You are on page 1of 10

‫العدد ‪03‬‬ ‫مجلة العلوم اإلنسانية – المركز الجامعي تندوف – الجزائر‬

‫الكتابة الّنسائية كرهان من رهانات الحداثة‬

‫د‪.‬سعيد عبيدي‬
‫جامعة سيدي محمد بن عبد هللا بفاس ‪ /‬المغرب‬
‫الملخص‪:‬‬
‫النهضة؛ ولم يتبلور‬
‫النسائية لم تظهر في مجتمعاتنا العربية إال في مرحلة ّ‬
‫إن الكتابة ّ‬
‫لتحوالت اجتماعية وسياسية على صلة وثيقة‬ ‫كتجربة إال في الخمسينيات من القرن ّ‬
‫السالف‪ ،‬تبعاً ّ‬
‫المؤسسات والمجاالت ومن هنا كانت االنطالقة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وتحوله المفصلي‪ ،‬فبدأت المرأة تلج‬
‫بموضوع المرأة ّ‬
‫الزمن‪ ،‬وبالتّالي‬‫وكانت عملية الكشف عن انشغاالت أخرى كانت متوارية‪ ،‬محتشمة قبل عقود من ّ‬
‫التّوجه نحو حياة أخرى لها معنى جديد بعيد عن الوظائف التّقليدية التي ارتبطت بقدرّية المرأة‪.‬‬
‫ويسعى الباحث من خالل هذا المقال تسليط الضوء على واقع الكتابة النسائية كرهانمن‬
‫رهانات عصر النهضة الذي يطرح في "ذاته إشكالية؛ حيث ّإنه حقل أدبي جديد داخل حقل األدب‬
‫الرفض والحضور والغياب‪ ،‬تأرجح منتجته المرأة التي ُّ‬
‫تعد جزًءا‬ ‫العربي المعاصر‪ ،‬تأرجح بين القبول و ّ‬
‫النهضة األولى‪.‬‬ ‫من القضايا المطروحة على ِّ‬
‫محك البحث من أيام ّ‬
‫ّ‬
‫النسائية‪ ،‬عصر النهضة‪ ،‬األدب العربي المعاصر‪.‬‬‫الكلمات المفتاحية‪ :‬الكتابة ّ‬

‫‪Abstract :‬‬
‫‪Women's writing did not appear in our Arab societies except in the‬‬
‫‪Renaissance. It did not crystallize as an experiment until the 1950s, following social‬‬
‫‪and political transformations closely related to the subject of women and its‬‬
‫‪transformation into a hinge. Others were hidden, decent decades ago, and therefore‬‬
‫‪towards another life with a new meaning far from the traditional functions‬‬
‫‪associated with the potency of women.‬‬

‫‪In this article, the researcher seeks to shed light on the reality of women's‬‬
‫‪writing as a renaissance of the Renaissance bets, which is presented in itself as‬‬
‫‪problematic. It is a new literary field in the field of contemporary Arabic literature,‬‬
‫‪oscillating between acceptance, rejection, presence and absence. On the test of‬‬
‫‪research from the early Renaissance.‬‬

‫‪Keywords: Women's Literature, Renaissance, Contemporary Arabic Literature.‬‬

‫‪298‬‬ ‫ديسمبر ‪2017‬‬


‫المركز الجامعي تندوف‪ -‬الجزائر‬ ‫مجلة العلوم اإلنسانية‬

‫المقدمة‪:‬‬

‫النسائية حلقة مـن حلقات اإلبداع األدبي لها سماتها الفنية‬


‫تعتبر الكتابة ّ‬

‫فإن ّأية وقفة حول هذه الكتابة اليوم‬


‫والموضوعية التي تكسبها الخصوصية والتّفرد‪ ،‬ومن هنا ّ‬

‫عام وخصوصياته‪ ،‬وما يمكن التّأكيد‬


‫تقتضي منا جدال استحضار مفهوم هذا األدب بشكل ّ‬

‫النسائي لم يظهر في مجتمعاتنا العربية إال في‬


‫النسائية أو األدب ّ‬
‫أن الكتابة ّ‬
‫عليه هنا هو ّ‬

‫لتحوالت‬ ‫النهضة؛ ولم يتبلور كتجربة إال في الخمسينيات من القرن ّ‬


‫السالف‪ ،‬تبعاً ّ‬ ‫مرحلة ّ‬

‫وتحوله المفصلي‪ ،‬فبدأت المرأة تلج‬


‫ّ‬ ‫اجتماعية وسياسية على صلة وثيقة بموضوع المرأة‬

‫المؤسسات والمجاالت ومن هنا كانت االنطالقة‪ ،‬وكانت عملية الكشف عن انشغاالت أخرى‬
‫ّ‬

‫الزمن‪ ،‬وبالتّالي التّوجه نحو حياة أخرى لها معنى‬


‫كانت متوارية‪ ،‬محتشمة قبل عقود من ّ‬

‫جديد بعيد عن الوظائف التّقليدية التي ارتبطت بقدرّية المرأة‪.‬‬

‫األول إلى ضرورة التّفريق بين‬


‫وفي تناولنا لهذا الموضوع ال ّبد أن نشير في ّ‬

‫ألن المصطلح الثاني "كمفهوم ابتدائي عامٍ‪ ،‬يحيل‬


‫النسائية والكتابة األنثوية‪ّ ،‬‬
‫مصطلح الكتابة ّ‬

‫على ما تقوم به األنثى‪ ،‬وما تَتَّصف به‪ ،‬وتنضبط إليه‪ ،‬األمر الذي يستدعي‪ ،‬إلى الذاكرة؛‬

‫ذاكرة القارئ‪ ،‬وبطريقة الإرادية‪ ،‬وظيفتها الجنسية‪ ،‬وذلك لفرط ما استخدم اللفظ لوصف‬

‫فإن الحاجة إلى إيجاد مصطلح بديل‪ِّ ،‬‬


‫يفرغ‬ ‫السلبية" ‪ ،‬وعليه ّ‬
‫‪1‬‬
‫الضعف والرّقة واالستسالم و ّ‬
‫ّ‬

‫الشعبية والثّقافية‪ ،‬على‬


‫المخبأة في الذاكرة ّ‬
‫ّ‬ ‫النسوية من إحاالتها الجنسية‪،‬‬
‫مفهوم الكتابة ّ‬

‫مستوى المجتمع العربي‪ ،‬اتّجهت إلى مصطلح آخر‪ ،‬هو‪ :‬الكتابة ّ‬


‫النسائية‪ ،‬بوصفه توقيعا‬

‫‪299‬‬ ‫ديسمبر ‪2017‬‬


‫الكتابة النّسائية كرهان من رهانات الحداثة‬ ‫د‪.‬سعيد عبيدي‬

‫كل ما تكتبه المرأة ال يمكنه إالّ أن يكون نسويا‪ ،‬وفي أحسن حاالته يكون نسويا‬
‫ألن ّ‬
‫نسويا؛ ّ‬

‫على أكمل وجه"‪.2‬‬

‫وقد ظهرت تسميات أخرى للكتابة ّ‬


‫النسوية ابتكرها الغرب ووصلت إلينا؛ "إذ ظهرت‬

‫السكاكين"‪ ،‬وهو ما قّلده أنيس منصور‬


‫السويد مثال تسمية هذه الكتابات بأدب "المالئكة و ّ‬
‫في ّ‬

‫القدوس "أدب‬
‫سماه إحسان عبد ّ‬
‫حين أطلق على ما كتبته المرأة "أدب األظافر الطويلة"‪ ،‬كما ّ‬

‫الرنيني والتّخيلي عن‬


‫الروج والمانكير" إذ رأى فيه أدبا صوتيا وشكليا تعتني المرأة فيه بالتّأثير ّ‬
‫ّ‬

‫طريق اختيار الجملة والعبارة دون التّدقيق في الموضوع"‪.3‬‬

‫النسائية" مصطلح غير ثابت وال مستقر بما يثيره من‬


‫أي فمصطلح "الكتابة ّ‬
‫وعلى ّ‬

‫النقاد رفضت هذه التّسمية‬


‫يسجل حوله من تحّفظات‪ ،‬فقد ظهرت طائفة من ّ‬
‫اعتراضات وما ّ‬

‫أن مصطلح‬
‫الناقدة خالدة سعيد والتي أ ّكدت على ّ‬
‫رفضا مطلقا‪ ،‬ومن ذلك ما ذهبت إليه ّ‬

‫تتضمن الهامشية مقابل مركزية مفترضة‪،‬‬


‫ّ‬ ‫النسائية" مرفوض من منطلق كون التّسمية‬
‫"الكتابة ّ‬

‫هي مركزية األدب ال ّذكوري‪ ،‬فهو مصطلح شديد العمومية وشديد الغموض‪ ،‬وهو من‬

‫التّسميات الكثيرة التي تشيع بال تدقيق‪ ،...‬وإذا كانت عملية التّسمية ترمي أساسا إلى‬

‫فإن هذه التّسمية على العكس‪ ،‬تبدأ بتغييب الدّقة‪،‬‬


‫التّعريف والتّصنيف ورّبما إلى التّقويم‪ّ ،‬‬

‫تتضمن حكما بالهامشية مقابل‬


‫ّ‬ ‫وتشوش التّصنيف وتستبعد التّقويم‪ ،‬هذه التسمية‬

‫مركزية مفترضة"‪.4‬‬

‫‪300‬‬ ‫ديسمبر ‪2017‬‬


‫المركز الجامعي تندوف‪ -‬الجزائر‬ ‫مجلة العلوم اإلنسانية‬

‫الرفض للمصطلح عند طائفة من األديبات؛ فمثال ترفض األديبة المغربية خناثة‬
‫ويظهر هذا ّ‬

‫يؤدي إلى التّصنيف داخل اإلنتاج األدبي‪ ،5‬كما‬


‫ألنه ّ‬
‫النسائية ّ‬
‫بنونة التّعامل مع تعبير الكتابة ّ‬

‫النسائي انطالقا من قولها‪" :‬أنا ال أؤمن‬


‫ال تؤمن الكاتبة الجزائرية أحالم مستغانمي باألدب ّ‬

‫بالدرجة األولى هل الذي كتبه رجل أو‬


‫النسائي و عندما أق أر كتابا ال أسأل نفسي ّ‬
‫باألدب ّ‬

‫يعد حوا ار عقيما‪،‬‬


‫مجرد الخوض في المفهوم ّ‬
‫السمان ّ‬
‫السورية غادة ّ‬
‫امرأة" ‪ ،‬كما تعتبر األديبة ّ‬
‫‪6‬‬

‫فهي ترى ّأنه "من حيث المبدأ ليس هناك تصنيف ألدبين نسائي و رجالي" ‪ ،‬وهو ما ّ‬
‫زكاه‬ ‫‪7‬‬

‫الراحل محمد شكري إذ ذهب إلى ّأنه "ليست هناك كتابة نسائية محضة‬
‫الكاتب المغربي ّ‬

‫جيدة وكتابات رديئة‪ .‬رّبما تاريخ المرأة كما نعرفه عبر‬


‫وكتابة رجالية محضة‪ ،‬بل هناك كتابة ّ‬

‫العصور‪ ،‬فقد كانت مقموعة داخل األسرة وخارجها وفي المجتمع‪ ،‬ويصعب عليها اآلن أن‬

‫كل الحواجز التي وضعت في طريقها‪ ،‬فهي تناضل وتكافح من أجل إثبات ذاتها‪.‬‬
‫تتخطى ّ‬

‫النسوي سيقتل األدب ّ‬


‫الرجالي وسيظل صامداً إلى األبد‬ ‫بأن األدب ّ‬
‫نتنبأ ّ‬
‫ولكن ال يمكن لنا أن ّ‬

‫النساء"‪.8‬‬
‫مقارنة مع ما تكتبه بعض ّ‬

‫النسائية يطرح في "ذاته إشكالية؛ حيث ّإنه حقل أدبي جديد‬


‫والحديث عن الكتابة ّ‬

‫الرفض والحضور والغياب‪ ،‬تأرجح‬


‫داخل حقل األدب العربي المعاصر‪ ،‬تأرجح بين القبول و ّ‬

‫النهضة‬ ‫ِّ‬
‫محك البحث من أيام ّ‬ ‫منتجته المرأة التي ُّ‬
‫تعد جزًءا من القضايا المطروحة على‬
‫ّ‬

‫النسائي‬
‫النقدية التي حاولت االقتراب من إشكاليات األدب ّ‬
‫أن التّصورات ّ‬
‫األولى‪ ،...‬والظاهر ّ‬

‫قصد معالجتها واستخالص ما َّ‬


‫تتوفر عليه من سمات ُمفيدة‪ ،‬وكذلك المنظورات اإلبداعية‬

‫جزِّئ‬ ‫التي أنتجت هذا الّلون ِّمن األدب تنزع إلى رفض هذا المصطلح "األدب ّ‬
‫النسائي" الذي ُي ّ‬

‫‪301‬‬ ‫ديسمبر ‪2017‬‬


‫الكتابة النّسائية كرهان من رهانات الحداثة‬ ‫د‪.‬سعيد عبيدي‬

‫النمط من الكتابة التي‬ ‫تقر في سياق رفضها له ما َّ‬


‫يتوفر عليه هذا ّ‬ ‫فعل اإلبداع‪ ،‬وإن كانت ُّ‬
‫ّ‬

‫تُنشئها المرأة من خصوصيات تجعل منها ظاهرًة ُم ِّّ‬


‫تميزًة في حقل اإلبداع"‪.9‬‬

‫أن "الجديد الذي تم ّكنت‬


‫النقاد على ّ‬
‫أما عن خصوصية هذه الكتابة فقد أ ّكد بعض ّ‬
‫ّ‬

‫عدة مستويات وداخل مجموعة من‬


‫المرأة الكاتبة من تحقيقه لألدب العربي المعاصر على ّ‬

‫األقطار العربية ‪-‬على مستوى التّراكم واألجناس األدبية والتيمات المهيمنة والجرأة في‬

‫الكتابة‪ -‬ال يمكن حصره‪ ،‬وذلك من خالل كتابتها في مواضيع لم تكن مطروقة من قبل‪،‬‬

‫السير الذاتية‪،‬‬
‫النسائية العربية‪ ،‬حيث دخلت المرأة مجال كتابة ّ‬
‫أهم قفزة تحّققها الكتابة ّ‬
‫وتلك ّ‬

‫النوع من الكتابة‪ ،‬كموضوع االغتصاب‬


‫تقيد هذا ّ‬
‫كما اقتحمت بعض الطابوهات التي ما تزال ّ‬

‫الجنسي‪ ،‬وغيرها من االقتحامات األخرى التي تجعل أدب المرأة العربية ذا حضور فعلي‬

‫أي وقت مضى" ‪ ،‬فال يكون ّ‬


‫منا إال أن نعترف بقدرة المرأة "على‬ ‫ومتوهج اآلن وأكثر من ّ‬
‫‪10‬‬
‫ّ‬

‫الخاصة إلى ال ّذات وإلى المجتمع والعالم‪ ،‬وذلك في اختالفها المشروع عن‬
‫ّ‬ ‫التّفرد في رؤيتها‬

‫المعضدة والمخالفة"‪.11‬‬
‫ّ‬ ‫الرؤى األخرى‬
‫غيرها من ّ‬

‫ٍ‬ ‫أي زمن مضى "بدورها كم ِّنت ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫فالمرأة اليوم ُّ‬
‫خطاب يبلغ صوتها‬ ‫جة‬ ‫ُ‬ ‫وعيا من ِّّ‬
‫أشد ً‬

‫يخص صورتها أو عالقتها‬ ‫ويساهم في توصيل مو ِّ‬


‫اقفها ووجهات نظرها‪ ،‬سواء فيما‬
‫ّ‬ ‫ُ‬

‫السائد‪،‬‬
‫قصة‪ ،‬ورواية) في تغيير ّ‬
‫جتمع‪ ،‬فهي تُدرك دور أشكال التّمثيل األدبي (شعر‪ّ ،‬‬
‫بالم َ‬
‫ُ‬

‫واالنتصار على رواسب "ثقافة الموؤودة"؛ من أجل تكريس "ثقافة المولودة "‪ ، 12‬فبالكتابة‬

‫تعبر عن ذاتها "والبوح ِّّ‬


‫بسرها‪ ،‬والصراخ بقلمها‪ ،‬معلنة عن ميالدها‪،‬‬ ‫استطاعت المرأة أن ّ‬

‫‪302‬‬ ‫ديسمبر ‪2017‬‬


‫المركز الجامعي تندوف‪ -‬الجزائر‬ ‫مجلة العلوم اإلنسانية‬

‫الرغم من‬
‫وتبصر وإحقاق‪ ،‬وعلى ّ‬ ‫مؤِّّكدة لحضورها‪ِّّ ،‬‬
‫محركة للمنسي من أخبارها بوعي وإدراك ّ‬

‫منصة تُترجم حقيقة الوجود الفعلي للمرأة ككيان إنساني‬


‫النسائي إلى امتالك َّ‬
‫طموح الخطاب ّ‬

‫فإنه ال يزال ُيصارع من أجل ذلك في ِّّ‬


‫السر والعلن"‪.13‬‬ ‫يتفاعل وي ِّ‬
‫نفعل مع نفسه ومع ُمحيطه‪ّ ،‬‬ ‫َُ َ‬

‫النساء بغية ولوج‬ ‫لقد حاولت المرأة العربية في كتاباتها نشر الوعي وروح ِّّ‬
‫النضال في أوساط ّ‬

‫النسائية في الوطن العربي‬ ‫أحسن المراتب‪" ،‬فقد تجّلى هذا الوعي في مستوى ِّ‬
‫نمو الحركات ّ‬
‫ّ‬

‫السائدة حول المرأة‬ ‫ساهمت ‪َ -‬بد ِّ‬


‫ورها‪ -‬في تحرير العقلية العربية من بعض التّصورات ّ‬ ‫ْ‬ ‫والتي‬

‫وشوقهن‬
‫ّ‬ ‫قتهن‬ ‫يكتبن "عن ذو َّ‬
‫اتهن وحر ّ‬ ‫ْ‬ ‫فالنساء حين‬
‫النقص) " ‪ّ ،‬‬
‫‪14‬‬
‫(العطالة‪ ،‬الدونية‪ّ ،‬‬

‫كينونتهن تكون الكتابة في أبسط تجّلياتها هي‬ ‫عاتهن إلى إثبات حضور َّ‬
‫هن وتكديس‬ ‫ُّ‬
‫وتطل َّ‬
‫ّ‬

‫المادي‪ ،‬وهي حركة نحو ابتداع واختالق واقع‬ ‫ِّ‬


‫هدم وتثوير الواقع ّ‬
‫ومتجددة نحو ْ‬
‫ّ‬ ‫حركة دائمة‬

‫تخيل وحياة افتراضية َّ‬


‫يتحقق فيها التّوازن ّ‬
‫النفسي والتّكامل اإلنساني‪ ،‬هكذا تصوغ المرأة‬ ‫ُم ّ‬

‫الرحب‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫المبدعة عبر الكتابة حياتها الجديدة ووالدتها الجديدة لالمتداد في الواقع اإلنساني ّ‬
‫ُ‬

‫مرد على سلطة‬


‫النساء العصيان والت ُّ‬
‫الواقع الذي ألغى وجودها وركنها في الظل‪ ،‬اليوم تعلن ّ‬

‫المطبقة‬ ‫ِّ‬ ‫وتتوسل ِّ‬


‫أسر العتمة ُ‬
‫الرؤيا واالنعتاق من ْ‬
‫الكتابة واإلبداع القتباس أسرار ُّ‬ ‫َّ‬ ‫المجتمع‬

‫وأشكال الحصار"‪.15‬‬

‫ِّ‬
‫حق المرأة إذن ومن خالل كتاباتها "أن تُ ِّّ‬
‫عبر حقيق ًة عن ما تريد أن تَعنيه‪ ،‬وأن‬ ‫من ِّّ‬

‫الرجل‬ ‫َّ‬
‫بهويتها وتجربتها التي تختلف جسديًّا وثقافيًّا ونفسيًّا وُلغويًّا عن هوية ّ‬
‫تقول ما يتعلق ّ‬

‫وتجربته‪ ،‬وأن تسمع صوتها المقموع والمكبوت والمستلب داخل لغة ليست لغتَها‪ ،‬وأن تحكي‬

‫تجربتها وشعورها‪ ،‬وتنسج رؤيتها للعالم في أشكال ّفنية تتالءم مع جسدها ونفسها وثقافتها‬

‫‪303‬‬ ‫ديسمبر ‪2017‬‬


‫الكتابة النّسائية كرهان من رهانات الحداثة‬ ‫د‪.‬سعيد عبيدي‬

‫ولغتها‪ ،‬وهذا ليس مستحيالً إذا انطلْقنا ِّمن أن اللغة اإلنسانية أغنى مما َن ِّ‬
‫عتقد؛ إذ ُيمكنها أن‬ ‫ّ‬

‫السائدة هي‬
‫أن اللغة األدبية ّ‬
‫الرجال والنساء بشكل مختلف‪ ،‬ولتكن البداية بافتراض ّ‬
‫تقول ّ‬

‫بعيدا عن‬
‫الم ارَقبة ً‬ ‫الرجل‪ِّ ،‬‬
‫حق المرأة أن تقول وأن تكتب خارج ُ‬
‫ومن ّ‬ ‫ويراقبها ّ‬
‫ذكورية َيصنعها ُ‬

‫‪.‬‬ ‫‪16‬‬
‫الفنية ورؤاه الحياتية"‬
‫أشكاله ّ‬

‫أن المرأة األديبة "قطعت‬


‫المتفحص سيالحظ ّ‬
‫ّ‬ ‫النسائية بعين‬
‫الناظر إلى الكتابة ّ‬
‫إن ّ‬‫ّ‬

‫بالهين‪ ،‬هربت ِّمن سياف مسرور‪ ،‬وضغط القبيلة التي أرادت‬ ‫فوق جسر الكتابة شو ً‬
‫طا ليس ّ‬
‫أن تكون جزءا من متاعها وم ِّ‬
‫تعتها فقط فلم تسلم من جرابها أسلحتها المعروفة لإلعالن عن‬ ‫ُ‬ ‫ً‬

‫وجودها الجديد‪ ،‬بل امتشَقت سيف الكتابة‪ ،‬وبارزت به صفحات بيضاء أسالت فوقها عبير‬

‫ِّ‬
‫استشهادها‪ ،‬ففي معبد الكتابة‪ ،‬تصّلي الذات المبدعة في محراب االنعتاق من أنين الواقع‬

‫وانجراحاته‪ ،‬هكذا تغتسل في محبرة الوجود‪ ،‬تحيط بها طقوس تسكر من معيني الخيال‪ ،‬وفي‬

‫هذا الفضاء الفضفاض تنشر عالمات االستفهام والتّعجب رداؤها‪ ،‬كّلما غزت حقيقة أدبية‬

‫كثير ما طفت‬ ‫قبيلة الذكور‪ ،‬وأعلنت أمام ِّ‬


‫شيخها ّأنها ترفض االستسالم والخنوع لمالبسات ًا‬

‫مثل الفقاعات فوق صرحنا الثّقافي‪ ،‬فكم هو غريب أال َّ‬


‫نتخلص في ميدان اإلبداع؛ حيث‬

‫ملكا‪ ،‬والحروف رعايا في مملكة الّلغة‪ ،‬من هاجس االنزالق في متاهة‬


‫َيجلس القلم ً‬

‫مصطلحات"‪.17‬‬

‫ظين الفتين‪،‬‬
‫وحضور ملحو َ‬
‫ًا‬ ‫اكما‬
‫السنوات األخيرة‪" ،‬تر ً‬
‫النسائيَّة في ّ‬
‫لقد حّققت الكتابة ّ‬

‫هذا اإلسهام ُيعتبر عالمة تغيُّر في أفق الكتابة اإلبداعية‪ ،‬وفي محتواها وتشكيلها األسلوبي‬

‫عامة برؤية جديدة‪ ،‬أو ُمغايرة في‬ ‫ِّ‬


‫الفني‪ ،‬وأبعد من ذلك فيها إغناء للمشهد األدبي والثقافي ّ‬
‫و ّ‬

‫‪304‬‬ ‫ديسمبر ‪2017‬‬


‫المركز الجامعي تندوف‪ -‬الجزائر‬ ‫مجلة العلوم اإلنسانية‬

‫وقمع‬ ‫مستوى الرغبة والتّحقق معا‪ ،‬وال َّ‬


‫ضد سلطة الممنوع ْ‬
‫بمجرد استيهامات ّ‬
‫َّ‬ ‫يتعلق األمر‬ ‫ً‬ ‫ّ‬

‫الهوية الجنسيَّة المختلفة؛ بقدر ما هو تَجسيد لكفاءة تعبيريَّة‪ ،‬ولخبرة فنيَّة في‬
‫ّ‬ ‫الشريك ذي‬
‫ّ‬

‫ِّ‬
‫النابض بالحياة‪ ،‬والمسكون باالفتتان عاشًقا َ‬
‫ومعشوًقا"‪.18‬‬ ‫الجسد ّ‬
‫تصوير َ‬

‫تؤسس لحقبة تاريخية في األدب‪ ،‬ساهمت في‬


‫النسائية أن ّ‬
‫لقد استطاعت الكتابة ّ‬

‫الرفع من مكانة المرأة مجتمعيا وأدبيا‪ ،‬وفي التّأثير على صناعة القرار الفكري والثّقافي‪،‬على‬
‫ّ‬

‫كرد فعل على ظهوره‪ ،‬إال ّأنها لم تمنع‬


‫الرفض والتّهميش التي ظهرت ّ‬
‫الرغم من مظاهر ّ‬
‫ّ‬

‫حرر‪ ،‬ونحو مزيد من االزدهار في‬


‫الحرية والتّ ّ‬
‫السير بالمرأة قدما نحو مزيد من ّ‬
‫تقدمه في ّ‬
‫ّ‬

‫ومتغيراته‪ ،‬فقد‬
‫ّ‬ ‫بمستجدات واقعها‬
‫ّ‬ ‫النسائية الحديثة‬
‫األدب والمعرفة‪" ،‬وإذا ما ربطنا الكتابة ّ‬

‫أن الكتابة عرفت تجديدا كبي ار على مستوى اللغة وطرائق التّخييل والكتابة‪ّ ،‬‬
‫ضدا على‬ ‫نلمس ّ‬

‫وجريئة مع أحالم‬
‫طقوس الكتابة الكالسيكية‪ ،‬وقد شهدت األلفية الثالثة أقالما نسائية ثائرة ّ‬

‫الهزاز‪ ،)2002/‬وهيفاء بيطار‬


‫مستغانمي (ذاكرة الجسد‪ ،)1988/‬وأمال مختار (الكرسي ّ‬

‫(امرأة من هذا العصر‪ ،)2010/‬إضافة إلى كتابات ليلى العثمان‪ ،‬وكتابات رجاء صانع‪.‬‬

‫الحرية والكرامة‬
‫ّ‬ ‫كتابات يمكن وصفها بكونها صوتا ثورياً مزدوجاً‪ ،‬فهي ثورة من أجل‬

‫المؤسسات‪ .‬وفي‬
‫الرجل و ّ‬
‫طنة بثورة تقويض صورة المرأة التي فرضها المجتمع و ّ‬
‫والعدالة‪ ،‬ومب ّ‬

‫السياسي الذي يعرفه المجتمع العربي من ثورات وانتفاضات ال يمكننا إال‬


‫خضم هذا الحراك ّ‬

‫نستدل بحصيلة‬
‫ّ‬ ‫تطو ار الفتا في مجاالت الفكر واألدب‪ ،‬ولنا أن‬
‫أن المرأة قد حّققت ّ‬
‫نسجل ّ‬
‫أن ّ‬

‫السالم‪ ،‬أو جائزة البوكر"‪.19‬‬


‫يخص جائزة نوبل في األدب أو ّ‬
‫ّ‬ ‫الجوائز التي راكمتها سواء فيما‬

‫‪305‬‬ ‫ديسمبر ‪2017‬‬


‫الكتابة النّسائية كرهان من رهانات الحداثة‬ ‫د‪.‬سعيد عبيدي‬

‫النسائية هي رهان من رهانات الحداثة‬


‫بأن "الكتابة ّ‬
‫نقر ّ‬
‫وفي الختام ال يسعنا إال أن ّ‬

‫تتوخى هذه‬
‫ّ‬ ‫وأفق مفتوح لالشتغال والتّنوع والغيرية‪ ،‬ناجم عن عمق التّجربة ودّقة الفهم‪.‬‬

‫ألنها كانت مؤمنة‬


‫الكتابة الحذر المنهجي والمعرفي عند تقسيم األدب إلى "رجولي" و"نسائي" ّ‬

‫أن التّقابل‬
‫النص‪ -‬بعيدا عن جنس المنتج‪ ،‬كما ّ‬
‫الداخل ‪-‬أي داخل ّ‬
‫تتحدد من ّ‬
‫بأن شرعيته ّ‬
‫ّ‬

‫أن التّجربة تجاوزت‬


‫كل األدوار داخل المنظومة الثقافية‪ ،‬إذ ّ‬
‫الجنساني (ذكر‪ -‬مؤنث) استهلك ّ‬

‫السعي لبيان االختالف بينهما داخل وحدة إبداعية مشتركة لمساءلة الوجود‪،‬‬
‫فكرة الفصل إلى ّ‬

‫تتميز بالجرأة في الطرح‬


‫النسائية ساهمت مساهمة كبيرة في إعادة ظهور أسئلة جديدة ّ‬
‫فالكتابة ّ‬

‫والكشف عن الواقع األنثوي الذي يسكن الكتابة ّ‬


‫النسوية عبر ممارسة المرأة للشغب داخل‬

‫النص والحفر عميقا في مكبوتاته"‪.20‬‬


‫ّ‬

‫الهوامش‪:‬‬

‫‪ -1‬نازك األعرجي‪ ،‬صوت األنثى‪ ،‬دار األهالي‪ ،‬دمشق‪ ،‬سوريا‪ ،1997 ،‬ص‪.31 :‬‬
‫‪ -2‬فيرجينيا وولف‪ ،‬الثقافة العالمية‪ ،‬المجلس األعلى للفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪ ،‬العدد ‪ ،7‬السنة الثانية‪ ،‬المجلد‬
‫الثاني‪ ،‬نونبر‪ ،1982 ،‬ص‪.26 :‬‬
‫‪ -3‬انظر‪ :‬أشرف توفيق‪ ،‬اعترافات نساء أديبات‪ ،‬دار األمين‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،1998 ،‬ص‪.11:‬‬
‫‪ -4‬حسن نجمي‪ ،‬شعرية الفضاء السردي المتخيل والهوية في الرواية العربية‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬الدار‬
‫البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬ص ‪.173‬‬
‫‪ -5‬انظر‪ :‬زهور كرام‪ ،‬السرد النسائي العربي‪ :‬مقاربة في مفهوم الخطاب‪ ،‬شركة المدارس للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،2004 ،‬ص‪.94 :‬‬
‫‪ -6‬نفسه ‪ ،‬ص‪.94:‬‬
‫‪ -7‬حسام الخطيب‪ ،‬حول الرواية النسائية في سورية‪ ،‬مجلة المعرفة‪ ،‬العدد‪ ،166 ،‬ص‪.81:‬‬

‫‪306‬‬ ‫ديسمبر ‪2017‬‬


‫المركز الجامعي تندوف‪ -‬الجزائر‬ ‫مجلة العلوم اإلنسانية‬

‫‪ -8‬انظر الحوار الذي أجراه اإلعالمي والشاعر المغربي عبد الحق بن رحمون مع الروائي المغربي محمد‬
‫شكري والمنشور بجريدة الزمان اللندنية‪ ،‬بتاريخ‪.1987/12/05 :‬‬
‫‪ -9‬مباركة بنت البراء‪ ،‬األدب النسائي حقل أدبي جديد داخل حقل األدب العربي المعاصر‪ ،‬أفروديت (األنثى‬
‫والكتابة)‪ ،‬العدد الثاني‪ ،2005،‬ص‪.9 :‬‬
‫‪ -10‬عبد الرحيم العالم‪ ،‬الفوضى الممكنة‪ :‬دراسات في السرد العربي الحديث‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬ص‪.236-237 :‬‬
‫‪ -11‬زهور كرام‪ ،‬في ضيافة الرقابة‪ ،‬منشورات الزمن‪ ،‬المغرب‪ ،2001 ،‬ص‪.37 – 36 :‬‬
‫‪ -12‬زهرة الجالصي‪ ،‬ما بعد الكتابة النسائية‪ ،‬آفاق‪ ،‬العدد‪ ،2002 ،67 :‬ص‪.34 :‬‬
‫‪ -13‬نجاة المريني‪ ،‬عالمات نسائية‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،2006 ،‬ص‪.19 – 18 :‬‬
‫‪ -14‬زهور كرام‪ ،‬السرد النسائي مقاربة في مفهوم الخطاب‪ ،‬ص‪.24 :‬‬
‫‪ -15‬توفيق مصباح‪ ،‬من يدفع النساء للكتابة‪ ،‬جريدة الصحراء‪ 16 ،‬يونيو‪ ،2001 ،‬ص‪.4 :‬‬
‫‪ -16‬حسن المودن‪ ،‬الكتابة والمرأة‪ ،‬مجلة أفروديت (األنثى والكتابة)‪ ،‬العدد الثاني‪ ،‬ص‪.45 :‬‬
‫نموذجا"‪ ،‬أفروديت (األنثى والكتابة)‪،‬‬
‫ً‬ ‫‪ -17‬همس اليراع‪ ،‬شغب الكينونة الموغلة في الجرح الثقافي "الشعر‬
‫العدد الثاني‪ ،2005،‬ص‪.11 -10 :‬‬
‫‪ -18‬عبد الحميد عقار‪ ،‬صوت الفردانية ‪ ،‬ضمن كتاب‪ :‬الكتابة النسائية‪ :‬محكي األنا محكي الحياة‪ ،‬مجموعة‬
‫من المؤلفين‪ ،‬اتحاد كتاب المغرب‪ ،‬يوليوز‪ ، 2007 ،‬ص‪.4 -3 :‬‬
‫‪ -19‬سعيد يقطين‪ ،‬الكتابة النسائية صوتا وصدى‪ ،‬صحيفة العرب‪ ،‬عدد ‪ ،9815‬بتاريخ‪،2015/02/01 :‬‬
‫ص‪.13 :‬‬
‫‪ -20‬محمد داود‪ ،‬فوزية بن جليد‪ ،‬كريستين ديتريز‪ ،‬الكتابة النسوية‪ :‬التلقي‪ ،‬الخطاب والتمثالث‪ ،‬منشورات‬
‫المركز الوطني للبحث في األنثروبولوجيا االجتماعية والثقافية‪ ،‬وهران‪ ،2010 ،‬ص‪.544 :‬‬

‫‪307‬‬ ‫ديسمبر ‪2017‬‬

You might also like