Professional Documents
Culture Documents
والعطف كما تقدم ،أحد التوابع ،كثيراً ما يمسه سيبويه بـ(باب الشركة)( ،)1األول هو المتبوع ،ويسمى :المعطوف عليه،
والثاني التابع ويسمى :المعطوف ،وهو يخالف التوابع األخرى( ،ألنها تتبع بغير واسطة والمعطوف ال يتبع إالّ بواسطة ،وإ نما
كان كذلك ألن الثاني فيه غير األول ،ويأتي بعد أن يستوفي العامل عمله ،فلم يتصل إالّ بحرف ،بخالف ما الثاني فيه األول
(.)2
كالنعت وعطف البيان والتأكيد /،والبدل)
عدها ابن جني على ما يأتي :الواو ،والفاء ،وثم ،وأو،
فهو إذن ،تابع يتوسط بينه وبين متبوعة حرف من حروف عشرةّ ،
وال ،وبل ،ولكن (الخفيفة) ،وأم ،وإ ما (مكسورة مكررة) ،وحتى( ،)3وهذه الحروف تجتمع كلها في إدخال الثاني في إعراب
األول ،مع اختالف معانيها.
(،)5 (،)4
ودليل وسماها المرادي :ام باب حروف العطف وتعد (الواو) -موضوع هذا البحث – أصل حروف العطف العشرة
ابن يعيش على ذلك (أنها ال توجب إال االشراك بين شيئين فقط في حكم واحد ،وسائر حروف العطف توجب زيادة حكم على
ما توجبه الواو)( ،)6فالفاء مثالً توجب الترتيب ،وأو :الشك وغيره ،وبل :االضراب( ،فلما كانت هذه الحروف فيها زيادة معنى
على حكم الواو ،صارت بمنزلة الشيء المفرد ،وباقي حروف العطف بمنزلة المركب مع المفرد ،فلهذا صارت الواو أصل
(.)7
حروف العطف)
وفي هذا المعنى نفسه ينقل السيوطي عن كتاب (تذكرة ابن الصائغ) رأياً لألعلم الشنتمري (ت 476هـ) يقول فيه( :أصل
وأما غيرها فيدل على اشتراك ،وعلى معنى زائد كالترتيب
حروف العطف الواو ،وال تدل على أكثر من الجمع واالشتراكّ ،
والمهلة والشك واالضراب واالستدراك والنفي فصارت الواو بمنزلة الشيء المفرد وباقي الحروف بمنزلة المركب ،والمفرد
(.)8
أصل المركب)
وألن الواو أصل حروف العطف فقد انفردت عن سائر حروف العطف بأحكام سنأتي على ذكرها في مبحث قادم ،ونشير
هنا إلى حكم واحد من هذه االحكام ،عده ابن جني دليالً على أصالتها في العطف ،وقد نسبه إلى أبي علي الفارسي وهو :جواز
عطف الجملة االسمية على الفعلية بالواو دون غيرها من حروف العطف ألصالتها في العطف ،ولما تمتع به من قوة وتصرف،
من يسأل عن جواز العطف المذكور بقوله( :إنه قد يجوز مع الواو ،لقوتها وتصرفها ،ما ال يجوز مع الفاء منوقد أجاب ْ
محمد فعمرو جالس ،وأنت تعطف على حد ما تعطف بالواو ،لم يكن للفاء هنا مدخل ،ألن ّ االتساع ،أال ترى أنك لو قلت :قام
(.)9
الثاني ليس متعلقاً باألول ،وحكم الفاء إذا كانت عاطفة أالّ تتجرد من معنى االتباع والتعليق باألول
المبحث األول
معنى (واو العطف)
يجمع جمهور النحاة على أن (واو العطف) تفيد معنى( :مطلق الجمع)( ،)1ومرادهم بالجمع ،كما يشرحه الرضي (ت
وأما ،وليس المراد اجتماع المعطوف والمعطوف عليه في الفعل
686هـ) (أن ال يكون ألحد الشيئين أو األشياء ،كما كانت :أوّ ،
زيد أو عمرو ،أي :حصل
في زمان أو مكان ،فقولك :جاءني زيد وعمرو . . . ،أين حصل الفعل من كليهما ،بخالف :جاءني ٌ
(.)2
الفعل من أحدهما دون اآلخر)
وأرادوا بالمطلق أنه يحتمل أن يكون الفعل حصل من كليهما ،في زمان واحد ،وأن يكون حصل من زيد أوالً ،وان يكون
حصل من عمرو أوالً( ،فهذه ثالثة احتماالت عقلية ال دليل فمي ”الواو” على شيء منها)( ،)3وفي هذا المعنى يقول المرادي (ت7
زيد وعمرو ،احتمل ثالثة أوجه :األول :أن يكونا قاما معاً 49هـ)( :مذهب جمهور النحويين أنها للجمع المطلق ،فاذا قلت :قام ٌ
(،)4
في وقت واحد ،والثاني :أن يكون المتقدم قام أوالً ،والثالث :أن يكون المتأخر قام أوالً) فهي تعطف الشيء على مصاحبه،
يم )6(وتعطف ِ ِ ِ (،)5
وحا َوِإ ْب َراه َ
اب السَّف َينة وتعطف الشيء على سابقه كقوله تعالى َ ولَقَ ْد َْأر َسْلَنا ُن ً َأص َح َ
كقوله تعالى فَ َْأن َج ْيَناهُ َو ْ
ين ِم ْن قَْبِل َ َِّ وحي ِإلَْي َكي ِ ِ
(.)7
ك ك َوِإ لَى الذ َ الشيء على الحقه كقوله تعالىَ ك َذل َ ُ
تقد م أن الواو عند جمهور النحاة بصريهم وكوفيهم ،تفيد :مطلق الجمع بين المتعاطفين ،وانها ال تدل على أكثر
يفهم مما ّ
من التشريك فال تفيد الداللة على الترتيب الزمني بين المتعاطفين وقت وقوع المعنى ،وال على مصاحبته ،وال على تعقيب أو
ألح معظم النحاة إلى موضوع عدم إفادة الواو الدالة على الترتيب ،عند دراستهم مهلة ،وهي إنما تنجرد للتشريك المطلق ،وقد ّ
(،)8
يردون على من يذهب ،وهم قلة ،إلى انها قد تفيد الترتيب ،فهذا سيبويه يؤكد عدم داللتها على
لهام والتعرض لمعانيها وكأنهم ّ
الترتيب بقوله( :قولك :مررت برجل وحمار قبل ،فالواو أشركت بينهما في الباء فجريا عليه ،ولم تجعل للرجل منزلة بتقديمك/
إياه يكون أولى من الحمار ،كأنك قلت :مررت بهما ،فالنفي في هذا ان تقول :ما مررت بهما ،وليس في هذا دليل على أنه بدأ
بشيء قبل شيء ،وال شيء مع شيء ،ألنه يجوز أن تقول :مررت بزيد وعمرو ،والمبدوء به في المرور عمرو ،ويجوز أن
يكون زيداً ،ويجوز أن يكون المرور وقع عليهما في حالة واحدة ،فالواو يجمع هذه األشياء على هذه المعاني ،فاذا سمعت
(.)9
أج ْبته :على ّأيها شئت ،ألنها قد جمعت هذه االشياء)
المتكلم يتكلم بهذا ّ
ومررت بزيد فعمرو،
ُ أن الفاء ليست كالواو :قولك :مررت بزيد وعمرو، يدلك أيضاً على َّ
وفي موضع آخر يقول( :ومما ّ
(،)10
تريد أن تُعلم بالفاء َّ
أن اآلخر ُم ّر به بعد األول ،وتقول :ال تأكل السمك وتشرب اللبن ،فلو أدخلت الفاء ههنا فَ ّس َد المعنى)
صمت رمضانُ وينقل صاحب بدائع الفوائد (ت751هـ) عن سيبويه قوله( :الواو ال تدل على الترتيب وال التعقيب ،تقول:
وشعبان ،وان شئت :شعبان ورمضان ،بخالف الفاء ،اال أنهم يقدمون في كالمهم ما هم به أهم ،وهم بيانه أعنى ،وان كانا
(.)11
جميعاً يهمانهم ويعنياهم)
)?( 1ينظر :الكتاب ،211 /1اللمع في العربية البن جني ،174 :شرح المفصل /البن يعيش ،90 /8 :شرح الكافية /للرضي ،363 /2 :الجنى الداني/
للمرادي ،188 :بدائع الفوائد /البن قيم الجوزية ،61 /1 :مغني اللبيب /البن هشام.354 /2 :
)?( 2شرح الكافية /للرضي.2/363 :
)?( 3شرح الكافي.364-2/363 :
)?( 4الجنى الداني في حروف المعاني.188 :
)?( 5اآلية.29/15 :
)?( 6اآلية.7/58 :
)?( 7اآلية.42/2 :
)?( 8ينظر :الكتاب ،1/218 :اللمع في العربية ،البن جني ،174 :شرح جمل الزجاجي /البن عصفور ،1/226 :شرح الكافية /للرضي،2/363 :
الجنى الداني في حروف المعاني ،188 :مغني /اللبيب /البن هشام ،354 :بدائع الفوائد/البن قيم الجوزية.1/61 :
)?( 9الكتاب.1/218 :
)?( 10المصدر نفسه.1/425 :
)?( 11بدائع الفوائد.1/61 :
10
آذار2012/م مجلة كلية التربية األساسية /جامعة بابل العدد6 /
أم ا ابن جني في عدم داللة الواو على الترتيب( :فمعنى الواو :االجتماع ،تقول :نقام زيد وعمرو ،أي :اجتمع لهما القيام،
ّ
(،)1
وال تدري كيف ترتب حالهما فيه) ونقل صاحب اللسان عن الجوهري (ت393هـ) قوله (الواو من حروف العطف تجمع
الشيئين وال تدل على الترتيب)( ،)2وعندما نصل إلى ابن يعيش (ت643هـ) وهو يتعرض لهذا الموضوع كنجده يشكك بعربية كل
أن الواو تفيد الترتيب)( ،)3ومن أدلته على
ان الواو تفيد معنى الترتيب ،يقول( :وال نعلم أحداً يوثق بعربيته يذهب إلى َّ
يدعي ّ
من ّ
هذا الحكم( :أن الواو في العطف نظير التثنية والجمع ،اذا اختلفت األسماء احتيج إلى الواو ،واذا اتفقت جرت على التثنية/
والجمع ،تقول :جاءني زيد وعمرو ،لتعذر التثنية ،وكان ذلك أوجز وأخصر من أن تذكر االسمين وتعطف أحدهما على اآلخر،
فاذا اختلفت األسماء لم تمكن التثنية فاضطروا إلى العطف بالواو)( )4ومنها أيضاً:
َّ
أن الواو (تستعمل في مواضع ال يسوغ فيها الترتيب ،نحو قولك :اختصم زيد وعمرو ،وتقاتل بكر وخالد ،فالترتيب ههنا
ممتنع ألن الخصام والقتال ال يكون من واحد ،ولذلك ال يقع ههنا من حروف العطف االّ الواو . . .،وهذه األفعال انما تقع من
عد ابن هشام هذه الحجة من أقوى األدلة على عدم إفادة الترتيب( ،)6ويقول فيها المرادي( :وهذا أحد األدلة
االثنين معاً)( )5وقد َّ
(.)7
على إنها ال ترتب)
ومن أدلته أيضاً:
(قولك جاءني زيد وعمرو بعده ،فلو كانت للترتيب لكان قولك (لعده) تكريراً ،ولكان إذا قلت :جاءني زيد اليوم وعمرو
أمس ،متناقضاً ،ألن الواو قد دلت على خالف ما دلت عليه (أنس) من قبل أن الواو ترتب الثاني بعد األول ،و(أمس) تدل على
(.)8
تقدمه
َّدا َوقُولُوا ِحطَّةٌ )9(من سورة اب ُسج ً
ومن القرآن الكريم ُيجتح على عدم داللتها على الترتيب بقوله تعالىَ :و ْاد ُخلُوا اْلَب َ
َّدا ،والقصة الواحدة ،وبقوله تعالىَ :يا َم ْرَي ُم ا ْقُنتِي اب ُسج ً ِ َّ
البقرة ،وفي سورة األعراف قوله تعالىَ :وقُولُوا حطةٌ َو ْاد ُخلُوا اْلَب َ
وت ين ،وشرعها يقدم الركوع على السجود( ،)10ومنه قوله تعالىِ :إ ْن ِهي ِإاَّل َحَياتَُنا ُّ
الد ْنَيا َن ُم ُ ِّك واسج ِدي وار َك ِعي مع َّ ِ ِ
الراكع َ ََ
ِ ِ
ل َرب َ ْ ُ َ ْ
َ
َوَن ْحَيا ،)11(ولو كانت الواو دالة على الترتيب لكان هذا الكالم اعترافاً من الكفار بالبعث بعد /الموت ،ألن الحياة المرادة من
حينئذ بعد الموت ،وهي الحشر ،ومساق اآلية وما عرف من حالهم ومرادهم دليل على انهم منكرون له ،فدلت ٍ (نحيى) تكون
(.)12
اآلية على َّ
أن الواو ال تدل على الترتيب
أن (الواو) ال ترتب ،منها قول ُأمية بن أبي الصلت: ومع الشعر يحتج ابن عصفور (ت669هـ) بجملة شواهد شعرية على َّ
()13
صديقينا والنبي
على دين ّ فملَّتُنا أننا المسلمون
لقدم الشاعر النبي على الصديق لشرفه ،ومنها أيضاً قول حسان بن ثابت:
ولو كانت الواو للترتيب ّ
فلما أخرت وقف عليه بالسكون ،ومن هذا النحو :الجن واالنس ،فان (االنس) أخف لمكان النون الخفيفة والسين المهموسة ،فكان
(.)1
األثقل أولى بأول الكالم من األخف لنشاط المتكلم وجمامه)
المبحث الثاني
(احكام واو العطف)
-1الحكم األول:
التوكيد /بمنفصل عند العطف على ضمير الرفع المتصل
يستثنى النحاة من حاالت العطف بالواو حالتين ،ال يجوز فيهما العطف بالواو إالّ بشرط ،فالجائز عندهم بال شرط حاالت
وعمرو ،وعطف الضمير على الضمير نحو رأيتك وإ ياه ،وعطف الظاهر
ٌ زيد
كثيرة منها عطف الظاهر على الظاهر ،نحو :قام ٌ
(.)2
زيد وأنت
على الضمير نحو :رأيته وزيداً ،وعطف الضمير على الظاهر نحو :قام ٌ
أما الحالتان اللتان استثنينا من جواز العطف إال بشرط فهما:
ّ
-1العطف على ضمير الرفع المتصل ،بارزاً كان أم مستتراً ،وهو موضوع هذه المسألة.
-2العطف على الضمير المجرور ،وهو موضوع المسألة الثانية من هذا البحث.
يشترط النحاة للعطف بالواو على ضمير الرفع المتصل عدم جواز العطف عليه إال بعد توكيده بمنفصل ،والغالب فيه أن
يكون بضمير رفع منفصل ،قال ابن جني (فان كان المضمر مرفوعاً متصالً ،لم يعطف عليه حتى تؤكده ،تقول :قم أنت وزيد/،
ك اْل َجَّنةَ ،)4()3(وفي شرح المفصل
ت َو َز ْو ُج َ
اس ُك ْن َْأن َ
ولو قلت :قم وزيد /،من غير توكيده /،لم تحسن ،قال اهلل سبحانه وتعالىْ
البن يعيش( :فان كان -يقصد المضمر المتصل – مرفوع الموضع ،لم يجز العطف عليه إال بعد توكيده ،نحو :زيد قام هو
ك اْل َجَّنةَ لما أراد العطف على الضمير في (أسكن) أكده بالضمير ت َو َز ْو ُج َ اس ُك ْن َْأن َ
وعمرو ،وقمت أنا وزيد ،وقال اهلل تعالىْ :
()6
المنفصل ،ثم أتى بالمعطوف ،ومثله قوله تعالىِ إ َّنهُ َي َرا ُك ْم ُه َو َوقَبِيلُهُ )5(أكد الضمير المرفوع في (يراكم) ثم عطف عليه
ك اْل َجَّنةَ :انت :تأكيد للمضمر الذي في الفعل ومثله( :فاذهب
ت َو َز ْو ُج َ اس ُك ْن َْأن َوعلق القرطبي في تفسيره على قوله تعالى ْ
(.)8
انت وربك)( ،)7وال يجوز :اسكن وزوجك ،وال :اذهب وربك)
وقد يقوم مقام الضمير المنفصل المؤكد فاصل آخر ،يطول به الكالم فيغني عنه الضمير ،فيحذف طلباً لالختصار ،ويكون
مسد التأكيد ،سواء أكان الفصل قبل حر فالعطف أم بعده ،فمثال األول :الفصل بالمفعول به في نحو قوله هذا الفاصل ساداً ّ
()10
اء ُك ْم )9(فانه عطف (الشركاء) على المضمر المرفوع في (اجمعوا) حين طال الكالم بالمفعول به تعالىفَ ْ ِ
َأم َر ُك ْم َو ُش َر َك َ
َأجم ُعوا ْ
صلَ َح )11(فمن :معطوف على الواو في (يدخلونها) وصح ذلك للفصل بالمفعول به ات َع ْد ٍن َي ْد ُخلُ َ
ونهَا َو َم ْن َ ومثله قوله تعالى َ جَّن ُ
وهو (الهاء) من (يدخلونها).
ومثال وقوع الفصل بعد حرف العطف قوله تعالىَ :ما َأ ْش َر ْكَنا َواَل ََآباُؤ َنا )1(عطف (االباء) على المضمر المرفوع حيث
وقع فصل بين حرف العطف والمعطوف بحرف النفي (ال) الزائدة للتأكيد( )2يقول القرطبي في هذه اآلية( :قوله (وال اباؤنا)
حسن أن يقال( :ما قمت
ّ عطف على النون في (اشركنا) ولم يقل ،نحن وال اباؤنا ،لن قوله (وال) قام مقام توكيد /المضمر ،ولهذا
()4
ون وقوله تعالى َ ما ِ ِ ()3
او َ
وال زيد) وقد يجتمع الفصل والتوكيد بالمضمر المنفصل كما في قوله تعالى فَ ُك ْبكُبوا فيهَا ُه ْم َواْل َغ ُ
(.)5
َعَب ْدَنا ِم ْن ُدونِ ِه ِم ْن َش ْي ٍء َن ْح ُن َواَل ََآباُؤ َنا
ولم تؤشر في القرآن الكريم حالة واحدة خرج فيها العطف على ضمير الرفع المتصل بضمير أو فاصل آخر( ،)6أما في
غير القرآن ،فقد ورد في النثر قليالً ،منه ما حكاه النحاة عن سيبويه من قول بعض العرب (مررت برجل سواء والعدم) برفع
مستو هو والعدم ،وليس بينهما فصل( ،)7ونقل صاحب
ٍ (العدم) عطفاً على الضمير المستتر في (سواء) ألنه مؤول بمشتق ،أي
المقاصد النحوية ما ورد في صحيح البخاري مثل هذا ،وهو ما روي عن علي انه قال :كنت اسمع رسول اهلل يقول :كنت
(.)8
وأبو بكر وعمر ،وفعلت وأبو بكر وعمر ،وانطلقت وأبو بكر وعمر ،وروي عن عمر قال :كنت وجار لي من األنصار
(،)9
أما في الشعر فقد ورد كثيراً العطف على الضمير المذكور بال فصل ،وعد القرطبي وروده هذا من ضرورات الشعر
وأبرز شواهده قول الشاعر :عمر بن أبي ربيعه:
()10
كنعاج الفَال تَ َع َّس ْف َن رمال
ِ هر تَهادى
وز ٌ
لت َ
قلت إذ َأ ْقَب ْ
ُ
ـ(ز هر) مفطوف على المضمر في (أقبلت) ولم يؤكد ذلك المضمر ،والوجه أن يقال :أقبلت هي وزهر ،بتأكيد الضمير
ف ُ
المستتر ليقوى ثم يعطف عليه ومنه أيضاً قول جرير يهجو االخطل:
()11
وأب له ليناال
ما لم يكن ٌ ورجا االخيط ُل من سفاهة رأيه
عطف (أب) على الضمير المستكن في (لم يكن) من غير توكيد وال فصل
ولم يترك هذه المسألة دون أن يعللوا امتناع العطف على المرفوع المتصل اال بشرط التأكيد أو ما يقوم مقام المنفصل،
على عادتهم في اخضاع الكالم العربي لسان النحو وقوانينه ،فقد نقل ابن الحاجب تفسيراً لهذه المسألة:
فهو يرى :ان الضمير المرفوع المتصل في حكم الجزء( ،وهو ال يعطفون على الجزء ،فأتوا في الصورة بالمضمر
المنفصل لتكون العطف عليه لفظاً)( )12ويزيد الرضي التعليل توضيحاً فيقول( :إنما أكد بالمفصل في األول ألن المتصل المرفوع
كالجزء مما اتصل به لفظاً :من حيث انه متصل ال يجوز انفصاله كما جاز في الظاهر ،والضمير المنفصل ،ومعنى :من حيث
انه فاعل ،والفاعل كالجزء من الفعل ،والضمير المنفصل ومعنى :من حيث انه فاعل أو الفاعل كالجزء من الفعل ،فلو عطف
عليه بال تأكيد /كان كما لو عطف على بعض حروف كلمة ،فأكد اوالً بمنفصل ألنه بذلك أن ذلك المتصل منفصل من حيث
الحقيقة بدليل جواز إفراده مما اتصل بتأكيده فيحصل له نوع استقالل ،وال يجوز أن يكون العطف على هذا التأكيد /الظاهر ،ألن
المعطوف في حكم المعطوف عليه ،فكان يلزم إذن أن يكون هذا المعطوف أيضاً تأكيداً للمتصل ،وهو محال ،فان كان الضمير
منفصالً نحو :ما ضرب إال أنت وزيد ،لم يكن كالجزء لفظاً ،وكذا ان كان متصالً منصوباً نحو :ضربتك وزيداً ،لم يكن
(.)1
كالجزء معنى
ومن خالل إمعان النظر في هذا التعليل ،يتضح لنا أن مثل هذا التعليل لم يخطر ببال العربي وهو ينثر أو ينظم ،ولم يدر
بخلده أن ضمير الرفع المتصل دون غيره من الضمائر في حكم الجزء ،والجزر ال يعطف عليه ،إنما كان في كل ذلك أسير
ذوقه اللغوي ،وسجيته التي تؤثر االنسجام في اللفظ ،والسهولة في التعبير ،والسالمة في النطق.
وتعد مسألة عدم جواز العطف على ضمير الرفع المتصل إال بعد الفصل ،أو جوازه ،إحدى مسائل الخالف بين نحاة
البصرة ونحاة الكوفة ،وقد أفرد لها صاحب االنصاف أبو البركات االنباري (ت 577هـ) المسألة السادسة والستين من مسائل
الخالف ،وكما تقدم من كالم فان البصريين ال يجيزون العطف في مثل هذه المسألة في اختيار الكالم إال إذا كان هناك توكيد أو
فصل ،ويجيزونه على قبح في ضرورة الشعر ،وحجتهم في ذلك أن قالوا :انه (ال يخلو :إما ان يكون مقدراً في الفعل أو ملفوظاً
زيد ،فكأنه قد عطف اسماً على فعل ،وان كان ملفوظاً به نحو :قمت وزيد ،فالتاء تنزل بمنزلة
به ،فان كان مقدراً فيه ،نحو :قام ٌ
(.)2
الجزء من الفعل ،فلو جوزنا العطف عليه لكان أيضاً بمنزلة عطف االسم على الفعل ،وذلك ال يجوز
()3
أما الكوفيون فقد ذهبوا إلى انه يجوز العطف على الضمير المرفوع المتصل في اختيار الكالم ،بال تأكيد بالمنفصل
ِ
ودليلهم على ذلك انه قد جاء منه كتاب اهلل وكالم العرب ،فمن القرآن الكريم استدلوا بقوله تعالى ُ ذو م َّر ٍة فَ ْ
استََوى (َ )6و ُه َو
اَأْلعلَى ،)4(في عطف (هو) على الضمير المرفوع المستكن في (استوى) ،والمعنى :فاستوى جبريل ومحمد باالفق ،وهو ق ْ بِاُأْلفُ ِ
مطلع الشمس( )5ورد أبو البركات االنباري على حجتهم ،وهو ينتصر لمذهب البصريين ،بان الواو في اآلية الكريمة واو الحال،
(.)6
ال واو العطف( ،والمراد به جبريل وحده ،والمعنى :ان جبريل وحده استوى بالقوة في حالة كونه باالفق)
أما ما ورد منه في كالم العرب واتخذوه حجة لمذهبهم ،فهو ما تقدم من بيتي عمر بن أبي ربيعة وجرير ،ويرى
البصريون ان ال حجة لهم فيهما ،ألنه (من الشاذ الذي ال يؤخذ به ،وال يقاس عليه)( ،)7والعطف فيهما بدون فصل ،إنما هو باب
الضرورة الشعرية ،وهو جائز عند البصريين على ضعف.
-2الحكم الثاني:
إعادة الخافض عند العطف على المضمر المجرور من أحكام العطف بالواو أيضاً ،وعلى مذهب جمهور النحاة ،أنه ال
يعطف بها على المضمر المجرور إال بعد إعادة الجار ،نحو :مررت بك وبزيد ،ونزلت عليك وعلى جعفر ،ومنه في القرآن
ون )9(وقوله تعالى ُيَنجِّي ُك ْم ِم ْنهَا َو ِم ْن ُك ِّل ِ ()8
ض وقوله تعالى َ و َعلَْيهَا َو َعلَى اْل ُفْلك تُ ْح َملُ َ الكريم قوله تعالى فَقَا َل لَهَا َوِل ْ
َأْلر ِ
َك ْر ٍب ،)1(قال سيبويه( :ومما يقبح ان يشركه مضمراً داخالً فيما قبله)( ،)2وعد ابن جني عدم إعادة الخافض لحناً فقال( :فان كان
(.)3 ٍ
وزيد ،كان لحناً) المضمر مجروراً ،لم تعطف عليه إال بإعادة الجار ، . . .،ولو قلت :مررت بك
وقد علل النحاة أمر إعادة الخافض عند العطف بالواو على الضمير المخفوض ،بان منزلة هذا الضمير الواقع مضافاُ إليه،
بمنزلة التنوين ،فكما ال يعطف على التدوين كذلك ال يعطف على هذا المضاف إليه ،وأول من أشار إلى هذه العلة سيبويه عندما
قال( :ألن هذه العالمة (يقصد بها عالمة الجر) الداخلة فيما قبلها جمعت أنها ال يتكلم إال معتمدة على ما قبلها وانها بدل من
(.)4
اللفظ بالتنوين ،فصارت عندهم بمنزلة التنوين ،فلما ضعفت عندهم كرهوا ان يتبعوها االسم ،ولم يجز أن يتبعوها إياه) . . .
وجاء بعده النحاة وأسهبوا في بيان وجه المشابهة بين الضمير المجرور وبين التنوين ،فهذا ابن يعيش لم يجز القول في
مثل :مررت بك وزيد ،حتى يعاد الخافض ويقال :مررت بك وبزيد( ،من قبل أن الضمير صار عوضاً عن التنوين ،والدليل
على استوائها قولهم :ياغالم ،فيحذفون الياء التي هي ضمير كما يحذفون التنوين ،وانما استويا ألنهما يجتمعان في انهما على
حرف واحد ،وانهما يكمالن االسم األول ،وال يفصل بينهما ،وال يصح الوقف على ما اتصال به دونهما ،وليس كذلك الظاهر
المجرور ،ألنه قد يفصل بالظرف بينهما)( ،)5أما ابن الحاجب فيقول( :وبيان كونه مشبهاً للتنوين انه ال يستقل معه كالماً ،كما ان
(.)6
التنوين ال يستقل مع المنون كالماً ،فكما ال يعطف على التنوين كذلك ال يعطف على المضاف إليه)
وحجة أخرى ينقلها الزجاج (ت 311هـ) عن المازني (ت 249هـ) في تعليل هذا الحكم من أحكام واو العطف عند العطف
يعد كل واحد منهما مجل صاحبه ،فكما ال يجوز:
بها على الضمير المجرور( .الن المعطوف والمعطوف عليه شريكانّ ،
(.)7
مررت بزيدوك ،كذلك ال يجوز :مررت بك وزيد)/
وإ لى هذا الرأي أشار صاحب االنصاف وهو يسوق حجج البصريين بقوله( :ومنهم من تمسك بان قال :اجمعنا على انه ال
يجوز عطف المضمر المجرور على المظهر المجرور ،فال يجوز ان يقال( :مررت بزيدوك) فكذلك ينبغي ان ال يجوز عطف
المظهر المجرور على المضمر المجرور ،فال يقال (مررت بك وزيد) الن األسماء مشتركة في العطف ،فكما ال يجوز ان
(.)8
يكون معطوفاً ،ال يجوز ان يكون معطوفاً عليه)
والبن السراج (ت 316هـ) تعليل آخر لإعادة الخافض عند العطف على الضمير المجرور ،نقله البغدادي (ت 1093هـ)
في خزانته نقالً عن كتاب (االصول) ،يقول فيه( :واما المخفوض فال يجوز ان تعطف عليه الظاهر ،ال يجوز ان تقول :مررت
بك وزيد ،الن المجرور ليس له اسم منفصل فيتقدم ويتأخر ،كما للمنصوب ،وكل اسم معطوف عليه فهو يجوز ان يؤخر ويقدم
(.)9
االخر عليه ،فلما خالف المجرور سائر األسماء لم يجر ان يعطف عليه)
ويربط ابن الحاجب بين علة إعادة الخافض عند العطف على الضمير المجرور ،بمنفصل عند العطف على ضمير الرفع
(وأما المجرور فال يعطف عليه اال إلعادة الجار ،الن المجرور ،إذا كان مضمراً اشتد اتصاله به ،كاتصال
المتصل ،فيقولّ :
المرفوع من حيث اللفظ ،ومن حيث المعنى ،فامتنع العطف عليه ،كما امتنع في المرفوع ،ولم يكن له مضمر منفصل ،ففعل به،
(.)10
كما فعل في المرفوع ،فأعادوا العامل األول ،ليكون في حكم االستقالل)
ويرى الرضي وجهاً آخر للربط بين العطف على الضمير المرفوع والعطف على الضمير المجرور ،انه لزم إعادة
الخافض عند العطف على الضمير المجرور ،ولم يلزم الفصل( :الن اتصال الضمير المجرور بجاره اشد من اتصال الفعال
المتصل ،الن الفاعل ان لم يكن ضميراً جاز انفصاله ،والمجرور ال ينفصل من جاره ،سواء كان ضميراً أو ظاهراً ،فكره
العطف عليه ،إذ يكون كالعطف على بعض حروف الكلمة ،فمن ثم لم يجز اذا عطفت على المجرور اال بإعادة الجار أيضاً،
نحو :مررت بزيد وبك ،والمال بين زيد وبينك ،وليس المجرور ضمير منفصل كما يجيء في المضمرات ،حتى يؤكد به أوالً
ثم يعطف عليه كما فعل في المرفوع المتصل ،فلم يبق اال إعادة العامل األول ،سواء كان اسماً ،نحو :المال بيني وبين زيد ،أو
(.)1
حرفاً نحو :مررت بك وبزيد)
هذا ما ألزم به جمهور النحاة أنفسهم به في السعة واالختيار ،فال بد من إعادة الخافض عند العطف على الضمير
المجرور ،يسندها في ذلك كتاب العربية األول ،القرآن الكريم ،وأما أثر عن العرب ،اما في غير السعة واالختيار فال يجيزونه
اال في الشعر اضطراراً ،وللشعر ضرورته ،فقد أجازوا قول الشاعر:
()2
ِ
عجب فاذهب فما بك وااليام من قربت تهجونا وتشتمنا
فاليوم ّ
عطف (االيام) على الكاف في (بك) بغير إعادة (الباء) للضرورة ،وقول اآلخر:
تُعلَّ ُ
()3
نفانف
ُ وما بينها والكعب غوطّ سيوفُنا
ق في مثل السَّواري ُ
عطف (الكعب) على الضمير في (بينها) للضرورة.
وهذا الذي عليه جمهور النحاة لم يكن الزماً عند نحاة الكوفة ،وبعض نحاة البصرة أمثال :يونس (ت 182هـ) وقطرب
(ت 206هـ) ،واالخفش (ت 215هـ) والشلوبين (ت 645هـ) وابن مالك (ت 672هـ)( ،)4فقد أجاز هؤالء ترك اإلعادة في حال
ون بِ ِه
اءلُ َ
َّ َِّ
السعة ،ومن أدلتهم أنها جاءت في التنزيل والشعر ،فما جاء منه في التنزيل قراءة حمزة وغيره َ واتَّقُوا اللهَ الذي تَ َس َ
اء ُق ِل اللَّهُ ُي ْفتِي ُك ْم ِفي ِه َّن َو َما ُي ْتلَى
ك ِفي النِّس ِ
َ ون َ
ام بجر (االرحام) عطفاً على الهاء المجرورة بالباء ،وقوله تعالىَ وَي ْستَ ْفتُ َ
()5
اَأْلر َح َ
َو ْ
ون ِفي اْل ِعْلِم ِم ْنهُ ْم
الراس ُخ َ
(فيهن) /،وقوله تعالى لَ ِك ِن َّ ِ َّ َعلَْي ُك ْم )6(فما :في موضع خفض ،ألنه عطف على الضمير المخفوض في
ِِ ك َو َما ُْأن ِز َل ِم ْن قَْبِل َ
ون بِ َما ُْأن ِز َل ِإلَْي َ
الصاَل ةَ ،)7(فالمقيمين في موضع خفض بالعطف على الكاف في ين َّك َواْل ُمقيم َ ون يُْؤ ِمُن ََواْل ُمْؤ ِمُن َ
()8
ص ٌّد َع ْن (اليك) والتقدير فيه( :يؤمنون بما أنزل اليم والي المقيمين الصالة ،يعني من األنبياء عليهم السالم) وقوله تعالىَ :و َ
يل اللَّ ِه َو ُك ْفٌر بِ ِه َواْل َم ْس ِج ِد اْل َح َر ِام )9(بعطف (المسجد الحرام) على الهاء من (به). سبِ ِ
َ
ردوا فيها على أصحاب هذا المذهب ،وحظيت اآلية األولى بوقوف وقد وقف النحاة والمفسرون عند هذه اآليات وقفات ّ
أطول ،فهذا الفراء ،وان كان من رؤساء المدرسة الكوفية ،ينقل أوالً قراءة غير حمزة بنصب (األرحام) على تقدير( :واتقوا
األرحام ان تقطعوها) ثم قال (حدثني شريك بن عبداهلل عن األعمش عن إبراهيم انه خفض (األرحام) قال :تقولهم :باله والرحم،
وفيه قبح ،الن العرب ال ترد مخفوضاً على مخفوض وقد ُكنى عنه( ،)1فالفراء يراه قبيحاً ،ولم يرد على هذا ،ولم يذكر علة
(.)2
قبحه
ت خلف إمام يقرأ (اتقوا اهلل الذي تساءلون به واألرحام)
صلّْي ُ
وهذا أبو العباس المبرد كما ينقل الفارسي انه قال :لو َ
ألخذت نعلي ومضيت( ،)3ويقول الزجاج (قراءة همزة مع ضعفها وقبحها في العربية خطأ عظيم في أصول أمر الدين ،الن النبي
(.)4
قال( :ال تحلفوا بآبائكم) فاذا لم يجز الحلف بغير اهلل فكيف يجوز بالرحم
وجمهور النحاة ال يرى للكوفيين ومن ناصرهم حجة في هذه اآلية مع أخذهم بقراءة حمزة ،وذلك من وجهين:
األول :إن (األرحام) ليس مجروراً بالعطف على الضمير المجرور ،وانما هو مجرور بالقسم ،وجواب القسم قوله تعالى ِإ َّن
ان َعلَْي ُك ْم َر ِق ًيبا ،)5(ولم يجوز بعضهم ان تكون الواو للقسم ،ألنه أذن يكون قسم السؤال ،ألن قبله( ،واتقوا اهلل الذي َّ
اللهَ َك َ
(.)6
تساءلون به) وقسم السؤال ال يكون إال مع الباء
اآلخر :إ ن قوله (األرحام) مجرورة بباء مقدرة غير الملفوظ بها ،وتقديره (وباألرحام) فحذفت لداللة األولى عليها ،وله شواهد
(،)7
كثيرة في كالمهم وضعفن هذا الوجه أيضاً (ألن حرف الجر ال يعمل مقدراً في االختيار إال نحو :اهلل الفعلن ،وأيضاً
(.)8
ظهر الجار فالعمل لألول)
وما بينها والكعب عوط نفانف :ان (والكعب) ليس مجروراً على ما ذكروا ،وإ نما هو مجرور على تقدير تكرير (بين) /مرة
(.)9
أخرى ،فكأنه قال ،وما بينها وبين الكعب ،فحذف الثانية لداللة األولى عليها)
ونحن في هذه المسألة نجد أنفسنا أميل إلى مذهب الكوفيين ألنهم أقل تعسفاً من البصريين ،وما قالوا به لم يخرج على
كالم العرب ،فقد جاء به القرآن الكريم والشعر العربي ،وعليه فان ما يسمع من العرب ،ويوثق بروايته ،وتكثر شواهده يجب
أن ال يكون خاضعاً للقاعدة النحوية الشائعة ،وال يضر اللغة أن تتسع لمثل هذا المسموع ،فانه يغنيها ويثري أساليبها.
أما تخريج البصريين لشواهد الكوفيين فهو ال يخرج عن دائرة الخوض في األدلة المنطقية ،والقياسات الفلسفية البعيدة في
أحيان كثيرة عن الطبيعة اللغوية التي نطق بها العرب ،يتكلفون كل ذلك من أجل أن تأتي أقوالهم متطابقة لمقاييسهم وقواعدهم،
ضعفوا قراءتها ،قد قرأ بها أحد
فيتكلفون التقدير والتأويل بال مسوغ ،فضالً عن أن اآلية الكريمة (يتساءلون به واألرحام) التي ّ
القراء السبعة وهو حمزة بن الزيات.
ضع فوا قراءة الجر في اآلية الكريمة المتقدمة ،من النحاة إنما يحاولون أن يجعلوا للقاعدة النحوية سلطاناَ ال يمكن َّ
إن الذين ّ
الخروج عليه ،حتى ولو اصطدم بالقرآن الكريم في أعلى قراءاته السبعة ،وكان قانونهم ان كل قراءة ال تخضع لقياسهم قراءة
ال يعتد /بها ،وهو أمر في غاية الغرابة أن تخضع اللغة التي ينطق بها أحد القراء السبعة لقواعد نحوية تعارف عليها النحاة ،بل
ان منطق اللغة يفرض أن يكون القرآن الكريم ،وهو أصدق نص لغوي ،ولغته أفصح أساليب العربية على اإلطالق ،األساس
الذين تبنى قواعد النحو واللغة على شواهده ،بمختلف القراءات المتواترة التي صح سندها.
-3الحكم الثالث:
ض َن )6(أي :يصففن ويقبضن ،التحاد جنس المتعاطفين قراءة عاصم ،أي :فلق األصباح ،ومنه أيضاً قوله تعالى :صافَّ ٍ
ات َوَي ْقبِ ْ َ
(.)7
في التأويل ،وال يجوز :مررت برجل طويل ويضرب على العطف ،إذ ليس االسم هذا بتقدير الفعل
ِّت ِم َن اْل َح ِّي
ِّت وم ْخ ِرج اْلمي ِ
ِ ِ
ومثال عطف االسم على الفعل أذا كان في االسم معنى الفعل قوله تعالى ُي ْخ ِر ُج اْل َح َّي م َن اْل َمي َ ُ ُ َ
،)8(ومنه في الشعر قول الشاعر:
()9
عطاء يستحق المعابرا
ُ ٍ
ومجر عدوه
فألقيته يوماً يبير ّ
وقول اآلخر:
()10
ِ
وجائر يقصد في أسوقها بات يغشيها بعضب ٍ
باتر
وكما جوزوا عطف االسم على الفعل ،والفعل على االسم ،كذلك جوزوا عطف الجملة الفعلية على االسمية ،وبالعكس،
وحصروا هذا التجويز بالواو دون غيرها من حروف العطف لفوتها وتصرفها وألصالتها في العطف( ،)1يقول ابن جني” :انه قد
يجوز -يقصد عطف الجملة االسمية على الفعلية وبالعكس -مع الواو ،لقوتها وتصرفها ما ال يجوز مع الفاء من االتساع ،أال
ترى أنك لو قلت :قام محمد فعمرو جالس ،وأنت تعطف على حد ما تعطف بالواو ،لم يكن للفاء هنا مدخل ،ألن الثاني ليس
(.)2
متعلقاً باألول ،وحكم الفاء إذا كانت عاطفة ،أال تتجرد من معنى األتباع ،والتعليق باألول”
ومن أحكام العطف بالواو أن ال يكتفي بتطابق المعطوف والمعطوف عليه ،وإ نما يمتد /هذا التطابق إلى الضمير الراجع
إلى المتعاطفين ،فيجب تطابقهما مطابقة مطلقة ،نحو :زيد وعمرو جا آني ،فالضمير في (جا آني) يعود للمعطوف والمعطوف
عليهن بقول السيوطي (ت911هـ)”:ويطابق الضمير المتعاطفين بعد الواو ،نحو زيد وعمرو منطلقان ومررت بهما ،ويفرد بعد
غيرها (يقصد واو العطف) غالباً يراعي فيه المتأخر أو المتقدم ،وندرت المطابقة بعد( /أو) في قوله تعالىِ إ ْن َي ُك ْن َغنِيًّا أو
(.)3
فَِق ًيرا فَاللَّهُ َْأولَى بِ ِه َما“
ونهَا ،)4(ولم يقل( :ينفقونهما) ،وقد ذهب المفسرون ضةَ َواَل ُي ْن ِفقُ َ
ب َواْل ِف َّ َّ
ون الذ َه َ
ِ
ين َي ْكن ُز َ
َِّ
وقد اختلف في قوله تعالى َ والذ َ
والنحاة في تخريجها مذاهب شتى:
-1فمنهم من وجه الضمير إلى الكنوز ،ويكون المعنى ،وال ينفقون الكنوز ،لداللة يكنزون على الكنوز فكان توحيدها من
(.)5
ذلك
ومنهم من يرى أنه اكتفى بذكر احدهما دون صاحبه ،ويختار األغلب واألعم ،وهي الفضة ،ومثله قوله تعالى َ وِإ َذا َر َْأوا
ب َخ ِطيَئةً أو ِإثْ ًما ثَُّم َي ْرِم بِ ِه َب ِريًئا ،)7(فجعله لألثم ،ومثله
تِ َج َارةً أو َل ْه ًوا ْانفَضُّوا ِإلَْيهَا فجعله للتجارة ،وقوله تعالى َ و َم ْن َي ْك ِس ْ
(،)6
ضوهُ فمذهب سيبويه ان التقدير ،واهلل أحق أن يرضوه ورسوله َأح ُّ َّ
َأن ُي ْر ُ
ق ْ واختلف أيضاً في قوله تعالى َ واللهُ َو َر ُسولُهُ َ
أحف أن يرضوه ثم حذف( ،)1والفراء يقول” :أن شئت جعلته . . .مما اكتفى بعضه من بعض ،وأن شئت جعلت (اهلل) تبارك
وتعالى في هذا الموضع ذكر لتعظيمه والمعنى للرسول ،)2()وقد رجح النحاس (ت338هـ) رأي سيبويه على غيره من
(.)3
اآلراء
والعطف بالواو يستلزم أيضاً التطابق في اإلعراب بين المتعاطفين فهو حرف يشرك بين األول الثاني في اإلعراب
والحكم( )4وال خالف بين النحاة في هذه المسألة ،إال أنهم اختلفوا في العامل في المعطوف ،هل هو العامل في المعطوف عليه،
أو هو واو العطف أو غيرهما؟
مذهب سيبويه :أن العامل في المعطوف هو العامل في المعطوف عليه (فإذا قلت :ضربت زيداً وعمراً ،فزيد وعمرو
جمعياً انتصبا (بضرب) والحرف العاطف دخل بمعناه وشرك بينهما ويؤيد هذا القول اختالف العمل الختالف العامل الموجود
ولو كان العمل للحرف لم يختلف عمله ،ألن العامل إنما يعمل عمالً واحداً لم يختلف عمله ،ألن العامل إنما يعمل عمالً واحداً
جزمت)( )5وفي موضع آخر من كتابه يوشح ابن يعيش هذا المذهب فيقول( :والغرض من
ً أما رافعاً وأما نصباً وأما خفضاً وأما
ذلك – يقصد العطف بالواو – اختصار العامل وإ شراك الثاني في تأثير العامل األول فإذا قلت :قام زيد وعمرو فأصله :قام زيد
(.)6
قام عمرو ،فحذفت الثانية لداللة األولى عليها ،وصار الفعل األول عامالً في المعطوف والمعطوف عليه)
هوى في نفس أحد المعاصرين هو الدكتور مهدي المخزومي عنده تشرك ما قبلها وما بعدها فيً وقد وجد هذا المذهب
حكم واحد (فإذا قلت جاء زيد وعمرو ،فقد جعلت الواو الفعل شركة بين زيد وعمرو ،فكل منهما مسند إليه ،وكل منهما فاعل،
ارتفاع الثاني ليس ألنه تابع لمسند إليه بل ألنه مسند إليه حقيقة)( )7وهو رأي ،كما هو واضح ينأى بنا عن تكلّف التأويل والتقدير
اللذين يصاحبان المذاهب األخرى التي قيلت في هذه المسألة.
ورأي آخر ،وينسب إلى ابن السراج ،يذهب إلى أن العامل في المعطوف عليه الفعل المذكور ،والعامل في المعطوف
حرف العطف( ،ألن حرف العطف إنما وضع لينوب عن العامل ،ويعني عن إعادته ،فإذا قلت :قام زيد وعمرو ،فالواو أغنت
عن إعادة (قام) مرة أخرى ،فصارت ترفع كما ترفع (قام) وكذلك اذا عطف بها على منصوب نحو قولك :ان زيداً وعمراً
منطلقان ،فالواو تنصب كما تنصب (إن) وكذلك في الخفض ،أذا قلت :مررت بزيد وعمرو فالواو جرت كما جرت الباء)( )8وقد
ضعف النحاة هذا الرأي ألنه يتعارض مع واحد من أهم مبادئ نحوهم ،وهو مبدأ (اختصاص األدوات) ألن شرط العمال
االختصاص بالفعل ام االسم ،والواو أحد حروف العطف( ،واألصل في حروف العطف أن ال تعمل ألنها ال تختص ألنها تدخل
(.)9
تارة على االسم ،وتارة على الفعل)
وذهب قوم آخرون إلى أن العامل في المعطوف هو الفعل المحذوف ب عد الواو ،ألن األصل في قولنا :ضربت زيداً
وعمراً :ضربت زيداً وضربت عمراً ،فحذف الفعل بعد الواو لداللة األول عليه ،وتصح أصحاب هذا الرأي بأنه ال يجوز
إظهاره ،فكما أنه ظهر كان هو العامل ،فكذلك هو العامل إذا كان محذوفاً من اللفظ ،مراداً من جهة المعنى ،وقد نسب هذا
(.)1
الرأي إلى أبي علي الفارسي وآبن جني
(،)2
والذي نراه ،وكما تقدم ،أن المذهب األول ،مذهب سيبويه، هذه أشهر اآلراء التيس قيلت في العمال في المعطوف
والقائل بأن العامل في المعطوف عليه ،هو أسلم اآلراء وأقربها إلى روح اللغة ،ألنه ال يحوج إلى تقدير وتأويل يبعدان اللغة
عن طبيعتها ،ويضيفان عليها ظالالً من التعقيد.
أحكام انفردت بها واو العطف
انفردت واو العطف من بين سائر حروف العطف بمجموعة أحكام ،وقد عزا بعضهم هذا الانفراد بهذه الحكام ،إلى أن
(الواو) أصل حروف العطف( ،)3وقد أسهب النحاة في سرد هذه األحكام نذكر منها أشهرها:
- 1أنها الحرف المختص بعطف اسم على اسم ال يكتفي الكالم به ،أي باالسم المعطوف عليه ،وهو ما أطلق عليه :باب المفاعلة
واالفتعال( ،)4نحو :اختصم زيد وعمرو ،واصطف زيد وعمرو ،وسواء زيد وعمرو ،وجلست بين زيد وعمرو ،فالمعطوف
عليه في هذه األمثلة وهو (زيد) ال يكتفي به ،فال يقال :اختصم زيد ،وتضارب زيد ،واصطف زيد ،وسواء زيد ،وجلست
بين زيد( ،إذ االختصام واالصطفاف والمساواة والبينية من المعاني التي ال تقوم إال باثنين فصاعداً ،والواو لمطلق الجمع،
فذلك اختصت بها بخالف غيرها من حروف العطف)( ،)5فال يجوز أن يقال :اختصم زيد فعمرو ،وال :تقاتل زيد فعمرو،
ثم ،فأننا قد اقتصرنا على االسم األول ،الفاء توجب المهلة بين األول والثاني ،وهذه األفعال إنما تقع
ألننا إذا أتينا بالفاء أو ّ
(،)6
من االثنين معاً وبناء على هذا الحكم اعترض األصمعي على قول امرئ القيس:
بسقط اللوا بين الدخول فحومل قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
الصواب أن يقال :بين الدخول وحومل ،بالواو بدالً من الفاء ،ألن البنية ال يعطف بها بالفاء ،ألنها (أي البينية) /ال تدل على
(.)7
الترتيب
-2أنها اختصت بعطف عامل قد حذف وبقي معموله على عامل ظاهر يجمعها معنى واحد ،سواء كان المعمول مرفوعاً نحو
ك اْل َجَّنةَ ،)8(فزوجك :فاعل بفعل محذوف معطوف على (أسكن) ،أي :ليسكن زوجك ،وهو
ت َو َز ْو ُج َ
اس ُك ْن َْأن َ
قوله تعالىْ
من عطف األمر على األمر ،إذ ال يصح عطف (زوج) على الضمير المستتر الفاعل ،وإ الّ كان فاعالً مثله ،فيترتب على
هذا أن يقال أسكن وزوجك ،بوقوع االسم الظاهر فاعالً لألمر وهذا ال يصح( ،)9أم كان المعمول منصوباً نحو قوله تعالى
ان ،)10(فاإليمان مفعول بفعل محذوف معطوف على (تبوؤا) أي( :والفوا اإليمان) فهو من ِإْل ين تََب َّو ُءوا َّ َِّ
يم َ
الد َار َوا َ َ والذ َ
عطف جملة على جملة ،أم كان المعمول مجروراً نحو قولهم( :ما كل سوداء تمرة ،وال بيضاء شحمة) ،فبيضاء مجرور
بمضاف محذوف معطوف على (كل) أي :وال كل بيضاء( ،)11ومما جاء في الشعر قول أحدهم:
()1
وزججن الحواجب والعيونا إذا ما الغانيات برزن يوماً
فـ(العيون) مفعول بفعل محذوف ،والتقدير :وكحلن العيون ،والفعل المحذوف معطوف على (زججن) والجامع بينهما:
التحسين.
-3أنها اختصت بأن تقترن بـ (ال) إن سبقت بنفي ،ولم يقصد معنى (المعية) نحو :ما قام زيد وال عمرو( ،)2لتفيد أن الفعل نفي
عنهما في حالتي االجتماع واالقتران( ،ولئال يتوهم أن (الواو) جامعة ،وأنك نفيت قيامهما في وقت واحد)( ،)3وعليه ،فأنه ال
يعطف على المنفي بالواو إال وبعد الواو (ال) ،إن لم يقصد معنى (المعية) ،خوفاً (من أن يكون مراد المتكلّم ،ما جاءني
زيد مع عمرو ،فيكون قد نفي االجتماع في وقت ال ترتب مجيء أحدهما على مجيء اآلخر ،فجيء بـ (ال) في األغلب
(،)4
َأم َوالُ ُك ْم َواَل َْأواَل ُد ُك ْم
دفعاً لهذا التوهم ،وبياناً أن المراد نفي االحتماالت الثالث) ومنه في القرآن الكريم قوله تعالىَ :و َما ْ
(.)5
بِالَّتِي تُقَِّرُب ُك ْم ِع ْن َدَنا ُزْلفَى
وإ ّن لم تسبق (الواو) بنفي ،أو قصدت المعية ،امتنع اقترانها بـ(ال) ،فال يجوز نحو :قام زيد زال عمرو ،أما اقترانها بـ (ال)
ِّ ض ِ
ين ،)6(فإنما جاز ألن في (غير) معنى النفي( ،)7وقد تزاد (ال) عند أمن اللبس وب َعلَْي ِه ْم َواَل الضَّال َ في قوله تعالىَ :غ ْي ِر اْل َم ْغ ُ
نحو :ما يستوي زيد وال عمرو( ،ألن المعية هنا مفهومة من (يستوي) ومنه في القرآن الكريم قوله تعالىَ :واَل تَ ْستَِوي اْل َح َسَنةُ
(.)9 (،)8
ات
اَأْلم َو ُ
اء َواَل ْ َواَل السَِّّيَئةُ وقوله تعالىَ :و َما َي ْستَِوي ْ
اَأْلحَي ُ
-4أنها اختصت بعطف الشيء علي مرادفه نحو قوله تعالىِإ َّن َما َأ ْش ُكو َبثِّي َو ُح ْزنِي إلى اللَّ ِه وقوله تعالىُأولَِئ َ
ك َعلَْي ِه ْم (،)11 (،)10
والنهى) على أن (األحالم) في ات ِم ْن َرِّب ِه ْم َو َر ْح َمةٌ ،)12(ومنه قوله عليه الصالة والسالم( :ليلني منكم ذوو األحالم ُّ صلَ َو ٌ
َ
(حلُم) بضمتين ،والمعنى :ليلني البالغون العقالء( ،)13ومنه في الشعر قول أحدهم:
الحديث جمع ُ
()14
والفى قولها كذباً ومينا ومددت األديم لراهشيه
(.)15
ب َخ ِطيَئةً أو ِإثْ ًماوقد تشارك الواو في هذا الحكم ،كما يرى ابن مالك (أو) ومنه قوله تعالى َ و َم ْن َي ْك ِس ْ
(،)16
-5أنها اختصت بعطف ما حقه التثنية /أو الجمع منه قول الفرزدق:
ِ ()17 ِ
محمد ومحمد فقدان مثل َّ
إن الرزية ال رزية مثلها
زيد قائم
وزيد وأخوه ،ونحوٌ : ٌ -6أنها اختصت بعطف المفرد على األجنبي عند االحتياج إلى الربط نحو :مررت برجل قائم
.
عمرو وغالمه ،ومنه في باب االشتغال ،زيد ضربت عمراً وأخاه
ِ
يل ِإ َّما َشاك ًرا َوِإ َّما َكفُ ً
ورا )1(وال السبِ َ
(إما) المسبوقة بمثلها ،وعند عطفها للمفرد نحو قوله تعالى َّ
-7أنها اختصت بان تقترن بـ ّ
يجوز عد (إما) الثانية عاطفة ،ألن ال يجتمع حرفان من حروف العطف ،فمتى ما اجتمع حرف من حروف العطف مع
الواو ،فالواو هي العاطفة دونه ،وال ترد (إما) الثانية بال (الواو) اال نادراً ،ومن النادر بيت الحماسة:
إما إلى جنة إما إلى نار يا ليتما أمنا شالت نعامتها
وينقل صاحب خزانة األدب عن ابن هشام قوله” :وال أحفظ حذف الواو إال مع تخفيف (اما) بالبدل ،كقوله:
ايما لنا ايما لكم ال تفسدوا أبالكم
و(أيما) لغة (في (أما) وقد تخرج الواو في هذا الموضع عن معنى الجمع والتشريك لتفيد معنى آخر كالتخيير نحوك
(.)2
أسترخي إما مشياً وإ ما ركوباً
ِ ِ اغِف ْر ِلي َوِل َو ِال َد َّ
ي َوِل َم ْن َد َخ َل َب ْيت َي ُمْؤ ِمًنا َوِلْل ُمْؤ ِمن َ
(،)3
ين ب ْ -8أنها اختصت بعطف العام على الخاص وبالعكس فاألول نحوَ :ر ِّ
وح ونحو َ و َماَل ِئ َكتِ ِه َو ُر ُسِل ِه َو ِج ْب ِري َل
) 5 (
ك َو ِم ْن ُن ٍ ِّين ِميثَاقَهُ ْم َو ِم ْن َ َأخ ْذَنا ِم َن َّ
النبِي َ
ِ (،)4
ات ومثال الثاني قوله تعالىَ وِإ ْذ َ َواْل ُمْؤ ِمَن
َو ِمي َكا َل ويشارك الواو في هذا الحكم من حروف العطف( :حتى) نحو :مات الناس حتى العلماء ،وقدم الحجاج حتى ()6
(.)7
المشاة ،فأنها عطفت خاصاً على عام
الخاتمة
بهذه السطور أكون قد أتيت على خاتمة هذه الجولة في كتب النحو ومصادره ،وبعد أن أكون قد قدمت بين يدي هذا البحث
ما يتعلق بحرف من حروف العربية المهمة واو العطف ،هذا الحرف الصعب السهل ،والواضح الخفي ،بعد كل هذا استطيع أن
أقوال :أنني بذلت جهداً ،أترك تقديره للقارئ الكريك أن أصل إلى ما يأتي:
-1لقد جمعت مادة هذا البحث من كتب متفرقة لنحاة ولغويين ومفسرين ،وفي عصور مختلفة ،تكونت مننها خالصة ميسرة
لمت شتات موضوع (واو العطف) جعلته سهل المتناول ،قريب المأخذ لعله يغني الدارس عن الرجوع عن المصادر
المتفرقة.
- 2أعطى هذا البحث صورة واضحة الهتمام أسالفنا بموضوع واو العطف) ،وألساليبهم ومناهجهم في دراساتهم لها ،وفي فهم
الوظيفة اللغوية والتعبيرية /التي تؤديها هذه األداة في الكالم العربي.
-3لم يترك الباحث مسائل هذا البحث دون أن تكون له وقفات كثيرة ،يعلل فيها ويؤيد ،ويختلف ،مما هو مثبت في أثناء
البحث.
وأخيراً ،أعود فأكرر ما قدمت به هذا البحث ،من أنني لم أستطع أن أوفي هذا الموضوع حقه من العرض والتحليل فيه
فما زال فيه زيادة لمستزيد ،ولكنني أعرف أنني بذلت جهداً من أجل أن أعطي للبحث حقه من الشمول واإلحاطة . . .وأرجو
أن أكون قد وفقت في ذلك . . .وآخر دعوانا أن الحمد هلل رب العالمين.
المصادر والمراجع
-1األشباه والنظائر في النحو ،جالل الدين عبد الرحمن بن أبي البكر السيوطي (ت 911هـ) تحقيق :طه عبد الرؤوف سعد،
نشر :مكتبة الكليات األزهرية1975 ،م.
-2اإلنصاف في مائل الخرف بين البصريين والكوفيين /:أبو البركات كمال الدين عبد الرحمن بن محمد االنباري (ت 577هـ)
تحقيق :محمد محي الدين عبد الحميد ،الطبعة الثالثة /مطبعة السعادة ،مصر1955 ،م.
-3اإليضاح في شرح المفصل :أبو عمرو عثمان بن عمر المعروف بابن الحاجب النحوي (ت 646هـ) ،تحقيق :الدكتور:
موسى بناي العلبلي ،مطبعة العاني ،بغداد1982 /،م.
-4بدائع الفوائد :أبو عبد اهلل محمد بن أبي بكر الدمشقي المشتهر بابن قيم الجوزية (ت 751هـ) ،دار الكتاب العربي /بيروت.
-5تاج العروس من جواهر القاموس :محمد مرتضى الزبيدي ،منشورات دار مكتبة الحياة /بيروت.
-6الجنى الداني في حروف المعاني :حسن بن قاسم المرادي (ت 741هـ) تحقيق :طه محسن ،مؤسسة دار الكتب للطباعة
والنشر ،جامعة الموصل1396 /هـ1976 /م.
-7جامع البيان عن تأويل القرآن (تفسير الطبري) :أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت 310هـ) تحقيق :محمود محمد
شاكر ،دار المعارف" ،مصر.
-8الجامع ألحكام القرآن (تفسير القرطبي) :أبو عبد اهلل محمد بن أحمد األنصاري القرطبي (ت 670هـ) الطبعة الثالثة ،دار
الكاتب العربي للطباعة والنشر1387 /هـ1967 /م.
-9خزانة األدب ولب لسان العرب :عبد القادر البغدادي (ت 1093هـ) المطبعة /بوالق مصر .ط.1
-10الخصائص :أبو الفتح عثمان بن جني (ت 392هـ) :تحقيق محمد علي النجار ،الطبعة الثانية ،دار الهدى للطباعة والنشر/
بيروت.
-11سر صناعة االعراب .أبو الفتح عثمان بن جبي (ت 392هـ) تحقيق :لجنة من األساتذة ،منهم :مصطفى السقا ،الطبعة
األولى مطبعة مصطفة البابي الحلبي ،مصر1374 /هـ1954/م.
-12شرح االشموني على ألفية ابن مالك :أبو الحسن علي نور الدين بن محمد االشموني (ت 929هـ) تحقيق :محمد محي
الدين عبد الحميد الطبعة األولى /دار الكتاب العربي ،بيروت1375 /هـ1955 /م.
-13شرح ابن عقيل .بهاء الدين عبد اهلل بن عقيل (ت 769هـ) تحقيق :محمد محي الدين عبد الحميد ،الطبعة األربعة عشر،
مطبعة السعادة بمصر1964 /م (ت 905هـ) دار الفكر ،بيروت.
-14شرح تصريح على التوضيح :خالد بن عبد اهلل االزهري (ت 609هـ) دار الفكر ،بيروت.
-15شرح جمل األجاجي (الشرح الكبير) :ابن عصفور االشبيلي (ت 696هـ) تحقيق :الدكتور صاحب أبو جناح مؤسسة دار
الكتب للطباعة والمنشر ،جامعة الموصل1980 ،م.
-16شرح الكافية في النحو :رضا الدين محمد بن الحسن االستراباذي (ت 686هـ) دار الكتب العلمية /بيروت1985 /م.
-17شرح المفصل :موفق الدين يعيش بن علي بن يعيش (ت 643هـ) عالم الكتب ،بيروت.
-18في النحو العربي /قواعد وتطبيق /الدكتور مهدي المخزومي /مصطفى البابي لحلبي وأوالده /مصر ط1966 /1م.
-19الكتاب :سيبويه (ت 180هـ) مصور عن طبعة بوالق /الطبعة األولى1316 /هـ /نشر مكتبة المثنى /بغداد.
25
آذار2012/م مجلة كلية التربية األساسية /جامعة بابل العدد6 /
-20لسان العرب :أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرمك بن منظور (ت 711هـ) دار صادر /بيروت1375 /هـ1956 -م.
-21اللمع في لعربية :أبو الفتح عثمان بين جني (ت 392هـ) تحقيق :حامد المؤمن /مطبعة العاني /بغداد1982 //م.
-22المرشد إلى آيات القرآن الكريم وكلماته :محمد فارس بركات /المطبعة الهاشمي /دمشق1377 /هـ1957 -م.
- 23المطالع السعيدة في شرح الفريدة :جالل الدين السيوطي ،تحقيق :الدكتور نبهان ياسين حسين /دار الرسالة للطباعة/
1975م.
-24معاني القرآن :أبو زكريا يحيى بن زياد الفراء (ت 207هـ) تحقيق :محمد علي النجار .الطبعة الثانية عالم الكتب/
بيروت1980 /م.
-25مغنى اللبيب عن كتب االعراب :أبو محمد عبد اهلل جمال الدين بن يوسف بن هشام األنصاري (ت 761هـ) تحقيق :محمد
محي الدين عبد الحميد مطبعة المدني /القاهرة.
-26المقاصد النحوية في شرح شواهد األلفية :بدر الدين العيني محمود (ت 855هـ) على هامش خزانة األدب /بيروت /دار
صادر.
-27النحو الوافي :عباس حسن /الطبعة الثالثة /دار المعارف بمصر1966 ،م.
26