You are on page 1of 66

‫مقدمة‬

‫تش���هد السياس���ة الخارجية التركية منذ س���نوات حالة من التح���ول الواضح عن‬
‫مسارها التقليدي‪ ،‬ويبدو هذا التحول جلياً من خالل استقراء جملة المواقف والتوجهات‬
‫التي طرأت على سياق هذه السياسة مؤخراً؛ وعلى نحو يشي بحدوث نوع من التغير‬
‫استجد على أولوياتها بل وطال جملة المبادئ التي طالما ارتكزت إليها تقليدياً‪ .‬فالمتتبع‬
‫لهذه السياسة يدرك دونما عناء أنها خرجت عن طورها المعهود الذي أراده لها مؤسس‬
‫الجمهورية مصطفى كمال (أتاتورك) منذ عش���رينيات القرن الماضي؛ حين س���عى إلى‬
‫التملص من ميراث عثماني تراكم عبر ما يقرب من س���بعة قرون مؤسَس���اً على فكرة‬
‫الجامعة اإلس�ل�امية دون اعتبار لعوامل الجنس أو اللغة‪ .‬وعوضاً عن ذلك شرع في بناء‬
‫الجمهوري���ة التركية الوليدة إذ ذاك على أس���س علمانية موجه���اً دفتها صوب التغريب‬
‫والتأريب‪ ،‬وفي ذات الوقت قلص إلى حد كبير من انغماس البالد في الش���ئون الدولية‪،‬‬
‫كما حرص بحزم على عزلها عن محيطها العربي اإلس�ل�امي‪ .‬وعلى هذا النهج الكمالي‬
‫الصارم سار خلفاء أتاتورك من قادة تركيا العلمانيين فساسوها لعقود عديدة على هدى‬
‫من تعليماته التي اعتبروها نصوصا مقدس���ة ال تقبل التشكيك أو النقد ويتعين إعمالها‬
‫بحذافيرها دون تحريف أو نقصان‪.‬غير أنه بحلول عقد التسعينيات من القرن المنصرم‬
‫ومع وصول تورجوت أوزال إلى س���دة الحكم في أنقرة بحلول أواخر الثمانينيات ش���رع‬
‫رئيس الوزراء التركي الجديد في انتهاج سياسة أكثر انفتاحاً على العالم الخارجي إلى‬
‫حد وصفه البعض بولوج السياس���ة التركية مرحلة العثمانية الجديدة‪ ،‬وذلك على الرغم‬
‫من أن أوزال ظل ممس���كا بأهداب العلمانية‪.‬وعلى هذا المن���وال االنفتاحي ذي الصبغة‬
‫العلمانية عبرت السياس���ة الخارجية التركية عقد التس���عينيات‪ ،‬ثم كان أن ولجت مع‬
‫مطل���ع األلفي���ة الثالثة مرحلة أكثر انفتاحاً على الش���ئون الدولي���ة بعامة وعلى المحيط‬
‫العربي اإلسالمي على وجه الخصوص‪ ،‬وتلكم هي المرحلة التي تمر بها هذه السياسة‬
‫منذ وصول حزب العدالة والتنمية ذي الجذور اإلسالمية إلى الحكم منذ عام ‪.2002‬‬

‫وبناء على ما تقدم يمكن القول إن السياسة الخارجية لتركيا الجمهورية قد مرت‬
‫بثالث مراحل رئيس����ية هي‪ :‬مرحلة الثوابت الكمالية المطلقة‪ ،‬ومرحلة ظهور العثمانية‬
‫الجديدة‪ ،‬وأخيراً االنغماس في الدائرة العربية اإلس��ل�امية‪ .‬وتأسيس����اً على ذلك تأتي‬
‫مشكلة البحث‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫مشكلة البحث‬
‫تتمحور مشكلة البحث حول تساؤل رئيسي هام قوامه‪ :‬إلى أي مدي يمكن وصف‬
‫ما تش����هده السياس����ة الخارجية التركية حاليا بالتغير النوعي واألصيل؟؛ وهو التساؤل‬
‫الذي تندرج تحته تساؤالت فرعية عديدة لعل من أظهرها‪ :‬ما هي المنطلقات والثوابت‬
‫األيديولوجية التقليدية للسياس����ة الخارجية لتركيا الجمهورية؟‪ ،‬وما هي المراحل التي‬
‫مرت بها تلك السياسة؟‪ ،‬وإلى أي مدى حافظت هذه السياسة على طابعها الذي أسس‬
‫له مصطفى كمال أتاتورك؟‪ ،‬وما هو حجم التغيير الذي ش����هدته تلك السياسة السيما‬
‫خالل العقد األخير؟‪،‬وهل طال هذا التغيير الثوابت الكمالية أم أنه مجرد تغيير ش����كلي‬
‫يستند إلى اعتبارات برجماتية مرحلية؟‪ ،‬وبتعبير آخر‪ ،‬هل يمكن القول إن األيديولوجية‬
‫التي تس����تمد منها السياس����ة التركية مبادئها قد تغيرت بالفعل؟ ؛أم أن الكمالية التزال‬
‫راسخة تضرب بجذورها في عمق الواقع السياسي التركي قاطبة؟‪.‬‬

‫هدف البحث‬
‫بن����ا ًء عل����ى م����ا تقدم فإننا نس����تهدف من وراء ه����ذا البحث اإلجاب����ة عن جملة‬
‫التس����اؤالت التي طرحناها آنفاً باعتبارها تؤس����س مجتمع ًة مشكلة للبحث‪ ،‬وبالتالي‬
‫فإنن����ا معنيون هنا بتقديم حكم موضوعي يوصِّف بدق����ة حجم وطبيعة التغيير الذي‬
‫طرأ على السياس����ة الخارجية التركية خالل العقد األخير بصفة خاصة‪،‬بكل ما يقتضيه‬
‫ذلك من تعريف بالثوابت التقليدية لتلك السياس����ة منذ نش����أة الجمهورية في البالد‪،‬‬
‫وكذلك المراحل التاريخية المختلفة التي مرت بها‪ ،‬ومدى تخليها ‪ -‬السيما خالل الفترة‬
‫األخيرة‪ -‬عن منطلقاتها األيديولوجية المس����تمدة بصفة أساس����ية من أفكار مؤس����س‬
‫الجمهورية التركية مصطفى كمال(أتاتورك)‪.‬‬

‫مادة البحث‬
‫تتمثل مادة البحث بطبيعة الحال وكما هو واضح مما تقدم في السياسة الخارجية‬
‫لتركي����ا الجمهوري����ة خالل مختلف المراحل التاريخية التي م����رت بها‪ ،‬مع التركيز على‬
‫المرحلة الراهنة لتلك السياسة بكل ما تحمله من أحداث وتوجهات ومواقف ذات داللة‬
‫تسترعي االنتباه وتستوجب الدراسة والتحليل والتقييم‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫منهج البحث‬
‫ارتباطاً بطبيعة مادة البحث وهدفه سنلجأ إلى المنهج االستقرائي كمنهج رئيسي‬
‫للتحليل؛ وبالتالي س����نعمد إلى مالحظة واقع السياس����ة الخارجي����ة لتركيا الجمهورية‬
‫من����ذ ظهورها إلى حيز الوجود ف����ي عام ‪1923‬؛ من حيث المراح����ل التاريخية المختلفة‬
‫التي مرت بها‪ ،‬والمبادئ التي ارتكزت إليها‪ ،‬واألهداف التي اس����تهدفتها‪ ،‬وكيفية تعاطي‬
‫القادة األتراك خالل المرحل المختلفة مع المشكالت والقضايا الدولية؛ وذلك كله بهدف‬
‫الوصول إلى إجابات موضوعية عن جملة التساؤالت التي تدور حولها مشكلة البحث‪.‬‬

‫خطة البحث‬
‫س����نعرض لم����ادة البحث من خالل ثالثة مباحث تليه����ا بطبيعة الحال الخاتمة‪،‬‬
‫وذلك على النحو التالي‪:‬‬

‫المبحث األول‪ :‬السياسة الخارجية التركية خالل مرحلة الثوابت الكمالية‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬السياسة الخارجية التركية وظهور العثمانية الجديدة‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬السياسة الخارجية التركية في المرحلة الراهنة‪.‬‬

‫وأما الخاتمة فتتضم����ن بطبيعة الحال أظهر ما خلصنا إليه من نتائج تتعلق بهدف‬
‫البحث‪.‬‬

‫وفيما يلي تفصيل لما تقدم‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫المبحث األول‬
‫السياسة الخارجية التركية خالل مرحلة الثوابت الكمالية‬

‫باعتالئه س����دة الحكم في أنقره عام ‪ 1923‬ش����رع مصطفى كم����ال أتاتورك ‪-‬على‬
‫نحو ما أش����رنا سلفاً‪ -‬في التخلص من اإلرث العثماني بكل ثوابته األيديولوجية؛ وفي‬
‫المقدمة منها فكرة الجامعة اإلس��ل�امية(‪ ،)1‬وهي الفكرة التي فحواها إعالء ش����أن رابطة‬
‫الدين كمقوم لهويات األمم والشعوب‪ ،‬بحيث تجب في هذا الصدد ما عداها من روابط‬
‫س��ل�الية بيولوجية أو ثقافية لغوية‪ .‬فلقد دش����ن العثمانيون دولتهم كدولة للمسلمين‬
‫ودار لإلسالم ال دولة للجنس التركي أو غيره من األجناس‪ ،‬إنها الفكرة اإلسالمية التي‬
‫اعتنقها خلفاء بني عثمان الذين طالما اعتبروا أنفس����هم قادة لدولة الخالفة اإلسالمية‪،‬‬
‫ووالة أمر المس����لمين قاطبة‪ ،‬والمدافعين عن ثغور اإلسالم في شتى أصقاع البسيطة‪.‬‬
‫وذلكم هو ما يعبر عنه البعض بقوله‪« :‬لم يكن الس��ل�اطين العثمانيون يزكون نس����باً‬
‫إال نس����بهم اإلسالمي الصريح‪ ،‬وكان الوطن عندهم هو كل أرض يسكنها المسلمون‪،‬‬
‫وكانت كلمة الملة تعني الدين واألمة معاً‪ ،‬لذلك صبغوا دولتهم بصبغة إسالمية خالصة‪،‬‬
‫وحددوا غايتها بالدفاع عن اإلسالم ورفع رايته على األنام»(‪.)2‬‬

‫وعلى النحو المتقدم كان من الطبيعي أن تكون السياس����ة الخارجية لهكذا دولة‬
‫ذات طابع انفتاحي على الشئون الدولية‪ ،‬فخاضت غمار حروب توسعية ودفاعية عديدة‬
‫خالل عمرها المديد الذي دام زهاء الس����بعة قرون‪ ،‬كما أسهمت بفعالية في العديد من‬

‫‪6‬‬
‫التحالفات والمؤتمرات الدولية‪ ،‬وبسطت سلطانها ذات يوم على بقاع مترامية األطراف‬
‫من قارات العالم الثالث القديمة‪ ،‬ولعل خير تعبير عن كل ما تقدم هو ما وجد من نقش‬
‫بقلع����ة بندر يعود إلى عام ‪ 1538‬يعبر من خالله أحد أقوي س��ل�اطين بني عثمان وهو‬
‫الس����لطان س����ليمان القانوني عما وصل إليه من قوة بقوله‪« :‬أنا عبد اهلل وسلطان هذا‬
‫العالم ورأس ملة المس����لمين بفضل اهلل علىَّ‪ .‬قدرة اهلل والسنة المعظمة لمحمد هي‬
‫التي ترش����دني‪ .‬أنا س����ليمان الذي يذكر اسمي في الخطبة بمكة والمدينة‪ .‬في بغداد‬
‫أنا الش����اه‪ ،‬وفي بيزنطة أنا القيصر‪ ،‬وفي مصر أنا السلطان‪ .‬أرسل سفني في مياه أوربا‬
‫والمغرب والهند‪.‬أنا الس����لطان الذي حاز على تاج وعرش هنجاريا‪ ،‬وحول س����كانها إلى‬
‫رعية مطيعة‪ ،‬تجرأ القائد بترو على التمرد ضدي ولكني دسته بحوافر حصاني وأخذت‬
‫بالده مولدافيا» (‪.)3‬‬

‫وعل����ى النقيض من كل ما تقدم راح مصطفى كمال يؤس����س الجمهورية التركية‬


‫الت����ي أقامها على أنقاض الدولة العثمانية بع����د أن ضعضعتها وطوحت بها الهزيمة في‬
‫الحرب العالمية األولى‪ .‬فلقد س����عى أتاتورك ‪-‬كما أس����لفنا اإلشارة‪ -‬إلى الخالص من‬
‫الم����وروث األيديولوجي العثماني‪ ،‬وبالتالي نبذ اإلس��ل�ام كمقوم لهوية الدولة ومنطلق‬
‫عقائدي لسياس����تها الداخلية والخارجية على الس����واء‪ .‬لقد أنح����ى النظام األتاتوركي‬
‫‪-‬كما يقول البعض‪ -‬بالالئمة على اإلس��ل�ام ووصفه بأنه سبب التخلف االقتصادي في‬
‫تركيا؛ مس����اوياً بين التقدم والهوية الغربية العلمانية‪ ،‬كما آمنت النخبة األتاتوركية بأنه‬
‫ال يمك����ن تحقيق التم����دن إال بتخليص الجمهورية من التراث العثماني اإلس��ل�امي‪.‬‬
‫وتأسيساً على ذلك انتهجت أنقره في عشرينيات وثالثينيات القرن العشرين سياسة‬
‫متطرفة راديكالية تهدف إلى إزالة الصبغة العربية واإلسالمية عن المجتمع(‪.)4‬‬

‫وعليه أضحت العلمانية هي الدعامة الرئيس����ية للكمالي����ة‪ ،‬إذ اعتمد أتاتورك ‪-‬في‬
‫سبيل بناء جمهوريته‪ -‬نهجاً علمانياً متشدداً؛ فألغى السلطنة العثمانية وعزل الخليفة‬
‫وشطب األحرف العربية والتعليم اإلسالمي والحركات الصوفية وألغى الحجاب‪ ،‬واعتبر‬
‫الدين رمزاً للنظام القديم والرجعية ومعارضة الجمهورية (‪.)5‬‬

‫كذل����ك فقد جرى العلمانيون األتراك دوماً على ربط الديمقراطية بالعلمانية ارتباطا‬
‫ال انفصام له‪ ،‬فبرأي الكماليين يتساوى تطبيق العلمانية مع اإليمان بالديمقراطية‪ ،‬كما‬
‫أنه يتعين اعتبار أية قوة سياسية غير علمانية بصورة آلية قوة ال ديمقراطية(‪.)6‬‬

‫‪7‬‬
‫إنه����ا إذاً الكمالي����ة وقد صارت منذ عه����د أتاتورك األيديولوجية الرس����مية لتركيا‬
‫والت����ي في ظلها حرص خلفاؤه على إلغاء األس����س الدينية للدولة‪ ،‬واس����تئصال معظم‬
‫الرموز الثقافية المعبرة عن تلك األسس والمرتكزات؛ على نحو يهيئ لتدمير منهجي‬
‫متواصل لروح الحضارة العثمانية اإلس��ل�امية وإبدالها بنظائرها الغربية‪ ،‬وبالتالي جرى‬
‫العمل على إقصاء اإلس��ل�ام تماما عن الس����احة السياسية وإعالء مبادئ أتاتورك وعلى‬
‫ال قط����ع الطريق على أية‬‫رأس����ها الجمهوري����ة والقومية والعلماني����ة وكان هذا يعني عم ً‬
‫محاوالت رامية للوصول إلى السلطة السياسية باسم اإلسالم (‪.)7‬‬

‫وفي ذات الس����ياق أكدت األتاتوركية على اس����تبعاد الدين كمق����وم للهوية التركية‬
‫ال في ه����ذا الصدد؛ فلقد أكد أتات����ورك وخلفاؤه من‬
‫واعتم����دت الس��ل�الة الطورانية بدي ً‬
‫الساس����ة العلمانيين على نبذ حقبة الخالفة العثماني����ة وأحلوا محلها فكرة الجمهورية‬
‫القومي����ة ذات النزعة الطورانية المؤسس����ة على المبدأ الس��ل�الي التركي‪ ،‬وهو المبدأ‬
‫الذي ظل الساس����ة األت����راك دوماً قابضين عليه ويرددونه في كافة مناس����باتهم‪ ،‬والذي‬
‫عبر عنه س����ليمان ديميريل ‪-‬على س����بيل المثال‪ -‬في خطاب ل����ه ألقاه في يوليو ‪1997‬‬
‫أثناء االحتفال بتدش����ين أحد تنظيمات الش����بيبة األتاتوركي����ة بقوله‪« :‬إن الوطن الذي‬
‫تم����ت إقامته بفضل عبقرية أتاتورك ه����و الجمهورية التركية‪ ،‬والناس الذين أقاموا هذه‬
‫الجمهورية هم األتراك‪ .‬أما المكان الذي تمت فيه إقامة هذا الوطن فيعرف باسم تركيا‪،‬‬
‫واللغة الرس����مية لهذا الوطن هي التركية‪ .‬يتعين على الجميع أن يبذلوا أقصى درجات‬
‫االهتمام بالمفاهيم األربعة التي ذكرتها‪ ،‬إنها ضمانة الس��ل�ام والثقة والس����عادة في هذا‬
‫البلد»(‪.)8‬‬

‫وعلى الجملة يمكن إيجاز الثوابت الكمالية فيما يلي‪:‬‬

‫‪1 .1‬إعالء ش����أن العلمانية كبديل أيديولوجي لإلس��ل�ام فيما يتعلق بتنظيم وبناء‬
‫الدولة التركية في ش����تي قطاعاتها الحياتية‪ ،‬وما يحكمها من أنظمة سياسية‪،‬‬
‫واقتصادية‪ ،‬واجتماعية‪ ،‬وتعليمية‪ ،‬وغيرها‪.‬‬

‫‪2 .2‬التمل����ص من الصبغة اإلس��ل�امية الموروثة للبالد واالتج����اه بها صوب التأريب‬
‫و والتغريب‪ ،‬باعتبار ذلك الس����بيل الوحيد ‪-‬حس����ب ه����ذا التصور‪ -‬لولوج عالم‬
‫التحضر والمدنية‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫‪3 .3‬اعتم����اد القومي����ة الطورانية مقوماً لهوية الش����عب التركي كبديل عن الس����ند‬
‫اإلسالمي التقليدي الذي‬

‫‪4 .4‬تبناه العثمانيون دهراً طويالً‪.‬‬

‫‪5 .5‬ن����زع تركيا من محيطها اإلس��ل�امي العرب����ي والتأكيد على كونه����ا دولة أوربية‬
‫حضار ًة وجغرافيا‪.‬‬

‫وتأسيس����اً على كل ما تقدم وانطالقاً من هذه الثوابت يممت السياسة الخارجية‬


‫التركية وجهها شطر الغرب وأدارت الظهر ‪-‬إلى حد بعيد‪ -‬للدائرة العربية اإلسالمية‪.‬‬

‫غير أنه مما تتعين اإلشارة إليه أن هذه السياسة اتسمت ‪-‬في البداية وحتى بدايات‬
‫عقد الخمس����ينيات من القرن الماضي‪ -‬بقدر كبير من الس����لبية إزاء العالم الخارجي؛‬
‫والسيما منطقة الشرق األوسط التي طالما أطلق عليها قادة المرحلة (المستنقع الشرق‬
‫أوس����طي)‪ ،‬وأبدى صانع القرار التركي تمس����كا بالشعار األتاتوركي الشهير (السالم في‬
‫ال عدم انغماس تركيا في الش����ئون‬ ‫الداخل والس��ل�ام في العالم)‪ ،‬والذي كان يعني عم ً‬
‫الدولية بقدر اإلمكان والتركيز على بناء الدولة العلمانية ذات الصبغة األوربية التي أرادها‬
‫مؤس����س الجمهورية‪ .‬وفيما يتعلق بالش����رق األوس����ط تحديداً اتسمت هذه السياسة‬
‫‪-‬على حد تعبير البعض‪ -‬بدرجة عالية من الحذر قد تصل أحيانا إلى مستوى الخنوع(‪.)9‬‬

‫لقد كان جوهر األتاتوركي����ة ‪-‬على حد قول البعض‪ -‬هو توجيه تركيا بصرامة نحو‬
‫الغرب بغية تحويلها إلى دولة غربية ومتقدمة‪ ،‬لذلك فإن حكم األتاتوركيين عمد ألكثر‬
‫من نصف قرن إلى تجاهل منطقة الشرق األوسط وكأنها غير موجودة‪ ،‬واعتبار االرتباط‬
‫التاريخي بها أمراً مؤسفاً شهده التاريخ التركي(‪ .)10‬والحق أن هذا التجاهل لم يكن يرتد‬
‫فحس����ب إلى رغبة األتراك ف����ي التبرؤ من ماضيهم العثمان����ي؛ وإنما نجم كذلك عن‬
‫صدمتهم الش����ديدة إزاء موقف العرب منهم خالل الحرب العالمية األولى‪ ،‬إذ لم ينس‬
‫األتراك أن العرب قد طعنوهم في الظهر حين انضموا إلى معسكر األعداء وقت استعار‬
‫(‪)11‬‬
‫أوار تلك الحرب‪.‬‬

‫عل����ى أية حال فإن أول تعبير عن توجه السياس����ة الخارجي����ة التركية في حلتها‬
‫األتاتوركية بمضمونها المتقدم؛ تمثل في اعترافهم بإسرائيل وإقامة عالقات دبلوماسية‬

‫‪9‬‬
‫معها في عام ‪ ،1949‬لتصبح تركيا أول دولة إس��ل�امية تقدم على هكذا خطوة(‪.)12‬واستمراراً‬
‫لسياس����ة التوجه نحو الغرب أو إن ش����ئنا الدقة التمس����ح بالغ����رب أقدمت تركيا على‬
‫االنضمام لحلف شمال األطلنطي في عام ‪1952‬حيث أضحت مذاك حارس الغرب على‬
‫الجناح الجنوبي ألوربا في مواجهة المد الش����يوعي‪ ،‬واعتبر الساسة األتراك أن عضوية‬
‫بالدهم في النيتو داللة على هويتها األوربية والغربية (‪.)13‬‬

‫وفي إطار ذات النهج كانت تركيا من الدول المؤسسة لحلف غربي شرق أوسطي‬
‫في عام ‪ 1955‬هو حلف بغداد؛ إذ تعاونت في ذلك الصدد مع الحكومة العراقية برئاس����ة‬
‫نوري السعيد المعروف بممالئته الشديدة للغرب‪ ،‬وهو الحلف الذي فشل في اجتذاب‬
‫دول عربي����ة أخرى نظ����راً العتباره معادياً لتيار القومية العربي����ة المزدهر وقتذاك؛ والذي‬
‫شن زعيمه جمال عبد الناصر حرباً إعالمية ودبلوماسية شعواء على الحلف وصمه من‬
‫خاللها باإلمبريالية ومعاداة العروبة (‪.)14‬ومن األمور الجديرة بالمالحظة خالل تلك األزمة‬
‫أن األتراك أبلغوا الحكومة األردنية إذاك بأنه إذا لم ينضم األردن إلى معاهدة بغداد فمن‬
‫المرجح أن ينتهي األمر بتركيا إلى أن تقاتل إلى جانب إسرائيل يوماً ما (‪.)15‬‬

‫غير أن الحكومة األردنية لم تصمد أمام الضغوط الناصرية الرهيبة المناوئة للحلف؛‬
‫وبالتالي فشل المشروع الغربي في ضم األردن إلى حظيرته(‪.)16‬‬

‫ومن المفارقات في هذا الصدد أن التهديد التركي لألردن الذي قصد به مزيداً من‬
‫اس����ترضاء الغرب قد اس����تفز الغرب ذاته إلى حد أن واشنطن ولندن حذرتا األتراك من‬
‫أي تنفير إضافي للدول العربية الموالية للغرب (‪.)17‬‬

‫وعلى الرغم من ذلك اس����تمر األتراك في سياس����تهم المثي����رة لحفيظة العرب‪ ،‬إذ‬
‫شرعت تركيا في حشد قواتها العسكرية على الحدود مع سوريا عام ‪ 1957‬حين بدا أن‬
‫الحزب الش����يوعي على وشك االستيالء على السلطة في دمشق‪ ،‬كما دعت الحكومة‬
‫التركية إلى تدخل عسكري غربي في العراق إلعادة الملكية التي أسقطها انقالب عبد‬
‫الكريم قاس����م عام ‪ .1958‬كذلك فقد صوتت تركيا إلى جانب فرنسا في األمم المتحدة‬
‫خالل حرب االس����تقالل الجزائرية‪ ،‬وسمح األتراك للبحرية األمريكية باستخدام قاعدة‬
‫إنجرلي����ك الجوية إبان األزمة اللبنانية ع����ام ‪ ،)18(1958‬وإلى جانب ذلك كان الود المفقود‬
‫يسود العالقات التركية السورية من جراء تنازع الدولتين على لواء اإلسكندرونة الذي‬
‫كان الفرنسيون قد منحوا األتراك الهيمنة عليه منذ عام ‪.)19( 1939‬‬

‫‪10‬‬
‫وال يفوتنا في هذا المقام أن نشير كذلك إلى حال التنافر التي بدت عليها العالقات‬
‫التركية المصرية حين امتنعت الدولتان عن المشاركة سوياً فيما يعرف بحلف الميدو‪،‬‬
‫أو منظمة الدفاع عن الش����رق األوس����ط التي كانت الواليات المتحدة قد ش����رعت في‬
‫إنش����ائها مع بداية خمسينيات القرن الماضي؛ في إطار سياس����اتها إذاك الحتواء المد‬
‫الشيوعي في المنطقة (‪.)20‬‬

‫وعل����ى الجمل����ة ظل التوج����ه الغربي الراس����خ بوصفه العمود الفقري للسياس����ة‬


‫الخارجي����ة؛ يحظى بأقوى درجات التفضيل والتأييد لدى الجيش ونخبة األعمال ودعاة‬
‫التغريب التقليديين في الوس����ط السياس����ي‪ ،‬والمتمركزين بصفة رئيسية في صفوف‬
‫أح����زاب الش����عب الديمقراطي والطريق القوي����م والوطن األم ومعظ����م أرباب الصحافة‬
‫واإلعالم البارزين في البالد(‪.)21‬وقد لعبت المؤسسة العسكرية التي هيمن عليها تقليدياً‬
‫غالة الكماليين دوراً بارزاً في الحفاظ وبكل صرامة على األس����س العلمانية للسياس����ة‬
‫التركية قاطبة‪ ،‬وبخصوص السياسة الخارجية يشار إلى أن أن دستور ‪ 1961‬أدخل تغييراً‬
‫يه����دف إلى إعطاء القوات المس����لحة منفذاً رس����ميا إلى عملية صن����ع القرار‪ ،‬كما عمل‬
‫الدس����تور على ضمان قيام رئيس الوزراء بصياغة السياسة األمنية بالتعاون والتنسيق‬
‫مع األجهزة البيروقراطية العس����كرية والمدنية ذات العالقة‪ .‬يشار كذلك إلى أن مجلس‬
‫األمن القومي الذي يرأس����ه رئيس الجمهورية ويضم رئي����س الوزراء ووزراء الخارجية‬
‫والدفاع والداخلية ورئيس هيئ����ة األركان العامة وقادة الجيش والقوات الجوية والقوات‬
‫البحرية وقوات الدرك؛ استحوذ على سلطات أوسع عقب انقالب ‪.)22(1980‬‬

‫وارتباط����اً بهذا التوجه الكمالي الغرب����ي العلماني ظلت تركيا‪ ،‬لعقود عديدة‪ ،‬تمثل‬
‫الحليف المخلص لكل من الواليات المتحدة وأوربا‪ ،‬حيث ساهمت منذ اندالع الحرب‬
‫الب����اردة في عملية االحتواء الفعال لالتحاد الس����وفييتي عبر قيامها بحراس����ة الخاصرة‬
‫الجنوبية الش����رقية للتحالف األطلس����ي‪ ،‬كما س����اهمت بفعالية في احتواء نظام صدام‬
‫حس����ين في الع����راق (‪ ،)23‬كما لعبت تركيا دوراً محورياً في احت����واء إيران منذ قيام الثورة‬
‫اإلسالمية بها في عام ‪1979‬؛ وظلت العالقات التركية اإليرانية متسمة باالنعدام المتبادل‬
‫للثقة ك����ون البلدين ينطلقان من نظرتين مختلفتين إل����ى العالم ومن أيديولوجيتين‬
‫ال (‪.)24‬‬
‫متباينتين يكاد التوفيق بينهما أن يكون مستحي ً‬

‫‪11‬‬
‫وصفوة القول في شأن هذه المرحلة من تاريخ تركيا أن السياسة الخارجية للبالد‬
‫واس����تناداً إلى الثوابت الكمالية قامت بصفة عامة النأي عن الدائرة العربية اإلس��ل�امية‬
‫واالنحياز للغرب وعلى رأس����ه الوالي����ات المتحدة‪ ،‬كما أن األت����راك حينما اضطروا إلى‬
‫الخوض فيما أس����موه بالمستنقع الشرق أوسطي خاضوه كدولة حليفة للغرب؛ ترتبط‬
‫بثوابت����ه وإس����تراتيجياته حتى وإن كان من ش����أن ذلك إلحاق الض����رر البالغ بعالقات‬
‫بالده����م مع جيرانها العرب والمس����لمين‪ .‬غير أنه مما تجدر اإلش����ارة إلي����ه أن تركيا‪،‬‬
‫خالل ذات المرحلة‪ ،‬اضطرت في مناسبات عديدة وارتباطاً باعتبارات برجماتية وأحياناً‬
‫عقائدية‪ ،‬إلى الخروج بسياستها الشرق األوسطية عن مسارها الكمالي التقليدي‪ .‬ومن‬
‫ذلك على سبيل المثال‪:‬‬

‫‪1 .1‬قيام تركيا بعقد معاهدة سعد أباد في عام ‪ 1937‬مع كل من إيران والعراق والتي‬
‫استهدفت التنسيق المشترك بصدد التصدي للحركات الكردية االنفصالية (‪.)25‬‬

‫وبطبيع����ة الحال يمك����ن تبرير هذا الموق����ف التركي باعتب����ارات برجماتية تتعلق‬
‫بمقتضيات المصلحة القومية للبالد‪.‬‬

‫‪2 .2‬انحياز تركيا إلى الموقف المصري إبان حرب األيام الستة في عام ‪1967‬؛ حيث‬
‫رفضت في هذا الصدد االنضمام إلى مجموعة الدول البحرية التي كانت تطالب‬
‫بإعادة فتح خليج العقبة أمام الس����فن اإلس����رائيلية‪ ،‬ثم تك����رر االنحياز للموقف‬
‫العربي خالل الحرب العربية اإلسرائيلية عام ‪ 1973‬حيث منعت أنقرة واشنطن‬
‫من استخدام القواعد األمريكية إلعادة تزويد اإلسرائيليين باألسلحة وسمحت‬
‫للطائرات الروس����ية باس����تخدام المجال الجوي التركي لمساندة السوريين(‪.)26‬‬
‫والح����ق أن مث����ل هذه المواقف يمك����ن ردها إلى حد كبير العتب����ارات عقائدية‬
‫تقليدي����ة لم يفلح التطبي����ق العلماني الصارم في التمل����ص منها‪ ،‬وهي ترتبط‬
‫بداهة بكون تركيا دولة تنتمي دينياً ‪-‬على األقل‪ -‬إلى العالم اإلسالمي‪.‬‬

‫‪3.3‬ش����اركت تركيا في المداوالت حول منظمة المؤتمر اإلس��ل�امي في الرباط عام‬


‫‪ 1969‬وأصبح����ت عضواً كامل العضوي����ة بالمنظمة في عام ‪ .1976‬واعتبر الموقف‬
‫الترك����ي في هذا الخص����وص بمثابة أول مخالفة كبرى للمب����ادئ العلمانية في‬
‫سياستها الخارجية (‪ ،)27‬وإذن فنحن هنا بصدد موقف ال يمكن تفسيره إال برده‬

‫‪12‬‬
‫العتبار عقائدي وثيق الصلة بكون تركيا في النهاية دولة إسالمية‪.‬‬

‫‪4 .4‬يش����ار كذلك إلى أن األهمية االقتصادية المتنامية لمنطقة الش����رق األوس����ط‬
‫وبروز المشاعر اإلسالمية في الداخل أجبر الدولة التركية في السبعينيات ‪-‬كما‬
‫يقول البعض‪ -‬على أن تكون أكثر حساس����ية تج����اه العالم العربي الذي كانت‬
‫س����ابقا تس����تخف به وتزدريه؛ وكان من مظاهر هذا التحول الس����ماح لمنظمة‬
‫التحرير الفلس����طينية بافتتاح بعثة دبلوماس����ية كاملة في أنقرة عام ‪ ،1979‬وفي‬
‫خطوة لم يس����بق لها مثي����ل أقال البرلمان وزير الخارجية من منصبه بس����بب‬
‫المباالته بالمصالح اإلس��ل�امية في القدس؛ األمر الذي أضر بالعالقات التركية‬
‫اإلسرائيلية؛ التي ما برحت أن تدهورت عقب االنقالب العسكري بتركيا في ‪12‬‬
‫سبتمبر ‪ ،1980‬حيث استدعت أنقرة سفيرها في إسرائيل وطلبت من إسرائيل‬
‫أن تفعل الش����يء نفسه؛ ولم تعد العالقات إلى مستوى تبادل السفراء إال في‬
‫ديس����مبر ‪ .1991‬وفي ذات التوقيت (‪ )1980‬كان قد جرى رفع مستوى تمثيل بعثة‬
‫منظمة التحرير الفلس����طينية بأنقرة إلى مس����توى س����فارة رداً على االنتقادات‬
‫الحادة التي وجهها الغرب إلى تركيا المتناعها عن التصويت على قرار الجمعية‬
‫العامة لألمم المتحدة بإلغاء قرار مساواة الصهيونية بالعنصرية في عام ‪.)28(1976‬‬

‫‪5.5‬س����عي تركيا خالل عقد الس����بعينيات أيضاً‪ -‬وتحت وط����أة اعتبارات برجماتية‬
‫تتعلق بأزمة النفط وقتذاك‪ -‬إلى تعزيز التقارب مع جيرانها العرب والمس����لمين‬
‫بمنطقة الش����رق األوس����ط؛ حيث لجأت الحكومة التركية إلى مواجهة أس����عار‬
‫النف����ط المرتفعة من خالل زيادة صادراتها من البضائع والخدمات إلى المنطقة‬
‫العربي����ة وإيران‪ ،‬بحيث ارتفعت قيمة هذه الص����ادرات من ‪ 2‬مليار دوالر في عام‬
‫‪ 1975‬إلى ‪ 4.9‬مليوناً في عام ‪.)29( 1980‬‬

‫وهكذا يمكن القول‪ ،‬ارتباطاً بما تقدم‪،‬إن عقد الس����بعينيات ش����هد تحو ًال إيجابياً‬
‫واضحاً في السياسة الخارجية التركية تجاه الدائرة العربية اإلسالمية الشرق أوسطية؛‬
‫وه����و التحول ال����ذي ارتبط بمزيج من االعتب����ارات البرجماتي����ة والعقائدية على النحو‬
‫المتقدم‪ .‬غير أن س����نوات الثمانينيات سرعان ما جاءت بتراجع بائن في هذا المضمار‬
‫أعاد العالقات بين تركيا وجاراتها العربيات إلى األجواء الجليدية التقليدية‪ .‬وقد دفع إلى‬
‫هذا التراجع ثالثة عوامل يمكن إيجازها فيما يلي‪:‬‬

‫‪13‬‬
‫ •قناعة األتراك بأن العرب تخاذلوا عن دعمهم دبلوماسياً في العديد من المواقف‬
‫الدولي����ة(‪ )30‬الت����ي كانت تتطلب مثل ه����ذا الدعم؛ فعلى س����بيل المثال لم تعر‬
‫الدول العربية اهتماماً لس����عي تركيا إلى تكريس ما تراه حق القبارصة األتراك‬
‫في تقرير مصيرهم‪ ،‬ووقف العالم العربي موقفاً س����لبياً إزاء المطالبات التركية‬
‫الملحة في هذا الصدد س����واء في أروقة األمم المتحدة أو حتى منظمة المؤتمر‬
‫اإلسالمي‪ ،‬واألدهى من ذلك ‪-‬حسب وجهة النظر التركية‪ -‬أن العديد من الدول‬
‫العربية ارتبطت بعالقات ودية مع القبارصة اليونانيين (أعداء األتراك اللدودين)؛‬
‫واعترف����ت بالحكومة القبرصية اليونانية بوصفها اإلدارة الش����رعية الوحيدة في‬
‫الجزيرة‪ .‬على صعيد آخر امتعضت تركيا بش����دة إزاء المواقف المتخاذلة لبعض‬
‫الدول العربية حينما تقدم األتراك بمسودة قرار أمام منظمة المؤتمر اإلسالمي‬
‫يهدف إلى التنديد بس����لوك بلغاريا العدواني تجاه األقلية التركية خالل عامي‬
‫‪ 1986‬و‪1987‬؛ حين ش����رع الزعيم البلغاري زيفكوف إذاك في حملة دمج قسري‬
‫لعناص����ر تل����ك األقلية‪ ،‬عل����ى نحو أدى إلى ف����رار ما يزيد ع����ن الثالثمائة ألف‬
‫منه����م إلى تركيا‪ .‬وكان الموقف صادماً لألت����راك حين امتنعت كل من الجزائر‬
‫وسوريا ومنظمة التحرير الفلسطينية عن دعم المشروع التركي إرضا ًء لبلغاريا‬
‫وسيدها السوفيتي‪.‬‬

‫ •ش����روع األتراك ‪-‬بدءاً من ع����ام ‪ -1983‬دونما أي اعتبار لموقف كل من س����وريا‬


‫والعراق في تدش����ين مشروع جنوب ش����رق األناضول بكل ماله من آثار سلبية‬
‫خطي����رة على حصة كل من الجارتي����ن العربيتين في مياه نهري الفرات ودجلة‪،‬‬
‫على النحو الذي سنعرض له الحقاً‪.‬‬

‫ •اته����ام تركيا للس����وريين بأنهم الداعم الرئيس����ي لحزب العمال الكردس����تاني‬


‫المطالب بانفصال كردس����تان التركية عن البالد‪ ،‬وهو الحزب الذي كان قد ظهر‬
‫إلى حيز الوج����ود مع بداية عقد الثمانينيات؛ ويعتب����ره األتراك منظمة إرهابية‬
‫شديدة الخطورة على أمنهم القومي‪ ،‬وذلك ‪-‬أيضاً ‪ -‬على النحو الذي سنعرض‬
‫له بشيء من التفصيل الالحق‪.‬‬

‫وجملة القول في شأن هذه المرحلة‪ ،‬والتي تمتد من عام ‪ 1923‬إلى عام ‪ 1989‬تقريباً‪،‬‬
‫أن السياسة الخارجية لم تكن خاللها ‪-‬كما هو شائع ‪ -‬سلبية تماماً إزاء الدائرة العربية‬

‫‪14‬‬
‫اإلسالمية؛ إذ على حين اتس����مت خالل عقود العشرينيات والثالثينيات واألربعينيات‬
‫بتجاه����ل تلك الدائرة‪ ،‬اتخذت مواقف اعتبرت على الصعيد العربي اإلس��ل�امي معادية‬
‫وممالئة للغرب خالل عقد الخمس����ينيات وحتى منتصف الس����تينيات تقريباً؛ غير أنها‬
‫تميزت خالل الس����نوات الالحقة وحتى نهاية الس����بعينيات تقريباً بتوجهات على قدر‬
‫بائن من اإليجابية إزاء القضايا العربية اإلس��ل�امية‪ ،‬ثم ع����ادت خالل عقد الثمانينيات‬
‫إلى ذات نهجها الذي سارت عليه خالل حقبة الخمسينيات والسنوات األولى من عقد‬
‫الستينيات‪ .‬ويالحظ كذلك أن الحقبة األولى الممتدة منذ تأسيس الجمهورية التركية‬
‫وحت����ى نهاية عقد األربعينيات كانت توجهات السياس����ة الخارجي����ة عموماً تميل إلى‬
‫االنزواء وعدم االنغماس في الش����ئون الدولية بصف����ة عامة‪ ،‬ولم يكن التجاهل التركي‬
‫وقتذاك قاصراً على الدائرة العربية اإلسالمية‪ .‬كذلك فإنه يجدر التنويه إلى أن األجواء‬
‫الس����لبية التي خيمت على أجواء العالقات التركية العربية لسنوات طويلة خالل تلك‬
‫الحقبة لم يكن مردها دائماً إلى مواقف تركية‪ ،‬وإنما أسهمت المواقف السلبية لبعض‬
‫ال����دول العربية أحياناً بنصيب وافر في تكري����س تلك األجواء‪ .‬أيضاً يتعين التأكيد على‬
‫أن السياس����ة التركية خ��ل�ال تلك الحقبة لم تكن مخاصمة تمام����اً لهوية تركيا كدولة‬
‫إس��ل�امية‪ ،‬إذ على الرغم من التزامها الص����ارم بالمبادئ الكمالية إال أنها اتخذت مواقف‬
‫عديدة ال يمكن تفس����يرها إال بردها إلى الهوية اإلسالمية التركية التقليدية‪ ،‬على نحو‬
‫ما عرضنا سلفاً‪.‬‬

‫يض����اف إلى كل ما تقدم أن مالحظة تاريخ السياس����ة الخارجية خالل تلك الحقبة‬
‫الطويلة تش����ير إلى أن الفترات التي شهدت قطيعة تركيا لمحيطها العربي اإلسالمي‬
‫ه����ي ذاته����ا فترات توافقها الكامل مع الغرب وعلى رأس����ه الوالي����ات المتحدة‪ ،‬والعكس‬
‫صحي����ح‪ .‬فخالل حقبة الجف����اء التركية العربية األولى الممتدة من����ذ نهاية األربعينيات‬
‫(تاريخ اعتراف األتراك بإس����رائيل) وحتى منتصف عقد الستينيات كانت عالقات تركيا‬
‫م����ع الغ����رب على خير ما يرام؛ باعتبارها طرفاً فاع ً‬
‫ال ف����ي أحالفه الرامية إلى حصر المد‬
‫الش����يوعي وعلى رأسها حلف ش����مال األطلنطي‪ .‬في حين أن التحسن الذي شهدته‬
‫أج����واء العالقات التركية العربية منذ منتصف الس����تينيات وحتى نهاية الس����بعينيات‬
‫تواك����ب مع تدهور في العالق����ات التركية األمريكية‪ ،‬وهو التده����ور الذي كان مرده إلى‬
‫امتع����اض األتراك من الموقف األمريكي غير الداعم لهم خالل األزمة القبرصية األولى‬
‫عام ‪.)31( 1964‬‬

‫‪15‬‬
‫ث����م إن عودة أج����واء الجفاء لتخي����م على العالق����ات التركية العربي����ة خالل عقد‬
‫الثمانينيات تواكبت أيضاً مع التحسن الكبير لعالقات تركيا مع الغرب والسيما الواليات‬
‫المتحدة؛ على إثر اس����ترضاء األمريكيين لألتراك بغية إعادتهم إلى حظيرة الغرب في‬
‫أعقاب ذلك الحدث المدوي المس����تجد على الصعيد الش����رق أوس����طي في بداية عام‬
‫‪ 1979‬والمتمثل في الثورة اإلسالمية اإليرانية؛ التي حولت إيران من شرطي أمريكا في‬
‫الخليج إلى واحدة من ألد الدول المعادية‪ ،‬وبالتالي كانت الحاجة األمريكية لتركيا ملحة‬
‫كدولة أطلنطية شرق أوسطية لمواجهة واحتواء ذلك العدو المستجد(‪. )32‬‬

‫ولكن ماذا عن السياس����ة الخارجية التركية خالل حقبة التسعينيات أو ما يسمى‬


‫بعصر العثمانية الجديدة؟‪ ،‬ذلكم هو ما سنعرض له فيما يلي‪:‬‬

‫‪16‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫السياسة الخارجية التركية ومرحلة العثمانية الجديدة‬

‫تواكب ظهور مصطلح العثمانية الجديدة ‪ New-Ottmanism‬مع اعتالء تورجوت‬


‫أوزال س����دة الحكم في أنقرة عام ‪1989‬؛ حيث كان قد أدى اليمين الدس����تورية كرئيس‬
‫لتركيا في التاس����ع من نوفمبر من ذلك العام وفي ذات اليوم الذي ش����هد سقوط حائط‬
‫برلين‪ ،‬ذلك الحدث الذي يؤرَخ به لنهاية حقبة الحرب الباردة في العالقات الدولية (‪.)33‬‬

‫وقد سعى أوزال ‪-‬على حد قول البعض‪ -‬إلى اإلفادة من الظروف الدولية المستجدة‬
‫والمواتي����ة المصاحبة لتقلص ح����دة الصراع الدولي في إضف����اء توجهه االنفتاحي على‬
‫مسار السياسة الخارجية التركية (‪.)34‬‬

‫وذلكم هو التوجه الذي كان الزعيم التركي قد عبر عنه في مناسبات عديدة بقوله‪:‬‬
‫«أنا مقتنع بأن على تركيا أن تدع سياساتها السلبية والمترددة السابقة‪ ،‬وأن تدخل في‬
‫سياسة خارجية نشطة» (‪.)35‬‬

‫وارتباط����اً بهذا التوجه الجديد دخلت منطقة الش����رق األوس����ط ‪-‬من����ذ بداية عقد‬
‫التس����عينيات‪ -‬في مجال اهتمام الساس����ة والعس����كريين األت����راك مدفوعين في ذلك‬
‫باعتبارات أمنية(‪.)36‬‬

‫‪17‬‬
‫غير أنه مما تتعين اإلشارة إليه أن أوزال القى صعوبات عديدة في بادئ األمر؛ لكي‬
‫يدشن سياسته الجديدة‪ ،‬حيث عارضت الجمعية الوطنية منحه سلطات واسعة حينما‬
‫طلب قيام تركيا بدور رئيس����ي في التحالف الذي قادت����ه الواليات المتحدة ضد العراق‬
‫خالل حرب الخليج الثانية عام ‪ ،1991‬إال أن الرئيس التركي ‪-‬برغم ذلك‪ -‬قام بإغالق خط‬
‫األنابيب الذي ينقل النفط العراقي عبر األراضي التركية‪ ،‬كما س����مح لطائرات التحالف‬
‫بشن غارات انطالقا من قواعد عسكرية داخل تركيا‪ ،‬وحشد قواته على امتداد الحدود‬
‫التركية مع العراق (‪ ،)37‬وهي اإلجراءات التي لقيت معارضة ش����ديدة من قبل بعض أفراد‬
‫النخب����ة الكمالية التقليدية‪ .‬فعلى س����بيل المثال كتب الجن����رال تورمتاي قائد األركان‬
‫العامة للقوات المسلحة قائال‪« :‬فليكن معلوما أن األمة التركية وقادتها لم ينسوا كيفية‬
‫انجرارن����ا للدخول في الحرب العالمية األولى ومآس����يها‪ ،‬وفي ذلك مثال تاريخي واضح‬
‫لمغامرة نبعت أساس����ا من قرارات فردية وطموحات طائش����ة»‪ ،‬ووصف تورمتاي القرار‬
‫الت����ي اتخذه أوزال بأنه مقامرة ومغامرة تهدد بجر بالدنا إلى الس����قوط في المس����تنقع‬
‫الشرق األوسطي‪ ،‬مؤكداً أن التورط في نزاعات خارجية يهدد مصالح تركيا (‪.)38‬‬

‫إذن فقد كان المبدأ االنعزالي الكمالي ال يزال ‪-‬برغم مرور عقود عديدة على رحيل‬
‫مؤسس����ه‪ -‬يجد له أنصاراً عديدين يتش����بثون به بين كبار صانع����ي القرار التركي مع‬
‫بداية سني التسعينيات‪ ،‬وعلى الرغم من ذلك خاضت تركيا في ما يصر عتاة الكمالية‬
‫على تسميته بالمستنقع الشرق أوسطي‪.‬‬

‫ومهما يكن األمر فإنه يمكن القول بأن عقد التسعينيات كان يمثل بالنسبة إلى‬
‫السياس����ة الخارجية التركية عقد إس����رائيل‪ ،‬ذلك بأن هذا العقد شهد تقارباً دبلوماسياً‬
‫و تعاوناً عس����كرياً غير مسبوقين بين تركيا والدولة العبرية‪ ،‬في ذات الوقت الذي حفل‬
‫بالتصعيد الدبلوماسي والعسكري التركي تجاه سوريا‪ ،‬و تواكب مع تصاعد أجواء التوتر‬
‫السياسي واأليديولوجي مع إيران‪ .‬وبدت تركيا خالل ذلك العقد على حد قول البعض؛‬
‫وكأنها على اس����تعداد الس����تخدام القوة المس����لحة كأداة من أدوات سياستها الخارجية‬
‫دفاعاً عن مصلحتها القومية (‪.)39‬‬

‫إنه ‪-‬إذاً‪ -‬عقد التقارب التركي اإلسرائيلي؛ كما هو عقد الجفاء مع سوريا‪ ،‬وتلكم هي‬
‫الحقيقة التي تبدو جلية في ثنايا التحليل التالي للعالقات بين تركيا وتينك الدولتين‬
‫خالل عقد التسعينيات‪:‬‬

‫‪18‬‬
‫أو ً‬
‫ال‪ :‬العالقات التركية السورية خالل عقد التسعينيات‪:‬‬

‫لقد خيمت أجواء العداء ‪-‬كما سبق أن أشرنا‪ -‬في أفق العالقات التركية السورية‬
‫طيلة أغلب س����نوات التس����عينيات‪ ،‬وتمحور الصراع بين الدولتي����ن حول ثالث قضايا‬
‫أساسية تدور حول اتهام تركيا للس����وريين بدعم حزب العمال الكردستاني‪ ،‬وخالفات‬
‫الدولتين حول اقتسام مياه نهر الفرات‪ ،‬إلى جانب مشكلة لواء اإلسكندرونة التي طالما‬
‫ال منغصاً ألجواء العالقات بين الدولتين منذ س����نوات العشرينيات‪ .‬فعلى‬
‫ش����كلت عام ً‬
‫صعيد المس����ألة الكردي����ة ‪-‬بادئ ذي بدء‪ -‬كان حزب العمال الكردس����تاني قد طفا على‬
‫س����طح األحداث مع بداية عقد الثمانينيات؛ وفي أعقاب أربعة عقود من الهدوء النسبي‬
‫ش����هدتها الس����احة الكردية التركية‪ ،‬ويمثل الحزب تنظيماً عرقياً انفصالياً تأسس على‬
‫يد الزعيم الكردي عبد اهلل أوجالن في نهاية السبعينيات‪ ،‬غير أنه بلغ أوج قوته بحلول‬
‫الس����نوات األولى لعق����د الثمانينيات بعد فرار أوجالن إلى لبنان حيث ش����رع ‪-‬وبدعم‬
‫سوري هائل‪ -‬في تأسيس ميلشيات كردية مسلحة راحت تتسلل بمساعدة السوريين‬
‫إلى كردستان التركية وتبادر بشن حرب عصابات شعواء في مواجهة األتراك (‪.)40‬‬

‫وقد تكبدت تركيا خسائر فادحة في األرواح والممتلكات من جراء تلك الحرب التي‬
‫ش����هدت اآلالف من عمليات العنف نفذها حزب أوجالن خالل س����نوات التسعينيات‪،‬‬
‫وه����ي العملي����ات التي لم تقتصر مراميها عل����ى الداخل التركي وإنما امتدت لتش����مل‬
‫المباني والمنش����آت التركي����ة الموجودة بالخارج‪ ،‬حيث قام أتباع الحزب ‪-‬على س����بيل‬
‫المثال‪ -‬في يونيو ‪ 1993‬بجملة هجمات مس����لحة اس����تهدفت الس����فارات والقنصليات‬
‫والمصارف التركية في أكثر من ثالثين مدينة داخل كل من ألمانيا وفرنس����ا وسويسرا‬
‫والدانمارك والسويد (‪ .)41‬وارتباطا بما تقدم اعتُبر أوجالن بحق عدو تركيا واألتراك األول‬
‫وأصبح القضاء عليه واستئصال شأفة حزبه هدفاً محورياً ملحاً لدى الساسة األتراك‪ ،‬كما‬
‫كان من الطبيعي أن تش����كل المشكلة الكردية الشاغل األكبر لصانع السياسة التركي‬
‫منذ نشأة الجمهورية في البالد‪.‬‬

‫على أية حال ففي ظل التصاعد الكبير لهجمات حزب العمال الكردس����تاني على‬
‫المقدرات التركية خالل سنوات التسعينيات راح األتراك يلقون بالالئمة على جيرانهم‬
‫السوريين؛ وذلك على اعتبار أن سوريا هي الداعم الكبير لعبد اهلل أوجالن وحزبه‪ ،‬كما‬
‫أنها كانت وقتذاك تس����تضيفه على أراضيها‪ .‬فلقد جرى السوريون على استخدام ورقة‬

‫‪19‬‬
‫المشكلة الكردية كأداة للضغط على تركيا عسى أن يقدم األتراك لهم بعض التنازالت‬
‫فيم����ا يتصل بخالفات الدولتين حول اقتس����ام مياه نهر الفرات‪ ،‬وه����ي الخالفات التي‬
‫نجمت عن شروع تركيا في بناء العديد من السدود على ذلك النهر في إطار المشروع‬
‫الضخم المعروف بمش����روع منطقة جنوب األناضول(جواب) والذي خصصت له ميزانية‬
‫ضخمة بلغت ‪ 30‬مليار دوالر(‪ ،)42‬ولم يكترث األتراك بما جره المش����روع على س����وريا من‬
‫مش����كالت جمة؛ وأكدوا دوماً س����يادتهم على المياه وحقهم المطلق فيها‪ .‬وعلى سبيل‬
‫المثال صرح س����ليمان ديميريل رئيس الوزراء األسبق قائال في هذا الصدد‪ « :‬ال يمكن‬
‫ألي من س����وريا أو العراق أن تدعي حقاً في األنهار التركية أكثر مما تس����تطيع أنقره أن‬
‫تدعي حقا في نفطهما‪ .‬إنها مس����ألة س����يادة‪ ،‬نحن نملك الحق في أن نفعل ما نش����اء‪.‬‬
‫مناب����ع الماء تركية‪ ،‬ومنابع النفط عائدة إليهما‪ .‬نحن ال نزعم أن لنا حصة في ثرواتهما‬
‫النفطية؛ وهما ال تستطيعان المطالبة بحصة من الموارد المائية»(‪.)43‬‬

‫وعلى صعيد ثالث كانت هناك ‪-‬كما أس����لفنا اإلش����ارة‪ -‬القضية األخرى التي طالما‬
‫كرس����ت التوتر في أجواء العالقات بين الدولتين؛ والمتعلقة بلواء اإلس����كندرونة الواقع‬
‫حالي����اً ضم����ن األراضي التركي����ة ويطلق عليه األت����راك إقليم هاتاي‪ ،‬ف����ي حين يعتبره‬
‫الس����وريون تاريخياً جزءاً ال يتجزأ من األراضي السورية وحقا أصيال لبالدهم‪ .‬وارتباطا‬
‫ب����كل ما تقدم فقد ش����هدت األع����وام (‪ )1998 ،1997 ،1996‬بصفة خاصة تده����وراً حاداَ في‬
‫العالقات التركية الس����ورية‪ ،‬ولم يتردد الساس����ة األتراك في تهديد سوريا بالحرب في‬
‫أكثر من مناس����بة (‪ ،)44‬فعلى س����بيل المثال راح رئيس الوزراء مسعود يلماظ في خطاب‬
‫له ألقاه في اإلس����كندرونة (هاتاي) في أبريل ‪1997‬؛ يتوعد الس����وريين قائال‪« :‬إن بعض‬
‫جيراننا يوفرون المأوى ألولئك الذين يس����عون لتدمير وحدة بالدنا‪ ...‬فإما أن يضع ذلك‬
‫ال على تلك العداوة‪...‬‬ ‫الجار حداً لهذا الوضع؛ وإما أنه سيعاقب بكل تأكيد إن عاج ً‬
‫ال أو آج ً‬
‫نحن األتراك ش����عب صبور ولكن عندما ينفد صبرنا س����يكون رد فعلنا عنيفاً»(‪ .)45‬وفي‬
‫ذات الش����هر ألقى األتراك بمزيد من ضغوطهم على السوريين متهمين إياهم بتدبير‬
‫عمليات تخريبية في هاتاي وبحشد الجيوش على طول الحدود مع تركيا‪ ،‬وواكب ذلك‬
‫اإلعالن بأن تركيا ستش����ارك في تدريبات عسكرية مش����تركة مع القوات اإلسرائيلية‬
‫واألمريكية في شرقي البحر المتوسط خالل شهر نوفمبر ‪ .)46(1997‬وبلغ التدهور ذروته‬
‫في عام ‪ 1998‬حين وقفت الدولتان على ش����فا الصراع المس����لح الدامي ؛إذ هدد األتراك‬
‫باجتياح س����وريا إن لم يقم الس����وريون بتسليم أوجالن‪ ،‬وتحت وطأة الضغوط التركية‬

‫‪20‬‬
‫الهائلة اضطرت سوريا إلى إخراج الزعيم الكردي من أراضيها‪ ،‬حيث تمكنت المخابرات‬
‫التركية ‪-‬في وقت الحق و بمس����اعدات اس����تخباراتية أمريكية إسرائيلية‪ -‬من القبض‬
‫علي����ه في فبراي����ر ‪ 1999‬بكينيا التي كانت محطته األخيرة ف����ي رحلة تنقل خاللها بين‬
‫العديد من الدول على إثر مغادرته سوريا (‪.)47‬‬

‫وعل����ى العكس مم����ا تقدم كانت أج����واء العالقات التركية اإلس����رائيلية خالل عقد‬
‫التس����عينيات أقرب م����ا تكون إلى التحالف‪ ،‬وذلك على النحو الذي س����نعرض له فيما‬
‫يلي‪:‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬العالقات التركية اإلسرائيلية خالل عقد التسعينيات‪:‬‬

‫شهدت سنوات التسعينيات ‪-‬كما أسلفنا اإلشارة‪ -‬تقارباً غير مسبوق في العالقات‬
‫التركية اإلس����رائيلية‪ ،‬وقد تجس����د هذا التقارب بوضوح من خ��ل�ال جملة من الزيارات‬
‫المتبادل����ة المكثفة قامت بها قيادات كلتي الدولتين للدولة األخرى؛ وعلى نحو أس����فر‬
‫عن توطيد عالقاتهما في مختلف المجاالت السياس����ية‪ ،‬والعس����كرية‪ ،‬واالقتصادية‪،‬بل‬
‫والس����ياحية‪ .‬إنه التقارب الذي تم تدشينه في عام ‪ 1992‬حينما رفعت الدولتان التمثيل‬
‫الدبلوماسي بينهما إلى مستوى السفراء(‪ ،)48‬والذي كان منطقياً ومبرراً من قبل الداعين‬
‫إليه في ظل ما لمس����وه من س����عي عربي للتصالح مع إس����رائيل خالل مؤتمر مدريد‬
‫المنعق����د في أكتوبر ‪ .1991‬لقد تص����دت الخارجية التركية للمعارض����ة الداخلية الرافضة‬
‫للتطبي����ع مع إس����رائيل ببيان����ات مفادها أنه ال داع����ي ألن نكون عرب����اً أكثر من العرب‬
‫أنفس����هم؛ فما دامت الدول العربية بما فيها منظمة التحرير الفلسطينية تسعى إلقامة‬
‫عالقات مع إسرائيل فلم ال تنحو تركيا منحاهم؟(‪.)49‬‬

‫على أية حال فقد سارت العالقات التركية اإلسرائيلية قدماً نحو التطبيع والتقارب‪،‬‬
‫حيث قام وزير الخارجية التركي حكمت تش����تين بزيارة إس����رائيل في ‪ 14‬نوفمبر ‪،1993‬‬
‫وكان وقتها أرفع مس����ئول تركي زار تل أبيب منذ نش����أة الدول����ة العبرية في عام ‪،1948‬‬
‫واعتبرت الزيارة استمراراً للعهد الجديد في العالقات التركية اإلسرائيلية؛ حيث وقعت‬
‫خاللها عدة اتفاقيات في مجال التعاون االقتصادي والس����ياحي والتبادل الثقافي‪ .‬وصرح‬
‫تشتين لدى عودته إلى أنقرة قائالً‪« :‬سوف يحدث مزيد من التطوير للعالقات التركية‬
‫اإلسرائيلية في كافة الميادين‪.‬لقد اتفقنا على ضرورة التعاون بين تركيا وإسرائيل إلعادة‬
‫هيكلة الش����رق األوس����ط»(‪ .)50‬واس����تمراراً لذات النهج التقاربي قام الرئيس اإلسرائيلي‬

‫‪21‬‬
‫عيزرا وايزمان‪ ،‬في ‪ 24‬يناير ‪ ،1994‬بزيارة ألنقرة؛ حيث أعلن من هناك دعم بالده لألتراك‬
‫فيما يتصل بالمش����كلة الكردية قائال‪« :‬ليس في اس����تطاعة المنطقة أن تتحمل دولة‬
‫فلس����طينية‪ ..‬فه����ل نزيد عل����ى ذلك دولة كردي����ة؟!» (‪ .)51‬وفي ‪ 13‬نوفمبر م����ن ذات العام‬
‫قامت رئيس����ة الوزراء التركية تانسو تشلر بزيارة إس����رائيل؛ وكان من الالفت في هذا‬
‫الخصوص أنها كانت رئيس الوزراء الوحيد في العالم (باس����تثناء رؤساء وزراء إسرائيل‬
‫بطبيعة الحال) الذي أطلق على األراضي الفلسطينية (األرض الموعودة)(‪.)52‬‬

‫وعل����ى ذات الصعي����د ش����هد ع����ام ‪ 1996‬ذروة التقدم ف����ي مضمار التق����ارب التركي‬
‫اإلس����رائيلي ففي ‪11‬مارس من ذلك العام وصل س����ليمان ديميريل إلى القدس في أول‬
‫زيارة من نوعها يقوم بها رئيس تركي إلى إس����رائيل(‪ ،)53‬حيث تم التوقيع على اتفاقية‬
‫للتج����ارة الحرة بهدف مضاعفة حجم التجارة بي����ن الدولتين أربعة أضعاف؛ حيث كان‬
‫ق����د زاد زي����ادة كبيرة ليبلغ ‪ 500‬ملي����ون دوالر في عام ‪ 1996‬وبتوقي����ع االتفاقية صار الهدف‬
‫المنش����ود أن يبلغ ملياري دوالر في عام ‪ .1999‬كما تضمنت االتفاقية مش����روعات أخرى‬
‫مشتركة بين الدولتين؛ تشمل األقمار التجارية وتقل البضائع وتوليد الكهرباء والتصنيع‬
‫المشترك لألسلحة‪ .‬كذلك فقد استهدفت رفعاً تدريجياً للحواجز والتعريفات الجمركية‬
‫عن معظم السلع‪ .‬وعلى صعيد السياحة بلغ عدد السياح اإلسرائيليين إلى تركيا ‪ 300‬ألفا‬
‫في عام ‪ 1996‬وتوقع المراقبون أن يصل الرقم إلى ‪ 350‬ألفا في عام ‪ ،)54(1999‬كما قام رئيس‬
‫األركان التركي الجنرال تش����يفيك بير‪ ،‬في ذات الش����هر‪ ،‬بتوقيع اتفاقية في إس����رائيل‬
‫للتع����اون بين القوات الجوية والبحرية للدولتين (‪ .)55‬كذلك فقد عاود وايزمان زيارة أنقرة‬
‫ف����ي يونيو ‪ ،1996‬وفي حديث له أمام مؤتمر األمم المتحدة لش����ئون اإلس����كان والبيئة‬
‫قال‪«:‬إن العالقات الدافئة التي تعززت بين زعماء إسرائيل وتركيا تشكل انعكاساً دقيقاً‬
‫للعالقات بين ش����عبينا وبلدينا‪ ،‬لقد تحس����نت العالقات بيننا خالل السنوات األخيرة‬
‫بسرعة‪،‬فالزعامة السياس����ية في البلدين تلتقي في أوقات متقاربة وتحافظ على حوار‬
‫دائم» (‪.)56‬‬

‫واس����تمراراً لنفس السياس����ة قام رئيس األركان التركي إس����ماعيل حقي‪ ،‬في ‪24‬‬
‫مارس ‪ 1997‬بزيارة إلسرائيل‪ ،‬وفي ‪ 12‬أكتوبر من ذات العام رد نظيره اإلسرائيلي أمنون‬
‫ش����حاك الزي����ارة حيث بحث مع الجانب التركي بأنقرة س����بل التعاون المش����ترك في‬
‫مجال اإلنتاج المشترك للصواريخ أرض أرض وإنشاء نظام اتصاالت متطور عبر األقمار‬

‫‪22‬‬
‫الصناعية لتبادل المعلومات العس����كرية واالس����تخباراتية واألمنية‪ ،‬والبحث في تطوير‬
‫صفقة ضخمة تشتري بمقتضاها تركيا دبابات إسرائيلية (‪.)57‬‬

‫ومهما يكن األمر فإن التقارب الكبير في العالقات التركية اإلسرائيلية خالل عقد‬
‫التس����عينيات كان يرتد إلى اعتبارات برجماتية بحتة‪ ،‬كما أن هذا التقارب ذاته استتبع‬
‫‪-‬حين ش����رع فيه األتراك‪ -‬تجاهل اعتبارات الهوية‪ ،‬الس����يما وأنه تواكب مع تدهور حاد‬
‫في العالقات التركية الس����ورية‪ .‬فالمؤسسة األتاتوركية الحاكمة التي اعتمدت سياسة‬
‫التطبيع مع إسرائيل ومن ثم التحالف اإلستراتيجي معها كانت ‪-‬على حد قول البعض‪-‬‬
‫(‪)58‬‬
‫تأمل من وراء ذلك في أن يتحقق لها ما يلي‪:‬‬

‫‪1 .1‬الحصول على باب خلفي موصل إلى واش����نطن من خالل المساعي الحميدة‬
‫إلسرائيل في مواجهة اللوبيين اليوناني واألرمني في الكونجرس األمريكي‪.‬‬

‫‪2 .2‬تأكي����د التوج����ه الغربي لتركي����ا في أعقاب رف����ض االتحاد األورب����ي لمحاولتها‬
‫الحصول على عضويته‪ ،‬وبالتالي أراد األتراك أن يدعموا أوراق اعتماد بالدهم و‬
‫مؤهالتها العلمانية كدولة أوربية‪.‬‬

‫‪3.3‬التص����دي للدع����م اإلقليمي (وعلى األخص من قبل إيران وس����وريا) للجماعات‬


‫اإلسالمية المحلية وحزب العمال الكردستاني‪.‬‬

‫‪ 4 .4‬تأمي����ن مص����در جديد معتمد للتقنيات العس����كرية ال يخضع للقيود المرتبطة‬


‫بحقوق اإلنسان‪.‬‬

‫وعلى الرغم من كل ما تقدم فإن المتتبع للسياسة التركية خالل حقبة التسعينيات‬
‫يدرك بجالء أن س����نوات تلك الحقبة لم تخل في أحايين عديدة من نزوع تركي إلى‬
‫إعادة االعتبار لهوية البالد التقليدية‪ ،‬وبالتالي السعي إلى مد جسور التقارب مع الدائرة‬
‫العربية اإلس��ل�امية‪ .‬ففي هذا السياق ليس بمقدور أي محلل تجاهل مواقف القيادات‬
‫التركية ذات التوجه اإلس��ل�امي حال نجم الدين أربكان زعيم حزب الرفاه‪ ،‬والذي كان‬
‫قد عال نجمه في أفق السياسة التركية في منتصف تسعينيات القرن الماضي قبل أن‬
‫يخبو سريعا تحت وطأة الضغوط الهائلة التي تعرض لها من قبل المؤسسة العسكرية‬
‫الت����ي يهيمن عليها غ��ل�اة العلمانيين األتاتوركيين المناوئين ألي توجه إس��ل�امي (‪.)59‬‬

‫‪23‬‬
‫فلق����د كان توجه أربكان إس��ل�امياً صرفاً عبر عنه بوضوح حت����ى أثناء حملته االنتخابية‬
‫في عام ‪ ،1996‬حين قال‪«:‬إن الصهاينة يسعون إلى استيعاب تركيا واجتثاثنا من جذورنا‬
‫التاريخية اإلس��ل�امية عن طري����ق دمجنا بالجماعة األوربية»‪ .‬كذل����ك فقد عمد أربكان‬
‫‪-‬وفي مناسبات عديدة‪ -‬إلى تصوير إسرائيل على أنها مركز عالمي لألنشطة المعادية‬
‫لإلسالم‪ .‬وفي أعقاب هجوم إسرائيل على لبنان في أبريل ‪ 1996‬وزع أتباع حزب الرفاه‬
‫أش����رطة فيديو تصور الدم����ار الذي خلفه القصف في قانا‪ )60(.‬يش����ار كذلك إلى مضمون‬
‫الالفت����ات التي كانت ترفع من قبل مؤيدي أربكان في أوس����اط حزب الرفاه والحركات‬
‫اإلسالمية الشعبية من شاكلة‪( :‬وس����ائل اإلعالم التركية خادمة إسرائيل) و(هذه تركيا‬
‫وليست إسرائيل) و(تركيا لن تصبح إسرائيل)‪ ،‬ناهيك عن اعتياد حرق العلم اإلسرائيلي‬
‫(‪)61‬‬
‫خالل هذه التظاهرات‪.‬‬

‫وفي المقابل حاول أربكان إعطاء نوع من األولوية للعالقات مع العالم اإلس��ل�امي‬
‫وهو أمر تجلى بوضوح في آلية (مجموعة الدول الثماني) األربكانية والتي اس����تهدفت‬
‫إقامة عالقات وثيقة بين تركيا وس����بع دول إس��ل�امية أخرى كبي����رة وهي إيران ومصر‬
‫وباكستان وبنجالديش وإندونسيا وماليزيا ونيجيريا (‪.)62‬‬

‫وفي ذات السياق أصيبت النخبة الكمالية بشيء من القلق جراء تحسن العالقات‬
‫التركية اإليرانية خالل والية أربكان‪ ،‬وهو التحس����ن الذي جرى تتويجه بزيارة صاحبها‬
‫ضجيج إعالمي صاخب لرئيس الجمهورية اإليراني على أكبر هاش����مي رفس����نجاني‬
‫إلى تركيا في ديسمبر ‪.)63( 1996‬‬

‫ويش����ار كذل����ك في هذا الص����دد إلى إجبار الس����فير اإليراني ‪-‬تح����ت وطأة ضغوط‬
‫هائل����ة للعلمانيين األتراك‪ -‬على مغ����ادرة البالد في فبراير ‪ 1997‬بعد قيامه بإلقاء خطاب‬
‫جماهيري‪ ،‬في احتفالية عرفت باس����م «ليلة القدس» أقيمت بضاحية سنجان القريبة‬
‫من أنق����رة؛ امتدح فيه على المأل جملة المواقف األصولي����ة المناوئة للعلمانية (‪ ،)64‬وهي‬
‫المناسبة التي كان قد دعا إليها وشارك فيها رئيس بلدية سنجان المنتمي إلى حزب‬
‫الرفاه؛ والتي سارع الجيش التركي في اليوم التالي لها إلى إرسال الدبابات عبر شوارع‬
‫سنجان و اعتقال رئيس البلدية‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫وقد اعتبرت سياس����ات الرفاه عموما منافية للمب����ادئ الكمالية ومهددة للعلمانية‪،‬‬
‫ولم يمض وقت طويل حتى تحركت جحافل الكماليين يتقدمهم كبار رجاالت الجيش‬
‫تحذر من مخاطر األصولية اإلسالمية؛ وتدعو إلى وضع حد للحكومة االئتالفية؛ وحظر‬
‫حزب الرفاة الذي اعتبر بؤرة للنشاط المعادي للعلمانية‪ ،‬لكي تبدأ بذلك مرحلة جديدة‬
‫من مراحل الصراع الحاد مع اإلس��ل�اميين والحصار الشديد عليهم من قبل العلمانيين‬
‫والس����يما العس����كريين‪ .‬ففي أبريل ‪ 1997‬أعلنت القوات المسلحة عن صياغتها لمفهوم‬
‫لإلس����تراتيجية العسكرية القومية يصف الحركات اإلسالمية صراحة بأنها العدو رقم ‪1‬‬
‫للدولة التركية جنباً إلى جنب مع االنفصاليين األكراد‪ ،‬وبلغ التصعيد ذروته حينما قامت‬
‫القوات المس����لحة باتخاذ خطوة لم يس����بق لها مثيل حيث كلفت النائب العام للدولة‬
‫ب����أن يطلب إلى المحكمة الدس����تورية حظ����ر حزب الرفاه‪ ،‬ثم أعلنت ف����ي يونيو ‪1997‬‬
‫عن اس����تعدادها الستخدام القوة ضد مظاهرات اإلسالميين المناهضة إلغالق مدارس‬
‫القرآن الكريم‪ ،‬وفي ‪ 18‬يونيو وتحت وطأة الضغط الهائل للعسكريين اضطر أربكان إلى‬
‫االستقالة من رئاسة الحكومة فيما عرف باالنقالب الهادئ‪ ،‬وتم تشكيل حكومة جديدة‬
‫بزعام����ة العلماني العتيق مس����عود يلماظ وحزبه الوطن األم الذي اس����تمر في مطاردة‬
‫اإلسالميين بل والمتعاطفين معهم حتى في صفوف الجيش (‪ .)65‬ولم يمض على ذلك‬
‫وقت طويل حتى وجه العلمانيون ضربتهم القاضية إلى حزب الرفاه‪ ،‬ففي ‪ 16‬يناير ‪1998‬‬
‫قضت المحكمة الدستورية بحل الحزب بدعوى انتهاكه للدستور العلماني لكي ينتهي‬
‫األم����ر بحل الحزب ومالحق����ة العديد من قياداته قضائيا بتهم����ة انتهاك القوانين التي‬
‫تؤكد الطابع العلماني للدولة‪ ،‬ليس����دل الس����تار بذلك على أربعة عشر عاماً من النفوذ‬
‫المتنامي لذلك الحزب ذي المرجعية اإلسالمية في الساحة السياسية التركية (‪.)66‬‬

‫ومهما يكن األمر فإن إقصاء حزب الرفاه لم يكن الحلقة األخيرة من حلقات الصراع‬
‫العلماني اإلس��ل�امي في تركيا؛ ذلك بأن ذلك الحزب لم يكن السهم األخير في جعبة‬
‫اإلسالميين األتراك‪ ،‬إذ س����رعان ما طفت على سطح الحياة السياسية التركية أحزاب‬
‫أخ����رى ذات نهج إس��ل�امي‪ .‬ولعل أقوى هذه األحزاب وأمضاه����ا تأثيراَ كان حزب العدالة‬
‫والتنمية الذي تأس����س على يد بعض تالمذة أرب����كان من أمثال رجب طيب أردوجان‬
‫وعب����د اهلل جول‪.‬وه����و الحزب الذي لم يلبث نجمه أن عال في أفق السياس����ة التركية‪،‬‬
‫فلم يمض س����وى وقت وجيز على إنشائه إال وكان قد اعتلى دست الحكم في البالد‪،‬‬
‫ليدخل بالسياسة الخارجية التركية مرحلة جديدة نعرض لها فيما يلي‪:‬‬

‫‪25‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫السياسة التركية في ظل حكم العدالة والتنمية‬

‫ب����دأت هذه المرحل����ة بوصول حزب العدال����ة والتنمية إلى س����دة الحكم على إثر‬
‫انتخابات عام ‪2001‬؛ إذ س����عت الحكومة الجديدة ذات الجذور اإلسالمية إلى إحداث نوع‬
‫من المصالحة الش����املة بي����ن تركيا ومحيطها العربي اإلس��ل�امي؛ بحيث راح األتراك‬
‫ينغمسون في شئون المنطقة العربية باعتبارها إحدى الدوائر عظيمة األهمية بالنسبة‬
‫إليه����م‪ .‬إنه التوجه الجديد الذي يجد أصوله الفكرية في كتاب (العمق اإلس����تراتيجي)‬
‫لألكاديمي التركي أحمد داود أوغلو‪ ،‬وهو الرجل الذي شغل فيما بعد منصب مستشار‬
‫األم����ن القوم����ي ومن ثم وزير الخارجية‪ .‬فلقد أكد أوغلو ف����ي كتابه الصادر عام ‪ 2000‬على‬
‫ضرورة العمل من قبل الساسة األتراك على المواءمة بين الهويتين األوربية واإلسالمية‬
‫للبالد‪ ،‬وانتهاج سياسة متوازنة تجاه كافة القوى العالمية واإلقليمية الفاعلة في المحيط‬
‫الجغراف����ي التركي‪ ،‬مع األخذ ف����ي االعتبار كون تركيا تقع ف����ي محيط جغرافي ثقافي‬
‫عظيم األهمية‪ ،‬وأنها مؤهلة لإلفادة من التواجد في محيطها الغربي (متضمناَ الواليات‬
‫المتح����دة)‪ ،‬مع عدم تجاهل ما يمكن أن تحققه من مصالح هامة في محيطاتها األخرى‬
‫المتمثلة بمناطق البلقان‪ ،‬وآسيا الوسطى‪ ،‬والشرق األوسط‪ .‬واعتبر أوغلو أنه من الخطأ‬
‫االستمرار في تجاهل المحيط اإلس��ل�امي للبالد والسيما الدائرة الشرق أوسطية (‪،)67‬‬
‫كما أنه لم يعد مقبو ًال التمادي في النظر إلى منطقة الشرق األوسط باعتبارها منطقة‬
‫عربي����ة مليئة باالضطراب����ات التي يتعين النأي عنها‪ .‬فلق����د آن األوان ألن تنتهج البالد‬

‫‪26‬‬
‫سياس����ة جديدة تجاه الشرق األوس����ط تس����تند على االعتبارات الجيو ثقافية والجيو‬
‫اقتصادية‪ ،‬وتأخذ بعين االعتبار تأثير المنطقة في السياسة العالمية‪ .‬وحدد أوغلو جملة‬
‫عناص����ر ارتأى أن تتأس����س عليها السياس����ة الجديدة المقترحة لب��ل�اده تجاه المحيط‬
‫الشرق أوسطي؛ ويمكن إيجاز أظهر هذه العناصر كما وردت بكتاب العمق اإلستراتيجي‬
‫(‪)68‬‬
‫فيما يلي‪:‬‬

‫ •تجاوز العوائق الس����يكولوجية التي أثرت سلباً على االنفتاح الدبلوماسي نحو‬
‫المنطقة‪.‬‬

‫ •إقام����ة وتطوي����ر مراكز بحثية ومعاه����د أكاديمية ينصب اهتمامه����ا على متابعة‬
‫وتقييم التطورات اإلقليمية وتقديم التصورات والس����يناريوهات بصدد التعامل‬
‫معها‪.‬‬

‫ •طرح مشروعات شاملة للمنطقة بأسرها‪.‬‬

‫ •إيج����اد نوع من التوازن بين التزامات تركيا المرتبطة بالتوازنات الدولية ودورها‬
‫المبتغى للتعامل مع الواقع السياسي للمنطقة‪.‬‬

‫ •المبادرة بتشكيل مجاالت المصالح المشتركة التي تعزز السلم بالمنطقة‪.‬‬

‫ •المب����ادرة والفعالية في التعامل مع المش����كالت اإلقليمي����ة وفي مقدمتها عملية‬


‫السالم في الشرق األوسط‪.‬‬

‫ •تكثي����ف االتصاالت وإقامة ش����بكة م����ن العالقات التي تدعم ص����ورة تركيا في‬
‫المنطقة‪.‬‬

‫وعلى صعيد الواقع فإن المتغيرات التي طرأت على الس����احة اإلقليمية منذ بداية‬
‫األلفية الثالثة ‪-‬على حد قول البعض‪ -‬حتمت على األتراك إعادة النظر في سياس����تهم‬
‫الخارجي����ة والتخفيف من غلواء توجهها الغربي‪ ،‬فتحدي����ات االحتالل األمريكي للعراق‬
‫وماجلبه من عدم استقرار في الشمال العراقي مثل مصدراً لقلق األتراك؛ شأنه في ذلك‬
‫ش����أن البرنامج النووي اإليراني ومايدور حوله من لغط سياسي‪ ،‬وكذا التواجد الروسي‬
‫في منطقة بحر قزوين‪ ،‬والمنافسة التركية الروسية على النفوذ في دول آسيا الوسطى‪،‬‬
‫كل ذل����ك في وق����ت لم تكن فيه العالقات م����ع الواليات المتحدة في أحس����ن أحوالها‪،‬‬

‫‪27‬‬
‫وكان ه����دف األتراك التاريخي ف����ي االنضمام لالتحاد األوربي يواج����ه عراقيل عديدة‪،‬‬
‫كما أن مش����كالتهم م����ع جيرانهم اليونانيين في بحر إيجة لما تزل مس����تعصية على‬
‫الحل‪ .‬ولقد اقترنت كل هذه الظروف والتحديات بوجود رغبة أكيدة لدى قيادات العدالة‬
‫والتنيمة في مد جس����ور التقارب مع الدول اإلس��ل�امية والس����يما دول منطقة الش����رق‬
‫األوس����ط العربية‪ .‬لقد حتمت كل ه����ذه العوامل ‪-‬كما يقول البع����ض‪ -‬على أنقرة اتباع‬
‫سياسة خارجية قوامها التوازن واعتماد أفكار من قبيل العمق اإلستراتيجي ‪Strategic‬‬
‫‪ ،Depth‬وتصفير المش����اكل ‪ ،Zero Problems‬والدبلوماسية المتناغمة ‪Rhythmic‬‬
‫‪ ،Diplomacy‬وانتهاج سياسة القوة الناعمة‪.)69( .‬وعلى حد قول البعض فإن تصور حزب‬
‫العدالة والتنمية للعالقات مع س����وريا قوامه أنه بينما س����عينا دوماً إلى عالقات سلسة‬
‫مع الواليات المتحدة؛ خلقنا توتراً خطيراً وعالقة عدائية مع س����وريا وهذا خطأ كبير‪ ،‬إذ‬
‫ليس ألحد أن يطلب من تركيا أن تصبح عدواً لس����وريا بالنيابة عن الواليات المتحدة‪.‬‬
‫إن السياس����ة التركية يتعين أن تدار بش����كل متوازن وبدون أية مبالغات‪ ،‬فال نخس����ر‬
‫الواليات المتحدة وال سوريا بأن نعمد إلى تجنب التصرفات التي تغضب كلتيهما‪ ،‬إنها‬
‫سياسة الال مشاكل أو تصفير المشكالت‪.)70( .‬‬

‫وفي إطار هذا التوجه الجديد ش����هدت العالقات التركية اإليرانية – بادئ ذي بدء‬
‫‪ -‬تح����و ًال كبيراً بحيث بمكن القول إن تركيا خرجت من أس����ر الموقف التقليدي لدول‬
‫النيت����و الذي يعتبر إيران أح����د أبرز أعداء الغرب‪ ،‬وبصنفها كعض����و بارز ضمن ما يعرف‬
‫بمحور الش����ر‪ )71(.‬غير أن األتراك صار لهم موقفهم االس����تقاللي الذي يعتبر إيران في‬
‫النهاية دولة مس����لمة من جهة ودولة جوار ال غن����ى عن تطوير العالقات معها من جهة‬
‫أخرى‪ ،‬وفي هذا الس����ياق على س����بيل المثال وقعت أنقرة وطهران ‪-‬في عام ‪ - 2004‬اتفاق‬
‫تعاون أمنياً يقضي باعتبار حزب العمال الكردس����تاني منظمة إرهابية (‪.)72‬وعلى الصعيد‬
‫االقتصادي س����عت الدولتان إلى تعزيز عالقتهما الس����يما في مجال الطاقة؛ حيث تأتي‬
‫إيران في المرتبة الثانية بعد روسيا في إمداد تركيا بالغاز‪ ،‬وفي إطار تعزيز العالقات في‬
‫هذا المجال وقعت الدولتان في فبراير ‪ 2007‬اتفاقيتين تتعلق األولى بالس����ماح لش����ركة‬
‫بتروليوم كوربوريش����ن التركي����ة بالتنقيب عن النفط والغاز الطبيع����ي في إيران‪ ،‬فيما‬
‫تس����مح الثاني����ة بنقل الغاز من تركمانس����تان إلى تركيا عبر أنابي����ب نفط تمر بإيران‪،‬‬
‫كما ش����هدت س����نوات منتصف العقد األول من األلفية الثالثة ومنذ تولي حزب العدالة‬
‫والتنمي����ة مقاليد الحكم في تركيا نمواً كبيراً في حجم التبادل التجاري بين الدولتين‪،‬‬

‫‪28‬‬
‫وعلى سبيل المثال فقد بلغت قيمة التبادل التجاري بين البلدين في عام ‪ 2006‬زهاء ‪6.7‬‬
‫مليار دوالر‪ ،‬أي بزيادة نسبتها ‪ % 52.5‬عن سنة ‪ ،2005‬كما كانت هذه القيمة تعادل خمسة‬
‫أضعاف نظيرتها المس����جلة في عام ‪ .2002‬وفي ذات الس����ياق التقاربي أعلن وزير التجارة‬
‫الخارجي����ة الترك����ي في صيف عام ‪ 2007‬أن ب��ل�اده بصدد توقيع اتفاقي����ة تفاضل تجاري‬
‫يت����م بمقتضاها تعزيز التبادل التجاري و خفض التعريفة الجمركية تدريجياً بين تركيا‬
‫وثماني عشرة دولة إسالمية من بينها إيران‪.)73( .‬‬

‫وعل����ى ذات المنوال وفيما يتعلق بالبرنامج الن����ووي اإليراني والجدل الدائر حوله‬
‫اتخ����ذت تركيا موقفاً مغاي����راً لموقف الواليات المتحدة وحليفاته����ا األخريات في حلف‬
‫النيتو‪ ،‬إذ جاء هذا الموقف على المس����توى الدبلوماس����ي متناغم����اً مع التوجه الجديد‬
‫للسياسة التركية ومسانداً إلى حد كبير للموقف اإليراني؛ حيث أكد األتراك تمسكهم‬
‫بالحل السلمي للمسألة معتبرين أن المفاوضات هي السبيل الوحيد المقبول في هذا‬
‫الصدد‪ ،‬كما أعلنوا في مناسبات عديدة مساندتهم الدبلوماسية إليران وحقها المشروع‬
‫كأية دولة أخرى في امتالك التقنية النووية واس����تخدامها في المجال الس����لمي (‪ ،)74‬كما‬
‫ألمح����وا في غير م����رة إلى ازدواجية المعايي����ر التي تنطوي عليها السياس����ة األمريكية‬
‫والغربية بصدد البرنامجين النوويين اإليراني واإلس����رائيلي على نحو ما سنعرض له‬
‫ال عن ذلك سعى األتراك‬ ‫الحقاً في ثنايا استعراضنا للعالقات التركية اإلسرائيلية‪ .‬وفض ً‬
‫دوم����اً للقيام بدور الوس����يط بين إيران والدول الغربية في إطار ن����زع فتيل التوتر وإزالة‬
‫الشكوك والهواجس العالقة بالبرنامج النووي اإليراني؛ حيث يشار في هذا الصدد إلى‬
‫أن تركي����ا كانت قد عرضت في عام ‪ 2009‬اس����تضافة عملية تب����ادل لليورانيوم المخصب‬
‫بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية على نحو يزيل الش����كوك حول س����عي الدولة‬
‫الفارس����ية المتالك س��ل�اح نووي‪ ،‬ثم كان أن جدد األتراك عرضهم في أبريل ‪ 2010‬أثناء‬
‫زيارة قام بها وزير الخارجية داوود أوغلو إلى طهران أعلن خاللها استعداد بالده لمتابعة‬
‫جهودها في س����بيل إيجاد حل سلمي للخالف الغربي اإليراني بصدد المسألة النووية‪،‬‬
‫وق����ال أوغل����و‪« :‬إذا كان أصدقاؤنا اإليرانيون لديهم الرغب����ة؛ وإذا اعتقدوا أنه من الحكمة‬
‫أن يكون لنا دور فنحن مس����تعدون لذلك‪ .‬فتركيا ‪-‬باعتبارها بلداً ثالثاً‪ -‬مستعدة للعب‬
‫دور الوس����يط في عمليات تبادل اليورانيوم وغيرها من القضايا المتعلقة ببرنامج إيران‬
‫النووي»(‪.)75‬‬

‫‪29‬‬
‫ولم يكد يمضي شهر على هذه الزيارة حتى كانت تركيا قد أنجزت المهمة‪ ،‬ففي‬
‫‪ 17‬ماي����و ‪ 2010‬وفي العاصمة اإليرانية طهران؛ قام كل من الرئيس اإليراني أحمدي نجاد‬
‫ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان والرئيس البرازيلي لوال داس����يلفا بالتوقيع‬
‫عل����ى اتف����اق يقضي بأن تتم على األراض����ي التركية عملية تبادل للوق����ود النووي بين‬
‫إيران ووكالة الطاقة الذرية؛ يلزم اإليرانيين بتقديم كميات من الوقود النووي منخفض‬
‫التخصي����ب المتاحة لديهم في مقابل قيام الوكالة بتقديم الوقود النووي الالزم لمفاعل‬
‫نووي إيراني مخصص ألغراض طبية‪ .‬وفي أعقاب توقيع االتفاق أكدت تركيا أن إيران‬
‫قد قامت بالمطلوب منها تجاه الجماعة الدولية؛ وأنه لم يعد مقبو ًال الحديث عن توقيع‬
‫عقوب����ات جديدة عليها‪ .‬إذ صرح داوود أوغلو ب����أن «اتفاق التبادل الذي وقعت عليه إيران‬
‫اليوم يبرهن بأنها ترغب في س����لوك طريق بناء‪ ،‬ولذا لم يعد هناك أي مبرر لعقوبات‬
‫أو ضغوط جديدة»(‪.)76‬‬

‫ف����ي حين أك����د رجب طيب أردوغان خالل مؤتمر صحفي عق����د في ‪ 20‬مايو ‪ 2010‬أن‬
‫إي����ران قام����ت بالخطوة المطلوبة منها‪ ،‬وعل����ى المجتمع الدولي أن يق����در ما قامت به‪،‬‬
‫إن ذل����ك ينبغي أن يكون توطئة لتجريد المنطقة من الس��ل�اح النووي‪ ،‬وأضاف‪« :‬لقد‬
‫تحدثت مع أوباما وبوتين وأبلغتهما أن البروتوكول المبرم مع إيران هو نصر دبلوماسي‬
‫تم تحقيقه بعد عملية مفاوضات صعبة؛ وال بد هنا من اإلش����ارة إلى الدور الذي لعبته‬
‫البرازيل ورئيس����ها في هذه المفاوضات‪ .‬وبعد إنه����اء هذه العملية الصعبة بنجاح ‪-‬أردف‬
‫أردوغ����ان‪ -‬فإن على المجتمع الدولي أن يقدم الدعم الالزم للتس����وية الس����لمية‪ ،‬وهو‬
‫المهم بالنس����بة لمنطقتنا التي ال نريد فيها س��ل�احا نووياً أبداً‪ ،‬وال نقبل أيضا أن تقوم‬
‫أي دولة مهما كانت باالس����تثمار في السالح النووي في منطقتنا»(‪ .)77‬وعلى الرغم من‬
‫الجه����ود المضنية التي بذلها أردوغان إلقن����اع األمريكيين بفتح صفحة جديدة مع إيران‬
‫وع����دم التمادي في تهديدها وفرض العقوبات عليه����ا؛ فقد أصروا على المضي قدماً في‬
‫مش����اريعهم الرامية إلى استصدار قرارات متوالية من مجلس األمن بتشديد العقوبات‬
‫على الدولة الفارس����ية‪ .‬غير أن األتراك أصروا ه����م أيضاً على موقفهم وصوتوا _ومعهم‬
‫البرازيل_ ضد قرار مجلس األمن بتش����ديد العقوبات على إيران وفقاً لمشروع تقدمت‬
‫ب����ه الواليات المتحدة في يونيو ‪ ،2010‬وهو األمر الذي عكس وجود خالف بين الحليفين‬
‫األمريكي والتركي‪ ،‬وعبر إزاءه وزير الدفاع األمريكي روبرت جيتس عن ش����عوره بخيبة‬
‫األمل باعتبار أن تركيا تمثل أحد حلفاء الواليات المتحدة التقليديين‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫وعلى صعيد العالقات التركية الس����ورية؛ فإنها كانت قد ش����هدت تحس����ناً كبيراً‬
‫خالل العقد األول من حكم حزب العدالة والتنمية في تركيا؛ ففي هذا الس����ياق ش����هد‬
‫عام ‪ 2005‬أول زيارة لرئيس سوري إلى أنقرة عُدَت وقتها األولى من نوعها منذ استقالل‬
‫س����وريا عام ‪ .1946‬وقد دشنت زيارة بشار األس����د هذه عهداً جديداً في عالقات البلدين‬
‫على الصعيدين االقتصادي و السياسي؛ حيث تم االتفاق على زيادة حجم االستثمارات‬
‫التركية في سوريا من خالل إقرار ما يزيد على ثالثين مشروعاً استثمارياً تركياَ‪ ،‬كما تم‬
‫التوقيع على مشروع تأسيس شركة مشتركة للتنقيب عن النفط‪ ،‬واتفق الطرفان أيضاً‬
‫على دعم العالقات الس����ياحية بين الدولتين؛ الس����يما بعد أن زاد عدد السياح األتراك‬
‫الذين قصدوا س����وريا خالل الفترة (‪)2005 :2000‬بواقع تس����عة عشر ضعفاً(‪)78‬؛ وقد أسهم في‬
‫زيادة تدفق التجارة والس����ياحية البينية قيام الدولتين بإلغاء نظام تأشيرة دخول األفراد؛‬
‫كما تتعين اإلش����ارة إلى أن اإلحصائيات الرسمية كانت قد أكدت وصول حجم التبادل‬
‫التجاري بين أنقرة ودمشق إلي مليار دوالر أميركي خالل الشهور الخمسة األولى فقط‬
‫من عام ‪ ،2010‬وهو رقم يتجاوز بمراحل حجم هذا التبادل خالل عام ‪ 2007‬بأكمله(‪.)79‬‬

‫وعل����ى الصعيد السياس����ي بدت السياس����ة الخارجية التركي����ة متناغمة إلى حد‬
‫كبير مع نظيرتها الس����ورية؛ حيث كانت تركيا قد أكدت استعدادها للعمل كوسيط في‬
‫الصراع بين س����وريا وإسرائيل قبل أن تنهار عالقتها بتلك األخيرة على إثر تورطها في‬
‫االعتداء العسكري على أسطول السالم (‪ ،)80‬وبان التناغم التركي السوري بجالء خالل‬
‫مؤتمر القمة التركية الس����ورية القطرية الذي عقد في اس����طنبول في ‪ 9‬مايو ‪2010‬؛ حيث‬
‫أظه����ر البي����ان الختامي للمؤتمر تطابق وجهات النظر حول س����ائر قضايا المنطقة وفي‬
‫مقدمتها القضية الفلسطينية والبرنامج النووي اإليراني (‪ .)81‬فبصدد القضية الفلسطينية‬
‫أكد الزعماء الثالثة على ضرورة التوصل إلى س��ل�ام ش����امل ودائم يتأسس على إقامة‬
‫دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية؛ إعما ًال للقرارات الدولية ذات الصلة‪،‬‬
‫كم����ا دعوا إلى إنهاء فوري للحصار اإلس����رائيلي المفروض على غ����زة‪ ،‬وطالبوا الجماعة‬
‫الدولية بعدم الس����كوت إزاء هذا الحصار‪ ،‬والعمل على تأمين احتياجات س����كان القطاع‬
‫في أقرب وقت ممكن‪.‬‬

‫وفيم����ا يتصل بالبرنامج الن����ووي اإليراني أكدت الدول الثالث على حق كل الدول‬
‫في امتالك واس����تخدام الطاقة النووية في المجال الس����لمي؛ كما أعلن الزعماء الثالثة‬

‫‪31‬‬
‫تأييدهم لحل المش����كلة النووية اإليرانية عبر الطرق الدبلوماسية وباركوا جهود تركيا‬
‫كوسيط في هذا الصدد‪.‬‬

‫وإلى جانب ما تقدم أيدت الدول الثالث جهود تركيا كوس����يط في الصراع السوري‬
‫اإلس����رائيلي‪ ،‬وحيث كان األتراك قد نجحوا في عقد عدة جلسات جمعت الطرفين في‬
‫هذا السياق‪.‬‬

‫يش����ار كذل����ك إلى أن مجلس األمن القومي التركي كان ق����د أقر ‪-‬في ‪ 28‬أكتوبر‬
‫‪ -2010‬تعديالت جديدة على «الوثيقة السياس����ية لألم����ن القومي» للبالد تضمنت إلغاء‬
‫اسم سوريا‬

‫من قائمة الدول التي تشكل تهديدا قوميا وعسكريا على تركيا(‪.)82‬‬

‫غير أنه مع قيام الثورة الس����ورية في مارس ‪ 2011‬تأثرت إلى حد كبير وعلى نحو‬
‫س����لبي عالقات تركيا مع نظام األس����د الحاكم في س����وريا؛ وجاء ذلك على إثر فش����ل‬
‫كاف����ة المح����اوالت المضنية التي قام به����ا األتراك لحث الرئيس الس����وري على إدخال‬
‫إصالح����ات ديمقراطية حقيقية ترضي طموحات ش����عبه في هذا الخصوص؛ حيث كان‬
‫العديد من الدبلوماسيين األتراك قد قاموا بجملة جوالت دبلوماسية مكوكية بين أنقرة‬
‫ودمش����ق بهدف إقناع الرئيس السوري بشار األس����د باالستجابة للمطالبات الشعبية‬
‫الداعي����ة إلى التغيير‪ .‬وفي ظل فش����ل كل هذه الجهود أخ����ذت العالقات بين الدولتين‬
‫تتجه ش����يئاً فشيئاً نحو التدهور‪ ،‬وأعلن األتراك صراحة تأييدهم للثورة السورية ووجه‬
‫أردوغان – في مناسبات عديدة – انتقادات حادة للرئيس السوري مطالباً إياه بالتنحي‪.‬‬
‫فعلى س����بيل المثال وفي خطاب له في ‪ 12‬ديس����مبر ‪ 2011‬ألقاه أمام االجتماع العام لحزب‬
‫العدالة والتنمية الحاكم (‪)83‬؛ اتّهم أردوغان األس����د بأنه «عديم المصداقية لعدم التزامه‬
‫بتطبيق االتفاقية التي أبرمها مع الجامعة العربية بشأن وقف أعمال العنف والقتل ضد‬
‫المتظاهرين المدنيين»‪ .‬وح ّذر أردوغان األسد بشدة مرة أخرى حيث قال‪« :‬أذكره نفسه‬
‫مرة أخرى‪ ..‬ال يُصنع أي مجد بالظلم‪ .‬إضافة إلى ذلك فسيذكر المستقبل هؤالء القادة‬
‫الذين يقتلون ش����عوبهم على أنهم قادة يتغذون بدماء هذه الش����عوب‪ .‬وأنت يا بشّ����ار‬
‫تسير على نفس هذه الخطى»‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫يشار كذلك إلى أن تركيا فرضت العديد من العقوبات االقتصادية على نظام األسد‬
‫وه����ي العقوب����ات التي وصفها األتراك بالذكية إذ تس����تهدف النظام دون الش����عب؛ وقد‬
‫تمثل أبرز هذه العقوبات في تجميد التبادل التجاري بين البلدين‪ ،‬ووقف التعامل بين‬
‫المصرفين المركزيين‪ ،‬وتعطيل اتفاقية التعاون المش����ترك بين الدولتين؛ وكذا تجميد‬
‫(مجلس التعاون االس����تراتيجي عالي المس����توي)‪ ،‬إلى جانب قيام تركيا بفرض حظر‬
‫على كافة أنواع االسلحة والمعدات العسكرية إلى نظام األسد‪.‬‬

‫وارتباطاً بهذا الموقف التركي المناوئ لنظام األس����د صارت األراضي التركية قبلة‬
‫لمختلف الحركات والتنظيمات الثورية المناهضة لنظام األسد؛ وعلى رأس هؤالء قادة‬
‫الجيش الس����وري الحر والمجلس الوطني الس����وري؛ كما استضافت األراضي التركية‬
‫العدي����د م����ن المؤتمرات واالجتماعات الت����ي عقدتها القوى الثورية الس����ورية بكل من‬
‫اسطنبول وأنطاليا؛ في إطار التنسيق وتوحيد الجهود الرامية إلسقاط هذا النظام‪.‬‬

‫وإلى جانب كل ما تقدم اس����تقبلت تركيا العدد األكبر من الالجئين الس����وريين‬


‫الذي����ن فروا من بالدهم هرباً من جحيم أعمال العنف المتصاعد التي صاحبت الثورة؛‬
‫حي����ث أعلنت الخارجية التركية ‪-‬في أكتوبر ‪ -2012‬عن تجاوز عددهم للمائة ألف الجئ؛‬
‫وأن جملة ما أنفقه األتراك الستضافتهم بلغ زهاء ‪ 211‬مليون دوالر‪.‬‬

‫إنن����ا – إذاً‪ -‬بصدد انغماس تركي حقيقي في ش����ئون منطقة الش����رق األوس����ط؛‬
‫وه����و األم����ر الذي كان قد عبر عنه البعض في س����ياق حديثه ع����ن عالقات تركيا بكل‬
‫من إيران وس����وريا قائالً‪ ” :‬إن السياس����ة الخارجية التركية تشهد تحو ًال عن أحد أبرز‬
‫مبادئ السياسة األتاتوركية والذي كان قوامه أنه يتعين على تركيا أن تقلص اهتمامها‬
‫بمنطقة الشرق األوسط “(‪.)84‬‬

‫وأم����ا بخصوص العالقات مع الع����راق؛ فغني عن البيان أن تركيا كانت قد رفضت‬


‫الس����ماح للقوات األمريكية باس����تخدام أراضيها كجبهة لغزو العراق في عام ‪2003‬؛ فبرغم‬
‫التلويح األمريكي بمساعدات سخية تمثلت في تسهيالت مالية لتركيا بلغت ‪ 15‬مليار‬
‫دوالر؛ رفض البرلمان التركي في أول مارس ‪ 2003‬دخول األمريكيين العراق عبر األراضي‬
‫التركية؛ وهو القرار الذي مثل صدمة لألمريكيين نظراً ألن دونالد رامسفيلد وزير الدفاع‬
‫كان يعل����ق آم����ا ًال كبيرة على الجبهة التركية في تيس����ير اجتياح األراض����ي العراقية (‪،)85‬‬

‫‪33‬‬
‫وبالتال����ي فقد أحدث القرار ش����رخاً في العالقات األمريكي����ة التركية آنذاك‪ .‬غير أن هذا‬
‫القرار القى قبول الش����ارع التركي بل والشارع العربي الذي كان في مجمله رافضاً بقوة‬
‫للغزو األمريكي للعراق‪.‬‬

‫وتتعي����ن اإلش����ارة إلى أن تركيا حريص����ة على وحدة األراض����ي العراقية خوفاَ من‬
‫ظهور دولة كردية في ش����مال العراق؛ وبالتالي تطلعها إلى ضم كردس����تان التركية على‬
‫نح����و يهدد س��ل�امة اإلقليم التركي ذاته‪ ،‬كما تحرص تركي����ا على حماية حقوق األقلية‬
‫التركمانية المتمركزة في شمال العراق‪ .‬كذلك تعمل تركيا على تأمين خطي األنابيب‬
‫اللذي����ن يحمالن النفط من حقول ش����مال العراق إلى محطة الض����ح في ميناء جيهان‬
‫الترك����ي (‪ .)86‬وارتباطاً بم����ا تقدم حرص األتراك دوماً على توطي����د عالقاتهم بجيرانهم‬
‫العراقيي����ن‪ ،‬وعلى الرغم من تدخ����ل الجيش التركي مرات عديدة في ش����مال العراق‬
‫لمطاردة عناصر حزب العمال الكردس����تاني المتحصنة بالمناطق الجبلية في كردستان‬
‫العراقي����ة؛ إال أن ه����ذا األمر لم تكن له تأثيرات س����لبية تذكر عل����ى عالقات الدولتين‬
‫الجارتين‪ ،‬وبدا وكأن الحكوم����ة العراقية تتفهم ضمنياً دوافع األتراك‪ .‬وفي إطار التناغم‬
‫بين الدولتين يأتي حرصهما على التنسيق األمني الدائم عالي المستوى‪ ،‬كما دشنت‬
‫الدولت����ان عالقات اقتصادية بالغ����ة التميز منذ عام ‪ ،2004‬وحيث تش����ير المصادر إلى أن‬
‫حج����م التبادل التجاري بينهم����ا وقتذاك لم يكن يتجاوز الملي����ار دوالر؛ إال أنه أخذ في‬
‫التصاعد تدريجياً ليصل حس����ب تأكي����دات الحكومة العراقية إلى ‪ 12‬مليار دوالر في عام‬
‫‪ ،2011‬كما يبلغ حجم االستثمارات التركية في العراق نحو ‪ 14‬مليار دوالر(‪.)87‬‬

‫على أية حال فإن انغماس تركيا في منطقة الش����رق األوس����ط لم يقتصر على ما‬
‫تقدم وإنما امتد كذلك ليش����مل عالقتها بمصر؛ إذ كانت عالقات الدولتين قد ش����هدت‬
‫تقارب����اً ملحوظاً في ظل حكم ح����زب العدالة والتنمية‪ .‬ففي ظل ه����ذه األجواء المواتية‬
‫تب����ادل زعماء الدولتين الزيارة أكثر من مرة؛ فقام الرئيس المصري الس����ابق حس����ني‬
‫مب����ارك بزيارة أنقرة في أع����وام ‪ ،2009 ،2007 ،2004‬في حين كانت القاهرة أول عاصمة عربية‬
‫يزورها الرئيس عبد اهلل جول عقب انتخابه رئيساً لتركيا عام ‪2007‬؛ ثم عاد إلى زيارتها‬
‫مجدداً في فبراير ‪ 2009‬لحضور مؤتمر ش����رم الشيخ حول أحداث غزة؛ حيث كان رئيس‬
‫الوزراء رجب طيب أردوغان قد س����بقه بزيارة القاهرة في يناير من العام نفسه للتشاور‬
‫م����ع الحكومة المصرية بخصوص ذات الموضوع‪ .‬ويمك����ن القول إن التعاون االقتصادي‬

‫‪34‬‬
‫كان المح����ور الرئيس����ي لعالقات الدولتين خ��ل�ال تلك المرحلة؛ إذ ت����م توقيع اتفاقية‬
‫للتج����ارة الح����رة بين البلدين ت����م تفعيلها في مطلع مارس ‪2007‬؛ وكان من ش����أن ذلك‬
‫تنامي معدالت التبادل التجاري بين الدولتين‪ ،‬وزيادة حجم االس����تثمارات التركية في‬
‫مص����ر؛ حيث ازداد حجم التبادل التجاري من ‪ 1.1‬ملي����ار دوالر‪ 2007‬في عام إلى ‪ 3.2‬مليار‬
‫دوالر عام ‪ ،2010‬كما بلغت قيمة االستثمارات التركية في مصر ‪ 1.1‬مليار دوالر موزعة علي‬
‫‪ 200‬شركة(‪.)88‬‬

‫وم����ع قيام الث����ورة المصرية في ‪ 25‬يناير ‪ 20011‬س����ارعت تركيا إل����ى إعالن تأييدها‬
‫لمطالب الثوار؛ ودعا رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان الرئيس المصري إلى التنحي‬
‫واالس����تجابة لرياح التغيير‪ ،‬ويش����ار في هذا الصدد إلى أن خطاب����ات أردوغان الموجهة‬
‫لمب����ارك قد انط����وت على صيغ ذات صبغة دينية تنطلق من تصور العقيدة اإلس��ل�امية‬
‫للحياة عموماً بأنها مؤقتة وأن الدنيا لن تدوم ألحد؛ ولعل من أبرز عبارات رئيس وزراء‬
‫تركيا هذ قوله مخاطباً مبارك‪« :‬ارحل فكلنا بشر زائلون‪ ..‬عليك أن تستجيب بدون تردد‬
‫لصيحات التغيير إن مصر بلد الحضارة قادرة على تلبية المطالب المش����روعة والمبررة‬
‫والملحة بحيث ال تحتمل التأجيل»‪ ،‬وأضاف أردوغان مخاطباً الرئيس المصري «س����يد‬
‫حسني مبارك‪ ،‬أريد أن أقدم توصية خالصة للغاية‪ ،‬تحذيراً صريحاً للغاية؛ كلنا سنموت‬
‫وسنُس����أل عما تركناه وراءنا»‪ ،‬وأردف «نحن كمس����لمين سنوضع في حفرة حجمها ال‬
‫يزي����د على مترين مكعبين»(‪ .)89‬و وقد اس����تمر أردوغان على موقف����ه هذا ولم يتزحزح‬
‫ال االنتقادات الموجه له من قب����ل الخارجية المصرية واتهامه بالتدخل في‬ ‫عن����ه متجاه ً‬
‫الشئون الداخلية للبالد‪.‬‬

‫وعق����ب نجاح الثورة المصرية في اإلطاحة بنظام مبارك وانتقال الس����لطة المؤقت‬
‫إلى المجلس األعلى للقوات المس����لحة المصرية؛ كان المسئولون األتراك في طليعة‬
‫ساس����ة العالم الذين زاروا القاهرة لتدش����ين عهد جديد من العالقات مع مصر‪ .‬إذ كان‬
‫الرئي����س التركي عبد اهلل ج����ول أول رئيس دولة يزور مصر عق����ب الثورة عندما وصل‬
‫القاه����رة في ‪3‬مارس ‪2011‬؛ والتقى رئيس المجلس األعلى للقوات المس����لحة المصرية‬
‫المش����ير حسين طنطاوي‪ .‬وفي س����بتمبر ‪ 2011‬قام رئيس الوزراء أردوغان بزيارة للقاهرة‬
‫التق����ى خاللها بنظي����ره المصري وقت����ذاك عصام ش����رف؛ حيث اتف����ق الجانبان على‬
‫ترس����يخ الشراكة بين البلدين في مختلف المجاالت من خالل إنشاء مجلس للتعاون‬

‫‪35‬‬
‫المش����ترك‪ .‬واتفق الجانبان عل����ى تطوير العالقات االقتصادية م����ن خالل زيادة حجم‬
‫التبادل التجاري ومضاعفة حجم االس����تثمارات التركية في مصر؛ كما وقع المس����ئوالن‬
‫عدداً من مذكرات التفاهم والبروتوكوالت في مجاالت الكهرباء والطاقة والموارد الطبيعية‬
‫والبترول‪ ،‬والتجارة والس����ياحة والتعليم واإلدارة العامة واإلع��ل�ام والثقافة والرياضة‪ .‬وقد‬
‫أعلن أردوغان خالل مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره المصري‪ :‬أنه اصطحب معه ‪280‬‬
‫من رجال األعمال األتراك بهدف بدء خطوات مشتركة لمضاعفة التعاون التجاري بين‬
‫البلدين والوصول به من ‪ 3‬إلى ‪ 5‬مليارات دوالر‪ ،‬وزيادة االس����تثمارات التركية في مصر‬
‫من ‪ 1.5‬الى ‪ 5‬مليارات دوالر خالل الفترة القليلة المقبلة‪.‬‬

‫كما أكد الجانبان تطابق مواقفهما السياس����ية إزاء كافة قضايا المنطقة والس����يما‬
‫القضيتان الفلسطينية والسورية‪ ،‬وقد ظهر ذلك جلياً في ثنايا الكلمة التي ألقاها أردوغان‬
‫أمام مجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية في إطار زيارة تاريخية لمقر‬
‫األمان����ة العامة للجامعة بالقاهرة‪ .‬ث����م جاء الخطاب المطول الذي ألق����اه رئيس الوزراء‬
‫التركي بدار األوبرا في القاهرة أمام حشد كبير من عناصر النخبة المصرية؛ ليؤكد على‬
‫مساعي التقارب الكبير المزمع بشأن عالقات الدوليتين وكذا على مستوى التغير في‬
‫السياس����ة الخارجية التركية إزاء المنطق����ة العربية‪ .‬ففي هذا الخطاب أكد حرص بالده‬
‫عل����ى دعم مصر في األف����راح واألتراح مردداً وباللغة العربية‪ « :‬مص����ر وتركيا يد واحدة‪..‬‬
‫مصر وتركيا ش����قيقتان كما أن القاهرة واس����طنبول ش����قيقتان»‪ ..‬ونوه أردوغان بمقولة‬
‫الخطاطين الشهيرة «القرآن نزل في مكة وقرئ في مصر وكتب في اسطنبول»‪ .‬وفيما‬
‫يتصل بالقضية الفلسطينية هاجم أردوغان بشدة إسرائيل وأكد عزمه على العمل من‬
‫أجل رفع الحصار عن غزة وحصول الش����عب الفلس����طيني على كافة حقوقه المشروعة؛‬
‫معتبراَ إسرائيل عقبة أساسية أمام االستقرار الدائم في المنطقة موضحاً أن السياسة‬
‫االسرائيلية ال تعترف بالحقوق الشرعية‪ ،‬كما أن الحكومة اإلسرائيلية تتبع استراتيجية‬
‫عمياء تقضى على كل فرصها‪ .‬وأضاف «يجب أن تعلموا أننا س����نعمل بكل الجهد لرفع‬
‫الحصار وأن تنتهى هذه المأس����اة‪ ..‬وسنعمل على حل القضية الفلسطينية ألن شرعية‬
‫النظ����ام الدولي تأتى من حل هذه القضية‪ ،‬فإذا ل����م يتم حلها فإن عدالة النظام الدولي‬
‫س����وف تنتهى بش����كل س����ريع»‪ .‬وأردف أردوغان بعبارة عاطفية‪« :‬روحي وجروحي في‬
‫غزة»‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫وبصدد المس����الة الس����ورية أكد أردوغان تأييده للثورة معتبراً أن نظام األسد فقد‬
‫ش����رعيته‪ ،‬وعاود الزعيم التركي اس����تخدام عبارات ذات صبغة دينية في سياق دعوته‬
‫الرئيس السوري إلى التنحي؛ إذ وجه إليه الخطاب قائالً‪« :‬نحن فانون جميعاً‪ ..‬وإنا هلل‬
‫وإنا إليه راجعون »‪ ..‬وتس����اءل‪ « :‬هل بقيت الدنيا لفرعون‪ ..‬ويجب أال ننس����ى أن قدرة‬
‫اهلل التي حمت موس����ى ‪ ‬في قصر فرعون قادرة على كل ش����يء‪ ..‬ويجب علينا أن‬
‫ننتبه لذلك فنحن لن نبقى في هذه الدنيا» (‪.)90‬‬

‫على أية حال فإن زيارة أردوغان هذه بكل ما حملته من دالالت اعتبرت تدش����يناً‬
‫لعصر جديد في العالقات التركية العربية عموماً والعالقات التركية المصرية على وجه‬
‫الخصوص؛ وجاءت األحداث الالحقة لتؤكد على اس����تمرار هذا التوجه التركي الجديد؛‬
‫فعلى إثر انتخابات الرئاس����ة و وصول محمد مرسي ذي المرجعية اإلسالمية إلى سدة‬
‫الحكم في مصر؛ س����ارعت تركيا بإرس����ال وزير خارجيتها أحم����د داوود أوغلو في بداية‬
‫يولي����و ‪ 2012‬إلى مصر مهنئاً الرئيس الجديد ومؤكداً على توطيد ش����راكة الدولتين في‬
‫ش����تى المجاالت؛ إذ ع����رض على الرئيس المصري الجديد تعاون����اً تركياً غير محدود؛‬
‫عبر عنه بقوله‪ « :‬إن تركيا س����تبقى إلى جانب مصر وش����عبها كدولة صديقة وشقيقة؛‬
‫إن����ه إن جاز التعبير فقد جئت إلى مصر بورقة بيضاء‪ ،‬وطلبت من الس����يد الرئيس أن‬
‫يخ����ط ما يريد بما يحتاجه م����ن تركيا وال حدود للتعاون ف����ي أي من المجاالت‪ ،‬نحن‬
‫مصممون على العمل معاً يد بيد من أجل زيادة الرفاهية واالس����تقرار وتحقيق الس��ل�ام‬
‫في المنطقة» (‪.)91‬‬

‫وفي إطار تطوير عالقات الدولتين قام الرئيس المصري محمد مرسي بزيارة ألنقرة‬
‫بنا ًء على دع���وة تركيا حيث التقى الرئيس جول ورئيس الوزراء عبد اهلل أردوغان؛ وألقى‬
‫كلمة باعتباره الضيف الرئيس���ي أمام المؤتمر العام الطارئ الرابع لحزب العدالة والتنمية‬
‫أكد خالله تطابق السياس���يتين الخارجيتين المصرية والتركية إزاء سائر قضايا المنطقة‬
‫والعالم‪ .‬كما أعلن الجانبان عن تقديم تركيا لمصر تس���هيالت مالية قدرها مليارا دوالر‪ ،‬و‬
‫أكدا س���عيهما المش���ترك للمضي قدماً في زيادة حجم التبادل التجاري والعلمي والثقافي‬
‫والسياحي واالس���تثماري‪ .‬لقد بدت العالقات بين البلدين أثناء زيارة مرسي تحديداً في‬
‫أقوى أواصرها‪ ،‬وبان جلياً أن المنطقة بصدد مولد محور سياسي استراتيجي جديد يتألف‬
‫من تركيا ومصر ويتأسس على عالقتهما المتميزة وتقاربهما المتسارع‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫وتتعين اإلش����ارة اتخذت تركيا مواقف إيجابية ولم تقف مكتوفة األيدي إزاء كافة‬
‫ثورات ما يس����مى (الربيع العربي) (‪)92‬؛ إذ أعلنت تأييدها للثورة التونس����ية ورغبتها في‬
‫تدعي����م العالق����ات مع تونس على إثر س����قوط بن علي؛ حيث ت����م توقيع العديد من‬
‫االتفاقيات في مجاالت تشجيع االستثمار وزيادة التبادل التجاري‪ ،‬وإقامة منطقة للتجارة‬
‫الح����رة بي����ن الدولتين؛ فلقد قام أردوغان بزيارة تونس في ‪ 15‬س����بتمبر ‪2011‬؛ تم خاللها‬
‫التوقي����ع على اتفاقي����ة للصداقة والتعاون بين البلدين به����دف توطيد العالقات التركية‬
‫التونس����ية في مختل����ف المجاالت(‪ ،)93‬كما ق����ام الرئيس التركي عب����د اهلل جول بزيارة‬
‫تونس في ‪ 20‬مارس ‪ 2012‬ليؤكد للرئيس التونس����ي الجدي����د المنصف المرزوقي دعم‬
‫بالده لتونس ما بعد الثورة اس����تناداً إلى رابطة األخوة التي تربط الش����عبين على حد‬
‫تعبير الرئيس التركي؛ وتأسيساً على ما تقدم وقع الجانبان في أكتوبر ‪ 2012‬العديد من‬
‫االتفاقي����ات في مجاالت الزراعة‪ ،‬والصناعات الغذائية‪ ،‬والتنمية الريفية‪ ،‬و تطوير الموارد‬
‫المائية‪ ،‬ودعم المؤسس����ات الصغيرة والمتوس����طة والبنية التحتي����ة‪ ،‬و الطاقة‪ ،‬والنقل‪،‬‬
‫والثقافة‪ ،‬والس����ياحة‪ ،‬والتعليم‪ ،‬والبحث العلمي‪ .‬يش����ار كذلك إل����ى أن تركيا كانت قد‬
‫قدمت لتونس تسهيالت مالية تتمثل في قروض ميسرة قدرت بنصف مليار دوالر(‪.)94‬‬

‫وفي إطار زيارته لبلدان ما يسمى بالربيع العربي أيضاً قام رئيس الوزراء التركي‬
‫بزيارة ليبيا في ‪ 16‬س����بتمبر ‪ 2011‬حيث استقبله مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس‬
‫الوطن����ي االنتقال����ي في العاصمة طرابلس؛ قب����ل أن يحل الزعي����م التركي ضيفاً على‬
‫جماهي����ر بنغازي التي كانت تحتفل وقتذاك بذكرى عمر المختار‪ .‬وفي ظل اس����تقبال‬
‫حاف����ل و أجواء مفعم����ة بالحماس وال����ود ألقى أردوغ����ان كلمة غلبت عليها المش����اعر‬
‫الجياش����ة وحفلت بالعبارات الدينية مؤكداً للمحتشدين أنه جاء من أجل توطيد أواصر‬
‫األخوة ال من أجل المصالح مثل غيره؛ في إش����ارة إلى الرئيس الفرنس����ي س����اركوزي‬
‫ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الذين كانا قد س����بقا أردوغان بساعات قليلة‬
‫ف����ي زيارة لطرابلس؛ اعتبرت م����ن جانب المحللين والمراقبي����ن بمثابة جمع للغنائم‬
‫بعد المس����اعدات التي قدمتها الدولتان لليبيين أثناء الثورة‪ .‬وقد عبر أردوغان عن ذلك‬
‫قائالً‪« :‬إن الدول التي تعمل من أجل المصالح لن تفهم العالقة األخوية بين الش����عب‬
‫الليبي والش����عب التركي» (‪ .)95‬يشار إلى أن العالقات التركية الليبية قد شهدت ازدهاراً‬
‫واضحاً منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى س����دة الحكم في أنقرة؛ حيث كان حجم‬
‫االس����تثمارات التركية في ليبيا قبل الثورة على س����بيل المثال يقدر بأحد عش����ر مليار‬

‫‪38‬‬
‫دوالر(‪ .)96‬كما يش����ار إلى أن الدبلوماس����ية التركية كانت طرفاً حاض����راً وفاع ً‬
‫ال بقوة أثناء‬
‫أح����داث الثورة الليبية؛ ومن ذل����ك أن تركيا كانت قد تقدمت ف����ي بداية أحداث الثورة‬
‫بمبادرة القت قبو ًال عربياً ودولياً تهدف إلى إرس����اء هدنة وبدء حوار بين نظام القذافي‬
‫ومعارضيه من الثوار؛ وذلك كله قبل أن يعلن األتراك تأييدهم الصريح للثورة ويطالبون‬
‫القذافي بالرحيل‪.‬‬

‫هذا ولم تكن اليمن استثنا ًء من االهتمام التركي بدول ما يسمى (الربيع العربي)‬
‫حيث حرص األتراك على المشاركة بمؤتمر المانحين (أصدقاء اليمن) الذي عقد في ‪27‬‬
‫سبتمبر ‪ 2012‬بنيويورك‪ ،‬وقدمت مساعدات اقتصادية لليمن قدرها مائة مليون دوالر(‪.)97‬‬

‫كم����ا قام وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغل����و بزيارة إلى صنعاء في أكتوبر ‪2012‬‬
‫على رأس وفد كبير ضم العديد من رجال األعمال؛ حيث تم التوقيع على عدة اتفاقيات‬
‫تركية يمنية استهدفت تحقيق التعاون في المجاالت االقتصادية والتنموية والتعليمية‬
‫والثقافية والصحية‪ ،‬كما أكد أوغلو للمس����ئولين اليمنيين حرص بالده على دعم اليمن‬
‫سياسياً وأمنياً‪.‬‬

‫يش����ار كذلك إلى تنامي اهتمام تركيا بعالقتها مع الس����ودان الس����يما في المجال‬
‫االقتصادي؛ ويتعين التنويه في هذا الصدد إلى أن االس����تثمارات التركية في الس����ودان‬
‫تزيد علي ملياري دوالر؛ تش����مل مجاالت اقتصادية وصناعية وزراعية‪ ،‬إضافة للمجاالت‬
‫الصحية واالجتماعية (‪.)98‬‬

‫كما تتمتع تركيا بعالقات قوية مع الجزائر وخصوصاً في المجال االقتصادي؛ حيث‬
‫تقدر االستثمارات التركية في الجزائر بنحو ‪ 300‬مليون دوالر موزعة على قطاعات البناء‬
‫والبنية التحتية والصناعات الغذائية‪ ،‬كما يجري العمل على إنش����اء مصنع تركي إلنتاج‬
‫الحديد والصلب ف����ي مدينة وهران غربي العاصمة الجزائرية بتكلفة تصل إلى حوالي‬
‫‪ 350‬مليون يورو(‪.)99‬‬

‫وعلى ذات المنوال تتمتع تركيا بعالقات اقتصادية متميزة مع المغرب؛ حيث كانت‬
‫الدولتان قد أسس����تا لهذا الغرض ما يعرف باللجنة االقتصادية المش����تركة المغربية –‬
‫التركية‪ ،‬كما وقعت الدولتان اتفاقية للتبادل التجاري الحر في عام ‪ ،2006‬وحس����ب مصادر‬
‫الحكوم����ة المغربية فإن حجم الص����ادرات التركية إلى المغرب بلغ ‪ 760‬مليون دوالر عام‬

‫‪39‬‬
‫‪2010‬؛ في حين بلغ حجم الصادرات المغربية إلى تركيا نحو‪ 261‬مليون دوالر خالل نفس‬
‫العام (‪.)100‬‬

‫ولم تكن الدول الخليجية استثنا ًء من االهتمام التركي بالمنطقة العربية؛ إذ سعت‬
‫تركي����ا إلى تعزيز عالقاتها مع هذه الدول والس����يما المملكة العربية الس����عودية وقطر‪.‬‬
‫فبالنس����بة للس����عودية ‪-‬بادئ ذي بدء‪ -‬سعت تركيا إلى مد جس����ور التقارب معها بعد‬
‫س����نوات طويلة من التردد س����ادت خاللها أجواء الريبة في دوائر صنع القرار التركي إزاء‬
‫النظام السعودي الذي طالما اعتبره أتاتورك وأتباعه من بعده نموذجاً للنظم المناهضة‬
‫للعلماني����ة‪ .‬وفي ظل أجواء التقارب التي أوجدتها سياس����ات حزب العدالة والتنمية قام‬
‫الملك الس����عودي عبد اهلل بن عبد العزيز بزيارة أنقرة في أغس����طس ‪2006‬؛ وهي الزيارة‬
‫التي عدَت في حينها األولى من نوعها منذ أربعين عاماً (‪ ،)101‬وتبعها بزيارة مماثلة في‬
‫يوليو ‪2007‬؛ وفي المقابل قام المسئولون األتراك بالعديد من الزيارات للرياض منها على‬
‫س����بيل المثال زيارة الرئيس عبد اهلل جول ف����ي فبراير ‪ ،2009‬و زيارتان قام بهما أردوغان‬
‫للعاصمة السعودية في أبريل وأكتوبر من عام ‪2012‬؛ وهما الزيارتان اللتان جاءتا في إطار‬
‫التش����اور المشترك حول مشاكل المنطقة والسيما األزمة السورية؛ وحيث تتقارب إلى‬
‫ح����د كبير وجهات نظر الدولتين في هذا الخصوص‪ ،‬وك����ذا فيما يتعلق بقضايا مكافحة‬
‫اإلرهاب‪ ،‬وجعل الش����رق األوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل‪ ،‬والدعوة إلى‬
‫فكرة ح����وار الحضارات كفكرة بديل����ة لصدام الحضارات‪ .‬كما تش����هد عالقات الدولتين‬
‫ازدهاراً في مجاالت التبادل التجاري والس����ياحي وحجم االس����تثمارات وانتقال العمالة‪،‬‬
‫إلى جانب تناغم واضح في المجالين الثقافي والديني(‪.)102‬‬

‫وعل����ى ذات المنوال تتمت����ع تركيا بعالقات وطيدة ومتميزة م����ع قطر في المجال‬
‫االقتصادي‪ ،‬كما أن السياس����ات الخارجية للدولتين منسجمتان إلى حد كبير إزاء كافة‬
‫قضايا المنطقة وفي مقدمتها القضية الفلس����طينية‪ ،‬والمسألة السورية‪ ،‬وقضية البرنامج‬
‫الن����ووي اإليراني؛ األمر الذي يفس����ر حالة التواصل والتش����اور الدائمين بين حكومتي‬
‫الدولتين الس����يما رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ونظيره القطري حمد بن‬
‫جاسم آل خليفة‪.‬‬

‫يش����ار كذلك إلى أن بلغ حجم التب����ادل التجاري التركي الخليجي إجما ًال بلغ نحو‬
‫‪ 10.3‬ملي����ارات دوالر ف����ي العام ‪ ،2010‬فيما وصل حجم االس����تثمارات المتبادلة ‪ 8.1‬مليارات‬
‫دوالر حتى بداية عام ‪.)103(2011‬‬

‫‪40‬‬
‫عل����ى صعيد آخر وفي ظ����ل احتدام األزمة الداخلية اللبنانية وتصاعد الخالف بين‬
‫الفرقاء بشأن المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رئيس الوزراء األسبق رفيق الحريري؛‬
‫ال من رئيس الجمهورية‬ ‫ق����ام أردوغان بزيارة لبنان ف����ي ‪ 24‬نوفمبر ‪ 2010‬حيث التق����ى ك ً‬
‫ميش����ال س����ليمان‪ ،‬ورئيس مجلس النواب نبيه بري‪ ،‬ورئيس مجل����س الوزراء آنذاك‬
‫س����عد الحريري؛ في إطار دعوة كاف����ة األطراف إلى التوافق والوص����ول إلى نقطة التقاء‬
‫حول مسالة المحكمة الدولية بشأن قضية اغتيال الحريري؛ تجنب اللبنانيين االنجرار‬
‫مجدداً إلى هاوية الحرب األهلية(‪.)104‬‬

‫ومن األحداث بالغة الداللة بصدد التغير الكبير الذي طرأ على السياسة الخارجية‬
‫التركية إزاء المنطقة العربية مبادرة رئيس الوزراء التركي أردوغان بزيارة الصومال؛ وهو‬
‫عم����ل ل����م يقدم عليه أي من الحكام أو حتى الوزراء العرب‪ .‬ففي ‪ 19‬أغس����طس ‪ 2011‬قام‬
‫أردوغان على رأس وفد تركي كبير بزيارة مقديش����و للوقوف بنفسه على واقع األوضاع‬
‫المتردية التي تعاني منها الصومال منذ رحيل آخر رؤس����ائها محمد سياد بري ونظامه‬
‫عن س����دة الحكم في البالد عام ‪ .1991‬يش����ار كذلك إلى أن تركيا كانت قد ش����كلت مع‬
‫كازاخستان وتركيا والسعودية والس����نغال ومنظمة التعاون االسالمي مجموعة خاصة‬
‫مكلف����ة بمتابعة الوضع في الصومال وتنس����يق حمالت المس����اعدات‪ ،‬كما قامت تركيا‬
‫بحملة انسانية ودبلوماسية واسعة للتصدي للجفاف في الصومال؛ إلى جانب تقديمها‬
‫لعش����رات األطنان من المواد الغذائية والدوائية ألبناء ذلك الشعب الذين يعانون الفاقة‬
‫والمجاعة (‪.)105‬‬

‫وإذا كان����ت العالقات التركية العربية على النحو المتق����دم قد بلغت أوج ازدهارها‬
‫ف����ي ظل حكم العدالة والتنمية؛ ف����إن العالقات التركية اإلس����رائيلية وصلت إلى أدني‬
‫مستوياتها على نحو ما قد يبدو جلياً في ثنايا عرضنا السابق‪ .‬ولقد تمحورت خالفات‬
‫الدولتين بصفة أساس����ية ح����ول الموقف التركي من القضية الفلس����طينية وما يرتبط‬
‫به����ا م����ن قضايا فرعية حال الحصار اإلس����رائيلي على غزة‪ ،‬كما مث����ل موقف تركيا من‬
‫قضية التس����لح النووي في المنطقة س����بباً آخر رئيس����ياً لتعكير صفو العالقات التركية‬
‫اإلسرائيلية‪.‬‬

‫فعلى صعيد القضية الفلس����طينية ‪-‬بادئ ذي بدء‪ -‬أكد المس����ئولون األتراك دوماً‬
‫على حق الشعب الفلس����طيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية‪،‬‬

‫‪41‬‬
‫كم����ا لم يترك هؤالء المس����ئولون فرص����ة إال وعبروا من خاللها ع����ن رفضهم للحصار‬
‫اإلس����رائيلي على غزة ومناشدتهم للجماعة الدولية بس����رعة التدخل إلجبار إسرائيل‬
‫على رفع هذا الحصار‪ .‬ولم يكتف األتراك بذلك وإنما دعموا محاوالت كسر الحصار من‬
‫قبل بعض المنظمات غير الحكومية التركية والدولية؛ األمر الذي كان يقابل باس����تياء‬
‫إسرائيلي مكتوم‪.‬‬

‫يش����ار كذلك إلى استقبال أنقرة لخالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة‬
‫حماس في مناس����بات عدي����دة‪ ،‬منها دعوته لزيارة العاصم����ة التركية عقب فوز حماس‬
‫باالنتخابات التش����ريعية الفلس����طينية عام ‪ ،2006‬كما يتعين التنويه إلى أن تركيا أكدت‬
‫مراراً على دعمها لحكومة حماس‪ ،‬كما أنها دعت دوماً الجماعة الدولية إلى احترام خيار‬
‫ال في تلك الحكومة‪.‬‬ ‫الشعب الفلسطيني ممث ً‬

‫وق����د ش����هدت العالق����ات التركية اإلس����رائيلية حال����ة عالية من التوت����ر على إثر‬
‫الهجوم اإلس����رائيلي على غزة في ‪ 27‬ديس����مبر ‪ 2008‬والذي أس����فر ع����ن مقتل المئات‬
‫من الفلس����طينيين وجرح اآلالف‪ .‬حيث أدانت تركيا الهجوم بش����دة ووصفه بأن «نقطة‬
‫س����وداء» في تاريخ اإلنس����انية‪ ،‬واعتبر أردوغان الهجوم إهانة لتركي����ا نظراً ألنها كانت‬
‫تس����عى حينذاك للقيام بدور الوسيط إلقرار السالم بين العرب وإسرائيل‪ ،‬كما رفضت‬
‫تركيا مشاركة إسرائيل في مناورات نسر األناضول التي كان من المقرر أن تجرى في‬
‫أكتوب����ر ‪.2009‬وكان التوتر ف����ي عالقات الدولتين قان بان جلياً خ��ل�ال فعاليات المنتدى‬
‫االقتصادي العالمي بدافوس؛ و الذي عقد في يناير ‪2009‬؛ حين صفق الحاضرون للرئيس‬
‫اإلس����رائيلي ش����يمون بيريز عندما برر في ثنايا كلمته الهجوم اإلس����رائيلي على غزة؛‬
‫ال «عار عليكم أن تصفقوا لقتل‬ ‫وعندها انتفض أردوغان وحمل على الحضور بشدة قائ ً‬
‫األطفال في غزة»؛ ثم ما برح أن انسحب من المؤتمر غاضباً(‪.)106‬‬

‫وفي إطار تأكيد األتراك على حقوق الشعب الفلسطيني في إعالن دولته المستقلة‬
‫واعتب����ار القدس عاصمته����ا الحتمية؛ حرص رئيس الوزراء الترك����ي على تلبية الدعوة‬
‫وحضور اجتماعات القمة العربية الثانية والعش����رين التي عقدت بمدينة سرت الليبية‬
‫ف����ي ‪ 27‬مارس ‪ ،2010‬تحت عنوان (دع����م صمود القدس)؛ وقد أكد أردوغان خالل كلمته‬
‫أم����ام المؤتمر على أن القدس هي عاصمة فلس����طين واصفاً المحاوالت اإلس����رائيلية‬
‫التخاذها عاصم ًة بالجنون الذي ال يلزمنا وأضاف‪« :‬إن القدس هي قرة عين كل مسلم‬

‫‪42‬‬
‫وإن احتراقها يعني احتراق الشرق األوسط بالكامل»‪ ،‬وكذا‪« :‬مصير اسطنبول ال يختلف‬
‫عن مكة المكرمة وال عن مصير القدس‪ ...‬تاريخنا وعقيدتنا ال يجعالن منا أصدقاء‪ ،‬بل‬
‫إخوة أشقاء»‪ .‬وأيضاً‪« :‬اليوم ليس يوم العزاء وسكب الدموع‪ ..‬اليوم تحالف وتحرك معاً‬
‫لتأس����يس السالم بشكل عادل‪ ،‬وفي تركيا نرى أن تسوية القضية الفلسطينية مفتاح‬
‫األمن والسالم في المنطقة‪ ،‬فنحن شعوب أسسنا معا حضارات وثقافات السالم‪ ،‬ونحن‬
‫أنصار دين اس����مه السالم»(‪ .)107‬وتجدر اإلشارة كذلك إلى أن أردوغان صرح في ‪ 5‬أبريل‬
‫‪ 2010‬وأثن����اء حف����ل افتتاح قناة تي آر تي التركية الناطقة بالعربية بأن بالده لن تس����كت‬
‫إذا أعادت إس����رائيل «حرق غزة مرة أخرى»‪ .‬وهو التصريح الذي أثار غضب المسئولين‬
‫اإلس����رائيليين؛ وأعقبه رد س����ريع من أحد كبار مس����ئولي خارجية إسرائيل من خالل‬
‫تصريح لإلذاعة اإلس����رائيلية قال فيه‪« :‬إنه يتعين على أردوغان إيجاد طرق خالقة أكثر‬
‫للتقرب من العالم اإلسالمي بد ًال من إطالق التصريحات المناوئة إلسرائيل»‪.‬‬

‫ثم جاءت القش����ة التي قصمت ظهر بعير عالقات تركيا بإسرائيل؛ والمتمثلة في‬
‫قي����ام الزوارق الحربية اإلس����رائيلية فجر ‪ 31‬مايو ‪ 2010‬وفي ع����رض المياه الدولية بالبحر‬
‫المتوس����ط؛ بالهجوم على قافلة من الس����فن المحملة بالمس����اعدات اإلنسانية كانت‬
‫في طريقها إلى قطاع غزة المحاصر إس����رائيلياً من����ذ عام ‪ .2007‬وهي القافلة التي عرفت‬
‫بأسطول الحرية وكان من أبرز الجهات المنظمة لها مؤسسة اإلغاثة اإلنسانية التركية‪،‬‬
‫وضمت القافلة س����ت سفن على متنها مئات الناشطين من عشرات الدول‪ ،‬وكان على‬
‫رأس هذه الس����فن الس����فينة التركية (مافي مرمرة) التي تعرض����ت للجانب األكبر من‬
‫القذائف اإلس����رائيلية‪ .‬وقد أس����فر الهجوم الدامي عن مصرع تس����عة أشخاص وإصابة‬
‫ما يربو على العش����رين ش����خصاً آخرين‪ .‬وعلى إث����ر هذا الهجوم اإلس����رائيلي الدامي‬
‫س����ارع المس����ئولون األتراك إلى إدانة إسرائيل بقوة وتحميلها المس����ئولية كاملة عما‬
‫ح����دث في لهجة لم تخل من عبارات التهديد‪ .‬ودعت تركيا األمم المتحدة إلى معاقبة‬
‫إسرائيل وعدم االكتفاء بمجرد اإلدانة‪ .‬وفي كلمة له أمام البرلمان التركي عقب الهجوم‬
‫اإلس����رائيلي ش����ن رئيس الوزراء أردوغان هجوماً عنيفاً على إسرائيل ووصف هجومها‬
‫على القافلة بالمجزرة الدموية ودعاها إلى اإلنهاء الفوري لحصارها على غزة‪ ،‬بل وحذرها‬
‫م����ن عاقبة اختبار صبر تركيا؛ مؤكداً على أن الضرر الذي لحق بعالقات الدولتين كبير‬
‫جداً؛ وأضاف‪« :‬نشهد اليوم بداية عصر جديد واألمور لن تكون أبداً بعد اآلن كما كانت‬
‫علي����ه ولن ندير أبداً ظهرنا للفلس����طينيين»‪ .‬ولم يكتف أردوغ����ان بمجرد األقوال وإنما‬

‫‪43‬‬
‫س����ارع باتخاذ جملة إجراءات في مواجهة إس����رائيل كان من بينها اس����تدعاء الس����فير‬
‫التركي من تل أبيب‪ ،‬وتعليق المناورات العسكرية التركية اإلسرائيلية المشتركة التي‬
‫كان م����ن المزمع إجراؤها في وقت الحق‪ ،‬وأعلن تجميد العالقات التجارية والتقنية مع‬
‫إس����رائيل‪ ،‬كما أرس����ل وزير الخارجية أحمد داوود أوغلو إلى نيوي����ورك كي يطلب من‬
‫الجمعية العامة عقد جلس����ة طارئة لمناقش����ة األزمة ؛ وذهبت تركيا إلى أبعد من ذلك‬
‫حين قامت في س����بتمبر ‪ 2011‬بطرد السفير اإلس����رائيلي في أنقرة‪ ،‬ورهنت عودته إليها‬
‫باعتذار إسرائيلي واضح ومكتوب عن الهجوم المسلح على أسطول الحرية (‪.)108‬‬

‫ومهما يكن األمر فإن عالقات تركيا بإس����رائيل لم تعد إلى طبيعتها بل واتجهت‬
‫إلى مزيد من التدهور منذ الهجوم اإلس����رائيلي على أس����طول الحرية‪ .‬ودخل الجانبان‬
‫في حرب كالمية لما تزل قائمة؛ ولم يترك أردوغان مناسبة إال وشن فيها هجوماً الذعاً‬
‫على إسرائيل‪ ،‬وأعلن خاللها تأييد بالده للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني‪.‬‬

‫على صعيد آخر وكما أش����رنا س����لفاً؛ فقد مثل الموقف التركي من قضية التسلح‬
‫النووي في الش����رق األوسط س����بباً آخر إلثارة الخالفات بين تركيا وإسرائيل‪ ،‬إذ يشعر‬
‫اإلس����رائيليون باالمتعاض من دف����اع األتراك عن البرنامج الن����ووي اإليراني وتأكيدهم‬
‫على سلميته ودعوتهم الجماعة الدولية إلى حل المشاكل العالقة به من خالل الطرق‬
‫الدبلوماس����ية‪ ،‬في الوقت الذي ترى إس����رائيل ضرورة التدخل العس����كري إلجبار إيران‬
‫على التخلي عن برنامجها الرامي ‪-‬حس����ب الدعاوى اإلس����رائيلية‪ -‬إلى إنتاج س��ل�اح‬
‫نووي‪ .‬ومما يزيد من االمتعاض اإلس����رائيلي حديث المس����ئولين األتراك المتكرر عن‬
‫ضرورة التعامل مع البرنامج النووي اإلس����رائيلي بنف����س الحزم الذي تتعامل به القوى‬
‫الغربية مع البرنامج اإليراني‪ .‬ولقد بدا الموقف التركي هذا واضحاً في ثنايا تصريحات‬
‫عدي����دة ألردوغان؛ منها على س����بيل المثال تصريحاته لهيئة اإلذاع����ة البريطانية قبيل‬
‫لقائه برئيس الوزراء البريطاني جوردن بروان بلندن في ‪ 16‬مارس ‪ ،2010‬حيث جاء بهذا‬
‫التصري����ح على لس����ان رئيس الوزراء التركي‪ « :‬إن القول ب����أن إيران تعكف على إنتاج‬
‫اسلحة نووية «مجرد اشاعات» وتساءل أردوغان عن سبب عدم دعوة المجتمع الدولي‬
‫دو ًال اخرى مثل اس����رائيل الى نزع أس����لحتها بينما تواجه إيران هذه الدعوات‪ .‬وأضاف‪:‬‬
‫«إن الدول التي تمتلك اسلحة نووية ال يحق لها أن تقول لدولة أخرى يجب عليك عدم‬
‫إنتاج اس����لحة نووية‪ .‬خذ إسرائيل على س����بيل المثال؛ إسرائيل تمتلك أسلحة نووية‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫لماذا ال تطلب دول أخرى من إس����رائيل التخلص من أس����لحتها النووية ولكنها تطلب‬
‫(‪)109‬‬
‫ذلك من إيران؟»‬

‫وتتعين اإلش����ارة إلى أن المسئولين اإلسرائيليين عبروا أكثر من مرة عن قلقهم‬


‫إزاء التق����ارب التركي اإليراني؛ ونذكر في هذا الصدد على س����بيل المثال ذلك التصريح‬
‫الذي أثار أزمة جديدة في العالقات التركية اإلس����رائيلية واستدعت على إثره الخارجية‬
‫التركية الس����فير اإلس����رائيلي في أنق����رة احتجاجاً؛ والذي ورد على لس����ان وزير الدفاع‬
‫اإلس����رائيلي إيهود باراك في مطلع أغسطس ‪2008‬؛ إذ قال‪« :‬ال نستطيع أن تأتمن أنقرة‬
‫على أس����رارنا بس����بب عالقاتها مع طهران‪ .‬هناك بعضٌ من أسرارنا العسكرية (ائتمنا‬
‫عليها األتراك)‪ ،‬وفكر ُة أن تصبح متاحة لإليرانيين في األش����هر القليلة القادمة أمر مقلق‬
‫فعالً» (‪.)110‬‬

‫وجملة القول في شأن كل ما تقدم أنه إذا كان عقد التسعينيات هو عقد إسرائيل‬
‫بامتي����از في السياس����ة الخارجية التركية؛ فإن العقد التال����ي وما تاله من زمن لم يكن‬
‫أبداً كس����ابقه‪ ،‬ذلك بأن هذي السنين كانت بحق تعبيراً عن التوجه العربي اإلسالمي‬
‫الجديد للسياس����ة الخارجية التركية تجاه منطقة الشرق األوسط‪ .‬يبقى أن نشير إلى‬
‫أن اله����دف التقليدي للسياس����ة التركية والمتمثل في ضم الب��ل�اد إلى االتحاد األوربي‬
‫ظل حاضراً وبوضوح في ظل حكم العدالة والتنمية الذي حقق نجاحات ال يستهان بها‬
‫في هذا الصدد (‪)111‬؛ غير أن تلك السياس����ة لم تعد متقوقعة كما الماضي في بوتقة هذا‬
‫اله����دف؛ وإنما امتدت إلى آفاق أخرى رحبة؛ تمثل أبرزها في تمدد تركيا من جديد في‬
‫فضائها العربي اإلسالمي الفسيح‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫الخاتمة‬

‫استهدف هذا البحث اإلجابة عن جملة من التساؤالت تتعلق بالسياسة الخارجية‬


‫لتركيا الجمهورية؛ على نحو يهيئ لتقديم حكم موضوعي يوصِّف بدقة حجم وطبيعة‬
‫التغييرات التي طرأت على هذه السياس����ة عموماً والسيما خالل العقد األخير‪ ،‬بكل ما‬
‫يقتضيه ذل����ك من تعريف بالثوابت التقليدية لتلك السياس����ة منذ نش����أة الجمهورية‬
‫في البالد‪ ،‬وكذلك المراحل التاريخية المختلفة التي مرت بها‪ ،‬ومدى تخليها ‪-‬الس����يما‬
‫خالل الفترة األخيرة‪ -‬عن منطلقاتها األيديولوجية المس����تمدة بصفة أساسية من أفكار‬
‫مؤس����س الجمهورية التركية مصطفى كمال(أتاتورك)‪ .‬وارتباطاً بما تقدم ش����رعنا ‪-‬من‬
‫خالل المنهج االستقرائي‪ -‬في مالحظة واقع السياسة الخارجية لتركيا الجمهورية منذ‬
‫ظهوره����ا إلى حيز الوج����ود في عام ‪1923‬؛ من حيث المراح����ل التاريخية المختلفة التي‬
‫مرت بها‪ ،‬والمبادئ التي ارتكزت إليها‪ ،‬واألهداف التي استهدفتها‪ ،‬وكيفية تعاطي القادة‬
‫األتراك خالل المرحل المختلفة مع المش����كالت والقضايا الدولية‪ .‬ويمكن إيجاز أبرز ما‬
‫خلصنا إليه من نتائج بصدد هدف البحث فيما يلي‪:‬‬

‫ال‪ :‬يمكن التمييز بين ثالث مراحل نوعية مرت بها السياس����ة الخارجية لتركيا‬ ‫أو ً‬
‫الجمهورية؛ حيث تمتد المرحلة األولى منذ نش����أة الجمهورية التركية عام ‪ 1923‬وحتى‬
‫ع����ام ‪1989‬؛ وهي المرحلة التي يمكن وصفها بحقبة القبض على الثوابت الكمالية‪ .‬في‬
‫حين تتمثل المرحلة الثانية في س����نوات عقد التس����عينيات من القرن الماضي؛ والتي‬
‫جرى بعض المحللين على وصفها بمرحلة العثمانية الجديدة‪ .‬أما المرحلة الثالثة فتجد‬
‫بدايتها في وصول حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم في البالد عام ‪ 2002‬وتمتد إلى‬
‫وقتنا الراهن‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬فيما يتصل بالمرحلة األولى ‪-‬والتي تمتد من عام ‪ 1923‬إلى عام ‪ 1989‬تقريباً‪-‬‬
‫انتهينا إلى أن السياسة الخارجية لم تكن خاللها ‪-‬كما هو شائع‪ -‬سلبية تماماً إزاء الدائرة‬
‫العربية اإلس��ل�امية الش����رق أوسطية؛ إذ على حين اتس����مت خالل عقود العشرينيات‬
‫والثالثينيات واألربعينيات بتجاه����ل تلك الدائرة‪ ،‬اتخذت مواقف اعتبرت على الصعيد‬
‫العربي اإلس��ل�امي معادي����ة وممالئة للغرب خالل عقد الخمس����ينيات وحتى منتصف‬
‫الس����تينيات تقريباً؛ غير أنها تميزت خالل السنوات الالحقة وحتى نهاية السبعينيات‬
‫تقريباً بتوجهات على قدر بائن من اإليجابية إزاء القضايا العربية اإلسالمية‪ ،‬ثم عادت‬

‫‪46‬‬
‫خالل عقد الثمانينيات إلى ذات نهجها الذي س����ارت عليه خالل حقبة الخمس����ينيات‬
‫والس����نوات األولى من عقد الستينيات‪ .‬ويالحظ كذلك أن الحقبة األولى الممتدة منذ‬
‫تأس����يس الجمهورية التركية وحتى نهاية عقد األربعينيات كانت توجهات السياس����ة‬
‫الخارجي����ة عموماً تميل إلى االنزواء وعدم االنغماس في الش����ئون الدولية بصفة عامة‪،‬‬
‫ولم يكن التجاهل التركي وقتذاك قاصراً على الدائرة العربية اإلسالمية‪.‬‬

‫كذلك فإنه يجدر التنويه إلى أن األجواء السلبية التي خيمت على أجواء العالقات‬
‫التركي����ة العربية لس����نوات طويلة خالل تلك الحقبة لم يكن مرده����ا دائماً إلى مواقف‬
‫تركية؛ وإنما أس����همت المواقف الس����لبية لبعض الدول العربية أحياناً بنصيب وافر في‬
‫تكريس تلك األجواء‪ .‬أيضاً يتعين التأكيد على أن السياسة التركية خالل تلك الحقبة‬
‫لم تكن مخاصمة تماماً لهوية تركيا كدولة إسالمية‪ ،‬إذ على الرغم من التزامها الصارم‬
‫بالمبادئ الكمالية العلمانية التأريبية التغريبية المشار إليها في متن المبحث األول؛ إال‬
‫أنها اتخذت مواقف عديدة ال يمكن تفس����يرها إال بردها إلى الهوية اإلس��ل�امية التركية‬
‫التقليدية‪ ،‬على نحو ما عرضنا له في ثنايا المبحث األول‪.‬‬

‫يض����اف إلى كل ما تقدم أن مالحظة تاريخ السياس����ة الخارجية خالل تلك الحقبة‬
‫الطويلة تش����ير إلى أن الفترات التي شهدت قطيعة تركيا لمحيطها العربي اإلسالمي‬
‫ه����ي ذاته����ا فترات توافقها الكامل مع الغرب وعلى رأس����ه الوالي����ات المتحدة‪ ،‬والعكس‬
‫صحي����ح‪ .‬فخالل حقبة الجف����اء التركية العربية األولى الممتدة من����ذ نهاية األربعينيات‬
‫(تاريخ اعتراف األتراك بإس����رائيل) وحتى منتصف عقد الستينيات كانت عالقات تركيا‬
‫م����ع الغ����رب على خير ما يرام؛ باعتبارها طرفاً فاع ً‬
‫ال ف����ي أحالفه الرامية إلى حصر المد‬
‫الشيوعي وعلى رأسها حلف شمال األطلنطي‪.‬‬

‫في حين أن التحسن الذي ش����هدته أجواء العالقات التركية العربية منذ منتصف‬
‫الستينيات وحتى نهاية السبعينيات تواكب مع تدهور في العالقات التركية األمريكية‪،‬‬
‫وهو التدهور الذي كان مرده إلى امتعاض األتراك من الموقف األمريكي غير الداعم لهم‬
‫خالل األزمة القبرصية األولى عام ‪ .1964‬ثم إن عودة أجواء الجفاء لتخيم على العالقات‬
‫التركية العربية خالل عقد الثمانينيات تواكبت أيضاً مع التحسن الكبير لعالقات تركيا‬
‫مع الغرب والس����يما الواليات المتحدة؛ على إثر اس����ترضاء األمريكيي����ن لألتراك بغية‬
‫إعادته����م إلى حظي����رة الغرب في أعقاب ذلك الحدث المدوي المس����تجد على الصعيد‬

‫‪47‬‬
‫الشرق أوسطي في بداية عام ‪ 1979‬المتمثل في الثورة اإلسالمية اإليرانية؛ التي حولت‬
‫إيران من ش����رطي أمريكا في الخليج إلى واحدة من ألد الدول المعادية‪ ،‬وبالتالي كانت‬
‫الحاجة األمريكية لتركيا ملحة كدولة أطلنطية ش����رق أوس����طية لمواجهة واحتواء ذلك‬
‫العدو المستجد‪.‬‬

‫ثالث�� ًا‪ :‬بصدد المرحل����ة الثانية والتي يطل����ق عليها العديد م����ن المحللين مرحلة‬
‫(العثمانية الجديدة) والتي مرت بها السياسة الخارجية التركية خالل عقد التسعينيات‬
‫وحتى مش����ارف األلفي����ة الثالثة؛ يمكن القول بأن هذا الوص����ف غير دقيق وال يعبر عن‬
‫طبيعة السياسة التركية تجاه الشرق األوسط خالل تلك المرحلة‪.‬‬

‫ذلك بأن السياس����ة العثمانية كانت تتس����م عموماً بس����متين رئيسيتين أوالهما‬
‫االنفتاح الكبير على السياسة الدولية باعتبار أن دولة العثمانيين كانت تمثل قوة كبرى‬
‫والعباً دولياً مهماً؛ في حين تمثلت السمة الثانية في انطالق تلك السياسة من الفكرة‬
‫اإلسالمية التي قوامها إعالء شأن رابطة الدين كمقوم لهويات األمم والشعوب‪ ،‬بحيث‬
‫تجب في هذا الصدد ما عداها من روابط س��ل�الية بيولوجي����ة أو ثقافية لغوية؛ آخذين‬
‫ف����ي االعتبار أن تلك الدولة كانت تش����كل ‪-‬بنظر قاتها على األقل‪ -‬دار اإلس��ل�ام ودولة‬
‫المس����لمين قاطبة‪ .‬وإذا كانت السياس����ة التركية خالل عقد التس����عينيات قد اتسمت‬
‫بقدر يعتد به من االنفتاح على السياسة الدولية والسيما منطقة الشرق األوسط؛ فإنها‬
‫كانت خالل معظم سني هذه المرحلة سياسة كمالية صرفة وأبعد ما تكون عن الفكرة‬
‫اإلسالمية العثمانية‪.‬‬

‫فباس����تثناء الش����هور القليلة التي اعتلى فيها أربكان وحزب الرفاه سدة الحكم في‬
‫أنقرة؛ كانت السياسة الخارجية التركية تجاه الدائرة الشرق أوسطية إسرائيلية الوجهة‬
‫ومخاصمة – إلى حد كبير – للهوية اإلس��ل�امية‪ .‬إذ عل����ى حين َ‬
‫وطد األتراك عالقاتهم‬
‫بالدولة العبرية إلى معدل يقترب من مستوى التحالف اإلستراتيجي؛ كانت عالقاتهم‬
‫بإخوانهم في الدين ‪-‬عرباً وفرساً‪ -‬يسودها الود المفقود إلى حد بعيد‪ ،‬ذلك إلى جانب‬
‫أن االنضمام إلى االتحاد األوربي كان الهدف الرئيسي والمحوري والملح الذي يسيطر‬
‫على ذهنية القادة األتراك خالل تلك السنين‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫رابع�� ًا‪ :‬فيما يتص����ل بالمرحلة الثالثة والت����ي ولجتها السياس����ة الخارجية التركية‬
‫باعتالء حزب العدالة والتنمية دس����ت الحكم في أنقرة بدءاً أواخر عام ‪ ،2002‬فإنه يمكن‬
‫القول بأن هذه المرحلة هي الجديرة بوصف مرحلة العثمانية الجديدة إن كان ال مناص‬
‫من اس����تخدام هذا الوص����ف كتعبير عن إحدى المراحل التي مرت بها تلك السياس����ة‬
‫عموماً‪ .‬ذلك بأن القادة الجدد في تركيا من ذوي الخلفية اإلس��ل�امية ‪-‬حال رجب طيب‬
‫أردوغان وعبد اهلل جول وأحمد داوود أوغلو‪ -‬انطلقوا بسياسة بالدهم الخارجية إلى آفاق‬
‫نظر لها ذلك األخير‪ ،‬وهي السياسة‬ ‫رحبة انطالقاً من فكرة العمق اإلس����تراتيجي التي َ‬
‫التي كانت الهوية اإلس��ل�امية لتركيا واضحة عل����ى مالمحها‪ .‬إننا إذاً بصدد نقلة نوعية‬
‫للسياس����ة الخارجية التركية؛ حي����ث خاضت تركيا بأقدام ثابتة فيم����ا كان يطلق عليه‬
‫الكماليون األوائل (المس����تنقع الشرق أوس����طي)؛ إذ راح األتراك يمدون جسور التقارب‬
‫مع كافة الدول اإلسالمية بما فيها إيران وسوريا المنظور إليهما غربياً باعتبارهما ضمن‬
‫دول محور الش����ر‪ .‬فلقد اتخذ األتراك خالل هذه المرحلة مواقف ذات طابع اس����تقاللي‬
‫خارجين بذلك من أس����ر السياس����ات الغربية التقليدية التي تضع مصالح إسرائيل في‬
‫قمة أولوياتها الشرق أوسطية‪.‬‬

‫ولقد بدت هذه االس����تقاللية جلي ًة في المواقف التركية إزاء القضية الفلس����طينية‬
‫ومعضل����ة البرنامج النووي اإليراني على وجه الخصوص‪ .‬وإجما ًال ‪-‬كما أس����لفنا القول‪-‬‬
‫نؤكد على أنه إذا كان عقد التسعينيات هو عقد إسرائيل بامتياز في السياسة الخارجية‬
‫التركي����ة؛ ف����إن العقد التالي وم����ا أعقبه من زمن لم يكن أبداً كس����ابقه‪ ،‬ذلك بأن هذي‬
‫الس����نين كانت بحق تعبيراً عن التوجه العربي اإلسالمي الجديد للسياسة الخارجية‬
‫التركية تجاه منطقة الشرق األوسط‪.‬‬

‫يبقى أن نشير إلى أن الهدف التقليدي للسياسة التركية والمتمثل في ضم البالد‬


‫إل����ى االتحاد األوربي ظل حاض����راً وبوضوح في ظل حكم العدال����ة والتنمية الذي حقق‬
‫نجاحات ال يس����تهان بها في هذا الصدد؛ غير أن تلك السياس����ة لم تعد متقوقعة كما‬
‫الماض����ي في بوتق����ة هذا الهدف؛ وإنما امتدت إلى آفاق أخ����رى رحبة؛ تمثل أبرزها في‬
‫تمدد تركيا من جديد في فضائها العربي اإلسالمي الفسيح‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫الهوامش‬

‫(‪ )1‬راجع بصدد هذه الفكرة على س����بيل المث����ال‪ :‬موفق بني المرجة‪ ،‬صحوة الرجل‬
‫المريض‪ :‬أو السلطان عبد الحميد الثاني والخالفة اإلسالمية (الكويت‪ ،‬مؤسسة‬
‫صقر الخليج للنشر‪ ،)1984 ،‬ص ‪.128 :126‬‬
‫(‪ )2‬أنظر في هذا المضمون‪ :‬محمود ثابت الش����اذلي‪ ،‬المس����ألة الش����رقية‪ :‬دراسة‬
‫وثائقي����ة عن الخالفة العثمانية ‪( 1923 – 1299‬القاهرة‪ ،‬مكتبة وهبة‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬‬
‫‪ ،)1989‬ص ‪.56 ،54‬‬

‫ا عن‪ :‬خلي����ل إينالجيك‪ ،‬تاريخ الدولة العثمانية من النش����وء إلى االنحدار‪،‬‬


‫(‪ )3‬نق��ل� ً‬
‫ترجمة محمد األرناؤوط (بيروت‪ ،‬دار المد اإلسالمي‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،)2002 ،‬ص‪.67‬‬
‫(‪ )4‬م‪.‬هاكان يافوز‪ ،‬العالقات التركية – اإلس����رائيلية من منظور الجدل حول الهوية‬
‫التركية (مركز اإلمارات للدراس����ات اإلستراتيجية‪ ،‬سلسلة دراسات عالمية‪ ،‬العدد‬
‫‪ ،29‬الطبعة األولى‪ ،)2000 ،‬ص ‪.9-8‬‬
‫ال من‪:‬‬
‫(‪ )5‬راجع في هذا المضمون ك ً‬
‫ •عمر تشيبنار‪ ،‬سياسات تركيا في الشرق األوسط‪ :‬بين الكمالية والعثمانية‬
‫الجديدة (بيروت‪ ،‬مؤسس����ة كارنيجي للسالم الدولي‪،‬مركز الشرق األوسط‪،‬‬
‫العدد ‪ ،10‬سبتمبر ‪ ،)2008‬ص ‪.5‬‬
‫ •روبير مانتران‪ ،‬تاريخ الدولة العثمانية‪ :‬الجزء الثاني‪ ،‬ترجمة‪ :‬بش���ير الس���باعي‬
‫(القاهرة‪ ،‬دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،)1992 ،‬ص‪.348 ،347‬‬
‫(‪ )6‬هاينتس كرامر‪ ،‬تركيا المتغيرة تبحث عن ثوب جديد‪ :‬التحدي الماثل أمام كل من‬
‫أوربا والواليات المتحدة‪ ،‬تعريب‪ :‬فاضل جتكر(الرياض‪ ،‬مكتبة العبيكان‪ ،)2001 ،‬ص ‪.149‬‬
‫(‪ )7‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.23 ،20‬‬
‫ال عن المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.30 ،29‬‬
‫(‪ )8‬نق ً‬
‫(‪ )9‬أنظ����ر في هذا الصدد‪ :‬مالك مفتي‪ ،‬الجرأة والحذر في سياس����ة تركيا الخارجية‬
‫(مركز اإلمارات للدراس����ات والبحوث اإلس����تراتيجية‪ ،‬سلس����لة دراسات عالمية‪،‬‬
‫العدد‪ ،)27 ،‬ص‪.39:‬‬

‫‪50‬‬
‫(‪ )10‬راجع في هذا الصدد‪:‬‬
‫‪• Danforth, Nicholas, Ideology and Pragmatism in Turkish Foreign‬‬
‫ ‪Policy:‬‬
‫‪• From Ataturk to the AKP(Ankara, Turkish Policy Quarterly ,Vol. 7,No.‬‬
‫‪3 Fall 2008).p 84.‬‬

‫(‪ )11‬راجع في هذا الصدد‪:‬‬


‫‪• Fuller , Graham E, Turkey’s Strategic Model: Myths and Realities,‬‬
‫‪available at: http://guarrero.blogspot.com/200412//turkeys-strategic-‬‬
‫‪model-myths-and.html‬‬

‫(‪ )12‬أنظر بصدد تاريخ وتطور هذه العالقات على سبيل المثال‪:‬‬
‫‪• Abadi , Jacob ,Israel and Turkey: From Covert to Overt Relations,‬‬
‫‪available at: http://www.setav.org/ups/dosya/28724.pdf (13) Danforth,‬‬
‫ ‪op. cit. P 87.‬‬

‫(‪ )14‬أنظ����ر بصدد الخالفات العربية حول االنضمام إلى حلف بغداد‪ :‬ليلى مرس����ي‪،‬‬
‫أحمد وهبان‪ ،‬حلف شمال األطلنطي‪ :‬العالقات األمريكية األوربية بين التحالف‬
‫والمصلحة ‪(2000 :1945‬اإلسكندرية‪ ،‬دار الجامعة الجديدة‪ .)2001،‬ص ص ‪.98 :96‬‬
‫(‪ )15‬تشيبنار‪ ،‬م‪ .‬س‪ .‬ذ‪ ،‬ص‪.9‬‬
‫(‪ )16‬ليلى مرسي‪ ،‬أحمد وهبان‪ ،‬م‪ .‬س‪ .‬ذ‪.98 :96،‬‬
‫(‪ )17‬تشيبنار‪ ،‬م‪ .‬س‪ .‬ذ‪ ،‬ص‪.9‬‬
‫(‪ )18‬المرجع السابق‪.‬‬
‫(‪ )19‬أنظ����ر بصدد ه����ذه المش����كلة التاريخية تفصي��ل�اً‪ :‬أحمد عدن����ان عيطة‪ ،‬أزمة‬
‫اإلسكندرونة وعصبة األمم (دمشق – الجمعية الجغرافية السورية – ‪.)2000‬‬
‫(‪ )20‬تشيبنار‪ ،‬م‪ .‬س‪ .‬ذ‪ ،‬ص‪.9‬‬
‫(‪ )21‬كرامر‪ ،‬م‪ .‬س‪ .‬ذ‪ ،‬ص ‪.167‬‬
‫(‪ )22‬راجع في هذا المضمون‪:‬مفتي‪ ،‬م‪.‬س‪.‬ذ‪ ،‬ص ‪.24‬‬
‫(‪ )23‬كرامر‪ ،‬م‪ .‬س‪ .‬ذ‪ ،‬ص ‪.11‬‬

‫‪51‬‬
‫(‪)24‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.245‬‬
‫(‪ )25‬راج����ع بصدد ه����ذ االتفاقية‪ :‬جليلي جليل وآخرون‪ ،‬الحرك����ة الكردية في العصر‬
‫الحديث‪ ،‬ترجمة عبدي حاجي (بيروت – دار الرازي ‪ .)1992-‬ص ‪.182 ،181‬‬
‫(‪ )26‬تشيبنار‪ ،‬م‪ .‬س‪ .‬ذ‪ ،‬ص ‪.10‬‬
‫(‪ )27‬ذات المرجع السابق‪.‬‬
‫(‪ )28‬أنظر في هذا المضمون‪ :‬يافوز‪ ،‬م‪.‬س‪.‬ذ‪ ،‬ص ‪.11 ،10‬‬
‫(‪ )29‬تشيبنار‪ ،‬م‪.‬س‪.‬ذ‪ ،‬ص ‪.10‬‬
‫(‪ )30‬أنظر بصدد هذه المواقف‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.10‬‬
‫(‪ )31‬راج����ع في ه����ذا المضمون تفصيالً‪ :‬ليلى مرس����ي‪ ،‬أحمد وهب����ان‪ ،‬م‪ .‬س‪ .‬ذ‪. ،‬‬
‫ص‪.244 ،238‬‬
‫(‪ )32‬ذات المرجع السابق‪.‬‬
‫(‪ )33‬أنظر في هذا المضمون‪:‬‬
‫‪• Danforth, op. cit. p p: 88,89.‬‬

‫(‪Ibid )34‬‬
‫(‪Ibid )35‬‬
‫(‪ )36‬مفتي‪ ،‬م‪ .‬س‪ .‬ذ‪ ،‬ص ‪.31‬‬
‫(‪ )37‬راجع في هذا المضمون‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.25‬‬
‫(‪ )38‬المرجع السابق‪.‬‬
‫‪(39) Ozturk , Asiye , The domestic Context of Turkey’s Changing Foreign‬‬
‫‪Policy Towards the Middle East and the Caspian Region (Bonn,‬‬
‫ ‪German Development Institute , 2009). P 22.‬‬

‫(‪ )40‬أنظر بصدد الدور السوري في تدعيم حزب العمال الكردستاني‪:‬‬


‫‪• Gunter, Micheal M., The Kurdish Problem in Turkey (The Middle‬‬
‫‪East Journal, Summer 1988), pp. 394397-.‬‬

‫‪52‬‬
‫(‪ )41‬أحمد وهبان‪ ،‬الصراعات العرقية واس����تقرار العالم المعاصر‪ :‬دراسة في األقليات‬
‫والجماعات والحركات العرقية (اإلسكندرية‪ ،‬دار أليكس لتكنولوجيا المعلومات‪،‬‬
‫ط‪ .)2007 ،5‬ص ص ‪.250 :249‬‬
‫(‪ )42‬مفتي‪ ،‬م‪.‬س‪.‬ذ‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫(‪ )43‬كرامر‪ ،‬م‪.‬س‪.‬ذ‪ ،‬ص ‪.242‬‬
‫(‪ )44‬وهبان‪ ،‬م‪.‬س‪.‬ذ‪ ،‬ص ص ‪.250 :249‬‬
‫(‪ )45‬مفتي‪ ،‬م‪.‬س‪.‬ذ‪ ،‬ص ص ‪.12 :11‬‬
‫(‪ )46‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.12‬‬
‫(‪ )47‬وهبان‪ ،‬م‪.‬س‪.‬ذ‪ ،‬ص ص ‪.250 :249‬‬
‫(‪ )48‬أنظر بصدد هذا التقارب التركي اإلسرائيلي على سبيل المثال‪:‬‬
‫‪.Abadi , op. cit‬‬
‫(‪ )49‬راجع في هذا المضمون‪ :‬يافوز‪ ،‬م‪.‬س‪.‬ذ‪ ،‬ص ‪.15‬‬
‫ال عن المرجع السابق‪ ،‬ص ص ‪.17 :16‬‬
‫(‪ )50‬نق ً‬
‫ال عن‪ :‬مصطفى طالس‪ ،‬التعاون التركي اإلسرائيلي (مجلة الفكر السياسي‪،‬‬ ‫(‪ )51‬نق ً‬
‫دمشق‪ ،‬العدد األول‪ ،‬شتاء ‪ ،)1997‬ص ‪.40‬‬
‫(‪ )52‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.41‬‬
‫(‪ )53‬مفتي‪ ،‬م‪.‬س‪.‬ذ‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫ال عن يافوز‪ ،‬م‪.‬س‪.‬ذ‪ ،‬ص ‪.24‬‬
‫(‪ )54‬نق ً‬
‫(‪ )55‬مفتي‪ ،‬م‪.‬س‪.‬ذ‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫(‪ )56‬طالس‪ ،‬م‪.‬س‪.‬ذ‪ ،‬ص ‪.40‬‬
‫ال عن المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.41‬‬
‫(‪ )57‬نق ً‬
‫(‪ )58‬راجع في هذا المضمون‪ :‬يافوز‪ ،‬م‪.‬س‪.‬ذ‪ ،‬ص ‪.16 ،15‬‬

‫‪53‬‬
‫(‪ )59‬راجع في هذا الصدد تفصيالً‪:‬‬
‫‪• Zeyenb ,Cagliyan Imisiker , The changing Nature of Islamism in‬‬
‫‪Turkey: A Comparison of Erbakan and Erdogan (Ankara, The Institute‬‬
‫‪of Economics and Social Sciences of Bilkent University, September‬‬
‫‪2002), pp 20: 22.‬‬

‫(‪ )60‬راجع في هذا المضمون‪ :‬يافوز‪ ،‬م‪.‬س‪.‬ذ‪ ،‬ص ‪.30‬‬


‫(‪ )61‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.8‬‬
‫(‪ )62‬كرامر‪ ،‬م‪.‬س‪.‬ذ‪ ،‬ص ‪.169‬‬
‫(‪ )63‬المرجع السابق‪ ،‬ص ص ‪.246 :245‬‬
‫(‪ )64‬المرجع السابق‪.‬‬
‫(‪ )65‬راجع في هذا المضمون‪ :‬يافوز‪ ،‬م‪ .‬س‪ .‬ذ‪ ،‬ص ‪.21‬‬
‫(‪ )66‬راجع في هذا المضمون‪ :‬كرامر‪ ،‬م‪ .‬س‪ .‬ذ‪ ،‬ص ص ‪.136 :133‬‬
‫(‪ )67‬راجع في هذا المضمون‪.Danforth, op. cit. p 90,91 :‬‬
‫(‪ )68‬راج����ع في ه����ذا المضمون تفصي��ل�اً‪ :‬أحمد داود أوغلو‪ ،‬العمق اإلس����تراتيجي‪:‬‬
‫موقع تركيا ودورها في الساحة الدولية‪ ،‬ترجمة‪ :‬محمد جابر ثلجي‪ ،‬طارق عبد‬
‫الجليل (مركز الجزيرة للدراس����ات بالدوحة _ الدار العربية للعلوم ناش����رون –‬
‫بيروت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ .)2011‬ص ‪ ،488‬ص ‪.490‬‬
‫‪(69) Lesser Ian O ,Turkey's Regional Role: Harder Choices Ahead‬‬
‫ ‪(Ankara, Turkish Policy Quarterly ,Vol. 7 ,No. 2, 2008).p 34.‬‬

‫(‪.ibid ,p 93 )70‬‬
‫(‪ )71‬راجع في هذا الصدد تفصيالً‪:‬‬
‫‪• McCurdy, Daphne, Turkish-Iranian Relations: When Opposites‬‬
‫‪Attract(Ankara, Turkish Policy Quarterly ,Vol. 7 ,No. 2,‬‬
‫‪2008).p 89, 93.‬‬

‫(‪ )72‬راجع في هذا المضمون‪ :‬تشيبنار‪ ،‬م‪ .‬س‪ .‬ذ‪ ،‬ص ‪.26‬‬

‫‪54‬‬
‫(‪ )73‬راجع في هذا المضمون‪.McCurdy, op. cit. p89, p93 :‬‬
‫وكذا‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ ،26‬ص‪.27‬‬
‫(‪ )74‬راجع بصدد تطور الموقف التركي إزاء البرنامج النووي اإليراني‪:‬‬
‫‪.McCurdy, op. cit. p p 99: 103‬‬

‫ال عن مادة إخبارية بعنوان‪ :‬وس����اطة تركية لحل الخالف‬


‫(‪ )75‬ه����ذا المضم����ون نق ً‬
‫النووي بين إيران والغرب‪ ،‬متاحة على الرابط التالي‪:‬‬
‫_‪• http://www.bbc.co.uk/arabic/middleeast/2010100420/04/_turkey_iran‬‬
‫‪mediation_tc2.shtml‬‬

‫ال عن م����ادة إخبارية بعنوان‪ :‬التوقيع في طهران على اتفاق‬


‫(‪ )76‬ه����ذا المضمون نق ً‬
‫مبدئي لتبادل الوقود النووي‪ ،‬متاحة على الرابط التالي‪:‬‬
‫_‪• http://www.bbc.co.uk/arabic/middleeast/2010100517/05/_iran‬‬
‫‪nuclear_deal_tc2.shtml‬‬

‫ال عن مادة إخبارية بعنوان‪ :‬وس����ط إص����رار أمريكي على‬


‫(‪ )77‬ه����ذا المضم����ون نق ً‬
‫مشروع العقوبات؛ أردوغان‪ :‬إيران قامت بالمطلوب‪ ،‬متاحة على الرابط التالي‪:‬‬
‫‪• http://www.aljazeera.net/news/pages/666ac55c-0b18447-b-8b36-‬‬
‫‪078509c80d51‬‬

‫(‪ )78‬راجع في هذا المضمون‪ :‬تشيبنار‪ ،‬م‪ .‬س‪ .‬ذ‪ ،‬ص ‪.291 ،290‬‬
‫ال ع����ن موقع تركيا اليوم بتاريخ ‪ 31‬يولي����و ‪ ،2010‬تحت عنوان‪:‬‬
‫(‪ )79‬ه����ذا اإلحصاء نق ً‬
‫مليار دوالر حجم التبادل التجاري بين تركيا وسوريا‪ ،‬متاح على الرابط التالي‪:‬‬
‫‪• http://turkeytoday.net/node/1579‬‬

‫(‪ )80‬راجع بصدد المس����اعي التركي هذه على س����بيل المثال‪ :‬مصطفى اللباد‪ ،‬تركيا‬
‫والعرب‪ :‬شروط التعاون المثمر‪ ،‬في‪ :‬محمد عبد العاطي (محرر) وآخرون‪ ،‬تركيا‬
‫بين تحديات الداخ����ل ورهانات الخارج (مركز الجزيرة للدراس����ات بالدوحة _‬
‫الدار العربية للعلوم ناشرون – بيروت‪ ،)2009 ،‬ص ص ‪.223 :221‬‬

‫‪55‬‬
‫(‪ )81‬راجع بص����دد هذا المؤتمر ومقرراته مادة إخبارية بعنوان‪ :‬قمة س����ورية قطرية‬
‫تركية في إسطنبول‪ ،‬متاحة على الرابط التالي‪:‬‬
‫_‪• http://www.bbc.co.uk/arabic/middleeast/2010100509/05/_syria_qatar‬‬
‫‪turkey_summit_tc2.shtml‬‬

‫(‪ )82‬راجع بصدد هذه الوثيقة مادة إخبارية بعنوان‪ :‬تركيا تعيد صياغة أمنها القومي‪،‬‬
‫متاحة على الرابط التالي‪:‬‬
‫‪• http://www.aljazeera.net/news/pages/9e84f4324309--0726-b922-‬‬
‫‪dfd47b5aaecd‬‬

‫(‪ )83‬راج����ع بصدد تفاصيل هذا الخط����اب مادة إخبارية بعن����وان‪ :‬أردوغان يخاطب‬
‫األسد بـ«يا بشار» وتهديد بقطع الكهرباء التركية‪ ،‬متاحة على الرابط التالي‪:‬‬
‫‪• http://arabic.cnn.com/2011/syria.201115/11//syria.turkey/index.html‬‬

‫‪(84) Larrabee, F. Stephen , Turkey Rediscovers the Middle East(Foreign‬‬


‫‪Affairs , July/August 2007), available at: http://www.foreignaffairs.‬‬
‫‪com/articles/62649/f-stephen-larrabee/turkey-rediscovers-the-middle-‬‬
‫ ‪east‬‬

‫(‪ )85‬راج����ع في هذا المضمون‪ :‬هنري جي بارك����ي‪ ،‬تركيا والعراق‪ :‬أخطار وإمكانات‬
‫الجوار(واشنطن‪ -‬معهد السالم األمريكي – يوليو ‪ .)2005‬ص ‪.7‬‬

‫(‪ )86‬أنظر بصدد هذه المصالح تفصيالً‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ ،3‬ص‪.8‬‬

‫(‪ )87‬راجع بصدد حجم النشاط االقتصادي بين تركيا والعراق‪:‬‬


‫‪• Turkey: Investing in Iraq , available at:‬‬
‫‪http://www.oxfordbusinessgroup.com/economic_updates/turkey-‬‬
‫‪investing-iraq‬‬

‫(‪ )88‬أنظر بصدد حجم النش����اط االقتصادي بين تركيا ومصر على س����بيل المثال‪:‬‬
‫إنشاء مجلس للتعاون المش����ترك بين مصر وتركيا‪ ،‬مادة إخبارية متاحة على‬
‫الرابط التالي‪:‬‬

‫‪• http://gate.ahram.org.eg/NewsContentPrint/13115377/54/.aspx‬‬

‫‪56‬‬
:‫ مادة إخبارية بعنوان‬:‫) أنظر بصدد مقوالت أردوغان هذه على س����بيل المث����ال‬89(
:‫ متاحة على الرابط التالي‬،‫أردوغان يطالب مبارك بخطوة مختلفة‬
• http://www.aljazeera.net/news/pages/6bcbf63e-b76249-fd-9f64-
becd32684405

‫ أردوغان مصر وتركيا يد‬:‫) أنظر بصدد تفاصيل هذا الخطاب مادة إخبارية بعنوان‬90(
:‫ بموقع بوابة األهرام‬2011/ 9/ 13 ‫ منشورة بتاريخ‬،‫واحدة‬
• http://gate.ahram.org.eg

‫ تركيا تعرض‬:‫ مادة إخبارية بعنوان‬:‫) أنظر بصدد هذه الزيارة على سبيل المثال‬91(
:‫ متاحة على الرابط التالي‬،‫على مصر تعاوناً غير مشروط في كافة المجاالت‬
• http://www.aawsat.com/details.asp?article=684843

:‫) أنظر بصدد موقف تركيا عموماً من هذه الثورات‬92(


• Gumuscu, Sebnem, Turkey’s Reactions to the Arab Spring, available
at: http://yalejournal.org/201205//turkeys-reactions-to-the-arab-spring-
Ozhan , Taha ,
• The Arab Spring and Turkey, available at:http://setav.org/public/
HaberDetay.aspx?Dil=tr&hid=91030&q=the-arab-spring-and-turkey

:‫) أنظر بصدد هذه الزيارة على سبيل المثال‬93(


• Erdogan stops at Tunisia for the Arab Spring tour, available at:
http://www.hurriyetdailynews.com/default.
aspx?pageid=438&n=erdogan-visits-tunisia-during-the-arab-spring-
tour-201115-09-

‫) أنظر بصدد العالقات االقتصادية بين تركيا وتونس على سبيل المثال البيانات‬94(
:‫المتاحة بموقع وزارة االقتصاد التركية على الرابط التالي‬
• http://www.economy.gov.tr/index.cfm?sayfa=countriesandregions&co
untry=TN&region=0

57
‫(‪ )95‬أنظر بصدد هذه الزيارة على سبيل المثال‪ :‬مادة إخبارية بعنوان‪ :‬أردوغان يتعهد‬
‫في بنغازي بدعم ليبيا بعيدا عن أية مصالح غداة زيارة س����اركوزي وكاميرون‪،‬‬
‫متاحة على الرابط التالي‪:‬‬
‫‪• http://arabic.china.org.cn/china-arab/txt/201117/09-/content_23437374.htm‬‬

‫(‪ )96‬أنظر بصدد العالقات االقتصادية بين تركيا وليبيا على س����بيل المثال البيانات‬
‫المتاحة بموقع وزارة االقتصاد التركية على الرابط التالي‪:‬‬
‫‪• http://www.economy.gov.tr/index.cfm?sayfa=countriesandregions&cou‬‬
‫‪ntry=LY&region=0‬‬

‫(‪ )97‬أنظر بصدد العالقات االقتصادية بين تركيا ودول الربيع العربي عموماً‪ :‬محمد‬
‫عبد القادر خليل‪ ،‬حس����ابات أنقرة‪ :‬األبعاد االقتصادية لسياسة تركيا تجاه دول‬
‫الربيع العربي‪ ،‬منش����ور بتاريخ ‪ ،2012/ 10/ 1‬على موقع المركز اإلقليمي للدراسات‬
‫اإلستراتيجية‪:‬‬
‫‪• http://rcssmideast.org‬‬

‫(‪ )98‬أنظ����ر بصدد العالقات االقتصادية بين تركيا والس����ودان على س����بيل المثال‬
‫البيانات المتاحة بموقع وزارة االقتصاد التركية على الرابط التالي‪:‬‬
‫‪• http://www.economy.gov.tr/index.cfm?sayfa=countriesandregions&cou‬‬
‫‪ntry=SD&region=0‬‬

‫(‪ )99‬راجع في هذا الصدد تصريح ألحد المس����ئولين األتراك‪ ،‬منش����ور على الرابط‬
‫التالي‪:‬‬
‫‪• http://www.elbiladonline.net/modules.php?name=News&file=a‬‬
‫‪rticle&sid=17863‬‬

‫وبخصوص العالقات االقتصادية بين تركيا والجزائر عموماًعلى سبيل المثال‬


‫البيانات المتاحة بموقع وزارة االقتصاد التركية على الرابط التالي‪:‬‬
‫‪• http://www.economy.gov.tr/index.cfm?sayfa=countriesandregi‬‬
‫‪ons&country=DZ&region=0‬‬

‫(‪ )100‬بص����دد العالقات االقتصادية بين تركيا والمغرب راجع البيانات المتاحة بموقع‬
‫الحكوم����ة المغربي����ة بتاريخ ‪ ،2011/ 3/ 3‬تح����ت عنوان‪ :‬انطالق أش����غال الدورة‬

‫‪58‬‬
‫التاس����عة للجن����ة االقتصادية المش����تركة المغربية – التركي����ة‪ ،‬متاحة في ذات‬
‫التاريخ والموقع‪:‬‬
‫‪• http://www.maroc.ma/PortailInst/Ar‬‬

‫(‪ )101‬أنظر في هذا الصدد‪ :‬تشيبنار‪ ،‬م‪ .‬س‪ .‬ذ‪ ،‬ص ‪.29‬‬

‫ال على س����بيل المثال تقرير‬


‫(‪ )102‬أنظ����ر بصدد العالقات التركية الس����عودية تفصي ً‬
‫المنتدى التركي السعودي لعام ‪ 2011‬بعنوان‪:‬‬
‫‪• The Saudi-Turkish Relations , available at: http://stf.kcorp.net/data/‬‬
‫‪ksa-tIRKEY-ReLATION.pdf‬‬

‫وأنظر كذلك البيانات المتاحة بموقع وزارة االقتصاد التركية على الرابط التالي‪:‬‬
‫&‪• http://www.economy.gov.tr/index.cfm?sayfa=countriesandregions‬‬
‫‪country=SA&region=4‬‬

‫ال عن تقرير للمركز العربي للدراسات المستقبلية بعنوان‪ :‬قطر بوابة تركيا‬
‫(‪ )103‬نق ً‬
‫إلى أسواق الخليج‪ ،‬متاح على الرابط التالي‪:‬‬
‫‪• http://www.mostakbaliat.com/?p=7586‬‬

‫(‪ )104‬أنظر بصدد هذه الزيارة على س����بيل المثال‪ :‬مادة إخبارية بعنوان‪ :‬شن هجوماً‬
‫حاداً على إسرائيل‪ :‬أردوغان يدعو اللبنانيين لتوافق داخلي‪ ،‬متاحة على الرابط‬
‫التالي‪:‬‬
‫‪• http://www.aljazeera.net/news/pages/7e8bbc3e-481f-4e6d-b4bf-‬‬
‫‪d9694ad2678c‬‬

‫(‪ )105‬راجع بصدد هذه الجهود تفصيالً‪:‬‬


‫‪• Somalia famine: Turkish PM Erdogan visits Mogadishu, available‬‬
‫‪at:http://www.bbc.co.uk/news/world-africa-14588960‬‬

‫(‪ )106‬أنظر في هذا الصدد‪:‬‬


‫‪• Walt , Stephen M, The real significance of Erdogan’s Davos outburst,‬‬
‫_‪available at: http://walt.foreignpolicy.com/posts/200902/02//davos‬‬
‫‪smackdown_erdogan_versus_peres‬‬

‫‪59‬‬
‫(‪ )107‬أنظر بصدد خطاب أردوغان في سرت‪ ::‬مادة إخبارية منشورة بموقع صحيفة‬
‫الش����رق األوس����ط اللندنية بتاريخ ‪ 28‬م����ارس ‪ ،2010‬تحت عن����وان‪ :‬افتتاح القمة‬
‫العربية في س����رت الليبية بهج����وم تركي على إس����رائيل‪ ،‬متاحة على الرابط‬
‫التالي‪:‬‬
‫‪• http://www.aawsat.com/details.asp?section=4&issueno=11443&artic‬‬
‫‪le=562787‬‬

‫(‪ )108‬راجع بصدد تداعيات الهجوم اإلس����رائيلي على أسطول الحرية‪ ،‬وعلى سبيل‬
‫المثال‪:‬‬
‫‪• Turkey expels Israeli ambassador over Gaza flotilla row, available at:‬‬
‫‪http://www.bbc.co.uk/news/world-europe-14762475‬‬

‫(‪ )109‬راج����ع بصدد ه����ذه التصريح����ات ألردوغان‪ :‬م����ادة إخبارية بعن����وان‪ :‬أردوغان‪:‬‬
‫إشاعات‪ ...‬القول إن إيران تنتج أسلحة نووية‪ ،‬متاحة على الرابط التالي‪:‬‬
‫‪• http://www.alraimedia.com/AlRai/Article.‬‬
‫‪aspx?id=191578&date=18032010‬‬

‫وأنظر بص����دد الموقف التركي من القضية النووية عموم����اً‪ :‬حقي ياغور‪ ،‬تركيا‬
‫وإي����ران‪ :‬البعد عن حافة الصدام في‪ :‬محمد عب����د العاطي (محرر) وآخرون‪ ،‬م‪.‬‬
‫س‪ .‬ذ‪ ،‬ص ص ‪.237 :235‬‬

‫(‪ )110‬أنظ����ر في هذا الص����دد‪ :‬مادة إخبارية بعن����وان‪ :‬تل أبيب ال تأتم����ن أنقرة على‬
‫أسرارها احتجاج تركي على تصريحاتٍ لباراك‪ ،‬متاحة على الرابط التالي‪:‬‬
‫‪• http://aljazeera.net/news/pages/f6c1727248-ea-42c1-b5fb-‬‬
‫‪dc680c36f547‬‬

‫(‪ )111‬أنظر في هذا المعنى على سبيل المثال‪:‬‬


‫‪• Keyman , E.Fuat ,Turkish Foreign Policy in A Globalizing‬‬
‫‪World(Ankara, Turkish Policy Quarterly ,Vol. 5 ,No. 1 ,2006).‬‬

‫‪60‬‬
‫السيرة الذاتية‬
‫ •االسم ‪ :‬د ‪ /‬أحمد محمد محمد وهبان‬
‫ •تاريخ ومحل الميالد ‪ – 1965 /6 /10 :‬جمهورية مصر العربية‪.‬‬
‫ •الوظيفة الحالية‪  :‬أستاذ مش���ارك بكلية الحقوق والعلوم السياسية ـ جامعة‬
‫الملك سعود‪ ‬بالرياض ‪ -‬المملكة العربية السعودية‪.‬‬
‫ •أس���تاذ العلوم السياس���ية المش���ارك بكلية التجارة ـ جامعة اإلس���كندرية ـ‬
‫جمهورية مصر العربية‪.‬‬
‫ •التخصص العام‪ :‬العلوم السياسية‪.‬‬
‫ •التخصص الدقيق‪ :‬العالقات الدولية‪.‬‬
‫ •حصل على درجة دكتور الفلسفة في العلوم السياسية من جامعة اإلسكندرية‬
‫عام ‪.1996‬‬
‫ •حاصل على جائزة الدولة التشجيعية ‪ -‬جمهورية مصر العربية (‪.)2001‬‬
‫ •‪ ‬حاض���ر طالب مرحل��ة البكالوريوس ومراح���ل الدراس���ات العليا بجامعة‬
‫اإلسكندرية وبعض الجامعات العربية في موضوعات مقررات عديدة أهمها‪:‬‬

‫‪1 .1‬مدخل العلوم السياسية‪.‬‬

‫‪2 .2‬النظرية العامة للعالقات الدولية‪.‬‬

‫‪3 .3‬تاريخ الفكر السياسي‪.‬‬

‫‪4 .4‬التنمية السياسية‪.‬‬

‫‪5 .5‬سياسات خارجية معاصرة‪.‬‬

‫‪6 .6‬التاريخ الدبلوماسي‪.‬‬

‫‪7.7‬مشكالت سياسية دولية‪.‬‬

‫‪8.8‬العالقات الدولية في اإلسالم‪.‬‬

‫‪9 .9‬تطور السياسة الدولية‪.‬‬

‫‪1010‬النظرية السياسية‪.‬‬

‫‪1111‬مقدمة في العالقات الدولية‪.‬‬

‫‪1212‬تحليل السياسة العامة‪.‬‬

‫‪1313‬نظام الحكم في اإلسالم‬

‫‪1414‬لتنظيم العالمي‬

‫‪61‬‬
‫له العديد من الكتب واألبحاث والدراسات المنشورة منها‪:‬‬
‫‪1 .1‬العالقات األمريكية األوربية بين التحالف و المصلحة ( مكتبة نهضة الشرق‪،‬‬
‫القاهرة ‪.)1995‬‬
‫‪2 .2‬الصراعات العرقية واستقرار العالم المعاصر ‪ :‬دراسة في الجماعات و الحركات‬
‫و األقليات العرقي���ة (دار الجامعة الجديدة‪ ،‬والدار الجامعية «خمس طبعات»‪،‬‬
‫اإلسكندرية‪.)2003،2007 2001 ،1999 ، 1997 ،‬‬
‫‪3 .3‬ظاهرة التخلف السياس���ي‪ :‬رؤية جديدة للواقع السياس���ة في العالم الثالث‬
‫(مجلة كلية التجارة ‪ ،‬جامعة اإلسكندرية‪.)1999 ،‬‬
‫‪4 .4‬لتخلف السياس���ي وغايات التنمية السياسية (دار الجامعة الجديدة‪ ،‬و الدار‬
‫الجامعي���ة‪ ،‬وأليكس لتكنولوجي���ا المعلومات‪ ،‬اإلس���كندرية «ثالث طبعات»‬
‫‪.) 2004 ،2003 ،1999‬‬
‫‪5 .5‬التاريخ الدبلوماسي‪ :‬العالقات السياسية بين القوى الكبرى ‪( 1990 – 1815‬دار‬
‫الجامعة الجديدة‪ ،‬الدار الجامعية‪ ،‬أليكس لتكنولوجيا المعلومات‪ ،‬اإلسكندرية‬
‫«خمس طبعات» ‪ - ) 2004،2006 ، 2003 ، 2001، 2000‬باالشتراك‪.‬‬
‫‪6 .6‬الفكر السياس���ي للم���اوردي‪ :‬رؤية معاص���رة (مجلة كلية التج���ارة – جامعة‬
‫اإلسكندرية‪.)2000 ،‬‬
‫‪7.7‬الماوردي‪ :‬رائد الفكر السياسي اإلسالمي (دار الجامعة الجديدة‪ ،‬اإلسكندرية‪،‬‬
‫‪.)2001‬‬
‫‪8.8‬حلف شمال األطلنطي‪ :‬العالقات األمريكية األوربية بين التحالف و المصلحة‬
‫‪( 2000 – 1945‬دار الجامعة الجديدة‪ ،‬اإلسكندرية‪ – ) 2001 ،‬باالشتراك‪.‬‬
‫‪9 .9‬الصراع الهندي الباكس���تاني في مرحلة الحرب التقليدية ( مجلة كلية الحقوق‪،‬‬
‫جامعة اإلسكندرية‪)2001 ،‬‬
‫‪1010‬الص���راع الهندي الباكس���تاني و الخيار النووي ( مجلة كلي���ة التجارة‪ ،‬جامعة‬
‫اإلسكندرية‪.) 2002 ،‬‬
‫‪1111‬مدخل العلوم السياسية‪( ،‬دار خوارزم‪ ،‬القاهرة‪ – ) 2002 ،‬باالشتراك‪.‬‬
‫‪1212‬مقدم���ة إل���ى العالقات السياس���ية الدولية (أليك���س لتكنولوجي���ا المعلومات‪،‬‬
‫اإلسكندرية‪ -)2004 ،‬باالشتراك‪.‬‬
‫‪ 1313‬الصراع الهندي الباكس���تاني بين الحرب التقليدية والخيار النووي ( أليكس‬
‫لتكنولوجيا المعلومات‪ ،‬اإلسكندرية‪.)2005 ،‬‬
‫‪1414‬مدخل العلوم السياسية‪ ( ،‬أليكس لتكنولوجيا المعلومات‪ )2007 ،‬ـ باالشتراك‪.‬‬
‫‪1515‬تحليل إدارة الصراع الدولي‪ :‬دراسة مسحية لألدبيات المعاصرة (مجلة عالم‬
‫الفكر‪ -‬الكويت‪ ،‬أبريل ‪.) 2008‬‬
‫‪1616‬السياس���ة األمريكية تجاه مش���كلة دارفور بين اعتب���ارات المصلحة ودعاوى‬
‫األخالقية (مجلة كلية التجارة بدمنهور‪ ،‬جامعة اإلسكندرية‪ ،‬يناير ‪2009‬م)‪.‬‬
‫‪1717‬نشر العديد من هذه المؤلفات إلكترونياً على ‪www.kotobarabia.com :‬‬

‫‪62‬‬
‫من إصدارات الجمعية السعودية للعلوم السياسية‬
‫أعضاء مجلس إدارة‬
‫الجمعية السعودية‬
‫للعلوم السياسية‬

‫د‪ .‬سرحان بن دبيل العتيبي‬ ‫الجمعية السعودية للعلوم السياسية‪ :‬جمعي���ة علمية‬
‫رئيس مجلس اإلدارة‬ ‫متخصصة ينص���ب اهتمامها الرئيس عل���ى تطوير الحقل‬
‫األكاديمي للعلوم السياس���ية وأبراز أهميته ودوره من خالل‬
‫د‪ .‬وليد بن نايف السديري‬ ‫البحوث والدراسات العلمية واالستشارات وتشجيع التواصل‬
‫نائب رئيس مجلس اإلدارة‬
‫العلمي فيم���ا بين المتخصصي���ن والباحثين والدارس���ين‬
‫د‪ .‬محمد بن عوض الحارثي‬ ‫والمهتمين بمجال العلوم السياسية‪.‬‬
‫أمين السر‬
‫أهداف الجمعية‪ :‬ته����دف الجمعي����ة الس����عودية للعلوم‬
‫أ‪.‬د‪ .‬عبداهلل بن جمعان الغامدي‬
‫السياسية إلى تحقيق مايلي‪:‬‬
‫أمين المال‬
‫‪1 .1‬تنمي����ة الفكر العلم����ي في مجال العلوم السياس����ية‬
‫أ‪.‬د‪ .‬صالح بن محمد الخثالن‬ ‫والعمل على تطويره‪.‬‬
‫عضو‬
‫‪2 .2‬إتاحة الفرصة للعاملين في مجال العلوم السياس����ية‬
‫د‪ .‬شافي بن عبدالرحمن الدامر‬ ‫لإلسهام في حركة التقدم العلمي‪.‬‬
‫عضو‬ ‫‪3 .3‬تيس����ير تبادل اإلنت����اج العلمي واألف����كار العلمية في‬
‫د‪ .‬مرزوق بن محمد العشير‬ ‫مجال العلوم السياس����ية بين الهيئات والمؤسسات‬
‫عضو‬ ‫المعنية داخل المملكة وخارجها‪.‬‬
‫‪4 .4‬تقديم المش����ورة والقي����ام بالدراس����ات الالزمة لرفع‬
‫مس����توى األداء ف����ي مجاالت العلوم السياس����ية في‬
‫المؤسسات والهيئات المختلفة‪.‬‬
‫‪5 .5‬تشجيع التواصل العلمي بين أعضاء الجمعية‪.‬‬
‫سكرتارية الجمعية‬
‫‪6 .6‬تطوير األداء والمهني ألعضاء الجمعية‪.‬‬

‫مشاري بن شارع العتيبي‬


‫سكرتير الجمعية‬

You might also like