Professional Documents
Culture Documents
تش���هد السياس���ة الخارجية التركية منذ س���نوات حالة من التح���ول الواضح عن
مسارها التقليدي ،ويبدو هذا التحول جلياً من خالل استقراء جملة المواقف والتوجهات
التي طرأت على سياق هذه السياسة مؤخراً؛ وعلى نحو يشي بحدوث نوع من التغير
استجد على أولوياتها بل وطال جملة المبادئ التي طالما ارتكزت إليها تقليدياً .فالمتتبع
لهذه السياسة يدرك دونما عناء أنها خرجت عن طورها المعهود الذي أراده لها مؤسس
الجمهورية مصطفى كمال (أتاتورك) منذ عش���رينيات القرن الماضي؛ حين س���عى إلى
التملص من ميراث عثماني تراكم عبر ما يقرب من س���بعة قرون مؤسَس���اً على فكرة
الجامعة اإلس�ل�امية دون اعتبار لعوامل الجنس أو اللغة .وعوضاً عن ذلك شرع في بناء
الجمهوري���ة التركية الوليدة إذ ذاك على أس���س علمانية موجه���اً دفتها صوب التغريب
والتأريب ،وفي ذات الوقت قلص إلى حد كبير من انغماس البالد في الش���ئون الدولية،
كما حرص بحزم على عزلها عن محيطها العربي اإلس�ل�امي .وعلى هذا النهج الكمالي
الصارم سار خلفاء أتاتورك من قادة تركيا العلمانيين فساسوها لعقود عديدة على هدى
من تعليماته التي اعتبروها نصوصا مقدس���ة ال تقبل التشكيك أو النقد ويتعين إعمالها
بحذافيرها دون تحريف أو نقصان.غير أنه بحلول عقد التسعينيات من القرن المنصرم
ومع وصول تورجوت أوزال إلى س���دة الحكم في أنقرة بحلول أواخر الثمانينيات ش���رع
رئيس الوزراء التركي الجديد في انتهاج سياسة أكثر انفتاحاً على العالم الخارجي إلى
حد وصفه البعض بولوج السياس���ة التركية مرحلة العثمانية الجديدة ،وذلك على الرغم
من أن أوزال ظل ممس���كا بأهداب العلمانية.وعلى هذا المن���وال االنفتاحي ذي الصبغة
العلمانية عبرت السياس���ة الخارجية التركية عقد التس���عينيات ،ثم كان أن ولجت مع
مطل���ع األلفي���ة الثالثة مرحلة أكثر انفتاحاً على الش���ئون الدولي���ة بعامة وعلى المحيط
العربي اإلسالمي على وجه الخصوص ،وتلكم هي المرحلة التي تمر بها هذه السياسة
منذ وصول حزب العدالة والتنمية ذي الجذور اإلسالمية إلى الحكم منذ عام .2002
وبناء على ما تقدم يمكن القول إن السياسة الخارجية لتركيا الجمهورية قد مرت
بثالث مراحل رئيس����ية هي :مرحلة الثوابت الكمالية المطلقة ،ومرحلة ظهور العثمانية
الجديدة ،وأخيراً االنغماس في الدائرة العربية اإلس��ل�امية .وتأسيس����اً على ذلك تأتي
مشكلة البحث.
3
مشكلة البحث
تتمحور مشكلة البحث حول تساؤل رئيسي هام قوامه :إلى أي مدي يمكن وصف
ما تش����هده السياس����ة الخارجية التركية حاليا بالتغير النوعي واألصيل؟؛ وهو التساؤل
الذي تندرج تحته تساؤالت فرعية عديدة لعل من أظهرها :ما هي المنطلقات والثوابت
األيديولوجية التقليدية للسياس����ة الخارجية لتركيا الجمهورية؟ ،وما هي المراحل التي
مرت بها تلك السياسة؟ ،وإلى أي مدى حافظت هذه السياسة على طابعها الذي أسس
له مصطفى كمال أتاتورك؟ ،وما هو حجم التغيير الذي ش����هدته تلك السياسة السيما
خالل العقد األخير؟،وهل طال هذا التغيير الثوابت الكمالية أم أنه مجرد تغيير ش����كلي
يستند إلى اعتبارات برجماتية مرحلية؟ ،وبتعبير آخر ،هل يمكن القول إن األيديولوجية
التي تس����تمد منها السياس����ة التركية مبادئها قد تغيرت بالفعل؟ ؛أم أن الكمالية التزال
راسخة تضرب بجذورها في عمق الواقع السياسي التركي قاطبة؟.
هدف البحث
بن����ا ًء عل����ى م����ا تقدم فإننا نس����تهدف من وراء ه����ذا البحث اإلجاب����ة عن جملة
التس����اؤالت التي طرحناها آنفاً باعتبارها تؤس����س مجتمع ًة مشكلة للبحث ،وبالتالي
فإنن����ا معنيون هنا بتقديم حكم موضوعي يوصِّف بدق����ة حجم وطبيعة التغيير الذي
طرأ على السياس����ة الخارجية التركية خالل العقد األخير بصفة خاصة،بكل ما يقتضيه
ذلك من تعريف بالثوابت التقليدية لتلك السياس����ة منذ نش����أة الجمهورية في البالد،
وكذلك المراحل التاريخية المختلفة التي مرت بها ،ومدى تخليها -السيما خالل الفترة
األخيرة -عن منطلقاتها األيديولوجية المس����تمدة بصفة أساس����ية من أفكار مؤس����س
الجمهورية التركية مصطفى كمال(أتاتورك).
مادة البحث
تتمثل مادة البحث بطبيعة الحال وكما هو واضح مما تقدم في السياسة الخارجية
لتركي����ا الجمهوري����ة خالل مختلف المراحل التاريخية التي م����رت بها ،مع التركيز على
المرحلة الراهنة لتلك السياسة بكل ما تحمله من أحداث وتوجهات ومواقف ذات داللة
تسترعي االنتباه وتستوجب الدراسة والتحليل والتقييم.
4
منهج البحث
ارتباطاً بطبيعة مادة البحث وهدفه سنلجأ إلى المنهج االستقرائي كمنهج رئيسي
للتحليل؛ وبالتالي س����نعمد إلى مالحظة واقع السياس����ة الخارجي����ة لتركيا الجمهورية
من����ذ ظهورها إلى حيز الوجود ف����ي عام 1923؛ من حيث المراح����ل التاريخية المختلفة
التي مرت بها ،والمبادئ التي ارتكزت إليها ،واألهداف التي اس����تهدفتها ،وكيفية تعاطي
القادة األتراك خالل المرحل المختلفة مع المشكالت والقضايا الدولية؛ وذلك كله بهدف
الوصول إلى إجابات موضوعية عن جملة التساؤالت التي تدور حولها مشكلة البحث.
خطة البحث
س����نعرض لم����ادة البحث من خالل ثالثة مباحث تليه����ا بطبيعة الحال الخاتمة،
وذلك على النحو التالي:
وأما الخاتمة فتتضم����ن بطبيعة الحال أظهر ما خلصنا إليه من نتائج تتعلق بهدف
البحث.
5
المبحث األول
السياسة الخارجية التركية خالل مرحلة الثوابت الكمالية
باعتالئه س����دة الحكم في أنقره عام 1923ش����رع مصطفى كم����ال أتاتورك -على
نحو ما أش����رنا سلفاً -في التخلص من اإلرث العثماني بكل ثوابته األيديولوجية؛ وفي
المقدمة منها فكرة الجامعة اإلس��ل�امية( ،)1وهي الفكرة التي فحواها إعالء ش����أن رابطة
الدين كمقوم لهويات األمم والشعوب ،بحيث تجب في هذا الصدد ما عداها من روابط
س��ل�الية بيولوجية أو ثقافية لغوية .فلقد دش����ن العثمانيون دولتهم كدولة للمسلمين
ودار لإلسالم ال دولة للجنس التركي أو غيره من األجناس ،إنها الفكرة اإلسالمية التي
اعتنقها خلفاء بني عثمان الذين طالما اعتبروا أنفس����هم قادة لدولة الخالفة اإلسالمية،
ووالة أمر المس����لمين قاطبة ،والمدافعين عن ثغور اإلسالم في شتى أصقاع البسيطة.
وذلكم هو ما يعبر عنه البعض بقوله« :لم يكن الس��ل�اطين العثمانيون يزكون نس����باً
إال نس����بهم اإلسالمي الصريح ،وكان الوطن عندهم هو كل أرض يسكنها المسلمون،
وكانت كلمة الملة تعني الدين واألمة معاً ،لذلك صبغوا دولتهم بصبغة إسالمية خالصة،
وحددوا غايتها بالدفاع عن اإلسالم ورفع رايته على األنام»(.)2
وعلى النحو المتقدم كان من الطبيعي أن تكون السياس����ة الخارجية لهكذا دولة
ذات طابع انفتاحي على الشئون الدولية ،فخاضت غمار حروب توسعية ودفاعية عديدة
خالل عمرها المديد الذي دام زهاء الس����بعة قرون ،كما أسهمت بفعالية في العديد من
6
التحالفات والمؤتمرات الدولية ،وبسطت سلطانها ذات يوم على بقاع مترامية األطراف
من قارات العالم الثالث القديمة ،ولعل خير تعبير عن كل ما تقدم هو ما وجد من نقش
بقلع����ة بندر يعود إلى عام 1538يعبر من خالله أحد أقوي س��ل�اطين بني عثمان وهو
الس����لطان س����ليمان القانوني عما وصل إليه من قوة بقوله« :أنا عبد اهلل وسلطان هذا
العالم ورأس ملة المس����لمين بفضل اهلل علىَّ .قدرة اهلل والسنة المعظمة لمحمد هي
التي ترش����دني .أنا س����ليمان الذي يذكر اسمي في الخطبة بمكة والمدينة .في بغداد
أنا الش����اه ،وفي بيزنطة أنا القيصر ،وفي مصر أنا السلطان .أرسل سفني في مياه أوربا
والمغرب والهند.أنا الس����لطان الذي حاز على تاج وعرش هنجاريا ،وحول س����كانها إلى
رعية مطيعة ،تجرأ القائد بترو على التمرد ضدي ولكني دسته بحوافر حصاني وأخذت
بالده مولدافيا» (.)3
وعليه أضحت العلمانية هي الدعامة الرئيس����ية للكمالي����ة ،إذ اعتمد أتاتورك -في
سبيل بناء جمهوريته -نهجاً علمانياً متشدداً؛ فألغى السلطنة العثمانية وعزل الخليفة
وشطب األحرف العربية والتعليم اإلسالمي والحركات الصوفية وألغى الحجاب ،واعتبر
الدين رمزاً للنظام القديم والرجعية ومعارضة الجمهورية (.)5
كذل����ك فقد جرى العلمانيون األتراك دوماً على ربط الديمقراطية بالعلمانية ارتباطا
ال انفصام له ،فبرأي الكماليين يتساوى تطبيق العلمانية مع اإليمان بالديمقراطية ،كما
أنه يتعين اعتبار أية قوة سياسية غير علمانية بصورة آلية قوة ال ديمقراطية(.)6
7
إنه����ا إذاً الكمالي����ة وقد صارت منذ عه����د أتاتورك األيديولوجية الرس����مية لتركيا
والت����ي في ظلها حرص خلفاؤه على إلغاء األس����س الدينية للدولة ،واس����تئصال معظم
الرموز الثقافية المعبرة عن تلك األسس والمرتكزات؛ على نحو يهيئ لتدمير منهجي
متواصل لروح الحضارة العثمانية اإلس��ل�امية وإبدالها بنظائرها الغربية ،وبالتالي جرى
العمل على إقصاء اإلس��ل�ام تماما عن الس����احة السياسية وإعالء مبادئ أتاتورك وعلى
ال قط����ع الطريق على أيةرأس����ها الجمهوري����ة والقومية والعلماني����ة وكان هذا يعني عم ً
محاوالت رامية للوصول إلى السلطة السياسية باسم اإلسالم (.)7
وفي ذات الس����ياق أكدت األتاتوركية على اس����تبعاد الدين كمق����وم للهوية التركية
ال في ه����ذا الصدد؛ فلقد أكد أتات����ورك وخلفاؤه من
واعتم����دت الس��ل�الة الطورانية بدي ً
الساس����ة العلمانيين على نبذ حقبة الخالفة العثماني����ة وأحلوا محلها فكرة الجمهورية
القومي����ة ذات النزعة الطورانية المؤسس����ة على المبدأ الس��ل�الي التركي ،وهو المبدأ
الذي ظل الساس����ة األت����راك دوماً قابضين عليه ويرددونه في كافة مناس����باتهم ،والذي
عبر عنه س����ليمان ديميريل -على س����بيل المثال -في خطاب ل����ه ألقاه في يوليو 1997
أثناء االحتفال بتدش����ين أحد تنظيمات الش����بيبة األتاتوركي����ة بقوله« :إن الوطن الذي
تم����ت إقامته بفضل عبقرية أتاتورك ه����و الجمهورية التركية ،والناس الذين أقاموا هذه
الجمهورية هم األتراك .أما المكان الذي تمت فيه إقامة هذا الوطن فيعرف باسم تركيا،
واللغة الرس����مية لهذا الوطن هي التركية .يتعين على الجميع أن يبذلوا أقصى درجات
االهتمام بالمفاهيم األربعة التي ذكرتها ،إنها ضمانة الس��ل�ام والثقة والس����عادة في هذا
البلد»(.)8
1 .1إعالء ش����أن العلمانية كبديل أيديولوجي لإلس��ل�ام فيما يتعلق بتنظيم وبناء
الدولة التركية في ش����تي قطاعاتها الحياتية ،وما يحكمها من أنظمة سياسية،
واقتصادية ،واجتماعية ،وتعليمية ،وغيرها.
2 .2التمل����ص من الصبغة اإلس��ل�امية الموروثة للبالد واالتج����اه بها صوب التأريب
و والتغريب ،باعتبار ذلك الس����بيل الوحيد -حس����ب ه����ذا التصور -لولوج عالم
التحضر والمدنية.
8
3 .3اعتم����اد القومي����ة الطورانية مقوماً لهوية الش����عب التركي كبديل عن الس����ند
اإلسالمي التقليدي الذي
5 .5ن����زع تركيا من محيطها اإلس��ل�امي العرب����ي والتأكيد على كونه����ا دولة أوربية
حضار ًة وجغرافيا.
غير أنه مما تتعين اإلشارة إليه أن هذه السياسة اتسمت -في البداية وحتى بدايات
عقد الخمس����ينيات من القرن الماضي -بقدر كبير من الس����لبية إزاء العالم الخارجي؛
والسيما منطقة الشرق األوسط التي طالما أطلق عليها قادة المرحلة (المستنقع الشرق
أوس����طي) ،وأبدى صانع القرار التركي تمس����كا بالشعار األتاتوركي الشهير (السالم في
ال عدم انغماس تركيا في الش����ئون الداخل والس��ل�ام في العالم) ،والذي كان يعني عم ً
الدولية بقدر اإلمكان والتركيز على بناء الدولة العلمانية ذات الصبغة األوربية التي أرادها
مؤس����س الجمهورية .وفيما يتعلق بالش����رق األوس����ط تحديداً اتسمت هذه السياسة
-على حد تعبير البعض -بدرجة عالية من الحذر قد تصل أحيانا إلى مستوى الخنوع(.)9
لقد كان جوهر األتاتوركي����ة -على حد قول البعض -هو توجيه تركيا بصرامة نحو
الغرب بغية تحويلها إلى دولة غربية ومتقدمة ،لذلك فإن حكم األتاتوركيين عمد ألكثر
من نصف قرن إلى تجاهل منطقة الشرق األوسط وكأنها غير موجودة ،واعتبار االرتباط
التاريخي بها أمراً مؤسفاً شهده التاريخ التركي( .)10والحق أن هذا التجاهل لم يكن يرتد
فحس����ب إلى رغبة األتراك ف����ي التبرؤ من ماضيهم العثمان����ي؛ وإنما نجم كذلك عن
صدمتهم الش����ديدة إزاء موقف العرب منهم خالل الحرب العالمية األولى ،إذ لم ينس
األتراك أن العرب قد طعنوهم في الظهر حين انضموا إلى معسكر األعداء وقت استعار
()11
أوار تلك الحرب.
عل����ى أية حال فإن أول تعبير عن توجه السياس����ة الخارجي����ة التركية في حلتها
األتاتوركية بمضمونها المتقدم؛ تمثل في اعترافهم بإسرائيل وإقامة عالقات دبلوماسية
9
معها في عام ،1949لتصبح تركيا أول دولة إس��ل�امية تقدم على هكذا خطوة(.)12واستمراراً
لسياس����ة التوجه نحو الغرب أو إن ش����ئنا الدقة التمس����ح بالغ����رب أقدمت تركيا على
االنضمام لحلف شمال األطلنطي في عام 1952حيث أضحت مذاك حارس الغرب على
الجناح الجنوبي ألوربا في مواجهة المد الش����يوعي ،واعتبر الساسة األتراك أن عضوية
بالدهم في النيتو داللة على هويتها األوربية والغربية (.)13
وفي إطار ذات النهج كانت تركيا من الدول المؤسسة لحلف غربي شرق أوسطي
في عام 1955هو حلف بغداد؛ إذ تعاونت في ذلك الصدد مع الحكومة العراقية برئاس����ة
نوري السعيد المعروف بممالئته الشديدة للغرب ،وهو الحلف الذي فشل في اجتذاب
دول عربي����ة أخرى نظ����راً العتباره معادياً لتيار القومية العربي����ة المزدهر وقتذاك؛ والذي
شن زعيمه جمال عبد الناصر حرباً إعالمية ودبلوماسية شعواء على الحلف وصمه من
خاللها باإلمبريالية ومعاداة العروبة (.)14ومن األمور الجديرة بالمالحظة خالل تلك األزمة
أن األتراك أبلغوا الحكومة األردنية إذاك بأنه إذا لم ينضم األردن إلى معاهدة بغداد فمن
المرجح أن ينتهي األمر بتركيا إلى أن تقاتل إلى جانب إسرائيل يوماً ما (.)15
غير أن الحكومة األردنية لم تصمد أمام الضغوط الناصرية الرهيبة المناوئة للحلف؛
وبالتالي فشل المشروع الغربي في ضم األردن إلى حظيرته(.)16
ومن المفارقات في هذا الصدد أن التهديد التركي لألردن الذي قصد به مزيداً من
اس����ترضاء الغرب قد اس����تفز الغرب ذاته إلى حد أن واشنطن ولندن حذرتا األتراك من
أي تنفير إضافي للدول العربية الموالية للغرب (.)17
وعلى الرغم من ذلك اس����تمر األتراك في سياس����تهم المثي����رة لحفيظة العرب ،إذ
شرعت تركيا في حشد قواتها العسكرية على الحدود مع سوريا عام 1957حين بدا أن
الحزب الش����يوعي على وشك االستيالء على السلطة في دمشق ،كما دعت الحكومة
التركية إلى تدخل عسكري غربي في العراق إلعادة الملكية التي أسقطها انقالب عبد
الكريم قاس����م عام .1958كذلك فقد صوتت تركيا إلى جانب فرنسا في األمم المتحدة
خالل حرب االس����تقالل الجزائرية ،وسمح األتراك للبحرية األمريكية باستخدام قاعدة
إنجرلي����ك الجوية إبان األزمة اللبنانية ع����ام ،)18(1958وإلى جانب ذلك كان الود المفقود
يسود العالقات التركية السورية من جراء تنازع الدولتين على لواء اإلسكندرونة الذي
كان الفرنسيون قد منحوا األتراك الهيمنة عليه منذ عام .)19( 1939
10
وال يفوتنا في هذا المقام أن نشير كذلك إلى حال التنافر التي بدت عليها العالقات
التركية المصرية حين امتنعت الدولتان عن المشاركة سوياً فيما يعرف بحلف الميدو،
أو منظمة الدفاع عن الش����رق األوس����ط التي كانت الواليات المتحدة قد ش����رعت في
إنش����ائها مع بداية خمسينيات القرن الماضي؛ في إطار سياس����اتها إذاك الحتواء المد
الشيوعي في المنطقة (.)20
وارتباط����اً بهذا التوجه الكمالي الغرب����ي العلماني ظلت تركيا ،لعقود عديدة ،تمثل
الحليف المخلص لكل من الواليات المتحدة وأوربا ،حيث ساهمت منذ اندالع الحرب
الب����اردة في عملية االحتواء الفعال لالتحاد الس����وفييتي عبر قيامها بحراس����ة الخاصرة
الجنوبية الش����رقية للتحالف األطلس����ي ،كما س����اهمت بفعالية في احتواء نظام صدام
حس����ين في الع����راق ( ،)23كما لعبت تركيا دوراً محورياً في احت����واء إيران منذ قيام الثورة
اإلسالمية بها في عام 1979؛ وظلت العالقات التركية اإليرانية متسمة باالنعدام المتبادل
للثقة ك����ون البلدين ينطلقان من نظرتين مختلفتين إل����ى العالم ومن أيديولوجيتين
ال (.)24
متباينتين يكاد التوفيق بينهما أن يكون مستحي ً
11
وصفوة القول في شأن هذه المرحلة من تاريخ تركيا أن السياسة الخارجية للبالد
واس����تناداً إلى الثوابت الكمالية قامت بصفة عامة النأي عن الدائرة العربية اإلس��ل�امية
واالنحياز للغرب وعلى رأس����ه الوالي����ات المتحدة ،كما أن األت����راك حينما اضطروا إلى
الخوض فيما أس����موه بالمستنقع الشرق أوسطي خاضوه كدولة حليفة للغرب؛ ترتبط
بثوابت����ه وإس����تراتيجياته حتى وإن كان من ش����أن ذلك إلحاق الض����رر البالغ بعالقات
بالده����م مع جيرانها العرب والمس����لمين .غير أنه مما تجدر اإلش����ارة إلي����ه أن تركيا،
خالل ذات المرحلة ،اضطرت في مناسبات عديدة وارتباطاً باعتبارات برجماتية وأحياناً
عقائدية ،إلى الخروج بسياستها الشرق األوسطية عن مسارها الكمالي التقليدي .ومن
ذلك على سبيل المثال:
1 .1قيام تركيا بعقد معاهدة سعد أباد في عام 1937مع كل من إيران والعراق والتي
استهدفت التنسيق المشترك بصدد التصدي للحركات الكردية االنفصالية (.)25
وبطبيع����ة الحال يمك����ن تبرير هذا الموق����ف التركي باعتب����ارات برجماتية تتعلق
بمقتضيات المصلحة القومية للبالد.
2 .2انحياز تركيا إلى الموقف المصري إبان حرب األيام الستة في عام 1967؛ حيث
رفضت في هذا الصدد االنضمام إلى مجموعة الدول البحرية التي كانت تطالب
بإعادة فتح خليج العقبة أمام الس����فن اإلس����رائيلية ،ثم تك����رر االنحياز للموقف
العربي خالل الحرب العربية اإلسرائيلية عام 1973حيث منعت أنقرة واشنطن
من استخدام القواعد األمريكية إلعادة تزويد اإلسرائيليين باألسلحة وسمحت
للطائرات الروس����ية باس����تخدام المجال الجوي التركي لمساندة السوريين(.)26
والح����ق أن مث����ل هذه المواقف يمك����ن ردها إلى حد كبير العتب����ارات عقائدية
تقليدي����ة لم يفلح التطبي����ق العلماني الصارم في التمل����ص منها ،وهي ترتبط
بداهة بكون تركيا دولة تنتمي دينياً -على األقل -إلى العالم اإلسالمي.
12
العتبار عقائدي وثيق الصلة بكون تركيا في النهاية دولة إسالمية.
4 .4يش����ار كذلك إلى أن األهمية االقتصادية المتنامية لمنطقة الش����رق األوس����ط
وبروز المشاعر اإلسالمية في الداخل أجبر الدولة التركية في السبعينيات -كما
يقول البعض -على أن تكون أكثر حساس����ية تج����اه العالم العربي الذي كانت
س����ابقا تس����تخف به وتزدريه؛ وكان من مظاهر هذا التحول الس����ماح لمنظمة
التحرير الفلس����طينية بافتتاح بعثة دبلوماس����ية كاملة في أنقرة عام ،1979وفي
خطوة لم يس����بق لها مثي����ل أقال البرلمان وزير الخارجية من منصبه بس����بب
المباالته بالمصالح اإلس��ل�امية في القدس؛ األمر الذي أضر بالعالقات التركية
اإلسرائيلية؛ التي ما برحت أن تدهورت عقب االنقالب العسكري بتركيا في 12
سبتمبر ،1980حيث استدعت أنقرة سفيرها في إسرائيل وطلبت من إسرائيل
أن تفعل الش����يء نفسه؛ ولم تعد العالقات إلى مستوى تبادل السفراء إال في
ديس����مبر .1991وفي ذات التوقيت ( )1980كان قد جرى رفع مستوى تمثيل بعثة
منظمة التحرير الفلس����طينية بأنقرة إلى مس����توى س����فارة رداً على االنتقادات
الحادة التي وجهها الغرب إلى تركيا المتناعها عن التصويت على قرار الجمعية
العامة لألمم المتحدة بإلغاء قرار مساواة الصهيونية بالعنصرية في عام .)28(1976
5.5س����عي تركيا خالل عقد الس����بعينيات أيضاً -وتحت وط����أة اعتبارات برجماتية
تتعلق بأزمة النفط وقتذاك -إلى تعزيز التقارب مع جيرانها العرب والمس����لمين
بمنطقة الش����رق األوس����ط؛ حيث لجأت الحكومة التركية إلى مواجهة أس����عار
النف����ط المرتفعة من خالل زيادة صادراتها من البضائع والخدمات إلى المنطقة
العربي����ة وإيران ،بحيث ارتفعت قيمة هذه الص����ادرات من 2مليار دوالر في عام
1975إلى 4.9مليوناً في عام .)29( 1980
وهكذا يمكن القول ،ارتباطاً بما تقدم،إن عقد الس����بعينيات ش����هد تحو ًال إيجابياً
واضحاً في السياسة الخارجية التركية تجاه الدائرة العربية اإلسالمية الشرق أوسطية؛
وه����و التحول ال����ذي ارتبط بمزيج من االعتب����ارات البرجماتي����ة والعقائدية على النحو
المتقدم .غير أن س����نوات الثمانينيات سرعان ما جاءت بتراجع بائن في هذا المضمار
أعاد العالقات بين تركيا وجاراتها العربيات إلى األجواء الجليدية التقليدية .وقد دفع إلى
هذا التراجع ثالثة عوامل يمكن إيجازها فيما يلي:
13
•قناعة األتراك بأن العرب تخاذلوا عن دعمهم دبلوماسياً في العديد من المواقف
الدولي����ة( )30الت����ي كانت تتطلب مثل ه����ذا الدعم؛ فعلى س����بيل المثال لم تعر
الدول العربية اهتماماً لس����عي تركيا إلى تكريس ما تراه حق القبارصة األتراك
في تقرير مصيرهم ،ووقف العالم العربي موقفاً س����لبياً إزاء المطالبات التركية
الملحة في هذا الصدد س����واء في أروقة األمم المتحدة أو حتى منظمة المؤتمر
اإلسالمي ،واألدهى من ذلك -حسب وجهة النظر التركية -أن العديد من الدول
العربية ارتبطت بعالقات ودية مع القبارصة اليونانيين (أعداء األتراك اللدودين)؛
واعترف����ت بالحكومة القبرصية اليونانية بوصفها اإلدارة الش����رعية الوحيدة في
الجزيرة .على صعيد آخر امتعضت تركيا بش����دة إزاء المواقف المتخاذلة لبعض
الدول العربية حينما تقدم األتراك بمسودة قرار أمام منظمة المؤتمر اإلسالمي
يهدف إلى التنديد بس����لوك بلغاريا العدواني تجاه األقلية التركية خالل عامي
1986و1987؛ حين ش����رع الزعيم البلغاري زيفكوف إذاك في حملة دمج قسري
لعناص����ر تل����ك األقلية ،عل����ى نحو أدى إلى ف����رار ما يزيد ع����ن الثالثمائة ألف
منه����م إلى تركيا .وكان الموقف صادماً لألت����راك حين امتنعت كل من الجزائر
وسوريا ومنظمة التحرير الفلسطينية عن دعم المشروع التركي إرضا ًء لبلغاريا
وسيدها السوفيتي.
وجملة القول في شأن هذه المرحلة ،والتي تمتد من عام 1923إلى عام 1989تقريباً،
أن السياسة الخارجية لم تكن خاللها -كما هو شائع -سلبية تماماً إزاء الدائرة العربية
14
اإلسالمية؛ إذ على حين اتس����مت خالل عقود العشرينيات والثالثينيات واألربعينيات
بتجاه����ل تلك الدائرة ،اتخذت مواقف اعتبرت على الصعيد العربي اإلس��ل�امي معادية
وممالئة للغرب خالل عقد الخمس����ينيات وحتى منتصف الس����تينيات تقريباً؛ غير أنها
تميزت خالل الس����نوات الالحقة وحتى نهاية الس����بعينيات تقريباً بتوجهات على قدر
بائن من اإليجابية إزاء القضايا العربية اإلس��ل�امية ،ثم ع����ادت خالل عقد الثمانينيات
إلى ذات نهجها الذي سارت عليه خالل حقبة الخمسينيات والسنوات األولى من عقد
الستينيات .ويالحظ كذلك أن الحقبة األولى الممتدة منذ تأسيس الجمهورية التركية
وحت����ى نهاية عقد األربعينيات كانت توجهات السياس����ة الخارجي����ة عموماً تميل إلى
االنزواء وعدم االنغماس في الش����ئون الدولية بصف����ة عامة ،ولم يكن التجاهل التركي
وقتذاك قاصراً على الدائرة العربية اإلسالمية .كذلك فإنه يجدر التنويه إلى أن األجواء
الس����لبية التي خيمت على أجواء العالقات التركية العربية لسنوات طويلة خالل تلك
الحقبة لم يكن مردها دائماً إلى مواقف تركية ،وإنما أسهمت المواقف السلبية لبعض
ال����دول العربية أحياناً بنصيب وافر في تكري����س تلك األجواء .أيضاً يتعين التأكيد على
أن السياس����ة التركية خ��ل�ال تلك الحقبة لم تكن مخاصمة تمام����اً لهوية تركيا كدولة
إس��ل�امية ،إذ على الرغم من التزامها الص����ارم بالمبادئ الكمالية إال أنها اتخذت مواقف
عديدة ال يمكن تفس����يرها إال بردها إلى الهوية اإلسالمية التركية التقليدية ،على نحو
ما عرضنا سلفاً.
يض����اف إلى كل ما تقدم أن مالحظة تاريخ السياس����ة الخارجية خالل تلك الحقبة
الطويلة تش����ير إلى أن الفترات التي شهدت قطيعة تركيا لمحيطها العربي اإلسالمي
ه����ي ذاته����ا فترات توافقها الكامل مع الغرب وعلى رأس����ه الوالي����ات المتحدة ،والعكس
صحي����ح .فخالل حقبة الجف����اء التركية العربية األولى الممتدة من����ذ نهاية األربعينيات
(تاريخ اعتراف األتراك بإس����رائيل) وحتى منتصف عقد الستينيات كانت عالقات تركيا
م����ع الغ����رب على خير ما يرام؛ باعتبارها طرفاً فاع ً
ال ف����ي أحالفه الرامية إلى حصر المد
الش����يوعي وعلى رأسها حلف ش����مال األطلنطي .في حين أن التحسن الذي شهدته
أج����واء العالقات التركية العربية منذ منتصف الس����تينيات وحتى نهاية الس����بعينيات
تواك����ب مع تدهور في العالق����ات التركية األمريكية ،وهو التده����ور الذي كان مرده إلى
امتع����اض األتراك من الموقف األمريكي غير الداعم لهم خالل األزمة القبرصية األولى
عام .)31( 1964
15
ث����م إن عودة أج����واء الجفاء لتخي����م على العالق����ات التركية العربي����ة خالل عقد
الثمانينيات تواكبت أيضاً مع التحسن الكبير لعالقات تركيا مع الغرب والسيما الواليات
المتحدة؛ على إثر اس����ترضاء األمريكيين لألتراك بغية إعادتهم إلى حظيرة الغرب في
أعقاب ذلك الحدث المدوي المس����تجد على الصعيد الش����رق أوس����طي في بداية عام
1979والمتمثل في الثورة اإلسالمية اإليرانية؛ التي حولت إيران من شرطي أمريكا في
الخليج إلى واحدة من ألد الدول المعادية ،وبالتالي كانت الحاجة األمريكية لتركيا ملحة
كدولة أطلنطية شرق أوسطية لمواجهة واحتواء ذلك العدو المستجد(. )32
16
المبحث الثاني
السياسة الخارجية التركية ومرحلة العثمانية الجديدة
وقد سعى أوزال -على حد قول البعض -إلى اإلفادة من الظروف الدولية المستجدة
والمواتي����ة المصاحبة لتقلص ح����دة الصراع الدولي في إضف����اء توجهه االنفتاحي على
مسار السياسة الخارجية التركية (.)34
وذلكم هو التوجه الذي كان الزعيم التركي قد عبر عنه في مناسبات عديدة بقوله:
«أنا مقتنع بأن على تركيا أن تدع سياساتها السلبية والمترددة السابقة ،وأن تدخل في
سياسة خارجية نشطة» (.)35
وارتباط����اً بهذا التوجه الجديد دخلت منطقة الش����رق األوس����ط -من����ذ بداية عقد
التس����عينيات -في مجال اهتمام الساس����ة والعس����كريين األت����راك مدفوعين في ذلك
باعتبارات أمنية(.)36
17
غير أنه مما تتعين اإلشارة إليه أن أوزال القى صعوبات عديدة في بادئ األمر؛ لكي
يدشن سياسته الجديدة ،حيث عارضت الجمعية الوطنية منحه سلطات واسعة حينما
طلب قيام تركيا بدور رئيس����ي في التحالف الذي قادت����ه الواليات المتحدة ضد العراق
خالل حرب الخليج الثانية عام ،1991إال أن الرئيس التركي -برغم ذلك -قام بإغالق خط
األنابيب الذي ينقل النفط العراقي عبر األراضي التركية ،كما س����مح لطائرات التحالف
بشن غارات انطالقا من قواعد عسكرية داخل تركيا ،وحشد قواته على امتداد الحدود
التركية مع العراق ( ،)37وهي اإلجراءات التي لقيت معارضة ش����ديدة من قبل بعض أفراد
النخب����ة الكمالية التقليدية .فعلى س����بيل المثال كتب الجن����رال تورمتاي قائد األركان
العامة للقوات المسلحة قائال« :فليكن معلوما أن األمة التركية وقادتها لم ينسوا كيفية
انجرارن����ا للدخول في الحرب العالمية األولى ومآس����يها ،وفي ذلك مثال تاريخي واضح
لمغامرة نبعت أساس����ا من قرارات فردية وطموحات طائش����ة» ،ووصف تورمتاي القرار
الت����ي اتخذه أوزال بأنه مقامرة ومغامرة تهدد بجر بالدنا إلى الس����قوط في المس����تنقع
الشرق األوسطي ،مؤكداً أن التورط في نزاعات خارجية يهدد مصالح تركيا (.)38
إذن فقد كان المبدأ االنعزالي الكمالي ال يزال -برغم مرور عقود عديدة على رحيل
مؤسس����ه -يجد له أنصاراً عديدين يتش����بثون به بين كبار صانع����ي القرار التركي مع
بداية سني التسعينيات ،وعلى الرغم من ذلك خاضت تركيا في ما يصر عتاة الكمالية
على تسميته بالمستنقع الشرق أوسطي.
ومهما يكن األمر فإنه يمكن القول بأن عقد التسعينيات كان يمثل بالنسبة إلى
السياس����ة الخارجية التركية عقد إس����رائيل ،ذلك بأن هذا العقد شهد تقارباً دبلوماسياً
و تعاوناً عس����كرياً غير مسبوقين بين تركيا والدولة العبرية ،في ذات الوقت الذي حفل
بالتصعيد الدبلوماسي والعسكري التركي تجاه سوريا ،و تواكب مع تصاعد أجواء التوتر
السياسي واأليديولوجي مع إيران .وبدت تركيا خالل ذلك العقد على حد قول البعض؛
وكأنها على اس����تعداد الس����تخدام القوة المس����لحة كأداة من أدوات سياستها الخارجية
دفاعاً عن مصلحتها القومية (.)39
إنه -إذاً -عقد التقارب التركي اإلسرائيلي؛ كما هو عقد الجفاء مع سوريا ،وتلكم هي
الحقيقة التي تبدو جلية في ثنايا التحليل التالي للعالقات بين تركيا وتينك الدولتين
خالل عقد التسعينيات:
18
أو ً
ال :العالقات التركية السورية خالل عقد التسعينيات:
لقد خيمت أجواء العداء -كما سبق أن أشرنا -في أفق العالقات التركية السورية
طيلة أغلب س����نوات التس����عينيات ،وتمحور الصراع بين الدولتي����ن حول ثالث قضايا
أساسية تدور حول اتهام تركيا للس����وريين بدعم حزب العمال الكردستاني ،وخالفات
الدولتين حول اقتسام مياه نهر الفرات ،إلى جانب مشكلة لواء اإلسكندرونة التي طالما
ال منغصاً ألجواء العالقات بين الدولتين منذ س����نوات العشرينيات .فعلى
ش����كلت عام ً
صعيد المس����ألة الكردي����ة -بادئ ذي بدء -كان حزب العمال الكردس����تاني قد طفا على
س����طح األحداث مع بداية عقد الثمانينيات؛ وفي أعقاب أربعة عقود من الهدوء النسبي
ش����هدتها الس����احة الكردية التركية ،ويمثل الحزب تنظيماً عرقياً انفصالياً تأسس على
يد الزعيم الكردي عبد اهلل أوجالن في نهاية السبعينيات ،غير أنه بلغ أوج قوته بحلول
الس����نوات األولى لعق����د الثمانينيات بعد فرار أوجالن إلى لبنان حيث ش����رع -وبدعم
سوري هائل -في تأسيس ميلشيات كردية مسلحة راحت تتسلل بمساعدة السوريين
إلى كردستان التركية وتبادر بشن حرب عصابات شعواء في مواجهة األتراك (.)40
وقد تكبدت تركيا خسائر فادحة في األرواح والممتلكات من جراء تلك الحرب التي
ش����هدت اآلالف من عمليات العنف نفذها حزب أوجالن خالل س����نوات التسعينيات،
وه����ي العملي����ات التي لم تقتصر مراميها عل����ى الداخل التركي وإنما امتدت لتش����مل
المباني والمنش����آت التركي����ة الموجودة بالخارج ،حيث قام أتباع الحزب -على س����بيل
المثال -في يونيو 1993بجملة هجمات مس����لحة اس����تهدفت الس����فارات والقنصليات
والمصارف التركية في أكثر من ثالثين مدينة داخل كل من ألمانيا وفرنس����ا وسويسرا
والدانمارك والسويد ( .)41وارتباطا بما تقدم اعتُبر أوجالن بحق عدو تركيا واألتراك األول
وأصبح القضاء عليه واستئصال شأفة حزبه هدفاً محورياً ملحاً لدى الساسة األتراك ،كما
كان من الطبيعي أن تش����كل المشكلة الكردية الشاغل األكبر لصانع السياسة التركي
منذ نشأة الجمهورية في البالد.
على أية حال ففي ظل التصاعد الكبير لهجمات حزب العمال الكردس����تاني على
المقدرات التركية خالل سنوات التسعينيات راح األتراك يلقون بالالئمة على جيرانهم
السوريين؛ وذلك على اعتبار أن سوريا هي الداعم الكبير لعبد اهلل أوجالن وحزبه ،كما
أنها كانت وقتذاك تس����تضيفه على أراضيها .فلقد جرى السوريون على استخدام ورقة
19
المشكلة الكردية كأداة للضغط على تركيا عسى أن يقدم األتراك لهم بعض التنازالت
فيم����ا يتصل بخالفات الدولتين حول اقتس����ام مياه نهر الفرات ،وه����ي الخالفات التي
نجمت عن شروع تركيا في بناء العديد من السدود على ذلك النهر في إطار المشروع
الضخم المعروف بمش����روع منطقة جنوب األناضول(جواب) والذي خصصت له ميزانية
ضخمة بلغت 30مليار دوالر( ،)42ولم يكترث األتراك بما جره المش����روع على س����وريا من
مش����كالت جمة؛ وأكدوا دوماً س����يادتهم على المياه وحقهم المطلق فيها .وعلى سبيل
المثال صرح س����ليمان ديميريل رئيس الوزراء األسبق قائال في هذا الصدد « :ال يمكن
ألي من س����وريا أو العراق أن تدعي حقاً في األنهار التركية أكثر مما تس����تطيع أنقره أن
تدعي حقا في نفطهما .إنها مس����ألة س����يادة ،نحن نملك الحق في أن نفعل ما نش����اء.
مناب����ع الماء تركية ،ومنابع النفط عائدة إليهما .نحن ال نزعم أن لنا حصة في ثرواتهما
النفطية؛ وهما ال تستطيعان المطالبة بحصة من الموارد المائية»(.)43
وعلى صعيد ثالث كانت هناك -كما أس����لفنا اإلش����ارة -القضية األخرى التي طالما
كرس����ت التوتر في أجواء العالقات بين الدولتين؛ والمتعلقة بلواء اإلس����كندرونة الواقع
حالي����اً ضم����ن األراضي التركي����ة ويطلق عليه األت����راك إقليم هاتاي ،ف����ي حين يعتبره
الس����وريون تاريخياً جزءاً ال يتجزأ من األراضي السورية وحقا أصيال لبالدهم .وارتباطا
ب����كل ما تقدم فقد ش����هدت األع����وام ( )1998 ،1997 ،1996بصفة خاصة تده����وراً حاداَ في
العالقات التركية الس����ورية ،ولم يتردد الساس����ة األتراك في تهديد سوريا بالحرب في
أكثر من مناس����بة ( ،)44فعلى س����بيل المثال راح رئيس الوزراء مسعود يلماظ في خطاب
له ألقاه في اإلس����كندرونة (هاتاي) في أبريل 1997؛ يتوعد الس����وريين قائال« :إن بعض
جيراننا يوفرون المأوى ألولئك الذين يس����عون لتدمير وحدة بالدنا ...فإما أن يضع ذلك
ال على تلك العداوة... الجار حداً لهذا الوضع؛ وإما أنه سيعاقب بكل تأكيد إن عاج ً
ال أو آج ً
نحن األتراك ش����عب صبور ولكن عندما ينفد صبرنا س����يكون رد فعلنا عنيفاً»( .)45وفي
ذات الش����هر ألقى األتراك بمزيد من ضغوطهم على السوريين متهمين إياهم بتدبير
عمليات تخريبية في هاتاي وبحشد الجيوش على طول الحدود مع تركيا ،وواكب ذلك
اإلعالن بأن تركيا ستش����ارك في تدريبات عسكرية مش����تركة مع القوات اإلسرائيلية
واألمريكية في شرقي البحر المتوسط خالل شهر نوفمبر .)46(1997وبلغ التدهور ذروته
في عام 1998حين وقفت الدولتان على ش����فا الصراع المس����لح الدامي ؛إذ هدد األتراك
باجتياح س����وريا إن لم يقم الس����وريون بتسليم أوجالن ،وتحت وطأة الضغوط التركية
20
الهائلة اضطرت سوريا إلى إخراج الزعيم الكردي من أراضيها ،حيث تمكنت المخابرات
التركية -في وقت الحق و بمس����اعدات اس����تخباراتية أمريكية إسرائيلية -من القبض
علي����ه في فبراي����ر 1999بكينيا التي كانت محطته األخيرة ف����ي رحلة تنقل خاللها بين
العديد من الدول على إثر مغادرته سوريا (.)47
وعل����ى العكس مم����ا تقدم كانت أج����واء العالقات التركية اإلس����رائيلية خالل عقد
التس����عينيات أقرب م����ا تكون إلى التحالف ،وذلك على النحو الذي س����نعرض له فيما
يلي:
شهدت سنوات التسعينيات -كما أسلفنا اإلشارة -تقارباً غير مسبوق في العالقات
التركية اإلس����رائيلية ،وقد تجس����د هذا التقارب بوضوح من خ��ل�ال جملة من الزيارات
المتبادل����ة المكثفة قامت بها قيادات كلتي الدولتين للدولة األخرى؛ وعلى نحو أس����فر
عن توطيد عالقاتهما في مختلف المجاالت السياس����ية ،والعس����كرية ،واالقتصادية،بل
والس����ياحية .إنه التقارب الذي تم تدشينه في عام 1992حينما رفعت الدولتان التمثيل
الدبلوماسي بينهما إلى مستوى السفراء( ،)48والذي كان منطقياً ومبرراً من قبل الداعين
إليه في ظل ما لمس����وه من س����عي عربي للتصالح مع إس����رائيل خالل مؤتمر مدريد
المنعق����د في أكتوبر .1991لقد تص����دت الخارجية التركية للمعارض����ة الداخلية الرافضة
للتطبي����ع مع إس����رائيل ببيان����ات مفادها أنه ال داع����ي ألن نكون عرب����اً أكثر من العرب
أنفس����هم؛ فما دامت الدول العربية بما فيها منظمة التحرير الفلسطينية تسعى إلقامة
عالقات مع إسرائيل فلم ال تنحو تركيا منحاهم؟(.)49
على أية حال فقد سارت العالقات التركية اإلسرائيلية قدماً نحو التطبيع والتقارب،
حيث قام وزير الخارجية التركي حكمت تش����تين بزيارة إس����رائيل في 14نوفمبر ،1993
وكان وقتها أرفع مس����ئول تركي زار تل أبيب منذ نش����أة الدول����ة العبرية في عام ،1948
واعتبرت الزيارة استمراراً للعهد الجديد في العالقات التركية اإلسرائيلية؛ حيث وقعت
خاللها عدة اتفاقيات في مجال التعاون االقتصادي والس����ياحي والتبادل الثقافي .وصرح
تشتين لدى عودته إلى أنقرة قائالً« :سوف يحدث مزيد من التطوير للعالقات التركية
اإلسرائيلية في كافة الميادين.لقد اتفقنا على ضرورة التعاون بين تركيا وإسرائيل إلعادة
هيكلة الش����رق األوس����ط»( .)50واس����تمراراً لذات النهج التقاربي قام الرئيس اإلسرائيلي
21
عيزرا وايزمان ،في 24يناير ،1994بزيارة ألنقرة؛ حيث أعلن من هناك دعم بالده لألتراك
فيما يتصل بالمش����كلة الكردية قائال« :ليس في اس����تطاعة المنطقة أن تتحمل دولة
فلس����طينية ..فه����ل نزيد عل����ى ذلك دولة كردي����ة؟!» ( .)51وفي 13نوفمبر م����ن ذات العام
قامت رئيس����ة الوزراء التركية تانسو تشلر بزيارة إس����رائيل؛ وكان من الالفت في هذا
الخصوص أنها كانت رئيس الوزراء الوحيد في العالم (باس����تثناء رؤساء وزراء إسرائيل
بطبيعة الحال) الذي أطلق على األراضي الفلسطينية (األرض الموعودة)(.)52
وعل����ى ذات الصعي����د ش����هد ع����ام 1996ذروة التقدم ف����ي مضمار التق����ارب التركي
اإلس����رائيلي ففي 11مارس من ذلك العام وصل س����ليمان ديميريل إلى القدس في أول
زيارة من نوعها يقوم بها رئيس تركي إلى إس����رائيل( ،)53حيث تم التوقيع على اتفاقية
للتج����ارة الحرة بهدف مضاعفة حجم التجارة بي����ن الدولتين أربعة أضعاف؛ حيث كان
ق����د زاد زي����ادة كبيرة ليبلغ 500ملي����ون دوالر في عام 1996وبتوقي����ع االتفاقية صار الهدف
المنش����ود أن يبلغ ملياري دوالر في عام .1999كما تضمنت االتفاقية مش����روعات أخرى
مشتركة بين الدولتين؛ تشمل األقمار التجارية وتقل البضائع وتوليد الكهرباء والتصنيع
المشترك لألسلحة .كذلك فقد استهدفت رفعاً تدريجياً للحواجز والتعريفات الجمركية
عن معظم السلع .وعلى صعيد السياحة بلغ عدد السياح اإلسرائيليين إلى تركيا 300ألفا
في عام 1996وتوقع المراقبون أن يصل الرقم إلى 350ألفا في عام ،)54(1999كما قام رئيس
األركان التركي الجنرال تش����يفيك بير ،في ذات الش����هر ،بتوقيع اتفاقية في إس����رائيل
للتع����اون بين القوات الجوية والبحرية للدولتين ( .)55كذلك فقد عاود وايزمان زيارة أنقرة
ف����ي يونيو ،1996وفي حديث له أمام مؤتمر األمم المتحدة لش����ئون اإلس����كان والبيئة
قال«:إن العالقات الدافئة التي تعززت بين زعماء إسرائيل وتركيا تشكل انعكاساً دقيقاً
للعالقات بين ش����عبينا وبلدينا ،لقد تحس����نت العالقات بيننا خالل السنوات األخيرة
بسرعة،فالزعامة السياس����ية في البلدين تلتقي في أوقات متقاربة وتحافظ على حوار
دائم» (.)56
واس����تمراراً لنفس السياس����ة قام رئيس األركان التركي إس����ماعيل حقي ،في 24
مارس 1997بزيارة إلسرائيل ،وفي 12أكتوبر من ذات العام رد نظيره اإلسرائيلي أمنون
ش����حاك الزي����ارة حيث بحث مع الجانب التركي بأنقرة س����بل التعاون المش����ترك في
مجال اإلنتاج المشترك للصواريخ أرض أرض وإنشاء نظام اتصاالت متطور عبر األقمار
22
الصناعية لتبادل المعلومات العس����كرية واالس����تخباراتية واألمنية ،والبحث في تطوير
صفقة ضخمة تشتري بمقتضاها تركيا دبابات إسرائيلية (.)57
ومهما يكن األمر فإن التقارب الكبير في العالقات التركية اإلسرائيلية خالل عقد
التس����عينيات كان يرتد إلى اعتبارات برجماتية بحتة ،كما أن هذا التقارب ذاته استتبع
-حين ش����رع فيه األتراك -تجاهل اعتبارات الهوية ،الس����يما وأنه تواكب مع تدهور حاد
في العالقات التركية الس����ورية .فالمؤسسة األتاتوركية الحاكمة التي اعتمدت سياسة
التطبيع مع إسرائيل ومن ثم التحالف اإلستراتيجي معها كانت -على حد قول البعض-
()58
تأمل من وراء ذلك في أن يتحقق لها ما يلي:
1 .1الحصول على باب خلفي موصل إلى واش����نطن من خالل المساعي الحميدة
إلسرائيل في مواجهة اللوبيين اليوناني واألرمني في الكونجرس األمريكي.
2 .2تأكي����د التوج����ه الغربي لتركي����ا في أعقاب رف����ض االتحاد األورب����ي لمحاولتها
الحصول على عضويته ،وبالتالي أراد األتراك أن يدعموا أوراق اعتماد بالدهم و
مؤهالتها العلمانية كدولة أوربية.
وعلى الرغم من كل ما تقدم فإن المتتبع للسياسة التركية خالل حقبة التسعينيات
يدرك بجالء أن س����نوات تلك الحقبة لم تخل في أحايين عديدة من نزوع تركي إلى
إعادة االعتبار لهوية البالد التقليدية ،وبالتالي السعي إلى مد جسور التقارب مع الدائرة
العربية اإلس��ل�امية .ففي هذا السياق ليس بمقدور أي محلل تجاهل مواقف القيادات
التركية ذات التوجه اإلس��ل�امي حال نجم الدين أربكان زعيم حزب الرفاه ،والذي كان
قد عال نجمه في أفق السياسة التركية في منتصف تسعينيات القرن الماضي قبل أن
يخبو سريعا تحت وطأة الضغوط الهائلة التي تعرض لها من قبل المؤسسة العسكرية
الت����ي يهيمن عليها غ��ل�اة العلمانيين األتاتوركيين المناوئين ألي توجه إس��ل�امي (.)59
23
فلق����د كان توجه أربكان إس��ل�امياً صرفاً عبر عنه بوضوح حت����ى أثناء حملته االنتخابية
في عام ،1996حين قال«:إن الصهاينة يسعون إلى استيعاب تركيا واجتثاثنا من جذورنا
التاريخية اإلس��ل�امية عن طري����ق دمجنا بالجماعة األوربية» .كذل����ك فقد عمد أربكان
-وفي مناسبات عديدة -إلى تصوير إسرائيل على أنها مركز عالمي لألنشطة المعادية
لإلسالم .وفي أعقاب هجوم إسرائيل على لبنان في أبريل 1996وزع أتباع حزب الرفاه
أش����رطة فيديو تصور الدم����ار الذي خلفه القصف في قانا )60(.يش����ار كذلك إلى مضمون
الالفت����ات التي كانت ترفع من قبل مؤيدي أربكان في أوس����اط حزب الرفاه والحركات
اإلسالمية الشعبية من شاكلة( :وس����ائل اإلعالم التركية خادمة إسرائيل) و(هذه تركيا
وليست إسرائيل) و(تركيا لن تصبح إسرائيل) ،ناهيك عن اعتياد حرق العلم اإلسرائيلي
()61
خالل هذه التظاهرات.
وفي المقابل حاول أربكان إعطاء نوع من األولوية للعالقات مع العالم اإلس��ل�امي
وهو أمر تجلى بوضوح في آلية (مجموعة الدول الثماني) األربكانية والتي اس����تهدفت
إقامة عالقات وثيقة بين تركيا وس����بع دول إس��ل�امية أخرى كبي����رة وهي إيران ومصر
وباكستان وبنجالديش وإندونسيا وماليزيا ونيجيريا (.)62
وفي ذات السياق أصيبت النخبة الكمالية بشيء من القلق جراء تحسن العالقات
التركية اإليرانية خالل والية أربكان ،وهو التحس����ن الذي جرى تتويجه بزيارة صاحبها
ضجيج إعالمي صاخب لرئيس الجمهورية اإليراني على أكبر هاش����مي رفس����نجاني
إلى تركيا في ديسمبر .)63( 1996
ويش����ار كذل����ك في هذا الص����دد إلى إجبار الس����فير اإليراني -تح����ت وطأة ضغوط
هائل����ة للعلمانيين األتراك -على مغ����ادرة البالد في فبراير 1997بعد قيامه بإلقاء خطاب
جماهيري ،في احتفالية عرفت باس����م «ليلة القدس» أقيمت بضاحية سنجان القريبة
من أنق����رة؛ امتدح فيه على المأل جملة المواقف األصولي����ة المناوئة للعلمانية ( ،)64وهي
المناسبة التي كان قد دعا إليها وشارك فيها رئيس بلدية سنجان المنتمي إلى حزب
الرفاه؛ والتي سارع الجيش التركي في اليوم التالي لها إلى إرسال الدبابات عبر شوارع
سنجان و اعتقال رئيس البلدية.
24
وقد اعتبرت سياس����ات الرفاه عموما منافية للمب����ادئ الكمالية ومهددة للعلمانية،
ولم يمض وقت طويل حتى تحركت جحافل الكماليين يتقدمهم كبار رجاالت الجيش
تحذر من مخاطر األصولية اإلسالمية؛ وتدعو إلى وضع حد للحكومة االئتالفية؛ وحظر
حزب الرفاة الذي اعتبر بؤرة للنشاط المعادي للعلمانية ،لكي تبدأ بذلك مرحلة جديدة
من مراحل الصراع الحاد مع اإلس��ل�اميين والحصار الشديد عليهم من قبل العلمانيين
والس����يما العس����كريين .ففي أبريل 1997أعلنت القوات المسلحة عن صياغتها لمفهوم
لإلس����تراتيجية العسكرية القومية يصف الحركات اإلسالمية صراحة بأنها العدو رقم 1
للدولة التركية جنباً إلى جنب مع االنفصاليين األكراد ،وبلغ التصعيد ذروته حينما قامت
القوات المس����لحة باتخاذ خطوة لم يس����بق لها مثيل حيث كلفت النائب العام للدولة
ب����أن يطلب إلى المحكمة الدس����تورية حظ����ر حزب الرفاه ،ثم أعلنت ف����ي يونيو 1997
عن اس����تعدادها الستخدام القوة ضد مظاهرات اإلسالميين المناهضة إلغالق مدارس
القرآن الكريم ،وفي 18يونيو وتحت وطأة الضغط الهائل للعسكريين اضطر أربكان إلى
االستقالة من رئاسة الحكومة فيما عرف باالنقالب الهادئ ،وتم تشكيل حكومة جديدة
بزعام����ة العلماني العتيق مس����عود يلماظ وحزبه الوطن األم الذي اس����تمر في مطاردة
اإلسالميين بل والمتعاطفين معهم حتى في صفوف الجيش ( .)65ولم يمض على ذلك
وقت طويل حتى وجه العلمانيون ضربتهم القاضية إلى حزب الرفاه ،ففي 16يناير 1998
قضت المحكمة الدستورية بحل الحزب بدعوى انتهاكه للدستور العلماني لكي ينتهي
األم����ر بحل الحزب ومالحق����ة العديد من قياداته قضائيا بتهم����ة انتهاك القوانين التي
تؤكد الطابع العلماني للدولة ،ليس����دل الس����تار بذلك على أربعة عشر عاماً من النفوذ
المتنامي لذلك الحزب ذي المرجعية اإلسالمية في الساحة السياسية التركية (.)66
ومهما يكن األمر فإن إقصاء حزب الرفاه لم يكن الحلقة األخيرة من حلقات الصراع
العلماني اإلس��ل�امي في تركيا؛ ذلك بأن ذلك الحزب لم يكن السهم األخير في جعبة
اإلسالميين األتراك ،إذ س����رعان ما طفت على سطح الحياة السياسية التركية أحزاب
أخ����رى ذات نهج إس��ل�امي .ولعل أقوى هذه األحزاب وأمضاه����ا تأثيراَ كان حزب العدالة
والتنمية الذي تأس����س على يد بعض تالمذة أرب����كان من أمثال رجب طيب أردوجان
وعب����د اهلل جول.وه����و الحزب الذي لم يلبث نجمه أن عال في أفق السياس����ة التركية،
فلم يمض س����وى وقت وجيز على إنشائه إال وكان قد اعتلى دست الحكم في البالد،
ليدخل بالسياسة الخارجية التركية مرحلة جديدة نعرض لها فيما يلي:
25
المبحث الثالث
السياسة التركية في ظل حكم العدالة والتنمية
ب����دأت هذه المرحل����ة بوصول حزب العدال����ة والتنمية إلى س����دة الحكم على إثر
انتخابات عام 2001؛ إذ س����عت الحكومة الجديدة ذات الجذور اإلسالمية إلى إحداث نوع
من المصالحة الش����املة بي����ن تركيا ومحيطها العربي اإلس��ل�امي؛ بحيث راح األتراك
ينغمسون في شئون المنطقة العربية باعتبارها إحدى الدوائر عظيمة األهمية بالنسبة
إليه����م .إنه التوجه الجديد الذي يجد أصوله الفكرية في كتاب (العمق اإلس����تراتيجي)
لألكاديمي التركي أحمد داود أوغلو ،وهو الرجل الذي شغل فيما بعد منصب مستشار
األم����ن القوم����ي ومن ثم وزير الخارجية .فلقد أكد أوغلو ف����ي كتابه الصادر عام 2000على
ضرورة العمل من قبل الساسة األتراك على المواءمة بين الهويتين األوربية واإلسالمية
للبالد ،وانتهاج سياسة متوازنة تجاه كافة القوى العالمية واإلقليمية الفاعلة في المحيط
الجغراف����ي التركي ،مع األخذ ف����ي االعتبار كون تركيا تقع ف����ي محيط جغرافي ثقافي
عظيم األهمية ،وأنها مؤهلة لإلفادة من التواجد في محيطها الغربي (متضمناَ الواليات
المتح����دة) ،مع عدم تجاهل ما يمكن أن تحققه من مصالح هامة في محيطاتها األخرى
المتمثلة بمناطق البلقان ،وآسيا الوسطى ،والشرق األوسط .واعتبر أوغلو أنه من الخطأ
االستمرار في تجاهل المحيط اإلس��ل�امي للبالد والسيما الدائرة الشرق أوسطية (،)67
كما أنه لم يعد مقبو ًال التمادي في النظر إلى منطقة الشرق األوسط باعتبارها منطقة
عربي����ة مليئة باالضطراب����ات التي يتعين النأي عنها .فلق����د آن األوان ألن تنتهج البالد
26
سياس����ة جديدة تجاه الشرق األوس����ط تس����تند على االعتبارات الجيو ثقافية والجيو
اقتصادية ،وتأخذ بعين االعتبار تأثير المنطقة في السياسة العالمية .وحدد أوغلو جملة
عناص����ر ارتأى أن تتأس����س عليها السياس����ة الجديدة المقترحة لب��ل�اده تجاه المحيط
الشرق أوسطي؛ ويمكن إيجاز أظهر هذه العناصر كما وردت بكتاب العمق اإلستراتيجي
()68
فيما يلي:
•تجاوز العوائق الس����يكولوجية التي أثرت سلباً على االنفتاح الدبلوماسي نحو
المنطقة.
•إقام����ة وتطوي����ر مراكز بحثية ومعاه����د أكاديمية ينصب اهتمامه����ا على متابعة
وتقييم التطورات اإلقليمية وتقديم التصورات والس����يناريوهات بصدد التعامل
معها.
•إيج����اد نوع من التوازن بين التزامات تركيا المرتبطة بالتوازنات الدولية ودورها
المبتغى للتعامل مع الواقع السياسي للمنطقة.
•تكثي����ف االتصاالت وإقامة ش����بكة م����ن العالقات التي تدعم ص����ورة تركيا في
المنطقة.
وعلى صعيد الواقع فإن المتغيرات التي طرأت على الس����احة اإلقليمية منذ بداية
األلفية الثالثة -على حد قول البعض -حتمت على األتراك إعادة النظر في سياس����تهم
الخارجي����ة والتخفيف من غلواء توجهها الغربي ،فتحدي����ات االحتالل األمريكي للعراق
وماجلبه من عدم استقرار في الشمال العراقي مثل مصدراً لقلق األتراك؛ شأنه في ذلك
ش����أن البرنامج النووي اإليراني ومايدور حوله من لغط سياسي ،وكذا التواجد الروسي
في منطقة بحر قزوين ،والمنافسة التركية الروسية على النفوذ في دول آسيا الوسطى،
كل ذل����ك في وق����ت لم تكن فيه العالقات م����ع الواليات المتحدة في أحس����ن أحوالها،
27
وكان ه����دف األتراك التاريخي ف����ي االنضمام لالتحاد األوربي يواج����ه عراقيل عديدة،
كما أن مش����كالتهم م����ع جيرانهم اليونانيين في بحر إيجة لما تزل مس����تعصية على
الحل .ولقد اقترنت كل هذه الظروف والتحديات بوجود رغبة أكيدة لدى قيادات العدالة
والتنيمة في مد جس����ور التقارب مع الدول اإلس��ل�امية والس����يما دول منطقة الش����رق
األوس����ط العربية .لقد حتمت كل ه����ذه العوامل -كما يقول البع����ض -على أنقرة اتباع
سياسة خارجية قوامها التوازن واعتماد أفكار من قبيل العمق اإلستراتيجي Strategic
،Depthوتصفير المش����اكل ،Zero Problemsوالدبلوماسية المتناغمة Rhythmic
،Diplomacyوانتهاج سياسة القوة الناعمة.)69( .وعلى حد قول البعض فإن تصور حزب
العدالة والتنمية للعالقات مع س����وريا قوامه أنه بينما س����عينا دوماً إلى عالقات سلسة
مع الواليات المتحدة؛ خلقنا توتراً خطيراً وعالقة عدائية مع س����وريا وهذا خطأ كبير ،إذ
ليس ألحد أن يطلب من تركيا أن تصبح عدواً لس����وريا بالنيابة عن الواليات المتحدة.
إن السياس����ة التركية يتعين أن تدار بش����كل متوازن وبدون أية مبالغات ،فال نخس����ر
الواليات المتحدة وال سوريا بأن نعمد إلى تجنب التصرفات التي تغضب كلتيهما ،إنها
سياسة الال مشاكل أو تصفير المشكالت.)70( .
وفي إطار هذا التوجه الجديد ش����هدت العالقات التركية اإليرانية – بادئ ذي بدء
-تح����و ًال كبيراً بحيث بمكن القول إن تركيا خرجت من أس����ر الموقف التقليدي لدول
النيت����و الذي يعتبر إيران أح����د أبرز أعداء الغرب ،وبصنفها كعض����و بارز ضمن ما يعرف
بمحور الش����ر )71(.غير أن األتراك صار لهم موقفهم االس����تقاللي الذي يعتبر إيران في
النهاية دولة مس����لمة من جهة ودولة جوار ال غن����ى عن تطوير العالقات معها من جهة
أخرى ،وفي هذا الس����ياق على س����بيل المثال وقعت أنقرة وطهران -في عام - 2004اتفاق
تعاون أمنياً يقضي باعتبار حزب العمال الكردس����تاني منظمة إرهابية (.)72وعلى الصعيد
االقتصادي س����عت الدولتان إلى تعزيز عالقتهما الس����يما في مجال الطاقة؛ حيث تأتي
إيران في المرتبة الثانية بعد روسيا في إمداد تركيا بالغاز ،وفي إطار تعزيز العالقات في
هذا المجال وقعت الدولتان في فبراير 2007اتفاقيتين تتعلق األولى بالس����ماح لش����ركة
بتروليوم كوربوريش����ن التركي����ة بالتنقيب عن النفط والغاز الطبيع����ي في إيران ،فيما
تس����مح الثاني����ة بنقل الغاز من تركمانس����تان إلى تركيا عبر أنابي����ب نفط تمر بإيران،
كما ش����هدت س����نوات منتصف العقد األول من األلفية الثالثة ومنذ تولي حزب العدالة
والتنمي����ة مقاليد الحكم في تركيا نمواً كبيراً في حجم التبادل التجاري بين الدولتين،
28
وعلى سبيل المثال فقد بلغت قيمة التبادل التجاري بين البلدين في عام 2006زهاء 6.7
مليار دوالر ،أي بزيادة نسبتها % 52.5عن سنة ،2005كما كانت هذه القيمة تعادل خمسة
أضعاف نظيرتها المس����جلة في عام .2002وفي ذات الس����ياق التقاربي أعلن وزير التجارة
الخارجي����ة الترك����ي في صيف عام 2007أن ب��ل�اده بصدد توقيع اتفاقي����ة تفاضل تجاري
يت����م بمقتضاها تعزيز التبادل التجاري و خفض التعريفة الجمركية تدريجياً بين تركيا
وثماني عشرة دولة إسالمية من بينها إيران.)73( .
وعل����ى ذات المنوال وفيما يتعلق بالبرنامج الن����ووي اإليراني والجدل الدائر حوله
اتخ����ذت تركيا موقفاً مغاي����راً لموقف الواليات المتحدة وحليفاته����ا األخريات في حلف
النيتو ،إذ جاء هذا الموقف على المس����توى الدبلوماس����ي متناغم����اً مع التوجه الجديد
للسياسة التركية ومسانداً إلى حد كبير للموقف اإليراني؛ حيث أكد األتراك تمسكهم
بالحل السلمي للمسألة معتبرين أن المفاوضات هي السبيل الوحيد المقبول في هذا
الصدد ،كما أعلنوا في مناسبات عديدة مساندتهم الدبلوماسية إليران وحقها المشروع
كأية دولة أخرى في امتالك التقنية النووية واس����تخدامها في المجال الس����لمي ( ،)74كما
ألمح����وا في غير م����رة إلى ازدواجية المعايي����ر التي تنطوي عليها السياس����ة األمريكية
والغربية بصدد البرنامجين النوويين اإليراني واإلس����رائيلي على نحو ما سنعرض له
ال عن ذلك سعى األتراك الحقاً في ثنايا استعراضنا للعالقات التركية اإلسرائيلية .وفض ً
دوم����اً للقيام بدور الوس����يط بين إيران والدول الغربية في إطار ن����زع فتيل التوتر وإزالة
الشكوك والهواجس العالقة بالبرنامج النووي اإليراني؛ حيث يشار في هذا الصدد إلى
أن تركي����ا كانت قد عرضت في عام 2009اس����تضافة عملية تب����ادل لليورانيوم المخصب
بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية على نحو يزيل الش����كوك حول س����عي الدولة
الفارس����ية المتالك س��ل�اح نووي ،ثم كان أن جدد األتراك عرضهم في أبريل 2010أثناء
زيارة قام بها وزير الخارجية داوود أوغلو إلى طهران أعلن خاللها استعداد بالده لمتابعة
جهودها في س����بيل إيجاد حل سلمي للخالف الغربي اإليراني بصدد المسألة النووية،
وق����ال أوغل����و« :إذا كان أصدقاؤنا اإليرانيون لديهم الرغب����ة؛ وإذا اعتقدوا أنه من الحكمة
أن يكون لنا دور فنحن مس����تعدون لذلك .فتركيا -باعتبارها بلداً ثالثاً -مستعدة للعب
دور الوس����يط في عمليات تبادل اليورانيوم وغيرها من القضايا المتعلقة ببرنامج إيران
النووي»(.)75
29
ولم يكد يمضي شهر على هذه الزيارة حتى كانت تركيا قد أنجزت المهمة ،ففي
17ماي����و 2010وفي العاصمة اإليرانية طهران؛ قام كل من الرئيس اإليراني أحمدي نجاد
ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان والرئيس البرازيلي لوال داس����يلفا بالتوقيع
عل����ى اتف����اق يقضي بأن تتم على األراض����ي التركية عملية تبادل للوق����ود النووي بين
إيران ووكالة الطاقة الذرية؛ يلزم اإليرانيين بتقديم كميات من الوقود النووي منخفض
التخصي����ب المتاحة لديهم في مقابل قيام الوكالة بتقديم الوقود النووي الالزم لمفاعل
نووي إيراني مخصص ألغراض طبية .وفي أعقاب توقيع االتفاق أكدت تركيا أن إيران
قد قامت بالمطلوب منها تجاه الجماعة الدولية؛ وأنه لم يعد مقبو ًال الحديث عن توقيع
عقوب����ات جديدة عليها .إذ صرح داوود أوغلو ب����أن «اتفاق التبادل الذي وقعت عليه إيران
اليوم يبرهن بأنها ترغب في س����لوك طريق بناء ،ولذا لم يعد هناك أي مبرر لعقوبات
أو ضغوط جديدة»(.)76
ف����ي حين أك����د رجب طيب أردوغان خالل مؤتمر صحفي عق����د في 20مايو 2010أن
إي����ران قام����ت بالخطوة المطلوبة منها ،وعل����ى المجتمع الدولي أن يق����در ما قامت به،
إن ذل����ك ينبغي أن يكون توطئة لتجريد المنطقة من الس��ل�اح النووي ،وأضاف« :لقد
تحدثت مع أوباما وبوتين وأبلغتهما أن البروتوكول المبرم مع إيران هو نصر دبلوماسي
تم تحقيقه بعد عملية مفاوضات صعبة؛ وال بد هنا من اإلش����ارة إلى الدور الذي لعبته
البرازيل ورئيس����ها في هذه المفاوضات .وبعد إنه����اء هذه العملية الصعبة بنجاح -أردف
أردوغ����ان -فإن على المجتمع الدولي أن يقدم الدعم الالزم للتس����وية الس����لمية ،وهو
المهم بالنس����بة لمنطقتنا التي ال نريد فيها س��ل�احا نووياً أبداً ،وال نقبل أيضا أن تقوم
أي دولة مهما كانت باالس����تثمار في السالح النووي في منطقتنا»( .)77وعلى الرغم من
الجه����ود المضنية التي بذلها أردوغان إلقن����اع األمريكيين بفتح صفحة جديدة مع إيران
وع����دم التمادي في تهديدها وفرض العقوبات عليه����ا؛ فقد أصروا على المضي قدماً في
مش����اريعهم الرامية إلى استصدار قرارات متوالية من مجلس األمن بتشديد العقوبات
على الدولة الفارس����ية .غير أن األتراك أصروا ه����م أيضاً على موقفهم وصوتوا _ومعهم
البرازيل_ ضد قرار مجلس األمن بتش����ديد العقوبات على إيران وفقاً لمشروع تقدمت
ب����ه الواليات المتحدة في يونيو ،2010وهو األمر الذي عكس وجود خالف بين الحليفين
األمريكي والتركي ،وعبر إزاءه وزير الدفاع األمريكي روبرت جيتس عن ش����عوره بخيبة
األمل باعتبار أن تركيا تمثل أحد حلفاء الواليات المتحدة التقليديين.
30
وعلى صعيد العالقات التركية الس����ورية؛ فإنها كانت قد ش����هدت تحس����ناً كبيراً
خالل العقد األول من حكم حزب العدالة والتنمية في تركيا؛ ففي هذا الس����ياق ش����هد
عام 2005أول زيارة لرئيس سوري إلى أنقرة عُدَت وقتها األولى من نوعها منذ استقالل
س����وريا عام .1946وقد دشنت زيارة بشار األس����د هذه عهداً جديداً في عالقات البلدين
على الصعيدين االقتصادي و السياسي؛ حيث تم االتفاق على زيادة حجم االستثمارات
التركية في سوريا من خالل إقرار ما يزيد على ثالثين مشروعاً استثمارياً تركياَ ،كما تم
التوقيع على مشروع تأسيس شركة مشتركة للتنقيب عن النفط ،واتفق الطرفان أيضاً
على دعم العالقات الس����ياحية بين الدولتين؛ الس����يما بعد أن زاد عدد السياح األتراك
الذين قصدوا س����وريا خالل الفترة ()2005 :2000بواقع تس����عة عشر ضعفاً()78؛ وقد أسهم في
زيادة تدفق التجارة والس����ياحية البينية قيام الدولتين بإلغاء نظام تأشيرة دخول األفراد؛
كما تتعين اإلش����ارة إلى أن اإلحصائيات الرسمية كانت قد أكدت وصول حجم التبادل
التجاري بين أنقرة ودمشق إلي مليار دوالر أميركي خالل الشهور الخمسة األولى فقط
من عام ،2010وهو رقم يتجاوز بمراحل حجم هذا التبادل خالل عام 2007بأكمله(.)79
وعل����ى الصعيد السياس����ي بدت السياس����ة الخارجية التركي����ة متناغمة إلى حد
كبير مع نظيرتها الس����ورية؛ حيث كانت تركيا قد أكدت استعدادها للعمل كوسيط في
الصراع بين س����وريا وإسرائيل قبل أن تنهار عالقتها بتلك األخيرة على إثر تورطها في
االعتداء العسكري على أسطول السالم ( ،)80وبان التناغم التركي السوري بجالء خالل
مؤتمر القمة التركية الس����ورية القطرية الذي عقد في اس����طنبول في 9مايو 2010؛ حيث
أظه����ر البي����ان الختامي للمؤتمر تطابق وجهات النظر حول س����ائر قضايا المنطقة وفي
مقدمتها القضية الفلسطينية والبرنامج النووي اإليراني ( .)81فبصدد القضية الفلسطينية
أكد الزعماء الثالثة على ضرورة التوصل إلى س��ل�ام ش����امل ودائم يتأسس على إقامة
دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية؛ إعما ًال للقرارات الدولية ذات الصلة،
كم����ا دعوا إلى إنهاء فوري للحصار اإلس����رائيلي المفروض على غ����زة ،وطالبوا الجماعة
الدولية بعدم الس����كوت إزاء هذا الحصار ،والعمل على تأمين احتياجات س����كان القطاع
في أقرب وقت ممكن.
وفيم����ا يتصل بالبرنامج الن����ووي اإليراني أكدت الدول الثالث على حق كل الدول
في امتالك واس����تخدام الطاقة النووية في المجال الس����لمي؛ كما أعلن الزعماء الثالثة
31
تأييدهم لحل المش����كلة النووية اإليرانية عبر الطرق الدبلوماسية وباركوا جهود تركيا
كوسيط في هذا الصدد.
وإلى جانب ما تقدم أيدت الدول الثالث جهود تركيا كوس����يط في الصراع السوري
اإلس����رائيلي ،وحيث كان األتراك قد نجحوا في عقد عدة جلسات جمعت الطرفين في
هذا السياق.
يش����ار كذل����ك إلى أن مجلس األمن القومي التركي كان ق����د أقر -في 28أكتوبر
-2010تعديالت جديدة على «الوثيقة السياس����ية لألم����ن القومي» للبالد تضمنت إلغاء
اسم سوريا
من قائمة الدول التي تشكل تهديدا قوميا وعسكريا على تركيا(.)82
غير أنه مع قيام الثورة الس����ورية في مارس 2011تأثرت إلى حد كبير وعلى نحو
س����لبي عالقات تركيا مع نظام األس����د الحاكم في س����وريا؛ وجاء ذلك على إثر فش����ل
كاف����ة المح����اوالت المضنية التي قام به����ا األتراك لحث الرئيس الس����وري على إدخال
إصالح����ات ديمقراطية حقيقية ترضي طموحات ش����عبه في هذا الخصوص؛ حيث كان
العديد من الدبلوماسيين األتراك قد قاموا بجملة جوالت دبلوماسية مكوكية بين أنقرة
ودمش����ق بهدف إقناع الرئيس السوري بشار األس����د باالستجابة للمطالبات الشعبية
الداعي����ة إلى التغيير .وفي ظل فش����ل كل هذه الجهود أخ����ذت العالقات بين الدولتين
تتجه ش����يئاً فشيئاً نحو التدهور ،وأعلن األتراك صراحة تأييدهم للثورة السورية ووجه
أردوغان – في مناسبات عديدة – انتقادات حادة للرئيس السوري مطالباً إياه بالتنحي.
فعلى س����بيل المثال وفي خطاب له في 12ديس����مبر 2011ألقاه أمام االجتماع العام لحزب
العدالة والتنمية الحاكم ()83؛ اتّهم أردوغان األس����د بأنه «عديم المصداقية لعدم التزامه
بتطبيق االتفاقية التي أبرمها مع الجامعة العربية بشأن وقف أعمال العنف والقتل ضد
المتظاهرين المدنيين» .وح ّذر أردوغان األسد بشدة مرة أخرى حيث قال« :أذكره نفسه
مرة أخرى ..ال يُصنع أي مجد بالظلم .إضافة إلى ذلك فسيذكر المستقبل هؤالء القادة
الذين يقتلون ش����عوبهم على أنهم قادة يتغذون بدماء هذه الش����عوب .وأنت يا بشّ����ار
تسير على نفس هذه الخطى».
32
يشار كذلك إلى أن تركيا فرضت العديد من العقوبات االقتصادية على نظام األسد
وه����ي العقوب����ات التي وصفها األتراك بالذكية إذ تس����تهدف النظام دون الش����عب؛ وقد
تمثل أبرز هذه العقوبات في تجميد التبادل التجاري بين البلدين ،ووقف التعامل بين
المصرفين المركزيين ،وتعطيل اتفاقية التعاون المش����ترك بين الدولتين؛ وكذا تجميد
(مجلس التعاون االس����تراتيجي عالي المس����توي) ،إلى جانب قيام تركيا بفرض حظر
على كافة أنواع االسلحة والمعدات العسكرية إلى نظام األسد.
وارتباطاً بهذا الموقف التركي المناوئ لنظام األس����د صارت األراضي التركية قبلة
لمختلف الحركات والتنظيمات الثورية المناهضة لنظام األسد؛ وعلى رأس هؤالء قادة
الجيش الس����وري الحر والمجلس الوطني الس����وري؛ كما استضافت األراضي التركية
العدي����د م����ن المؤتمرات واالجتماعات الت����ي عقدتها القوى الثورية الس����ورية بكل من
اسطنبول وأنطاليا؛ في إطار التنسيق وتوحيد الجهود الرامية إلسقاط هذا النظام.
إنن����ا – إذاً -بصدد انغماس تركي حقيقي في ش����ئون منطقة الش����رق األوس����ط؛
وه����و األم����ر الذي كان قد عبر عنه البعض في س����ياق حديثه ع����ن عالقات تركيا بكل
من إيران وس����وريا قائالً ” :إن السياس����ة الخارجية التركية تشهد تحو ًال عن أحد أبرز
مبادئ السياسة األتاتوركية والذي كان قوامه أنه يتعين على تركيا أن تقلص اهتمامها
بمنطقة الشرق األوسط “(.)84
33
وبالتال����ي فقد أحدث القرار ش����رخاً في العالقات األمريكي����ة التركية آنذاك .غير أن هذا
القرار القى قبول الش����ارع التركي بل والشارع العربي الذي كان في مجمله رافضاً بقوة
للغزو األمريكي للعراق.
وتتعي����ن اإلش����ارة إلى أن تركيا حريص����ة على وحدة األراض����ي العراقية خوفاَ من
ظهور دولة كردية في ش����مال العراق؛ وبالتالي تطلعها إلى ضم كردس����تان التركية على
نح����و يهدد س��ل�امة اإلقليم التركي ذاته ،كما تحرص تركي����ا على حماية حقوق األقلية
التركمانية المتمركزة في شمال العراق .كذلك تعمل تركيا على تأمين خطي األنابيب
اللذي����ن يحمالن النفط من حقول ش����مال العراق إلى محطة الض����ح في ميناء جيهان
الترك����ي ( .)86وارتباطاً بم����ا تقدم حرص األتراك دوماً على توطي����د عالقاتهم بجيرانهم
العراقيي����ن ،وعلى الرغم من تدخ����ل الجيش التركي مرات عديدة في ش����مال العراق
لمطاردة عناصر حزب العمال الكردس����تاني المتحصنة بالمناطق الجبلية في كردستان
العراقي����ة؛ إال أن ه����ذا األمر لم تكن له تأثيرات س����لبية تذكر عل����ى عالقات الدولتين
الجارتين ،وبدا وكأن الحكوم����ة العراقية تتفهم ضمنياً دوافع األتراك .وفي إطار التناغم
بين الدولتين يأتي حرصهما على التنسيق األمني الدائم عالي المستوى ،كما دشنت
الدولت����ان عالقات اقتصادية بالغ����ة التميز منذ عام ،2004وحيث تش����ير المصادر إلى أن
حج����م التبادل التجاري بينهم����ا وقتذاك لم يكن يتجاوز الملي����ار دوالر؛ إال أنه أخذ في
التصاعد تدريجياً ليصل حس����ب تأكي����دات الحكومة العراقية إلى 12مليار دوالر في عام
،2011كما يبلغ حجم االستثمارات التركية في العراق نحو 14مليار دوالر(.)87
على أية حال فإن انغماس تركيا في منطقة الش����رق األوس����ط لم يقتصر على ما
تقدم وإنما امتد كذلك ليش����مل عالقتها بمصر؛ إذ كانت عالقات الدولتين قد ش����هدت
تقارب����اً ملحوظاً في ظل حكم ح����زب العدالة والتنمية .ففي ظل ه����ذه األجواء المواتية
تب����ادل زعماء الدولتين الزيارة أكثر من مرة؛ فقام الرئيس المصري الس����ابق حس����ني
مب����ارك بزيارة أنقرة في أع����وام ،2009 ،2007 ،2004في حين كانت القاهرة أول عاصمة عربية
يزورها الرئيس عبد اهلل جول عقب انتخابه رئيساً لتركيا عام 2007؛ ثم عاد إلى زيارتها
مجدداً في فبراير 2009لحضور مؤتمر ش����رم الشيخ حول أحداث غزة؛ حيث كان رئيس
الوزراء رجب طيب أردوغان قد س����بقه بزيارة القاهرة في يناير من العام نفسه للتشاور
م����ع الحكومة المصرية بخصوص ذات الموضوع .ويمك����ن القول إن التعاون االقتصادي
34
كان المح����ور الرئيس����ي لعالقات الدولتين خ��ل�ال تلك المرحلة؛ إذ ت����م توقيع اتفاقية
للتج����ارة الح����رة بين البلدين ت����م تفعيلها في مطلع مارس 2007؛ وكان من ش����أن ذلك
تنامي معدالت التبادل التجاري بين الدولتين ،وزيادة حجم االس����تثمارات التركية في
مص����ر؛ حيث ازداد حجم التبادل التجاري من 1.1ملي����ار دوالر 2007في عام إلى 3.2مليار
دوالر عام ،2010كما بلغت قيمة االستثمارات التركية في مصر 1.1مليار دوالر موزعة علي
200شركة(.)88
وم����ع قيام الث����ورة المصرية في 25يناير 20011س����ارعت تركيا إل����ى إعالن تأييدها
لمطالب الثوار؛ ودعا رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان الرئيس المصري إلى التنحي
واالس����تجابة لرياح التغيير ،ويش����ار في هذا الصدد إلى أن خطاب����ات أردوغان الموجهة
لمب����ارك قد انط����وت على صيغ ذات صبغة دينية تنطلق من تصور العقيدة اإلس��ل�امية
للحياة عموماً بأنها مؤقتة وأن الدنيا لن تدوم ألحد؛ ولعل من أبرز عبارات رئيس وزراء
تركيا هذ قوله مخاطباً مبارك« :ارحل فكلنا بشر زائلون ..عليك أن تستجيب بدون تردد
لصيحات التغيير إن مصر بلد الحضارة قادرة على تلبية المطالب المش����روعة والمبررة
والملحة بحيث ال تحتمل التأجيل» ،وأضاف أردوغان مخاطباً الرئيس المصري «س����يد
حسني مبارك ،أريد أن أقدم توصية خالصة للغاية ،تحذيراً صريحاً للغاية؛ كلنا سنموت
وسنُس����أل عما تركناه وراءنا» ،وأردف «نحن كمس����لمين سنوضع في حفرة حجمها ال
يزي����د على مترين مكعبين»( .)89و وقد اس����تمر أردوغان على موقف����ه هذا ولم يتزحزح
ال االنتقادات الموجه له من قب����ل الخارجية المصرية واتهامه بالتدخل في عن����ه متجاه ً
الشئون الداخلية للبالد.
وعق����ب نجاح الثورة المصرية في اإلطاحة بنظام مبارك وانتقال الس����لطة المؤقت
إلى المجلس األعلى للقوات المس����لحة المصرية؛ كان المسئولون األتراك في طليعة
ساس����ة العالم الذين زاروا القاهرة لتدش����ين عهد جديد من العالقات مع مصر .إذ كان
الرئي����س التركي عبد اهلل ج����ول أول رئيس دولة يزور مصر عق����ب الثورة عندما وصل
القاه����رة في 3مارس 2011؛ والتقى رئيس المجلس األعلى للقوات المس����لحة المصرية
المش����ير حسين طنطاوي .وفي س����بتمبر 2011قام رئيس الوزراء أردوغان بزيارة للقاهرة
التق����ى خاللها بنظي����ره المصري وقت����ذاك عصام ش����رف؛ حيث اتف����ق الجانبان على
ترس����يخ الشراكة بين البلدين في مختلف المجاالت من خالل إنشاء مجلس للتعاون
35
المش����ترك .واتفق الجانبان عل����ى تطوير العالقات االقتصادية م����ن خالل زيادة حجم
التبادل التجاري ومضاعفة حجم االس����تثمارات التركية في مصر؛ كما وقع المس����ئوالن
عدداً من مذكرات التفاهم والبروتوكوالت في مجاالت الكهرباء والطاقة والموارد الطبيعية
والبترول ،والتجارة والس����ياحة والتعليم واإلدارة العامة واإلع��ل�ام والثقافة والرياضة .وقد
أعلن أردوغان خالل مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره المصري :أنه اصطحب معه 280
من رجال األعمال األتراك بهدف بدء خطوات مشتركة لمضاعفة التعاون التجاري بين
البلدين والوصول به من 3إلى 5مليارات دوالر ،وزيادة االس����تثمارات التركية في مصر
من 1.5الى 5مليارات دوالر خالل الفترة القليلة المقبلة.
كما أكد الجانبان تطابق مواقفهما السياس����ية إزاء كافة قضايا المنطقة والس����يما
القضيتان الفلسطينية والسورية ،وقد ظهر ذلك جلياً في ثنايا الكلمة التي ألقاها أردوغان
أمام مجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية في إطار زيارة تاريخية لمقر
األمان����ة العامة للجامعة بالقاهرة .ث����م جاء الخطاب المطول الذي ألق����اه رئيس الوزراء
التركي بدار األوبرا في القاهرة أمام حشد كبير من عناصر النخبة المصرية؛ ليؤكد على
مساعي التقارب الكبير المزمع بشأن عالقات الدوليتين وكذا على مستوى التغير في
السياس����ة الخارجية التركية إزاء المنطق����ة العربية .ففي هذا الخطاب أكد حرص بالده
عل����ى دعم مصر في األف����راح واألتراح مردداً وباللغة العربية « :مص����ر وتركيا يد واحدة..
مصر وتركيا ش����قيقتان كما أن القاهرة واس����طنبول ش����قيقتان» ..ونوه أردوغان بمقولة
الخطاطين الشهيرة «القرآن نزل في مكة وقرئ في مصر وكتب في اسطنبول» .وفيما
يتصل بالقضية الفلسطينية هاجم أردوغان بشدة إسرائيل وأكد عزمه على العمل من
أجل رفع الحصار عن غزة وحصول الش����عب الفلس����طيني على كافة حقوقه المشروعة؛
معتبراَ إسرائيل عقبة أساسية أمام االستقرار الدائم في المنطقة موضحاً أن السياسة
االسرائيلية ال تعترف بالحقوق الشرعية ،كما أن الحكومة اإلسرائيلية تتبع استراتيجية
عمياء تقضى على كل فرصها .وأضاف «يجب أن تعلموا أننا س����نعمل بكل الجهد لرفع
الحصار وأن تنتهى هذه المأس����اة ..وسنعمل على حل القضية الفلسطينية ألن شرعية
النظ����ام الدولي تأتى من حل هذه القضية ،فإذا ل����م يتم حلها فإن عدالة النظام الدولي
س����وف تنتهى بش����كل س����ريع» .وأردف أردوغان بعبارة عاطفية« :روحي وجروحي في
غزة».
36
وبصدد المس����الة الس����ورية أكد أردوغان تأييده للثورة معتبراً أن نظام األسد فقد
ش����رعيته ،وعاود الزعيم التركي اس����تخدام عبارات ذات صبغة دينية في سياق دعوته
الرئيس السوري إلى التنحي؛ إذ وجه إليه الخطاب قائالً« :نحن فانون جميعاً ..وإنا هلل
وإنا إليه راجعون » ..وتس����اءل « :هل بقيت الدنيا لفرعون ..ويجب أال ننس����ى أن قدرة
اهلل التي حمت موس����ى في قصر فرعون قادرة على كل ش����يء ..ويجب علينا أن
ننتبه لذلك فنحن لن نبقى في هذه الدنيا» (.)90
على أية حال فإن زيارة أردوغان هذه بكل ما حملته من دالالت اعتبرت تدش����يناً
لعصر جديد في العالقات التركية العربية عموماً والعالقات التركية المصرية على وجه
الخصوص؛ وجاءت األحداث الالحقة لتؤكد على اس����تمرار هذا التوجه التركي الجديد؛
فعلى إثر انتخابات الرئاس����ة و وصول محمد مرسي ذي المرجعية اإلسالمية إلى سدة
الحكم في مصر؛ س����ارعت تركيا بإرس����ال وزير خارجيتها أحم����د داوود أوغلو في بداية
يولي����و 2012إلى مصر مهنئاً الرئيس الجديد ومؤكداً على توطيد ش����راكة الدولتين في
ش����تى المجاالت؛ إذ ع����رض على الرئيس المصري الجديد تعاون����اً تركياً غير محدود؛
عبر عنه بقوله « :إن تركيا س����تبقى إلى جانب مصر وش����عبها كدولة صديقة وشقيقة؛
إن����ه إن جاز التعبير فقد جئت إلى مصر بورقة بيضاء ،وطلبت من الس����يد الرئيس أن
يخ����ط ما يريد بما يحتاجه م����ن تركيا وال حدود للتعاون ف����ي أي من المجاالت ،نحن
مصممون على العمل معاً يد بيد من أجل زيادة الرفاهية واالس����تقرار وتحقيق الس��ل�ام
في المنطقة» (.)91
وفي إطار تطوير عالقات الدولتين قام الرئيس المصري محمد مرسي بزيارة ألنقرة
بنا ًء على دع���وة تركيا حيث التقى الرئيس جول ورئيس الوزراء عبد اهلل أردوغان؛ وألقى
كلمة باعتباره الضيف الرئيس���ي أمام المؤتمر العام الطارئ الرابع لحزب العدالة والتنمية
أكد خالله تطابق السياس���يتين الخارجيتين المصرية والتركية إزاء سائر قضايا المنطقة
والعالم .كما أعلن الجانبان عن تقديم تركيا لمصر تس���هيالت مالية قدرها مليارا دوالر ،و
أكدا س���عيهما المش���ترك للمضي قدماً في زيادة حجم التبادل التجاري والعلمي والثقافي
والسياحي واالس���تثماري .لقد بدت العالقات بين البلدين أثناء زيارة مرسي تحديداً في
أقوى أواصرها ،وبان جلياً أن المنطقة بصدد مولد محور سياسي استراتيجي جديد يتألف
من تركيا ومصر ويتأسس على عالقتهما المتميزة وتقاربهما المتسارع.
37
وتتعين اإلش����ارة اتخذت تركيا مواقف إيجابية ولم تقف مكتوفة األيدي إزاء كافة
ثورات ما يس����مى (الربيع العربي) ()92؛ إذ أعلنت تأييدها للثورة التونس����ية ورغبتها في
تدعي����م العالق����ات مع تونس على إثر س����قوط بن علي؛ حيث ت����م توقيع العديد من
االتفاقيات في مجاالت تشجيع االستثمار وزيادة التبادل التجاري ،وإقامة منطقة للتجارة
الح����رة بي����ن الدولتين؛ فلقد قام أردوغان بزيارة تونس في 15س����بتمبر 2011؛ تم خاللها
التوقي����ع على اتفاقي����ة للصداقة والتعاون بين البلدين به����دف توطيد العالقات التركية
التونس����ية في مختل����ف المجاالت( ،)93كما ق����ام الرئيس التركي عب����د اهلل جول بزيارة
تونس في 20مارس 2012ليؤكد للرئيس التونس����ي الجدي����د المنصف المرزوقي دعم
بالده لتونس ما بعد الثورة اس����تناداً إلى رابطة األخوة التي تربط الش����عبين على حد
تعبير الرئيس التركي؛ وتأسيساً على ما تقدم وقع الجانبان في أكتوبر 2012العديد من
االتفاقي����ات في مجاالت الزراعة ،والصناعات الغذائية ،والتنمية الريفية ،و تطوير الموارد
المائية ،ودعم المؤسس����ات الصغيرة والمتوس����طة والبنية التحتي����ة ،و الطاقة ،والنقل،
والثقافة ،والس����ياحة ،والتعليم ،والبحث العلمي .يش����ار كذلك إل����ى أن تركيا كانت قد
قدمت لتونس تسهيالت مالية تتمثل في قروض ميسرة قدرت بنصف مليار دوالر(.)94
وفي إطار زيارته لبلدان ما يسمى بالربيع العربي أيضاً قام رئيس الوزراء التركي
بزيارة ليبيا في 16س����بتمبر 2011حيث استقبله مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس
الوطن����ي االنتقال����ي في العاصمة طرابلس؛ قب����ل أن يحل الزعي����م التركي ضيفاً على
جماهي����ر بنغازي التي كانت تحتفل وقتذاك بذكرى عمر المختار .وفي ظل اس����تقبال
حاف����ل و أجواء مفعم����ة بالحماس وال����ود ألقى أردوغ����ان كلمة غلبت عليها المش����اعر
الجياش����ة وحفلت بالعبارات الدينية مؤكداً للمحتشدين أنه جاء من أجل توطيد أواصر
األخوة ال من أجل المصالح مثل غيره؛ في إش����ارة إلى الرئيس الفرنس����ي س����اركوزي
ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الذين كانا قد س����بقا أردوغان بساعات قليلة
ف����ي زيارة لطرابلس؛ اعتبرت م����ن جانب المحللين والمراقبي����ن بمثابة جمع للغنائم
بعد المس����اعدات التي قدمتها الدولتان لليبيين أثناء الثورة .وقد عبر أردوغان عن ذلك
قائالً« :إن الدول التي تعمل من أجل المصالح لن تفهم العالقة األخوية بين الش����عب
الليبي والش����عب التركي» ( .)95يشار إلى أن العالقات التركية الليبية قد شهدت ازدهاراً
واضحاً منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى س����دة الحكم في أنقرة؛ حيث كان حجم
االس����تثمارات التركية في ليبيا قبل الثورة على س����بيل المثال يقدر بأحد عش����ر مليار
38
دوالر( .)96كما يش����ار إلى أن الدبلوماس����ية التركية كانت طرفاً حاض����راً وفاع ً
ال بقوة أثناء
أح����داث الثورة الليبية؛ ومن ذل����ك أن تركيا كانت قد تقدمت ف����ي بداية أحداث الثورة
بمبادرة القت قبو ًال عربياً ودولياً تهدف إلى إرس����اء هدنة وبدء حوار بين نظام القذافي
ومعارضيه من الثوار؛ وذلك كله قبل أن يعلن األتراك تأييدهم الصريح للثورة ويطالبون
القذافي بالرحيل.
هذا ولم تكن اليمن استثنا ًء من االهتمام التركي بدول ما يسمى (الربيع العربي)
حيث حرص األتراك على المشاركة بمؤتمر المانحين (أصدقاء اليمن) الذي عقد في 27
سبتمبر 2012بنيويورك ،وقدمت مساعدات اقتصادية لليمن قدرها مائة مليون دوالر(.)97
كم����ا قام وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغل����و بزيارة إلى صنعاء في أكتوبر 2012
على رأس وفد كبير ضم العديد من رجال األعمال؛ حيث تم التوقيع على عدة اتفاقيات
تركية يمنية استهدفت تحقيق التعاون في المجاالت االقتصادية والتنموية والتعليمية
والثقافية والصحية ،كما أكد أوغلو للمس����ئولين اليمنيين حرص بالده على دعم اليمن
سياسياً وأمنياً.
يش����ار كذلك إلى تنامي اهتمام تركيا بعالقتها مع الس����ودان الس����يما في المجال
االقتصادي؛ ويتعين التنويه في هذا الصدد إلى أن االس����تثمارات التركية في الس����ودان
تزيد علي ملياري دوالر؛ تش����مل مجاالت اقتصادية وصناعية وزراعية ،إضافة للمجاالت
الصحية واالجتماعية (.)98
كما تتمتع تركيا بعالقات قوية مع الجزائر وخصوصاً في المجال االقتصادي؛ حيث
تقدر االستثمارات التركية في الجزائر بنحو 300مليون دوالر موزعة على قطاعات البناء
والبنية التحتية والصناعات الغذائية ،كما يجري العمل على إنش����اء مصنع تركي إلنتاج
الحديد والصلب ف����ي مدينة وهران غربي العاصمة الجزائرية بتكلفة تصل إلى حوالي
350مليون يورو(.)99
وعلى ذات المنوال تتمتع تركيا بعالقات اقتصادية متميزة مع المغرب؛ حيث كانت
الدولتان قد أسس����تا لهذا الغرض ما يعرف باللجنة االقتصادية المش����تركة المغربية –
التركية ،كما وقعت الدولتان اتفاقية للتبادل التجاري الحر في عام ،2006وحس����ب مصادر
الحكوم����ة المغربية فإن حجم الص����ادرات التركية إلى المغرب بلغ 760مليون دوالر عام
39
2010؛ في حين بلغ حجم الصادرات المغربية إلى تركيا نحو 261مليون دوالر خالل نفس
العام (.)100
ولم تكن الدول الخليجية استثنا ًء من االهتمام التركي بالمنطقة العربية؛ إذ سعت
تركي����ا إلى تعزيز عالقاتها مع هذه الدول والس����يما المملكة العربية الس����عودية وقطر.
فبالنس����بة للس����عودية -بادئ ذي بدء -سعت تركيا إلى مد جس����ور التقارب معها بعد
س����نوات طويلة من التردد س����ادت خاللها أجواء الريبة في دوائر صنع القرار التركي إزاء
النظام السعودي الذي طالما اعتبره أتاتورك وأتباعه من بعده نموذجاً للنظم المناهضة
للعلماني����ة .وفي ظل أجواء التقارب التي أوجدتها سياس����ات حزب العدالة والتنمية قام
الملك الس����عودي عبد اهلل بن عبد العزيز بزيارة أنقرة في أغس����طس 2006؛ وهي الزيارة
التي عدَت في حينها األولى من نوعها منذ أربعين عاماً ( ،)101وتبعها بزيارة مماثلة في
يوليو 2007؛ وفي المقابل قام المسئولون األتراك بالعديد من الزيارات للرياض منها على
س����بيل المثال زيارة الرئيس عبد اهلل جول ف����ي فبراير ،2009و زيارتان قام بهما أردوغان
للعاصمة السعودية في أبريل وأكتوبر من عام 2012؛ وهما الزيارتان اللتان جاءتا في إطار
التش����اور المشترك حول مشاكل المنطقة والسيما األزمة السورية؛ وحيث تتقارب إلى
ح����د كبير وجهات نظر الدولتين في هذا الخصوص ،وك����ذا فيما يتعلق بقضايا مكافحة
اإلرهاب ،وجعل الش����رق األوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل ،والدعوة إلى
فكرة ح����وار الحضارات كفكرة بديل����ة لصدام الحضارات .كما تش����هد عالقات الدولتين
ازدهاراً في مجاالت التبادل التجاري والس����ياحي وحجم االس����تثمارات وانتقال العمالة،
إلى جانب تناغم واضح في المجالين الثقافي والديني(.)102
وعل����ى ذات المنوال تتمت����ع تركيا بعالقات وطيدة ومتميزة م����ع قطر في المجال
االقتصادي ،كما أن السياس����ات الخارجية للدولتين منسجمتان إلى حد كبير إزاء كافة
قضايا المنطقة وفي مقدمتها القضية الفلس����طينية ،والمسألة السورية ،وقضية البرنامج
الن����ووي اإليراني؛ األمر الذي يفس����ر حالة التواصل والتش����اور الدائمين بين حكومتي
الدولتين الس����يما رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ونظيره القطري حمد بن
جاسم آل خليفة.
يش����ار كذلك إلى أن بلغ حجم التب����ادل التجاري التركي الخليجي إجما ًال بلغ نحو
10.3ملي����ارات دوالر ف����ي العام ،2010فيما وصل حجم االس����تثمارات المتبادلة 8.1مليارات
دوالر حتى بداية عام .)103(2011
40
عل����ى صعيد آخر وفي ظ����ل احتدام األزمة الداخلية اللبنانية وتصاعد الخالف بين
الفرقاء بشأن المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رئيس الوزراء األسبق رفيق الحريري؛
ال من رئيس الجمهورية ق����ام أردوغان بزيارة لبنان ف����ي 24نوفمبر 2010حيث التق����ى ك ً
ميش����ال س����ليمان ،ورئيس مجلس النواب نبيه بري ،ورئيس مجل����س الوزراء آنذاك
س����عد الحريري؛ في إطار دعوة كاف����ة األطراف إلى التوافق والوص����ول إلى نقطة التقاء
حول مسالة المحكمة الدولية بشأن قضية اغتيال الحريري؛ تجنب اللبنانيين االنجرار
مجدداً إلى هاوية الحرب األهلية(.)104
ومن األحداث بالغة الداللة بصدد التغير الكبير الذي طرأ على السياسة الخارجية
التركية إزاء المنطقة العربية مبادرة رئيس الوزراء التركي أردوغان بزيارة الصومال؛ وهو
عم����ل ل����م يقدم عليه أي من الحكام أو حتى الوزراء العرب .ففي 19أغس����طس 2011قام
أردوغان على رأس وفد تركي كبير بزيارة مقديش����و للوقوف بنفسه على واقع األوضاع
المتردية التي تعاني منها الصومال منذ رحيل آخر رؤس����ائها محمد سياد بري ونظامه
عن س����دة الحكم في البالد عام .1991يش����ار كذلك إلى أن تركيا كانت قد ش����كلت مع
كازاخستان وتركيا والسعودية والس����نغال ومنظمة التعاون االسالمي مجموعة خاصة
مكلف����ة بمتابعة الوضع في الصومال وتنس����يق حمالت المس����اعدات ،كما قامت تركيا
بحملة انسانية ودبلوماسية واسعة للتصدي للجفاف في الصومال؛ إلى جانب تقديمها
لعش����رات األطنان من المواد الغذائية والدوائية ألبناء ذلك الشعب الذين يعانون الفاقة
والمجاعة (.)105
وإذا كان����ت العالقات التركية العربية على النحو المتق����دم قد بلغت أوج ازدهارها
ف����ي ظل حكم العدالة والتنمية؛ ف����إن العالقات التركية اإلس����رائيلية وصلت إلى أدني
مستوياتها على نحو ما قد يبدو جلياً في ثنايا عرضنا السابق .ولقد تمحورت خالفات
الدولتين بصفة أساس����ية ح����ول الموقف التركي من القضية الفلس����طينية وما يرتبط
به����ا م����ن قضايا فرعية حال الحصار اإلس����رائيلي على غزة ،كما مث����ل موقف تركيا من
قضية التس����لح النووي في المنطقة س����بباً آخر رئيس����ياً لتعكير صفو العالقات التركية
اإلسرائيلية.
فعلى صعيد القضية الفلس����طينية -بادئ ذي بدء -أكد المس����ئولون األتراك دوماً
على حق الشعب الفلس����طيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية،
41
كم����ا لم يترك هؤالء المس����ئولون فرص����ة إال وعبروا من خاللها ع����ن رفضهم للحصار
اإلس����رائيلي على غزة ومناشدتهم للجماعة الدولية بس����رعة التدخل إلجبار إسرائيل
على رفع هذا الحصار .ولم يكتف األتراك بذلك وإنما دعموا محاوالت كسر الحصار من
قبل بعض المنظمات غير الحكومية التركية والدولية؛ األمر الذي كان يقابل باس����تياء
إسرائيلي مكتوم.
يش����ار كذلك إلى استقبال أنقرة لخالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة
حماس في مناس����بات عدي����دة ،منها دعوته لزيارة العاصم����ة التركية عقب فوز حماس
باالنتخابات التش����ريعية الفلس����طينية عام ،2006كما يتعين التنويه إلى أن تركيا أكدت
مراراً على دعمها لحكومة حماس ،كما أنها دعت دوماً الجماعة الدولية إلى احترام خيار
ال في تلك الحكومة. الشعب الفلسطيني ممث ً
وق����د ش����هدت العالق����ات التركية اإلس����رائيلية حال����ة عالية من التوت����ر على إثر
الهجوم اإلس����رائيلي على غزة في 27ديس����مبر 2008والذي أس����فر ع����ن مقتل المئات
من الفلس����طينيين وجرح اآلالف .حيث أدانت تركيا الهجوم بش����دة ووصفه بأن «نقطة
س����وداء» في تاريخ اإلنس����انية ،واعتبر أردوغان الهجوم إهانة لتركي����ا نظراً ألنها كانت
تس����عى حينذاك للقيام بدور الوسيط إلقرار السالم بين العرب وإسرائيل ،كما رفضت
تركيا مشاركة إسرائيل في مناورات نسر األناضول التي كان من المقرر أن تجرى في
أكتوب����ر .2009وكان التوتر ف����ي عالقات الدولتين قان بان جلياً خ��ل�ال فعاليات المنتدى
االقتصادي العالمي بدافوس؛ و الذي عقد في يناير 2009؛ حين صفق الحاضرون للرئيس
اإلس����رائيلي ش����يمون بيريز عندما برر في ثنايا كلمته الهجوم اإلس����رائيلي على غزة؛
ال «عار عليكم أن تصفقوا لقتل وعندها انتفض أردوغان وحمل على الحضور بشدة قائ ً
األطفال في غزة»؛ ثم ما برح أن انسحب من المؤتمر غاضباً(.)106
وفي إطار تأكيد األتراك على حقوق الشعب الفلسطيني في إعالن دولته المستقلة
واعتب����ار القدس عاصمته����ا الحتمية؛ حرص رئيس الوزراء الترك����ي على تلبية الدعوة
وحضور اجتماعات القمة العربية الثانية والعش����رين التي عقدت بمدينة سرت الليبية
ف����ي 27مارس ،2010تحت عنوان (دع����م صمود القدس)؛ وقد أكد أردوغان خالل كلمته
أم����ام المؤتمر على أن القدس هي عاصمة فلس����طين واصفاً المحاوالت اإلس����رائيلية
التخاذها عاصم ًة بالجنون الذي ال يلزمنا وأضاف« :إن القدس هي قرة عين كل مسلم
42
وإن احتراقها يعني احتراق الشرق األوسط بالكامل» ،وكذا« :مصير اسطنبول ال يختلف
عن مكة المكرمة وال عن مصير القدس ...تاريخنا وعقيدتنا ال يجعالن منا أصدقاء ،بل
إخوة أشقاء» .وأيضاً« :اليوم ليس يوم العزاء وسكب الدموع ..اليوم تحالف وتحرك معاً
لتأس����يس السالم بشكل عادل ،وفي تركيا نرى أن تسوية القضية الفلسطينية مفتاح
األمن والسالم في المنطقة ،فنحن شعوب أسسنا معا حضارات وثقافات السالم ،ونحن
أنصار دين اس����مه السالم»( .)107وتجدر اإلشارة كذلك إلى أن أردوغان صرح في 5أبريل
2010وأثن����اء حف����ل افتتاح قناة تي آر تي التركية الناطقة بالعربية بأن بالده لن تس����كت
إذا أعادت إس����رائيل «حرق غزة مرة أخرى» .وهو التصريح الذي أثار غضب المسئولين
اإلس����رائيليين؛ وأعقبه رد س����ريع من أحد كبار مس����ئولي خارجية إسرائيل من خالل
تصريح لإلذاعة اإلس����رائيلية قال فيه« :إنه يتعين على أردوغان إيجاد طرق خالقة أكثر
للتقرب من العالم اإلسالمي بد ًال من إطالق التصريحات المناوئة إلسرائيل».
ثم جاءت القش����ة التي قصمت ظهر بعير عالقات تركيا بإسرائيل؛ والمتمثلة في
قي����ام الزوارق الحربية اإلس����رائيلية فجر 31مايو 2010وفي ع����رض المياه الدولية بالبحر
المتوس����ط؛ بالهجوم على قافلة من الس����فن المحملة بالمس����اعدات اإلنسانية كانت
في طريقها إلى قطاع غزة المحاصر إس����رائيلياً من����ذ عام .2007وهي القافلة التي عرفت
بأسطول الحرية وكان من أبرز الجهات المنظمة لها مؤسسة اإلغاثة اإلنسانية التركية،
وضمت القافلة س����ت سفن على متنها مئات الناشطين من عشرات الدول ،وكان على
رأس هذه الس����فن الس����فينة التركية (مافي مرمرة) التي تعرض����ت للجانب األكبر من
القذائف اإلس����رائيلية .وقد أس����فر الهجوم الدامي عن مصرع تس����عة أشخاص وإصابة
ما يربو على العش����رين ش����خصاً آخرين .وعلى إث����ر هذا الهجوم اإلس����رائيلي الدامي
س����ارع المس����ئولون األتراك إلى إدانة إسرائيل بقوة وتحميلها المس����ئولية كاملة عما
ح����دث في لهجة لم تخل من عبارات التهديد .ودعت تركيا األمم المتحدة إلى معاقبة
إسرائيل وعدم االكتفاء بمجرد اإلدانة .وفي كلمة له أمام البرلمان التركي عقب الهجوم
اإلس����رائيلي ش����ن رئيس الوزراء أردوغان هجوماً عنيفاً على إسرائيل ووصف هجومها
على القافلة بالمجزرة الدموية ودعاها إلى اإلنهاء الفوري لحصارها على غزة ،بل وحذرها
م����ن عاقبة اختبار صبر تركيا؛ مؤكداً على أن الضرر الذي لحق بعالقات الدولتين كبير
جداً؛ وأضاف« :نشهد اليوم بداية عصر جديد واألمور لن تكون أبداً بعد اآلن كما كانت
علي����ه ولن ندير أبداً ظهرنا للفلس����طينيين» .ولم يكتف أردوغ����ان بمجرد األقوال وإنما
43
س����ارع باتخاذ جملة إجراءات في مواجهة إس����رائيل كان من بينها اس����تدعاء الس����فير
التركي من تل أبيب ،وتعليق المناورات العسكرية التركية اإلسرائيلية المشتركة التي
كان م����ن المزمع إجراؤها في وقت الحق ،وأعلن تجميد العالقات التجارية والتقنية مع
إس����رائيل ،كما أرس����ل وزير الخارجية أحمد داوود أوغلو إلى نيوي����ورك كي يطلب من
الجمعية العامة عقد جلس����ة طارئة لمناقش����ة األزمة ؛ وذهبت تركيا إلى أبعد من ذلك
حين قامت في س����بتمبر 2011بطرد السفير اإلس����رائيلي في أنقرة ،ورهنت عودته إليها
باعتذار إسرائيلي واضح ومكتوب عن الهجوم المسلح على أسطول الحرية (.)108
ومهما يكن األمر فإن عالقات تركيا بإس����رائيل لم تعد إلى طبيعتها بل واتجهت
إلى مزيد من التدهور منذ الهجوم اإلس����رائيلي على أس����طول الحرية .ودخل الجانبان
في حرب كالمية لما تزل قائمة؛ ولم يترك أردوغان مناسبة إال وشن فيها هجوماً الذعاً
على إسرائيل ،وأعلن خاللها تأييد بالده للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
على صعيد آخر وكما أش����رنا س����لفاً؛ فقد مثل الموقف التركي من قضية التسلح
النووي في الش����رق األوسط س����بباً آخر إلثارة الخالفات بين تركيا وإسرائيل ،إذ يشعر
اإلس����رائيليون باالمتعاض من دف����اع األتراك عن البرنامج الن����ووي اإليراني وتأكيدهم
على سلميته ودعوتهم الجماعة الدولية إلى حل المشاكل العالقة به من خالل الطرق
الدبلوماس����ية ،في الوقت الذي ترى إس����رائيل ضرورة التدخل العس����كري إلجبار إيران
على التخلي عن برنامجها الرامي -حس����ب الدعاوى اإلس����رائيلية -إلى إنتاج س��ل�اح
نووي .ومما يزيد من االمتعاض اإلس����رائيلي حديث المس����ئولين األتراك المتكرر عن
ضرورة التعامل مع البرنامج النووي اإلس����رائيلي بنف����س الحزم الذي تتعامل به القوى
الغربية مع البرنامج اإليراني .ولقد بدا الموقف التركي هذا واضحاً في ثنايا تصريحات
عدي����دة ألردوغان؛ منها على س����بيل المثال تصريحاته لهيئة اإلذاع����ة البريطانية قبيل
لقائه برئيس الوزراء البريطاني جوردن بروان بلندن في 16مارس ،2010حيث جاء بهذا
التصري����ح على لس����ان رئيس الوزراء التركي « :إن القول ب����أن إيران تعكف على إنتاج
اسلحة نووية «مجرد اشاعات» وتساءل أردوغان عن سبب عدم دعوة المجتمع الدولي
دو ًال اخرى مثل اس����رائيل الى نزع أس����لحتها بينما تواجه إيران هذه الدعوات .وأضاف:
«إن الدول التي تمتلك اسلحة نووية ال يحق لها أن تقول لدولة أخرى يجب عليك عدم
إنتاج اس����لحة نووية .خذ إسرائيل على س����بيل المثال؛ إسرائيل تمتلك أسلحة نووية.
44
لماذا ال تطلب دول أخرى من إس����رائيل التخلص من أس����لحتها النووية ولكنها تطلب
()109
ذلك من إيران؟»
وجملة القول في شأن كل ما تقدم أنه إذا كان عقد التسعينيات هو عقد إسرائيل
بامتي����از في السياس����ة الخارجية التركية؛ فإن العقد التال����ي وما تاله من زمن لم يكن
أبداً كس����ابقه ،ذلك بأن هذي السنين كانت بحق تعبيراً عن التوجه العربي اإلسالمي
الجديد للسياس����ة الخارجية التركية تجاه منطقة الشرق األوسط .يبقى أن نشير إلى
أن اله����دف التقليدي للسياس����ة التركية والمتمثل في ضم الب��ل�اد إلى االتحاد األوربي
ظل حاضراً وبوضوح في ظل حكم العدالة والتنمية الذي حقق نجاحات ال يستهان بها
في هذا الصدد ()111؛ غير أن تلك السياس����ة لم تعد متقوقعة كما الماضي في بوتقة هذا
اله����دف؛ وإنما امتدت إلى آفاق أخرى رحبة؛ تمثل أبرزها في تمدد تركيا من جديد في
فضائها العربي اإلسالمي الفسيح.
45
الخاتمة
ال :يمكن التمييز بين ثالث مراحل نوعية مرت بها السياس����ة الخارجية لتركيا أو ً
الجمهورية؛ حيث تمتد المرحلة األولى منذ نش����أة الجمهورية التركية عام 1923وحتى
ع����ام 1989؛ وهي المرحلة التي يمكن وصفها بحقبة القبض على الثوابت الكمالية .في
حين تتمثل المرحلة الثانية في س����نوات عقد التس����عينيات من القرن الماضي؛ والتي
جرى بعض المحللين على وصفها بمرحلة العثمانية الجديدة .أما المرحلة الثالثة فتجد
بدايتها في وصول حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم في البالد عام 2002وتمتد إلى
وقتنا الراهن.
ثاني ًا :فيما يتصل بالمرحلة األولى -والتي تمتد من عام 1923إلى عام 1989تقريباً-
انتهينا إلى أن السياسة الخارجية لم تكن خاللها -كما هو شائع -سلبية تماماً إزاء الدائرة
العربية اإلس��ل�امية الش����رق أوسطية؛ إذ على حين اتس����مت خالل عقود العشرينيات
والثالثينيات واألربعينيات بتجاه����ل تلك الدائرة ،اتخذت مواقف اعتبرت على الصعيد
العربي اإلس��ل�امي معادي����ة وممالئة للغرب خالل عقد الخمس����ينيات وحتى منتصف
الس����تينيات تقريباً؛ غير أنها تميزت خالل السنوات الالحقة وحتى نهاية السبعينيات
تقريباً بتوجهات على قدر بائن من اإليجابية إزاء القضايا العربية اإلسالمية ،ثم عادت
46
خالل عقد الثمانينيات إلى ذات نهجها الذي س����ارت عليه خالل حقبة الخمس����ينيات
والس����نوات األولى من عقد الستينيات .ويالحظ كذلك أن الحقبة األولى الممتدة منذ
تأس����يس الجمهورية التركية وحتى نهاية عقد األربعينيات كانت توجهات السياس����ة
الخارجي����ة عموماً تميل إلى االنزواء وعدم االنغماس في الش����ئون الدولية بصفة عامة،
ولم يكن التجاهل التركي وقتذاك قاصراً على الدائرة العربية اإلسالمية.
كذلك فإنه يجدر التنويه إلى أن األجواء السلبية التي خيمت على أجواء العالقات
التركي����ة العربية لس����نوات طويلة خالل تلك الحقبة لم يكن مرده����ا دائماً إلى مواقف
تركية؛ وإنما أس����همت المواقف الس����لبية لبعض الدول العربية أحياناً بنصيب وافر في
تكريس تلك األجواء .أيضاً يتعين التأكيد على أن السياسة التركية خالل تلك الحقبة
لم تكن مخاصمة تماماً لهوية تركيا كدولة إسالمية ،إذ على الرغم من التزامها الصارم
بالمبادئ الكمالية العلمانية التأريبية التغريبية المشار إليها في متن المبحث األول؛ إال
أنها اتخذت مواقف عديدة ال يمكن تفس����يرها إال بردها إلى الهوية اإلس��ل�امية التركية
التقليدية ،على نحو ما عرضنا له في ثنايا المبحث األول.
يض����اف إلى كل ما تقدم أن مالحظة تاريخ السياس����ة الخارجية خالل تلك الحقبة
الطويلة تش����ير إلى أن الفترات التي شهدت قطيعة تركيا لمحيطها العربي اإلسالمي
ه����ي ذاته����ا فترات توافقها الكامل مع الغرب وعلى رأس����ه الوالي����ات المتحدة ،والعكس
صحي����ح .فخالل حقبة الجف����اء التركية العربية األولى الممتدة من����ذ نهاية األربعينيات
(تاريخ اعتراف األتراك بإس����رائيل) وحتى منتصف عقد الستينيات كانت عالقات تركيا
م����ع الغ����رب على خير ما يرام؛ باعتبارها طرفاً فاع ً
ال ف����ي أحالفه الرامية إلى حصر المد
الشيوعي وعلى رأسها حلف شمال األطلنطي.
في حين أن التحسن الذي ش����هدته أجواء العالقات التركية العربية منذ منتصف
الستينيات وحتى نهاية السبعينيات تواكب مع تدهور في العالقات التركية األمريكية،
وهو التدهور الذي كان مرده إلى امتعاض األتراك من الموقف األمريكي غير الداعم لهم
خالل األزمة القبرصية األولى عام .1964ثم إن عودة أجواء الجفاء لتخيم على العالقات
التركية العربية خالل عقد الثمانينيات تواكبت أيضاً مع التحسن الكبير لعالقات تركيا
مع الغرب والس����يما الواليات المتحدة؛ على إثر اس����ترضاء األمريكيي����ن لألتراك بغية
إعادته����م إلى حظي����رة الغرب في أعقاب ذلك الحدث المدوي المس����تجد على الصعيد
47
الشرق أوسطي في بداية عام 1979المتمثل في الثورة اإلسالمية اإليرانية؛ التي حولت
إيران من ش����رطي أمريكا في الخليج إلى واحدة من ألد الدول المعادية ،وبالتالي كانت
الحاجة األمريكية لتركيا ملحة كدولة أطلنطية ش����رق أوس����طية لمواجهة واحتواء ذلك
العدو المستجد.
ثالث�� ًا :بصدد المرحل����ة الثانية والتي يطل����ق عليها العديد م����ن المحللين مرحلة
(العثمانية الجديدة) والتي مرت بها السياسة الخارجية التركية خالل عقد التسعينيات
وحتى مش����ارف األلفي����ة الثالثة؛ يمكن القول بأن هذا الوص����ف غير دقيق وال يعبر عن
طبيعة السياسة التركية تجاه الشرق األوسط خالل تلك المرحلة.
ذلك بأن السياس����ة العثمانية كانت تتس����م عموماً بس����متين رئيسيتين أوالهما
االنفتاح الكبير على السياسة الدولية باعتبار أن دولة العثمانيين كانت تمثل قوة كبرى
والعباً دولياً مهماً؛ في حين تمثلت السمة الثانية في انطالق تلك السياسة من الفكرة
اإلسالمية التي قوامها إعالء شأن رابطة الدين كمقوم لهويات األمم والشعوب ،بحيث
تجب في هذا الصدد ما عداها من روابط س��ل�الية بيولوجي����ة أو ثقافية لغوية؛ آخذين
ف����ي االعتبار أن تلك الدولة كانت تش����كل -بنظر قاتها على األقل -دار اإلس��ل�ام ودولة
المس����لمين قاطبة .وإذا كانت السياس����ة التركية خالل عقد التس����عينيات قد اتسمت
بقدر يعتد به من االنفتاح على السياسة الدولية والسيما منطقة الشرق األوسط؛ فإنها
كانت خالل معظم سني هذه المرحلة سياسة كمالية صرفة وأبعد ما تكون عن الفكرة
اإلسالمية العثمانية.
فباس����تثناء الش����هور القليلة التي اعتلى فيها أربكان وحزب الرفاه سدة الحكم في
أنقرة؛ كانت السياسة الخارجية التركية تجاه الدائرة الشرق أوسطية إسرائيلية الوجهة
ومخاصمة – إلى حد كبير – للهوية اإلس��ل�امية .إذ عل����ى حين َ
وطد األتراك عالقاتهم
بالدولة العبرية إلى معدل يقترب من مستوى التحالف اإلستراتيجي؛ كانت عالقاتهم
بإخوانهم في الدين -عرباً وفرساً -يسودها الود المفقود إلى حد بعيد ،ذلك إلى جانب
أن االنضمام إلى االتحاد األوربي كان الهدف الرئيسي والمحوري والملح الذي يسيطر
على ذهنية القادة األتراك خالل تلك السنين.
48
رابع�� ًا :فيما يتص����ل بالمرحلة الثالثة والت����ي ولجتها السياس����ة الخارجية التركية
باعتالء حزب العدالة والتنمية دس����ت الحكم في أنقرة بدءاً أواخر عام ،2002فإنه يمكن
القول بأن هذه المرحلة هي الجديرة بوصف مرحلة العثمانية الجديدة إن كان ال مناص
من اس����تخدام هذا الوص����ف كتعبير عن إحدى المراحل التي مرت بها تلك السياس����ة
عموماً .ذلك بأن القادة الجدد في تركيا من ذوي الخلفية اإلس��ل�امية -حال رجب طيب
أردوغان وعبد اهلل جول وأحمد داوود أوغلو -انطلقوا بسياسة بالدهم الخارجية إلى آفاق
نظر لها ذلك األخير ،وهي السياسة رحبة انطالقاً من فكرة العمق اإلس����تراتيجي التي َ
التي كانت الهوية اإلس��ل�امية لتركيا واضحة عل����ى مالمحها .إننا إذاً بصدد نقلة نوعية
للسياس����ة الخارجية التركية؛ حي����ث خاضت تركيا بأقدام ثابتة فيم����ا كان يطلق عليه
الكماليون األوائل (المس����تنقع الشرق أوس����طي)؛ إذ راح األتراك يمدون جسور التقارب
مع كافة الدول اإلسالمية بما فيها إيران وسوريا المنظور إليهما غربياً باعتبارهما ضمن
دول محور الش����ر .فلقد اتخذ األتراك خالل هذه المرحلة مواقف ذات طابع اس����تقاللي
خارجين بذلك من أس����ر السياس����ات الغربية التقليدية التي تضع مصالح إسرائيل في
قمة أولوياتها الشرق أوسطية.
ولقد بدت هذه االس����تقاللية جلي ًة في المواقف التركية إزاء القضية الفلس����طينية
ومعضل����ة البرنامج النووي اإليراني على وجه الخصوص .وإجما ًال -كما أس����لفنا القول-
نؤكد على أنه إذا كان عقد التسعينيات هو عقد إسرائيل بامتياز في السياسة الخارجية
التركي����ة؛ ف����إن العقد التالي وم����ا أعقبه من زمن لم يكن أبداً كس����ابقه ،ذلك بأن هذي
الس����نين كانت بحق تعبيراً عن التوجه العربي اإلسالمي الجديد للسياسة الخارجية
التركية تجاه منطقة الشرق األوسط.
49
الهوامش
( )1راجع بصدد هذه الفكرة على س����بيل المث����ال :موفق بني المرجة ،صحوة الرجل
المريض :أو السلطان عبد الحميد الثاني والخالفة اإلسالمية (الكويت ،مؤسسة
صقر الخليج للنشر ،)1984 ،ص .128 :126
( )2أنظر في هذا المضمون :محمود ثابت الش����اذلي ،المس����ألة الش����رقية :دراسة
وثائقي����ة عن الخالفة العثمانية ( 1923 – 1299القاهرة ،مكتبة وهبة ،الطبعة األولى،
،)1989ص .56 ،54
50
( )10راجع في هذا الصدد:
• Danforth, Nicholas, Ideology and Pragmatism in Turkish Foreign
Policy:
• From Ataturk to the AKP(Ankara, Turkish Policy Quarterly ,Vol. 7,No.
3 Fall 2008).p 84.
( )12أنظر بصدد تاريخ وتطور هذه العالقات على سبيل المثال:
• Abadi , Jacob ,Israel and Turkey: From Covert to Overt Relations,
available at: http://www.setav.org/ups/dosya/28724.pdf (13) Danforth,
op. cit. P 87.
( )14أنظ����ر بصدد الخالفات العربية حول االنضمام إلى حلف بغداد :ليلى مرس����ي،
أحمد وهبان ،حلف شمال األطلنطي :العالقات األمريكية األوربية بين التحالف
والمصلحة (2000 :1945اإلسكندرية ،دار الجامعة الجديدة .)2001،ص ص .98 :96
( )15تشيبنار ،م .س .ذ ،ص.9
( )16ليلى مرسي ،أحمد وهبان ،م .س .ذ.98 :96،
( )17تشيبنار ،م .س .ذ ،ص.9
( )18المرجع السابق.
( )19أنظ����ر بصدد ه����ذه المش����كلة التاريخية تفصي��ل�اً :أحمد عدن����ان عيطة ،أزمة
اإلسكندرونة وعصبة األمم (دمشق – الجمعية الجغرافية السورية – .)2000
( )20تشيبنار ،م .س .ذ ،ص.9
( )21كرامر ،م .س .ذ ،ص .167
( )22راجع في هذا المضمون:مفتي ،م.س.ذ ،ص .24
( )23كرامر ،م .س .ذ ،ص .11
51
()24المرجع السابق ،ص .245
( )25راج����ع بصدد ه����ذ االتفاقية :جليلي جليل وآخرون ،الحرك����ة الكردية في العصر
الحديث ،ترجمة عبدي حاجي (بيروت – دار الرازي .)1992-ص .182 ،181
( )26تشيبنار ،م .س .ذ ،ص .10
( )27ذات المرجع السابق.
( )28أنظر في هذا المضمون :يافوز ،م.س.ذ ،ص .11 ،10
( )29تشيبنار ،م.س.ذ ،ص .10
( )30أنظر بصدد هذه المواقف :المرجع السابق ،ص .10
( )31راج����ع في ه����ذا المضمون تفصيالً :ليلى مرس����ي ،أحمد وهب����ان ،م .س .ذ. ،
ص.244 ،238
( )32ذات المرجع السابق.
( )33أنظر في هذا المضمون:
• Danforth, op. cit. p p: 88,89.
(Ibid )34
(Ibid )35
( )36مفتي ،م .س .ذ ،ص .31
( )37راجع في هذا المضمون :المرجع السابق ،ص.25
( )38المرجع السابق.
(39) Ozturk , Asiye , The domestic Context of Turkey’s Changing Foreign
Policy Towards the Middle East and the Caspian Region (Bonn,
German Development Institute , 2009). P 22.
52
( )41أحمد وهبان ،الصراعات العرقية واس����تقرار العالم المعاصر :دراسة في األقليات
والجماعات والحركات العرقية (اإلسكندرية ،دار أليكس لتكنولوجيا المعلومات،
ط .)2007 ،5ص ص .250 :249
( )42مفتي ،م.س.ذ ،ص .11
( )43كرامر ،م.س.ذ ،ص .242
( )44وهبان ،م.س.ذ ،ص ص .250 :249
( )45مفتي ،م.س.ذ ،ص ص .12 :11
( )46المرجع السابق ،ص .12
( )47وهبان ،م.س.ذ ،ص ص .250 :249
( )48أنظر بصدد هذا التقارب التركي اإلسرائيلي على سبيل المثال:
.Abadi , op. cit
( )49راجع في هذا المضمون :يافوز ،م.س.ذ ،ص .15
ال عن المرجع السابق ،ص ص .17 :16
( )50نق ً
ال عن :مصطفى طالس ،التعاون التركي اإلسرائيلي (مجلة الفكر السياسي، ( )51نق ً
دمشق ،العدد األول ،شتاء ،)1997ص .40
( )52المرجع السابق ،ص .41
( )53مفتي ،م.س.ذ ،ص .11
ال عن يافوز ،م.س.ذ ،ص .24
( )54نق ً
( )55مفتي ،م.س.ذ ،ص .11
( )56طالس ،م.س.ذ ،ص .40
ال عن المرجع السابق ،ص .41
( )57نق ً
( )58راجع في هذا المضمون :يافوز ،م.س.ذ ،ص .16 ،15
53
( )59راجع في هذا الصدد تفصيالً:
• Zeyenb ,Cagliyan Imisiker , The changing Nature of Islamism in
Turkey: A Comparison of Erbakan and Erdogan (Ankara, The Institute
of Economics and Social Sciences of Bilkent University, September
2002), pp 20: 22.
(.ibid ,p 93 )70
( )71راجع في هذا الصدد تفصيالً:
• McCurdy, Daphne, Turkish-Iranian Relations: When Opposites
Attract(Ankara, Turkish Policy Quarterly ,Vol. 7 ,No. 2,
2008).p 89, 93.
( )72راجع في هذا المضمون :تشيبنار ،م .س .ذ ،ص .26
54
( )73راجع في هذا المضمون.McCurdy, op. cit. p89, p93 :
وكذا :المرجع السابق ،ص ،26ص.27
( )74راجع بصدد تطور الموقف التركي إزاء البرنامج النووي اإليراني:
.McCurdy, op. cit. p p 99: 103
( )78راجع في هذا المضمون :تشيبنار ،م .س .ذ ،ص .291 ،290
ال ع����ن موقع تركيا اليوم بتاريخ 31يولي����و ،2010تحت عنوان:
( )79ه����ذا اإلحصاء نق ً
مليار دوالر حجم التبادل التجاري بين تركيا وسوريا ،متاح على الرابط التالي:
• http://turkeytoday.net/node/1579
( )80راجع بصدد المس����اعي التركي هذه على س����بيل المثال :مصطفى اللباد ،تركيا
والعرب :شروط التعاون المثمر ،في :محمد عبد العاطي (محرر) وآخرون ،تركيا
بين تحديات الداخ����ل ورهانات الخارج (مركز الجزيرة للدراس����ات بالدوحة _
الدار العربية للعلوم ناشرون – بيروت ،)2009 ،ص ص .223 :221
55
( )81راجع بص����دد هذا المؤتمر ومقرراته مادة إخبارية بعنوان :قمة س����ورية قطرية
تركية في إسطنبول ،متاحة على الرابط التالي:
_• http://www.bbc.co.uk/arabic/middleeast/2010100509/05/_syria_qatar
turkey_summit_tc2.shtml
( )82راجع بصدد هذه الوثيقة مادة إخبارية بعنوان :تركيا تعيد صياغة أمنها القومي،
متاحة على الرابط التالي:
• http://www.aljazeera.net/news/pages/9e84f4324309--0726-b922-
dfd47b5aaecd
( )83راج����ع بصدد تفاصيل هذا الخط����اب مادة إخبارية بعن����وان :أردوغان يخاطب
األسد بـ«يا بشار» وتهديد بقطع الكهرباء التركية ،متاحة على الرابط التالي:
• http://arabic.cnn.com/2011/syria.201115/11//syria.turkey/index.html
( )85راج����ع في هذا المضمون :هنري جي بارك����ي ،تركيا والعراق :أخطار وإمكانات
الجوار(واشنطن -معهد السالم األمريكي – يوليو .)2005ص .7
( )86أنظر بصدد هذه المصالح تفصيالً :المرجع السابق ،ص ،3ص.8
( )88أنظر بصدد حجم النش����اط االقتصادي بين تركيا ومصر على س����بيل المثال:
إنشاء مجلس للتعاون المش����ترك بين مصر وتركيا ،مادة إخبارية متاحة على
الرابط التالي:
• http://gate.ahram.org.eg/NewsContentPrint/13115377/54/.aspx
56
: مادة إخبارية بعنوان:) أنظر بصدد مقوالت أردوغان هذه على س����بيل المث����ال89(
: متاحة على الرابط التالي،أردوغان يطالب مبارك بخطوة مختلفة
• http://www.aljazeera.net/news/pages/6bcbf63e-b76249-fd-9f64-
becd32684405
أردوغان مصر وتركيا يد:) أنظر بصدد تفاصيل هذا الخطاب مادة إخبارية بعنوان90(
: بموقع بوابة األهرام2011/ 9/ 13 منشورة بتاريخ،واحدة
• http://gate.ahram.org.eg
تركيا تعرض: مادة إخبارية بعنوان:) أنظر بصدد هذه الزيارة على سبيل المثال91(
: متاحة على الرابط التالي،على مصر تعاوناً غير مشروط في كافة المجاالت
• http://www.aawsat.com/details.asp?article=684843
) أنظر بصدد العالقات االقتصادية بين تركيا وتونس على سبيل المثال البيانات94(
:المتاحة بموقع وزارة االقتصاد التركية على الرابط التالي
• http://www.economy.gov.tr/index.cfm?sayfa=countriesandregions&co
untry=TN®ion=0
57
( )95أنظر بصدد هذه الزيارة على سبيل المثال :مادة إخبارية بعنوان :أردوغان يتعهد
في بنغازي بدعم ليبيا بعيدا عن أية مصالح غداة زيارة س����اركوزي وكاميرون،
متاحة على الرابط التالي:
• http://arabic.china.org.cn/china-arab/txt/201117/09-/content_23437374.htm
( )96أنظر بصدد العالقات االقتصادية بين تركيا وليبيا على س����بيل المثال البيانات
المتاحة بموقع وزارة االقتصاد التركية على الرابط التالي:
• http://www.economy.gov.tr/index.cfm?sayfa=countriesandregions&cou
ntry=LY®ion=0
( )97أنظر بصدد العالقات االقتصادية بين تركيا ودول الربيع العربي عموماً :محمد
عبد القادر خليل ،حس����ابات أنقرة :األبعاد االقتصادية لسياسة تركيا تجاه دول
الربيع العربي ،منش����ور بتاريخ ،2012/ 10/ 1على موقع المركز اإلقليمي للدراسات
اإلستراتيجية:
• http://rcssmideast.org
( )98أنظ����ر بصدد العالقات االقتصادية بين تركيا والس����ودان على س����بيل المثال
البيانات المتاحة بموقع وزارة االقتصاد التركية على الرابط التالي:
• http://www.economy.gov.tr/index.cfm?sayfa=countriesandregions&cou
ntry=SD®ion=0
( )99راجع في هذا الصدد تصريح ألحد المس����ئولين األتراك ،منش����ور على الرابط
التالي:
• http://www.elbiladonline.net/modules.php?name=News&file=a
rticle&sid=17863
( )100بص����دد العالقات االقتصادية بين تركيا والمغرب راجع البيانات المتاحة بموقع
الحكوم����ة المغربي����ة بتاريخ ،2011/ 3/ 3تح����ت عنوان :انطالق أش����غال الدورة
58
التاس����عة للجن����ة االقتصادية المش����تركة المغربية – التركي����ة ،متاحة في ذات
التاريخ والموقع:
• http://www.maroc.ma/PortailInst/Ar
( )101أنظر في هذا الصدد :تشيبنار ،م .س .ذ ،ص .29
وأنظر كذلك البيانات المتاحة بموقع وزارة االقتصاد التركية على الرابط التالي:
&• http://www.economy.gov.tr/index.cfm?sayfa=countriesandregions
country=SA®ion=4
ال عن تقرير للمركز العربي للدراسات المستقبلية بعنوان :قطر بوابة تركيا
( )103نق ً
إلى أسواق الخليج ،متاح على الرابط التالي:
• http://www.mostakbaliat.com/?p=7586
( )104أنظر بصدد هذه الزيارة على س����بيل المثال :مادة إخبارية بعنوان :شن هجوماً
حاداً على إسرائيل :أردوغان يدعو اللبنانيين لتوافق داخلي ،متاحة على الرابط
التالي:
• http://www.aljazeera.net/news/pages/7e8bbc3e-481f-4e6d-b4bf-
d9694ad2678c
59
( )107أنظر بصدد خطاب أردوغان في سرت ::مادة إخبارية منشورة بموقع صحيفة
الش����رق األوس����ط اللندنية بتاريخ 28م����ارس ،2010تحت عن����وان :افتتاح القمة
العربية في س����رت الليبية بهج����وم تركي على إس����رائيل ،متاحة على الرابط
التالي:
• http://www.aawsat.com/details.asp?section=4&issueno=11443&artic
le=562787
( )108راجع بصدد تداعيات الهجوم اإلس����رائيلي على أسطول الحرية ،وعلى سبيل
المثال:
• Turkey expels Israeli ambassador over Gaza flotilla row, available at:
http://www.bbc.co.uk/news/world-europe-14762475
( )109راج����ع بصدد ه����ذه التصريح����ات ألردوغان :م����ادة إخبارية بعن����وان :أردوغان:
إشاعات ...القول إن إيران تنتج أسلحة نووية ،متاحة على الرابط التالي:
• http://www.alraimedia.com/AlRai/Article.
aspx?id=191578&date=18032010
وأنظر بص����دد الموقف التركي من القضية النووية عموم����اً :حقي ياغور ،تركيا
وإي����ران :البعد عن حافة الصدام في :محمد عب����د العاطي (محرر) وآخرون ،م.
س .ذ ،ص ص .237 :235
( )110أنظ����ر في هذا الص����دد :مادة إخبارية بعن����وان :تل أبيب ال تأتم����ن أنقرة على
أسرارها احتجاج تركي على تصريحاتٍ لباراك ،متاحة على الرابط التالي:
• http://aljazeera.net/news/pages/f6c1727248-ea-42c1-b5fb-
dc680c36f547
60
السيرة الذاتية
•االسم :د /أحمد محمد محمد وهبان
•تاريخ ومحل الميالد – 1965 /6 /10 :جمهورية مصر العربية.
•الوظيفة الحالية :أستاذ مش���ارك بكلية الحقوق والعلوم السياسية ـ جامعة
الملك سعود بالرياض -المملكة العربية السعودية.
•أس���تاذ العلوم السياس���ية المش���ارك بكلية التجارة ـ جامعة اإلس���كندرية ـ
جمهورية مصر العربية.
•التخصص العام :العلوم السياسية.
•التخصص الدقيق :العالقات الدولية.
•حصل على درجة دكتور الفلسفة في العلوم السياسية من جامعة اإلسكندرية
عام .1996
•حاصل على جائزة الدولة التشجيعية -جمهورية مصر العربية (.)2001
• حاض���ر طالب مرحل��ة البكالوريوس ومراح���ل الدراس���ات العليا بجامعة
اإلسكندرية وبعض الجامعات العربية في موضوعات مقررات عديدة أهمها:
1010النظرية السياسية.
1414لتنظيم العالمي
61
له العديد من الكتب واألبحاث والدراسات المنشورة منها:
1 .1العالقات األمريكية األوربية بين التحالف و المصلحة ( مكتبة نهضة الشرق،
القاهرة .)1995
2 .2الصراعات العرقية واستقرار العالم المعاصر :دراسة في الجماعات و الحركات
و األقليات العرقي���ة (دار الجامعة الجديدة ،والدار الجامعية «خمس طبعات»،
اإلسكندرية.)2003،2007 2001 ،1999 ، 1997 ،
3 .3ظاهرة التخلف السياس���ي :رؤية جديدة للواقع السياس���ة في العالم الثالث
(مجلة كلية التجارة ،جامعة اإلسكندرية.)1999 ،
4 .4لتخلف السياس���ي وغايات التنمية السياسية (دار الجامعة الجديدة ،و الدار
الجامعي���ة ،وأليكس لتكنولوجي���ا المعلومات ،اإلس���كندرية «ثالث طبعات»
.) 2004 ،2003 ،1999
5 .5التاريخ الدبلوماسي :العالقات السياسية بين القوى الكبرى ( 1990 – 1815دار
الجامعة الجديدة ،الدار الجامعية ،أليكس لتكنولوجيا المعلومات ،اإلسكندرية
«خمس طبعات» - ) 2004،2006 ، 2003 ، 2001، 2000باالشتراك.
6 .6الفكر السياس���ي للم���اوردي :رؤية معاص���رة (مجلة كلية التج���ارة – جامعة
اإلسكندرية.)2000 ،
7.7الماوردي :رائد الفكر السياسي اإلسالمي (دار الجامعة الجديدة ،اإلسكندرية،
.)2001
8.8حلف شمال األطلنطي :العالقات األمريكية األوربية بين التحالف و المصلحة
( 2000 – 1945دار الجامعة الجديدة ،اإلسكندرية – ) 2001 ،باالشتراك.
9 .9الصراع الهندي الباكس���تاني في مرحلة الحرب التقليدية ( مجلة كلية الحقوق،
جامعة اإلسكندرية)2001 ،
1010الص���راع الهندي الباكس���تاني و الخيار النووي ( مجلة كلي���ة التجارة ،جامعة
اإلسكندرية.) 2002 ،
1111مدخل العلوم السياسية( ،دار خوارزم ،القاهرة – ) 2002 ،باالشتراك.
1212مقدم���ة إل���ى العالقات السياس���ية الدولية (أليك���س لتكنولوجي���ا المعلومات،
اإلسكندرية -)2004 ،باالشتراك.
1313الصراع الهندي الباكس���تاني بين الحرب التقليدية والخيار النووي ( أليكس
لتكنولوجيا المعلومات ،اإلسكندرية.)2005 ،
1414مدخل العلوم السياسية ( ،أليكس لتكنولوجيا المعلومات )2007 ،ـ باالشتراك.
1515تحليل إدارة الصراع الدولي :دراسة مسحية لألدبيات المعاصرة (مجلة عالم
الفكر -الكويت ،أبريل .) 2008
1616السياس���ة األمريكية تجاه مش���كلة دارفور بين اعتب���ارات المصلحة ودعاوى
األخالقية (مجلة كلية التجارة بدمنهور ،جامعة اإلسكندرية ،يناير 2009م).
1717نشر العديد من هذه المؤلفات إلكترونياً على www.kotobarabia.com :
62
من إصدارات الجمعية السعودية للعلوم السياسية
أعضاء مجلس إدارة
الجمعية السعودية
للعلوم السياسية
د .سرحان بن دبيل العتيبي الجمعية السعودية للعلوم السياسية :جمعي���ة علمية
رئيس مجلس اإلدارة متخصصة ينص���ب اهتمامها الرئيس عل���ى تطوير الحقل
األكاديمي للعلوم السياس���ية وأبراز أهميته ودوره من خالل
د .وليد بن نايف السديري البحوث والدراسات العلمية واالستشارات وتشجيع التواصل
نائب رئيس مجلس اإلدارة
العلمي فيم���ا بين المتخصصي���ن والباحثين والدارس���ين
د .محمد بن عوض الحارثي والمهتمين بمجال العلوم السياسية.
أمين السر
أهداف الجمعية :ته����دف الجمعي����ة الس����عودية للعلوم
أ.د .عبداهلل بن جمعان الغامدي
السياسية إلى تحقيق مايلي:
أمين المال
1 .1تنمي����ة الفكر العلم����ي في مجال العلوم السياس����ية
أ.د .صالح بن محمد الخثالن والعمل على تطويره.
عضو
2 .2إتاحة الفرصة للعاملين في مجال العلوم السياس����ية
د .شافي بن عبدالرحمن الدامر لإلسهام في حركة التقدم العلمي.
عضو 3 .3تيس����ير تبادل اإلنت����اج العلمي واألف����كار العلمية في
د .مرزوق بن محمد العشير مجال العلوم السياس����ية بين الهيئات والمؤسسات
عضو المعنية داخل المملكة وخارجها.
4 .4تقديم المش����ورة والقي����ام بالدراس����ات الالزمة لرفع
مس����توى األداء ف����ي مجاالت العلوم السياس����ية في
المؤسسات والهيئات المختلفة.
5 .5تشجيع التواصل العلمي بين أعضاء الجمعية.
سكرتارية الجمعية
6 .6تطوير األداء والمهني ألعضاء الجمعية.