You are on page 1of 6

‫المحاضرة الثامنة‪ :‬االشتقاق مفهومه وأنواعه‬

‫تمهيد‪:‬‬ ‫‪-1‬‬

‫حظي االشتقاق بعناية اللغويني‪ ،‬فقد دعت احلاجة إىل معرفته مع بداية التأليف‬
‫يف النح و وعل وم العربي ة‪ ،‬ملا ل ه من ارتب اط بأص ول الكلم ات ومعانيه ا وأح وال‬
‫تركيبها‪ .‬كما دعت احلاجة إليه ملعرفة معاين األمساء اليت نقلها الناس عن العرب‬
‫وجهلوا أصوهلا‪ .‬علما بأن االشتقاق خصيصة من خصائص اللغة العربية‪ ،‬ولذلك‬
‫جعل االشتقاق واح دا من ض روب تص رفهم يف الكالم‪ ،‬فقد أمجع أه ل اللغة أن‬
‫للغة العرب قياسا‪ ،‬وأن العرب تش تق بعض الكالم من بعض‪ ،‬فاسم اجلن مشتق‬
‫من االجتنان‪ ،‬وأن اجليم والنون تدالن على السرت‪.‬‬

‫مفهوم االشتقاق‪:‬‬ ‫‪-2‬‬

‫االش تقاق ه و تولي د األلف اظ بعض ها من بعض‪ ،‬و ال يك ون ذل ك إال من بني‬


‫األلف اظ ال يت يف رتض أن بينه ا أص ال واح دا ترج ع إلي ه و تتول د من ه‪ ،‬و ق د عرف ه‬
‫السيوطي يف حنو قوله‪« :‬أخذ صيغة من أخرى مع اتفاقهما معىن و مادة أصلية‬
‫وهيئة تركيب هلا‪ ،‬ليدل بالثانية على معىن األصل بزيادة مفيدة‪ ،‬ألجلها اختلفا‬
‫وحذر من ح َذر»‪ 1‬ولكي يصح االشتقاق‬ ‫حروفا أو هيئة‪ .‬كضارب من ض رب ِ‬
‫َ‬
‫بني لفظني أو أكثر البد من عناصر ثالث تتوزع عرب اآليت‪:2‬‬
‫االشرتاك يف عدد ال من احلروف وهي يف اللغة العربية ثالثة‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫أن تكون هذه احلروف مرتبة ترتيبا واحدا يف هذه األلفاظ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫أن يك ون بني ه ذه األلف اظ ق در مش رتك من املع ىن ول و على تق دير‬ ‫‪-3‬‬
‫األص ل‪ .‬ومن مث ستس اهم ه ذه الطريق ة يف تولي د األلف اظ بعض ها من‬
‫بعض‪.‬‬

‫‪ – 3‬أنواع االشتقاق‪:‬‬

‫حصر علماء اللغة االشتقاق يف أربعة أنواع وهي‪:‬‬

‫االش''تقاق الص''غير‪ :‬ه و ان تزاع كلم ة من كلم ة أخ رى على أن يك ون‬ ‫أ‪-‬‬


‫بينهم ا تناس ب يف املع ىن‪ ،‬وتغي ري يف اللف ظ يض يف زي ادة على املع ىن‬
‫األصلي‪ ،‬وهذه الزيادة هي سبب االشتقاق‪ .‬واألمثلة املتعددة تشري إىل‬
‫أن أهل اللغة اشتقوا من أمساء األمكنة واألزمنة‪ ،‬ومن أمساء األصوات‪،‬‬
‫ومن احلروف ال يت امتألت هبا كتب اللغ ة واملع اجم‪ ،‬فمثال‪ :‬اش تقوا من‬
‫األمساء الدال ة على أعض اء اإلنس ان الكث ري‪ ،‬فمن ال رأس‪ :‬رأس ه‪ ،‬ومن‬
‫اإلبط‪ :‬تأبط‪ ،‬ومن الضلع‪ :‬تضلع‪ .‬كذلك اشتقوا من األمساء الدالة على‬
‫القرابة‪ ،‬فالتبين من االبن‪ ،‬والتأيب من األب‪ ،‬واملباعلة من البعل‪.‬‬
‫االش''تقاق الكب''ير‪ :‬تق وم اللغ ة العربي ة على ح روف ثالث ة أص لية‪ ،‬وهي‬ ‫ب‪-‬‬
‫العنص ر الث ابت فيه ا على اختالف ص ورها وأبنيته ا‪ ،‬وق د أطل ق علم اء‬
‫اللغ ة على ه ذه األص ول الثالث ة وال س يما يف املعجم مص طلح املادة‪.‬‬
‫فاملادة األص لية على ه ذا األس اس تت ألف من ح روف ثالث ة‪ ،‬لكن ه ذه‬
‫احلروف األصول قد خيتلف ترتيبها عن طريق القلب «فتتألف من ذلك‬
‫ص ور حمتمل ة لكلم ات تش رتك يف احلروف من غ ري مراع اة لل رتتيب‪،‬‬
‫وتتقارب يف املعىن تقاربا كبريا‪ ،‬وعلى هذا يكون االشتقاق الكبري نوعا‬
‫من القلب املك اين»‪ 2‬وعلي ه ف إن ه ذا الن وع من االش تقاق ليس إال باب ا‬
‫من ب اب القلب أي تب ديل مواق ع احلروف‪ ،‬حنو‪ :‬جب ذ وج ذب‪ ،‬وأيس‬
‫ويئس‪ ،‬ومحد وم دح‪ .‬وق د اعت رب علم اء اللغ ة ه ذا الن وع من االش تقاق‬
‫قلي ل الفائ دة يف تنمي ة اللغ ة وم دها باأللف اظ اجلدي دة قياس ا ب األنواع‬
‫األخرى‪.‬‬
‫االش''تقاق األك''بر‪ :‬هو ارتباط بعض اجملموع ات الثالثية ببعض املعاين‬ ‫ت‪-‬‬
‫ارتباط ا عام ا ال يتقي د باألص وات نفس ها‪ ،‬ب ل برتتيبه ا األص لي‪ .‬ويق وم‬
‫ه ذا ال درس االش تقاقي على االب دال‪ ،‬حنو‪ :‬عن وان وعل وان‪ ،‬ففي الثاني ة‬
‫أبلت الالم من الن ون يف الكلم ة األوىل‪ ،‬لتناس ب الن ون والالم يف‬
‫املخ رج‪ .‬وع رف بأن ه ن وع من تق ارب احلروف لتق ارب املع اين‪ .‬ومن‬
‫أمثل ة ه ذا الن وع‪ ،‬قش ط اجلل د وكش طه‪ ،‬كبح الف رس وكمح ه‪ .‬يب دو‬
‫واض حا ب أن االش تقاق األك رب قائم ا على االب دال ومن مث ال ميكن أن‬
‫يكون عامال من عوامل تطور اللغة وتوليد الصيغ اجلديدة‪.‬‬
‫االشتقاق الكبار أو النحت‪ :‬هو أن تنتزع كلمة من كلمتني فأكثر أو‬ ‫ث‪-‬‬
‫من مجل ة للدالل ة على مع ىن م ركب من مع اين األص ل ال يت ان تزعت‪،‬‬
‫ف النحت أق رب إىل االش تقاق من الن وعني الس ابقني «ألن في ه تولي دا‬
‫لفرع من أصل‪ ،‬وال يتمثل الفرق بني النحت واالشتقاق الصريف إال يف‬
‫أن النحت يكون من كلمتني أو أكثر‪ ،‬على حني أن االشتقاق الصريف‬
‫يكون من كلمة واحدة أي مما اصطلحوا على تسميته باملصدر»‪ 3‬ومن‬
‫هنا تظهر أمهية النحت يف التعبري عن معىن جديد‪ .‬وللنحت أربعة أنواع‬
‫تتوزع عرب اآليت‪:‬‬
‫النحت الفعلي‪ :‬وينحت من اجلمل ة دالل ة على النط ق هبا‪ ،‬أو ح دوث‬ ‫أ‪-‬‬
‫مضموهنا‪ ،‬من مثل‪ :‬بأبأ‪ ،‬إذا قال املتكلم‪ :‬بأيب أنت‪ ،‬وبسمل‪ ،‬إذا قال‬
‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‪ ،‬ودمعز‪ ،‬إذا قال‪ :‬أدام اهلل عزك‪.‬‬
‫النحت الوص''في‪ :‬وينحت من كلمتني أو ثالث داللة على صفة مبعىن‬ ‫ب‪-‬‬
‫الكلم تني‪ ،‬أو مبع اين الكلم ات املتداخل ة يف النحت‪ ،‬من مث ل‪ :‬اهلج رع‬
‫للخفيف األمحق‪ ،‬مشتقة من هرع وهجع‪ .‬فاهلرع‪ :‬املتسرع‪ ،‬واهلجع‪:‬‬
‫األمحق‪.‬‬
‫النحت االسمي‪ :‬ويكون املنحوت امسا من امسني أو أكثر جامعا بني ما‬ ‫ت‪-‬‬
‫حنت منه‪ .‬من مثل‪ :‬جلمود‪ ،‬من جلد ومجد‪.‬‬
‫النحت النس ' ' ''بي‪ :‬وينحت نس بة إىل علمني‪ ،‬من مث ل ق ول املتكلم‪:‬‬ ‫ث‪-‬‬
‫عبشمي‪ ،‬نسبة إىل عبد مشس‪ ،‬وتعبقس‪ ،‬إذا تعلق بعبد قيس‪.‬‬

‫الخالصة‪:‬‬ ‫‪-4‬‬

‫بن اء على م ا س بق ميكنن ا الق ول ب أن االش تقاق وس يلة رائع ة لتولي د األلف اظ‬
‫للدالل ة على املع اين اجلدي دة‪ ،‬كم ا ي دلنا االش تقاق على أص ول األلف اظ‪ ،‬إذ‬
‫ميكنن ا أن نرب ط الكلم ة بأخواهتا وأف راد اجملموع ة ال يت تنتمي إليه ا وذل ك مما‬
‫يثبت معناها ويوضحه‪ .‬ومن مث فإن االشتقاق هو الطريق إىل حسن فهم اللغة‬
‫والتفقه فيها ومعرفة أسرارها كما يعد جسرا واصال بني اللغة واحلياة الفكرية‬
‫واالجتماعية‪.‬‬

‫هوامش المحاضرة الثامنة‪:‬‬

‫السيوطي‪ ،‬املزهر يف علوم اللغة‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.346‬‬ ‫‪-1‬‬


‫أمحد حمم د ق دور‪ ،‬م دخل إىل فق ه اللغ ة العربي ة‪ ،‬ط‪ ،2‬املطبع ة العلمي ة‪،‬‬ ‫‪-2‬‬
‫دمشق‪ ،199 ،‬ص‪.215‬‬
‫املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.221 -220‬‬ ‫‪-3‬‬

You might also like