You are on page 1of 17

‫جامعة وهران‪ 1‬أحمد بن بلّة‪-‬كلية اآلداب –قسم اللغة العربية –مادة مصادر األدب واللغة والنقد‪ -‬السنة‪-1‬ل م د‬

‫‪ :‬تدوين اللغة وتأليف المعاجم عند العرب – د‪.‬العابدي ‪2020-‬‬ ‫محاضرات حول‬

‫محاضرات في مادة‬

‫مصادر األدب واللغة والنقد‬

‫دروس في‬

‫تدوين اللغة وتأليف المعاجم عند العرب‬

‫موجه لطلبة السنة األولى ليسانس ل‪.‬م‪.‬د‬

‫األستاذة العابدي‬
‫‪2020‬‬

‫تدوين اللغة وتأليف المعاجم عند العرب‬


‫تدوين اللغة‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫جامعة وهران‪ 1‬أحمد بن بلّة‪-‬كلية اآلداب –قسم اللغة العربية –مادة مصادر األدب واللغة والنقد‪ -‬السنة‪-1‬ل م د‬
‫‪ :‬تدوين اللغة وتأليف المعاجم عند العرب – د‪.‬العابدي ‪2020-‬‬ ‫محاضرات حول‬

‫انتشر اإلسالم في األقطار املجاورة للجزيرة العربية بعد الفتوح ودخل معظم سكان هذه األقطار في‬

‫اإلسالم و بدأوا يتعلمون اللغة العربية األمر الذي أدى إلى اختالط املسلمين من العرب بإخوانهم املسلمين‬

‫من األقوام األخرى‪.‬‬

‫فكان من نتائج هذا االختالط فساد ألسنة العرب و ظهور اللحن في كالمهم كما أن املسلمين الجدد من‬

‫أبناء األمم األحرى لم يكونوا يجيدون تعلم الغربية وال يحسنون النطق بها بل كانوا يلحنون في اللغة لحنا‬

‫عجيبا غريبا و هكذا فش ى اللحن و شاع على ألسنة أناس كثيرين من العرب و غيرهم من املسلمين و ال‬

‫سيما في القرن الثاني للهجرة حيث تمت الفتوح واستقر الناس واختلط السكان من العرب بغيرهم من‬

‫أبناء األمم األخرى‪.‬‬

‫جزع العلماء من أهل العربية من فشو اللحن و انتشاره كالداء املعدي فنهضوا لرده و إيجاد العالج الناجع‬

‫للقضاء عليه و رأوا بثاقب نظرهم أن العالج الناجع في مداواة هذا الداء يكون في جمع اللغة الصحيحة و‬

‫تدوينها و حفظها‪ .‬ولم يلبثوا ان نشطوا لذلك و بذلوا جهوده في جمع اللغو و تدوينها في صحف ثم ألقوا‬

‫هذه الصحف بين أيدي الناس ليقرأوها و يتعلموا اللغة الصحيحة و يحفظوا ألسنتهم من الغلط‪.‬‬

‫جمع العلماء ألفاظ اللغة في بدء حركة التدوين في القرن الثاني من الهجرة بطريق الرواية عن العرب‬

‫الفصحاء و األخذ عنهم باملشافهة أحذا مباشرا و كان علماء اللغة يرحلون لذلك الى بوادي جزيرة العرب‬

‫ويلقون فيها فصحاء األعراب و يسمعون منهم و يكتبون عنهم ألفاظ اللغة ثم يعودون بما أخدوا ودونوا إلى‬

‫األمصار ليذيعوه على الناس وكان األعراب الفصحاء أنفسهم يقدمون من بواديهم إلى األمصار و يلقون‬

‫فيها العلماء و يروون لهم اللغة ثم كان كثيرا من هؤالء العرب الفصحاء يقيمون في األمصار لرواية اللغة و‬

‫تعليم الناس و يضعون لهم الكتب فيها‪.‬‬

‫و قد ذكر ابن النديم في كتاب الفهرست أسماء طائفة من فصحاء األعراب املشهورين الذين سمع منهم‬

‫العلماء و ساق طرفا من أخبارهم و أسماء كتبهم‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫جامعة وهران‪ 1‬أحمد بن بلّة‪-‬كلية اآلداب –قسم اللغة العربية –مادة مصادر األدب واللغة والنقد‪ -‬السنة‪-1‬ل م د‬
‫‪ :‬تدوين اللغة وتأليف المعاجم عند العرب – د‪.‬العابدي ‪2020-‬‬ ‫محاضرات حول‬

‫و جمع األستاذ املرحوم خليل مردم رئيس مجمع اللغة العربية بدمشق سابقا أحبار هؤالء األعراب‬

‫الفصحاء عن كتاب الفهرست و غيره من الكتب و رتبها في كتاب سماه األعربيات‪.‬‬

‫اتبع العلماء و الرواة طرقا و أشكاال مختلفة في جمع اللغة و تدوينها في املراحل األولى لهذه الحركة‬

‫العلمية ومنشأ ذلك هو اختالف هؤالء العلماء أنفسهم في املوضوعات أو املجاالت التي كانوا يجمعون فيها‬

‫ألفاظ اللغة‪.‬‬

‫ويغلب على ظننا أن بدء تدوين اللغة كان بجمع نوادرها و غرائبها لجهل معظم الناس بها و ضاللهم في‬

‫استعمالها و فهمها و نحن نعرف أن غاية العلماء من جمع اللغة كانت غاية إصالحية تعليمية ملقاومة‬

‫اللحن و الغلط و تقويم اللسان و أول كتاب في النوادر تذكره املصادر هو نوادر أبي عمر بن العالء‬

‫وهو شيخ رواة اللغة وأول من عمل على تدوينها في الصحف في رأينا و كانت عامة روايته عن أعراب قد‬

‫أدركوا الجاهلية‪.‬‬

‫و قد ظل التأليف في النوادر مستمرا طوال قرن من الزمان أي من أواسط القرن الثاني الى أواسط القرن‬

‫الثالث ثم قل التأليف فيها بعد ذلك شيئا فشيئا و كتب النوادر التي ألفها العلماء في هذه الحقبة من‬

‫الزمن جاوز عددها األربعين كتابا ‪.‬‬

‫التأليف في اللغة ‪:‬‬

‫إن جمع اللغة و تثبيتها في الرسائل الجزئية املتفرقة أو املعاجم الجامعة ذات الطرق املتنوعة يهمنا‬

‫أكثر من سواه عن أنواع التصانيف اللغوية األخرى ذلك ألن املعاجم هي املرجع الذي ال يستغنى عنه في كل‬

‫بحث مهما كان نوعه بل هي املرجع الذي يستوي في الحاجة إليه الناش ئ املتعلم و الباحث املنقب ‪،‬و ال ريب‬

‫في أن تنوع املعاجم لدى األمة و تجددها من حين آلخر و ذيوع استعمالها بين األفراد دليل على حيوية هذه‬

‫األمة و نشاطها ‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫جامعة وهران‪ 1‬أحمد بن بلّة‪-‬كلية اآلداب –قسم اللغة العربية –مادة مصادر األدب واللغة والنقد‪ -‬السنة‪-1‬ل م د‬
‫‪ :‬تدوين اللغة وتأليف المعاجم عند العرب – د‪.‬العابدي ‪2020-‬‬ ‫محاضرات حول‬

‫و املعاجم كثيرا ما تكون مصادر للبحث و منتقى ملادته و ال سيما في تاريخ اللغة وفقهها مثل لسان العرب و‬

‫تاج العروس‪.‬‬

‫و تنقسم معاجم اللغة إلى قسمين ‪:‬‬

‫أ) معاجم األلفاظ ‪ :‬وهي تفيدنا مبدئيا في الكشف عن معنى لفظ من األلفاظ ‪.‬‬

‫ب) معاجم املعاني ‪ :‬وهي تفيدنا مبدئيا في إيجاد لفظ ملعنى من املعاني ‪.‬‬

‫معاجم األلفاظ ‪:‬‬

‫إن ملعاجم األلفاظ في اللغة العربية فوائد كثيرة غير معرفة املعنى فحسب ‪ ،‬منها ضبط‬

‫األلفاظ واإلطالع على تطور معاني املفردات من عصر إلى آخر والكشف عن أعالم األشخاص والقبائل‬

‫واألماكن و ضبطها وأخيرا تحقيق كثير من الشواهد والروايات املتضاربة‪.‬‬

‫لقد جرى جمع ألفاظ اللغة على مراحل ثالثة وعلى أشكال ثالث ولكنه لم يكن هناك فواصل زمنية‬

‫تميز املرحلة عن أختها و لكنها أشكال و كيفيات ثالثة ‪.‬‬

‫المرحلة األولى ‪:‬‬

‫تدوين األلفاظ اللغة و تفسيرها بدون ترتيبها ‪ ،‬وقد جرى هذا الجمع بفضل نشاط الرواة‬

‫والعلماء منذ أواخر القرن األول الهجري وخالل القرن الثاني أي في العصر الذي جرى فيه جمع‬

‫الحديث واألدب ‪ .‬كان السماع عن األعراب واالتصال املباشر بهم في صحرائهم أو حين قدومهم إلى‬

‫األمصار أحد املصادر األساسية التي اعتمدها الرواة في جمع اللغة أما مصادرهم األساسية األخرى‬

‫التي استنبطوا منها مفردات اللغة فهي القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف واألدب القديم‬

‫بشعره وأخباره وأمثاله ‪ .‬وكانت كل طبقة من الرواة تتلقف ما جمعته سابقتها من مفردات اللغة تزيد‬

‫‪4‬‬
‫جامعة وهران‪ 1‬أحمد بن بلّة‪-‬كلية اآلداب –قسم اللغة العربية –مادة مصادر األدب واللغة والنقد‪ -‬السنة‪-1‬ل م د‬
‫‪ :‬تدوين اللغة وتأليف المعاجم عند العرب – د‪.‬العابدي ‪2020-‬‬ ‫محاضرات حول‬

‫عليه بجهودها الخاصة ثروة جديدة ثم أخذ بعض الرواة يدونون هذا التراث اللغوي في رسائل متفرقة‬

‫تمتاز بطابعها االبتدائي العفوي البعيد عن الترتيب و التنسيق و لعل كتاب النوادر في اللغة ألبي زيد‬

‫األنصاري خير ما بين أيدينا من كتب لغوية تمثل هذه املرحلة ‪.‬‬

‫شعرية والنّثرية المليئة بالمفردات الغريبة النادرة فيشرحها و يعلّق‬


‫إذ نرى المؤلّف يورد النصوص ال ّ‬
‫عليها بعض التعليقات اللّغوية من غير ترتيب في إيراد النصوص أو ربط بين معاني األلفاظ‪.‬‬

‫يقال في ذلك ‪:‬‬

‫(( يقال ثوب مهلهل إذا تباعد بين خيوطه ورأيت الرجلين يهتمالن هتملة إذا تكلما بكالم يسرانه‬

‫عن غيرهما أي ال يفهمه غيرهما ويقال في مثل سقط العشاء به على سرحان إذا طلب حاجة فوقع فيها‬

‫على واهبة )) ‪.‬‬

‫فكما نالحظ إذا ‪ ،‬بال ترتيب يشرح املؤلف املفردات شرحا ى إيجازه كافيا ومن السهل جدا أن تبين أنه‬

‫ال رابطة تربط بين هذه األمثال أو هذه املفردات اللهم إال الغرابة و الندرة ويخيل إلينا أن هذه الرسالة‬

‫هي أصدق صورة ملا كان عليه جمع اللغة في املرحلة األولى ‪ .‬إن هذا النص يوضح طريقة أبي زيد‬

‫األنصاري في نوادره كل التوضيح ‪ ،‬فاملؤلف يسرد املفردات الغريبة و األمثال النادرة ‪.‬‬

‫المرحلة الثانية ‪:‬‬

‫وهي مرحلة تدوين ألفاظ اللغة مرتبة في رسائل متفرقة صغيرة محدودة املوضوع مبنية على معنى‬

‫من املعاني أو على حرف من الحروف ‪ ،‬وكل هذه الرسائل الصغيرة سواء ما وصل منها أم ما فقد (‬

‫ضاع ) ‪،‬إنما ذابت في املعاجم الجامعة التي ألفت فيما بعد وقد وصلنا كثير من الرسائل التي تمثل هذه‬

‫املرحلة ‪ ،‬فألبي زيد األنصاري صاحب كتاب النوادر التي سبقت اإلشارة إليه في هذا الفصل ‪ ،‬عدد من‬

‫الرسائل اللغوية التي تمثل هذا الشكل الثاني من أشكال جمع اللغة مثل كتاب المطر وكتاب اللّبأ‬

‫‪5‬‬
‫جامعة وهران‪ 1‬أحمد بن بلّة‪-‬كلية اآلداب –قسم اللغة العربية –مادة مصادر األدب واللغة والنقد‪ -‬السنة‪-1‬ل م د‬
‫‪ :‬تدوين اللغة وتأليف المعاجم عند العرب – د‪.‬العابدي ‪2020-‬‬ ‫محاضرات حول‬

‫واللبن كما أن ملعاصره األصمعي رسائل أخرى كثيرة من هذا النوع مثل كتاب اإلبل كتاب الخيل كتاب‬

‫أسماء الوحوش و صفاتها كتاب خلق اإلنسان كتاب النخل كتاب النبات والشجر ومن هذا النوع أيضا‬

‫كتاب الرمل و المنزل المنسوب إلبن قتيبة وهناك رسائل أخرى جمعت فيها األلفاظ ال بحسب املعاني‬

‫بل تبعا ألحد حروف أصلها وهي تحمل عادة اسم الحرف الذي يجمع بين هذه األصول فيقال كتاب‬

‫الخاء وكتاب الجيم وهكذا‪ ...‬ومن أشهر ما وصلنا من هذا النوع من الرسائل كتاب الهمز ألبي زيد‬

‫األنصاري ‪ ،‬وهناك نمط ثالث من هذه الرسائل جمعت فيها األلفاظ التي تربط بينها رابطة أخرى غير‬

‫رابطة املعاني أو الحروف من ذلك مثال الكتب التي ألفت في األضداد وقد جمعت فيها األلفاظ التي‬

‫يستعمل كل منها للداللة على الش يء وضده مثل ( الجون الذي يطلق على األبيض واألسود) وكفعل‬

‫يشري الذي يدل على البيع والشراء ومن ذلك أيضا ما ألف في مثلث الكالم و هي رسائل عديدة‬

‫جمعت فيها األلفاظ التي وردت على ثالث حركات بمعاني مختلفة كأن نقول الغمر بفتح الغين ‪ :‬املاء‬

‫الكثير‪ .‬والغمر بكسرها وهو الحقد ‪ .‬والغمر بضمها وهو الرجل الجاهل‪ .‬ومن أشهر ما ألف في هذا‬

‫الباب مثلث ّات قطرب ومن ذلك أخيرا الرسائل املختلفة التي جمعت فيها األفعال ذات االشتقاق الواحد‬

‫كــكتاب فعل وأفعل لقطرب وكتاب فعلت و أفعلت للزجاج ‪.‬‬

‫معجم العين للخليل بن أحمد الفراهيدي‬

‫وضع املعاجم العامة الشاملة املنظمة ‪ :‬وقد اتبع في ترتيب مفردات اللغة في هذه املعاجم ثالث‬

‫طرق مختلفة وهي‪:‬‬

‫‪6‬‬
‫جامعة وهران‪ 1‬أحمد بن بلّة‪-‬كلية اآلداب –قسم اللغة العربية –مادة مصادر األدب واللغة والنقد‪ -‬السنة‪-1‬ل م د‬
‫‪ :‬تدوين اللغة وتأليف المعاجم عند العرب – د‪.‬العابدي ‪2020-‬‬ ‫محاضرات حول‬

‫أ‪ -‬ترتيب األلفاظ بحسب مخارج الحروف = أول من جمع اللغة أو حاول جمعها في معجم هو الخليل‬

‫ابن أحمد الفراهيدي واسم املعجم الذي قيل إن الخليل هو الذي وضعه ‪ ،‬كتاب العين و قد‬

‫رتبت فيه األلفاظ بحسب مخارج الحروف مع مراعاة أوائل األصول فكلمة ( عقد) في باب العين‬

‫وكلمة (خلف) في باب الخاء وهكذا ‪ .‬و لم يرتب الخليل أبواب كتابه بحسب الترتيب الهجائي‬

‫املعروف أ ب ت ث ج ح خ ‪ ....‬إلخ ‪ .‬بل بحسب ترتيب مخارج الحروف ‪ ،‬فبدأ بحروف الحلق‬

‫فاللسان فاألسنان فالشفتين ‪...‬إلخ‪ .‬ختم كتابه بحروف العلة مما أدى إلى جعل ترتيب الكتاب‬

‫على الشكل التالي‪ :‬ع ح هـ خ غ ق ك ج ش ض ص س ز ط د ظ ذ ث ر ل ن ف‬

‫ب م و ي أ‪.‬‬
‫اتبع الطريقة نفسها في ترتيب مفردات كل باب على حدا ‪ .‬فلفظة ( عقل) في باب العين قبل عفف‬

‫و هذه اللفظة قبل عقب و هذه األخيرة قبل عكر وهكذا‪ .‬و قد بدأ الخليل بحرف العين ألنه من‬

‫أقص ى حروف الحلق وإن لم يكن أقصاها ‪ .‬وباسم باب العين الذي هو الجزء األول من املعجم‬

‫سمي الكتاب كله ‪ .‬و يقال إن الخليل لم يبدأ بالهمزة وال بالهاء مع أنهما أقص ى مخرج من العين ألن‬

‫الهاء مهموسة و خفية ‪ ،‬وألن الهمزة غير ثابتة بل هي عرضة للحذف والتغيير‪ ،‬ولم يكتف الخليل‬

‫بأن يذكر في كل باب الكلمات املبتدئة بحرف معين بل كان يذكر أيضا بعد كل مادة مبتدئة بهذا‬

‫الحرف الكلمات التي تحدث عن تبديل موضع هذا الحرف في األصل املذكور‪،‬فهو إذا ذكر مثال‬

‫مادة عقل في باب العين وشرحها انتقل بعدها إلى املواد اآلتية‪:‬‬

‫علق – لقع‪ -‬لعق – قلع و قعل وهو ما يسمى باالشتقاق الكبير‪.‬‬

‫عقل قبل عفف ‪.‬‬

‫عقب قبل عكر‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫جامعة وهران‪ 1‬أحمد بن بلّة‪-‬كلية اآلداب –قسم اللغة العربية –مادة مصادر األدب واللغة والنقد‪ -‬السنة‪-1‬ل م د‬
‫‪ :‬تدوين اللغة وتأليف المعاجم عند العرب – د‪.‬العابدي ‪2020-‬‬ ‫محاضرات حول‬

‫و لم يقتصر الخليل على هذا بل زاد طريقته تعقيدا بأنه قسم املفردات التي تبدأ بحرف واحد إلى‬

‫فئات بحسب عدد أحرف أصولها ونوع بنائها ‪ ،‬وخص كل فئة بابا على حدة ‪ .‬فمادة عــــق‬

‫ومقلوبها قـــع نجدهما في حرف العين في باب سماه املضاعف وهو ما كانت عينه والمه من جنس‬

‫واحد ‪ ،‬و مادة عجل و تقاليبها نجدها في حرف العين نفسه في باب الثالثي الصحيح وقد جعل في‬

‫كل حرف أبوابا أخرى ‪ :‬الثالثي املعتل وهو ما كان أحد حروف أصله حرف علة ‪ .‬واللفيف وهو ما‬

‫كان في حروف أصله حرفا علة ‪ ،‬والرباعي والخماس ي ‪.‬‬

‫و يرى بعض املؤرخين أن الخليل لم يكن إال صاحب فكرة وضع املعجم ومبتدع طريقته أما تنفيذ‬

‫هذه الفكرة فمن عمل الليث بن املظفر وهو من أصحاب الخليل وليس من املستبعد أن يكون‬

‫الخليل صاحب الفكرة والتصميم وواضع الجزء األول من الكتاب‪ ،‬وأن يكون الليث بن املظفر أو‬

‫سواه متمم الكتاب ‪ ،‬ذلك أن الخليل كان من العباقرة األفذاذ ( و كان الذي يأخذ عليه لبه إنما‬

‫هو الرغبة امللحة في االستنباط واالختراع في اللغة والنحو والصرف والعروض واملوسيقى‬

‫والحساب ولعل تأمله في األصوات موسيقيا هو الذي هداه إلى اتباع الطريقة في ترتيب ألفاظ‬

‫اللغة) ومن املعلوم أن العباقرة املخترعين يكتفون عادة بنجاح االختراع ويتركون لسواهم تفاصيل‬

‫التنفيذ ‪ ،‬ولعل الخليل – كسواه من هؤالء املبتكرين اكتفى بوضع طريقته لترتيب ألفاظ اللغة‬

‫ويحسب أصولها حسابيا تاركا لسواه أمر التطبيق و التنفيذ بعد أن كتب الجزء األول من كتابه‬

‫ليكون مثال يحتذى ‪ ،‬ومما يقوي هذا الفرض أن كثيرا من علماء اللغة كابن جني والقالي رأوا في‬

‫كتاب العين من الفساد والتخليط ماال يعقل صدور مثله من مثل الخليل ‪.‬‬

‫ومما يقوي هذا الرأي أيضا كون الخليل قد عاش في عصر لم يكن جمع اللغة فيه قد تم‬

‫بل كان الرواة ما يزالون يجدون في جمع شتات اللغة وتدوينها في الرسائل الصغيرة وإذا صح أن‬

‫الخليل قد وضع معجمه بنفسه كان ذلك بأعجوبة خارقة في تاريخ تدوين اللغة ‪ ،‬إذ يكون هذا‬

‫‪8‬‬
‫جامعة وهران‪ 1‬أحمد بن بلّة‪-‬كلية اآلداب –قسم اللغة العربية –مادة مصادر األدب واللغة والنقد‪ -‬السنة‪-1‬ل م د‬
‫‪ :‬تدوين اللغة وتأليف المعاجم عند العرب – د‪.‬العابدي ‪2020-‬‬ ‫محاضرات حول‬

‫املعجم قد سبق سواه من املعاجم العربية بقرن ونصف قرن تقريبا ذلك أن أول معجم جامع‬

‫ظهر بعد كتاب العين هو كتاب الجمهرة البن دريد ‪321‬هـ ‪ ،‬و قد سار على نسق الخليل في‬

‫تأليف املعاجم مع بعض االختالفات الطفيفة أحيانا ‪ .‬عدد من علماء اللغة الذين جاءوا بعده‬

‫كأبي منصور األزهري في التهذيب وابن سيدة في املحكم ‪.‬‬

‫‪ -‬التّهذيب ‪ ،‬أبي منصور األزهري‬

‫‪ -‬املحكم ‪،‬البن سيدة‬

‫معجم جمهرة اللغة البن دريد‬

‫وقد سار على نسق الخليل في تأليف املعاجم مع بعض االختالفات الطفيفة أحيانا‪ .‬عدد من‬

‫علماء اللغة الذين جاءوا بعده كأبي منصور األزهري في التهذيب وابن سيدة في املحكم‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫جامعة وهران‪ 1‬أحمد بن بلّة‪-‬كلية اآلداب –قسم اللغة العربية –مادة مصادر األدب واللغة والنقد‪ -‬السنة‪-1‬ل م د‬
‫‪ :‬تدوين اللغة وتأليف المعاجم عند العرب – د‪.‬العابدي ‪2020-‬‬ ‫محاضرات حول‬

‫ب‪ -‬تركيب أصول الكلمات حسب حروف املعجم مع مراعاة أوائل هذه األصول وهذه الطريقة نفسها‬

‫قد مرت بمراحل قبل أن تبلغ شكلها السهل املألوف اليوم‪.‬‬

‫فمن أوائل اللغويين الذين اتبعوا هذا األسلوب في ترتيب املعاجم‪ -‬إن لم يكن أولهم‪ -‬ابن دريد‬

‫األزدي ‪321‬هـ وذلك في كتابه جمهرة اللغة وقد رتب الكلمات في هذا املعجم من حيث املبدأ حسب‬

‫الترتيب الهجائي لحروف أصولها مع مراعاة أوائل هذه األصول ‪ ،‬نقول من حيث املبدأ ألن بن دريد‬

‫قد سار على نهج الخليل من حيث النظم إلى تقلبات األصل الواحد حسب نظرية االشتقاق الكبير‬

‫التي أشرنا إليها آنفا‪ .‬فهو إذا ذكر مادة بثــق و شرحها في باب الباء انتقل بعدها إلى ثقب ‪ .‬وكذلك‬

‫إذا بلغ في الباب نفسه مادة بقــل ذكر بعدها على التوالي قــلب – لقـب ‪ .‬وهذا مما عقد طريقته‬

‫التي هي من حيث األصل سهلة مستأنسة ‪،‬وسبب ذلك أن ابن دريد شأنه في ذلك شأن الخليل بن‬

‫أحمد الفراهيدي أراد تجنب التكرار في كتابه‪.‬‬

‫أما بالنسبة لترتيب األلفاظ فلم يبدأ بعد الحرف األول إال بالحرف الذي يليه فهو إذا بلغ باب‬

‫الراء من الثالثي الصحيح مثال بدأ بذكر األصول التي تبدأ براء ثم بزاي مثل ‪ :‬رزم – رزن ‪ .‬ثم ذكر‬

‫األصول التي تبدأ براء ثم بسين مثل ‪ :‬رسع – رسف‪ -‬رسل‪ ....‬و لكنه ال يذكر في هذا الباب مادة‬

‫ربح ألن ذكرها سبق في برح و ال رجح ألن ذكرها سبق في جرح و ال رحم ألنه سبق شرحها في حرم و‬

‫ال رسخ ألنها سبقت في خرس وعلى هذا نقيس ‪.‬‬

‫ومما يزيد في تعقيد طريقة الجمهرة أن املؤلف اتبع طريقة الخليل أيضا بأنه ال ينظر إلى مفردات‬

‫اللغة نظرة واحدة بل قسمها إلى فئات بحسب عدد أحرف أصولها ونوع بنائها ورتب كل فئة في‬

‫باب مستقل ‪.‬‬

‫فاملادتان بث وبـــر نجدهما في فصل الباء من باب ( الثنائي الصحيح) كما يسميه ابن دريد ‪ ،‬أما‬

‫بثبث و بربر فنجدهما في فصل الباء من باب آخر يسميه ابن دريد (باب الثنائي امللحق) بالرباعي‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫جامعة وهران‪ 1‬أحمد بن بلّة‪-‬كلية اآلداب –قسم اللغة العربية –مادة مصادر األدب واللغة والنقد‪ -‬السنة‪-1‬ل م د‬
‫‪ :‬تدوين اللغة وتأليف المعاجم عند العرب – د‪.‬العابدي ‪2020-‬‬ ‫محاضرات حول‬

‫و أما بثــر و بــرز فنجدهما في فصل الباء من الباب الثالث وهو ( باب الثالثي الصحيح) و تأتي‬

‫بعد ذلك أبواب املعتل و الرباعي وغيرهما ‪.‬‬

‫و كتاب الجمهرة يبقى على رغم كل ما ذكرنا مرجعا لغويا قيما ألنه أقدم معجم مفصل وصلنا‬

‫بتمامه على ما يعتور قصة وضعه من شكوك‪.‬‬

‫إن ابن دريد سار على نهج الخليل في كثير من األسس التي اتبعها ‪ ،‬ولكن الفضل يعود إليه في‬

‫الخروج عن الطريقة الصوتية في ترتيب املعجم إلى النظام الهجائي املألوف وهو تجديد كبير كان‬

‫له أثره فيما بعد‪.‬‬

‫معجم املجمل و مقاييس اللغة البن فارس‬

‫ثم جاء ابن فارس فألف في اللغة معجمين إثنين بناهما على أسس واحدة أحدهما‬

‫مختصر وهو " املجمل " وثانيهما جامع مفصل وهو كتاب " مقاييس اللغة " ‪ ،‬وطريقة ابن فارس في‬

‫معجميه هاذين كطريقة ابن دريد قائمة على ترتيب مفردات اللغة على حروف املعجم مع مراعاة‬

‫أوائل الكلمات إال أن ابن فارس هذب طريقة سلفه من ناحيتين ‪:‬‬

‫‪11‬‬
‫جامعة وهران‪ 1‬أحمد بن بلّة‪-‬كلية اآلداب –قسم اللغة العربية –مادة مصادر األدب واللغة والنقد‪ -‬السنة‪-1‬ل م د‬
‫‪ :‬تدوين اللغة وتأليف المعاجم عند العرب – د‪.‬العابدي ‪2020-‬‬ ‫محاضرات حول‬

‫‪ -1‬الناحية األولى ‪ :‬أنه لم يراع تقلبات ألصل واحد بل ذكر كل مادة في باب الحرف األول منها‪.‬‬

‫فمادة قبــل في حرف القاف وبقــل في الباء و لبــق في الالم ‪ .‬أما ابن دريد فقد كان يذكر كل هذه‬

‫املواد في حرف الباء‪.‬‬

‫‪ -2‬والناحية الثانية ‪ :‬هي أن ابن فارس لم يقسم كال من معجميه إلى أبواب كثيرة تبعا لعدد‬

‫الحروف التي تتألف منها األصول العربية كما فعل ابن دريد حين قسم الجمهرة إلى أبواب‬

‫عديدة ‪ ،‬كباب الثنائي الصحيح وباب الثنائي امللحق بالرباعي وباب الثالثي الصحيح وباب‬

‫الثالثي املعتل وباب الرباعي ولكنه قسم كال منها إلى كتب بعدد حروف املعجم ثم قسم كل‬

‫كتاب بدوره إلى أبواب ثالثة ‪:‬‬

‫‪ -1‬الثنائي املضاعف‬

‫‪ -2‬الثالثي‬

‫‪ -3‬ما فوق الثالثي‬

‫وبذلك صرنا نجد مثال املواد ‪ :‬ب ــث ‪ ،‬بث ــر ‪ ،‬بلع ــم في كتاب الباء نفسه بينما كنا ال نعثر عليه في الجمهرة إال‬

‫في أجزاء متفرقة ‪ .‬إال أنه اتبع طريقة ابن دريد في ترتيب املفردات فهو ال يبدأ بعد الحرف إال بالذي يليه‬

‫كأنه يبدأ في باب الثالثي عن كتاب الباء بذكر بت ــر ثم بث ــر ثم بحــر حتى إذا استنفد حروف الهجاء بعد الباء‬

‫و بلغ الياء في بلــغ وبين عاد فذكر بــأس و ما أشبهها وكان من حقه أن يبدأ بها ( وإلن كان لهذا األسلوب‬

‫املعقد ما يسوغه في الجمهرة إذ استطاع به مؤلفه تجنب التكرار حين نظر في كل مادة إلى تقلبات حروفه‬

‫فليس هناك ما يسوغه في معجمي ابن فارس الذي عزف عن األخذ بهذا املبدأ في معجميه ‪.‬‬

‫و لبث اللغويون بعد ابن فارس يتخبطون في مثل هذه الطرق متلمسين أحسن الرسائل إلى أن اهتدوا إلى‬

‫وضع املعاجم املرتبة على حروف الهجاء وهو عين الكمال‪ .‬ألن البساطة و السهولة أعلى درجات الرقي و‬

‫‪12‬‬
‫جامعة وهران‪ 1‬أحمد بن بلّة‪-‬كلية اآلداب –قسم اللغة العربية –مادة مصادر األدب واللغة والنقد‪ -‬السنة‪-1‬ل م د‬
‫‪ :‬تدوين اللغة وتأليف المعاجم عند العرب – د‪.‬العابدي ‪2020-‬‬ ‫محاضرات حول‬

‫لعل أول معجم تمثلت فيه هذه الطريقة املنطقية البسيطة السهلة هو كتاب أساس البالغة لإلمام‬

‫الزمخشري وهو معجم قيم عني فيه مؤلفه بذكر املعاني املجازية لأللفاظ إلى جانب معانيها الحقيقية‪،‬‬

‫وسنعود إلى ذكره وبيان مزاياه بعد أن نفرغ من هذا الغرض التاريخي وقد سار على نهجه فيما بعد عدد من‬

‫مؤلفي املعاجم ‪ .‬أشهرهم ابن األثير في معجمه الضخم ( النهاية في غريب الحديث) وأحمد بن محمد‬

‫الفيومي في معجمه ( املصباح املنير) وقد اتبعت جميع املعاجم العربية الحديثة طريقة الزمخشري هذه‪.‬‬

‫معجم (( تاج اللغة و صحاح العربية )) ألبي نصرالجوهري‬

‫ج)‪ -‬ترتيب الكلمات حسب الترتيب الهجائي مع مراعاة أواخرالكلمة ‪:‬‬

‫أول من اتبع هذه الطريقة في ترتيب املعاجم هو أبو نصر الجوهري أحد علماء اللغة في القرن‬

‫الرابع الهجري وذلك في معجمه املشهور (( تاج اللغة و صحاح العربية )) املعروف اختصارا بمعجم‬

‫الصحاح و خالصة هذه الطريقة أن تصنف أصول اللغة في ثمانية و عشرين بابا بعدد حروف الهجاء أولها‬

‫باب الهمزة و آخرها باب األلف و قد جرى متبعو هذه الطريقة من مؤلفي املعاجم على دمج الواو و الياء‬

‫‪13‬‬
‫جامعة وهران‪ 1‬أحمد بن بلّة‪-‬كلية اآلداب –قسم اللغة العربية –مادة مصادر األدب واللغة والنقد‪ -‬السنة‪-1‬ل م د‬
‫‪ :‬تدوين اللغة وتأليف المعاجم عند العرب – د‪.‬العابدي ‪2020-‬‬ ‫محاضرات حول‬

‫في باب واحد و ذلك ألن الواو والياء في آخر الكلمة كثيرا ما تقلبان ألفا‪ .‬ثم يثبت كل أصل من هذه األصول‬

‫في باب الحرف األخير منه ‪ .‬فاألصول التالية ‪ :‬أرب و طرب ‪،‬عجب ‪ ،‬لعب ‪ ،‬كتب ‪...‬إلخ تثبت في باب الباء‪.‬‬

‫وكذلك تثبت األصول التالية ‪ :‬برع ‪،‬جمع ‪،‬صرع ‪ ،‬نقع‪ ،‬وقع ‪...‬إلخ في باب العين و هكذا ‪. . .‬‬

‫ثم تصنف هذه األصول بعد ذلك في كل باب بحسب ترتيب أوائلها بعد أن يقسم كل باب إلى ثمانية‬

‫وعشرين قسما أيضا يسمى كل منها فصال ‪ .‬وبحسب ما تقدم تثبت كلمة قرأ في فصل القاف من باب‬

‫الهمزة و هو أول أبواب املعجم ‪.‬و تثبت كلمة أتى في فصل الهمزة من باب الواو والياء ‪ .‬و ترتب األصول في‬

‫كل فصل الترتيب الهجائي كما يلي الحرف األول من حروف األصل ‪.‬‬

‫ففي فصل الخاء من باب الباء مثال ترتب األصول الثالثية كما يلي ‪:‬‬

‫خيب ‪،‬خدب ‪،‬خرب ‪ ،‬خزب ‪ ،‬خشب ‪ ،‬خصب ‪،‬خضب ‪ ،‬خطب ‪...‬الخ وينتهي هذا الفصل عادة خيب و في‬

‫فصل السين من باب الراء ترتب هذه األصول مثال كما يلي ‪ :‬سأر ‪ ،‬سبر ‪ ،‬ستر ‪ ،‬سجر ‪ ،‬سحر ‪ ،‬سخر ‪،‬‬

‫سدر ‪ ،‬سرر ‪ ،‬سطر ‪ ،‬سعر‪...‬الخ وينتهي هذا الفصل بمادة سير ‪.‬‬

‫وإذا كانت األصول رباعية روعي فيها أيضا ترتيب ثوالثها بعد مراعاة ترتيب ثوانيها على الشكل الذي ذكر آنفا‬

‫‪ .‬فبعد أن تثبت مادة سعر مثال في موضعها من فصل السين وباب الراء تثبت األصول الرباعية املتصلة‬

‫بهذه املادة سعبر ‪ ،‬سعتر‪...‬الخ وكذلك بعد أن تذكر مادة سمر في موضعها من الفصل نفسه تذكر‬

‫األصول الرباعية التالية سمسر‪ ،‬سمهروهكذا‪.‬‬

‫ولم يذكر الجوهري في مقدمة معجمه األسباب التي حملته على مراعاة أواخر أصول اللغة في ترتيب‬

‫معجمه‪ .‬وللباحثين تعليالت كثيرة لهذا الترتيب ‪ .‬ال شك أن من أجدرها باالعتبار كون هذه الطريقة تسهل‬

‫على الناظمين أمر اختيار قوافيهم ‪ .‬و يجب أال ننس ى أن هذه الطريقة في االعتماد على آخر الكلمة هي‬

‫‪14‬‬
‫جامعة وهران‪ 1‬أحمد بن بلّة‪-‬كلية اآلداب –قسم اللغة العربية –مادة مصادر األدب واللغة والنقد‪ -‬السنة‪-1‬ل م د‬
‫‪ :‬تدوين اللغة وتأليف المعاجم عند العرب – د‪.‬العابدي ‪2020-‬‬ ‫محاضرات حول‬

‫طريقة قديمة ألنها طريقة أبي زيد األنصاري في كتاب الهمز وهذه الطريقة في الترتيب و إن بدت للوهلة‬

‫األولى معقدة و معكوسة فهي سهلة جدا و في وسع الطالب أن يألفها بش يء من العادة و املراس‪.‬‬

‫و قد سار على نهج الجوهري في ترتيب املعاجم فيما بعد عدد من أشهر مؤلفي املعاجم كابن منظور‬

‫اإلفريقي في (( لسان العرب )) و مجد الدين الفيروز أبادي في القاموس املحيط و سنعود إلى ذكر هذين‬

‫املعجمين بعد قليل لشدتهما وكثرة الحاجة إليهما‪.‬‬

‫و قد سمى الجوهري معجمه الصحاح بهذه التسمية لحرصه الشديد على ذكر األلفاظ الصحيحة دون‬

‫سواها‪ .‬ولعله كان يرى أن من سبق من مؤلفي املعاجم كالخليل بن أحمد و ابن دريد مثال ذكروا في‬

‫معاجمهم من األلفاظ ما لم تثبت صحته و املراد بصحة اللفظ هنا أن تكون موثوقة الرواية عن العرب‪.‬‬

‫أشهراملعاجم التي سبق ذكرها‬

‫لعل أجدر هذه املعاجم العربية القديمة التي عرضنا لذكرها بالتنويه و أكثرها تداوال ثالثة‪ (( :‬أساس‬

‫البالغة)) للزمخشري و (( لسان العرب )) البن منظور و (( القاموس املحيط )) للفيروز أبادي ؛و لذا كان‬

‫من املستحسن في آخر هذا الفصل أن نخص كال منها كلمة تبين فيها مزاياه وخصائصه ‪.‬‬

‫‪-)1‬معجم أساس البالغة ‪ :‬لهذا املعجم في نظر األدباء و الباحثين منزلة ال يشركه فيها معجم آخر ‪،‬ذلك‬

‫أن مؤلفه و هو من كبار علماء البالغة مع عنايته ببيان املعاني الحقيقية لأللفاظ يوجه جل اهتمامه إلى‬

‫بيان استعماالتها املجازية و يمكن تلخيص مزايا هذا املعجم فيما يلي ‪:‬‬

‫‪ -1‬يكتفي في الغالب بذكر األفصح من اللغات‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫جامعة وهران‪ 1‬أحمد بن بلّة‪-‬كلية اآلداب –قسم اللغة العربية –مادة مصادر األدب واللغة والنقد‪ -‬السنة‪-1‬ل م د‬
‫‪ :‬تدوين اللغة وتأليف المعاجم عند العرب – د‪.‬العابدي ‪2020-‬‬ ‫محاضرات حول‬

‫‪ -2‬يذكر املعنى الحقيقي للفظ أوال ثم ينتقل في فقرة ثانية إلى ذكر معانيه املجازية فال يمزج بيناملعنيين‪.‬‬

‫‪ -3‬ال يشرح معنى اللفظ إال في النادر لضرورة و هو يفهمنا معنى اللفظ في غالب األحيان باستعماله‬

‫إياه في أمثلة فصيحة و هذه الطريقة جيدة و ذكية ‪،‬ألنها تبين للقارئ معني اللفظ و طریقة استعماله في‬

‫آن واحد ‪ .‬واللفظة ال تكون حية و ال يتضح معناها تماما إال إذا كانت مستعملة في جملة ‪،‬أما االكتفاء‬

‫بشرح معني اللفظة شرحا نظريا فكثيرا ما يفقد اللفظة حياتها و يجعل القاري في‬

‫حيرة من أمره إذا حاول استعمالها في حديثه و كتابته والرجوع إلى أساس البالغة في غاية السهولة للبحث‬
‫عن لفظة ما نعيدها إلى أصلها بعد طرح الزوائد منها ثم نفتش عنها في مادة هذا األصل حسب الترتيب‬
‫الهجائي املعروف مع مراعاة أول حرف من حروف هذا األصل ثم الحرف الثاني ثم الثالث يبدو أن هذا‬
‫املعجم على جاللة قدره غير كاف ألنه غير مستوعب لجميع مفردات اللغة و سبب ذلك أنه ألف لغرض‬
‫بالغي و هو توضيح املعاني املجازية لأللفاظ و تمييزها من املعاني األصلية الحقيقية فهو يكاد يقتصر على‬
‫ذكر األلفاظ ذات االستعمال املجازي ‪ ,‬أما األلفاظ التي ال يتناولها املجازي قل ما يذكرها‪ ،‬ولذا كان ال بد‬
‫للراجع في كثير من األحيان من االستعانة إلى جانب أساس البالغة ببعض املعاجم األخرى الواسعة ‪.‬‬
‫‪ )2‬معجم لسان العرب ‪ :‬يقع في عشرين جزءا و يمتاز هذا املعجم بكثرة أمثاله و غزارة مادته واستيعابه‬
‫ملعظم مفردات اللغة العربية و يمتاز أيضا بكثرة التفصيل ويمتاز بذكر املصادر التي يستمد منها مادته‬
‫وباإلكثار من إيراد الشواهد الشعرية و النثرية التي يحتج بها وهو عبارة عن موسوعة لغوية وأدبية وهذا‬
‫املعجم مرتب على طريقة الجوهري في الصحاح ‪.‬‬
‫‪- )3‬معجم القاموس املحيط ‪ :‬و هو أصغر حجما و أشد اختصارا من لسان العرب و هو مكثف املادة جدا‬

‫و هو على صغر حجمه في أجزائه األربعة يجمع معظم مفردات اللغة التي ذكرها صاحب اللسان في‬

‫املجلدات العشرين بل كثيرا ما نجد بعض املفردات التي ال توجد في اللسان ‪،‬ذلك أنه اكتفى بمعاني‬

‫األلفاظ مجردة عن الشواهد و النصوص ‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫جامعة وهران‪ 1‬أحمد بن بلّة‪-‬كلية اآلداب –قسم اللغة العربية –مادة مصادر األدب واللغة والنقد‪ -‬السنة‪-1‬ل م د‬
‫‪ :‬تدوين اللغة وتأليف المعاجم عند العرب – د‪.‬العابدي ‪2020-‬‬ ‫محاضرات حول‬

‫‪ )2‬ومن جهة ثانية أكثر من استعمال بعض الحروف رموزا أثناء الشرح بدال من بعض الكلمات التي يكثر‬

‫تكرارها فاستعمل "م" بدال من معروف و "ع" بدال من موضع و "ج" بدال من جمع و "جج" بدال من جمع‬

‫الجمع و "ق" بدال من قرية و "د" بدال من بلد و هناك خصائص اخرى القاموس يراها املراجع مذكورة في‬

‫املقدمة منها أنه ال يضبط عين املضارع املفتوحة ‪ .‬ويكتفي بضبطها في حالتي الضم والكسر‪ ,‬ومنها أنه يقدم‬

‫املشهور الفصيح أوال ثم يتبعه باللغات األخرى (كما يقوم املقياس على غيره غالبا)ومنها ‪ :‬عنايته بضبط‬

‫األعالم و البلدان حتي أصبح في هذا الباب من أوثق املراجع إلى غير ذلك من الخصائص واملصطلحات التي‬

‫تشرحها املراجع شيئا فشيئا ‪ .‬و لعل كثافة هذا املعجم و غناه بمادته اللغوية حدا املرتض ى الزبيدي أحد‬

‫علماء اللغة في القرن الثاني عشر الهجري على شرح هذا املعجم و وتزويده بالشواهد الكثيرة‪ ،‬و ذكر بعض‬

‫املستدركات عليه وذلك في معجمه املشهور تاج العروس الذي ال يقل أهمية بلغته و مادته عن لسان‬

‫العرب ‪.‬‬

‫‪17‬‬

You might also like