You are on page 1of 14

‫دراسات‪ ،‬العلوم اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬المجلّد ‪ ،44‬العدد ‪2017 ،4‬‬

‫المقيدة في الرواية العربية المعاصرة‬


‫المتحررة والمرأة ُ‬
‫المرأة ُ‬
‫رواية "س" للروائية كفى الزعبي أنموذجا‬
‫ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﺍﻟﻤﺘﺤﺮﺭﺓ ﻭﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﺍﻟﻤﻘﻴﺪﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﻭﺍﻳﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮﺓ ﺭﻭﺍﻳﺔ ﺱ ﻟﻠﻜﺎﺗﺒﺔ ﻛﻔﻰ‬ ‫ﺍﻟﻌﻨﻮﺍﻥ‪:‬‬
‫ﺍﻟﺰﻋﺒﻲ ﺃﻧﻤﻮﺫﺟﺎ‬
‫نزار قبيالت*‬
‫ﺩﺭﺍﺳﺎﺕ ‪ -‬ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﺍﻷﺭﺩﻧﻴﺔ ‪ -‬ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍﻻﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‬ ‫ﺍﻟﻤﺼﺪﺭ‪:‬‬
‫ﻗﺒﻴﻼﺕ‪ ،‬ﻧﺰﺍﺭ ﻣﺴﻨﺪ‬ ‫ﺍﻟﻤؤﻟﻒ ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻲ‪:‬‬
‫ملخص‬ ‫ﻣﺞ‪ ,44‬ﻉ‪4‬‬ ‫ﺍﻟﻤﺠﻠﺪ‪/‬ﺍﻟﻌﺪﺩ‪:‬‬
‫تنوي هذه الدراسة التأمل في صورة المرأة الجديدة في الرواية العربية؛ وذلك بعد أن غدت قضية المرأة أداةً للصراع القائم وحقالً‬
‫ﻧﻌﻢ‬
‫تالقت فيه التيارات المختلفة فكريًا؛ منها الدينية المتشددة والعلمانية‪ ،‬ففي شأن المرأة اختلفت تلكم التيارات وشكلت المرأة ذروة‬
‫ﻣﺤﻜﻤﺔ‪:‬‬
‫‪2017‬فقد اختزلت الرواية العربية النماذج اإلنسانية للمرأة التي كانت تقدمها عادةً كمناضلة أو كعاشقة‬‫االحتدام الفكري والواقعي‪،‬‬ ‫ذلك‬
‫ﺍﻟﻤﻴﻼﺩﻱ‪:‬‬ ‫ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ‬
‫ضدية تشير مالمحها الشكلية‬ ‫ّ‬ ‫الجديد في ثنائية‬ ‫المجتمعي‬
‫ﺍﻟﻌﻠﻤﻰ‬ ‫ﺍﻟﺒﺤﺚ‬‫للمعطى‬
‫ﻋﻤﺎﺩﺓ‬ ‫استجابة‬ ‫ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﺔالتداول و‬
‫ﺍﻻﺭﺩﻧﻴﺔ ‪-‬‬ ‫ﺍﻟﻨﺎﺷﺮ‪ :‬أو مومس لتظهرها نتيجة لذلك‬
‫البحثية لقضية الكتابة‬
‫ّ‬ ‫والمضمونية لطرفي الصراع المختزلين في متحرر علماني ومتشدد دينياً‪ ،‬وكما وتطرقت هذه الورقة‬
‫‪ 253‬التطبيق على رواية "س" للكاتبة كفى الزعبي‪ ،‬فسبرت غورها وعملت على تجلية أبرز‬ ‫‪- 265‬‬
‫تاليًا إلى‬ ‫ﺍﻟﺼﻔﺤﺎﺕ‪ :‬األنثوية كمهاد نظري نفذ منه‬
‫‪851596‬ائية في روايتها تلك‪ ،‬ثم حوت هذه الورقة محاولة الباحث لفحص مدى انسجام الخطاب‬ ‫توسلتها الرو‬
‫ﺭﻗﻢ ‪ :MD‬التقنيات الروائية التي ّ‬
‫الروائي من خالل السياق والعالقات الداللية والتغريض‪.‬‬
‫ﺑﺤﻮﺙ ﻭﻣﻘﺎﻻﺕ‬ ‫ﻧﻮﻉ ﺍﻟﻤﺤﺘﻮﻯ‪:‬‬
‫النص‪.‬‬‫أة‪ ،‬انسجام ّ‬ ‫النسوية‪ ،‬صورة المر‬
‫ّ‬ ‫الكلمات الدالة‪ :‬الكتابة‬
‫‪ACI, EduSearch,‬‬ ‫‪HumanIndex‬‬ ‫ﻗﻮﺍﻋﺪ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎﺕ‪:‬‬
‫ﺍﻷﺩﺏ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ‪ ،‬ﺍﻷﺩﺑﺎﺀ ﺍﻟﻌﺮﺏ‪ ،‬ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻷﺩﺑﻲ‪ ،‬ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺎﺕ ﺍﻷﺩﺑﻴﺔ‪ ،‬ﺍﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﺍﻟﻨﺴﻮﻳﺔ‪ ،‬ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ‬ ‫ﻣﻮﺍﺿﻴﻊ‪:‬‬
‫ﺍﻟﻤﻘﻴﺪﺓ‪ ،‬ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﺍﻟﻤﺘﺤﺮﺭﺓ‪ ،‬ﺍﻟﺰﻋﺒﻲ ‪ ،‬ﻛﻔﻰ‬
‫العربي‪ ،‬فقد أشارت دراسات نقدية عدة إلى ذلك التحول المهول‬ ‫المقدمـة‬
‫‪http://search.mandumah.com/Record/851596‬‬ ‫ﺭﺍﺑﻂ‪:‬‬
‫في المعطى الروائي نتيجة أحداث سياسية وهزائم عسكرية‬
‫تلقاها العرب بعد نصف القرن المنصرم ومازالت تبعاتها مستمرة‬ ‫مهاد‪ :‬الكتابة األنثوية‬
‫إلى اليوم (عزيز ‪( )1987‬الفاعوري ‪ ،)1999‬ما ش ّكل تالياً‬ ‫تشير دراسات نقدية إلى أن الرواية العربية وحتى نهاية‬
‫عامالً آخر ألقى بظالله الثقيلة على مسيرة الرواية العربية‬ ‫القرن المنصرم ظلت رهينةً لروح فن المقامة أو المقالة‬
‫بشكل عام‪ ،‬وجعله شكالً يترّنح أمام تحوالت الواقع الراسخ‬ ‫ٍ‬
‫كبير أسيرةَ‬ ‫الوعظية‪) ،‬السعافين‪ ،)1987 ،‬وظلت إلى ٍ‬
‫حد‬
‫وضرباته‪.‬‬ ‫ات ثقافية أخذت الحقاً تتالشى شيئاً فشيئاً في فترة متأخرة‬ ‫تصور ٍ‬
‫فعلى امتداد الحقب السابقة ظلّت صورة المرأة في الرواية‬ ‫من األلفية الثانية‪ ،‬وذلك نتيجة عوامل اجتماعية وتطورات‬
‫العربية تتراوح بين نموذجين سادا ثقافتنا العربية مدةً ليست‬ ‫أصابت ُسبل التواصل والتفاعل االجتماعيين في المجتمع‬
‫أماً‬
‫يصور المرأة عاشقةً ومناضلةً و ّ‬
‫قصيرة؛ نموذج مثالي َح َسن ّ‬ ‫السيما‬
‫ّ‬ ‫العربي على وجه الخصوص‪ ،‬بعد أن كانت متماسكة‬
‫تؤول الصورة حيناً لتصبح المرأة رم اًز يحيل للوطن‬‫رؤوماً‪ ،‬وقد ّ‬ ‫عضوياً بالمعطى االجتماعي‬ ‫ّ‬ ‫في جانبها المضموني المرتبط‬
‫أو للفضاء الخصب‪ .‬أما النموذج الثاني السلبي والصادر من‬ ‫والثقافي الذي ورثته‪ ،‬فقد كانت الرواية العربية ومنذ إرهاصاتها‬
‫نموذج المرأة الجسد التي‬
‫َ‬ ‫رحم نظرة سلبية متوارثة فإنه ُيبرز‬ ‫األولى تردد في مؤداها الخطابي ما يدلل على خضوعها للشرط‬
‫إطار من اإلغراء واالنحالل والسلبية‪ ،‬أو تظهر في‬ ‫تظهر في ٍ‬ ‫االجتماعي المتوارث‪ ،‬فهي وان كانت شكالً استحداثياً إال أنها‬
‫مدارات من التبعية واالنقياد لصالح السلطة الذكورية‬ ‫ما انفكت تشكل تمدداً لصفحات األدب الماضوي‪ ،‬بيد أنها وفي‬
‫المتغطرسة‪ ،‬إذ يرى ّأنه بمقدور"هذه الصورة القاتمة أن تكون‬ ‫انعطافة أخرى حديثة استجابت– أي الرواية العربية واألردنية‬ ‫ٍ‬
‫تعبي اًر عن (الهو) المكبوت وما يشمل من غرائز واندفاعات‪،‬‬ ‫خاصة‪ -‬للمعطى الجديد وانكساراته الحادة المتمثلة بدايةً في‬
‫وليست هاتان الصورتان على الصعيد الفني سوى صورة وعي‬ ‫مر بها اإلنسان‬ ‫هزائم سياسية وأزمات اجتماعية مختلفة ّ‬
‫الكاتب نفسه وادراكه حول المرأة " (خليل‪ )2004 ،‬في‬
‫© ‪ 2018‬ﺩﺍﺭ ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ‪ .‬ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ‪.‬‬
‫ها‪.‬ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ‪ .‬ﻳﻤﻜﻨﻚ ﺗﺤﻤﻴﻞ ﺃﻭ ﻃﺒﺎﻋﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻟﻼﺳﺘﺨﺪﺍﻡ‬ ‫عصر‬
‫ﺣﻘﻮﻕ‬ ‫استالم ﺃﻥ ﺟﻤﻴﻊ‬ ‫ﺣﻘﻮﻕ تاريخ‬
‫ﺍﻟﻨﺸﺮ‪ ،‬ﻋﻠﻤﺎ‬ ‫ﺃﺻﺤﺎﺏاألردنية‪.‬‬
‫الجامعة‬
‫اآلداب‪ ،‬ﻣﻊ‬ ‫وآدابها‪ ،‬كلية‬
‫ﺍﻹﺗﻔﺎﻕ ﺍﻟﻤﻮﻗﻊ‬ ‫ﺑﻨﺎﺀ ﻋﻠﻰ‬‫ﻣﺘﺎﺣﺔربية‬
‫اللغة الع‬ ‫ﻫﺬﻩقسم‬
‫ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ‬ ‫*‬
‫ٍ‬
‫بيد أن تحوالت من نوٍع آخر أصابت الكيان العربي فجعلت‬
‫ﺍﻻﻟﻜﺘﺮﻭﻧﻲ( ﺩﻭﻥ ﺗﺼﺮﻳﺢ ﺧﻄﻲ ﻣﻦ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﺃﻭ ﺩﺍﺭ‬ ‫ﻭﺳﻴﻠﺔ )ﻣﺜﻞ ﻣﻮﺍﻗﻊ ﺍﻻﻧﺘﺮﻧﺖ ﺃﻭ ﺍﻟﺒﺮﻳﺪ‬ ‫البحث ‪ ،2016/01/23‬وتاريخ قبوله ‪.2016/04/05‬‬
‫ﺃﻱ‬ ‫ﻋﺒﺮ‬ ‫ﺍﻟﻨﺸﺮ‬ ‫ﺃﻭ‬ ‫ﺍﻟﺘﺤﻮﻳﻞ‬ ‫ﺃﻭ‬ ‫ﺍﻟﻨﺴﺦ‬ ‫ﻭﻳﻤﻨﻊ‬ ‫ﻓﻘﻂ‪،‬‬ ‫ﺍﻟﺸﺨﺼﻲ‬
‫ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ‪.‬‬

‫‪ 2017 ‬عمادة البحث العلمي وضمان اجلودة‪ /‬اجلامعة األردنية‪ .‬مجيع احلقوق حمفوظة‪.‬‬ ‫‪- 253 -‬‬
‫دراسات‪ ،‬العلوم اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬المجلّد ‪ ،44‬العدد ‪2017 ،4‬‬

‫المقيدة في الرواية العربية المعاصرة‬


‫المتحررة والمرأة ُ‬
‫المرأة ُ‬
‫رواية "س" للروائية كفى الزعبي أنموذجا‬

‫نزار قبيالت*‬

‫ملخص‬
‫تنوي هذه الدراسة التأمل في صورة المرأة الجديدة في الرواية العربية؛ وذلك بعد أن غدت قضية المرأة أداةً للصراع القائم وحقالً‬
‫تالقت فيه التيارات المختلفة فكريًا؛ منها الدينية المتشددة والعلمانية‪ ،‬ففي شأن المرأة اختلفت تلكم التيارات وشكلت المرأة ذروة‬
‫ذلك االحتدام الفكري والواقعي‪ ،‬فقد اختزلت الرواية العربية النماذج اإلنسانية للمرأة التي كانت تقدمها عادةً كمناضلة أو كعاشقة‬
‫ضدية تشير مالمحها الشكلية‬ ‫ّ‬ ‫أو مومس لتظهرها نتيجة لذلك التداول واستجابة للمعطى المجتمعي الجديد في ثنائية‬
‫البحثية لقضية الكتابة‬
‫ّ‬ ‫والمضمونية لطرفي الصراع المختزلين في متحرر علماني ومتشدد دينياً‪ ،‬وكما وتطرقت هذه الورقة‬
‫األنثوية كمهاد نظري نفذ منه تاليًا إلى التطبيق على رواية "س" للكاتبة كفى الزعبي‪ ،‬فسبرت غورها وعملت على تجلية أبرز‬
‫توسلتها الروائية في روايتها تلك‪ ،‬ثم حوت هذه الورقة محاولة الباحث لفحص مدى انسجام الخطاب‬ ‫التقنيات الروائية التي ّ‬
‫الروائي من خالل السياق والعالقات الداللية والتغريض‪.‬‬
‫النص‪.‬‬
‫النسوية‪ ،‬صورة المرأة‪ ،‬انسجام ّ‬
‫ّ‬ ‫الكلمات الدالة‪ :‬الكتابة‬

‫العربي‪ ،‬فقد أشارت دراسات نقدية عدة إلى ذلك التحول المهول‬ ‫المقدمـة‬
‫في المعطى الروائي نتيجة أحداث سياسية وهزائم عسكرية‬
‫تلقاها العرب بعد نصف القرن المنصرم ومازالت تبعاتها مستمرة‬ ‫مهاد‪ :‬الكتابة األنثوية‬
‫إلى اليوم (عزيز ‪( )1987‬الفاعوري ‪ ،)1999‬ما ش ّكل تالياً‬ ‫تشير دراسات نقدية إلى أن الرواية العربية وحتى نهاية‬
‫عامالً آخر ألقى بظالله الثقيلة على مسيرة الرواية العربية‬ ‫القرن المنصرم ظلت رهينةً لروح فن المقامة أو المقالة‬
‫بشكل عام‪ ،‬وجعله شكالً يترّنح أمام تحوالت الواقع الراسخ‬ ‫ٍ‬
‫كبير أسيرةَ‬ ‫الوعظية‪) ،‬السعافين‪ ،)1987 ،‬وظلت إلى ٍ‬
‫حد‬
‫وضرباته‪.‬‬ ‫ات ثقافية أخذت الحقاً تتالشى شيئاً فشيئاً في فترة متأخرة‬ ‫تصور ٍ‬
‫فعلى امتداد الحقب السابقة ظلّت صورة المرأة في الرواية‬ ‫من األلفية الثانية‪ ،‬وذلك نتيجة عوامل اجتماعية وتطورات‬
‫العربية تتراوح بين نموذجين سادا ثقافتنا العربية مدةً ليست‬ ‫أصابت ُسبل التواصل والتفاعل االجتماعيين في المجتمع‬
‫أماً‬
‫يصور المرأة عاشقةً ومناضلةً و ّ‬
‫قصيرة؛ نموذج مثالي َح َسن ّ‬ ‫السيما‬
‫ّ‬ ‫العربي على وجه الخصوص‪ ،‬بعد أن كانت متماسكة‬
‫تؤول الصورة حيناً لتصبح المرأة رم اًز يحيل للوطن‬‫رؤوماً‪ ،‬وقد ّ‬ ‫عضوياً بالمعطى االجتماعي‬ ‫ّ‬ ‫في جانبها المضموني المرتبط‬
‫أو للفضاء الخصب‪ .‬أما النموذج الثاني السلبي والصادر من‬ ‫والثقافي الذي ورثته‪ ،‬فقد كانت الرواية العربية ومنذ إرهاصاتها‬
‫نموذج المرأة الجسد التي‬
‫َ‬ ‫رحم نظرة سلبية متوارثة فإنه ُيبرز‬ ‫األولى تردد في مؤداها الخطابي ما يدلل على خضوعها للشرط‬
‫إطار من اإلغراء واالنحالل والسلبية‪ ،‬أو تظهر في‬ ‫تظهر في ٍ‬ ‫االجتماعي المتوارث‪ ،‬فهي وان كانت شكالً استحداثياً إال أنها‬
‫مدارات من التبعية واالنقياد لصالح السلطة الذكورية‬ ‫ما انفكت تشكل تمدداً لصفحات األدب الماضوي‪ ،‬بيد أنها وفي‬
‫المتغطرسة‪ ،‬إذ يرى ّأنه بمقدور"هذه الصورة القاتمة أن تكون‬ ‫انعطافة أخرى حديثة استجابت– أي الرواية العربية واألردنية‬ ‫ٍ‬
‫تعبي اًر عن (الهو) المكبوت وما يشمل من غرائز واندفاعات‪،‬‬ ‫خاصة‪ -‬للمعطى الجديد وانكساراته الحادة المتمثلة بدايةً في‬
‫وليست هاتان الصورتان على الصعيد الفني سوى صورة وعي‬ ‫مر بها اإلنسان‬ ‫هزائم سياسية وأزمات اجتماعية مختلفة ّ‬
‫الكاتب نفسه وادراكه حول المرأة " (خليل‪ )2004 ،‬في‬
‫عصرها‪.‬‬ ‫* قسم اللغة العربية وآدابها‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬الجامعة األردنية‪ .‬تاريخ استالم‬
‫ٍ‬
‫بيد أن تحوالت من نوٍع آخر أصابت الكيان العربي فجعلت‬ ‫البحث ‪ ،2016/01/23‬وتاريخ قبوله ‪.2016/04/05‬‬

‫‪ 2017 ‬عمادة البحث العلمي وضمان اجلودة‪ /‬اجلامعة األردنية‪ .‬مجيع احلقوق حمفوظة‪.‬‬ ‫‪- 253 -‬‬
‫نزار قبيالت‬ ‫المرأة المتحررة والمرأة المقيدة‪...‬‬

‫ومدلوالتها الزهرية البعيدة عن وعورة اللفظ الذكوري وسلطويته‪،‬‬ ‫محور الوجود‬


‫َ‬ ‫المرأة عنص اًر مساهماً وفعاالً‪" ،‬فلم يعد الرجل‬
‫الضحية وليس بلسان‬ ‫ّ‬ ‫وأمام طرح مجتمعي هو اآلن بلسان‬ ‫االجتماعي‪ ،‬وانما نشطت المرأة لتشارك في تحقيق الوجود بعد‬
‫المحامي‪.‬‬ ‫أن َكِفل لها العامل االقتصادي حرّية الحركة والتفاعل‬
‫وهنا فإن الباحث يميل لصالح مصطلح األدب األنثوي ال‬ ‫االجتماعي" (وادي‪ ،)1973 ،‬وهو ما يستوجب من األديب تالياً‬
‫النسوي‪ ،‬ذلك ألن األنثوي كمفهوم يوازي الذكوري إنسانياً‪،‬‬ ‫وفياً للنمط االجتماعي المستجد‪ ،‬فيستجيب لهذا‬ ‫يكون ّ‬‫َ‬ ‫أن‬
‫ّ‬
‫أي تفاعل حياتي أو اندماج يخضع لقوالب ومعايير‬ ‫ويبتعد عن ّ‬ ‫المتغير‪ ،‬ويقبل المرأة كشخصية نامية ال هامشية أو مستلبة‬
‫الفئة العمرية أو الطبقة االجتماعية أو مكان نشأتها‪ ،‬فالرفض‬ ‫على أقل تقدير‪ ،‬تلعب فيما بعد دو اًر مهماً ورئيساً في دينامية‬
‫لكتابة المرأة لم يكن محصو اًر فيما ستقدمه المرأة الروائية بقدر‬ ‫الحدث الروائي وتطوره‪ ،‬فقد صار لها رؤيتها ووجهة نظرها‬
‫ما هو رفض لألنثى كنصف إنساني كان معطالً عن قصد أو‬ ‫الخاصة‪ ،‬إذ "اختالف حياة المرأة وواجباتها كما تقول الناقدة‬
‫غير قصد‪ ،‬وفي ذات الوقت كان "هناك تيارات تعارض‬ ‫األمريكية إلين شوالتر ينتج عنه بالضرورة مضمون مختلف في‬
‫وتناهض األدب الذكوري بالمعنى االجتماعي باعتبارِه أدباً‬ ‫إنتاجها األدبي‪ ،‬وان هناك من المالمح المشتركة بين هؤالء‬
‫المسيطرة مكرساً حضورها من حيث يريد‬ ‫ِ‬ ‫يحيل إلى الثقافة‬ ‫الكاتبات ما كان كافياً لرسم تقاليد أدبية نسائية واضحة ومحددة"‬
‫نقدها" (أبو النجا‪ ،)1998 ،‬ثم أن الكتابة اإلبداعية ال تعرف‬ ‫(جامبل‪ ،)2002 ،‬وقبل أن تتمكن المرأة من ِ‬
‫أخذ دورها‬
‫مؤنثة‪ ،‬بقدر ما هي الرؤى المطروحة ضمناً‬ ‫تقنيات مذكرة أو ّ‬ ‫منصف يطرحه الطرف اآلخر‬ ‫ُ‬ ‫اف‬
‫اإلبداعي كان ثمةَ اعتر ٌ‬
‫وشيوع أساليب السرد وتقاناته‪ ،‬فالمرأة تبحث شؤونها في ٍ‬
‫رداء‬ ‫(الرجل)‪ ،‬فقد مثّلت رواية "خارج الحريم" (الريحاني‪)2002 ،‬‬
‫من أدب يدافع عن حقوق المرأة ومواقفها وعن "عالم محوره‬ ‫ألمين الريحاني نموذج المرأة التي تضطلع ٍ‬
‫بدور فاعل تتحدى‬
‫المرأة الذات" (طرابيشي ‪" ،)1978‬فالجميع اعتاد النظر إلى ما‬ ‫به قيود المجتمع وأغالله‪ ،‬وكذلك كانت رواية "زينب" لمحمد‬
‫تقدمه المرأة األديبة على أنه جزء من سلوكها االجتماعي‪ ،‬وكل‬ ‫خطابها‬
‫ُ‬ ‫حسين هيكل (خالق‪ ،)1981 ،‬من قبل التي كشف‬
‫خبرة يتمتع بها أبطالها تحال إلى خبرتها الشخصية (األعرجي‬ ‫الروائي عن أزمة التقييد التي تعانيها المرأة من لدن الرجل‪ ،‬ففي‬
‫‪ ،)1997‬فبعد عسر طويل وصلت المرأة لمرحلة حققت خاللها‬ ‫وقوف عدد من الروائيين العرب مع‬ ‫َ‬ ‫هاتين الروايتين ما يؤكد‬
‫ذاتها إذ وصلت ل ُذرى اإلبداع بعد أن كانت قد تجاوزت مرحلتي‬ ‫الخطاب النسوي والحاجة النسائية‪ ،‬فقد استمات هؤالء في‬
‫التقليد واالحتجاج‪( .‬رامان‪ ،)1992 ،‬فصارت تدخل عوالم‬ ‫صور تعاين واقع المرأة‬‫ٍ‬ ‫الدفاع عن المرأة من خالل تقديم‬
‫الكتابة بصوتها ُممتلكةً لغةً جريئة وحادة النقد‪ ،‬تفصح دون‬ ‫المؤلم‪.‬‬
‫تردد عن مناطق معتمة في الذات األنثوية هي بها أدرى من‬ ‫بالتزامن مع الدور الذي يلعبه الخطاب األدبي ولكونه مرآة‬
‫الذكر‪ ،‬فالنساء في رأي رامان ال يرين األشياء كما يراها‬ ‫مضمار آخر يقود فيه بعض‬ ‫ٌ‬ ‫موضوعية عاكسة كان ثمة‬
‫الرجال‪( ،‬رامان‪ ،)1996 ،‬وهنا فالباحث يؤكد أن األدب األنثوي‬ ‫أصحاب تيار االنفتاح والتحرر من الرجال حملةً للدفاع عن‬
‫أدب موضوعاتي له طرحه الخاص فال يوجد لرأي الباحث تقنية‬ ‫حقوق المرأة‪ ،‬ومنهم قاسم أمين في كتابه "تحرير المرأة"‬
‫مذ ّكرة أو مؤنثة‪.‬‬ ‫(‪ )1941‬الذي ربط فيه بين ارتقاء المرأة وبين تقدم األمة‬
‫غير أن كاتبات عديدات رفضن االنضواء تحت سقف‬ ‫ومدنيتها (امين‪.)1941 ،‬‬
‫ّ‬
‫يسببه‬
‫النسوية كيال تستمر تلك النظرة الدونية للمرأة‪ ،‬ونظ اًر لما ّ‬ ‫وقد نجم عن تلك الحقبة دورٌ للمرأة‪ ،‬م ّكنها فيما بعد من‬
‫ال بين الجنسين في الكتابة والحقوق‪،‬‬ ‫مصطلح النسوية من انعز ٍ‬ ‫توظيفها الكتابة وممارستها الخطاب المكتوب بعد ٍ‬
‫عمر مديد‬
‫فاألمر يتعلق باإلبداع والموهبة الفنية‪( ،‬مناصرة‪ ،)2008 ،‬إذ‬ ‫من الحكي واالقتصار على متعة الحكي وحدها‪ ،‬ما يعني أننا‬
‫الروائية كفى الزعبي من أنصار هذا الرأي‪.‬‬ ‫نوعية في مسألة اإلفصاح عن األنثى‪ ،‬إذ لم يعد‬ ‫ّ‬ ‫أمام ٍ‬
‫نقلة‬ ‫َ‬
‫ولعل النمطية الراسخة في رسم صورة المرأة في الرواية‬ ‫الرجل هو المتكلم عنها‪ ،‬والمفصح عن حقيقتها وصفاتها كما‬
‫شكل العدائية الذكورية ضد‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬
‫جانب ما‬ ‫األردنية أشاعت من‬ ‫قرون متوالية‪ ،‬فقد صارت المرأة تتكلم وتفصح‬ ‫ٍ‬ ‫فعل على مدى‬
‫ِّ‬
‫الممثلة لها دون أن‬ ‫المرأة‪ ،‬وأسهمت في سلب حرية شخوصها ُ‬ ‫وتشهر إفصاحها هذا بواسطة (القلم)‪ ،‬هذا القلم الذي ظ ّل مذك اًر‬
‫تدرك ذلك‪ ،‬فقد درجت العادة في األعمال الفنية على إظهار‬ ‫وظل أداة ذكورية" (الغذامي‪ ،)1997 ،‬فشرعت المرأة بتكوين‬
‫إطار من‬‫ٍ‬ ‫وصورتها في‬
‫ّ‬ ‫المرأة بنماذجها السلبية واإليجابية‬ ‫وجهة نظر خاصة تنطلق من مصدرها النسائي فتؤسسها‬
‫ولعب دور الضحية أو دور الشخصية‬ ‫الشعور بالدونية ِ‬ ‫ٍ‬
‫لوسيط نبيل‪ ،‬ما يعني أننا أمام‬ ‫بمنظارها وخيالها دون الحاجة‬
‫المسلوبة الحرية والقيادة‪ ،‬فرسوخ السائد االجتماعي واألدبي في‬ ‫مكان روائي أثثته أنثى‪ ،‬وأمام لغة أدبية أنثوية لها مالمحها‬

‫‪- 254 -‬‬


‫دراسات‪ ،‬العلوم اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬المجلّد ‪ ،44‬العدد ‪2017 ،4‬‬

‫المتصور الذهني حول‬


‫ّ‬ ‫بسهولة؛ رواية أبرزت ثنائيةً تش ّك ُل َّ‬
‫لب‬ ‫تقبل استقاللية المرأة ومساهمتها في‬ ‫آن ّأديا معاً إلى صعوبة ّ‬
‫المرأة‪ ،‬فجاءت بالبطلة "س" نموذجاً للمرأة المتحررة‪ ،‬و"أم‬ ‫مجتمعها تالياً‪ ،‬حاشا أدوار الفضيلة المحددة المسار والنادرة‪،‬‬
‫إبراهيم" نموذجاً للمرأة المقيدة والحبيسة لسلطة الرجل‪.‬‬ ‫منها مثالً شخصية بنت شيخ قبيلة الحويطات في رواية القرمية‬
‫التبصر النقدي لهذه الرواية يلزم أن‬
‫ّ‬ ‫فقبيل الدخول في أتون‬ ‫لسميحة خريس (القرمية رواية ‪ .)1999‬إذ النظام الذكوري كما‬
‫نشير إلى أن الكاتبة كفى الزعبي من مواليد مدينة الرمثا‪،‬‬ ‫محكمة لم يدع فيها للمرأة‬ ‫َ‬ ‫في الواقع ما انفك يشكل سيطرة‬
‫ودرست الهندسة المدنية في بطرسبورغ عام ‪ ،1992‬حيث لم‬ ‫نفسها من قيود السلطة الذكورية‪.‬‬ ‫مساحة كي تخلّص َ‬
‫تمارس المهنة بسبب إقامتها هناك وسوء الظروف التي واكبت‬ ‫فألن "الرواية جنس أدبي لم يستقر شكلُه بعد" (باختين‪،‬‬
‫انهيار االتحاد السوفييتي وتعمق األزمة االقتصادية‬ ‫‪ ،)1982‬وحدوده غير مستقرة أيضاً‪ ،‬بل وأطرافه ّلينة تتمدد فيه‬
‫واالجتماعية‪ .‬وفنياً صدر لها أول رواية عام ‪ 2000‬بعنوان‬ ‫الرؤى وتتالشى معه الحدود‪ ،‬تجاوزت المرأة في األردن خطوطاً‬
‫سقف من طين ورواية ليلى والثلج ولودميال عام ‪ 2007‬وصدر‬ ‫كان الجميع يراها خطوطاً حمراء‪ ،‬وهو ما فعلته الروائية‬
‫لها رواية باللغة الروسية (عد إلى البيت يا خليل) عام ‪2009‬‬ ‫المصرية نوال السعداوي من قبل‪ ،‬فرأت أن المرأة استُغلّت‬
‫باإلضافة إلى رواية "س" الصادرة عام ‪ 2014‬عن دار التكوين‬ ‫وحرمت منذ األزل من أبسط‬ ‫ِ‬
‫استغالالً َبشعاً من قبل الرجل‪ُ ،‬‬
‫في دمشق وهي قيد بحثنا هنا‪.‬‬ ‫وهمش وجودها‪،‬‬ ‫حقوقها فاحتكرها الرجل" (السعداوي‪ّ )2006 ،‬‬
‫سيقوم الباحث بتبيان شقّي الصورة تلك تبعاً للتسلسل‬ ‫المتزمت جعل طرابيشي‬ ‫ّ‬ ‫أن هذا الرأي‬
‫ومن الجدير ذكره هنا هو ّ‬
‫المتصور الفني للرواية من خالل‬
‫ّ‬ ‫السردي للحكاية‪ ،‬وسنقف عند‬ ‫ينتقده ويرى به صوغاً جديداً لنظرة المستعمر السلبية للمرأة‬
‫أبرز تقنياتها الفنية التي استخدمتها الزعبي في روايتها هذه‪،‬‬ ‫القدر الكافي من‬‫َ‬ ‫(طرابيشي‪ )1984 ،‬إذ المرأة اليوم تنا ُل‬
‫ونقيس مدى االنسجام في الخطاب واب ارزه‪ ،‬فالروائي ال يقدم‬ ‫التعليم‪ ،‬ومن مناهله التنويرية تتعلّم بحرية شبه مطلقة‪ ،‬وهو ما‬
‫الصورة أو جزءاً منها دفعةً واحدة‪ ،‬ذلك ألن المروي يأخذ وقته‪،‬‬ ‫يجعل وعيها متّ ِسعاً يستدرك ما كانت تعانيه مسبقاً نتيجة‬
‫ما يجعل المتلقي منتظ اًر على مدى زمن القراءة‪ ،‬إذ الرواية‬ ‫عياً‬
‫مركز الكون والمرأة تمدداً فر ّ‬ ‫روف مبكرة جعلت الرج َل ِ‬
‫ظ ٍ‬
‫ُ‬
‫تشكيل سردي يختلف عن سواه الذي "يقدم الصورة دفعة واحدة‬ ‫كسرت المرأة‬‫ُيدين لألصل (الرجل) بالطاعة والرضوخ له‪ ،‬لقد ّ‬
‫وفي لحظة واحدة" (القلماوي‪ ،)1947 ،‬كما أن الصورة في‬ ‫الروائية اليوم الصورةَ النمطية المتعلّقة بطريقة تقديم‬
‫السرد والمعروفة بـ (الصورة السردية) تعرض األشياء وتشكل‬ ‫الشخصيات األنثوية‪ ،‬وجاوزت تابوهات الرعب والحرام‪ ،‬متسلحة‬
‫االنطباعات عن الشخصيات عبر تحركها في مجرى‬ ‫بالوعي الذي "كلما زاد صار اإلنسان بسببه أكثر إدراكاً‬
‫السرد(قاسم‪.)1985 ،‬‬ ‫بوجوده‪ ،‬وزاد قلقه على هذا الوجود‪ ،‬وزادت مقاومته للقوى التي‬
‫ومن المفيد القول بأن ُجرأة الطرح في هذه الرواية جاءت‬ ‫تحاول تحطيمه" (الغذامي‪.)1997 ،‬‬
‫على وقع تراجع خيول الرجل وتقلّص وطأته التاريخية‪ ،‬فقد‬
‫أصبحت "المرأة اليوم‪ :‬األم واألخت والبنت الصغيرة شريكةً‬ ‫أبعاد الرواية التفاعلية‪:‬‬
‫فاعلةً وحقيقيةً للرجل في مجاالت كثيرة منها‪ :‬التعليم والعمل‬ ‫ٍ‬
‫بالتبصر في رواية تحرص وبوضوح على إبراز‬ ‫سنقوم هنا‬
‫ّ‬
‫والتشريع والدور القيادي (المؤتمر الوطني ‪ ....)1985‬وذلك‬ ‫تجسد‬
‫وجهة نظر المرأة‪ ،‬وهي وجهة نظر صادرة عن ثنائية ّ‬
‫نتيجة تنامي الرغبة في تكريس حقوق المرأة على المستوى‬ ‫المنبجس تبع ًا‬‫بوضوح طرفي التمظهر األنثوي الحديث و ُ‬
‫الوطني‪ ،‬باإلضافة لمسببات أخرى تكمن في سياسات االنفتاح‬ ‫الختالف وجهات النظر واختالف مركز رؤية الحياة‪ ،‬وذلك‬
‫وتوعية المرأة (أبوغزالة‪ )1985 ،‬التي سهلت التعالق مع اآلخر‬ ‫نظ اًر لألبعاد والتوجهات الفكرية التي يتبناها ك ّل طرف‪ ،‬أما‬
‫ٍ‬
‫مساحات إضافية‬ ‫الغربي واالطالع عليه‪ ،‬وأعطت كذلك األمر‬ ‫تيار المرأةُ فيه منقادة‪ ،‬واآلخر المرأة فيه‬
‫الطرف األول فهو ٌ‬
‫التحرك‪ ،‬ويضاف أيضاً إلى هذا كلّه انتشار‬ ‫من حرية الظهور و ّ‬ ‫منفلتة من أي قيد يفرض عليها االلتزام والخضوع لآلخر‪ ،‬فقد‬
‫العمل الحزبي في األردن بالتوازي مع الثقافة والتعليم والفن‬ ‫تنوع نماذج المرأة‬
‫عملت الروائية في هذه الرواية على اختزال ّ‬
‫الروائي الذي تأثر محليا وبصورة كبيرة بالفن الروسي والالتيني‬ ‫في نموذجين أنثوي ينرغم تعدد القوالب التي تظهر فيها المرأة‬
‫أن الخطاب اإلسالمي المتشدد تراجع‬ ‫في حقبة سابقة‪ ،‬كما ّ‬ ‫أماً أو مومساً‬ ‫عادةً‪ ،‬كأن تكون المرأة مناضلةً أو عاملةً أو ّ‬
‫حيال قضايا انفتاح المرأة واختالطها ومساواتها مع الرجل‪ ،‬فقد‬ ‫أو‪ ،....‬وهو ما يجعل من طرح الروائية هنا طرحاً مختص اًر‬
‫وسم الحقاً‬‫تكلّس حضوره المتشدد فيما بعد في خطاب منغلق ِ‬ ‫وذكياً‪ ،‬فرواية "س" (الزعبي‪ ،)2014 ،‬للكاتبة األردنية كفى‬ ‫ّ‬
‫باإلرهاب والتطرف‪ ،‬ونتيجة لهذا نما على الطرف اآلخر توجه‬ ‫الزعبي تحمل أبعاداً تفاعلية ال يصل إليها مصباح السارد‬

‫‪- 255 -‬‬


‫نزار قبيالت‬ ‫المرأة المتحررة والمرأة المقيدة‪...‬‬

‫ذات فضاء رحب‪ ،‬تستنشق معه نسيم الحرية والتحرر وربما‬ ‫ال‪-‬ديني يرفض التّزمت ويصفه بالجهل‪ ،‬ما ش ّكل طرفين‬
‫الحب‪ ،‬فتخلع الحجاب عنها ويطير عن رأسها في مشهد‬ ‫ّ‬ ‫أي منهما باآلخر أو يتعاطى معه‪ ،‬وهو ما‬ ‫ضديين‪ ،‬ال يقبل ٌّ‬
‫سريالي مفعم بالحركة والخالص‪.‬‬ ‫وعمق األزمة‪.‬‬‫وسع الفجوة ّ‬ ‫ّ‬
‫فالرواية من حيث الخطاب هي رواية وجهة نظر‪ ،‬تظهر‬ ‫وهو تماماً ما نقلته الزعبي إلى عالمها الروائي‪ ،‬وجعلت من‬
‫طرحين مختلفين‪ ،‬وهي من حيث البناء رواية تعتمد على‬ ‫رواية "س" ساحة صراع حضاري تُظهر المرأة المتدينة‬
‫شخصية محورية دونها ينتفي السرد الروائي وال يمتلك أي قيمة‪،‬‬ ‫ثنائية ضدية متصارعة‬ ‫المحافظة والمرأة المتحررة من خالل ّ‬
‫إذ تتركز األحداث وتدور حول صراع امرأة مع مجتمع تصفه‬ ‫المقدس‬
‫تمثّل مدلوالت مختلفة تحت عناوين ضدية الداللة مثل‪ّ :‬‬
‫بأنه مجتمع يعاني من اعوجاج في نظرته للمرأة‪ ،‬بل ومجتمع‬ ‫والمدنس‪ ،‬واالنفتاح والتقييد‪ ،‬االستقالل واالنقياد‪ ،‬كما وتطرح‬
‫يعاني االنفصام‪ ،‬فمعتقده وعاداته توصي بالمرأة خي اًر غير أنه‬ ‫التدين والتطرف والفحولة‪،‬‬ ‫هذه الرواية قضايا حرية االعتقاد و ّ‬
‫يخضع لتراكم ثقافي الحق ينظر للمرأة على أنها عورة ومحاطة‬ ‫فهي – أي الروائية‪ -‬تود أن تطرح أزمة المرأة المعاصرة تحديداً‬
‫بالعديد من الممنوعات والمحرمات المجتمعية المصطنعة‪ ،‬فكل‬ ‫وتظهر أمرين‪:‬‬
‫مفاصل الرواية تتحدث عن أزمة المرأة مع الرجل ذلك الذي‬ ‫أوال‪ :‬سبب الحبس والتقييد الذي تعانيه‪.‬‬
‫يسلبها حريتها وارادتها‪ ،‬فمركز القضية ال يتركز في نظرة الرجل‬ ‫ردة فعل المرأة الواعية جراء استغالل يمارسه بعضهم‬ ‫ثانيا‪ّ :‬‬
‫للمرأة وحسب‪ ،‬بقدر ما هو مجتمع تصفه "س" بأنه مجتمع‬ ‫وخاص من ِقبل رجال دين‬ ‫ّ‬ ‫من خالل فهم ديني مقتضب‬
‫أناني يعيش في الماضي وما يزال يغلق على نفسه‪.‬‬ ‫يؤولون ما يفيدهم‪ ،‬وذلك من خالل صورتين اثنتين هما‪ :‬صورة‬
‫"وقع نظرها على ولد يجلس على حافة الرصيف المقابل‪،‬‬ ‫المرأة المتحررة والمرأة المقيدة الحبيسة‪.‬‬
‫قذف للتو قطة صغيرة بحجر‪ ،‬فركضت القطة إلى الشارع‪،‬‬ ‫في ثنايا المتن الروائي تظهر "س" المرأة المحجبة صدفةً‬
‫فعال مواء لوهلة‪ ،‬ثم طغى‬ ‫فدهستها على الفور سيارة فاخرة‪َ ،‬‬ ‫عالم الرواية‪،‬‬
‫َ‬ ‫أمام المؤلفة التي شاركت بدورها شخصياتها‬
‫على هذا المواء صوت كوابح السيارة‪ ،‬بدا لـ"س" أنه صوت‬ ‫وأسهمت فيها كإحدى الشخصيات الرئيسة‪ ،‬فقد قابلت الزعبي‬
‫طقطقة العظام التي ُهرست‪ ،‬وفي هذه الدقيقة أيضاً كانت‬ ‫تهم‬
‫المرأة المجهولة "س" مصادفةً في مدينة عمان وهي ّ‬
‫جارتها السمينة‪ ،‬أم خالد المنقبة‪ ،‬تعبر من أمام الدكان‪ ،‬تسير‬ ‫بالخروج من محل لبيع الخمور‪ ،‬وهو ما أصاب الروائية‬
‫خلف زوجها قصير القامة‪ ،‬الملتحي‪ ،‬ببدلته الرمادية‬ ‫تصر على التعرف إلى هذه المرأة المنقّبة في‬ ‫بالفضول وجعلها ّ‬
‫المهترئة‪.‬توقفت أم خالد للحظة تنظر الحدث‪ ،‬ثم أدركت سريعاً‬ ‫محل بيع الخمور واللقاء بها حاالً‪ ،‬و"س" هذه امرأة عزباء‬
‫أن ال شيء مهم‪ :‬مجرد قطة ُد ِهست‪ ،‬فأشاحت بوجهها عنها‪،‬‬ ‫حي شعبي متواضع‪ ،‬وتعمل معلمةً في إحدى‬ ‫تعيش وحيدةً في ّ‬
‫لكنها انتبهت فيماهي تستدير إلى انعكاس صورتها في زجاج‬ ‫المدارس‪ ،‬تتعرض فيما بعد لمضايقات الشيخ محمود الذي‬
‫نافذة السيارة التي توقفت عندها‪ ،‬وراحت تنظر إلى صورتها‪،‬‬ ‫طلبه في الزواج منها‪ ،‬ما يجعله والمؤذن وأبا ابراهيم‬ ‫ترفض َ‬
‫فنهرها زوجها واستعجلها‪ ،‬في هذه الدقيقة أيضاً أطلت إحدى‬ ‫ورجال الحي اآلخرين يتمادون في مضايقتها ويتدخلون في‬
‫بنات الجيران من النافذة المفتوحة على الطابق األرضي‪ ،‬التي‬ ‫تفاصيل حياتها الخاصة‪ ،‬بل ويتتبعونها بسبب تأخرها في‬
‫ما زالت أمها‪-‬جارة "س" تنظف زجاجها‪ ،‬فصفعتها األم على‬ ‫العودة إلى منزلها‪ ،‬فيبدأون بالتضييق عليها بدعوى الحفاظ‬
‫وجهها ألنها‪-‬أي الصبية‪ -‬أطلت من النافذة بلباس يكشف‬ ‫حيهم الذي تقطن فيه‪.‬‬ ‫على سمعتها وسمعة ّ‬
‫كتفيها وذراعيها‪ ،‬فاختفت الصبية فو اًر‪.‬‬ ‫تقرر "س"‬ ‫في الرواية تتسارع وتيرة األحداث عندما ّ‬
‫وفي هذه الدقيقة نفسها توقفت السيارة الفاخرة التي دهست‬ ‫الشخصية البطلة والمحورية في الرواية رفع قضية في المحكمة‬
‫القطة‪ ،‬على بعد مسافة من مدخل العمارة التي تقطن فيها "س"‬ ‫على أحد موظفي الدوائر الرسمية الذي شتمها أثناء مراجعتها‬
‫ونزلت منها امرأة سافرة الرأس يبدو عليها الثراء المبتذل‪ .‬ومن‬ ‫إلحدى الدوائر الرسمية وصفها تصغي اًر لها "باألنثى"‪ ،‬وتم ذلك‬
‫دون أن تأبه للجريمة التي ارتكبتها للتو‪ ،‬ومن دون أن يعاتبها‬ ‫بوجود شهود على الواقعة‪ ،‬فباإلضافة إلى شتمها قام برفع‬
‫أحد ولو بسؤال‪ ،‬توجهت إلى الولد الذي قذف القطة بحجر‪،‬‬ ‫حذائه في وجهها ُبغية ضربها‪ ،‬غير ّأنها الحقاً تتنازل عن‬
‫وراحت تجري معه حديثاً‪ .‬توقعت "س"‪ -‬بل كانت متأكدة‪ -‬أنه‬ ‫القضية وتسقط دعواها لكون المتهم سينال عقاَبه ليس نتيجة‬
‫حول الشيخ المشعوذ‪(".....‬الزعبي‪ ،‬مرجع سابق)‪.‬‬ ‫لما كان ينوي القيام به‪ ،‬بل نتيجة لرفعه الحذاء أمام صورة‬
‫إن المقطع السابق والمسرود بصوت الراوي العليم الذي‬ ‫الملك ليس إال‪ ،‬وفي خضم هذا التوالي الحدثي ال تجد "س"‬
‫يتحول من كونه تقنية سردية إلى شخصية روائية فاعلة هي‬ ‫سوى صاحب المكتبة المثقف الذي يذهب معها نحو أمكنة‬

‫‪- 256 -‬‬


‫دراسات‪ ،‬العلوم اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬المجلّد ‪ ،44‬العدد ‪2017 ،4‬‬

‫الذات الروائية الساردة نفسها‪ ،‬فيبلغ الكاتب والقارئ معاً نقطة‬ ‫كفى الزعبي ذاتها‪ ،‬فتشارك األخريات الحدث الروائي وتعيش‬
‫يتحسسانه وبإفعام‬
‫ّ‬ ‫المنتهى ويشعران بلذة االحتراق الذي‬ ‫الدراما الخاصة به‪ُ ،‬يظهر مدى االغتراب الزمكاني الذي تعانيه‬
‫محسوس‪ ،‬إذ الميتارواية نتيجةٌ لإلحساس في مدى الجدية من‬ ‫"س" نتيجة لما يسببه هذا العالم المنشغل بذاته فقط دون أي‬
‫طرَح الغائية الكتابية ومؤداياتها التي لم تعد تشمل الوظيفة‬ ‫اعتبار لآلخر‪ ،‬ففي هذا المقطع الذي جاء كفاتحة سردية لمتن‬
‫االجتماعية فقط‪ ،‬فغاية المتأدبين ليست محصورةً في معرفة‬ ‫تخص الشخصية البطلة‪ ،‬وتعمل على إبراز‬ ‫ّ‬ ‫الرواية رؤية‬
‫العالم وحسب بل تمتد لبلوغ أماكن الواعية بقدرات واعية لم‬ ‫مالمحها األولى للقارئ باتباع أسلوب استبطاني في التقديم‪،‬‬
‫تكتشفها َبعد عيون أي كاتب من قبل‪ ،‬فيستحيل غير الممكن‬ ‫أسلوب يكشف شخصية "س" ويرسمها أمام القارئ من خالل‬
‫حينها واقعاً حقيقياً لديهم جراء كسرهم ِلرهاب المتخيل واعادة‬ ‫هذا التكثيف الحدثي الموجز الذي أبان عن شخصية "س" وعن‬
‫َمنطَقته والبوح بالممنوع عنه وتجاوز المألوف االعتيادي‬ ‫وجهة نظرها‪ ،‬فهي هنا الشخصية اإلنسانية التي كفرت بهذا‬
‫وتخييب التوقع لدى القارئ‪ ،‬لذا ال يعدم الكتّاب وسيلةً حديثةً أو‬ ‫العالم وبانحطاط إنسانيته وترديه‪ ،‬فالمشهد المكثف السابق‬
‫التحوط عليه وايقاعه في‬ ‫رِ‬
‫قديمة إال واتّبعوها لكسب القارئ و ّ‬ ‫صد من زاوية نظر بعيدة مكانياً ومختلفاً ايديولوجياً‪ ،‬وتشكل‬ ‫ُ‬
‫شباكهم‪.‬‬ ‫نسبة ضئيلة من مجتمع يقوده الذكر ويهيمن عليه‪.‬‬
‫يرى بعض النقاد أن الميتارواية وببساطة هي تبريرات‬ ‫لقد تأخر سرد ذلك المقطع الحامل للمشهد المكثف عن‬
‫ليحدث القارئ عن‬ ‫ّ‬ ‫وضعية غير متخيلة يفندها الروائي‬ ‫ّ‬ ‫القارئ‪ ،‬فجاء في الصفحة الثالثة عشرة‪ ،‬نتيجة اشتغال‬
‫مسوغات عمله الفني‪ ،‬وعن مدعاة هذا البناء الفني وعن شأو‬ ‫تقدم للقارئ‬
‫الصفحات األول التي احتلتها المؤلفة رغبةً في أن ّ‬
‫صنيعه‪" ،‬فهناك من يرى في مصطلح الميتارواية أداةً تعمل‬ ‫وتعرض له تداعيات كتابتها لهذه الرواية ولحظة الذروة التي‬
‫على التقديم والتمهيد قبل الدخول للعالم الروائي‪ ،‬فتستخدم كما‬ ‫أعلنت فيها أنها ستكتب رواية ربما إحدى شخصياتها هي "س"‬
‫استخدم مصطلح "النص الموازي" الذي يشير للعناوين الفرعية‬ ‫امرأة الخمارة‪ ،‬فاألحداث في الرواية انطلقت من لقاء المصادفة‬
‫واإلهداءات والتمهيد والهوامش والمقوالت‪.‬‬ ‫ذا كفي محل بيع الخمور‪ ،‬ثم انتقلت كامي ار المؤلفة إلى الحي‬
‫ويرى بالميتارواية أنها‬‫التمهيدية‪(.....‬الموسوي‪ُ )1988 ،‬‬ ‫البشع الذي تسكنه "س"‪ ،‬فظهرت هناك وهي تراقب وال تتدخل‬
‫ِ‬
‫أماكنه‬ ‫أيضاً إشارات نقدية تتعمد محاورة النص قبل الدخول في‬ ‫في عالم هي مختلفة عنه تماماً‪ ،‬فقد بقيت "س" شخصية بدون‬
‫تمهيد للقارئ يشبه عملية اإلعداد المسبق‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫الخاصة‪ ،‬واعطاء‬ ‫اسم كما هو حبيبها الحقاً المن ّكر‪ ،‬الذي ال ُيعرف عنه سوى أنه‬
‫بالنص وتحديد مداخله ومرجعياته التي‬ ‫يوظّفها الكاتب للتعريف ّ‬ ‫صاحب المكتبة التي ترتادها "س"‪ ،‬إذ لم ُيبلّغ القارئ عنه سوى‬
‫َيمتح منها‪" ،‬ما يعني إنتاج مزدوج ُيدمج فيه إبداع القصة‬ ‫ما قدم له بأسلوب تصويري يعتمد على أحداث أظهرت سلوكه‬
‫(الرواية) بنقدها‪ ،‬فخالل هذه الصيرورة تحقق الرواية بحثها‬ ‫وفكره وموقفه من حرية المرأة‪ ،‬فكان رجالً متحر اًر استمالته "س"‬
‫عما يحقق نوعيتها كخطاب أدبي دائم‬ ‫الدائم والمتواصل ّ‬ ‫بعد أن سمعت منه وجهة نظره وفكره حول قضايا المرأة‬
‫االنفتاح والتحول في مواجهة التحوالت التي يزخر بها العالم‬ ‫الحر‪.‬‬
‫والمساواة‪ ،‬فكان مالذها وفضاءها ّ‬
‫المعاصر" (يقطين‪.)1993 ،‬‬ ‫التقنيات الفنية في الرواية‪:‬‬
‫نصية‬
‫في رواية "س" تحقق الميتارواية أيضاً وبوصفها بنية ّ‬ ‫يبدو لنا أن التقنيات الفنية البارزة في هذه الرواية هي‬
‫فاعلة في المتن الروائي وجوداً حثيثاً للسرد السيري‪ ،‬فذهاب‬ ‫تقنيات تشخيص أنثوي بالمجمل‪ ،‬تتعلق بخصوصية المرأة‬
‫كفى الزعبي (الروائية) إلى وسط البلد لقضاء بعض الوقت‬ ‫السلم تجاه‬
‫البساطة و ّ‬ ‫وحسِّها وطرق تفكيرها المو ّشحة ُّ‬
‫بالنبل و َ‬
‫ق فنان‪ ،‬كل ذلك‬ ‫هناك ومرافقتها أيضاً لزوجها في زيارٍة لصدي ٍ‬ ‫صنوها‪ ،‬أو هي تقنيات ُم ِعينة من حيث إنها تريد امتالك القارئ‬
‫كان قبل الدخول لعالم البحث عن "س" الشخصية الروائية‪ ،‬ما‬ ‫بحجة صورة المرأة المحدثة وخصوصيتها األنثوية‪ ،‬وبمدى‬
‫السردية الذاتية التي سلّطت الضوء على الروائية‬‫ّ‬ ‫أتاح شيئاً من‬ ‫تباينها عن طرق التكنيك الذكوري‪ ،‬فهي بالمجمل تقنيات‬
‫قبل التعرف إلى شخوصها الورقية‪ ،‬فكأن الزعبي هنا تطرح‬ ‫تُستبطن منها ذهنية األنثى وصورتها المرسومة في متخيل‬
‫شيئاً من َسندات سيرتها الذاتية‪ ،‬وتبدي غرابتها هي كما "س"‬ ‫القارئ‪.‬‬
‫من أسئلة وجودية عالقة بالنسبة لها‪.‬‬ ‫الميتارواية‪:‬‬
‫عند هذا السؤال أتوقف‪ ،‬ليس ألهميته أو عدم أهميته‪ ،‬بل‬ ‫يعمد كتّاب الرواية اليوم إلى االعتماد على تقنية الميتاسرد‪/‬‬
‫ألن كل المشهد الذي رسمته عن "س" ال يعجبني؟ فكما رأيتم‪،‬‬ ‫الميتارواية رغبةً في بلوغ ذروة المتعة الفنية وتمكين المتلقي‬
‫أجر أي تغيير في المشهد الواقعي الذي أعيشه أنا‪،‬‬ ‫أنا لم ِ‬ ‫منها‪ ،‬ورغبة في إدراك فحوى المفعول الكتابي وذلك من خالل‬

‫‪- 257 -‬‬


‫نزار قبيالت‬ ‫المرأة المتحررة والمرأة المقيدة‪...‬‬

‫‪ -‬المسألة ليست في الموافقة أو الرفض‪ ،‬المسألة في‬ ‫والذي بطلته الحقيقية "أنا"‪ ،‬سوى أنني غيرت صيغة الـ"أنا" في‬
‫العرض ذاته‪ ،‬في رؤيتهم لي‪ .‬لي تحديداً‪ ،‬في احتقارهم‬ ‫السرد إلى صيغة الـ"هي"‪ .‬ومع ذلك ظلت "س" أنا‪ .‬سأعترف‬
‫لي‪................‬‬ ‫أن ما كتبته لم يكن سوى محاولة فاشلة إللصاق وجهي مكان‬
‫ثم تقول الروائية (الزعبي) بصوت األنا الداخلي‪:‬‬ ‫فراغ في وجه كيان آخر‪ ،‬ليس أنا" (الزعبي‪ ،‬مرجع سابق)‬
‫"تعجبني هذه الجملة‪ :‬أفتح الشبابيك واألبواب للقضاء‬ ‫مجرد‬
‫أن الميتارواية هي ّ‬ ‫ويرى الباحث أن الحديث عن ّ‬
‫على‪("........‬الزعبي‪ ،‬مرجع سابق)‬ ‫يرصعها الكاتب ويزّينبها جنبات الرواية‪ ،‬أو أنها‬
‫إشارات نقدية ّ‬
‫لقد ّأدت الميتارواية وظائف عديدة داخل هذه الرواية نوجزها‬ ‫بنية نصية بصوت سردي مختلف تحمل مقوالت نقدية وحسب‪،‬‬
‫على هذا النحو‪:‬‬ ‫تعمد الكثير من المؤلفين مؤخ اًر في‬
‫أمر لم يعد مقنعاً في ظل ّ‬ ‫ٌ‬
‫أوال‪ :‬كشفت الميتارواية بدايةً عن رؤية الروائية نفسها‪ ،‬ذلك‬ ‫يصرح‬
‫ّ‬ ‫الكاتب‬ ‫فصار‬ ‫وعينه‪،‬‬ ‫السرد‬ ‫مركز‬ ‫في‬ ‫أنفسهم‬ ‫ا‬
‫و‬ ‫يضع‬ ‫أن‬
‫حين تعلّق سردها وترّكز منذ انطالقته على "س"‪ ،‬وجعلها بؤرة‬ ‫يلمح حول شخصية ما تبناها فيتخذها قناعاً يرتديه في‬ ‫وال ّ‬
‫ك الروائي مضموناً وشكالً‪ ،‬وهو ما كشف تالياً عن انحياز‬ ‫المح ّ‬ ‫النص بغض النظر عن مدارات النص ومحاور اشتغاله‪ ،‬فحين‬
‫المؤلفة نحو بطلتها التي كادت أن تكون نتيجة لهذا التحيز‬ ‫تهم بالخروج من محل‬ ‫التقت الروائية صدفة بـ "س" وهي ّ‬
‫مجرد قنا ٍع تلبسه الروائية لها تحت اسم مجهول يشير من بعيد‬ ‫ّ‬ ‫الخمور ارتأت أن تكون هذه الشخصيةغير المعروفة لديها بطلة‬
‫وتتبع مسيرها‪،‬‬
‫ّ‬ ‫معاناتها‬ ‫تنقل‬ ‫كانت‬ ‫فقد‬ ‫ائية‪،‬‬
‫و‬ ‫الر‬ ‫عبي‬ ‫الز‬ ‫إلى‬ ‫روايتها بل عنوانها أيضاً‪.‬‬
‫فتكاد تكون الفاعل الوحيد في الرواية‪ ،‬في حين ظهرت‬ ‫"رواية ستكون بطلتها‪ -‬بطلتها الوحيدة‪-‬امرأة‪ .‬أقول لنفسي"‬
‫شخصيات أنثوية أخرى بعيدةً مثل‪" :‬أم ابراهيم" كشخصيات‬ ‫(الزعبي‪ ،‬مرجع سابق)‬
‫مهمشة في واقعها ومرفوضة عند الروائية نتيجة قبول ذلك النوع‬ ‫تبين وجهة‬ ‫لقد منحت الميتارواية الروائية فرصةً في أن ّ‬
‫من النساء بلعب دور المهمش‪ ،‬ما جعلها بعيدة عن بؤرة السرد‬ ‫أي طرف نسوي هي‪ ،‬فمسافة اقترابها من "س"‬ ‫نظرها‪ ،‬ومع ّ‬
‫تلق االهتمام والتحديق الالزم كما جرى مع‬ ‫وتموضعه‪ ،‬فلم َ‬ ‫تعاطف و ٍ‬
‫انحياز‬ ‫ٍ‬ ‫وتسليط عدسة السارد نحوها كشف عن‬
‫نظيرتها "س"‪ ،‬إذ العمل الروائي خلق سردي يخضع إلى‬ ‫واضحين نحو "س" الشخصية‪ ،‬ما حدا بالروائية إلى تنكير‬
‫توجهات الكاتب وتوجهاته التي يكشف عنها أحياناً حين ينحاز‬ ‫البطلة وتظليل اسمها من خالل تقديمها عبر رمز ال اسم‪ ،‬في‬
‫لشخصية لها موقف ايديولوجي قريب لموقفه‪.‬‬ ‫الوقت الذي ُمنحت فيه المرأة والممثلة لنموذج المرأة الحبيسة‬
‫ثانيا‪ :‬أسهمت الميتارواية في تسليط الضوء على الكاتبة‬ ‫والمقيدة اسماً صريحاً هو "أم ابراهيم"‪ ،‬غير أن قُرب المؤلفة من‬
‫كما هم أبطال الرواية‪ ،‬فقد كان الكتّاب عادة يقبعون خلف‬ ‫"س"كشف عن انحيازها الموقفي معها‪ ،‬وتبنيها لها جعلها رديفاً‬
‫النص بشخوصه‬ ‫النصوص ويغيبون عن المشهد نتيجة طغيان ّ‬ ‫لها ال شكالً يتناقض معها‪ ،‬ومما يبرر قولنا هذا هنا هو تبادل‬
‫ومكانه وأحداثه‪ ،....‬لقد نقلت الزعبي معاناتها وتصورها من‬ ‫"س" والروائية الزعبي مهمة المضي بالسرد واالطالع به‪ ،‬فتنقل‬
‫النص الذي وجدت فيه نفسها واألخريات‪ ،‬وتريد أن تكتبه وتعبر‬ ‫الروائية تارة بصوتها وتارة بصوت راويها العليم الذي يسرد عن‬
‫عنه‪ ،‬فتنقل وتصوغ من جديد واقعاً يحيط فيه النص خياالً‬ ‫"س" أو بصوت "س" ذاتها‪.‬‬
‫وحقيقةً‪ ،‬فهي ترفض واقع التسيد الذكوري المدعي وتؤكد‬ ‫في الرواية لم تكن مهمة الميتاسرد محصورة في مفتتح‬
‫بحضورها النصي هناأن المجتمع المتأدب نقيض لمجتمع‬ ‫السرد‪ ،‬بل دخل الميتاسرد إلى باطن النص وشكل تقطيعاً أراح‬
‫صوري ثقيل شبهته الروائية‬ ‫التقييد واالنقياد القابع تحت ميراث ُ‬ ‫بصر القارئ وذهنه‪ ،‬ونقله إلى الخارج حيث الروائية القلقة على‬ ‫َ‬
‫بالنص المغلق الذي يحاصر المرأة وال يحترم إنسانيتها‬ ‫"س"‪ ،‬فقد تكتفي الروائية أحياناً بقفل إحدى فقرات روايتها‬
‫وحريتها‪ ،‬إذ تقول "س" في حوارها مع صاحب المكتبة الشخص‬ ‫بصوت "س" أو بصوت الراوي العليم الذي ينقل باإلنابة عنها‬
‫الوحيد الذي استطاعت أن تدير معه حوارات طويل وتثرثر‪:‬‬ ‫وعن ٍ"س" لتدخل هي بعد انتقال حاد في الحوار يشبه النقل‬
‫"‪ ......‬أحيانا يبدو لي أننا أبطال في رواية‪ ،‬وأننا‬ ‫السينمائي الذي ينتقل من مكان إلى آخر‪ ،‬فهنا ينتقل حوار‬
‫محكومون بنص‪ ،‬يصعب علينا الخروج منه‪ ،‬سواء أكان هذا‬ ‫"أم ابراهيم" ليصبح حوارها مع الروائية في بيتها‬ ‫"س" مع ّ‬
‫النص واقعيا أم متخيالً" (الزعبي‪ ،‬مرجع سابق)‪.‬‬ ‫مباشرةً‪:‬‬
‫هنا تمارس المؤلفة "ميتا داخل الميتارواية" وهي التي كانت‬ ‫أأنا مفضوحة‪ ،‬أأنا مفضوحة؟‬
‫سبباً في قدوم األبطال إلى هذا النص الروائي‪ ،‬إذ تعي البطلة‬ ‫‪-‬لكنك أغلقت الباب في وجهها‪ ،‬ورفضت عرض الزواج‪،‬‬
‫أن ما هي به اآلن شبيه بالنص الروائي المستحكم والمقيد الذي‬ ‫ولن يجبرك أحد لقد انتهى األمر–أجيبها أنا‬

‫‪- 258 -‬‬


‫دراسات‪ ،‬العلوم اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬المجلّد ‪ ،44‬العدد ‪2017 ،4‬‬

‫النوم على أنه حالةٌ ال يريد النائم فيها أن‬ ‫يعرف فرويد ّ‬ ‫ّ‬ ‫تحكمه تقنيات سلطوية تتمثل بالكاتب والراوي العليم وفرضية‬
‫تكون له صلة البتة بالعالم الخارجي" (سيجموند‪ ،)1978 ،‬فهي‬ ‫السرد وحدوده الزمنية والمكانية‪ ،‬وهو ما تنكره الروائية وترى أن‬
‫تكرس من جانبها دوائر‬ ‫فضاء تخييلي نتيجة عوامل بيولوجية ّ‬ ‫"س" شخصية حقيقية بالنسبة لها ال تملك هي كامل السيطرة‬
‫اهتمام الفرد وقلقه ربما‪ ،‬أما في الشأن الفني فإن تقنية الحلم‬ ‫عليها‪ ،‬فهي تبحث عنها وتسأل عنها في كل يمكن أن تتواجد‬
‫تخص إحدى الشخصيات الرئيسة أو الثانوية‬ ‫ّ‬ ‫وباعتمادها تقنية‬ ‫تجدها فيها‬
‫فيه‪ ،‬وقد شرعت بكتابة رواية عن "س" آملة في أن َ‬
‫فإنها ومن الجانب الشكلي إحدى أبرز تقنيات األسلوب‬ ‫تصر على أنها ال تتحكم بمصير‬ ‫ّ‬ ‫وتلتقي معها‪ ،‬رغم أنها‬
‫االستبطاني المستخدم في رسم الشخصيات الروائية‪ ،‬فالحلم‬ ‫شخصياتها وال تعرف الدافع الحقيقي لالهتمام بهذه المرأة‬
‫يساعد على رسم مالمح الشخصية الروائية أمام القارئ من‬ ‫نصها‬
‫الغريبة وبكتابة نص روائي عنها‪ .‬تقول الروائية في ّ‬
‫حيث دواخل هذه الشخصية وجوا نياتها‪ ،‬وفي هذه الرواية‬ ‫الروائي‪:‬‬
‫ولكونها رواية تنتمي جندرياً للمرأة فإنها تعمد دائماً إلى كل ما‬ ‫"‪...‬مأساة "س" هي مأساتي أنا‪ .‬لماذا ؟ اسأل نفسي في‬
‫من شأنه أن يسهم في الكشف عن فضاء المرأة وعوالمها‬ ‫محاولة للفهم‪ :‬هل ألن ثمة حبالً سرياً يربط المؤلف‬
‫الخاصة‪ ،‬فالحلم في هذه الرواية جاء متوافقاً مع الواقع الكئيب‬ ‫ببطله‪........‬؟ أم ألن الكاتب ذاته هو جزء من سياق الواقع‬
‫الذي تعيشه "س"‪ ،‬فقد امتد الضيق والحبس والشعور باالغتراب‬ ‫الذي يحدث النص في فضائه‪.‬‬
‫إلى الفضاء الذي يصنعه الحلم‪ ،‬والذي من الممكن أن يكون‬ ‫‪ .................‬أثناء توارد هذه األفكار ال أكف عن‬
‫فضاء إيجابياً غير أنه ش ّكل امتداداً طبيعياً لذلك الواقع‬ ‫أنت يا "س"؟؟‪( .‬الزعبي‪ ،‬مرجع‬ ‫النظر إلى جانب الطريق‪ :‬أين ِ‬
‫ً‬
‫المخنوق الذي تعانيه "س"‪:‬‬ ‫سابق)‪.‬‬
‫الجو كئيباً‪-‬قالت‪" :‬س" ما إن فتحت عينيها‬ ‫" رباه كم كان ّ‬ ‫يالحظ أن اإلنتاج الروائي الجديد في الساحتين المحلية‬
‫صباحاً‪.‬‬ ‫والعربية بات يميل للذاتية ولخصوصية تلك الذات االجتماعية‬
‫في الحلم‪ ،‬كان الوقت يبدو كأنه مساء‪ .‬مساء رمادي كئيب‬ ‫الحقيقية (واقعية الواقع)‪ ،‬ويعمل على إيهام القارئ بالواقع؛‬
‫للغاية‪ ،‬وكان بارداً جداً‪ ،‬تلك البرودة الخريفية الجافة التي تجعل‬ ‫وكأن الرواية باتت اليوم تلعب دو اًر في تغيير المجتمع‪ ،‬وخير‬
‫المرء يرتجف‪ ،‬كأنما هذه البرودة ال تالمس جسده بل تالمس‬ ‫دليل على ذلك روايات أحالم مستغانمي وأثير النشمي‬
‫روحه‪.........‬نزلت من سيارة‪ ،‬وهي تعتقد أنها وصلت إلى‬ ‫وغيرهما‪.‬‬
‫البيت‪ -‬العمارة التي تسكن في إحدى شققها‪ -‬لكنها سرعان ما‬ ‫ثالثا‪ :‬لعبت الميتارواية دو اًر آخر على صعيد البنية السردية‪،‬‬
‫أدركت أن البيت ليس بيتها‪.....................‬ولقد جعلها‬ ‫تمثل في قطع السرد في أحايين كثيرة‪ ،‬وارجاعه إلى زمن الحكاية‬
‫اإلدراك تستيقظ من نومها كما لو أن الفكرة صعقتها‪.........‬‬ ‫وقصة التأليف‪ ،‬ما يريح القارئ من ثقل وجود الراوي ورتابة السرد‬
‫رباه كم كان الجو كئيبا – هتفت "س" بعد أن أفاقت وهي‬ ‫ذاته‪ ،‬ويكسبه مزيداً من التشويق بدالً من الملل الذي قد تجلبه‬
‫تنظر إلى السقف‪( "...‬الزعبي‪ ،‬مرجع سابق)‬ ‫قراءة رواية من نوع (روايات وجهة نظر)‪ ،‬فـ"س" الشخصية هي‬
‫تيار الوعي‪:‬‬ ‫ومركزه وتكاد تكون الشخصيات الثانوية األخرى‬ ‫ُ‬ ‫محور السرد‬
‫اعتمدت الزعبي في تكوينها للحبكة الرواية وبشكل كبير‬ ‫ووجهات نظرها مجرد لواحق ال أكثر‪ ،‬فالقطع الذي يسببه‬
‫على وعي شخصيتها البطلة "س" وكذلك على رؤيتها النفسية‬ ‫الميتارواية يجدد تدفق السرد‪ ،‬ويكثّر من األصوات السردية الفاعلة‬
‫الخاصة بها وبشكل االرتباط القسري مع محيطها الذي بدوره‬ ‫في النص الروائي‪ ،‬ويغلفها من جديد‪ ،‬ما يثير أسئلة عديدة لدى‬
‫أنشأ مع الزمان سلطةً رقابية متأتية من نهج متوارث وعرفي‬ ‫القارئ سوى الطرح الوحيد المتعلق بالشخصية "س"‪.‬‬
‫النقاد تيار الوعي بالوعاء الذي يختزن‬ ‫متكلّس‪ ،‬فقد وصف ّ‬ ‫" يضحكني أن بطلة روايتي تستعملني ذريعة للقاء صاحب‬
‫مواداً أولية‪ ،‬فيحاكي العالم الخارجي بانفصال عن العالم‬ ‫المكتبة يضحكني أن صاحب المكتبة يخفي عنها أنني جئت‬
‫الداخلي لشخصية من الشخصيات" (غنايم‪ )1993 ،‬فقد‬ ‫وسألت عنها ثانيةً‪..........‬‬
‫استفادت الزعبي من تمترس امرأتها في خندق الذات الذي‬ ‫حيها راودها‬
‫إذا هي اآلن عائدة من المكتبة‪.‬كلما اقتربت‪ ،‬من ّ‬
‫طالما تقوقعت فيه "س"‪ ،‬ال رغبة بعدم الخوض مع اآلخر الذي‬ ‫إحساس إنها تشارف على الوصول إلى الواقع كأنها راجعة من‬
‫كان قد أخذ وقتاً طويالً في التوصل لـ" ُكنه" المرأة فتأخر قدوم‬ ‫حلم‪("......‬الزعبي‪ ،‬مرجع سابق)‬
‫من يفهمها ويحيط بها‪ ،‬وانما بسبب االستثنائية التي تشكلها‬
‫"س" في طريقة تفكيرها واألسئلة التي تطرحها‪ ،‬فالبطلة هنا‬ ‫الحلم‪:‬‬ ‫تقنية‬

‫‪- 259 -‬‬


‫نزار قبيالت‬ ‫المرأة المتحررة والمرأة المقيدة‪...‬‬

‫نفسها وهي تستلقي في الفراش دافنة رأسها تحت الغطاء‪،‬‬ ‫مدرسة للبنات لها طريقة تفكير تختلف عن‬ ‫ٍ‬ ‫تعمل معلمةً في‬
‫مغمضة العينين‪ .‬ثم‪ ،‬وعلى نحو مفاجئ تفتح عينيها وتستند‬ ‫عال‪ ،‬فهي هنا تعيش حالة‬ ‫تفكير زميالتها‪ ،‬ولها حدود وسقف ٍ‬
‫جالسة في الفراش كما لو أنها تذكرت أم اًر خطي اًر‪ .‬تقول بصمت‬ ‫اغتراب أعمق ربما مما َرسمته الزعبي‪ ،‬فقد استطاع تتبعنا لتيار‬
‫مسموع‪ :‬يآه‪ ،‬كم أن ذلك مهين‪ .......‬أجل أفهم ذلك‪ ،‬فهو‬ ‫الوعي الخاص بالشخصية "س" أن يجلي لنا ويكشف عن‬
‫مهين حقاً! أقول لها‪ ،‬فترد بانفعال كأنها سمعتني‪ :‬ال‪"....‬‬ ‫وبناء عليه أظهرت تعامالت "س"‬ ‫ً‬ ‫ميولها للتيار العلماني‪،‬‬
‫(الزعبي‪ ،‬مرجع سابق)‬ ‫التالية غلواً أظهر استهتارها بالمعتقد السائد والثقافة الدينية التي‬
‫حر يسمح بقدر ال بأس به‬ ‫الدفق اللغوي الصادر عن وعي ّ‬ ‫تراها "س" غير حقيقية وجزء من الخرافة أو االسطورة‪ ،‬وهو ما‬
‫من حرية التعبير‪ ،‬ولو كان مدخل هذه القدرة في التعبير مجازياً‬ ‫يدلل على أن صورة المرأة–كما تراها الزعبي طبعاً‪ -‬وفق‬
‫فسبل الحوار والتحاور موصدة تماماً‪ ،‬بل‬‫حتى في النص ذاته‪ُ ،‬‬ ‫الشريعة اإلسالمية تناقض صورة "س" المرسومة هنا‪ ،‬وهي‬
‫منعدمة مع اآلخر‪ ،‬والتفاهم مع أبي علي وأبي إبراهيم الشيخ‬ ‫حملتها فهمها العلماني للحياة‪ ،‬وكانت ظلّها الفني في هذا‬ ‫التي ّ‬
‫والمشعوذ مستحيل وال أمل منه‪ ،‬ذلك ألنهم يرون في المرأة ‪-‬‬ ‫العالم الروائي‪:‬‬
‫وفقاً لتفسيرهم الديني‪-‬قصو اًر في الذهن والمقدرة على إنجاز‬ ‫قلت إن "س" أيضاً وقعت في مصيدة هذا السؤال‪ :‬في أي‬
‫األشياء‪ ،‬فقد تشاجرت معهما "س" وصفعت أحدهم‪ ،‬و ارحت‬ ‫زمن تعيش هذه المدينة؟ لكنها وقعت في مصيدته قبلي بزمن‬
‫معهم إلى أقصى حدود االختالف وهو التعارك حتى سمعهما‬ ‫طويل‪ :‬وهي ترى أبا إبراهيم يتحدث بالهاتف الخلوي بعد أن‬
‫الجيران‪ ،‬إذ وعي "س" واختالفها عن جاراتها وزميالتها جعلها‬ ‫ضرب ابنه ألن األخير زعم أن األرض كروية‪ ،‬وهي تشاهد‬
‫تهيم بعالمها الداخلي الذي انفصل عن اآلخر‪ ،‬وبفضل هذا‬ ‫زميالتها المعلمات يومياً في المدرسة يتبادلن القصص عن‬
‫توسع فضاء تفكيرها‪ ،‬وكذا ُجرأتها التي أعادتها لصاحب‬‫الوعي ّ‬ ‫الجن والخرافات‪ ،‬ثم يصعدن إلى الصفوف ليدرسن الفيزياء‬ ‫ّ‬
‫الحي بسالطينه‬
‫ّ‬ ‫المكتبة ومعه خلعت الحجاب والجلباب وخلعت‬ ‫والكيمياء‪".......‬‬
‫ونسائه البائسات‪.‬‬ ‫لقد كشف رصدنا لتيار وعي البطلة أن المؤلفة أرادت من‬
‫يد‬ ‫"كانت تضحك‪ .......‬في تلك اللحظة لم ِ‬
‫أدر أيضاً أي ّ‬ ‫إطالق عنان التفكير الحر والتداعي الذهني لبطلة روايتها أن‬
‫منهما عبثت بأزرار الجلباب‪......‬إذ ذاك ينحني الهواء ويتناول‬ ‫تقدم نموذجا إنسانياً يمثّل تيار العلمانية مقابل النظام الديني‬
‫القماش ويحمله‪ ،‬فتقول له ‪ -‬للهواء‪ -‬وهي تبكي‪:‬إنه ثقيل!‬ ‫سير أمور معتنقيه ويقيدهم‪ ،‬فقد ساهمت الميتارواية التي‬ ‫الذي ُي ّ‬
‫أخاف أن يعييك فتسكن عن الهبوب! فيجيبها الهواء‪ :‬ال عليك‪،‬‬ ‫من خاللها دخلت الروائية الزعبي أتون هذا العمل في أن يظهر‬
‫إنه مجرد قطعة قماش!‪( " ....‬الزعبي‪ ،‬مرجع سابق)‪.‬‬ ‫لنا وبوضوح انحيازها إلى "س" الشخصية الورقية األبرز‬
‫وفي حادثة أخرى تظهر انتفاضة "س" وغضبها من نظرة‬ ‫حضو اًر واألقرب إلى صوت الزعبي داخل الرواية‪ ،‬فقد كانت‬
‫ٍ‬
‫موظف يعمل‬ ‫المجتمع القاصرة للمرأة‪ ،‬فقد قدمت شكوى على‬ ‫تسلط ضوء عدستها عليها‪ ،‬وتقربها إلى بؤرة الحدث الروائي‬
‫كمحاسب في إحدى الدوائر الرسمية كان قد تمادى في تعامله‬ ‫وتهمش الشخصيات النسوية األخرى المرفوضة أصالً وغير‬ ‫ّ‬
‫معها ونعتها باألنثى استصغا اًر لها‪ ،‬وتشكلت المفارقة في هذه‬ ‫المقربة لديها‪ ،‬وربما في الخطاب الروائي هنا ما يؤسس لهذا‬ ‫ّ‬
‫الحادثة في أن الشكوى لم تؤخذ بعين االعتبار بعد أن بينت‬ ‫التيار ويدعم حضوره‪ ،‬إذ بات مزعجاً للجمهور بعمومه تَكفير‬
‫"س" أنها تشتكي من نعت الموظف لها باألنثى وليس نتيجة‬ ‫أحدهم أو اتهامهم بالزندقة في ظالل عصر حديث يتغنى كثي اًر‬
‫لرفع الموظف حذاءه أمام صورة جاللة الملك‪.‬‬ ‫عصر العلمانية فيه بانتشار وتزايد‬‫ٌ‬ ‫بحرية االعتقاد والتصرف‪،‬‬
‫"وسأله الكاتب‪ :‬ماذا فعل أيضاً‪ :‬لقد رفع حذاءه معطياً‬ ‫فالنية المغيبة لهذه الرواية‬
‫نتيجة تشدد الطرف اآلخر وتزمته‪ّ ،‬‬
‫أسفل الحذاء لصورة جاللة الملك‪ :‬الصورة التي كانت معلقة‬ ‫تريد أن تجلي الصراع المحتدم بين التيارين‪.‬‬
‫على الحائط خلفه! لو كان يحترم جاللته ما فعل‪ .....‬كانت‬ ‫فعندما شكل الحلم نافذة تهرب منها "س" وتتخلّص بهمن‬
‫"س" تنظر إلى مرافقها وتستمع إليه بدهشة بالغة‪ .‬هذا الموقف‬ ‫قيود فرضتها عليها بهتاناً سلطةٌ غير شرعية ناتجة عن تراكم‬
‫ستضحك عليه طويال في المستقبل"(الزعبي‪ ،‬مرجع سابق)‬ ‫ثقافي عسير وثقيل‪ ،‬جاء تيار الوعي ليشكل بدوره فرصة أخرى‬
‫انسجام النص الروائي‪:‬‬ ‫منها تطل "س" على ذاتها وعلى المؤلفة (الزعبي) فتحاورها‬
‫االنسجام بطبيعته ذو داللة تجريدية تظهر من خالل‬ ‫بعفوية وتسلسل مريح‪:‬‬
‫وتصورات تعكسها الكلمات والجمل أيضاً‪ ،‬غير أنها‬‫ّ‬ ‫عالقات‬ ‫"العالم في الخارج يحتقرني‪ .‬وأنا أيضاً أحتقره! هو يحتقرني‬
‫ويوصفها" (بحيري‪ ،)1997 ،‬وهنا‬ ‫تحتاج إلى من يستخرجها ُ‬ ‫علناً‪ ،‬بثقة وهمجية وبدائية‪ ،‬وأنا أحتقره بصمت! تقول "س" في‬

‫‪- 260 -‬‬


‫دراسات‪ ،‬العلوم اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬المجلّد ‪ ،44‬العدد ‪2017 ،4‬‬

‫التأويل‪ ،‬على اعتبار أن أي نص يرتبط بالضرورة بظروف‬ ‫يلزم الباحث أن يعتني بالمستوى العمودي للنص‪ ،‬ذلك أن‬
‫خارجية تسهم بدورها في إنتاجه‪ ،‬ففي إطاللة على ما أنجزته‬ ‫الوصف الذي سيقوم به لن يأخذ في عين االعتبار الروابط‬
‫الروائية الزعبي نلحظ أن للروائية موقفاً أيديولوجيا بائناً ال‬ ‫سيتأسس عمله على‬‫ّ‬ ‫المتتالية للجمل ومدى اتساقها معاً‪ ،‬بل‬
‫تخفيه‪ ،‬فقد كانت في رواياتها السابقة (الزعبي‪)2004،2010 ،‬‬ ‫النص باعتباره كالً منسجماً (فضل‪ ،)1992 ،‬لينظر في‬
‫تعمل على إبراز صورة المرأة المتمثلة في شخصيات البطولة‬ ‫السياق والمعرفة الخلفية‪ ،‬فضالً عن العالقات الداللية في‬
‫وجهت مضامين خطابها‬ ‫كـ‪ :‬ليلى ولودميال ومريم و"س"‪.....‬فقد ّ‬ ‫النص‪ ،‬فعلى محلل الخطاب " أن يأخذ بعين االعتبار السياق‬ ‫ّ‬
‫الروائي صوب حقوق المرأة واالنفتاح وقضية غشاء البكارة‬ ‫الذي ورد فيه مقطع ما من الخطاب" (براون ويول‪،)1997 ،‬‬
‫الحجاب و‪ ،......‬ففي رواية ليلى والثلج ولودميال‬ ‫والشرف و ِ‬ ‫وفي هذه الرواية ال يغنينا النظر في مدى االتساق الحاصل بين‬
‫راحت الروائية تقارن بين ليلى األردنية الريفية القادمة من‬ ‫للنص من خالل وسائل لغوية تربط‬ ‫ّ‬ ‫المفردات والجمل المشكلة‬
‫مجتم ٍع محافظ‪ ،‬وبين لودميال الفتاة الروسية المنفلتة من كل قيد‬ ‫بين تلكم العناصر المشكلة له‪ ،‬بل يلزمنا أن نستعين بكل ما‬
‫حد‪ ،‬وشددت الزعبي على حقوق الفتاة القروية السيما حق‬ ‫أو ّ‬ ‫ِمن شأنه أن يوصلنا إلى االطمئنان لمدى انسجام الخطاب في‬
‫التعبير عن الرأي والحرية في السفر والتعلّم كما في روايتها‬ ‫هذه الرواية وتواصله مع المعطى االجتماعي واستجابته له ثم‬
‫سقف من طين‪ ،‬فقد كانت هذه النظرة مجرد تحليل عابر أو‬ ‫نموذجا المرأة المقدمان هنا‪ :‬المرأة المقيدة والمرأة‬ ‫توظيفه‪ ،‬فَ ُ‬
‫فكرة يصل إليها المتتبع للمنجز الروائي لكفى الزعبي‪ ،‬بحيث‬ ‫المتحررة ألزما الروائية على السير في مسارين مختلفين‪ ،‬ما‬
‫الفني الذي‬‫كانت الشخصيات األنثوية هناك بمثابة وكيلها ّ‬ ‫جعلها تَستَعين بشكل تجريبي مغاير‪ ،‬بل وبكل ما من شأنه أن‬
‫تحمله رأيها ووجهة نظرها‪ ،‬فمن "سقف من طين" إلى "س" ما‬ ‫ّ‬ ‫يبتعد عن الطرح الكالسيكي لوجهة النظر‪ ،‬فعلى العالقات‬
‫النص‬ ‫ّ‬ ‫إذ‬ ‫عبي‪،‬‬ ‫الز‬ ‫منه‬ ‫تصدر‬ ‫الذي‬ ‫السياق‬ ‫خصائص‬ ‫يؤكد‬ ‫النص الروائي أن تُثبت أن مكونات‬ ‫الداللية التي تربط أجزاء ّ‬
‫المنصة األولى التي انطلقت منها‬ ‫ّ‬ ‫األول "سقف من طين"‬ ‫العمل الروائي منسجمةٌ‪ ،‬وال تتنافى مع سياقها المحيط وغرضها‬
‫الزعبي وعليه أمكن قراءة وتأويل ما تبعه من نصوص‪ ،‬فمعرفة‬ ‫النصية‪ ،‬وذلك ليألفها القارئ الذي سيجد مايصله بين‬ ‫ّ‬ ‫ودالالتها‬
‫الزعبي للعالم برزت أولى معالم هويتها في النص األول الذي‬ ‫ما يق أر وبين ما َيشهَد عليه هو في الواقع‪ ،‬فقد "تعمل العالقات‬
‫بناء عليه سيسهّل التأويل أو ما يسميه بعض النقاد بالتأويل‬ ‫ً‬ ‫الداللية على تنظيم وترتيب األحداث واألعمال داخل بنية هذا‬
‫المحلي أو التشابه؛ "حيث النصوص األخيرة تكون عادة غير‬ ‫تثبت المؤدى الخطابي‪،‬‬ ‫النص‪ /‬الخطاب" (خطابي‪ .)2009 ،‬ف ّ‬
‫منغلقة على ذاتها بل هي تمدد نابع من النص األول"‬ ‫وتم ّكنه من خالل ما تحيل إليه داخليا وخارجياً‪.‬‬
‫(خطابي‪ ،‬مرجع سابق)‪ ،‬فقد تفاقمت تلكم النظرة وأُكدت تبعاً‬ ‫ومن صنوف هذه العالقات التي تربط أجزاء النص ربطاً‬
‫لمبدأ التشابه ذلك السيما حين أدخلت الزعبي نفسها لعبة‬ ‫داللياً‪ :‬اإلجمال والتفصيل‪ ،‬والعموم والخصوص‪ ،‬والبيان‬
‫الرواية متخذة تقنية الميتارواية وسيلتها التي بها وقفت ودون‬ ‫فعاالً في تأويل وفهم‬ ‫والتفسير‪ ،‬في حين "يلعب السياق دو اًر ّ‬
‫حياد مع بطلتها "س"‪ ،‬فانحازت لها من دون سائر الشخصيات‬ ‫وتفسير النص‪ /‬الخطاب‪ ،‬فهو يتشكل من المتكلم والمستمع‬
‫األنثوية التي تعيب عليها الزعبي كما يظهر انقيادها للرجل‬ ‫والزمان والمكان" (براون ويول‪ ،)1997 ،‬وفضالً عن اعتمادنا‬
‫وتزمتها الديني‪:‬‬
‫واستسالمها‪ ،‬وتعيب عليها أيضاً بساطتها ّ‬ ‫للعالقات الداللية والسياق كأداتين بارزتين أسهمتا في انسجام‬
‫"مأساة "س" هي مأساتي أيضاُ‬ ‫النص في رواية "س" سننظر في مفهوم التغريض بوصفه هو‬
‫لماذا! أسأل نفسي في محاولة للفهم‪ :‬هل ألن حبالً سرياً‬ ‫اآلخر أحد أدوات االنسجام النصي أيضاً‪ ،‬علماً بأن أدوات‬
‫يربط المؤلف ببطله ومن غير الممكن أن ينقطع هذا الحبل إال‬ ‫النقاد متنوعة وغير محددة‪ ،‬ومن‬ ‫االنسجام النصي التي يتوخاها ّ‬
‫بالوالدة؟ أم ألن الكاتب ذاته هو جزء من سياق الواقع الذي‬ ‫بين هاته األدوات التي ال يتسع المدار البحثي هنا الوقوف‬
‫يحدث النص في فضائه‪( ".‬الزعبي‪ ،‬مرجع سابق)‪.‬‬ ‫عندها‪ :‬ترتيب الخطاب والتأويل المحلي (براون ويول‪:)1997‬‬
‫هنا يط ّل القارئ على الشخصية الفنية "س" وعلى الروائية‬ ‫‪-‬السياق‪:‬‬
‫التبصر في السياق الذي أنتجت‬‫ّ‬ ‫الزعبي في آن معاً‪ ،‬ليشرع في‬ ‫المقامية غير‬
‫ّ‬ ‫ستكمن مقاربتنا للسياق هنا في الحالة‬
‫نصي يكشف للقارئ‬ ‫فيه الزعبي روايتها‪ ،‬وذلك من خالل مؤشر ّ‬ ‫ص ومالبساته‬‫اللغوية‪ ،‬أي ذلك السياق الذي ُيعنى "بظروف الن ّ‬
‫بجالء موقف الروائية الرافض لسطوة التيار الديني المحافظ‬ ‫الخارجية تلك التي تشمل على الطبقات المقامية المختلفة‬
‫على حياة امرأة مسالمة ووحيدة تريد أن تعيش بكامل إرادتها‬ ‫والمتباينة التي ُينجز ضمنها النص" (مباركي‪ ،‬مرجع سابق)‪ ،‬إذ‬
‫ورغبتها‪ ،‬ففي تالفيف الرواية ما يشهد على الروائية ويبرز‬ ‫ال يمكن لمحلل النص‪ /‬الخطاب أن يتجاوز السياق عند‬

‫‪- 261 -‬‬


‫نزار قبيالت‬ ‫المرأة المتحررة والمرأة المقيدة‪...‬‬

‫العنوان صراحةً (س)‪ ،‬وأخذت العتبات النصية األخرى تؤكد‬ ‫امتعاضها من سياق الواقع ذلك الذي تعيشه ليس فقط "س" بل‬
‫تصوير‬
‫ًا‬ ‫مقاصد الرواية وتشير إليها‪ ،‬فسيمياء الغالف حمل‬ ‫بأنه يعيش حالة انفصام بين‬ ‫المجتمع الذي تصفه الزعبي ّ‬
‫واضحاً غير موارب المرأة حبيسة خلف قضبان‪ ،‬أمامها قارورة‬ ‫الماضي والحاضر‪ ،‬وبين التراث والحداثة واألصالة والمعاصرة‪،‬‬
‫وكأس مترعة‪ ،‬ما ينقل تصو اًر واضحاً عن الداللة المركزية‬ ‫نفسه على واقع الرواية وواقع المجتمع‬ ‫إنه سياق واقع يفرض َ‬
‫تهيئة القارئ لحدث دخول‬ ‫للنص ويرشد القارئ إليها‪ ،‬فقد تمت ّ‬ ‫الذي تعيش فيه‪ ،‬واقع بائس ألهب حماستها مجدداً‪ ،‬فدخلت‬
‫امرأة محجبة محل بيع الخمور حيث شاهدها صاحب المكتبة‬ ‫الزعبي وكما أسلفنا لعبة الرواية وراحت تستند على زمن حكائي‬
‫الذي ارتبط معها في عالقة عاطفية الحقاً‪ ،‬ومع الروائية‬ ‫معاصر فبدت حادةَ في نقدها للمجتمع‪ ،‬إذ لم تقف عند مجتمع‬
‫الزعبي التي راحت تبحث عنها بعد تلك الحادثة‪.‬‬ ‫الرواية‪ :‬الحي وأبو ابراهيم وأم قاسم وأشقاء "س" بل نقدت‬
‫ويبدر هنا سؤال جراء التزام الزعبي بطرحها المضموني‬ ‫المجتمع الخارج‪ -‬نصي‪ ،‬فعابت عليه هذه الحالة من الرجوع‬
‫الموحد في مجمل أعمالها الروائية فالتزامها هذا يشير إلى‬ ‫في زمن النهوض العلمي والفكري‪:‬‬
‫موقفَها السياسي ومرجعيتها الثقافية ونظرتها الخاصة للمجتمع‪،‬‬ ‫"‪....‬نصبت خيمةٌ كبيرة مستطيلة الشكل‪....،‬تملؤها كراس‬‫ُ‬
‫التقيد في خلق حالة‬ ‫سؤا ٌل تعلّق مباشرة بمدى فاعلية هذا ّ‬ ‫بالستيكية‪.....‬لكنها ذكرتني بالصحراء ومضارب البدو ومعارك‬
‫قراء الزعبي‪ ،‬أم أن له مردوده العكسي فيؤخذ‬ ‫استحسان عند ّ‬ ‫الغزو‪ ،‬وقد كانت نصبت إلى جانب فيال‪....‬السؤال المثير‬
‫عليها‪ ،‬فقد تُوصف كما وصفت هي ذاتها شريحة مجتمعية ما‬ ‫للدهشة‪:...‬ترى إلى أي زمن ينتمي هذا المكان؟ في أي عصر‬
‫بأنها مقيدة ومتشددة‪ ،‬إذ الرواية النسوية المعاصرة اليوم العب‬ ‫يعيش؟ (الزعبي‪ ،‬مرجع سابق)‪.‬‬
‫جريء يرصد التحوالت الحادة التي يشهدها اإلنسان العربي‬ ‫النصية التي تحيل للسياق الخارجي‬ ‫ّ‬ ‫القرائن أو المؤشرات‬
‫نتيجة االحتدام الفكري الحاصل بين طرفي نقيض‪.‬‬ ‫الواقع فعالً يمكن اعتبارها مفاتيح تشكل منارةً للقارئ‪ ،‬فتضيء‬
‫العالقات الداللية‪:‬‬ ‫له الطرق الدالة على السياق الذي حدا بالروائية ألن تكتب‬
‫هي تلك العالقات التي تصل بين أجزاء النص‪ ،‬فتربط‬ ‫وتستمر في طقس كتابي يطغى عليه الموقف األيديولوجي‪،‬‬
‫الوقائع واألحداث ربطاً داللياً ال يتوسل الوسائل اللغوية البائنة‬ ‫وهو ما يجعل القارئ يستدل دون عناء على السياقات في‬
‫في الخط األفقي للسرد كالربط المعجمي والنحوي‪ ،....‬إذ الربط‬ ‫الزمان والمكان الخارجيين‪ ،‬فتحيط القارئ بالبيئة التي تعيشها‬
‫المكون‬
‫ّ‬ ‫الداللي وفق صنوفه التي ذكرناها آنفاً يؤدي إلى التحام‬ ‫"س" وتعكسها الزعبي ليدرك مقصد الروائية وأزمة بطلتها‪.‬‬
‫الروائي‪ ،‬ويصله منطقياً مع ما سيؤول إليه‪ ،‬فتكون عالقة‬
‫النص والمنصوص عليه عالقة سليمة تخدم بمنطقية المقصد‬ ‫التغريض‬
‫تغياه الناص‪ ،‬ففي رواية "س" جاء اإلجمال في عتبة‬ ‫الذي ّ‬ ‫ِ‬
‫توقعات‬ ‫من شأن عنوان الرواية وجملة البداية أن يثي ار‬
‫العنوان (س)‪ ،‬وكمن التفصيل في المتن الذي اعتمد على‬ ‫عد "براون ويول"‬ ‫يتضمنه النص‪ ،‬لذا ّ‬
‫ّ‬ ‫القارئ حول ما يمكن أن‬
‫الروائية كشخصية فنية حضرت السرد وكان لها دورها في‬ ‫ان أقوى وسيلة من وسائل التغريض (براون ويول‪ ،‬مرجع‬ ‫العنو َ‬
‫الرواية‪ ،‬وعلى البطلة التي ترّبعت على منصة العنوان‪،‬‬ ‫سابق)‪ ،‬فهو بمثابة الالفتة األبرز واألهم في عملية التأويل‪،‬‬
‫جل مفاصل السرد الروائي‪،‬‬ ‫واستحوذت في ذات الوقت على ّ‬ ‫فتكاد تنحصر الداللة العامة للنصوص األدبية في العنوان‬
‫يخصها فقد ُسلّط الضوء عليها وخبا عن غيرها‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ومألته بكل ما‬ ‫وجمل االبتداء‪ ،‬إذ مجمل عناوين الروايات (الزعبي‪ ،‬مرجع‬
‫فكان اإلجمال في مفردة"س"؛ "س" العنوان و"س" البطلة‪،‬‬ ‫سابق) التي أنتجتها الزعبي تحمل صراحةً غرضاً أنثوياً‪ ،‬أو‬
‫ات‪،‬‬‫واستقر التفصيل في المتن الذي فصل حالها وأشار إليها مر ٍ‬ ‫تحتل أزمة المرأة في المجتمع العربي مركزية عملها الروائي‬
‫ّ‬
‫ومر بكل تفاصيل حياتها‪ ،‬فقد حدد الغاية من تنكيرها‬ ‫فأبانها ّ‬ ‫وضعها اليائس وتظهرها وهي تعاني من‬ ‫َ‬ ‫وبؤرته‪ ،‬فتُجلي للقارئ‬
‫بتسلسل انطلق من العنوان ثم االستهالل ثم المتواليات الحدثية‬ ‫قسوة السلطة الذكورية وجورها سواء أكان من قبل األب أم األخ‬
‫التي انصبت على البحث عن "س" والكشف عن جوانب عديدة‬ ‫نقاد (خطابي‪ ،‬مرجع سابق) أنه‬ ‫ٌ‬ ‫أو الصديق‪ ،....‬ويرى‬
‫من معاناتها مع المجتمع الذي تعيش فيه‪:‬‬ ‫وباإلضافة للعنوان وبداية القول فإن تكرار اسم الشخصية‬
‫"ال أتخيل "س" وهي تهرب من النص‪ ،‬تمشي – كما فكرت‬ ‫واستعمال الضمير المحيل إليه بشكل الفت في النص‪/‬الرواية‪،‬‬
‫هي‪ -‬بحذر في المساحة البيضاء بين السطور‪ ،‬بل اتخيلها‬ ‫طريقة من طرق التغريض المؤدية إلى انسجام النص وترابط‬
‫تقفز بخفة من حجر إلى حجر‪.......‬‬ ‫مفاهيمه ومقاصده المرتبطة بمحيطها‪.‬‬
‫سر سعادتي‪ ،‬فأجيبه‪:‬‬ ‫فيسألني زوجي عن ّ‬ ‫وح ِّمل في‬
‫فقد طغى اسم الشخصية الرئيسة على الرواية ُ‬

‫‪- 262 -‬‬


‫دراسات‪ ،‬العلوم اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬المجلّد ‪ ،44‬العدد ‪2017 ،4‬‬

‫النص الروائي منسجماً في مؤدياته ومقاصده‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫لقد جاء‬ ‫لقد عثرت على عنوان لروايتي‪( ".....‬الزعبي‪ ،‬مرجع‬
‫عالقاته الداللية متضافرة ومتآخية فكل ما ستتوصل إليه‬ ‫سابق)‪.‬‬
‫العمليات الذهنية التي سيبذلها القارئ واضح ال يحتاج إلى‬ ‫إذا فـ"س" مجرد عنوان أو كائن بشري مثّل الجانب المخالف‬
‫العناء وال يعتريه التشتت‪ ،‬فستنال رواية "س" استحسان القارئ‬ ‫والجديد من صورة المرأة العصرية‪ ،‬في حين راحت بقية النسوة‬
‫الذي استفاد من التزام الروائية الزعبي بالتقييدات الثقافية‬ ‫في الرواية تمثل الهامشيات اللواتي تحمل أسماؤهن دالالت‬
‫وطريقة عرضها أدبياً لها من خالل منتج أدبي متماسك‬ ‫مجتمع‬
‫ٍ‬ ‫عبرن عن‬ ‫السذاجة الشعبية وشكل األسرة المترهلة‪ ،‬فقد ّ‬
‫ويحاكي ويصيغ الواقع بفنية سيكون لها وقعها وأثرها‪.‬‬ ‫المرأةُ فيه ليست سوى ّأم أو زوجة مطيعة أو رّبة بيت ‪ :‬كأم‬
‫إبراهيم وأم قاسم‪ ،‬فرغم تنكير اسم الشخصية الرئيسة وصعودها‬
‫الخاتمة‬ ‫لمنصة العنوان إال أنها قدمت ما عليها في مسألة انسجام‬
‫أنجزت الرواية العربية المعاصرة اليوم صورةًمستحدثةللمرأة‬ ‫النص‪ ،‬فالعنوان "عادة يتوالد ويتنامى ويعيد إنتاج نفسه"‬
‫العربية‪ ،‬صورة تع ُكس باختزال مشهد الصراع األيدلوجي القائم‬ ‫(مفتاح‪ ،)1990 ،‬وهنا رفع العنوان سقف توقعات القارئ منذ‬
‫بين التشدد من جهة‪ ،‬وبين التحرر والعلمانية من جهة أخرى‪،‬‬ ‫أن صادفت الروائية الشخصية البطلة في محل بيع الخمور‪ ،‬ما‬
‫ذلك بعد أن تخلّصت الرواية العربية المعاصرة من كل الصور‬ ‫جعل عملية الكشف عنها فو اًر وبهذه السهولة مسألة ال تصب‬
‫التقليدية والنمطية للمرأة العربية‪ ،‬إذ مازالت الرواية العربية غير‬ ‫في مصلحة أحد بل تعلي من ل ّذة التلقي لديه‪ ،‬على أنه قد‬
‫قادرة تماماً على التخلص من شرطها المجتمعي ودورها في‬ ‫يؤخذ على الزعبي في عدم تحديد هوية "س" على أنه استجابة‬
‫التطهير والتّوصيف‪ ،‬فمالبثت تستجيب وتتعاطى مع محيطها‬ ‫لمبدأ التخوف من المجتمع وانسجاماً مع شرطه‪ ،‬وفضح أمر‬
‫بكل سياقاته‪ ،‬فتقع كل مرة في براثنه وتفاصيله‪ ،‬فرصدت‬ ‫هذه المرأة‪ ،‬كما أن "س" ذاتها ال تعرف اسم صاحب المكتبة وال‬
‫تحوالت المجتمع العربي القابع بين تيارين عالميين يزحفان‬ ‫وسئلت عن اسمها فإنها لن‬ ‫صاحب الخمارة‪ ،‬وأنه لو حدث ُ‬
‫بشراسة على البنية المجتمعية العربية ويتنازعانها‪ ،‬فالرواية‬ ‫تكشف عنه صراحةً‪ ،‬فمنذ ولوجنا الرواية ومنذ عتبتها األولى‬
‫العربية الناجحة تلك التي ملكت شهرةً ورواجاً في السوق وفازت‬ ‫(العنوان) ونحن نبحث عن من هي "س"ما زاد الفضول شيئاً‬
‫في جوائز مهمة كجائزة البوكر العربية‪ ،‬هي الرواية التي‬ ‫التعرف إليها‪ ،‬فقد اعتمد في توظيف عالقة اإلجمال‬ ‫فشيئاً بغية ّ‬
‫نجحت في توصيف المشهد العربي الحديث بإنسانه ومكانه‬ ‫والتفصيل (القرعان‪ )1994 ،‬هنا على طرفين‪ :‬األول هو‬
‫وتحوالته‪ ،‬وعاينت بدقة أزمته في ٍ‬
‫فلك تتناهشه التيارات الفكرية‬ ‫العنوان والثاني هو المتن‪ ،‬الذي راح يكشف باستبطان وتصريح‬
‫والسلطات السيادية‪ ،‬ومن هذه األمثلة رواية المبخوت "الطلياني"‬ ‫في بعض األحايين عن مالمح هذه المرأة الحدث وفرادتها‪ ،‬فقد‬
‫ورواية أحمد السعداوي "فرانكشتاين في بغداد‪.‬‬ ‫كان العنوان مجمالً والمتن تفصيالً‪.‬‬
‫تخلصت الروائية كفى الزعبي في روايتها هذه من‬ ‫لقد ّ‬ ‫وقد يأتي اإلجمال في كلمة حملت دالالت عديدة واشارة‬
‫النماذج التقليدية التي تظهرها في ثوب الفضيلة والرذيلة وتارةً‬ ‫وفسرتها‬
‫إلى شخوص في الرواية‪ ،‬مثل كلمة "غبار" التي ّبينتها ّ‬
‫تظهرها مناضلة ومثقفة أو هامشية مسلوبة‪....‬فاختزلت بدقة‬ ‫الروائية الحقاً عبر صوت راويها العليم هذه المرة‪:‬‬
‫كل هاتيك الصور واستطاعت في آن أن تقف عند تداعيات‬ ‫"عندما دخلت البيت‪ ،‬واجهتها النافذة المفتوحة واألشياء‬
‫الندية بين طرفي الصراع‪ ،‬فقد وقف البحث عند ما أسماه‬ ‫هذه ّ‬ ‫المغمورة بالغبار‪("......،‬الزعبي‪ ،‬مرجع سابق)‪.‬‬
‫وبين أبرز التقنيات الروائية المستخدمة‬
‫أبعاد الرواية التفاعلية‪ّ ،‬‬ ‫إذ الغبار الذي أخذت "س" تمسحه في بيتها ال يعني فقط‬
‫التي ال يمكن أن تكون تقانات خاصة بالسردي النسوي‪ ،‬كما‬ ‫الحي البائس بضجيجه ونزاعاته‬ ‫ّ‬ ‫الغبار الترابي‪ ،‬بل هو‬
‫أنها ال يمكن أن تكون تقانات ذكورية فيصبح من العار أن‬ ‫وصراخه وزوامير سياراته والشيخ محمود الذي استطاع التأكد‬
‫يتكئ عليها الرجل؛ إذ ليس هناك على سبيل المثال ملعقة ذكر‬ ‫من أنها في البيت فذهب إليها ظاناً أنه بزيارته هذه والسؤال‬
‫وأخرى أنثى‪ ،‬فج ّل التقانات الروائية هي رهينة اللعبة الروائية‬ ‫عما جرى معها مع الموظف‪ /‬المحاسب في المحكمة يجلي‬
‫وحسب‪.‬‬ ‫عنها غبار شعورها بالوحدة‪ ،‬فيفتح معها موضوع طلب الزواج‬
‫في الجزء األخير عمد الباحث إلى فحص انسجام النص‬ ‫منها‪ ،‬فقد قال لها‪:‬‬
‫الروائي من خالل أدواته بغية التأكد من مدى نجاحه في تحقيق‬ ‫"أنت مخطئة‪ ،‬مخطئة جداً‪ ،‬ليس بوسع المرأة أن تبقى‬
‫جالء في الخطاب ينال‬ ‫ٌ‬ ‫ذلك االنسجام الذي ينتج عنه عادةً‬ ‫وحيدة وتتحمل مسؤولية نفسها‪ ،‬هذا مذكور في الدين‪"...‬‬
‫النصي‬ ‫استحسان القارئ عند التلقي فقد كانت أدوات االنسجام ّ‬ ‫(الزعبي‪ ،‬مرجع سابق)‬

‫‪- 263 -‬‬


‫نزار قبيالت‬ ‫المرأة المتحررة والمرأة المقيدة‪...‬‬

‫حد ما قضية االختالف الثقافي والتراثي‬ ‫مستبعداً والى ٍ‬ ‫صيغت بدقة لتجلي الغبار عن الصورة الجديدة التي‬ ‫متضافرة؛ ِ‬
‫والمكاني‪.‬‬ ‫حملت في إطارها نموذجين أنثويين يمثالن الصراع الجدلي‬
‫يظهر الخطاب الروائي تساؤالت بديهية وحقوقية في آن‬ ‫القائم‪ .‬أما "س" العنوان والتسآل فقد ظلّت مجهولةً بالنسبة‬
‫معاً‪ ،‬تساؤالت يغيبها المجتمع المحكوم بسلطة يسيء‬ ‫للمؤلفة‪ ،‬غريبةً بالنسبة لمجتمعها وزميالتها‪ ،‬وحيدةً مع ذاتها‬
‫المشرعون الجدد‪ ،‬فمن أهم النتائج التي‬
‫استخدامها المفسرون و ّ‬ ‫ومنطقها‪ .‬فقد صاغ حضورها الحيزي في الرواية الجد َل‬
‫تبنى فكرة عقلنة الفضاء التعايشي القائم‬
‫خلص إليها البحث ّأنه ّ‬ ‫الذكوري األنثوي في مجتمعاتنا من جديد‪ ،‬وهو ما نجحت‬
‫السلمية والحرّية من خالل رفض التقييد الديني‬ ‫ّ‬ ‫بيننا‪ ،‬وطلب‬ ‫الروائية فيه حين طرقت قضية المرأة باتّساع أحاط بمشكلة‬
‫الحدية في محاورة اآلخر والشحن‬ ‫ّ‬ ‫المتزمت من خالل تجاوز‬
‫ّ‬ ‫التوظيف الديني‪ ،‬فتجاوزت الصراع االعتيادي الذي تتبناه‬
‫ضده لصالح التحوط على بؤر الخالف وتجاوزها بما يفيد‬ ‫تبدل‬
‫الرواية العربية عادةً أال وهو ثنائية الشرق والغرب فقد ّ‬
‫الغلو والتكفير واالنفالت بال قيد‪.‬‬
‫مستقبالً يخلو من ّ‬ ‫الصراع اليوم وانعطف ألنه انحنىباتجاه الديني والالديني‬

‫السعافين‪ ،‬إ‪ .)1987( ،‬تطور الرواية العربية الحديثة في بالد الشام‪.‬‬ ‫المصادر والمراجع‬
‫‪ .1967-1870‬ط‪ .2‬بيروت‪ :‬دار المناهل للطباعة والنشر‬
‫والتوزيع‪.‬‬ ‫_________‪ .)1984( .‬دراسة في أدب نوال السعداوي في ضوء‬
‫السعداوي‪ ،‬ن‪ .)2006( .‬توأم السلطة والجنس‪ .‬القاهرة‪ :‬مكتبة‬ ‫التحليل النفسي‪ .‬ط‪.1‬بيروت‪ :‬المؤسسة العربية للدراسات والنشر‪.‬‬
‫مدبولي‪ .‬ط‪2‬‬ ‫أبو النجا‪ ،‬ش‪ .)1998( .‬عاطفة االختالف‪ :‬قراءة في كتابات‬
‫سيجموند‪ ،‬ف‪ .)1978( .‬محاضرات تمهيدية بالتحليل النفسي‪ .‬ت‪:‬‬ ‫نسوية‪ .‬ط‪ ،1‬القاهرة‪ :‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪.‬‬
‫أحمد عزت راجح‪ ،‬مكتبة االنجلو المصرية‪ ،‬ط‪.3‬‬ ‫األعرجي‪ ،‬ن‪ .)1997( .‬صوت األنثى‪ :‬دراسات في الكتابة النسوية‬
‫سيزا‪ ،‬ق‪ .)1985( .‬بناء الرواية‪ .‬دار التنوير للطباعة والنشر‪-‬‬ ‫العربية‪ .‬سوريا‪ :‬األهالي‪ .‬ط‪.1‬‬
‫بيروت‪.‬‬ ‫أمين‪ ،‬ق‪ .)1941( .‬تحرير المرأة‪ .‬القاهرة‪ -‬رو از اليوسف‪ .‬ط‪.1‬‬
‫طرابيشي‪ ،‬ج‪ .)1978( .‬األدب من الداخل‪ .‬بيروت‪ :‬دار الطليعة‪.‬‬ ‫باختين‪ ،‬م‪ .)1982( .‬الملحمة والرواية‪ .‬ترجمة وتقديم‪ :‬جمال شحيد‪.‬‬
‫الغذامي‪ ،‬ع‪ .)1997( .‬المرأة واللغة‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ :‬الدار‬ ‫بيروت‪ :‬كتاب الفكر العربي‪.‬‬
‫البيضاء‪ .‬ط‪.1‬‬ ‫بحيري‪ ،‬س‪ .)1997( .‬علم لغة النص‪ -‬المفاهيم واالتجاهات‪.‬‬
‫غنايم‪ ،‬م‪ .)1993( .‬تيار الوعي في الرواية العربية الحديثة‪ ،‬دراسة‬ ‫الشركة المصرية العالمية للنشر‪ .‬لونجمان‪.‬‬
‫أسلوبية‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الهدى‪ :‬القاهرة‪ ،‬ط‪.2‬‬ ‫براون‪ ،‬ب‪ .)1997( .‬تحليل الخطاب‪ .‬ت‪ :‬محمد لطفي الزليطي‬
‫فضل‪ ،‬ص‪ .)1992( .‬بالغة الخطاب وعلم النص‪ .‬سلسلة‬ ‫ومنير التريكي‪.‬‬
‫إصدارات عالم المعرفة‪ .‬المجلس الوطني للثقافة والفنون‬ ‫جامبل‪ ،‬س‪ .)2002( .‬النسوية وما بعد النسوية‪.‬ترجمة‪:.‬أحمد‬
‫واآلداب‪ -‬الكويت‪.‬‬ ‫الشامي‪.‬مصر‪ :‬المشروع القومي للترجمة‪.‬المجلس األعلى للثقافة‪.‬‬
‫القرعان‪ ،‬ف‪ .)1994( .‬اإلجمال والتفصيل في القرآن الكريم‪-‬دراسة‬ ‫خطابي‪ ،‬م‪ .)2009( .‬لسانيات النص‪ .‬ص‪ 165 :‬وينظر‪ :‬أحمد‬
‫تحليلة‪ -‬مجلة أبحاث اليرموك‪ ،‬سلسلة اآلداب واللغويات‪ .‬مج‬ ‫مداس‪ :‬لسانيات النص نحو منهج لتحليل الخطاب الشعري‪ .‬عالم‬
‫‪،12‬ع‪.1‬‬ ‫الكتب الحديث‪ -‬األردن‪.‬‬
‫القرمية" رواية‪ ،‬منشورات أمانة عمان الكبرى‪.1999 ،‬‬‫ّ‬ ‫خالق‪ ،‬ب‪ .)1981( .‬نشأة الرواية العربية بين النقد واأليديولوجيا‪.‬‬
‫القلماوي‪ ،‬س‪ .)1947( .‬وقفة خالدة‪ .‬الكاتب المصري ‪ -‬القاهرة‬ ‫الرواية العربية‪ :‬واقع وآفاق‪ .‬أعمال ملتقى الرواية العربية الحديثة‬
‫مباركي‪ ،‬ج‪ .‬التناص وجمالياته في الشعر الجزائري المعاصر‪،‬‬ ‫بالمغرب‪ .‬بيروت‪ :‬دار ابن رشد للطباعة والنشر‪.‬‬
‫إصدار رابطة إبداع الثقافة‪ ،‬بوحيدر – الجزائر‪ .‬د‪.‬ط‪.‬‬ ‫خليل‪ ،‬غ‪ .)2004( .‬صورة المرأة في الرواية النسوية في بالد‬
‫مفتاح‪ ،‬م‪ .)1990( .‬دينامية النص‪ :‬تنظير وانجاز‪ ،‬المركز الثقافي‬ ‫الشام‪ .)2000-1951(.‬رسالة جامعية ماجستير‪ .‬الجامعة‬
‫العربي‪-‬الدار البيضاء‪.‬ط‪.2‬‬ ‫األردنية‪ .‬آب‪.2004 .‬‬
‫من الروايات الصادرة لكفى الزعبي‪ :‬ليلى والثلج ولودميال والصادرة‬ ‫رامان‪ ،‬س‪ .)1992( .‬النقد النسوي‪ .‬ترجمة‪ :‬سعيد الغانمي‪.‬مجلة‬
‫عن دار التكوين دمشق في طبعتين ‪ 2004‬والثانية في عام‬ ‫اآلداب األجنبية‪ ،‬بغداد‪ .‬ع (‪ )1‬ص‪ 48 :‬وينظر رضا الظاهر‪.‬‬
‫‪ .2010‬ورواية سقف من طين الصادرة عن اتحاد الكتاب‬ ‫(‪ .)2002‬غرفة فرجينيا وولف‪ :‬دراسة في كتابة النساء‪ .‬دمشق‪:‬‬
‫العرب‪-‬دمشق ‪ .2000‬ورواية ابن الحرام الصادرة عن دار‬ ‫دار المدى‪ .‬ط‪.1‬‬
‫عد للبيت يا خليل‪.‬‬‫التكوين للنشر والتوزيع وصدر لها بالروسية ّ‬ ‫رواية "س" كفى الزعبي‪ .)2014( .‬دمشق‪ :‬دار التكوين‪ .‬ط‪.1‬‬
‫مناصرة‪ ،‬ح‪ .)2008( .‬النسوية في الثقافة واإلبداع‪ .‬إربد‪ ،‬األردن‪:‬‬ ‫الريحاني‪ ،‬أ‪ .)1948( .‬خارج الحريم‪.‬ط‪.2‬بيروت‪ :‬مطابع صادر‬
‫عالم الكتاب الحديث للنشر‪.‬‬ ‫ريحاني‪.‬‬
‫الموسوي‪ ،‬م‪ .)1988( .‬رواية النص‪ :‬خطاباً نقدياً في الكتابة العربية‬

‫‪- 264 -‬‬


2017 ،4 ‫ العدد‬،44 ‫ المجلّد‬،‫ العلوم اإلنسانية واالجتماعية‬،‫دراسات‬

‫ الميتاروائي في الخطاب الروائي الجديد في‬.)1993( .‫ س‬،‫يقطين‬ .‫ السنة الثالثة والعشرون‬،5 ‫ ع‬،‫ مجلة األقالم العراقية‬.‫المعاصرة‬
.‫ فبراير‬1 71-70 ‫ مجلة مواقف العدد‬.‫المغرب‬ .‫القاهرة‬.1‫ ط‬.‫ صورة المرأة في الرواية المعاصرة‬.)1973( .‫ ط‬،‫وادي‬
.‫مركز كتب الشرق األوسط‬

Liberal Women and Women Restricted in the Contemporary Arab Novel


The Novel "Q" By the Novelist Kafi Zoubi is a Model

Nizar Qbeilat*

ABSTRACT

The study aims to explore the image of woman in modern Arab novels. The woman has become part of the
conflict between different intellectual views especially the religious radicalism and secularism.
Arab novels reflect this conflict through representing the woman in different contradictory images as a
lover, struggler or a whore. The study investigate the feminine writing via studying the novel of Kafa for
anonymous person. The novel is analyzed in details in this paper highlighting its narrative techniques,
cohesion and theme.

Keywords: Feminist Writing, Womens Image, Text Harmony.

________________________________________________
* Department of Arabic Language, Faculty of Arts, University of Jordan، Jordan. Received on 23/01/2016 and Accepted for
Publication on 05/04/2016.

- 265 -

Powered by TCPDF (www.tcpdf.org)

You might also like