Professional Documents
Culture Documents
* محاضران في الجامعة العربية اإلمريكية -جنين -قسم اللغة العربية واإلعلمً .
1السامرائي ،إبراهيم ،التطور اللغوي التاريخي ،دار األندلس ،بيروت ،ط0887 ،م ،صً .10
1
The Czambride Encyclopedia of Language ، Cambride: University Press, 1987 , p.284.
الذي يتعين توخيه وااللتزام به،لكن مثل هذا التحول قد يكون بالغ الصعوبة أيضًا ،أو
متعذرا ،وفي هذه الحالة يلزم املقاربة ما أمكن ،والتحول إلى الوسطى مع ضرورة التنبيه
ً
على ضرورة استخدام أساليب حديثة وواقعية وعملية ،تتماش ى واملعطيات الحضارية
الحديثة ،فتستمد من الواقع فكرتها ورؤيتها ووسيلتهاً .
ومن وحي هذه املقاربة ،تنبثق هذه الدراسة ،التي تبدو متسلحة بنظرة جديدة ترمي من
ورائها إلى إثارة جدل حاد وجاد حول هذه الظاهرة املشكلة ،قد يفض ي ـ بالضرورة-إلى
ُ
تساؤالت جمة وجادة ،تفض ي بدورها ،إذا ًأحسن توظيفها ،إلى رؤية ،أو تصور قد يقترب
ومسايرا للواقع من جهة أخرىً .
ً من حل ممكن ،يكون بالضرورة مقاربًا للفصحى من جهة،
وعليه ،فإن هذه الدراسة قدمت رؤيتها ملصطلح االزدواجية وما يميزه عن مصطلح
متداخل معه ومشتبكًا به ،وإن كان كلهما يمثل وجهين
ً الثنائية الذي بدا هو األخر
متبادلين ملشكلة الصراع اللغوي الذي بدا – بحسب هذه الدراسة – ذا بعدين :أحدهما
داخلي ،ويمثله صراع الفصحى مع العاميات املختلفة ،والثاني خارجي ًويمثله صراع الفصحى
مع اللغات األجنبية الوافدة ،وقد أفض ى األول إلى ما راح يعرف باالزدواجية اللغوية،
موضوع هذا البحث ،فيما أفض ى الثاني إلى ما ُيعرف بالثنائية اللغويةً .
وهو صراع لم يكن يومًا جديدًا وال طارئًا ،وإنما يضرب بجذوره في أعماق املاض ي اللغوي
خطيرا كما يبدو هذه األيام ،حين راح يتحول إلى
ً للفصحى نفسها ،لكن شأنه لم يكن يومًا
مشكلة حقيقية توشك أن تعصف باملشترك الحضاري والعقدي لألمة جراء عصفها بلسان
األمة وتلعبها به ،وهو ما بدا واضحا في مآل لسان األمة هذه األيام ،فقد طغت عليه
العاميات واللكنات الوافدة والتي توشك أن يكون للهيبها في عصر العوملة ،ضرام ٍ
مؤذ
وفظيع ،فالعربية كما حدث النبي 1صلى هللا عليه وسلم ،ليست من أب وال أمً ،وإنما هي
نص الحديث" :ليست العربية بأحدكم من أب وال أم ،وإنما هي من اللسان ،فمن تكلم بالعربية فهو 1
عربي" .رواه الحافظ ابن عساكر ،وذكره ابن تيمية في "اقتضاء الصراط املستقيم مخالفة أهل
الجحيم" ص ،81والسيد اإلمام محمد رشيد رضا في "الوحي املحمدي" ،ص ،470 ،471الفهري ،عبد
القادر الفاس ي ،املقارنة والتخطيط في البحث اللساني ،دار توبقال للنشر ،الدار البيضاء ،املغرب ،ط،0
،0888ص ً .011
من اللسان ،فمن تكلم العربية فهو عربي ،وبحسب مفهوم املخالفة ،فإن من لم يفعل،فقد
واألخطار التي
ً األفكار
ً تنكر لعربيته ،وآثر عليها هويات وثقافات أخرىً ،وفي ذلك تكمن كل
تلخص املشكلة كلهاً .
( )2في ّ
حد االزدواجية:
تباينت اآلراء في بيان حد مصطلح االزدواجية ومفهومه ،وبدا في دراسات معظم
اللغويين مختلطًا بمصطلح "الثنائية اللغوية " ومتداخل معه فأطلق مصطلح االزدواجية
على الثنائية والثنائية على االزدواجية ،1ونشأ من هذا االختلط والتداخل خلط ِّبين في
املفهومين ،واختلف واضح بشأن مكونات كل منهماً .
وتحرير القول فيهما أن ثمة تباينًا في استخدام اللغة ،منشؤه لغة ،أو لغات وافدة،
أحدثت صراعًا بين اللغة األم وهذه اللغات الوافدة من جهة ،ومن جهة أخرىً ،فثمة
تفرعات لهجية للغة األم ،أحدثت صراعًا بين مستويات اللغة نفسها ،نشأ عنها ما يعرف
بصراع الفصحى والعامية ،فأيهما ثنائية لغوية؟ وأيهما ازدواجية؟ ً
هنـا أجدني أميل ألسباب كثيرة ،إلى الوجه الثاني ،حيث تظهر االزدواجية ،من وجهة نظر
شكل من أشكـال الصـراع اللغويً الداخلي ،أو التقابل اللغوي بين
ً هذا البحث على األقل،
الفصحى والعامية ،فهو صراع داخلي ،تبرز فيه العـاميات بوصفهـا تفرعـات لهجيه
كبيرا ،حيث "تمثل الفصحى والعامية في
مشكل أساسيا تعاني منه الفصحى عناء ًً للفصحى،
سياق اللغة العربية مستويين بينهما فرق أساس ي حـاسم ،يتمثـل في أن الفصحى نظـام لغوي
معرب ،أمـا العامية ،فقد سقط منها اإلعراب بصورة شبه كلية"ً .1
وازدواجية الفصحى والعامية ،ليست خاصة في العربية فقط ،بل هي قدر كل اللغات،
ومن طبيعتها أيضا ،فمن هذه الطبيعة اللغوية تنشأ االزدواجية ،ليصبح -مع الزمن -واقعًا
ناجزا ،وسمة الزمة من سمات اللغة ،تعكس -من ثم -اختلفًا يشكل -في الغالب -مبتدأ
ً
اللغة ومنتهاهاً .
ولكن العربية تتميز بكونها من أكثر اللغات -إن لم تكن أكثرها على اإلطلق -التي سيطرت
عليها مثل هذه االزدواجية ،وهو أمر دفع – على الدوام – باتجاه النظر فيها وفي لهجاتها
املتفرعة عنها ،ودراستها دراسة تعتمد الزمان واملكان والجنس ،كما تعتمد الصيغة والبنية
والصوت ،وهو ما كان له األثر البالغ في تطوير الدرس اللغوي وتعميقه وغنائهً .
وإذا كانت االزدواجية تعني وجود مستويين للغة الواحدة؛ أحدهما مستوى اللغة
واآلخر مستوى
ً الفصيحة الذي ُيستخدم في املناسبات الرسمية والكتابة األدبية والتعليم،
اللغة العامية ،أ ًو اللهجات الدارجة ،الذي يستعمل في الحياة اليومية ،أقولً :إذا كان هذ
حد االزدواجية وحالها ،فإنها بهذا املعنى ،تشكل شرخًا في مكونات عملية التداول هو ًِّ
مظهرا لغويًا ،طريق الفصحى وميدانها ،وتجعل
ً اللغوي اليومي ،فتجعل الكتابة بصفتها
املشافهة والحوار والتداول الخطابي ،بصفته املظهر اللغوي ً
اآلخر ،طريق العامية وسبيلهاً .
وكلما كان البون شاسعًا بين املظهرين أو املستويين ،كان الشرخ ً
كبيرا ،وهو شرخ يصب
في غير مصلحة الفصحى ،ويترتب عليه تباعد عنها ،قد يفض ي إلى الجفوة والنسيان ،وربما
االنقراض ،وهو ما حذر منه املجلس العربي للطفولة والتنمية؛ في مؤتمره العالمي حول
"لغة الطفل العربي في عصر العوملة " 1املنعقد في مقر الجامعة العربية في القاهرة ،في املدة
من 4113/4/08-03م .والذي شارك فيه ما يزيد على ( )111باحث ينتمون إلى ( )08دولة
2
عربية وغير عربية ...لكنه تحذير لم يلق آذانًا مصغية وال قلوبًا مخلصة أو واعيةً ،فبدا بعد
واد ،أو نفخة في رماد ،فلم ًُيعمل على تجنب ما يحملسنوات من إطلقه مجرد صرخة في ًٍ
من مخاطر ومخاوف ،قد تكون لها عواقب جد وخيمة ،توشك أن تتحول في عصر العوملة
إلى حقائق دامغة وشاهدة على ضياع العربية وضعفها وانحسارها ،وخاصة في املحافل
العلمية واملؤسسات التعليمية العالية في البلدان العربيةً .
مقابل عربيًا ملصطلح ( )Diglossiaفيما تبدو الثنائية
ً وبهذا املفهوم تبدو االزدواجية
املقابل العربي ملصطلح ( ،)Bilingualismلكن هذين املصطلحين عند ترجمتهما إلى العربية
يبدوان كأنهما يحملن معنى واحدًا ،فمصطلح ( )Diglossiaيتركب من سابقة يونانية هي
( )Diوالتي تعني مثنى أو ثنائي ،أو مضاعف ،و ( )glossوالتي تعني لغة ،والحقة هي ()ia
للحالة ،وحاصل الترجمة( :حالة لغة مثناه أو مضاعفة) ،وهذا يعني الثنائية اللغوية.
ومصطلح ( )Bilingualismيتركب من سابقة التينية هي ( )Biوتعني مثنى أو مضاعف ،و
الدالة على السلوك املميز أو الحالة ،وحاصل ((ism ( )lingualوتعني لغوي ،والحقة
الترجمة( :سلوك لغوي مثنى أو مضاعف) وهذا يعني الثنائية اللغويةً 1.
وبذلك فإن املصطلحين يؤديان املعنى نفسه ،لكن الواقع االستخدامي لكل املصطلحين،
يؤكد عكس ذلك تمامًا ،فيبدوان متغايرين ،والخلط بينهما يرجع إلى اضطراب الغربيين في
تحديد مفهوم كل من هذين املصطلحينً 2.
وقد انتقلت عدوى هذا االضطراب واالختلط إلى الدارسين العرب ،وساعدت عليه
الترجمة ،إال أننا نذهب -كما قدمنا -مع نهاد املوس ى إلى األخذ بوجهة النظر التي ترى في
املصطلح الغربي ( )Diglossiaمفهوم االزدواجية اللغوية 3،والذي يعني -بحسب وليم
مارسين 4.تنافسا بين لغة أدبية مكتوبة ولغة عامية شائعة ،أي بين الفصحى والعامية ،أو-
مستقرا نسبيًا ،يوجد فيه باإلضافة إلى اللهجات
ً بحسب شارل فرغسونً 5-وصفًا لغويًا
املستعملة في املحادثة العادية ،نمط فوقي عالي التشفير ،يستعمل في معظم األغراض
املكتوبة واألحاديث الرسميةً .
ويعرفه (أندريدمارتينه) بأنه موقف لغوي اجتماعي ،تتنافس فيه لهجتان لكل منهما وضع
شكل لغويًا مكتسبًا ومستخدمًا في الحياة اليوميةً ،
ً اجتماعي وثقافي مختلف ،فتكون األولى
1محمود ،إبراهيم كايد ،العربية الفصحى بين االزدواجية ،اللغوية والثنائية اللغوية" ،املجلة العلمية
لجامعة امللك فيصل ،العلوم اإلنسانية واإلدارية" ،املجلد الثالث ،العدد األول ،ذو الحجة 0224هـ /آذار
4114م ،ص .11
2السابق ،ص ً .13 – 11
3املوس ى ،نهاد ،االزدواجية في العربية ،ما كان وما هو كائن ،وما ينبغي أن يكونً“ ،ندوة االزدواجية في اللغة
العربية " ،مطبعة الجامعة األردنية ،عمان0888 ،م ،صً .82
4الزغول ،محمد راجي ،ازدواجية اللغة ،نظرة في حاضر اللغة العربية وتطلع نحو مستقبلها في ضوء
الدراسات اللغوية" ،مجلة مجمع اللغة العربية األردني" السنة الثالثة ،العدد املزدوج 01 ،8آب كانون
أول0881 ،م ،ص .040 ،041
السابق ،ص ،040والقعود ،عبد الرحمن محمد ،االزدواج اللغوي في اللغة العربية ،مطابع التقنية 5
وتكون الثانية لسانًا يفرض استخدامه في بعض الظروف ،املمسكون بزمام السلطةً 1.
وعليه تبدو االزدواجية اللغوية تنوعًا لغويًا أو لسانيًا ضمن اللغة الواحدة حيث تبرز
الفصحى والعامية ،أو العاميات املتعددة ،فتخصص الفصحى للستخدام الرسمي ،فيما
تخصص العامية للستخدام العادي واليومي ،وهي حالة مستقرة نسبيًا ،لكنها قد تخلق
صراعًا بين التنوعين أو املستويين قد يتحول تدريجيًا إلى مشكل كبير يهدد الفصحى؛ التنوع
األرقى أو املستوى األعلى باالنقراضً .
( )3نشأة االزدواجية في العربية:
في هذا السياق يمكن الحديث عن نشأة االزدواجية من زاويتين؛ األولى حيث ينظر إلى
االزدواجية بوصفها ظاهرة لغوية ،رافقت اللغة نفسها منذ النشأة األولى لها ،والثانية حيث
ينظر إليها بوصفها اصطلحًا لغويًا أو مفهومًا بدا يظهر في دراسات اللغويين العرب وغير
شكل علميًا إال من عهد قريب حين كتب
ً العرب ،منذ بدء هذه الدراسات ،لكنه لم يتخذ
"فيرجسونً" مقالته الشهيرة عن االزدواجية اللغوية ( )Diglossiaسنة 0818م ،وكان له
فضل السبق في استخدامه ،ثم ما لبث أن انتشر وشاع لدى علماء اللسانيات االجتماعيةً .
( )0-7نشأة االزدواجية بوصفها ظاهرة لغويةً :
هنا قوالن :أحدهما يرى االزدواجية جزءًا من الظاهرة اللغوية منذ بدايات اللغة ،والثاني
يراها تطورًا لغويًا اقتضته ظروف خاصة اكتنهت اللغة في فترات من تاريخهاً .
ُويبنى على القول األول أن مشكلة الفصحى ًوالعامية ليست جديدة وال طارئة ،وال أظن
أن أحدًا يمكنه القول بذلك ،إذ تعود جذور هذه املشكلة إلى عهد القدماء ،أو األقدمين
منذ النشأة األولى للغة ،فالعصر الجاهلي لم يكن بمنأى عن مثل هذه االزدواجية وإن لم
تكن بمثل ما هي عليه اليوم؛ حيث تظهر االختلفات اللهجية التي كانت قائمة حينذاك
وسائدة ،مدى هذا االزدواج وإشكاليته ،فالعرب لم يكونوا ينطقون لهجة واحدة ،وإنما
ظاهرا وشديدًا حتى عهد قريب من تنزيل القرآن
ً لهجات عديدة طاملا كان االختلف بينها
مارتينيه ،أندريه ،الثنائية األلسنة واألزدواجية األلسنية ،دعوة إلى رؤية دينامية ،للوقائع ،ترجمة نادر 1
سراج" ،مجلة العرب والفكر العالمي " ،العدد 0881 ،00م ،مركز اإلنماء القومي ،بيروت ،ص ً .42
الكريم الذي نزل بلسان عربي مبين ،فسره ابن عباس وآخرون بأنه لسان قريش الذي
تشكل من جماع لغى العرب وجيدهاً .1
وقد غدا بهذا التشكل واالختيار ،أفصحها وأعذبها وأعلها ،مسجل انتصار الفصحى
بصفتها املستوى األعلى للغة ،وظهورها على سائر اللهجات األخرى التي تشكل املستوى
األدنى لها ،يقول ابن هشام ":كانت العرب ينشد بعضهم شعر بعض ،وكل يتكلم على
مقتض ى سجيته التي فطر عليها ،ومن هاهنا كثرت الروايات في بعض األبيات "ً 2.
ومن جهة النظر هذه تبدو الفصحى ،وهي املستوى األعلى للغة ،ملزمة للعامية ومتوازنة
معها ،وقد تمكنت من التغلب على العاميات املتمثلة باللهجات العربية املتعددة حين
ى،
شكلت خطاب الشعر قبل اإلسلم ،وخطاب القرآن بعد اإلسلم ،لكنها عادت مرة أخر ً
فتراجعت أمام زحف العاميات ًومدها جراء انحراف اللسان العربي وما طرأ عليه من تغير
أو أصابه من تطور بفعل االختلط واالختلف واالنفتاح ،وهو ما يسلم إلى وجهة النظر
األخرى التي ترى الفصحى بتشظيها وانحسارها سببًا وجيهًا لتشكل لهجات راحت تنأى
تدريجيًا عنها لتتحول مع الزمن إلى ند يهدد الفصحى نفسها أو يبعثرها ،محدثًا هذه
تحوال عن الفصحى لغة
ً االزدواجية اللغوية التي يراها ابن خلدون – وقد شاعت في زمنه ـ
التنزيل وفسادًا ملا ُجبل عليه من صفة راسخة أ ًو ملكة أو طبع بسبب مخالطتهم األعاجم،3
إذ البعد عن اللسان إنما هو بمخالطة العجم،ومن خالط العجم أكثر كانت لغته من ذلك
اللسان األصلي أبعدً 4...
أبو عبيد ،القاسم بن سلم املتوفي سنة 442هـ ،ما ورد في القرآن الكريم من لغات القبائل ،مطبوع 1
وهو ما خافه ابن منظور وهاله ،فجعله سببًا لوضع معجمه الكبير (لسان العرب) ،يقول
في مقدمته" :وذلك ملا رأيته قد غلب في هذا األوان من اختلف األلسنة واأللوان ،حتى لقد
أصبح اللحن في الكلم ُيعد لحنًا مردودًا وصار النطق بالعربية من املعايب معدودًا ،وتنافس
الناس في تصانيف الترجمات في اللغة األعجمية وتفاصحوا في غير العربية ،فجمعت هذا
الكتاب في زمن أهله بغير لغته يفخرون ،وصنعته كما صنع نوح الفلك وقومه منه
يسخرون"ً 1.
فاالختلط باألعاجم هو أظهر األسباب لتفسير ظهور هذه االزدواجية وفشوها ويكشف
أسرار نشأتها وتطورها ،وهو ما يتفق معه كثير من الباحثين اللغويين املحدثين؛
سرا من ً
ً
الغربيين منهم على وجه الخصوص ،ففي دراسة مترجمة عن الوضع اللغوي في الجزيرة
العربية بعنوان "دراسات في تاريخ اللغة" ترجمة حمزة بن قبلن املزيني ،والتي صدرت عن
دار الفيصل الثقافية التابعة ملركز امللك فيصل للبحوث والدراسات اإلسلمية ،2يتفق
معظم الباحثين ،بدءا بـ "فرجسو ًن" عام 0818م ،في مقالته الشهيرة" :اللغة العربية العامية
املشتركة" ًوحتى "جاشوا بل ًو " في دراسته" :نشأة االزدواجية العربية" عام 0833م" .وزويتلر"
في كتابه "التقليد الشفهي للشعر العربي القديم" عام 0838م .وكذلك فريمان ،وفريستيغ،
ورابين وتورنتي ،وغيرهم ...جميعهم يتفقون على تحديد سبب االزدواجية وعوامل نشأتها،
مغايرا ملا حدده من قبل ابن خلدون وابن منظورًً .
ً وال يرونها شيئًا
( )4-7نشأة االزدواجية بوصفها اصطلحًاً :
يعتقد أن األملاني "كارل كرمباخر" كان أول من تحدث عن االزدواجية اللغوية عام
0814م ،3لكن الفرنس ي "وليم مارسين" هو الذي وضع بالفرنسية سنة ( )0871مصطلح
1ابن منظور ،أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم املتوفي سنة 300هـ ،لسان العرب ،دار الفكر /دار
صادر ،بيروت ،ط0881 ،0مً .8/0 ،
2جريدة الشرق األوسط ،العرب الدولية ،الجمعة 71ربيع األول 0244هـ 44 ،يونيو 4110م ،العدد
( .)8424على الرابط االلكترونيً www.aawsat.com :
3الزغول ،ازدواجية اللغة( ،مرجع سابق) ،ص ً .008
االزدواجية ( ،1)Ladiglossiaوعرفه بأنه الصراع بين لغة أدبية مكتوبة ولغة أخرى عامية
شائعةً 2.
وظل هذا املصطلح محدود االنتشار حتى جاء األمريكي "شارل فرغسو ًن" فجعله ذائعًا
ومتداوالً ،3حين نقله إلى اإلنجليزيةَ ،
وعرفه بأن الصراع بين تنوعين للسان واحد ،4أحدهما
عالي التصنيف لكنه غير شائع ،واآلخر دون ذلك ولكنه عام وشائع ،ومنذ ذلك التاريخ
أصبحت االزدواجية جزءًا ال يتجزأ من الدراسة اللغوية ،وفرعًا مهمًا من فروع علم
االجتماع اللغويً .
ويظهر املصطلح بشكلين مختلفين من االستخدام اللغوي للسان نفسه ،يبدو األول
معقدًا ومحدود االستخدام ،فيما األخر بسيط وشائع االستخدام ،وقد أطلق على األول
اللسان الفصيح واآلخر اللسان العاميً .
وعليه يمكن القول؛ إن تحديد مفهوم االزدواجية اللغوية ،ينبني على محورين :أحدهما
يمثل صراعًا نمطيًا بين نمطين أو تنوعين أو شكلين لغويين ينتميان إلى اللغة نفسها،
والثاني يمثل وضعًا مختلفًا لهذين النمطين أو التنوعين أو الشكلين من حيث الوظيفة
واملكانة؛ ولكل نمط أو تنوع أو شكل مظهر وربما مظاهر متعددة ومتنوعةً .
1السابق ،ص ،041والعشيري ،محمد نافع ،االزدواجية اللغوية في املغرب ،ص ،1على مدونة الدكتور
عبد الفتاح الفاتحي ،ضمن الرابط اإللكترونيً http://elfatihi.elaphbloy.com :
2الزغول ،ازدواجية اللغة (مرجع سابق) ،ص ً .040
ي (مرجع سابق) ،ص ،408والزغول ،ازدواجية اللغة (مرجع سابق) ،ص ً .041
3القعود ،االزدواج اللغو ً
4الزغول ،ازدواجية اللغة (مرجع سابق) ،ص .040
للعامية .والعربية واحدة من أكثر اللغات التي تظهر فيها االزدواجية اللغوية ضمن هذين
التنوعين ،فتبدو في شكلين مختلفين؛ األول هو لغة أدبية مكتوبة ،أو لغة قياسية أو
كلسيكية ،وتكاد تكون اللغة املكتوبة هي الوحيدة في املاض ي ،وهي حاليًا ،لغة األعمال
األدبية والعلمية واملقاالت اإلعلمية ،والوثائق القانونية ،لكنها لغة غير متداولة في إطار لغة
الحديث ،أو الخطاب اليومي ،إال في نطاق ضيق .والشكل الثاني هو لغة شفهية ،وهي التي
تشكل لغة املحادثات ،وتستعمل في كل األمكنة العامة تقريبًا ،ولم تكن قط مكتوبةً .
ويرى "فرغسون" أن االزدواج اللغوي ال يظهر أو ينشأ في مجتمع بعينه إال بتوافر ثلثة
شروطً :1
األول :توافر مادة أدبية كبيرة بلغة ذات صلة وثيقة باللغة األصلية (الفصحى) للمجتمع ،أو
مماثلة لها ،تمثل جزءًا مهمًا من قيم املجتمع األساسيةً .
والثاني :اقتصار الكتابة على نخبة قليلة في املجتمعً .
ُ
والثالث :مرور فترة زمنية طويلة تقدر بقرون عديدة على توافر الشرطين السابقينً .
ويمكن االدعاء بسهولة أن هذه الشروط الثلثة ،قد توافرت مئات املرات في املاض ي،
ونتج عنها في كل مرة ازدواج لغويً ،وعلى وفق ذلك يمكن القول بأن االزدواج اللغوي في
العربية قد ظهر مرات عديدة ،عبر عصورها املختلفة ،وعلى امتداد مراحل تطورها ،إذا ال
يعقل ان العرب جميعًا على اختلف قبائلهم ومشاربهم وتنوعاتهم السكانية واللسانية
واللهجية ،قد تكلموا -جميعًا -لسانًا مشتركًا واحدًا ،إذ املعروف أن هذا اللسان املشترك
قد بدأ يتشكل قبل مائتي سنة من البعثة النبوية على أبعد تقدير ،ولم يكن ،بالرغم من
رقيه وعلوه وروعة بيانه ،سائغًا أو ميسورًا لكل العرب ،فهو خطاب الفصحاء والبلغاء منهم
فقط ،والشعراء على وجه الخصوص ،ولم يكن هذا اللسان املشترك دافعا قويا لترك
لهجاتهم املختلفة أو ججر ألسنتهم املتباينة،فما وصلنا من لهجاتهم ،وهي كثيرة ومختلفة
ومتنوعة ،خير دليل على أنهم لم يصطنعوا هذا اللسان املشترك الذي شكل لغة الشعر
ي( ،مرجع
محمود ،إبراهيم كايد ،العربية الفصحى( ،مرجع سابق) ،ص .18والقعود ،االزدواج اللغو ً 1
لديهم ،ولغة التنزيل الحقًا ،إال في املناسبات ،وخاصة في موسم الحج ،وعلى ألسنة شعرائهم
وبلغائهم وأشرافهمً .
أما داخل القبيلة ،فقد كانت الغلبة للسان القبيلة الذي لم يكن اللسان العربي
الفصيح على اإلطلق .وهذا يعني أن العرب قبل البعثة النبوية قد عاشوا ازدواجًا لغويًا
واضحًا ،كما تقدم القول ،لكنه ليس بمثل هذه الحدة و ًال بمثل هذا االنحراف الذي
يشهده اللسان العربي املعاصرً .
فهذه االزدواجية التي نعيشها اليوم ،هي ـ زمنيًا ـ تشكل نمطًا جديدًا للزدواجية اللغوية،
تختلف عن سابقاتها بطغيان العامية فيها على الفصحى ،وتسلطها عليها بقوة حتى غدت
تأثيرا
انتشارا واألوسع ً
ً تداوال في مختلف املحافل واملناحي واملجاالت ،وحتى غدت األكثر
األكثر ً
خطرا
ً واألبلغ استخدامًا في معظم املعارف والعلوم ،إلى الحد الذي راحت تشكل معه
النفير لتحرير الفصحى وإنقاذها وحمايتها
ً حقيقيًا على الفصحى ،األمر الذي استدعى هذا
من التلش ي واالضمحللً .
1
هذه العامية الحديثة ،ترجع في جذورها إلى بدايات الفتوح اإلسلمية ،حين دخلت أمم
كثيرة من غير العرب في اإلسلم ،أ ًو خضعت لسلطانه ،واضطرت إلى اصطناع لغته
وتداولها ،فتركت بفعل هذا االصطناع والتداول ً
أثرا انحرافيًا واضحًا في اللسان العربي
الفصيح ،شمل كل مستويات اللغة ومظاهرها ،بدءًا بالتشكيل الصوتي والصيغ والتراكيب
وانتهاء بمظاهر الخطاب والنص وطرائق التعبيرً .
وإن كان قد تسلط بقوة على لغة الكلم والخطاب الشفوي، لكن هذا االنحرافْ ،
فالكتابة في أيامنا هذه ال تكاد تختلف عن مثيلتها التراثية ،أو عما كانت عليه أيام
اإلسلم األولى .كما أن كل الدعوات التي كانت تنادي باستبدال العامية أو لغة أجنبية
أخرى بالفصحى ،1قد خبت وتراجعت أيضًا .وظلت العربية الفصحى هي اللغة التي
يصطنعها األدباء والكتاب والشعراء والعلماء والطلب واملتعلمون في شتى أجناس املعارف
نظرا لكونها لغة الشعر القديم؛ جاهليه وإسلميه ،ولغة التراث ،وفوقً ذلك
والعلوم ،وذلك ً
كله ،فهي لغة القرآن الكريم الذي يرجع الفضل إليه في حفظ العربية الفصحى من التطور
السلبي أو التشظي واالنقسامً .
وكونها لغة الشعر القديم ،ولغة القرآن الكريم ،فهي تشكل بهذا االزدواج املشاعريً
والفكري ،مهادًا فكريًا ونفسيًا ومشاعريًا لكل الناطقين بها ،األمر الذي صعب عملية تحولها
أو التحول عنها ،وجعل انحرافها أو تشظيها ً
أمرا مستحيلًً .
لكن ذلك كله لم يكن مانعًا حصينًا ملزاحمة العامية ،وتسلطها على لغة الكلم
والخطاب اليومي ،وهو أمر بدا طبيعيًا يخضع ـ في كثير من جوانبه ـ لطبيعة التطورات
والتداوالت والتداخلت والتشابكات التي ال تنفك تؤثر في عقلية املجتمع ولغته وخطابهً .
ولعل سعة انتشار اللغة ،يقف وراء هذا التفرع واالزدواج ،والعربية ،وإن لم تتفرع إلى
لغات عديدة كغيرها من اللغات األخرى ،لكنها تعاني من ازدواج خطير يكاد يعصف بما
تبقى منها ،ويبدو أن أسباب هذا االزدواج ترجع في معظمها إلى طبيعة العقل العربي
والنفسية العربية من جهة ،وهو أمر داخلي تكويني ،يخص العرب أنفسهم بمكوناتهم
الثقافية والفكرية والنفسية ،والغزو بمختلف جوانبه وأنواعه وأشكاله من جهة أخرى،
بكل ما للغزو من تداعيات خطيرة على اللغة واملجتمع والثقافة والفكر واالقتصاد والحدود
والسياسةً ،وهو أمر خارجيُ ،يفرض عبر وسائل مختلفة ومكتوبة وعنيفة في معظم األحيان،
في عصر فقد العرب فيه مكانتهم وفاعليتهم وحضورهمً .
وكون األمة العربية منقسمة إلى دولً عديدة ،لكل دولة حدودها وقيودها ،ولها سياساتها
أدى إلى انفصام وحدتها واقتصادها وعلقاتها الخاصة ،فإن هذا االنقسام واالنفصام ًَّ
الفكرية واملشاعرية واللغوية ،1ناهيك عن الشرخ الكبير الذي قد يخلفه في هذه املجتمعات
املكونة لهذه الدول والتباين الفظيع الذي يتزايد مع الزمن ،فينتج حالة من التمايز العرقي
والشعوبي ،حيث تصبح كل دولة حسب نظامها الخاص ،ذات شعب يتمايز بعاداته
وتقاليده وأعرافه ونظامه ،عن الشعوب األخرىً ،وهو أمر يعكس نوعًا من التمايز اللغوي
الذي يفض ي ـ بدوره ـ إلى خلق نظام لغوي متمايز أيضًا ،قد يعصف هنا أو هناك ،في هذا
املجتمع أو ذاك ،باللغة نفسها ،فتبدو العاميات دالة تمايزمشاعري وعرقي ،ويظهر ـ بحسب
هذا التمايز ـ الجزائري مختلفًا عن العراقي ،واألردني مختلفًا عن اليمني ،وهكذاً .
وعلى وفقه تبد ًو لغة الجزائري غير لغة العراقي ،ولغة االردني ً
غير لغة اليمني كذلك .إنه
انفراط عقد النسيج العربي الواحد ،األمة الواحدة ،وبناء أنسجة اجتماعية متعددة قطرية
أو وطنية ،تبتعد مع الزمن عن أخواتها العربيات لتصبح غيرهاً ،وألن اللغة وسيلة التواصل
بين أفراد الجماعة اإلنسانية الواحدة ،وبها يعبر كل قوم عن أعراضهم ،2والعرب ما عادوا
1وافي ،علي عبد الواحد ،علم اللغة ،مطبعة النهضة املصرية ،القاهرة ،ط0822 ،4م ،ص ً .031
2ابن جني ،أبو الفتح عثمان املوصلي املتوفى سنة 784هـ ،الخصائص ،طبعة الهلل 0770 ،هـ،40/0 ،
وبتحقيق محمد علي النجار ،دار الكتاب العربي ،بيروت ،77 /0 ،وبتحقيق عبد الحميد هنداوي،
منشورات محمد علي بيضون ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،ط4117 ،4م .83/0،والسيوطي ،جلل الدين
املتوفى سنة 80هـ ،كتاب االقتراح في علم أصول النحو ،تقديم وتصحيح وشرح أحمد الحمص ي ،ومحمد
قاسم ،طبعة جروس برس ،ط0888 ،0م ،ص .42والجرجاني ،علي ابن محمد املتوفي سنة 801هـ،
التعريفات ،تحقيق عبد الرحمن عميرة ،عالم الكتب ،بيروت ،ط 0883 ،0م ص .422
جماعة واحدة ،بل جماعات متعددة ،فإن لغات أخرى منافسة للفصحى (اللغة العربية
املشتركة) ستظهر ،وهذه اللغات املنافسة ليست سوى العاميات ،لكنها في الحالة العربية
لم ترق إلى حد االستقلل لتكون لغة القطر الرسمية ،بسبب ما أشرنا إليه سابقًا من
عوامل بقاء الفصحى وسيادتها ،كالشعر القديم ،والقرآن الكريم ،وهي عوامل ال يمكن أن
تفنى أو تنهار حتى يفنى اإلنسان العربي نفسه أو ينهارً .
وهذا ما حاوله أعداء العرب واإلسلم عبر تاريخهم الطويل ،وما زالوا يحاولون؛ بالغزو
واالستعمار
ً العسكري املباشر حينًا كاالعتداءات البيزنطية والروسية والحروب الصليبية
الحديث والصهيونية التي ما تزال تحتل فلسطين ،وبالدس واملكر واإلفساد في كثير من
األحيان ،وال يمكن أن ينس ى صنيع االستعمار الفرنس ي في الجزائر وتونس واملغرب العربي
ُ
مثلً ،حيث ألغيت العربية ،وفرضت مكانها الفرنسية.وما زال املغاربة حتى اآلن ،يعانون من
هذه الغربة عن لغتهم وثقافتهم ،وقد طغت لديهم إلى حد كبير ازدواجية الفصحى والعامية
من جهة ،وثنائية الفرنسية والعربية من جهة أخرى ،مشكلة بهذا الطغيان والزحف مشكلة
حقيقة تطال عمق الثقافة والفكر وتنزع دونً هوادة ،جذور املشاعر والوجدانً .
( )5مشكلة االزدواجية:
في هذا الجانب من البحث ،يبرز سؤاالن مهمان ،األول :ملاذا تبدو االزدواجية مشكلة؟
والثاني :ما وجه املشكلة؟ ويشكل السؤاالن ،إلى جانب كونهما موضوعين مطروحين
للنقاش ،إشكالية كبيرة في إطار البحث عن حلول وفقًا ألسباب لم تكن مطروحة من قبل،
مع اإلشارة إلى وجود اختلف كبير حولهما؛ فثمة آراء أخرىً 1ال ترى في االزدواجية اللغوية
مشكلة ،فهي أمر طبيعي ينتاب اللغات جميعها ،وما من داع لتعداد وجوه املشكل فيهاً .
كبيرا يصل إلى حد االعتراف بالعامية
إشكاال ً
ً يشكل مع وجهة النظر األخرى،
وهو أمر ِّ
ومعادال موضوعيًا لها من جهة ،ورافضًا التحول إلى
ً بديل طبيعيًا وحضاريًا للفصحى،
ً
ُ
منكرا لها من جهة أخرىً .
العامية أو ً
1الحاج ،كمال يوسف ،في فلسفة اللغة ،دار النهضة للنشر ،بيروت ،ط0838 ،4م ،ص .444
وما بين هذا وذاك ،تبدو املسافة كبيرة وشاسعة ،فل الفصحى تتغير أو تنتصر ،وال
العامية تتبعثر وتندثر ،واللسان مبلبل بين هذه وتلك ،إنه أمر مفروض علينا ،شئنا أم
أبينا ،ومن املفيد أن نقرأ الواقع اللغوي جيدًا ،علنا نصل إلى حد التداول اآلمن للغة،
بعيدًا عن التكلف والتفريط؛ تكلف الفصحى التراثية الكلسيكية ،أو التفريط بهاً .
( :)0-1ملاذا تبدو االزدواجية مشكلة؟ ً
أمرا مبالغًا
قد يبدو الحديث عن االزدواجية بوصفها مشكلة متعددة الجوانب والوجوهً ،
نظرا لكونها تمثل حالة لغوية طبيعية وعفوية تبعًا لتفاوت الناطقين باللغة
فيه ،وذلك ً
ثقافيًا وفكريًا وإبداعيًا وتاريخيًا ،لكنها تعكس – وخاصة في أيامنا هذه – تفاوتًا حادًا يشكل
حالة انقلبية خطيرة ،تصل حد التحول أو االستبدال ،وفي ذلك تكمن خطورة االزدواج
انحيازا تتزايد
ً وانحيازا إلى العامية،
ً الذي يكاد يعصف بالفصحى ،كونه يشكل انحرافًا عنها،
وتيرته مع الزمن حتى تصبح العامية هي املتغلبة ،والخيار الوحيد املتبقي .وليست املتبقي –
بحسب مفهوم "لو سيركل" - 1حيث يسود العكس تمامًا حين تتحول العامية إلى اللغة
السائدة ،والفصحى إلى املتبقي ،لكن دون أن يكون للمتبقي (الفصحى) في الدورة املنعكسة
(دورة سيادة العامية ًوتغلبها) القوة ذاتها التي كانت للمتبقي (العامية) في الدورة الطبيعية
للغة (دورة سيادة الفصحى) حيث يعمد (املتبقي) إلى تفكيك نظام اللغة ،على فرض أن
اللغة نظام متكامل من اإلشارات والعلمات ،بحسب "دي سوسير" ،2ويفتح املجال واسعًا
للقوى املتناقضة واملتصارعة لزعزعة كيان اللغة ،على فرض أن اللغة كيان مزعزع يحمل
بذور العنف ،بحسب املفهوم من وجهة نظر "دوليوزً دغواتاريً" ،3الذي يتجلى أساسًا
لوسركل ،جان جاك ،عنف اللغة ،ترجمة وتقديم :محمد بدوي ،مراجعة :سعد مصلوح ،املنظمة 1
العربية للترجمة ،بيروت ،توزيع :مركز دراسات الوحدة العربية ،بيروت ،ط ،0أيار4111 ،م ،ص - 88
ً .401- 411 ،008- 012 ،017
DeSaussure (Ferdinand): Course In General Linguistics, 2السابق ،ص ،004 ،81و أيضا:
translated by: wade Bakin, London, 1964, pp: 7-15.
3السابق ،ص .001 – 012
بالصراع بين الفصحى والعاميات .وفي إطار هذا الصراع يؤكد "لو سيركل" أهمية العاميات
وشرعيتها وتأثيرها في الفصحىً 1.
وبالنظر إلى واقع اللغة العربية ،أو الواقع التداولي للعربية في العالم العربي ،فإنه يمكن
توصيفها على النحو التاليً 2:
-0العربية الفصحى (الكلسيكية) ،وهي عربية القرآن الكريم والشعر القديم.
-4العربية العامية (الدارجة واملحكية) ،وهي تنوعات لهجية عديدة ،وأنماط لسانية متباينة
تباين الجغرافية العربية ذاتها.
َ
خب
-7العربية الوسطى (بين الفصحى والعامية – بين بين) واملتداولة في أوساط النً ً
واملثقفين واملتعلمين ،وتعرف أيضًا بـ (عربية املتعلمين املحكية).
-2العربية املعاصرة (األقرب إلى الفصحى أو الفصحى غير املشكولة) واملتداولة في الوسط
وعبر وسائل اإلعلم املختلفة.
الثقافي واإلعلمي ً
وهذا الواقع اللغوي السائد على تنوع مسوغاته وتعدد دواعيه ،يمنح العربية وصفًا
لغويًا فريدًا ،ويتيح القول برباعية لغوية أو تعددية لغوية ،وليس ازدواجية فحسبً .
ويمكننا أن نتخيل شخصًا مثقفًا ،يتقن إلى حد ما ،اللغة الفصحى ،يتنقل بين شرائح
املجتمع وفئاته املختلفة ،فسنراه يصطنع الفصحى ما أمكنه ذلك حين يكتب رسائله أو
يوجه خطابًا ما ،أو حين يخطب الجمعة ،أو يلقي كلمة في حفل ثقافي أو تأبيني ،وينحرف
عن هذه الفصحى إلى العامية ،حين يتجول في السوق لشراء حاجياته ،أ ًو حين يكون في
بيته بين أهله وزوجه وولده ،ويصطنع العربية الوسطى حين يحاور املثقفين واملتعلمين.
وهكذا .فاملتكلم يصطنع اللغة التي تناسب املخاطب واملقام الذي يكون فيه املخاطب،
خطرا
ويغير لغته تبعًا لتغير هذا املخاطب واملقام وعلى وفقهما .وهو أمر ال يبدو أنه يشكل ً
على الفصحى لو كان املخاطب أو املقام يستدعيانها ،لكن املشكل أن املخاطبين -على
كثرتهم -ليس ًوا من هذا النمط الذي يستدعي الفصحى ،فما أكثر املخاطبين بالعامية! وما
أكثر املتكلمين -تبعًا لذلك -بها! وإزاء ذلك ،فأين الفصحى؟ إنها تنحسر وتتوارى ،وال تكاد
مؤشرا على تنامي قوة
ً تعرف إال في املناسبات ،ودون أن يكترث أو يتنبه لها أحد .أليس ذلك
العاميات املختلفة على حساب الفصحىًَ ،أو ليست اإلجابة عن مثل هذا السؤال مشكلة
حقيقية؟ وإذا كان تنامي العامية على حساب الفصحى يشكل مشكلة لغوية حقيقية
وعنيفة ،فما وجه هذه املشكلة؟ وما تداعياتها؟ ً
( :)4-1وجوه مشكلة اإلزدواج اللغوي وتداعياتهً :
تتعدد وجوه املشكلة وتتنوع بما تتركه من تداعيات سلبية وخطيرة وآثار سيئة ومدمرة في
مختلف املجاالت وعلى جميع املستويات؛ الفردية والجماعية واملجتمعية ،فخطر االزدواج
اللغوي ال يقتصر على اللغة وحدها ،بل يتجاوزها إلى كل مناحي الحياة الثقافية والفكرية
نظرا لكونً
واالجتماعية واالقتصادية والتعليمية والسياسية والقومية والتراثية ،وذلك ً
اللغة تشكل املهاد النفس ي والقومي واملشاعري والثقافي والفكري للناطقين بها ،والفصحى
تحديدًا هي لغة الدين والعلم ،هي االمتداد الثقافي والفكري والحضاريً ،وقد شكلت ـ على
رمزا لوحدة أمتنا ،وأداة لتواصلنا وتآلفنا ،وإحلل العامية محلها ،سيعمل على
الدوامً .
تفتيت هذه الوحدة وتمزيق هذا الرباط التآلفي والتعارفي ،وسيجعل من األمة أممًا شتى،
نذيرا النهيار كل منجزات األمة وتفتيتًا
وأقوامًا متفرقين .إن إقصاء الفصحى يشكل ً
ُ
لوحدتها ،حيث تبذل جهود كبيرة ومتواصلة ملنع هذا االنهيار والتفتت ،ولكن النتيجة لن
تكون ملصلحة الوحدة ما لم تكن ملصلحة الفصحى ،ومن يتبصر في وضعنا العربي؛
فشل ذريعًا"ً 1.
السياس ي واللغوي ،يرى أن الجهود املبذولة في هذا السبيل على كثرتها ،كانت " ً
ومرد ذلك أن املمارسة اللغوية الصحيحة لم تعد متأتية إزاء هذا الغزو األجنبي
واالغتراب الثقافي وفقدان الهوية وضعف اإلحساس باالنتماء ،وهو أمر أفقد العربية ألقها
وحيويتها ،فصارت على ألسنة أصحابها ٍوبأقلمهم ،عاجزة عن التعبير الصحيح والكافي
واألغراض ،فكان ذلك مدعاة للتحول عنها إلى العامية ،وخاصة في مجال
ً لتحقيق املقاصد
التعبير الشفويً ،ومع هذا التحول تكرست الحدود املصطنعة التي شكلت ،وما زالت
1
:Bjorn Jernudd Lectures On Language Problem, Bhir Publications, 1990, p: 10.
تشكل ،عائقًا حقيقيًا أمام أي تقدم ،وسدًا منيعًا في وجه كل محاولة للرتقاء بهذه األمة أو
بتبعثر لسانها إلى أقوام مختلفين ،وكرست بهذا االختلف والتبعثر،
ً تطويرها .لقد تبعثرت
حالة التخلف الفكري والحضاري ،وأعاقت أي تطور اقتصادي أو علمي أو تربوي أو
تعليمي ،إلى جانب كونها تعرقل عمل وسائل اإلعلم وأجهزة االتصال ،وتحول دون قيامها
بدورها الحقيقي والفعال يقولً سويتروبولص ":إن االزدواجية من وجهة النظر االقتصادي ـة
والتماسك القومي وفعالي ـة التعليم واالتصاالت وأجه ـزة اإلعلم ،لعائق”ً .1
وينقل نهاد املوس ى عن "فالتر تاولي" قوله" :إن كل صور االزدواجية فيها إسراف ،ذلك أن
االزدواجية وضع لغوي غير اقتصادي وال وظيفي"ً .2
إنها رمز للنحطاط والتخلف ،والصراع بين طبقات املجتمع ،3هذا الصراع الذي يقض ي
على لحمة املجتمع وتماسك أفراده ،ويفض ي إلى تفتيته إلى فئات متصارعة ،كل فئة تعمل
ملصلحتها الخاصة ،وتصارع غيرها حول هذه املصلحة ،ما يجعل أية محاولة إلصلح األمة
وتقدمها محكومًا عليها بالفشل" ،فاألمة الواعية هي املنسجمة طبقاتها في بوتقة واحدة،
وهي التي تدور طبقاتها في فلك واحد ،يكون وليد ذهنية واحدة ،وعقلية واحدة ،وعبقرية
واحدة ،وروح واحدة ،فإذا كان لكل طبقة لغة انعدم االنسجام ...فإذا كانت الطبقة
املثقفة تتكلم لغة ما ،والطبقة غير املثقفة تتكلم لغة أخرى ،دب التفسخ في بيت األمةً 4.
واالزدواج خطر على ثقافة األمة ،ذلك أن العلقة بين اللغة والثقافة وثيقة ٍووطيدة،
وتكاد تكون عضوية 5،فاللغة من أكبر مقومات الثقافة وأعظم مرتكزاتها ومكوناتها
األساسية ،وال يتصور وجود ثقافة دون لغة ،أو خارج اللغة ،ومهما قيل عن العلقة بين
اللغة والثقافة ،فإنها ـ أي اللغة ـ تظل مخزنًا للثقافة ،واالزدواج اللغوي يهدد هذا املخزون
الثقافي ،وخاصة حين يزداد الشرخ ًوتبعد الشقة بين الفصحى والعامية ،وبهذا التهديد تنبت
العلقة بين الجذور الثقافية لألمة واألجيال القادمة .وهذا من شانه أن يفض ي إلى
االنفصام الثقافي ،أو االنسلخ الكلي عن الثقافة األصلية لألمة ،فاالزدواجية ـ على حد
تعبير نهاد املوس ى ـ جرثومة االنفصام والعذاب املقيم في وجدان الكاتب العربي الذي يتوزع
في معالجة قضيته بين محورها املحلي وأفقها العربي ،وتمثل الحيرة في الحوار القصص ي
واملسرحي وما وقع في نطاقها من التجاذب واملدافعة عرضًا مزمنًا من أعراض هذه
1
االزدواجية".
ومثل هذا االنفصام الثقافي يلقي بظلله البائسة على التكوين النفس ي لألفراد ،وخاصة
األطفال الذين يجدون صعوبة بالغة في تعلم الفصحى بعد أن أمضوا سنوات عديدة من
وغير متاحة كذلك ،إذ
أعمارهم في اكتساب العامية ،فتبدو الفصحى غير مألوفة لديهم ً
يعمد الطفل ،عند تعلمه الفصحى ،إلى مخزونه اللغوي والثقافي ،والذي تشكل عبر سنوات
عديدة من املحاكاة في اكتساب العامية ،فل يجد ما يسعفه في املمارسة اللغوية الجديدة
بالفصحى ،فيضيق بها ذرعًا ويرغب عنها إلى غيرها من العاميات املتاحة أو اللغات األجنبية
نظرا لضحالة العامية وضمورً الفصحى أو تعثرهاً .
التي قد يحرز تفوقًا ملحوظًا بهاً ،
أو ليس هذا االزدواج هو الذي يشكل عائقًا أمام تعلم العربية الفصحى؟ وهو -بالتالي -
املسئولً مسئولية مباشرة عن العزوف عن تعلمها؟ واألخطر من ذلك كله ،أن يمارس
الناشئة ازدواجًا لغويًا ضمن مستويي اللغة؛ الكتابة والتلفظ ،فيكتبون بالفصحى،
ويتكلمون بالعامية ،األمر الذي يخلق لديهم معاناة قاسية جراء "لغة تتصارع مع مولود لها
معقد التركيب ،أو مولود (غير شرعي) ال بد أن يوهنها صراعه ،ألنه يحتل مواقع مهمة في
املجتمع وجوانب مختلفة من حياة الفرد "ً 2.
ثارا نفسية خطيرة ،ويفض ي إلى ضعف تحصيلهميخلف فيهم آ ً ومثل هذا االزدواج ِّ
اللغويً والثقافي ،كما يقتل ا ًإلبداع لديهم؛ إذ كيف يكون حال من يعيش حالة من التشظي
والتردد بين العامية والفصحى؛ عامية ال يحسن التفكير عبرها ،لخلوها من االنماط الفكرية
اإلبداعية ،واقتصارها على تيسير الحياة اليومية االعتيادية ،والنشاط الذهني العادي،
وفصحى لم يتقنها ليقوى على التفكير من خللها ،فيبدع في مجاله الذي اختاره ،أ ًو وجد
نفسه من خلله؟ وهل يتوقع ا ًإلبداع من شخص مهما كثر علمه وزادت ثقافته ،ما لم يكن
متقنًا للغة؟ ً
فاالزدواج سبب رئيس في تصدع النبتة الثقافية ألمتنا ،وهو املسئول عن هذا التبديد
يً 1.
القاتل لكل الجهود التربوية ،إنه عدو لكل تطور فكري أو حضار ً
وفوق ذلك كله ،فإن االزدواج اللغوي يضيق بالفصحى ،ويعمل على خنقها ،ويحول دون
انتشارها داخليًا وخارجيًا ،إنه يوقف مدها ،ويقض ي على أي حوار قد ُيدار بها أو من خللها
جراء عدم اكتمال القدرة على استخدامها أو التفكير من خللها ،سواء على املستوى
الداخلي بين أفراد األمة ،أو على املستوى الخارجي ،خارج حدود األمة ،ومن خلل الحوار مع
األخرين ،فيمنع الفصحى من أي امتداد خارج حدودها ،ويحول دون أن تكون عاملية
ممتدة ،أو أن تكون لغة العلم والتفكير والكشف واإلبداعً .
األخطار الداهمة والخطب الجلل للزدواج وآثاره املدمرة ،ما الذي يمكن فعله
ً وإزاء هذه
لتجنيب الفصحى والناطقين بها هذه املخاطر أو بعضها ،وتجنيب األمة كلها تداعيات انهيار
الفصحى أو تقوقعها وانزوائهاً .
( )6الحلول املفترضة واملمكنة ملشكلة االزدواج اللغوي:
كثيرا من الناس يتساءلون :كيف يمكننا الخلص من هذا الوضع املزدوج؟ وهل لعل ً
مثل هذا الخلص ممكن فيما لو أردنا الخلص فعلً؟ أم أن االعتراف بالواقع اللغوي ،وبما
هو كائن؛ حيث يسود االزدواج اللغوي ،فترى العامية جنبًا إلى جنب مع الفصحى ،هو األمر
الوحيد املنطقي واملقبول واملمكن ،والذي ُيدعى بقوة إلى التسليم بوجوده ،والتكيف معه،
مع اإلقرار بمخاطره وأضراره؟ أم أن ثمة حلوالً أخرى ،تنتهج منهج التقريب بين العامية
والفصحى ،تقوى على حل مثل هذا اإلشكال ،والتقليل من هذه املخاطر واألضرار؟ وهل
الحل لغوي محض؟ أم سياس ي واجتماعي وثقافي واقتصادي؟ ً
ُ
أسئلة كثيرة تطرح في معرض البحث عن مخرج من مأزق االزدواج الذي يشكل باستمرار
متكورا أن االزدواجية مشكلة
ً أزمة لغوية ومعضلة فكرية حقيقية ،فلم يعد خافيًا وال
حقيقية تحول دونً الدخول في دائرة الحداثة؛ كونها تشتت الجهد وتشوش التفكير وتعيق
عملية التواصل الحقيقية بكل مستوياتها ،الفكرية واالجتماعية والعلمية والفنية
والشعورية ،فهي تمثل – على حد تعبير "نيوستوبني" 1وضعًا لغويًا غير وظيفي ،فل ترقى
اللغة الفصحى إلى مستويات الخطاب ،وال العامية إلى مستويات الكتابة والتفكير ،واملزدوج
حائر ومشتت وعاجز ،ولهذا فقد عمدت معظم شعوب العالم إلى "التخلص من االزدواجية
عند مرحلة مبكرة من عملية التحديث"ً 2.
حل أو
ومهما يكن من أمر االزدواجية ،فأنها تظل مشكلة العصر ،وهي مشكلة تتطلب ً
حلوال صعبة وحاسمة ،والبحث عن هذا الحل أو هذه الحلول ،ليس باألمر السهل أوً
اليسير ،وخاصة حين ُيراد لهذا الحل أن يكون ممارسة لغوية شاملة ،وليس مجرد تنظير
ينتهي بانتهاء القولً فيه ،فما هو هذا الحل؟ ً
قد يتسع القول في البحث عن حلول واقعية ومنطقية ،لكن رجع القول فيه ينحصر في
ثلثة حلول أساسيةً :
األول :التسليم باالزدواجيةً .
والثاني :التوحد ،ويعني اعتماد الفصحى فقط ،أو العامية فقط ،أو لغة أخرى أجنبيةً .
والثالث :التقريب بين العامية والفصحىً .
( :)0-1التسليم با ًالزدواجيةً :
1
Neustuphy (J.V): Language Theory in a Japanese Conext, Post-Structural Approaches
واملوس ى ،نهاد ،قضية التحول إلى الفصحى( ،مرجع سابق) ،ص Te language. pp:169. 084
2
Neustuphy (J.V): Language Theory (ibd). P: 169.
يرى عبد القادر املغربي في معرض إجابته عن سؤال وجهته رياسة املعارف في الشام في
العقد الثالث من القرن العشرين ،إلى املجمع العربي بدمشق ،تسائله عن أقرب الطرق إلى
نشر الفصحى ،يرى أن االزدواجية ظاهرة لغوية عامة "وأن كل لغة فصيحة من لغات
البشر لها بجانبها لغة متولدة منها هي اللغة العامية أو اللغة الدارجة" ،1فاالزدواجية ليست
حكرا على العربية وحدها ،2فهي شأن اللغات جميعًا ،وتجيء ضمن السياق التطوري ً
الطبيعي ألية لغة ،بل هي إحدى أهم السمات الحضارية للشعوب ،3والتسليم بها ٌ
أمر
طبيعي ومنطقي؛ إذ هو تسليم بالواقع اللغوي السائد من جهة ،واعتراف بطبيعة اللغات
خض ِّم التوسع الحضاري أنالبشرية وقانون تطورها من جهة ُأخرى ،وأن من املستحيل في َ
تظل اللغة معزولة دون أن تتأثر أو تتشظى؛ كونها تواكب حالة من التطور والتغير الذي
يطال كل ش يء وفقًا لسنن الطبيعة والكونً ،ومن الطبيعي أن يطال اللغة أيضاً .
وعليه ،فل حرج من وجود االزدواجية اللغوية ،وال غضاضة في تقبلها ،مع االعتراف
بك ًونها مشكلة ،أو دون االعتراف بذلكً .
وهو اعتراف بالتسليم يفض ي إلى االستسلم ،ومن الطبيعي هنا أن يتزايد تراجع الفصحى
مدخل
ً لحساب العامية ،حتى تطغى العامية في كل قطر على فصحاه ،ويكون ذلك
الستقللية كل قطر عن غيره ،فتتجزأ األمة وتنفصم ُعرىً وحدتها ،وتنبت جذورها ،وفي
ذلك ما فيه من مخاطر وأضرار ،كما أن املشتغلين بالتخطيط اللغوي يرون أن كل صور
االزدواجية في العربية وغيرها من اللغات ،فيها إسراف وأنه ينبغي أن يكو ًن هدف السياسة
اللغوية هو إزالتهاً 4.
لذلك يسقط هذا الخيار ،وال يمكن القبول به ً
حل ممكنًا على اإلطلقً .
1املغربي ،عبد القادر ،أقرب الطرق إلى نشر الفصحى" ،مجلة املجمع العلمي العربي" ،دمشق ،املجلد ،7
الجزائر 3و ،8ص ً .478-470
2وافي ،علي عبد الواحد ،فقه اللغة( ،مرجع سابق) ،صً .011-012
3الحاج ،كمال يوسف ،في فلسفة اللغة (مرجع سابق) ،ص .444
4املوس ى ،نهاد ،الثنائيات( ،...مرجع سابق) ،ص ،74كما:
V.Teuli; Theory of Language Planing in Advances in Language Planing, PP64.
سهل عنها ،وال منافسًا لها ،وخلق بيئة الشارع والسوق والجامعة واملصنع واملعمل،
بديل ً
ً
وكل أمكنة التعليم ًومجاالته ،وهكذاً .
إنه ألمر صعب جدً صعب ،ولو سلمنا جدالً بإمكانه ،ملا أمكن أن ننفي عن اللسان
الفصيح املصطنع ،تداخلت اللهجات املحكية التي تميز كل بيئة عن غيرها ،وهي من القوة
والسلطة بمكان يؤهلها ملنازلة الفصحى ومنازعتها ومزاحمتها في شتى املجاالت واملرافقً .
إنها االزدواجية مرة أخرى ،تجعل التحول إلى الفصحى مجرد وهم غير قابل للتحقق أو
ضربًا من الخيال .وإنه لحل خيالي إذًا أن تكون الفصحى صافية دون منازعً .
لهذا ،فليس من املمكن اصطناع مثل هذا الخيار مع التسليم بأنه األفضل واألمثل ،لكن
الواقع ال ينقاد لهً .
يبقى إذا خيار العامية الذي يرتكز على دعوى صعوبة الفصحى واتهامها "بالقصور عن
الوفاء بمطالب الخلق املتجدد واإلبداعً ،وبالعجز تبعًا لذلك ،عن مواجهة مقتضيات
التحديث والحضارة"ً 1.
وتبعًا لهذا التعليل ،فإن العامية من وجهة نظر هؤالء الداعين ،تمثل الحل األفضل
واألنسب واألقدر على مواجهة مقتضيات التحديث والحضارة ،وتحقيق منسوب هذه
السهولة الذي يدعم مثل هذه املواجهة التي تجيء في سياق ما يمليه التحيز الثقافي الفعال،
والتميز الحضاري الجادً .
ولتحقيق ذلك ،فإنه يتعين إحلل العامية محل الفصحى في كل مجاالت الحياة .ولئن
كان للفصحى دور في مجال الكتابة مثلً ،فإن هذا الدور ينتهي مع هذه الحياة ،وهذا يعني
إلغاء الفصحى من حياتنا وإقصاءها عن تفكيرنا .هذه الفصحى التي كتب بها تاريخنا وتراثنا
عبر قرون طويلةً .
إن الدعوة إلى العامية يحمل في ثناياه دعوة أخرى أشد وأشنع ،تتمثل في "قطع الصلة
بين مستقبلنا وماضينا ،وحرمان أجيالنا القادمة من ا ًإلفادة من تراث أجدادهم”ً 2.
إن التحول إلى العامية خيار خطير يعصف بوحدة األمة ،1ويذهب بريحها وقوتها ،ومع
أنه خيار لم يعد قائمًا أو مقبوالً ،وقد انحسر وانتهى إلى "موقف بين بين ،يتمثل في جدوى
دراسة اللهجات العامية لتأهيل املشترك بينها وبين الفصحى 2اال أنه يظل على الدوام ً
خيارا
مرفوضًا ،وذلك لألسباب اآلتيةً :
.0إن العامية ليست واحدة ،إنها عاميات متعددة وكثيرة ،فأية عامية نريد؟ وهل يمكن أن
نرغم املصري على اصطناع عامية العراقي ،أو العراقي على اصطناع عامية املصري؟ أم
هل من املمكن إرغام القاهري اصطناع عامية اإلسكندراني ،أو اإلسكندراني عامية
متعذرا ،فهل لكل قطر عامية؟ أو لكل مدينة أو
ً الصعيدي مثلً؟ وإذا كان هذا أو ذاك
محافظة عامية مثلً؟ وهل هذا ممكن أو معقول؟ ً
إن الدعوة إلى العامية دعوة إلى التجزئة والتحلل ،وهي فوق ذلك انفلت من الروابط
الجامعة ،ونفي للمشترك ،وفي ذلك تهديد خطير لوحدة األمة وتآلفها ،وإيذان بذهاب
ريحها وفشلها واندثارها ،ولعله من هذا الباب ا ُهملت اللهجات العربية القديمة ،ولم
توثق منذ عصور الفصاحة ،حتى ال تكون دافعًا للعصبية القبلية التي قد تودي بوحدة
األمة وقوتها ،فجاءت تبعًا لذلك ممسوخة ومشوهة ومبتورة ومجهولة املصدرً 3.
.4إن الدعوة إلى العامية ،تجيء في سياق املد الغربي األوروبي واألمريكي في وقت فقدت
فيه األمة العربية تماسكها ووحدتها ،وطحنتها الصراعات املذهبية واإلقليمية
والسياسية ،وخضعت لهيمنة استعمارية متعددة األجناس واألغراض ،وتحولت إلى
دويلت متعددة اإلغراض واملذاهب ،تحكمها أنظمة دكتاتورية تتبع لشرق أو غربً ،وال
استقللية لها أو سيادة أو رؤيةً .
1العجلني ،منير ،أثر اللغة العربية في وحدة األمة" ،مجلة املجتمع العلمي العربي ،دمشق ،املجلد ،74
الجزء ،0جمادي األول 0731هـ -كانون الثاني 0813م.
2املوس ى ،نهاد ،الثنائيات( ،مرجع سابق) ،ص .74
3الجندي ،أحمد علم الدين ،اللهجات العربية في التراث ،مطابع الهيئة العامة للكتاب ،مصر0811 ،م،
ص ً .81
إن الدعوة إلى العامية في ظل مثل هذا الواقع املتخلف واملزري ،يحمل في ثناياه بذور
التوجس والريبة ،فماذا بقي لألمة كي تخسره بعد هذا الخسران املبين ،أكثر من لغتها
التي تمثل الفصحى فيها هويتها الثقافية والتراثية والدينية؟ ً
إنها إذًا دعوة إلى خسران الذات والتنكر لها ،أو استبدالها ،فالذين يدع ًون إلى
استبدال العامية بالفصحى ،إنما يدعون ـ بالواقع ـ إلى استبدال الهوية والثقافة والدينً .
.7إن العامية ،على تعددها وتنوعها ،غير قادرة على الوفاء بحاجات األمة ،فمهما بذلت
من جهود لتقعيدها وتقنينها وتسويغها وتسويقها 1،فإنها تظل ،بالرغم من ذلك كله،
عاجزة عن الوفاء بحاجات التعبير ،فهي ال تستطيع أن تمد الفرد بما يحتاجه من
ألفاظ أو أساليب تعبيرية مناسبة لحواره أو كتابته أو تفكيره ،ولو تحقق لها بعض ذلك،
وإلى حد ما ،في مجال الحوار ،فإنها تبقى عاجزة تمامًا في مجال الكتابة ،وحتى في مجال
الحوار،فإنها ال ترقى إلى التعبير عن األمور الثقافية أو الفكرية ،أو الفلسفية ،وتحوج
املتحدث إلى الفصحى يستعيد منها ما يشفع له من مصطلحاتها ًوصيغها وتراكيبهاً 2.
.2إن العامية ال تناسب اللغة اإلعلمية ،وال تصلح لها ،وال تفي بحاجتها ،فوسائل اإلعلم
على اختلفها وتنوعها ،تصطنع لغة هي أقرب إلى الفصحى ،وتخضع لقواعدها وأساليبها
التعبيرية ،وألنها -أي اللغة اإلعلمية – مرشحة ألن تكون اللغة السائدة في عصر العوملة
والتقنيات والفضائيات ،فإن االهتمام بها يجيء في سياق االهتمام بالفصحى ،ودخول
العامية هنا أو اعتراضها يفسر هذا التوجه ،ويقلل من هذا االهتمام ،لذا اقتض ى تنحية
العامية واقصاءها وتجاوزها ،وتطوير لغة اإلعلم كي ترقى إلى الفصحى لتصبح اللغة
1وضع "ولهام سبيرتا" قواعد العربية العامية في مصر عام 0881م ،ووضع "كارل فولرز" كتابه “"ً:اللهجة
العربية الحديثة في مصر" عام 0881م ،ووضع "سلدو ًن ملور" كتابه" :العربية املحكية في مصر" في تلك
األثناء أيضا ،وذلك في محاولة للنتقال بالعامية إلى سلطة " َّ
املدون " تمهيدا إلحللها محل الفصحىً .
املوس ى ،نهاد ،الثنائيات( ،مرجع سابق) ،ص ً .74- 70
2وافي ،علي عبد الواحد ،فقه اللغة( ،مرجع سابق) ،ص ً .010
واملعتوق ،أحمد محمد ،الحصيلة اللغوية( ،مرجع سابق) ،ص .013
اإلعلمية هي اللغة الفصحى بامتياز ،وتصبح وسائل اإلعلم بهذا التحو ًل ،جزءًا من
الحل ال جزءًا من املشكلةً .
.1إن العامية – خلف الفصحى – غير ثابتة على حال واحدة ،فهي عرضة للتطور في
أصواتها ومفرداتها ودالالتها وقواعدها 1،وبذلك يتحقق االزدواج من جديد ،واصطناع
العامية لغة رسمية سوف يقض ي باصطناع ما ينجم عنها من عامية جديدة بعد فترة
وجيزة أو غير طويلة ،تبعًا لقانون التطور الذي يصيب اللغات جميعها ،وفي ذلك عود
على بدءً .
مثل يمكن القبول بالعامية ً
بديل عن الفصحى فما الحل إذًا؟ ً لهذه األسباب ونحوهاً ،
يبقى خيار آخر يتجلي في التقريب بين العامية والفصحى ،شريطة أن ترقى العامية إلى
الفصحى ،وليس العكسً .
( )7-1التقريب بين العامية والفصحىً :
يقتض ي التنويه في هذا السياق إلى رفض مبدأ التقريب كلما كان ملصلحة العامية أو على
حساب الفصحى ،ولذلك فإن تقريب الفصحى من العامية بمعنى أن تتنازل الفصحى عن
بعض خصائصها لتقترب من العامية ،أمر مرفوض ،لكن تقريب العامية من الفصحى،2
بمعنى أن تتخلى العامية عن كثير من خصائصها لتقترب من الفصحى ،أمر مطلوب ،وهو
بتأن وتؤدة وعمق ،كي يتسنى للمقربين رفع مستوى العامية
الذي ينبغي أن ينظر فيه ٍ
وتفصيحها .وهذا هو ما ننشده من وراء هذه املقاربة ،ولكن كيف يمكن تحقيق ذلك؟ ً
يرى كثير من املراقبين والدارسين أن العامية تتجه يومًا بعد يوم إلى ما يسميه بعض
الباحثين بالعربية ال ًوسطى أو اللغة الثالثة 3،أو لغة املتعلمين املحكية 1،أو دارجة املثقفين،
والتي أفاض عبد الرحيم اليوس ي في دراستها في أطروحته لنيل درجة الدكتوراه 2،كما تتجه
إلى ما يسميه "مونتي" وآخرون بالعربية الحديثة أ ًو املعاصرة 3،أو "اللغة العربية
املعاصرة" 4،أو "العربية الفصحى املعاصرة" 5،أو "الفصحى املعاصرة" 6،أو "العربية الفصحى ً
ً
والكريدس ي ،علي بن حمود ،اللغة الثـالثة بين الفصحى والعـامية " ،مجلـة الجزيرة الثقـافية “ ،العدد ،87
http://www.al- االثنين 08رمضان 0241هـ ،4112/00/0 ،على الرابط اإللكتروني:
jazirah.com.sa/culture
1املوس ى ،نهاد ،الثنائيات( ،مرجع سابق) ،ص ،023وقضية التحول إلى الفصحى( ،مرجع سابق) ،ص .41
2العشيري ،محمد نافع ،االزدواجية اللغوية في املغرب( ،مرجع سابق).
3مونتي ،فانسان ،اللغة العربية الحديثة ،تلخيص جمال الدين البغدادي" ،مجلة اللسان العربي" ،العدد
0782 ،0هـ 0812 /م .وأيضاً :
* شاهين عبد الصبور ،في علم اللغة العام ،مؤسسة الرسالة ،بيروت ،ط 088 ،2م ،ص ً .411
* بشر ،كمال ،دراسات في علم اللغة ،دار املعارف ،القاهرة ،ط0818 ،4م ،ق ،4ص ً .047
* داود ،محمد محمد ،الداللة والحركة ،دراسة ألفعال الحركة في العربية املعاصرة في إطار املناجج
الحديثة ،دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع ،القاهرة4114 ،م ،صً .20
* داود ،محمد محمد ،الداللة والكلم ،دراسة تأصيلية أللفاظ الكلم في العربية املعاصرة في إطار املناجج
الحديثة ،دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع ،القاهرة4114 ،م ،ص ً .01
* داود ،محمد محمد ،العربية وعلم اللغة الحديث( ،مرجع سابق) ،ص ً .423
4الطيب ،عبد هللا ،اللغة العربية املعاصرة " ،محاضر جلسات املجمع " الدورة 0838 ،27م ،ص .441
وعمر ،أحمد مختار ،أخطاء اللغة العربيةاملعاصرة ،عالم الكتب ،القاهرة ،ط0880 ،0م
5قد سري ،أحمد محمد ،العربية الفصحى املعاصرة ،الدار العربية للكتاب ،تونس ،ط 0880 ،0مً .
6ضيف ،شوقي ،الفصحى املعاصرة" ،محاضر جلسات املجمع" ،الدورة ("،)22مجلة مجمع اللغة العربية"،
القاهرة ،اإلدارة العامة للتحرير ،الجزء ( ،)20أيار0838 ،م ،ص .80
4
الحديثة" 1،أو "فصحى العصر" 2،أو "الفصحى املخففة" 3،أو "اللغة العربية املشتركة"،
أو غيرها من األلفاظ واالصطلحاتً .
ُويعزى مثل هذا التوجه في تفصيح العامية إلى تراجع نسبة األمية في الوطن العربي،
وتنامي معدالت التعليم وانتشاره الواسع وازدياد الوعي بأهمية اللغة الفصحى ودورها في
تعزيز ثقافة االنتماء ،وانتشار الصحافة واإلذاعة ،واالطلع على ثقافة الغرب ومعارفه ،عبر
املباشر وغير املباشر ،وعبر الترجمة والبحث العلمي والرحلت العلميةً .
ً االحتكاك
والعربية املعاصرة تقوم أساسًا على أصول الفصحى في كل مستوياتها؛ الصوتية
والصرفية والنحوية والداللية ،وهي خلفًا لكل اللغات العاملية الحية ،تحافظ على نسقها
تغيرا جذريًا أو كبي ًرا كما هو حال معظم لغات العالم 5،والسر في
العام ،وال تتبدد أو تتغير ً
هذا الثبات النوعي ،يكمن في ارتباطها بالقرآن الكريم ،حيث حافظ القرآن من جهته على
نسقها العام ،وجعلها مفهومة على الدوامً .
واملستوى الكتابي للعربية املعاصرة هو من الفصحى باتفاق ،إنما يبقى الخلف في
التلفظ والخطاب ،حيث تميل العربية املعاصرة إلى التسكين وخاصة في أواخر الكلمات،
وعند الوقف ،وهو أمر يخرج –إلى حد ما –عن طبيعة الفصحى املعربة التي تمنح األواخر
حركاتها املناسبة ،لكن التسكين الذي تنتهجه العربية املعاصرة ،أو يطغى على ألسنة
سنتكيفتش ،يا روسلف ،العربية الفصحى الحديثة (بحوث في تطور األلفاظ واألساليب) ،ترجمة 1
وتعليق :محمد حسن عبد العزيز ،دار النمر للطباعة ،الجيزة ،ط0881 ،0م( ،العنوان)ً .
2بدوي السعيد ،مستويات العربية املعاصرة في مصر ،دار املعارف ،القاهرة 0837م ،ص .043
3أمين ،محمد شوقي ،صيغة الفصحى املخففة كما يراها الدكتور محمد كامل حسين" ،مجلة مجمع اللغة
العربية “ ،القاهرة ،الجزء ،78جمادي األول 0783 ،هـ ،أيار0833 ،مً .
أنيس ،إبراهيم ،مستقبل اللغة العربية ،معهد الدراسات العربية ،القاهرة0811 ،م ،ص .28وشرف، 4
عبد العزيز شرف ،اإلعلم واللغة العربية املشتركة" ،مجلة الفيصل " ،العدد ،03ذو القعدة 0788 ،هـ،
تشرين األول 0838مً .
ي ،دار امللح ،دمشق ،ط0838 ،0م،
5الداية ،فايز ،الجوانب الداللية في نقد الشعر في القرن الرابع الهجر ً
ص .008
تقع باإلعراب وكأنها لم ترد 7،وذكر أبو الخطاب أن إعراب العرب الخطف والحذف 8،وكان ً
ً
مجمع اللغة العربية األردني " العدد ،4املجلد ،0شعبان 0788هـ ،تموز0838 ،م ،ص .028وتيمور،
محمود ،العامية ...الفصحىً“مجلة مجمع اللغة العربية “ ،القاهرة ،الجزء 0810 ،07م ،ص ً .047
3السيوطي ،جلل الدين املتوفى 800هـ ،همع الهوامع شرح جمع الجوامع ،دار املعرفة ،بيروتً .12/0 ،
4عبد التواب ،رمضان ،فصول في فقه اللغة ،دار التراث ،القاهرة0833 ،م ص .11واستيتية ،سمير
شريف ،املشكلت اللغوية( ،مرجع سابق) ،ص .073
5ينظر عبد التواب ،رمضان ،فصول في فقه اللغة (مرجع سابق) ،ص ً .11
6السابق ،ص .11
7السابق ،ص ً .11
8السابق ،ص ً .11
ُ
ثانيًا :إنشاء أسواق لغوية وأدبيةً ،تعمم من خللها لغة مشتركة هي باتفاق ،العربية
املعاصرة ،ويتم ذلك بتشجيع الناشئة على إنتاج مواد أدبية وإلقائها في مثل هذه األسواق
ُ
ونشرها كي ًتسهم بجعل اللغة املشتركة املعاصرة لغة متداولة في املحافل األخرى أيضًاً .
ُ
ثالثًا :تعريب التعليم الجامعي ،وإعادة النظر باللغة التي تعلم بها مواد التخصصات
املختلفة ،لجعل الجامعة سوقًا أخرى مفتوحة لنشر العربية املعاصرة وتعميمهاً .
ويمكن تذليل العقبات املتأتية من التعريب ،بإنشاء مراكز ترجمة تأخذ على عاتقها
مواكبة التغيرات والتطورات العلمية ونقلها إلى العربية املعاصرة ،وابتداع اصطلحات
أمرا معروفًا ومألوفًاً .
جديدة ومناسبة تجعل منها ً
ومثل هذه املسئولية تقع على عاتق الجامعات ومؤسسات املجتمع املدني من جهة
ومؤسسات الدولة من جهة أخرى ،كي يتكامل العمل ويتنامى .وكي تضع طلبة العلم
والباحثين في صورة كل ما يستجد من معارف وعلومً .
ويجيء في هذا السياق أيضًا ،تشجيع البحث العلمي باللغة العربية املعاصرة ،وجعل
اتقان العربية شرطًا في التوظيف والتعيين وملء شواغر الوظيفة في َّ
شتى املعارف والعلوم
وفي كل املؤسسات الرسمية وغير الرسميةً .
رابعًا :تطوير وسـائل اإلعلم وتط ًويعهـا لحمل العربية املعـاصرة وجعلها لغتهـا الرسمية،
بحيث تصبح اللغة اإلعلمية املستخدمة في وسائل اإلعلم املختلفة هي اللغة العربية
املعاصرة .وعبر هذه الوسائل اإلعلمية يتحقق للغة مجال تداولي واسع ،يطال معظم
شرائح املجتمع ومختلف الشرائح العلمية والتخصصية أيضًا ،وتتحول وسائل اإلعلم
بحسب هذا الطرح ،من طرف في املشكلة اللغ ًوية إلى طرف مؤثر في الحلً ...
( )7الخاتمة:
يمكن القو ًل :إن االزدواج اللغوي أمر طبيعي ينتاب كل لغات العالم ،وهو أمر ال يمكن
إغفاله أو تجاوزه ،وفي الوقت نفسه ليس من املمكن السكوت عليه ،أو الرضا به ،لذا
اقتض ى البحث الدائم عن حلول مناسبة إلنهائه أ ًو التخفيف من آثاره السلبية ،وقد بدا
في العربية أكثر وضوحًا ًوأشد خطورة ،وتضاربت اآلراء واملواقف حوله،وحاول هذا البحث
مناقشة هذه اآلراء واملذاهب ،وخلص إلى القول بأهمية العمل على التخلص من االزدواج
اللغوي عبر تطوير لغة اإلعلم وجعلها اللغة العربية املعاصرة أو الفصحى املعاصرة ،لتقريبها
من الفصحى ،ومنحها خصائصها وحيويتها مع ش يء من العصرنة والحداثةً .
وبالرغم من ذلك ،فإن إنهاء الوضع االزدواجي للعربية أمر في غاية التعقيد والصعوبة،
ُ
لكنه يظل ممكنًا إذا ما ًأخلص العمل إلنتاج بيئة لغوية سليمة عبر تقنيات اإلعلم وآلياته
املعاصرة من جهة ،وعبر التخطيط اللغويالسليم والتنمية اللغوية املستمرة من جهة أخرى.
ويبقى كل ذلك مرهونًا بالقرار السياس ي الذي يدفع باتجاه تبني هذا البرنامج التمهيدي في
ُ
مجاال واسعًا لوضع اللغة
ً شقيه املنهجي واالجرائي ،والذي إن ًأحسن تطبيقه ،فإنه قد يتيح
الفصحى في مجال تداولي فعالً .
ً
ً
ببليوغرافياً :
استيتية ،سمير شريف .املشكلت اللغوية في الوظائف واملصطلح واالزداوجية .د.م :مكتبة -0
مجمع اللغة العربية .القاهرة ،الجزء ،78جمادي األولى0783 ،هـ ،أيار0833 ،م.
أنيس ،إبراهيم .مستقبل اللغة العربية .القاهرة :معهد الدراسات العربية0811 ،م. -7
بدوي ،السعيد .مستويات العربية املعاصرة في مصر .القاهرة :دار املعارف0837 ،م. -2
بشر ،كمال .دراسات في علم اللغة .ق .4ط .4القاهرة :دار املعارف0818 ،م. -1
تيمور ،محمود .مشكلت اللغة العربية .القاهرة :مكتبة اآلداب ومطبعتها بالجماميز0811 ،م. -1
تيمور ،محمود" .العامية ...الفصحى ".مجلة مجمع اللغة العربية ،القاهرة ،ج0810 ،07م. -3
الجرجاني ،علي بن محمد املتوفي سنة 801هـ .التعريفات .تحقيق :عبد ال ًرحمن عميرة .ط.0 -8
-01الخولي ،محمد علي .الحياة مع لغتين "الثنائية اللغوية" .ط .0الرياض :مطابع الفرزدق
التجارية0218 ،هـ 0888/مً .
-03داود ،محمد محمد .العربية وعلم اللغة الحديث .القاهرة :دار غريب للطباعة والنشر
والتوزيع4110 ،مً .
-08داود ،محمد محمد .الداللة ،والكلم ،دارسة تأصيلية أللفاظ الكلم في العربية املعاصرة في
إطار املناجج الحديثة .القاهرة :دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع4114 ،مً .
-08داود ،محمد محمد .الداللة والحركة ،دارسة تأصيلية أللفاظ الحركة في العربية املعاصرة في
إطار املناجج الحديثة .القاهرة :دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع4114 ،مً .
-41الداية ،فايز .الجوانب الداللية في نقد الشعر في القرن الرابع عشر .ط .0دمشق :دار امللح،
0838مً .
-40الزغول ،محمد راجي" .ازدواجية اللغة ،نظرة في حاضر اللغة العربية وتطلع نجو مستقبلها في
ضوء الدراسات اللغوية" .مجلة مجمع اللغة العربية األردني .السنة الثالثة ،العدد املزدوج
( ،)01،8آب -كانون أول0881 ،مً .
-44السامرائي ،إبراهيم .التطور اللغوي التاريخي .ط .7بيروت :دار األندلس0887 ،م.
-47سنتكيفتش ،يا روسلف .العربية الفصحى الحديثة (بحوث في تطور األلفاظ واألساليب).
ترجمة وتعليق :محمدحسن عبد العزيز .ط .0الجيزة :دار النمر للطباعة0881 ،مً .
-42السيوطي ،جلل الدين املتوفى سنة 800هـ .كتاب االقتراح في علم أصول النحو .تقديم
وتصحيح وشرح :أحمد الحمص ي ،ومحمد قاسم .ط .1د.م :طبعة جروس برس0888 ،مً .
-41السيوطي ،جلل الدين (ت800 .ه) .املزهر في علوم اللغة وأنواعها .شرح وتصحيح :محمد
أحمد جاد ،ومحمد أبو الفضل إبراهيم ،وعلي محمد البجادي .ط .7القاهرة :مكتبة دار
التراث ،د.تً .
-41السيوطي ،جلل الدين املتوفى سنة 800هـ .همع الهوامع شرح جمع الجوامع .دار املعرفة،
بيروتً .
* ًوطبعة أخرى بتحقيق أحمد شمس الدين ،دار الكتب العلمية ،بيروت :ط4111 ،4مً .
* ًوطبعة أخرى بتحقيق عبد العال سالم مكرمً ،
دار البحوث العلمية ،الكويت0881 ،مً .
-43شاهين ،عبد الصبورً .في علم اللغة العام .مؤسسة الرسالة ،بيروت :ط0881 ،7م ،وط ،2
0882مً .
-48شرف ،عبد العزيز" .اإلعلم واللغة العربية املشتركة" ،مجلة الفيصل العدد ،03ذو القعدة،
0788هـ ،تشرين األول0838 ،مً .
-48شرف ،عبد العزيز .وسائل اإلعلم ولغة الحضارة .القاهرة :مؤسسة مختار ،د.تً .
-71شيخو ،لويس .تاريخ ا ًآلداب العربية في الربع األول من القرن العشرين .بيروت :طبعة اآلباء
اليسوعيين0841 ،مً .
-70ضيف ،شوقي" .الفصحى املعاصرة .محاضرات جلسات املجمع" ،الدورة " ،22مجلة مجمع
اللغة العربية" ،القاهرة :الجزء ( ،)20اإلدارة العامة للتحرير ،أيار0838 ،مً .
-74الطيب ،عبد هللا .اللغة العربية املعاصرة" .محاضر جلسات املجمع “ ،الدورة (0838 ،)27مً .
-77عبد التواب ،رمضان .فصول في فقه اللغة .القاهرة :دار التراث0833 ،مً .
-72أبو عبيد ،القاسم بن سلم (ت442 .ه) .ما ورد في القرآن الكريم من لغات القبائل .مطبوع
بهامش " تفسير الجللين “ ،د.م :مطبعة عيس ى الحلبي ،د.تً .
-71العجلني ،منير" .أثر اللغة العربية في وحدة األمة" مجلة املجمع العلمي العربي .دمشق املجلد
،74الجزء ،0جمادي األولى 0731 ،هـ ،كانون الثاني0813 ،مً .
-71العشيري ،محمد نافع .االزدواجية ،اللغوية في املغرب " .مدونة الدكتور عبد الفتاح الفاتحي "
ً على الرابط اإللكترونيhttp://elfatihi.elaphblog.com:
-73عمر ،أحمد مختار .أخطاء اللغة العربية املعاصرة .ط .0القاهرة :عالم الكتب0880 ،مً .
-78العناتي ،وليد أحمد ،وعيس ى برهومة .اللغة العربية وأسئلة العصر .ط .0عمان-األردن :دار
الشروق4113 ،مً .
-78الغللي ،إبراهيم صالح .ازدواجية اللغة ،النظرية والتطبيق .ط .0الرياض :مكتبة العبيكان،
0201هـ 0883 /مً .
-21الفهري ،عبد القادر الفاس ي .املقارنة والتخطيط في البحث اللساني .ط .0الدار البيضاء-
املغرب ،دار توبقال للنشر0888 ،مً .
-20قدسري ،أحمد محمد .العربية الفصحى املعاصرة .ط .0تونس :الدار العربية للكتاب0880 ،مً .
-24القعود ،عبد الرحمن محمد .االزدواج اللغوي في اللغة العربية .ط .0الرياض :مطابع التقنية
لألوسفت0883 ،مً .
-27الكريدس ي ،علي بن حمود" .اللغة الثالثة بين الفصحى والعامية" .مجلة الجزيرة الثقافية
العدد ،87اإلثنين 08 ،رمضان 0241هـ4112/00/0 ،مً .
-22لوسركل ،جان جاك .عنف اللغة .ترجمة وتقديم :محمد بدويً .مراجعة :سعد مصلوح.
للترجمة ،توزيع :بيروت :مركز دراسات الوحدة العربية ،ط ،0أيار
بيروت :املنظمة العربية ً
4111مً .
-21مارتينه ،أندريه" .الثنائية األلسنية واالزداوجية األلسنية ،دعوة إلى رؤية دينامية للوقائع".
والفكر العالمي ،العدد 0881 ،00م ،بيروت :مركز اإلنماء
ً ترجمة :نادر سراج ،مجلة العرب
القوميً .
-21محفوظ ،حسين علي" .تقريب العامية من الفصحى" .مجلة مجمع اللغة العربية ،القاهرة:
الجزء ( ،)20جمادي األولى 0728 ،هـ ،أيار0838 ،مً .
-23محمود ،إبراهيم كايد" .العربية الفصحى بين االزداوجية اللغوية والثنائية اللغوية" .املجلة
العلمية لجامعة امللك فيصل /العلوم اإلنسانية واإلدارية املجلد الثالث ،العدد األول ،ذو
الحجة0244 ،هـ /آذار4114 ،مً .
-28املعتوق ،أحمد محمد .الحصيلة اللغوية ـ أهميتها ـ مصادرها ـ وسائل تنميتها .سلسلة عالم
املعرفة ،الكويت ،العدد ً .404
-28املعتوق ،أحمد محمد .نظرية اللغة الثالثة ،دراسة في قضية اللغة العربية الوسطى .د.م:
املركز الثقافي العربي4111 ،مً .
-11املغربي ،عبد القادر" .أقرب الطرق إلى نشر الفصحى" .مجلة املجمع العلمي العربي" ،دمشق،
املجلد ،7الجزآن (ً .)8،3
ط.0 -10ابن منظور ،أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم املتوفى سنة 300هـ .لسان العرب.
بيروت :دار الفكر -دار صادر0881 ،مً .
-14املوس ى ،نهاد .االزدواجية في العربية ،ما كان ،وما هو كائن ،وما ينبغي أن يكونً .ضمن "ندوة
االزدواجية في اللغة العربية" عمان :مطبعة الجامعة األردنية0888 ،مً .
-17املوس ى نهاد .الثنائيات في قضايا اللغة العربية من عصر النهضة إلى عصر العوملة .ط .0عمان-
األردن :دار الشروق4117 ،مً .
-12املوس ى نهاد .قضية التحول إلى الفصحى في العالم العربي الحديث .ط .0عمان-األردن :دار
الفكر 0883مً .
-11املوس ى نهاد .اللغة العربية في العصر الحديث ،قيم الثبوت وقوى التحولً .ط .0عمان-األردن:
دار الشروق4113 ،مً .
-11املوس ى نهاد .اللغة العربية وأبناؤها ،أبحاث في قضية الخطأ وضعف الطلبة في اللغة العربية.
ط .4عمان-األردن :مكتبة وسام0881 ،مً .
http://www.islamwib.net/media/index.php -13موقع إسلم ويب اإللكتروني على الرابط:
-18موقع جريدة الشرق األوسط ،العرب الدولية ،الجمعة 71ربيع األول 0244هـ 44يونيو 4110
ً