Professional Documents
Culture Documents
ﻣﺤﺎﺿﺮات
ﻓﻲ اﻷدب اﻟﻤﻘﺎرن
إعداد
دكتور
مصطفى فاروق عبد العليم
مدرس األدب والنقد بالكلية
الطبعة األولى 2009م
اﻷدب اﻟﻣﻘﺎرن
~~~~~~~~~~~~~~~~~
* ﺗﻌرﻳف اﻷدب اﻟﻣﻘﺎرن :
~~~~~~~~~~~~~~~~
4
" اﻷدب اﻟﻣﻘﺎرن ﻫو اﻟﻔن اﻟﻣﻧﻬﺟﻲ اﻟذي ﻳﺑﺣث ﻋن ﻋﻼﻗﺎت اﻟﺗﺷﺎﺑﻪ ،
واﻟﺗﻘﺎرب ،واﻟﺗﺄﺛﻳر ،وﺗﻘرﻳب اﻷدب ﻣن ﻣﺟﺎﻻت اﻟﺗﻌﺑﻳر ،واﻟﻣﻌرﻓﺔ
اﻷﺧرى ،أو أﻳﺿﺎ اﻟوﻗﺎﺋﻊ ،واﻟﻧﺻوص اﻷدﺑﻳﺔ ﻓﻳﻣﺎ ﺑﻳﻧﻬﺎ اﻟﻣﺗﺑﺎﻋـدة ﻓﻲ
اﻟزﻣﺎن ،واﻟﻣﻛﺎن ،أو اﻟﻣﺗﻘﺎرﺑﺔ ـ أن ﺗﻌود إﻟﻰ ﻟﻐﺎت ،أو ﺛﻘﺎﻓﺎت
ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﺗﺷﻛﻝ ﺟزءا ﻣن ﺗراث واﺣد ﻣن أﺟﻝ وﺻﻔﻬﺎ ﺑﺻورة أﻓﺿﻝ ،
)(1
وﻓﻬﻣﻬﺎ ،وﺗذوﻗﻬﺎ "0
ﻓﺎﻷدب اﻟﻣﻘﺎرن :ﻫو اﻟﻌﻠم اﻟذي ﻳدرس اﻟﺻﻼت اﻷدﺑﻳﺔ ﺑﻳن اﻵداب
اﻟﻣﺧﺗـﻠﻔﺔ ،وﻣـواطن اﻻﻟﺗﻘﺎء ﺑﻳﻧـﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﺎﺿﻳـﻬﺎ ،وﺣﺎﺿـرﻫﺎ ،واﻟﺗﺄﺛﻳرات
اﻟﻌدﻳدة اﻟﺗﻲ ﺗﻛون ﺑﻳن ﺑﻌﺿﻬﺎ ،واﻟﺑﻌض اﻵﺧر ﻓﻲ ﺟﻣﻳﻊ أﺷﻛﺎﻟﻬﺎ ،
وﺻورﻫﺎ ،وطرق اﻟﺗﻐﻳﻳر ﻓﻳﻬﺎ ﻓﻛﺎن ﻣﺟﺎﻝ ﺑﺣوﺛﻪ اﻟﺗﻳﺎرات اﻷدﺑﻳﺔ
اﻟﻌﺎﻟﻣﻳﺔ ،واﻣﺗدادﻩ ﺑﺎﻟﺗﺄﺛﻳر ﻓﻳﻬﺎ ،أو اﻟﺗﺄﺛـر ﺑﻬﺎ ؛ وﻟذﻟك ﻓﻬـو أﺳﺎس ﻻ
ﻏﻧﻰ ﻋﻧﻪ ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻟﺣدﻳث ﻓﻧظرﻳﺎت اﻟﻧﻘد اﻟﺣـدﻳث ﻣرﺟﻌﻬﺎ إﻟﻳﻪ ﺣﺗﻰ
ﻟﻳﺳﻣﻰ اﻟﻧﻘـد اﻟﺣـدﻳث ) اﻟﻧﻘـد اﻟﻣﻘﺎرن ( ؛ وذﻟك ﻷﻫﻣﻳﺔ اﻟﺑﺣوث اﻟﻣﻘﺎرﻧﺔ
ﻓﻲ اﻟﻛﺷف ﻋن اﻷﺳـس اﻟﻔﻧﻳﺔ اﻟراﺋـدة ﻓﻲ اﻟﻧﻘ ـد اﻟﺣدﻳث ،وﻟﻬذا رأﻳﻧﺎ
أدﺑﻧﺎ اﻟﻌرﺑﻲ ﻓﻲ ﻣﺧﺗﻠف ﻋﺻـورﻩ اﻷدﺑـﻳﺔ ﻻ ﻳﻧطوي ﻋﻠﻰ ذاﺗﻪ ،وداﺋﻣﺎ
(1اﻷدب اﻟﻌﺎم واﻟﻣﻘﺎرن ﺗﺄﻟﻳف دﻛﺗور ﻧﺑﻳﻝ ﻫﻧري ﺑﺎﺟو ﺗرﺟﻣﺔ ﻏﺳ ـﺎن اﻟﺳﻳد ﺻـ
18ﻣﻧﺷورات إﺗﺣﺎد اﻟﻛﺗﺎب اﻟﻌرب دﻣﺷق 01997
5
ﻳﺗﺻﻝ ﺑﺎﻵداب اﻟﻌﺎﻟﻣﻳﺔ اﻷﺧرى ،وﻗد ﺗﺄﺛر ﺑﻬذﻩ اﻵداب ،وأﺛر ﻓﻳﻬﺎ
)0(1
وﻣن ﺛم ﻳﺣدد اﻟﺗﻌرﻳف اﻷوﻝ ﻟﻠﻌﻣﻝ اﻟﻣﻘﺎرﻧﻲ ) ﺗﻘرﻳب اﻷدب ﻣـن
ﻣﺟﺎﻻت اﻟﺗﻌﺑﻳر ،واﻟﻣﻌرﻓﺔ اﻷﺧرى ( ﻣﺎ ﻳرﻳد ﻋﻣﻠﻪ اﻷدب اﻟﻌﺎم ﻣﺛﻼ
ﻋﻧدﻣﺎ ) ﻳﻘرب ( ﻧﺻﺎ أدﺑﻳﺎ ﻣن اﻗﺗﺑﺎس ﺳﻳﻧﻣﺎﺋﻲ ،أو ﻟوﺣﺔ ،أو ﻗطﻌﺔ
ﻣوﺳﻳﻘﻳﺔ ،أو ﻋﻧدﻣﺎ ) ﻳﻘﺎرن ( ﺑﻳن اﻷدب ،واﻟـﺗﺎرﻳـﺦ ،واﻷدب ،
)(2
0 واﻟﺗﺣﻠﻳﻝ اﻟﻧﻔﺳﻲ
)(3
اﻷدب اﻟﻣﻘﺎرن ) ﺑﻔﺗﺢ اﻟراء وﻛﺳرﻫﺎ ( ﻫـو ﻧﻬﺞ وﻳرى ﺑﻌض اﻟﻧﻘﺎد
،أو ﻣﻧظور ﻣﻌﻳن ﻓﻲ دراﺳﺔ اﻷدب 0وﺑﻬذا اﻟﺗوﺿﻳﺢ اﻟﻣﺑـدﺋﻲ ﻳﻧﺗﻘﻝ
اﻷدب اﻟﻣﻘﺎرن ﻣن ﻣﻧطﻘﺔ اﻹﺑداع اﻷدﺑﻲ إﻟﻰ ﻣﻧـطﻘـﺔ دراﺳـﺔ
اﻹﺑداع اﻷدﺑﻲ 0
ورﺑﻣﺎ ﻛـﺎن ﻣن اﻷوﻓـق ﻟو أﻧﻧﺎ اﺳﺗﺧدﻣﻧﺎ ﻣﺻطـﻠﺢ ) اﻟدراﺳـﺔ اﻟﻣﻘﺎرﻧﺔ
ﻟﻸدب ( ﺑدﻻ ﻣن ﻫذا اﻟﻣﺻطﻠﺢ اﻟذي أﺛﺎر ﻛﺛﻳ ار ﻣن اﻟﻠﺑس ،واﻟﺟدﻝ 0
)(1
راﺟﻊ :اﻷدب اﻟﻣﻘﺎرن د /ﻣﺣﻣد ﻏﻧﻳﻣﻲ ﻫﻼﻝ ﺻـ ، 8وراﺟﻊ :ظﺎﻫرة اﻟﺗﺄﺛﻳر
،واﻟﺗﺄﺛر ﻓﻲ اﻷدب اﻟﻌرﺑﻲ د /اﻟﻌرﻳﻧﻲ ﺻـ 0 19
)(2
اﻷدب اﻟﻌﺎم واﻟﻣﻘﺎرن ﺻـ 0 19
)(3
ﻣدﺧﻝ إﻟﻰ اﻟدرس اﻷدﺑﻲ اﻟﻣﻘﺎرن د /أﺣﻣد ﺷوﻗﻲ ﻋﺑد اﻟﺟواد رﺿوان ﺻـ 8
دار اﻟﻌﻠوم اﻟﻌرﺑﻳﺔ ﺑﻳروت ﻟﺑﻧﺎن اﻟطﺑﻌﺔ اﻷوﻟﻰ 1410ﻫـ 1990م 0
6
إن ﻣﺟرد ﻋرض ﻧﺻوص ،أو ﺣﻘﺎﺋق أدﺑﻳﺔ ،ودراﺳﺗﻬﺎ ﻟﻣﺟ ـرد ﺗﺷﺎﺑﻪ
،أو ﺗﻘﺎرب ﻗﺎم ﺑﻳﻧﻬﺎ دون أن ﻳﻛ ـون ﻫﻧﺎك ﺻﻠﺔ اﺗﺻﺎﻝ ،أو ﺗﻔﺎﻋﻝ
) ﺗﺄﺛﻳر ،وﺗﺄﺛر ( ﻻ ﻗﻳﻣﺔ ﻟﻪ ﻓﻲ ﻣﺟﺎﻝ اﻷدب اﻟﻣﻘﺎرن 0
وﻷن اﻟﻣﻘﺎرﻧﺔ ﺗﻌﻧﻲ اﻟﺗﻘرﻳب ﺑﻳن وﻗﺎﺋﻊ ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﺗﺟﻣـﻊ أﻛـﺑر ﻋدد ﻣﻣﻛن
ﻣﻧﻬﺎ ﻻﺳﺗﺧﻼص اﻟﻘواﻧﻳن اﻟﻌﺎﻣﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺳﻳطر ﻋﻠﻳﻬﺎ0
ﻫذا وﻟن ﻳﺿﻳر ﻛﺎﺗﺑﺎ ﻣﺎ ،أو ﺷﺎﻋ ار ﻣﻬﻣﺎ ﺗﻛن ﻋﺑﻘرﻳﺗﻪ ،وﻣﻬﻣﺎ ﺳﻣﺎ
ﻓﻧﻪ أن ﻳﺗﺄﺛر ﺑﻧﺗﺎج اﻵﺧرﻳن ،وﻳﺳﺗﺧﻠﺻﻪ ﻟﻧﻔﺳﻪ ؛ ﻟﻳﺧـرج ﻣﻧﻪ ﻧﺗﺎﺟﺎ
)(1
0 ﻣﻧطﺑﻌﺎ ﺑطﺎﺑﻌﻪ ﻣﺗﺳﻣﺎ ﺑﻣواﻫﺑﻪ
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
)(1
راﺟﻊ :ظﺎﻫرة اﻟﺗﺄﺛﻳر واﻟﺗﺄﺛر ﻓﻲ اﻷدب اﻟﻌرﺑﻲ ﺻـ 0 22 ، 21
) (1راﺟﻊ :ﻣدﺧﻝ إﻟﻰ اﻟدرس اﻷدﺑﻲ اﻟﻣﻘﺎرن ﺻـ 40 : 38
8
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
)(1
راﺟﻊ :ﻣدﺧﻝ إﻟﻰ اﻟدرس ﻷدﺑﻲ اﻟﻣﻘﺎرن ﺻـ0 21 : 13
17
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
)(1
ﻧﺷﺄة اﻷدب اﻟﻣﻘﺎرن :
)(1
راﺟﻊ :اﻷدب اﻟﻣﻘﺎرن و دور اﻷﻧﺳﺎق اﻟﺛﻘﺎﻓﻳﺔ ﻓﻲ ﺗطور ﻣﻔﺎﻫﻳﻣﻪ واﺗﺟﺎﻫﺎﺗﻪ
د /ﺣﻳدر ﻣﺣﻣد ﻏﻳﻼن 81وﻣﺎ ﺑﻌدﻫﺎ
18
~~~~~~~~~~~~~~~~
ارﺗﺑطت ﻧﺷﺄة اﻷدب اﻟﻣﻘﺎرن ﺑظﻬور اﻟطﺎﺑﻊ اﻟﻌﻠﻣﻲ ﻓﻧـﺟد
طﻼﺋﻌﻪ ﻗد ﺑرزت ﻋﺎم 1827م ،ﺛم أطﻠق ﻋﻠﻰ ﻣﻧﺎﺑر ﻛﺛﻳرة
ﺧﺻﺻت ﻟﻪ ﻣﻧذ ﻋﺎم 1830م ،وﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﻔـﺗرة اﻟزﻣﻧـﻳﺔ
ﻛﺎﻧت اﻟﺷﻌوب ﻗد ﺗﻘدﻣت ﺗﻘـدﻣﺎ ﻣﻠوﺣظﺎ ﻓﺎﻟﺗـﺎرﻳـﺦ اﻟﻌﻠﻣﻲ
اﻟﺣدﻳث أرﺟﻌﻪ اﻟﻛﺛﻳر ﻣن اﻟﻣﻔﻛرﻳن إﻟﻰ ﻋﺎم 1750م ،
ﻓﺳﻳر ﺑﻪ ﻗـطـر اﻟﺳﻛـك
ﺣﻳث ﺗوﺻﻝ اﻹﻧﺳﺎن إﻟﻰ ﻣﻌرﻓﺔ اﻟﺑﺧﺎر ّ
اﻟﺣدﻳدﻳﺔ ،واﻟﺳﻔن اﻟﻌﻣﻼﻗﺔ ،وﻣﻧﻪ اﻧطﻠق اﻹﻧﺳﺎن إﻟﻰ ﻋﺻر
اﻟﻛﻬرﺑﺎء ،واﻟذرة ،ﺛم ﻛﺎﻧت اﻻﻧطﻼﻗﺎت اﻟﻌﻠﻣﻳﺔ اﻟواﺳﻌﺔ ﻓﻲ
ﻣﺟﺎﻝ اﻟﺣﻳﺎة ،واﻟﻛون ،وﻣن ﺛم ﺗرﺑﻊ اﻷدب اﻟﻣـﻘﺎرن ﺣﻳث ﺷﺎء
اﻟﻌﻠم أن ﻳﺿﻌﻪ ﻳﺷﻌﻝ أوﻝ ﻣﻧﺑر ﻟﻪ ﻓﻲ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻟﻳون ﻋـﺎم
)(2
1896م ﻋﻠﻰ ﻳد ﺟوزﻳف ﺗﻛﺳت 0
ومن الجدير بال ذكر :أن ظھ ور األدب المق ارن ت زامن م ع ظھ ور
النزع ة القومي ة الفرنس ية ،الت ي أدت إل ى ث ورة الفرنس يين عل ى الكتاب ة
باللغات الالتينية ،واتجاھھم إلى لغتھم القومية ،حيث نشأ عص ر التن وير
في القرن الثامن عشر ،على أسس اللغة والثقافة في فرنس ا ،فق د اتجھ ت
فرنس ا إل ى االھتم ام بدراس ة اللغ ات الرومانس ية وآدابھ ا ،والكش ف ع ن
)(2
راﺟﻊ :ظﺎﻫرة اﻟﺗﺄﺛﻳر واﻟﺗﺄﺛر ﺻـ 0 18
19
دروھا في نھضة اآلداب األوربية الحديثة بعدما كانت مھمل ة ،وم ن ث م
ظھر االھتمام بآداب العصور الوسطى )0 (1
و في محاولة إلعادة االعتبار لھذه اللغات التي تمثل أس اس اللغ ات
القومية األوربية الحديثة ،بعد أن تعرضت لإلھم ال بحج ة أن األدب ال
يك ون س اميا إال إذا ك ان مكتوب ا ً باللغ ة الالتيني ة ـ بن اء عل ى الق وانين
الكالسيكية الصارمة ـ ،ومن ھنا ندرك سر تركيز أص حاب ھ ذا االتج اه
عل ى القومي ة ف ي دراس ة الت أثير ،واش تراط اخ تالف اللغ ة حت ى تص ح
المقارنة ،فالفرنسي في دراسته المقارنة ــ السيما في طور النشأة ــ كان
حريصا ً على إثبات إسھام القوميات السيما القومية الفرنسية ،في نھض ة
اآلداب األوربية المختلفة وقد دفعه اعتزازه بقوميته إلى اشتراط اختالف
لغة األدبين المقارنين لكي يكشف عن أھمية تعدد اللغات ،ومن ث م يب رز
تميز لغته الفرنسية عن اللغ ة الالتيني ة اللغ ة األم لھ ذه اللغ ات ) اللھج ات
باعتبار األصل ( ،وعن اللغات األوربية األخرى.
وقد أدى االھتمام برسم مالم ح القومي ة الفرنس ية ،ومحاول ة إب راز
تميزھا إلى ازدھار علم التاريخ في القرن الث امن عش ر ،والق رن التاس ع
عش ر ف ي فرنس ا ،فق د وض ع أس س ھ ذا الم نھج )فرانس وا جي رو
) (1ارﺟـﻊ :آﻓـﺎق اﻷدب اﻟﻣﻘــﺎرن ،ﺣﺳـﺎم اﻟﺧطﻳـب ،ﺻ ـ 94ـ دار اﻟﻔﻛـر اﻟﻌﺎﺻــر،
اﻟطﺎﺑﻌﺔ ﻟﺛﺎﻧﻳﺔ ،ﺑﻳروت .، 1999،
20
وأوجستين في ري ( ،م ن خ الل كتابتھم ا للت اريخ الق ومي الع ام لفرنس ا ،
وبعض ال دول األوروبي ة ،ف ي العق دين الثال ث والراب ع م ن الق رن الث امن
عشر ،وقد أفاد النقاد واألدباء الفرنسيون من ھذا المنھج في كتاب ة ت اريخ
األدب الفرنسي ،وقاموا بترسيخ منھج النقد التاريخي0
ومن ثم وفي ظل التوجھات القومية في اللغة واألدب والتاريخ ف ي
فرنس ا ،أن يتج ه األدب المق ارن اتجاھ ا ً قومي ا تاريخي اً ،ھدف ه أن يب رز
االس ھامات الت ي يق دمھا أدب ق ومي ف ي تط ور أدب ق ومي آخ ر،؛ ل ذا
وطالبوا في دراسة التأثير أو التأثر أن تكون العالقة بين األدبين القوميين
مبنية على وقائع ووثائق تاريخية ،تثبت انتقال األدب الم ؤثر إل ى األدب
المت أثر ،مم ا أدى إل ى االھتم ام بوس ائل الت أثير كالترجم ة والكت ب
وال رحالت ،وتتب ع س يرة الكات ب الم ؤثر ،وس يرة الكات ب المت أثر ،وك أن
المھمة الرئيسة للمقارنة في ھذا االتج اه ،تنتھ ي عن د إثب ات الت أثير ب ين
أدبين قوميين .
ومن ثم ارتبط األدب المقارن الفرنسي بالنزع ة التاريخي ة القومي ة
أي أنه نشأ ف ي البداي ة فرع ا ً م ن فـ ـروع الت اريخ األدب ي الفرنس ي أثن اء
متابعته لتطور األدب الفرنسي0
ولقد ظھر األدب المقارن عند ) فليمان ( اسجابة للنزعة القومي ة ،
عن دما ك ان يلق ي محاض رات ف ي جامع ة الس ربون ع ن ت اريخ األدب
21
الفرنسي )1828ــ (1829حيث تن اول ف ي ھ ذه المحاض رات الت أثيرات
المتبادلة بين األدب الفرنسي ،واألدب اإلنجليزي ،وتأثير األدب الفرنسي
في إيطاليا في القرن الثامن عشر ،ھدفه من وراء ذلك تق ديم ص ورة ع ن
»ما تلقته الروح الفرنسية من اآلداب األجنبية ،وما أعطته لھ ا م ن أج ل
)(1
كتابة تاريخ أدب شامل لفرنسا«
وھك ذا كان ت الرغب ة ف ي إب راز الجوان ب القومي ة ھ ي الت ي تس ير
الدراسات المقارنة بعد ) فليمان ( 0
ويب رز ذل ك بوض وح م ن خ الل إب راز المق ارنين عل ى الت أثير الثن ائي
المتبادل بين أدبين قوميين ،يكون عادة األدب الفرنس ي أح د طرف ي ھ ذه
المقارنات ؛ ألن الھدف ھو إثب ات القومي ة الفرنس ية بإكم ال كتاب ة ت اريخ
األدب الفرنسي 0
فالكت اب األدب ـ غالب ا ـ يح دث ل ديھم ن وع م ن المرك ز ح ول أدب
قومية واحدة ،وال يس تطيع القي ام بكتاب ة ت اريخ ع دة آداب ف ي آن واح د ،
وھذا أيضا ً ما دفعھم إلى عدم االعت راف بالدراس ات المقارن ة الت ي تتس ع
لتشمل عدة آداب في وقت واحد ،وكذلك الدراس ات الت ي تتن اول التش ابه
ب ين اآلداب القومي ة ،حي ث ي تم تص نيفھا تح ت م ا يس مى ب األدب الع ام
) ، (General Literatureفدراسة الرومانسية في األدب األوروب ي ال
)(1
راﺟﻊ :اﻷدب اﻟﻌﺎم واﻟﻣﻘﺎرن ﺻـ 0 13
22
تدخل عندھم في األدب المقارن ،وكذلك دراسة تأثير شكسبير في األدب
األورب ي بش كل ع ام ،فك ل م ا ال يخ دم فك رة القومي ة الفرنس ية ل ديھم
أسقطوه من اآلداب المقارنة ؛ ألن ھذا النوع من الدراس ات ـ ـ كم ا يب دو
ـ ـ ال يتف ق م ع ت وجھھم الق ومي ال ذي يھ دف إل ى كتاب ة ت اريخ األدب
الفرنسي ،فدراسة التأثير المبني على حقائق ووق ائع تاريخي ة تثب ت دور
كاتب أو أمة في مسيرة أدب قومي ھي المعول عليھا ،أما دراسة التش ابه
المبني على توارد الخ واطر أو عل ى الص دفة ،وك ذلك دراس ة ت أثر ع دة
آداب قومية جملة واحدة بأديب أو باتجاه أدبي ،فألنھا ال تخ دم أو توث ق
أو تكم ل كتاب ة ت اريخ األدب لقومي ة مح ددة ؛ فق د أخرجھ ا أص حاب ھ ذا
االتجاه من دائرة األدب المقارن 0
وق د س ير االتج اه الق ومي األدب المق ارن ف ي فرنس ا ،ويب دو ذل ك
واض حا بتتب ع جھ ود أب رز المق ارنين الفرنس يين ،حي ث تظھ ر الثنائي ة
والتمركز حول القومي ة والتوج ه الت اريخي ،م ن خ الل عن اوين أبح اثھم
وكتابتھم التطبيقية.
23
فقد ألقى جان ج اك أمبي ر )1930(J. J. Ampereم ،محاض رات
ف ي مرس يليا وب اريس تمح ورت ح ول الت أثيرات المتبادل ة ب ين األدب
الفرنسي ،وعدد من اآلداب األجنبية في العصور الوسطى)0 (1
وإذا انتقلن ا إل ى ) فردينان د برونتي ر ( حينم ا أدخ ل األدب المق ارن
إل ى الكلي ة الطبيعي ة العلي ا ف ي نھاي ة الق رن التاس ع عش ر فإن ه أراد ب ذلك
مقارن ة تط ور األدب الفرنس ي بتط ور اآلداب الغربي ة األخ رى ومتابع ة
تطور األجناس األدبية )كما فعل آخرون مع البشر( ).(2
ومن ثم ارتبطت نشأة ) األدب المــقارن ( ،باالھـتمام باللــغـــ ـات ،
وإبــراز القوميات 0
وأما عن نش أة األدب المق ارن ل دى االش تراكين ف ي روس يا ،وأورب ا
الشرقية فأخذوا يحاربون الطبقة البورجوازية من أجل إيجاد عالم ب دون
طبقات ؛ تختفي فيه الصراعات الناتجة ع ن األطم اع القومي ة أو الفردي ة
ول ذا ت ذوب القومي ة ھن ا وتفق د س لطتھا ،وي تم تجاھ ل الفردي ة لتص بح
العوامل االجتماعية أو الظ روف االجتماعي ة ھ ي المس ئولة ع ن ص ياغة
الحياة ،وتحديد نمط العيش ،وأنواع الفنون واآلداب ،بغض النظ ر ع ن
القومية أو اللغ ة أو الج نس ،ول ذا عمل وا عل ى إذاب ة القومي ات ف ي إط ار
)(1
أﻓﺎق اﻷدب اﻟﻣﻘﺎرن ﺻـ 950
) (2اﻷدب اﻟﻌﺎم اﻟﻣﻘﺎرن ،ص.13
24
ھ ذا النس ق الثق افي ،م ع اعت رافھم ب التنوع ال ذي يثب ت أن الظ روف
االجتماعية ھ ي الت ي تص نع الت اريخ ،وھ ذه الرؤي ة أث رت ف ي نظ رتھم
إلى األدب ونقده وتاريخه ،و إلى مفھوم األدب المقارن و وظيفته.
ومن ھنا يأتي إصرارھم على إثب ات أن الواق ع االجتم اعي ھ و ال ذي
يح دد أنم اط األدب ،وس ماته ول يس الف رد وال القومي ة فحي اة الش عوب
»بمص ائرھا التاريخي ة ،بأح داثھا ،وتقالي دھا ،بتناقض اتھا ،بعالقاتھ ا
االجتماعي ة ،وخص وماتھا ،وتط ور الشخص ية اإلنس انية ،وغناھ ا
الروحي ،باختصار إن مختلف جوانب الواق ع نفس ه تطلب ت قي ام األن واع
األدبي ة ،وھ ذا المفھ وم االش تراكي ل ألدب ك ان يعط ي للعملي ة األدبي ة
إمكاني ة التن اول الواس ع ،لك ل الحق ائق الجــ ـديرة باالھـــتمــــ ـام ،عن د
ظھور المسببات الشاملة ،فقد أدخل ت االش تراكية الظ اھرة األدبي ة ض من
نظ ام العالق ات المتبادل ة ب ين القاع دة ،والبن اء الف وقي )األدب( ،وكش فت
ع ن الطبيع ة المتواص لة لعالق ة األدب ب الظروف االجتماعي ة،
)(1
واالقتصادية "
ومن المالحظ أن النسق الثق افي ال ذي يوج ه اھتمام ات أص حاب ھ ذه
االتج اه يختل ف ع ن الس ياق الثق افي ال ذي ح دد اھتمام ات المق ارنين
الفرنسيين مما سيؤدي إلى اختالف مفھوم األدب المق ارن ،وميادين ه ع ن
)(1
ﻣﺑﺎدئ ﻋﻠم اﻷدب اﻟﻣﻘﺎرن ﺻـ11
25
المفھوم الفرنسي القديم الذي اتجه إلى دراسة الت أثير المش روط ب اختالف
اللغة بين أدبين قوميين ،فمع أن الماركس يين تلتق ي م ع االتج اه الفرنس ي
ف ي المي ل إل ى الت اريخ ،إال أنھ ا تختل ف عن ه ف ي األھ داف والنت ائج ،
فاالتجاه الفرنسي يستعين ب المنھج الت اريخي إلثب ات ت أثير أو ت أثر األدب
الق ومي بمع زل ع ن الق وانين المتحكم ة ف ي تط وره ،بينم ا الماركس يون
يستخدمون المنھج التاريخي إلثبات دور المجتمع والصراع الطبق ي ف ي
تش كيل األدب وظھ ور أجناس ه ،ف إذا تش ابھت عن دھم الظ روف
االجتماعية ف ي ع دد م ن البل دان ،س يؤدي ذل ك التش ابه االجتم اعي إل ى
ظھور أدب متشابه ،ومن ھنا أصبحت الدراسات األدبية المقارنة موجھة
كغيرھ ا م ن المج االت المعرفي ة ،إلثب ات م دى تحك م الظ روف
االجتماعية ،وتأثيرھا ،ولذا ظل أصحاب ھذا االتجاه غير آبھين بمفھوم
األدب المق ارن كم ا ح دده االتج اه الفرنس ي ،فل م يك ن األدب المق ارن
مج االً معترف ا ً ب ه حت ى أواخ ر الخمس ينات م ن الق رن العش رين ؛ ألن
الممارسة المقارن ة كان ت ل ديھم مبني ة عل ى فلس فة مختلف ة ،وتم ارس ف ي
نظرية األدب بشكل أكثر اتساعا ً .
وقد شھدت الستينات محاوالت من قبل أنصار ھ ذا االتج اه لص ياغة
األسس التي يقوم عليھ ا األدب المق ارن الماركس ي ،فعق د م ؤتمر ل ألدب
المقارن عام 1960م وظھرت محاوالت في أوروبا الشرقية ،من أجل لم
26
ش مل المق ارنين االش تراكيين ،و ت م تك وين ن دوة بودابس ت 1962ون دوة
برلين عام 1966م من أجل تحديد مفھوم اشتراكي لألدب المقارن يتالءم
)(1
مع رؤيتھم االجتماعية
فاألدب المقارن يحاول أظھار الطبيعة العامة للعالقات بين اآلداب ،آخ ذاً
بع ين االعتب ار وقب ل ك ل ش يء العوام ل االجتماعي ة واالقتص ادية ف ي
تحليله العلمي للظاھرة األدبية.0
نشأة األدب المقارن في األدب العربي :
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
و ف ي النص ف الث اني م ن الق رن التاس ع عش ر ،ب رزت ف ي وطنن ا
العربي محاوالت ،البدايات األول ى ل ألدب المق ارن ،وق د ارتبط ت ھ ذه
المحاوالت مع ب دايات النھض ة العربي ة ،وارتبط ت بمرحل ة اإليق اظ ف ي
جمي ع مج االت الحي اة ومنھ ا األدب ،وم ا يؤك د ھ ذا أن رواد النھض ة
العربية ھم أصحاب البدايات األولى لألدب المق ارن ف ي ال وطن العرب ي،
وس نرى أن التفكي ر النھض وي ل دى أدبائن ا ونقادن ا ف ي تل ك المرحل ة
والمراحل الالحقة ،سيترك أث را واض حا ف ي توجي ه الدراس ات المقارن ة
لإلسھام في تحقيق نھضة أدبية من خالل االنفتاح عل ى اآلداب األخ رى،
واإلفادة من جوانبھا االيجابية ،ول ذا كان ت الب دايات األول ى ترك ز عل ى
)(1
راﺟﻊ :أﻓﺎق اﻷدب اﻟﻣﻘﺎرن ﺻـ 0 117 ، 116
27
دراسة التشابه واالختالف ؛ فاكتف اء ال رواد ف ي ھ ذه المرحل ة – كم ا ھ و
الحال في االتجاه الفرنسي – بدراسة الت أثير والت أثر ،م ن منطل ق إثب ات
فضل أدب قومي على أدب قومي آخر ال يلبي متطلبات سياقھم الثق افي ،
مما دفعھ م إل ى ع دم االلت زام بم ا وض عه المق ارن الفرنس ي ،فق د درس
المق ارنون الع رب ف ي تل ك المرحل ة التش ابھات واالختالف ات ب ين األدب
العربي واآلداب الغــــــربية الحديثة ،قب ل ظھــ ـور االتج اه األمريك ي ،
و كيفوا دراسة الت أثير والت أثر لت تالءم م ع التوج ه النھض وي ف ي ال وطن
العربي .
و من ھنا يظھر لنا تعسف المقارنين المعاصرين الذين لم ي دخلوا دراس ة
التش ابھات ل دى ال رواد ض من األدب المق ارن ،بحج ة ع دم التزامھ ا
بمب ادئ االتج اه الفرنس ي ،ويظھ ر لن ا أيض ا مبالغ ة ال ذين ع دوا ھ ذه
المقاالت سبقا لالتج اه األمريك ي لإلع الء م ن ش أن أص حابھا ،مم ا ي دل
على أن تقييم ھذه الجھ ود ت م ف ي الغال ب م ن خ الل متطلب ات االتجاھ ات
الواردة ،دون النظر إلى احتياجات المرحلة العربية وخلفياتھا .
فم ن المع روف أن رواد النھض ة العربي ة بمختل ف مجاالتھ ا ،ك انوا
يطمحون إلى الخروج العزلة التي فرضتھا عصور االنحطاط ،وما ن تج
عنھا من جمود في المجاالت الثقافي ة المختلف ة ع ن طري ق االنفت اح عل ى
العالم واإلفادة مما توصلت إليه من تط ور ف ي المج االت المختلف ة ومنھ ا
28
األدب والنقد ،و م ن الطبع ي أن يتج ه أدب اء وكت اب عص ر النھض ة ف ي
ال وطن العرب ي ودع اة التجدي د إل ى تعري ف الق راء بجوان ب م ن نھض ة
اآلداب األخرى ،من خ الل إج راء مقارن ات التش ابه والت وازي ،بھ دف
اإلسھام في تطور األدب العربي الحديث ونقده.
وم ن ث م يمكنن ا أن ن درك أبع اد اھتم ام رفاع ة الطھط اوي ف ي كتاب ه
تخليص اإلبريز في تلخيص باريز 1285ھـ 0
وك ذلك عل ي مب ارك فـ ـي كتاب ه " عل م ال دين " بمقارن ة جوان ب م ن
التش ابه ،واالخ تالف ب ين بع ـض مظ اھر الثقاف ة العربي ة بجوان ب م ن
الحض ارة الغربي ة )) ، ((1وك ذلك المقارن ات واإلش ارات المتفرق ة ل رواد
آخ رين ،مثــ ـل :أدي ب إس حاق ،وأحم د ف ارس الش دياق ،ويعق وب
صروف ،التي يمكن إدخالھا ضمن البدايات األولى لألدب المقــــارن –
فھذه الجھود جميعھا تنطلق من نزعة نھضوية تنويرية .
فقد كتب يعق وب ص روف مقال ة بعن وان )االنتق اد( ع ام ، 1887
تناول فيھا واقع النقد العربي وما يعانيه م ن تخل ف والنق د اإلفرنج ي وم ا
وصل إليه من تطور ،دون االھتمام بدراسة التأثير أو التأثر ،مشيرا إلى
) (1ﺣــوﻝ اﻟﺑــداﻳﺎت اﻷوﻟــﻰ ﻟﻬــذا اﻟﻣــﻧﻬﺞ ﻋﻧــد اﻟطﻬطــﺎوي ،وﻋﻠــﻲ ﻣﺑــﺎرك ،ﻳﻧظــر :
ﺗــﺎرﻳﺦ اﻷدب اﻟﻣﻘــﺎرن ﻓــﻲ ﻣﺻــر ،ﻋطﻳــﺔ ﻋــﺎﻣر ،ﻣﺟﻠــﺔ ﻓﺻــوﻝ ،اﻟﻣﺟﻠــد اﻟﺛﺎﻟــث ،
اﻟﻌدد اﻟراﺑﻊ ،ﻳوﻟﻳو ،أﻏﺳطس ،ﺳﺑﺗﻣﺑر 1983 ،م ،ص .16 –13
29
ع دد م ن النق اد المش ھورين ف ي الغ رب ،انطالق ا م ن حرص ه عل ى أن
يتعرف القارئ العربي على أنماط جديدة في النقد ).(1
وتظھ ر بع د ذل ك مق االت ت دل عناوينھ ا عل ى توج ه أص حابھا إل ى
المقارنة ،ولكنھا مع ھذا اكتفت بدراس ة الت وازي أو التش ابه واالخ تالف
ب ين األدب العرب ي واألدب الغرب ي ،و م ن أوائ ل ھ ذه المق االت مقال ة
كتبھا نجيب الحداد ،ونشرت ،في المقتطف سنة 1897م بعنوان )مقابلة
بين الشعر العربي والشعر اإلفرنج ي( ،ويظھ ر التوج ه النھض وي لھ ذه
المقارنة من قول الكاتب ،عن دوافع كتابة ھذه المقالة " :وقد سألني من
ال يس عني مخالفت ه أن اس تعين بم ا توص لت إلي ه م ن ق راءة الش عرين
العرب ي واإلفرنج ي عل ى وض ع مقال ة ف ي ھ ذه المجل ة الغ راء أب ين فيھ ا
المقابل ة بينھم ا وأتكل م ع ن الف روق بينن ا وب ين أھ ل الغ رب ف ي مع اني
الشعر وأنواع إي راده وأذواق ناظمي ه وطرائ ق البي ان ف ي مآخ ذه وإب راز
المقاصد منه إلى ما يتصل بذلك من قواعد نظم ه اللفظي ة والمعنوي ة عن د
))(1
،ويتضح من خالل معالجت ه للموض وع أن ه ال يري د م ن الفريقين ".
) (1اﻻﻧﺗﻘ ــﺎد ،ﻳﻌﻘ ــوب ﺻ ــروف ،اﻟﻣﻘﺗط ــف ،اﻟﺳ ــﻧﺔ اﻟﺛﺎﻧﻳ ــﺔ ﻋﺷ ــر ،اﻟﺟ ــزء )(3
دﻳﺳﻣﺑر ،1887ص.164
) (1ﻣﻘﺎﺑﻠﺔ ﺑـﻳن اﻟﺷـﻌر اﻟﻌرﺑـﻲ واﻟﺷـﻌر اﻷﻓرﻧﺟـﻲ ،ﻧﺟﻳـب اﻟﺣـداد ،اﻟﺑﻳـﺎن ،اﻟﺳـﻧﺔ
اﻷوﻟﻰ اﻟﺟزء ) (7أﻛﺗوﺑر 1897م . 300 ،
30
خالل ھذه المقارنة أن يكشف عن أثر األدب العربي في األدب الغرب ي ،
أو العكس ،وإنم ا ھدف ه أن يتع رف الق ارئ عل ى الجوان ب االيجابي ة ف ي
نھض ة اآلداب اإلفرنجي ة لإلف ادة منھ ا ف ي تج اوز مرحل ة الجم ود الت ي
يعاني منھا أدبنا .
وم ن ھ ذه المقارن ات المعرك ة الت ي دارت ح ول " بالغ ة الع رب
واإلفرنج " في المقتطف بين أحمد كام ل ،وخلي ل ثاب ت وال دكتور نق وال
فياض سنة 1900م ،و تعكس ھذه المق االت ال ثالث الص راع ال ذي ك ان
قائم ا ب ين دع اة االنفت اح عل ى اآلداب الغربي ة ،ودع اة التعص ب ل ألدب
العربي ،فقد قارن أحمد كامل بين األساليب البالغية العربية و األساليب
البالغية اإلفرنجية ،بغرض إثبات تفوق البالغ ة العربي ة عل ى غيرھ ا ،
وذلك م ن خ الل مقارنت ه ب ين قص يدة مترجم ة لفكت ور ھوج و Victor
،Hugoورس الة للس يد البك ري ،واالستش ھاد ب بعض أبي ات م ن الش عر
العربي ،وقد ح دد من ذ البداي ة أن الك الم البلي غ يترك ب م ن ثالث ة أج زاء
اللف ظ والمعن ى والموض وع ،ف راح يت ابع تف وق البالغ ة العربي ة ،عل ى
البالغ ة اإلفرنجي ة ف ي ھ ذه الزواي ا ،وال يھ تم ف ي ذل ك كل ه بإثب ات ت أثر
ش اعر ب آخر ،وإنم ا يھ تم ببي ان جوان ب االخ تالف ب ين البالغ ة العربي ة
والبالغ ة اإلفرنجي ة ،إلثب ات تف وق األس لوب العرب ي عل ى األس لوب
31
االفرنجي ،وكأنه يريد من خالل ھذه المقارنة أن يلمح إلى اكتف اء األدب
العربي وتفوقه وعدم حاجته إلى اإلفادة من اآلداب األخرى .
وق د ح اول ك ل م ن خلي ل ثاب ت ،و نق وال في اض ،م ن خ الل ردھم ا
عل ى آراء أحم د كام ل ،وھم ا م ن دع اة التجدي د واالنفت اح عل ى اآلداب
الغربي ة ،أن يكش فا ع ن خط أ النظ رة المبتس رة إل ى اآلداب األجنبي ة ،
وأضرار التعصب الذي قد يعمينا عن إدراك واقعن ا عل ى حقيقت ه ،حي ث
يق ول خلي ل ثاب ت ،ف ي بداي ة مقالت ه " :وق د آنس ت م ن حض رة الكات ب
تحامالً على اإلفرنج رددته إل ى غي رة حض رته عل ى آداب اللغ ة العربي ة
)(1
غيرة تحمد منه وإلى قلة علم باللغات اإلفرنجية وآدابھا "
فاألدب العربي قد وصل في عصر النھضة إلى مرحلة االكتفاء ،ولذا
يرد خطأ ما أص دره أحم د كام ل إل ى جھل ه بخص ائص اللغ ة الفرنس ية ،
يق ول " :وال أخ ال الع ارف ب اللغتين الفرنس ية والعربي ة يفض ل رس الة
الس يد م ن حي ث رص ف ألفاظھ ا وتنميقھ ا عل ى قص يدة فكتورھيك و ف ي
األص ل الفرنس ي إذ ال تخل و رس الة الس يد م ن ألف اظ ينف ر منھ ا
).3(1
السامع …"
) (1ﺑﻼﻏــﺔ اﻟﻌــرب واﻹﻓـرﻧﺞ ،ﺧﻠﻳــﻝ أﻓﻧــدي ﺛﺎﺑــت ،اﻟﻣﻘﺗطــف ،اﻟﻣﺟﻠــد ، 24اﻟﺟــزء
اﻟﺛﺎﻟث ،ﻣﺎرس ، 1900ص. 213
32
و يتض ح بع د المقارن ة التن ويري م ن خ الل دع وة الكات ب إل ى ع دم
التعص ب ،واإلف ادة م ن الجوان ب االيجابي ة ف ي األدب ين ،والتوس ع ف ي
ترجم ة األعم ال األدبي ة الغربي ة لنتع رف أكث ر عل ى إب داعاتھم ،يق ول :
"وخير األمور أن يجمع المرء بين ما ل ذ وط اب م ن مق ول الف ريقين وال
ينقط ع لواح د منھ ا ...ولع ل ھ ذا البح ث ي دفع بع ض أدبائن ا إل ى تعري ب
ش يء م ن بلي غ م ا كت ب اإلف رنج كاس يا حل ة عربي ة فيتض ح لن ا م ا عن د
)(2
إخواننا الفرنجة من معجزات البالغة واإلنشاء".
ولم يعتني أكثر المقارنين الع رب ب ربط الجھ ود بس ياقھا فق د ع دوا كت اب
روحي الخالدي )تاريخ علم األدب عند اإلفرنج والعرب وفيكتورھوج و(
ال ذي ص در ع ام ، 1904أول محاول ة تطبيقي ة ف ي األدب المق ارن ف ي
الوطن العربي ،وذلك ألن المؤلف تن اول في ه الت أثير والت أثر إل ى جان ب
التش ابه والت وازي ب ين ع دد م ن اآلداب ،متج اوزا الدراس ات العربي ة
الس ابقة الت ي اھتم ت بالتش ابه واالخ تالف فحس ب ،ب ل إن ع ز ال دين
المناصرة جع ل م ن ع دم اكتف اء المؤل ف بدراس ة الت أثير واتس اع نظرت ه
لتش مل المقارن ة ب ين أكث ر م ن أدب ين ،تط ويرا لالتج اه الفرنس ي ،وس بقا
لالتجاھات الحديثة ،يقول عزالدين المناصرة " :إذن نس تطيع الق ول إن
) (1راﺟﻊ :آﻓﺎق اﻷدب اﻟﻣﻘﺎرن ،ص ،167 -155وﻣﻘدﻣـﺔ ﻓـﻲ ﻧظرﻳـﺔ اﻟﻣﻘﺎرﻧـﺔ ،
ص.153-144
36
وم ن ث م ال نطال ب وف ي ھ ذه الحال ة علين ا أال نطال ب المؤل ف بدراس ة
التأثير ألن ھدفه النھضة األدبية 0
وھ ذا ق د يفس ر لن ا األس باب الت ي دفع ت ھ ؤالء إل ى ع دم االھتم ام
بمصطلح األدب المقارن ،فلم تشر أية دراسة سابقة إلى ھذا المصطلح ،
فقد ظھر ألول مرة ع ام ، 1936ل دى ك ل م ن خلي ل ھن داوي ،وفخ ري
أبو السعود في مجلة الرسالة ،وكانت الريادة ف ي ذك ر المص طلح تنس ب
إل ى فخ ري أب و الس عود ،إل ى أن اكتش ف حس ام الخطي ب مقال ة خلي ل
ھنداوي التي نشرت قبل أول مقالة تحمل ھذا المص طلح عن د فخ ري أب و
الس عود بثالث ة أش ھر ،واليھمن ا ھن ا أن ن رجح كف ة أح دھما وإنم ا أن
نتعرف على تأثير التفكير النھضوي لدى الكاتبين الواعيين بالمصطلح .
ب دأ فخ ري أب و الس عود من ذ س نة 1935م ،نش ر مق االت ف ي الرس الة
تن اول ف ي ك ل مقال ة ظ اھرة أدبي ة يق وم بتتبعھ ا ف ي األدب ين العرب ي
واإلنجلي زي) ،(1ولك ن مص طلح األدب المق ارن ل م يظھ ر إال ع ام
) (1ﻳﻧظــر ﻋﻠــﻰ ﺳــﺑﻳﻝ اﻟﻣﺛــﺎﻝ أﻋــداد ﻣﺟﻠــﺔ اﻟرﺳــﺎﻟﺔ ، 183 ، 180، (83) ، 80:
، 195 ، 194 ، 193 ، 192 ، 191 ، 190 ، 189 ، 186 ، 185 ، 184
، 208 ، 200 ، 199 ، 197 ، 196اﻟﺗـ ـ ـ ـ ــﻲ ﻳﻘـ ـ ـ ـ ــﺎرن ﻓﻳﻬـ ـ ـ ـ ــﺎ اﻟﻣؤﻟـ ـ ـ ـ ــف اﻟﺗﺷـ ـ ـ ـ ــﺎﺑﻪ
واﻻﺧــﺗﻼف ﺑــﻳن اﻷدﺑــﻳن ﻓــﻲ ﻋــدد ﻣــن اﻟﻘﺿــﺎﻳﺎ ﻣﻧﻬــﺎ :اﻟﻧزﻋــﺔ اﻟﻌﻠﻣﻳــﺔ ،اﻟطﺑﻳﻌــﺔ ،
اﻟﺧراﻓﺔ ،اﻟوﺻف ،اﻟﻘﺻص ،اﻟﺧﻳﺎﻝ ... ،ﻓﻲ اﻷدﺑﻳن اﻟﻌرﺑﻲ واﻹﻧﺟﻠﻳزي .
37
1936بع د نش ر ع دد م ن ھ ذه المق االت ،فف ي 1936 /9/21ظھ رت
مقالة له بعنوان " في األدب المقارن :األثر األجنب ي ف ي األدب ين العرب ي
واإلنجلي زي " وأس تمر ظھ ور المص طلح مض افا إل ى عن اوين كاف ة
المق االت الالحق ة ،وم ن الغري ب أن الكات ب ف ي المق االت الس ابقة ل ذكر
المص طلح ،وف ي المق االت الت ي أض اف إل ي عناوينھ ا ھ ذا المص طلح
يع الج التش ابه واالخ تالف ب ين األدب ين ،دون االلتف ات لم ا وض عه
الفرنس يون ف ي تعري ف ھ ذا المص طلح ،وتحدي د مجال ه بدراس ة الت أثير
والتأثر بين أدبين قوميين مختلفين في اللغة ،وال أتفق م ع ال ذين ح اولوا
أن يجعلوا جھوده سبقا ً للمنھج األمريكي الذي ظھ ر ف ي الخمس ينيات م ن
القرن العشرين أي بعد ھذه المقاالت بما يقرب من خمسة عشر عام ا ً ،
بحج ة أن ه انص رف إل ى دراس ة تش ابه النص وص ول م يھ تم بالت أثير ،
فعطية عامر يقول مقيما جھود فخري أبو السعود " :إذا عرفن ا ذل ك كل ه
كان من حقنا أن نق ول إن فخ ري أب و االس عود ق د خ رج ب األدب المق ارن
من مجال االتجاه التاريخي قبل أن تب دأ المدرس ة األمريكي ة ثورتھ ا ض د
االتجاه التاريخي " ).(1
وم ن الج دير بال ذكر أن فخ ري أب و الس عود ل م يك ن مھتم ا كثي را
بجماليات النصوص ،ولم يھمل دراسة الت أثير فلدي ه مقال ة ص درت ع ام
) (1اﻷﺛ ــر اﻟﻳوﻧ ــﺎﻧﻲ ﻓ ــﻲ اﻷدب اﻟﻌرﺑﻲ،ﻓﺧ ــري أﺑ ــو اﻟﺳ ــﻌود ،اﻟرﺳ ــﺎﻟﺔ ،اﻟﻌ ــدد ،49
ﻳوﻧﻳو ، 1934ص. 969-968
39
إذاك ان العص ر الح ديث إذا ھ و يق ف م ن اآلداب الغربي ة موق ف التتلم ذ
0
والتلقن "
أما خليل ھنداوي فقد سبق فخري أبو السعود إلى ذكر مص طلح األدب
المق ارن و التعري ف ب ه ،ويع د رائ دا ف ي ھ ذا المج ال ،حي ث نش ر ف ي
الرسالة في ، 1936/6/8مقالة عنوانھا " :ضوء جدي د عل ى ناحي ة م ن
األدب العرب ي :اش تغال الع رب ب األدب المق ارن أو م ا ي دعوه الفرنج ة
comparee literatureف ي كت اب تلخ يص كت اب أرس طو ف ي الش عر
)(1
فقد ذكر المصطلح الفرنــسي ، لفيلسوف العرب أبي الوليد بن رشد "
والمصطلح العربي المقابل ،ومع ھذا لم يلتزم في التعريف بالمصطلح ،
بالمفھوم الفرنسي لألدب المقارن ،وإنما رك ز عل ى األبع اد التواص لية ،
واالنسانية بمايتالءم م ع التوج ه النھض وي العرب ي ال داعي ال ى االنفت اح
عل ى إداب الع الم فينظ ر الي ه عل ى أن ه وس يلة م ن وس ائل االتص ال ب ين
األمم ،يقول ":وھكذا نشأت الصالت األدبية بين االمم ...وربط ت ب ين
المفك رين ربط ا ال يق وم عل ى مص الح سياس ية أو مط امع مادي ة ،وإنم ا
يقوم على رفع منارة الفكر وإعالء كلم ة المفك ر فم ا أطھ ر ھ ذه الرابط ة
لو أنھا تخرج من ھذا العالم غير المحدود إلى العالم الذي سورته الح دود
ﻧﺷ ــرت ﻫ ــذﻩ اﻟﻣﻘﺎﻟ ــﺔ ﻓ ــﻲ ﻣﺟﻠ ــﺔ اﻟرﺳ ــﺎﻟﺔ ،اﻟﻌ ــدد ،1936 /6/8 ،253ص )(1
.938وأﻋﺎدﻧﺷرﻫﺎ ﺣﺳﺎم اﻟﺧطﻳب ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﻪ آﻓﺎق اﻻدب اﻟﻣﻘﺎرن ،ص.213
40
فنج د األدي ب الفرنس ي يحل ل األدي ب األلم اني دون أن تطغ ى عل ى قلب ه
سورة الحقد وتجد األديب األلماني يكت ب ع ن األدي ب الفرنس ي م ن غي ر
أن تغل ب علي ه موج دة .ذل ك أن ع الم الفك ر س ما بھم ا ف وق عالمھم ا
المحدود الذي غمرت ه الح زازات ،وتقطع ت ب ين وش ائجه االس باب فھم ا
)5(1
يتفاھمان في ذلك العالم ويصافح بعضھما بعضا "
وم ن ھ ذا المنطل ق يح دد مج االت األدب المق ارن فتب دو مختلف ة ع ن
مجاالت االتجاه الـفـرنــسي الــذي اھتم بدراسة التأثير ،يقــــول :
" ھ ـذا ھ ـو األدب بالمق ـارنة يع ـمل عل ى درس ممي ـزات أدب كـ ـل
أمـ ـة بمقارنتھ ا م ع مي زات غيرھ ا م ن األم م وھ و ادب
ـ كم ا ـ قل ت ح ديث الخل ق شـ ـجع عل ى نشـ ـره شيـ ـوع رسال ـة األدب
)(2
اإلنساني "
وم ن الطبع ي فق د ظ ل األدب المق ارن ف ي ال وطن العرب ي إل ى مطل ع
الخمسينيات متأثرا بالنسق الثقافي النھض وي ف ي تل ك المرحل ة ،ف انطلق
المق ارنون الع رب ف ي دراس اتھم التطبيقي ة ،وف ي تحدي د مفھ وم ھ ذا
المص طلح م ن الح رص عل ى أھمي ة التواص ل ب ين الع رب وغي رھم م ن
) (1اﺷ ـ ـ ــﺗﻐﺎﻝ اﻟﻌ ـ ـ ــرب ﺑ ـ ـ ــﺎﻷدب اﻟﻣﻘ ـ ـ ــﺎرن ،...ﺧﻠﻳ ـ ـ ــﻝ ﻫﻧ ـ ـ ــداوي ،اﻟرﺳ ـ ـ ــﺎﻟﺔ ،ص
،938وآﻓﺎق اﻷدب اﻟﻣﻘﺎرن ،ص. 213
) (2ﻧﻔﺳﻪ ،اﻟرﺳﺎﻟﺔ ،ص.938وآﻓﺎق اﻷدب اﻟﻣﻘﺎرن ،ص213
41
األم م ألح داث نھض ة ش املة ف ي األدب العرب ي ،ول ذا نج د أنھ م ترك وا
بصمات تميزھم عن االتجاه الفرنسي الشائع في تلك المرحلة ،ف اختالف
األنس اق الثقافي ة -كم ا ذكرن ا م ن قب ل -ك ان س ببا ف ي ظھ ور اتجاھ ات
أخ رى بع د ظھ ور االتج اه الفرنس ي كاالتج اه األمريك ي و االتج اه
الماركسي واالتج اه األلم اني ،وإذا كان ت الدراس ات العربي ة ق د ظھ رت
قبل ظھور معظم ھذه االتجاھات ،فإن ذلك يدل على أن الباح ث العرب ي
ح دد مف اھيم األدب المق ارن وتطبيقات ه بم ا ي تالءم م ع منطلقات ه ف ي تل ك
المرحلة ،وكما ال يج وز أن نخ رج الدراس ات األمريكي ة الت ي ال تتن اول
الت أثير م ن األدب المق ارن ،ألنھ ا ال تلت زم بش روط االتج اه الفرنس ي ،
ك ذلك ال يج وز أن نق يم الدراس ات العربي ة م ن ھ ذا المنظ ور ،فل م تب دأ
مرحل ة تبن ي االتجاھ ات الغربي ة ف ي األدب المق ارن -دون مراع اة
لخصوص ية النس ق العرب ي -إال ف ي الخمس ينيات م ن الق رن العش رين
عن دما ع اد ال دكتور محم د غنيم ي ھ الل م ن فرنس ا ،يحم ل ش ھادة
الدكتوراه في األدب المقارن وفق الرؤي ة الفرنس ية ،فأصــــ ـدر كت اب
" األدب المقارن " عام ، 1953الذي كان له ت أثير كبي ر ف ي ش يوع االتج اه
الفرنس ي ف ي ال وطن العرب ي حت ى مطل ع الس بعينيات )،(1و ت والى بع د ذل ك
) (1ﺗـ ــﺎرﻳﺦ اﻷدب اﻟﻣﻘـ ــﺎرن ﻓـ ــﻲ ﻣﺻـ ــر ،ص ، 20وﻳﻧظـ ــر أﻳﺿ ـ ـﺎً :ﻣﻘدﻣـ ــﺔ ﻓـ ــﻲ
ﻧظرﻳﺔ اﻟﻣﻘﺎرﻧﺔ ،ص . 25
42
ظھور أو تبني االتجاھات األخرى ؛ فظھر االتجاه األمريكي في الس بعينيات
وما بعدھا " بتأثير ترجمة كتاب رينيه ويليك واوستن واري ن " نظري ة األدب
" ع ام 1972م ،وتعتب ر بداي ة الثمانيني ات ف ي الع الم العرب ي بداي ة الموج ة
الجديدة في األدب المقارن بعد غنيمي ھالل ،ھذه الموج ه تعرف ت أكث ر عل ى
المنھج األمريكي ،وب دأت تقتن ع باحتض ار الم نھج الفرنس ي "). (1وھ ذا يعن ي
أن بعض المقارنين العرب المعاص رين ،ل م يعترف وا بح ق المق ارنين الع رب
الرواد ،في الخروج عن قواعد االتجاه الفرنسي ،بينما استجاب بعضھم إلى
دع وات االتج اه األمريك ي ال ذي ق ام عل ى أنق اض االتج اه الفرنس ي فيم ا بع د
)(2
استجابة لسياق يلبي توجھات الثقافة األمريكية.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
(2راﺟﻊ :اﻷدب اﻟﻣﻘﺎرن و دور اﻷﻧﺳﺎق اﻟﺛﻘﺎﻓﻳﺔ ﻓﻲ ﺗطور ﻣﻔﺎﻫﻳﻣﻪ واﺗﺟﺎﻫﺎﺗﻪ د/
ﺣﻳدر ﻣﺣﻣد ﻏﻳﻼن 81وﻣﺎ ﺑﻌدﻫﺎ
43
~~~~~~~~~~~~~~~~~~
اﻷدب اﻟﻣﻘﺎرن ﻣﻧﻬﺞ ﺟدﻳد ﻳﺗﻌرف ﻋﻠﻳﻪ اﻟطﺎﻟب اﻟﺟﺎﻣﻌﻲ ﻓﻲ اﻟﺳﻧﺔ
اﻟﺛﺎﻟﺛﺔ ﻓﻘط ﻣن دراﺳﺗﻪ اﻟﺟﺎﻣﻌﻳﺔ ،وﻓﻲ ﺣﻳز ﻣﺣدود ﺟدا ﻣن اﻟﺳﺎﻋﺎت
اﻟﻣﻘررة ) ﺳﺎﻋﺗﺎن أﺳﺑوﻋﻳﺎ ( ـ ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ـ أن اﻟدرس اﻷدﺑـﻲ اﻟﻣﻘﺎرن
ﻳﻣﺛﻝ أﺣد اﻷﻋﻣدة اﻟرﺋﻳﺳﺔ ﻓﻲ اﻟدراﺳﺎت اﻷدﺑﻳﺔ ،وﺟوﻫرﻫﺎ ،وﻗد
ﺧﺻﺻت ﻟﻪ أﻗﺳﺎم ﺗﻌﻧﻰ ﺑﻪ ﻓﻲ ﻛﺛﻳر ﻣن ﺟﺎﻣﻌﺎت اﻟﻌﻠم ،وﺗﻧوﻋت
اﻟدراﺳﺎت اﻷدﺑﻳﺔ اﻟﻣﻘﺎرﻧﺔ ﺑﻳن اﻟﺗﺎرﻳﺦ ،واﻟﻧﻘـد اﻷدﺑﻲ ،وﻧظ ـرﻳﺔ اﻟﻧﻘد ،
ﻓﺈن اﻟدراﺳﺎت اﻟﻣﻘﺎرﻧﺔ ﺧرﺟت ﻣن اﻟﻧطﺎق اﻟﻣﺣدد ﻟﻘﺿﻳﺔ اﻟﺗﺄﺛﻳر
وﻣن ﺛم ّ
،واﻟﺗﺄﺛر 0
وﻣن اﻟﺟدﻳر ﺑﺎﻟذﻛر أن ﻧﻘوﻝ :إﻧﻪ ﻟم ﻳﻌد ﻣن اﻟﻣﻣﻛن ﺗﻐـطﻳﺔ ﻫذﻩ
اﻟﻣﺟﺎﻻت ﺟﻣﻳﻌﻬﺎ ﺗﺣت ﻣﺻطﻠﺢ اﻟدرس اﻷدﺑﻲ اﻟﻣﻘﺎرن ﻓﻲ ﺻﻔﺣـﺎت
ﻣﺣدودة ﺗﺟﻣﻊ ﺑﻳن اﻟﻧظرﻳﺔ ،واﻟﻣﻧﻬﺞ ،واﻟﺗطﺑﻳق ،وﺑﺧﺎﺻﺔ إذا ﻛﺎن
ﻫذا اﻟﺣدﻳث ﻣوﺟﻬﺎ إﻟﻰ طﺎﻟب ﻳﺳﻣﻊ اﻟﻣﺻطﻠﺢ ﻷوﻝ ﻣرة ﻓﻔﻲ اﻟوﻗت
ذاﺗﻪ ﻻ ﻳﺗﻣﺗﻊ ـ ﻟﺳﺑب أو آﺧر ـ ﺑﺣس ﻣﻘﺎرن ،أو ﺧﻠﻔﻳﺔ ﻣﻌرﻓﻳﺔ واﺳﻌﺔ
ﻧﺳﺑﻳﺎ ﺗﻣﻛﻧﻪ ﻣن اﺳﺗﻳﻌﺎب ﻣﺛﻝ ﻫذﻩ اﻟدراﺳﺔ اﻟﻣﺗﻘدﻣﺔ ﺟدا ﻓﻲ ﻣﺿﻣﺎر
44
)(1
راﺟﻊ :ﻣدﺧﻝ إﻟﻰ اﻟدرس اﻷدﺑﻲ اﻟﻣﻘﺎرن ﺻـ 5
45
)(1
اﻷدب اﻟﻌﺎم واﻟﻣﻘﺎرن ﺻـ0 14 ، 13
47
وﺑﻣﺷﻌﻝ اﻟﺑﺎﺣث اﻟﻣدﻗق اﺳﺗطﺎع اﻟﺑﺎﺣث أن ﻳﻘف ﻋﻠﻰ أﺛر اﻟﻌﻠم ﻓﻲ
اﻷدب ﻓﺈن اﻟطﺎﺑﻊ اﻟﻌﻠﻣﻲ دﻓﻊ اﻷدﻳب إﻟﻰ اﻟﺗـﺄﻣﻝ ،واﻟﺗـﻣﺣﻳـص ،
واﻟﺗﺟرﺑﺔ ،وﻛﻳف أدت وﺳﺎﺋﻝ اﻹﻋﻼم اﻟﺣدﻳﺛﺔ ﻣن ﻣذﻳﺎع ،وﺗﻠـﻔﺎز ،
ﻣد اﻹﻧﺳﺎن ﺑﺎﻟطﺎﻗﺎت
وﻏﻳرﻩ إﻟﻰ ﻣﺎ ﻳﺳﻣﻰ ﺑﺄدب اﻟﻠﺣظﺔ ،ﻓﺎﻟﻌﻠم اﻟذي ّ
اﻟﺧﻼﻗﺔ ﻟم ﻳﺑﺧﻝ ﻋﻠﻳﻪ أن ﻳﻣدﻩ ﺑﺈﺷﻌﺎﻋﺎت ﻓﻛرﻳﺔ ﻣﺗﻘدة ﺣﺗﻰ ﻳﻣﻛـن أن
ﻳؤدي ﻣﺎ ﻫو ﻋﻠﻣﻲ ﺑﺣت ﺑﻣدﻟوﻻت ﺷﻌرﻳﺔ ﻟﻬﺎ ﻧﻔـس اﻟﺗﺄﺛﻳر اﻷدﺑﻲ ،
واﻟواﻗﻊ اﻟﻌﻠﻣﻲ ،ﻓﻣﻬﻣﺔ اﻷدﻳب ﻻ ﺗﻘﻝ ﻋن ﻣﻬﻣﺔ اﻟﻌﺎﻣﻝ ،ﻓـﺈذا ﻛﺎن
اﻟﻌﻠم ﻗد ﺣﻠّق ﻓﻲ اﻟﻔﺿﺎء ،وﺟﺎﻝ ﺑﻳن اﻟﻛواﻛب ،ﻓﺈن اﻷدب ﻗد ﺳﺑـر
ﻏور اﻟﻧﻔوس ،وﺗﻘﻠّب ﺑﻳن اﻷﻓﺋدة ﻟﻳﺣرك اﻟﻌواطف اﻹﻧﺳـﺎﻧﻳﺔ اﻟـﺗﻲ ﻳﺗرآى
ﻓﻳﻬﺎ ﺣب اﻟﺣق ،واﻟﺧﻳر ،واﻟﺟﻣﺎﻝ ؛ ﻷن ﻋﻳن اﻟﺑﺻﻳـرة ﻋﻳﻧﺎ ﺑﺻﻳرة
ﺗﻌطﻲ اﻟﻧور ﻷﻟف أﻋﻣﻰ 0
وﻣن ﻫذا اﻟﻣﻧطﻠق أﻛد اﻟﺑﺎﺣث اﻟﺗﻘـﺎء اﻷدب اﻟﻌـﺎﻟـﻣﻲ ،ﺑﺎﻷدب
اﻹﻗﻠﻳﻣﻲ ،وأن اﻟﺗﺄﺛر داﺋب ﻣﺳﺗﻣر ،وأن اﻟﻣﺟـدد ّإﻧﻣﺎ ﻫـو اﻹﻧﺳﺎن
اﻟﻣﻘﺗﺣم اﻟذي أﺿﺎف إﻟﻰ ﺗراث اﻷوﻟﻳن ﻏﺎﻳﺔ ﻣﺎ وﺻﻝ إﻟﻳﻪ اﻟﻣﺟددون
ﻓﺄﻋطوا ﻵداﺑﻬم اﻟﺣﻳوﻳﺔ ،واﻟﺑﻘﺎء ،وأﻛد اﻟﺑﺎﺣث ذﻟك ﺑﻣن ﻛﺎن ﻟﻬم ﻣن
ﻓﺿﻝ ﻓﻲ إﺣﻳﺎء ﻫذا اﻟﻠون ﻣن اﻷدب ﻣن أﻣﺛﺎﻝ ) :ﺑوﻝ ﻓﺎﻟﻳري ( اﻟذي
ﻗﺎﻝ " ﻻ ﺷﻲء أدﻋﻰ إﻟﻰ إﺑراز أﺻﺎﻟﺔ اﻟﻛﺎﺗب ،وﺷﺧﺻﻳﺗﻪ ﻣ ـن أن
ﻳﺗﻐذى ﺑﺂراء اﻵﺧرﻳن ﻓﻣﺎ اﻟﻠﻳث إﻻ ﻋدة ﺧراف ﻣﻬﺿوﻣﺔ " 0
49
وﻟﻣﺎ وﻗف اﻟﺑﺎﺣث ﻋﻠﻰ أﺛر ظﺎﻫرة اﻟﺗﺄﺛﻳر واﻟﺗﺄﺛر ﺑﻳن اﻵداب اﻟﻌﺎﻟﻣﻳﺔ
،ووﺿﺢ اﻟﻌواﻣﻝ اﻟﺗﻲ ﺳﺎﻋدت ﻋﻠﻰ ذﻟك ،واﻟﻣﺑﺎﺣث اﻷدﺑﻳﺔ اﻟﺗﻲ
ﻛﺎﻧت وﻟﻳدة ﻫذا اﻟﺗﺄﺛر ،واﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﻏﺎﻳﺗﻬﺎ ﺟﻣﻳﻌﺎ اﻹﻧﺳﺎن ﺣﻳث ﺣب
اﻟﺣق ،واﻟﺧﻳر ،واﻟﺟﻣﺎﻝ 0
ﻛرﻣت اﻹﻧﺳﺎن
وﻛﺎن اﻷدب اﻟﻌرﺑﻲ ﻓﻲ ﻣﻘدﻣﺔ اﻵداب اﻟﻌﺎﻟﻣﻳﺔ اﻟﺗﻲ ّ
ﺣﻳث ﻛرﻣﻪ اﻟﻘرآن اﻟﻛرﻳم ﻓﻲ ﻗوﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ َ } :وﻟََﻘ ْﺪ َﻛ ﱠﺮْﻣﻨَﺎ ﺑَﻨِﻲ َ
آد َم
ﺎﻫﻢ ِﻣﻦ اﻟﻄﱠﻴﱢﺒ ِ وﺣﻤﻠْﻨَ ِ
ﺎﻫ ْﻢ ﺎت َوﻓَ ﱠ
ﻀﻠْﻨَ ُ ﺎﻫ ْﻢ ﻓﻲ اﻟْﺒَـ ﱢﺮ َواﻟْﺒَ ْﺤ ِﺮ َوَرَزﻗْـﻨَ ُ ْ َ َ َََ ُ
) (1
ﻀﻴﻼ ){ (70 َﻋﻠَﻰ َﻛﺜِﻴ ٍﺮ ِﻣ ﱠﻤﻦ َﺧﻠَ ْﻘﻨَﺎ ﺗَـ ْﻔ ِ
ْ
ﻓﻛﺎن اﻟﻌطﺎء اﻟواﺳﻊ ﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌرﺑﻳﺔ ،وآداﺑﻬﺎ اﻹﻧﺳـﺎﻧﻳﺔ ﺷﻬ ـد ﺑذﻟك ﻣﻔﻛرو
إن اﻟﻌرب ﻗد ﻧﺷروا
اﻟﻌﺎﻟم ﻓﻣن ﻫؤﻻء ) اﺳﻛﻧدر ﻓون ﻫرﻣﻠﻳد ( ﻓﻘﺎﻝ ّ :
ﻣﻊ دﻳﻧﻬم ﻟﻐﺗﻬم اﻟﻣﺛﻘﻠﺔ ﺑﺗراث ﺧﺎﻟد ﻣن اﻟﺷﻌر ﻟـم ﺗـزﻋـزع أﺻوﻟﻪ 0
أﻣﺎ ﺗﺄﺛﻳرﻫﺎ ﻓﻲ اﻟﺣﺿﺎرة اﻟﻌﺎﻟﻣﻳﺔ ،وأدﺑﻬﺎ ﻓﻘد ﻗـﺎﻝ اﻟﻣﺳـﺗﺷـرق ) ﺟب(
ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﻪ ) ﺗراث اﻹﺳﻼم ( إﻧﻪ ﻟﻳس ﻣن اﻟﻐﻠو ﻓﻳﻪ ﻓﻲ ﺷﻲء أن ﻧﻘوﻝ :
ّإﻧﻪ ﻟوﻻ أﻟف ﻟﻳﻠﺔ ،وﻟﻳﻠﺔ ﻟﻣﺎ اﺳﺗطﺎع ) داﻧﻳﻝ دﻳﻔو ( أن ﻳؤﻟف ﻗﺻﺗﻪ
اﻟﺷﻬﻳرة ) روﺑﻧص ﻛروزو ( ،وﻻ اﺳﺗط ـﺎع ) ﺳوﻳﻔت ( أن ﻳؤﻟف
) رﺣﻼت ﺟﻠﻳﻔر (0
) (1
اﻹﺳراء آﻳﺔ 0 70
50
) (1راﺟﻊ :ﺧﺎﺗﻣﺔ ﻛﺗﺎب ظﺎﻫرة اﻟﺗﺄﺛﻳر ،واﻟ ـﺗﺄﺛـر ﻓﻲ اﻷدب اﻟﻌرﺑﻲ ﺻـ: 151
0 155
53
)(1
ﻓن اﻟﺷﻌر ﻷرﺳطو 0 491
54
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
وﺗرﺗب ﻋﻠﻰ ﻫذا اﻟﺳؤاﻝ ﻋدة أﺳﺋﻠﺔ ،وﻣﻧﻬﺎ ﻫﻝ اﻷدب أﺻـﻝ وﻟﻳد
وﻳﻌﺑر ﻋﻧﻪ ؟ أم أن اﻷدب دﻻﻟـ ـﺔ ﻋﻠﻰ
اﻟواﻗﻊ اﻟذي ﻳﻌﻛﺳﻪ اﻹﻧﺳﺎن ّ
ﻣوﻗف اﻹﻧﺳﺎن واﻧﻌﻛﺎس ﻟذاﺗﻪ ﺗﺟﺎﻩ واﻗﻌﻪ ؟ وﻫﻝ ﻫﻧﺎك ﻋﻼﻗﺔ ﺟـدﻟﻳﺔ ﺑﻳن
إن اﻷﻣر ﻻ ﻳﻘف ﻋﻧد ﺣ ـدود اﻟذاﺗﻳﺔ ،
اﻹﻧﺳﺎن داﺧﻠﻳﺎ ،وﺧﺎرﺟﻳﺎ ؟ ﺛـم ّ
ﻌﺑر ﻓﻳﻪ اﻷدﻳب ﻋ ـن ﺧواطـرﻩ ،
واﻟﺟﻣﺎﻋﻳﺔ ﻓﺎﻷدب اﻟذاﺗﻲ " ﻫو اﻟذي ُﻳ ّ
وﻣﺷﺎﻋرﻩ وآراﺋﻪ ،وأﺣﺎﺳﻳﺳﻪ ،وﺗﺄﻣﻼﺗﻪ ،ﻓﺎﻟﺷﻌـ ـر اﻟﻐﻧﺎﺋﻲ ﻣن اﻷدب
)(1
اﻟذاﺗﻲ ؛ ﻷن اﻟﺷﺎﻋر ﻳﺗﻐﻧﻰ ﻓﻳﻪ ﺑﻌواطﻔـﻪ اﻟذاﺗﻳﺔ ،وﺧواﻟﺟﻪ اﻟﻧﻔﺳﻳﺔ "
"0
)(1
ﻣﻘدﻣ ــﺔ ﻋﻠ ــم اﻟﺟﻣ ــﺎﻝ وﻓﻠﺳ ــﻔﺔ اﻟﻔ ــن د /أﻣﻳـ ـرة ﺣﻠﻣ ــﻲ ﻣط ــر – – 103اﻟطﺑﻌ ــﺔ
اﻟﺛﺎﻟﺛﺔ دار ﻏرﻳب ﺑﺎﻟﻘﺎﻫرة – ﺑدون ﺗﺎرﻳﺦ .
)(2
-ﻗﺿــﺎﻳﺎ ﻣﻌﺎﺻـ ـرة ﻓ ــﻲ اﻷدب واﻟﻧﻘ ــد د /ﻣﺣﻣ ــد ﻋﻧﻳﻣ ــﻲ ﻫ ــﻼﻝ – – 57دار
ﻧﻬﺿﺔ ﻣﺻر ﻟﻠطﺑﻊ واﻟﻧﺷر – اﻟﻔﺟﺎﻟﺔ – اﻟﻘﺎﻫرة – ﺑدون ﺗﺎرﻳﺦ .
56
) (1
اﻟﺟﻣﻬور أن ﻳﺷﺎرﻛﻪ اﻹﺣﺳﺎس ﺑﺎﻟﻣواﻓﻘﺔ واﻟرﺿـﺎء ﻋﻣـ ـ ـﺎ ﻳرﺿـﻳﻪ ﻫـو "
وﺗﻌﺑﻳر اﻷدﻳب ﻋن ﻣﺟﺗﻣﻌﻪ ﻳﻛون أﻛﺛر دﻗﺔ ووﺿوﺣﺎً ذﻟـك ﻷن " اﻷدﻳـب
ﺑﻣــﺎ ﻳﻣﺗﻠﻛــﻪ ﻣــن ﻗــدرة ﻋﻠــﻰ اﻟرؤﻳــﺔ اﻟﻌﻳﺎﻧﻳــﺔ اﻟﻣﺑﺎﺷـرة اﻟﺗــﻲ ﻳﺧﺑرﻫــﺎ ﻛوﻣﺿــﺔ
ﺳـرﻳﻌﺔ ﻟﻠﺑﺻــﻳرة in sightوﻟــﻳس ﻟﻠرؤﻳــﺔ visionﻳﺻــﻝ ﺑﻬــﺎ إﻟــﻰ ﻣــﺎ
ﻳﻣﻛن أن ﻧﺳﻣﻳﻪ وﻋﻳﺎً ،ﻧﻘﻳﺎً ،ﺷﻔﺎﻓﺎً ،ﻟﻠـوﻋﻲ اﻟﺧـﺎﻟص اﻟـذي ﻳﻌﻧـﻲ وﻗـﺎﺋﻊ
) (2
0وﻣن ﺛـم ﻓﺎﻹﻧﺳـﺎن ﻓـﻲ ﺣﻳﺎﺗـﻪ ﻳـرﺗﺑط اﻟواﻗﻊ وﺑﺧﺎﺻﺔ واﻗﻌﻧﺎ اﻟﻌرﺑﻲ "
ﺑذاﺗﻪ ﻣن ﻧﺎﺣﻳﺔ ،وﺑﺟﻣﺎﻋﺗﻪ ﻣن ﻧﺎﺣﻳـﺔ ﺛﺎﻧﻳـﺔ ،وﺑﺎﻟطﺑﻳﻌـﺔ وﻣـﺎ ﻣـﺎ وراءﻫـﺎ
ﻣن ﻧﺎﺣﻳﺔ ﺛﺎﻟﺛﺔ0
وﻫو ﻣدﻓوع أن ﻳﻧظر إﻟﻰ ﻋواﻟم أﺧرى ﺑﺣﻛم ﻋواطﻔ ـﻪ ،وﺧﻳﺎﻟﻪ وﻋﻘﻠﻪ،
وﻣﺎ أﺗت ﺑﻪ اﻷدﻳﺎن ﻣن ﻋﻘﺎﺋد وﻋﺑﺎدات وﺗﺷرﻳﻌﺎت وﺗوﺟﻳﻬﺎت ﺳﻠوﻛﻳﺔ ،
ﺑﺧﺎﺻﺔ اﻹﺳﻼم اﻟذي ﻫو آﺧر دﻳن ﺳﻣﺎويٕ ،واذا ﺣﺎوﻟﻧﺎ أن ّ
ﻧطﺑق ﻣﺎ
ﺳﺑق ﻋﻠﻰ أﺳﺑﺎب وﺟود اﻷﺟﻧﺎس اﻷدﺑﻳﺔ ،وﻣﺎ ﻗد ﻳﻌﺗـرﻳﻬﺎ ﻣن ﺗﻐﻳر
وﺗطور ،وظﻬور ﺑﻌض اﻷﺟﻧﺎس واﺧﺗﻔﺎء أﺧرى ﺳﻧﺟـد ﻣﺎ ﻳﺄﺗﻲ:
ﻳﻌﺑر ﺑﻬﺎ
( 1ﻣﺎ ﻳﺗﻌﻠق ﺑذات اﻷدﻳب ،ﻓظﻬرت اﻷﺟﻧﺎس اﻷدﺑﻳﺔ اﻟﺗﻲ ّ
ﻋن ﺗﺟﺎرﺑﻪ اﻟﺧﺎﺻﺔ وﻫﻣوﻣﻪ وأﻓراﺣﻪ ،وﺧﺑراﺗﻪ وﻣواﻗﻔﻪ وﺗﺄﻣﻼﺗـﻪ
واﺧﺗﻳﺎراﺗﻪ ،ﻣن ﻫذﻩ اﻷﺟﻧﺎس :اﻟﺷﻌر اﻟﻐﻧﺎﺋﻲ ﺑﻛـﻝ ﻣوﺿ ـوﻋﺎﺗﻪ وأﺑواﺑﻪ ،
وﻣﻧﻬﺎ اﻷﺟﻧﺎس اﻟﻧﺛرﻳﺔ ﻛﺎﻟﺳﻳرة اﻟذاﺗﻳﺔ ،واﻟﺧطﺎﺑﺔ واﻟوﺻﺎﻳﺎ واﻟرﺣﻠﺔ ،
واﻟﻣﻘﺎﻟﺔ اﻟذاﺗﻳﺔ ،واﻟﺧﺎطرة ،وﻫذﻩ اﻷﺟﻧﺎس ﺗﺗﺳم ﺑﺎﻟ ـطﺎﺑﻊ اﻟذاﺗﻲ وﻫو
اﻟﻌﻧﺻر اﻟﺑﺎرز ﻓﻳﻬﺎ 0
- 2ﻣﺎ ﻳﺗﻌﻠق ﺑﺎﻟواﻗﻊ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ﺑﻛﻝ ﻧـواﺣﻳﻪ اﻟﻣﺧ ـﺗـﻠﻔﺔ ﻣﻣﺎ ﻫو ﺧـﺎرج
ﻋن اﻟﺗﺟﺎرب اﻟﺷﺧﺻﻳﺔ ﻟﻸدﻳب ،وﻳﻬﺗم ﺑﻪ اﻟﻣﺟﺗﻣـﻊ ﻋﻣوﻣﺎ ﻓﻲ ﺗﻌـﺎﻣﻠﻪ
،وﻋﺎداﺗﻪ ،وﺗﻘﺎﻟﻳدﻩ ،وﻛﻝ ﻣﺎ ﻳﻘﻊ أﻓ ـرادﻩ ﻣن ﺻراع وﺗﺻﺎﻟﺢ وﺗواﻓق ،
ﺑﻣﻌﻧﻰ آﺧر ﻛﻝ ﻣﺎ ﻳﺗﻌﻠق ﺑﺎﻟﺣﻳﺎة اﻟﻌﺎﻣﺔ اﻟﺟﻣﺎﻋﻳـﺔ ﻓﻲ ﻧطﺎق ﻣﺣ ـﻠﻲ ،
ووطﻧﻲ ،وﻗوﻣﻲ ،أو إﻧﺳﺎﻧﻲ ،ﻓظـﻬرت ﻋن ﻛﻝ ذﻟك أﺟﻧﺎس أدﺑﻳﺔ ،
ﻣﻧﻬﺎ اﻟﻣﻠﺣﻣﺔ واﻟﻣﺳرﺣﻳﺔ ،واﻟﻘﺻﺔ ،واﻟرواﻳﺔ واﻟﻣﻘﺎﻟﺔ اﻟﻣوﺿوﻋﻳﺔ ،
ﻳﻌﺑر ﺑﻬﺎ اﻟﻣﺑدع ﻋن اﻵﺧرﻳن.
واﻟﺳﻳرة اﻟﻐﻳرﻳﺔ ،وﻛﻝ اﻷﺟﻧﺎس اﻟﺗﻲ ّ
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
ﻗﺳم أرﺳطو اﻷﺟﻧﺎس اﻷدﺑﻳﺔ إﻟﻰ ﻣﻠﺣﻣﺔ وﺗراﺟﻳدﻳﺎ وﻛوﻣﻳـدﻳﺎ )وﻛﺛﻳ ار ﻣﺎ
ّ
ﻳﻧﺳب إﻟﻳﻪ اﻟﺗﻘﺳﻳم اﻟﺛﻼﺛﻲ اﻟﻣﻌروف اﻟﻣﻠﺣﻣﻲ واﻟدراﻣﻲ واﻟﻐﻧﺎﺋﻲ ﺛم
أﺿﻳف ﻓﻳﻣﺎ ﺑﻌد اﻟﺗﻌﻠﻳﻣﻲ(0
وﻣﻊ ﺛورة اﻟﻣﺑدﻋﻳن اﻟﻣﻌﺎﺻرﻳن ﻋﻠﻰ اﻟﺣـدود اﻟﺻـ ـﺎرﻣﺔ ﺑﻳن اﻷﺟﻧﺎس
اﻷدﺑﻳﺔ ،ﻓﺈن ﺗﺟﺎوز ﻗﺿﻳﺔ اﻷﺟﻧﺎس ﻟم ﻳﺗم ﻣن ﻟدن اﻟﻧـﻘﺎد ،وﺑﻬذا ﻣﺎ
زاﻝ اﻷﺧذ ﺑﻣﺑدأ اﻷﺟﻧﺎس ﻣﻊ ﻣﺎ ﺑﻳﻧﻬﺎ ﻣن ﺗداﺧﻝ ،أﻣ ار ﻗﺎﺋﻣﺎ ﻓﻲ اﻟدراﺳﺔ
اﻷدﺑﻳﺔ.
أﻣﺎ ظﺎﻫرة ﺗطور اﻷﺟﻧﺎس اﻷدﺑﻳﺔ ،ﻓﻬﻲ ﻣدرﻛﺔ ﺑﻳﺳر ،ﻓﻠ ـو
ﺗﺄﻣﻠﻧﺎ ﻣﺎ ﻟﺣق اﻷدب اﻟﻌرﺑﻲ ﻓﻲ أﺟﻧﺎﺳﻪ ﻣﻧذ اﻟﻌـﺻر اﻟﺟﺎﻫـﻠﻲ إﻟﻰ
ﻷن اﻟﺻﻠﺔ ﺑﻳن ﺷﺧﺻﻳﺔ اﻟﻔﻧﺎن ،واﻟﻘﺎﻟب اﻟذي اﺧﺗﺎرﻩ ﻟﻌﻣـﻠﻪ اﻷدﺑﻲ ﻣﻬم
ﻓﻲ ﻧﺟﺎﺣﻪ ،ﻓﻬﻲ ﺗﻣﺛﻝ اﻟﺣﺎﺟﺎت اﻷوﻟﻰ ﻟﻠﻔﻛر ،ﻓﺎﻟﺑﺷر ﻛﺎﻷطﻔﺎﻝ
ﻳﺣﺑون اﻟﺣﻛﺎﻳﺎت اﻟﺟﻣﻳﻠﺔ ،وﻳﻣﺛﻝ ﻫذا اﻟﻧوع اﻟﻣﻠﺣﻣﻲ ،واﻷطﻔ ـﺎﻝ ﻳﺣﺑون
اﻟﻐﻧﺎء ،وﻳﻣﺛﻝ ﻫذا اﻟﻧوع اﻟﻐﻧﺎﺋﻲ ،وﻫذا ﻣﺎ رآﻩ ) ﻓﺎﻧﺗﻳﺟﻲ( 0
)(1
راجع :ظاھرة التأثير والتأثر 0 91 : 89
61
أ ـ اﻟﻘـﺻــﺔ
وﺗﺗﻛون اﻟﻣﺎدة اﻟﺗﻲ ﻳﻧﺗﺞ ﻣﻧﻬﺎ اﻟﻌﻣﻝ اﻟﻘﺻﺻﻲ ﻣن ﻣﺻدرﻳن ﻫﻣﺎ :
واﻟﻘﺻــﺔ ﺟــﻧس أدﺑــﻲ ﻋرﻳــق ،وﺗﻠﻳــد ﻓــﻲ اﻟﺗ ـراث اﻟﻌرﺑــﻲ واﻹﻧﺳــﺎﻧﻲ ،
ورﺑﻣﺎ ﻳرﺟﻊ ﺗﺎرﻳﺧﻪ إﻟﻰ ﻣﺎ ﻗﺑﻝ ﻋﻬد اﻟﺳوﻣرﻳﻳن اﻟذﻳن وﺟـدوا ﻗﺑ ــﻝ اﻟﻣـﻳﻼد
ﺑﺛﻼﺛﺔ آﻻف ﺳﻧﺔ وﻧﻳف .ﻓﻣﻧذ وﻋﻰ اﻹﻧﺳﺎن ذاﺗﻪ ،واﺣﺗﺎج إﻟﻰ اﻻﺗﺻـﺎﻝ
ﺑﻐﻳرﻩ ،ﺳرد وروى ،وأﺷرك ﻏﻳرﻩ ﻓﻲ ﻣﻌرﻓﺔ ﻣـﺎ ﺟـرى ﻟـﻪ وﻟﻐﻳـرﻩ ﻣـن ﺑﻧـﻲ
ﺟﻧﺳﻪ ،وﺑﺧﺎﺻﺔ أﺳرﺗﻪ اﻟﺗﻲ ﻳﻌﻳش ﻓﻲ ﻛﻧﻔﻬﺎ 0
62
ﺑﻠﻘطﺔ أو ﻣوﻗف ﻗﺻﻳر أو ﻟﺣظﺔ ﻣﺧﺗزﻟﺔ ﻣﺄزوﻣﺔ ،ﻟﺗﻘـدم ﻓﻛـرة أو ﻋﺑـرة أو
إﺣﺳﺎﺳﺎً ،أو ﻟﺗﻌزز ﻣوﻗﻔﺎً ﺧﻠﻘﻳﺎً ﻳﺣﺳـن أن َﻳﺗَ َﺧﻔﱠـﻰ وﻻ ﻳﺧﺗﻔـﻲ ،وأن ﻳﺻـور
وﻻ ﻳﻘ ــرر ،وأن ﻳﺟﺳ ــد وﻻ ﻳﺟ ــرد ،ﻓﺎﻟﻣﺑﺎﺷـ ـرة اﻟﺻـ ـرﻳﺣﺔ ،واﻟﺗﻘرﻳرﻳ ــﺔ اﻟﻔﺟ ــﺔ،
واﻟـ ــوﻋظ اﻟﺻـ ــﺎرخ ،ﺗﺿـ ــﻌف ﻧﺳـ ــﻳﺞ اﻟﻘﺻـ ــﺔ ،وﺗﻬﻠﻬـ ــﻝ ﺑﻧﺎءﻫـ ــﺎ ،وﺗﺻـ ــدع
دﻋﺎﺋﻣﻬ ــﺎ ،وﻗ ــد ﺗ ــؤوﻝ إﻟ ــﻰ ﺧْﻠ ــط ﻣ ــﺎ ﺑ ــﻳن اﻟﻘﺻ ــﺔ اﻟﻘﺻ ــﻳرة ،وﻏﻳرﻫ ــﺎ ﻣ ــن
اﻷﺷﻛﺎﻝ اﻟﺳردﻳﺔ اﻷﺧرى.
وﻗد َﻣﱠﻳ َز اﻟدارﺳون اﻟﻳوم ﻣﺎ ﺑـﻳن اﻟﻘﺻـﺔ اﻟﻔﻧﻳـﺔ ﺑوﺻـﻔﻬﺎ ﺟﻧﺳـﺎً ﺳـردﻳﺎً،
وأﺷـــﻛﺎﻝ ﺳـــردﻳﺔ أﺧـــرى ،ﻛﺎﻷﺳـ ــطورة واﻟﺧ ارﻓـــﺔ واﻟطرﻓـــﺔ واﻟﻣﺛـــﻝ واﻟرﺳـ ــﺎﻟﺔ
واﻟﻣﻌﺟـزة واﻟﺣﻛﺎﻳــﺎت اﻟﻣﺛﻳـرة وﺳــﻳر اﻟﻘدﻳﺳــﻳن ...وﻓــﻲ ﺗراﺛﻧــﺎ ﻧﻣــﺎذج ﺳــردﻳﺔ
ﺗﻘﺗــرب ﻣــن اﻟﻘﺻــﺔ اﻟﻘﺻــﻳرة وﺗﺷــﺑﻬﻬﺎ ،ﻣﺛــﻝ ﺗﻛﺎذﻳــب اﻷﻋــراب وﻗﺻــص
اﻟﺣﻳـ ـ ـوان وﻓ ـ ــن اﻟﺧﺑ ـ ــر وﻗﺻ ـ ــص اﻷﺣ ـ ــﻼم وﻗﺻـ ـ ـص اﻷﻣﺛ ـ ــﺎﻝ وﻗﺻ ـ ــص
اﻟرﺣﻼت...
وﻧﻘــﻊ ﻓــﻲ ﻛﺗــﺎب "اﻟﻘﺻــﺔ اﻟﻘﺻــﻳرة -اﻟﻧظرﻳــﺔ واﻟﺗﻘﻧﻳــﺔ" ،ﻹﻣﺑــرت ،ﻋﻠــﻰ
أﺷﻛﺎﻝ ﻣن اﻟﺳرد ﺗﺷﺑﻪ اﻟﻘﺻﺔ ،وﻟﻛﻧﻬﺎ ﻟﻳﺳت ﻫﻲ ،وﻣن ﺗﻠك اﻷﺷﻛﺎﻝ:
-1ﻣﻘﺎﻝ اﻟﺗﻘﺎﻟﻳد :وﻫو ﻧوع ﻳﻘﻊ ﺑﻳن ﻋﻠم اﻻﺟﺗﻣـﺎع واﻟﺧﻳـﺎﻝ ،وﺑـﻪ ﻳـﺗم
رﺳم ﻟوﺣﺎت ﺗﺗﺿﻣن ﻣﺷﺎﻫد أﺻﻠﻳﺔ ﻣﺄﺧوذة ﻣن اﻟﺣﻳﺎة.
-2ﻟوﺣــﺎت اﻷﺧــﻼق :وﻫــﻲ ﻧــوع ﻳﻘــف ﺑــﻳن ﻋﻠــم اﻟــﻧﻔس واﻟﺧﻳــﺎﻝ ،ﻛــﺄن
ﺗﻌ ــرض أﻣﺎﻣﻧ ــﺎ أﺧ ــﻼق ﺟﻧ ــدي أو ﺷ ــﺎﻋر أو ﺻ ــﻌﻠوك أو
65
اﻟطرﻓﺔ أﻛﺛر.
-8اﻟﺣﺎﻟﺔ :وﻫــﻲ ﺗﻘﺗــرب ﺟــداً ﻣــن اﻟﻘﺻــﺔ اﻟﻘﺻــﻳرة ،ﺑــﻝ ﻣــن اﻟﻘﺻــﺔ
اﻟﻘﺻ ــﻳرة ﺟ ــداً ،ﻓﻬ ــﻲ ﺗﻌﺑ ــر ﻋ ــن ﻣوﻗ ــف ط ــﺎرئ أو ﺟزﺋﻳ ــﺔ
ﺣﻳﺎﺗﻳ ــﺔ ،ﻛ ــﺄن ﻳﻛ ــون ﺳ ــوء اﻟﺣ ــظ أو اﻹﺧﻔ ــﺎق أو اﻟﻣ ــوت.
وﻣـــن ﻛﺗـــﺎب ﻫـ ــذا اﻟﻠـــون )ﺑـ ــورﺧﻳس( اﻷرﺟﻧﺗﻳﻧـــﻲ ،وزﻛرﻳـ ــﺎ
ﺗ ـ ـ ــﺎﻣر ،وﺿ ـ ـ ــﻳﺎء ﻗﺻ ـ ـ ــﺑﺟﻲ ،وﻧﺟﻳ ـ ـ ــب ﻛﻳ ـ ـ ــﺎﻟﻲ ،وﻣ ـ ـ ــروان
اﻟﻣﺻري ،ﻣن ﺳورﻳﺔ.
وﺑﻌــد ﻫــذا ﻛﻠــﻪ ﻳﺑــرز اﻟﺳ ـؤاﻝ اﻷﻛﺑــر ،وﻫــو :ﻣــﺎ اﻟﻘﺻــﺔ اﻟﻘﺻــﻳرة إذاً؟
واﻟﺟ ـواب ﻛﻣ ـﺎ ﻳﻘــوﻝ )اﻣﺑــرت(" :ﻫــﻲ ﻋﺑــﺎرة ﻋــن ﺳــرد ﻧﺛــري ﻣــوﺟز ﻳﻌﺗﻣــد
ﻋﻠ ــﻰ ﺧﻳ ــﺎﻝ ﻗﺻ ــﺎص ﻓ ــرد ،ﺑ ــرﻏم ﻣ ــﺎ ﻗ ــد ﻳﻌﺗﻣ ــد ﻋﻠﻳ ــﻪ اﻟﺧﻳ ــﺎﻝ ﻣ ــن أرض
اﻟواﻗ ــﻊ ،ﻓﺎﻟﺣ ــدث اﻟ ــذي ﻳﻘ ــوم ﺑ ــﻪ اﻹﻧﺳ ــﺎن ،أو اﻟﺣﻳـ ـوان اﻟ ــذي ﻳ ــﺗم إﻟﺑﺎﺳ ــﻪ
ﺻــﻔﺎت إﻧﺳــﺎﻧﻳﺔ ،أو اﻟﺟﻣــﺎدات ،ﻳﺗــﺄﻟف ﻣــن ﺳﻠﺳــﻠﺔ ﻣــن اﻟوﻗــﺎﺋﻊ اﻟﻣﺗﺷــﺎﺑﻛﺔ
ﻓﻲ ﺣﺑﻛﺔ ،ﺣﻳث ﻧﺟد اﻟﺗوﺗر واﻻﺳﺗرﺧﺎء ﻓﻲ إﻳﻘﺎﻋﻬﻣـﺎ اﻟﺗـدرﻳﺟﻲ ﻣـن أﺟـﻝ
اﻹﺑﻘﺎء ﻋﻠﻰ ﻳﻘظﺔ اﻟﻘﺎرئ ،ﺛم ﺗﻛون اﻟﻧﻬﺎﻳﺔ ﻣرﺿﻳﺔ ﻣن اﻟﻧﺎﺣﻳﺔ اﻟﺟﻣﺎﻟﻳﺔ.
إن اﻟﻌﺑﺎرة اﻷوﻟﻰ ﻓﻲ اﻟﺗﻌرﻳف اﻟﺳﺎﺑق ﺗﺻف اﻟﻘﺻﺔ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﺳرد ﻧﺛـري
ﻣوﺟز ﻳﻌﺗﻣد ﻋﻠﻰ ﺧﻳﺎﻝ ﻗﺎص ﻓرد .وﻫذا ﺷﺄن ﻳﺣﺗﺎج إﻟﻰ ﺗﻔﺻـﻳﻝ أوﺳـﻊ،
ﻓﺎﻟﺧﻳﺎﻝ وﺣدﻩ ﻏﻳر ﻛﺎف ﻹﻧﺷﺎء ﻗﺻـﺔ ،إذ ﻻ ﺑـد ﻣـن ﻣﻠﻛـﺔ ﺗرﻛﻳﺑﻳـﺔ ﺗﺣﺑـك
اﻷﺣـ ــداث ،وﺗﺣـ ــذق ﺳـ ــوق اﻟﻣﺗواﻟﻳـ ــﺎت ،وﺗُـ ـ ﱢ
ـﻧظم ﺗﺗﺎﺑﻌﻬـ ــﺎ ،ﻟﺗﺣﻘﻳـ ــق ﻏـ ــرض
67
اﻟﻛﺎﺗ ــب ،ﻣﺗﺧ ــذة ﻣ ــن اﻟﺑﻳﺋ ــﺔ واﻟﺳ ــﻳﺎق اﻟﺛﻘ ــﺎﻓﻲ اﻟ ــذي ﻳﻧﺗﻣ ــﻲ إﻟﻳ ــﻪ اﻟﻘ ــﺎص
ﻣرﺟﻌﻳــﺔ ﻟﻼﺣﺗﻛــﺎم ،وﻗــد ﺗﺗﺟــﺎوز ﻫــذﻩ اﻟﻣرﺟﻌﻳــﺔ ﻟﻣﺻــﻠﺣﺔ ﻣــﺎ ﻫــو ﻗــﺎر ﻓــﻲ
اﻟــﻧﻔس اﻹﻧﺳــﺎﻧﻳﺔ ﻓــﻲ ﻛــﻝ زﻣــﺎن وﻣﻛــﺎن .واﻟﻘـﺎص اﻟﺑــﺎرع ﻗــد ﻳﻧﻔــذ إﻟــﻰ أدق
اﻟﺗﻔﺎﺻــﻳﻝ ﻓﻳﻣــﺎ ﻳﻌرﺿــﻪ أو ﻳﻌــرض إﻟﻳــﻪ ،ﺑﻐﻳــﺔ اﻟﺗﻧــوﻳر واﻟﻧﻘــد ،أو اﻟﻛﺷــف
ﻋن اﻟﻣﺧﺑوء ﺑﻠﻐﺔ ارﻣـزة ،ﻣﺳـﺗﻬدﻓﺎً اﻹﺷـﺎدة أو اﻹﻧﻛـﺎر ،واﻟﻣـدح أو اﻟﻘـدح.
ﺑﻳد أن اﻹﻏراق ﻓﻲ اﻟﺗﻔﺎﺻﻳﻝ ﻻ ﻳﻌﻧﻲ اﻟﺧوض ﻓـﻲ ﺟزﺋﻳـﺎت ﺗﺑـدو ﻣﻘﺣﻣـﺔ
إﻗﺣﺎﻣ ـﺎً ،أو ﻣﺣﺷــورة ﺣﺷ ـ اًر ،وﻻ اﻹﺗﻳ ـﺎن ﺑﻌﻧﺎﺻــر ﻻ ﻗﺑــﻝ ﻟﺟﻧــﺎﺣﻲ اﻟﻘﺻــﺔ
اﻟﻘﺻ ــﻳرة اﻟ ــرﻫﻳﻔﻳن ﺑﺣﻣﻠﻬ ــﺎ .وﻓ ــﻲ ﻫ ــذا اﻟﺻ ــدد ﻛﺗ ــب اﻟﻘ ــﺎص اﻷرﺟﻧﺗﻳﻧ ــﻲ
)ﺑورﺧﻳس( ﻳﻘوﻝ ﻋـن ﺳـﺑب إﻋﺟﺎﺑـﻪ ﺑﻘﺻـص )ﻛﻳﺑﻳﻠﻧـﻎ( :إﻧـﻪ ﻻ ﻳوﺟـد ﻓـﻲ
ﺗﻠ ــك اﻟﻘﺻ ــص ﻛﻠﻣ ــﺔ واﺣ ــدة ﻻ ﻟ ــزوم ﻟﻬ ــﺎ ،وأﻧ ــﻪ ﻳرﻳ ــد أن ﻳ ــﺗﻌﻠم ﻣﻧ ــﻪ ﻫ ــذﻩ
اﻟﺗﻘﻧﻳﺔ .ﺛم إن اﻹرﺿﺎء اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ اﻟذي أﺷﻳر إﻟﻳـﻪ ﻓـﻲ اﻟﺗﻌرﻳـف اﻟﺳـﺎﺑق ﻗـد
ﻻ ﻳﺗــﺄﺧر ﺣﺗــﻰ ﻧﻬﺎﻳــﺔ اﻟﻘﺻــﺔ ،ﺑــﻝ ﻗــد ﻳظﻬــر ﻓــﻲ ﺳــﻳﺎق اﻟﻘﺻــﺔ ﻣــن ﺧــﻼﻝ
ﻣﺟﻣوﻋ ـ ــﺔ ﻣــ ــن اﻟﻣﺳــ ــﺎﺋﻝ ،ﻛﺎﻹﻳﻘ ـ ــﺎع واﻟﺳــ ــﺧرﻳﺔ واﻟﺷﺧﺻــ ــﻳﺔ اﻟﻘﺻﺻــ ــﻳﺔ
اﻹﺷــﻛﺎﻟﻳﺔ .واﻹﻳﻘــﺎع ﻋﻧﺻــر ﻫــﺎم ﻣــن ﻋﻧﺎﺻــر اﻟﺣرﻛــﺔ اﻟﺳــردﻳﺔ واﻟﺳــﻳﺎق
اﻟﺣــواري ،وﻫــو ﻗــد ﻳﺗﻣﺛــﻝ ﺑــﺎﻟﺗواﺗر أو ﺑــﺎﻻﺧﺗﻼف أو ﺑﺎﻟﺗﻧــﺎظر ،أو ﺑﻐﻳــر
ذﻟ ــك ﻣ ــن اﻟوﺳ ــﺎﺋﻝ .أﻣ ــﺎ اﻟﺳ ــﺧرﻳﺔ ﻓﻬ ــﻲ ظ ــﺎﻫرة أﺳ ــﻠوﺑﻳﺔ ﻳﺧﺗﻠ ــف اﻟﺗﻌوﻳ ــﻝ
ﻋﻠﻳﻬﺎ ﺑﻳن ﻛﺎﺗب وآﺧر .وﻫﻲ -واﻟﺣق ﻳﻘـﺎﻝ -ﻣـن أﺳـﺑﺎب اﻟﺟـذب واﻟﻣﺗﻌـﺔ
ﻓﻲ أﻳﺔ ﻗﺻﺔ ﺗﺗواﻓر ﻓﻳﻬـﺎ .أﻣـﺎ اﻟﺷﺧﺻـﻳﺔ اﻟﻘﺻﺻـﻳﺔ ﻓﻬـﻲ ﻋﻧﺻـر ﺳـردي
68
ﺑﺎﻣﺗﻳـﺎز .وﻳﻘﺗﺿـﻲ اﻹﺗﻘـﺎن ﻓـﻲ ﻛﺗﺎﺑــﺔ ﻫـذا اﻟﺟـﻧس اﻷدﺑـﻲ أن ﻳﺣـذق ﻛﺗﺎﺑــﻪ
اﻟﺗﻌ ــﺎطﻲ ﻣﻌ ــﻪ .وﻣؤﻛ ــد أن ط ارﺋ ــق ﺗﻘ ــدﻳم اﻟﺷﺧﺻ ــﻳﺔ ووﺻ ــف ﻣﻼﻣﺣﻬ ــﺎ
اﻟﻣﺧﺗﺎرة اﻟﺧﺎرﺟﻳﺔ واﻟداﺧﻠﻳﺔ ،واﻟﺳـطﺣﻳﺔ واﻟﻌﻣﻳﻘـﺔ ،ﺗﺧﺗﻠـف ﻣـن ﻗـﺎص إﻟـﻰ
آﺧر .ورﺑﻣﺎ ﺗﻣﻛـن ﺑﻌـض اﻟﻘﺎﺻـﻳن ﻣـن اﻟﻛﺷـف ﻋـن دﺧﻳﻠـﺔ ﺷﺧﺻـﻳﺔ ﻣـن
ﺷﺧﺻــﻳﺎت ﻗﺻﺻــﻬم ،وﻋــن طﺑﺎﻋﻬــﺎ وﺳــﻠوﻛﻬﺎ ،ﻣــن ﺧــﻼﻝ إﻧطﺎﻗﻬــﺎ ﺑﻌﺑــﺎرة
أو أﻛﺛــر ﻣــن اﻟﻌﺑــﺎرات اﻟﻣﻔﻌﻣــﺔ ﺑﺎﻟدﻻﻟــﺔ ،ﻓــﻲ زﻣــﺎن وﻣﻛــﺎن ﻣﺣــددﻳن .وﻗــد
ﺗﺗﻌدد ﺳﻣﺎت اﻟﺷﺧﺻﻳﺎت ﻓﻲ اﻟﻣﺟﻣوﻋﺔ اﻟﻘﺻﺻﻳﺔ اﻟواﺣدة)0(1
)(1
اﻟﻘﺻﺔ ﻓﻲ اﻵداب اﻟﻌﺎﻟﻣﻳﺔ
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
ﻋرﻓت اﻟﻘﺻﺔ ﻗدﻳﻣﺎ ﻋﻧد اﻟﻳوﻧﺎﻧﻳﻳن ﻓﻲ اﻟﻘرن اﻟﺛـﺎﻧﻲ اﻟﻣﻳ ـﻼد ،وﻏﻠـب
)(1
راﺟﻊ :اﻟﻧﻘد اﻟﺗطﺑﻳﻘﻲ ﻟﻠﻘﺻﺔ اﻟﻘﺻﻳرة ﻓﻲ ﺳورﻳﺎ ) ﻣﺟﻣوﻋﺔ وﻛﺗﺎب ( دراﺳﺔ
ﻋﺎدﻝ اﻟﻔرﻳﺟﺎت ) دﻛﺗور ( 13 :10ﻣﻧﺷورات اﺗﺣﺎد اﻟﻛﺗﺎب اﻟﻌرب 2002م 0
)(1
0 راﺟﻊ :ظﺎﻫرة ا ﻟﺗﺄﺛﻳر واﻟﺗﺄﺛر 115وﻣﺎ ﺑﻌدﻫﺎ
69
ﻋﻠﻳﻬﺎ اﻟطﺎﺑﻊ اﻟﻣﻠﺣﻣﻲ ،ﺛم ﻣﺎﻟت ﺑﻌد ذﻟك ﻧﺣو اﻟواﻗﻊ 0
ﻛﻣﺎ ﻋرﻓت اﻟﻘﺻﺔ ﻋﻧد اﻟروﻣـﺎن ﺑﻧﻘـدﻫﺎ اﻻﺟﺗﻣـﺎﻋﻲ ،وﻛـﺎن ذﻟـك ﻓـﻲ
ﻧﻬﺎﻳــﺔ اﻟﻘــرن اﻷوﻝ اﻟﻣــﻳﻼدي ،وﻣــن ﺛــم ارﺗﺑطــت اﻷﺣــداث ﺑﺎﻟﺷﺧﺻــﻳﺎت
اﻟﻌﺎﻣﺔ ،وأطﻠق ﻋﻠﻳﻬم اﻟﺻﻌﺎﻟﻳك 0
ﺛـ ــم ظﻬـ ــرت اﻟﻘﺻـ ــﺔ ﻓـ ــﻲ اﻷدب اﻟﻼﺗﻳﻧـ ــﻲ ﻣﺗـ ــﺄﺛرة ﺑﺎﻟﻳوﻧـ ــﺎن ﻓظﻬ ـ ـ ـرت
ﻗﺻص اﻷﺳﺎطﻳر ،واﻟﻘﺻﺔ اﻟﺧﻳﺎﻟﻳﺔ 0
اﻟﻘﺻﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺻور اﻟوﺳطﻰ
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
) (1
0 اﻷدب اﻟﻌ ـرﺑﻲ
)(1
اﻟﻣﻘﺎﻣﺎت ﻓﻲ اﺻطﻼح اﻷدﺑﺎء ﻓﻬﻲ ﺣﻛﺎﻳﺎت ﻗﺻﻳرة ،ﺗﺷﺗﻣﻝ ﻛﻝ واﺣدة ﻣﻧﻬﺎ
ﻋﻠﻰ ﺣﺎدﺛﺔ ﻟﺑطﻝ اﻟﻣﻘﺎﻣﺎت ،ﻳروﻳﻬﺎ ﻋﻧﻪ رٍاو ﻣﻌﻳن ،وﻳﻐـ ـﻠب ﻋﻠﻰ أﺳﻠوﺑﻬﺎ اﻟﺳﺟﻊ
71
وﻗد ﻗﺿت ﻫذﻩ اﻟﻘﺻص ﻋﻠﻰ ﻗﺻص اﻟرﻋﺎة ،ﻓﻘ ـرﺑت اﻟﻘﺻﺔ ﻣن
اﻟﻘﺻﺔ ﻣن اﻟواﻗﻊ ،وﺧﻠﺻﺗﻬﺎ ﻣن اﻟطﺎﺑﻊ اﻟﻣﻠﺣﻣﻲ ،ﻓظﻬرت ﻗﺻـص
اﻟﻌﺎدات ،واﻟﺗﻘﺎﻟﻳد 0
وﻳﻌد اﻟﻘرن اﻟﺛﺎﻣن ﻋﺷر اﻟﻔﺗرة اﻟﺗﻲ اﺣﺗﻠت اﻟﻘﺻﺔ ﻣﻛﺎﻧﺎ ﻣرﻣـوﻗﺎ ؛ ﻓﻘد
ﺷﻬد ﻫذا اﻟﻌﺻر ﻣوﻟد اﻟﻘﺻﺔ اﻟﻘﺻﻳرة ،وﻛﺎن ظﻬور ﺷﻌب ﻗﺎرئ ﻫذا
اﻟﻘرن ﻣن اﻟﻌواﻣﻝ اﻟﻔﻌﺎﻟﺔ ﻓﻲ رواﺟﻬﺎ وازدﻫﺎرﻫﺎ ،وﻳﺣـ ـدﺛﻧﺎ ) روﺑرت
ﻟدﻝ ( ﻋن ﺧطورة ﻣﺎ ﻗﺎﻣت ﺑﻪ اﻟﻘـﺻﺔ ﻓﻲ ﻫـذا اﻟﻘـرن ﻓﻳﻘوﻝ :وﻟﻘد
ﻧﺟﺣت اﻟﻘﺻﺔ ﻓﻲ ﺗﺻوﻳر اﻟﺷﺧﺻﻳﺔ ،وﻫﻲ ﺗﻌ ـﻣـﻝ وﺗﺗﺣرك أﻛﺛر ﻣن
اﻟﻣﺳرﺣﻳﺔ .واﻟﻌ ـﻘوﻝ اﻟﺗﻲ ﻛﺎن ﻣن اﻟﻣﻣﻛـن أن ﺗﺟذﺑﻬﺎ اﻟﻣﺳرﺣﻳﺔ ﻓﻲ
اﻟﻌﺻور اﻷﺧرى اﺟﺗذﺑﻬﺎ اﻟﻘﺻص 0
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
) ( 1راﺟﻊ :اﻟﺗﻔﺳﻳر اﻟﻧﻔﺳﻲ ﻟﻸدب ﻋز اﻟدﻳن إﺳﻣﺎﻋﻳﻝ ) دﻛﺗور ( 208 ، 207
دار اﻟﻌودة ﺑﻳروت اﻟطﺑﻌﺔ اﻟراﺑﻌﺔ 1988م 0
73
اﻷوﻝ اﻟﻘﺻﺔ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻳﺔ :واﻟﺗﻲ ﺗﻣﺛﻝ ﺗطو ار طﺑ ـﻌـﻳﺎ ﻟﻘـﺻص اﻟﻌﺎدات ،
واﻟﺗﻘﺎﻟﻳد ،وﻣن ﺛم أﻧﺻﻔت اﻟﺣرﻛﺔ اﻟروﻣﺎﻧﺗﻳﻛﻳﺔ اﻟﻔ ـرد ٕ ،واﻋطﺎﺋﻪ ﺣﻘوﻗﻪ
،ﻛﻣﺎ ظﻬر طﺎﺑﻊ اﻟﻧﻘد اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ 0
~~~~~~~~~~~~~~~~~~
74
ﻟم ﻳﻛن اﻟﻔن اﻟﻘﺻﺻﻲ ﺟﻧﺳﺎ أدﺑﻳﺎ ﻣﺳﺗﻘﻼ ﺑذاﺗﻪ ﻓﻲ اﻷدب اﻟﻌـرﺑﻲ
اﻟﻘدﻳم ٕ ،واﻧﻣﺎ ﻧراﻩ ﻣﺑﺛوﺛﺎ ﻓﻲ اﻟﻘﺻﺎﺋد اﻟﺷﻌرﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺻر اﻟﺟــﺎﻫﻠﻲ
ﻛﺷﻌر طرﻓﺔ ﺑن اﻟﻌﺑد ،أو ﻳذﻛر ﻧﺛ ار ﻓﻲ ﺻور ﻗﺻص ﺻﻐﻳ ـرة ،أو
ﻓﻲ ﺻورة أﺳﺎطﻳر ،وأﺳﻣﺎر ﻛﺎﻟﻘﺻص اﻟدﻳﻧﻲ اﻟذي ﺳﻳ ـق ﻋن ﻟﻘﻣﺎن ،
وﻣﻠوك ﺣﻣﻳر ،واﻷﻣﺛﺎﻝ ،وأﻳﺎم اﻟﻌرب 00وﻗد أطﻠـق ﻋﻠﻰ ﻫذا اﻟﻠون
ﺑﺎﻟﻘﺻﺔ اﻟﻣروﻳﺔ 0
ﺛم ﺗﻌود إﻟﻳﻧﺎ ﻓﻲ اﻟطـﺎﺑﻊ اﻷورﺑـﻲ اﻟروﻣﺎﻧﺗﻳـ ـﻛﻲ ﻟﺗـؤﺛر ﻓـﻲ أدﺑﻧـﺎ اﻟﻌرﺑـﻲ
ﻣ ــن ﺟدﻳ ــد ﻓ ــﻲ ﻣﺛ ــﻝ ﻣﺳ ــرﺣﻳﺔ ) ﺷ ــﻬرزاد ( ﻟﺗوﻓﻳ ــق اﻟﺣﻛ ــﻳم ،وﻣﺳـ ــرﺣﻳﺔ
) ﺷﻬرﻳﺎر ( ﻟﻌزﻳز أﺑﺎظﺔ 0
وﻫﻛذا ﻛﺎﻧت ﻗﺻص أﻟف ﻟﻳﻠﺔ وﻟﻳﻠﺔ ﻣﺻﺎدر إﻟﻬـﺎم ﻟﻛﺛﻳـر ﻣـن اﻟﺷـﻌراء
ﻋﻠﻰ اﺧﺗﻼف أﺟﻧﺎﺳﻬم ،وأﻟواﻧﻬم ،وﻣذاﻫﺑﻬم اﻷدﺑﻳﺔ 0
(2اﻟﻣﻘﺎﻣﺎت :
ﺛم ﻛﺛر ﻛﺗّﺎب اﻟﻣﻘﺎﻣﺎت ﻛﺎﻟزﻣﺧﺷري اﻟﻌﺎﻟم اﻟﻠﻐـوي اﻟﻣﻔ ـﺳر ،وﻗد ﺳﻣﻳت
76
ﺛ ــم ﺗ ــﺄﺛر ﺑﺎﻟﻣﻘﺎﻣ ــﺎت اﻷدب اﻷورﺑ ــﻲ ﻓ ــﻲ ) ﻗﺻ ــص اﻟﺷ ــطﺎر ( ،وﻗ ــد
ظﻬر ﻫذا اﻟﻠون ﻓﻲ أﺳﺑـﺎﻧﻳﺎ ﻓﻲ اﻟﻘرﻧﻳن اﻟﺳﺎدس ،واﻟﺳﺎﺑﻊ ﺛم اﻧﺗﺷرت ﻓﻲ
أورﺑﺎ0
وﻗــد ﺑــرز ﻓﻳﻬــﺎ ﺟﻠﻳــﺎ ﺳــﺑق اﻟﺷــﺎﻋر ﻓــﻲ ﻫــذا اﻟﻣﺟﻬـ ـوﻝ ،وﻳــرى
اﻟﻌدﻳـ ــد ﻣـ ــن اﻟﺑـ ــﺎﺣﺛﻳن أن ) داﻧﺗـ ــﻲ اﻹﻳطـ ــﺎﻟﻲ ( ﻓـ ــﻲ ) اﻟﻛوﻣﻳـ ــدﻳﺎ
اﻹﻟﻬﻳـﺔ ﻗـد ﺗـﺄﺛر ﺑـﺎﻟﻣﻌري ﻟﺳـﺑق أﺑـﻲ اﻟﻌـﻼء ﻋﻠﻳـﻪ زﻣﻧـﺎ ،وﺗﺄﻟﻳﻔـﺎ ـ
وأﻳﺿﺎ ـ ﻟﺗﺄﺛر اﻷدب اﻷورﺑﻲ ﺑﺎﻷدب اﻟﻌرﺑـﻲ ﻋـن طرﻳـق اﻷﻧـدﻟس
،واﻟﺣروب اﻟﺻﻠﻳﺑﻳﺔ 0
( 4اﻟﺗواﺑﻊ واﻟزواﺑﻊ ﻻﺑن ﺷﻬﻳد اﻷﻧدﻟﺳﻲ :
وﻫــﻲ ﻣﻐــﺎﻣرة ﻣــن ﻧﺳــﺞ اﻟﺧﻳــﺎﻝ ﻓــﻲ ﻋــﺎﻟم اﻟﺟــن ،وﻳﻠﺗﻘــﻲ ﻓـ ـﻳﻬﺎ
اﻟﻛﺎﺗب ﺑﺷﻳﺎطﻳن اﻟﺳﺎﺑﻘﻳن ﻣن اﻟﺷﻌ ـراء ،وﺗدور ﺑﻳﻧﻬم ﻣﻧﺎظرات ،
وﻣﺣﺎﺿ ـرات ،وﻣﺣــﺎورات ﺗﻌــرض ﻟﻛﺛـ ـﻳر ﻣــن اﻟﻘﺿــﺎﻳﺎ اﻟﻔﻛرﻳــﺔ ،
واﻷدب ،وﻳﺑ ــدو ﺟﻠﻳ ــﺎ ﺗ ــﺄﺛرﻩ ﺑﺣ ــﺎدث اﻹﺳـ ـراء ،واﻟﻣﻌـ ـراج ،وﻗﻳ ــﻝ
ﺗﺄﺛر ﺑرﺳﺎﻟﺔ اﻟﻐﻔران ﻟﻠﻣﻌري 0
(5اﻟﻘﺻﺔ اﻟﻔﻠﺳﻔﻳﺔ ) ﺣﻲ ﺑن ﻳﻘظﺎن ( ﻻﺑن ﺳﻳﻧﺎ :
وﺣﻲ وﻫو اﻟﻌﻘﻝ اﻟﻔﻌﺎﻝ ،وﻳﻘظﺎن ﻫو اﻟﻣ ـوﻟﻰ ﻋـز وﺟـﻝ اﻟـذي ﺻـدر
ﻋﻧﻪ ﻫذا اﻟﻌﻘﻝ اﻟﺣﻲ اﻟداﺋم ،وﺗرﻣز إﻟـﻰ طﻠـب اﻹﻧﺳـﺎن ﻟﻠﻣﻌرﻓـﺔ ﻣﺳـﺗﻌﻳﻧﺎ
ﺑﺎﻟﻌﻘــﻝ اﻟﻣــؤﺛر اﻟــذي ﻳﻬدﻳــﻪ ﻋــن طرﻳــق اﻟﻣﻧطــق ،واﻟﻔﻠﺳــﻔﺔ ،وﻳﺣــذرﻩ ﻣــن
ﺧداع اﻟﺣواس 0
وﻗ ــد ﺗ ــﺄﺛر اﻷدب اﻟﻌﺑ ــري ﺑﻬ ــذﻩ اﻟﻘﺻ ــﺔ ،ﺛ ــم ﺗرﺟﻣ ــت إﻟ ــﻰ اﻹﻧﺟﻠﻳزﻳـ ـﺔ ،
واﻟﻔرﻧﺳﻳﺔ ،واﻟروﺳﻳﺔ 0
78
)(1
اﻟﻘﺻﺔ ﻓﻲ اﻷدب اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺣدﻳث
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
) (1راﺟﻊ :ﺗوظﻳف اﻟﺗراث ﻗﻲ اﻟرواﻳﺔ اﻟﻌرﺑﻳﺔ اﻟﻣـﻌﺎﺻرة ) دراﺳـﺔ ( ﻟﻣﺣﻣد رﻳﺎض
وﺗﺎر 11 : 9ﻣن ﻣﻧﺷورات اﺗﺣﺎد اﻟﻛﺗﺎب اﻟﻌرب دﻣﺷق 0 2002
79
ﺗواﺟ ــﻪ اﻟﺑﺎﺣ ــث ﻓ ــﻲ اﻟﻘﺻ ــﺔ اﻟﻌرﺑﻳ ــﺔ أﺳ ــﺋﻠﺔ ﻛﺛﻳـ ـرة ،ﺗﺗﻌﻠ ــق ﺑﻧﺷ ــﺄﺗﻬﺎ،
وﺗطورﻫــﺎ ،وﻋﻼﻗﺗﻬــﺎ ﺑﺎﻟرواﻳــﺔ اﻟﻐرﺑﻳــﺔ ﻣــن ﺟﻬــﺔ ،وﺑــﺎﻟﻣوروث اﻟﺳــردي ﻣــن
ﺟﻬﺔ أﺧرى ،وﻟﻣﺎ ﻛﺎن ﺗـﺎرﻳﺦ اﻟﻘﺻـﺔ اﻟﻌرﺑﻳـﺔ ﻳﺷـﻳر ﺑوﺿـوح إﻟـﻰ أن ﻓـن
اﻟﻘﺻﺔ ﻫو ﻓن ﻣﺳﺗﺣدث ﻓﻲ اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌرﺑﻳﺔ اﻟﺗﻲ ظﻠت ﺣﺗﻰ أواﺳط اﻟﻘـرن
اﻟﺗﺎﺳﻊ ﻋﺷر ﺛﻘﺎﻓـﺔ ﺗﻘﻠﻳدﻳـﺔ ،ﺗﺿـم ﻓـﻲ ﺳﻠﺳـﻠﺗﻬﺎ اﻷﺟﻧـﺎس اﻷدﺑﻳـﺔ واﻟﺛﻘﺎﻓـﺔ
اﻟﺗﻘﻠﻳدﻳــﺔ ،ﻛﺎﻟﺷــﻌر ،واﻟﻣﻘﺎﻣــﺔ ،واﻟرﺳــﺎﺋﻝ ،و اﻟﺧطــب ،واﻟﺑﻼﻏــﺔ ،...ﻓــﺈن
اﻟﺑﺎﺣث ﻻ ﻳﺟد ﻣﻔ اًر ﻣن اﻟﺗﺄرﻳﺦ ﻟﻠرواﻳﺔ اﻟﻌرﺑﻳﺔ ﻣن زاوﻳﺔ ﻋﻼﻗﺗﻬﺎ ﺑﺎﻟرواﻳﺔ
اﻟﻐرﺑﻳﺔ.
دﺧﻠت اﻟرواﻳﺔ إﻟﻰ اﻟﺳﻠﺳﻠﺔ اﻟﺛﻘﺎﻓﻳﺔ اﻟﻌرﺑﻳﺔ ﻋن طرﻳق اﻟﺗرﺟﻣﺔ ،
وأدت ﻋﻧﺎﻳﺔ اﻟﻣﺗرﺟﻣﻳن ،وﻣن ﺛم اﻟﻣؤﻟﻔﻳن اﻷواﺋﻝ ،ﺑذوق اﻟﻘراء ،
واﻟﺧﺿوع ﻟﻣﺎ ﻫو ﺳﺎﺋد ﻓﻲ اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌرﺑﻳﺔ آﻧذاك إﻟﻰ ﺗﻠوﻳن اﻟرواﻳﺎت
اﻟﻣﺗرﺟﻣﺔ ،واﻟﻣؤﻟﻔﺔ ﺑﺄﻟوان ﺗراﺛﻳﺔ ﻛﺎﻧت ﺗﻬﻳﻣن ﻋﻠﻰ اﻟذوق اﻟﺟﻣﺎﻟﻲ
) (1
وﻗد واﻟﻔﻛري ﻟﺟﻣﻬور اﻟﻘراء اﻟذﻳن ﻛﺎن ﺟﻠﻬم ﻣن أﻧﺻﺎف اﻟﻣﺛﻘﻔﻳن،
ﺗﺟﻠت ﻫذﻩ اﻷﻟوان اﻟﺗراﺛﻳﺔ ﻓﻲ ﺷﻛﻝ اﻟرواﻳﺔ وﻣﺿﻣوﻧﻬﺎ ،وﻛﺎن ﻟﻠﻣﻘﺎﻣﺎت
)(1
ﻟﻣزﻳد ﻣن اﻹطﻼع ﻋﻠﻰ اﻟﻣرﺣﻠﺔ اﻷوﻟﻰ ﻓﻲ ﺗطور اﻟرواﻳﺔ اﻟﻌرﺑﻳﺔ ﻳرﺟﻰ
اﻟﻌودة إﻟﻰ ﺗطور اﻟرواﻳﺔ اﻟﻌرﺑﻳﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة ﻓﻲ ﻣﺻر ،د .ﻋﺑد اﻟﻣﺣﺳن طﻪ ﺑدر
– دار اﻟﻣﻌﺎرف ،ﻣﺻر ،1963وﺗطور اﻟرواﻳﺔ اﻟﻌرﺑﻳﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة ﻓﻲ ﺑﻼد
اﻟﺷﺎم ،د .إﺑراﻫﻳم اﻟﺳﻌﺎﻓﻳن – دار اﻟﻣﻧﺎﻫﻝ ،ﺑﻳروت .1987
80
ﻳﻧظر ﻓﻲ اﻟﺟﻬود اﻟرواﺋﻳﺔ ﻣﺎ ﺑﻳن ﺳﻠﻳم اﻟﺑﺳﺗﺎﻧﻲ وﻧﺟﻳب ﻣﺣﻔوظ ،د .ﻋﺑد )(2
اﻟرﺣﻣن ﻳﺎﻏﻲ – اﻟﻣؤﺳﺳﺔ اﻟﻌرﺑﻳﺔ ﻟﻠد ارﺳﺎت واﻟﻧﺷر ،ﺑﻳروت ﺑﻼ ﺗﺎرﻳﺦ ص38
وﻣﺎ ﺑﻌدﻫﺎ.
81
ﺟدﻳد أﻳﺿـﺎً ،ﻓـﺗم اﻟﺗﺧﻠـﻲ ﻋـن اﻟﺷـﻛﻝ اﻟﺗ ارﺛـﻲ ،واﻟﺗﻣﺳـك ﺑﺎﻟﺷـﻛﻝ اﻟﻐرﺑـﻲ ،
وﻫﻛــذا ،ﻋﺎﺷــت اﻟرواﻳــﺔ اﻟﻌرﺑﻳــﺔ اﻏﺗ ـراﺑﻳن ،ﻓﻛﻣــﺎ اﻏﺗرﺑــت ﺑﺳــﺑب ﺗﻘﻠﻳــدﻫﺎ
ﻟﻠرواﻳﺔ اﻟﻐرﺑﻳﺔ ،ﻓﻘدت ﻫوﻳﺗﻬﺎ أﻳﺿﺎً ﺑﺳﺑب ﺗﻘﻠﻳدﻫﺎ ﻟﻠﺗراث ،وﻛﺎن ﻋﻠﻳﻬـﺎ –
وﻫﻲ ﺗﺳﻌﻰ إﻟﻰ إﻳﺟـﺎد ﻫوﻳﺗﻬـﺎ – أن ﺗﺻـﺎرع ﺿـد ﻫﻳﻣﻧـﺔ ﺗﻳـﺎرﻳن :اﻟﺗـراث،
واﻟﻐرب ،واﺳﺗطﺎﻋت أن ﺗﺗﺧﻠص ﻣـن ﻫﻳﻣﻧـﺔ اﻟرواﻳـﺔ اﻟﻐرﺑﻳـﺔ ﻋﺑـر اﻟﺗوﻗـف
ﻋــن ﺗﻘﻠﻳــدﻫﺎ ،وﺗﻣﻛﻧــت ﻣــن اﻟــﺗﺧﻠص ﻣــن ﻫﻳﻣﻧــﺔ اﻟﺷــﻛﻝ اﻟﺗ ارﺛــﻲ ،ﺑﺈﻋــﺎدة
ﺗوظﻳﻔﻪ واﻹﻓﺎدة ﻣﻧﻪ.
وﻻﺑد ﻫﻧﺎ أن ﻳﺑرز اﻟﺳؤاﻝ اﻟﺗﺎﻟﻲ :ﻫﻝ ﺛﻣـﺔ ﺳـﺑب أو أﺳـﺑﺎب أدت إﻟـﻰ
ﺗوﻗــف اﻟرواﻳــﺔ اﻟﻌرﺑﻳــﺔ ﻋــن ﺗﻘﻠﻳــد اﻟرواﻳــﺔ اﻟﻐرﺑﻳــﺔ ؟ ﻟﻺﺟﺎﺑــﺔ ﻋــن اﻟﺳ ـؤاﻝ
اﻟﺳﺎﺑق ﻻﺑد أن ﻧﺗوﻗف – وﻟو وﻗﻔﺔ ﻗﺻﻳرة – ﻋﻧد ﺗﺎرﻳﺦ اﻟرواﻳﺔ اﻟﻐرﺑﻳﺔ ،
وﺗطورﻫﺎ.
ﻳؤرخ إﻳﺎن واط Ian Wattﻟﻧﺷﺄة اﻟرواﻳﺔ اﻟﻐرﺑﻳﺔ ﺑرواﻳﺎت داﻧﻳﺎﻝ دﻳﻔو
) (1
،Ridhardson D.Defoeوﻓﻳﻠدﻧﻎ ،Fieldingورﻳﺗﺷﺎرد ﺳون
وﻟﻛن ﺗﻣﻳز اﻟرواﻳﺔ اﻟﻐرﺑﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﻘرن اﻟﺛﺎﻣن ﻋﺷر ﻋن اﻟﻧﺗﺎج
اﻟﻘﺻﺻﻲ واﻟرواﺋﻲ ﻓﻲ اﻟﻌﺻور اﻟﻘدﻳﻣﺔ واﻟﻘرون اﻟوﺳطﻰ ﻻ ﻳﻌﻧﻲ
أﺑداً أن اﻟرواﻳﺔ اﻟﻐرﺑﻳﺔ وﻟدت ﻣن اﻟﻌدم ،وأن ﺻﻠﺗﻬﺎ ﺑﺎﻟﺗراث
ﻳﻧظر ﻧﺷوء اﻟرواﻳﺔ ،إﻳﺎن واط ،ﺗرﺟﻣﺔ :ﻋﺑد اﻟﻛرﻳم ﻣﺣﻔوض ص – 5و ازرة )(1
)(2
ﻳﻧظر أﺷﻛﺎﻝ اﻟﻣﻛﺎن واﻟزﻣﺎن ﻓﻲ اﻟرواﻳﺔ ،ﻣﻳﺧﺎﺋﻳﻝ ﺑﺎﺧﺗﻳن ،ﺗرﺟﻣﺔ :ﻳوﺳف
ﺣﻼق ص – 214و ازرة اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ ،دﻣﺷق .1990
83
اﻧﻘطــﺎع اﻟﺧــﻳط اﻟــذي ﻛــﺎن ﻳ ـرﺑط ﺑﻳﻧﻬــﺎ وﺑــﻳن اﻟرواﻳــﺔ اﻟﻌرﺑﻳــﺔ ،وﺗــدﻝ ﻋﻠــﻰ
ذﻟــك ﻗﻠــﺔ اﻟرواﻳــﺎت اﻟﻌرﺑﻳــﺔ اﻟﺗــﻲ ﺗــﺄﺛرت ﺑﺎﻟرواﻳــﺔ اﻟﻐرﺑﻳــﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻ ـرة ،ﻓــﻲ
ﻣﻘﺎﺑﻝ ﻛﺛرة اﻟرواﻳﺎت اﻟﺗﻲ اﻋﺗﻣدت اﻟﺗﻘﻧﻳﺔ اﻟﺗﻘﻠﻳدﻳﺔ.
إن اﻟﺗوﻗف ﻋن ﺗﻘﻠﻳد اﻟرواﻳﺔ اﻟﻐرﺑﻳﺔ ﺟﺎء ﻧﺗﻳﺟﺔ وﺟود رواﺋﻳـﻳن أدرﻛـوا
أن وظﻳﻔﺔ اﻷدب إﻧﻣﺎ ﻫﻲ اﻟﺗﻌﺑﻳر ﻋن ﻣﺷﻛﻼت اﻟواﻗﻊ ،ورﺻد اﻟﻣﺗﻐﻳرات
ﻓﻳــﻪ ،ﻟــذا أﺧــذوا ﻣــن ﺗﻘﻧﻳــﺎت اﻟرواﻳــﺔ اﻟﻐرﺑﻳــﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻ ـرة ﻣــﺎ ﻳﺣﻘــق ﻟﻠرواﻳــﺔ
ﻓﻧﻳﺗﻬﺎ ،و ﺗرﻛوا ﻣﺎ ﻳﺧـص اﻟﻣﺟﺗﻣـﻊ اﻟﻐرﺑـﻲ ،وﻳﺗﻧـﺎﻓﻰ ﻣـﻊ طﺑﻳﻌـﺔ اﻟﻣﺟﺗﻣـﻊ
اﻟﻌرﺑﻲ ،ﻓرواﻳﺔ "ذات" ﻟﺻﻧﻊ اﷲ إﺑراﻫﻳم – ﻋﻠـﻰ ﺳـﺑﻳﻝ اﻟﻣﺛـﺎﻝ ﻻ اﻟﺣﺻـر
– وظﻔــت ﺗﻘﻧﻳــﺎت رواﺋﻳــﺔ ﻏرﺑﻳــﺔ ﺣدﻳﺛــﺔ ،ﻛﺎﺳــﺗﺧدام اﻷﺳــﻠوب اﻟﺳــﻳﻧﻣﺎﺋﻲ،
واﻟﻣﻌﻠوﻣــﺎت اﻟﻐزﻳ ـرة ،وأﻗ ـواﻝ اﻟﺻــﺣف ،وﻗﺻﺎﺻــﺎت اﻟــورق ..وﻟﻛــن ﻫــذﻩ
اﻟﺗﻘﻧﻳـﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻـرة ﻟــم ﺗﻣﻧــﻊ اﻟرواﻳــﺔ ﻣـن اﻟﺗﻌﺑﻳــر ﻋــن ﻣﺷــﻛﻼت اﻟواﻗــﻊ اﻟــذي
ﺗرﺻدﻩ.
ﻟﻘ ــد اﺳ ــﺗطﺎﻋت اﻟرواﻳ ــﺔ اﻟﻌرﺑﻳ ــﺔ ﺧ ــﻼﻝ ﻓﺗـ ـرة ﻗﺻ ــﻳرة ﻻ ﺗﻛ ــﺎد ﺗﺗﺟ ــﺎوز
اﻟﻘرن اﻟواﺣد أن ﺗﺛﺑت وﺟودﻫـﺎ ،وﺗﻧﺗـزع اﻋﺗـراف اﻟﺛﻘﺎﻓـﺔ اﻟرﺳـﻣﻳﺔ ﺑﻬـﺎ ،ﺑﻌـد
ﻣواﺟﻬﺔ ﺿـﺎرﻳﺔ ،وﻧﺿـﺎﻝ ﻣرﻳـر .إن ﻣـﺎ ﺗﻘـدم ﻟـﻳس ﻣـن ﻗﺑﻳـﻝ اﻟﻣﺑﺎﻟﻐـﺔ ،ﺑـﻝ
ﺛﻣــﺔ ﻣــﺎ ﻳؤﻛــد اﻟﻧﺟــﺎح اﻟــذي ﺣﻘﻘﺗــﻪ اﻟرواﻳــﺔ اﻟﻌرﺑﻳــﺔ ﻛﺎزدﻳــﺎد ﻋــدد اﻟرواﻳــﺎت
اﻟﻣطﺑوﻋ ــﺔ ،وازدﻳ ــﺎد ﻋ ــدد اﻟﻘـ ـراء ،وﺗرﺟﻣ ــﺔ ﺑﻌﺿ ــﻬﺎ إﻟ ــﻰ ﻟﻐ ــﺎت أﺟﻧﺑﻳ ــﺔ،
وﺣﺻــوﻝ أﺣــد ﻋﻣﺎﻟﻘﺗﻬــﺎ ،وﻫــو ﻧﺟﻳــب ﻣﺣﻔــوظ ،ﻋﻠــﻰ ﺟــﺎﺋزة ﻧوﺑــﻝ ﻟــﻶداب.
84
وﻣـ ــﺎ ﻛـ ــﺎن ﻟﻠرواﻳـ ــﺔ اﻟﻌرﺑﻳـ ــﺔ أن ﺗﺣﻘـ ــق ﻣـ ــﺎ ﺣﻘﻘﺗـ ــﻪ ﻣـ ــن ﻧﺟـ ــﺎح ﻟـ ــوﻻ أﻧﻬـ ــﺎ
اﺳﺗطﺎﻋت أن ﺗﺗﺧﻠص ﻣن ﻫﻳﻣﻧﺔ اﻷﺷﻛﺎﻝ اﻟﻘﺻﺻﻳﺔ اﻟﻘدﻳﻣﺔ اﻟﺗـﻲ ﻛﺎﻧـت
ﺷﺎﺋﻌﺔ ﻓﻲ اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌرﺑﻳﺔ ﻗﺑﻝ اﻻﺗﺻﺎﻝ ﺑـﺎﻟﻐرب ،وان ﺗﻘطـﻊ اﻟﺣﺑـﻝ اﻟﺳـري
اﻟذي ﻛﺎن ﻳرﺑطﻬﺎ ﺑﺎﻟرواﻳﺔ اﻟﻐرﺑﻳﺔ اﻟﺗﻲ ﻫﻳﻣﻧت ﻋﻠﻳﻬﺎ ﻓﺗرة ﻟﻳﺳت ﺑﻘﺻﻳرة.
وﺗﻣﺛ ــﻝ ظ ــﺎﻫرة ﺗوظﻳ ــف اﻟﺗـ ـراث اﻟﺗ ــﻲ ظﻬ ــرت ﺑﺷ ــﻛﻝ واﺿ ــﺢ ﻓ ــﻲ اﻟﻌﻘ ــود
اﻟﺛﻼﺛﺔ اﻷﺧﻳرة ﻓﻲ ﻋدد ﻣن اﻟرواﻳﺎت اﻟﻌرﺑﻳﺔ اﻟطرﻳﻘﺔ اﻟﺗﻲ اﺗﺑﻌﺗﻬﺎ اﻟرواﻳـﺔ
اﻟﻌرﺑﻳــﺔ ﻓــﻲ ﺳــﺑﻳﻝ ﺗﺣﻘﻳــق اﻧﺗﻣﺎﺋﻬــﺎ إﻟــﻰ اﻟﺛﻘﺎﻓــﺔ اﻟﻌرﺑﻳــﺔ ،واﺳــﺗﻘﻼﻟﻬﺎ ﻋــن
اﻟرواﻳﺔ اﻟﻐرﺑﻳﺔ.
)(1
ب ـ اﻟﺗﺎرﻳﺦ اﻷدﺑﻲ
)(1
وﻣوﻗف اﻟﻘﺎص ﻣن ﺷﺧﺻﻳﺎﺗﻪ ﻏﻳر ﻣوﻗف اﻟﻣؤرخ " ﻷن اﻟﻣؤرخ ﻳﺣﻛم ﻋﺎدة
ﻋﻠﻰ أﺷﺧﺎﺻﻪ ﻣن اﻟﺧﺎرج ﺑﻣﺟﻣوﻋﺔ ﻣن اﻷﺣداث ﻓﻲ ﺑﻳﺋـﺔ ذات ﻋﺎدات ،وﻧظم
ﺧﺎﺻﺔ ،وﺗﺗوارى ﺷﺧﺻﻳﺎﺗﻪ وراء ﻫذﻩ اﻟﻌﺎدات واﻟﺗﻘﺎﻟﻳد ﻓﻳﻔـﻘدون ﺑذﻟك ﻋﻧﺻر
اﻟﻣﻔﺎﺟﺄة واﻻﺳﺗﺑطﺎن ﻋﻠﻰ ﺣﻳن ﻳﻌﻧﻲ اﻟﻛﺎﺗب اﻟﻘﺻﺻﻲ ﺑﺎﺳﺗﺑطﺎن وﻋﻲ ﺷﺧﺻﻳﺎﺗﻪ
ﻓﻛﻝ ﺷﻲء ﻣﻧﻬم ﻗﺎﺑﻝ ﻟﻠﺷرح ،وﻫو ﻳﺳﻳرﻫم ﻓﻲ ﻣﻧطق اﻷﺣداث اﻟﻧ ـﻔ ـﺳﻲ ،
85
اﻟﺗــﺎرﻳﺦ :ﻓــن ﻣــن أﻗــدم ﻓﻧــون اﻟﻧﺛــر اﻷدﺑــﻲ ظﻬــر ﺣــﻳن ﻋرﻓــت اﻟﻛﺗﺎﺑــﺔ
وﺣــﻳن ارﺗﻘــﻰ اﻟﻌﻘــﻝ اﻹﻧﺳــﺎﻧﻲ ،واﺳــﺗطﺎع اﻟﺗﻔﻛﻳــر رﺑــط اﻟﺣ ـوادث ﺑﻌﺿــﻬﺎ
ﺑـ ــﺑﻌض ،واﺗﺧـ ــذﻫﺎ ﻣوﺿـ ــوﻋﺎ ﻟﻠﻌﺑ ـ ـرة ،واﻟﻌظـ ــﺔ ،ﻓﻛـ ــﺎن ﻻﺑـ ــد ﻣـ ــن ﻫـ ــذﻳن
اﻟﺷرطﻳن :
(1ذﻳوع اﻟﻛﺗﺎﺑﺔ ﺑﻳن اﻟﻧﺎس اﻟﺗﻲ ﺗﻣﻛن ﻣن ﺗﺄﻟﻳف اﻟﻛﺗب 0
(2أن ﻳﺗــﺎح ﻟﻠﻌﻘــﻝ اﻟﺗﻔﻛﻳــر ،واﻟروﻳــﺔ ﻓــﻲ اﻟﺣ ـوادث ،وﻣــن ﻫﻧــﺎ أﺧــذ
اﻟﻧــﺎس ﻳﻘﺻــون أﻧﺑــﺎءﻫم ،وﻳﺗﺣــدﺛون ﺑﻘــدﻳﻣﻬم ،ﺑــﻝ ،وﻳﺧﺗرﻋــون
ﻷﻧﻔﺳــﻬم ﻗــدﻳﻣﺎ ﻻ ﺻــﻠﺔ ﺑﻳﻧــﻪ ،وﺑــﻳن اﻟﺣﻘــﺎﺋق اﻟﺗﺎرﻳﺧﻳــﺔ ،وﻟﻛــﻧﻬم
ﻳؤﻣﻧــون ﺑــﻪ ﻟﺷــدة ﺗــﺄﺛرﻫم ﺑﺎﻟﺧﻳــﺎﻝ ،ﻓﻧﺷــﺄة طﺎﺋﻔــﺔ ﻣــن اﻟﻘﺻــص
اﻟﺷ ــﻌرﻳﺔ ﻟ ــم ﺗﻛ ــد ﺗﺧﻠ ــو ﻣﻧﻬ ــﺎ ﺣﻳ ــﺎة أﻣ ــﺔ ﻣ ــن اﻷﻣ ــم اﻟﻘدﻳﻣ ــﺔ اﻟﺗ ــﻲ
ﺗﺣﺿ ــرت ﻓﻳﻣ ــﺎ ﺑﻌ ــد ﻛﻘﺻ ــﺔ اﻹﻟﻳ ــﺎذة ،واﻻودﻳﺳ ــﺎ ﻋﻧ ــد اﻟﻳوﻧ ــﺎن ،
ﻓﻬ ـ ــﻲ ﺗﺻ ـ ــور اﻟﺣﻳ ـ ــﺎة اﻷدﺑﻳ ـ ــﺔ ،واﻟﻔﻧﻳ ـ ــﺔ ،واﻟﺗ ـ ــﺎرﻳﺦ اﻟﺳﻳﺎﺳ ـ ــﻲ ،
واﻻﺟﺗﻣ ــﺎﻋﻲ ﻟﻬ ــذﻩ اﻷﻣ ــم ﻓ ــﻲ ﻋﺻ ــورﻫﺎ اﻷوﻟ ــﻰ ،وﺑﻬ ــذا اﺗﺧ ــذت
اﻟﺳﻳر ،واﻷﺳﺎطﻳر ﻣﺻد ار ﻣن ﻣﺻﺎدر اﻟﺗﺎرﻳﺦ 0
ﺣﺗﻰ ﻛﺎﻧت اﻟﻣﻌﺎرك اﻟﺗﻲ دارت ﺑﻳن اﻟﻳوﻧﺎن ،واﻟﻔرس ،واﻟﺗﻲ ﺗﺳﻣﻰ
واﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ﺗﺳﻳﻳ ار ﺣﻳﺎ ﻣﺑر ار ،وﻋﻠﻰ ﻫذا ﻓﺎﻟﻘﺻﺔ أﺻدق ﻓﻲ ﺗﺻ ـوﻳـرﻫﺎ ﻟﻠﻣﻌﺎﻧﻲ
اﻹﻧﺳﺎﻧﻳﺔ ﻣن اﻟﺗﺎرﻳﺦ " اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ اﻟﺣدﻳث ﻣﺣﻣد ﻏﻧﻳـ ـﻣﻲ ﻫ ـﻼﻝ ) دﻛﺗور (
ﺻـ 564دار اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ ﺑﻳروت ﻟﺑﻧﺎن ﺑدون ﺗﺎرﻳﺦ 0
86
ﻛــدأﺑﻬم ﻓــﻲ ﺟــﻝ ﻓﻧــون اﻷدب ﻓﻛــﺎن أوﻝ ﻛﺗــﺎب ﺗــﺎرﻳﺧﻲ ﻋرﻓــﻪ اﻷدب
اﻟروﻣﺎﻧﻲ ﻛﺗﺎب اﻷﺻوﻝ ﻟﻛﺎﻧو ،وﻗد وﻟد ﻋﺎم 224ق 0م ﻓﻲ ﻣدﻳﻧﺔ
) ﺗوﺳــﻛوﻟوم ( ﻗرﻳﺑــﺔ ﻣــن روﻣــﺎ ،وﻗــد ﻋــرف ﺑــﺎﻟﺣزم ،واﻟﺻ ـراﻣﺔ ﻓــﻲ
ﺣﻳﺎﺗﻪ اﻟﺧﺎﺻﺔ ،واﻟﻌﺎﻣﺔ 0
وﻗــد ﺻــﺎﺣب ذﻟــك ﺟــد ،وﺣــزم ﻓــﻲ أﺳــﻠوﺑﻪ ﺳ ـواء ﻟﻔظــﺎ أم ﻣﻌﻧــﻰ
ﻣﺗﺟﻧﺑــﺎ ﻟﻠﻔﺿــوﻝ ﻣﺑﻐﺿــﺎ ﻟﻠﺗردﻳــد ،واﻹطﺎﻟــﺔ ﻓــﻲ ﻏﻳــر ﺣﺎﺟــﺔ إﻟﻳﻬﻣــﺎ ،
وﺑﺗطور اﻟﺣﻳﺎة ﻓﻲ أورﺑﺎ ﻋﻧﻲ اﻟﻣؤرﺧون ﻻﺳﺗظﻬﺎر ﺟﻬود اﻟﺷـﻌوب ،
وﺧﺻــﺎﺋص ﺣﺿــﺎراﺗﻬﺎ ،وﻣواﻗــف ﻣﻌﺎﺻ ـرﻳﻬﺎ ﻏﻳــر أن اﻷﻏﻠــب ﻛــﺎن
ﻓـ ــﻲ ﺗﺳـ ــﺟﻳﻝ ﺣﻳـ ــﺎة اﻟﻣﻠـ ــوك ،وﺳـ ــﻳرة اﻟﻌظﻣـ ــﺎء ،وﺗﻧﺎوﻟﻬـ ــﺎ ﺑﺎﻟﺷـ ــرح ،
واﻟﺗﺣﻠﻳﻝ 0
وﻣﻧ ــذ اﻟﻘ ــرن اﻟﺛ ــﺎﻣن ﻋﺷ ــر أﺧ ــذ ﻣﻔﻬ ــوم اﻟﺗ ــﺎرﻳﺦ ﻳﺗﻐﻳ ــر ،وﻳﺗط ــور
وﻳﺗﺧذ وﺟﻬﺔ ) ﻋﻠﻣﻳﺔ ،وﻓﻧﻳﺔ ( ﻓﻬو ﻳﺑﻌـث اﻟﺣﺿـﺎرات ﻓـﻲ ﻋﺻـورﻫﺎ
ﺑﺧﺻﺎﺋﺻـ ــﻬﺎ ،وﺟﻬـ ــود اﻟﺷـ ــﻌوب ﻓﻳﻬـ ــﺎ ،وﻳ ـ ـرﺑط اﻟﻔﺗ ـ ـرات اﻟﺗﺎرﻳﺧﻳـ ــﺔ
ﺑﺑﻌﺿــﻬﺎ ،وﻳﻌﺗﻣــد ﻋﻠــﻰ اﻵﺛــﺎر ،واﻟوﺛــﺎﺋق ،وﻏﻳرﻫــﺎ ﻣــن اﻟﻣﺻــﺎدر
ﺑﻌد ﺗﻣﺣﻳﺻﻬﺎ ،وﺗﻣﻳﻳز ﺻﺣﻳﺣﻬﺎ ﻣن زاﺋﻔﻬﺎ ،وﻻ ﻣرﺟـﻊ ﻟﻠﻣـؤرخ ﻓـﻲ
ذﻟــك ﺳــوى ﻣــﺎ ﻳﻠﺣــظ ﻫــو ﻣــن اﻟﻌواطــف ،واﻟﺻــﻔﺎت ،أو اﻟﻧﻘــﺎﺋص
اﻹﻧﺳ ــﺎﻧﻳﺔ ذاﺗﻬ ــﺎ ،وﻓ ــﻲ ﻫ ــذا ﻳﺣﺗ ــﺎج إﻟ ــﻰ ﻧ ــوع ﻣ ــن ) اﻟﺣ ــدث اﻟﻔﻧ ــﻲ (
ﻓﻳـرﺗﺑط اﻟﺗــﺎرﻳﺦ ﺑــﺎﻟﻔن وﻟﻬــذا ﻳــرى ) ﺗــﻳن ( أن اﻟﻌﻠــم ﻳﻛﻣــﻝ ﺑــﺎﻟﻔن ﻛﻣــﺎ
88
)(1
راﺟﻊ ظﺎﻫرة اﻟﺗﺄﺛﻳر واﻟﺗﺄﺛر 0 131 : 129
)(1
راﺟﻊ :اﻷدب اﻟﻌﺎم واﻟﻣﻘﺎرن 0 201 : 197
89
وﻳﻧﺷر ،وﻳﻌد ﺣﺟﺔ ،وﻣرﺟﻌﺎً ﻟﺟﻣﺎﻋﺔ؛ واﻟﺗﻲ ﺧﻼﻟﻬﺎ ُﻳﻌرف ،أو ُﻳﺳﺗﻘﺑﻝُ ،
ﻣﻌﻳﻧﺔ ،وﻟﻛن ﻣن اﻟواﺿﺢ ﺟداً أن ﺳوﻧﻳﺗﺔ ﺑﻳﺗرارك ﻟﻳس ﻟﻬﺎ ﻋﻼﻗﺔ ﻛﺑﻳرة
ﻣﻊ ﺳوﻧﻳﺗﺔ ﻣﺎﻻرﻣﻳﻪ ،دون وﺟوب ﻧﺳﻳﺎن ﻣدة اﻻﻧﺗﺷﺎر اﻷﻋظﻣﻲ ﻟﺷﻛﻝ
ﻣﺎ
ﻳﺟب أن ﺗدﺧﻝ ﻓﻲ اﻟﻣدة ،أﻋﻳﺎد اﻟﻣﻳﻼد ،واﻻﺣﺗﻔﺎﻻت اﻟﺗذﻛﺎرﻳﺔ،
واﻟﺗذﻛﺎرات اﻟﻣﺋوﻳﺔ )اﻟﻣﺋوﻳﺔ اﻟﺛﺎﻟﺛﺔ ﻟﻐوﻧﻐو ار اﻟﻣﻌﺎد اﻛﺗﺷﺎﻓﻪ ﻋﺑر -اﻟﺟﻳﻝ
(-27واﻟﺗﻠوﺛﺎت اﻟدﻧﻳوﻳﺔ )إن ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻗرن ﺗﺟﻠب ﻧﻬﺎﻳﺔ أﺧرى ،ﻣﺎﻟذي
ﻳﺟب ﻗوﻟﻪ ﻋن ﻧﻬﺎﻳﺔ أﻟﻔﻳﺔ؟( ،وﻛﻝ ﻋﻧﺎﺻر زﻣن طﻘﺳﻲ ،زﻣن ذﻛرﻳﺎت،
زﻣن أﺣﻛﺎم ﻧﻬﺎﺋﻳﺔ ،وأﻋداد ﺧﺎﺻﺔ ﻣن اﻟﻣﺟﻼت ،واﻟﻣﻘﺎﺑﻼت ﻣﻊ
اﻷﺣﻳﺎءٕ ،واﻋﺎدة ﺗﻘوﻳﻣﺎت ،و)اﻛﺗﺷﺎﻓﺎت( ،و)ﻋودات إﻟﻰ ،(.....وﻧﺳﻳﺎن،
زﻣن ﻳرى اﻧﺑﻌﺎث أﺳﻣﺎء ﻗدﻳﻣﺔ ،وﺗﻐﻳﻳب أﺳﻣﺎء أﺧرى ،ﺣﻳث ﺗﺗطﺎﺑق
أذواق اﻟﺣﻳﺎة ،وﻳﻘﺎس ﻋﻣﻝ اﻟﺟﻳﻝ اﻟﻘﺎدم :زﻣن اﻟﺗﺎرﻳﺦ اﻷدﺑﻲ ﻫو أﻳﺿﺎً
زﻣن ﻳﻣﻛن ﻋﻛﺳﻪ ،وﻣﺗﻌدد اﻷﺻوات ،وﺟﻣﻌﻲ0
ج (اﻟﺣوار واﻟﻣﻧﺎظرة
س ﻓَﺎ ْﻧ ِز ِﻝ
ﺎاﻣرأاﻟﻘَ ْﻳ ِ
َﻋﻘَ ْر َت َﺑﻌﻳري َﻳ ْ * ﺎﻝ ا ْﻟ َﻐ ِﺑﻳــط ِﺑ َﻧ َ
ﺎﻣﻌﺎً ﺗَﻘُو ُﻝ َوﻗَ ْد َﻣ َ
)(1
راﺟﻊ ظﺎﻫرة اﻟﺗﺄﺛﻳر واﻟﺗﺄﺛر 0 141 : 137
97
"ﻫﻲ اﻟﻘﺻﺔ اﻟطوﻳﻠﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺻف أﻋﻣﺎﻝ أﺑطﺎﻝ ﻋظﺎم ،واﻟﺗﻲ ﻛﺛ ـﻳ ار ﻣﺎ
ﺗﺻف اﻟﺣروب ،واﻟﻘﺗﺎﻝ ﻓﻲ ﻧظم ﻣن اﻟﺷﻌر ﻳﺟﻣﻊ ﺑﻳن اﻟﺧـﻳﺎﻝ ،واﻟﻌـﻘﻝ
"
وﻟﻬـذا ﺗﻌد ﻓﻲ ﻧظر ﻛـﺛﻳر ﻣن اﻟﻧﻘﺎد أﺟﻣﻝ أﻧواع اﻟﻧظم ؛ ﻷﻧـﻬﺎ ﺗﻛون
ﻣن وزن واﺣد ﻻ ﺗﺧرج ﻋﻧﻪ ،وﺗﺷﺗﻣﻝ ﻋﻝ ﺣوادث ﺧﺎرﺟﺔ ﻋن اﻟﻣﺄﻟوف
،وأﺷﺧﺎﺻﻬﺎ ﻣزﻳﺟﺎ ﻣن اﻷﺑطﺎﻝ ،واﻟﻌظﺎم وﻣن اﻵﻟﻬﺔ أﺣﻳﺎﻧﺎ أو
أﻧﺻﺎف اﻵﻟﻬﺔ ـ ﻛﻣﺎ ﻳزﻋﻣون ـ أو ﺷﺧﺻﻳﺎت ﺧراﻓﻳﺔ 0
واﻟﻣﻠﺣﻣﺔ ﻓن ﻗدﻳم ظﻬر ﻋﻧد اﻹﻏرﻳق ،ﻓﻘد ﺗﻌددت اﻵﻟﻬﺔ ﻋﻧدﻫم
ﺗﻌددا ﻣﻔرطﺎ ،اﺧﺗﻠطت أﻋﻣﺎﻝ اﻵﻟﻬﺔ اﻟﻘﺎدرة ﺑﺄﻋﻣﺎﻝ اﻹﻧﺳﺎن اﻟﻌـﺎﺟز
وﺷﻬواﺗﻪ ،وأﺻﺑﺢ اﻹﻟﻪ ﻓﻲ ﻧظرﻫم ﻣزﻳﺟﺎ ﻣن اﻻﺛﻧــﻳن اﻹﻧﺳــﺎن ورﻏﺑﺎﺗﻪ
،واﻹﻟﻪ ﺑﺟﺑروﺗﻪ وﻗﻬرﻩ 0
واﻟﺑطﻝ ﻓﻲ ﻋرﻓﻬم ﻣن اﻛﺗﺳب ﻫذﻩ اﻟﺻﻔﺎت ،ﻓﻠﻳس ﻣﺳﺗﻐ ـرﺑﺎ أن
ﻳؤﻣﻧوا ﺑﻛﻝ ﻣﺎ ﺟﺎء ﻓﻲ إﻟﻳﺎذﺗﻬم ﻣن ﺧوارق ،ﻓﺎﻟﻣـﻠﺣﻣﺔ ﻻ ﺗروج إﻻ ﻓﻲ
ﻣﺟـﺗﻣﻊ ﺳﺎذج ﻟدﻳﻪ اﻻﺳﺗﻌداد اﻟﻔطري ﻟﺗﺻدﻳق ﻣﺎ ﻳﻘﺎﻝ 0
وﻣن ﺛم ﻳﻣﻛن إدراك اﻟﺳﺑب ﻓﻲ ظﻬور اﻟﻣﻼﺣم وﻫو ﺗﻌـدد اﻵﻟﻬﺔ
ﻟدى اﻟﻳوﻧﺎن واﻟروﻣﺎن ﺣﺗﻰ ﺑﻠﻐـت ﺛﻼﺛﻳن أﻟﻔﺎ ،وﻫﻲ رﻣوز ﻟﻘـوى اﻟطﺑﻳﻌﺔ
اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ 0
98
أﻣﺎ اﻟﻣﻼﺣم اﻟﻣﺗﺄﺧرة ﻓﺈن ﻣؤﻟﻔﻬﺎ ﻳﻘـ ــﺗدي ﺑﺎﻟﻘدﻣﺎء ﻓﻳـﻌﺎﻟﺞ ﻣوﺿوﻋﺎ
دﻳﻧﻳﺎ ﻛﻣﺎ ) داﻧﺗﻲ ( اﻹﻳطﺎﻟﻲ ﻓﻲ اﻟﻛوﻣﻳدﻳﺎ اﻹﻟﻬﻳﺔ 0
وﻣن أﺷﻬر اﻟﻣﻼﺣم اﻟﻌﺎﻟﻣﻳﺔ :
( 1اﻹﻟﻳﺎذة :ﻟﻠﺷﺎﻋر اﻟﻳوﻧﺎﻧﻲ ﻫوﻣﻳروس وﺗــدور ﺣوﻝ ﺧطف" ﺑﺎرﻳـس
ﺑن أﻓرﻳﺎم " ﻣﻠك طراودة " ﻫﻳﻼﻧﺔ " اﻣرأة ﻣﻳﻧﺎ ﻻوس ﻣﻠك أﺳﻳرطﻪ 0
( 2اﻷودﻳﺳﺎ :وﻫﻲ أﻳﺿﺎ ﻟﻬوﻣﻳروس وﻫﻲ ﺗﺻف رﺣﻠﺔ اودﻳﺳﻳوس ﻓﻲ
ﻋرض اﻟﺑﺣﺎر0
(3اﻹﻧﻳﺎزة ﻧظﻣﻬﺎ اﻟﺷﺎﻋر اﻟروﻣﺎﻧﻲ ﻓرﺟــﻳﻝ ﻓﻲ اﻟﻘرن اﻷوﻝ ﻗﺑﻝ اﻟﻣﻳﻼد
،وﺗدور أﺣداﺛﻬﺎ ﺣوﻝ اﻟﺑطﻝ اﻳﻧﻳﺎس اﻟطراودي وﻛـ ــﻳف ﺣﻣﻝ أﺑﺎﻩ ﻓﻲ
ﺳﻔﻳﺔ ﺑﻌدﻣﺎ ﺳﻘطت طراودة0
( 4اﻟﻛوﻣﻳدﻳﺎ اﻹﻟﻬﻳﺔ ﻟداﻧﺗﻲ 0
(5اﻟﻔردوس اﻟﻣﻔﻘود ﻟﺟون ﻣﻠﺗن اﻹﻧﺟﻠﻳزي0
( 6اﻟﺷﺎﻫﻧﺎﻣﺔ ﻟﻠﺷﺎﻋر اﻟﻔﺎرﺳﻲ اﻟﻔردوﺳﻲ 0
( 7أﻧﺷودة اﻟظﻼم وﻫﻲ ﻣﻠﺣﻣﺔ ﺟرﻣﺎﻧﻳﺔ ﻟﺷﺎﻋر ﻣﺟﻬوﻝ 0
أﻣﺎ ﻋن اﻟﻣﻠﺣﻣﺔ ﻓﻲ اﻟﺷﻌر اﻟﻌرﺑﻲ :
ﻟم ﻳﻧظم اﻟﻌرب ﻓﻲ ﺟﺎﻫﻠﻳﺗﻬم اﻟﻣﻼﺣم ؛ ﻷن طﺑﻳﻌﺔ اﻟﻌرﺑﻲ ﺗﻘوم
ﻋﻠﻰ أﺳﺎس اﻟﺑدﻳﻬﺔ واﻻرﺗﺟﺎﻝ واﻟﺣﻔظ ﻓﻬم ﻗوم أﻣﻳون ﻻ ﻳﻌ ـرﻓون اﻟﻘـراءة
وﻻ اﻟﻛﺗﺎﺑﺔ 0
99
ﻋﻠﻲ ﺑن ﺑﺎدﻳ ــس ،وﻛﺎن ﺑﺻﻳ ار ﺑﻣﺎ ﻳﻘـوﻟﻪ ،وﻟﻪ ﻗدم ﻓﻲ اﻟﺗﻧﺟﻳم ﻓﻘﺎﻝ
ﻟﻲ :إن ﻫذا اﺑن اﻟ ـﺑﺎر ،وﻟﻳس ﻫو اﻟﺣﺎﻓظ اﻷﻧدﻟﺳﻲ اﻟﻛﺎﺗب ،ﻣﻘﺗوﻝ
اﻟﻣﺳﺗﻧﺻر ٕ ،واﻧﻣﺎ ﻫو رﺟـﻝ ﺧﻳﺎط ﻣن أﻫﻝ ﺗوﻧس و ﻣطﻠﻌﻬﺎ :
ﻋذﻳري ﻣن زﻣن ﻗ ـ ـﻠب 00000ﻳﻐـ ــﻳر ﺑﺑﺎرﻗﺔ اﻷﺷﻧب
ﺛم ﻳﻘوﻝ اﺑن ﺧﻠدون ﺑﻌد ذﻟك ،ووﻗﻔت ﻓﻲ اﻟﻣﻐرب ﻋﻠﻰ ﻣـﻠﺣﻣﺔ
أﺧرى ﻓﻲ دوﻟﺔ ﺑﻧﻲ أﺑﻲ ﺣﻔص ﻫؤﻻء ﺑﺗوﻧس ،ﻓﻳﻬــﺎ ﺑﻌد اﻟﺳﻠطﺎن ﺑن
أﺑﻲ ﻳﺣﻳﻰ اﻟﺷﻬﻳر ﻋﺎﺷر ﻣﻠوﻛﻬم ،ذﻛر ﻣﺣﻣد أﺧﻳﻪ ﻣن ﺑﻌــدﻩ ،ﻳﻘوﻝ
ﻓﻳﻬﺎ :
وﺑﻌد أﺑﻲ ﻋﺑد اﻹﻟﻪ ﺷﻘﺷﻘﻪ 0000وﻳﻌرف ﺑﺎﻟوﺛﺎب ﻓﻲ ﻧﺳﺧﺔ اﻷﺻﻝ
إﻻ أن ﻫذا اﻟرﺟﻝ ﻟم ﻳﻬﻠﻛﻬﺎ ﺑﻌد أﺧﻳﻪ ،وﻛﺎن ﻳﻣﻧﻲ ﺑذﻟك ﻧﻔﺳﻪ 0
ووﻗف ﺑﺎﻟﻣﺷرق ﻋﻠﻰ ﻣﻠﺣﻣﺔ ﻣﻧﺳوﺑﺔ ﻻﺑن اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺣـﺎﺗﻣﻲ ﻓﻲ ﻛﻼم
طوﻳﻝ ﺷﺑﻪ أﻟﻐﺎز ،ﻻ ﻳﻌﻠم ﺗﺄوﻳﻠﻪ إﻻ اﷲ ،ﻟﺗﺗﺧﻠﻠﻪ أوﻓ ـ ـﺎق ﻋددﻳﺔ ،
ورﻣوز ﻣﻠﻐوزة ،وأﺷﻛﺎﻝ ﺣﻳواﻧﺎت ﺗﺎﻣﺔ ،ورؤوس ﻣﻘطﻌﺔ ،وﺗﻣﺎﺛﻳﻝ ﻣن
ﺣﻳواﻧﺎت ﻏرﻳﺑﺔ ،وﻓﻲ آﺧرﻫﺎ ﻗﺻﻳدة ﻋﻠﻰ روي اﻟﻼم ،واﻟﻐﺎﻟب أﻧﻬﺎ ﻛﻠﻬﺎ
ﻏﻳر ﺻﺣﻳﺣﺔ ،ﻷﻧﻬﺎ ﻟم ﺗﻧﺷﺄ ﻣن أﺻﻝ ﻋﻠﻣﻲ 0
ﻓﺈﻧﻛﺎر اﺑن ﺧﻠدون ﻟﻬذﻩ اﻟﻣﻠﺣﻣﺔ راﺟﻊ إﻟﻰ أﻧﻪ ﻗﺎﺳﻬﺎ ﺑﻣﻘﻳﺎس اﻟﻌﻠم .
ﺛم ﻳﺗﺣدث اﺑن ﺧﻠدون ﻋن اﻟﻣﻼﺣم ﻓﻲ اﻟﻣﺷرق ﻓﻳﻘوﻝ :
103
ووﻗﻔت ﺑﺎﻟﻣﺷرق أﻳﺿﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻠﻣﺔ ﻣن ﺣـدﺛﺎن دوﻟﺔ اﻟﺗرك ﻣﻧﺳوﺑﺔ إﻟﻰ
رﺟﻝ ﻣن اﻟﺻوﻓﻳﺔ ﻳﺳﻣﻰ اﻟﺑﺎﺟرﻳض ،وﻛﻠﻬﺎ أﻟﻐــﺎز ﺑﺎﻟﺣروف أوﻟﻬﺎ:
إن ﺷﺋت ﺗﻛﺷف ﻣﻬر اﻟﺟﻔر ﻳﺎﺳﺎﺋﻠﻲ* ﻣن ﻋﺎﻟم ﺟﻔر وﺻﻲ واﻟد اﻟﺣﺳن
وأﺑﻳﺎت ﻫذﻩ اﻟﻣﻠﺣﻣﺔ ﻛﺛﻳرة ،واﻟﻐﺎﻟب ،أﻧﻬﺎ ﻣوﺿوﻋﺔ ،وﻣﺛ ـﻝ
ﺻﻧﻌﺗﻬﺎ ﻛﺎن ﻓﻲ اﻟﻘدﻳم ﻛﺛﻳ ار أ ﻣﻌروف اﻻﻧﺗﺣﺎﻝ 0
إن ﻫذا اﻟﻔن وﺟد ﻓﻲ اﻟﻘرن اﻷوﻝ ﻋﻠﻰ ﻳد اﺑن
وﻣن ﺛم أﻣﻛﻧﻧﺎ اﻟﻘوﻝ ّ :
أﺑﻲ ﻋﻘب ﻣﻌﻠم اﻟﺣﺳن واﻟﺣﺳﻳن ﻣﻌﻠم اﻟﺣﺳن واﻟﺣ ـﺳﻳن رﺿﻲ اﷲ
ﻋﻧﻬﻣﺎ0
وﻣن اﻟﻌﻠﻣﺎء ﻣن أﺛﺑﺗﻪ ،وﻣﻧﻬم ﻣن أﻧﻛرﻩ 0
اﻟﻣﻌﻧﻰ اﻟﻌﺻري ﻟﻠﻣﻼﺣم أﻧﻬﺎ ﻗــﺻﺎﺋد ﻣطــوﻟﺔ ﺗﺗﻧﺎوﻝ اﻟﺗﺎرﻳﺦ
ﻷﺳطوري ﻟﻸﻣم واﻟدوﻝ ﻣﺛﻝ أﻟﻳﺎذة ﻫوﻣﻳروس ﻻ ﻳﺧﺗﻠف ﻋن اﻟطﻼق
اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻘدﻳم ﻋﻧد إﻧﺷﺎدﻫم ﻟﻣﻼﺣﻣﻬم إﻻ ﻓﻲ ﺷـ ـ ــﻲء واﺣد :ﻫو أن
اﻟﻣﻼﺣم اﻟﻌرﺑﻳﺔ اﻟﻘدﻳﻣﺔ ﺗﻘص ﻣﺎ ﻋﺳﺎﻩ أن ﻳﻛون ﻣن أﺣ ـداث اﻷﻣم
واﻟدوﻝ ﻓﻲ اﻟﻣﺳﺗﻘﺑﻝ ،ﻓﻬو ﺧﻳﺎﻝ ﻳﺣﺎوﻝ اﺳﺗراق اﻟﺳﻣﻊ دون أن ﺗﺣرﻗﻪ
اﻟﺷـﻬب ،أﻣﺎ اﻟﻣﻼﺣم ﻓﻲ ﻏﻳر اﻷدب اﻟﻌرﺑﻲ ﻓﺗﺗﻧﺎوﻝ ﻗﺻص ﺗﺎرﻳﺧﻬﺎ
اﻟﻣﺎﺿﻲ ،وﻣﺎ ﻳﺷﻳﻊ ﻓﻳﻪ ﻣن أﺳﺎطﻳر 0
وﻣن اﻟﺟدﻳر ﺑﺎﻟذﻛر :أن اﻟﻣﻌﺎﺻرﻳن اﻟذﻳن أﻧﺷﺄوا ﻣﻼﺣم ﻋرﺑـﻳﺔ ﻟم
ﻳﺑﻠﻐوا ﻫذا اﻟﺷﺄن ﻣن اﻟﺗرﻗﻲ ﻓﻲ اﻟوﺻوﻝ إﻟﻰ اﻟﻣﻼﺣم إﻻ ﺑﻌد أن ﻧﻬﻠوا
104
ﻣن ﻣﻌﻳن اﻵداب اﻟﻐرﺑﻳﺔ ،ووﻗﻔوا ﻋﻠﻰ أﺷﻬر اﻟﻣﻼﺣ ـم اﻟﻌـﺎﻟﻣﻳﺔ ،ﻓـﺄﺧذوا
ﺑﻣﻘدﻣﺎﺗﻬﺎ ،وﻧﺗﺎﺋﺟﻬﺎ ،وﺻﻣﻣـوا ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻘﻳﺢ اﻷدب اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر
ﺑﻣﻼﺣم ﺟدﻳدة 0ذات أﻟوان ﺟدﻳدة وﻣواﺿﻳﻊ ﺟدﻳدة ،وﻫﻛذا ﺑرز ﺗﺄﺛر
اﻟﻣﻠﺣﻣﺔ اﻟﻌرﺑﻳﺔ ﺑﺎﻟﻣﻠﺣﻣﺔ اﻟﻌﺎﻟﻣﻳﺔ ،ﻓﺟﺎءت ﺗﺣﻛ ـﻲ روﺣﺎ ﺟدﻳدا ،
وﻋﺻ ار ﺟدﻳدا 0
ب ـ اﻟﻣﺳرﺣﻳﺔ
~~~~~~~~~~~~~
ﻣﻌدة ﻟﻠﺗﻣﺛﻳﻝ ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺳرح "0
اﻟﻣﺳرﺣﻳﺔ " :ﻫﻲ ﻗﺻﺔ ّ
وﻟﻔـظ اﻟﻣﺳرﺣﻳﺔ ﻳوﻧﺎﻧﻲ ﻗـدﻳم ﺑﻣﻌﻧﻰ اﻟﺣـرﻛﺔ ) ،ﻓﻬﻲ ﻗﺻﺔ ﺗﻣﺛّﻝ
ﺗﺻﺎﺣﺑﻬﺎ ﻣﻧﺎظر ﻣﺻورة ( ﻓﻬﻲ ﺗﻘوم ﻋﻠﻰ ﻓﻧﻳﻳن ﻣﺗﻣﻳزﻳن ﻓن اﻟﺗﺄﻟﻳف
اﻟﻣﺳرﺣﻲ ،وﻓن اﻟﺗﻣﺛﻳﻝ ،وﻟﻬذا ﻛﺎن ﻟﻬﺎ أﺛرﻫﺎ ﻓﻲ اﻟﻧﻔ ـس ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﺗؤﻛــد
اﻟﻣﺛﻝ اﻟﻘ ــﺎﺋﻝ ) أﺳﻣﻊ ﻓﺄﻧﺳﻰ ،وأرى ﻓﺄﺗذﻛر وأﺗﻌﻠم (0
ﻧﺷﺄة اﻟﻣﺳرح
105
واﺳﺗدﻝ أﺻﺣﺎب ﻫذا اﻟرأي ﺑوﺟود ﻗﺻﺔ إﻳزﻳس ﻟدى اﻟﻣﺻرﻳﻳن ،
وﻫذا ﻣﺎ ذﻛرﻩ ﻫﻳردوت ،ورﺟﺣﻪ ﺑﻌض اﻟﺑﺎﺣﺛﻳن 0
إن ﺷﻬﺎدة اﻟﻌﺎﻟم اﻟﻳوﻧﺎﻧﻲ ﺗﻌد ﻫﻲ اﻷﺳـﺎس اﻟذي ﻧرﺗﻛ ــز ﻋﻠﻳﻪ
ﺣﻳث ّ
ﻷﻧــﻪ ﻳوﻧﺎﻧﻲ ﺷﻬد ﺑﺄﻗدﻣﻳﺔ اﻟﻣﺳرح اﻟﻣﺻري 0
وﻣﺟـﻣﻝ اﻷﺳطورة ﺗﺗﻌﻠق ﺑﺎﻟﺣرب ﺑﻳن اﻟﺧﻳر ،واﻟﺷر ،واﻧﺗﺻﺎر
اﻟﺧﻳر ،وﺗﺷﺗﻣﻝ ﻋﻠﻰ ﺑﻌض اﻷﻏﺎﻧﻲ اﻟﺗﻲ ﻗــﺎﻣت ﺑﻬ ــﺎ إﻳزﻳس أﺛﻧــﺎء
اﻟﺑﺣث ﻋن زوﺟﻬﺎ 0
وﻣن ﻫﻧﺎ ﻧدرك أن اﻟﻣﺳرح اﻟﻳوﻧﺎﻧﻲ ﺗﺄﺛّر ﺑﺎﻟﻣﺳرح اﻟﻔرﻋــوﻧﻲ ،ﺛم ﺟ ــﺎء
ﺑﻌد ذﻟك اﻟﻣﺳرح اﻟروﻣﺎﻧﻲ اﻟذي ﺣ ـﺎﻛﻰ اﻟﻣﺳ ـرح
اﻟﻳوﻧﺎﻧﻲ ﻓﻲ ﻣوﺿوﻋﺎﺗﻪ 0
وﻓﻲ اﻟﻌﺻور اﻟوﺳطﻰ ﺗﻌﻠّق اﻟﻣﺳــرح ﺑﺎﻟﻛــﻧﻳﺳﺔ أي اﻟــطﺎﺑﻊ اﻟﻛـ ــﻧﺳﻲ 0
وﻓﻲ اﻟﻌﺻور اﻟﻛﻼﺳﻳﻛﻳﺔ ﺣﻛﻰ اﻷورﺑﻳون اﻟﻣﺳرح اﻟﻳوﻧﺎﻧﻲ 0
ﺗﺣوﻝ إﻟﻰ ﻣﺳرح ﻏ ــﻧﺎﺋﻲ 0
وﻓﻲ اﻟﻘرن اﻟﺳﺎدس ﻋﺷر ّ
وﻓﻲ أواﺧر اﻟﻘرن اﻟﺛﺎﻣن ﻋﺷر أﺻﺑﺢ ﻣﺳرﺣﺎ ﺷﻌﺑﻳﺎ 0
وﻣن ﺛم ﺑرزت ظﺎﻫرة اﻟﺗﺄﺛﻳر واﻟﺗﺄﺛر ﺑﻳن اﻟﻣﺳﺎرح اﻟﻌﺎﻟﻣﻳﺔ اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ 0
ﻣوﻗف اﻟﺗراث اﻟﻌرﺑﻲ ﻣن ﻫذا اﻟﻔن :ــ
اﻟﺣﻘﻳﻘﺔ أن ﻣوﻗف اﻷدب اﻟﻌرﺑﻲ ﻛﺎن ﻣوﻗـف اﻟﺟﻔﺎء ﺳ ـواء ﻓﻲ
اﻟﺟﺎﻫﻠﻳﺔ أم ،اﻹﺳﻼم ،وﻟﻌﻝ اﻟﺳﺑب ﻓﻲ ذﻟك طﺑﻳﻌﺔ اﻟﻌ ـرﺑﻲ اﻟذي ﻳﻌﺗﻣد
108
وﻗﺎﻝ " :إن اﺑن داﻧﻳﺎﻝ أﻋظم ﺷﺎﻋر ﻣﻣﺗﻊ ﻓﻲ اﻟﻌـرﺑﻳﺔ ﻓـﻘد وﺟدت ﻫذﻩ
اﻟﻣﺳرﺣﻳﺎت ﻓﻲ ﻣﻛﺗﺑﺔ ) ﺳﻛو﷼ ( اﻷﺳﺑﺎﻧﻳﺔ ،واﻟﺗﻲ ﻣﻧﻬﺎ طﻳف اﻟﺧﻳﺎﻝ ،
ﺗﺻور ﻟﻧﺎ ﻣﺻر ،وﺣــﺎﻟﺗﻬﺎ اﻟﺳﻳﺎﺳ ـﻳﺔ ،واﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻳﺔ ﻓﻲ ﻋﻬد اﻟظﺎﻫر
و ّ
ﺑﻳﺑرس ،وﻣﺳرﺣﻳﺔ )ﻋﺟﻳب ،وﻏرﻳب ( وﺗﺻ ّـور اﻷﺣواﻝ ﻓـﻲ اﻷﺳواق
ﺗﺻور ﻟﻧﺎ أﺻﺣﺎب اﻟﻣﻬن ﻓﻲ ﻣﺻر 0 اﻟﻣﺻرﻳﺔ ،ﻛﻣﺎ ّ
ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن ذﻟك ﻓﺈن ﻫذﻩ اﻟﻣﺳرﺣﻳﺎت ،وﻏــﻳرﻫﺎ ﻟم ﺗﺗﻘ ــدم ﺑﺎﻟﻣﺳرح
اﻟﻌرﺑﻲ ،ﻓﻠﻘــد ظﻝ ﻣﺳرﺣﺎ ﻳﻣﺛﻝ ﺧ ــﻳﺎﻝ اﻟـ ـظﻝ دون أن ﻳﺧـ ــرج إﻟــﻰ اﻟﻌﻳﺎن
0
وﻟﻣﺎ ﻧزﻟت اﻟﺣﻣﻠﺔ اﻟﻔرﻧﺳﻳﺔ ﺑﻼدﻧﺎ ﺣﻣﻠت ﻓﻳﻣﺎ ﺣ ــﻣﻠت إﻟــﻳﻧﺎ اﻟﻣﺳرح
اﻟﻔرﻧﺳﻲ ،وﻟﻛن ﻣﺎ ﻛﺎن ﻳﻣﺛ ّﻝ ﻋﻠﻳﻪ ﻣن رواﻳﺎت ﻣﺛـّــﻝ ﺑﺎﻟﻔرﻧﺳﻳﺔ ،ﻓﻠم
ﺗﺗﺄﺛر ﺑﻪ ﺣﻳﺎﺗﻧﺎ اﻷدﺑﻳﺔ ٕ ،واﻧﻣﺎ ﺑرز ﻫذا اﻟﺗﺄﺛر ﺟﻠﻳﺎ ﻣﻧذ ﺗوﻟﻲ إﺳﻣﺎﻋﻳﻝ
اﻷوﺑر ،وﻣﺛﻠّت ﻓﻳﻪ رواﻳـﺎت ﻏﻧﺎﺋﻳﺔ إﻳطﺎﻟﻳﺔ 0
ا ﻟﺣﻛم ﻣﺻر ،ﻓﺄﻧﺷﺄ دار
وﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﺣﻘﺑﺔ اﻟﺗﺎرﻳﺧﻳﺔ أﻧﺷﺄ أﺑو ﻧظﺎرة ) ﻳﻌ ــﻘوب ﺻﻧوع ( ﻣﺳرﺣﺎ
ﺑﺎﻟﻘﺎﻫرة ،وﻣﺛﻝ ﻋﻠﻳﻪ ﻛﺛﻳ ار ﻣن اﻟﻣﺳرﺣﻳﺎت اﻟﻣﺗرﺟﻣﺔ ،واﻟﺗﻲ ﻗﺎم ﺑﺗﺄﻟﻳﻔﻬﺎ
؛ ﻟذا أطﻠق ﻋﻠﻳﻪ ﻣوﻟﻳﻳر ﻣﺻر ﻟﺑراﻋﺗﻪ ﻓﻲ اﻟﺗﻣﺛﻳﻝ اﻟﻬزﻟﻲ واﻟذي ﻳﻘـوم
ﻋﻠﻰ أﺳﺎس اﻟﻧﻘد ﻷوﺿﺎع اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟذي ﻳﻌﻳش ﻓﻳﻪ 0
واﻟواﻗﻊ أﻧﻧﺎ ﻻ ﻧﻌد ﻣﺳرح ﺻﻧــوع ﻣن ﺗراث اﻷدب اﻟﻌـرﺑﻲ ،وﻳرﺟﻊ
ذﻟك ﻷن ﻣﺳـرﺣﻪ ،وﺗﻣﺛﻳﻠﻳﺎﺗﻪ ﻛﺎﻧت ﺗﻣ ـﺛّﻝ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺎﻣﻳﺔ ،وﻟﻳس ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ
اﻟﻌرﺑﻳﺔ اﻟﻔﺻﺣﻰ0
113
وﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﻔﺗرة وﻓدت ﻋﻠﻰ ﻣﺻر اﻟﻔــرق اﻟﺗﻣﺛﻳﻠﻳﺔ ﻣن ﺳورﻳﺎ ،وﻟﺑﻧﺎن
،وأﻧﺷﺄت ﻟﻬﺎ ﻣﺳﺎرح ﺑﺎﻹﺳﻛﻧدرﻳﺔ ،واﻟﻘﺎﻫـ ـرة ،وﻫــذﻩ اﻟﻣﺳرﺣﻳﺎت اﻟﺗﻲ
ﻗﺎﻣوا ﺑﺗﻣﺛﻳﻠﻬﺎ ﻛﺎﻧت ﻣﺳرﺣﻳﺎت ﻣﻣﺻرة ،وﻣﻣــﺗﻌﺔ ﻟﻠﻣﺷﺎﻫد ،وارﺗﺑطـت
ﻓﻲ ﺑﻌض اﻷﺣﻳﺎن ﺑﺎﻟﺳﺟﻊ ،واﻟﺷﻌر 0
وﻣن اﻟﺟدﻳر ﺑﺎﻟذﻛر ّإﻧﻪ ﺑﺎﻟرﻏــم ﻣن ﺗﺗﺎﺑﻊ اﻟﻔرق اﻟﺷﺎﻣﻳﺔ واﻟﻣﺻرﻳﺔ
وﺗﻘدﻳﻣﻬﺎ ﻟﻣﺳرﺣﻳﺎﺗﻬﺎ ﻋﻠﻰ أراﺿﻲ ﻣﺻر إﻻ ّأﻧﻪ وﺟد ﻧﻔـو ار ﻣــن اﻟطﺑﻘﺔ
اﻟﻣﺣﺎﻓظﺔ ٕ ،واﺣﺟﺎم ﻣن اﻟﻣرأة ﺗﺟﺎﻩ اﻟﻣﺳرح 0
وظﻬر ﺟورج أﺑﻳض ﺑﻌد أن درس ﻓن اﻟﻣﺳ ـرح ،وأﺻــوﻟﻪ
ﻓﺎرﺗﻘﻰ ﻋـﻠﻰ ﻳدﻳﻪ ،وﻗدﻣت ﻟﻪ ﻋدة ﻣﺳرﺣﻳﺎت ﻣﻧﻬﺎ )ﻣﺻر اﻟﺟدﻳدة (
ﻋرب ﻟﻪ ﺧــﻠﻳﻝ ﻣطران ﺑﻌض رواﻳﺎت ﺷﻛـﺳﺑﻳر
ﻟـﻔـرج أﻧطون ،ﻛــﻣﺎ ّ
ﻣﺛﻝ :ﺗﺎﺟر اﻟﺑﻧدﻗﻳﺔ ـ ﻋطﻳﻝ 000
وﻣن ﺛم ﺑدا ﻟﻧﺎ اﻟﺗﺄﺛر ،واﻟﺗﺄﺛﻳر ﺑﻳن اﻵداب اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ 0
ﺛم ﻛﺎن )ﻳوﺳف وﻫﺑﻲ ( ﻓﻘد أﻓﺗﺗﺢ ﻣﺳرح رﻣﺳﻳس ﺳﻧﺔ 1923م ،
وﻗﺎم ﺑﺗﻣﺛﻳﻝ ﻣﺎ ﻳﻘرب ﻣن ﻣﺎﺋﺗﻲ ﻣﺳرﺣﻳﺔ ،واﻟﺗﻲ ﻋﻧﻳت ﺑﺎﻟﺗراﺟﻳدﻳﺎ ،
ﺑﻳﻧﻣﺎ اﻫﺗم ﻧﺟﻳب اﻟرﻳﺣﺎﻧﻲ ،وﻋﻠﻰ اﻟﻛﺳﺎر ﻓﻲ اﻟﺗﻣﺛﻳﻝ اﻟﻬزﻟﻲ ،وﻛﺎﻧت
اﻟﻛوﻣﻳدﻳﺎ ﻋﻠﻰ ﻳدﻳﻬﻣﺎ ﻛوﻣﻳدﻳﺎ اﺟﺗﻣﺎﻋﻳـ ـﺔ ﺗﻌﻧﻲ ﺑﺎﻟﻧـﻘد اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ اﻟﻬﺎدف
0
وﻓﻲ ﺳﻧﺔ ) 1934م ( ﺗﻧﺷﺊ اﻟدوﻟﺔ اﻟﻔرﻗﺔ اﻟﻘوﻣﻳﺔ ﻛﻣﺎ ﺗﻧﺷﺊ اﻟﻣﻌﻬد
اﻟﻌﺎﻟﻲ ﻟﻠﺗﻣﺛﻳﻝ ،ﻏﻳر أن اﻟرﻛود اﻟذي ﺑدأ ﻣﻧذ ﻋﺎم ) 1928م ( ﻣﺎزاﻝ
114
وﺗﻧﺗﻣﻲ ﻣﺳرﺣﻳﺔ " اﻟطﻌﺎم ﻟﻛﻝ ﻓم " إﻟﻰ ﻣﺳرح " اﻟﻼﻣﻌﻘوﻝ "0
" ﻟﻳس ﻣﻌﻧﺎﻩ ﻋﻧدي اﻟﻐﻣوض ،أو اﻟﺗﻌﺑ ـﻳر ﻋن اﻧﺣﻼﻝ اﻹﻧﺳﺎن
اﻟﻣﻌﺎﺻر ّ 0إﻧﻲ اﻋﺗﺑر ذﻟك أﺳوأ ﻣﺎ ﻓﻳﻪ ،وﻛﻝ ﻣﺎ ﻳﻬﻣﻧﻲ ﻣﻧﻪ ﻟﻳ ـس
ﺷطﺣﺎﺗﻪ ﺑﻝ ﺣرﻳﺔ اﻟﺗﺣرك ﻓﻳﻪ" ) ، (1وأﻣﺎ ﻣﺳرﺣﻳﺔ " اﻟطﻌﺎم ﻟﻛﻝ ﻓم "
) 1963م( ﻓﺗﻣﺛّﻝ ﻣﺳ ـ ـرح اﻟﻼﻣﻌﻘوﻝ ،ﻓﻘ ـد ﺣﺎوﻝ ﺗوﻓﻳ ـق اﻟﺣﻛﻳم ﻓﻳﻬﺎ
ﻣواﻛﺑﺔ ﺗﻘﻧﻳﺔ اﻟﻣﺳ ـرح اﻟﺟدﻳد ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم ﻣﺗﺄﺛ ار ﺑﺎﻟـﻐرب
)(1
ﻣﺳرﺣﻳﺔ اﻟطﻌﺎم ﻟﻛﻝ ﻓم ﻟﺗوﻓﻳق اﻟﺣﻛﻳم 182اﻟﻔﺟﺎﻟﺔ ﺑدون ﺗﺎرﻳﺦ 0
116
ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن أن اﻟﻘﺻﻳدة اﻟﻌرﺑﻳﺔ اﻟﻘدﻳﻣﺔ ﻟم ﺗﻘم ﻟﻬﺎ وﺣدة ﻓﻧﻳﺔ ،ﻓﻳﻣﺎ
ﻳﻔﻬم ﻣن ﻣﻌﻧﻰ اﻟوﺣدة اﻟﻔﻧﻳﺔ اﻵن ،ﻗد ﻛﺎﻧت ﻣﻊ ذﻟك ﻣﺗﺄﺛرة ﻓﻲ ﻧظﻣﻬﺎ
ﺑواﻗﻊ اﻟﺣﻳﺎة اﻟﻌرﺑﻳﺔ 0ﻓﻬﻲ ﻋدة أﻏراض ﻳرﺑط ﺑﻳﻧﻬﺎ ﺧﻳط ﻧﻔﺳﻲ دﻗﻳق
ﻳﺳﺗﻌﻳرﻩ اﻟﺷﺎﻋر ﻣن ﺗﺟرﺑﺗﻪ ﻓﻲ ﻣﺟرى ﻋﻳﺷﻪ 0وﻏﺎﻟﺑﺎ ﻣﺎ ﻛﺎﻧت ﺗﺑدأ
ﺑﺎﻟوﻗوف ﻋﻠﻰ اﻷطﻼﻝ ،واﻻﺳﺗﺑﻛﺎء ،واﻟﺑﻛﺎء ﻋﻠﻳﻬﺎ ﻣﻊ وﺻﻝ ذﻟك
ﺑﺎﻟﻧﺳﻳب ،وذﻛر اﻟوﺟد واﻟﺻﺑﺎﺑﺔ ،ﺛم وﺻف اﻹﺑﻝ اﻟﺗﻲ وﻗف ﻋﻠﻳﻬﺎ
اﻟﺷﺎﻋر ﺣﻳن ﺑﻛﻰ واﺳﺗﺑﻛﻰ ،ﺛم وﺻف اﻟرﺣﻠﺔ ،وﺷﻛوى اﻟﻧﺻب
واﻟﺳﻬر وﻣﻛﺎرﻩ اﻟﻣﺳﻳر ؛ ﻟﻳوﺟب اﻟﺷﺎﻋر ﻋﻠﻰ ﻣﻣدوﺣﻪ ﺑﻌد ذﻟك ﺣق
)(1
اﻟرﺟﺎء ،و اﻟﺗﺄﻣﻳﻝ 0
)(1
ﻓﻲ اﻟﻧﻘد اﻟﺗطﺑﻳﻘﻲ واﻟﻣﻘﺎرن ﻟﻣﺣﻣد ﻏﻧﻳﻣﻲ ﻫﻼﻝ )دﻛﺗور ( 32ﻧﻬﺿﺔ ﻣﺻر
اﻟﻘﺎﻫرة ﺑدون ﺗﺎرﻳﺦ 0
117
وﻛﻣﺎ ذﻛر اﺑن ﻗﺗﻳﺑﺔ ﻓﻘﺎﻝ)"(2إن ﻣﻘﺻد اﻟﻘﺻﻳد ّإﻧﻣﺎ اﺑــﺗدأ ﻓﻳﻬﺎ ﺑذﻛر
اﻟدﻳﺎر ،واﻟدﻣن واﻵﺛﺎر ﻓﺑﻛﻰ وﺷﻛﺎ ،وﺧﺎطب اﻟرﺑــﻊ ،واﺳﺗوﻗف اﻟرﻓﻳق
ﻟﻳﺟﻌﻝ ذﻟك ﺳﺑﺑﺎ ﻟذﻛر أﻫﻠﻬﺎ اﻟظﺎﻋﻧﻳن ) ﻋﻧﻬﺎ ( إذ ﻛﺎن ﻧﺎزﻟﺔ اﻟﻌﻣد ﻓﻲ
اﻟﺣﻠوﻝ ،واﻟظﻌن ﻋﻠﻰ ﺧﻼف ﻣﺎ ﻋﻠﻳﻪ ﻧــﺎزﻟﺔ اﻟﻣدر ﻻﻧﺗﻘﺎﻟﻬم ﻋن ﻣﺎء
إﻟﻰ ﻣﺎء واﻧﺗﺟﺎﻋﻬم اﻟﻛﻸ ،وﺗﺗﺑﻌﻬم ﻣﺳﺎﻗط اﻟﻐﻳث ﺣﻳث ﻛﺎن ﺛم وﺻﻝ
ذﻟك ﺑﺎﻟﻧﺳﻳب ﻓﺷﻛﺎ ﺷدة اﻟوﺟد ،وأﻟ ــم اﻟﻔراق ،وﻓرط اﻟﺻﺑﺎﺑﺔ ،واﻟﺷوق
ﻟﻳﻣﻳﻝ ﻧﺣوﻩ اﻟﻘﻠوب ،وﻟﻳﺳﺗدﻋﻲ إﺻﻐﺎء اﻷﺳﻣﺎع ؛ ﻷن اﻟﺗﺷﺑﻳب ﻗرﻳب
ﻣن اﻟﻧﻔوس ﻻﺋط ﺑﺎﻟﻘـﻠوب ﻟﻣﺎ ﺟﻌﻝ اﷲ ﻓﻲ ﺗرﻛﻳب اﻟﻌﺑﺎد ﻣن ﻣﺣﺑﺔ
اﻟﻐزﻝ ،وأﻟف اﻟﻧﺳﺎء ﻓﻠﻳس ﻳﻛﺎد أﺣد ﻳﺧﻠو ﻣن أن ﻳﻛون ﻣﺗﻌﻠﻘﺎ ﻣﻧﻪ
ﺑﺳﺑب ،وﺿﺎرﺑﺎ ﻓﻳﻪ ﺑﺳﻬم ﺣﻼﻝ ،أو ﺣرام ﻓﺈذا اﺳﺗوﺛق ﻣن اﻹﺻﻐﺎء
إﻟﻳﻪ واﻻﺳﺗﻣﺎع ﻟﻪ ﻋﻘّب ﺑﺈﻳﺟـﺎب اﻟﺣﻘوق ﻓرﺣﻝ ﻓﻲ ﺷﻌرﻩ وﺷﻛﺎ اﻟﻧﺻب ،
واﻟﺳﻬر ،وﺳـرى اﻟﻠﻳﻝ ،وﺣر اﻟﻬﺟﻳر ٕواﻧﺿﺎء اﻟراﺣﻠﺔ ،واﻟﺑﻌﻳر ،ﻓﺈذا
ﻋﻠم ّأﻧﻪ ﻗد أوﺟب ﻋﻠﻰ ﺻﺎﺣﺑﻪ ﺣق اﻟرﺟﺎء وذﻣﺎﻣﺔ اﻟﺗﺄﻣﻳﻝ ،وﻗرر ﻋﻧد
ﻣﺎ ﻧﺎﻟﻪ ﻣن اﻟﻣﻛﺎرﻩ ﻓﻲ اﻟﻣﺳﻳر ﺑدأ ﻓﻲ اﻟﻣدﻳﺢ ﻓﺑﻌﺛﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻛﺎﻓﺄة ،وﻫ ـزﻩ
وﺻﻐر ﻓﻲ ﻗدرﻩ اﻟﺟزﻳﻝ ،ﻓﺎﻟﺷﺎﻋر
ّ ﻟﻠﺳﻣﺎح ،وﻓﺿﻠﻪ ﻋﻠﻰ اﻷﺷﺑﺎﻩ ،
وﻋدﻝ ﺑﻳن ﻫذﻩ اﻷﻗﺳﺎم 0
اﻟﻣﺟﻳد ﻣن ﺳﻠك ﻫذﻩ اﻷﺳﺎﻟﻳب ّ ،
)(2
اﻟﺷﻌر واﻟﺷﻌراء ﻻﺑن ﻗﺗﻳﺑﺔ ﺻـ 15 ،14دار ﺻﺎدر ﻟﺑﻧﺎن 0 1903
118
ﻛﻣﺎ ﺑرز ﻫذا اﻟﻠون ﻣن اﻷدب ﻋﻧد ﺷﻌراء اﻷﻧدﻟس ،ﻓﻘد ﺑﻛوا ﻣﻣﺎﻟﻛﻬم
اﻟزاﺋﻠﺔ ،وﺣﺿﺎرﺗﻬم اﻟﺑﺎﺋدة 0
وﻗد ﺗﺄﺛر اﻟﻔرس ﻓﻲ ﺑﻛﺎء اﻷطﻼﻝ ﺑﺎﻟﻌرب ﻓﻣﻧﻬم اﻟﺷﺎﻋر اﻟﻔﺎرﺳﻲ
) أﺑو اﻟﻧﺟم أﺣﻣد ﺑن ﻗوص ( اﻟﻣﻠﻘب ﺑـ ) ﻣﻧوﺟﻬري ( )ت ( 423ﻓﻘد
ﺣﺎﻛﻰ ﺷﻌراء اﻟﺑﺎدﻳﺔ ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟظﺎﻫرة ﻣﺗرﺳﻣﺎ ﺧطو اﻣرئ اﻟﻘﻳس ﻓﻲ
ﺑﻛﺎﺋﻪ اﻷطﻼﻝ ،وﻓﻲ ﻧﺣر ﻧﺎﻗﺗﻪ ﻟﻠﻌذراى ،ﻓﻛﺎن ﻣﺗﺄﺛ ار ﺑﻪ ،وﻗـد ﺗﺄﺛر
ﺑـ) زﻫﻳر ﺑن أﺑﻲ ﺳﻠﻣﻰ ( ،و ) طرﻓﺔ (0
وﻗد ﺣﺎﻛﻰ اﻟﺷﺎﻋر اﻟﻔﺎرﺳﻲ ) ﻓﺿﻝ اﻟدﻳن اﻟﺧﺎﻗﺎﻧﻲ ( ﻣن ﺷﻌـراء
اﻟﻘرن اﻟﺳﺎدس ﻋﺷر اﻟﻬﺟري ،ﻓﻘد ﺣﺎﻛﻰ ) اﻟﺑﺣﺗري ( ﻓﻲ وﻗوﻓﻪ ﻋﻠﻰ
إﻳوان ﻛﺳرى ﻏﻳر أن وﻗﻔﺗﻪ ﻛﺎﻧت روﺣﻳﺔ ﺻوﻓﻳﺔ ﻳﺳﺗﺟﻠﻲ ﻓﻳﻬﺎ اﻟﻌظﺔ
وﻳﺗﻠﻣس ﻣﻧﻬﺎ اﻟﻌﺑرة 0
وﻣن ﺧﻼﻝ ﻣﺎ ﺳﺑق رأﻳﻧﺎ ﻛﻳف ﺗطور ﻫذا اﻟﺟﻧس اﻷدﺑﻲ ﻣن ﺑﻛـﺎء
ﻋﻠﻰ اﻷطﻼﻝ إﻟﻰ اﻟوﻗوف ﻋﻠﻰ اﻵﺛﺎر ،ﻓﺄﺻﺑﺢ ﻓﻧﺎ ﻣن ﻓﻧـون اﻷدب
ﻓﻌﺑر ﻋن روح اﻟﺟﻣﺎﻋﺔ ،وﻣﺛـﻝ ﻣﺳﺗﻘﻼ ،ﻓﺗﻌﺎﻫدﺗﻪ اﻷﻣم ﺑﺎﻟﺗﻬذﻳب ّ ،
اﻟروح اﻟﻘوﻣﻲ ﺑﻌدﻣﺎ ﻛﺎن ﻳﺣﻛﻲ اﻟروح اﻟﻔـردي ،ﻓﻛـﺎﻧت ظﺎﻫـرة اﻟﺗﺄﺛﻳ ـر ،
)(1
واﻟﺗﺄﺛر ﻣن أﺑرز ﻗﺿﺎﻳﺎ اﻷدب اﻟﻣﻘﺎرن 0
)(1
راﺟﻊ ظﺎﻫرة اﻟﺗﺄﺛﻳر واﻟﺗﺄﺛر 0 114، 113
119
ﻓﺎﻟﻣﺳرﺣﻳﺔ ،أو اﻟﻘﺻﺔ ﺗﺟرﺑﺔ ﻻ ﻳﻧﻔـرد ﻓﻳ ـﻬﺎ ﻓـرد ،أو ﺣدث اﺟﺗﻣﺎﻋﻲ
ﻓﺈن إﻧﺗﺎج
ﻳﺟري ﻓﻲ ﻣﺟﻣوﻋﺔ ﺗﺗﺻﺎرع ﻓﻳﻬﺎ ﻗوى ﺣﻳوﻳﺔ ،وﻣن ﺛم ّ
اﻟﻣﺳرح وﺗﻘﺑﻠﻪ ﻟﻳس ﻋﻣﻠﻳﺔ ﻓــردﻳـﺔ ٕ ،واّﻧﻣﺎ ﻫو ﻛﻣﺎ ﻳﻘ ـوﻝ ﺑﺎﺗرﻳس
) (1
"إن اﻟﻧص اﻟدراﻣﻲ ﻟﻳس ﻟﻪ ﻗﺎرئ ﻓرد ٕ ،وا ّن ّ◌ﻣﺎ ﻗراءة ﺟﻣﺎﻋﻳﺔ
ّ ﺑﺎﻓﻳس
"0
)(1
اﻟﻣﺳرح ﻓﻲ ﻣﻔﺗرق اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ ﺗرﺟﻣﺔ وﺗﻘدﻳم اﻟﺳﺑﺎﻋﻲ اﻟﺳﻳد ﺻـ 6و ازرة اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ
ﻣﻬرﺟﺎن اﻟﻘﺎﻫرة اﻟدوﻟﻲ ﻟﻠﻣﺳرح اﻟﺗﺟرﻳﺑﻲ ﺑدون ﺗﺎرﻳﺦ0
120
) (3راجع :موسيقى الشعر العربي دراسة فنية وعروضية د /حسني عبد الجلــيل
يوسف صـ 20الھيئة المصرية العامة للكتاب 0 1989
122
ﻓﻧﺷﺄة اﻷوزان ﻣﺗﺄﺛرة ﺑﺄذواق اﻟﺷﻌراء وﻣﻌﻳﺷﺗﻬم ،وﺗﺗ ـﺄﺛر أﻳﺿﺎ ﺑﺄوزان
اﻵداب اﻷﺧرى ،وﻟﻘد ﺗﺄﺛر اﻷدب اﻟﻔ ـﺎرﺳﻲ ﺑﺄوزان اﻷدب اﻟﻌرﺑﻲ ،ﻓﻠﻘد
أدﺧﻝ اﻟﻔرس وزﻧﺎ ﺟـدﻳد ﻓﻲ اﻟﺷﻌـر اﻟﻔﺎرﺳﻲ ،وﻫو )اﻟدوﺑﻳت( وﻣﻌﻧﺎﻩ
ﻷﻧﻪ ﻳﺷﺗﻣﻝ ﻋﻠﻰ أرﺑـ ـﻊ ﺷطرات ،واﻟدﺑﻳت ﻛﻠﻣﺔ
ﺑﺎﻟﻔﺎرﺳﻳﺔ ) اﻟﺑﻳﺗﺎن ( ؛ ّ
ﻓﺎرﺳﻳﺔ ﺗﺗرﻛب ﻣن ) دو( وﻣﻌـﻧﺎﻫﺎ اﺛﻧﺎن ﺛم ﻛﻠﻣﺔ ) ﺑﻳت( وﻫﻲ ﻋرﺑﻳﺔ 0
وأوزان اﻟدوﺑﻳت ﻛﺛﻳرة ،وﻣﻧﻬﺎ :
" ﻓﻌﻠن ﻣﺗﻔﺎﻋﻠن ﻓﻌوﻟن ﻓﻌﻠن "
وﻣن أﻣﺛﻠﺗﻪ :
(1ﻋﻣﻠﻲ وﺗوﺟﻬـﻲ ﻟرﺑﻲ دوﻣﺎ * ﺳﻧـدي وﻋدﺗﻲ أراﻫﺎ ﻳوﻣ ــﺎ
ﺑﻐد وزن ﻓﻳﻪ ﻓﻌ ــﻠﻲ ﺣﺗﻣﺎ * ﻓﻬﻧﺎك ﻳرى اﻟﻔﺗﻰ اﻟﻣﺻﻳب اﻟﻧﻌﻣﻰ
(2ﻟو ﺻﺎدف ﻧوح ﻋﻳﻧﻲ ﻏرﻗـﺎ * أو ﺻﺎدف ﻟوﻋﺗﻲ اﻟﺧﻠﻳﻝ اﺣﺗـرق
وﺧر ﻣوﺳﻰ ﺻﻌـ ـﻘﺎ
أو ﺣﻣﻠت اﻟﺟﺑـﺎﻝ ﻣﺎ اﺣﻣـﻠﻪ * ﺻﺎر دﻛﺎ ّ
ﺗﻘطﻳﻊ اﻟﺑﻳت اﻷوﻝ :
ﻋﻣﻠﻲ وﺗوﺟﻬﻲ ﻟرﺑﻲ دوﻣﺎ
دومن و ت وج ج ﻫـ ي ﻝ ر ب ب ي عمﻝي
123
) (1حسني عبد الجليل يوسف ) دكتور ( في كتابه موسيقى الشعــــــر العــــربـــي
218 / 2
124
ث ﻫـ م ى ثاذﻝغي جادكﻝغي
ﻓﻌﻼ ﻓﻌﻼﺗن ﻓﺎﻋﻼﺗن
ﻳﺎ زﻣﺎن اﻟوﺻﻝ ﺑﺎﻷﻧدﻟس
دﻝس وصﻝبﻝان يازمانﻝ
ي
ﻓﻌﻼ ﻓﺎﻋﻼﺗن ﻓﺎﻋﻼﺗن
ﻓﺎﻟﻣوﺷﺣﺔ ﻣن ﺑﺣر اﻟرﻣﻝ ،وﻋروﺿﻬﺎ ) ﺛﻬﻣﻲ( ﻣﺧﺑـ ــوﻧﺔ ﻣﺣذوﻓﺔ ،
واﻟﺿرب ) دﻟﺳﻲ ( ﻣﺧﺑون ﻣﺣذوف 0
(2ﻣﺎ ﻟم ﻳواﻓق اﻟﺑﺣور اﻟﺧﻠﻳﻠﻳﺔ ،وﺟﺎء ﻋﻝ ﻏـﻳر أوزان أﺷـﻌﺎر
اﻟﻌرب ،وﻫو اﻟﺟم اﻟﻐﻔﻳر ﻣن اﻟﻣوﺷﺣﺎت ،وﻗــد وردت ﻟﻪ ﻋدة
ﺻور ﻫﻲ :
أ ـ اﻟﻣزج ﺑﻳن اﻷﺑﺣر اﻟﺧﻠﻳﻠﺔ اﻟﻣﺳﺗﻌﻣﻠﺔ 0
وﻣن أﻣﺛﻠﺗﻪ:
ﻓﻣـ ــﺎ ﺗﺳ ــﺄﻟﻧﻲ ﻋــﻧﻪ *** وﻻ ﺗﺑ ـ ــﺎﻟ ـ ـﻲ
ﻟ ــﻘد ﺣﻣﻠﺗـ ــﻧﻲ ﻣ ــﻧﻪ *** ﻓوق اﺣﺗﻣـ ـ ــﺎﻟـﻲ
واﻟﻣوﺷﺣﺎت ﺑﺄوزاﻧﻬﺎ اﻟﻣﺗﻧوﻋﺔ ﻣﻧﻬﺎ ﻣﺎ ﺗﺳﺗﺳﻳﻐﻪ اﻷذن اﻟﻌ ـرﺑﻳﺔ ،
ﻋﻣﺎ أﻟﻔت ﻣن ﻧﻐم ﻣوﺳﻳﻘــﻲ ،وﻣﻧﻬﺎ
وﺗرﺗﺎح إﻟﻳﻬﺎ ،وﻻ ﺗرى ﻓﻳﻪ ﺧروﺟﺎ ّ
126
)(1
؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻻ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﺿطرب اﻟوزن ﻣﻬﻠﻬﻝ اﻟﻧﺳﺞ ﻣﻔﻛك اﻟﻧظـم 000
ﺗﻌطﻲ إﻳﻘﺎﻋﺎ ﻣوﺳﻳﻘﻳﺎ ،أو ﺗﺗﺟﺎوب اﻷﻧﻐﺎم ﻓﻳﻪ 0
أﻣﺎ اﻟزﺟﻝ :ـ
وﻫو ﻓن أﻧدﻟﺳﻲ ـ أﻳﺿﺎ ـ اﺧﺗرﻋﻪ رﺟﻝ ﻳﻘـﺎﻝ ﻟﻪ اﺑن ﻗزﻣﺎن وﻗد
ﻋرف ﻗدﻳﻣﺎ ﺑﺈﻣﺎم اﻟزﺟﻠﻳن ٕ ،وان ﻛﺎن ﻳﻘﺎﻝ أن رﺟﻼ ﻳﺳـﻣﻰ راﺷد
ﺳﺑﻘﻪ ﻓﻲ اﺧﺗراع اﻟزﺟﻝ ،وﻟﻛن اﺑن ﻗزﻣﺎن ﻏـﻠب ﻋﻠﻳــﻪ ﺑﺑراﻋﺗﻪ ﻓﻲ
ﺗﺄﻟﻳف اﻷزﺟﺎﻝ ،وأوزان اﻷزﺟﺎﻝ أﻛﺛر ﻣن أن ﺗﺣﺻﻰ ﻓﻲ ﻣﺛﻝ ﻫذا
ﻷﻧﻬم ﻗﺎﻟوا ﺻﺎﺣب أﻟف وزن ﻟﻳس ﺑزﺟﺎﻝ ،وﻛﺎﻧت ﻧﺷﺄة
اﻟﻣﺟﺎﻝ ؛ ّ
اﻷزﺟﺎﻝ ﻣﺗﺄﺧرة ﻓﻲ ظﻬورﻫﺎ ﻋن اﻟﻣوﺷﺣﺎت ،وﻟﻛن اﻟﻔرق ﺑﻳن اﻟزﺟﻝ
واﻟﻣوﺷﺢ ،أن اﻟزﺟﻝ ﻋﺑﺎرة ﻋن أﺑﻳﺎت ﻛﻝ ﻣﻧﻬﺎ ﻳﺗﻛون ﻣن ﺷطرة
أن ﻣﻌظـم ﺷﻌراء اﻷﻏﺎﻧﻲ
واﺣدة ،وﻋﻧدﻣﺎ ﻧﺗﺄﻣﻝ ذﻟك ﻓﺈﻧﻧﺎ ﻧﺟد ّ
اﻟﺷﻌﺑﻳﺔ ﻓﻲ ﻣﺻر ﻗد ﻛﺗﺑوا اﻟزﺟﻝ ،ووﺿـﻌت ﻟﻪ اﻷﻟﺣﺎن ،وﺗﻐﻧﻰ
ﺑﻪ اﻟﻣﻐﻧون 0
وﻣن أﻣﺛﻠﺔ ﻫذﻩ اﻷزﺟﺎﻝ اﻟﺟﻣﻳﻠﺔ اﻟﻬﺎدﻓﺔ ،ذﻟك اﻟزﺟـ ــﻝ 0
ﻟﺑرﻳم اﻟﺗوﻧﺳﻲ :
ﺷﻣس اﻷﺻﻳﻝ دﻫﺑت ﺧوص اﻟﻧﺧﻳﻝ ﻳﺎ ﻧﻳﻝ
ﺗﺣﻔﺔ وﻣﺗﺻورة ﻓﻲ ﺻﻔﺣﺗك ﻳﺎ ﺟ ــﻣﻳﻝ
وﻛﻣﺎ ﻧرى ﺗﺗﻔق ﻗﺎﻓﻳﺔ اﻟﺑﻳت اﻷوﻝ ﻣﻊ اﻟﺛﺎﻧﻲ ،واﻟﺑﻳت اﻟﺛـﺎﻟث ﻣﻊ
اﻟراﺑﻊ وﻫﻛذا 0واﻟﻘﺻﻳدة ﻣﻠﺗزﻣﺔ ﺑوﺣدة اﻟوزن ،وﻫﻲ ﻣن ﺑﺣر اﻟرﻣﻝ
وأﺟزاءﻩ :
ﻓﺎﻋﻼﺗن ﻓﺎﻋﻼﺗن ﻓﺎﻋﻼ *** ﻓﺎﻋﻼﺗن ﻓﺎﻋﻼﺗن ﻓﺎﻋﻼ
(1اﻟﺷﻌر اﻟذي ﺗﺗﻘﺎطﻊ ﻓﻳﻪ اﻟﻘواﻓﻲ ﻣﻠﺗـزﻣﺔ ﺑوﺣ ــدة اﻟوزن ،وﻣﻌﻧﻰ
ﺗﻘﺎطﻊ اﻟﻘواﻓﻲ أي ﺗﺟﻲء ﻗﺎﻓﻳﺔ اﻟﺑﻳت اﻷوﻝ ﻣ ـواﻓﻘﺔ ﻟﻘﺎﻓﻳﺔ اﻟﺑﻳت
اﻟﺛﺎﻟث ،وﻗﺎﻓﻳﺔ اﻟﺑﻳ ـت اﻟﺛــﺎﻧﻲ ﻣﺗﻔﻘﺔ ﻣﻊ ﻗﺎﻓﻳﺔ اﻟﺑﻳت اﻟراﺑﻊ وﻫﻛذا
)(1
وﻣﻣﺎ ﻳﻣﺛﻝ ﻫذا اﻟﻠون اﻟﺷﻌري اﻟذي ﺗﺗﻘﺎطﻊ ﻓﻳﻪ اﻟﻘـواﻓﻲ ﻗــوﻝ
اﻟﺷﺎﻋر :
(1أراد اﷲ أن ﻧﻌﺷق ﻟﻣﺎ أوﺟد اﻟﺣﻳــﻧﺎ
(2وأﻟﻘﻰ اﻟﺣب ﻓﻲ ﻗﻠﺑك إذ أﻟﻘﺎﻩ ﻓﻲ ﻗﻠﺑﻲ
(3أرادﺗﻪ وﻣﺎ ﻛﺎﻧت أرادﺗﻪ ﺑﻼ ﻣﻌــﻧﻰ
(4ﻓﺈن أﺣﺑﺑت ﻣﺎ ذﻧﺑك أو أﺣﺑﺑت ﻣﺎ ذﻧﺑﻲ
ﻓﺎﻷﺑﻳﺎت اﻟﺳﺎﺑﻘﺔ ﺗﺗﻘﺎطﻊ ﻓﻳﻬـﺎ اﻟﻘواﻓﻲ ﻓﻘﺎﻓﻳـﺔ اﻟﺑﻳــت اﻷوﻝ
) اﻟﺣﻳﻧﺎ ( ﻣﺗﻔﻘﺔ ﻣﻊ ﻗﺎﻓﻳﺔ اﻟﺑﻳت اﻟﺛـﺎﻟث ) ﻣﻌﻧﻰ ( ،وﻗﺎﻓﻳــﺔ
اﻟﺗﺄﺛﻳرات اﻷﺳﻠوﺑﻳﺔ
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
إن
وﺗﺑدو اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻳن اﻟﻠﻐﺔ ،واﻷﺳﻠوب ﻋﻼﻗﺔ ﺑدﻳﻬ ـﻳﺔ ﺣﻳ ـث ّ
اﻷﺳﻠوب ﻫو " طرﻳﻘﺔ اﻟﺗﻌﺑﻳر اﻟﻔﻧﻲ " ) ( 1ﻓﺈن اﻻرﺗﺑﺎط ﺑﻳن اﻟﻠﻐ ـﺔ ،
واﻷﺳﻠوب ارﺗﺑﺎط وﺛﻳق ﻓﺎﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻳن اﻟﻠﻐﺔ ،واﻷﺳﻠوب ﻋﻼﻗﺔ ﺗﻛﺎﻣﻠﻳﺔ ﻓﻼ
ﻏﻧﻰ ﻷﺣدﻫﻣﺎ ﻋن اﻵﺧر 0
ﻓﺎﻷدﻳب ﻳﺟب أن ﻳﻛون ﺻﺎﺣب ﺻﻳﺎﻏﺔ ﻟﻐوﻳﺔ ﺟﻣﻳﻠﺔ ﻓـﻳؤﻟف ﺑﻳن
أﻟﻔﺎظﻪ ،وﺗراﻛﻳﺑﻪ ﻓﻳﺟﻌﻠﻬﺎ وﺳﻳﻠﺔ ﻣن وﺳﺎﺋﻝ اﻟﺗﻌﺑﻳر ذﻟك ﻷن اﻷﺳﻠوب
ﻫو" اﻟﻣذﻫب ،واﻟﻧظم ،واﻟطرﻳﻘﺔ " ) 0( 2
) ( 1المنھج األسلوبي في النقد األدبي في مصر مديحة جابر السايح ) دكتورة ( ــ
60ــ ط األولى ــ الھيئة العامة لقصور الثقافية ــ 2003م 0
) ( 2في األدب والنقد لمحمد مندور ) دكتور ( ــ 6ــ لجنة التـأليف ــ القاھرة ــ
1952م 0
135
ﻏﻳر أﻧﻪ وﺟدت أﺳﺎﻟﻳب ﻛﺛﻳرة ﻣﺗﺄﺛرة ﺑﺎﻟﻣؤﺛرات اﻷﺟﻧﺑﻳﺔ ،ﻓـﺄدى ذﻟك
إﻟﻰ اﻟدراﺳﺎت اﻟﻣﻘﺎرﻧﺔ ﻟﻸﺳﻠوب ،وﻣن ﺛم ﺑرزت ظﺎﻫرة اﻟﺗﺄﺛﻳر واﻟﺗﺄﺛر
،ﻓﻧرى ﻣﻘدار ﺗﺣﻘﻘﻬﺎ ﻓﻲ ﻫذا اﻟﺟﻧس اﻷدﺑﻲ 0
) ( 1مداخل إلى علم الجمال األدبي لعبد المنعم تليمة ) دكتور ( ــ 112ــ ط األولى
ــ دار الثــقافة ــ 1978م 0
)(2
اﻷدب وﻓﻧوﻧﻪ ) دراﺳﺔ وﻧﻘد ( ـ 0 42
136
ووﻗﻔﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﺗﺄﺛر اﻷدب اﻟﻔﺎرﺳﻲ ﺑﺎﻷدب اﻟﻌرﺑﻲ ،ووﻗﻔﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﻣدى
اﻟﺗﺄﺛر ﺑﺎﻟﻣﻘﺎﻣﺎت اﻟﻌرﺑﻳﺔ ،وﻣﺎ أﺣدﺛﻪ ذﻟك ﻣن ﺗطور ﻓﻲ اﻟﻣﻘ ـﺎﻣﺎت
اﻟﻔﺎرﺳﻳﺔ ﻓﻲ ﻋدم اﻷﺧذ ﺑﺎﻟﺑطﻝ اﻟواﺣد أو اﻟراوي اﻟواﺣد ،وﻗد ﻧـدر اﻟﺗﺄﺛر
اﻟﻌرﺑﻲ ﺑﺟﻧس اﻟﻣﻠﺣﻣﺔ 0
وأﻳﺿﺎ ﻓﺈﻧﻧﺎ ﻧﻠﺣظ ﺗﺄﺛر اﻟﺷﻌراء اﻟﻌرب ،ﺑﺎﻷدب اﻟﻔﺎرﺳﻲ ،ﻓﻛـﺎن اﺑن
اﻟروﻣﻲ ﻳﺄﺧذ ﻣن ﺣﻛم ) ﺟﻬرام ﺟور ( وﻳﻧظﻣﻬﺎ ﺷﻌ ار 0
وﻛذﻟك ﻛﺎن اﻷﻣر ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﻠﻣﻌﺎﻧﻲ اﻟﻬﻧدﻳﺔ ) إن اﻟﺷﻲء إذا أﻓرط ﻓﻲ
اﻟﺑرد ﻋﺎد ﺣﺎ ار ﻣؤذﻳﺎ ( ﻓﺄﺧذ أﺑو ﻧواس ﻫذﻩ اﻟﺣﻛﻣﺔ ،وﺟ ـﺎءت ﻓﻲ ﻗوﻟﻪ :
وﻟﻬذا ﻛﺎن اﻟﺗﺄﺛﻳر ﻋﺎﻣﻼ ﺛﺎﻧوﻳﺎ ؛ ﻷﻧﻪ ﻣن ﺧﺻﺎﺋص اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻘوﻣﻳﺔ ،
)(1
وﻣﻘوﻣﺎﺗﻬﺎ ﻓﻔﻳﻪ ﺗظﻬر ﺷﺧﺻﻳﺔ اﻟﻛﺎﺗب ،وﻳظﻬر طﺎﺑﻌﻪ اﻟﺧﺎص 0
وﻓﻲ ﺧﺗﺎم ﻫذﻩ اﻟدراﺳﺔ ﻳﺟدر ﺑﻧﺎ أن ﻧذﻛر أﻫم اﻟﻌواﻣﻝ اﻟﻣـؤﺛرة ﻓﻲ
ﺣﻳﺎة اﻷدب :
2ـ اﻟزﻣﺎن اﻷدﺑﻲ ـ ﻳﻠﻲ ذﻟك اﻧﺗﻘﺎﻝ اﻷﻣﺔ ﻣن طور إﻟﻰ آﺧـ ـر أو ﺗدرﺟﻬﺎ
ﻣن اﻟﺑداوة إﻟﻰ اﻟﺣﺿﺎرة 0
)(1
راﺟﻊ :ظﺎﻫرة اﻟﺗﺄﺛﻳر واﻟﺗﺄﺛر 0 150 : 148
138
5ـ اﻟدﻳن ،وﻻ ﻳﺷك أﺣد ﻓﻲ ﺳﻠطﺎﻧﻪ اﻟﻘوي ﻓﻲ اﻵداب ،ورﺑﻣﺎ ﻛﺎن
اﻟﺑﺎﻋث اﻷﺳﺑق ﻋﻠﻰ اﺑﺗﻛﺎر اﻷﻧﺎﺷﻳد اﻟدﻳﻧﻳﺔ 0
7ـ وﻫﻧﺎك أﺳﺑﺎب أﺧرى ﺗﻔﻳد اﻷدب ﻧذﻛر ﻣﻧﻬﺎ اﻟﻧﻘد اﻟذي ﻳﺄﺧـذ ﺑﻳد
)(1
اﻷدﺑﺎء ،وﻳرﺷدﻫم إﻟﻰ اﻟﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﺻﺎﻟﺣﺔ 000
)(1
راﺟﻊ :أﺻوﻝ اﻟﻧﻘد اﻷدﺑﻲ ﻷﺣﻣد اﻟﺷﺎﻳب 91 : 83اﻟطﺑﻌﺔ اﻟﻌﺎﺷرة ﻣﻛﺗﺑﺔ
اﻟﻧﻬﺿﺔ اﻟﻣﺻرﻳﺔ 1999م 0