You are on page 1of 4

‫جامعة جباية‬

‫كلية اآلداب واللغات‬


‫قسم اللغة العربية وآداهبا‬
‫االستاذ‪ :‬خيار نورالدين‬ ‫السنة الثانية‪/‬أدب ولغة‬
‫مقياس‪ :‬املدارس اللسانية‬
‫احملاضرة الثالثة‪ :‬املدرسة التوزيعية االمريكية‬
‫‪ِّ -1‬‬
‫مقدمة‬
‫ظهرت املدرسة التوزيعية يف ال ِوالايت املتّ ِحدة األمريكيّة يف بداايت الثالثينيات ِمن القرن العشرين‪ ،‬ومتيّزت‬
‫يكي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫السلوكي أو النّظريّة السلوكيّة اليت تُ ُّ‬
‫مؤسسيها األمر ّ‬
‫عد وليد َة املدرسة السلوكيّة اليت من أشهر ّ‬ ‫بعالقتها بعلم النّفس ّ‬
‫واطسون ‪ 1878( John Broadus Watson‬ـ ‪ .)1958‬واستند هاريس (‪ 1909‬ـ ‪)1992‬‬
‫‪ Zellig Harris‬أحد زعماء هذه املدرسة إىل بلومفيلد يف أعماله اللّسانية اليت شرع فيها منذ ‪ ،1930‬وهو‬
‫إثر تالقي أفكارمها أحد املن ِظّرين‬
‫اتريخ قريب من اتريخ حيث نشر بلومفيلد كتابه )‪ ،1933 (Language‬صار َ‬
‫البارزين للمدرسة األمريكيّة املعروفة حتت تسمية التوزيعيّة )‪.(Disributionalisme‬‬
‫‪-2‬اخللفيات املعرفية للتوزيعية ‪:‬‬
‫الصوتيات الوظيفيّة يف طور النشأة أبورواب وهي مرتبِطة بتفكري سوسري وأوجه‬
‫ُ‬ ‫وظهرت املدرسة التوزيعيّة عندما كانت‬
‫االّتاهات األوربيّة املعاصرة تسمح بومسها مجيعا من البدائل للبنيويّة‪.‬‬
‫التماثل بني التوزيعيّة و ّ‬
‫لقد كانت اإلمامة يف هذا النوع من التحليل حليفة العالِمني‪ (Franz Boas) :‬و)‪(Edward Sapir‬‬
‫وتوصف وتُصنَّف‬ ‫عندما أمعنا يف صدد وصف اللّغات األمريكيّة اهلنديّة اليت كانت ال تزال مل حيالفها ُّ‬
‫احلظ أبن ُّتمع َ‬
‫وتثبَّت ابلكتابة؛ وقد وقفا موقِف التنديد ّتاه املناهج والتقنيات اليت كانت تُعتمد ٍ‬
‫حينئذ‪ ،‬وهي مناهج كانت تعتمد‬ ‫َ‬
‫النصوص املكتوبة‪ ،‬فقاموا نتيجة مساوئ تلك املناهج بعرض مناهج بديلة تقوم على تشخيص األصوات املتميِّزة‬
‫وال ّدالّة (الوظيفيّة) التابعة للغة معيّنة وقيد أدىن الوحدات متيُّزاً وهي املالمح الصوتيّة الناّتة عن متييز خمارج األصوات‬
‫وصفاهتا‪ ،‬وكذلك الرتكيبات الصوتيّة الصغرى واليت ميكن عزهلا مثل اجلذور والسوابق واللّواحق يف بع اللّغات‬
‫الالّ ِصقة‪.‬‬
‫اللّساين ليوانرد بلومفيلد ‪ Léonard Bloomfield‬مل يتوا َن عن اقرتاح وجهة نظره السلوكية اليت ميّزت‬
‫كل‬ ‫ِ‬
‫أهم مبدأ عرفته املدرسة السلوكية وهو االبتعاد عن املعىن و ّ‬
‫درسه اللّساين وصارت له عالمة مميّزة واليت قامت على ّ‬
‫َ‬
‫قدر اإلمكان‪ ،‬فجنح به البحث هو اآلخر حنو التم ّكن من اإلجراءات اليت تسمح ابكتشاف‬ ‫االعتبارات ال ّدالليّة َ‬
‫أسست ملا مسي‬ ‫ٍ‬
‫أي وصف قبلَه‪ :‬فهذه اإلجراءات هي اليت ّ‬ ‫األصوات اللّغويّة والبىن النحويّة للّغات اليت مل يرد هلا ُّ‬
‫رسخت من جانِبها للبنيويّة‪.‬‬ ‫بعده ابللّسانيات األمريكية اليت ّ‬
‫ردة فِعل ض ّد املعاجلة اآللية‬ ‫ِ‬
‫الصحوة الّيت عرفتها أمريكا واملوسومة ِابل ّذهنيّة ِابعتبارها ّ‬
‫نفسه إىل ّ‬ ‫وقد أشار إ‪ .‬بنفنيست ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫كمعارضة جليّة لِتلك املعاجلة املغذية ِِب ِّم املوضوعيّة‪ ،‬والتّم ّكن‬ ‫السلوكيّة على البنيويّني‪ .‬وهي صحوة تولّدت ُ‬ ‫الّيت أملتها ّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وضوعا ََيوز تطبيق عليه املنهج القائم على املالحظة والتّجريب‪.‬‬ ‫ً‬ ‫تصور اللُّغة بِوصفها َم‬
‫ّ‬ ‫ِمن‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫إطارا علميًّا ّتريبيًّا خصبًا للسانيات القرن‬ ‫كونت ً‬ ‫أبهم أصوهلا ومظاهرها ّ‬ ‫إ ّن النّظريّة السلوكيّة كما رأيناها آن ًفا ّ‬
‫(خاصة بفرعيها‪:‬‬
‫ّ‬ ‫لتطور البنيويّة يف أوراب‬
‫نوعا ما ّ‬ ‫يكي (التحليل التوزيعي) الذي كان متزامنًا ً‬ ‫العشرين سيّما برافدها األمر ّ‬
‫يكي ليوانرد‬ ‫الرافد َ ٍ‬
‫أبلغ متثيل اللّساينّ األمر ّ‬ ‫نسي والسويسري وكذا حلقة براغ واملدرسة الدمناركيّة)‪ ،‬ومثّل ذلك ّ‬ ‫الفر ّ‬
‫ِ‬
‫جهز تركيبةً لنظريّة حتليل اللّغة وأوضح كيفيّة تطبيقها‪،‬‬ ‫بلومفيلد وعلى اخلصوص يف بداايت أعماله املؤ ّسسة‪ ،‬حيث ّ‬
‫ِ‬
‫فروعا نظريّة وتطبيقيّة أقيمت‬ ‫وأملى نس ًقا فكرًّاي منسج ًما مع مبادئه ” السلوكية “ واقرتح إجراءً منهجيًّا استتبع ً‬
‫تشعبت إليه الح ًقا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وجه ألفكاره الرئيسيّة‪ ،‬ومل توفّر ما ّ‬‫بعضها على انتقادات أخذت تُ َّ‬ ‫ُ‬
‫‪ -3‬التحليل التوزيعي‪:‬‬
‫يتلخص منهج هاريس يف أ ّن املعاجلة العلميّة للغة عن طريق النصوص تنبين أوالَ وأخرياً على السياقات اخلطية‪ ،‬أي‬
‫ّ‬
‫على معطيات صوتية فقط تتح ّدد من خالهلا أقسام اخلطاب مبوقعها وليس بوظيفتها الرتكيبية العامة‪ .‬واملبدأ الساسي‬
‫املعتمد يف هذا‪ ،‬هو أ ّن لكل وحدة لغوية توزيعا اقرتانيا خاصا ِبا‪ .‬والتوزيع يف نظره هو جمموع السياقات اليت تظهر‬
‫فيها الوحدة‪ ،‬وهذا التوزيع هو الذي مييز الوحدات املختلفة عن بعضها‪ ،‬فما مييّز الوحدة ‪ /‬ينهق ‪ /‬مثال عن الوحدة‬
‫‪ /‬يزأر ‪ /‬هو أن التوزيع األويل سيكون على الشكل التايل‪:‬‬
‫‪ ‬ينهق احلمار أو احلمار ينهق‬
‫وتوزيع الثاين يكون على الشكل اآليت‪:‬‬
‫‪ ‬يزأر األسد أو األسد يزأر‬
‫وليس العكس أبدا‪ ،‬إذ يتعذر التوزيع التايل‪:‬‬
‫*ينهق األسد أو األسد ينهق‬
‫*يزأر احلمار أو احلمار يزأر‬
‫كما أن الوحدات‪:‬‬
‫كتاب‪ ،‬قلم‪ ،‬اليت ميكنها أن تقرتن بياء املتكلم مثال يف األقوال‪:‬‬
‫‪ ‬كتايب مجيل‪،‬‬
‫‪ ‬قلمي أمحر‪،‬‬
‫تنتمي إىل نفس الصنف التوزيعي‪ .‬ونفس الشيء يقال عن الوحدات املتصلة بلفظة " سيارة " يف اجلدول التايل‪:‬‬

‫حمور الرتكيب‬

‫ســيارت ـ ـ ــي ج ــديـ ـ ــدة‬

‫ـنـا‬

‫ـك‬ ‫محور االستبدال‬


‫ـك‬

‫ـكما‬

‫ـكم‬

‫ـكن‬

‫ـه‬

‫ـها‬

‫ـهما‬

‫ـهم‬

‫ـهن‬

‫إ ّن هذه الوحدات املدعوة يف النحو التقليدي ب ” الضمائر املتصلة “ تنتمي إىل نفس الصنف التوزيعي‪ .‬وتسمى‬
‫هذه األصناف يف اصطالح اللّسانيني‪ :‬أقسام اخلطاب‪.‬‬
‫مث إ ّن حتليل التوزيعات يف أقوال أخرى يربز أيضا يف فئات فرعية كما هو احلال يف قولنا‪:‬‬

‫انتظرت احلافلة طويالً‬


‫فالوحدة ‪ /‬طويال ‪ /‬ميكن استبداهلا ب ‪ /‬كثريا ‪ /‬و‪ /‬قليال ‪ /‬و‪ /‬برهة ‪ ،/‬حبيث تكون لنا األقوال التالية‪:‬‬
‫‪-‬انتظرت احلافلة طويالً‪.‬‬
‫‪-‬انتظرت احلافلة قليال‪.‬‬
‫‪-‬انتظرت احلافلة برهة‪.‬‬
‫ولكن ال ميكن استبداهلا أبدا ب ‪ /‬جدًّا ‪ /‬فال نقول‪:‬‬
‫‪-‬انتظرت احلافة جدًّا‪.‬‬
‫وعلى هذا األساس االستبدايل ذاته ميكن حتليل مجيع اجلمل عن طريق ّتزئتها إىل قطع تنحصر شيئا فشيئا إىل‬
‫يسمى ابلتحليل إىل ِّ‬
‫املقومات املوالية وهي الوحدات الرتكيبية للخطاب اليت‬ ‫أن تصبح غري قابلة للتجزئة‪ ،‬وهذا ما ّ‬
‫مت ّدان أبقسام هذا األخري أي الوحدات الرتكيبية االستبدالية‪.‬‬
‫مراجع احملاضرة‪:‬‬
‫اسات في الّلسانيات التّطبيقية‪ :‬حقل تعليمية ُّ‬
‫اللغات‪ ،‬ديوان المطبوعات‬ ‫‪ -1‬أحمد حساني‪ ،‬در ٌ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الجامعية‪ ،‬الجزائر‪.2000 ،‬‬
‫ّ‬
‫‪ -2‬كاترين فوك وبيارلي قوفيك‪ ،‬مبادئ في قضايا الّلسانيات المعاصرة‪ ،‬ترجمة المنصف‬
‫عاشور‪ ،‬بإشراف رابح اسطمبولي‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الجزائر‪.1984 ،‬‬

‫الميسرة‪ :‬علم التّراكيب‪ ،‬دار أنوار‪،‬‬


‫َّ‬ ‫العامة‬
‫‪ -3‬سليم بابا عمر وباني عميري‪ ،‬الّلسانيات ّ‬
‫الجزائر‪.1990 ،‬‬

You might also like