You are on page 1of 40

‫االزدواجية اللغوية في اللغة العربية‬

‫املجمع ‪31-73 ،)4102/0271( 8‬‬

‫االزدواجية اللغوية في اللغة العربية‬


‫عباس املصري وعماد أبو حسن*‬
‫تلخيص‪:‬‬
‫يناقش هذا املقال البحثي مشكلة االزدواجية اللغوية في العربية املتمثلة بغلبة العاميات‬
‫حد االزدواجية وتاريخيتها ومظاهرها‬ ‫املتعددة على الفصحى في مجال الخطاب الشفهي‪ ،‬مبينًا َّ‬
‫ثم يطرح جملة من الحلول‬ ‫اللغوية من جهة‪ ،‬ووجوه املشكلة أو املشكل فيها من جهة أخرى‪َّ ،‬‬
‫وخيارا استراتيجيًا‪ ،‬دون أن يغفل‬
‫ً‬ ‫الواقعية واملمكنة‪ ،‬خالصًا إلى القول بتغليب الفصحى ً‬
‫حل ممكنًا‬
‫ُ‬
‫تنامي هذا النمط اللغوي املتمثل بما راح يعرف باللغة الوسطى‪ ،‬التي تمثل‪ ،‬إلى ِّ‬
‫حد كبير‪ ،‬اللغة‬
‫املعاصرة خير تمثيل‪ ،‬وتدفع باتجاهها معظم الوسائل اإلعلمية الحديثة‪ً ...‬‬
‫ُ‬
‫حلوال واقعية وممكنة‪ ،‬يمكن ـ إن ًأحسن توظيفها ـ أن تقلل من مخاطر‬ ‫ً‬ ‫ويرى الباحث َّأن ثمة‬
‫متمثل بالدعوة إلى لغة وسطى تجد في‬‫ً‬ ‫العامية‪ ،‬أو تحد من طغيانها‪ ،‬ويبدو بعضها على األقل‪،‬‬
‫تشكل أدوات صالحة لحمل‬ ‫قابل للتطوير عبر وسائل اإلعلم املختلفة‪ ،‬التي ِّ‬
‫اللغة املعاصرة نموذجًا ً‬
‫جاال خصبًا وواسعًا لتطوير‬
‫العربية الوسطى ونشرها وتعميمها‪ ...‬األمر الذي يجعل اللغة اإلعلمية م ً‬
‫اللغة املعاصرة ومقاربتها اللغة الفصحى والتماهي معها بصورة عصرية وديناميكية حية وفاعلة‪.‬‬

‫االزدواجية اللغوية في العربية‬


‫(‪ )1‬مقدمة‪:‬‬
‫ترجع مشكلة االزدواجية اللغوية في البلدان العربية إلى املشكلة اللغوية نفسها وهي‬
‫مشكلة تشكل مخاطر كثيرة على العربية الفصحى؛ ذلك أن العرب اليوم ال يتكلمون‬
‫العربية الفصحى‪ ،‬فالعامية هي الدارجة على ألسنتهم‪ ،‬واملستخدمة في جل محادثاتهم‬
‫وحواراتهم‪ ،‬وهي املتداولة فيما بينهم وفي نواديهم ومحافلهم‪ ،‬والعامية نفسها ليست واحدة‪،‬‬
‫وإنما هي عاميات متعددة‪ ،‬ففي كل قطر أو بلد ثمة عامية‪ ،‬أو ربما عاميات متعددة أيضًا‪،‬‬
‫حتى ليصعب على الشامي أن يفهم اليمني‪ ،‬وقد يتعذر على العراقي فهم التونس ي أو املغربي‪،‬‬
‫بل إن أبناء القطر الواحد قد يجدون صعوبة في فهم بعضهم بعضًا حيث يكاد يصعب على‬
‫العربي في شمال العراق ـ كما يقول السامرائي‪1‬ـ فهم قروي من األهواز في جنوب العراق‪ً .‬‬

‫* محاضران في الجامعة العربية اإلمريكية ‪ -‬جنين ‪ -‬قسم اللغة العربية واإلعلم‪ً .‬‬
‫‪ 1‬السامرائي‪ ،‬إبراهيم‪ ،‬التطور اللغوي التاريخي‪ ،‬دار األندلس‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪0887 ،‬م‪ ،‬ص‪ً .10‬‬

‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)4102( 8‬صفحة‪73 ،‬‬


‫ّ‬
‫عباس املصري وعماد أبو الحسن‬

‫بأمر اللغة وأمنها‪ ،‬وهو اهتمام بدا قديمًا قدم اإلنسان‬


‫لهذا فإنه ال بد من االهتمام ً‬
‫ُ‬
‫نفسه‪ ،‬ذلك أن اللغة وجدت بوجود االنسان‪ ،‬وولدت بوالدته‪ ،‬به عرفت وبها تعرف‬
‫األنسان وتميز عن سائر املخلوقات‪ ،‬فمنذ أن علم هللا آدم األسماء كلها‪ ،‬أخذت اللغة تنمو‬
‫وتتوالد وتزداد‪ ،‬ويموت بعضها ويندثر‪ ،‬ويستجد بعضها اآلخر ويزدهر‪ ،‬حتى بلغت في‬
‫عصرنا الحاضر قرابة ثلثة اآلف لغة‪ً .1‬‬
‫وقد دفعت كثرتها هذه إلى االهتمام بدراستها‪ ،‬ال بصفتها لغة قوم معينين فحسب‪ ،‬كما‬
‫كان يغلب على الدرس اللغوي القديم‪ ،‬وإنما بصفتها لغة إنسانية عامة‪،‬أو لغة عاملية أيضًا‪،‬‬
‫مجاال واسعًا للنظر فيها لذاتها‪ ،‬كما جعل املجال واسعًا كذلك للنظر فيها على‬
‫ً‬ ‫ما أتاح لها‬
‫أساس أنها وسيلة من الوسائل املهمة التي يتوصل بها إلى معارف أخرى كثيرة‪ ،‬فتولد عنها‬
‫ما يعرف بالتطبيق اللغوي الذي تفرع إلى علوم عديدة مرتبطة باللغة من نحو علم اللغة‬
‫االجتماعي‪ ،‬وعلم اللغة النفس ي وعلم اللغة اإلعلمي‪ ،‬وعلم اللغة السياس ي‪ ،‬وهكذا‪ً .‬‬
‫وتضيف قضية الصراع اللغوي‪ ،‬سواء ما كان داخليًا كاالزدواجية اللغوية‪ ،‬أو خارجيًا‬
‫فضل على‬
‫ً‬ ‫كالثنائية اللغوية‪ُ ،‬بعدًا جديدًا يصنف ضمن علم اللغة االجتماعي الذي يشمل‬
‫ومظاهر االنحراف اللغوي واملقاربات اللغوية والتخطيط‪،‬‬
‫ً‬ ‫ما تقدم دراسة األقليات اللغوية‪،‬‬
‫ونحوها‪.‬‬
‫وإذا ما تبين أن العربية ضمن أكثر اللغات السامية متحدثين‪ ،‬وإحدى أكثر لغات العالم‬
‫أمرا بالغ الخطورة‪ ،‬وعلى قدر‬
‫انتشارا‪ ،‬فإن مسألة االزدواجية في نطاق استخدامها تصبح ً‬
‫ً‬
‫عال وكبير من األهمية؛ ذلك أن العاميات أو التفرعات اللهجية كثيرة ومتباينة‪ ،‬والتواصل‬
‫ٍ‬
‫عبرها أو من خللها‪ ،‬يكاد يكون بالغ الصعوبة‪ ،‬وهو أمر يلقي بظلله التفكيكية على نسيج‬
‫املجتمع الواحد‪ ،‬واألمة الواحدة‪ ،‬وقد يفض ي إلى تباين ثقافي وتفاضل عرقي‪ ،‬قد يوديان‬
‫بوحدة نسيج األمة وتآلفها وتعارفها‪ ،‬وفي ذلك ضياع الهوية والثقافة والدين‪ ...‬إنها املشكلة‬
‫املعضلة التي ال يبدو أن الخلص منها أو من آثارها املدمرة‪ ،‬ممكن بغير العربية األم؛‬
‫الفصحى أو الوسطى‪ ،‬فالتحول إلى العربية الفصحى هو الحل املثالي واألنموذج املعياريً‬

‫‪1‬‬
‫‪The Czambride Encyclopedia of Language ، Cambride: University Press, 1987 , p.284.‬‬

‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)4102( 8‬صفحة‪78 ،‬‬


‫االزدواجية اللغوية في اللغة العربية‬

‫الذي يتعين توخيه وااللتزام به‪،‬لكن مثل هذا التحول قد يكون بالغ الصعوبة أيضًا‪ ،‬أو‬
‫متعذرا‪ ،‬وفي هذه الحالة يلزم املقاربة ما أمكن‪ ،‬والتحول إلى الوسطى مع ضرورة التنبيه‬
‫ً‬
‫على ضرورة استخدام أساليب حديثة وواقعية وعملية‪ ،‬تتماش ى واملعطيات الحضارية‬
‫الحديثة‪ ،‬فتستمد من الواقع فكرتها ورؤيتها ووسيلتها‪ً .‬‬
‫ومن وحي هذه املقاربة‪ ،‬تنبثق هذه الدراسة‪ ،‬التي تبدو متسلحة بنظرة جديدة ترمي من‬
‫ورائها إلى إثارة جدل حاد وجاد حول هذه الظاهرة املشكلة‪ ،‬قد يفض ي ـ بالضرورة‪-‬إلى‬
‫ُ‬
‫تساؤالت جمة وجادة‪ ،‬تفض ي بدورها‪ ،‬إذا ًأحسن توظيفها‪ ،‬إلى رؤية‪ ،‬أو تصور قد يقترب‬
‫ومسايرا للواقع من جهة أخرى‪ً .‬‬
‫ً‬ ‫من حل ممكن‪ ،‬يكون بالضرورة مقاربًا للفصحى من جهة‪،‬‬
‫وعليه‪ ،‬فإن هذه الدراسة قدمت رؤيتها ملصطلح االزدواجية وما يميزه عن مصطلح‬
‫متداخل معه ومشتبكًا به‪ ،‬وإن كان كلهما يمثل وجهين‬
‫ً‬ ‫الثنائية الذي بدا هو األخر‬
‫متبادلين ملشكلة الصراع اللغوي الذي بدا – بحسب هذه الدراسة – ذا بعدين‪ :‬أحدهما‬
‫داخلي‪ ،‬ويمثله صراع الفصحى مع العاميات املختلفة‪ ،‬والثاني خارجي ًويمثله صراع الفصحى‬
‫مع اللغات األجنبية الوافدة‪ ،‬وقد أفض ى األول إلى ما راح يعرف باالزدواجية اللغوية‪،‬‬
‫موضوع هذا البحث‪ ،‬فيما أفض ى الثاني إلى ما ُيعرف بالثنائية اللغوية‪ً .‬‬
‫وهو صراع لم يكن يومًا جديدًا وال طارئًا‪ ،‬وإنما يضرب بجذوره في أعماق املاض ي اللغوي‬
‫خطيرا كما يبدو هذه األيام‪ ،‬حين راح يتحول إلى‬
‫ً‬ ‫للفصحى نفسها‪ ،‬لكن شأنه لم يكن يومًا‬
‫مشكلة حقيقية توشك أن تعصف باملشترك الحضاري والعقدي لألمة جراء عصفها بلسان‬
‫األمة وتلعبها به‪ ،‬وهو ما بدا واضحا في مآل لسان األمة هذه األيام‪ ،‬فقد طغت عليه‬
‫العاميات واللكنات الوافدة والتي توشك أن يكون للهيبها في عصر العوملة‪ ،‬ضرام ٍ‬
‫مؤذ‬
‫وفظيع‪ ،‬فالعربية كما حدث النبي‪ 1‬صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬ليست من أب وال أم‪ً ،‬وإنما هي‬

‫نص الحديث‪" :‬ليست العربية بأحدكم من أب وال أم‪ ،‬وإنما هي من اللسان‪ ،‬فمن تكلم بالعربية فهو‬ ‫‪1‬‬

‫عربي"‪ .‬رواه الحافظ ابن عساكر‪ ،‬وذكره ابن تيمية في "اقتضاء الصراط املستقيم مخالفة أهل‬
‫الجحيم" ص ‪ ،81‬والسيد اإلمام محمد رشيد رضا في "الوحي املحمدي"‪ ،‬ص ‪ ،470 ،471‬الفهري‪ ،‬عبد‬
‫القادر الفاس ي‪ ،‬املقارنة والتخطيط في البحث اللساني‪ ،‬دار توبقال للنشر‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬ط‪،0‬‬
‫‪ ،0888‬ص ‪ً .011‬‬

‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)4102( 8‬صفحة‪78 ،‬‬


‫ّ‬
‫عباس املصري وعماد أبو الحسن‬

‫من اللسان‪ ،‬فمن تكلم العربية فهو عربي‪ ،‬وبحسب مفهوم املخالفة‪ ،‬فإن من لم يفعل‪،‬فقد‬
‫واألخطار التي‬
‫ً‬ ‫األفكار‬
‫ً‬ ‫تنكر لعربيته‪ ،‬وآثر عليها هويات وثقافات أخرىً‪ ،‬وفي ذلك تكمن كل‬
‫تلخص املشكلة كلها‪ً .‬‬
‫(‪ )2‬في ّ‬
‫حد االزدواجية‪:‬‬
‫تباينت اآلراء في بيان حد مصطلح االزدواجية ومفهومه‪ ،‬وبدا في دراسات معظم‬
‫اللغويين مختلطًا بمصطلح "الثنائية اللغوية " ومتداخل معه فأطلق مصطلح االزدواجية‬
‫على الثنائية والثنائية على االزدواجية‪ ،1‬ونشأ من هذا االختلط والتداخل خلط ِّبين في‬
‫املفهومين‪ ،‬واختلف واضح بشأن مكونات كل منهما‪ً .‬‬

‫‪ 1‬في هذا الصدد على سبيل املثال‪ً :‬‬


‫* الفهري‪ ،‬املقارنة والتخطيط‪( ،‬مرجع سابق)‪ ،‬ص ‪ً .017- 010‬‬
‫* املوس ى‪ ،‬نهاد‪ ،‬اللغة العربية في العصر الحديث‪ ،‬قيم الثبوت وقوى التحولً‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬عمان‪ -‬األردن‪،‬‬
‫ط‪4113 ،0‬م‪ ،‬ص ‪ً .073‬‬
‫* املوس ى‪ ،‬نهاد‪ ،‬الثنائيات في قضايا اللغة العربية من عصر النهضة إلى عصر العوملة‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬عمان‪-‬‬
‫األردن‪ ،‬ط‪4117 ،0‬م‪ ،‬ص ‪ً .041‬‬
‫* املوس ى‪ ،‬نهاد‪ ،‬قضية التحول إلى الفصحى في العالم العربي الحديث‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬عمان‪ -‬األردن‪ ،‬ط‪،0‬‬
‫‪0883‬م‪ ،‬ص ‪ً .12 ،48‬‬
‫* املوس ى‪ ،‬نهاد‪ ،‬اللغة العربية وأبناؤها‪ ،‬أبحاث في قضية الخطأ وضعف الطلبة في اللغة العربية‪ ،‬مكتبة‬
‫وسام‪ ،‬عمان‪ -‬األردن‪ ،‬ط‪0881 ،4‬م‪ ،‬ص ‪ً .078‬‬
‫* العناتي‪ ،‬وليد أحمد‪ ،‬وعيس ى برهومة‪ ،‬اللغة العربية وأسئلة العصر‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬عمان‪ -‬األردن‪،‬‬
‫ط‪4113،0‬م‪ ،‬ص ‪ً .017- 010‬‬
‫* جورج يول‪ ،‬معرفة اللغة‪ ،‬ترجمة‪ :‬محمود فراج عبد الحافظ‪ ،‬دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر‪،‬‬
‫اإلسكندرية‪ ،‬ط‪4111 ،0‬م‪ ،‬ص ‪ً .471‬‬
‫* داود‪ ،‬محمد محمد‪ ،‬العربية وعلم اللغة الحديث‪ ،‬دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪4110‬م‪ ،‬ص ‪ً .417‬‬
‫* استيتية‪ ،‬سمير شريف‪ ،‬املشكلت اللغوية‪ ،‬في الوظائف واملصطلح واالزدواجية‪ ،‬مكتبة جامعة النجاح‬
‫الوطنية‪0881 ،‬م‪ ،‬ص ‪ً .001‬‬

‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)4102( 8‬صفحة‪21 ،‬‬


‫االزدواجية اللغوية في اللغة العربية‬

‫وتحرير القول فيهما أن ثمة تباينًا في استخدام اللغة‪ ،‬منشؤه لغة‪ ،‬أو لغات وافدة‪،‬‬
‫أحدثت صراعًا بين اللغة األم وهذه اللغات الوافدة من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرىً‪ ،‬فثمة‬
‫تفرعات لهجية للغة األم‪ ،‬أحدثت صراعًا بين مستويات اللغة نفسها‪ ،‬نشأ عنها ما يعرف‬
‫بصراع الفصحى والعامية‪ ،‬فأيهما ثنائية لغوية؟ وأيهما ازدواجية؟ ً‬
‫هنـا أجدني أميل ألسباب كثيرة‪ ،‬إلى الوجه الثاني‪ ،‬حيث تظهر االزدواجية‪ ،‬من وجهة نظر‬
‫شكل من أشكـال الصـراع اللغويً الداخلي‪ ،‬أو التقابل اللغوي بين‬
‫ً‬ ‫هذا البحث على األقل‪،‬‬
‫الفصحى والعامية‪ ،‬فهو صراع داخلي‪ ،‬تبرز فيه العـاميات بوصفهـا تفرعـات لهجيه‬
‫كبيرا‪ ،‬حيث "تمثل الفصحى والعامية في‬
‫مشكل أساسيا تعاني منه الفصحى عناء ً‬‫ً‬ ‫للفصحى‪،‬‬
‫سياق اللغة العربية مستويين بينهما فرق أساس ي حـاسم‪ ،‬يتمثـل في أن الفصحى نظـام لغوي‬
‫معرب‪ ،‬أمـا العامية‪ ،‬فقد سقط منها اإلعراب بصورة شبه كلية"‪ً .1‬‬
‫وازدواجية الفصحى والعامية‪ ،‬ليست خاصة في العربية فقط‪ ،‬بل هي قدر كل اللغات‪،‬‬
‫ومن طبيعتها أيضا‪ ،‬فمن هذه الطبيعة اللغوية تنشأ االزدواجية‪ ،‬ليصبح ‪-‬مع الزمن ‪-‬واقعًا‬
‫ناجزا‪ ،‬وسمة الزمة من سمات اللغة‪ ،‬تعكس ‪-‬من ثم ‪-‬اختلفًا يشكل ‪-‬في الغالب ‪-‬مبتدأ‬
‫ً‬
‫اللغة ومنتهاها‪ً .‬‬
‫ولكن العربية تتميز بكونها من أكثر اللغات ‪-‬إن لم تكن أكثرها على اإلطلق ‪-‬التي سيطرت‬
‫عليها مثل هذه االزدواجية‪ ،‬وهو أمر دفع – على الدوام – باتجاه النظر فيها وفي لهجاتها‬
‫املتفرعة عنها‪ ،‬ودراستها دراسة تعتمد الزمان واملكان والجنس‪ ،‬كما تعتمد الصيغة والبنية‬
‫والصوت‪ ،‬وهو ما كان له األثر البالغ في تطوير الدرس اللغوي وتعميقه وغنائه‪ً .‬‬

‫الرياض‪ ،‬ط‪0218 0‬هـ‬


‫* الخولي‪ ،‬محمد علي‪ ،‬الحياة مع لغتين "الثنائية اللغوية" مطابع الفرزدق التجارية‪ً ،‬‬
‫‪0888 /‬م‪ ،‬ص ‪ً .41‬‬
‫ط‪0‬‬ ‫* الغللي‪ ،‬إبراهيم صالح‪ ،‬ازدواجية اللغة‪ ،‬النظرية والتطبيق‪ ،‬مكتبة العبيكان‪ ،‬الرياض‪،‬‬
‫‪0201،‬هـ‪0883/‬م‪ ،‬ص ‪ً .84 ،048 ،041‬‬
‫* يعقوب‪ ،‬أميل بديع‪ ،‬فقه اللغة العربية وخصائصها‪ ،‬دار العلم للمليين‪ ،‬بيروت‪0884 ،‬م‪ ،‬ص ‪ً .021‬‬
‫‪ 1‬املوس ى‪ ،‬نهاد‪ ،‬الثنائيات‪( ،‬مرجع سابق)‪ ،‬ص ‪ً .041‬‬

‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)4102( 8‬صفحة‪20 ،‬‬


‫ّ‬
‫عباس املصري وعماد أبو الحسن‬

‫وإذا كانت االزدواجية تعني وجود مستويين للغة الواحدة؛ أحدهما مستوى اللغة‬
‫واآلخر مستوى‬
‫ً‬ ‫الفصيحة الذي ُيستخدم في املناسبات الرسمية والكتابة األدبية والتعليم‪،‬‬
‫اللغة العامية‪ ،‬أ ًو اللهجات الدارجة‪ ،‬الذي يستعمل في الحياة اليومية‪ ،‬أقولً‪ :‬إذا كان هذ‬
‫حد االزدواجية وحالها‪ ،‬فإنها بهذا املعنى‪ ،‬تشكل شرخًا في مكونات عملية التداول‬ ‫هو ًِّ‬
‫مظهرا لغويًا‪ ،‬طريق الفصحى وميدانها‪ ،‬وتجعل‬
‫ً‬ ‫اللغوي اليومي‪ ،‬فتجعل الكتابة بصفتها‬
‫املشافهة والحوار والتداول الخطابي‪ ،‬بصفته املظهر اللغوي ً‬
‫اآلخر‪ ،‬طريق العامية وسبيلها‪ً .‬‬
‫وكلما كان البون شاسعًا بين املظهرين أو املستويين‪ ،‬كان الشرخ ً‬
‫كبيرا‪ ،‬وهو شرخ يصب‬
‫في غير مصلحة الفصحى‪ ،‬ويترتب عليه تباعد عنها‪ ،‬قد يفض ي إلى الجفوة والنسيان‪ ،‬وربما‬
‫االنقراض‪ ،‬وهو ما حذر منه املجلس العربي للطفولة والتنمية؛ في مؤتمره العالمي حول‬
‫"لغة الطفل العربي في عصر العوملة "‪ 1‬املنعقد في مقر الجامعة العربية في القاهرة‪ ،‬في املدة‬
‫من ‪4113/4/08-03‬م‪ .‬والذي شارك فيه ما يزيد على (‪ )111‬باحث ينتمون إلى (‪ )08‬دولة‬
‫‪2‬‬
‫عربية وغير عربية‪ ...‬لكنه تحذير لم يلق آذانًا مصغية وال قلوبًا مخلصة أو واعيةً‪ ،‬فبدا بعد‬
‫واد‪ ،‬أو نفخة في رماد‪ ،‬فلم ًُيعمل على تجنب ما يحمل‬‫سنوات من إطلقه مجرد صرخة في ًٍ‬
‫من مخاطر ومخاوف‪ ،‬قد تكون لها عواقب جد وخيمة‪ ،‬توشك أن تتحول في عصر العوملة‬
‫إلى حقائق دامغة وشاهدة على ضياع العربية وضعفها وانحسارها‪ ،‬وخاصة في املحافل‬
‫العلمية واملؤسسات التعليمية العالية في البلدان العربية‪ً .‬‬
‫مقابل عربيًا ملصطلح (‪ )Diglossia‬فيما تبدو الثنائية‬
‫ً‬ ‫وبهذا املفهوم تبدو االزدواجية‬
‫املقابل العربي ملصطلح (‪ ،)Bilingualism‬لكن هذين املصطلحين عند ترجمتهما إلى العربية‬
‫يبدوان كأنهما يحملن معنى واحدًا‪ ،‬فمصطلح (‪ )Diglossia‬يتركب من سابقة يونانية هي‬
‫(‪ )Di‬والتي تعني مثنى أو ثنائي‪ ،‬أو مضاعف‪ ،‬و (‪ )gloss‬والتي تعني لغة‪ ،‬والحقة هي (‪)ia‬‬
‫للحالة‪ ،‬وحاصل الترجمة‪( :‬حالة لغة مثناه أو مضاعفة)‪ ،‬وهذا يعني الثنائية اللغوية‪.‬‬
‫ومصطلح (‪ )Bilingualism‬يتركب من سابقة التينية هي (‪ )Bi‬وتعني مثنى أو مضاعف‪ ،‬و‬

‫‪ 1‬موقع ديوان العرب على الرابط‪www.diwanalarab.com :‬‬


‫‪ 2‬املوس ى‪ ،‬نهاد‪ ،‬الثنائيات‪ ،‬ص ‪ً .041‬‬

‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)4102( 8‬صفحة‪24 ،‬‬


‫االزدواجية اللغوية في اللغة العربية‬

‫الدالة على السلوك املميز أو الحالة‪ ،‬وحاصل‬ ‫(‪(ism‬‬ ‫(‪ )lingual‬وتعني لغوي‪ ،‬والحقة‬
‫الترجمة‪( :‬سلوك لغوي مثنى أو مضاعف) وهذا يعني الثنائية اللغوية‪ً 1.‬‬
‫وبذلك فإن املصطلحين يؤديان املعنى نفسه‪ ،‬لكن الواقع االستخدامي لكل املصطلحين‪،‬‬
‫يؤكد عكس ذلك تمامًا‪ ،‬فيبدوان متغايرين‪ ،‬والخلط بينهما يرجع إلى اضطراب الغربيين في‬
‫تحديد مفهوم كل من هذين املصطلحين‪ً 2.‬‬
‫وقد انتقلت عدوى هذا االضطراب واالختلط إلى الدارسين العرب‪ ،‬وساعدت عليه‬
‫الترجمة‪ ،‬إال أننا نذهب ‪-‬كما قدمنا ‪ -‬مع نهاد املوس ى إلى األخذ بوجهة النظر التي ترى في‬
‫املصطلح الغربي (‪ )Diglossia‬مفهوم االزدواجية اللغوية‪ 3،‬والذي يعني‪ -‬بحسب وليم‬
‫مارسين‪ 4.‬تنافسا بين لغة أدبية مكتوبة ولغة عامية شائعة‪ ،‬أي بين الفصحى والعامية‪ ،‬أو‪-‬‬
‫مستقرا نسبيًا‪ ،‬يوجد فيه باإلضافة إلى اللهجات‬
‫ً‬ ‫بحسب شارل فرغسونً‪ 5-‬وصفًا لغويًا‬
‫املستعملة في املحادثة العادية‪ ،‬نمط فوقي عالي التشفير‪ ،‬يستعمل في معظم األغراض‬
‫املكتوبة واألحاديث الرسمية‪ً .‬‬
‫ويعرفه (أندريدمارتينه) بأنه موقف لغوي اجتماعي‪ ،‬تتنافس فيه لهجتان لكل منهما وضع‬
‫شكل لغويًا مكتسبًا ومستخدمًا في الحياة اليومية‪ً ،‬‬
‫ً‬ ‫اجتماعي وثقافي مختلف‪ ،‬فتكون األولى‬

‫‪ 1‬محمود‪ ،‬إبراهيم كايد‪ ،‬العربية الفصحى بين االزدواجية‪ ،‬اللغوية والثنائية اللغوية‪" ،‬املجلة العلمية‬
‫لجامعة امللك فيصل‪ ،‬العلوم اإلنسانية واإلدارية"‪ ،‬املجلد الثالث‪ ،‬العدد األول‪ ،‬ذو الحجة ‪0224‬هـ ‪ /‬آذار‬
‫‪4114‬م‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫‪ 2‬السابق‪ ،‬ص ‪ً .13 – 11‬‬
‫‪ 3‬املوس ى‪ ،‬نهاد‪ ،‬االزدواجية في العربية‪ ،‬ما كان وما هو كائن‪ ،‬وما ينبغي أن يكونً‪“ ،‬ندوة االزدواجية في اللغة‬
‫العربية "‪ ،‬مطبعة الجامعة األردنية‪ ،‬عمان‪0888 ،‬م‪ ،‬ص‪ً .82‬‬
‫‪ 4‬الزغول‪ ،‬محمد راجي‪ ،‬ازدواجية اللغة‪ ،‬نظرة في حاضر اللغة العربية وتطلع نحو مستقبلها في ضوء‬
‫الدراسات اللغوية‪" ،‬مجلة مجمع اللغة العربية األردني" السنة الثالثة‪ ،‬العدد املزدوج ‪ 01 ،8‬آب كانون‬
‫أول‪0881 ،‬م‪ ،‬ص ‪.040 ،041‬‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪ ،040‬والقعود‪ ،‬عبد الرحمن محمد‪ ،‬االزدواج اللغوي في اللغة العربية‪ ،‬مطابع التقنية‬ ‫‪5‬‬

‫لألوسفت‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط‪0883 ،0‬م‪ ،‬ص ‪.012‬‬

‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)4102( 8‬صفحة‪27 ،‬‬


‫ّ‬
‫عباس املصري وعماد أبو الحسن‬

‫وتكون الثانية لسانًا يفرض استخدامه في بعض الظروف‪ ،‬املمسكون بزمام السلطة‪ً 1.‬‬
‫وعليه تبدو االزدواجية اللغوية تنوعًا لغويًا أو لسانيًا ضمن اللغة الواحدة حيث تبرز‬
‫الفصحى والعامية‪ ،‬أو العاميات املتعددة‪ ،‬فتخصص الفصحى للستخدام الرسمي‪ ،‬فيما‬
‫تخصص العامية للستخدام العادي واليومي‪ ،‬وهي حالة مستقرة نسبيًا‪ ،‬لكنها قد تخلق‬
‫صراعًا بين التنوعين أو املستويين قد يتحول تدريجيًا إلى مشكل كبير يهدد الفصحى؛ التنوع‬
‫األرقى أو املستوى األعلى باالنقراض‪ً .‬‬
‫(‪ )3‬نشأة االزدواجية في العربية‪:‬‬
‫في هذا السياق يمكن الحديث عن نشأة االزدواجية من زاويتين؛ األولى حيث ينظر إلى‬
‫االزدواجية بوصفها ظاهرة لغوية‪ ،‬رافقت اللغة نفسها منذ النشأة األولى لها‪ ،‬والثانية حيث‬
‫ينظر إليها بوصفها اصطلحًا لغويًا أو مفهومًا بدا يظهر في دراسات اللغويين العرب وغير‬
‫شكل علميًا إال من عهد قريب حين كتب‬
‫ً‬ ‫العرب‪ ،‬منذ بدء هذه الدراسات‪ ،‬لكنه لم يتخذ‬
‫"فيرجسونً" مقالته الشهيرة عن االزدواجية اللغوية (‪ )Diglossia‬سنة ‪0818‬م‪ ،‬وكان له‬
‫فضل السبق في استخدامه‪ ،‬ثم ما لبث أن انتشر وشاع لدى علماء اللسانيات االجتماعية‪ً .‬‬
‫(‪ )0-7‬نشأة االزدواجية بوصفها ظاهرة لغوية‪ً :‬‬
‫هنا قوالن‪ :‬أحدهما يرى االزدواجية جزءًا من الظاهرة اللغوية منذ بدايات اللغة‪ ،‬والثاني‬
‫يراها تطورًا لغويًا اقتضته ظروف خاصة اكتنهت اللغة في فترات من تاريخها‪ً .‬‬
‫ُويبنى على القول األول أن مشكلة الفصحى ًوالعامية ليست جديدة وال طارئة‪ ،‬وال أظن‬
‫أن أحدًا يمكنه القول بذلك‪ ،‬إذ تعود جذور هذه املشكلة إلى عهد القدماء‪ ،‬أو األقدمين‬
‫منذ النشأة األولى للغة‪ ،‬فالعصر الجاهلي لم يكن بمنأى عن مثل هذه االزدواجية وإن لم‬
‫تكن بمثل ما هي عليه اليوم؛ حيث تظهر االختلفات اللهجية التي كانت قائمة حينذاك‬
‫وسائدة‪ ،‬مدى هذا االزدواج وإشكاليته‪ ،‬فالعرب لم يكونوا ينطقون لهجة واحدة‪ ،‬وإنما‬
‫ظاهرا وشديدًا حتى عهد قريب من تنزيل القرآن‬
‫ً‬ ‫لهجات عديدة طاملا كان االختلف بينها‬

‫مارتينيه‪ ،‬أندريه‪ ،‬الثنائية األلسنة واألزدواجية األلسنية‪ ،‬دعوة إلى رؤية دينامية‪ ،‬للوقائع‪ ،‬ترجمة نادر‬ ‫‪1‬‬

‫سراج‪" ،‬مجلة العرب والفكر العالمي "‪ ،‬العدد ‪0881 ،00‬م‪ ،‬مركز اإلنماء القومي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ص ‪ً .42‬‬

‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)4102( 8‬صفحة‪22 ،‬‬


‫االزدواجية اللغوية في اللغة العربية‬

‫الكريم الذي نزل بلسان عربي مبين‪ ،‬فسره ابن عباس وآخرون بأنه لسان قريش الذي‬
‫تشكل من جماع لغى العرب وجيدها‪ً .1‬‬
‫وقد غدا بهذا التشكل واالختيار‪ ،‬أفصحها وأعذبها وأعلها‪ ،‬مسجل انتصار الفصحى‬
‫بصفتها املستوى األعلى للغة‪ ،‬وظهورها على سائر اللهجات األخرى التي تشكل املستوى‬
‫األدنى لها‪ ،‬يقول ابن هشام‪ ":‬كانت العرب ينشد بعضهم شعر بعض‪ ،‬وكل يتكلم على‬
‫مقتض ى سجيته التي فطر عليها‪ ،‬ومن هاهنا كثرت الروايات في بعض األبيات "‪ً 2.‬‬
‫ومن جهة النظر هذه تبدو الفصحى‪ ،‬وهي املستوى األعلى للغة‪ ،‬ملزمة للعامية ومتوازنة‬
‫معها‪ ،‬وقد تمكنت من التغلب على العاميات املتمثلة باللهجات العربية املتعددة حين‬
‫ى‪،‬‬
‫شكلت خطاب الشعر قبل اإلسلم‪ ،‬وخطاب القرآن بعد اإلسلم‪ ،‬لكنها عادت مرة أخر ً‬
‫فتراجعت أمام زحف العاميات ًومدها جراء انحراف اللسان العربي وما طرأ عليه من تغير‬
‫أو أصابه من تطور بفعل االختلط واالختلف واالنفتاح‪ ،‬وهو ما يسلم إلى وجهة النظر‬
‫األخرى التي ترى الفصحى بتشظيها وانحسارها سببًا وجيهًا لتشكل لهجات راحت تنأى‬
‫تدريجيًا عنها لتتحول مع الزمن إلى ند يهدد الفصحى نفسها أو يبعثرها‪ ،‬محدثًا هذه‬
‫تحوال عن الفصحى لغة‬
‫ً‬ ‫االزدواجية اللغوية التي يراها ابن خلدون – وقد شاعت في زمنه ـ‬
‫التنزيل وفسادًا ملا ُجبل عليه من صفة راسخة أ ًو ملكة أو طبع بسبب مخالطتهم األعاجم‪،3‬‬
‫إذ البعد عن اللسان إنما هو بمخالطة العجم‪،‬ومن خالط العجم أكثر كانت لغته من ذلك‬
‫اللسان األصلي أبعد‪ً 4...‬‬

‫أبو عبيد‪ ،‬القاسم بن سلم املتوفي سنة ‪ 442‬هـ‪ ،‬ما ورد في القرآن الكريم من لغات القبائل‪ ،‬مطبوع‬ ‫‪1‬‬

‫بهامش "تفسير الجللين" مطبعة عيس ى الحلبي‪ ،‬ص ‪.042‬‬


‫‪ 2‬السيوطي‪ ،‬عبد الرحمن جلل الدين املتوفي سنة ‪ 800‬هـ‪ ،‬املزهر في علوم اللغة وأنواعها‪ ،‬شرح وتصحيح‪:‬‬
‫محمد أحمد جاد املولى بك‪ ،‬ومحمد أبو الفضل إبراهيم‪ ،‬وعلي محمد البجاوي‪ ،‬مكتبة دار التراث‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬ط ‪ً .410 /0 ،7‬‬
‫‪ 3‬ابن خلدون‪ ،‬عبد الرحمن بن محمد الحضرمي املتوفي سنة ‪ 818‬هـ‪ ،‬مقدمة ابن خلدونً‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط ‪0838 ،2‬م‪ ،‬ص ‪.111- 112‬‬
‫‪ 4‬السابق‪ ،‬ص ‪ً .118‬‬

‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)4102( 8‬صفحة‪21 ،‬‬


‫ّ‬
‫عباس املصري وعماد أبو الحسن‬

‫وهو ما خافه ابن منظور وهاله‪ ،‬فجعله سببًا لوضع معجمه الكبير (لسان العرب)‪ ،‬يقول‬
‫في مقدمته‪" :‬وذلك ملا رأيته قد غلب في هذا األوان من اختلف األلسنة واأللوان‪ ،‬حتى لقد‬
‫أصبح اللحن في الكلم ُيعد لحنًا مردودًا وصار النطق بالعربية من املعايب معدودًا‪ ،‬وتنافس‬
‫الناس في تصانيف الترجمات في اللغة األعجمية وتفاصحوا في غير العربية‪ ،‬فجمعت هذا‬
‫الكتاب في زمن أهله بغير لغته يفخرون‪ ،‬وصنعته كما صنع نوح الفلك وقومه منه‬
‫يسخرون"‪ً 1.‬‬
‫فاالختلط باألعاجم هو أظهر األسباب لتفسير ظهور هذه االزدواجية وفشوها ويكشف‬
‫أسرار نشأتها وتطورها‪ ،‬وهو ما يتفق معه كثير من الباحثين اللغويين املحدثين؛‬
‫سرا من ً‬
‫ً‬
‫الغربيين منهم على وجه الخصوص‪ ،‬ففي دراسة مترجمة عن الوضع اللغوي في الجزيرة‬
‫العربية بعنوان "دراسات في تاريخ اللغة" ترجمة حمزة بن قبلن املزيني‪ ،‬والتي صدرت عن‬
‫دار الفيصل الثقافية التابعة ملركز امللك فيصل للبحوث والدراسات اإلسلمية‪ ،2‬يتفق‬
‫معظم الباحثين‪ ،‬بدءا بـ "فرجسو ًن" عام ‪0818‬م‪ ،‬في مقالته الشهيرة‪" :‬اللغة العربية العامية‬
‫املشتركة" ًوحتى "جاشوا بل ًو " في دراسته‪" :‬نشأة االزدواجية العربية" عام ‪0833‬م‪" .‬وزويتلر"‬
‫في كتابه "التقليد الشفهي للشعر العربي القديم" عام ‪0838‬م‪ .‬وكذلك فريمان‪ ،‬وفريستيغ‪،‬‬
‫ورابين وتورنتي‪ ،‬وغيرهم‪ ...‬جميعهم يتفقون على تحديد سبب االزدواجية وعوامل نشأتها‪،‬‬
‫مغايرا ملا حدده من قبل ابن خلدون وابن منظورً‪ً .‬‬
‫ً‬ ‫وال يرونها شيئًا‬
‫(‪ )4-7‬نشأة االزدواجية بوصفها اصطلحًا‪ً :‬‬
‫يعتقد أن األملاني "كارل كرمباخر" كان أول من تحدث عن االزدواجية اللغوية عام‬
‫‪0814‬م‪ ،3‬لكن الفرنس ي "وليم مارسين" هو الذي وضع بالفرنسية سنة (‪ )0871‬مصطلح‬

‫‪ 1‬ابن منظور‪ ،‬أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم املتوفي سنة ‪ 300‬هـ‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬دار الفكر ‪ /‬دار‬
‫صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪0881 ،0‬م‪ً .8/0 ،‬‬
‫‪ 2‬جريدة الشرق األوسط‪ ،‬العرب الدولية‪ ،‬الجمعة ‪ 71‬ربيع األول ‪0244‬هـ‪ 44 ،‬يونيو ‪4110‬م‪ ،‬العدد‬
‫(‪ .)8424‬على الرابط االلكتروني‪ً www.aawsat.com :‬‬
‫‪ 3‬الزغول‪ ،‬ازدواجية اللغة‪( ،‬مرجع سابق)‪ ،‬ص ‪ً .008‬‬

‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)4102( 8‬صفحة‪21 ،‬‬


‫االزدواجية اللغوية في اللغة العربية‬

‫االزدواجية (‪ ،1)Ladiglossia‬وعرفه بأنه الصراع بين لغة أدبية مكتوبة ولغة أخرى عامية‬
‫شائعة‪ً 2.‬‬
‫وظل هذا املصطلح محدود االنتشار حتى جاء األمريكي "شارل فرغسو ًن" فجعله ذائعًا‬
‫ومتداوالً‪ ،3‬حين نقله إلى اإلنجليزية‪َ ،‬‬
‫وعرفه بأن الصراع بين تنوعين للسان واحد‪ ،4‬أحدهما‬
‫عالي التصنيف لكنه غير شائع‪ ،‬واآلخر دون ذلك ولكنه عام وشائع‪ ،‬ومنذ ذلك التاريخ‬
‫أصبحت االزدواجية جزءًا ال يتجزأ من الدراسة اللغوية‪ ،‬وفرعًا مهمًا من فروع علم‬
‫االجتماع اللغوي‪ً .‬‬
‫ويظهر املصطلح بشكلين مختلفين من االستخدام اللغوي للسان نفسه‪ ،‬يبدو األول‬
‫معقدًا ومحدود االستخدام‪ ،‬فيما األخر بسيط وشائع االستخدام‪ ،‬وقد أطلق على األول‬
‫اللسان الفصيح واآلخر اللسان العامي‪ً .‬‬
‫وعليه يمكن القول؛ إن تحديد مفهوم االزدواجية اللغوية‪ ،‬ينبني على محورين‪ :‬أحدهما‬
‫يمثل صراعًا نمطيًا بين نمطين أو تنوعين أو شكلين لغويين ينتميان إلى اللغة نفسها‪،‬‬
‫والثاني يمثل وضعًا مختلفًا لهذين النمطين أو التنوعين أو الشكلين من حيث الوظيفة‬
‫واملكانة؛ ولكل نمط أو تنوع أو شكل مظهر وربما مظاهر متعددة ومتنوعة‪ً .‬‬

‫مظاهر االزدواجية اللغوية وأسبابها‪:‬‬ ‫(‪)4‬‬


‫ألن االزدواجية ‪ -‬حسب تحديد املصطلح ‪ -‬صراع بين تنوعين لغويين للسان واحد‪ ،‬أوجد‬
‫ما راح ُيعرف بالفصحى والعامية‪ ،‬وهو ما استلزم‪ ،‬فيما بعد‪ ،‬وجود مظهرين لغويين؛ األول‬
‫هو الكتابة‪ ،‬أو الرسم أو الصورة‪ ،‬واألخر هو التلفظ أو الصوت‪ ،‬أو املشافهة‪ ،‬فقد أخذت‬
‫االزدواجية‪ ،‬تبعًا لذلك‪ ،‬شكلين لتداولهما؛ الرسم والكتابة للفصحى‪ ،‬والتلفظ واملشافهة‬

‫‪ 1‬السابق‪ ،‬ص ‪ ،041‬والعشيري‪ ،‬محمد نافع‪ ،‬االزدواجية اللغوية في املغرب‪ ،‬ص ‪ ،1‬على مدونة الدكتور‬
‫عبد الفتاح الفاتحي‪ ،‬ضمن الرابط اإللكتروني‪ً http://elfatihi.elaphbloy.com :‬‬
‫‪ 2‬الزغول‪ ،‬ازدواجية اللغة (مرجع سابق)‪ ،‬ص ‪ً .040‬‬
‫ي (مرجع سابق)‪ ،‬ص ‪ ،408‬والزغول‪ ،‬ازدواجية اللغة (مرجع سابق)‪ ،‬ص ‪ً .041‬‬
‫‪ 3‬القعود‪ ،‬االزدواج اللغو ً‬
‫‪ 4‬الزغول‪ ،‬ازدواجية اللغة (مرجع سابق)‪ ،‬ص ‪.040‬‬

‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)4102( 8‬صفحة‪23 ،‬‬


‫ّ‬
‫عباس املصري وعماد أبو الحسن‬

‫للعامية‪ .‬والعربية واحدة من أكثر اللغات التي تظهر فيها االزدواجية اللغوية ضمن هذين‬
‫التنوعين‪ ،‬فتبدو في شكلين مختلفين؛ األول هو لغة أدبية مكتوبة‪ ،‬أو لغة قياسية أو‬
‫كلسيكية‪ ،‬وتكاد تكون اللغة املكتوبة هي الوحيدة في املاض ي‪ ،‬وهي حاليًا‪ ،‬لغة األعمال‬
‫األدبية والعلمية واملقاالت اإلعلمية‪ ،‬والوثائق القانونية‪ ،‬لكنها لغة غير متداولة في إطار لغة‬
‫الحديث‪ ،‬أو الخطاب اليومي‪ ،‬إال في نطاق ضيق‪ .‬والشكل الثاني هو لغة شفهية‪ ،‬وهي التي‬
‫تشكل لغة املحادثات‪ ،‬وتستعمل في كل األمكنة العامة تقريبًا‪ ،‬ولم تكن قط مكتوبة‪ً .‬‬
‫ويرى "فرغسون" أن االزدواج اللغوي ال يظهر أو ينشأ في مجتمع بعينه إال بتوافر ثلثة‬
‫شروط‪ً :1‬‬
‫األول‪ :‬توافر مادة أدبية كبيرة بلغة ذات صلة وثيقة باللغة األصلية (الفصحى) للمجتمع‪ ،‬أو‬
‫مماثلة لها‪ ،‬تمثل جزءًا مهمًا من قيم املجتمع األساسية‪ً .‬‬
‫والثاني‪ :‬اقتصار الكتابة على نخبة قليلة في املجتمع‪ً .‬‬
‫ُ‬
‫والثالث‪ :‬مرور فترة زمنية طويلة تقدر بقرون عديدة على توافر الشرطين السابقين‪ً .‬‬
‫ويمكن االدعاء بسهولة أن هذه الشروط الثلثة‪ ،‬قد توافرت مئات املرات في املاض ي‪،‬‬
‫ونتج عنها في كل مرة ازدواج لغويً‪ ،‬وعلى وفق ذلك يمكن القول بأن االزدواج اللغوي في‬
‫العربية قد ظهر مرات عديدة‪ ،‬عبر عصورها املختلفة‪ ،‬وعلى امتداد مراحل تطورها‪ ،‬إذا ال‬
‫يعقل ان العرب جميعًا على اختلف قبائلهم ومشاربهم وتنوعاتهم السكانية واللسانية‬
‫واللهجية‪ ،‬قد تكلموا ‪ -‬جميعًا ‪ -‬لسانًا مشتركًا واحدًا‪ ،‬إذ املعروف أن هذا اللسان املشترك‬
‫قد بدأ يتشكل قبل مائتي سنة من البعثة النبوية على أبعد تقدير‪ ،‬ولم يكن‪ ،‬بالرغم من‬
‫رقيه وعلوه وروعة بيانه‪ ،‬سائغًا أو ميسورًا لكل العرب‪ ،‬فهو خطاب الفصحاء والبلغاء منهم‬
‫فقط‪ ،‬والشعراء على وجه الخصوص‪ ،‬ولم يكن هذا اللسان املشترك دافعا قويا لترك‬
‫لهجاتهم املختلفة أو ججر ألسنتهم املتباينة‪،‬فما وصلنا من لهجاتهم‪ ،‬وهي كثيرة ومختلفة‬
‫ومتنوعة‪ ،‬خير دليل على أنهم لم يصطنعوا هذا اللسان املشترك الذي شكل لغة الشعر‬

‫ي‪( ،‬مرجع‬
‫محمود‪ ،‬إبراهيم كايد‪ ،‬العربية الفصحى‪( ،‬مرجع سابق)‪ ،‬ص ‪ .18‬والقعود‪ ،‬االزدواج اللغو ً‬ ‫‪1‬‬

‫سابق)‪ ،‬ص ‪ً .442‬‬

‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)4102( 8‬صفحة‪28 ،‬‬


‫االزدواجية اللغوية في اللغة العربية‬

‫لديهم‪ ،‬ولغة التنزيل الحقًا‪ ،‬إال في املناسبات‪ ،‬وخاصة في موسم الحج‪ ،‬وعلى ألسنة شعرائهم‬
‫وبلغائهم وأشرافهم‪ً .‬‬
‫أما داخل القبيلة‪ ،‬فقد كانت الغلبة للسان القبيلة الذي لم يكن اللسان العربي‬
‫الفصيح على اإلطلق‪ .‬وهذا يعني أن العرب قبل البعثة النبوية قد عاشوا ازدواجًا لغويًا‬
‫واضحًا‪ ،‬كما تقدم القول‪ ،‬لكنه ليس بمثل هذه الحدة و ًال بمثل هذا االنحراف الذي‬
‫يشهده اللسان العربي املعاصر‪ً .‬‬
‫فهذه االزدواجية التي نعيشها اليوم‪ ،‬هي ـ زمنيًا ـ تشكل نمطًا جديدًا للزدواجية اللغوية‪،‬‬
‫تختلف عن سابقاتها بطغيان العامية فيها على الفصحى‪ ،‬وتسلطها عليها بقوة حتى غدت‬
‫تأثيرا‬
‫انتشارا واألوسع ً‬
‫ً‬ ‫تداوال في مختلف املحافل واملناحي واملجاالت‪ ،‬وحتى غدت األكثر‬
‫األكثر ً‬
‫خطرا‬
‫ً‬ ‫واألبلغ استخدامًا في معظم املعارف والعلوم‪ ،‬إلى الحد الذي راحت تشكل معه‬
‫النفير لتحرير الفصحى وإنقاذها وحمايتها‬
‫ً‬ ‫حقيقيًا على الفصحى‪ ،‬األمر الذي استدعى هذا‬
‫من التلش ي واالضمحلل‪ً .‬‬
‫‪1‬‬
‫هذه العامية الحديثة‪ ،‬ترجع في جذورها إلى بدايات الفتوح اإلسلمية‪ ،‬حين دخلت أمم‬
‫كثيرة من غير العرب في اإلسلم‪ ،‬أ ًو خضعت لسلطانه‪ ،‬واضطرت إلى اصطناع لغته‬
‫وتداولها‪ ،‬فتركت بفعل هذا االصطناع والتداول ً‬
‫أثرا انحرافيًا واضحًا في اللسان العربي‬
‫الفصيح‪ ،‬شمل كل مستويات اللغة ومظاهرها‪ ،‬بدءًا بالتشكيل الصوتي والصيغ والتراكيب‬
‫وانتهاء بمظاهر الخطاب والنص وطرائق التعبير‪ً .‬‬
‫وإن كان قد تسلط بقوة على لغة الكلم والخطاب الشفوي‪،‬‬ ‫لكن هذا االنحراف‪ْ ،‬‬

‫فشل ذريعًا في تغيير لغة الكتابة‬


‫وتمكن من حرفها عن الفصحى وقواعدها‪ ،‬إال أنه قد فشل ً‬
‫أو استبدالها‪ ،‬بالرغم من كل املحاوالت واالدعاءات والدعوات التي كانت ترتفع منادية‬
‫ومطالبة بتغيير قواعد الكتابة والخط‪ ،‬واستبدال الحرف اللتيني بالحرف العربي‪ً 2.‬‬

‫‪ 1‬محمود‪ ،‬إبراهيم كايد‪ ،‬العربية الفصحى‪( ،‬مرجع سابق)‪ ،‬ص ‪ً .18‬‬


‫‪ 2‬تيمور‪ ،‬محمود‪ ،‬مشكـلت اللغة العربية‪ ،‬مكتبة األداب ومطبعتهـا بالجـماميز‪ ،‬القاهرة‪0811 ،‬م ص ‪ً .11‬‬

‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)4102( 8‬صفحة‪28 ،‬‬


‫ّ‬
‫عباس املصري وعماد أبو الحسن‬

‫فالكتابة في أيامنا هذه ال تكاد تختلف عن مثيلتها التراثية‪ ،‬أو عما كانت عليه أيام‬
‫اإلسلم األولى‪ .‬كما أن كل الدعوات التي كانت تنادي باستبدال العامية أو لغة أجنبية‬
‫أخرى بالفصحى‪ ،1‬قد خبت وتراجعت أيضًا‪ .‬وظلت العربية الفصحى هي اللغة التي‬
‫يصطنعها األدباء والكتاب والشعراء والعلماء والطلب واملتعلمون في شتى أجناس املعارف‬
‫نظرا لكونها لغة الشعر القديم؛ جاهليه وإسلميه‪ ،‬ولغة التراث‪ ،‬وفوقً ذلك‬
‫والعلوم‪ ،‬وذلك ً‬
‫كله‪ ،‬فهي لغة القرآن الكريم الذي يرجع الفضل إليه في حفظ العربية الفصحى من التطور‬
‫السلبي أو التشظي واالنقسام‪ً .‬‬
‫وكونها لغة الشعر القديم‪ ،‬ولغة القرآن الكريم‪ ،‬فهي تشكل بهذا االزدواج املشاعريً‬
‫والفكري‪ ،‬مهادًا فكريًا ونفسيًا ومشاعريًا لكل الناطقين بها‪ ،‬األمر الذي صعب عملية تحولها‬
‫أو التحول عنها‪ ،‬وجعل انحرافها أو تشظيها ً‬
‫أمرا مستحيلً‪ً .‬‬
‫لكن ذلك كله لم يكن مانعًا حصينًا ملزاحمة العامية‪ ،‬وتسلطها على لغة الكلم‬
‫والخطاب اليومي‪ ،‬وهو أمر بدا طبيعيًا يخضع ـ في كثير من جوانبه ـ لطبيعة التطورات‬
‫والتداوالت والتداخلت والتشابكات التي ال تنفك تؤثر في عقلية املجتمع ولغته وخطابه‪ً .‬‬
‫ولعل سعة انتشار اللغة‪ ،‬يقف وراء هذا التفرع واالزدواج‪ ،‬والعربية‪ ،‬وإن لم تتفرع إلى‬
‫لغات عديدة كغيرها من اللغات األخرى‪ ،‬لكنها تعاني من ازدواج خطير يكاد يعصف بما‬
‫تبقى منها‪ ،‬ويبدو أن أسباب هذا االزدواج ترجع في معظمها إلى طبيعة العقل العربي‬

‫‪ 1‬في هذا الصدد على سبيل املثال‪ً :‬‬


‫* شيخو‪ ،‬لويس‪ ،‬تاريخ األداب العربية في الربع األول من القرن العشرين‪ ،‬مطبعة األباء اليسوعيين‪،‬‬
‫بيروت‪0841 ،‬م‪ ،‬ص ‪ً .87‬‬
‫* وافي‪ ،‬علي عبد الواحد‪ ،‬فقه اللغـة‪ ،‬دار إحيـاء الكتـب العربية‪ ،‬القـاهرة‪ ،‬ط ‪0810 ،2‬م‪ ،‬ص ‪ً .028‬‬
‫* شرف‪ ،‬عبد العزيز‪ ،‬وسائل اإلعلم ولغة الحضارة‪ ،‬مؤسسة مختار‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ص ‪ً .23‬‬
‫* شاهين‪ ،‬عبد الصبور‪ ،‬في علم اللغة العام‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط ‪0881 ،7‬م‪ ،‬ص ‪ً .481-411‬‬
‫* الجندي‪ ،‬أنور‪ ،‬الفصحى لغة القرآن‪ ،‬دار الكتاب اللبناني‪ ،‬بيروت‪0884 ،‬م‪ ،‬ص ‪– 081 ،071- 041‬‬
‫‪ً .428‬‬
‫* محمود‪ ،‬إبراهيم كايد‪ ،‬العربية الفصحى‪( ،‬مرجع سابق)‪ ،‬ص ‪ً .481- 411‬‬

‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)4102( 8‬صفحة‪11 ،‬‬


‫االزدواجية اللغوية في اللغة العربية‬

‫والنفسية العربية من جهة‪ ،‬وهو أمر داخلي تكويني‪ ،‬يخص العرب أنفسهم بمكوناتهم‬
‫الثقافية والفكرية والنفسية‪ ،‬والغزو بمختلف جوانبه وأنواعه وأشكاله من جهة أخرى‪،‬‬
‫بكل ما للغزو من تداعيات خطيرة على اللغة واملجتمع والثقافة والفكر واالقتصاد والحدود‬
‫والسياسة‪ً ،‬وهو أمر خارجي‪ُ ،‬يفرض عبر وسائل مختلفة ومكتوبة وعنيفة في معظم األحيان‪،‬‬
‫في عصر فقد العرب فيه مكانتهم وفاعليتهم وحضورهم‪ً .‬‬
‫وكون األمة العربية منقسمة إلى دولً عديدة‪ ،‬لكل دولة حدودها وقيودها‪ ،‬ولها سياساتها‬
‫أدى إلى انفصام وحدتها‬ ‫واقتصادها وعلقاتها الخاصة‪ ،‬فإن هذا االنقسام واالنفصام ًَّ‬
‫الفكرية واملشاعرية واللغوية‪ ،1‬ناهيك عن الشرخ الكبير الذي قد يخلفه في هذه املجتمعات‬
‫املكونة لهذه الدول والتباين الفظيع الذي يتزايد مع الزمن‪ ،‬فينتج حالة من التمايز العرقي‬
‫والشعوبي‪ ،‬حيث تصبح كل دولة حسب نظامها الخاص‪ ،‬ذات شعب يتمايز بعاداته‬
‫وتقاليده وأعرافه ونظامه‪ ،‬عن الشعوب األخرىً‪ ،‬وهو أمر يعكس نوعًا من التمايز اللغوي‬
‫الذي يفض ي ـ بدوره ـ إلى خلق نظام لغوي متمايز أيضًا‪ ،‬قد يعصف هنا أو هناك‪ ،‬في هذا‬
‫املجتمع أو ذاك‪ ،‬باللغة نفسها‪ ،‬فتبدو العاميات دالة تمايزمشاعري وعرقي‪ ،‬ويظهر ـ بحسب‬
‫هذا التمايز ـ الجزائري مختلفًا عن العراقي‪ ،‬واألردني مختلفًا عن اليمني‪ ،‬وهكذا‪ً .‬‬
‫وعلى وفقه تبد ًو لغة الجزائري غير لغة العراقي‪ ،‬ولغة االردني ً‬
‫غير لغة اليمني كذلك‪ .‬إنه‬
‫انفراط عقد النسيج العربي الواحد‪ ،‬األمة الواحدة‪ ،‬وبناء أنسجة اجتماعية متعددة قطرية‬
‫أو وطنية‪ ،‬تبتعد مع الزمن عن أخواتها العربيات لتصبح غيرها‪ً ،‬وألن اللغة وسيلة التواصل‬
‫بين أفراد الجماعة اإلنسانية الواحدة‪ ،‬وبها يعبر كل قوم عن أعراضهم‪ ،2‬والعرب ما عادوا‬

‫‪ 1‬وافي‪ ،‬علي عبد الواحد‪ ،‬علم اللغة‪ ،‬مطبعة النهضة املصرية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪0822 ،4‬م‪ ،‬ص ‪ً .031‬‬
‫‪ 2‬ابن جني‪ ،‬أبو الفتح عثمان املوصلي املتوفى سنة ‪ 784‬هـ‪ ،‬الخصائص‪ ،‬طبعة الهلل‪ 0770 ،‬هـ‪،40/0 ،‬‬
‫وبتحقيق محمد علي النجار‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪ ،77 /0 ،‬وبتحقيق عبد الحميد هنداوي‪،‬‬
‫منشورات محمد علي بيضون‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪4117 ،4‬م‪ .83/0،‬والسيوطي‪ ،‬جلل الدين‬
‫املتوفى سنة ‪ 80‬هـ‪ ،‬كتاب االقتراح في علم أصول النحو‪ ،‬تقديم وتصحيح وشرح أحمد الحمص ي‪ ،‬ومحمد‬
‫قاسم‪ ،‬طبعة جروس برس‪ ،‬ط‪0888 ،0‬م‪ ،‬ص ‪ .42‬والجرجاني‪ ،‬علي ابن محمد املتوفي سنة ‪ 801‬هـ‪،‬‬
‫التعريفات‪ ،‬تحقيق عبد الرحمن عميرة‪ ،‬عالم الكتب‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ 0883 ،0‬م ص ‪.422‬‬

‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)4102( 8‬صفحة‪10 ،‬‬


‫ّ‬
‫عباس املصري وعماد أبو الحسن‬

‫جماعة واحدة‪ ،‬بل جماعات متعددة‪ ،‬فإن لغات أخرى منافسة للفصحى (اللغة العربية‬
‫املشتركة) ستظهر‪ ،‬وهذه اللغات املنافسة ليست سوى العاميات‪ ،‬لكنها في الحالة العربية‬
‫لم ترق إلى حد االستقلل لتكون لغة القطر الرسمية‪ ،‬بسبب ما أشرنا إليه سابقًا من‬
‫عوامل بقاء الفصحى وسيادتها‪ ،‬كالشعر القديم‪ ،‬والقرآن الكريم‪ ،‬وهي عوامل ال يمكن أن‬
‫تفنى أو تنهار حتى يفنى اإلنسان العربي نفسه أو ينهار‪ً .‬‬
‫وهذا ما حاوله أعداء العرب واإلسلم عبر تاريخهم الطويل‪ ،‬وما زالوا يحاولون؛ بالغزو‬
‫واالستعمار‬
‫ً‬ ‫العسكري املباشر حينًا كاالعتداءات البيزنطية والروسية والحروب الصليبية‬
‫الحديث والصهيونية التي ما تزال تحتل فلسطين‪ ،‬وبالدس واملكر واإلفساد في كثير من‬
‫األحيان‪ ،‬وال يمكن أن ينس ى صنيع االستعمار الفرنس ي في الجزائر وتونس واملغرب العربي‬
‫ُ‬
‫مثلً‪ ،‬حيث ألغيت العربية‪ ،‬وفرضت مكانها الفرنسية‪.‬وما زال املغاربة حتى اآلن‪ ،‬يعانون من‬
‫هذه الغربة عن لغتهم وثقافتهم‪ ،‬وقد طغت لديهم إلى حد كبير ازدواجية الفصحى والعامية‬
‫من جهة‪ ،‬وثنائية الفرنسية والعربية من جهة أخرى‪ ،‬مشكلة بهذا الطغيان والزحف مشكلة‬
‫حقيقة تطال عمق الثقافة والفكر وتنزع دونً هوادة‪ ،‬جذور املشاعر والوجدان‪ً .‬‬
‫(‪ )5‬مشكلة االزدواجية‪:‬‬
‫في هذا الجانب من البحث‪ ،‬يبرز سؤاالن مهمان‪ ،‬األول‪ :‬ملاذا تبدو االزدواجية مشكلة؟‬
‫والثاني‪ :‬ما وجه املشكلة؟ ويشكل السؤاالن‪ ،‬إلى جانب كونهما موضوعين مطروحين‬
‫للنقاش‪ ،‬إشكالية كبيرة في إطار البحث عن حلول وفقًا ألسباب لم تكن مطروحة من قبل‪،‬‬
‫مع اإلشارة إلى وجود اختلف كبير حولهما؛ فثمة آراء أخرىً‪ 1‬ال ترى في االزدواجية اللغوية‬
‫مشكلة‪ ،‬فهي أمر طبيعي ينتاب اللغات جميعها‪ ،‬وما من داع لتعداد وجوه املشكل فيها‪ً .‬‬
‫كبيرا يصل إلى حد االعتراف بالعامية‬
‫إشكاال ً‬
‫ً‬ ‫يشكل مع وجهة النظر األخرى‪،‬‬
‫وهو أمر ِّ‬
‫ومعادال موضوعيًا لها من جهة‪ ،‬ورافضًا التحول إلى‬
‫ً‬ ‫بديل طبيعيًا وحضاريًا للفصحى‪،‬‬
‫ً‬
‫ُ‬
‫منكرا لها من جهة أخرى‪ً .‬‬
‫العامية أو ً‬

‫‪ 1‬الحاج‪ ،‬كمال يوسف‪ ،‬في فلسفة اللغة‪ ،‬دار النهضة للنشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪0838 ،4‬م‪ ،‬ص ‪.444‬‬

‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)4102( 8‬صفحة‪14 ،‬‬


‫االزدواجية اللغوية في اللغة العربية‬

‫وما بين هذا وذاك‪ ،‬تبدو املسافة كبيرة وشاسعة‪ ،‬فل الفصحى تتغير أو تنتصر‪ ،‬وال‬
‫العامية تتبعثر وتندثر‪ ،‬واللسان مبلبل بين هذه وتلك‪ ،‬إنه أمر مفروض علينا‪ ،‬شئنا أم‬
‫أبينا‪ ،‬ومن املفيد أن نقرأ الواقع اللغوي جيدًا‪ ،‬علنا نصل إلى حد التداول اآلمن للغة‪،‬‬
‫بعيدًا عن التكلف والتفريط؛ تكلف الفصحى التراثية الكلسيكية‪ ،‬أو التفريط بها‪ً .‬‬
‫(‪ :)0-1‬ملاذا تبدو االزدواجية مشكلة؟ ً‬
‫أمرا مبالغًا‬
‫قد يبدو الحديث عن االزدواجية بوصفها مشكلة متعددة الجوانب والوجوه‪ً ،‬‬
‫نظرا لكونها تمثل حالة لغوية طبيعية وعفوية تبعًا لتفاوت الناطقين باللغة‬
‫فيه‪ ،‬وذلك ً‬
‫ثقافيًا وفكريًا وإبداعيًا وتاريخيًا‪ ،‬لكنها تعكس – وخاصة في أيامنا هذه – تفاوتًا حادًا يشكل‬
‫حالة انقلبية خطيرة‪ ،‬تصل حد التحول أو االستبدال‪ ،‬وفي ذلك تكمن خطورة االزدواج‬
‫انحيازا تتزايد‬
‫ً‬ ‫وانحيازا إلى العامية‪،‬‬
‫ً‬ ‫الذي يكاد يعصف بالفصحى‪ ،‬كونه يشكل انحرافًا عنها‪،‬‬
‫وتيرته مع الزمن حتى تصبح العامية هي املتغلبة‪ ،‬والخيار الوحيد املتبقي‪ .‬وليست املتبقي –‬
‫بحسب مفهوم "لو سيركل"‪ - 1‬حيث يسود العكس تمامًا حين تتحول العامية إلى اللغة‬
‫السائدة‪ ،‬والفصحى إلى املتبقي‪ ،‬لكن دون أن يكون للمتبقي (الفصحى) في الدورة املنعكسة‬
‫(دورة سيادة العامية ًوتغلبها) القوة ذاتها التي كانت للمتبقي (العامية) في الدورة الطبيعية‬
‫للغة (دورة سيادة الفصحى) حيث يعمد (املتبقي) إلى تفكيك نظام اللغة‪ ،‬على فرض أن‬
‫اللغة نظام متكامل من اإلشارات والعلمات‪ ،‬بحسب "دي سوسير"‪ ،2‬ويفتح املجال واسعًا‬
‫للقوى املتناقضة واملتصارعة لزعزعة كيان اللغة‪ ،‬على فرض أن اللغة كيان مزعزع يحمل‬
‫بذور العنف‪ ،‬بحسب املفهوم من وجهة نظر "دوليوزً دغواتاريً"‪ ،3‬الذي يتجلى أساسًا‬

‫لوسركل‪ ،‬جان جاك‪ ،‬عنف اللغة‪ ،‬ترجمة وتقديم‪ :‬محمد بدوي‪ ،‬مراجعة‪ :‬سعد مصلوح‪ ،‬املنظمة‬ ‫‪1‬‬

‫العربية للترجمة‪ ،‬بيروت‪ ،‬توزيع‪ :‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ ،0‬أيار‪4111 ،‬م‪ ،‬ص ‪- 88‬‬
‫‪ً .401- 411 ،008- 012 ،017‬‬
‫‪DeSaussure (Ferdinand): Course In General Linguistics,‬‬ ‫‪ 2‬السابق‪ ،‬ص ‪ ،004 ،81‬و أيضا‪:‬‬
‫‪translated by: wade Bakin, London, 1964, pp: 7-15.‬‬
‫‪ 3‬السابق‪ ،‬ص ‪.001 – 012‬‬

‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)4102( 8‬صفحة‪17 ،‬‬


‫ّ‬
‫عباس املصري وعماد أبو الحسن‬

‫بالصراع بين الفصحى والعاميات‪ .‬وفي إطار هذا الصراع يؤكد "لو سيركل" أهمية العاميات‬
‫وشرعيتها وتأثيرها في الفصحى‪ً 1.‬‬
‫وبالنظر إلى واقع اللغة العربية‪ ،‬أو الواقع التداولي للعربية في العالم العربي‪ ،‬فإنه يمكن‬
‫توصيفها على النحو التالي‪ً 2:‬‬
‫‪ -0‬العربية الفصحى (الكلسيكية)‪ ،‬وهي عربية القرآن الكريم والشعر القديم‪.‬‬
‫‪ -4‬العربية العامية (الدارجة واملحكية)‪ ،‬وهي تنوعات لهجية عديدة‪ ،‬وأنماط لسانية متباينة‬
‫تباين الجغرافية العربية ذاتها‪.‬‬
‫َ‬
‫خب‬
‫‪ -7‬العربية الوسطى (بين الفصحى والعامية – بين بين) واملتداولة في أوساط النً ً‬
‫واملثقفين واملتعلمين‪ ،‬وتعرف أيضًا بـ (عربية املتعلمين املحكية)‪.‬‬
‫‪ -2‬العربية املعاصرة (األقرب إلى الفصحى أو الفصحى غير املشكولة) واملتداولة في الوسط‬
‫وعبر وسائل اإلعلم املختلفة‪.‬‬
‫الثقافي واإلعلمي ً‬
‫وهذا الواقع اللغوي السائد على تنوع مسوغاته وتعدد دواعيه‪ ،‬يمنح العربية وصفًا‬
‫لغويًا فريدًا‪ ،‬ويتيح القول برباعية لغوية أو تعددية لغوية‪ ،‬وليس ازدواجية فحسب‪ً .‬‬
‫ويمكننا أن نتخيل شخصًا مثقفًا‪ ،‬يتقن إلى حد ما‪ ،‬اللغة الفصحى‪ ،‬يتنقل بين شرائح‬
‫املجتمع وفئاته املختلفة‪ ،‬فسنراه يصطنع الفصحى ما أمكنه ذلك حين يكتب رسائله أو‬
‫يوجه خطابًا ما‪ ،‬أو حين يخطب الجمعة‪ ،‬أو يلقي كلمة في حفل ثقافي أو تأبيني‪ ،‬وينحرف‬
‫عن هذه الفصحى إلى العامية‪ ،‬حين يتجول في السوق لشراء حاجياته‪ ،‬أ ًو حين يكون في‬
‫بيته بين أهله وزوجه وولده‪ ،‬ويصطنع العربية الوسطى حين يحاور املثقفين واملتعلمين‪.‬‬
‫وهكذا‪ .‬فاملتكلم يصطنع اللغة التي تناسب املخاطب واملقام الذي يكون فيه املخاطب‪،‬‬
‫خطرا‬
‫ويغير لغته تبعًا لتغير هذا املخاطب واملقام وعلى وفقهما‪ .‬وهو أمر ال يبدو أنه يشكل ً‬
‫على الفصحى لو كان املخاطب أو املقام يستدعيانها‪ ،‬لكن املشكل أن املخاطبين ‪ -‬على‬
‫كثرتهم ‪ -‬ليس ًوا من هذا النمط الذي يستدعي الفصحى‪ ،‬فما أكثر املخاطبين بالعامية! وما‬

‫‪ 1‬السابق‪ ،‬ص ‪.008 – 007‬‬


‫‪ 2‬املوس ى‪ ،‬نهاد‪ ،‬اللغة العربية في العصر الحديث‪( ،‬مرجع سابق)‪ ،‬ص ‪ً .021 – 073‬‬

‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)4102( 8‬صفحة‪12 ،‬‬


‫االزدواجية اللغوية في اللغة العربية‬

‫أكثر املتكلمين ‪ -‬تبعًا لذلك ‪ -‬بها! وإزاء ذلك‪ ،‬فأين الفصحى؟ إنها تنحسر وتتوارى‪ ،‬وال تكاد‬
‫مؤشرا على تنامي قوة‬
‫ً‬ ‫تعرف إال في املناسبات‪ ،‬ودون أن يكترث أو يتنبه لها أحد‪ .‬أليس ذلك‬
‫العاميات املختلفة على حساب الفصحى‪ًَ ،‬أو ليست اإلجابة عن مثل هذا السؤال مشكلة‬
‫حقيقية؟ وإذا كان تنامي العامية على حساب الفصحى يشكل مشكلة لغوية حقيقية‬
‫وعنيفة‪ ،‬فما وجه هذه املشكلة؟ وما تداعياتها؟ ً‬
‫(‪ :)4-1‬وجوه مشكلة اإلزدواج اللغوي وتداعياته‪ً :‬‬
‫تتعدد وجوه املشكلة وتتنوع بما تتركه من تداعيات سلبية وخطيرة وآثار سيئة ومدمرة في‬
‫مختلف املجاالت وعلى جميع املستويات؛ الفردية والجماعية واملجتمعية‪ ،‬فخطر االزدواج‬
‫اللغوي ال يقتصر على اللغة وحدها‪ ،‬بل يتجاوزها إلى كل مناحي الحياة الثقافية والفكرية‬
‫نظرا لكونً‬
‫واالجتماعية واالقتصادية والتعليمية والسياسية والقومية والتراثية‪ ،‬وذلك ً‬
‫اللغة تشكل املهاد النفس ي والقومي واملشاعري والثقافي والفكري للناطقين بها‪ ،‬والفصحى‬
‫تحديدًا هي لغة الدين والعلم‪ ،‬هي االمتداد الثقافي والفكري والحضاريً‪ ،‬وقد شكلت ـ على‬
‫رمزا لوحدة أمتنا‪ ،‬وأداة لتواصلنا وتآلفنا‪ ،‬وإحلل العامية محلها‪ ،‬سيعمل على‬
‫الدوام‪ً .‬‬
‫تفتيت هذه الوحدة وتمزيق هذا الرباط التآلفي والتعارفي‪ ،‬وسيجعل من األمة أممًا شتى‪،‬‬
‫نذيرا النهيار كل منجزات األمة وتفتيتًا‬
‫وأقوامًا متفرقين‪ .‬إن إقصاء الفصحى يشكل ً‬
‫ُ‬
‫لوحدتها‪ ،‬حيث تبذل جهود كبيرة ومتواصلة ملنع هذا االنهيار والتفتت‪ ،‬ولكن النتيجة لن‬
‫تكون ملصلحة الوحدة ما لم تكن ملصلحة الفصحى‪ ،‬ومن يتبصر في وضعنا العربي؛‬
‫فشل ذريعًا"‪ً 1.‬‬
‫السياس ي واللغوي‪ ،‬يرى أن الجهود املبذولة في هذا السبيل على كثرتها‪ ،‬كانت " ً‬
‫ومرد ذلك أن املمارسة اللغوية الصحيحة لم تعد متأتية إزاء هذا الغزو األجنبي‬
‫واالغتراب الثقافي وفقدان الهوية وضعف اإلحساس باالنتماء‪ ،‬وهو أمر أفقد العربية ألقها‬
‫وحيويتها‪ ،‬فصارت على ألسنة أصحابها ٍوبأقلمهم‪ ،‬عاجزة عن التعبير الصحيح والكافي‬
‫واألغراض‪ ،‬فكان ذلك مدعاة للتحول عنها إلى العامية‪ ،‬وخاصة في مجال‬
‫ً‬ ‫لتحقيق املقاصد‬
‫التعبير الشفويً‪ ،‬ومع هذا التحول تكرست الحدود املصطنعة التي شكلت‪ ،‬وما زالت‬

‫‪1‬‬
‫‪:Bjorn Jernudd Lectures On Language Problem, Bhir Publications, 1990, p: 10.‬‬

‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)4102( 8‬صفحة‪11 ،‬‬


‫ّ‬
‫عباس املصري وعماد أبو الحسن‬

‫تشكل‪ ،‬عائقًا حقيقيًا أمام أي تقدم‪ ،‬وسدًا منيعًا في وجه كل محاولة للرتقاء بهذه األمة أو‬
‫بتبعثر لسانها إلى أقوام مختلفين‪ ،‬وكرست بهذا االختلف والتبعثر‪،‬‬
‫ً‬ ‫تطويرها‪ .‬لقد تبعثرت‬
‫حالة التخلف الفكري والحضاري‪ ،‬وأعاقت أي تطور اقتصادي أو علمي أو تربوي أو‬
‫تعليمي‪ ،‬إلى جانب كونها تعرقل عمل وسائل اإلعلم وأجهزة االتصال‪ ،‬وتحول دون قيامها‬
‫بدورها الحقيقي والفعال يقولً سويتروبولص‪ ":‬إن االزدواجية من وجهة النظر االقتصادي ـة‬
‫والتماسك القومي وفعالي ـة التعليم واالتصاالت وأجه ـزة اإلعلم‪ ،‬لعائق”‪ً .1‬‬
‫وينقل نهاد املوس ى عن "فالتر تاولي" قوله‪" :‬إن كل صور االزدواجية فيها إسراف‪ ،‬ذلك أن‬
‫االزدواجية وضع لغوي غير اقتصادي وال وظيفي"‪ً .2‬‬
‫إنها رمز للنحطاط والتخلف‪ ،‬والصراع بين طبقات املجتمع‪ ،3‬هذا الصراع الذي يقض ي‬
‫على لحمة املجتمع وتماسك أفراده‪ ،‬ويفض ي إلى تفتيته إلى فئات متصارعة‪ ،‬كل فئة تعمل‬
‫ملصلحتها الخاصة‪ ،‬وتصارع غيرها حول هذه املصلحة‪ ،‬ما يجعل أية محاولة إلصلح األمة‬
‫وتقدمها محكومًا عليها بالفشل‪" ،‬فاألمة الواعية هي املنسجمة طبقاتها في بوتقة واحدة‪،‬‬
‫وهي التي تدور طبقاتها في فلك واحد‪ ،‬يكون وليد ذهنية واحدة‪ ،‬وعقلية واحدة‪ ،‬وعبقرية‬
‫واحدة‪ ،‬وروح واحدة‪ ،‬فإذا كان لكل طبقة لغة انعدم االنسجام‪ ...‬فإذا كانت الطبقة‬
‫املثقفة تتكلم لغة ما‪ ،‬والطبقة غير املثقفة تتكلم لغة أخرى‪ ،‬دب التفسخ في بيت األمة‪ً 4.‬‬
‫واالزدواج خطر على ثقافة األمة‪ ،‬ذلك أن العلقة بين اللغة والثقافة وثيقة ٍووطيدة‪،‬‬
‫وتكاد تكون عضوية‪ 5،‬فاللغة من أكبر مقومات الثقافة وأعظم مرتكزاتها ومكوناتها‬
‫األساسية‪ ،‬وال يتصور وجود ثقافة دون لغة‪ ،‬أو خارج اللغة‪ ،‬ومهما قيل عن العلقة بين‬
‫اللغة والثقافة‪ ،‬فإنها ـ أي اللغة ـ تظل مخزنًا للثقافة‪ ،‬واالزدواج اللغوي يهدد هذا املخزون‬

‫‪ 1‬الزغول‪ ،‬ازدواجية اللغة (مرجع سابق)‪ ،‬ص ‪.042‬‬


‫‪ 2‬املوس ى‪ ،‬نهاد‪ ،‬اللغة العربية في العصر الحديث‪( ،‬مرجع سابق) ص‪.071‬‬
‫‪ 3‬محمود‪ ،‬إبراهيم كايد‪ ،‬العربية الفصحى‪( ،‬مرجع سابق)‪ ،‬ص ‪ً .31‬‬
‫‪ 4‬الحاج‪ ،‬كمال يوسف‪ ،‬في فلسفة اللغة‪( ،‬مرجع سابق)‪ ،‬ص ‪ً .011‬‬
‫‪ 5‬موقع مقاالت إسلم ويب‪ ،‬مقال بعنوان‪ ":‬االزدواجية اللغوية واملرض الثقافي“‪ ،‬على الرابط اإللكتروني‪:‬‬
‫‪http://www.islamweb.net/media/index.php‬‬

‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)4102( 8‬صفحة‪11 ،‬‬


‫االزدواجية اللغوية في اللغة العربية‬

‫الثقافي‪ ،‬وخاصة حين يزداد الشرخ ًوتبعد الشقة بين الفصحى والعامية‪ ،‬وبهذا التهديد تنبت‬
‫العلقة بين الجذور الثقافية لألمة واألجيال القادمة‪ .‬وهذا من شانه أن يفض ي إلى‬
‫االنفصام الثقافي‪ ،‬أو االنسلخ الكلي عن الثقافة األصلية لألمة‪ ،‬فاالزدواجية ـ على حد‬
‫تعبير نهاد املوس ى ـ جرثومة االنفصام والعذاب املقيم في وجدان الكاتب العربي الذي يتوزع‬
‫في معالجة قضيته بين محورها املحلي وأفقها العربي‪ ،‬وتمثل الحيرة في الحوار القصص ي‬
‫واملسرحي وما وقع في نطاقها من التجاذب واملدافعة عرضًا مزمنًا من أعراض هذه‬
‫‪1‬‬
‫االزدواجية"‪.‬‬
‫ومثل هذا االنفصام الثقافي يلقي بظلله البائسة على التكوين النفس ي لألفراد‪ ،‬وخاصة‬
‫األطفال الذين يجدون صعوبة بالغة في تعلم الفصحى بعد أن أمضوا سنوات عديدة من‬
‫وغير متاحة كذلك‪ ،‬إذ‬
‫أعمارهم في اكتساب العامية‪ ،‬فتبدو الفصحى غير مألوفة لديهم ً‬
‫يعمد الطفل‪ ،‬عند تعلمه الفصحى‪ ،‬إلى مخزونه اللغوي والثقافي‪ ،‬والذي تشكل عبر سنوات‬
‫عديدة من املحاكاة في اكتساب العامية‪ ،‬فل يجد ما يسعفه في املمارسة اللغوية الجديدة‬
‫بالفصحى‪ ،‬فيضيق بها ذرعًا ويرغب عنها إلى غيرها من العاميات املتاحة أو اللغات األجنبية‬
‫نظرا لضحالة العامية وضمورً الفصحى أو تعثرها‪ً .‬‬
‫التي قد يحرز تفوقًا ملحوظًا بها‪ً ،‬‬
‫أو ليس هذا االزدواج هو الذي يشكل عائقًا أمام تعلم العربية الفصحى؟ وهو ‪-‬بالتالي ‪-‬‬
‫املسئولً مسئولية مباشرة عن العزوف عن تعلمها؟ واألخطر من ذلك كله‪ ،‬أن يمارس‬
‫الناشئة ازدواجًا لغويًا ضمن مستويي اللغة؛ الكتابة والتلفظ‪ ،‬فيكتبون بالفصحى‪،‬‬
‫ويتكلمون بالعامية‪ ،‬األمر الذي يخلق لديهم معاناة قاسية جراء "لغة تتصارع مع مولود لها‬
‫معقد التركيب‪ ،‬أو مولود (غير شرعي) ال بد أن يوهنها صراعه‪ ،‬ألنه يحتل مواقع مهمة في‬
‫املجتمع وجوانب مختلفة من حياة الفرد "‪ً 2.‬‬

‫‪ 1‬املوس ى‪ ،‬نهاد‪ ،‬الثنائيات‪( ،‬مرجع سابق)‪ ،‬ص ‪.048‬‬


‫‪ 2‬املعتوق‪ ،‬أحمد محمد‪ ،‬الحصيلة اللغوية‪ ،‬أهميتها – مصادرها وسائل تنميتها‪ ،‬سلسلة عالم املعرفة‪،‬‬
‫الكويت‪ ،‬العدد ‪ ،404‬ص ‪ً .018‬‬

‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)4102( 8‬صفحة‪13 ،‬‬


‫ّ‬
‫عباس املصري وعماد أبو الحسن‬

‫ثارا نفسية خطيرة‪ ،‬ويفض ي إلى ضعف تحصيلهم‬‫يخلف فيهم آ ً‬ ‫ومثل هذا االزدواج ِّ‬
‫اللغويً والثقافي‪ ،‬كما يقتل ا ًإلبداع لديهم؛ إذ كيف يكون حال من يعيش حالة من التشظي‬
‫والتردد بين العامية والفصحى؛ عامية ال يحسن التفكير عبرها‪ ،‬لخلوها من االنماط الفكرية‬
‫اإلبداعية‪ ،‬واقتصارها على تيسير الحياة اليومية االعتيادية‪ ،‬والنشاط الذهني العادي‪،‬‬
‫وفصحى لم يتقنها ليقوى على التفكير من خللها‪ ،‬فيبدع في مجاله الذي اختاره‪ ،‬أ ًو وجد‬
‫نفسه من خلله؟ وهل يتوقع ا ًإلبداع من شخص مهما كثر علمه وزادت ثقافته‪ ،‬ما لم يكن‬
‫متقنًا للغة؟ ً‬
‫فاالزدواج سبب رئيس في تصدع النبتة الثقافية ألمتنا‪ ،‬وهو املسئول عن هذا التبديد‬
‫ي‪ً 1.‬‬
‫القاتل لكل الجهود التربوية‪ ،‬إنه عدو لكل تطور فكري أو حضار ً‬
‫وفوق ذلك كله‪ ،‬فإن االزدواج اللغوي يضيق بالفصحى‪ ،‬ويعمل على خنقها‪ ،‬ويحول دون‬
‫انتشارها داخليًا وخارجيًا‪ ،‬إنه يوقف مدها‪ ،‬ويقض ي على أي حوار قد ُيدار بها أو من خللها‬
‫جراء عدم اكتمال القدرة على استخدامها أو التفكير من خللها‪ ،‬سواء على املستوى‬
‫الداخلي بين أفراد األمة‪ ،‬أو على املستوى الخارجي‪ ،‬خارج حدود األمة‪ ،‬ومن خلل الحوار مع‬
‫األخرين‪ ،‬فيمنع الفصحى من أي امتداد خارج حدودها‪ ،‬ويحول دون أن تكون عاملية‬
‫ممتدة‪ ،‬أو أن تكون لغة العلم والتفكير والكشف واإلبداع‪ً .‬‬
‫األخطار الداهمة والخطب الجلل للزدواج وآثاره املدمرة‪ ،‬ما الذي يمكن فعله‬
‫ً‬ ‫وإزاء هذه‬
‫لتجنيب الفصحى والناطقين بها هذه املخاطر أو بعضها‪ ،‬وتجنيب األمة كلها تداعيات انهيار‬
‫الفصحى أو تقوقعها وانزوائها‪ً .‬‬
‫(‪ )6‬الحلول املفترضة واملمكنة ملشكلة االزدواج اللغوي‪:‬‬
‫كثيرا من الناس يتساءلون‪ :‬كيف يمكننا الخلص من هذا الوضع املزدوج؟ وهل‬ ‫لعل ً‬
‫مثل هذا الخلص ممكن فيما لو أردنا الخلص فعلً؟ أم أن االعتراف بالواقع اللغوي‪ ،‬وبما‬
‫هو كائن؛ حيث يسود االزدواج اللغوي‪ ،‬فترى العامية جنبًا إلى جنب مع الفصحى‪ ،‬هو األمر‬
‫الوحيد املنطقي واملقبول واملمكن‪ ،‬والذي ُيدعى بقوة إلى التسليم بوجوده‪ ،‬والتكيف معه‪،‬‬

‫‪ 1‬محمود‪ ،‬إبراهيم كايد‪ ،‬العربية الفصحى‪( ،‬مرجع سابق)‪ ،‬ص ‪.34-30‬‬

‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)4102( 8‬صفحة‪18 ،‬‬


‫االزدواجية اللغوية في اللغة العربية‬

‫مع اإلقرار بمخاطره وأضراره؟ أم أن ثمة حلوالً أخرى‪ ،‬تنتهج منهج التقريب بين العامية‬
‫والفصحى‪ ،‬تقوى على حل مثل هذا اإلشكال‪ ،‬والتقليل من هذه املخاطر واألضرار؟ وهل‬
‫الحل لغوي محض؟ أم سياس ي واجتماعي وثقافي واقتصادي؟ ً‬
‫ُ‬
‫أسئلة كثيرة تطرح في معرض البحث عن مخرج من مأزق االزدواج الذي يشكل باستمرار‬
‫متكورا أن االزدواجية مشكلة‬
‫ً‬ ‫أزمة لغوية ومعضلة فكرية حقيقية‪ ،‬فلم يعد خافيًا وال‬
‫حقيقية تحول دونً الدخول في دائرة الحداثة؛ كونها تشتت الجهد وتشوش التفكير وتعيق‬
‫عملية التواصل الحقيقية بكل مستوياتها‪ ،‬الفكرية واالجتماعية والعلمية والفنية‬
‫والشعورية‪ ،‬فهي تمثل – على حد تعبير "نيوستوبني"‪ 1‬وضعًا لغويًا غير وظيفي‪ ،‬فل ترقى‬
‫اللغة الفصحى إلى مستويات الخطاب‪ ،‬وال العامية إلى مستويات الكتابة والتفكير‪ ،‬واملزدوج‬
‫حائر ومشتت وعاجز‪ ،‬ولهذا فقد عمدت معظم شعوب العالم إلى "التخلص من االزدواجية‬
‫عند مرحلة مبكرة من عملية التحديث"‪ً 2.‬‬
‫حل أو‬
‫ومهما يكن من أمر االزدواجية‪ ،‬فأنها تظل مشكلة العصر‪ ،‬وهي مشكلة تتطلب ً‬
‫حلوال صعبة وحاسمة‪ ،‬والبحث عن هذا الحل أو هذه الحلول‪ ،‬ليس باألمر السهل أو‬‫ً‬
‫اليسير‪ ،‬وخاصة حين ُيراد لهذا الحل أن يكون ممارسة لغوية شاملة‪ ،‬وليس مجرد تنظير‬
‫ينتهي بانتهاء القولً فيه‪ ،‬فما هو هذا الحل؟ ً‬
‫قد يتسع القول في البحث عن حلول واقعية ومنطقية‪ ،‬لكن رجع القول فيه ينحصر في‬
‫ثلثة حلول أساسية‪ً :‬‬
‫األول‪ :‬التسليم باالزدواجية‪ً .‬‬
‫والثاني‪ :‬التوحد‪ ،‬ويعني اعتماد الفصحى فقط‪ ،‬أو العامية فقط‪ ،‬أو لغة أخرى أجنبية‪ً .‬‬
‫والثالث‪ :‬التقريب بين العامية والفصحى‪ً .‬‬
‫(‪ :)0-1‬التسليم با ًالزدواجية‪ً :‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Neustuphy (J.V): Language Theory in a Japanese Conext, Post-Structural Approaches‬‬
‫واملوس ى‪ ،‬نهاد‪ ،‬قضية التحول إلى الفصحى‪( ،‬مرجع سابق)‪ ،‬ص ‪Te language. pp:169. 084‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Neustuphy (J.V): Language Theory (ibd). P: 169.‬‬

‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)4102( 8‬صفحة‪18 ،‬‬


‫ّ‬
‫عباس املصري وعماد أبو الحسن‬

‫يرى عبد القادر املغربي في معرض إجابته عن سؤال وجهته رياسة املعارف في الشام في‬
‫العقد الثالث من القرن العشرين‪ ،‬إلى املجمع العربي بدمشق‪ ،‬تسائله عن أقرب الطرق إلى‬
‫نشر الفصحى‪ ،‬يرى أن االزدواجية ظاهرة لغوية عامة "وأن كل لغة فصيحة من لغات‬
‫البشر لها بجانبها لغة متولدة منها هي اللغة العامية أو اللغة الدارجة"‪ ،1‬فاالزدواجية ليست‬
‫حكرا على العربية وحدها‪ ،2‬فهي شأن اللغات جميعًا‪ ،‬وتجيء ضمن السياق التطوري‬ ‫ً‬
‫الطبيعي ألية لغة‪ ،‬بل هي إحدى أهم السمات الحضارية للشعوب‪ ،3‬والتسليم بها ٌ‬
‫أمر‬
‫طبيعي ومنطقي؛ إذ هو تسليم بالواقع اللغوي السائد من جهة‪ ،‬واعتراف بطبيعة اللغات‬
‫خض ِّم التوسع الحضاري أن‬‫البشرية وقانون تطورها من جهة ُأخرى‪ ،‬وأن من املستحيل في َ‬
‫تظل اللغة معزولة دون أن تتأثر أو تتشظى؛ كونها تواكب حالة من التطور والتغير الذي‬
‫يطال كل ش يء وفقًا لسنن الطبيعة والكونً‪ ،‬ومن الطبيعي أن يطال اللغة أيضا‪ً .‬‬
‫وعليه‪ ،‬فل حرج من وجود االزدواجية اللغوية‪ ،‬وال غضاضة في تقبلها‪ ،‬مع االعتراف‬
‫بك ًونها مشكلة‪ ،‬أو دون االعتراف بذلك‪ً .‬‬
‫وهو اعتراف بالتسليم يفض ي إلى االستسلم‪ ،‬ومن الطبيعي هنا أن يتزايد تراجع الفصحى‬
‫مدخل‬
‫ً‬ ‫لحساب العامية‪ ،‬حتى تطغى العامية في كل قطر على فصحاه‪ ،‬ويكون ذلك‬
‫الستقللية كل قطر عن غيره‪ ،‬فتتجزأ األمة وتنفصم ُعرىً وحدتها‪ ،‬وتنبت جذورها‪ ،‬وفي‬
‫ذلك ما فيه من مخاطر وأضرار‪ ،‬كما أن املشتغلين بالتخطيط اللغوي يرون أن كل صور‬
‫االزدواجية في العربية وغيرها من اللغات‪ ،‬فيها إسراف وأنه ينبغي أن يكو ًن هدف السياسة‬
‫اللغوية هو إزالتها‪ً 4.‬‬
‫لذلك يسقط هذا الخيار‪ ،‬وال يمكن القبول به ً‬
‫حل ممكنًا على اإلطلق‪ً .‬‬

‫‪ 1‬املغربي‪ ،‬عبد القادر‪ ،‬أقرب الطرق إلى نشر الفصحى‪" ،‬مجلة املجمع العلمي العربي"‪ ،‬دمشق‪ ،‬املجلد ‪،7‬‬
‫الجزائر ‪ 3‬و‪ ،8‬ص ‪ً .478-470‬‬
‫‪ 2‬وافي‪ ،‬علي عبد الواحد‪ ،‬فقه اللغة‪( ،‬مرجع سابق)‪ ،‬ص‪ً .011-012‬‬
‫‪ 3‬الحاج‪ ،‬كمال يوسف‪ ،‬في فلسفة اللغة (مرجع سابق)‪ ،‬ص ‪.444‬‬
‫‪ 4‬املوس ى‪ ،‬نهاد‪ ،‬الثنائيات‪( ،...‬مرجع سابق)‪ ،‬ص‪ ،74‬كما‪:‬‬
‫‪V.Teuli; Theory of Language Planing in Advances in Language Planing, PP64.‬‬

‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)4102( 8‬صفحة‪11 ،‬‬


‫االزدواجية اللغوية في اللغة العربية‬

‫(‪ )4-1‬التوحد‪ً :‬‬


‫ويفهم منه أن يصار إلى خيار واحد يصطنع لغة واحدة‪ ،‬خالصة من شوائب االزدواج أو‬
‫الثنائية‪ .‬وفي إطاره يمكن اعتماد الفصحى فقط‪ ،‬أو العامية فقط‪ ،‬أو لغة أخرى أجنبية‪.‬‬
‫واستبدال لغة أجنبية باللغة العربية جملة‪ 1،‬أمر أراده قوم وسعوا له‪ ،‬بوصفه علجًا‬
‫ناجحًا للزدواج‪ ،‬لكنً مثل هذا االستبدال‪ ،‬يقتض ي جيلً كاملً‪ ،‬أو جيلين‪ ،‬ليتم التحول‪،‬‬
‫وهذا يعني أربعين سنة أو ثمانين سنة في حساب الزمن‪ ،‬ولن يلبث بعد أقل من عقد واحد‬
‫من الزمن حتى تعود االزدواجية من جديد‪ ،‬حين تنشطر هذه اللغة األجنبية إلى لهجات‬
‫محلية متعددة‪ ،‬لنعود مرة أخرى نبحث عن مخرج‪ً .‬‬
‫فضل عمًا تحدثه اللغة األجنبية املصطنعة من شرخ عميق في االنتماء والهوية‬
‫ً‬ ‫هذا‬
‫والثقافة‪ ،‬وربما تفض ي إلى نسيان الذات العربية‪ ،‬والتمرد عليها‪ ،‬ومن ثم الضياع املطلق في‬
‫حمى البحث عن الذات‪ً .‬‬
‫لذلك يسقط هذا الخيار أيضًا‪ ،‬وال يمكن أن يكون مقبوالً‪ .‬وفي املقابل تظهر الفصحى‬
‫خيارا له أنصاره‪ ،‬وله أبعاده القومية والدينية والحضارية‪ ،‬لكن الذهاب إلى اصطناع‬
‫ً‬
‫نظرا للظروف املوضوعية التي‬
‫متعذرا‪ً ،‬‬
‫ً‬ ‫الفصحى الكلسيكية في كل شئون الحياة أمر يبدو‬
‫تحيط بها‪ ،‬فهي –أي الفصحى – ما زالت لغة الكتابة واألدب الرفيع والتراث والدين‪ ،‬ولغة‬
‫كثير من الوسائل اإلعلمية واملؤسسات العلمية والتعليمية‪ ،‬لكنها على مستوى الخطاب‬
‫نظرا لسيطرة اللغات املحلية التي تنبعث عفو‬ ‫ي‪ ،‬تسجل تراجعًا متزايدًا ومخيفًا‪ً ،‬‬‫الشفو ً‬
‫الخاطر ودون تكلف أو تعلم‪ ،‬وهو أمر يدعو ‪ -‬وبقوة ـ إلى التفكير بوضع إستراتيجية تعليمية‬
‫تفض ي بعد عقدين من الزمن على أبعد تقدير‪ ،‬إلى إحداث انقلب جذري ًوحقيقي في‬
‫أصول التخاطب اليومي‪ ،‬أو التدا ًو ًل اليومي للغة‪ ،‬ولن يكون ذلك متأتيا أو متاحًا ما لم‬
‫تصطنع بيئة لغوية صالحة لتشكل الفصحى ونم ًوها وترعرعها‪ ،‬وهذا يعني خلق بيئة أسرية‬
‫ومنزلية تمارس الفصحى في كل شؤون الحياة‪ ،‬كي يتمكن الطفل من محاكاة هذه البيئة‬
‫واكتساب الفصحى منها‪ ،‬وخلق بيئة مدرسية كي يستمر باصطناع الفصحى التي ال يجد‬

‫‪ 1‬محمود‪ ،‬إبراهيم كايد‪ ،‬العربية الفصحى‪( ،‬مرجع سابق)‪ ،‬ص ‪ً .37‬‬

‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)4102( 8‬صفحة‪10 ،‬‬


‫ّ‬
‫عباس املصري وعماد أبو الحسن‬

‫سهل عنها‪ ،‬وال منافسًا لها‪ ،‬وخلق بيئة الشارع والسوق والجامعة واملصنع واملعمل‪،‬‬
‫بديل ً‬
‫ً‬
‫وكل أمكنة التعليم ًومجاالته‪ ،‬وهكذا‪ً .‬‬
‫إنه ألمر صعب جدً صعب‪ ،‬ولو سلمنا جدالً بإمكانه‪ ،‬ملا أمكن أن ننفي عن اللسان‬
‫الفصيح املصطنع‪ ،‬تداخلت اللهجات املحكية التي تميز كل بيئة عن غيرها‪ ،‬وهي من القوة‬
‫والسلطة بمكان يؤهلها ملنازلة الفصحى ومنازعتها ومزاحمتها في شتى املجاالت واملرافق‪ً .‬‬
‫إنها االزدواجية مرة أخرى‪ ،‬تجعل التحول إلى الفصحى مجرد وهم غير قابل للتحقق أو‬
‫ضربًا من الخيال‪ .‬وإنه لحل خيالي إذًا أن تكون الفصحى صافية دون منازع‪ً .‬‬
‫لهذا‪ ،‬فليس من املمكن اصطناع مثل هذا الخيار مع التسليم بأنه األفضل واألمثل‪ ،‬لكن‬
‫الواقع ال ينقاد له‪ً .‬‬
‫يبقى إذا خيار العامية الذي يرتكز على دعوى صعوبة الفصحى واتهامها "بالقصور عن‬
‫الوفاء بمطالب الخلق املتجدد واإلبداع‪ً ،‬وبالعجز تبعًا لذلك‪ ،‬عن مواجهة مقتضيات‬
‫التحديث والحضارة"‪ً 1.‬‬
‫وتبعًا لهذا التعليل‪ ،‬فإن العامية من وجهة نظر هؤالء الداعين‪ ،‬تمثل الحل األفضل‬
‫واألنسب واألقدر على مواجهة مقتضيات التحديث والحضارة‪ ،‬وتحقيق منسوب هذه‬
‫السهولة الذي يدعم مثل هذه املواجهة التي تجيء في سياق ما يمليه التحيز الثقافي الفعال‪،‬‬
‫والتميز الحضاري الجاد‪ً .‬‬
‫ولتحقيق ذلك‪ ،‬فإنه يتعين إحلل العامية محل الفصحى في كل مجاالت الحياة‪ .‬ولئن‬
‫كان للفصحى دور في مجال الكتابة مثلً‪ ،‬فإن هذا الدور ينتهي مع هذه الحياة‪ ،‬وهذا يعني‬
‫إلغاء الفصحى من حياتنا وإقصاءها عن تفكيرنا‪ .‬هذه الفصحى التي كتب بها تاريخنا وتراثنا‬
‫عبر قرون طويلة‪ً .‬‬
‫إن الدعوة إلى العامية يحمل في ثناياه دعوة أخرى أشد وأشنع‪ ،‬تتمثل في "قطع الصلة‬
‫بين مستقبلنا وماضينا‪ ،‬وحرمان أجيالنا القادمة من ا ًإلفادة من تراث أجدادهم”‪ً 2.‬‬

‫‪ 1‬املوس ى‪ ،‬نهاد‪ ،‬الثنائيات‪( ،‬مرجع سابق)‪ ،‬ص ‪ً .71‬‬


‫‪ 2‬محمود‪ ،‬إبراهيم كايد‪ ،‬العربية الفصحى‪( ،‬مرجع سابق)‪ ،‬ص‪ً .31‬‬

‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)4102( 8‬صفحة‪14 ،‬‬


‫االزدواجية اللغوية في اللغة العربية‬

‫إن التحول إلى العامية خيار خطير يعصف بوحدة األمة‪ ،1‬ويذهب بريحها وقوتها‪ ،‬ومع‬
‫أنه خيار لم يعد قائمًا أو مقبوالً‪ ،‬وقد انحسر وانتهى إلى "موقف بين بين‪ ،‬يتمثل في جدوى‬
‫دراسة اللهجات العامية لتأهيل املشترك بينها وبين الفصحى‪ 2‬اال أنه يظل على الدوام ً‬
‫خيارا‬
‫مرفوضًا‪ ،‬وذلك لألسباب اآلتية‪ً :‬‬
‫‪ .0‬إن العامية ليست واحدة‪ ،‬إنها عاميات متعددة وكثيرة‪ ،‬فأية عامية نريد؟ وهل يمكن أن‬
‫نرغم املصري على اصطناع عامية العراقي‪ ،‬أو العراقي على اصطناع عامية املصري؟ أم‬
‫هل من املمكن إرغام القاهري اصطناع عامية اإلسكندراني‪ ،‬أو اإلسكندراني عامية‬
‫متعذرا‪ ،‬فهل لكل قطر عامية؟ أو لكل مدينة أو‬
‫ً‬ ‫الصعيدي مثلً؟ وإذا كان هذا أو ذاك‬
‫محافظة عامية مثلً؟ وهل هذا ممكن أو معقول؟ ً‬
‫إن الدعوة إلى العامية دعوة إلى التجزئة والتحلل‪ ،‬وهي فوق ذلك انفلت من الروابط‬
‫الجامعة‪ ،‬ونفي للمشترك‪ ،‬وفي ذلك تهديد خطير لوحدة األمة وتآلفها‪ ،‬وإيذان بذهاب‬
‫ريحها وفشلها واندثارها‪ ،‬ولعله من هذا الباب ا ُهملت اللهجات العربية القديمة‪ ،‬ولم‬
‫توثق منذ عصور الفصاحة‪ ،‬حتى ال تكون دافعًا للعصبية القبلية التي قد تودي بوحدة‬
‫األمة وقوتها‪ ،‬فجاءت تبعًا لذلك ممسوخة ومشوهة ومبتورة ومجهولة املصدر‪ً 3.‬‬
‫‪ .4‬إن الدعوة إلى العامية‪ ،‬تجيء في سياق املد الغربي األوروبي واألمريكي في وقت فقدت‬
‫فيه األمة العربية تماسكها ووحدتها‪ ،‬وطحنتها الصراعات املذهبية واإلقليمية‬
‫والسياسية‪ ،‬وخضعت لهيمنة استعمارية متعددة األجناس واألغراض‪ ،‬وتحولت إلى‬
‫دويلت متعددة اإلغراض واملذاهب‪ ،‬تحكمها أنظمة دكتاتورية تتبع لشرق أو غرب‪ً ،‬وال‬
‫استقللية لها أو سيادة أو رؤية‪ً .‬‬

‫‪ 1‬العجلني‪ ،‬منير‪ ،‬أثر اللغة العربية في وحدة األمة‪" ،‬مجلة املجتمع العلمي العربي‪ ،‬دمشق‪ ،‬املجلد ‪،74‬‬
‫الجزء ‪ ،0‬جمادي األول ‪ 0731‬هـ ‪-‬كانون الثاني ‪0813‬م‪.‬‬
‫‪ 2‬املوس ى‪ ،‬نهاد‪ ،‬الثنائيات‪( ،‬مرجع سابق)‪ ،‬ص ‪.74‬‬
‫‪ 3‬الجندي‪ ،‬أحمد علم الدين‪ ،‬اللهجات العربية في التراث‪ ،‬مطابع الهيئة العامة للكتاب‪ ،‬مصر‪0811 ،‬م‪،‬‬
‫ص ‪ً .81‬‬

‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)4102( 8‬صفحة‪17 ،‬‬


‫ّ‬
‫عباس املصري وعماد أبو الحسن‬

‫إن الدعوة إلى العامية في ظل مثل هذا الواقع املتخلف واملزري‪ ،‬يحمل في ثناياه بذور‬
‫التوجس والريبة‪ ،‬فماذا بقي لألمة كي تخسره بعد هذا الخسران املبين‪ ،‬أكثر من لغتها‬
‫التي تمثل الفصحى فيها هويتها الثقافية والتراثية والدينية؟ ً‬
‫إنها إذًا دعوة إلى خسران الذات والتنكر لها‪ ،‬أو استبدالها‪ ،‬فالذين يدع ًون إلى‬
‫استبدال العامية بالفصحى‪ ،‬إنما يدعون ـ بالواقع ـ إلى استبدال الهوية والثقافة والدين‪ً .‬‬
‫‪ .7‬إن العامية‪ ،‬على تعددها وتنوعها‪ ،‬غير قادرة على الوفاء بحاجات األمة‪ ،‬فمهما بذلت‬
‫من جهود لتقعيدها وتقنينها وتسويغها وتسويقها‪ 1،‬فإنها تظل‪ ،‬بالرغم من ذلك كله‪،‬‬
‫عاجزة عن الوفاء بحاجات التعبير‪ ،‬فهي ال تستطيع أن تمد الفرد بما يحتاجه من‬
‫ألفاظ أو أساليب تعبيرية مناسبة لحواره أو كتابته أو تفكيره‪ ،‬ولو تحقق لها بعض ذلك‪،‬‬
‫وإلى حد ما‪ ،‬في مجال الحوار‪ ،‬فإنها تبقى عاجزة تمامًا في مجال الكتابة‪ ،‬وحتى في مجال‬
‫الحوار‪،‬فإنها ال ترقى إلى التعبير عن األمور الثقافية أو الفكرية‪ ،‬أو الفلسفية‪ ،‬وتحوج‬
‫املتحدث إلى الفصحى يستعيد منها ما يشفع له من مصطلحاتها ًوصيغها وتراكيبها‪ً 2.‬‬
‫‪ .2‬إن العامية ال تناسب اللغة اإلعلمية‪ ،‬وال تصلح لها‪ ،‬وال تفي بحاجتها‪ ،‬فوسائل اإلعلم‬
‫على اختلفها وتنوعها‪ ،‬تصطنع لغة هي أقرب إلى الفصحى‪ ،‬وتخضع لقواعدها وأساليبها‬
‫التعبيرية‪ ،‬وألنها ‪-‬أي اللغة اإلعلمية – مرشحة ألن تكون اللغة السائدة في عصر العوملة‬
‫والتقنيات والفضائيات‪ ،‬فإن االهتمام بها يجيء في سياق االهتمام بالفصحى‪ ،‬ودخول‬
‫العامية هنا أو اعتراضها يفسر هذا التوجه‪ ،‬ويقلل من هذا االهتمام‪ ،‬لذا اقتض ى تنحية‬
‫العامية واقصاءها وتجاوزها‪ ،‬وتطوير لغة اإلعلم كي ترقى إلى الفصحى لتصبح اللغة‬

‫‪ 1‬وضع "ولهام سبيرتا" قواعد العربية العامية في مصر عام ‪0881‬م‪ ،‬ووضع "كارل فولرز" كتابه “‪"ً:‬اللهجة‬
‫العربية الحديثة في مصر" عام ‪0881‬م‪ ،‬ووضع "سلدو ًن ملور" كتابه‪" :‬العربية املحكية في مصر" في تلك‬
‫األثناء أيضا‪ ،‬وذلك في محاولة للنتقال بالعامية إلى سلطة " َّ‬
‫املدون " تمهيدا إلحللها محل الفصحى‪ً .‬‬
‫املوس ى‪ ،‬نهاد‪ ،‬الثنائيات‪( ،‬مرجع سابق)‪ ،‬ص ‪ً .74- 70‬‬
‫‪ 2‬وافي‪ ،‬علي عبد الواحد‪ ،‬فقه اللغة‪( ،‬مرجع سابق)‪ ،‬ص ‪ً .010‬‬
‫واملعتوق‪ ،‬أحمد محمد‪ ،‬الحصيلة اللغوية‪( ،‬مرجع سابق)‪ ،‬ص ‪.013‬‬

‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)4102( 8‬صفحة‪12 ،‬‬


‫االزدواجية اللغوية في اللغة العربية‬

‫اإلعلمية هي اللغة الفصحى بامتياز‪ ،‬وتصبح وسائل اإلعلم بهذا التحو ًل‪ ،‬جزءًا من‬
‫الحل ال جزءًا من املشكلة‪ً .‬‬
‫‪ .1‬إن العامية – خلف الفصحى – غير ثابتة على حال واحدة‪ ،‬فهي عرضة للتطور في‬
‫أصواتها ومفرداتها ودالالتها وقواعدها‪ 1،‬وبذلك يتحقق االزدواج من جديد‪ ،‬واصطناع‬
‫العامية لغة رسمية سوف يقض ي باصطناع ما ينجم عنها من عامية جديدة بعد فترة‬
‫وجيزة أو غير طويلة‪ ،‬تبعًا لقانون التطور الذي يصيب اللغات جميعها‪ ،‬وفي ذلك عود‬
‫على بدء‪ً .‬‬
‫مثل يمكن القبول بالعامية ً‬
‫بديل عن الفصحى فما الحل إذًا؟ ً‬ ‫لهذه األسباب ونحوها‪ً ،‬‬
‫يبقى خيار آخر يتجلي في التقريب بين العامية والفصحى‪ ،‬شريطة أن ترقى العامية إلى‬
‫الفصحى‪ ،‬وليس العكس‪ً .‬‬
‫(‪ )7-1‬التقريب بين العامية والفصحى‪ً :‬‬
‫يقتض ي التنويه في هذا السياق إلى رفض مبدأ التقريب كلما كان ملصلحة العامية أو على‬
‫حساب الفصحى‪ ،‬ولذلك فإن تقريب الفصحى من العامية بمعنى أن تتنازل الفصحى عن‬
‫بعض خصائصها لتقترب من العامية‪ ،‬أمر مرفوض‪ ،‬لكن تقريب العامية من الفصحى‪،2‬‬
‫بمعنى أن تتخلى العامية عن كثير من خصائصها لتقترب من الفصحى‪ ،‬أمر مطلوب‪ ،‬وهو‬
‫بتأن وتؤدة وعمق‪ ،‬كي يتسنى للمقربين رفع مستوى العامية‬
‫الذي ينبغي أن ينظر فيه ٍ‬
‫وتفصيحها‪ .‬وهذا هو ما ننشده من وراء هذه املقاربة‪ ،‬ولكن كيف يمكن تحقيق ذلك؟ ً‬
‫يرى كثير من املراقبين والدارسين أن العامية تتجه يومًا بعد يوم إلى ما يسميه بعض‬
‫الباحثين بالعربية ال ًوسطى أو اللغة الثالثة‪ 3،‬أو لغة املتعلمين املحكية‪ 1،‬أو دارجة املثقفين‪،‬‬

‫‪ 1‬وافي‪ ،‬فقه اللغة‪( ،‬مرجع سابق)‪ ،‬ص ‪ً .014‬‬


‫‪ 2‬محفوظ‪ ،‬حسين علي‪ ،‬تقريب العامية من الفصحى‪" ،‬مجلة مجمع اللغة العربية"‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الجزء ‪،20‬‬
‫جمادي األول ‪ 0788‬هـ‪ ،‬أيار‪ 0838 ،‬م‪.‬‬
‫املعتوق‪ ،‬أحمد محمد‪ ،‬نظرية اللغة الثالثة‪ ،‬دراسة في قضية اللغة العربية الوسطى‪ ،‬املركز الثقافي‬ ‫‪3‬‬

‫العربي‪ 4111 ،‬م‪ً .‬‬

‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)4102( 8‬صفحة‪11 ،‬‬


‫ّ‬
‫عباس املصري وعماد أبو الحسن‬

‫والتي أفاض عبد الرحيم اليوس ي في دراستها في أطروحته لنيل درجة الدكتوراه‪ 2،‬كما تتجه‬
‫إلى ما يسميه "مونتي" وآخرون بالعربية الحديثة أ ًو املعاصرة‪ 3،‬أو "اللغة العربية‬
‫املعاصرة"‪ 4،‬أو "العربية الفصحى املعاصرة"‪ 5،‬أو "الفصحى املعاصرة"‪ 6،‬أو "العربية الفصحى ً‬
‫ً‬

‫والكريدس ي‪ ،‬علي بن حمود‪ ،‬اللغة الثـالثة بين الفصحى والعـامية‪ " ،‬مجلـة الجزيرة الثقـافية “‪ ،‬العدد ‪،87‬‬
‫‪http://www.al-‬‬ ‫االثنين ‪ 08‬رمضان ‪0241‬هـ‪ ،4112/00/0 ،‬على الرابط اإللكتروني‪:‬‬
‫‪jazirah.com.sa/culture‬‬
‫‪ 1‬املوس ى‪ ،‬نهاد‪ ،‬الثنائيات‪( ،‬مرجع سابق)‪ ،‬ص ‪ ،023‬وقضية التحول إلى الفصحى‪( ،‬مرجع سابق)‪ ،‬ص ‪.41‬‬
‫‪ 2‬العشيري‪ ،‬محمد نافع‪ ،‬االزدواجية اللغوية في املغرب‪( ،‬مرجع سابق)‪.‬‬
‫‪ 3‬مونتي‪ ،‬فانسان‪ ،‬اللغة العربية الحديثة‪ ،‬تلخيص جمال الدين البغدادي‪" ،‬مجلة اللسان العربي"‪ ،‬العدد‬
‫‪ 0782 ،0‬هـ ‪ 0812 /‬م‪ .‬وأيضا‪ً :‬‬
‫* شاهين عبد الصبور‪ ،‬في علم اللغة العام‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط ‪088 ،2‬م‪ ،‬ص ‪ً .411‬‬
‫* بشر‪ ،‬كمال‪ ،‬دراسات في علم اللغة‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪0818 ،4‬م‪ ،‬ق‪ ،4‬ص ‪ً .047‬‬
‫* داود‪ ،‬محمد محمد‪ ،‬الداللة والحركة‪ ،‬دراسة ألفعال الحركة في العربية املعاصرة في إطار املناجج‬
‫الحديثة‪ ،‬دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪4114 ،‬م‪ ،‬ص‪ً .20‬‬
‫* داود‪ ،‬محمد محمد‪ ،‬الداللة والكلم‪ ،‬دراسة تأصيلية أللفاظ الكلم في العربية املعاصرة في إطار املناجج‬
‫الحديثة‪ ،‬دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪4114 ،‬م‪ ،‬ص ‪ً .01‬‬
‫* داود‪ ،‬محمد محمد‪ ،‬العربية وعلم اللغة الحديث‪( ،‬مرجع سابق)‪ ،‬ص ‪ً .423‬‬
‫‪ 4‬الطيب‪ ،‬عبد هللا‪ ،‬اللغة العربية املعاصرة‪ " ،‬محاضر جلسات املجمع " الدورة ‪0838 ،27‬م‪ ،‬ص ‪.441‬‬
‫وعمر‪ ،‬أحمد مختار‪ ،‬أخطاء اللغة العربيةاملعاصرة‪ ،‬عالم الكتب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪0880 ،0‬م‬
‫‪ 5‬قد سري‪ ،‬أحمد محمد‪ ،‬العربية الفصحى املعاصرة‪ ،‬الدار العربية للكتاب‪ ،‬تونس‪ ،‬ط‪ 0880 ،0‬م‪ً .‬‬
‫‪ 6‬ضيف‪ ،‬شوقي‪ ،‬الفصحى املعاصرة‪" ،‬محاضر جلسات املجمع"‪ ،‬الدورة (‪"،)22‬مجلة مجمع اللغة العربية"‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬اإلدارة العامة للتحرير‪ ،‬الجزء (‪ ،)20‬أيار‪0838 ،‬م‪ ،‬ص ‪.80‬‬

‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)4102( 8‬صفحة‪11 ،‬‬


‫االزدواجية اللغوية في اللغة العربية‬

‫‪4‬‬
‫الحديثة"‪ 1،‬أو "فصحى العصر"‪ 2،‬أو "الفصحى املخففة"‪ 3،‬أو "اللغة العربية املشتركة"‪،‬‬
‫أو غيرها من األلفاظ واالصطلحات‪ً .‬‬
‫ُويعزى مثل هذا التوجه في تفصيح العامية إلى تراجع نسبة األمية في الوطن العربي‪،‬‬
‫وتنامي معدالت التعليم وانتشاره الواسع وازدياد الوعي بأهمية اللغة الفصحى ودورها في‬
‫تعزيز ثقافة االنتماء‪ ،‬وانتشار الصحافة واإلذاعة‪ ،‬واالطلع على ثقافة الغرب ومعارفه‪ ،‬عبر‬
‫املباشر وغير املباشر‪ ،‬وعبر الترجمة والبحث العلمي والرحلت العلمية‪ً .‬‬
‫ً‬ ‫االحتكاك‬
‫والعربية املعاصرة تقوم أساسًا على أصول الفصحى في كل مستوياتها؛ الصوتية‬
‫والصرفية والنحوية والداللية‪ ،‬وهي خلفًا لكل اللغات العاملية الحية‪ ،‬تحافظ على نسقها‬
‫تغيرا جذريًا أو كبي ًرا كما هو حال معظم لغات العالم‪ 5،‬والسر في‬
‫العام‪ ،‬وال تتبدد أو تتغير ً‬
‫هذا الثبات النوعي‪ ،‬يكمن في ارتباطها بالقرآن الكريم‪ ،‬حيث حافظ القرآن من جهته على‬
‫نسقها العام‪ ،‬وجعلها مفهومة على الدوام‪ً .‬‬
‫واملستوى الكتابي للعربية املعاصرة هو من الفصحى باتفاق‪ ،‬إنما يبقى الخلف في‬
‫التلفظ والخطاب‪ ،‬حيث تميل العربية املعاصرة إلى التسكين وخاصة في أواخر الكلمات‪،‬‬
‫وعند الوقف‪ ،‬وهو أمر يخرج –إلى حد ما –عن طبيعة الفصحى املعربة التي تمنح األواخر‬
‫حركاتها املناسبة‪ ،‬لكن التسكين الذي تنتهجه العربية املعاصرة‪ ،‬أو يطغى على ألسنة‬

‫سنتكيفتش‪ ،‬يا روسلف‪ ،‬العربية الفصحى الحديثة (بحوث في تطور األلفاظ واألساليب)‪ ،‬ترجمة‬ ‫‪1‬‬

‫وتعليق‪ :‬محمد حسن عبد العزيز‪ ،‬دار النمر للطباعة‪ ،‬الجيزة‪ ،‬ط‪0881 ،0‬م‪( ،‬العنوان)‪ً .‬‬
‫‪ 2‬بدوي السعيد‪ ،‬مستويات العربية املعاصرة في مصر‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬القاهرة ‪0837‬م‪ ،‬ص ‪.043‬‬
‫‪ 3‬أمين‪ ،‬محمد شوقي‪ ،‬صيغة الفصحى املخففة كما يراها الدكتور محمد كامل حسين‪" ،‬مجلة مجمع اللغة‬
‫العربية “‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الجزء ‪ ،78‬جمادي األول‪ 0783 ،‬هـ‪ ،‬أيار‪0833 ،‬م‪ً .‬‬
‫أنيس‪ ،‬إبراهيم‪ ،‬مستقبل اللغة العربية‪ ،‬معهد الدراسات العربية‪ ،‬القاهرة‪0811 ،‬م‪ ،‬ص ‪ .28‬وشرف‪،‬‬ ‫‪4‬‬

‫عبد العزيز شرف‪ ،‬اإلعلم واللغة العربية املشتركة‪" ،‬مجلة الفيصل "‪ ،‬العدد ‪ ،03‬ذو القعدة‪ 0788 ،‬هـ‪،‬‬
‫تشرين األول ‪0838‬م‪ً .‬‬
‫ي‪ ،‬دار امللح‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪0838 ،0‬م‪،‬‬
‫‪ 5‬الداية‪ ،‬فايز‪ ،‬الجوانب الداللية في نقد الشعر في القرن الرابع الهجر ً‬
‫ص ‪.008‬‬

‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)4102( 8‬صفحة‪13 ،‬‬


‫ّ‬
‫عباس املصري وعماد أبو الحسن‬

‫ومقبوال ضمن إطار العربية الفصحى‬


‫ً‬ ‫أمرا هينًا إذا ما قيس بالعامية‬
‫الناطقين بها‪ ،‬يظل ً‬
‫ويستند إلى سنن العرب في نطقهم‪ ،‬وهو ال يعكس فقدان اإلعراب بشكل مطلق‪ ،‬وإنما‬
‫بعضه‪ ،‬وبخاصة في األواخر وعند الوقف‪ ،‬ويذكر ابن خلدونً في مقدمته أن فقدان‬
‫اإلعراب‪ 1،‬أو بعضه ليس ب ً‬
‫ضائر للغة العرب ما دامت تبين عن مقاصدها وتؤدي وظيفتها‬
‫والغرض منها‪ً .‬‬
‫واإلسكان أو قطع الحركة اإلعرابية‪ ،‬ليس باألمر الغريب أو املنكور في العربية الفصحى‪،‬‬
‫وقد رأت لجنة اللهجات بمجمع القاهرة‪ 2،‬في دراستها لهذه الظاهرة‪ ،‬إمكان ذلك وجوازه‪،‬‬
‫وقد أورد السيوطي بعض الشواهد الدالة عليه من القرآن والشعر‪ ،‬ثم قال‪" :‬اختلف في‬
‫جواز حذف الحركة الظاهرة‪ ،‬من األسماء واألفعال الصحيحة على أقوال‪ ،‬أحدها الجواز‬
‫مطلقًا‪ ،‬وعليه ابن مالك؛ وقال ابن مالك‪ ،‬إن أبا عمرو حكاه عن لغة تميم"‪ً 3.‬‬
‫ويروى عن أبي عمرو بن العلء أيضًا أن كلم العرب "الدرج"‪ ،‬وأنها تجتاز باإلعراب‬
‫ى‬ ‫اجتيازا‪ًُ 4،‬‬
‫ويذكر عن ابن أبي اسحاق أن العرب ترفرف على اإلعراب وال تتفيهق فيه‪ 5،‬ويغز ً‬ ‫ً‬
‫وسمع الخشخاش بن الحباب يقول‪ :‬العرب‬ ‫ليونس قوله‪ :‬العرب تشام اإلعراب وال تحققه‪ُ ،‬‬
‫‪6‬‬

‫تقع باإلعراب وكأنها لم ترد‪ 7،‬وذكر أبو الخطاب أن إعراب العرب الخطف والحذف‪ 8،‬وكان ً‬
‫ً‬

‫‪ 1‬ابن خلدون‪ ،‬املقدمة (مرجع سابق)‪ ،‬ص ‪.118‬‬


‫الخطيب‪ ،‬عدنان‪ ،‬وقائع مؤتمر مجمع اللغة العربية في القاهرة في دورته الرابعة واألربعين‪ ،‬في “مجلة‬ ‫‪2‬‬

‫مجمع اللغة العربية األردني " العدد ‪ ،4‬املجلد ‪ ،0‬شعبان ‪ 0788‬هـ‪ ،‬تموز‪0838 ،‬م‪ ،‬ص ‪ .028‬وتيمور‪،‬‬
‫محمود‪ ،‬العامية‪ ...‬الفصحىً“مجلة مجمع اللغة العربية “‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الجزء ‪0810 ،07‬م‪ ،‬ص ‪ً .047‬‬
‫‪ 3‬السيوطي‪ ،‬جلل الدين املتوفى ‪ 800‬هـ‪ ،‬همع الهوامع شرح جمع الجوامع‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بيروت‪ً .12/0 ،‬‬
‫‪ 4‬عبد التواب‪ ،‬رمضان‪ ،‬فصول في فقه اللغة‪ ،‬دار التراث‪ ،‬القاهرة‪0833 ،‬م ص ‪ .11‬واستيتية‪ ،‬سمير‬
‫شريف‪ ،‬املشكلت اللغوية‪( ،‬مرجع سابق)‪ ،‬ص ‪.073‬‬
‫‪ 5‬ينظر عبد التواب‪ ،‬رمضان‪ ،‬فصول في فقه اللغة (مرجع سابق)‪ ،‬ص ‪ً .11‬‬
‫‪ 6‬السابق‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫‪ 7‬السابق‪ ،‬ص ‪ً .11‬‬
‫‪ 8‬السابق‪ ،‬ص ‪ً .11‬‬

‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)4102( 8‬صفحة‪18 ،‬‬


‫االزدواجية اللغوية في اللغة العربية‬

‫ا ًألصمعي يختلس اإلعراب حين ينشد‪ً 1.‬‬


‫كل ذلك أو بعضه مؤشر قوي إلى أن اإلعراب أو تحقيق اإلعراب ليس شرطًا للفصحى‪،‬‬
‫وأن الفصحى التي تحقق اإلعراب هي التي طرأت بعد شيوع اللحن أيام الفتوحات‪ ،‬وخاصة‬
‫بعد بدء عهد تدوين العلوم وتقعيدها‪ .‬إنها فصحى النحويين واملتكلمين‪ ،‬وليست فصحى‬
‫الشعراء واملحققين من الرواة‪ً .‬‬
‫وعليه‪ ،‬فإن تعميم الفصحى املعاصرة وجعلها متداولة على مستويي الكتابة والخطاب‪،‬‬
‫وهو الحل األنجع لتجاوز مشكلة االزدواج اللغوي‪ ،‬وهو الحل الواقعي الوحيد واملمكن‪،‬‬
‫َّ‬
‫وبخاصة في عصر العوملة واإلعلم‪ .‬ويمكن تحقيق ذلك؛ جله أو بعضه‪ ،‬بآلية أو برنامج‬
‫يتمثل على النحو اآلتي‪ً :‬‬
‫ُ‬
‫أوالً‪ :‬إعادة النظر في املناجج التربوية والتعليمية املتداولة‪ ،‬بحيث ًتخلص هذه املناجج‬
‫لتحقيق هذه القراءة والكتابة الصحيحتين بدءًا من رياض األطفال وحتى التخرج من‬
‫املرحلة الثانوية من املدرسة‪ًُ ،‬‬
‫فتجعل مرحلة رياض األطفال واملرحلة األساسية األولى التي‬
‫ُ‬
‫تمتد من الصف األول األساس ي وحتى نهاية الصف الرابع األساس ي‪ً ،‬تجعل هذه املرحلة‬
‫فيدرب التلميذ على محاكاة النصوص األدبية‬ ‫للقراءة والكتابة والتذوق والحفظ فقط‪ًُ ،‬‬
‫الرفيعة‪ ،‬ومحاولة فهمها وحفظها وتقليدها‪ ،‬ليتسنى لهم بناء ذائقة أدبية من جهة‪ ،‬وخلق‬
‫مهارة لغوية من جهة أخرى تفض ي إلى ترسيخ سلوك لغوي سليم ملتزم بقواعد العربية‬
‫ومحقق لوظيفتها وخصائصها‪ً .‬‬
‫ثم تجيء امل ًراحل املدرسية األخرى مرسخة لهذا الهدف وداعمة له مع التنويع في مجاالت‬
‫الفكر والعلوم األخرىً‪ ،‬التي ُيدعى مدرسوها إلى طرحها وفقًا ملنظور لغوي صحيح وتبعًا‬
‫ملقتضياته الداللية والتداولية‪ ،‬وبحسب قانون التعاون والتكامل لخلق بيئة لغوية سليمة‪،‬‬
‫نموا تكامليًا سليمًا‪ُ .‬ويركز خللها على تعميق القراءة والكتابة‬
‫تنمو في ظلها لغة الناشئة ً‬
‫وتعميم النطق الصحيح بوسائل أدائية فاعلة ومؤثرة كالشعر والقصة والحكاية واملسلسل‬
‫والفيلم واملسرح‪...‬وغيرها من الوسائل العلمية والتعليمية واإلعلمية الحديثة واملتميزة‪ً .‬‬

‫‪ 1‬السابق‪ ،‬ص ‪ً .11‬‬

‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)4102( 8‬صفحة‪18 ،‬‬


‫ّ‬
‫عباس املصري وعماد أبو الحسن‬

‫ُ‬
‫ثانيًا‪ :‬إنشاء أسواق لغوية وأدبية‪ً ،‬تعمم من خللها لغة مشتركة هي باتفاق‪ ،‬العربية‬
‫املعاصرة‪ ،‬ويتم ذلك بتشجيع الناشئة على إنتاج مواد أدبية وإلقائها في مثل هذه األسواق‬
‫ُ‬
‫ونشرها كي ًتسهم بجعل اللغة املشتركة املعاصرة لغة متداولة في املحافل األخرى أيضًا‪ً .‬‬
‫ُ‬
‫ثالثًا‪ :‬تعريب التعليم الجامعي‪ ،‬وإعادة النظر باللغة التي تعلم بها مواد التخصصات‬
‫املختلفة‪ ،‬لجعل الجامعة سوقًا أخرى مفتوحة لنشر العربية املعاصرة وتعميمها‪ً .‬‬
‫ويمكن تذليل العقبات املتأتية من التعريب‪ ،‬بإنشاء مراكز ترجمة تأخذ على عاتقها‬
‫مواكبة التغيرات والتطورات العلمية ونقلها إلى العربية املعاصرة‪ ،‬وابتداع اصطلحات‬
‫أمرا معروفًا ومألوفًا‪ً .‬‬
‫جديدة ومناسبة تجعل منها ً‬
‫ومثل هذه املسئولية تقع على عاتق الجامعات ومؤسسات املجتمع املدني من جهة‬
‫ومؤسسات الدولة من جهة أخرى‪ ،‬كي يتكامل العمل ويتنامى‪ .‬وكي تضع طلبة العلم‬
‫والباحثين في صورة كل ما يستجد من معارف وعلوم‪ً .‬‬
‫ويجيء في هذا السياق أيضًا‪ ،‬تشجيع البحث العلمي باللغة العربية املعاصرة‪ ،‬وجعل‬
‫اتقان العربية شرطًا في التوظيف والتعيين وملء شواغر الوظيفة في َّ‬
‫شتى املعارف والعلوم‬
‫وفي كل املؤسسات الرسمية وغير الرسمية‪ً .‬‬
‫رابعًا‪ :‬تطوير وسـائل اإلعلم وتط ًويعهـا لحمل العربية املعـاصرة وجعلها لغتهـا الرسمية‪،‬‬
‫بحيث تصبح اللغة اإلعلمية املستخدمة في وسائل اإلعلم املختلفة هي اللغة العربية‬
‫املعاصرة‪ .‬وعبر هذه الوسائل اإلعلمية يتحقق للغة مجال تداولي واسع‪ ،‬يطال معظم‬
‫شرائح املجتمع ومختلف الشرائح العلمية والتخصصية أيضًا‪ ،‬وتتحول وسائل اإلعلم‬
‫بحسب هذا الطرح‪ ،‬من طرف في املشكلة اللغ ًوية إلى طرف مؤثر في الحل‪ً ...‬‬

‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)4102( 8‬صفحة‪31 ،‬‬


‫االزدواجية اللغوية في اللغة العربية‬

‫(‪ )7‬الخاتمة‪:‬‬
‫يمكن القو ًل‪ :‬إن االزدواج اللغوي أمر طبيعي ينتاب كل لغات العالم‪ ،‬وهو أمر ال يمكن‬
‫إغفاله أو تجاوزه‪ ،‬وفي الوقت نفسه ليس من املمكن السكوت عليه‪ ،‬أو الرضا به‪ ،‬لذا‬
‫اقتض ى البحث الدائم عن حلول مناسبة إلنهائه أ ًو التخفيف من آثاره السلبية‪ ،‬وقد بدا‬
‫في العربية أكثر وضوحًا ًوأشد خطورة‪ ،‬وتضاربت اآلراء واملواقف حوله‪،‬وحاول هذا البحث‬
‫مناقشة هذه اآلراء واملذاهب‪ ،‬وخلص إلى القول بأهمية العمل على التخلص من االزدواج‬
‫اللغوي عبر تطوير لغة اإلعلم وجعلها اللغة العربية املعاصرة أو الفصحى املعاصرة‪ ،‬لتقريبها‬
‫من الفصحى‪ ،‬ومنحها خصائصها وحيويتها مع ش يء من العصرنة والحداثة‪ً .‬‬
‫وبالرغم من ذلك‪ ،‬فإن إنهاء الوضع االزدواجي للعربية أمر في غاية التعقيد والصعوبة‪،‬‬
‫ُ‬
‫لكنه يظل ممكنًا إذا ما ًأخلص العمل إلنتاج بيئة لغوية سليمة عبر تقنيات اإلعلم وآلياته‬
‫املعاصرة من جهة‪ ،‬وعبر التخطيط اللغويالسليم والتنمية اللغوية املستمرة من جهة أخرى‪.‬‬
‫ويبقى كل ذلك مرهونًا بالقرار السياس ي الذي يدفع باتجاه تبني هذا البرنامج التمهيدي في‬
‫ُ‬
‫مجاال واسعًا لوضع اللغة‬
‫ً‬ ‫شقيه املنهجي واالجرائي‪ ،‬والذي إن ًأحسن تطبيقه‪ ،‬فإنه قد يتيح‬
‫الفصحى في مجال تداولي فعال‪ً .‬‬
‫ً‬
‫ً‬

‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)4102( 8‬صفحة‪30 ،‬‬


‫ّ‬
‫عباس املصري وعماد أبو الحسن‬

‫ببليوغرافيا‪ً :‬‬
‫استيتية‪ ،‬سمير شريف‪ .‬املشكلت اللغوية في الوظائف واملصطلح واالزداوجية‪ .‬د‪.‬م‪ :‬مكتبة‬ ‫‪-0‬‬

‫جامعة النجاح الوطنية‪0881 ،‬م‪.‬‬


‫أمين‪ ،‬محمد شوقي‪" .‬صيغة الفصحى املخففة كما يراها الدكتور محمد كامل حسين"‪ .‬مجلة‬ ‫‪-4‬‬

‫مجمع اللغة العربية‪ .‬القاهرة‪ ،‬الجزء ‪ ،78‬جمادي األولى‪0783 ،‬هـ‪ ،‬أيار‪0833 ،‬م‪.‬‬
‫أنيس‪ ،‬إبراهيم‪ .‬مستقبل اللغة العربية‪ .‬القاهرة‪ :‬معهد الدراسات العربية‪0811 ،‬م‪.‬‬ ‫‪-7‬‬

‫بدوي‪ ،‬السعيد‪ .‬مستويات العربية املعاصرة في مصر‪ .‬القاهرة‪ :‬دار املعارف‪0837 ،‬م‪.‬‬ ‫‪-2‬‬

‫بشر‪ ،‬كمال‪ .‬دراسات في علم اللغة‪ .‬ق ‪ .4‬ط‪ .4‬القاهرة‪ :‬دار املعارف‪0818 ،‬م‪.‬‬ ‫‪-1‬‬

‫تيمور‪ ،‬محمود‪ .‬مشكلت اللغة العربية‪ .‬القاهرة‪ :‬مكتبة اآلداب ومطبعتها بالجماميز‪0811 ،‬م‪.‬‬ ‫‪-1‬‬

‫تيمور‪ ،‬محمود‪" .‬العامية‪ ...‬الفصحى‪ ".‬مجلة مجمع اللغة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ج‪0810 ،07‬م‪.‬‬ ‫‪-3‬‬

‫الجرجاني‪ ،‬علي بن محمد املتوفي سنة ‪ 801‬هـ‪ .‬التعريفات‪ .‬تحقيق‪ :‬عبد ال ًرحمن عميرة‪ .‬ط‪.0‬‬ ‫‪-8‬‬

‫بيروت‪ :‬عالم الكتب‪0883 ،‬م‪.‬‬


‫الجندي‪ ،‬أحمد علم الدين‪ .‬اللهجات العربية في التراث‪ .‬مصر‪ :‬مطابع الهيئة العامة للكتاب‪،‬‬ ‫‪-8‬‬
‫‪0811‬م‪.‬‬
‫‪ -01‬الجندي‪ ،‬أنو ًر‪ .‬الفصحى لغة القرآن‪ .‬بيروت‪ :‬دار الكتاب اللبناني‪0884 ،‬م‪ً .‬‬
‫‪ -00‬ابن جني‪ ،‬أبو الفتح عثمان املوصلي املتوفى سنة ‪ 784‬هـ‪ .‬الخصائص‪ .‬طبعة الهلل‪0770 ،‬هـ‪ً .‬‬
‫‪ ‬وطبعة أخرى‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد علي النجار‪ ،‬بيروت‪ :‬دار الكتاب العربي‪ ،‬د‪.‬ت‪ً .‬‬
‫ي‪ .‬ط‪ .4‬منشورات محمد علي بيضون‪ .‬بيروت‪:‬‬
‫وطبعة أخرى‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الحميد هنداو ً‬ ‫‪‬‬

‫دار الكتب العلمية‪4117 ،‬م‪ً .‬‬


‫‪ -04‬جورج يو ًل‪ .‬معرفة اللغة‪ .‬ترجمة محمود فراج عبد الحافظ‪ .‬ط‪ .0‬اإلسكندرية‪ :‬دار الوفاء‬
‫لدنيا الطباعة والنشر‪4111 ،‬م‪ً .‬‬
‫‪ -07‬الحاج‪ ،‬كمال يوسف‪ .‬في فلسفة اللغة‪ .‬ط‪ .4‬بيروت‪ :‬دار النهضة للنشر‪0838 ،‬م‪ً .‬‬
‫‪ -02‬الخطيب‪ ،‬عدنان‪ .‬وقائع مؤتمر مجمع اللغة العربية في القاهرة في دورته الرابعة واألربعين‪،‬‬
‫مجلة مجمع اللغة العربية األردني‪ .‬العدد ‪ ،4‬املجلد ‪ ،0‬شعبان‪0788 ،‬هـ ‪/‬تموز ‪ً .0838‬‬
‫‪ -01‬ابن خلدون‪ ،‬عبد الرحمن بن محمد املصري املغربي املتوفى سنة ‪ 818‬هـ‪ .‬مقدمة ابن خلدو ًن‪.‬‬
‫ط‪ .2‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪0838 ،‬م‪ً .‬‬

‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)4102( 8‬صفحة‪34 ،‬‬


‫االزدواجية اللغوية في اللغة العربية‬

‫‪ -01‬الخولي‪ ،‬محمد علي‪ .‬الحياة مع لغتين "الثنائية اللغوية"‪ .‬ط‪ .0‬الرياض‪ :‬مطابع الفرزدق‬
‫التجارية‪0218 ،‬هـ ‪0888/‬م‪ً .‬‬
‫‪ -03‬داود‪ ،‬محمد محمد‪ .‬العربية وعلم اللغة الحديث‪ .‬القاهرة‪ :‬دار غريب للطباعة والنشر‬
‫والتوزيع‪4110 ،‬م‪ً .‬‬
‫‪ -08‬داود‪ ،‬محمد محمد‪ .‬الداللة‪ ،‬والكلم‪ ،‬دارسة تأصيلية أللفاظ الكلم في العربية املعاصرة في‬
‫إطار املناجج الحديثة‪ .‬القاهرة‪ :‬دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع‪4114 ،‬م‪ً .‬‬
‫‪ -08‬داود‪ ،‬محمد محمد‪ .‬الداللة والحركة‪ ،‬دارسة تأصيلية أللفاظ الحركة في العربية املعاصرة في‬
‫إطار املناجج الحديثة‪ .‬القاهرة‪ :‬دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع‪4114 ،‬م‪ً .‬‬
‫‪ -41‬الداية‪ ،‬فايز‪ .‬الجوانب الداللية في نقد الشعر في القرن الرابع عشر‪ .‬ط‪ .0‬دمشق‪ :‬دار امللح‪،‬‬
‫‪0838‬م‪ً .‬‬
‫‪ -40‬الزغول‪ ،‬محمد راجي‪" .‬ازدواجية اللغة‪ ،‬نظرة في حاضر اللغة العربية وتطلع نجو مستقبلها في‬
‫ضوء الدراسات اللغوية"‪ .‬مجلة مجمع اللغة العربية األردني‪ .‬السنة الثالثة‪ ،‬العدد املزدوج‬
‫(‪ ،)01،8‬آب ‪-‬كانون أول‪0881 ،‬م‪ً .‬‬
‫‪ -44‬السامرائي‪ ،‬إبراهيم‪ .‬التطور اللغوي التاريخي‪ .‬ط‪ .7‬بيروت‪ :‬دار األندلس‪0887 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -47‬سنتكيفتش‪ ،‬يا روسلف‪ .‬العربية الفصحى الحديثة (بحوث في تطور األلفاظ واألساليب)‪.‬‬
‫ترجمة وتعليق‪ :‬محمدحسن عبد العزيز‪ .‬ط‪ .0‬الجيزة‪ :‬دار النمر للطباعة‪0881 ،‬م‪ً .‬‬
‫‪ -42‬السيوطي‪ ،‬جلل الدين املتوفى سنة ‪ 800‬هـ‪ .‬كتاب االقتراح في علم أصول النحو‪ .‬تقديم‬
‫وتصحيح وشرح‪ :‬أحمد الحمص ي‪ ،‬ومحمد قاسم‪ .‬ط‪ .1‬د‪.‬م‪ :‬طبعة جروس برس‪0888 ،‬م‪ً .‬‬
‫‪ -41‬السيوطي‪ ،‬جلل الدين (ت‪800 .‬ه)‪ .‬املزهر في علوم اللغة وأنواعها‪ .‬شرح وتصحيح‪ :‬محمد‬
‫أحمد جاد‪ ،‬ومحمد أبو الفضل إبراهيم‪ ،‬وعلي محمد البجادي‪ .‬ط‪ .7‬القاهرة‪ :‬مكتبة دار‬
‫التراث‪ ،‬د‪.‬ت‪ً .‬‬
‫‪ -41‬السيوطي‪ ،‬جلل الدين املتوفى سنة ‪800‬هـ‪ .‬همع الهوامع شرح جمع الجوامع‪ .‬دار املعرفة‪،‬‬
‫بيروت‪ً .‬‬
‫* ًوطبعة أخرى بتحقيق أحمد شمس الدين‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ :‬ط‪4111 ،4‬م‪ً .‬‬
‫* ًوطبعة أخرى بتحقيق عبد العال سالم مكرم‪ً ،‬‬
‫دار البحوث العلمية‪ ،‬الكويت‪0881 ،‬م‪ً .‬‬
‫‪ -43‬شاهين‪ ،‬عبد الصبورً‪ .‬في علم اللغة العام‪ .‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪ :‬ط‪0881 ،7‬م‪ ،‬وط ‪،2‬‬
‫‪0882‬م‪ً .‬‬

‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)4102( 8‬صفحة‪37 ،‬‬


‫ّ‬
‫عباس املصري وعماد أبو الحسن‬

‫‪ -48‬شرف‪ ،‬عبد العزيز‪" .‬اإلعلم واللغة العربية املشتركة"‪ ،‬مجلة الفيصل العدد ‪ ،03‬ذو القعدة‪،‬‬
‫‪ 0788‬هـ‪ ،‬تشرين األول‪0838 ،‬م‪ً .‬‬
‫‪ -48‬شرف‪ ،‬عبد العزيز‪ .‬وسائل اإلعلم ولغة الحضارة‪ .‬القاهرة‪ :‬مؤسسة مختار‪ ،‬د‪.‬ت‪ً .‬‬
‫‪ -71‬شيخو‪ ،‬لويس‪ .‬تاريخ ا ًآلداب العربية في الربع األول من القرن العشرين‪ .‬بيروت‪ :‬طبعة اآلباء‬
‫اليسوعيين‪0841 ،‬م‪ً .‬‬
‫‪ -70‬ضيف‪ ،‬شوقي‪" .‬الفصحى املعاصرة‪ .‬محاضرات جلسات املجمع"‪ ،‬الدورة ‪" ،22‬مجلة مجمع‬
‫اللغة العربية"‪ ،‬القاهرة‪ :‬الجزء (‪ ،)20‬اإلدارة العامة للتحرير‪ ،‬أيار‪0838 ،‬م‪ً .‬‬
‫‪ -74‬الطيب‪ ،‬عبد هللا‪ .‬اللغة العربية املعاصرة‪" .‬محاضر جلسات املجمع “‪ ،‬الدورة (‪0838 ،)27‬م‪ً .‬‬
‫‪ -77‬عبد التواب‪ ،‬رمضان‪ .‬فصول في فقه اللغة‪ .‬القاهرة‪ :‬دار التراث‪0833 ،‬م‪ً .‬‬
‫‪ -72‬أبو عبيد‪ ،‬القاسم بن سلم (ت‪442 .‬ه)‪ .‬ما ورد في القرآن الكريم من لغات القبائل‪ .‬مطبوع‬
‫بهامش " تفسير الجللين “‪ ،‬د‪.‬م‪ :‬مطبعة عيس ى الحلبي‪ ،‬د‪.‬ت‪ً .‬‬
‫‪ -71‬العجلني‪ ،‬منير‪" .‬أثر اللغة العربية في وحدة األمة" مجلة املجمع العلمي العربي‪ .‬دمشق املجلد‬
‫‪ ،74‬الجزء ‪ ،0‬جمادي األولى‪ 0731 ،‬هـ‪ ،‬كانون الثاني‪0813 ،‬م‪ً .‬‬
‫‪ -71‬العشيري‪ ،‬محمد نافع‪ .‬االزدواجية‪ ،‬اللغوية في املغرب‪ " .‬مدونة الدكتور عبد الفتاح الفاتحي "‬
‫ً‬ ‫على الرابط اإللكتروني‪http://elfatihi.elaphblog.com:‬‬

‫‪ -73‬عمر‪ ،‬أحمد مختار‪ .‬أخطاء اللغة العربية املعاصرة‪ .‬ط‪ .0‬القاهرة‪ :‬عالم الكتب‪0880 ،‬م‪ً .‬‬
‫‪ -78‬العناتي‪ ،‬وليد أحمد‪ ،‬وعيس ى برهومة‪ .‬اللغة العربية وأسئلة العصر‪ .‬ط‪ .0‬عمان‪-‬األردن‪ :‬دار‬
‫الشروق‪4113 ،‬م‪ً .‬‬
‫‪ -78‬الغللي‪ ،‬إبراهيم صالح‪ .‬ازدواجية اللغة‪ ،‬النظرية والتطبيق‪ .‬ط‪ .0‬الرياض‪ :‬مكتبة العبيكان‪،‬‬
‫‪0201‬هـ ‪0883 /‬م‪ً .‬‬
‫‪ -21‬الفهري‪ ،‬عبد القادر الفاس ي‪ .‬املقارنة والتخطيط في البحث اللساني‪ .‬ط‪ .0‬الدار البيضاء‪-‬‬
‫املغرب‪ ،‬دار توبقال للنشر‪0888 ،‬م‪ً .‬‬
‫‪ -20‬قدسري‪ ،‬أحمد محمد‪ .‬العربية الفصحى املعاصرة‪ .‬ط‪ .0‬تونس‪ :‬الدار العربية للكتاب‪0880 ،‬م‪ً .‬‬
‫‪ -24‬القعود‪ ،‬عبد الرحمن محمد‪ .‬االزدواج اللغوي في اللغة العربية‪ .‬ط‪ .0‬الرياض‪ :‬مطابع التقنية‬
‫لألوسفت‪0883 ،‬م‪ً .‬‬
‫‪ -27‬الكريدس ي‪ ،‬علي بن حمود‪" .‬اللغة الثالثة بين الفصحى والعامية"‪ .‬مجلة الجزيرة الثقافية‬
‫العدد ‪ ،87‬اإلثنين‪ 08 ،‬رمضان ‪ 0241‬هـ‪4112/00/0 ،‬م‪ً .‬‬

‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)4102( 8‬صفحة‪32 ،‬‬


‫االزدواجية اللغوية في اللغة العربية‬

‫ً‬ ‫متاح على الرابط اإللكتروني‪http://www.al-jazirah.com.sa/culture:‬‬

‫‪ -22‬لوسركل‪ ،‬جان جاك‪ .‬عنف اللغة‪ .‬ترجمة وتقديم‪ :‬محمد بدويً‪ .‬مراجعة‪ :‬سعد مصلوح‪.‬‬
‫للترجمة‪ ،‬توزيع‪ :‬بيروت‪ :‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬ط‪ ،0‬أيار‬
‫بيروت‪ :‬املنظمة العربية ً‬
‫‪4111‬م‪ً .‬‬
‫‪ -21‬مارتينه‪ ،‬أندريه‪" .‬الثنائية األلسنية واالزداوجية األلسنية‪ ،‬دعوة إلى رؤية دينامية للوقائع"‪.‬‬
‫والفكر العالمي‪ ،‬العدد ‪0881 ،00‬م‪ ،‬بيروت‪ :‬مركز اإلنماء‬
‫ً‬ ‫ترجمة‪ :‬نادر سراج‪ ،‬مجلة العرب‬
‫القومي‪ً .‬‬
‫‪ -21‬محفوظ‪ ،‬حسين علي‪" .‬تقريب العامية من الفصحى"‪ .‬مجلة مجمع اللغة العربية‪ ،‬القاهرة‪:‬‬
‫الجزء (‪ ،)20‬جمادي األولى‪ 0728 ،‬هـ‪ ،‬أيار‪0838 ،‬م‪ً .‬‬
‫‪ -23‬محمود‪ ،‬إبراهيم كايد‪" .‬العربية الفصحى بين االزداوجية اللغوية والثنائية اللغوية"‪ .‬املجلة‬
‫العلمية لجامعة امللك فيصل ‪ /‬العلوم اإلنسانية واإلدارية املجلد الثالث‪ ،‬العدد األول‪ ،‬ذو‬
‫الحجة‪0244 ،‬هـ ‪ /‬آذار‪4114 ،‬م‪ً .‬‬
‫‪ -28‬املعتوق‪ ،‬أحمد محمد‪ .‬الحصيلة اللغوية ـ أهميتها ـ مصادرها ـ وسائل تنميتها‪ .‬سلسلة عالم‬
‫املعرفة‪ ،‬الكويت‪ ،‬العدد ‪ً .404‬‬
‫‪ -28‬املعتوق‪ ،‬أحمد محمد‪ .‬نظرية اللغة الثالثة‪ ،‬دراسة في قضية اللغة العربية الوسطى‪ .‬د‪.‬م‪:‬‬
‫املركز الثقافي العربي‪4111 ،‬م‪ً .‬‬
‫‪ -11‬املغربي‪ ،‬عبد القادر‪" .‬أقرب الطرق إلى نشر الفصحى"‪ .‬مجلة املجمع العلمي العربي"‪ ،‬دمشق‪،‬‬
‫املجلد ‪ ،7‬الجزآن (‪ً .)8،3‬‬
‫ط‪.0‬‬ ‫‪ -10‬ابن منظور‪ ،‬أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم املتوفى سنة ‪ 300‬هـ‪ .‬لسان العرب‪.‬‬
‫بيروت‪ :‬دار الفكر‪ -‬دار صادر‪0881 ،‬م‪ً .‬‬
‫‪ -14‬املوس ى‪ ،‬نهاد‪ .‬االزدواجية في العربية‪ ،‬ما كان‪ ،‬وما هو كائن‪ ،‬وما ينبغي أن يكونً‪ .‬ضمن "ندوة‬
‫االزدواجية في اللغة العربية" عمان‪ :‬مطبعة الجامعة األردنية‪0888 ،‬م‪ً .‬‬
‫‪ -17‬املوس ى نهاد‪ .‬الثنائيات في قضايا اللغة العربية من عصر النهضة إلى عصر العوملة‪ .‬ط‪ .0‬عمان‪-‬‬
‫األردن‪ :‬دار الشروق‪4117 ،‬م‪ً .‬‬
‫‪ -12‬املوس ى نهاد‪ .‬قضية التحول إلى الفصحى في العالم العربي الحديث‪ .‬ط‪ .0‬عمان‪-‬األردن‪ :‬دار‬
‫الفكر ‪0883‬م‪ً .‬‬

‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)4102( 8‬صفحة‪31 ،‬‬


‫ّ‬
‫عباس املصري وعماد أبو الحسن‬

‫‪ -11‬املوس ى نهاد‪ .‬اللغة العربية في العصر الحديث‪ ،‬قيم الثبوت وقوى التحولً‪ .‬ط‪ .0‬عمان‪-‬األردن‪:‬‬
‫دار الشروق‪4113 ،‬م‪ً .‬‬
‫‪ -11‬املوس ى نهاد‪ .‬اللغة العربية وأبناؤها‪ ،‬أبحاث في قضية الخطأ وضعف الطلبة في اللغة العربية‪.‬‬
‫ط ‪ .4‬عمان‪-‬األردن‪ :‬مكتبة وسام‪0881 ،‬م‪ً .‬‬
‫‪http://www.islamwib.net/media/index.php‬‬ ‫‪ -13‬موقع إسلم ويب اإللكتروني على الرابط‪:‬‬
‫‪ -18‬موقع جريدة الشرق األوسط‪ ،‬العرب الدولية‪ ،‬الجمعة ‪ 71‬ربيع األول ‪ 0244‬هـ ‪ 44‬يونيو ‪4110‬‬

‫ً‬ ‫م‪ ،‬العدد (‪ ،) 8424‬على الرابط اإللكتروني‪www.aawsat.com:‬‬

‫‪www.diwanalarab.com‬‬ ‫‪ -18‬موقع ديوان العرب على الرابط‪:‬‬


‫‪ -11‬مونتي‪ ،‬فانسان‪" .‬اللغة العربية الحديثة"‪ .‬تلخيص‪ :‬جمال الدين البغدادي‪ ،‬مجلة اللسان‬
‫العربي العدد ‪0782 ،0‬هـ‪0882/‬م‪ً .‬‬
‫‪ -10‬وافي‪ ،‬علي عبد الواحد‪ .‬علم اللغة‪ .‬ط‪ .4‬القاهرة‪ :‬مطبعة النهضة املصرية‪ 0822 ،‬م ً‬
‫‪ -14‬وافي‪ ،‬علي عبد الواحد‪ .‬فقه اللغة‪ .‬ط‪ .2‬القاهرة‪ :‬دار إحياء الكتب العربية‪0810 ،‬م‪ً .‬‬
‫يعقوب‪ ،‬أميل بديع‪ .‬فقه اللغة العربية وخصائصها‪ .‬ط‪ .0‬بيروت‪ :‬دار العلم للمليين‪0884 ،‬م‪ً .‬‬ ‫‪-17‬‬

‫‪64- Bjorn Jernudd. Lectures on Language Problems. Bahri Publications, 1990.‬‬


‫‪65- Desaussure (Ferdinand). Course In General Linguistics, translated by: wdBakin,‬‬
‫‪London, 1964.‬‬
‫‪66- Neustphy (J.V): language Theory in a Japanes Context, Post Structural Approach‬‬
‫‪to Language.‬‬
‫‪67- V.Tauli. The Theory of Language PLaning, in Advances in Language Planing.‬‬

‫ً‬

‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)4102( 8‬صفحة‪31 ،‬‬

You might also like