ثانيا ً ‪ :‬المبتدأ الذي له فاع ٌ‬
‫‪.‬‬
‫‪32‬‬ ‫ف مفردٌ ومرفوعه مفردٌ ‪.‬‬ ‫‪ – 1‬الوص ُ‬
‫‪32‬‬ ‫ى‪.‬‬ ‫ى ومرفوعه مثن ً‬ ‫ف مثن ً‬ ‫‪ – 2‬الوص ُ‬
‫‪32-33‬‬ ‫ع‪.‬‬‫ع ومرفوعه جم ٌ‬ ‫‪ – 3‬الوصف جم ٌ‬
‫‪34-37‬‬ ‫ل يسد مسد‬ ‫تطبيقات المبتدأ الذي له فاع ٌ‬
‫الخبر في القرآن الكريم ‪.‬‬
‫‪34‬‬ ‫إذا كان أفعل التفضيل خبرا ً ‪.‬‬
‫‪34-35‬‬ ‫أول ً ‪ -‬إذا كان أفعل التفضيل مجردا ً عن‬
‫الضافة واللف واللم ‪.‬‬
‫الصفحة ‪ 135‬من ‪142‬‬
‫‪35‬‬ ‫ثانيا ً – إذا كان أفعل التفضيل الخبر مضافا ً ‪.‬‬
‫‪35-36‬‬ ‫أ – إذا كان مضافا ً إلى معرفة ‪.‬‬
‫‪36-37‬‬ ‫ب – إذا كان مضافا ً إلى نكرة ‪.‬‬
‫‪37‬‬ ‫ثالثا ً – إذا كان أفعل التفضيل الخبر محلى‬
‫باللف واللم‬
‫‪38‬‬ ‫المبحث الثاني ‪ ( :‬المطابقة بين الفعل‬
‫والفاعل ) ‪.‬‬
‫‪38-40‬‬ ‫أول ً ‪ :‬المطابقة في الجنس ‪.‬‬
‫‪40‬‬ ‫يستثنى من المطابقة في الجنس ‪:‬‬
‫‪41-42‬‬ ‫‪ – 1‬وجود الفاصل بين الفعل وفاعله الظاهر‬
‫الحقيقي التأنيث ‪.‬‬
‫‪42-43‬‬ ‫ث مجازي ‪.‬‬ ‫ل مؤن ٌ‬ ‫‪ - 2‬الفاع ُ‬
‫‪43-44‬‬ ‫‪ – 3‬الجموع ‪ .‬وهي ‪:‬‬
‫‪44-45‬‬ ‫أ – جمع المؤنث السالم ‪.‬‬
‫‪45-46‬‬ ‫ب ‪ -‬جمع التكسير ‪.‬‬
‫‪46‬‬ ‫ج – اسم الجمع ‪.‬‬
‫‪47-54‬‬ ‫ي حول تأنيث الفعل في القرآن الكريم ‪.‬‬ ‫رأ ٌ‬
‫‪54-58‬‬ ‫ثانيا ً ‪ :‬المطابقة في العدد ‪.‬‬
‫‪59‬‬ ‫الفصل الثاني ‪ ( :‬المطابقة بين التابع‬
‫والمتبوع ) ‪.‬‬
‫‪60‬‬ ‫المبحث الول ‪ ( :‬المطابقة بين النعت‬
‫والمنعوت ) ‪.‬‬
‫‪60‬‬ ‫أول ً – المطابقة في النعت الحقيقي ‪.‬‬
‫‪61-61‬‬ ‫أ – في العراب ‪.‬‬
‫‪62-63‬‬ ‫النعت المقطوع ‪.‬‬
‫‪63-64‬‬ ‫ب‪ -‬في العدد ‪.‬‬
‫‪64-67‬‬ ‫ما ظاهره عدم المطابقة ‪.‬‬
‫‪67‬‬ ‫ج – في الجنس ‪.‬‬
‫‪68-71‬‬ ‫ما ظاهره عدم المطابقة ‪.‬‬
‫‪71‬‬ ‫د‪ -‬في التعريف والتنكير ‪.‬‬
‫‪71-73‬‬ ‫ما ظاهره عدم المطابقة ‪.‬‬
‫‪73-74‬‬ ‫ثانيا ً – المطابقة في النعت السببي ‪.‬‬
‫‪75‬‬ ‫المبحث الثاني ‪ ( :‬المطابقة بين المعطوف‬
‫الصفحة ‪ 136‬من ‪142‬‬
‫والمعطوف عليه ) ‪.‬‬
‫‪75-77‬‬ ‫أول ً – المطابقة في عطف البيان ‪.‬‬
‫‪77-78‬‬ ‫ثانيا ً – المطابقة في عطف النسق ‪.‬‬
‫‪79-82‬‬ ‫العطف المقطوع ‪.‬‬
‫‪83‬‬
‫كّ ِ‬
‫د‬ ‫ؤ ِ‬‫المبحث الثالث ‪ ( :‬المطابقة بين الم َ‬
‫والم َ َ‬
‫د)‪.‬‬ ‫ؤك ّ ِ‬
‫‪83‬‬ ‫أول ً – المطابقة في التوكيد المعنوي ‪.‬‬
‫‪83‬‬ ‫أ – النفس والعين ‪.‬‬
‫‪84-86‬‬ ‫ب – كل وكلتا وجميع وعامة ‪.‬‬
‫‪87-88‬‬ ‫ثانيا ً – المطابقة في التوكيد اللفظي ‪.‬‬
‫‪89‬‬ ‫المبحث الرابع ‪ ( :‬المطابقة بين البدل‬
‫والمبدل منه ) ‪.‬‬
‫‪89-90‬‬ ‫تلزم المطابقة في العراب في كل أنواع‬
‫البدل ‪.‬‬
‫‪90-91‬‬ ‫المطابقة في العدد وفي الجنس تكون في‬
‫البدل المطابق ‪.‬‬
‫‪91-94‬‬ ‫المطابقة في التعريف والتنكير ل تشترط‬
‫في البدل ‪.‬‬
‫‪95‬‬ ‫الفصل الثالث ‪ ( :‬المطابقة بين الضمير‬
‫ومرجعه ) ‪.‬‬
‫‪96-97‬‬ ‫مقدمة عن تقسيم الضمير ‪.‬‬
‫‪98‬‬ ‫المبحث الول ‪ ( :‬المطابقة بين الضمير‬
‫ومرجعه في الفراد) ‪.‬‬
‫‪98‬‬ ‫أول ً – إذا كان الضمير مفردا ً مذكرا ً ‪.‬‬
‫‪99-104‬‬ ‫ما ظاهره عدم المطابقة ‪.‬‬
‫‪104-105‬‬ ‫ثانيا ً – إذا كان الضمير مفردا ً مؤنثا ً ‪.‬‬
‫‪105-108‬‬ ‫ما ظاهره عدم المطابقة ‪.‬‬
‫‪109‬‬ ‫المبحث الثاني ‪ ( :‬المطابقة بين الضمير‬
‫المثنى ومرجعه ) ‪.‬‬
‫‪110-112‬‬ ‫ما ظاهره عدم المطابقة ‪.‬‬
‫‪113‬‬ ‫المبحث الثالث ‪ ( :‬المطابقة بين الضمير‬
‫الجمع ومرجعه ) ‪.‬‬
‫‪113‬‬ ‫أول ً إذا كان الضمير جمعا ً مذكرا ً ‪.‬‬
‫الصفحة ‪ 137‬من ‪142‬‬
‫‪114-117‬‬ ‫ما ظاهره عدم المطابقة ‪.‬‬
‫‪117-118‬‬ ‫ثانيا ً – إذا كان الضمير جمعا ً مؤنثا ً ‪.‬‬
‫‪118-119‬‬ ‫ما ظاهره عدم المطابقة ‪.‬‬
‫‪120‬‬ ‫المبحث الرابع ‪ ( :‬المطابقة بين ضميري‬
‫الفصل والشأن ومرجعيهما ) ‪.‬‬
‫‪120-124‬‬ ‫أول ً – المطابقة بين ضمير الفصل ومرجعه ‪.‬‬
‫‪125-127‬‬ ‫ثانيا ً – المطابقة بين ضمير الشأن ومرجعه ‪.‬‬
‫‪128‬‬ ‫الخاتمة ‪.‬‬
‫‪129-137‬‬ ‫قائمة المصادر والمراجع والبحوث ‪.‬‬

‫الصفحة ‪ 138‬من ‪142‬‬

You might also like