Professional Documents
Culture Documents
تمهيد:
ع ُِرف عن نح اة العربي ة الق دماء أ ّنهم قس موا الكلم ة أقس اما ثالث ة؛ اس م وفع ل وح رف.
وكادوا يُج ِمعون على ذلك -بصريين وكوفيين " -جاء ذلك على لسان س يبويه ،والكس ائي،
والفراء ،والمبرد ،والزجّ اج ،وابن السرّ اج ،والزجّ اجي ،والفارسي ،والرمّاني ،وابن ف ارس،
والبطليوس ي ،والزمخش ري ،وابن األنب اري ،وابن يعيش ،وابن الح اجب ،وابن عص فور،
وابن مالك ،والرضي ،وابن هشام ،وابن الصائغ ،والسيوطي ،وغيرهم "( .)1قال سيبويه في:
" (هذا باب علم ما الكلم من العربية)؛ فالكلم اسم وفع ل وح رف ج اء لمع نى ليس باس م وال
فعل "( .)2وقال (ابن هشام األنص اري) " :الكلم ة جنس تحت ه ه ذه األن واع الثالث ة ال غ يرُ،
َث ،ورابطة أجمع على ذلك َمن يُع َت ُّد بقوله .قالوا ودليل الحصر أن المعاني ثالثة :ذات ،وحد ٌ
للحدث بالذات؛ فالذات االسم ،والح دث الفع ل ،والرابط ة الح رف .وأنّ الكلم ة إن دلّت على
محص ل
ّ معنى في غيرها فهي الحرف ،وإن دلت على معنى في نفسها ،فإن دلت على زمان
فهي الفعل ،وإال فهي االسم "( .)3إال أ ّن ه وُ ِج د فيهم من ق ال بخالف ذل ك ،ف رأى أنّ " أقس ام
الكلم أربعة؛ فأضاف إلى االسم والفعل والحرف قسما رابعا هو اسم الفعل ،س مّاه (الخالف ة)،
وب ذلك كس ر الط وق ال ذي فرض ه النح اة الق دماء على تقس يم الكلم "( .)4ولع ل م ر ّد ه ذا
االختالف ،اعتمادهم أسسا مختلف ة في التقس يم " ،فمنهم من راعى األس س الش كلية ..ومنهم
من راعى األسس الوظيفية ،أو ما يعبّر عنه النحاة المحدثون بالمع اني الوظيفي ة ،ومنهم من
جمع بين هذه وتلك "(.)5
1فاضل مصطفى الساقي .أقسام الكالم العربي من حيث الشكل والوظيفة .مكتبة الخانجي .القاهرة .مصر1397 .هـ /
1977م .ص.34 /33 :
2أبي بشر عمرو بن عثمان بن قنبر .كتاب سيبويه .تحقيق عبد السالم هارون .المجلد األول .عالم الكتب .بيروت .لبنان.
ط 1403 .3هـ 1983 /م .ص.12 :
3ابن هشام األنصاري .شرح شذور الذهب في معرفة كالم العرب .المعاهد األزهرية .ط 1385 .10هـ 1965 /م .ص:
.14 /13
4روى األشموني عن الفراء أنه كان يسمي اسم الفعل (خالفة) ،وإن كان بعض المحدثين قد تعوّ دوا نسب ذلك إلى ابن
جابر األندلسي / .فاضل مصطفى الساقي .أقسام الكالم العربي من حيث الشكل والوظيفة .ص.34 :
5فاضل صالح السامرائي .الجملة العربية تأليفها وأقسامها .دار الفكر ناشرون وموزعون .عمان .األردن .ط 1427 .2هـ
2007 /م .ص.35 :
1
الحاجة إلى إعادة النظر في التقسيم:
إنّ ظهور قسم رابع عند النحاة القدماء ،كان مدعاة عند البعض إلعادة النظر في تقس يم
الكلم؛ فلقد بدت حيرة النحاة واضحة وهم يتعرّ ضون لهذا القسم ولم يتفق وا في ماهيت ه ،حيث
ع ّد بعضهم أسماء األفعال " أسماء حقيقية ،وأعطى الدليل على ذلك قب ول ألفاظه ا لعالم ات
االسم ،وأبرزها التنوين ،وأنه ا ال تقب ل عالم ات الفع ل .ومنهم من اعتبره ا أفع اال حقيقي ة،
ونسب بعضهم هذا الرأي إلى الكوفيين ،محتجين بأ ّنها إنما كانت أفعاال ،لداللتها على الحدث
والزمن ،ولرفعها الفاعل ،ونصبها المفعول ،ولتأديته ا مع اني الفع ل من أم ر ،ونهي .ومنهم
من يقول إنها منزلة بين األسماء واألفعال " .ومنهم من يقول غير ذل ك .لكن اختالف النح اة
لم يقف عند أسماء األفعال فقط ،بل تع ّداه إلى بعض ما بدا أ ّنه متفق علي ه؛ كاالس م أو الفع ل
أو الحرف .فلقد اختلفوا في مجال تحديد االسم وبيان عالماته .كما اختلفوا في تحدي د مفه وم
الفعل وبيان عالماته ،وإن كان بدرجة أقل .واختلفوا أيضا في ح ّد الح رف( .)6وي ذهب (تم ام
حسان) وهو يبيّن س بب االختالف إلى أنهم " ح اولوا راش دين عن د إنش اء ه ذا التقس يم ،أن
يبنوه على مراعاة اعتباري الشكل والوظيفة ،أو بعبارة أخرى المب نى والمع نى؛ إذ ينش ئون
على هذين األساسين قيما خالفية يفرقون بها بين كل قسم وقسم آخ ر من الكلم "( .)7واس تدل
على ذلك بما ذهب إليه (ابن مالك) في ألفيته عندما يقول:
" بالجـر والتــنوين والـندا وألـ ومسند لالسم تمييز حصل
بـــتا فعلـــت وأتت ويـا افـعلي ونـــون أقــبلن فعل ينجلي
............................. سواهما الحرف كهل وفي ولم
كما يتضح أيضا في ق ول النح اة اآلخ رين :االس م م ا د ّل على مس مى ،والفع ل م ا دل على
حدث وزمن ،والح رف م ا ليس ك ذلك "( .)8ث ّم ي بيّن أنّ (ابن مال ك) ك ان تفريق ه تفريق ا من
حيث المب نى ،وأن تفري ق النح اة اآلخ رين ك ان من حيث المع نى .وه و به ذا ،يعيب على
الطرفين اعتمادهما جانبا واحدا في اعتبار التقسيم.
أقسام الكلمة عند المحدثين:
لقد كان لكل من الباحثين المحدثين الذين نعرض آلرائهم في تقس يم الكلم ة اعتراض اتهم
الوجيهة والمنطقي ة ،على م ا رأوه من اض طراب أو ع دم تج اوب مقن ع في الق ول بالتقس يم
الثالثي للكلمة عند النحاة القدماء .وما سنعرض له هن ا ،إنم ا س يُك َتفى في ه بم ا اق ترحوه من
تقسيمات للكلمة في ظل هذه االعتراضات.
-1عند األستاذ ال دكتور إب راهيم أنيس " :بعد أن ع رض [الب احث] نق ده للنح اة في تقس يم
الكالم ،أورد األس س ال تي رآه ا ص الحة للتفري ق بين أقس ام الكلم .فق د ذك ر أن المع نى
6ينظر؛ فاضل مصطفى الساقي .أقسام الكالم العربي من حيث الشكل والوظيفة .ص 35 :وما بعدها.
7تمّام ح ّسان .اللغة العربية معناها و مبناها .عالم الكتب .القاهرة .مصر .ط 1430 .6هـ 2009 /م .ص.87 :
8المرجع نفسه .ص.87 :
2
والصيغة ووظيفة اللفظ في الكالم هي األسس الثالثة ال تي يجب أال تغيب عن األذه ان حين
نحاول التفرقة بين أقس ام الكلم ،وأن نقيس به ا مجتمع ة أقس ام الكلم في الفص ائل المش هورة
على األقل ،ثم قال :وال يص ح االكتف اء بأس اس واح د من ه ذه األس س ،وذل ك ألن مراع اة
المعنى وحده قد يجعلنا نعد بعض األوصاف مثل (قائل ،وسامع ،ومذيع) أس ماء وأفع اال في
وقت واحد ،كذلك قد يحملنا هذا على اعتبار المصدر اسما وفعى في وقت واحد ،انظ ر مثال
إلى قول ه تع الى ﴿ :ال هنّ ِح ٌّل لهم ،وال هم يحلّ ون لهنّ ﴾ تج د أن في اآلي ة الكريم ة وص فا
وفعال ،ومعناهما واحد ،بل ووظيفتهما في الكالم متحدة ،إذ يقوم كل منهم ا بعملي ة اإلس ناد،
ولكن الصيغة مختلفة لك ّل منهما ،ولذا ال نف رّ ق بين الكلم تين؛ ج اعلين إح داهما تنتس ب إلى
نوع معيّن من أجزاء الكالم ،واألخرى تنتسب إلى نوع آخ ر .ومراع اة الص يغة وح دها ق د
يلبس األمر علينا حين نفرق بين األفعال وبين تلك األسماء والص فات ال تي وردت في اللغ ة
على وزن (أحم د ،وي ثرب ،ويزي د ،وأخض ر ...وغيره ا) ،ب ل ح تى وظيف ة الكلم ة في
االستعمال ال تكفي وحدها للتفرق ة بين االس م والفع ل ،فق د نج د اس ما مس تعمال في كالم م ا
استعمال المسند مثل (النخيل نبات) ،ففي هذه الجملة استعملت كلمة (نب ات) مس ندا ،أي كم ا
تس تعمل األفع ال واألوص اف .ف إذا رُوعِ يت تل ك األس س الثالث ة مع ا ،أمكن إلى ح د كب ير
التمييز بين أجزاء الكالم "( .)9ثم راح يذكر " أنّ المحدثين وفق وا إلى تقس يم رب اعي اعت بره
أدق من تقسيم النحاة األقدمين ،وأوض ح أنهم بن وه على األس س الثالث ة الس ابقة "( .)10وه ذا ّ
التقس يم يتمث ل في :االس م وينقس م إلى (ع ام ،وعلم ،وص فة) .الض مير ويش مل (الض مائر
بأنواعها ،وألفاظ اإلشارة ،والموصوالت ،والمصدر) .الفعل .األداة وتشمل ك ل م ا ال ي دخل
تحت األقسام األخرى.
-2األستاذ الدكتور مهدي المخزومي :قبل أن يعرض الباحث ألقس ام الكلم ة ،ويب دي رأي ه
فيها ،ع رض بالنق د لبعض مفهوم ات ه ذه األقس ام ،وخص منه ا الح رف؛ فـ " أوض ح أن
سيبويه كان يريد بالحرف ما ك ان الكوفي ون يريدون ه من مص طلح (األداة) ،وق د أخ ذ به ذه
التسمية ،وجعل األداة القسم الثالث من أقسام الكلم متأثرا بالمذهب الكوفي ،وأقلع عن تسميته
بالحرف "( .)11حيث عرّ ف األداة بـالكلمة التي " إذا أخذت مفردة غير مؤلفة فليس لها دالل ة
على مع نى ،وال ت د ّل على معانيه ا إال في أثن اء الجمل ة "( .)12كم ا خ الف النح اة في أقس ام
الفعل ،فهي عنده " :األول :م ا ك ان على وزن ( َف َع َل) ،وه و م ا يس مى بالفع ل الماض ي...
(يفعل) وهو ما يس مى بالفع ل المض ارع ...الث الث :م ا ك ان على الثاني :ما كان على وزن َ
وزن (فاعل) ،وقال عنه إنه هو ال ذي يس ميه البص ريون (اس م الفاع ل) ،ويس ميه الكوفي ون
(الفعل الدائم) ،وق ال عن ه إن ه فع ل حقيق ة ،في معن اه وفي اس تعماله ،إال أن ه ي دل في أك ثر
استعماالته على استمرار وقوع الحدث ودوامه ...الرابع .. :فعل األمر ،وبيّن أن له بن اءين:
9فاضل مصطفى الساقي .أقسام الكالم العربي من حيث الشكل والوظيفة .ص.109 :
10المرجع نفسه .ص.110 :
11المرجع نفسه .ص.126 :
12المرجع نفسه .ص.128 :
3
بناء (أفعِـَل) وما على مثاله ،نح و :اق رأ ي ا ه ذا ،وأك رم ض يفك ...بن اء ( َف َع ِ
ال) بفتح الف اء
ذار أن تفع ل .)13(" ...ثم ال إلى الميدان ،وح ِوكسر الالم نحوَ :ت َراكِ هذا ،أي اترك هذا ،و َن َز ِ
راح الباحث ينتقد بش ّدة تقصير النحاة القدماء في االهتمام بأقسام الكلم ،يقول " :وليتهم ك انوا
قد وفوا هذه األقسام حقها من الدرس ،ولكنهم لم يفعلوا ،ألنهم ك انوا يعن ون ب أمور ال تخص
الدراس ة اللغوي ة ،أو النحوي ة ،وال ص لة له ا به ا .وهم إذا تن اولوا ه ذه األقس ام الثالث ة ،لم
يتناولوها إال على أساس نظرية العامل ...ومهما يكن من أمر فقد غ بر الق وم متش بثين به ذا
التقسيم الثالثي "( .)14ثم يعرض تقسيمه الجديد مستعرضا " كلم ات ليس له ا مع نى خ اص،
وال مدلول بعينه ،كلمات مبهمة ُتط َلق على الموجودات كلها ،وال تدل على معنى داللة االسم
على مسماه ،كما يدل (رج ل) على إنس ان ذك ر بعين ه ،و(ام رأة) على إنس انة أن ثى بعينه ا،
و(شجرة) على نبت ة ذات س اق إلى غ ير ذل ك .ولم تكن الكلم ات المبهم ات إال إش ارات ،أو
كنايات ،ألنها تش ير إلى ك ل ذل ك ،ويك نى به ا عن ك ل ذل ك "( .)15له ذا كل ه رأى أن أقس ام
الكلم ة أربع ة ،هي " الفع ل /االس م /األداة /الكناي ات "( .)16وقص د بالكناي ات الض مائر،
واإلشارة ،والموصول بجملة ،والمستفهم به ،وكلمات الشرط.
سان :أشرنا من قبل أن الباحث عاب على النحاة القدماء تقسيمهم -3األستاذ الدكتور ت ّمام ح ّ
للكلمة باعتمادهم على المبنى فقط ،أو المعنى فقط ،يقول " :التفري ق على أس اس من المب نى
فقط ،أو المعنى فقط ليس هو الطريقة المثلى ال تي يمكن االس تعانة به ا في أم ر التمي يز بين
أقسام الكلم ،فأمثل الطرق أن يتم التفريق على أس اس من االعتب ارين مجتمعين ،فيب نى على
طائفة من المباني ومعه ا (جنب ا إلى جنب فال تنف ك عنه ا) طائف ة أخ رى من المع اني "(.)17
وانطالق ا من ه ذا النق د ،راح الب احث يق ّدم تص ورا لتقس يم جدي د ،فلق د " رأى ..أن النظ ام
الص رفي للغ ة العربي ة الفص حى يمكن أن يوض ع في ص ورة ج دول بع ده الرأس ي مب اني
التقس يم ،ورأى أن ه ذه المب اني هي؛ االس م ومعن اه االس مية ،والص فة ومعناه ا الوص فية،
والفعل ومعناه الفعلية ،والضمير ومعن اه اإلض مار ،والخالف ة ومعناه ا اإلفص اح ،والظ رف
ومعن اه الظرفي ة ،واألداة ومعناه ا مع نى التعلي ق به ا ،ورأى ك ذلك أن البع د األفقي ل ذلك
الج دول ه و مب اني التص ريف ،وهي؛ المتكلم ومعن اه التكلم ،والمخ اطب ومعن اه الخط اب،
واإلضمار لإلشارة ومعناها اإلشارة ،واإلضمار للغائب ومعناه الغيبة ،واإلضمار للموصول
ومعناه الوصل ،والمفرد ومعناه اإلفراد ،والمثنى ومعناه التثنية ،والمجم وع ومعن اه الجم ع،
والمذكر ومعناه الت ذكير ،والم ؤنث ومعن اه الت أنيث ،والمع رّ ف ومعن اه التعري ف ،والمن ّك ر
13فاضل مصطفى الساقي .أقسام الكالم العربي من حيث الشكل والوظيفة .ص.127 / 126 :
14المرجع نفسه .ص.128 :
15المرجع نفسه .ص.130 :
16المرجع نفسه .ص.130 :
17تمّام حسّان .اللغة العربية معناها و مبناها .ص.87 :
4
ومعناه التنكير "( .)18والب احث به ذا يق رّ ر أن أقس ام الكلم س بعة ،هي " :االس م – الص فة –
الفعل – الضمير – الخالفة – الظرف – األداة "(.)19
لئن كان علماء اللغة األقدمون قد اجتهدوا في وضع تقسيم للكلمة ،وكادوا يتوافقون علي ه،
ُوجد فيهم من يخ الفهم في م ذهبهم ه ذا ،وراح يق ترح تق ديم قس م راب ع فإن هذا لم يمنع أن ي َ
فرضه التفكير المنطقي في ما يميّز الكلمات عن بعضها ،والدالالت الوظيفية لها .وهذا ك ان
مدعاة إلبقاء باب االجتهاد مفتوحا أمام العلماء المحدثين؛ طالما أن األمر لم يحسم فيه بحجج
مقنعة ومنطقية .ويبقى أن نقول ،أنّ طبيعة المعرفة تراكمية ،وأنّ ما يقرّ ره األوائل يمكن أن
نضيف إليه ما يحيّنه أو يوسّع فيه ،أو يع ّدله.
18فاضل مصطفى الساقي .أقسام الكالم العربي من حيث الشكل والوظيفة .ص.139 :
19تمّام حسّان .اللغة العربية معناها و مبناها .ص.90 :
5