You are on page 1of 124

‫التحوالت الجمالية في القص النسوي‬

‫قصص سناء شعالن القصيرة أنموذجا‬

‫المملكة األردنية الهاشمية‬

‫رقم اإلبداع لدى المكتبة الوطنيّة‬

‫(‪)2021/5/2773‬‬

‫إلياس‪ ،‬جاسم خلف‬

‫التحوالت الجمالية في القص النسوي‪ :‬قصص سناء شعالن القصصية انموذجا‪/‬‬


‫جاسم خلف إلياس‪ -‬عمان‪ :‬دار غيداء للنشر والتوزيع ‪2021‬‬

‫( ) ص‪.‬‬

‫ر‪ .‬أ‪)2021/5/2773( :‬‬


‫جميع الحقوق محفوظة‬

‫‪ISBN 978-9957-96-946-2‬‬

‫دار غيداء للنشر والتوزيع‬


‫عمان‪ -‬االردن‬
‫التحوالت الجمالية في القص النسوي‬
‫قصص سناء شعالن القصيرة‬
‫أنموذجا‬

‫الدكتور‬
‫جاسم خلف الياس‬

‫الطبعة األولى‬
‫‪2022‬‬
‫الفهرس‬

‫‪7‬‬ ‫أوالً‪ :‬تقديم‬


‫‪11‬‬ ‫ثانياً‪ :‬مدخل‬
‫الفصل األول‬
‫‪19‬‬ ‫القص النسوي‬
‫ّ‬ ‫تحوالت‬
‫‪24‬‬ ‫التعالق االجتماعي النصي‬
‫الفصل الثاني‬
‫‪37‬‬ ‫الواقعية السحرية وتحوالت‬
‫القص‬
‫‪41‬‬ ‫آليات اشتغال الواقعية السحرية‬
‫‪44‬‬ ‫العجائبي ومرتكزات التحول‬
‫‪65‬‬ ‫الغرائبي واالنفتاح على التشكيل‬
‫‪76‬‬ ‫األسطوري والمؤسطر‬
‫الفصل الثالث‬
‫‪93‬‬ ‫التحوالت النوعية في القص‬
‫‪94‬‬ ‫المتوالية القصصية والتحوالت‬
‫‪109‬‬ ‫المتوالية الفرعية والوعي‬
‫المغاير‬
‫‪119‬‬ ‫المصادر والمراجع‬

‫‪5‬‬
‫تقديم‬
‫قبل البدء بكتابة هذا الكتاب‪ ،‬كنت أتابع عن كثب التحوالت‬
‫الجمالية في القصة القصيرة‪ ،‬والسعي إلى اإلجابة على التساؤالت التي‬
‫تتعلق بمغامرة تحوالت القص ‪ -‬القصير تحديدا ‪ -‬وكشف شعريته‪،‬‬
‫ووحدات اشتغاله‪ ،‬وآليات قراءته‪ ،‬وتأثيره الجمالي في أنموذجات‬
‫مسوغ اختياري‬
‫ّ‬ ‫مختارة من المشهد القصصي العربي‪ ،‬وقد تر ّكز‬
‫لألنموذجات في تمظهر التحوالت بانحرافات حادة‪ ،‬بعيدا عن‬
‫التوجهات المألوفة في كتابة القصة القصيرة‪ ،‬على الرغم من عدم‬
‫التفريط بطبيعة النوع األدبي الذي تنتمي إليه‪ .‬ولكي ينحاز الكتاب إلى‬
‫قدر من التكثيف في هذا االشتغال النقدي في القص‪ ،‬فقد سعينا إلى‬
‫تحديد الدراسة في السرديات النسوية‪ ،‬واقتصرناها على التحوالت في‬
‫قصص سناء شعالن القصيرة‪ ،‬بوصفها أنموذجا فاعال في كتابة القصة‬
‫القصيرة النسوية‪.‬‬
‫وتوخينا عدم الوقوع في مزالق المنهجية الجاهزة‪ ،‬فعمدنا إلى‬
‫االبتعاد عن أية إسقاطات تخص تلك المنهجية‪ ،‬لنتخلص من أسر‬
‫النماذج قيد القراءة في زنزانة الحكم‪ ،‬أو المصادرة المسبقة آلراء‬

‫‪6‬‬
‫القراء في التحققات النصية‪ ،‬وانجازاتها الجمالية‪ ،‬ونتيجة لوفرة‬
‫اإلشكاليات في القراءات التي تتناول التحوالت‪ ،‬فقد تطلبت القراءة‬
‫أكبر قدر ممكن من التساؤالت‪ ،‬التي تعالقت مع التساؤالت التي‬
‫تمظهرت في القص كغيره من األنواع األدبية والفنية‪ ،‬التساؤالت‬
‫المتعلقة بأسباب الكتابة‪ ،‬والتمركز في القلق الوجودي النابع من الحيرة‬
‫التي تحشر القاصة بين الشك واليقين أزاء الكون‪ ،‬الحيرة التي تفتك‬
‫ّ‬
‫وتشظيها‪ ،‬كي تلملم أشالءها وتعيدها ثانية في الخلق‬ ‫بالذات القاصة‬
‫النصي؛ لتعبّر تلك الذات عن انكساراتها وانتصاراتها‪ ،‬عن مسراتها‬
‫وأوجاعها ‪ ...‬وغيرها من اإلحساسات‪.‬‬
‫لقد أفدنا من المناهج النقدية التي تؤكد على النص والقارئ‪ ،‬كما أفدنا‬
‫من علم اجتماع النص‪ ،‬الذي عمد إلى إبراز المستويات النصية‬
‫المتعددة‪ ،‬ال سيما التداخل اللساني مع االجتماعي‪ ،‬من حيث تناول‬
‫الداخل النصي‪ ،‬وانفتاحه على الخارج النصي‪ .‬وهذا ما دعانا إلى تبني‬
‫استراتيجية التضافر المنهجي القائم على تحليل وحدات القص‪،‬‬
‫واستثمار المقارنات‪ ،‬واستحضار الدالالت‪ ،‬وتفعيل منطقة التأويل‪،‬‬
‫وتشريح جسد النص‪ ،‬وكشف عالقاته الداخلية‪ ،‬وإضاءة عتماته‪،‬‬
‫وانزياحاته النوعية‪ ،‬وكل هذا تحقق في صياغة نقدية ألزمتنا بها طبيعة‬
‫التحوالت وخصوصيتها‪ ،‬لنتفاعل مع االنفتاح النصي‪ ،‬والدينامية‬
‫النصية التي خلخلت أفق القارئ‪ ،‬فضال عن خياراتنا النقدية التي تمثل‬
‫توجهنا في تقانات التشكيل القصصي التي تقود إلى التحوالت دائما‪.‬‬
‫ومن أبرز المسوغات التي دعتنا إلى اختيار قصص سناء شعالن‬
‫هي‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬اإلسهام في كشف وتقديم وإبراز فاعلية المنتج القصصي عند‬
‫القاصة‪ ،‬وولوعها بالتجريب والتغريب والتعجيب‪ ،‬والتشويش على‬
‫الذهنيات المطمئنة‪ .‬فالكتابات السردية النسوية في الوطن العربي بشكل‬

‫‪7‬‬
‫عام‪ ،‬تجربة جادة وراسخة‪ ،‬إذ أسهمت الكاتبة في هذا المجال بشكل‬
‫واضح‪ ،‬ومنحت كل طاقتها وما تملك من اشتغاالت‪ ،‬كي تقدم صورتها‬
‫التي تليق بها وهي تقدم عطاء ال يقل عن عطاء الرجل في هذا الميدان‪،‬‬
‫ويبدو أن السرد (الحكاية ‪ ،‬الرواية ‪ ،‬القصة القصيرة) ليس بغريب‬
‫على المرأة‪ ،‬وهو الفن المالزم لها منذ شهرزاد وحتى الراهن المعيش‪.‬‬
‫وعلى الرغم من ظهور أسماء كاتبات متميزات في الوطن العربي في‬
‫مجال القصة القصيرة والرواية ‪ ،‬ودورهن في تنشيط هذه التحوالت‪،‬‬
‫إال أن لبعضهن خصوصية في اشتغال هذا النوع من االبداع ومنهن‬
‫القاصة سناء شعالن‪ ،‬التي تداخل في عالمها القصصي الواقع بالحلم‪،‬‬
‫األحاسيس المرهفة بالحرمان والشوق‪ ،‬األسرار المتوارية بالضجيج‬
‫والعطش‪ ،‬فكلما توغلنا في هذا العالم‪ ،‬وجدنا كونا إبداعيا متفردا في‬
‫معرفة أدق أخبار المرأة وأسرارها واختالفها الروحي والجسدي عن‬
‫عالم الرجل الشائك العنيف‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬توجهات الباحث ورؤيته وتذوقه المغاير في القراءات‪ ،‬وال سيما‬
‫قراءة القص المختلف‪ ،‬إذ ارتبطت هذه القراءة بفضاء المتن ودوره في‬
‫تحوالت القص‪ ،‬ورؤية القاصة إلى الوجود‪ ،‬مع يقيننا بأن أية قراءة من‬
‫النادر أن تنجو من الفخاخ التي ينصبها النص في طريق الناقد؛ لذا‬
‫وهروبا من هذه الفخاخ‪ ،‬اختارت القراءة طرقا أًخر للتمرد على شروط‬
‫المناهج الصارمة التي تقيّد االنزياح إلى القيم الجمالية التي تؤسس‬
‫انوجادها في التغاير واالختالف‪ ،‬استجابة للتحرر من هيمنة سلطة‬
‫الشكل العتيق‪ ،‬وسلطة الخطاب المركزي‪ ،‬وانحراف التساؤالت النقدية‬
‫تبعا النحراف الكتابة عن الثوابت القارة‪ ،‬والدخول في المغامرات‬
‫اللغوية بوصفها أبرز وجوه التشكيل والتدليل‪.‬‬
‫ولتكن في هذه المقدمة مساحة من الصراحة – من المؤكد ال‬
‫أنفرد بها وحدي – تتعلق بالقلق الذي تر ّ‬
‫شح عن المغامرة النقدية في‬

‫‪8‬‬
‫تقصيها لتحوالت القص عند سناء شعالن‪ ،‬فهذا القلق المشروع‬
‫والمبرر هو أشد وأفظع مما تشظى في فصول الكتاب‪ ،‬إذ يبقى التجاوز‬
‫من جهة وطموحي بتقديم ما هو فاعل في المشهد النقدي من جهة‬
‫أخرى‪ ،‬ما يغريني في الكتابة المشروطة بالوعي‪.‬‬
‫ومن هللا التوفيق‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫مدخل‬
‫نسعى في هذا المدخل إلى االبتعاد عن تكرار واجترار‬
‫الطروحات النقدية التي أثارت اشكالية مصطلح األدب النسوي بدءا من‬
‫فرجيينا وولف وكتابها (غرفة فرجينيا وولف) الصادر عام ‪،1928‬‬
‫وسيمون دي بوفوار وكتابها الشهير(الجنس الثاني) الصادر عام‬
‫‪ ،1948‬وجوليا كريستيفا وكتابها (النقد األدبي النسوي) عام ‪،1986‬‬
‫وسارة جامبل وكنابها (النسوية وما بعد النسوية) وألين شوالنر وكتابها‬
‫(أدب خاص بهن) الصادر عام ‪ ،1977‬وإلى جانبهن هيلين سيكسوس‪،‬‬

‫‪10‬‬
‫لوس أريجاري‪ ،‬توريل موي‪ ،‬كاتي ميللت‪ ،‬ماري ايجلتون‪ ...‬وغيرهن‪.‬‬
‫فضال عن تجاوز الطروحات النقدية العربية التي تناولت المصطلح‬
‫ذاته‪ ،‬على سبيل المثال ال الحصر‪ ،‬حفناوي بعلي وكتابه (مدخل في‬
‫نظرية النقد النسوي وما بعد النسوية) بسام قطوس وكتابه (المدخل الى‬
‫مناهج النقد المعاصر) األخضر بن السايح وكتابه (حركية السرد‬
‫األنثوي) ومحمد معتصم وكنابه ( المرآة‪ )...‬حسين المناصرة وكتابه‬
‫(النسوية في الثقافة واإلبداع) ميجان الرويلي وسعد البازعي في‬
‫كتابهما ( دليل الناقد األدبي)‪ ،‬وعبدهللا الغذامي وفاطمة المرنيسي‪،‬‬
‫وجورج طرابيشي‪ ،‬ونوال السعداوي‪ ،‬وزهرة الجالصي‪ ،‬وزليخة أبو‬
‫ريشة‪ ،‬وبثينة شعبان‪ ،‬ونازك األعرجي وغيرهم‪ /‬غيرهن من النقاد‬
‫والناق دات الذين‪ /‬اللواتي تناولوا‪ /‬تناولن المصطلح في كتبهم‪ /‬كتبهن‬
‫النقدية‪.‬‬
‫وربما من األفضل – في هذا الكتاب تحديدا‪ -‬تجاوز ما تمت دراسته‬
‫في كثير من الدراسات التي أكدت على أن الكتابة األدبية التي تنتجها‬
‫المرأة ما زالت تثير عددا ً من اإلشكاليات‪ ،‬سواء على مستوى اللغة أو‬
‫المصطلح‪ ،‬أو الوجود على مستوى االعتراف بهذا األدب ابداعا ونقدا‬
‫؛ كونها كتابة لها جمالياتها ودالالتها المختلفة‪ ،‬فللمرأة وجود منماز‬
‫بطبعها وتكوينها المختلف عن الرجل‪ ،‬وهذا ينعكس على أدبها الذي‬
‫تنمظهر فيه هذه الطبائع والتكوينات وهي تقدم رؤية مغايرة وجديدة‬
‫للواقع‪ ،‬غير الرؤية التقليدية التي يقدمها اآلخر‪ ،‬إذ تعكس حساسية‬
‫أنثوية ت نطوي على تفرد في الرؤية والتجربة ووجهة النظر في كل ما‬
‫يشجع أو يسهل اللعب الحر بالمعاني ويمنع االنغالق على عالم األنثى‪.‬‬
‫وال بد من اإلشارة إلى أن الكتابة النسوية لم تعد مقتصرة على‬
‫المستوى الثيمي فحسب‪ ،‬وإنما تجاوزته إلى الجمالي أيضا‪ ،‬ففيما‬
‫يخص السرد سعت الروائية أو القاصة إلى تجاوز مكونات القص‬

‫‪11‬‬
‫التقليدي‪ ،‬ومغادرته عبر توظيف التقنيات التي تو ّسع متخيلها السردي‪،‬‬
‫للوصول إلى فضاء المغايرة الذي تليق بوجودها المتناغم والمنفتح على‬
‫عواطفها وانطباعاتها واحالمها‪ .‬من هنا تأثثت الكتابة النسوية بالجرأة‬
‫في مالمسة المسكوت عنه‪ ،‬واعتمدت تقنيات السرد الحديثة‪ ،‬مثل تيار‬
‫الوعي وتهشيم الخط الزمني‪ ،‬وتوظيف الغرائبي والعجائبي‪ ،‬انتهاك‬
‫الحكي التقليدي‪ ،‬وتفتيت المعنى‪ ،‬وفك التالزم بين عناصر السرد‪،‬‬
‫ونفي اإليهام وزعزعة طقوس القراءة ‪ ..‬وغيرها؛ إلعطاء الحراك‬
‫التعبيري تشكيال وتدليال قوة فاعلة في الحضور والتأثير‪.‬‬
‫إن الكتابة النسوية تمثل ذات المرأة ورؤيتها في التحرر‬
‫واالنعتاق من اإلرث األدبي واالجتماعي المتمركز حول الذكورة‪،‬‬
‫الذي يجعل المرأة تابعا له ال غير؛ لذلك اتجهت النظرة إلى تفكيك‬
‫التقابل بين رجل‪ /‬امرأة المرتبط بهما في الثقافة والمجتمع‪ ،‬ومناصرة‬
‫هوية المرأة والمطالبة بحقوقها اإلنسانية‪ ،‬وتقويض بنى الخطاب‬
‫الذكوري الذي يستلب إنسانيتها؛ لذلك سعت هذه الكتابة إلى تطوير‬
‫أشكال تعبيرية جديدة في األدب‪ ،‬تتطابق مع تجربة المرأة وخبراتها‬
‫ومعاناتها وشعورها وعالمها الخاص‪ ،‬فسعت إلى اإلجابة عن األسئلة‬
‫التي تؤرق ذات المرأة المبدعة فكرا ووجدانا‪ ،‬وهي تسعى إلى تجسيد‬
‫فعل اإلبداع وإنتاج خطابها الخاص بها‪ ،‬أسئلة تزاوج بين المسالة‬
‫الشعورية وما تطرحه من قضايا مجتمعية ذات صلة بعالم المرأة‪ ،‬إذ‬
‫تعكس تلك اإلجابة حساسية أنثوية تنطوي على تفرد في الرؤية‬
‫والتجربة‪ ،‬ال سيما اشتغالها في لغة الجسد والدالالت الحسية‪.‬‬
‫هناك مسألة أخرى يجب تجاوزها؛ لعدم االطمئنان إليها‪ ،‬وهي أن‬
‫المرأة عندما سعت إلى تجاوز ذلك الحيّز؛ لكي يعترف الرجل‬
‫بقدرتها على التعبير الفني عن دواخلها بما تجود بها قريحتها بشكل‬
‫شمولي‪ ،‬ظلت أسيرة نرجسية الرجل العالية عبر توصيفاتها المخاتلة‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫فمثلما تعد األنوثة منابع النص الذكوري في أغلب الثيمات المهيمنة‬
‫التي احتوتها جدلية الحضور ‪ /‬الغياب‪ ،‬فإن منابع النص األنثوي‬
‫ذكورية أيضا‪ ،‬فكالهما يعيش على هامش اآلخر‪ ،‬وكالهما يجعل اآلخر‬
‫ممكن الوجود‪ ،‬وكالهما يرتبط بشدة باآلخر‪ ،‬وكالهما يشترك في‬
‫الكتابات التي تبحث في األسئلة الكونية‪ ،‬واشكاليات تخص الوجود‬
‫وتتعداه إلى الميتافيزيقيا‪ ،‬ولكن بنسب متفاوتة‪ ،‬وذلك أمر طبيعي أيضا‪،‬‬
‫فالكتابة النسوية بهذا الكم والنوع لم تكن متوفرة بزخمها الحالي إال بعد‬
‫أن وجدت المرأة أن فاعليتها في الفضاء اإلنساني ال تقل عن فاعلية‬
‫الرجل‪ .‬فأخذت تكشف عن ذاتها عبر هويتها الثقافية‪.‬‬
‫وعبر اطالعنا على المجاميع القصصية للشعالن وجدنا أن‬
‫المتخيل القصصي كان له الدور الفاعل في هذا القص الحداثي‪ ،‬الذي‬
‫يتعالق مع الواقع اليومي أو الحضور المعيشي‪ ،‬فكالهما حينما يجتمعان‬
‫في بنية واحدة يبعثان على اإلقناع واإلمتاع للقارئ‪ ،‬إذ أننا ونحن نقرأ‬
‫السطور تتجلى أمامنا مجموعة من الرؤى التي تمنح القصص بريقها‪،‬‬
‫وتضيء أمام القارئ عتماتها النصية التي تبعث اإلمتاع لدى القارئ‬
‫عبر تعدد دالالتها‪.‬‬
‫إن اشكالية العالقة بين السرد القصصي والسيرة الذاتية من أهم‬
‫االشكاليات التي سعى النقد الحداثي إلى مقاربتها؛ وذلك لكثرة اللبس‬
‫والتماهي الذي يحصل بين المؤلف الحقيقي والسارد الذاتي‪ ،‬فضال عن‬
‫حضور معظم العناصر للسيرة الذاتية في النقد القصصي‪ ،‬فأغلب‬
‫القصاصين ال تنقصهم الجرأة في االعتراف الضمني أو الصريح لهذا‬
‫التداخل‪ ،‬فالقراءة النقدية على هذا األساس‪ ،‬تستوجب الحصول على‬
‫إشارة محددة تصلح ميثاقا بينها وبين الكاتب‪ ،‬وتبرز على نحو ما‬

‫‪13‬‬
‫حضورا سير ذاتيا في النقد القصصي(‪ . )1‬فأغلب القصص استوحتها‬
‫القاصة من حياتها الخاصة‪ ،‬ويمكن أن تكون عصارة تجربة عاشتها‬
‫هي بنفسها‪ ،‬فتأخذنا خواطرها‪ ،‬وتأسرنا وتشغلنا فترة من الزمن‪،‬‬
‫فتغوص في ال شعورنا ثم تعود الينا وامضة رائعة‪.‬‬
‫وإذا كان الحدث هو الوقائع النصية التي يقصها السارد وتستند‬
‫عليها القصة‪ ،‬ويكون لها أثر فعّال في مجريات السرد في القصة على‬
‫القارئ؛ لشد انتباهه عبر ترابط تفاصيلها منذ بداية القصة وحتى‬
‫نهايتها‪ ،‬ومبرر حدوث هذه الوقائع‪ ،‬فإنه – أي الحدث ‪ -‬في قصص‬
‫صن بذاته‪ ،‬بل يولّد أحداثا ترافقه‪ ،‬وتط ّور‬‫شعالن القصيرة ال يتح ّ‬
‫مجريات القصة‪ ،‬أو تحرفها‪ ،‬أو قد تطرأ عليه أحداث فرعية تعضّده‬
‫وتقويه وفق تقنيات السرد الفنية التي لجأت اليها القاصة ببراعة وفنية‬
‫ّ‬
‫عالية‪ .‬لهذا نرى قد تظهر في قصصها عدة أحداث ترافق الحدث‬
‫األساس‪ ،‬لكن يبقى هناك ترابطا وثيقا مع الحدث األساس الذي ال يخفت‬
‫نوره على القارئ عبر مجريات القص وتأثيره فيه‪.‬‬
‫أما لغة قصصها فيتداخل فيها حيزان‪ :‬حيز الشعر وحيز النثر‪،‬‬
‫ويتعالقان في فضاءات تلك القصص‪ ،‬فيعمالن على توسيع الوظائف‬
‫التي تتداخل فيها اشكاليات التجنيس واالنزياح النوعي لألجناس‪ ،‬فيغدو‬
‫النص القصصي جزءا من اشكالية تتعلق بمقوالت الكتابة بشكل عام‪.‬‬
‫وعلى الرغم من أن هناك من يأخذ على النص القصصي الذي يهتم‬
‫باللغة الشعرية مأخذا سلبيا‪ ،‬اال أن القاصة سناء شعالن استطاعت‬
‫توظيف هذه اللغة بشكل فاعل وجوهري في بناء قصصها القصيرة‪.‬‬
‫وبما ان اللغة الشعرية لها انزياحات كثيرة فان دالالتها تتعدد‬
‫حسب نوع القراءة‪ ،‬السيما عندما تتناول القاصة العوالم الكونية دون‬
‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬المغامرة الجمالية للنص القصصي‪ ،‬االستاذ الدكتور محمد صابر عبيد‪ ،‬عالم الكتب الحديث‪ ،‬أربد‪ .‬األردن‪/‬‬
‫‪.115 :2010‬‬

‫‪14‬‬
‫االبتعاد عن العوالم المحلية‪ ،‬إذ تسعى القاصة إلى تشتيت الخزين‬
‫الذاكراتي للوصول إلى ما تضمره االحداث‪ .‬فهي تمتلك لغة شاعرية‬
‫سلسة‪ ،‬وذات إيقاع داخلي‪ ،‬متمكنة من أدواتها البالغية‪ ،‬وقد وظفت‬
‫قدرتها الفنية على الخوض في الدراما من خالل السخرية والتهكم؛‬
‫لتجسيد جمالية طرح الرؤى الثقافية والفكرية عبر تجريد االنسان عن‬
‫أحالمه تحت وطأة القمع؛ ليعلو صوتها تعبيرا عن رفضها للواقع بكل‬
‫مكنوناته التعسفية والقهرية في مسيرة البحث عن ذاتها بعيدا عن القيود‬
‫االجتماعية والثقافية والسياسية‪ ،‬فهي تقدم واقعها الحياتي بلباس أدبي‪،‬‬
‫ولغة عالية على شكل صرخات مؤثرة في القارئ العربي‪.‬‬
‫وعلى هذا األساس فإن أغلب تعبيراتها انفعالية حادة تجاه ما‬
‫يحدث‪ ،‬وتجاه مفردات الواقع ومكوناته‪ ،‬عبر توصيف أثرها على‬
‫الذات‪ ،‬أي االثر العاطفي الجارح؛ مما ينتج تركيزا شعوريا وانفعاليا‬
‫يستدعي مشاعر عديدة بالنسبة للشخصية‪ ،‬وما يتعلق بالقارئ في آن‬
‫واحد‪ ،‬فأغلب شخوصها حزينة ويائسة وتعاني من أزمات فردية‪،‬‬
‫ويشاركها السارد انفعاالتها إلى حد اصطباغ بعضها بمالمحه‪ ،‬ويكون‬
‫ذلك مصحوبا بمشاعر الشفقة والعطف والغضب والجنون‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫الفصل األول‬
‫تحوالت القص النسوي‬

‫‪16‬‬
‫في ظل التحوالت النوعية وتداخالتها‪ ،‬تغيرت آليات اشتغال‬
‫القص بأنواعه المتعددة‪ ،‬ومنها القصة القصيرة‪ ,‬بوصفها نوعا أدبيا قلقا‬
‫في صيرورته التاريخية‪ ،‬إذ ارتهنت بتساؤالت التحول؛ لشدة لصوقها‬
‫بالحياة االجتماعية والمتغير اليومي من جهة(‪ ،)1‬وما تملك من ثراء‬
‫نوعي وأسلوبي‪ ،‬وما تتيح من مجال للـ(أنا) المفردة – تأليفا وبطولة –‬
‫من تعدد وتنوع وفرادة من جهة ثانية(‪ . )2‬وقد أثر على هذه التحوالت‬
‫بواعث عديدة‪:‬‬
‫خارجية‪ :‬تتعلق بالواقع‪ ،‬وما رافقه من تغيّرات اجتماعية وسياسية‬
‫وثقافية‪ ،‬فضال عن التأثر بالمسارات الجديدة في القص العربي‬
‫والعالمي‪ ،‬بدءا من القص الرمزي‪ ،‬مرورا بالوجودي والرواية الجديدة‬
‫وتيار الوعي‪ ،‬والواقعية السحرية‪ ،‬وصوال إلى ما عليه القص اليوم‪.‬‬
‫وداخلية‪ :‬تتعلق بذات القاصة‪ ،‬ورغبتها في الوصول إلى‬
‫متغيرات جديدة في القص‪ ،‬عبر تفاعل مكونات التحوالت‪ :‬تحوالت‬
‫أساليب القص وصيغه وأنماطه‪ ،‬وتحوالت التداخل النوعي‪ ،‬والعوم في‬
‫فضاء النوع‪ ،‬والتحول في النوع ذاته‪ .‬وال تحدث هذه التحوالت إال‬
‫بتظافر النزوع نحو التطور الداخلي وتحوالته من جهة‪ ،‬وعالقة السياق‬
‫الخارجي بالنوع الذي ينتمي إليه النص من جهة أخرى‪.‬‬
‫وقد أخذ المسار القصصي منذ النصف الثاني من القرن العشرين‪،‬‬
‫يعلن عن نفسه في الواقع األدبي في لحظة انبهار كبرى‪ ،‬لخصتها‬

‫(‪ )1‬النص الرائي‪ /‬أسئلة القيمة وتقانات التشكيل‪ ،‬الدكتور محمد صابر عبيد‪ ،‬المؤسسة الحديثة للكتاب‪ ،‬طرابلس‪-‬‬
‫لبنان‪.181 :2014 ،‬‬

‫(‪ ) 2‬بنية الجملة االستهاللية في القصة القصيرة‪ ،‬ياسين النصير‪ ،‬مجلة االقالم‪ ،‬ع ‪.256 :12-11‬‬

‫‪17‬‬
‫كشوفات الكتابة الجديدة‪ ،‬وهي كشوفات اتخذت صيغة انحسار مباغت‬
‫لمد القص التقليدي‪ ،‬في مقابل نمو وتصاعد القص الحداثي‪،‬‬

‫وهذا التحول المباغت في عمر قصير لنوع أدبي مستحدث‪ ،‬اتخذ من‬
‫المكون التقني مدخال رئيسا إلعالن انخراط القصة القصيرة في‬
‫الكتابات الحداثية وما بعد الحداثية‪ ,‬فالمحفز الرئيس في السعي إلى‬
‫تجاوز النمطية المجترة في الكتابة القصصية هو دون أدنى شك رغبة‬
‫القاصة في الخروج على القوالب الجاهزة‪ ،‬واالنزياح عن المألوف‪،‬‬
‫ولهذا تو ّسلت القاصة بالعجائبي والشعري والتداخل االجناسي‪....‬‬
‫وغيرها للوصول إلى المتعة المغايرة‪ ،‬وتخييب أفق انتظار القارئ‪،‬‬
‫وعلى هذا األساس أصبح النص القصصي نصا إشكاليا‪ ،‬بدءا من‬
‫(الجملة) وانتهاء بـ(النص) ‪ ،‬فهل اكتفى هذا التوسل المشاكس‬
‫بمبررات االنزياح عن المعيار القصصي؟ وهل ما زال يبحث عن‬
‫ممكنات االنفالت؟ وهل تكمن حداثة القص في مجرد هدم اللغة‬
‫القصصية أو تفكيك المعيار أو نسف البناء القصصي للشخوص‬
‫وافراغها من عمقها السيكولوجي أو االجتماعي؟ وما هو دور القارئ‬
‫في تفعيل القراءة في مثل هذه األنموذجات من القصص؟ وما هي‬
‫رهانات الفعل القرائي المبدع؟ علما أن "فعل القراءة يؤثر ويستجيب‪،‬‬
‫وذلك باعتماد كل قارئ على منطقه وثقافته‪ ،‬وبالتالي حساسيته الفنية‬
‫الخاصة‪ ،‬فكل تعبير فني جديد ينتج – ال محالة – صيغة جديدة لرؤية‬
‫األشياء‪ ،‬لتستحيل القراءة إلى فعل إبداعي‪ ،‬يؤدي إلى تجاوز األجوبة‬
‫النمطية والجاهزة‪ ،‬ويعمل في اآلن نفسه على استحداث نموذج قراءة‬
‫من نوع جديد" (‪ . )1‬ونذكر في سبيل المثال ال الحصر كل من ‪ :‬لطفية‬
‫الدليمي‪ ،‬ميسلون هادي‪ ،‬ذكرى محمد نادر‪ ،‬لطيفة باقا‪ ،‬بديعة بن‬
‫مراح‪ ،‬سميحة خريس‪ ،‬سحر خليفة‪ ،‬مسعودة بو بكر‪ ،‬ميساء باي‪ ،‬ليلى‬
‫عساف‪ ....‬وغيرهن كثير‪.‬‬

‫(‪ ) 1‬الحساسية الجديدة في الرواية العربية‪ ،‬روايات أدوار الخراط نموذجا‪ ،‬الدار العربية للعلوم ناشرون‪:2010 ،‬‬
‫‪.28‬‬

‫‪18‬‬
‫لقد أخذت تحوالت القص بنوعيه (الرواية والقصة القصيرة)‬
‫تتمظهر في الوجود الكتابي تبعا للتحوالت االجتماعية والثقافية‬
‫والسياسية واالقتصادية وغيرها‪ ،‬إال أن القصة القصيرة أقرب األنواع‬
‫األدبية إلى التحوالت‪ ،‬إذ أن " تقنيات القصة من أكثر‬

‫تقنيات الفنون األدبية استجابة للتنويع والتغيير والتجريب‪ ،‬بما يتالءم‬


‫من أبسط متغير يطرأ على أي حقل من حقول المعارف المجاورة وهي‬
‫تعمل ظهيرا مموال للعالم القصصي"(‪ )1‬فضال عن أنها أقرب إلى‬
‫تداخل األنواع؛ ألنها " استوعبت تبدل الوعي وامتصاص التيارات‬
‫واألساليب التي غمرت الساحة‪ ،‬وكان من نتيجة هذا كله‪ :‬أن تداخل‬
‫األنواع‪ ،‬الذي أصبح سمة مميزة ألنواع هذه الفترة‪ ،‬قد وجد تجليه‬
‫األول في القصة القصيرة"(‪ .)2‬وفي ضوء هذه التوصيفات‪ ،‬نهضت‬
‫أسئلة عديدة أمام دارس القصة القصيرة‪ ،‬تركزت في شكلها‪ ،‬وبنائها‪،‬‬
‫وأحداثها‪ ،‬وشخصياتها‪ ،‬وحبكتها‪ ،‬وحواراتها‪ ،‬وتحوالتها النوعية في‬
‫ضوء آليات القراءة والكيفية التي تم بموجبها قراءة النص‪.‬‬
‫إن إحساس بعض القاصات بوعي تجاربهم وتجارب غيرهن‬
‫القصصية‪ ،‬دفعهن نحو السعي إلى تجاوز التقليد الذي ن ّمط كتاباتهم‪،‬‬
‫والسعي وراء مبتكرات فنية‪ ،‬سواء أكانت تتعارض مع مكوناتها الفنية‪،‬‬
‫أو تتوافق معها بحدودها الدنيا‪ .‬فعملن على إزاحة االشتراطات الفنية‬
‫للقصة القصيرة الجاهزة‪ ،‬واتجهوا إلى التحوالت العميقة التي تنأى بها‬
‫عن مشهدها التقليدي‪ ،‬فشكلت المتغيرات الجمالية الحاضنة األولى‬
‫للحساسية الجديدة‪ ،‬التي اتجهت نحو كتابة عصر متغير باجتراح‬
‫جمالي متغير في اآلن نفسه‪ .‬وهذه الحساسية تعني "القدرة على‬
‫اإلحساس واالنفتاح غير العادي على االنطباعات الوجدانية واالستجابة‬
‫(‪ ) 1‬االستدالل باألسطورة‪ ،‬ميتافيزيقيا القص وتدمير الحكاية‪ ،‬د‪ .‬محمد صابر عبيد‪ ,‬مجلة األقالم العدد ‪.13 : 7-5‬‬
‫ينظر ‪ :‬الصوت والصدى‪ ،‬دراسات في القصة السورية الحديثة‪ ،‬رياض عصمت ‪.81 :‬‬

‫(‪ ) 2‬التطووور الفنووي لشووكل القصووة القصوويرة فووي األدب الشووامي الحووديث‪ ،‬سووورية – لبنووان – األردن – فلسووطين‪ ،‬د‪ .‬نعوويم‬
‫اليافي‪.25 :‬‬

‫‪19‬‬
‫وعرفها فاولر في كتابه (قاموس المصطلحات‬ ‫ّ‬ ‫للظواهر الجمالية"(‪.)1‬‬
‫النقدية الحديثة) بـ"مفهوم القدرات الذاتية الداخلية أو الوعي االنفعالي‬
‫والحساسية ليست مجرد استجابة شعورية أو رد فعل فردي يتفاوت من‬
‫شخص إلى آخر على الرغم من وجود تلك التفاوتات الذاتية داخل إطار‬
‫الحساسية الواحدة‪ ،‬ولكنها إطار معرفي وجمالي عام يشمل اإلبداع‬
‫وطرائق تلقيه‪ .‬ويمكن الحديث عن خصائصه المشتركة وارتبط هذا‬
‫المفهوم بالنزعة التي ترى أن اإلبداع األدبي عملية تسعى إلى تحقيق‬
‫استغراق المتلقي فيها ال استبعاده منها " (‪.)2‬‬
‫لقد فعّلت هذه التحوالت انتقال بؤرة التعبير من الصيغ النمطية‬
‫الثابتة‪ ،‬إلى الصيغ المغايرة‪ ،‬التي افترقت عن تماثالتها السياقية‬
‫التقليدية وترسباتها في ذهن القارئ‪ ،‬فلو تتبعنا تقانات االشتغال‬
‫القصصي‪ ،‬والمعطيات الجمالية التي رصدتها تطورات األشكال‬
‫الجديدة‪ ،‬لوجدنا أن هذه التحوالت قد لحقت بالبنيات واألساليب‬
‫والثيمات‪ .‬ولم تعد القصة القصيرة سلسلة من المشاهد الموصوفة‪ ,‬تنشأ‬
‫خاللها حالة مسببة تتطلب شخصية حاسمة‪ ،‬ذات صفة مسيطرة تحاول‬
‫أن تحل نوعا من المشكلة من خالل بعض األحداث التي تتعرض‬
‫لبعض العوائق والتصعيدات (العقدة) حتى تصل إلى نتيجة قرار تلك‬
‫الشخصية النهائي فيما يعرف بلحظة التنوير أو الحل‪ ،‬في أسلوب يمتاز‬
‫(‪)3‬‬
‫بالتركيز والتكثيف الداللي دون أن يكون للبعد الكمي فيها كبير شأن‬
‫؛ ألن من العسير" أن تنتاب الواقع تحوالت في بنيته األساسية دون أن‬
‫تتحول معها بنية الخطاب القصصي‪ ،‬كما انه من العسير كذلك أن نعثر‬
‫على تبدالت جوهرية في بنية الخطاب القصصي دون أن تكون تلك‬
‫التبدالت تعبيرا عن مجموعة من المتغيرات التي انتابت كثيرا من‬

‫(‪ (1‬القصةةة العربيةةة والحداثةةة‪ ،‬د‪ .‬صةةبر حةةافظ ‪ ،‬دار الشووؤون الثقافيووة العامووة‪ ،‬بغووداد ‪ ،‬الموسوووعة الصووغيرة (‪، )347‬‬
‫‪.46:.1990‬‬

‫(‪ (2‬المصدر نفسه‪. 47 :‬‬

‫(‪ ) 3‬ينظر‪ :‬فن القصة القصيرة وإشكالية البناء‪ ،‬أ‪.‬د خليل أبو ذياب‪ .‬انترنيت موقع القصة السورية‪،‬‬

‫‪http://www.syrianstory.com/comment.htm‬‬

‫‪20‬‬
‫الوحدات المشاركة في عملية إنتاج الخطاب األدبي عامة والخطاب‬
‫القصصي خاصة" (‪.)1‬‬
‫وعلى هذا األساس تغيرت تقاناتها القصصية‪ ،‬وظهرت تقنيات جديدة‪،‬‬
‫نتيجة التأثر بتطور تقنيات الرواية الجديدة‪ ،‬كما ظهرت أشكال تكاد‬
‫تكون عابرة لنوعها المتعارف عليه‪ ،‬بسبب التداخل أو التمرد النوعي‪،‬‬
‫وأصبح القاص يكتب بتقنية قصصية تعتمد على تكسير السرد‪ ،‬وتشظي‬
‫األحداث‪ ،‬والخروج على الرتابة القصصية بواسطة إدخال أساليب‬
‫مختلفة من إشكال متنوعة‪ ،‬فأصبحت نوعا من التغريب حسب‬
‫المصطلح الشكلي‪ ،‬أو شكال من التناص حسب مصطلحات علم النص‪،‬‬
‫أو اختالفا ونفيا للمركزية الفنية ‪ -‬متمثلة في النوع األدبي ‪ -‬حسب‬
‫مصطلحات التفكيك‪ ،‬أو إطارا يستكشف أفق التوقعات لدى القارئ‬
‫حسب مدارس التلقي (‪ .)2‬وتبعا لهذا االنفتاح ابتعدت القصة القصيرة‬
‫عن مسارها المحدد‪ ،‬وأخذت تقترب من القص بوصفه نوعا قصصيا‬
‫يتخذ من التالعب باألحداث والشخصيات والزمان والمكان‪ ،‬منطلقا‬
‫الرتياد أفق القص التج ريبي‪ .‬ومن القاصات التي تمردت على التقاليد‬
‫الثابتة للقصة القصيرة على سبيل المثال ال الحصر‪ :‬نهلة جمزاوي‪،‬‬
‫سناء شعالن‪ ،‬فاطمة بو زيان‪ ،‬رجاء الصانع‪ ،‬ميرال الطحاوي‪ ،‬الزهرة‬
‫رميج‪ ،‬هدى العطاس ‪ ....‬وغيرهن كثير‪ .‬ولو تفحصنا الببليوغرافيات‬
‫التي كتبت في نوع القصة القصيرة النسائية في أغلب أقطار الوطن‬
‫العربي‪ ،‬لوجدنا أن المبادرة إلى إثبات الذات‪ ،‬والحيازة على الهوية‬
‫األنثوية‪ ،‬والتصدي للتهميش واإلقصاء‪ ،‬وفضح المتناقضات‬
‫االجتماعية‪ ...‬وغيرها‪ ،‬تشكل القوة فاعلة والمتحكمة في القص‬

‫(‪ (1‬القصة العربية والحداثة ‪.6 :‬‬

‫(‪ ) 2‬السرد الروائي وتداخل األنواع‪ ،‬نماذج من الرواية المصرية المعاصرة‪ ،‬د إبراهيم الكرد ‪ :‬انترنيت ‪ .‬موقع أدباء‬
‫مصر‪. http://odabaamasr.blogspot.com///blog-post_.html ،‬‬

‫‪21‬‬
‫المغاير‪ ،‬عبر االشتغال التجريبي في كسر مألوفات القص شكال‬
‫ومضمونا‪.‬‬

‫التعالق االجتماعي‪ -‬النصي‬


‫من الثوابت التي أكدتها الدراسات النقدية التي تناولت عالقة‬
‫األدب بالمجتمع(‪ )1‬هي أن العالقة بين بنى األنواع األدبية وتحوالتها‪،‬‬
‫والبنى االجتماعية ومتغيراتها عالقة ترابطية‪ ،‬أي ال وجود لشكل أدبي‬
‫بمعزل عن تأثير بيئته االجتماعية‪ ،‬سواء أكان بصورة مباشرة أو غير‬
‫مباشرة‪ ،‬وهنا يصبح النوع األدبي تعبيرا شخصيا‪ ،‬يعمل على تحويل‬
‫الواقع المرئي (الواقع االجتماعي) إلى الواقع المتخيل (الواقع الفني)‬
‫ليحمل النوع األدبي طاقته باتجاه معاكس‪ ،‬إذ يحول الواقع المتخيل في‬
‫قوة مادية فاعلة إلى طاقة تغيير في الواقع المرئي‪ ،‬وبذلك يتخلص‬
‫القاص مهما كانت فرديته طاغية من الذاتية إلى الموضوعية‪ ,‬وال يكون‬
‫التحول سوى االندغام بالحدث‪ ،‬الذي ال يعدو أن يكون إال محصل‬
‫الثقافة والتجربة الجماعية متمثلة فيه‪ ،‬فيجعل القاص متصال بالوجود‬
‫اتصاال يكاد يكون عضويا(‪ .)2‬وهذا ما أشار إليه عبدهللا أبو هيف بقوله‬
‫"على الرغم من أن النزوع إلى التجريب المندغم بإحساس التعالي على‬
‫الواقع‪ ،‬عبر تعبير ال يزال قيد الكتابة‪ ،‬عن وطأة الواقع على الروع‬
‫اإلنساني‪ ،‬مما يجعل القص مدار اختالط النظر إلى الواقع بالرغبة في‬
‫تجديد أدوات الكتابة‪ ،‬إال أن غلبة التجريب أدت إلى تدخل واضح ال‬
‫سبيل إلى تميزه بين تجربة الكتابة والتجربة اإلنسانية" (‪.)3‬‬
‫(‪ ) 1‬ينظر في سبيل المثال ال الحصر ‪ :‬في البنوية التركيبية‪ ،‬دراسة في منهج لوسيان جولدمان‪ ،‬ترجمة د‪ .‬جمال‬
‫شحّيد‪ ،‬دار ابن رشد للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت‪.1982 ،‬‬

‫(‪ ) 2‬ينظر‪ :‬األثر المتبادل بين التطور الفني والتطور االجتماعي في الشعر اللبناني الحديث‪ ،‬د‪ .‬ميشال سليمان‪ ،‬مجلة‬
‫الكتاب‪ ،‬العدد ‪ ،6‬السنة التاسعة‪ ،‬حزيران ‪.211 :1975‬‬

‫(‪ ) 3‬عن التقاليد والتحديث في القصة العربية عبد هللا أبو هيف‪ ،‬منشورات اتحاد الكتاب العرب ‪. 173: 1993‬‬

‫‪22‬‬
‫وعند دراسة هذه التحوالت في بنية القصة القصيرة‪ ،‬ومتابعة‬
‫التحوالت الشكلية فيها‪ ،‬وجدنا – كغيرنا‪ -‬أن العالقة بين الفاعلية‬
‫النصية والتحوالت التاريخية واالجتماعية والسياسية وشيجة بشكل‬
‫طبيعي‪ .‬وعلى ضوء هذه العالقة االنعكاسية بين المجتمع واألدب‬
‫القصصي–واالنعكاسية هنا بمعنى االنتاج وليس المرآة‪ -‬تتخلق عالقة‬
‫المادة والشكل ‪ ،‬فهما يتساويان مع التعبير في األهمية‪" ،‬ويعتمد كل‬
‫منهم على اآلخر‪ ،‬وإن من المحال فهم أي عنصر من هذه العناصر‪ ،‬أو‬
‫تقديره إال في داخل الكيان الكلي الموحد الذي هو العمل الفني"(‪ )1‬وما‬
‫دامت اللغة هي الوجود المادي في تشكيل أي نص أدبي‪ ،‬فإن اللغة "‬
‫ليست توسطا بين (الشيء) و(مدلوله) بل هي نسيج هذا الشيء في‬
‫لحظة معنى‪ .‬إن هذا النسيج (شكل) ذو (معنى) وال وجود للمعنى إال‬
‫بهذا الشكل‪ ،‬وال وجود للشكل إال بهذا المعنى ")‪. (2‬‬
‫إن الشكل األدبي مهما اختلف النقاد في توصيفه‪ ،‬فهو ال يتجاوز"‬
‫مجموعة عناصر بنائية قابلة للتغيير‪ ،‬وهذا التغيير مرتبط بالوضعية‬
‫التاريخية واالجتماعية من ناحية‪ ،‬وبحساسية الكاتب وخبراته الجمالية‬
‫من ناحية أخرى‪ .‬ومعنى ذلك أن تطور وعي الفرد المبدع‪ ،‬واستجابته‬
‫للتحوالت التاريخية والحضارية تؤثر على تشكيل البناء الفني الذي‬
‫يحمله" (‪ .)3‬كما وجد لوسيان غولدمان "عالقة عميقة بين التحوالت‬
‫الرأسمالية بعد الحرب العالمية الثانية وتنامي ما يعرف باقتصاديات‬
‫السوق وتزايد السلع والبضائع وانتقالها الحر بين البلدان المصدرة‬
‫والمستوردة وبين ظاهرة االختفاء التدريجي للشخصية الروائية ومن ثم‬
‫تالشيها تماما في الرواية الفرنسية الحديثة‪ ،‬وإحالل عالم األشياء‬
‫والمشيّئ والمستقل مكانها"(‪ .)4‬وأصبح الكشف عن التطورات‬
‫(‪ )1‬النقةةد الفنةةي‪ ،‬جيةةروم سةةتولينير‪ ،‬ترجمةةة فةةؤاد زكريةةا‪ ،‬المؤسسووة العربيووة للدراسووات والنشوور‪ ،‬ط‪ 2‬بيووروت ‪:.1982‬‬
‫‪.368‬‬

‫(‪ )2‬التحليل البنيو للقصة القصيرة‪ ،‬روالن بارت‪ ،‬ترجمة منذر عياشي‪ ،‬مركز االنماء الحضار ‪. 13 : 1993 ،‬‬

‫(‪ ) 3‬التفسير السوسيولوجي لشيوع القصة القصيرة‪ ،‬سمير حجاز ‪ ،‬مجلة فصول‪ ،‬مج ‪ ،2‬ع ‪.154 :1982 ،4‬‬

‫(‪ ) 4‬مفاهيم التجريب الروائي رصد ومساءلة ‪ :‬انترنيت ‪.‬‬

‫‪http://www .siteavie.com/aslim/kha .htm‬‬

‫‪23‬‬
‫والتغيرات التي حصلت في بنية الخطاب القصي العربي‪ ،‬والقطيعة مع‬
‫األشكال القصصية التقليدية وربطها باالستجابة الواعية لتعقدات الواقع‬
‫العربي بعد نكسة ‪ ،1967‬وانتشار القيم االستهالكية وانحسار‬
‫اإليديولوجيات السياسية‪ ،‬من المسلمات النقدية في األدب العربي‪ .‬وهذا‬
‫يقودنا إلى دائرة التعالق بين البنى الذهنية التي تشكل الوعي والبنى‬
‫الجمالية التي تشكل العمل األدبي‪.‬‬
‫تبعا لكل ما سبق أخذت القصة القصيرة تمارس تحوالتها‬
‫وتشظياتها وتجاوزاتها على السائد والنمطي‪ ،‬واتخذت من التجريب أداة‬
‫فاعلة في هذه التحوالت‪ ،‬وأصبح التعالق بين البنى النصية‪ ،‬والبنى‬
‫االجتماعية‪ ،‬تعالقا تجادليا أو تبادليا‪ ،‬وتوقف حراكه االستراتيجي على‬
‫تفاعل وتداخل ثالث مجموعات من المتغيرات التي انتابت العالقة بين‬
‫النص القصصي والواقع الذي يصدر عنه‪ ،‬وهي(‪:)1‬‬
‫‪ -1‬المتغيرات الحضارية بما في ذلك التغيرات التاريخية واالجتماعية‬
‫والنفسية والقومية ‪.‬‬
‫‪ -2‬مجموعة المتغيرات المتعلقة بموقف القاصة من تراثها النصي الذي‬
‫تبدعه‪ ،‬وبنوعية الحوار الذي يجريه النص القصصي مع هذا التراث‪،‬‬
‫سواء أكان هذا الحوار بالقطيعة ( الن القطيعة موقف حواري ينطوي‬
‫سلبا على وعي رافض لما تتحقق القطيعة معه) أو باالندماج الكامل‬
‫فيه‪.‬‬
‫‪ -3‬مجموعة المتغيرات الفنية المتعلقة بطبيعة االستراتيجيات الفنية‪،‬‬
‫ودالالت الشكل‪ ،‬والوظائف الفنية المختلفة التي تستخدمها القاصة في‬
‫نصها‪.‬‬
‫لقد تأثر التنوع القصصي بالتداخل بين األطر الجمالية التي‬
‫اتخذت شكل النوع‪ ،‬وبين المتغيرات الحياتية التي يعيشها اإلنسان‪.‬‬
‫وشكل هذا التنوع "محطات ووقفات تمت من خاللها ظهور اتجاهات‬
‫في الشكل‪ ،‬ورؤية مختلفة للمعاني‪ ،‬وكيفية صياغتها في النص‪ ،‬وقد‬
‫لبت ذلك الحاجة لطبيعة الظروف المعرفية أوال‪ ،‬ثم السياسية‬
‫واالجتماعية ثانيا‪ ،‬األمر الذي دفع بمنتج النص إلى التنحي عن‬

‫(‪ (1‬ينظر‪ :‬القصة العربية والحداثة ‪.9-8 :‬‬

‫‪24‬‬
‫التوجهات المألوفة في كتابة النص القصصي والبحث عما يضمن‬
‫لنصها البالغة األكثر والقدرة على التعبير دون أن تفرط بطبيعة‬
‫الجنس"(‪ . )1‬كما شكل الوعي الكتابي النابع من قلق اإلنسان أمام‬
‫التح والت االجتماعية‪ ،‬وأسئلتها التي غالبا ما تدفعه إلى خلق توازن بين‬
‫عالمه المتشظي‪ ،‬أمام اآلمال واألحالم‪ ،‬حضورا طاغيا في الكتابات‬
‫الجديدة‪ ،‬فحدث أن تحول هذا الوعي إلى قوة فاعلة في "طبيعة العالقة‬
‫بين نوع ونوع آخر‪ ,‬بين نوع معين وأسلوب معين وبين نوع وصيغة‬
‫معينة‪ ,‬وبين نوع ومذهب معين وكيف تتبدل هذه العالقات من فترة إلى‬
‫أخرى فيتطور النوع ويتداخل مع أنواع أخرى"(‪.)2‬‬
‫من الجدير بالذكر أن هذا الوعي الكتابي لم يكن مقتصرا على‬
‫القصة القصيرة فحسب‪ ،‬وإنما شمل األنواع األدبية بكاملها ‪،‬‬
‫فالخصائص التي طبعت تحوالت األنواع قد أثرت في الفترة التي‬
‫أنتجت فيها هذه التحوالت‪ .‬وعليه فكل نوع في هذه الحال إما أن‬
‫(يتفكك) أو (يتالشى) أو (يتسرب) في أنواع أخرى‪ .‬إال أنها ـ أي‬
‫الخصائص ـ ظلت محافظة على المكونات ولكن بأنماط مغايرة‪.‬‬
‫لقد اعتمدت القصة القصيرة على مكونات وتقنيات خاصة جعلتها‬
‫تمتلئ بالعالمات واإلشارات التي تمنحها وظيفة‪ ،‬تثير في المتلقي‬
‫الغرابة والجدة والدهشة‪ .‬وظهرت منها أنماط عدة لدى قاصات لهن‬
‫قدرتهن المنشودة في العمل القصصي‪ ،‬مما جعلها تجربة متفردة في‬
‫عالم مضطرب‪ ،‬وخطوة نحو اليقظة‪ ،‬ووعي إزاء قلق الحضارة‬
‫وتموجاتها‪ ،‬وقلق المرأة أمام الخيبات واالنكسارات واألوجاع التي‬
‫جعلتها في بحث مستمر عن الحرية‪ ،‬وفقا لجماليات يشكل انفتاحها أمام‬
‫األشكال األخرى جزءا من هذه الحرية‪ ،‬إذ جعلت القاصة في بحث‬
‫دائب ومستمر‪ ،‬لخلق نص قصصي يمكنه التفرد واإللماح في بناء‬
‫تعبيري مغاير‪ ،‬ونسق لغوي متميز يوصله بالقارئ لتجاوز التقليدي‪،‬‬
‫وتحقيق ما يمهد إلضاءة الداخل‪ ،‬والسعي إلى إغناء الوعي والمخيلة‬
‫(‪ )1‬البحث عن الهوية السردية‪ ،‬جاسم عاصي‪ ،‬بحث القي في الملتقى الرابع للقصة القصيرة‪ ،‬دورة (( علي جواد‬
‫الطاهر))‪ ،‬بغداد‪.2009 /1/17 ،‬‬

‫(‪ )2‬تداخل األنواع في القصة المصرية القصيرة‪ ، 1990 - 1960‬د‪ .‬خيري دومة‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪،‬‬
‫‪1998‬م ‪.62:‬‬

‫‪25‬‬
‫التي ظلت أسيرة التراكمات النمطية‪ ،‬لجعل القاص مشروع رؤية تعنى‬
‫بتكثيف الوجود‪ ،‬واكتشاف المضمر فيه‪ .‬وستظل تهمس بالمزيد من‬
‫الكالم‪ ،‬وتثير على نحو جاد قضايا التحديث والتقليد‪ .‬وإنها ستجعل‬
‫القاصات والمعنيين بالقصة قراءة ونقدا (نساء ورجاال) يعيدون النظر‬
‫إليها باستمرار حسب قناعاتهم واستجاباتهم؛ الن مثل هذه القصص‬
‫قادمة في حدود سعيها إلى كل ما هو مدهش‪ ،‬فتشل طمأنينة اليقين‬
‫السائد الذي ينظر إلى التحديث عامة نظرة مستريبة‪ ،‬وتسعى إلى‬
‫التجريب واالجتهاد في ابتكار لغة قصصية جديدة‪ ،‬ومكونات ال تخضع‬
‫لمنطق القص القديم‪ ،‬وال تستجيب إال لسحرها وجوهرها ونسقها‬
‫الداخلي‪.‬‬
‫وألن أي تحديث هو في األصل "اكتشاف لخصائص لغوية‪،‬‬
‫وتطوير لتلك الخصائص في شكل انحرافات عن اللغة المعيارية‪،‬‬
‫وابتعاد عن الخصائص الفنية المألوفة "(‪ .)1‬كما أن أية تحوالت فنية‬
‫"ترتبط بالعديد من المتغيرات التي تعبر عن نفسها في قوانين الحركة‬
‫والصراع‪ ،‬فتنفتح منافذ جديدة للتعبير تحاول أن تكشف الخلل وتعيد‬
‫صياغة الواقع بالثورة عليه من جديد"(‪ .)2‬وعلى هذا األساس أخذت‬
‫القاصة الحداثية تطور أشكالها القصصية بوعي تجريبي‪ ،‬وأخذت‬
‫تغترف من فيض التحوالت التي أصابت المجتمع في طرائق متعددة‪،‬‬
‫أضافت إلى روح التحديث في القصة العربية القصيرة ما جعلها تنفرد‬
‫في تقديم تقنيات متعدد في صياغة وبلورة العالم القصصي الجديد‪.‬‬
‫لقد نهضت هذه المقاربات – وهي تستجلي هتك الخصائص في‬
‫كتابة القصة القصيرة – على استقراء القصص بعيدا عن المقوالت‬
‫الجاهزة المسبقة بشكل يتالئم مع خصوصية هذا النوع األدبي‪ ،‬وقد‬
‫حصر الناقد د‪ .‬نجيب العوفي تحوالت القص ‪ -‬على الرغم من يقيننا أن‬

‫(‪ )1‬عالمةةات التحةةديث فةةي القصةةة المصةةرية القصةةيرة ‪ ،1980 -1925‬محمةةد كش ة ‪ ،‬دار الشووؤون الثقافيووة العامووة‪،‬‬
‫الموسوعة الصغيرة (‪ ،)294‬بغداد‪.5 :1988 ،‬‬

‫(‪ )2‬عالمات التحديث في القصة المصرية القصيرة ‪.7 :-1925‬‬

‫‪26‬‬
‫هذه التحوالت تعميمية وال تنحسر في جيل معين أو قاصة محددة‪ -‬بما‬
‫يلي‪.)1( :‬‬
‫تحول من الخارج إلى الداخل‪ ،‬من الواقع البراني‪ ،‬إلى الواقع‬ ‫‪ّ -1‬‬
‫الجواني‪ ،‬ومن الموضوع إلى الذات‪.‬‬
‫‪ -2‬تحول من الرؤية الميكروسكوبية‪ ،‬الولوع بالتفاصيل الكبرى‪،‬‬
‫إلى الرؤية الميكروسكوبية‪ ،‬الولوع بالتفاصيل الصغرى‪.‬‬
‫تحول الحدث إلى الالحدث‪ ،‬ومن الحدث الديناميكي إلى الحدث‬ ‫‪ّ -3‬‬
‫الستاتيكي‪.‬‬
‫تحول من التسلسل الزمني (الدياكرونيّة) إلى المراوحة الزمنية‪،‬‬ ‫‪ّ -4‬‬
‫وتداخل األزمنة (السايكرونيّة)‪.‬‬
‫تحول من اللغة اإلخبارية المطمئنة إلى اللغة اإليجابية المقلقة‪.‬‬‫‪ّ -5‬‬
‫إن االنعطافات الخطيرة التي أل ّمت بالمجتمع العربي قد توالت‬ ‫ّ‬
‫بعنف منذ المشهد الستيني وحتى يومنا هذا ‪ ،‬وقلبت كثيرا من‬
‫الموازين‪ ،‬منها‪ :‬الحروب والثورات والتطور المعرفي واالنفتاح‬
‫الواسع على الغرب‪ ...‬وغيرها‪ .‬فمنذ ذلك العقد وحتى الراهن‬
‫القصصي‪ ،‬أخذ الوعي بالذات يسعى إلى تجسير المسافة بين قسوة‬
‫ال متغيرات الحياتية بكل ما تحمل من سلبيات اجتماعية وسياسية‬
‫واقتصادية وعسكرية وثقافية‪ ،‬وبين المتغيرات العالمية في الكتابة‪،‬‬
‫والعبور إلى التنوع واالختالف عبر هذا الوعي‪ ،‬فانحاز القاص بشكل‬
‫كلي إلى األشكال المبتكرة‪ ،‬والمواضيع البكر‪ ،‬واللغة المحتشدة بوعيها‬
‫في رفض التعبير التقليدي‪ ،‬وحين نؤكد على الوعي بالذات ‪ ،‬ندرك أن‬
‫كل عمل أدبي يمتلك وعيه في الوجود بقوة‪ ،‬حتى وإن كان هذا العمل‬
‫ناتجا عن اإللهام وليس الصنعة‪ ،‬وإن ما نقصده هنا هو الوعي في‬
‫الوجود والنص في آن واحد‪ .‬إذ ظلت المخيلة القصصية تحفر في‬
‫األرض الحرام‪ ،‬رافضة بعض الكتابات القصصية التي كانت في‬
‫مرحلة ما متقدمة على كتابات سبقتها‪ ،‬سواء أكانت هذه الظاهرة في‬

‫(‪ )1‬دراسات في القصة العربية ( وقائع مكناس) مؤسسة األبحاث العربية ‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪( .72 :1989 ،1‬القصة‬
‫المغربية القصيرة على خط التطور أم على حافة األزمة)‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫المشهد القصصي العربي بشكل عام أو في التجربة القصصية عند‬
‫قاص بعينه أو قاصة بعينها‪.‬‬
‫وقد ساعدت القاصات على التقاط ظواهر اجتماعية سادت في‬
‫وظف في القصص القصيرة ال بطريقة الوصف التقليدية‪،‬‬ ‫هذه الفترة‪ ،‬لت ُ ّ‬
‫وإنما بطريقة الكشف‪ .‬فالتحوالت االجتماعية يقابلها نهوض ظواهر‬
‫جديدة في األدب كما ذكرنا سابقا؛ لذا لم يعد بإمكان القاصة الكتابة‬
‫بشكل تقليدي‪ ،‬على الرغم من ممارستها التحول في تقديم رؤى جديدة‬
‫دونما تحول كبير في الشكل المعهود‪ ،‬إال بقدر ما تستوعب تلك الرؤى‬
‫وما تحتاج من عوامل البناء الفني أو مسارات التجلي‪ .‬كما أن مجاز‬
‫القصة القصيرة ومخيالها ال يعنيان االنفصال عن الواقع فكرا وتجربة‬
‫ومواقف؛ ألن أي عالم حكائي ال يسعه أن يكون مستقال استقالال كامال‬
‫عن العالم الواقعي؛ ونتيجة للتخلخالت التي انتابت بنية المجتمع‬
‫واإلنسان‪ ،‬والتواصل الثقافي العالمي والتأثر بالكتابات األجنبية من‬
‫مختلف أجناسها اتجهت الكتابة القصصية نحو أسطرة الواقع تأثرا‬
‫بالواقعية السحرية حينا‪ ،‬وتبعيد الحدث زمنيا ومكانيا حينا آخر‪ ،‬فضال‬
‫عن التوغل أكثر في التجريب القصصي وتبني مصطلح (القص)‬
‫بوصفه نوعا قصصيا‪.‬‬
‫قد وظف هذه التقنيات أغلب كتاب أمريكا الالتينية‪ ،‬الذين جعلوا‬
‫حكاياتهم بعيدة بعض الشيء إن في الزمان أو في المكان ‪ ،‬لكي‬
‫يستطيع الخيال أن يلعب بحرية(‪ .)1‬واعتمادا على هذه التحوالت فقد‬
‫تخلت المكونات النصية عن صرامتها‪ ،‬واتجهت عنوة باتجاه ضرورة‬
‫التجدد والتالعب بالثوابت الجمالية دون أي فقدان للمالمح األصلية‪ ،‬ال‬
‫بل تحولت مفاهيم الكتابة برمتها إلى مفاهيم جديدة‪ .‬فالكاتبة في الكتابة‬
‫تتعرف‪ ،‬ال تبشر بل‬ ‫ّ‬ ‫الجديدة "ال تكتب إنها تنكتب‪ ،‬ال تعرف بل‬
‫تكتشف‪ .‬والكتابة التي تنكتب تنطلق من فرضية البحث عن المعرفة‬
‫وليس من فرضية نقلها‪ .‬البحث يحرر‪ ،‬والنقل يكبل‪ ،‬أي أن الكتابة في‬
‫تحررها من النقل‪ ،‬وحين تضع نفسها في مغامرة البحث‪ ،‬تكشف‬

‫(‪ ) 1‬عبةد الةرحمن مجيةد الربيعةي وتجديةد القصةة العراقيةة‪ ،‬سةليمان البكةر ‪ ،‬منشوورات المركوز الثقوافي االجتمواعي –‬
‫مؤسسة دار الكتب للطباعة والنشر‪ ,‬جامعة الموصل ‪. 24 :1977‬‬

‫‪28‬‬
‫طاقتها التحويلية"(‪ .)1‬وقد كشفت هذه التحوالت عددا من المسارات‬
‫)‪(2‬‬
‫األساسية التي يمكن إجمالها في النقاط التالية‪:‬‬
‫‪-1‬العودة إلى لون من القص الخارجي (الموضوعي) والتقريري‬
‫تحت تأثير تجارب بورخس وبعض محاوالت مركيز‪.‬‬
‫‪-2‬المزج بين الفنتازيا والواقعية‪ ،‬والسعي لخلق لون من الواقعية‬
‫السحرية‪.‬‬
‫‪-3‬استلهام التاريخ واألسطورة والرمز‪.‬‬
‫‪-4‬السعي لخلق لغة قصصية جديدة ‪ ،‬وإعادة صياغة وإنتاج اللغة‬
‫التراثية‪.‬‬
‫‪-5‬كسر السياق الخطي البسيط في القص‪ ،‬والسعي إلى خلخلة البنية‬
‫القصصية‪.‬‬
‫‪ -6‬االهتمام بخلق مراكز متعددة للرؤيا داخل النص القصصي‪،‬‬
‫وإتاحة الفرصة أمام التعددية الصوتية‪ ،‬عن طريق خلق لوحات‬
‫قصصية متشابكة‪ ،‬واستبطان وعي عدد كبير من الشخصيات‬
‫القصصية ‪.‬‬
‫‪ -7‬اإلفادة من بعض معطيات قصة الخيال العلمي‪.‬‬
‫التعبير عن هم فلسفي وميتافيزيقي أحيانا عن طريق درجة‬ ‫‪-8‬‬
‫أعلى من التجريد الذهني‪.‬‬
‫الدمج بين الماضي والحاضر وخلق حالة اإليهام‪.‬‬ ‫‪-9‬‬
‫وعند هذه المسارات وغيرها اندفعت القصة القصيرة باتجاه‬
‫التحول المستمر‪ ،‬وأخذ يظهر في إشكال مختلفة من المواجهات الخفية‬
‫والمعلنة مع مستويات الوعي‪ ،‬وإعادة النظر في األساليب التي تتجاوز‬
‫األبنية المتخلية القارة؛ لخلق توازن بين المضامين الجديدة في‬
‫الظروف الجديدة‪ ،‬والبنى الشكلية والجمالية التي تشكل العمل‬
‫القصصي‪ .‬وال شك أن الوعي التجريبي قد أدّى دورا مميزا في تخطي‬

‫(‪ )1‬دراسات في القصة العربية (وقائع ندوة مكناس)‪.62 :‬‬

‫(‪ )2‬الصوت اآلخةر‪ ،‬الجووهر الحوواري للخطواب األدبوي – فاضول ثوامر‪ ،‬دار الشوؤون الثقافيوة العاموة‪ ،‬بغوداد‪1995 ،‬م‪:‬‬
‫‪.98‬‬

‫‪29‬‬
‫أو تجاوز األشكال المألوفة والقارة‪ .‬وسنشاهد هذه التحوالت بوضوح‬
‫عند القاصة سناء شعالن في الفصول القادمة‪.‬‬
‫وعلى هذا األساس تشكلت جماليات القص ضمن عملية االختيار‬
‫التي ترتبط أساسا بمهارة التجريب التي تُدرك ضرورتها " ال من اجل‬
‫االنفصال عن الحقب السابقة بل لتأكيد قدرة الذات على اإلبداع والتفوق‬
‫في ظل إيقاعات الزمن المتالحقة والتطور المذهل في النمو المعرفي‬
‫والمتغيرات السياسية واالجتماعية واالقتصادية"(‪ .)1‬ويبدو أن هذا‬
‫المفهوم يأخذ طابعا شموليا إذ إن مستويات الحداثة تشترك في حقيقة‬
‫أساسية هي "أن الحداثة رؤيا جديدة‪ ،‬وهي جوهريا رؤيا تساؤل‬
‫واحتجاج‪ ،‬تساؤل حول الممكن واحتجاج على السائد ‪ ،‬فلحظة الحداثة‬
‫هي لحظة التوتر‪ ،‬أي التناقض والتصادم بين البنى السائدة في‬
‫المجتمع‪ ،‬وما تتطلبه حركته العميقة التغييرية في البنى التي تستجيب‬
‫لها وتتالءم معها "(‪.)2‬‬
‫نخلص من كل ما سبق أن أهم اللحظات التي تمر بها التحوالت‬
‫القصصية هي لحظات التجريب المستمر‪ ،‬أي لحظات التمرد والخروج‬
‫من خانة التقليد‪ ،‬والبحث خارج ثوابت النوع‪ ،‬وتحريك األساس‬
‫الجمالي في كيفية اختيار اإلطار الفني‪ ،‬في اشتغال يرتبط بطاقة‬
‫التجريب التي تقدم أنماط جديدة للعالقة بين النص والمتلقي‪ ،‬ويعود‬
‫نجاح هذا الخلق النصي إلى ضرورة عزل وعي التحوالت الحياتية‬
‫الجديدة عن عجز األدوات الفنية المتداولة‪ ،‬وربطها باستيعاب‬
‫الحساسية األكثر توغال في نقل رؤيته لهذه التحوالت‪ ،‬وهكذا حدث أن‬
‫غادرت الكتابات القصصية الحديثة المعايير والقوالب النمطية‬
‫الجاهزة‪ ،‬وأخذت تتدفق بوجدانات غير معهودة‪ ،‬حملت إلى المتلقي‬

‫(‪ )1‬الحداثة وبعض العناصر المحدثة في القصيدة العربية المعاصرة ‪ ,‬عبد هللا احمد المهنا ‪ ,‬عالم الفكر مج ‪ 19‬ع‪: 3‬‬
‫‪.8‬‬

‫(‪ )2‬فاتحة لنهايات القرن‪ ،‬ادونيس‪ ،‬دار العودة‪ ،‬بيروت ‪.321 : . 1980‬‬

‫‪30‬‬
‫الصدمة األولى التي خلخلت كل توقعاته‪ ،‬وأحدثت اضطرابا من مسافة‬
‫التقبل التي انتابها التشقق والتصدع‪.‬‬
‫يستفزها أي عمل قصصي‬ ‫ّ‬ ‫لقد ظلت مساحة المتغيرات الجمالية‬
‫يسعى إلى االختالف والتجاوز‪ ،‬وسوف يسعى هذا الكتاب إلى اإلجابة‬
‫على التساؤالت التي تتعلق بمغامرة تحوالت القص ‪ -‬القصير تحديدا ‪-‬‬
‫وكشف شعريته‪ ،‬ووحدات اشتغاله‪ ،‬وآليات قراءته‪ ،‬وتأثيره الجمالي في‬
‫مسوغ اختياري لهذه القاصة في‬ ‫ّ‬ ‫قصص سناء شعالن‪ ،‬وقد تر ّكز‬
‫تمظهر التحوالت بانحرافات حادة‪ ،‬بعيدا عن التوجهات المألوفة في‬
‫كتابة القصة القصيرة‪ ،‬على الرغم من عدم التفريط بطبيعة النوع‬
‫األدبي الذي تنتمي إليه‪ ،‬وعدم التفريط بـ" قواعدها الحافظة لنوعها‪،‬‬
‫فامتثال القصص بقواعد نوعها (حدود نوعها) يعيّن لها بنية بسيطة‬
‫جوهرية‪ ،‬تستمر في الزمان والمكان من دون فناء‪ ،‬أو إفناء في أجناس‬
‫أخرى" (‪ .)1‬أما انحرافاتها فقد شكلت ظاهرة من ظواهر القص بوصفه‬
‫نصا‪ /‬خطابا قائما في الصيرورة التاريخية‪.‬‬
‫وال يفوتنا أن نذكر أن األلفية الثالثة قد جادت علينا بعشرات‬
‫المجاميع القصصية التي فعّلت كاتباتها تحوالت القص فيها‪ ،‬وكسرن‬
‫جدار التقليد‪ ،‬وأعدن تشكيل الواقع في سياق نصي مفارق‪ ،‬جعل الكتابة‬
‫ي والهارب واآلتي‪ ،‬ونذكر على سبيل‬ ‫عند المرأة انفتاحا على القص ّ‬
‫المثال ال ا لحصر‪ :‬جميلة عمايرة في (اسمي سليماني‪ ،‬امرأة اللوحة)‬
‫وانتصار السري في (المحرقة) ومسعودة بو بكر في (أظل أحكي)‬
‫وميهان في متتاليتها القصصية (سراديب نافوخي) وكفاح عواد في‬
‫(ذاكرة الروح) وانتصار عبد المنعم في (تنويعات على ذات الرحلة)‬
‫وحرية سليمان في (ربما يكون مغلقا‪ ،‬سهر) ووفاء عبد الرزاق في‬
‫(أغالل أخرى) ‪ ....‬وغيرهن كثير‪.‬‬

‫(‪ ) 1‬الحكاية الجديدة‪ ،‬محمد خضير‪ ،‬مؤسسة عبد الجميد شومان‪ ،‬عمان‪.106 :2009 ،‬‬

‫‪31‬‬
32
‫الفصل الثاني‬
‫الواقعية السحرية وتحوالت القص‬

‫الفصل الثاني‬
‫الواقعية السحرية وتحوالت القص‬

‫‪33‬‬
‫تعد الواقعية السحرية التي تمثلت في كتابات غابريل غارسيا‬
‫ماركيز‪ ،‬خورخي لويس بورخس‪ ،‬ميغيل استورياس‪ ،‬إيتالو كالفينو‪،‬‬
‫جون فاولز غونتر غراس‪ ،‬اليخو كارينتير‪ ....‬وغيرهم‪ ،‬تحوال سرديا‬
‫فرض نفسه على المشهد القصصي العربي‪ .‬ولو أردنا تتبعا لمسارها‬
‫التاريخي‪ ،‬فيمكننا القول بان أغلب النقاد الذين تناولوا هذا التحول قد‬
‫غلّبوا ريادة (فرانز روه) في أطالق مصطلح الواقعية السحرية على‬
‫مجمل النتاج التصويري في مقالته المعنونة (الواقعية السحرية‪ :‬ما بعد‬
‫االنطباعية) وذلك في عام ‪ ،1925‬إذ يقول في تفسيره مفردة‬
‫(السحرية) ‪ " :‬إن الغموض ال يحل على العالم المجسد‪ ،‬بل ينبض‬
‫خبيئا فيما وراءه" (‪ .)1‬ثم تواصل استعماله للداللة على نوع من الرسم‬
‫القريب من السوريالية حيث تكون الموضوعات المرسومة واألشياء‬
‫قريبة في غرابتها من عوالم الحلم وما يخرج عن العالم المألوف من‬
‫رموز وأشكال‪ .‬هذه الغرابة جزء أساسي من دالالت الواقعية السحرية‬
‫كما شاعت في األدب‪ ،‬ال سيما القصة بنوعيها الرئيسين الرواية‬
‫والقصة القصيرة‪ .‬غير أنها تنضاف هنا وبصورة أساسية إلى تفاصيل‬
‫الواقع‪ ،‬إذ يرسم القاص تفاصيله رسما ً موغالً في البساطة واأللفة مما‬
‫يزيد من حدة االصطدام بالغريب والمستحيل الحدوث‪ .‬وهناك من نسب‬
‫صياغتها إلى كل من دادالي فتس وفرانز روه "من الصعب القول إلى‬
‫أيهما ينسب ذلك على وجه التحديد" (‪.)2‬‬
‫لقد ُ‬
‫شرحت الواقعية السحرية من قبل وجهات نظر متعددة تبناها‬
‫النقاد بحسب آليات اشتغالها‪ ،‬فبعضهم ربطها بالغرائبي والعجائبي‬
‫واألسطوري‪ ،‬وبعضهم وصل إلى نوع من التطابق بين الواقعية‬
‫(‪ )1‬محاولة اقتراب من الواقعي ة السحرية‪ ،‬أورورا اوكامبو‪ ،‬ترجمة نرمين ابراهيم‪ ،‬الثقافة االجنبية‪ ،‬ع ‪ ،2‬السنة‬
‫الثانية عشرة‪68 :1994 ،‬‬

‫(‪ ) 2‬آراء في تاريخ الواقعية السحرية ونظريتها‪ ،‬مجموعة نقاد‪ ،‬ترجمة ناطق خلوصي‪ ،‬مجلة الثقافة األجنبية‪ ،‬ع ‪،2‬‬
‫‪.75 :2006‬‬

‫‪34‬‬
‫السحرية والسريالية‪ ،‬أو قال إن الواقعية السحرية في أمريكا الالتينية ما‬
‫هي إال امتداد للتيار السوريالي في أوروبا (‪ .)1‬ولكنها في الحقيقة ليست‬
‫امتدادا للسوريالية‪ ،‬بقدر ما هي اتجاه أدبي أصيل عبر عن بيئة‬
‫جغرافية واجتماعية لها خصوصية معينة‪.‬‬
‫لقد ر ّكزت الواقعية السحرية على أعمال كل من كافكا‪،‬‬
‫وبورخس‪ ،‬إذ بدأ عدد من الكتاب يحاكون أسلوبهم‪ ،‬مسجلين بداية‬
‫شعبية للواقعية السحرية في أربعينات وخمسينات القرن العشرين‪،‬‬
‫تحول العادي واليومي إلى مروع وغير‬ ‫فحين يراها انجيل فلوريس ّ‬
‫واقعي‪ ،‬أي جعل كل ما هو اعتيادي يبدو وكأنه غير اعتيادي‪ ،‬فإن‬
‫لويس ليبل ال يتفق معه؛ ألنه يرى في أعمال كافكا لوحده أساسا‬
‫للواقعية السحرية(‪ )2‬بوصفها موقفا من الواقع يمكن أن يتم التعبير عنه‬
‫بأشكال شعبية وثقافية‪ ،‬ويرى أماريل تشانادي إن مفهوم الالمألوفية‬
‫وثيق الصلة بشكل خاص بالواقعية السحرية‪ ،‬فهي بقدر ما تدمج‬
‫العاطفي والخيالي أحيانا‪ ،‬تكون تف ّحصا لخصيصة الوجود اإلنساني‪،‬‬
‫ونقدا ضمنيا للمجتمع‪ ،‬وللنخبة فيه بشكل خاص(‪.)3‬‬
‫أما انريكي أندرسون أمبرت فينفي ربط تعريف الواقعية السحرية‬
‫باألثر النفسي الذي تحدثه لدى القارئ‪ ،‬بل يربطه بما نُ ْع ِملُه نحن في‬
‫الحدث الذي يتم قصه‪ .‬هل هو حدث مستحيل؟ هل حدث ينسب إلى ما‬
‫فوق الطبيعة؟ (‪ .)4‬ومثل هذا الكالم يجانب الصواب من حيث إهمال‬

‫(‪ )1‬مصطلحات أدبية ‪ :‬الواقعية السحرية‪.http://www.annabaa.org/nbanews//.htm ،‬‬

‫(‪ ) 2‬آراء في تاريخ الواقعية السحرية ونظريتها‪ ،‬مجموعة نقاد‪ ،‬ترجمة ناطق خلوصي‪ ،‬مجلة الثقافة األجنبية‪ ،‬ع ‪،2‬‬
‫‪.78 :2006‬‬

‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬المصدر نفسه ‪.79-78‬‬

‫(‪ )4‬القصة القصيرة التقنيات‪ ،‬انريكي امبرت اندرسن‪ ( .240-239 :‬العجائبي عند المترجم علي إبراهيم علي منوفي‬
‫هو السحري وبسبب هذه الترجمة حدث الخلط بين المصطلحين(‬

‫‪35‬‬
‫األثر ا لنفسي‪ ،‬وهو العامل األساس في فهم الواقعية السحرية‪ .‬فاألحداث‬
‫التي يتم التساؤل عنها ‪ -‬حسب اندرسون‪ -‬ممكنة الوقوع‪ ،‬ولكن ال‬
‫ندري كيف نفسرها؟ إي أنها أحداث غامضة ومثيرة للمشاكل‪ ،‬ويقوم‬
‫الراوي بتص ّنع حيلة الهروب من الطبيعة‪ ،‬حتى يجعلنا نتشكك في‬
‫األمر‪ ،‬وأنه يريد خلق االنطباع بالالواقعية‪ ،‬ويقص علينا حدثا نستغربه‬
‫كثيرا رغم تفسيره‪ ،‬فبدال من تقديم السحر كما لو كان واقعيا‪ ،‬يقدم‬
‫الواقع كأنه سحري (عجائبي) ‪ ،‬وألن الراوي خالق للشخوص فهو‬
‫يتحمل مسؤولية أن تكون القصة واقعيتها سحرية أو اعتيادية‪ ،‬فحين‬
‫يريد أن يثير فينا مشاعر وإحساس بالغرابة فإنه يجهل ما يراه‪ ،‬ويمتنع‬
‫عن اإلتيان بالتوضيحات الفعلية‪ ،‬وهو بذلك يعمل على أن تضرب‬
‫القصة بجذورها في أعماق النفس (‪.)1‬‬
‫إن هذا الضرب في أعماق النفس‪ ،‬ال يعني اقترابها من القصة‬
‫النفسية‪ ،‬وإنما العكس‪ ،‬إذ تتخذ بابتعادها عن األثر النفسي شكال أكثر‬
‫دقة‪ ،‬كما تفترق عن السريالية واألدب العجائبي‪ ،‬فالواقعية السحرية ال‬
‫تجرد الواقع المزدوج الذي يحيط بالحلم والمعيش‪ ،‬عالم الذات‬
‫والم وضوع‪ ،‬كما إنها ال ترمي إلى استثارة األحاسيس بل التعبير عنها‪،‬‬
‫فهي ال تخلق عوالم متخيلة تمكننا من اللوذ بها هربا من الواقع اليومي‪،‬‬
‫فالقاص يستبطن الواقع‪ ،‬ويسبر أغوار كل ما يكتنفه من الغموض في‬
‫الحياة‪ ،‬وفي المواقف اإلنسانية(‪ .)2‬وعلى هذا األساس رفض بعض‬
‫الكتاب انتماء الكتابات العجائبية التي تخلق تدرجات ال متناهية‪،‬‬
‫وابتكار أوضاع ال تطاق ‪ -‬مثل كتابات كافكا وتحول اإلنسان إلى‬
‫صرصار – إلى الواقعية السحرية؛ ألنها اكتشاف العالقة الغامضة التي‬

‫(‪ )1‬القصة القصيرة النظرية والتقنية‪ ،‬انريكي اندرسون امبرت‪.237 :‬‬

‫(‪ ) 2‬محاولة اقتراب من الواقعية السحرية‪ ،‬أورورا اوكامبو‪ ،‬ترجمة نرمين ابراهيم‪ ،‬الثقافة االجنبية‪ ،‬ع ‪:1994 ،2‬‬
‫‪68‬‬

‫‪36‬‬
‫تربط بين اإلنسان وظروفه‪ ،‬وليس خلق كائنات أو عوالم متخيّلة‪.‬‬
‫وحسب هذا االستنتاج فإن الواقع الغرائبي كان األساس الذي نهضت‬
‫عليه الواقعية السحرية‪ ،‬فالقاص في هذا الواقع ال يرسمه لإلمتاع فقط‪،‬‬
‫إنما لإليحاء بفكرة فلسفية أو مجموعة أفكار منها أن العالم الذي نراه‬
‫مألوفا فيه قدر كبير من الغرابة(‪ .)1‬ويقترب من هذا المعنى قول‬
‫فورستر "إن اإلفراط في التخيّل‪ ،‬حد الوصول إلى الغرائب والعجائب‪،‬‬
‫بناء قصي ال يحتاج من القارئ إلى التصديق‪ ،‬فما عليه وقد ارتضى‬
‫قراءة هذا النوع من الكتابة‪ ،‬إال أن يمضي متمتعا بما يقرأ‪ ،‬متسليا بما‬
‫يروى له" (‪.)2‬‬
‫إن الواقعية السحرية تحول سردي تتداخل فيه حدود الواقع‬
‫بالالواقع‪ ،‬وتختلط فيها األحداث الواقعية التي تحتمل التصديق‬
‫باإلحاالت التي تستعصي على التصديق‪ ،‬حتى يصل القارئ إلى‬
‫مرحلة ال تستطيع عندها حواسه التمييز بين ما هو حقيقي وما هو‬
‫خيالي(‪ .)3‬وعلى هذا األساس اختلف النقاد حول مفهوم الواقعية‬
‫السحرية لمجاورتها‪ ،‬او اعتمادها في تشكيلها على مفاهيم أخر مثل‬
‫الغرائبي والعجائبي‪ ،‬والسحري‪ ،‬فهناك من يربط بين العجائبي‬
‫والواقعية السحرية التي تشير إلى حدث غير عادي وغير متوقع أو يقع‬
‫فوق الواقع أو وراءه‪ ،‬لكنه موجود أيضا في داخله وجزء منه أيضا ال‬
‫يمكن تفسيره بواسطة العلم العقالني أو الطبيعي (‪ .)4‬وهذا ما دعا‬
‫بعضهم إلى تحديدها بأنها أسلوب قصي متفكك غريب وخيالي يمزق‬

‫(‪ ) 1‬دليل الناقد األدبي‪ ،‬د‪ .‬ميجان الرويلي و د‪ .‬سعد البازعي‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪.348 :2003 ،‬‬

‫(‪ ) 2‬حبكة الرواية من المؤلف إلى القارئ‪ ،‬د‪ .‬ابراهيم خليل‪ ،‬مجلة عمان‪ ،‬ع‪.30 :2008 ،152‬‬

‫(‪ )3‬موسوعة األدب والنقد‪ ،‬مجموعة من الكتاب‪ ،‬ج‪( 1‬األدب والنقد والتاريخ األدبي) ترجمة وتقديم وتعليق عبد‬
‫الحميد شيحة‪ ،‬المجلس األعلى للثقافة‪ ،‬مصر‪.117 :1999 ،‬‬

‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬الخيال من الكهف الى الواقع االفتراضي‪ ،‬د‪ .‬شاكر عبد الحميد‪ ،‬عالم المعرفة‪ ،‬الكويت‪.220 :2009 ،‬‬

‫‪37‬‬
‫أو يكسر تدفق ما قد يبدو ظاهريا‪ ،‬إنه نص واقعي‪ ،‬فهي تصف الواقع‬
‫الحقيقي وتصوره سحريا‪ ،‬أو تصف الوقائع السحرية بطرائق وأساليب‬
‫واقعية(‪.)1‬‬
‫وإذا كان دليل أكسفورد لألدب اإلنكليزي‪ ،‬قد جاء فيه بأن روايات‬
‫وقصص "الواقعية السحرية تتوافر بصورة نموذجية على دينامية‬
‫قصية قوية‪ ،‬يندمج فيها الواقعي الذي يمكن تمييزه‪ ،‬بغير المتوقع‬
‫والمتعذر تفسيره‪ ،‬وترتبط فيها األحالم والقصص والخرافة‬
‫والميثولوجيا مع اليومي‪ ،‬في نمط موزائيكي أو متغير األشكال" (‪.)2‬‬
‫فإن موسوعة األدب العالمي في القرن العشرين قد وصفتها – أي‬
‫الواقعية السحرية – بـ" اندماج متفرد لمعتقدات وخرافات مجموعات‬
‫ثقافية مختلفة‪ ،‬وشأنها شأن األسطورة فإنها توفر أيضا‪ ،‬طريقة توثيقية‬
‫وإجمالية بصورة أساسية لوصف الواقع‪ ،‬وقد وجدت أرضيتها في‬
‫الواقع اليومي‪ ،‬وعبرت عن دهشة اإلنسان ازاء عجائب العالم الواقعي‪،‬‬
‫وهي تنقل رؤية للسمات الخيالية للواقع" (‪ .)3‬وتبعا لما سبق يمكننا أن‬
‫نقول‪ :‬مهما اختلفت التحديدات بشأن مفهوم الواقعية السحرية‪ ،‬فإن‬
‫التعالق بين المألوف والال مألوف هو الذي يمنحها هوية االتفاق بشأن‬
‫نزعتها القصصية‪ .‬وإذا تجاوزنا أسباب ظهورها في هذا الكتاب‬
‫اإلجرائي‪ ،‬فمن الصعوبة – حسب ظني المتواضع‪ -‬تجاوز آليات‬
‫اشتغالها؛ ألنها الفرشة التي يتم على أساسها االشتغال اإلجرائي‪.‬‬

‫آليات اشتغال الواقعية السخرية‬


‫وتحددها د‪ .‬ماجدة هاتو هاشم في ثالث آليات على الرغم من‬
‫صعوبة استقالليتها‪ ،‬فقد يتداخل إثنين من هذه اآلليات مع بعضهما‪ ،‬أو‬

‫(‪ )1‬المصدر نفسه‪.217 :‬‬

‫(‪ )2‬نقال عن‪ :‬مصادر توثيق التجربة اإلبداعية‪ ،‬تجربة ماركيز أنموذجا‪ ،‬ناطق خلوصي‪ ،‬مجلة األقالم‪ ،‬ع ‪ ،2‬أيار‪/‬‬
‫حزيران‪ /‬تموز‪ /‬آب‪ ،‬السنة السابعة واألربعون‪.70 :2012 ،‬‬

‫(‪ )3‬المصدر نفسه‪.70 :‬‬

‫‪38‬‬
‫تكون مجتمعة معا‪ ،‬لذلك فإن التصنيف يعتمد السمة المهيمنة لهذه‬
‫الصيغة أو تلك (‪:)1‬‬
‫‪ -1‬تداخل الواقعي بالفنتازي من أجل خلق مناخ رواية الواقعية‬
‫السحرية‪ ،‬وفي األغلب يشكل هذا التداخل انبثاق الفنتازي من‬
‫الواقعي أو العكس‪ ،‬أي بمعنى أن تكون البنية الواقعية حاضنة‬
‫للحدث أو الشخصية أو الزمان أو المكان الفنتازي‪ ،‬أو العكس‪.‬‬
‫‪ -2‬تداخل الواقعي بالماورائي إذ تظهر في القصة شخوص (واحيانا‬
‫أحداث) تتمتع بقدرات خارقة (فوق طبيعية) كالكرامات‬
‫والمعجزات أو القدرة على الحدس وغيرها من القدرات‪ ،‬وفي‬
‫الغالب ترد هذه القدرات إلى قوى ما ورائية غيبية‪ ،‬إذ ال يجد‬
‫القارئ لها تفسيرا واقعيا أو منطقيا‪.‬‬
‫‪ -3‬تغريب الواقع‪ :‬ويعني أن يحتفظ الواقع بواقعيته‪ ،‬واإليغال‬
‫ببساطته‪ ،‬وهذا اإليغال هو ما يولّد تغريبا له‪ ،‬مما يدفع القارئ‬
‫إلى التردد بين واقعية الحدث وغرابته‪.‬‬
‫في حين تعزو الدكتورة ماجدة حمود جماليات رواية الواقعية‬
‫السحرية إلى‪:‬‬
‫‪ -‬اللغة الروائية التي اهتمت بالمجاز‪ ،‬والسحر المضاد‪ ،‬وجعلت‬
‫همها في الممارسة الوظيفية لألحالم‪ ،‬فبدت انعكاسا للطبيعة‬
‫المدهشة في تشابكها وكثافة تنوعها (طبيعي ‪ ،‬أسطوري‪، )...‬‬
‫كما تمت خلخلة الحدود الفاصلة بين الشعر والنثر‪ ،‬وقدمت نظاما‬
‫لفظيا خاصا يعتمد الترميز والتمثيل الكنائي‪ ،‬فضال عن امتزاج‬
‫اللغة بكل ما هو شعبي(‪.)2‬‬
‫تحول الواقع إلى منظومة من الصورة‪ -‬الحركة‬ ‫‪ -‬لغة السينما التي ّ‬
‫(وبعد تفصيل في الصورة الحركة اعتمادا على جيل دولوز في‬
‫كتابه ‪ :‬الصورة – الزمن(‪ ).)3‬تشكل الصورة المشهدية لديها داللة‬
‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الراوية ما بعد الحداثية‪ ،‬د‪ .‬ماجدة هاتو هاشم‪ ،‬دار الشؤون الثقافية العامة‪ ،‬بغداد ‪.161 ،155 ،144 :2013 ،‬‬

‫(‪ )2‬رحلة في جماليات رواية أمريكا الالتينية‪.25 -23 :‬‬

‫(‪ )3‬الصورة – الزمن‪ ،‬جيل دولوز‪ ،‬ترجمو حسن عودة‪ ،‬منشورات وزارة الثقافة‪ ،‬المؤسسة العامة للسينما‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫دمشق‪.42 :1998 ،‬‬

‫‪39‬‬
‫جمالية تغني لغة القص‪ ،‬نظرا لتأثرها في الالوعي‪ ،‬وسهولة‬
‫وصولها إلى القارئ‪ ،‬وعدّت الباحثة هذه التقانة أحد أسباب شيوع‬
‫رواية الواقعية السحرية(‪ .)1‬وأتفق معها في ذلك‪ ،‬فلغة السينما‬
‫وتقاناتها من أهم المسائل التي قلبت المعادلة‪ ،‬وأصبحت السينما‬
‫بتقاناتها المتطورة هي الرافد األكثر فاعلية في السرد‪ ،‬من حيث‬
‫التجريب والتحول‪.‬‬
‫‪ -‬الغرائبية (الفنتازيا) من أجل تجاوز الواقعية التقليدية‪ ،‬ال سيما‬
‫أن أمريكا الالتينية هي عالم الواقع العجائبي‪ ،‬في طبيعته‪ ،‬وتنوع‬
‫أجناسه وثقافاته‪ ،‬فبرع الكتاب في ما هو واقعي‪ ،‬وما هو خارق‬
‫على حد سواء‪ ،‬ومن أجل أن يتم التأثير على استجابة القارئ‪،‬‬
‫والتفاعل مع واقع أشد غموضا وتعقدا‪ ،‬تستطيع أن تجسده الحداثة‬
‫الروائية أكثر من الطريقة التقليدية(‪.)2‬‬
‫وهنا تتفق مع د‪ .‬ماجدة هاتو هاشم في اآللية األولى من حيث‬
‫تداخل الواقعي بالفنتازي‪ ،‬ولكننا نراها مضطربة من حيث الخلط‬
‫االصطالحي بين الغرائبي والعجائبي‪ ،‬فمرة تقول‪" :‬مع بداية الستينات‬
‫بدأ روائيو أمريكا الالتينية بتجديد جماليات القص‪ ،‬إذ اهتموا بتوسيع‬
‫نطاق الواقعية السحرية والغرائبية (الفنتازيا) من أجل تجاوز واقعية‬
‫القرن التاسع عشر")‪ . (3‬ومرة أخرى تقول‪" :‬وقد وجدنا بعض النقاد‬
‫يميز بين الواقعية السحرية والعجائبية (الفنتازيا) إذ يحضر الطبيعي‬
‫والفائق للطبيعة في األدب العجائبي ( الفنتازيا) بصفته عالما تخييليا‬
‫مبهما")‪ . (4‬والخلط هنا ال يخص التمييز بين الواقعية السحرية‬
‫والغرائبية‪ ،‬بل يتساوى عندها الغرائبي والعجائبي عندما تضع‬
‫(الفنتازي) أو (الفنتازيا) مقابل كل واحد منهما‪ .‬كما تفند التمييز بين‬
‫الواقعية السحرية والعجائبية‪ ،‬وتصف هذا التمييز بـ"غير دقيق‪ ،‬فإذا‬

‫(‪ )1‬رحلة في جماليات رواية أمريكا الالتينية‪ ،‬ماجدة حمود‪ ،‬منشورات اتحاد الكتاب العرب‪.25 :2007 ،‬‬

‫(‪ )2‬المصدر نفسه‪..26 :‬‬

‫(‪ )3‬الرواية ما بعد الحداثية د‪ .‬ماجدة هاتو هاشم‪..142 :‬‬

‫(‪ )4‬المصدر نفسه‪..142 :‬‬

‫‪40‬‬
‫قلنا بأن الواقعية السحرية مصطلح عام يشمل بنية الرواية‪ ،‬ويميّزها‬
‫عن الواقعية التقليدية‪ ،‬فإن العجائبية جزءا من هذه البنية باعتقادنا")‪. (1‬‬
‫إال أنها تعود بعد الحديث عن الرواية الجديدة‪ ،‬فتعطف العجائبية‬
‫على السحرية‪ ،‬وكأنهما نوعان مختلفان "لهذا تحاول الرواية الجديدة‬
‫(السحرية والعجائبية) محاكاة الحلم الشامل لإلنسان" (‪ .)2‬قد نتفق على‬
‫أن كل عجائبية هي واقعية سحرية‪ ،‬وليس كل واقعية سحرية هي‬
‫عجائبية‪ ،‬وال نختلف معها حين تعطفهما على بعض‪ ،‬ولكن نختلف‬
‫م عها حين ترفض التمييز بينهما‪ ،‬ثم تقوم بالتمييز بينهما في موضع‬
‫آخر‪ .‬وقبل الدخول في منطقة اإلجراء ربما يفيد القراءة التوسع في آلية‬
‫اشتغالها الرئيسة‪ ،‬التي تتعلق بالعجائبي والغرائبي والتمييز بينهما‪.‬‬

‫التحول‬
‫ّ‬ ‫العجائبي ومرتكزات‬
‫شووكل العجووائبي مرتكووزا موون مرتكووزات التحو ّوول فووي القووص‪ ،‬عبوور‬
‫تجاوزه لحدود اإلطوار التقليودي للحبكوة القصصوية‪ ،‬فاتحوا المجوال أماموه‬
‫لمسوواءلة الواقووع والتحووديات الحداثيووة ومووا بعوود الحداثيووة‪ ،‬ويعوود حضوووره‬
‫فووي بنيووة القووص مظهوورا موون مظوواهر التفوورد اإلبووداعي‪ ،‬إذ يتحوودى قيووود‬
‫النووووع وأعوووراف الواقعيّوووة‪ ،‬وينوووتج قصوووا ً يتووووفر علوووى إمكانوووات تخيليوووة‬
‫وتعبيريووة وإيحائيووة‪ ،‬فضووال عوون تمثلهووا القصووي للمرجعيووات األسووطورية‬
‫والتاريخيوووة والحكائيوووة التوووي تستحضووور موروثوووا ً فنتازيوووا متجوووذرا فوووي‬
‫الموووروث التوواريخي‪ ،‬وفووي تقسوويماتها لروافوود العجووائبي والغرائبووي فووي‬
‫القوووص القصصوووي الحوووديث‪ ،‬تعووود د‪ ,‬سوووناء شوووعالن الروافووود التاريخيوووة‬
‫التراثية من أبرز هذه الروافود‪ ،‬وقود لخصوتها – أي الروافود التاريخيوة –‬
‫في أحد عشر نتاجا‪ ،‬ونحيل القارئ الذي يرغوب فوي التوسوع إلوى كتابهوا‬
‫(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬المصدر نفسه‪.143 :‬‬

‫(‪ )2‬الرواية ما بعد الحداثية د‪ .‬ماجدة هاتو هاشم‪.143 :‬‬

‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬السرد الغرائبي والعجائبي‪ ،‬د‪ .‬سناء الشعالن‪ ،‬ناد األسرة للثقافي واالجتماعي‪.38-36 :2007 ،‬‬

‫‪41‬‬
‫إن هذا التوجه يعبر عن رغبة في انتهاج أساليب جديدة‪ ،‬يعبّر بها‬
‫شعور‬ ‫القاص عن الواقع في شكل جديد يستوعبه‪ ،‬في قص ينقل ال ّ‬
‫بالواقع دون طبعه بك ّل جزئيّاته‪ ،‬بل يترك هامشا ً للخيال واالنعتاق من‬
‫الطبيعة والوجود بل‬‫عبوديّة األطر الخارجية‪ .‬لذا فهو ال يعاند أنظمة ّ‬
‫يمسخ هذه األنظمة‪ ،‬ويقدم الشاذ وغير المألوف منها‪ ،‬ويرفض أن يقدم‬
‫القصة على أنها متوالية موازية ومتناظرة‪ ،‬بل يجسدها انكسارا للواقع‬
‫واستثناء لحوادثه ضمن منظومته المعرفيّة المشتركة‪ .‬لذا تعد األجواء‬
‫العجائبية وسيلة عملية وناجعة للكشف عن اهتمامات الشخصيات‬
‫وعواطفها التي يمكن أن تتستر‪ ،‬وتتبدل في بنيات يحكم فيها العرف أو‬
‫الضوابط االجتماعية‪ .‬كما أنه بما تقدم من خيال مجنح يمنح فرصة‬
‫للهروب من الواقع‪ ،‬لكن الهدف والغاية من الهروب يتراوحان بين‬
‫تحقيق األمنية واإلثارة ومجرد االستماع‪ .‬فهو وسيلة للتخلص من‬
‫أن الغرض من وراء هذا الهروب‬ ‫التصورات والمفاهيم المعتادة‪ ،‬بيد ّ‬
‫هو تبيان الضيق وكبت األنفاس والرعب الذي يتميز به عالمنا‬
‫إن القص العجائبي يمثل تلك اللذة التي‬ ‫اإلنساني‪ .‬إذن نستطيع القول ّ‬
‫يجدها القارئ والمبدع عندما يفلت من إسار تكاليف واقعه الصارمة‪،‬‬
‫وما هي عليه من جفوة‪ ،‬ويستسلم لفتنة غير المعقول)‪. (1‬‬
‫إن العجائبي يختص بالتردد بين تفسيرين‪ :‬طبيعي وفوق طبيعي‬
‫لألحداث المعلن عنها‪ .‬وطالما يعيش القارئ حيرة التفسير هذه يظل في‬
‫العجائبي ال يبارحه‪ .‬أما إذا اختار تغليب األسباب الطبيعية على‬
‫األسباب فوق الطبيعية أو العكس خرج بذلك عن العجائبي واتصل‬
‫بالغرائبي‪ ،‬والعجائبي بهذا المعنى حال‪ ،‬في حين أن الغرائبي تفسير‪،‬‬
‫والزمن الخاص بالعجائبي هو الحاضر الن التردد الذي يميزه ال يمكن‬

‫(‪ )1‬ينظر ‪ :‬أدب الفنتازيا‪ – ،‬مدخل إلى الواقع – ت‪ .‬ي‪ .‬ايتر‪ ،‬صابر سعدون السعدون‪ ،‬دار المأمون للترجمة والنشر‪،‬‬
‫بغداد‪.20 ،12 :1985 ،‬‬

‫‪42‬‬
‫أن يكون إال حاضرا)‪ .(1‬وتتجلى وظيفة العجائبي األدبية عند تودوروف‬
‫في ثالث)‪:(2‬‬
‫‪ -1‬وظيفة نفعية‪ :‬تتمثل بأن القارئ يجد متعة في اإلثارة التي يخلقها‬
‫الحكي العجائبي بخروجه عن المألوف أو اليومي‪ ،‬والسفر في‬
‫فضاءات أخرى‪ ،‬وفي عوالم غير التي نعيش فيها‪.‬‬
‫‪ -2‬وظيفة داللية‪ :‬إذ يقوم بتجلية أو بإظهار الخاص والشاذ‪ ،‬وذلك‬
‫بخالف األجناس التعبيرية األخرى‪.‬‬
‫‪ -3‬وظيفة تركيبية‪ :‬يتيح األدب العجائبي تنظيما للحبكة منضغطا في‬
‫صورة خاصة‪ ،‬ويكسر القواعد القائمة في حقل الكتابة‪.‬‬
‫وما يهمنا هنا هو الجمالية التي يعمل القاص على توفيرها في تحوالت‬
‫القص النوعية‪ ،‬فهذه األنواع من القص تشكل ترميزا فاعال في الهروب‬
‫من المسائلة‪ ،‬فضال عن منحها القارئ فرصة أكبر في حقل التأويل‪،‬‬
‫فـ" الظاهرة األدبية ليست هي النص فقط‪ .‬ولكنها القارئ أيضا‪،‬‬
‫باإلضافة إلى مجموع ردود فعله إزاء النص")‪.(3‬‬
‫ويوافق العجائبي الغرائبي في اعتماده على الواقع حينما يقتنص‬
‫لحظات غموضه النابضة بالغرابة‪ ،‬وليس على التخليق الفنتازي‬
‫(العجائبي) الذي يمظهره السارد في متن القصة‪ ،‬وهذا ما دعا أحد‬
‫النقاد إلى القول بأن " ظهور الواقعية السحرية أو العجائبية ليس مرده‬
‫الواقع العجائبي‪ ،‬وإنما الواقع المروع" (‪ .)4‬وينفي انريكي اندرسون‬
‫امبرت أن يكون لألثر النفسي صلة في تعريف السحري* (العجائبي)‬
‫بعد أن يستعرض آراء بعض النقاد الذين ربطوا السحري باألثر النفسي‬
‫ومنهم‪ :‬تزفيتان تودوروف‪ ،‬مارسيل شنايدر‪ ،‬بيتر بنزولت‪ ،‬ه‪ .‬بي‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪Editions du seuil، Introduction a la Lit terature Fantastique Paris،Tzvetan Todorov:‬‬


‫نقال عن الغرائبي في األقصوصة وإشكالية المنهج‪ ،‬احمد السماو ‪ ،‬مجلة األقالم‪ ،‬ع (‪ )2‬السنة الرابعة والثالثون‪،‬‬
‫‪.23 :1999‬‬

‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬مدخل إلى األدب العجائبي‪.122 :‬‬

‫(‪ ) 3‬األسلوب واألسلوبية‪ ،‬د ‪ .‬عبد السالم المسد ‪.70 :‬‬

‫(‪ )4‬رحلة في جماليات رواية أمريكا الالتينية‪.20 :‬‬

‫‪43‬‬
‫لوفكرافت‪ ،‬لويس فاكس‪ ،‬يؤكد على أن القراء يتفاوتون في قراءة‬
‫القصة السحرية‪ ،‬فمنهم من يشعر في أعماق نفسه بالرعب والهلع من‬
‫وجود عوالم وقوى ذات طاقة خارقة‪ ،‬ومنهم من يسعد لتلك القوى‬
‫ويضحك لذلك الوضع‪ ،‬ولهذا يجب أال نثق كثيرا بالمشاعر التي ال يتم‬
‫التعبير عنها فنيا داخل القصة (‪ )1‬وهذا األمر يتعلق بالشخوص من‬
‫حيث ترددهم أو خوفهم أو تعجبهم بكلمات تتمظهر حية في جسد النص‬
‫من مثل‪ :‬تعجبت‪ ،‬عجيب‪ ،‬أصابني الهلع‪ ،‬لم يكن معقوال‪ ،‬غير معقول‬
‫أبدا‪....‬وغيرها‪.‬‬
‫فماريو بارغاس يوسا على سبيل المثال ال الحصر يبين للروائي‬
‫في كتابه (رسائل إلى روائي شاب) أن مصطلح (الفنتازي) أو‬
‫(العجائبي) يضم كثيرا من المعاني المختلفة (السحري‪ ،‬اإلعجازي‪،‬‬
‫الخرافي‪ ،‬األسطوري ‪....‬وغيرها‪ *.‬والتعارض بين الواقع والفنتازيا‬
‫تعارض جوهري بين عوالم ذات طبيعة مختلفة‪ ،‬التخيّل الحقيقي أو‬
‫الواقعي يتضمن عدة مستويات متباينة فيما بينها‪ ،‬واألدب الفنتازي هو‬
‫العجيب الخرافي غير القابل للتفسير عقالنيا‪ ،‬إذ يحدث التفسير تلقائيا‪،‬‬
‫أي هذه التخيالت ال تروي قصصا فنتازية‪ ،‬وإنما هي فنتازية بذاتها)‪.(2‬‬
‫ويلتزم كل من سعيد الوكيل ومحمد الباردي بمصطلح العجائبي‪ ،‬فقد‬
‫استعمله األول بالمعنى الذي يؤديه المصطلح الفرنسي‬

‫(‪ )1‬القصة القصيرة النظرية والتقنية‪ ،‬انريكي اندرسون امبرت‪ ،‬ترجمة‪ :‬علي إبراهيم علي منوفي‪ ،‬مراجعة صالح‬
‫فضل‪ ،‬المجلس األعلى للثقافة‪ ،‬مصر‪.239 :.2000 ،‬‬

‫(*) وهذا ما اكدته ماجدة حمود أيضا في كتابها (رحلة في جماليات رواية امريكا الالتينية‪.)137 :‬‬

‫(‪ ) 2‬رسائل إلى شاب روائي‪ ،‬ماريو بارغاس يوسا‪ ،‬ترجمة صالح علماني‪ ،‬دار المدى‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪.10 :2005 ،1‬‬

‫‪44‬‬
‫)‪ .Fantasique(1‬في حين ميّزه الثاني بين العجائبي و حكاية الخوارق‬
‫‪ Le mervelleax‬و العجائبي والحكايات الغريبة)‪.(2‬‬
‫أما سعيد علوش فيحدد العجائبي بوصفه شكال من أشكال القص‪،‬‬
‫إذ تفترض فيه الشخوص قوانين جديدة تعارض قوانين الواقع‬
‫التجريبي‪ ،‬وتقرر هذه الشخوص بقاء قوانين الواقع كما هي)‪،.(3‬‬
‫ويذكر المصطلح الفرنسي بوصفه "نوعا أدبيا موجودا لحظة تردد‬
‫القارئ بين انتماء القصة إلى الغرائبي والعجائبي")‪ . (4‬ويوافقه الرأي‬
‫شعيب حليفي حين يضع "الفنتاستك بين ما هو عجائبي وما هو‬
‫غرائبي")‪ . (5‬غير أنه يصف الغرائبي والعجائبي بوصف تودروف‬
‫قائال‪ " :‬فالغرائبي هو حدوث أحداث فوق طبيعية تنتهي بتفسير‬
‫طبيعي‪ ،‬في حين أن العجائبي هو حدوث أحداث طبيعية تنتهي بتفسير‬
‫فوق طبيعي")‪ . (6‬ولكن يختلط عنده المصطلح في موضع آخر‪ ،‬فيكون‬
‫العجائبي هو الفنتاستك‪ ،‬وبهذا ال يستقر هو أيضا على قرار ثابت من‬
‫ناحية المصطلح‪ .‬وربما ال نحيد عن الصواب لو قلنا يقترب تودوروف‬
‫كثيرا في مفهومه للعجائبي من مفهوم القزويني حين يحدد العجب‬
‫بقوله"العجب حيرة تعرض لإلنسان لقصوره عن معرفة الشيء أو عن‬
‫معرفة كيفية تأثيره فيه")‪. (7‬‬

‫(‪ ) 1‬تحليل النص السرد ‪ ،‬سعيد الوكيل‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪.14 :1998 ،1‬‬

‫(‪ )2‬الرواية العربية والحداثة‪ ،‬محمد البارد ‪ ،‬دار الحوار‪ ،‬الالذقية‪ ،‬ط‪.187 :1993 ،1‬‬

‫(‪ )3‬معجم المصطلحات األدبية‪ ،‬دار الكتاب اللبناني‪ ،‬ط‪.180 :1985 ،1‬‬

‫(‪ )4‬المصدر نفسه‪.170 :‬‬

‫(‪ ) 5‬شعرية الرواية الفانتستيكية‪ ،‬شعيب حليفي‪ ،‬المجلس األعلى للثقافة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪.50 :2006 ،1‬‬

‫(‪ )6‬المصدر نفسه‪.51 :‬‬

‫(‪ )7‬عجائب المخلوقات‪ ،‬وغرائب الموجودات‪ ،‬زكريا القزويني‪ ،‬مطبعة المعاهد‪ ،‬القاهرة‪( ،‬د‪ .‬ت)‪.5 :‬‬

‫‪45‬‬
‫ويتنافى كل من تحديد تودروف والقزويني مع توصيف القص‬
‫العجائبي بأنه "قص قصصي يروي أحداثا ووقائع حافلة بالمبالغة‬
‫يصعب تصديقها" وهنا لم يتم توصيف المبالغة توصيفا يقودنا إلى‬
‫عجائبيتها‪ ،‬وعلى هذا األساس‪ ،‬فالمبالغة ال تشكل مرتكزا من‬
‫مرتكزات العجائبي‪ ،‬ألن يمكن تفسيرها تفسيرا طبيعيا‪ ،‬وبهذا تنتمي‬
‫إلى الغرائبي وليس إلى العجائبي‪ ،‬وهناك من خلط بين الحلم‬
‫والعجائبي‪ ،‬وهذا يتنافى مع التفسير الطبيعي‪ ،‬وبذلك يتجه نحو‬
‫الغرائبي ال العجائبي‪ ،‬ففي الحاشية التي أورد فيها المترجم (صيّاح‬
‫الجهيم) تعريف (العجيب) في كتاب (قضايا الرواية الحديثة) لجان‬
‫ريكاردو‪ ،‬نجده "هو ما يختلط فيه الواقع بغرائب األحداث وبخفايا‬
‫األسرار‪ ،‬وبالرؤى المشوشة‪ ،‬التي ال تخضع لسلطان المنطق‪،‬‬
‫والمألوف‪ ،‬بحيث تغدو شيئا شبيها باألحالم")‪. (1‬‬
‫وعند تتبعنا لمجاميع شعالن القصصية‪ ،‬وجدناها منذ مجموعتها‬
‫األولى (أرض الحكايا) تبادر في التغاير عن المألوف والسائد‪ ،‬إذ‬
‫دخلت دائرة المتواليات القصصية‪ ،‬ومنحت الغرائبي والعجائبي‬
‫والسحري واألسطوري شارة لدخول مجموعتها الثانية (قافلة العطش)‬
‫بقوة أكثر في التحوالت التي أحدثت نقلة نوعية في القص‪ .‬فـ" في‬
‫الوقت الذي يتلبث كثير من الكتاب في (كتاب النص الواحد) في منطقة‬
‫فنية وإبداعية واحدة على الرغم من إصدارهم عشرات الكتب في‬
‫ينوعون عليه‬‫صهم واحدا في كل الكتب ّ‬ ‫حقلهم اإلبداعي‪ ،‬ليبقى ن ّ‬
‫ويعيدون انتاجه‪ ،‬تجد اآلخرين في الجهة اإلبداعية األخرى يكسرون‬
‫في كل كتاب الحق مسق المنجز اإلبداعي في النص السابق‪،‬‬
‫متجاوزين إياه وعابرين فوقه‪ ،‬وهؤالء هم صنّاع الجمال القادرون في‬
‫كل تجربة كتابية الذهاب الحر إلى منطقة جديدة‪ ،‬تتمخض عن رؤيته‬

‫(‪ ) 1‬قضايا الرواية الحديثة‪ ،‬جان ريكاردو‪ ،‬ترجمة صياح الجهيم‪ ،‬وزارة الثقافة ‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪.130 :1977 ،1‬‬

‫‪46‬‬
‫المتطورة في الكتابة على المستويات كافة‪ ،‬وهم الذين بوسعهم أن‬
‫يؤسسوا مشروعا إبداعيا خالقا‪ ،‬يضيء تجربتهم وتجربة الجيل كامال‪،‬‬
‫قوة وإقناع"(‪.)1‬‬
‫ويأتون بالجديد المنتظر بكل ّ‬
‫عند الرجوع إلى أرض الحكايا‪ ،‬نجد أن المجموعوة تكتنوز باللعوب‬
‫الترميزي‪ ،‬والتعبير الغامض‪ ،‬والتشوفير المتعمود‪ ،‬والتوظيوف الغرائبوي‪،‬‬
‫وظي فووي عوووالم شووعالن‬ ‫وهووذه كلهووا جعلووت المجموعووة بووؤرة قابلووة للتشو ّ‬
‫القصصووية‪ ،‬التووي تتخووذ موون التجريووب منطلقووا لهووا فووي التحوووالت النصووية‬
‫تشوكيال وتودليال‪ .‬فيأخوذ التشووكيل المسواحة ذاتهوا فووي التودليل‪ ،‬منطلقوة موون‬
‫الحوب والجسود بوصووفهما حاجوات طبيعيوة لإلنسووان سوواء أكوان ذكوورا أو‬
‫أنثى‪ ،‬بعيدا عن الغرائز والنزوات‪ ،‬ومجترحة قدسية للحوب بكول أنواعوه‬
‫وتفاصوووويله علووووى الوووورغم موووون اختراقهووووا لحجووووب الممنوعووووات‪ ،‬فتهتووووك‬
‫المحظوووور‪ ،‬وتتجووواوز المحوووذور‪ ،‬وتجووونح للخرافوووة والسوووحر والجنوووون؛‬
‫ليكون هذا الجنوح بمثابة تورية اضطرارية‪ ،‬تمرر عبرها موا لوديها مون‬
‫مشاكسووات تفضووح بهووا الواقووع المتووردي والبووائس‪ ،‬وتعو ّوري الممارسووات‬
‫الوحشية التي يقوم بها اإلنسان أو المجتمع‪ .‬فالحوبّ قضويتها الكبورى فوي‬
‫الحياة‪ ،‬وفي ك ّل مجموعاتها القصصية‪ ،‬وتجاربهوا اإلبداعيوة‪ ،‬وهوو حوبّ‬
‫الرجوول والموورأة ليحتوووي‬ ‫عمووالق يتجوواوز المفوواهيم الضوويقة للعالقووة بووين ّ‬
‫البشوورية جمعوواء بك و ّل تفاصوويله‪ .‬فهووي توودين ك و ّل التقاليوود والعووادات الباليووة‬
‫التي تنتصر للرجل وتدوس المورأة بكو ّل شوكل وألقوبح الوذّرائع ثوم تسو ّمي‬
‫(‪) 2‬‬
‫جرائهما باسم واحد أبعد ما يكون عن الحقيقة وهو اسم “شرف”‪.‬‬
‫إن القاصة قد اهتمت منذ بوداياتها بموضووع (الحوب) وكلموا كانوت‬
‫وتنووع فوي‬
‫ّ‬ ‫تعود إلى ذلك الموضوع في قصصها الالحقوة ‪ ،‬كانوت تجودد‬
‫(كيفية) تنواول الموضووع‪ ،‬ال فوي مواذا (يقوول) الموضووع‪ .‬بهوذه الرؤيوة‬
‫الفنيووووة جعلووووت القاصووووة موضوووووع الحووووب‪ ،‬مختلووووف بتجلياتووووه‪ ،‬متمووووردا‬
‫بتمظهراته‪ ،‬ومغايرا بتمثالته‪ ،‬ويشكل فوي مجمووع قصصوها الموضووع‬

‫(‪ )1‬أنماط الشخصية المؤسطرة‪ ،‬فرج ياسين‪ ،‬دار الشؤون الثقافية العامة‪ ،‬بغداد‪19 :2010 ،‬‬

‫(‪ )2‬أنماط الشخصية المؤسطرة‪ ،‬فرج ياسين‪ ،‬دار الشؤون الثقافية العامة‪ ،‬بغداد‪19 :2010 ،‬‬

‫‪47‬‬
‫المركوز‪ ،‬وعدّتووه منبووع الجمووال الخووالص الووذي كووان يسووتوقفها دائمووا‪ .‬ومووا‬
‫يسوووتوقفنا هوووو متابعوووة (الكيوووف) الوووذي عبووورت بوووه القاصوووة عووون مادتهوووا‬
‫القصصية؛ لكشف بعض التحوالت في أسلوبها الفني‪.‬‬
‫هكذا ف ّعلت القاصة الحب في (أرض الحكايا) (‪ .)1‬وأخذتنا إلى‬
‫عالم الدهشة واإلثارة‪ ،‬وتوغلت في الواقع المعيش اجتماعيا ونفسيا؛‬
‫كي ترينا كيف تفاعلت عذابات اإلنسان‪ ،‬وحرمانه من أبسط حاجاته‬
‫األساسية‪ .‬وعلى أساس كل ما تقدم‪ ،‬يمكننا أن نعد مجموعتها (أرض‬
‫الحكايا) بوصفها أول كتاب قصصي‪ ،‬ذو أهمية بالغة " ألنه يكشف عن‬
‫جوهر الفاعلية اإلبداعية المكتنزة في خطابه في أول شروع بتمظهر‬
‫الخطاب‪ ،‬ومن مالمح هذا الكتاب تتوضّح مالمح حساسيته‪ ،‬وأفق‬
‫رؤيته‪ ،‬وقدرته على إقناع القارئ‪ ،‬بأنه يحمل بين طياته مشروعا‬
‫مغايرا" (‪ .)2‬ولكننا سنركز فيه – أي كتابها األول‪ -‬على المتواليات‬
‫القصصية التي قاربناها في الفصل الثالث‪ ،‬بينما سنقارب التحوالت‬
‫التحول في مجموعتها‬
‫ّ‬ ‫عند شعالن فيما يخص العجائبية ومرتكزات‬
‫(قافلة العطش) التي تعد أكثر نضجا وثراء في تقنيات التشكيل‪ ،‬فضال‬
‫عن ترسيخ جدلية الحب والحرمان بفاعلية أكثر‪.‬‬
‫إن التحوالت النصية في مجموعتها (قافلة العطوش) تونهض علوى‬
‫المغووايرة التووي اعتموودتها فووي تجوواوز القووص الووواقعي‪ ،‬وتوظيووف كوول موون‬
‫العجائبي والغرائبي واألسطوري والسحري في القص الالواقعي؛ وهوذا‬
‫مووا دعاهووا إلووى التركيووز علووى شوواعرية اللغووة‪ ،‬وتكثيووف األحووداث‪ ،‬وتوورك‬
‫نهايات القصص مفتوحة‪ .‬وهي بهوذا الفعول القصصوي كانوت تسوعى إلوى‬

‫(‪ ) 1‬أرض الحكايا‪ ،‬سناء الشعالن‪ ،‬نادي الجسرة الثقافي واالجتماعي‪ ،‬قطر‪.2005 ،‬‬

‫(‪ )2‬سوووووووووووووووووووناء شووووووووووووووووووووعالن قاصووووووووووووووووووووة محرومووووووووووووووووووووة موووووووووووووووووووون الحووووووووووووووووووووب ‪ -‬جريوووووووووووووووووووودة االتحوووووووووووووووووووواد‬


‫‪article=full#ixzz1GZGG7Hlj&y=2011&http://www.alittihad.ae/details.php?id=23022‬‬

‫‪48‬‬
‫تجوواوز فضوواء االنكسووارات والهووزائم التووي تنتوواب شووخوص قصصووها‪،‬‬
‫وتنقلهم إلى فضاء التحدي واالنتصار‪.‬‬
‫في قصة (الفزاعوة) تودور األحوداث فوي مزرعوة ريفيوة‪ ،‬فوي سورد‬
‫يعتموود الضوومير الغائووب‪ ،‬إذ تصوونع صوواحبة حقوول الفراولووة فزاعووة موون‬
‫مالبوووس رثوووة‪ ،‬وقبعوووة فيهوووا خووورق كبيووور‪ ،‬وقووودمين خشوووبيتين‪ ،‬وعينوووين‬
‫ملونتين‪ ،‬وفم مخاط على عجل‪ ،‬وبدون أذنين‪ ،‬وقلب من القش‪ ،‬وخصور‬
‫نحيووول‪ ،‬وكوووأن القاصوووة تريووود بهوووذا الصووونيع اليووودوي لفوووت انتباهنوووا إلوووى‬
‫العجووائبي فووي تشووكيل هووذه الفزاعووة بوصووفه (رجووال) سيعشووق صوواحبة‬
‫الحقوول بعوود أن يخلووص فووي عملووه (إخافووة الطيووور وإبعادهووا عوون الحقوول)‬
‫ويراقب الفتاة التوي صونعته‪ ،‬ويغورق باللوذة وهوو يستنشوق رائحوة عرقهوا‬
‫عندما ألبسته ثوبها البالي‪ .‬لكنهوا بعود أن تلقوي نظورة عجلوى الثووب الوذي‬
‫يلبسه تقول‪ " :‬يا له من ثوب قديم! ال تحزن يا عزيزي‪ ،‬غدا أصننع لن‬
‫ثوبا آخر يليق ب ‪ ،‬وبجهودك التي تبذلها")‪. (1‬‬
‫ثووم تضوويف القاصووة بعوودا عجائبيووا آخوور علووى القصووة عوودا األنسوونة التووي‬
‫موورت علينووا فووي استنشوواق رائحتهووا‪ ،‬ويتجلووى هووذا البعوود فووي (مغووادرة )‬
‫التربة التوي نصوبته فيهوا‪ ،‬و(الغيورة) التوي انتابتوه وهوو يشواهد شوابا يوأتي‬
‫لزيووارة الفتوواة فووي الحقوول‪ ،‬بعوود أن هيووأت نفسووها السووتقباله‪ ،‬وكأنهووا فووي‬
‫عرس‪ ،‬فبعد رقصا معا‪ ،‬وهو يراقبهما‪ ،‬يعلو فجوأة صوراخهما وينسوحب‬
‫الشوواب‪ ،‬فترتمووي الفتوواة علووى أريكووة قريبووة منهووا‪ ،‬وتنتحووب ببكوواء حووار‪،‬‬
‫فيسووتجيب الرجوول (الفزاعووة) إلووى وجيووب قلبووه‪ ،‬يترجوول‪ ،‬ويوودخل الكوووخ‬
‫الذي فيه الفتاة‪:‬‬
‫"راقبهما طويال من مكانه‪ ،‬تناوال من طعنا العانا ‪ ،‬وعز نا معنا‬
‫مننننن جدينننند‪ ،‬ثننننم راقصننننها علننننق أنغننننا موتننننيقق المسننننجل تعالق‬
‫صراخهما‪ ،‬وبدا أن نارا تاتعل بينهما‪ ،‬ثم غادر المكان غاضبا‪ ،‬وصن ّ‬
‫الباب بقوة كادت تخلعه‪ ،‬ارتمن ببيبتنه علنق أريكنة قريبنة منن البناب‪،‬‬
‫وانخرطن ي البكا ‪ ،‬كان صوت بكائها ال يقل جماال وتنثثيرا ني نفسنه‬
‫عن صوت غنائهنا‪ ،‬قندّر أنهنا بزيننة جندا‪ ،‬و ني باجنة قلنق قلنه يحبّهنا‬
‫باندّة‪ ،‬لقلبننه مننثال‪ ،‬كنناد يناديهننا مننن مكانننه ليسننثلها عننن تننبه بزنهننا‪،‬‬

‫(‪ )1‬قافلة العطش‪ ،‬سناء الشعالن‪ ،‬الوراق للنشر والتوزيع‪.28 :2006 ،‬‬

‫‪49‬‬
‫ولكنه تنذكّر أننه ال يعنرس اتنمها‪ ،‬هنو لنم يسنمع أبندا يناديهنا باتنمها‬
‫من قبل بتق يعر ه‪ ،‬كّر قليال‪ ،‬ثم اتتجاب قلق وجيه قلبه‪ ،‬تر ّجل عنن‬
‫مكانه‪ ،‬وقطع الحقل الصغير‪ ،‬داس دون أن يقصد علنق ببّنات الفراولنة‬
‫الحمرا ‪ ،‬لم يقرع الباب‪ ،‬حه دون انتظار‪ ،‬ودخل قلق الكوخ" )‪. (1‬‬
‫إن هووذا االشووتغال العجووائبي أفضووى علووى القصووة بعوودا تشووكيليا مغووايرا‪،‬‬
‫عبور المبالغووة فووي تصوووير (الفزاعووة) وأفعالهووا الالمعقولووة‪ ،‬وهووذا بوودوره‬
‫سيمنح القارئ بعدا تدليليا‪ ،‬يختلف من قارئ آلخور‪ .‬ويبودو أن االسوتالب‬
‫والظلم والقهر الذي طال الواقع العربي – والمرأة جزء منه – هو الوذي‬
‫دعا سناء شعالن‪ ،‬كغيرها من الكتّواب والكاتبوات إلوى توظيوف العجوائبي‬
‫وروع الووذي نعيشووه بكوول تفاصوويله‪ ،‬كووان‬
‫فووي القصووة القصوويرة‪ .‬فووالواقع المو ّ‬
‫سببا في هذا االشتغال‪.‬‬
‫وتتشاكل قصة (امرأة استثنائية) مع قصة (فزاعة) في أنسنة الجمادات‪،‬‬
‫والنهوض على األحداث العجائبية ‪ ،‬فبعد أن تنادي الفتاة ذات القامة‬
‫القصيرة حد التقزم‪ ،‬والمشوهة المالمح على الرجال‪ ،‬بأنها موهوبة‪،‬‬
‫لدرجة أنها قادرة على بعث السعادة في القلوب الميتة‪ ،‬وهذه إشارة إلى‬
‫(التمثال) الذي تحرره من عالمه الحجري‪ ،‬فيقترب منها‪ ،‬ويتحول إلى‬
‫شاب من لحم ودم‪:‬‬
‫" يقترب التمثال الصخري الذي ق ّد لتوه من جدار ّية صخرية كبيرة‪،‬‬
‫تضم تماثيل كثيرة لاباب رومان صغار السن مطوقين بالغار‪ ،‬نظر‬
‫تحول بلحظات من تمثال‬ ‫ّ‬ ‫قليها بعينيه اللتين الحياة لتوهما‪ ،‬قد‬
‫صخري ي جدارية صخرية ثالثية األبعاد‪ ،‬تسكن وتط المدينة‬
‫القديمة من آالس السنوات قلق شاب من لح ود وربما قله من‬
‫يدري")‪. (2‬‬
‫يبتسم التمثال ثم يطبع قبلة على جبينها‪ ،‬ويردد كلمة (أحبك)‪ ،‬ثم‬
‫يركع عند قدميها‪ ،‬ويتناول جسدها الصغير بين يديه‪ ،‬ويدور بها بين‬
‫السواح وهو يقبلها‪ ،‬ولكن فجأة يعود التمثال إلى مكانه‪ ،‬وتذهب هي‬

‫(‪ )1‬قافلة العطش‪.30 :‬‬

‫(‪ )2‬المصدر نفسه‪.49 :‬‬

‫‪50‬‬
‫بكل انكساراتها إلى فراشها الحقير‪ .‬ثم تعود في اليوم الثاني‪ ،‬وتكلم‬
‫صورة في جدار‪ ،‬وتخبره بأنها (امرأة استثنائية) وقادرة على فعل ما لم‬
‫تستطع أي امرأة فعله إال إذا كانت استثنائية مثلها‪ ،‬فتعيش يوما رائعا‬
‫وهي سعيدة بعد أن يتحول الشاب الذي في الصورة إلى عاشق آخر‬
‫يمر بحياتها البائسة‪:‬‬
‫ّ‬
‫" ي الصباح تتثمل ي صورة لفتق وتيم‪ ،‬كان قد علّق علق لوبة‬
‫قديمة ي آخر الموقف المهجور‪ ،‬تم ّن أن يكون بقيقة‪ ،‬اقترب من‬
‫صورته‪ ،‬وهمس بدس ‪ ،‬وكل به الدنيا قائلة‪ :‬أنا امرأة قادرة علق‬
‫تحرير المثتورين من أترهم‪ ،‬قادرة علق أن ترتم االرتعاش علق‬
‫الافاه الميتة‪ ،‬قادرة علق أن تبعث الحياة ي القلوب الميتة‪ ،‬أنا امرأة‬
‫اتتثنائية‪ ،‬اقترب مني ومن جديد دبّ الحياة ي الفتق الصورة‪،‬‬
‫ومرة أخرى عاش قصة به رائعة ليو طويل مع شاب اتن‪ ،‬تجاوز‬
‫جسدها وتجاعيدها")‪. (1‬‬
‫إن سعة خيال القاصة وتصويرها لألشكال المختلفة عبر توظيفها‬
‫للعجائبي عمال على تقوية عملية القص وجذب القارئ إليه‪ ،‬وهنا‬
‫تحررت من التقنيات التقليدية‪ ،‬وسعت إلى انوجاد عالم متخيل بأسلوب‬
‫يتوافق مع األحداث الواقعية وفوق الواقعية‪ ،‬التي تداخلت فيما بينها من‬
‫أجل خلق الحيرة والتردد والدهشة وتغيير مسار القص؛ إلمتاع القارئ‬
‫ونقله من عالم مألوف وواضح وبسيط إلى عالم غامض ومعقد‬
‫ويتجاوز حدود األلفة‪ .‬وقد أرادت القاصة بهذا التعالق بين الواقعية‬
‫الراهنة‪ ،‬والمتخيّلة المفترضة‪ ،‬فضح الواقع المتردي الذي تعيشه‬
‫المرأة‪ ،‬والمتمثل بالحرمان والعطش واالستالب الروحي الذي تعاني‬
‫منه‪.‬‬
‫وتنعكس الشخصية في قصوة (زاجور المطور) إذ يصويب الحرموان‬
‫في هذه القصة شابا وليس فتواة كموا فوي القصوتين السوابقتين‪ ،‬ولوه موهبوة‬
‫اسووتثنائية أيضووا‪ ،‬وقوود تركووزت فووي توقووع قوودوم المطوور وعدمووه‪ ،‬تيوتّم منووذ‬
‫بداية حياته‪ ،‬فتزوجت أمه وتركته لزوجة عمه التي كانت تلقبوه بوـ(أجود‬

‫(‪ )1‬قافلة العطش‪.53 :‬‬

‫‪51‬‬
‫الهبيلووة) ‪ ،‬لووم يكموول دراسووته علووى الوورغم موون معدلووه العووالي فووي الثانويووة‬
‫العامووة ‪ ،%85‬رحوول الشوواب إلووى المدينووة ‪ ،‬فموهبتووه لووم تعوود تنفعووه ؛ ألن‬
‫المطر ال يعني للناس شويئا‪ ،‬مثلموا يعنوي الفالحوين‪ ،‬يحصول علوى وظيفوة‬
‫موزع صحف يومية‪ ،‬بتوصية من إحدى الرئيسات المسنات في منظموة‬
‫المشواريع الصوغيرة التوي أبودت إعجابووا بتكوور فخذيوه‪ ،‬واتسواق اعضووائه‬
‫السفلى ( وهنا تشوير القاصوة إلوى الحرموان الوذي موا توزال المورأة تعواني‬
‫منه‪ ،‬وفي كل مراحل عمرها) وبتوصية منها كذلك حصول علوى دراجوة‬
‫هوائية قديمة لنقل الصحف‪ ،‬ولكن نتيجة الجهد والتعب كوان يمنّوي نفسوه‬
‫لو تتحول الدراجة إلى سيارة‪ ،‬ولكن لن يحصل هذا‪ ،‬فهو صبي الجرائود‬
‫ويبقى‪ .‬كما كوان يمنوي نفسوه بابتسوامة عوابرة مون فتواة‪ ،‬ولوم يحصول هوذا‬
‫أيضووا‪ ،‬وفووي يوووم موون األيووام افتووتح متجوور للثيوواب النسووائية‪ ،‬وكووان فووي‬
‫واجهتوووه الزجاجيوووة (فتووواة) العووورض البالسوووتيكية التوووي يهووويم بجمالهوووا‪،‬‬
‫وتسور‬
‫ّ‬ ‫فيحادثها ويبادلها الحب كل يوم ‪ ،‬وتحدّثه عن عالمهوا البالسوتكي‬
‫له بأمنياتها‪ ،‬وتحزن على حياته‪ ،‬ويتفقان على الزواج‪ ،‬فيُتهم بوالجنون ‪،‬‬
‫ويوورفض صوواحب المتجوور إيصووال باقووة ورد موون الشوواب إلووى معشوووقته‬
‫البالستيكية‪ ،‬فيتأزم وضع الشاب النفسي ‪ ،‬ولم يعد يحتمل السكوت وهوو‬
‫واقووع تحووت نووار الغيوورة جووراء مشوواهدة الرجووال لهووا موون وراء الزجوواج ‪،‬‬
‫فيخترق الزجاج بحركة جنونية‪ ،‬وتنتهي القصة بابتسامة فرح غريبة‪:‬‬
‫" ي المسنا كانن المديننة غارقنة ني أمطنار عجيبنة اجتابتهنا‬
‫ننني غينننر موتنننمها‪ ،‬ث سننندت كنننل شننني ‪ ،‬وأعاقننن الحركنننة‪ ،‬ومنعننن‬
‫الجميننع قال قلننة مننن بضننور جنننازة زاجننر المطننر الننذي مننات قثننر بالننة‬
‫جنون مفاجئنة د عتنه و نق تقرينر الطبينه الانرعي قلنق اختنرا جندار‬
‫يعن أبد المايعين نفسنه‬ ‫زجاجي‪ ،‬كان علق شفتيه ابتسامة غريبة‪ ،‬لم ّ‬
‫ترها‪ ،‬ال أبد يبالي بابتسامة زاجر مطر مسكين" )‪. (1‬‬ ‫ّ‬ ‫ي‬
‫في هذا الفضاء المشبع بالعجائبية‪ ،‬تسوعى القاصوة إلوى خلوق تووازن‬
‫نفسي‪ ،‬يضمن التآلف بين سكونية الواقعي وحركية الالواقعي‪ ،‬مون أجول‬
‫تعرية الدوافع التي تدفع اإلنسان إلى مثل هذه األفعال‪ ،‬ومنهوا الحرموان‪،‬‬
‫فالشاب في هذه الشخصية ال يعاني من حرمان واحد‪ ،‬بل مون حرمانوات‬

‫(‪ )1‬قافلة العطش‪.119 :‬‬

‫‪52‬‬
‫كثيرة منها‪( :‬األب‪ ،‬الدراسة‪ ،‬الزوجة) ‪ .‬كما ال يعواني الشواب وحوده فوي‬
‫القصووة موون الحرمووان‪ ،‬فالسوويدة التووي أوصووت بتعيينووه محرومووة أيضووا‪،‬‬
‫وحرمانها هو الذي دفعها إلى اشتهائه واإلشفاق عليه‪ ،‬ولكن تبقوى نهايوة‬
‫هذه القصة من أغرب االشتغاالت في قصوص سوناء شوعالن‪ ،‬إذ جمعوت‬
‫المطوور فووي موقفووه السوولبي‪ ،‬واالبتسووامة الغريبووة فووي موقفهووا اإليجووابي‪،‬‬
‫وموووت زاجوور المطوور (التوسووط بووين السوولب واإليجوواب)‪ .‬هووذه األفعووال‬
‫الثالثوة هووي التووي جسوودت فاعليووة هووذه القصووة فووي توظيووف المرونووة التووي‬
‫تنماز بها القصة القصيرة‪ ،‬بوصفها أكثر الفنون استعدادا لتقبل التجريب‬
‫الذي يقود إلى التحوالت‪.‬‬

‫وتظوول العجائبيووة المعووين الثوور الووذي توظفووه شووعالن فووي قصصووها‪،‬‬


‫فالزوجووة التووي قطعووت الوحوووش جسوود زوجهووا فووي قصووة (بئوور األرواح)‬
‫تحمل بعض أشالء جسد زوجها وتوذهب إلوى البئور العجيبوة التوي يحكوى‬
‫عنها أنها (مؤول أزلي لألرواح) تلك البئر التي كانت يجمع طفولتهما‪،‬‬
‫فتتطلب من البئر أن تعيد لهوا روح زوجهوا‪ ،‬ولكون البئور تطلوب منهوا أن‬
‫تحضوور أشووالءه كاملووة كووي تسووتطيع إعووادة روح زوجهووا‪ ،‬ومووع إصوورار‬
‫البئر على طلبه المستحيل‪ ،‬تطلب منه أن يضع روح زوجها في جسودها‬
‫هي‪ ،‬لكنه يرفض‪ ،‬وال يلتفت لصراخها‪ " :‬يوا بئور أريود روح زوجوي" ‪.‬‬
‫ولكنهووا تتحوودى البئوور ‪ ،‬وتلقووي بنفسووها فيووه ك وي تتحوود روح زوجهووا مووع‬
‫روحها في جسود واحود‪ ،‬ويحصول ذلوك‪ ،‬فتضوطرب البئور بشودة موع بقيوة‬
‫األرواح الي اختطفتها‪ ،‬وحين تعود إلوى البيوت شوبه عاريوة‪ ،‬يلفحهوا بورد‬
‫الصباح‪ ،‬وهي تحمل روحين عاشقتين‪ ،‬كلتاهما قد قهرتوا جبوروت البئور‬
‫الغاشمة‪:‬‬
‫"وقال ‪ :‬أيتها الروح‪ ،‬يا روح زوجي الحبيه‪ ،‬ل جسندي منوئال‪،‬‬
‫قدخلنني يننه‪ ،‬يننا روح أنننا نني انتظننارك‪ ،‬جسنندي تننيكون مننوئال مقدتننا‬
‫لخلجات ‪ ،‬جسد وابد يكفني لنروبين عاشنقين‪ ،‬ينا روح ببيبني اعصني‬
‫هذه البئر الغاشمة ‪ ،‬واتتجيبي لصوت من يحب " )‪. (1‬‬

‫(‪ )1‬قافلة العطش‪.92 :‬‬

‫‪53‬‬
‫وإذا كان كل من التحدي واإلصرار على الفوز بما تريد تلك المرأة‬
‫التي حرمت من زوجها يشكل غرائبية نوعا ما‪ ،‬فإن روح زوجهوا التوي‬
‫تخترق جسدها تشكل العجائبية التي اعتمدت عليها القاصوة فوي توصويل‬
‫داللة القضاء على الحرمان في مجتمع قاس‪ ،‬ال يهمه سوى العيش علوى‬
‫أرواح اآلخورين‪ .‬وهنووا فعّلووت القاصووة تحوووالت القووص عبوور التحووول موون‬
‫مكوناتوه الواقعيوة للونص‪ ،‬إلوى المكونوات العجائبيوة للونص‪ ،‬ولوو تتواح لنوا‬
‫فرصة أخورى فوي تحليول القصوة لوحودها‪ ،‬وكشوف عتماتهوا‪ ،‬واستشوفاف‬
‫الدوافع الخاصة بالقاصوة‪ ،‬لوجودنا كوم أثّور الحرموان علوى شوخوص هوذه‬
‫وحولهم من أناس عاديين‪ ،‬إلى عجائبيين ال يستوعبون الواقع‬ ‫القصص‪ّ ،‬‬
‫العادي‪ ،‬وال هو يستوعبهم‪ ،‬فال مصير لهم سووى الوزوال بوأي شوكل مون‬
‫األشكال‪ ،‬وإن بقي أحدهم حيا‪ ،‬فتكتب عليه لعنة اإلنتظار‪.‬‬
‫وتتكرر العجائبية في قصة (الجسد) عبر عالقة تعلق بنطال كتاني‬
‫عتيد بجسد صاحبه‪ ،‬وعبر األنسنة التي كثيرا ما وظفتها القاصة في‬
‫قصصها‪ ،‬تتقدم العجائبية في كل األفعال اإلنسانية التي يفعلها ذلك‬
‫البط ال‪ ،‬الذي ما زال يتعشق رائحة عرق الجسد الذي طالما حظنه حد‬
‫االلتصاق‪ ،‬وحين كان يفارقه في الليل كان ينتظره بشهوة ليعود إليه‬
‫ويرتديه ثانية‪ .‬فالبنطال يحدث نفسه‪ ،‬يتذكر الزمن الجميل‪ ،‬يئن تحت‬
‫وطأة مواجع الحاضر‪ ،‬يتقلب شوقا إلى الجسد المشتهى‪ ،‬ويحن إلى‬
‫الغائب الذي هجره‪:‬‬
‫"بات يعيش علق ذكرى ذل الخصر األهيف الذي طالما باصره‬
‫بكبريا وقثارة‪ ،‬كان ذل من تنوات طويلة‪ ،‬لكنه بتق اآلن ال زال‬
‫يتعاّق رائحة عر الجسد الذي طالما بضنه بد االلتصا ‪ ،‬ورا قه‬
‫ي كل مكان")‪. (1‬‬
‫هكذا نلفي أنفسنا أمام بنطال يمتلك إحساسا ً عارماً‪ ،‬ورؤية جمالية‪،‬‬
‫ولمسات فنية تميزه‪ ،‬حتى لنخاله كائنا إنسانيا حياً‪ :‬يشعر ويحس‪،‬‬
‫ويتمنى ويقارن‪( ...‬ياعر البنطال بثن قر ه قد تضاعف يايح بنظراته‬

‫(‪ )1‬المصدر نفسه‪.121 :‬‬

‫‪54‬‬
‫عن القميص الذي مازال يثرثر‪ ،‬يبتعد ليحلم بجسد ياتريه من تو‬
‫النخاتة)(‪.)1‬‬
‫فاألفعال (يشعر‪ ،‬يشيح‪ ،‬يثرثر‪ ،‬يحلم‪ ،‬يشتريه) التي يفعلها كل من‬
‫البنطال والقميص‪ ،‬هي أفعال حسية من أفعال اإلنسان‪ ،‬عمدت القاصة‬
‫فيها إلى أنسنة الفضاء القصصي‪ ،‬وإضفاء طابع التغريب عليه من‬
‫جهة‪ ،‬والتعجب من جهة أخرى‪ .‬وهنا ضخت القاصة في هذين‬
‫الجمادين (البنطال والقميص) أنساغا إنسانية‪ ،‬فهما يتحركان ويمارسان‬
‫أعمال اإلنسان بانسيابية عالية تبقى عالقة في ذهن المتلقي‪ ،‬وكأنها‬
‫قالت لهما‪ :‬كونا فكانا‪ .‬وقد أرادت القاصة من ذلك تحوال قصصيا‪،‬‬
‫يشمل منظومات فكرية تنحو نحوا رمزيا وإحاليا؛ بهدف استخالص‬
‫موقف ما‪ ،‬أو رؤية ما عبر هذا التعالق بين األشياء واإلنسان‪ ،‬فضال‬
‫عن سحب المتلقي إلى منطقة التدليالت المتعددة‪ .‬هذه القصة العجائبية‬
‫هي صرخة عالية جدا بوجه الحرمان الذي يفرضه الرجل على المرأة‬
‫عندما يتخلى عنها‪ ،‬بعد أن تسرقها سنوات العمر وتسلبها جمالها‬
‫وحيويتها‪.‬‬
‫وهكذا تخلخل سناء شعالن اشتراطات القص‪ ،‬وتعمل على تفعيل‬
‫حركية الواقع بطريقة عجائبية مثيرة‪ ،‬إذ تمكنت في هذه القصص من‬
‫إدارة دفة التعالق بين مكونات التركيب النصي للوصف‪ ،‬وتفعيل دور‬
‫المكون الداللي للمفردات والجمل الوصفية التي يمكن استكناه دالالتها‬
‫عبر عالقاتها على مستوى البنية النصية والتركيبية‪ ،‬والسيما داللة‬
‫الخطاب الوصفي في أغلب القصص؛ وذلك اعتمادا على المقاصد‬
‫النصية وما يحتويه الخطاب من جماليات وإحاالت متنوعة‪ ،.‬ثم تقحمنا‬
‫في الذي العجائبي الذي يسهم إسهاما فاعال في تشكيل البناء السردي‬
‫في أغلب قصصها التي تتسم بالخيال والتصوير الفني الجمالي عبر‬
‫توظيفها لألشكال المختلفة وهي تتجاوز الواقعي إلى العجائبي‪.‬‬
‫إنها بهذا الفعل تغادر القاصة التقنيات التقليدية وتلجأ إلى كل ما‬
‫يتماشى مع القص الحداثي‪ ،‬فضال عن اهتمامها باالشراطات الفنية التي‬

‫( ‪)1‬‬
‫المصدر نفسه‪.125:‬‬

‫‪55‬‬
‫تثري عملية القص‪ ،‬فتقوم بجذب القارئ الى الشخوص الحائرة‬
‫والمترددة وال مدهشة‪ ،‬التي تؤثر على عملية تغيير القص‪ ،‬فضال عن‬
‫االهتمام باألزمنة في مفارقاتها االسترجاعية واالستباقية ‪ ،‬وعدّها زمنا‬
‫مجهوال‪ ،‬يضفى عجائبيّة متفردة على األحداث‪ ،‬كما شكل االهتمام‬
‫باألمكنة‪ ،‬الموزعة بين الواقعية والوهمية‪ ،‬وسطوتها في حموالتها‬
‫التاريخية المعرفية والثقافية‪ ،‬وارتباطها ببعدها الوجداني‪ ،‬ودورها‬
‫سدت‬ ‫الفعّال في رسم األحداث‪ ،‬هاجسا كتابيا عند شعالن‪ ،‬إذ ج ّ‬
‫إحساسها المرهف بالمكان عبر ربطه ببقية عناصر البنية السردية‪.‬‬
‫وتبقى النهايات المفتوحة للقارئ أهم ميزة في اإلقفال النصي؛ لكي‬
‫يضع النهاية التي يشكل التدليل حضورها لديه‪.‬‬
‫ولكي نتابع تحوالت القص عند شعالن‪ ،‬ال بد من اإلشارة إلى أنه‬
‫كلما كانت تتقادم تجربتها القصصية‪ ،‬كانت مغامرتها في اإلبداع‬
‫القصصي تزداد تحوال‪ .‬وفي مجموعتها‬
‫سخ وجوده في توظيف‬ ‫(تقاسيم الفلسطيني))‪ . (1‬نجد هذا التحول قد ر ّ‬
‫االنزياح النوعي الذي تكلمنا عنه في مجموعات سابقة عبر (المتواليات‬
‫القصصية) فضال عن توظيف العجائبي‪ .‬ففي قصة (المؤذن) يغادر‬
‫جسد هذا المؤذن الحياة على أيدي الصهاينة‪ ،‬ولكن روحه تبقى تمارس‬
‫عملها اليومي كالمعتاد‪ ،‬وتعد مثل هذه األفعال التي تتنافى مع منطق‬
‫الواقع تجاوز عقليا‪:‬‬
‫"غادرت جسده علق يسر‪ ،‬وأترع قلق المثذنة‪ ،‬ور ع‬
‫اآلذان ي وقته‪ ،‬صدح صوت المؤذن ي تما مدينة الخليل مودعا‬
‫بدعة جسده الذي غادر قلق البعيد مكوما ً ي مجنزرة صهيونية" )‪. (2‬‬
‫هذا الفعل العجائبي الذي تجسد عبر مغادرة الروح الجسد‪،‬‬
‫وقيامها بالفعل اإلنساني كما لو كان الرجل حيا‪ ،‬أسهم في خلخلة‬

‫(‪ ) 1‬تقاسيم الفلسطيني‪ ،‬سناء الشعالن‪ ،‬منشورات أمواج للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ -‬األردن‪ ،‬ط‪.2015 ،1‬‬

‫(‪ )2‬المصدر نفسه‪.18 :‬‬

‫‪56‬‬
‫القص‪ ،‬وانقطاعه عن التواصل المألوف‪ ،‬فامتزج الواقعي بالالواقعي‪،‬‬
‫لتظهر لنا كيفية مغادرة الثوابت‪ ،‬واعتماد المغايرة النصية وعيا جديدا‬
‫في إمكانية تحديد طبيعة القص‪.‬‬
‫أما في قصة (المعجزة) فجاءت األفعال فيها غرائبية وعجائبية‬
‫في آن واحد‪:‬‬
‫" بطون النسا الفلسطينيات كلها أكن صبايا أ ي منتصف‬
‫الاباب أ ي شرخه تعج بتوائم أربعة أو خمسة أو تتة‪ ،‬بتق‬
‫النسا اللواتي لم يتزوجن أو يمسهن بار أو عواقر تحرك‬
‫أربامهن باألجنة المعلنة وجودها بحركات عنيفة صارخة")‪. (1‬‬
‫وهنا ينفتح القص على أكثر من تأويل‪ ،‬وال ينبغي اختزال المسافة‬
‫بين النص والقارئ‪ ،‬فما يهمنا هو التوتر الذي حل محل السكينة في‬
‫الحمل المألوف‪ ،‬فاستعانت القاصة بحركية النص؛ الحتواء ما ال يمكن‬
‫أن تحتويه بنية القص المألوفة‪ ،‬وقد فعّلت المخيلة زحزحة الواقع‬
‫بدخول العنصر العجائبي في القص‪.‬‬
‫وفي قصة(شجرة) ‪ :‬تؤنسن القاصة األفعال التي تقوم بها‬
‫الشجرة‪ ،‬ويمكننا عد هذه األنسنة نوعا من أنواع العجائبية التي‬
‫وظفتها القاصة في هذه المجموعة‪ ،‬إذ تعمل القاصة عبر توظيف‬
‫األنسنة على تفعيل الم ّخيلة‪ ،‬وتوسيع آفاق التلقي‪ ،‬بوصفها شكال من‬
‫أشكال عولمة المأزق اإلنساني بكل تشعباتها إن جاز التعبير ‪،‬‬
‫ومنحها للجمادات؛ كي تشارك اإلنسان مآزقه‪ .‬وعلى هذا األساس‬
‫نجد أنفسنا في قصص شعالن أمام جمادات تتحرك وتحس‪ ،‬تنفعل‬
‫سعت القاصة هنا من‬ ‫وتتفاعل‪ ،‬تتألم وتفرح‪ ،‬تكره وتحب‪ .‬وقد و ّ‬
‫فضاءات األنسنة‪ ،‬لتشمل الشجر الذي أصبح يمتلك قامة وقدا ً من‬
‫جهة‪ ،‬وحركة وحياة من جهة أخرى‪ .‬وهي بهذا توظف عناصر‬
‫وأشكال وعالمات ترمز إلى الذكورة واألنوثة عبر سرد الوقائع‬
‫واألحداث‪ ،‬فاألشجار ‪ -‬من وجهة نظر القاصة ‪ -‬تملك هي األخرى‬
‫(‪ )1‬المصدر نفسه‪.19 :‬‬

‫‪57‬‬
‫حكايات وسيرا ومالحم وآماال وانكسارات‪ ،‬فهي تحافظ على عشقها‪،‬‬
‫وتخلص لمحبوبها مهما كان الثمن‪:‬‬
‫"‪...‬الاجرة الكبير العمالقة اتتنجدت بثثيرها الحاجة ( ريدة)‬
‫التي هرول قليها علق الرغم من كبر تنها‪ ،‬وغطتها بمال ة رأتها‪،‬‬
‫أخذتها قلق بضنها‪ ،‬وشدتها قلق عظامها بتق كادت تنغرز يها‪ ،‬قال‬
‫أن هذه الاجرة قد ر ض أن تُغتال‪ ،‬هرب النّاجون القليلون من‬ ‫ّ‬
‫الصهاينة من وجه هذه الاجرة الفدائية‪ ،‬ور ضوا أن يعدوا من جديد‬
‫قلق بيث تنتصه الاجرة الفلسطينية المقالة" )‪. (1‬‬
‫لقد فعّلت القاصة هنا أنسنة األشياء عبر تفعيل المجاز‪ ،‬وإعطاء‬
‫الصفات اإلنسانية لألشياء‪ .‬عبر توظف االستعارات المكنية لتؤنسن‬
‫بها االشياء‪ ،‬خالعة الصفة االنسانية على الجمادات‪ ،‬لمنح القص طاقة‬
‫فاعلة باتجاه الحياة‪ ،‬فضال عن المغايرة في التعبير‪ ،‬ترافقها تقانة‬
‫ال مفارقة التي دفعت تحوالت القص نحو اللعب والمراوغة والخلخلة‬
‫بشكل أكثر جماال ومتعة‪ .‬فاستطاعت القاصة الغوص في أعماق النفس‬
‫اإلنسانية‪ ،‬وبعث الحياة في تلك األشياء‪ ،‬وعلى هذا األساس جاءت‬
‫شخوص أغلب قصصها بشخصياتها قريبة من‬
‫المتخيل الواسع األفق‪ ،‬وهي تضيف إلى ممكناتها القصصية رؤى‬
‫فنية منزاحة عما هو قار وسائد‪ ،‬إذ جاءت الشخوص التي أخذت‬
‫أشكاال وصورا مختلفة في تداخل بين الخارق والعادي‪ ،‬األسطوري‬
‫والمعاصر‪ ،‬وتعد هذه االستعارات المتنافرة في نسيجها القصصي‬
‫وعيا بصنيعها الفني الذي ش ّكل قيمة جمالية مضافة إلى ما قدمته‬
‫سابقا‪ ،‬وتحوال قصصيا واضحا إذا ما قارناه بأسلوب قصصها السابقة‪.‬‬
‫وفي قصة (إسعاف) تص ّعد القاصة من توظيف الخارق في‬
‫قصصها‪ ،‬وذلك لخلق الموازنة بين هول الجرائم الي ترتكب من قبل‬
‫الصهاينة‪ ،‬وجنون التوظيف التي اتخذته مغامرة في تحوالت قصها‬
‫القصير‪:‬‬

‫(‪ )1‬تقاسيم الفلسطيني‪.41-40 :‬‬

‫‪58‬‬
‫"قذيفة هوجا عتية اقتلع رأته من و جسده‪ ،‬تطاير‬
‫الرأس بعيدا غير آبه بآال التدبرج علق بصق ماتعلة‪ ،‬أما الجسد‬
‫اتتمر يقود تيارة اإلتعاس بإصرار وشجاعة ليوصل المصابين قلق‬
‫أقرب مستافق لسطيني" )‪. (1‬‬
‫وال تكتفي القاصة بالحديث عن خوارق األحياء قبل أن يموتوا‪،‬‬
‫بل نجدها تحدثنا عن األموات وما يقومون به من أفعال‪ ،‬ففي قصة‬
‫(مقبرة) تتخلى القاصة عن إعطاء األفعال الخارقة لألحياء‪ ،‬وتمنحها‬
‫لألموات يقومون بها‪ ،‬فيحدث في هذه القصة صراعا بين األموات‬
‫وقوات االحتالل الصهيوني‪:‬‬
‫" قرر العدو الصهيوني أن يجرس المقبرة بعد تمايطها ألجل‬
‫أن يبنق أكبر مستوطنة ي لسطين المحتلة ي الليل ومع هدأة‬
‫الرقاد اتتيقظ الهياكل المطرودة من قبورها‪ ،‬ولبس أكفانها‪،‬‬
‫وهاجم أعدا ها")‪. (2‬‬
‫تسعى القاصة في هذا الوظيف العجائبي إلى بيان مدى القسوة‬
‫والظلم الذي يمارسه المحتل الصهيوني على الفلسطينيين‪ ،‬إلى الحد‬
‫الذي ال تتحمل رفات الميت أفعالهم الممقوتة‪ ،‬فنهضت تلم الرفات‬
‫وتقاتل ببسالة؛ لخلق التوازن الذي تكلمنا عنه قبل قليل‪ .‬فاألفعال‬
‫الخارقة تجيء إلنقاذ الفلسطيني من معضلة ال يقدر أن يتجاوزها أو‬
‫يتخطاها‪ ،‬فاألسرى في سجون االحتالل (رجال ونساء) تضيق عليهم‬
‫جدارن الزنزانة‪ ،‬وهنا ال بد من إيجاد مخرج‪ ،‬لهذا السجن‪.‬‬
‫أما في قصة (حليب) فتتجلى األفعال الخارقة في فعل تقوم به أم‬
‫أسيرة بإرضاع الحليب لطفلها‪:‬‬

‫(‪ )1‬تقاسيم الفلسطيني‪.45 :‬‬

‫(‪ )2‬المصدر نفسه‪.61 :‬‬

‫‪59‬‬
‫" تخرج ثديها من داخل ثوب تجنها الفضفاض القذر‪ ،‬وتفكر‬
‫بابنها الرضيع‪ ،‬يندلق الحليه من صدرها ي م ابنها علق الرغم من‬
‫البعاد‪ ،‬ترضعه بتق يابع وبينهما صحرا وتجن وجنود وكالب!"‬
‫)‪.(1‬‬
‫في هذا الفعل العجائبي تتخضخض الثوابت المعيارية لعملية‬
‫إرضاع الطفل بشكلها المألوف‪ ،‬وكأن القص األكثر واقعية يتشكل‬
‫بطرق غير واقعية)‪. (2‬‬
‫وفي قصة (قلب) ترفض األعضاء المسروقة من الشهداء‪ ،‬التي يتم‬
‫زرعها للصهاينة‪ ،‬التجانس مع أجسادهم وعقولهم وتصرفاهم ‪:‬‬
‫" تثل (الجنرال) أخاه بقلق‪ :‬باروخ‪ ،‬أخي الحبيه‪ ،‬هل أن بخير؟‬
‫أجاب الااب الصهيوني بدهاة واتتنكار لما تمع من كال ‪ :‬أنا‬
‫باروخ‪ ،‬أنا جميل الخليلي‪ ،‬لماذا أنا هنا؟ من أنتم؟ علي أن أغادر هذا‬
‫المكان ألذهه للصالة ي الحر اإلبراهيمي")‪. (3‬‬

‫ويبدو أن القاصة تريد من هذا الوظيف العجائبي بيان حجم الظلم‬


‫الذي يقع على الفلسطينيين‪ ،‬ورغبتها في فضح وطأة القسوة الي يعيشها‬
‫كل فلسطيني‪ .‬إلى حد أن األعضاء التي تنقل من لشخص آلخر ترفض‬
‫أن تنقل من الفلسطيني إلى االسرائيلي‪،‬‬
‫تعبيرا عن الرفض الواقعي لالحتالل وممارساته الدنيئة‪ .‬وهنا‬
‫تتغير العالقة بين المألوف والالمألوف في نسيج خيالي يتوخى المغايرة‬
‫في القص‪.‬‬

‫(‪ )1‬المصدر نفسه‪.83 :‬‬

‫(‪ ) 2‬هسهسة اللغة‪ ،‬روالن بارت‪ ،‬ترجمة ‪ :‬منذر عياشي‪ ،‬مركز االنماء الحضار ‪ ،‬حلب‪ ،‬ط‪.217 :1999 ،1‬‬

‫(‪ )3‬تقاسيم الفلسطيني‪.87 :‬‬

‫‪60‬‬
‫وفي قصة (الرسام) تشتغل العجائبية على تجاوز الحرمان‪،‬‬
‫والوصول إلى الحلم الذي راود الفنان الفلسطيني المه ّجر كثيرا‪:‬‬
‫"لقد رتم طوال عمره لوبات لوطنه لسطين‪ ،‬لكنه لم يرتم‬
‫ي أي يو مضق بابا يؤدي قلق وطنه مع طلوع الامس أنهق رتم‬
‫اللوبة‪ ،‬كان لوبة باب كبير مطو بثشجار الياتمين البري‬
‫ارق روبه جسده بدعة‪ ،،‬وداعبته مودعة بنقر أصابعه التي لم‬
‫تنف تمس رياة رتمه‪ ،‬و تح الباب المرتو ي اللوبة‪ ،‬ودلف‬
‫قلق لسطين لتحقق بلمه الوبيد بالعودة قلق وطنه‪ ،‬ثم اقفل الباب‬
‫خلفها" )‪. (1‬‬
‫فالرسام يقوم بعمل عجائبي وهو الخروج من باب اللوحة الذي‬
‫رسمه ليعود إلى فلسطين‪ ،‬وعبر هذا العمل العجيب استطاع الرسام من‬
‫الدخول إلى فلسطين‪ .‬وهنا سعت القاصة إلى توظيف إمكانات القص‬
‫الحداثي عبر خلق بلبلة في الوعي القائم بإنشاء واقع افتراضي‪ ،‬يقود‬
‫الحراك القصصي إلى المغايرة والمغادرة والمفارقة للواقع‪.‬‬
‫ولكن في قصة (قارورة) تشتغل القاصة على أقوى توظيف‬
‫عجائبي في هذه المجموعة‪ ،‬ويتمثل في فكرة تتجاوز التفكير العقلي‪ ،‬إذ‬
‫تسطيع الذات الساردة توصيل جثمان الفلسطيني (األب) إلى وطنه‬
‫األصلي‪ ،‬عبر حرقه من قبل ابنته‪ ،‬ووضعه في قارورة‪ ،‬وبعد زيارتها‬
‫لفلسطين وجلب القارورة معها‪ ،‬تعمل على دفنها‪ ،‬فتحقق وصية أبيها‬
‫في دفن جثمانه في فلسطين‪:.‬‬
‫"أبرق جسده ي محرقة الموتق معتذرة له عن ذل لجالل الغاية‪،‬‬
‫ودت رماده ي قارورة‪ ،‬وتا رت قلق لسطين ي قا لة تيابية‬
‫أوروبية‪ ،‬واغتنم أول رصة لد ن رماد القارورة ي تراب لسطين‬
‫عاد والدها قلق تراب وطنه رغم أنف الصهاينة")‪. (2‬‬

‫(‪ )1‬المصدر نفسه‪.110 :‬‬

‫(‪ )2‬تقاسيم الفلسطيني‪.115 :‬‬

‫‪61‬‬
‫إن االحتالل الصهيوني هو السيد على األرض‪ ،‬ويفعل كل ما‬
‫يريده‪ ،‬دون قدرة الفلسطيني على فعل أي شيء؛ ألنه ال يملك القوة‬
‫الرادعة لهذا االحتالل؛ وعليه ال بد من خلق توازن بين العالمين عبر‬
‫العجائبية كما في قصة (ثوب) إذ تف ّعلها القاصة إلى ما يشبه الحلول‪،‬‬
‫فكل من يرتدي الثوب الفلسطيني يصبح فلسطينا في كل ما يخصه ‪،‬‬
‫فعندما ترتدي المرأة الصهيونية الثوب الفلسطيني المطرز بعد سرقته‬
‫بالقوة‪:‬‬
‫"تصيبها بمرض عجيه‪ ،‬كلما لبستها شعرت بثنها لسطينية‪،‬‬
‫وترت ي جسدها قاعريرة الغضه علق العدو الصهيوني‪ ،‬وانتابتها‬
‫بمق الهتاس بجملة " لسطين برة")‪. (1‬‬
‫وفي قصة (الريح والكالب) نجد إن العجائبية تعيد القاصة التوازن مرة‬
‫أخرى بين الوجع الفلسطيني المثمثل باإلبادة الوحشية‪ ،‬واألمل بالعودة‬
‫إلى الوطن من جديد‪:‬‬
‫" مثلوا بثجسادهم‪ ،‬أبرقوا جماجمهم‪ ،‬طحنوا عظامهم‪ ،‬نثروا‬
‫رمادهم ي مهه الريح تخرت الريح من نبابهم األجش‪ ،‬وللم‬
‫رماد الفلسطينيين الذي بعثرته نسائمها‪ ،‬وعجنته بما الخلود‪،‬‬
‫ونفخ يه‪ ،‬بعث الفلسطينيون مرة أخرى ينسلون من طائر ينييق‬
‫ال يموت أبدا ً" )‪. (2‬‬
‫وبقدر اشتغال القاصة على العجائبية في هذه القصة (الريح‬
‫والكالب) نجدها قد اشتغلت على األسطرة أيضا‪ ،‬فقد أخذت ردا ً مجنونا ً‬
‫يتناسب وحجم المجازر الوحشية التي قام بها المحتل بحق الفلسطينيين‪،‬‬
‫إذ تقوم الريح بجمع الرماد لتعيد إليه الحياة‪ ،‬ويبدو أن هناك تناص بين‬
‫هذه القصة والملحمة الكنعانية (بعل) التي يتجدد فيها الصراع األبدي‬

‫(‪ )1‬المصدر نفسه‪.141 :‬‬

‫(‪ )2‬المصدر نفسه‪.156 :‬‬

‫‪62‬‬
‫بين (الموت) و(بعل) فمهما يحاول الموت أن ينهي وجود بعل‪ ،‬ال‬
‫يستطيع؛ النبعاثه من جديد‪ ،‬وإعادة الحياة إلى األرض في كل انبعاث‪.‬‬
‫نستنتج مما سبق أن العجائبي يوصفه " شكال من أشكال القص‪،‬‬
‫تعرض فيه الشخصيات بقوانين جديدة‪ ،‬تعارض قوانين الواقع" )‪. (1‬‬
‫ش ّكل مرتكزا أساسيا من مرتكزات تحوالت القص‪ ،‬وقد تحقق ذلك‬
‫عبر مزج الواقعي بالعجائبي‪ ،‬وكأن األمر كما لو كان هذا العجائبي‬
‫واقعا‪ .‬وهذا الصنيع القصصي هو الذي قاد القاصة إلى ارتياد فضاء‬
‫التجريب‪ ،‬والبحث عن المغادرة التي تهدف إلى تجاوز الكتابة‬
‫القصصية المتعارف عليها‪ ،‬وإخضاع المتلقي لمغايرة يقينياته المألوفة‬
‫عند تلقي القصة الجديدة‪ .‬فعلى الرغم من استحضار الفضاء الواقعي‪،‬‬
‫إال أنها تعمل على خلخلة مكوناته‪ ،‬وتحويله إلى فضاء عجائبي على‬
‫مستوى األبعاد الجمالية والوظائف االجتماعية‪.‬‬

‫الغرائبي واالنفتاح علق التاكيل‬


‫ويشكل حضورا فاعال في الواقعية السحرية‪ ،‬إذ تتجلى طريقة هذا‬
‫الحضور في تجاوز اإلطار التقليدي في القص‪ ،‬واالنفتاح على‬
‫تشكيالت متعددة منه‪ ،‬إذ يعد من أبرز التقانات الجديدة في التعبير‪ ،‬ألن‬
‫وجود الغرائبي يشكل اختالًقا في تأثيث بنى قصصية جديدة إلى جانب‬
‫تحوال في العالئق‪ .‬فـ"الفرق‬
‫الواقعي؛ للتعبير عن رؤية مغايرة تقدم ً‬
‫بين (الغريب) و(المألوف) أن النص الغريب تظهر فيه أحداث يبدو‬
‫ظاهرها خارجا على نظام األلفة‪ ،‬ولكنها سرعان ما تنتهي االنضواء‬
‫ضمنه‪ .‬أما في النص المألوف فال توجد وقائع تشكك بقدرة نظام األلفة‬
‫على تفسيرها"(‪ .)2‬وحين تتسم شخصية لراوي " بالغرابة فإنه سيجد‬
‫غرابة في األشياء المألوفة‪ ،‬فأحيانا يعبر لنا عن مشاعره التي يستغرب‬
‫من خاللها مستخدما خدعا أسلوبية‪ ،‬أذ يقوم مثال بذكر الكثير من‬
‫الصور ليزيد من صعوبة التلقي المباشر لشيء عام ومطروق" (‪.)3‬‬
‫(‪ )1‬معجم المصطلحات األدبية‪ ،‬سعيد علوش‪.146 :‬‬

‫(‪ )2‬تجنيس العجائبي‪ ،‬لؤ علي خليل‪ ،‬مجلة عالمات‪ ،‬ج(‪ ،)15‬سبتمبر ‪.391 :2005‬‬

‫(‪ )3‬القصة القصيرة النظرية والتقنية‪.237 :‬‬

‫‪63‬‬
‫كما تراوح تصنيف الغرائبي بين الصيغة والحافز والوظيفة‬
‫والتقانة والجنس وغيرها(‪ .)1‬ولكن يبدو من خالل تتبعنا لبعض‬
‫المقاربات التي تناولت هذا المفهوم وجدناه ال يشكل جنسا أدبيا قائما‬
‫بذاته‪ ،‬وإنما تقنية يستحضرها الخيال؛ لتعمل داخل القصة وتلونها بقيم‬
‫تعبيرية جمالية‪ ،‬تثري من قيمتها الفنية‪ .‬ولع َّل دراسة أي مفهوم‪ ،‬تتطلب‬
‫الوقوف بداية على األرضية المعجمية المؤسسة لماهيته‪ ،‬التي يمكن‬
‫بواسطتها الوصول إلى مقاربته بالشكل المفيد‪ .‬ويعد أكثر دهشة وإثارة‬
‫"وأكثر قربا من الواقع ؛ ألنه يتفجر في النص األدبي حال تخليه عن‬
‫مواقعه المنطقية‪ ،‬والدخول في مصيدة شعرية النص على الصعيد‬
‫اإلجرائي"(‪ . )2‬ويعود السبب في ذلك إلى أن " الشيء الغريب هو ما‬
‫يأتي من خارج منطقة األلفة ويسترعي النظر بوجوده خارج مقره"(‪.)3‬‬
‫ويبدو أن كالم فرويد عن األحالم ال يبتعد عن هذا كثيرا‪ ،‬وهو يتوصل‬
‫إلى استنتاج مؤداه " إن الغرائبي ينتمي إلى تلك المجموعة من األشياء‬
‫المفزعة‪ ،‬التي تعيدنا ثانية إلى شيء سبق أن خبرناه‪ ،‬أو شعرنا به من‬
‫قبل‪ ،‬وقصارى القول‪ ،‬أن الغرائبي أو الغريب يشيران في الحقيقة إلى‬
‫تكرار شيء مألوف جدا‪ ،‬إال انه مكبوت‪ ،‬أو بعيد عن االهتمام"(‪.)4‬‬
‫على أساس من كل ما تقدم فإن الغرائبي يضم ما هو مدهش‬
‫وساخر ومفارق ومتجاوز وال معقول وغيرها‪ ،‬ويستطيع القارئ كشف‬
‫هذا الشيء في حال خروجه عن المألوف في التعامل اليومي في العمل‬
‫المت ّخيل‪ .‬والمتخيّل هنا يعني المسافة الفارقة بين عالمي التجربة‬
‫(الواقع) والكتابة (ما وراء الواقع) اللذين يشكالن عالم الرؤيا‪ .‬وتكمن‬
‫(‪ )1‬تجنيس العجائبي‪ ،‬لؤ علي خليل‪.486، 384 :‬‬

‫(‪ )2‬أنماط الشخصية المؤسطرة في القصة العراقية الحديثة‪ ،‬فرج ياسين‪ ،‬دار الشؤون الثقافية العامة‪ ،‬بغداد‪:2010 ،‬‬
‫‪.98‬‬

‫(‪ )3‬األدب والغرابة‪ ،‬دراسة بنيوية في األدب العربي‪ ،‬عبد الفتاح كيليطو‪.60 :‬‬

‫(‪ )4‬أدب الفانتازيا‪ ،‬مدخل إلى الواقع‪.67 :‬‬

‫‪64‬‬
‫شعريته في تشغيل آلية الخيال بين الواقعين‪ .‬ويعتمد أساسا على قوى‬
‫تحولية‪ ،‬ال الرتباطه بطريقة ما بنظام فوق الطبيعة فحسب‪ ،‬وإنما‬
‫الحتكامه إلى مبدأ الوعي‪ ،‬و"الوعي بالشيء يعني إعادة ترتيبه ضمن‬
‫مجال اإلدراك‪ ،‬أي تغيير الرؤية إليه مما يكون دافعا إلى تحولية في‬
‫مستويات غير مألوفة‪ .)1(".‬وهذه الالمألوفية هي التي تزيح بالمتخيّل‬
‫عن منطقة الجاهزية المألوفة‪ ،‬إلى منطقة التأسيس الواعي عملية خرق‬
‫القوانين الطبيعة‪ ،‬معتمدا على رؤية الذات للعوالم المحسوسة‬
‫والمجردة‪ ،‬بوصفها موضوعة مركزية في اشتغال المتخيل من‬
‫األساس‪ .‬والتخييل على هذا األساس "أكذوبة تخفي حقيقة عميقة‪ ،‬إنه‬
‫الحياة التي لم تكن‪ ،‬والتي يتوق إليها المرء دون أن يحصل عليها‪ ،‬لذا‬
‫كان عليه اختالقها عبر المخيلة‪ ،‬والكلمات من أجل إخماد الطموحات‬
‫التي عجزت الحياة الحقيقية عن اشباعها‪ ،‬ومن أجل ملء الفجوات التي‬
‫يكتشفها المرء فيما حوله‪ ،‬فيحاول مألها بأشباح يصنعها بنفسه‪ ،‬مبتعدا‬
‫عن التاريخ واليومي وباحثا عن الحلم")‪ . (2‬كما أن الغرائبي يوجه "‬
‫القارئ وجهة البحث عن الخارق في النص‪ ،‬فكان ذلك التوجيه ميثاق‬
‫قراءة يربط بين السارد والمسرود له‪ ،‬ويتواصالن في ضوئه شأنهما‬
‫معه شأنهما مع غير هذا الجنس الفرعي في القص‪ .‬وإذا حضرت‬
‫المبالغة في النص كان لها هي أيضا دور في إضفاء طابع الخارق‬
‫عليه‪ ،‬وأساس القبول بهذا الخارق رفض التفسير االستعاري وااللتزام‬
‫بالمعنى الحقيقي")‪ . (3‬وتعد رواية (بيدرو بارامو) مثال اعلى للغرائبية‬
‫التي تنأى عن (الفنتازيا) القترابها من عالم اإلنسان‪ ،‬وإن غامرت‬
‫بدخول عوالم مجهولة‪ ،‬فهي تظل ملتحمة بهمومه وقضاياه)‪.(4‬‬

‫(‪ )1‬شاعرية الذات في تحوالت فاجعة الماء‪ ،‬عبد الحفيظ جلولي‪ ،‬مجلة عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬ع (‪ ،)145‬تموز ‪: 2007‬‬
‫‪. 65‬‬

‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬رسائل إلى روائي شاب‪ ،‬ماريو بارغاس يوسا‪.13 :‬‬

‫(‪ )3‬رحلة في جماليات رواية أمريكا الالتينية‪.61 :‬‬

‫(‪ ) 4‬الغرائبي في األقصوصة وإشكالية المنهج‪ ،‬احمد السماو ‪ ،‬مجلة األقالم‪ ،‬ع (‪ ،)2‬آذار – نيسان‪ ،‬السنة الرابعة‬
‫والثالثون‪.26 :1999 ،‬‬

‫‪65‬‬
‫في حين أن هناك من جعل الغرائبي والفنتازي‪ ،‬واألدب‬
‫االستيهامي‪ ،‬والسحري مصطلحات مختلفة تأرجح العجائبي بينها (‪.)1‬‬
‫وبعد أن عرضنا بعض اآلراء التي استطعنا الحصول عليها‪،‬‬
‫وجدنا أن القاص الذي تتسم قصصه بالواقعية السحرية يرى في‬
‫الالواقعي من خالل الغرائبية الوجه اآلخر للواقع‪ ،‬الواقع الغائر في‬
‫أعماق األنا الفردية والجماعية‪ ،‬وليس في ما فوق الطبيعي في القص‬
‫الفنتازي (العجائبي) فحسب‪ ،‬ذلك القص الذي يقتحم العالم الخاضع‬
‫لهيمنة العقل‪ ،‬وهنا نعيد رأي الكاتب (فرانز روه) في الواقعية‬
‫السحرية‪ ،‬إذ يرى فيه " إن الغموض ال يحل على العالم المجسد بل‬
‫ينبض خبيئا فيما وراءه" (‪.)2‬‬
‫فووي قصووة (قافلووة العطووش) التووي حملووت المجموعووة هووذا االسووم ‪،‬‬
‫تتجلووى لنووا الغرائبيووة فووي بقوواء الفتوواة (األسوويرة) فووي القبيلووة التووي غووزت‬
‫قبيلتها‪ ،‬على الرغم من رجوع األسيرات كلهن بعود أن خيوروهن بالبقواء‬
‫أو الرجوع‪ ،‬وتجاوزا لعوادات العورب فوي األسور‪ ،‬ذهوبن الفتيوات إكراموا‬
‫لتلك الفتاة األسيرة‪ ،‬وبدون أي تعويضات ماليوة‪ ،‬بعود أن رفضوت الفتواة‬
‫أن تنفك من أسرها‪ ،‬كوي تبقوى فوي قبيلوة حبيبهوا الوذي أسور قلبهوا بعود أن‬
‫أسر جسدها‪:‬‬
‫"كان علق وش أن تعتلي هودجها‪ ،‬بقبضنته القوينة منعهنا منن‬
‫قكمال صعودها‪ ،‬وقال بمزيد من االنكسار‪ :‬منن تنتختارين؟ نظنرت ني‬
‫عينيه‪" :‬أنا عطانق" عطانق كمنا لنم أعطنش ني بيناتي" اقتنرب‬
‫ال بدوي األتمر خطوة أخرى منها‪ ،‬كاد يسمع صهيلها األنثنوي‪ ،‬وقنال‪:‬‬
‫(‪) 3‬‬
‫"عطاق قلق ماذا؟" قال بصوت متهدج‪" :‬عطاق قلي "‬
‫وعلى الرغم من تهديد أبيها لها بقتلها إال أنها‪:‬‬

‫(‪ )1‬شعرية المحكي‪ :‬دراسات في المتخيل السرد العربي‪ ،‬الدكتور فيصل غاز النعيمي‪ ،‬دار مجدالو للنشر‬
‫والتوزيع‪.57 :2013 ،‬‬

‫(‪ )2‬دليل الناقد األدبي‪68 :‬‬

‫(‪ )3‬قافلة العطش‪.12 :‬‬

‫‪66‬‬
‫" قال بتعه مهر ركض بتق آخر الدنيا‪ :‬أنا عطاق"(‪،)1‬‬
‫ولكن الغرابة ال تكمن هنا فحسوب‪ ،‬وإنموا فوي المفارقوة التوي فعلهوا‬
‫الرجال عندما ذبحوا كثيرا من نسائهم خوفوا مون العطوش والهوروب إلوى‬
‫واحووات الموواء للالرتووواء‪ ،‬والغريووب فووي األموور أن الرجووال أنفسووهم كووانوا‬
‫عطشى‪ ،‬وقد اكتشفوا ذلك في المساء‪ ،‬لكنهم ظلوا مختلفين في سبب وأد‬
‫البنات بين الفقر والعار‪:‬‬
‫" لكننن الرمننال كان ن تعننرس أنهننا مجبننرة علننق ابننتالع ضننحاياها‬
‫الناعمنة خو ننا مننن أن ترتننوي يومنا‪ ،‬كننان مسننموبا للقوا ننل أن تعطننش‬
‫وتعطش‪ ،‬ولهنا أن تمنوت قن أرادت‪ ،‬لكنن الوينل لمنن يرتنوي ني تنفر‬
‫العطش األكبر"(‪،)2‬‬
‫لقوود أيقنووت القاصووة أنهووا لووو كتبووت هووذا الوونص الصووحراوي دون أن‬
‫تضفي عليه غرابة ما‪ ،‬لظل نصا عاديا ال يرتقوي إلوى المغوايرة بوصوفها‬
‫فعال تجريبيا باتجاه تحوالت القوص‪ ،‬وهوذا موا جعلهوا تسوعى إلوى طغيوان‬
‫الخيووال علووى الواقووع‪ ،‬وبنوواء علووى مووا جوواء فووي التشووكيل القصصووي موون‬
‫مغووايرة‪ ،‬فوووي (البقووواء) مووون جهوووة‪ ،‬و(الوووأد) مووون جهوووة أخووورى‪ .‬فجووواءت‬
‫الغرائبيووة بمثابوووة تعبيووور موضوووعي عووون إدانوووة الفعوول القبلوووي‪ ،‬ورفوووض‬
‫ألساليبه البشعة‪ ،‬فضال عن التهكم من واقع ال يقبول التقودم‪ ،‬وال الحووار‪،‬‬
‫لتصل القاصة بالقارئ إلى صدمة تلق وخيبة انتظار‪.‬‬
‫وفوووي قصوووة (سوووبيل الحوريوووات) تتجلوووى الغرائبيوووة فوووي مهنووودس‬
‫معماري يتقن فن الرسم‪ ،‬و(هاجر) المجنونوة التوي تتعورى أموام النواس‪،‬‬
‫وعالقة الحب التي تحدث بينهما‪ ،‬ثم تؤول إلى الزواج‪:‬‬
‫"تسننتهويه بكننل مننا يهننا‪ ،‬بمالبسننها القننذرة الممزقننة‪ ،‬بثطرا هننا‬
‫المتسخة‪ ،‬بثظا رها القذرة‪ ،‬باعرها األشنقر المتطناير بفوضنق مسنح‬
‫أي أثنر لتماننيط بنندا نني الننزمن الغننابر‪ ،‬بنندموعها التنني تننذر ها وهنني‬
‫نارة‪ ،‬بحنناالت الجنننون التنني تنتابهننا‪ ،‬تجعلهننا تتعننرى مننن‬ ‫تسننتجدي المن ّ‬

‫(‪ )1‬المصدر نفسه‪.13 :‬‬

‫(‪ )2‬المصدر نفسه‪.14 :‬‬

‫‪67‬‬
‫مالبسنننها‪ ،‬وتنصنننه نفسنننها قلهنننة مجنوننننة تنننرقص عارينننة ننني تنننبيل‬
‫الحوريات"(‪.)1‬‬
‫ربما هذه التفاصويل المدهشوة بكول موا فيهوا مون نفوور ظواهر لودينا‪،‬‬
‫وتقبوول مسووتتر لوودى المهنوودس‪ /‬الرسووام‪ ،‬هووي البدايووة التووي سووتقودنا إلووى‬
‫الفضاء الغرائبي الذي يعنينا في تحووالت القوص‪ ،‬وهنوا ال بود مون طورح‬
‫تساؤالت تقليدية‪ :‬موا الجموال؟ وهول هنواك جماليوة للقوبح؟ وهول موا فعلتوه‬
‫(هاجر) يدخل في هذه الجمالية؟ ال يهمنا اإلجابات عن هذه األسوئلة الوي‬
‫أوردناهووا هنوووا‪ ،‬بقووودر موووا يهمنوووا تحووول القوووبح جمووواال‪ ،‬أو الجموووال قبحوووا‪.‬‬
‫والمهنوودس‪ /‬الرسووام ذو مهووارتين‪ :‬األولووى معماريووة‪ ،‬والثانيووة فنيووة‪ ،‬فمووا‬
‫الذي يدفعه للتعلق بامرأة مجنونة؟‪:‬‬
‫" ي لحظة كان عارية تماما بجسد بلوري صناس‪ ،‬وأعضنا‬
‫متناتقة منسابة‪ ،‬لحظها شعر بثنها قلهنة مسنحورة‪ ،‬ينفن تنحرها ني‬
‫منننا مقننندس‪ ،‬كانننن ننني قمنننة غضنننبها وخروجهنننا عنننن عقلهنننا‪ ،‬لكنهنننا‬
‫أترته‪ ،‬شي يها جعلها يتوقف‪ ،‬ويتثملها طويال‪ ،‬لم يكنن جسندا يثمنل‬
‫جسدا عاريا‪ ،‬ولم يكنن رجنال تجذبنه امنرأة‪ ،‬كنان نفسنا تنذو نفسنا‪،‬‬
‫رأى امرأة لم يتسعها العقل‪ ،‬هرب قلق الجنون" (‪.)2‬‬
‫وهنا تأتي اإلجابات عن تساؤالتنا‪ ،‬فمنذ هذه اللحظة ستتغير حبكوة‬
‫القصوووة‪ ،‬وسووويتم التوافوووق بوووين شخصووويتين متناقضوووتين‪ ،‬وتحووودث بينهموووا‬
‫عالقوووة حوووب تتجووواوز اإلعجووواب‪ ،‬وخطووووة خطووووة بووودأ يغازلهوووا وهوووي‬
‫تسووتجيب‪ ،‬وبمووا أنووه علووم بسووحرها‪ ،‬وأن الموواء المقوودس كفيوول بشووفائها‪،‬‬
‫سوويقودها يومووا إلووى شووقته‪ ،‬فصووبح زوجتووه‪ ،‬ويرويهووا موون مائووه المقوودس‪،‬‬
‫وبالفعل شفيت تلك المجنونة‪ ،‬ولم تعد تخرج إلى سوبيل الحوريوات‪ ،‬لكون‬
‫بقيووت علووى "عيبهننا الوبينند أنهننا تتعننرى عننندما تغض نه وتاننرع نني‬
‫البكا " (‪.)3‬‬
‫في هذه القصة السحرية حقا‪ ،‬شكلت الغرائبية ظاهرة حاضرة في‬
‫القص‪ ،‬وتجلَّى تجاوزها لحدود اإلطار التقليدي للحبكة القصصية‪،‬‬
‫(‪ )1‬قافلة العطش‪.32 :‬‬

‫(‪ )2‬المصدر نفسه‪.34 :‬‬

‫(‪ )3‬المصدر نفسه‪.36 :‬‬

‫‪68‬‬
‫فاتحا المجال أمامها لمساءلة الواقع في هذا الشكل المستحدث‪ .‬وما‬
‫حضورها في بنية القص إال مظهر من مظاهر التحوالت‪ ،‬إذ أنتجت‬
‫سردا ً توافر على إمكانات تخيلية وتعبيرية وإيحائية‪ ،‬فضال عن تمثلها‬
‫السردي للوقائع اليومية‪ .‬وجاء هذا التوجه؛ ليعبر عن رغبتها في‬
‫انتهاج أساليب جديدة‪ ،‬تعبّر بها عن الواقع في شكل جديد يستوعبه‪ ،‬في‬
‫شعور بالواقع دون طبعه بك ّل جزئيّاته‪ ،‬بل يترك هامشا ً‬ ‫قص ينقل ال ّ‬
‫للخيال واالنعتاق من عبوديّة األطر الخارجية‪ .‬لذا فهو ال يعاند أنظمة‬
‫الطبيعة والوجود بل يمسخ هذه األنظمة‪ ،‬ويقدم الشاذ وغير المألوف‬ ‫ّ‬
‫منها‪ ،‬ويرفض أن يقدم القصة على أنها متوالية موازية ومتناظرة‪ ،‬بل‬
‫يجسدها انكسارا للواقع واستثناء لحوادثه ضمن منظومته المعرفيّة‬
‫المشتركة‪.‬‬
‫وتأخذنا قصوة (تيتوا) إلوى فضواء سوحري بامتيواز‪ ،‬والبعود التنوافري‬
‫هنووووا بووووين (طبيووووب) أوربووووي‪ ،‬أبوووويض اللووووون‪ ،‬يووووداوي النوووواس باألدويووووة‬
‫الكيميائية‪ ،‬و امرأة (مشعوذة) سوداء‪ ،‬مون قبائول (وداببوه) تعوالج النواس‬
‫في األعشاب من قبائل " وادبيه"‪ .‬وعلوى الورغم مون إظهوار كرهوه لهوا‪،‬‬
‫ألنهووا كانووت تتجاهلووه دائمووا‪ ،‬إال أنووه كووان يعشووقها فووي داخلووه‪ ،‬كووان يريوود‬
‫التقرب إليها‪ ،‬وحدث أن رآها يوما ترقص وحقيبتها بعيدة عنهوا‪ ،‬فتنواول‬
‫الحقيبوة‪ ،‬وانتظرهووا لحووين إكمالهووا الورقص‪ ،‬اتجووه إليهووا وناولهووا الحقيبووة‪،‬‬
‫لكنهووا كالعووادة تجاهلتووه وذهبووت لخيمتهووا‪ ،‬وأخووذ الطبيووب يتحووين الفوورص‬
‫للتحدث معها‪ ،‬وجاء فرصة أن امرأة من قبيلتها كانوت والدتهوا عسويرة‪،‬‬
‫فاستنجدت به‪ ،‬وأنقذ كل من المرأة والطفل‪ ،‬وعرف فوي ذلوك اليووم أنهوم‬
‫يطلقوووون عليهوووا لقوووب الكاهنوووة؛ وألن هوووذا اللقووواء لوووم يشوووف غليلوووه‪ ،‬ظووول‬
‫يتساءل‪:‬‬
‫نعنم لقند علن ذلن ‪،‬‬ ‫"تسا ل ي نفسه‪ ،‬أتراها قد تنحرتني؟‬
‫كف يده اليمنق لهنا‪ ،‬وقنال بابتسنامة واتنعة‪ :‬اقرئني‬ ‫ّ‬ ‫اقترب منها وقد‬
‫لي طالعي" (‪.)1‬‬
‫لكنهوا دعتووه إلوى قبيلتهووا‪ ،‬وقوراءة طالعووه هنواك‪ ،‬بحجووة أنهوا متعبووة‪،‬‬
‫واسووتغل الطبيووب أحوود المهرجانووات (غيووروال) الووذي أطلووق عليووه لقووب‬

‫(‪ )1‬قافلة العطش‪.41 :‬‬

‫‪69‬‬
‫(توغووو) وهووو مهرجووان الجمووال والحووب والجسوود‪ ،‬يتووزين فيووه الشووباب‪،‬‬
‫ويعرضون أنفسهم للفتيات‪ ،‬ليخترن أجملهوم جسودا‪ .‬فوي هوذا اليووم ذهوب‬
‫الطبيب إلى قبيلتها‪:‬‬
‫يتفنرس ني قسنماتها بنظنرات‬ ‫ّ‬ ‫" خطا خطوتين داخل خيمتها كان‬
‫جائعة‪ ،‬قال له بتلعنثم وشنجاعة مزعومنة‪ :‬هنا قند جئن قذن‪ ،‬هنل أقنرأ‬
‫ل ن كف ن ؟ قننال‪ :‬بننل جئ ن ألخطف ن يننا تننابرتي الجميلننة اقتننرب منهننا‬
‫بجسده القوي‪ ،‬وانحنق قليال‪ ،‬وبملها" (‪.)1‬‬
‫وهنا شكلت األجواء السحرية وسيلة عملية وناجعة للكشف عن‬
‫اهتمامات كل من الطبيب والكاهنة‪ ،‬وعواطفهما التي يمكن أن تتستر‪،‬‬
‫وتتبدل في بنيات يحكم فيها العرف أو الضوابط االجتماعية‪ .‬كما أنه بما‬
‫تقدم من خيال مجنح منح فرصة للهروب من الواقع الذي تمثّل‬
‫باالختطاف‪ ،‬لكن الهدف والغاية من الهروب يتراوحان بين تحقيق‬
‫األمنية التي ظلت تراود كل منهما‪ .‬ويبدو أن القاصة قد أرادت من هذه‬
‫الغرائبية‪ ،‬أن الغرب مهما تقدموا في مجاالت العلم‪ ،‬الذي أفقدهم في‬
‫كثير من الحاالت إنسانيتهم‪ ،‬فأنهم يحتاجون للطقوس التي تعيدهم إلى‬
‫تلك اإلنسانية‪ ،‬وأن أفريقيا وغيرها من الدول الفقيرة‪ ،‬ستجلبهم إلى‬
‫أرضها صاغرين ومسحورين‪.‬‬
‫وتشوواكل قصووة (تحقيووق صووحفي) قصووة (تيتووا) موون حيووث البعووود‬
‫التنافري‪ ،‬وتتباين من حيث قوة الشخصية في عالقة العشق التوي حودثت‬
‫بينهمووا‪ ،‬ففووي هووذه القصووة‪ ،‬تضووعنا القاصووة أمووام شخصوويتين متنووافرتين‬
‫أيضووا‪ ،‬همووا‪ :‬صووحفية توجهووت إلووى قبائوول (الطوووارق) قادمووة موون الووبالد‬
‫المتحضوورة فووي مهمووة صووحفية‪ ،‬وسوويدي (الطالووب رجووب) وهووو زعوويم‬
‫دينووي‪ ،‬يُطلووق كوول موون ترغووب بووالطالق؛ كووي تتووزوج موون تحبووه‪ .‬فبعوود‬
‫وصول الصحفية إلوى الصوحراء بسويارتها القديموة‪ ،‬كانوت (شواليفه) هوي‬
‫المرأة األولى التي قابلتها من الطوارق‪ ،‬وقود أمور سويدي الطالوب رجوب‬
‫بأن تستضاف في الفندق المتواضع‪ ،‬وفي اليوم الثاني‪ ،‬أخبرتها‬

‫(‪ )1‬المصدر نفسه‪.43 :‬‬

‫‪70‬‬
‫(شاليفه) بأن سيدي الطالب رجب يج العربية الفصحى‪ ،‬فوارتحال‪،‬‬
‫ووصال إلى واحة (تيغمار) وكانت النظرات الفضولية بانتظارها‪ ،‬وهنوا‬
‫تخبرها (شاليفه) بالمفارقة التي ستدهش الصحفية‪:‬‬
‫" عمنننل الاننناي‪ ،‬ونصنننه البينننوت‪ ،‬والقينننا باألعمنننال المنزلينننة‬
‫الصعبة‪ ،‬ونقل الما هو من وظائف رجال الطوار‬
‫همس متسائلة‪ :‬وماذا عن النسا ؟ ماذا يفعلن؟‬
‫قال شاليفه بدالل ذي مغزى‪ :‬يعاقن بقوة"(‪.)1‬‬
‫وأخيووورا تعرفوووت علوووى الطالوووب رجوووب‪ ،‬هجووورت الفنووودق ألجلوووه‪،‬‬
‫أعطاهوا خيمتوه لتنووام فيهوا‪ ،‬بينموا هووو ينوام خارجهوا احترامووا لهوا‪ ،‬وكانووت‬
‫تتمنووى أن ينوودس فووي فراشووها‪ .‬وبعوود إقامووة حفلووة (التن ودّي) التووي تووم فيهووا‬
‫االعالن عن الفتاة الي وصلت مرحلة الطمث‪ ،‬تمنّت لو أن حفلة ما تقوام‬
‫لهوووا لوووتعلن عووون أنوثتهوووا للطالوووب رجوووب‪ .‬وبعووود رجوعهموووا مووون الحفلوووة‬
‫يتحادثان في الطريق عن الحب والطوارق‪ ،‬وكيف للعاشقة حق الطوالق‬
‫والزواج مرة وثالث ومئة ماداموت تحوب مون تتزوجوه‪ .‬توذكرت وحشوية‬
‫زوجهووا‪ ،‬وتمنووت لووو أن القضوواء يهبهووا حكووم شوونقه بوودل الطووالق‪ .‬مضووى‬
‫أسبوع والتحقيق لم يكتب‪ ،‬وكانت تفكر بالرد على رئيس تحرير المجلوة‬
‫باالعتذار‪ ،‬إال أنها كانت مشغولة بحفلة طوالق تقيمهوا ثوالث أخووات فوي‬
‫الواحة‪ .‬بعد انتهاء الحفلة قوررت أن تُطلوق‪ ،‬وتتوزوج مون تحوب‪ ،‬فوذهبت‬
‫إلى الطالب‪ ،‬لخبره بأنها تحبه‪ ،‬وتكره زوجها‪ ،‬وترغب بالزواج منه‪:‬‬
‫" نظننر الطالننه رجننه قليهننا نظننرة المغانني عليننه‪ ،‬شننعرت مننن انفعننال‬
‫نظراته‪ ،‬ومن توهج ناره يهما بثننه ال يملن قنوة ليجينه‪ ،‬وبعند قعينا‬
‫قال بماقة‪ :‬ولكن‬
‫غرق ي هائج عينيه‪ ،‬وقال ‪ :‬تيدي الطالنه أننا أببن ‪ ،‬وأخطبن هنل‬
‫توا ق؟‬
‫ننز الطالنننه رأتنننه ودمعنننة قننناهرة تتنننوهج ننني عانننق عينينننه‪ ،‬وقنننال‪:‬‬ ‫هن ّ‬
‫أوا ق" (‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬قافلة العطش‪.65 :‬‬

‫(‪ )2‬المصدر نفسه‪.72 :‬‬

‫‪71‬‬
‫وهكووذا تنقلنووا شووعالن موون فضوواء سووحري آلخوور‪ ،‬تريوود بوووذلك أن‬
‫تتجووواوز الفضووواء الوووواقعي الموووتخم بالتعقيووود‪ ،‬والمؤثوووث بوووالقهر واأللوووم‬
‫والكبوووت‪ .‬ويبووودو أن هوووذا التوظيوووف الغرائبوووي جووواء نتيجوووة " ان القووواص‬
‫العربي لم يعد قادرا على تصوير معاناة اإلنسوان فوي عوالم شوديد التعقيود‬
‫باألدوات الواقعية‪ ،‬أو التقليديوة التوي كوان معتوادا عليهوا‪ ،‬ال سويما بعود أن‬
‫راح هذا اإلنسان يتعرض إلى سلسولة مون الضوغوط‪ ،‬والعوذابات التوي ال‬
‫يمكن قهرها‪ ،‬أو مواجعتهوا بسوهولة‪ ،‬ولوذا فوإن البعود الغرائبوي يسوهم فوي‬
‫مواجهووة حالووة القهوور اإلنسوواني الالمعقووول عوون طريووق توظيووف الخيووال‪،‬‬
‫واختراق سكون السطح الواقعي(‪.)1‬‬
‫ويتكرر مثل هذا السحر الذي يقود امرأة إلى اعترافها بعشق‬
‫الرجل الجبلي الذي كانت تنتظره منذ سنوات طويلة‪ ،‬وعلى مدى تسع‬
‫عشرة صفحة تناجي حبيبها‪ ،‬تعلن له عشقها بقوة‪ ،‬تتأوه بغنج أـنثوي‬
‫وهي تمارس عريها في حضوره الغائب‪ ،‬قالت له الكثير الكثير‪ ،‬التقت‬
‫به دون أن تجني من ذلك اللقاء عشقا يروي عطشها‪ ،‬يخلّصها من‬
‫الضياع في عينيه ‪:‬‬
‫" هل تدري األن أن امرأة جا ت من المستحيل تلبس األخضر‪،‬‬
‫جالسة مواجهت تماما‪ ،‬تفهم كل كلمة تقولها بلغت الكردية‪ ،‬وتر ض‬
‫أن يرجم لها أي صديق ما تقول علق الرغم من جهلها بلغت ؛ ألنها‬
‫تفهم بقلبها الذي أنفق تنينه وانتظاره يرتقه بضورك علق مر ث‬
‫االشتيا "(‪.)2‬‬
‫إن القاصة هنا تثير الدهشة فينا‪ ،‬وتلفت العواطف إلى حقائقها الباطنيوة‬
‫حتى وإن كانت عبر الصدمة المؤلمة‪ ،‬هو (جنون) الحب الذي أخرجهوا‬

‫(‪ )1‬المقموع والمسكوت عنه‪.86 :‬‬

‫(‪ )2‬الوذي سوورق نجمووة‪ ،‬سووناء شووعالن‪ ،‬أموواج للطباعووة والنشوور والتوزيووع‪ .‬عمووان – األردن‪ ،‬ط‪ .36 :2006 ،1‬وكانةةت‬
‫القصةة ذاتهةةا قةةد نشةةرت فةةي مجموعةةة مشةةتركة عةةن (منظمةة كتةةاب بةةال حةةدود ‪ /‬الشةةرق األوسةةط) ‪ ،‬فضةةولي للطباعةةة‬
‫والنشر‪ ،‬كركو – العراق‪.2012 ،‬‬

‫‪72‬‬
‫علوووى السوووياق الحيووواتي الموووألوف‪ ،‬إلوووى (الحلوووم) الوووذي تريووود أن تعيشوووه؛‬
‫للخروج على قوانين الواقع‪ ،‬واستجابة الحرمانات‬
‫المتراكمة ما زالت مزمنة في واقعها المعيش‪ ،‬إذ تسعى القاصة هنوا إلوى‬
‫معالجتهوووا بجووورأة وتحووود لألعوووراف المجتمعيوووة‪ ،‬فجووواء بوحهوووا بشوووكلين‬
‫متناقضين‪ ،‬األول يتعالى على الحسية‪ ،‬ونستطيع أن نطلق عليه (العشوق‬
‫المثووالي) ‪ ،‬والثوواني يغوورق فووي الحسووية‪ ،‬وهووو العشووق الجسوودي الحووارق‬
‫والغارق في الشبقية‪.‬‬
‫قن لننم أكن د‬
‫نن غمننده‬ ‫" ال قيمننة لكننل رجولت ن ولسننيف الرجننولي المثيننر د‬
‫األبدي‪ ،‬ال قيمة لكلمات د‬
‫قن لنم يحسنن ثغنرك الكنرزي ال ُمان ّهي تقبيلني‪،‬‬
‫صن بتنق آخنر قطنرة منن‬ ‫ال قيمة ألنوثتي د‬
‫قن لنم تسنعدك وتفتنن ‪ ،‬وتمت ّ‬
‫أراهن عليها بعمري وجالل ا تناني" (‪.)1‬‬
‫ُ‬ ‫رجولت التي‬
‫وهنووا تعلوون الشخصووية‪ /‬السوواردة عوون رغبتهووا القاتلووة فووي الوودفء‪،‬‬
‫والتووووق الجنسوووي لرجووول الصووودفة الحوووارق؛ كوووي تخلوووص نفسوووها مووون‬
‫الحرمان‪ ،‬غير مبالية بما سيقال عن جسدها الذي موا زال العطوش يجوأر‬
‫فيووه بقوووة‪ .‬ولكوون عنوودما ال تجوود موون يووروي عطشووها‪ ،‬تقوواوم ذلووك العطووش‬
‫بواسووطة أفعووال يصوونعها خيالهووا الجووامح‪ ،‬فتتعوورى فووي غرفتهووا‪ ،‬إكرامووا‬
‫لشبقها‪ ،‬وتهليال بلحظة العشق المشتهاة‪ ،‬وهي تتحدى الخوف والكشف‪:‬‬

‫أن العانننق ال يُقابنننل قالّ بعُنننري ي أبن ّ‬


‫نندي ي يحمنننل الجنننوع واإلبتيننناج‬ ‫َّ‬ ‫"‬
‫سندت‬ ‫والحبور‪ ،‬كن ُ عارية قلق جنب وكن عاريا ً تماما ً قلق جنانبي‪ ،‬م ّ‬
‫علي‪ ،‬لمستني‪ ،‬مال جسدك نحوي‪ ،‬شنممت علنق مهنل واشنتها ‪ ،‬كنن ُ‬ ‫َّ‬
‫أُدركُ أنني ي سحة منن أمنري‪ ،‬وأنن تهبنني كن َّل منا أشنا ُ منن ربنة‬
‫بجسدك العاري مثل جسدي العاري"(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬الذي سرق نجمة‪.35 :‬‬

‫(‪ )2‬المصدر نفسه‪.37 :‬‬

‫‪73‬‬
‫إن هذه القصوة التوي تمتلوك سوحرا خاصوا بهوا‪ ،‬هوي سومفونية الحوب بكول‬
‫أشكاله‪ ،‬وهي أسطرة لعشق مستحيل‪ ،‬فاض بمفردات الجسد الوذي غوزاه‬
‫الحرمووان والشوووق والشوويق والشووهوة‪ ،‬كيووف الب وهووي تعبوور عوون الووذات‬
‫األنثويووة عبوور بنوواء الجسوود والووروح معووا‪ " ،‬بواسووطة الصووورة‪ ،‬وأفعووال‬
‫التصوير‪ ،‬فإن المرأة قد أحسنت المحافظة على تلك المسافة بين الذات‬
‫تحوالت‪ ،‬اسوتطاعت مون‬ ‫والجسد‪ ،‬والظاهر والضامر‪ ..‬وما يصحبه من ّ‬
‫خاللها‪ ،‬أن ترصد القرائن المصواحبة لطقووس الخفواء والتجلوي‪ ،‬وتموزج‬
‫بين الرغبة والرهبة والدهشة‪ ..‬كيف الب والمورأة فويض مون (االنفعوال)‪،‬‬
‫وجيش من العواطف والمشاعر واألحاسويس‪ ،‬أهلهوا تكوينهوا البيولووجي‬
‫المختلف عن الرجل وعاطفة األمومة المفعمة بالحوب والرغبوة والعشوق‬
‫سوها الفنوي‪ ،‬وتميّوز بعودها (االنسواني)"‬
‫في تكوينها الفكري واألدبوي‪ ،‬وح ّ‬
‫(‪.)1‬‬
‫لم ترهق القاصة قارئها بوصف ال طائل من ورائه وال يخدم‬
‫أغراضه أو حاالت شخصياته‪ ،‬بل كانت بارعة في االنتقاء‪ ،‬وفي تحديد‬
‫التفاصيل‪ ،‬إذ إن كل مشهد كان يشي بالعمل المرتقب أو بالحوار وكان‬
‫كل مشهد يدفع بالقصة إلى األمام كما تريد القاصة‪ ،‬أو كانت تطور‬
‫التشخيص‪ ،‬أو ترتب الصيغة العامة للقصة‪ ،‬أو نبرة الصوت في‬
‫القصة‪ ،‬أو انها كانت تفعل كل ذلك دفعة واحدة‪ .‬فأننا حين نصل إلى‬
‫نهاية القصة ونرى كيف ختمتها‪ ،‬ندرك أن النهايات المفتوحة التي‬
‫تتركها الشخصية اثر انتهاء كالمها كان سمة مشتركة بين بقية‬
‫القصص‪.‬‬
‫إن مجوواميع سووناء شووعالن القصصووية تعاملووت مووع األسووطورة بوووعي‬
‫حوواذق‪ ،‬وقوود احتشوودت باألسوواطير مثوول‪ :‬األسوواطير الفرعونيووة (عووروس‬
‫النيوول)‪ ،‬أسوواطير الرؤيووا (زرقوواء اليمامووة) أسوواطير الطوفووان (العمووالق‬
‫عووج بوون عنوواق)‪ ،‬األسووطورة األنثويووة (شووهرزاد)‪ ،‬أسوواطير البحووث عوون‬
‫(‪ )1‬سرد الجسد وغواية اللغة‪ /‬قراءة في حركية السرد األنثوي وتجربة المعنى‪ ،‬الدكتور األخضر بن السايح‪ ،‬عالم‬
‫الكتب الحديث‪ ،‬أربد – األردن‪.8-7 :2011 ،‬‬

‫‪74‬‬
‫الخلود (قصة ذي القرنين موع الخضور وعوين الحيواة)‪ ،‬أسوطورة التحوول‬
‫(أطلنطووا)‪ ،‬األسوواطير اليونانيووة الهوميريووة (األوديسووة)‪ ، ...‬والكثيوور موون‬
‫األساطير التي تعمل فيها الكاتبة علوى تعريوة الواقوع العربوي وموا يعانيوه‬
‫المواطن العربي من حرمان؛ حرمانه من الحب‪ ،‬مون ذاتوه‪ ،‬مون هويتوه‪،‬‬
‫ومن أبسط حقوقه كإنسان‪.‬‬

‫األتطوري والمؤتطر‬
‫يبدو أن األسطورة ستظل تشكل المالذ المحتفى به منذ العصر‬
‫الكالسيكي‪ ،‬وحتى‬

‫الراهن المعيش؛ كون اإلنسان يلجأ إلى القوى الغيبية المتمثلة‬


‫باألساطير‪ ،‬في أية مرحلة من مراحل تطوره‪ ،‬وكلما واجهته صعوبات‬
‫ال يستطيع السيطرة عليها أو تفهمها(‪ .)1‬فهي ((نظام متكامل استوعب‬
‫قلق اإلنسان الوجودي‪ ،‬وتوقه األبدي لكشف الغوامض التي يطرحها‬
‫محيطه))( ‪ .)2‬وتبعا لذلك فـ((إن الشروط اإلنسانية‪ ،‬والتدخالت‬
‫االجتماعية‪ ،‬والعالقات اليومية‪ ،‬التي كانت موجودة عن البدائيين –‬
‫خالقي األسطورة – ما زالت موجودة بتنويعات مختلفة اليوم‪ ،‬مما‬
‫يسوغ ظهور األسطورة من جديد‪ ،‬ولكن بطرق وأساليب أخر‪ ،‬تتناسب‬ ‫ّ‬
‫مع الحياة العصرية الجديدة‪ ،‬المع ّمدة باإلنجازات العلمية والتفوق‬
‫التكنولوجي))( ‪.)3‬‬
‫إن األسطورة بنية معرفية‪ ,‬شيدّتها أسئلة الوعي الكبرى‪ ,‬التي‬
‫صاغها الفكر البشري منذ تشكالتها األولى‪ ,‬رافقت اإلنسان في كفاحه‬
‫المتواصل مع الطبيعة وقساوة الحياة‪ ،‬وهي المعادل الموضوعي‬
‫(‪ ) 1‬أسطورة الموت والنبعاث في الشعر العربي‪ ،‬ريتا عوض‪ ،‬المؤسسة العربية للدراسات والنشر‪ ،‬بيروت‪:1978 ،‬‬
‫‪19‬‬

‫(‪ )2‬م غامرة العقل األولى‪ ،‬دراسة في األسطورة‪ ،‬دار الكلمة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط ‪.15 :1985 ،2‬‬

‫(‪ ) 3‬أنماط الشخصية المؤسطرة في القصة العراقية الحديثة‪ ،‬د‪ .‬فرج ياسين‪ ،‬دار الشؤون الثقافية العامة‪ ،‬بغداد‪،‬‬
‫‪.33 :2010‬‬

‫‪75‬‬
‫لخيبات اإلنسان‪ ،‬أو البؤرة التي يرى منها النور‪ ،‬أو الفرح واشراقات‬
‫المستقبل‪ ،‬وعلى الرغم من أنها ظلت تدور ضمن حركية المثاقفة‪،‬‬
‫وجدلية االحتكاك الثقافي‪ ،‬والحوار الحضاري بين الشعوب‪ ,‬إال إنها‬
‫صمدت أمام هذا التداخل؛ لذلك كان لكل شعب من شعوب العالم أو أمة‬
‫من األمم أساطيرها الخاصة‪ ,‬ولم يكن القاسم المشترك بين أساطير‬
‫العالم هو األسى وإنما المالمح والخصائص واألبعاد ومدلوالت‬
‫رموزه(‪ .)1‬من هنا تتبلور معرفيتها‪ ,‬اذ بوساطتها يمكننا دراسة‬
‫المكونات الثقافية والفكرية لذلك الشعب أو تلك األمة‪ .‬فـ((إذا كان بعض‬
‫الباحثين يرى أن األسطورة مرض لغوي‪ ،‬وخيال جامح‪ ،‬وحكايات ال‬
‫تصدق‪ ،‬فإن البعض اآلخر يرى أنها ال تخرج عن الواقع‪ ،‬وإنما تقوم‬
‫داخله‪ ،‬حيث تكون مجموعة قواعد تضبط الفكر والعمل‪ ،‬وبذلك ال‬
‫يمكن التفريق بين األسطورة والعالم‪ ،‬وال يمكن عزل أحدهما عن‬
‫اآلخر‪ ،‬ألن األمر ال يتعلق بقراءة بسيطة للطبيعة والعالم‪ ،‬وإنما يتعلق‬
‫بفهم اإلنسان لنفسه داحل هذه الطبيعة‪ ،‬وهذا العالم‪ .‬واألسطورة إذ‬
‫تعطي فكرة عن نظام العالم‪ ،‬فإنها في الوقت نفسه تعطي فكرة عن‬
‫مكان اإلنسان داخل العالم))( ‪.)2‬‬
‫لم يقتصر تأثير الفكر األسطوري على الدراسات االنثروبولوجية‬
‫واالجتماعية فحسب‪ ,‬بل تعداها إلى الفاعلية اإلبداعية في جميع‬
‫األنواع الفنية واألدبية (رسم‪ ,‬نحت‪ ,‬رقص‪ ,‬مسرح‪ ,‬سينما‪ ,‬تلفزيون‪,‬‬
‫شعر‪ ,‬قصة‪ ,‬رواية ‪ ...‬الخ)‪ .‬ويشكل توظيفها في العمل القصصي رؤية‬
‫فنية وإبداعية ال يستطيع القاص الوصول إليها إال بعد جهد ودربة‪,‬‬
‫للوصول إلى الجودة واإلبداع‪ ,‬أما من الناحية النقدية فابتعدوا عن تناول‬
‫دراسة األسطورة بذاتها‪ ,‬بل درسوها من حيث هي عنصر بنائي في‬
‫النقد األدبي( ‪ .)3‬ومنهم حنا عبود في كتابه (النظرية األدبية الحديثة‬
‫والنقد األسطوري) ومحاولته تقديم صورة إجمالية للنقد األسطوري‪،‬‬
‫وتبيان حدوده وموقعه في مرسوم النظرية األدبية الحديثة‪ ,‬والتعرف‬
‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬أسطورة الموت والنبعاث في الشعر العربي‪.10-8 :19 :‬‬

‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬المصدر نفسه‪.10-8 :19 :‬‬

‫(‪ )3‬أسطورة الموت والنبعاث في الشعر العربي‪.8 :‬‬

‫‪76‬‬
‫على(النظام األدبي) الذي تؤكد عليه هذه النظرية‪ ,‬وكشف النقد‬
‫األسطوري في نظريته االنزياح والتعديل؛ ليكون أفقا مفتوحا أمام كل‬
‫اإلنتاج األدبي الحديث‪ ،‬مع تأكيده الشديد على األنماط األولية التي‬
‫صاغها الفكر البشري عبر مسيرته والتي تعد أي األنماط راسخة جدا‬
‫ووطيدة جدا(‪.)1‬‬
‫وهكذا إذن فدراسة األسطورة ليست بالتأويل أو الشرح النصي‪,‬‬
‫والبحث عن المعنى فحسب‪ ,‬وإنما في البحث عن جماليات العمل‬
‫الفني‪ ,‬وربط النص بصاحبه وأحوال مجتمعة من خالل التعامل مع‬
‫ظواهر النصوص ال بوصفها ظواهر فردية‪ ,‬بل ظواهر جماعية‪ ,‬ومن‬
‫ثم تحديد شبكة الصور البدائية ذات الطاقة الخيالية الرمزية‬
‫واألسطورية‪ ,‬وتأطير النماذج العليا واألنماط البدائية التي تشكيل‬
‫مقوالت الماضي الثقافي واالجتماعي واإلنساني ألي عمل إبداعي‪،‬‬
‫عبر مفاهيم اصطالحية استعملها التحليل النفسي اليونجي‬
‫واالنثروبولوجيا االجتماعية مثل الالشعوري الجمعي‪ ,‬النماذج العليا‪,‬‬
‫النماذج البدائية‪ ,‬الطقوس‪ ,‬التابوات‪ ,‬القران المقدس‪ ,‬اإلسقاط‪ ,‬الترميز‪,‬‬
‫الحدس‪ ,‬أنماط التحول‪ ,‬األحالم ‪ .....‬الخ(‪.)2‬‬
‫والالشعور الجمعي حسب يونج صور ابتدائية الشعورية أو‬
‫رواسب نفسية لتجارب ابتدائية وقد ورثت في أنسجة الدماغ بطريقة‬
‫ما‪ ,‬فهي إذن نماذج أساسية قديمة لتجربة إنسانية مركزية‪ ،‬وإن هذا‬
‫الالشعوري موجود في كل حلقات سلسلة النقل أو التعبيرــ بوصفها‬
‫تطورات في الالوعي عند الشاعر‪ ,‬وموضوعات مترددة أو سالسل‬
‫من الصور في الشعر‪ ،‬وتصورات في الالوعي عند القارئ‪ ،‬وهذا كله‬
‫مبني على فكرته في الالشعوري الجمعي‪ ،‬الذي يختزن الماضي‬
‫ولد األبطال األسطوريين البدائيين‪ ,‬والزال يولد‬ ‫الجنسي‪ ،‬وهو الذي ّ‬
‫أخيلة فردية‪ ،‬إذ يجد تعبيره األكثر في رمزية تتجاوز حدود الزمان‬
‫غير أنها مألوفة نسبيا وهي رمزيه وما تزال تتكرر (‪.)3‬‬
‫(‪ )1‬األسطورة بين الثقافة الغربية والثقافة اإلسالمية‪ ،‬د‪ .‬يونس لوليدي‪ ،‬مطبعة أنفو برانت‪ ،‬ط‪.11 :1996 ،1‬‬

‫(‪ )2‬النقد االسطوري عند د‪ .‬مصطفى ناصف‪ ,‬د‪ .‬جميل حمداوي انترنيت‪ ،‬موقع ديوان العرب‪www.Diwan alar .‬‬

‫(‪ )3‬في نظرية االدب‪ ,‬د‪.‬شكري عزيز الماضي‪ ،‬دار الحداثة للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬لبنان بيروت ط‪:1986 1‬‬
‫‪-157‬ـ‪.158‬‬

‫‪77‬‬
‫كما يعد ((نور شراب فردي)) من أهم نقاد ((االسطورة)) الذين‬
‫استخدموا الميثولوجيا كأسلوب جديد في دراسة األدب‪ ,‬إذ أثنى على‬
‫اكتشاف العالقة بين الشعر واألسطورة‪ .‬وتقوم نظرية فراي على‬
‫الرموز البدائية التي تمثل حجر الزاوية في القصيدة‪ ,‬وهو يؤمن بأن‬
‫التاريخ األدبي بشكل((تام)) ــ حسب تعبيره ــ يتحرك من نقطة البداية‬
‫إلى نقطة أكثر تحضرا حتى يصل إلى قمة الحضارة(‪ .)1‬ومن ثم‬
‫فاألدب عبارة عن تراكم مجموعة بسيطة من الصيغ واألنماط التي‬
‫يمكن دراستها في حضارة بدائية عندها يصبح البحث عن الرموز‬
‫البدائية في الشعر نوعا من االنثروبولوجيا األدبية التي تهتم بالبحث في‬
‫كيفية استخدام األدب ألنماط التعبير التي نشأت قبل ظهوره مثل‬
‫الطقوس واألساطير والحكايات الشعبية(‪.)2‬‬
‫وهنا نتجاوز التوظيف األسطوري في األدب إلى تحويل الواقع إلى‬
‫بنى أسطورية تتناظر رموزها مع اللغة تناظر العالمة المدلول‪ ,‬تناظر‬
‫المعنى والمعنى‪ ،‬إذ تصبح األسطورة بنية لغوية شديدة الشفافية‬
‫والعالقة فيها بين الرمز والمرموز إليه ليست عالقة اتفاقية بل عالقة‬
‫جوانية بنائيه(‪ .)3‬كما نتجاوز االنزياح للداللة على األسطورة األصلية‬
‫التي تخضع لتعديل يجربه الشاعر أو األديب حتى يوافق بينها وبين‬
‫موقفه ونظرته‪ ,‬فنظرة الشاعر في مجتمعاتنا مقصرة أن تضع في‬
‫حسابها كثيرا من المستجدات كروح العصر وظهور مخترعات‬
‫حضارية ونشؤ عالقات جديدة بين الطبقات االجتماعية وتغيير في‬
‫االتجاه السياسي العام‪ .‬وقيام أنظمة وسقوط أنظمة ‪ ..‬أشياء وأشياء‬
‫تجبر الشاعر على استخدام األسطورة األولية استخداما جديدا(‪.)4‬‬

‫األتطرة‬

‫(‪ )1‬المصدر نفسه‪.159 :‬‬

‫(‪ )2‬في نظرية االدب‪.169 :‬‬

‫(‪ )3‬اللغة المنسية‪ ,‬ايريك فروم‪,‬ت حسن قبيس‪.21 :‬‬

‫(‪ )4‬النظرية االدبية الحديثة والنقد االسطور ‪ ,‬حنا عبود‪.108 :‬‬

‫‪78‬‬
‫تضعنا القراءة أمام مصطلحين متجاورين‪ ،‬وينبعان من حقل‬
‫واحد‪ ،‬ولكنهما يختلفان عن بعضهما كثير‪ ،‬وهما‪ :‬األسطرة واألسطورة‬
‫الجديدة‪ ،‬فحين ينصرف مفهوم األسطرة إلى الناحية اإلجرائية بوصفها‬
‫آلية ووسيلة‪ ،‬فإن األسطورة الجديدة ذات صفة نوعية‪ ،‬فهي أحد نوعي‬
‫األسطورة‪ ،‬ومن هنا ميّز فرج ياسين بين األسطرة التي تعني ((جعل‬
‫الشيء أسطوريا))( ‪ ،)1‬وما يرادف الخلق واالبتكار ورفع الواقع إلى‬
‫مرتبة األسطورة‪ ،‬واألسطورة الجديدة بوصفها المروي المؤسطر أو‬
‫المبتكر أو المخلّق من الواقع على نحو يوحي بقطع الصلة مع‬
‫األسطورة القديمة(‪.)2‬‬
‫نستخلص من كل ما سبق‪ ،‬أن األسطورة بنية معرفية تنهض على‬
‫أسئلة الوعي اإلنساني في مواجهة المحن والمصير والشقاء والعالقة‬
‫بالكون بشكل عام‪ .‬وأن النقد األسطوري على الرغم من تداخله مع النقد‬
‫االجتماعي يظل نقدا له خصوصية من خالل اجتهاد مصطلحاته في‬
‫التأثير في النظرية األدبية الحديثة‪ ،‬وما األسطورة إال مغايرة لغوية‬
‫تتحرك مثلما يتحرك الحلم‪ .‬وسنتناول في هذه القراءة قصة (رسالة إلى‬
‫اإلله) من قصص مجموعة (قافلة العطش)‪ ،‬تبعا لدعوة الواقعية‬
‫السحرية إلى التحرر من قوانين الواقع الموضوعي‪ ،‬وارتياد ما فوق‬
‫الواقعي‪ ،‬وذلك بعودة اإلنسان إلى الينابيع األولى (االسطورة)( ‪ )3‬التي‬
‫أصبحت ضربا من ضروب الرؤيا الفنية كذلك(‪ )4‬فضال عن كونها‬
‫شكال من اشكال التحوالت وهي تجمع بين عنصرين مهمين وهما‬
‫الواقع والفنتازيا‪.‬‬
‫وقعت األسطورة من قلوب المبدعوة سوناء شوعالن موقعوا كبيورا ؛إذ‬
‫دأبووت علووى قراءتهووا منووذ الطفولووة وعوودت نفسووها الوحيوودة القيّمووة عليهووا‪،‬‬
‫فطاردت من هم دونها معرفة بها لتحكي لهوم أسواطيرها‪ ،‬وكيوف ال وقود‬
‫(‪ )1‬األدب العام المقارن‪ ،‬دانيل – هنر ياجو‪ ،‬ترجمة‪ :‬غسان السيد‪ ،‬اتحاد الكتاب العرب‪ ،‬دمشق‪.147 :1997 ،‬‬

‫(‪ ) 2‬األنماط الشخصية المؤسطرة في القصة العراقية الحديثة‪.33 :‬‬

‫(‪ ) 3‬ينظر‪ :‬النزوع األسطور في الرواية العربية‪ ،‬نضال الصالح‪ 52 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫(‪ )4‬التناص األسطور في شعر إبراهيم إبو سنة‪ ،‬عبد العاطي كيوان‪ ،‬مكتبة النهضة المصرية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪،1‬‬
‫‪ 19 :2003‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫أصبحت شهرزادا فوي عالمهوا ؟ نهلوت مون الكثيور مون الكتوب وبالتحديود‬
‫قرأت أكثر من ألفي كتاب‪ ،‬و قد ساعدتها في ذلوك معلمتهوا بوأن جعلتهوا‬
‫القيّمة على مكتبة المدرسة رغم حداثة سنها‪ ،‬فقرأت لمواركيز‪ ،‬وفيكتوور‬
‫هيغووووو وارنسووووت هيمنغووووواي‪ ،‬وحنووووا مينووووا‪ ،‬وتوفيووووق الحكوووويم‪ ،‬وجمووووال‬
‫الغيطوواني‪ ،‬وغسوووان كنفوواني‪ ،‬وغوووادة السووومان‪ ،‬وجرجووي زيووودان‪ ،‬وعبووود‬
‫الرحمان منيوف‪ ،‬كموا قورأت كول أعموال نجيوب محفووظ الوذي تووج ثمورة‬
‫حبهووا لألسوواطير ببحووث علمووي درسووت فيووه األسووطورة فووي رواياتووه‪ ،‬ممووا‬
‫دفعها إلى االطالع على الكثير من الكتب المتعلقوة باألسوطورة وتقوديمها‬
‫لكتاب نقدي بعنوان (األسطورة فوي روايوات نجيوب محفووظ)‪ ،‬كموا كوان‬
‫للكاتبة كتاب نقدي سابق بعنوان(السورد الغرائبوي والعجوائبي فوي القصوة‬
‫االردنية)‪ ،‬و هو ما زاد من سعة االطالع لديها وتمكنها مون األسوطورة‬
‫(‪.)1‬‬
‫في قراءتنا السابقة وجدنا أن القاصة سناء شعالن من القاصات‬
‫القليالت اللواتي تميزن بجرأتهن في رفض الواقع المأساوي في‬
‫مواضعاته (االجتماعية والثقافية والسياسية)‪ .‬وعندما ترفض القاصة‬
‫هذه البنى بوصفها بنى موضوعاتية‪ ،‬فال بد من رفضه للبنى النصية‬
‫التي تتقوقع تلك البنى داخلها‪ ،‬أو تسايرها في أقل االحتماالت‪ ،‬وعلى‬
‫هذا األساس اختلفت طرائقها النصية‪ ،‬وتعبيراتها اللغوية‪ ،‬وخياراتها‬
‫التقانية‪ ،‬وتمظهرت نتيجة لكل هذا‪ ،‬متغيرات جديدة في منجزها‬
‫القصصي‪ ،‬وعبّرت عن رؤيتها الغرائبية في تحليل الواقع‪ ،‬فتداخل‬
‫لديها الحلم باليقظة‪ ،‬واالسطوري بالملحمي‪ ،‬والمتخيّل بالواقعي‪،‬‬
‫ليصور عوالم تحاصرها‬ ‫ّ‬ ‫واأللفة بالغرابة‪ ،‬والمعقول بالالمعقول‪،‬‬
‫العزلة‪ ،‬كما في مجموعة ( رسالة إلى اإلله )( ‪ .)2‬فاإلله الذي اختارته‬
‫في هذه القصة‪ ،‬هو رمز في الوقت ذاته‪ ،‬تعبّر عن االنكسار والخذالن‬
‫واالنسحاق الذي يطحن ذاتها‪ ،‬ويحيلها إلى اغتراب‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬األسطورة في روايات نجيب محفوظ‪ ،‬سناء شعالن‪ ،24 :‬وشهادة إبداعية لسناء شعالن‪ :‬مجلة الجسرة‪:‬‬
‫‪30‬ومابعدها‪.‬‬

‫(‪ )2‬رسالة إلى اإلله‪ ،‬سناء شعالن‪ ،‬دار اآلداب للنشر والتوزيع‪ ،‬مؤسسة عبد المحسن القطان‪.2008 ،‬‬

‫‪80‬‬
‫تعد قصتها (رسالة إلى اإلله)( ‪ )1‬من أشد قصص المجموعة جرأة‪،‬‬
‫فصورها يكتنفها الغموض‪ ،‬وأسلوبها يتكأ على الغرابة‪ ،‬والقاصة ال‬
‫تملك أي استعداد للتخلي عن جملة واحدة دون تعزيز وجودها الداللي‪،‬‬
‫تصر على‬
‫ّ‬ ‫وبهذا تكون القصة عبارة عن حشد هائل من االيحاءات التي‬
‫االنفالت من حواضنها الشعبية واألسطورية والتاريخية والفلسفية‬
‫والثقافية‪.‬‬
‫حينما تنهض القراءة على التفسير ومالحقة المعاني‪ ،‬تقبع في خانة‬
‫ضيقة‪ ،‬وال تنال مرادها‪ ،‬وحينما تنهض على كشف المضمر‪ ،‬وإضاءة‬
‫العتمة‪ ،‬وتقريب ال ُمبعد‪ ،‬وحضور المنفي‪ ،‬وقول المسكوت عنه ‪....‬إلخ‪،‬‬
‫تحلّق في فضاء واسع جدا‪ ،‬وتصل إلى مبتغاها‪ ،‬وهذا ما تغيّته هذه‬
‫القراءة وهي تنوء تحت ثقل الموروث (األسطوري)‪ ،‬والمراوغات‬
‫الداللية التي تحاول القاصة توريتها قدر اإلمكان‪ ،‬فماذا يخفي السارد‬
‫بضمير الغائب في تعبيره القصصي اآلتي‪:‬‬
‫" قليل هم من يجرؤون علق السخط علق اإلله‪ ،‬لكنها تخط عليه‪،‬‬
‫نعم هي تاخطة علق زيوس اإلله األكبر الذي ينصرس قلق المتعة‬
‫والاهوة والحه والسعادة‪ ،‬وينسق أن له رع ّية شقية‪ ،‬ينساها هي‬
‫(‪)2‬‬
‫"‬ ‫بالذات‪ ،‬لقد تظرع قليه طويال‬
‫قبل القراءة التأويلية للجملة‪ ،‬يأخذنا الحديث عن القص‬
‫الموضوعي‪ ،‬وهو وإن كان من أقدم أنماط القص‪ ،‬وقد تخلى كثير من‬
‫القصاصين عنه‪ ،‬إال أننا نرى تمسك سناء شعالن بهذا النمط‪ ،‬وقد هيمن‬
‫على قصص المجموعة كلها‪ ،‬والراوي الذي يهيمن بدوره على هذا‬
‫النمط القصي هو الراوي كلي العلم‪ ،‬إذ "يتخذ لنفسه موقعا ساميا‪ ،‬يعلو‬
‫فوق مستوى إدراك الشخصيات‪ ،‬فيعرف ما تعرفه وما ال تعرفه‪،‬‬
‫ويرى ما تراه وما ال تراه‪ ،‬وهو المتحدث الرسمي باسمها‪ ،‬فال يسمع‬
‫(‪)3‬‬
‫القارئ إال صوته‪ ،‬وال يرى األشياء إال من خالل وجهة نظره"‬

‫(‪ )1‬رسالة إلى اإلله‪ .57 :‬وقد نشرت هذه القصة في مجموعة (قافلة العطش) أيضا ص‪.20‬‬

‫(‪ )2‬المصدر نفسه‪.57 :‬‬


‫(‪) 3‬‬
‫الراو والنص القصصي‪ ،‬عبد الرحيم الكرد ‪ ،‬مكتبة اآلداب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪.101 :2006 ،1‬‬

‫‪81‬‬
‫ينطلق المفتتح القصصي من بؤرة تضيء حالة الشخصية (الرعية)‬
‫أو (الشقية) نسبة إلى عالمها المأزوم‪ )،‬فالسارد هو في داخل هذه‬
‫الشخصية‪ ،‬وهو العليم بكل ما تفعل وتفكر به‪ ،‬ويعرف أسرارها‬
‫وخفاياها‪ ،‬لذا نجده يتساءل بدال عنها‪:‬‬
‫" لماذا هي مسجونة ي هذا الجسد األنثوي البغيض؟ تريد أن‬
‫تتحرر‪ ،‬تتمنق لحظة به وابدة‪ ،‬أهذا كثير علق قله السما ؟ أكثير أن‬
‫تتمنق رجال يحبها دون نسا األرض؟ هي تاتهي مخاصرة تستمر‬
‫بتق آخر العمر‪ ،‬لقد كفرت بإله السما األصم الذي ال يسمع‬
‫شكواها"(‪.)1‬‬
‫ومع استمرار هذه الوحدة القصصية‪ ،‬تسعى القاصة إلى عملية التمويه‬
‫بين اإلنسان واإلله‪ ،‬فهي تؤسطر هذا الفعل اإلنساني‪ ،‬وتخفي دالالته‬
‫في لبوس أسطوري‪ ..... ،‬ثم يقودنا الراوي إلى أسطرة الواقع مجددا‬
‫عبر التواصل اإلنساني اإللهي‪ ،‬إذ تمسك هذه المرأة بدواة وقرطاس‬
‫لتكتب رسالة إلى اإلله (زيوس) وتخبره بمعاناتها‪:‬‬
‫" أريد ببا وابدا يمأل ذاتي‪ ،‬يهصر أشواقي وذاتي‪ ،‬يسكن ما بيني‬
‫وبين جسدي‪ ،‬أريد ببا يقتلعني من أبزان جسدي‪ ،‬ووبدة تاعاتي‪،‬‬
‫أريده ببا ويا جبارا ال يعرس األلم‪ ،‬أريده ببا يمس بتالبيه روبي‪،‬‬
‫ويخلق ب ارجات دامية ي نفسي‪ ،‬اللعنة علي ‪ ،‬اتتجه لي ولو لمرة‬
‫(‪)2‬‬
‫وابدة"‬
‫في هذا المقطع تعمد القاصة إلى ترحيل األسطورة من مخيال‬
‫أسطوري إلى مخيال قصصي‪ ،‬وهذان المخيالن ينقالن الداللة من‬
‫النصية إلى الواقعية‪ ،‬و الفعل القصصي الذي يتم الترحيل األسطوري‬
‫فيه و "وخلق التم اهي وااللتباس بين الواقع والخيال‪ ،‬يحتاج إلى مهارة‬
‫تتمكن من تحقيق صيرورة مقنعة‪ ،‬بعيدا عن القسر‪ ،‬وهذا ال يتم إال عبر‬
‫(‪) 3‬‬
‫رؤية صافية ومتأنية ال بد أن يتوفر عليها الكاتب"‬

‫(‪ )1‬رسالة إلى اإلله‪.57 :‬‬

‫(‪ )2‬المصدر نفسه‪.58 :‬‬

‫(‪ ) 3‬العالقة الجدلية بين الواقعي والمتخيّل في النص‪ ،‬جاسم عاصي‪ ،‬مجلة األديب العراقي‪ ،‬ع‪.31 :5‬‬

‫‪82‬‬
‫إن قصة (رسالة إلى اإلله) قد اشتملت على المغامرة والغرابة‬
‫وإرباك المتلقي‪ ،‬ونهضت على أسطرة الواقع في سياق نصي يشير إلى‬
‫تجذر ذاكرة القاص ووعيه في الموروث األسطوري‪ ،‬واإلفادة من‬
‫مكنوناته الثرية‪ ،‬واعادة تشكيل عالم يحاكي العالم الواقعي‪ ،‬ويتوازى‬
‫معه‪ ،‬وترتبط أحداثه بشخوص يواجهون قوى غيبية خارقة تسعى إلى‬
‫تحريك عناصر القص تحريكا تخيّليا وإحداث أثر غريب ‪ ،‬وطابع ال‬
‫نمطي يترك بصمته على فكر الشخوص ووعيهم‪ ،‬وغايته خلخلة بعض‬
‫المعايير االجتماعية المتكلسة‪ ،‬وضعها أمام اسئلة التغيير المعرفية التي‬
‫تبتكر وال تستنسخ‪ ،‬وتجترح وال تستهلك‪.‬‬
‫لقد نهضت القصة على البناء األسطوري‪ ،‬عبر اسطورة‬
‫(زيوس) بوصفه خالقا للفضاء األيروتيكي المتمثل بمعاشرة زوجاته‬
‫الشرعيات أو عشيقاته‪ ،‬وقد أضمرت القاصة في هذا التناول‬
‫األسطوري تصوراتها عن الواقع االجتماعي الذي نعيشه‪ ،‬فـ(زيوس)‬
‫اإلله واألب عالمة تقودنا إلى ممارسة القمع على الطبقات المهمشة ‪،‬‬
‫التي ال تجرؤ على اإلفصاح عن تطلعاتها في الحياة‪ ،‬إال أن إحساسها‬
‫بدونيتها في التفاصيل المعيشة كلها‪ ،‬جعلها تنطق بكلمة الحق في وجه‬
‫هذا اإلله الظالم‪ ،‬وهنا استطاعت القاصة أن تغاير النسق األسطوري‪،‬‬
‫الذي تركز في توزيع الخير والشر على البشر‪ ،‬إذ جعلته يقدم الموت‬
‫على الحب‪ ،‬لتؤسطر واقعا جديدا يوحي إلى واقعنا الحالي الذي يمنح‬
‫الموت للطبقات المسحوقة التي تعيش الحرمان الكلي‪ ،‬في حين يتمتع‬
‫(زيوس) بملذات الحياة‪ ،‬وما تمسك الذات األنثوية في هذه القصة‬
‫بالحب‪ ،‬إال تعبيرا عن رغبتها في تحقيق أمنيتها بأنها أنثى‪:‬‬
‫" لقد تضرع قليه طويال ‪ ،‬والق ابنته قلهة الجمال ا روديتي‬
‫(‪)1‬‬
‫والق قله الحه كيوبيد ‪ ،‬كي يهبوها ببا ً وابدا ً قط "‬
‫تصرح بما في‬
‫ّ‬ ‫ولكن هذا الحرمان والقسوة والظلم جعل الساردة‬
‫داخل الفتاة من ألم وقهر‪ ،‬حتى وضعتها في موضع توسل وخضوع‬

‫(‪ ) 1‬رسالة إلى اإلله‪.57 :‬‬

‫‪83‬‬
‫إلى حد أن أسئلتها باتت مثار الشسفقة على أنوثتها التي وصفتها‬
‫بالبغيضة؛ جراء اهمالها‪ .‬بهذه الحرقة الشديدة‪ ،‬تتمرد على اإلله‪،‬‬
‫وتعصي كل أوامره‪ ،‬وتتجاوز ذلك إلى إرسال لعناتها إليه دون خوف‬
‫أو مواربة ‪:‬‬
‫اللعنة علي كيف تتركني أعاني من كل هذه‬ ‫" أنا وبيدة‬
‫(‪)1‬‬
‫المعاناة ؟"‬
‫(‪)2‬‬
‫" اللعنة علي اتتجه لي ولو لمرة وابدة "‬
‫وعلى الرغم من تفكيره في شكل الحبيب والحب اللذين تطلبهما‪،‬‬
‫إال أنه حقق رغبتها في إرسال (هاديس) بوصفه ملكا للعالم السفلي‬
‫(إله الموت)‪ ،‬وأسكن جسدها‪ ،‬كي تشعر بلذة التخلص من سجنها‬
‫األبدي‪:‬‬
‫"وقبل أن تربل مع هاديس قلق مملكة العطش ‪ ،‬أرتل ز رة‬
‫(‪) 3‬‬
‫شكر لإلله زيوس ‪ ،‬وغاب ي الموت "‬
‫وهنا تكمن المفارقة االستعارية عبر الفرح‪ /‬الحزن‪ ،‬فعلى الرغم‬
‫من الفرح الذي سيحدثه هذا الصنيع الذي كان يرغب به (زيوس) في‬
‫تنفيذه‪ ،‬نراه يحزن‪ ،‬ويسعى إلى مداراة حزنه بالسكر‪:‬‬
‫" زيوس لم ينم ي الليلة التي تكر يها ‪ ،‬بل أمضق ليله باكيا ً‬
‫(‪)4‬‬
‫‪ ،‬وكته رتالة قلق مجهول"‬
‫إن القاصة في أسطرتها للواقع‪ ،‬أرادت أن تخلق نصا موازيا‬
‫لألسطورة‪ ،‬فالقصة القصيرة واألسطورة كالهما يقتربان من بعضهما‬

‫(‪ ) 1‬المصدر نفسه‪,58 :‬‬

‫(‪ ) 2‬المصدر نفسه‪.58 :‬‬

‫(‪ ) 3‬المصدر نفسه‪.59 :‬‬


‫(‪) 4‬‬
‫رسالة إلى اإلله‪.61 :‬‬

‫‪84‬‬
‫من حيث اللعب الترميزي واإلشاري في كل منهما‪ .‬وقد وظفت القاصة‬
‫(التناص) في أسطرة الواقع‪ ،‬فهي لم توظف األسطورة كما هي‪ ،‬وإنما‬
‫عملت على اإلفادة منها فقط‪ ،‬وقد تجل غايتها في ذلك بقولها‪ " :‬غايتي‬
‫من ذلك أن أحدث صدمة عند القارئ عندما أهدم كثيرا ً من مسلماته‬
‫سردية وأبني مكانها فرضياتي ومعتقداتي التي تنبع قيمتها من قدرتها‬ ‫ال ّ‬
‫على التّمرد والخروج على نظرية القطيع لتؤ ّسس مفهوما ً جديدا ً من‬
‫الفهم القادر على تكوين ذاته بنا ًء على المنطق والعقل والحقيقة‪ ،‬وبعيداً‬
‫عن هيمنات اإلعالم وسلطة تاريخ المنتصرين وادعاءات الكاذبين"(‪.)1‬‬
‫وربما ال نحيد عن الصواب لو قلنا أن القاصة قد أسطرت الوأد‬
‫الحديث في هذه القصة‪ ،‬وأعطته ذات البعد‪ ،‬ولكن بأسلوب مختلف‪.‬‬
‫وفي قصة (دقلة النور) تؤسطر القاصة الواقع الصحراوي مكانا‬
‫وشخوصا‪ ،‬فالواحة بأشجارها السحرية‪ ،‬وثمارها األسطورية‪ ،‬كانت‬
‫المكان الذي يسحر‪:‬‬
‫" العرب الخليجين األثريا ‪ ،‬ال‪1‬ذين جاؤوا من الخليج؛‬
‫لينصبوا خيامهم التر ة و ربال الصحرا الملتهبة بالحكايا‬
‫والقصص واالنتظار‪ ،‬هم جاؤوا من البعيد مدججين بمالهم وتر هم ‪،‬‬
‫لينصبوا الفخاخ والبناد للطيور المهاجرة التي تمر بصحرا توزر‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫وتكان تل المدينة الصحراوية الهاجعة ي صمتها الحار"‬
‫كما تؤسطر شخصية (المرأة) المبروكة الفقيرة‪ ،‬التي كانت تسكن‬
‫الواحة منذ مئات السنين‪ ،‬وذلك عبر فعل عجائبي‪ ،‬يقودنا إلى أسطرة‬
‫الشخصية‪ ،‬أكثر مما يقودنا إلى توظيف العجائبي في القصة القصيرة‪:‬‬
‫" كان تسكن الوابة منذ مئات السنين‪ ،‬وكان أمنيتها أن‬
‫تذهه قلق الحج‪ ،‬وأن تزور قبر الرتول الكريم‪ ،‬ولكنها مات قبل أن‬
‫يتحقق هذا الحلم‪ ،‬د ن ي الوابة‪ ،‬ود ن مع مسبحتها المصنوعة‬
‫(‪ ) 1‬حاورها توفيق عابد صحيفة االتحاد االماراتية‬
‫‪http://www.alittihad.ae/details.php?id=23022&y=2011‬‬
‫(‪ ) 2‬أرض الحكايا‪.159 :‬‬

‫‪85‬‬
‫من نوى التمر‪ّ ،‬ر الرتول الكريم لحالها ي قبره‪ ،‬هبط دموعه‬
‫علق المسبحة‪ ،‬عندها لم يتحول النوى الجاس قلق وابة مليئة بالنخيل‬
‫قط‪ ،‬ولكنه أنتج نوعا من التمورلم يكن موجودا من قبل‪ ،‬هو دقلّة‬
‫(‪)1‬‬
‫النور"‬
‫وعلى الرغم من الغريب (األجنبي) الذي يدين ألحدث النظريات‬
‫العلمية الحديثة‪ ،‬كان يرفض هذه المزاعم األسطورية‪ ،‬إال أنها كانت‬
‫توافق بشكل وآخر هالة النور التي يراها تحيط بسمرائه السمينة‪ ،‬التي‬
‫رجع إليها بعد أن يئس من زراعة نخلة (دقلّة النور) في كاليفورنيا‪،‬‬
‫ولكنها على الرغم من تظاهرها أمامه بأنها متماسكة وقوية‪ ،‬إال أنها لم‬
‫ليعوضها الحرمان الذي قسا‬ ‫تعد تقاوم ما في داخلها من شوق إليه‪ّ ،‬‬
‫كثيرا عليها‪ ،‬فسألته بخبث بعد أن علمت ّأال فائدة من زراعة هذه النخلة‬
‫في بلده‪:‬‬
‫" تثلته من جديد بدالل وخبث‪ :‬قذن لم عدت قلق هنا؟‬
‫قال وهو ينزع نظارته السودا ‪ ،‬وي ّد ي عينيها البربريتين‬
‫(‪) 2‬‬
‫الثائرتين المتحررتين‪ :‬جئ من أجل دقلّة النور"‬
‫وهنا نجد أن القاصة قد أسطرت المخيال الشعبي الديني؛ لتمنح‬
‫كل من المكان والشخصية ممكنات أسطورية؛ لتثير انتباه القارئ‪ ،‬إلى‬
‫الكيفية الي استطاعت عبرها إطالق االنفعاالت المكبوحة‪ ،‬أو المشاعر‬
‫المكبوتة‪ ،‬وتفريغها من عقالها في النفس‪ .‬فقد حررت كل من الرجل‬
‫والمرأة عبر هذا التفريغ‪ ،‬وجعلت كل منهما بحاجة لآلخر‪ ،‬فكما أصاب‬
‫المرأة الحرمان من الحب‪ ،‬نجد أن الرجل يشاطرها هذا الحرمان‪،‬‬
‫فيضطر إلى الرجوع إليها وهو مؤثث بالشوق والشبق‪ .‬وال غرابة في‬
‫قدرة القاصة على هذا الفعل القصصي الناتج من تداخل الوعي‬

‫(‪ ) 1‬أرض الحكايا‪.162 :‬‬

‫(‪ ) 2‬المصدر نفسه‪.162 :‬‬

‫‪86‬‬
‫النظري‪ ،‬والطاقة التطبيقية (اإلبداعية)‪ ،‬وقد تناولت في دراستها‬
‫األكاديمية السرد العجائبي والغرائبي واألسطورة‪ ،‬حتى أنها اقتنعت‪:‬‬
‫"لكل موجود أتطورة‪ ،‬هكذا تقول الحكاية‪ ،‬وألن الحكاية تقر‬
‫بحقيقة وجود األتاطير‪ ،‬كان أتطورتها‪ ،‬وكان أتطورة كل امرأة‬
‫منذ كان الخليقة‪ ،‬قول األتطورة أنها خلق لكي تنتظره‪ ،‬أي أتطورة‬
‫تقول ذل ؟ ال تعرس‪ ،‬لعلها أتطورة االنتظار التي باكتها باشتيا‬
‫(‪)1‬‬
‫الدنيا"‬
‫وهنا ال تريد القاصة توظيف األسطورة‪ ،‬بل تريد الوصول إلى‬
‫صياغة الواقع عبر األسطرة‪ ،‬أي بتشكيل أسطوري توازي فيه القصة‬
‫القصيرة تحطيم قوانين العقل‪ ،‬وإعادة إنتاج هذه القوانين وفق رؤية‬
‫تقوض الحدود الفاصلة بين ما هو واقعي وما هو فوق الواقعي‪ ،‬كما‬ ‫ّ‬
‫األسطورة التي تبتدع قوانينها الخاصة التي تتجاوز في محاولة منها‬
‫لتملك الواقع الذي تعانيه تملكا جماليا قادرا على إعادة النظام إلى واقع‬
‫محتشد بالفوضى والعماء وقيم السلب واالنتهاك(‪.)2‬‬

‫(‪ ) 1‬الكابوس‪ ،‬سناء شعالن‪ ،‬دائرة الثقافة واألعالم‪ ،‬الشارقة‪ ،‬ط‪..2006 ،1‬‬

‫(‪ ) 2‬النزوع األسطوري في الرواية العربية المعاصرة‪.17 :‬‬

‫‪87‬‬
88
‫الفصل الثالث‬
‫التحوالت النوعية ي القص‬

‫الفصل الثالث‬
‫التحوالت النوعية ي القص‬
‫مدخل‬
‫تعد التحوالت النوعية قضية محورية في التحوالت القصصية‪،‬‬
‫إذ تعمل على إزاحة القصة القصيرة من البناء المغلق إلى البناء‬
‫المفتوح‪ ،‬حسب طبيعة التغيرات والتطورات التي تخضع لها بنيتها‬
‫الفنية‪ .‬فتقترح القصة القصيرة مكونات نسيجية متفردة‪ ،‬تعتمتد على‬
‫مغايرات جزئية أو كلية‪ ،‬وينهض هيكلها الحكائي على تقانات تتضافر‬

‫‪89‬‬
‫فيها اللغة والرموز والدالالت لتأثيث تشكيل نصي ال يؤسس حبكة‬
‫معقدة بقدر ما يصوغ قصا مختلفا‪.‬‬
‫لقد انطلقت التحوالت النوعية عتد سناء شعالن في رؤية مغايرة‪،‬‬
‫تبحث عن الجديد في البنية القصصية ال بوصفها موضة عابرة‪ ،‬بل‬
‫ممارسة كتابية تواصل محاوالتها للتخلص من هيمنة السرد التقليدي‪،‬‬
‫وسحب (وسادة الكسل) من تحت رأس المتلقي‪ ،‬وإشراكه في كتابة‬
‫قصصية مغايرة‪ ،‬لها خطابها الجمالي المتعلق بإدراك القاصة لروح‬
‫ووجدان المرحلة التي تعيشها؛ ويأتي ذلك استجابة لرؤيتها وأفكارها‬
‫وانفتاحها على الحدس والتأمل بعد استفزاز وعيها‪ ،‬وبهذا يتحول‬
‫الخطاب إلى أنموذج رمزي تخييلي تجسد ضرورته في التفرد‬
‫والترابط في اآلن نفسه‪.‬‬
‫حين تعيد القاصة النظر بالمفاهيم القصصية‪ ،‬فإن تلك اإلعادة تعد‬
‫االنطالقة األولى نحو التغيير في إيجاد أنواع قصصية فرعية تتالءم‬
‫مع تغيير فكر وحياة المعاصرين للقاصة‪ ،‬من هنا انطلقت أفكارها‬
‫القصصية في المغايرة الكلية التي اعتمدت تداخل األزمنة واألمكنة في‬
‫الواقع النصي وهو يقدم األحداث المكثفة بأساليب وكيفيات جديدة‪،‬‬
‫عملت على تخليصه من السرد الحكائي المنظم‪ ،‬فبدال من تقديمه لنا‬
‫سردا قصصيا ‪ ،‬يتركنا لنعيش قصة السرد ونختبرها‪ .‬ونختبر وحدات‬
‫القص وهي توجه فعله إلى متكآت محايدة أو مجاورة تعمل على تشييد‬
‫بنية مغايرة‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫المتوالية القصصية والتحوالت‬
‫من المتعارف عليه أن االنزياحات النوعية تحدث داخل النوع‬
‫الواحد فتعمل على خلخلته‪ ،‬وتضعه في منطقة تغاير منطقته التقليدية‪،‬‬
‫ويسمى النوع الجديد المتمخض عن االنزياح بـ(نوع تحتي ‪sub-‬‬
‫)‪ )gener)(1‬ومن هذه األنواع الجديدة في القصة القصيرة ظهر نوع‬
‫قصصي أطلق عليه مصطلح (حلقة القصة القصيرة) حسب فورست‬
‫انجرام‪ ،‬وهو "مجموعة من القصص التي ترتبط إحداها باألخريات‪،‬‬
‫إلى درجة يتعدّل معها فهم القارئ لكل قصة من خالل فهمه للقص‬
‫األخرى")‪ .(2‬األمر الذي لفت انتباهه إلى تكرار الثيمة‪ ،‬والرمز‪،‬‬
‫والشخصية‪ .‬ولكنه يفعل ذلك على حساب االهتمام بالتتابعية في‬
‫المجلد)‪ . (3‬مع االنتباه إلى أن األمر المحوري فيها أن ديناميتها قائمة‬
‫على التوتر بين الوحدة والتنوع)‪ .(4‬كما أطلق عليه مصطلح (متوالية‬
‫القصة القصيرة) حسب روبرت لوشر‪ ،‬إذ يعرفها بعد أن يتناول‬
‫محاولة هورتينس كاليشر في بناء خيمة لقصصها المجموعة في كتاب‬
‫أطلقت عليه اسم (مجموعة قصص) بأنها "مجلد قصص جمعه ورتبه‬
‫مؤلفه‪ .‬فيه يدرك القارئ بنجاح‪ ،‬النماذج التي تقف وراء التماسك‪،‬‬
‫وذلك من خالل التعديالت المستمرة لتصوراته عن النموذج والثيمة‪.‬‬
‫وهكذا فان كل قصة قصيرة في سياق المتوالية ليست تجربة شكلية‬
‫مغلقة ومكتملة‪ .‬وكل كشف في المتوالية يؤهلنا ـ بطريقة ما ـ للكشف‬
‫التالي‪ ،‬ويلقي الضوء على العوالم المتضامة لنتتبعها‪ .‬ويصبح المجلد‬
‫ككل ‪-‬بهذه الطريقة‪-‬‬

‫(‪ )1‬ينظر ‪ :‬شعرية القصة القصيرة جدا‪ ،‬جاسم خلف الياس‪ ،‬دار نينوى للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪ 1‬دمشق ‪- 41 :2010‬‬
‫‪.54‬‬

‫(‪ )2‬تداخل األنواع في القصة المصرية القصيرة ‪.267 :‬‬

‫(‪ )3‬القصة الرواية المؤلف‪ ،‬دراسات في نظرية األنواع األدبية المعاصرة‪ ،‬تودوروف وآخرون ‪ :‬ترجمة وتقديم د‪.‬‬
‫خير دومة ‪.90 :‬‬

‫(‪.Ingram Representative Short Story Cycles p: )4‬نقال عن تداخل األنواع في القصة المصرية‬
‫القصيرة ‪.269 :‬‬

‫‪91‬‬
‫كتابا مفتوحا يدعو القارئ لبناء شبكة من التداعيات‪ ،‬تربط القصص‬
‫مع بعضها البعض‪ ،‬وتمنحها أثرا موضوعاتيا متراكما")‪ .(1‬وهذا يتنافى‬
‫مع كالمه حين تحدّث عن طبيعة قراءة هذا النوع من القصص‪.‬‬
‫فـ"القصص في مجموعة واحدة ـ رغم وجودها بين دفتي نفس الكتاب ـ‬
‫تدعونا إلى النظر إليها مفردة؛ ألن كل قصة تمنحنا إحساسا بأنها مغلقة‬
‫(‪ )...‬وهكذا نحن ال نعيش في متوالية القصة القصيرة لذة اإلطار‬
‫المغلق فحسب‪ ،‬وإنما نتلقى المكآفات عن اكتشاف االستراتيجيات‬
‫الموحدة األعظم"))‪ .(2‬ثم ظهرت مصطلحات أخرى ـ كالعادة ـ لتوسيع‬
‫منطقة إشكالية المصطلح النقدي‪ ،‬من مثل مصطلح (توليفة القصص‬
‫القصيرة) حسب جول سلفرمان‪ ،‬أو(مجمع القصص القصيرة) حسب‬
‫جوزيف ريد‪ ،‬أو(مجموعة قصص قصيرة متكاملة) لدى بليسنت ريد‪،‬‬
‫وتيموثي ألدرمان‪ .‬فكلها مصطلحات توحي بالوحدة الساكنة ألجزاء‬
‫متراكبة ومستقلة ‪ ،‬لكنها تفشل في اإلشارة إلى أهمية طبيعة توالي‪ ،‬أو‬
‫العناصر المتكررة التي تمنحها وحدة أكثر ديناميكية)‪.(3‬‬
‫وإذا كان أنجرام قد وجد عالقة قربى ـ في هذا النوع القصصي ـ‬
‫مع (الحلقات الملحمية) فإن شولر يوجد عالقة قربى مع متوالية‬
‫السونيتا‪ ،‬والمتوالية الشعرية الحديثة)‪ .(4‬علما أن فورست انجرام ما‬
‫زال هو المنظر األشهر لحلقات القصص القصيرة‪ ،‬وقد أعطانا تعريفا‬
‫عمليا لهذا النوع القصصي بقوله‪" :‬كتاب من القصص القصيرة التي‬
‫ربطها مؤلفها مع بعضها البعض بحيث أن خبرة القارئ المتتابعة في‬
‫المستويات المختلفة ككل تعدل كثيرا من خبرته عن كل جزء على‬
‫حدة")‪(5‬ويركز تعريف انجرام على الديناميكية التأسيسية‬

‫(‪ )1‬القصة الرواية المؤلف‪ ،‬دراسات في نظرية األنواع األدبية المعاصرة ‪.89 :‬‬

‫(‪ )2‬المصدر نفسه‪.95-94 :‬‬

‫(‪ )3‬القصة الرواية المؤلف‪ ،‬دراسات في نظرية األنواع األدبية المعاصرة‪.89 :‬‬

‫(‪ )4‬المصدر نفسه‪.90:‬‬

‫(‪ )5‬تداخل األنواع في القصة المصرية القصيرة ‪.283 :‬‬

‫‪92‬‬
‫للحلقة القصصية ‪ :‬التوازن المتفرد بين التكامل والفردية في كل‬
‫قصة ثم الحاجة إلى المجموعة كلها والعكس صحيح أيضا الحالة التي‬
‫أطلق عليها انغرام "التوتر بين الواحد والمجموعة")‪ .(1‬وقد وصف‬
‫إنجرام أيضا نظام تصنيف الحلقات القصصي تبعا لدوافع مؤلفيها في‬
‫تنظيمها وترتيبها‪ ،‬ووفقا للمرحلة التي ظهرت لهم فيها الفكرة الموحدة‬
‫)‪( 2‬‬
‫بين القصص ‪:‬‬
‫‪ -1‬المتناغمة‪ :‬التي يقرر مؤلفها أنها ستكون حلقة ضمن حلقات‬
‫قصصية منذ بداية تأليفها‪.‬‬
‫‪ -2‬المرتبة‪ :‬وهي التي يضعها المؤلف معا من اجل إلقاء الضوء أو‬
‫التعليق على قصة أخرى من خالل المجاورة أو الترابط‪.‬‬
‫‪ -3‬مجموعة من القصص المرتبطة ولكنها ليست متناغمة تماما وال‬
‫مرتبة‪ ،‬ولكنها أصبحت مكتملة عندما اعترف مؤلفها بالروابط التي‬
‫تجمع مجموعة من قصصه‪.‬‬
‫وعلى الرغم من أن هذا التصنيف مقبول بدرجة كبيرة‪ ،‬إال أنه يمكن‬
‫تصنيف متواليات القصص بصورة ابسط من خالل تحديد العامل الذي‬
‫يمنح القصص تماسكها‪ .‬فمثال تترابط كثير من القصص بواسطة‬
‫المكان أو بواسطة الشخصية‪ ،‬كما أن هناك رابطين اقل أهمية هما‪:‬‬
‫الثيمة المركزية أو األسلوب أو النغمة المتساوقة‪ .‬كما أن التصنيف من‬
‫خالل تتبع الرابط الذي يجمعها وخصوصا المكان أو الشخصية‪ ،‬يجعلنا‬
‫ننظر إليها بوصفها رواية فاشلة‪ .‬ذلك أن الرواية التقليدية تعرض سردا‬
‫متواصال عن المكان والشخصية والثيمة األساسية واألسلوب‪ ،‬وهي‬
‫بالضرورة متماسكة من خالل السرد المتواصل‪ ،‬إال أن القصص‬
‫القصيرة تتميز عن الرواية بأنها تصف أفعال الذروة‪ ،‬وحتى في هذه‬
‫القصص المترابطة فإنها ال تفتقد إلى الميزة األساسية للرواية‪ ،‬وهي‬
‫الشكل السرد الموحد الشمولي والمتصل‪ .‬إن أهم ما يميز القصة‬
‫القصيرة هو أنها ليست رواية‪ ،‬بل إنها كما يقول أدغار‬

‫(‪ )1‬المصدر نفسه‪.283 :‬‬

‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬المصدر نفسه‪275-274 :‬‬

‫‪93‬‬
‫آالن بو اقرب إلى الشعر الغنائي الومضة بدال من الضوء الذي يزداد‬
‫سطوعه بثبات‪ ،‬ولكن النقاد دائما ما يتناولون حلقات القصص‬
‫بجماليات غير مناسبة ومن بؤرة غير صحيحة)‪.(1‬‬
‫إن نجاح متواليات القصص ال يجب أن يحاكم من حيث قربها أو‬
‫بعدها عن الرواية ‪ ،‬كما ال يجب أن يعتمد على درجة ارتباطها من‬
‫خالل المكان أو الشخصية أو الثيمة أو األسلوب‪ ،‬أو من خالل أي‬
‫جماليات ترتكز على الرغبة في الحصول على عمل موحد ومتكامل‪،‬‬
‫وعلى الرغم من أن حلقات القصص تالئم الكتاب الذين يرغبون في‬
‫فحص مكان محدد أو شخصية معينة‪ ،‬إال أن الشكل يعد متفردا في‬
‫الطريقة التي يعكس بها حقيقة فشل المكان والشخصية في توحيد عمل‬
‫يبقى هاجسه األكبر هو الكمال‪.‬‬
‫إن مصطلح (متواليات) يعني أن هذه القصص تدور حول نفسها‬
‫لتعود إلى نقطة األصل وربما يرتبط المصطلح بالزمن‪ .‬وتبعا لذلك فان‬
‫تتابع القصص يرتبط بالتطور (االنتقال من نقطة إلى نقطة) سواء‬
‫بالزمن أو الثيمة‪ .‬إما سبب االهتمام بكون القصص متتاليات أو حلقات‬
‫فال يختلف عن سبب اهتمامنا بالنوع األدبي؛ ذلك أن هذا التحديد يساعد‬
‫القارئ على وضع استراتيجية ذهنية تساعده في فهم العمل‪ .‬إذ تمنح‬
‫متواليات القصص الكاتب فرصة التركيز على جوانب مختلفة من‬
‫شخصية (الشخصية)‪ ،‬أو عرض تجارب إنسانية متنوعة اكتسبت عمقا‬
‫وثراء بفعل تجاورها أو تزامنها مع بعضها البعض‪ ،‬مما أدى في نهاية‬
‫المطاف إلى عرض صورة ثالثية األبعاد للشخصية‪ .‬وغالبا ما تطرح‬
‫كل قصة في الحلقات مشكلة التواصل والتماسك من اجل أن ترجئ‬
‫الحلول المنشودة إلى القصة التالية في المتواليات التي يتشابه الصراع‬
‫فيها مع الصراع في سابقتها ولكنها مختلفة‪ ،‬عنها حتى نصل إلى‬
‫القصة األخيرة التي تعيدنا إلى القصص السابقة في سياق حلقة مفرغة‪.‬‬
‫ولكن ليست هذه الصفة هي القارة أبدا في هذا النوع‪ ،‬فـ"المشكلة‬
‫األساسية أنه ال‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬تداخل األنواع في القصة المصرية القصيرة‪ .269 :‬و القصة الرواية المؤلف‪ ،‬دراسات في نظرية األنواع‬
‫األدبية المعاصرة ‪.90 :‬‬

‫‪94‬‬
‫مطرد من الحلقات القصصية يفضي إلى نوع من‬ ‫يوجد لنموذج ّ‬
‫التقعيد‪ ،‬فعلى الرغم من أن كل المتواليات تنطوي في النهاية على‬
‫(وحدة) من نوع ما‪ ،‬فإن كل متوالية تضيف تقانات جديدة تصنع بها‬
‫إطارها الخاص ووحدتها الخاصة ‪ ،‬بل إن الكاتب قد يوظف عملية‬
‫تكسير الوحدة لخدمة أهدافه ورؤيته‪ ،‬ولهذا تظل حلقات القصص (كتابا‬
‫مفتوحا) كما قال لوشر‪ ،‬وشكال قابال على الدوام لتجريب الكاتب‬
‫(‪)1‬‬
‫ومساهمات القارئ في التأويل"‬
‫يعزو الباحث خيري دومة ظهور (متواليات القصص) في هذا الوقت‬
‫)‪(2‬‬
‫إلى األسباب اآلتية‪:‬‬
‫‪ -1‬تجاوزت القصة القصيرة شكلها الكالسيكي عبر ما أنجزه الكتاب‬
‫في أواخر الستينات من تحديث الشكل وتحريره من إطار حبكة‬
‫األزمة‪ ،‬إذ أصبحت القصة القصيرة الواحدة مهيأة بشكلها الحديث‬
‫ألن تدخل مع غيرها في سياق أوسع هو حلقة القصص‪.‬‬
‫‪ -2‬لم تعد القصة القصيرة شكال مغلقا ومكتمال في ذاته‪ ،‬بل أصبحت‬
‫شكال مفتوحا ال ينتهي وإنما يتوقف‪ ،‬أصبحت (مشهدا) يمكن أن‬
‫يدخل مع غيره من المشاهد في صناعة لوحة واحدة كبيرة ومتعددة‬
‫المشاهد‪.‬‬
‫‪ -3‬كان الوعي الروائي هو السائد خالل هذه السنوات‪ ،‬وعي التسجيل‬
‫والمراجعة وتحليل المواقف ودراسة أبعاده‪ ،‬ال وعي االنفعال الحاد‬
‫المصاحب للقصة القصيرة؛ ومن ثم كانت القصة القصيرة في هذه‬
‫الفترة مستعدة أكثر من أي وقت مضى ألن تدخل في تفاعل مع‬
‫الرواية‪.‬‬
‫تركز موالية القصة القصيرة على شخصية واحدة أو شخصيتين في‬
‫مجتمع محلي محدد‪ ،‬وتبعا لذلك فإنها تعكس االهتمام بنفسية الفرد‪،‬‬
‫األمر الذي يميز حداثتها وتجاوزها لما هو متعارف عليه‪ ،‬وفضال عن‬
‫أنها تمنح فرصة استكشاف المكان والشخصية‪ ،‬فإنها تمنح احتماالت‬
‫شكلية تسمح لكتابها بتحدي االنطباع الشمولي لرواية الواقعية‬
‫(‪ )1‬تداخل األنواع في القصة المصرية القصيرة‪.273 :‬‬

‫(‪ )2‬المصدر نفسه‪.283 :‬‬

‫‪95‬‬
‫االجتماعية‪ ،‬أو النفسية التقليدية سواء بقصد أو بدون قصد‪ ،‬إذ يجد‬
‫كتابها نوعا من االستمرار في االنقطاع‪ ،‬والوحدة في التشتت‪ ،‬وهو‬
‫التمثيل الدقيق للوعي الحداثي‪.‬‬
‫إن المتوالية القصصية عند القاصة سناء على نوعين‪ :‬متوالية‬
‫رئيسة وتضم قصص المجموعة كلها كما في مجموعة "مذكرات‬
‫رضيعة")‪ ، . (1‬ومتوالية فرعية وتضم القصص الفرعية في القصة‬
‫الواحدة‪ ،‬كما في مجموعة "تراتيل الماء")‪ .(2‬على سبيل المثال ال‬
‫الحصر لكال النوعين‪ .‬وسنتناول في البداية المتوالية الرئيسة في‬
‫مجموعة (مذكرات رضيعة)‪.‬‬

‫المتوالية الرئيسة‪ :‬اتتراتيجية التوبد والتعدد‬


‫احتوت مجموعة (مذكرات رضيعة) على ثالث وعشرين قصة‬
‫قصيرة‪ ،‬تناولت في القصص كلها ظاهرة الفقد‪ ،‬في تعبير وجداني‬
‫صادق عن مشاعر النفس اإلنسانية‪ ،‬وقد جاءت القصص في حدث‬
‫واحد هو (تفجيرات عمان ‪ )2005 /11 /9‬وزمان واحد كما ذكرناه‬
‫سابقا‪ ،‬وأمكنة تكاد تتفق على نوعيتها وهي‪ :‬فندق (جراند حياة) ‪ ،‬فندق‬
‫(الراديسون ساس) ‪ ،‬فندق (حياة عمان) وتقع في عمان جميعها‪ ،‬أما‬
‫الشخوص فقد توافر وجودهم في هذه المجموعة األشبه بالرواية‪ ،‬وهذا‬
‫ما جعلنا نختارها لمقاربتها في المتواليات الرئيسة‪ .‬وكان يتصدر كل‬
‫قصة إهداء إلى الرجل المرثي‪ ،‬أو المرأة المرثية‪ ،‬وبإمكاننا عد هذه‬
‫االهداءات في المجموعة كلها عامال مساعدا في تسميتها بالمتوالية‬
‫القصصية‪.‬‬
‫‪.))3‬‬
‫إن أول شخصية وردت في القصة األولى (صانع األحالم)‬
‫هي شخصية المخرج السينمائي المعروف (مصطفى العقاد) الذي‬
‫رحل‪ ،‬وبقيت أحالمه ترفرف في أرض‬

‫(‪ )1‬مذكرات رضيعة‪ ،‬سناء شعالن‪ ،‬ناد الجسرة الثقافي االجتماعي‪ ،‬قطر‪.2006 ،‬‬

‫(‪ )2‬تراتيل الماءـ سناء شعالن‪ ،‬الوراق للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان – األردن‪.2010 ،‬‬

‫(‪ )3‬مذكرات رضيعة‪.9 :‬‬

‫‪96‬‬
‫األمنيات‪ ،‬إذ تقوم القاصة بتجسيد الوقائع التفصيلية لحادث االنفجار‬
‫على لسان الساردة‪ ،‬بلغة فنية‪ ،‬استوعبت المجاز واإلشارة والدالالت‬
‫التي ش ّكلت بنية القص العميقة‪ ،‬وليس بلغة تقريرية صحفية‪ ،‬فعلى‬
‫الرغم من أنه صانع أحالم‪ ،‬إال أنه كره هذا الحلم الذي ش ّل لحظاته‪،‬‬
‫ورحل مصحوبا بألم فادح جدا‪ ،‬وهو رحيل ابنته (ريم) التي اتت من‬
‫لبنان لتلتقي به في عمان‪ ،‬بعد أن أخبرها إنه في شوق لها‪ .‬لكنها رحلت‬
‫أيضا‪:‬‬
‫"يثخذ نفسا بصعوبة‪ ،‬ومن جديد تمر ريم بابتسامتها الجميلة‬
‫ي بلمه‪ ،‬يسلم جسده لألطبا ‪ ،‬ويربل مع أطيا ه الوردية المكللة‬
‫)‪.(1‬‬
‫بدما ريم"‬
‫انها المرثية األولى التي رثت بها القاصة (مصطفى العقّاد) رثاء‬
‫حزينا‪ ،‬في لحظات سادها الضياع والسكون‪ ،‬لتشكل ردا عنيفا وقاسيا‬
‫على لحظة الفقد التي صنعتها أصابع اإلرهاب‪.‬‬
‫وجاءت القصة الثانية (عروس ع ّمان) بلغة شفافة وغنائية‪ ،‬فهي‬
‫أقرب إلى األحالم منها إلى الكابوس (الموت) الذي خطف والدا‬
‫العروسة (نادية) وحماها وجمع من األصدقاء واألقارب‪ ،‬إذ كانا‬
‫يعيشان أحالمهما التي‪:‬‬
‫" بات بمائم بيضا تر رس ي دنيا تعادتهما‪ ،‬تاعات‬
‫ويغدوان زوجين‪ ،‬تيسا ران قلق شر الايخ ليقضيا هناك شهر‬
‫العسل‪ ،‬ثم تيسا ران قلق الكوي ليعياا ي بيتهما الجميل الذي‬
‫اختارا تويّة كل قطعة من أثاثه‪ ،‬تير الن بالسعادة‪ ،‬وتيعيدان ي‬
‫بيتهما الصغير تيرة عائالت محبّة ومتعاضدة عر اها ي‬
‫)‪(2‬‬
‫أترتيهما"‬
‫لكن المجرمين األوغاد سرقوا سعادة كل من نادية وأشرف في‬
‫ليلة عرسهما‪ ،‬وتركوها يتيمة تشح بسواد الموت‪ ،‬كل أحالمها ذهبت‪،‬‬
‫فال سفر إلى شرم الشيخ‪ ،‬وال الكويت حيث بيتها الذي ينظرها‪ ،‬بل‬
‫ستبقى في عمان؛ كي تعين أخوتها الذين غدوا يتامى‪ ،‬ولحماة غدت‬
‫(‪ )1‬المصدر نفسه‪.11 :‬‬

‫(‪ )2‬مذكرات رضيعة‪.18 :‬‬

‫‪97‬‬
‫أرملة‪ .‬وهكذا نجد الرابط بين القصة األولى وهذه القصة هو الحدث‬
‫االجرامي اإلرهابي الذي طال الفندقين في يوم واحد‪ ،‬كان مصطفى‬
‫العقاد يحضر زفاف صديق له‪ ،‬وكانا والدي (نادية) وحماها وغيرهم‬
‫يحضرون زفافها‪ ،‬وهذا ما شكل الخيط الذي يربط القصتين‪.‬‬
‫أما القصة الثالثة (الطرحة البيضاء) فتحكي قصة كل من (نادية‬
‫وفاتن وبتول وسوسن وربى) اللواتي حطمهن الموت في زفاف (نادية‬
‫وأشرف)‪ .‬والقصة الرابعة (الوداع األخير) تحكي قصة (خالد‬
‫األخرس) الذي أهدى ابنه (أشرف) في ليلة زفافه على (نادية) رعاية‬
‫أم أرملة وأخوة أيتام‪ .‬والقصة الخامسة (فنجان قهوة) تحكي قصة أم‬
‫نادية (هالة فاروق) التي كانت تحلم بزفاف ابنتها البكر (نادية) لكنها‬
‫رقدت في رمس بارد حزين في مقبرة (وادي السير) دون أن تقول‬
‫وداعا لنادية التي انتظرت أن تضمها أمها صباح زواجها مثلما تفعل‬
‫كل األمهات‪ .‬والقصة السادسة (اللعبة الوحيدة) التي تحكي قصة موت‬
‫الطفلة لينا ولعبتها الوحيدة‪ ،‬في حفل زفاف عمها (أشرف) وعروسه‬
‫الجميلة ذات الثوب األبيض الطويل‪:‬‬
‫"كان تلبس ثوبا زاهيا‪ ،‬وتنتقل كفراشة بين المدعوين ي‬
‫قاعة الز اس‪ ،‬وعلق الرغم من محاولة أمها بثن تلزمها بالجلوس ي‬
‫مكان وابد‪ ،‬كان تخطف أبصار الحضور بضحكاتها وتعادتها عندما‬
‫ّ‬
‫وهز انفجار أركان المكان وبدّل النور‬ ‫خطف ضو مفاجئ األبصار‪،‬‬
‫ظالما‪ ،‬وطغق بسواده علق لون ثياب لينا الزاهي‪ ،‬وأتقطها أرضا‬
‫تتخبط ي دمائها‪ ،‬وتنزس من شتق أنحا جسدها‪ ،‬غر ثوبها ي د‬
‫أبمر بار وانزلق ي تكون شابه عال وجهها وأجبر بركتها علق‬
‫االتتكانة‪ ،‬وألزم الصم "(‪.)1‬‬
‫وفي القصة السابعة (مذكرات رضيعة) التي حملت المجموعة‬
‫اسمها‪ ،‬يحرم اإلرهاب الرضيعة (تولين) من حنان األم‪ ،‬في المكان‬
‫ذاته‪ ،‬والحدث ذاته‪ ،‬والزمن ذاته‪ ،‬زفاف (أشرف ونادية) في فندق‬
‫(الراديسون ساس)‪.‬‬

‫(‪ )1‬المصدر نفسه‪.37:‬‬

‫‪98‬‬
‫لقد جاءت هذه القصص لتروي حدثا واحدا وزمنا واحدا ومكانا‬
‫واحدا وعدة شخوص جمعهم ذلك المكان في حفل زفاف (أشرف‬
‫ونادية) فكل ما في هذه القصص مترابط‪ ،‬ويؤكد على ثيمة محورية‬
‫واحدة‪ .‬ومثل هذا الفعل القصصي‪ ،‬يتطلب مهارة فنية‪ ،‬تحافظ على‬
‫اإلقفال الختامي لكل قصة‪ ،‬وتحافظ على الرابط بين القصص في اآلن‬
‫ذاته‪ ،‬وهذا ما فعلته القاصة في هذه المجموعة‪.‬‬
‫وقد استعانت القاصة بلعبة تكتيكية في تسلسل القص‪ ،‬فكانت‬
‫تقطع تسلسل القصص التي حدثت في فندق ( الراديسون ساس)‬
‫بواسطة القصص التي حدثت في فندق آخر (حياة عمان) وكأنها تريد‬
‫بذلك توظيف (استطراد) الجاحظ؛ من أجل ترويح القارئ‪ ،‬ثم العودة‬
‫مجددا إلى القصص األولى‪ .‬ففي القصة الثامنة ( نور الصباح) تحكي‬
‫قصة (عمار) الذي يشتغل سفرجي في المطعم التابع لفندق (حياة‬
‫عمان) ‪ ،‬ويذهب ضحية فعل إرهابي طال الفندق‪ ،‬فتنتهي حياته دون‬
‫تحقيق أمنياته المؤجلة‪ .‬وتشاطرها القصة التاسعة (النبوءة) التي تقع‬
‫في فندق (حياة عمان) أيضا‪ ،‬وحين يشاهد األب عبر التلفاز االنفجار‬
‫الذي يحدث وسط المحتفلين بالزفاف‪ ،‬يسرع إلى الفندق‪ ،‬ولكن ال أحد‬
‫هناك من أوالده‪ ،‬فيذهب إلى المركز الوطني للطب الشرعي‪ ،‬فتُقدم له‬
‫أجسادهم ممزقة‪ .‬وفي التقانة ذاتها‪ ،‬يعلم زوج (مريم عقرباوي)‬
‫الحسناء الجميلة التي قدمها اإلرهاب إلى المقصلة دون جرم عبر‬
‫التلفاز باالنفجار الذي حدث في فندق (حياة عمان)‪.‬‬
‫وهكذا باقي قصص المجموعة تروي معاناة بعض ضحايا عمان‬
‫يوم ‪ ،2005 /11 /9‬كما جاء في تصدير المجموعة‪ .‬وعند تحليل‬
‫القصص كلها‪ ،‬يمكننا النظر إليها من منظارين يتعلقان بالنوع‬
‫القصصي‪ :‬المنظار األول‪ :‬يشكل هذا الكتاب مجموعة قصص قصيرة‪،‬‬
‫وكل قصة بنية متكاملة لوحدها‪ .‬والمنظار الثاني‪ :‬يشكل هذا الكتاب‬
‫متوالية قصصية‪ ،‬وكل قصة تتعلق بالقصص األُخر‪.‬‬
‫كان الفضاء الشامل متكامال مع معنى القصة الواحدة بالتوافق مع‬
‫الشخصية والحبكة‪ .‬لقد منحت براعة القاصة في وصف الظروف‬
‫الزمكانية وحدة للقصة‪ .‬وبدا لنا واضحا أن الرؤية التي نقلتها لنا‬
‫الساردة كانت متوافقة مع الظروف الزمكانية التي هيئتها‬

‫‪99‬‬
‫القاصة وهي تنقل تفاصيل بصرية مفعمة بالحيوية‪ ،‬ساعدت القارئ‬
‫على تخيل المشهد ‪ ،‬والولوج إلى عقل الشخصية ومشاعرها بسهولة‪،‬‬
‫كما بدا معها أن كل متوالية هي متوالية القارئ أو أنموذجا عاما‬
‫لمتواليات اجتماعية‪ .‬وفي هذه الحال تنحسر الرؤية وتتحول إلى "رؤية‬
‫مجهرية تسلط الضوء على حالة‪ ،‬وترتقي بها لتكون نموذجا عاما‬
‫لحاالت مهيمنة في البنية االجتماعية"(‪ )1‬ومن المشتركات المتمظهرة‬
‫بشكل ال يقبل الشك‪ ،‬والتي تضفي على المجموعة القصصية‬
‫اشتراطات (متوالية القصص) في مجموعة (مذكرات رضيعة)‬
‫التفاصيل الصغيرة‪ ،‬من حيث عالقتهما بداخل الشخوص والعناوين‪.‬‬
‫إن هيمنة التفاصيل الصغيرة التي ذكرتها القاصة وهي تروي معاناة‬
‫بعض ضحايا تفجيرات عمان يوم األربعاء ‪ ،2005 /11 /9‬من قبل‬
‫الساردة العليمة‪ ،‬شكلت كل المشتركات في المجموعة‪ ،‬ال تبعا للسياق‬
‫الذي أتى به ذكر التفاصيل فحسب‪ ،‬وإنما تبعا لما تمظهر في هذه‬
‫المجموعة وفق اشتراطاتها الفنية التي تبنتها (المتواليات القصصية)‪.‬‬
‫فالعرس الذي شكل بدوره لعنة طردت كثيرا من الشخوص خارج‬
‫دائرة الحياة‪ ،‬كان السبب المساعد للسبب األصلي في تلك الجريمة‬
‫تحول إلى مقبرة مؤجلة‪.‬‬
‫الشنعاء التي حدثت في الفندق الذي ّ‬
‫وهكذا بقية القصص في المجموعة‪ ،‬وليس الغرض من ذكر هذه‬
‫التفاصيل المغرقة في خصوصيتها إال لتبرير تساؤلنا ‪ :‬كيف لنا أن‬
‫نتوصل إلى أعماق النص ونكشف المحموالت الداللية‪ ،‬لو لم تكن هذه‬
‫التفاصيل عالمات تؤثث شروطها الفنية والتواصلية للوصول إلى‬
‫اإلقناع واإلمتاع في اآلن نفسه ؟ وعلى هذا األساس فـ((التفاصيل‬
‫ليست مجرد كومة حيادية قائمة في الواقع يتم جلبها‪ ،‬أو تحميلها من‬
‫الواقع إلى القص‪ .‬التفاصيل موقف ورؤية ووعي واختيار فني عميق‪،‬‬

‫(‪ ) 1‬وظيفة الرؤية في القصة العراقية القصيرة في الثمانينات‪ ،‬عبدهللا إبراهيم‪ ،‬مجلة الطليعة األدبية‪،‬ع (‪)10 /9‬‬
‫أيلول – تشرين األول ‪.15 : 1987‬‬

‫‪100‬‬
‫ومن هنا تبدو فروق التفاصيل وأهميتها ودورها بين قاص وآخر‪ ،‬هي‬
‫فروق الوعي والموقف والرؤية أساساً)))‪.(1‬‬
‫في كثير من األحيان تأتي التفاصيل سطحية ال تزيد عن كونها‬
‫مالحظات يسجلها السارد بصورة عابرة‪ ،‬ولكنها تعطي إحساسا باأللفة‬
‫والتواصل‪ ،‬حتى وإن كانت ثانوية وبدت استطرادية زائدة‪ .‬إذ يساعده‬
‫رسم المشهد بالتفاصيل الدقيقة على إيجاد روابط‪ ،‬ربما كان من‬
‫الصعب عليه معرفتها دون هذه التعلق في دهشة هذه التفاصيل‪.‬‬
‫فالقاصة تساعد القارئ عندما تمنحه بعض مفاتيح شخصياته‪ .‬وهنا‬
‫نقول أن شعالن وظفت (األشياء) ببراعة لتكون هي مفاتيح الدخول إلى‬
‫أعماق الشخصيات‪ .‬الفساتين البيضاء‪ ،‬بقع الدم‪ ،‬جبروت الموت‪ ،‬الفقد‬
‫بكل تفاصيله‪ ...‬وغيرها‪ .‬كلها مفاتيح الشخصيات التي طرحتها شعالن‬
‫في متوالياتها‪ .‬وهنا نرى تركيزها على الكلمات التي تبعث اإليحائية‬
‫والديناميكية‪ ،‬وتخبر عن المواسم واألوقات والحاالت النفسية‬
‫والعالقات بين الشخصيات واألشياء من حولها‪ .‬على الرغم من مجيئها‬
‫بسيطة وتلقائية وغير متكلفة‪ ،‬دون أن يشعر القارئ بالملل واإلثقال‬
‫حتى في الحاالت النفسية كانت غارقة في الكآبة واإلحباط‪.‬‬
‫وال بد ونحن نحلل بنية التشكيل المغاير عند القاصة سناء شعالن‬
‫في المتواليات القصصية‪ ،‬علينا أن نتذكر بأن التفاصيل الصغيرة في‬
‫القصة القصيرة تشكل مجمل الجزئيات الصغيرة المحيطة بالشخصيات‬
‫والزمان والمكان‪ ،‬ومن ث ّم الحدث داخل القص‪ ،‬إذ يوضح تجاور هذه‬
‫الجزئيات الحالة العامة المراد تقديمها‪ ،‬في بنية القصة ذاتها‪ .‬وهي‬
‫ليست مجرد وسيلة‪ ،‬إنها القصة ذاتها‪ ،‬وإن كان ذلك ال يتعارض مع‬
‫دورها في إكمال بنية القص‪ ،‬وهي بهذا تفارق في وظيفتها وظيفة‬
‫التفاصيل في البناء الروائي‪ ،‬ففي الرواية تمثل التفاصيل إحدى أهم‬
‫وسائل العمل الروائي الستكمال خصوصيته‪ ،‬وأية تفاصيل روائية ال‬
‫يتم توظيفها الحقا ً داخل العمل الروائي تظل تفاصيل زائدة عن الحاجة‪،‬‬
‫بينما تختلف وظيفة ودور وأهمية التفاصيل في القصة القصيرة‪ ،‬ذلك‬

‫(‪ )1‬دهشة التفاصيل الصغيرة (بنية القصة القصيرة) ‪ ،‬عبد هللا رضوان‪ ،‬مجلة الموقف األدبي‪ ،‬مجلة أدبية شهرية‬
‫تصدر عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق ‪ -‬العددان ‪ 419‬آذار ‪.37 : 2006‬‬

‫‪101‬‬
‫أن التفاصيل في القصة تؤسس مجمل البناء الفني‪ ،‬بل هي البناء ذاته‬
‫وقد توحدا معا ً في وحدة عضوية فنية تقدم ثيمة القصة الرئيسة‪ ،‬ولحظة‬
‫تجاوز التفاصيل في حركة القص زمانا ً ومكانا ً هي لحظة منقطعة في‬
‫البناء )‪.(1‬‬
‫ويحدد عبدهللا رضوان حضور هذه التفاصيل في عالقتها اإلنسانية في‬
‫ثالثة أبعاد وهي‪.(2):‬‬
‫‪ -1‬بعد يعطي القاص القدرة على بناء عالمه ‪ ،‬وتحديد هويته القصصية‬
‫الخاصة به‪ ،‬عبر منح ذاته لمجمل التفاصيل الواردة في القص‪.‬‬
‫‪ -2‬بعد يُم ّكن القارئ من بناء عالقة إيجابية فاعلة مع العمل القصصي‪،‬‬
‫عبر خلق آليات تواصل متعددة األوجه بتعدد التفاصيل في القصة‪،‬‬
‫وفي عالقة هذه التفاصيل مع الزمان والمكان معاً‪.‬‬
‫‪ -3‬بعد يعطي الناقد القدرة على إعادة بناء التجربة عبر تجربة شخصية‬
‫جديدة‪ ،‬تمكنه من إعادة إنتاج العمل بعد تحليله إلى تفاصيله‬
‫الصغيرة‪.‬‬
‫وإذا كانت (المتواليات القصصية) تتفق على التقاء القصص التي‬
‫تشتمل عليها في مناطق معينة لتشكل وحدة كلية ‪ ،‬فان التفاصيل‬
‫الصغيرة في أية قصة قصيرة تعمل على االنطالق من الخاص إلى‬
‫العام في القصة الواحدة‪ ،‬أي من الجزئيات إلى الكل النصي‪ ،‬وبهذا يكاد‬
‫يتوازى فعل حلقة القصص مع فعل التفاصيل‪ ،‬مع الفارق الذي يتركز‬
‫في أن المتواليات القصصية هي ليست قصص قصيرة يتم جمعها‬
‫لنحصل على الكل النصي‪ ،‬بينما الكل النصي في التفاصيل الصغيرة‬
‫في أية قصة قصيرة يتكون من مجموع تعالقاتها زمانيا ومكانيا وحدثيا‪.‬‬
‫لم تقف القاصة عند هذا الحد من التغاير باتجاه المتواليات‬
‫التطور الفني‬
‫ّ‬ ‫سوغ لها‬ ‫تطورها فنيا‪ ،‬وقد ّ‬
‫القصصية‪ ،‬بل عملت على ّ‬
‫الدخول إلى دائرة تحوالت القص وبفاعلية مشهودة في مجموعتها‬
‫(أكاذيب النساء) (‪ . )3‬إذ اجترحت في هذه المجموعة تقانات عدة ‪،‬‬

‫(‪ )1‬دهشة التفاصيل الصغيرة (بنية القصة القصيرة)‪.36 :‬‬

‫(‪ )2‬المصدر نفسه‪.36 :‬‬

‫(‪ )3‬أكاذيب النساء‪ ،‬سناء شعالن‪ ،‬أمواج للطباعة والنشر والتوزيع‪.2018 ،‬‬

‫‪102‬‬
‫وظفتها في اشتغال تجريبي تجاوز االشتغال في مجاميعها السابقة في‬
‫سعي جديد؛ للقبض على المدهش والمثير‪ ،‬عبر رهاناتها الفنية الجديدة‬
‫واالنفتاح على األنواع األدبية والفنية األخر‪ .‬وتوظيف اشتراطاتها‬
‫وخصائصها في تقديم هموم ضاغطة لثقافة واسعة ورؤى عميقة ‪ ،‬إذ‬
‫شكل موضوع الحب وعالقة المرأة بالرجل محورا رئيسا في قص أخذ‬
‫مظهرا م ن مظاهر النضج الفني عند القاصة‪ .‬وعلى الرغم من أن كل‬
‫قصة تستقل بعنوان رئيسي إال أن القصص تتضافر مع بعضها لتشكل‬
‫مجتمعة كلية المتوالية القصصية‪ .‬ويعد هذا االشتغال نزعة تجريبية‬
‫بدأتها بالعناوين التي أخذت جميعا من العنوان الرئيس للمتوالية مفردة‬
‫(أكاذيب) ‪ ،‬وهذا ما قد يهب النص الكلي قدرا من الخصوصية‬
‫ساعي إلى المغزى‬ ‫والتميز‪ ،‬وهي تتجه نحو اللعب الفنّي ال ّ‬
‫ساخر ال ّ‬
‫المفتوح على اإلدهاش وتنشيط الحواس‪.‬‬
‫لقد وظفت القاصة الفضاء القصصي القصير بطريقة أقل ما يقال‬
‫عنها أنها خاصة‪ ،‬من أجل تحقيق هدفها في التحوالت‪ .‬والفضاء‬
‫القصصي القصير يعني أكثر من مجرد بنيتي المكان والزمان في هذه‬
‫المجموعة‪ .‬إنه الفضاء الشامل الكلي للمجموعة‪ ،‬بكل بظاللها الثقافية‪،‬‬
‫فضال عن المميزات التي تحدد كل ظل وتمايزه‪ .‬وهكذا جاءت مفردة‬
‫(أكاذيب) لتعبر عن الداخل الذي يعيشه أبطال القصص‪ ،‬وكيفية‬
‫الخروج من الشخصي (الذاتي) إلى اآلخر (الموضوعي) من أجل‬
‫المراوغة والمكر والخديعة‪.‬‬
‫كما أنها سعت إلى تجسيد االستعارة التنافرية في بعض العناوين‬
‫عبر األكاذيب‪ /‬الحقائق‪ ،‬فقد جاءت قصصها الثالث األولى بمفردة‬
‫الكذب الصريحة (أكاذيب النساء) كاآلتي‪:‬‬
‫‪ -1‬أكاذيه النسا‬
‫(‪ )1‬وتشمل ثنائية أكاذيب العانس‪ /‬حقائق العانس‪.‬‬
‫(‪ )2‬وتشمل ثنائية أكاذيب الخادمة‪ /‬حقائق الخادمة‪.‬‬
‫(‪ )3‬وتشمل ثنائية أكاذيب الزوجة‪ /‬حقائق الزوجة‪.‬‬
‫(‪ )4‬وتشمل ثنائية أكاذيب الجميلة‪ /‬حقائق الجميلة‪.‬‬
‫(‪ )5‬وتشمل ثنائية أكاذيب العروس‪ /‬حقائق العروس‪.‬‬
‫حرة‪.‬‬
‫الحرة‪ /‬حقائق ال ّ‬
‫ّ‬ ‫(‪ )6‬وتشمل ثنائية أكاذيب‬

‫‪103‬‬
‫(‪ )7‬وتشمل ثنائية أكاذيب الساحرة‪ /‬حقائق الساحرة‪.‬‬
‫‪ -2‬أكاذيه العدالة‬
‫خارج العدالة‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫دون العدالة‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫للعدالة وجوه كثيرة‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫عدالة اللصوص‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫موت العدالة‪.‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫‪ -3‬أكاذيه مبابة‬
‫أكاذيب مشرعنة المسيح الفلسطيني‪ .‬وقسمها على قسمين‪:‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫بطل ‪ ،‬ثمن‪.‬‬
‫أكاذيب مشروعة اللعنة‪ ،‬وقسمها على قسمين أيضا‪ :‬سير‪،‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫أقوال مأثورة‪.‬‬
‫وتنقل القاصة إلى الترادف اللغوي لمفردة (أكاذيب) فتعنون إحدى‬
‫قصصها بـ(تخريصات)‪ .‬وتنحو منحى مغايرا في عنونة القصص‬
‫الفرعية‪ ،‬إذ أتت العناوين على شكل أرقام متسلسة‪ ،‬بوصفها عالمة‬
‫فارقة وظيفها ترتيب القصص‪ ،‬مع إضافة جملة أو جملتين إلى‬
‫الرقم‪:،‬‬
‫تخريصات‪:‬‬
‫‪ -1‬تخريص (من صفر إلى صفر) الحقيقة التي ال يريد أن يصدقها‬
‫مكذّب‪.‬‬
‫‪ -2‬تخريص (من‪ )2-1‬وإضافة جملة أو جملين‪.‬‬
‫‪ -3‬تخريص (من ‪ )3-2‬وإضافة جملة أو جملتين‪.‬‬
‫وهكذا إلى أن تنهي القصة بتخريص متسلسل (من ‪)11 – 10‬‬
‫لتضع بدل الجملة أو الجملتين أو القصة فراغا‪ ،‬أو كما يسميه آيزر‬
‫بالشاغر‪ ،‬بوصفه تشكيال بصريا متمردا على السائد واأللوف في‬
‫القصة القصيرة‪،‬؛كي ترك فرصة ليضع القارئ ما يشاء في هذا‬
‫الفراغ‪ .‬ثم تنتقل انتقاالت سريعة من حيث األعداد‪ ،‬تخريص (من‬
‫‪ ، )250- 50‬تخريص (من ‪ ، )5000-1000‬ويبدو أن القاصة بهذه‬

‫‪104‬‬
‫المبالغة في األرقام تريد توصيل معلومة للقارئ‪ ،‬وهي أن‬
‫التخريصات في المجتمع العربي ال حد لها‪.‬‬
‫وفعّلت القاصة الهندسة العنوانية ذاتها في قصة صهوات الكذب‪،‬‬
‫فجاءت بين الصهوة والحقيقة‪ ،‬وعبر االستبدال اللفظي لمفردة‬
‫(صهوة)‪ ،‬تأخذنا العنونة إلى األكاذيب‪ ،‬ال سيما وأن القرينة موجودة‬
‫في كل عنوان فرعي وهي (الحقيقة)‪:‬‬
‫صهوة الكذب (صهوة الظل‪ /‬حقيقة الظل)‪( ،‬صهوة المرايا‪ /‬حقيقة‬
‫المرايا) ‪( ،‬صهوة الحلم ‪ /‬حقيقة الحلم) ‪( ،‬صهوة الشرف‪ /‬حقيقة‬
‫الشرف) ‪( ،‬صهوة القلب‪ /‬حقيقة القلب) ‪( ،‬صهوة الوطن‪ /‬حقيقة‬
‫الوطن)‪.‬‬
‫لقد تأثثت هذه المتوالية القصصية بهندسة العناوين التي شكلت‬
‫وحدة موضوعية في عالم متفسخ‪ ،‬وعبر وسائط متفسخة‪ ،‬وبمكابدة‬
‫المجتمعات المحلية الصغيرة من أجل التماسك والبقاء تحت ضغوط‬
‫متعددة من الحداثة والمدنية‪ ،‬وبذلك فإنها تعكس الصراع بين التماسك‬
‫والتشظي‪ ،‬بين العوامل الجاذبة والعوامل الطاردة‪ ،‬وعادة فان كتّاب‬
‫متواليات القصص يوضحون تكوين الشخصية التخيلية بهذا الشكل‬
‫الذي يهدم ويبني االنطباع بالكمال في الوقت ذاته ‪ ،‬مؤكدين على فكرة‬
‫أن التماسك النفسي ليس أكثر من وهم في الحقيقة كما في القصة‪.‬‬
‫ويمكن تلخيص مجموعة (أكاذيب النساء) بأنها مجموعة (أناس‬
‫عاديون في ظرف خاص) وكانت وظيفة القاصة إقناع القارئ أو دمجه‬
‫أو توريطه في حالة الشخصية‪ .‬لذا لم تتأسس متوالياتها الحكائية على‬
‫الخطية والتتابع أو كل ما هو تقليدي‪ ،‬وإنما على التداخل والتعدد‬
‫والتجاوز‪.‬‬
‫عند تتبعنا لقصص هذه المجموعة‪ ،‬وجدنا أن القاصة ما زالت‬
‫تحتفظ بحق الرد على كل من يطعن المرأة في شرفها‪ ،‬أو يقتلها بحجة‬
‫أنها جعلت (شرفه) في الحضيض‪ ،‬وقد تكررت هذه الثيمة في قصص‬
‫كثيرة‪ ،‬ويبدو أنها قد شكلت الزمة ثيمية للقاصة‪:‬‬
‫وقرروا بك ّل رجولة صدابة‪،‬‬‫ّ‬ ‫"عندما اجتمع رجال أترتها‪،‬‬
‫جرت العار عليهم بر ضها ّ‬
‫الزواج‬ ‫وعدالة صارمة أن يذبحوها؛ ألنّها ّ‬
‫‪105‬‬
‫بمن اغتصبها‪ ،‬وخسارة امرأة أهون من خسارة رجل ي عرس‬
‫(‪)1‬‬
‫القبيلة"‬
‫وهنا تصوغ القاصة وجهة نظرها األنثوية‪ ،‬التي تعبر فيها عن رؤيتها‬
‫في تشكيل صورة الرجل‪ ،‬وكأن الغريزة التي توقع المرأة في حبائل‬
‫الرجال‪ ،‬هم متنزهون عنها؛ لذلك ترفض القاصة هذا اإلصرار على‬
‫إهانة المرأة مهما كانت توصيفاتها‪ :‬عاشقة محبطة‪ ،‬مضطهدة‪ ،‬كارهة‬
‫للعالم‪ ،‬مغتصبة‪ ،‬كما في المقطع اآلتي‪:‬‬
‫"كان األمر أتهل م ّما تتخ ّيل‪ ،‬اغتنم رصة بقائها وبدها ي‬
‫بيتها‪ ،‬واغتصبها بك ّل تهولة وتطوة بعد أن اتتفرد بها‪ ،‬قاومته‬
‫بادّة‪ ،‬لكنّه كان أقوى منها جسديّاً‪ ،‬وبذل بظي ببكارتها‪ ،‬وثم تلّم‬
‫نفسه للاّرطة معتر ا ً بجريمته‪ ،‬ومعلنا ً أنّه علق أت ّم االتتعداد ّ‬
‫للزواج‬
‫بالزواج ممن اغتصبها‪،‬‬ ‫بق المغتصه ّ‬ ‫يقره القانون من ّ‬ ‫بها و ق ما ّ‬
‫( ‪)2‬‬
‫صل بعناية لخدمة المجر "‬ ‫وكان القانون مف ّ‬

‫المتوالية الفرعية والوعي المغاير‬


‫وقد تجلت هذه المتوالية في أغلب قصص سناء شعالن‪ ،‬وقد‬
‫فعّلتها عبر تقسيم القصة الواحدة على عدة أقسام‪ ،‬يحمل كل قسم عنوانه‬
‫الذي يرتبط بالعنوان الرئيس للقصة‪ ،‬تقترب من القصة القصيرة جدا‪،‬‬
‫وتختلف عن المتوالية القصصية التي تخص المجموعة بكاملها‪ ،‬فهي‬
‫(‪)3‬‬
‫تقتصر على قصة واحدة فقط كما في مجموعة (مقامات االحتراق)‬
‫ففي قصة (مقامات االحتراق) التي تعنونت المجموعة باسمها‪ ،‬تقسم‬
‫القاصة تلك المقامات على تسعة عسر مقاما‪( ،‬مقام الشوق‪ ،‬مقام‬
‫الموت‪ ،‬مقام الغياب‪ ،‬مقام التمني‪ ،‬مقام الزهد‪ ،‬مقام الخيانة‪ ،‬مقام‬
‫التضحية‪ ،‬مقام الحياء‪ ،‬مقام الوفاء‪ ،‬مقام الحرمان‪ ،‬مقام الغيرة‪ ،‬مقام‬
‫الشرف‪ ،‬مقام التجربة‪ ،‬مقام الحقائق‪ ،‬مقام االجتهاد‪ ،‬مقام الصفاء‪ ،‬مقام‬
‫األخوة‪ ،‬مقام الثورة‪ ،‬مقام التوحد) وتجيء مجموعة (مقامات‬
‫االحتراق) وقد شكل بنية واحدة في الموضوع القصصي الذي اختزلته‬

‫(‪ )1‬أكاذيب النساء‪.41 :‬‬


‫(‪ )2‬المصدر نفسه‪.44 :‬‬
‫(‪ )3‬مقامات االحتراق‪ ،‬سناء شعالن‪ ،‬نادي الجسرة الثقافي االجتماعي‪،‬ط‪ ،1‬قطر‪ ،‬الدوحة‪.2006 ،‬‬

‫‪106‬‬
‫القاصة في الشهوة والحرمان‪ ،‬على الرغم من تنوع تلك المقامات التي‬
‫جاءت على شكل قصص قصيرة جدا‪ ،‬يمكن قراءتها بحسب توافر‬
‫اشتراطاتها الفنية فيها‪ .‬وسنمثل لكل من الشهوة والحرمان في مقام من‬
‫تلك المقامات‪ ،‬ولنأخذ المقام األول واألخير‪:‬‬
‫مقام الشوق‪ " :‬أمضق ليلته ي بضن تمرائه الصغيرة‪ ،‬ال يذكر‬
‫تماما أين قابلها‪ ،‬لكنه يحفظ جيدا طقوس شهوتها‪ ،‬وجغرا يا جسدها‪،‬‬
‫شرب منها بتق الثمالة‪ ،‬وانسل من جانبها‪ ،‬ليسدر ي راش زوجته‬
‫التي طال انتظارها له‪ ،‬التصق بها‪ ،‬وقال بحروس االرتوا الولهق‪ :‬أنا‬
‫( ‪)1‬‬
‫عطاان قلي "‬
‫في هذا القسم من المقامات تقدم القاصة ومضة قصصية اختزلت‬
‫سيرة رجل شهواني‪ ،‬منافق‪ ،‬ال يكتفي بجسد زوجته‪ ،‬بل يبحث عن‬
‫جسد غيرها‪ ،‬وال يبالي إن تكرر هذا الجسد أو غيره‪ ،‬فالمهم أن يمضي‬
‫ليلته في حضن امرأة ما‪ .‬والقصة هنا تجسد الصراع بين األنا واآلخر‬
‫مقام التوحد‪ " :‬ال ي أول تجربة به له‪ ،‬وقطع لسانه ي‬
‫مجلس القاضي؛ ألنه قال الحق‪ ،‬وكاد يثكل نفسه جوعا؛ ألنه ر ض‬
‫أن يثكل مال األيتا ‪ ،‬وطال قائمة الفال والهزيمة واالنكسارات‪،‬‬
‫بحث عن نفسه لم يجدها‪ ،‬وما عاد ياعر بثنه يسمع أو يحس أو‬
‫يحلم‪ ،‬بحث ي شي يابهه‪ ،‬ووجد ضاله ي بائط صلد بارد توبد‬
‫معه"(‪ )2‬مقامات االحتراق‪16 :‬‬
‫في هذا القسم من المقامات‪ ،‬تقدم لنا القاصة في مفتتح القصة‬
‫نتيجة‪ ،‬تخبرنا منذ البداية بانكساره‪ ،‬ونتيجة لهذا االنكسار‪ ،‬يبحث‬
‫الرجل عن التآلف واالنسجام مع عالمه الخارجي‪ ،‬لكنه يعجز عن ذلك‪،‬‬
‫فتته ّمش نفسه تحت وطأة الضغوطات المختلفة‪ ،‬ويظل يعاني العجز‬
‫والفصام بعد أن يفقد دفء روحه وإنسانيته‪ ،‬فلم يجد ما يتوافق مع‬
‫ضالته سوى الحائط الصلد؛ كي تزداد انكساراته في هذا التوحد‪،‬‬
‫بوصفه المخلّص الوحيد له‪.‬‬

‫(‪ )1‬مقامات االحتراق‪.8 :‬‬


‫(‪ )2‬المصدر نفسه‪.16 :‬‬

‫‪107‬‬
‫وفي قصة (سفر الجنون) تفعل القاصة الفعل القصصي ذاته في‬
‫القصة السابقة‪ ،‬إذ يشكل ك ٍّّل (سفر) منها موضوعا وحبكة قصصية‬
‫متكاملة البناء‪ ،‬تجسدت في صور ملتقطة من حياة عدد من الشخوص‪،‬‬
‫ُوسمت بالجنون‪ ،‬كونها مارست حق الرفض لكل ما يسلبها إنسانيتها‪.‬‬
‫وكانت عدد األسفار عشرة‪ ،‬بدأها بـ(سفر الجنون) وختمها بـ(سفر‬
‫الجنون) وما بينهما عناوين مختلفة‪( :‬قلب مجنون‪ ،‬عنبر رقم ‪ ،9‬لحظة‬
‫ع قل‪ ،‬ليلة ماطرة تقريبا‪ ،‬خطوة واحدة‪ ،‬مسابقة شعرية‪ ،‬فقدان توازن‪،‬‬
‫الحالة المرضية رقم (‪.)100‬‬
‫ففي السفر األول (الجسد المجنون)‪ ،‬قرر داخل نفسه أن ال ينطق‬
‫إال بالحق‪ ،‬وال يقول غير الصدق بعد أن كان مجافيا ً للحق والصدق‬
‫وغارقا ً في عالم المجامالت واألكاذيب التي فتحت له أبواب المال‬
‫والسلطة‪ ،‬يُزَ ّج به في مستشفى المجانين‪ ،‬لكنه ورغم خذالن العالم‬
‫الخارجي له‪ ،‬يبدو متصالحا ً مع نفسه وشاعرا ً بمنتهى الرضا عن‬
‫الذات‪" :‬شعر بسعادة غامرة‪ ،‬وأحس ألول مرة في حياته بالحرية‬
‫والطمأنينة‪ ،‬لكنهم شعروا بالخطر‪ ،‬وتآمروا على جسده المسكون‬
‫بجنون الصدق‪ ،‬فدفعوه إلى ما خلف العقل‪ ،‬حيث مستشفى المجانين‪،‬‬
‫وتمنوا أن ينسى الجميع كالمه الصادق الذي قاله في لحظة جنون‪.‬‬
‫"هو الوبيد الذي لم ينس‪ ،‬بل ضح كثيرا ً وكثيراً؛ ألنه قال كل‬
‫ما يريد‪ ،‬ثم اعتلق الصم الجميل‪ ،‬وانقطع ي تريره األبيض ي‬
‫جناح المجانين الخطيرين‪ ،‬ليتثمل نفسه الجديدة‪ ،‬وطال التثمل‪،‬‬
‫المطلع كان هائالً‪ ،‬والعمر كان قصيرا ً " (‪.)1‬‬
‫وفي (قلب مجنون) يستبدل الرجل قلبا ً آخر بقلبه القاسي‪ ..‬قلبا ً‬
‫"تتقبّض وشائجه عند آال أي بار‪ ،‬وتنتفض غالئله لمرأى‬
‫ّ‬
‫ويحن‬ ‫المنكوبين والمنكودين‪ ،‬ويتوتر بجنون عند مرأى البحر‪،‬‬
‫باو غريه قلق قلهه األخضر المعاوشه" (‪ . )2‬فيدخل بسبب هذا‬
‫القلب إلى مستشفى األمراض العقلية‪.‬‬

‫(‪ )1‬مقامات االحتراق‪.17 :‬‬


‫(‪ )2‬المصدر نفسه‪.19 :‬‬

‫‪108‬‬
‫وفي "عنبر رقم ‪ "9‬يرفض الرجل تصنيفه في البيت (االبنَ‬
‫ي) الذي يرفض االستسالم‪ ،‬وفي العمل‬ ‫الزائد) وفي المعركة (الجند َّ‬
‫(المشاغب) الذي ال يمتلك المرونة‪ ،‬ومع المرأة (الرج َل) الذي ال‬ ‫َ‬
‫يقايض جسد زوجته الجميلة بمنصب مهم‪ ..‬وألنه يقول كلمة (ال) يُزَ ّج‬
‫به في عنبر المجانين‪ ،‬وعلى الرغم من أنه على ما يبدو من استسالمه‬
‫الخارجي لقدره المحتوم‪ ،‬إال أن نفسه ال تنكسر وتظل أبية وشامخة‪:‬‬
‫"لكنه يستطيع أن يعترس بثنه تعيد وللمرة األولق ي بياته‬
‫يار ه أن يكون ي خانتهم‪ ،‬ولو‬ ‫ّ‬ ‫بتصنيف ما‪ ،‬في هذا العنبر رجال‬
‫كان ذل ي الدرك األتف من الجحيم‪ ،‬جميعهم وصلوا هذا المكان؛‬
‫ألنهم ثاروا علق مبدأ التقسيم والتصنيف‪ ،‬ور ضوا أنصاس الحلول‪،‬‬
‫وأنصاس األخال ‪ ،‬وأنصاس الارس‪ ،‬وأنصاس المبادئ‪ ،‬لذل آلوا قلق‬
‫العنبر ‪.)1( "9‬‬
‫وفي كل قسم من أقسام القصة‪ ،‬توالى الصور‪ ،‬وتقدم الشخوص‬
‫التي تُتَّهم بالجنون في عالم مقلوب الموازين‪ ،‬عالم ليس سوى ساحة‬
‫للمجانين الطلقاء‪ .‬وهذه الشخوص شاحبة المصير‪ ،‬يقودها خطابها‬
‫الواعي‪ ،‬وإدراكها لذاتها وعالقتها بمحيطها إلى الخذالن والخسائر‬
‫الكبيرة على الصعيد الخارجي‪ ،‬واالنتصار على الصعيد الداخلي‪.‬‬
‫أما في قصة (مآتم الرصاص) فتنحو القاصة المنحى ذاته في‬
‫تقسيم قصتها على ثالثة مآتم‪ :‬األول وتعنونه بـ(رسالة عاجلة)‪ ،‬والثاني‬
‫بـ(حليمة المجنونة) والثالث بـ(حالة خاصة)‪.‬‬
‫في (المأتم األول) تأتي الكتابة القصصية على شكل رسالة‬
‫موجهة للدك تور (جورج آرثر) إذ يروي مرسلها قصة الطفل (فيصل)‬
‫الذي يُولَد بعين مبصرة واحدة‪ ،‬ويعجز الطب عن إرجاع البصر‬
‫لألخرى المعطوبة‪ .‬وبعينه المبصرة يشق فيصل طريقه في الحياة‬
‫متسلحا ً بموهبته الفذة في الرسم‪ ،‬لكن رصاصة طائشة تغتال نور عينه‬
‫المبصرة‪ ،‬ليموت النور في داخله‪ ،‬ولكنه لم يمت تماما‪:‬‬
‫"ألن يصل ما عاد قادرا ً علق الرتم‪ ،‬لم يم كما تتوقع‪ ،‬وليته‬
‫مات‪ ،‬قذن لوضع بدا ً لمثتاته‪ ،‬ولكنه أُصيه بالعمق لقد ترق‬
‫رصاصة طائاة عين يصل الوبيدة‪ ،‬أخطثت العين المظلمة‪،‬‬
‫(‪ )1‬مقامات االحتراق‪.21 – 20:‬‬

‫‪109‬‬
‫وصمم علق التها عينه السليمة‪ ،‬لم ترض أن تستقر قال ي ظال‬
‫عينه التي كان مبصرة قبل لحظات‪ ،‬ارب من زاللها بتق ارتوت‬
‫دماً"(‪.)1‬‬
‫أما (لمأتم الثاني)‪ ،‬فيروي قصة حليمة المجنونة‪ ،‬التي كانت‬
‫أجمل نساء القرية وأكثرهن عقالً واتزانا ً وخلقاً‪ ،‬والتي أنجبت "سعداً"‬
‫بعد سنوات انتظار طويلة‪ ،‬وكانت تطوقه بالرقى والتمائم والحجب‬
‫وقطع الحلي الزرقاء خوفا ً عليه من الحسد‪ ،‬لكن رصاصة طائشة‬
‫اغتالت فرحة حليمة‪ ،‬وحولتها إلى مجنونة تدور القرية ليالً ونهارا ً بحثا ً‬
‫عن طفلها‪" :‬تصم العيون و ي البعيد ألمح بليمة المجنونة تزغرد‬
‫مذبوبة‪ ،‬وهي تطارد عين الامس التي تتهيث لأل ول‪ ،‬وتجتهد كي‬
‫تجد تعداً قبل أن يخيّم الظال ‪ ،‬سعد يخاق من الظال ‪ ،‬ألنه طفل‬
‫صغير‪ ،‬واألطفال الصغار يخاون الظال والرصاص الطائش" (‪. )2‬‬
‫وفي (المأتم الثالث) يحكم على (جاسر) بالموت شنقا ً بتهمة لم‬
‫يرتكبها‪ ،‬وإنما ارتكبتها يد طائشة ورصاصة عمياء اغتالت أخاه التوأم‬
‫(كايداً) في ليلة عرسه‪ ،‬غير أن ما يؤلم (جاسراً) ليس حكم اإلعدام‬
‫الصادر بحقه‪ ،‬وإنما دمعة أمه التي لن تتوقف‪" :‬من دمعة أمي‪،‬‬
‫وأشفق عليها من التصدّع بزناً‪ ،‬كما أشفق عليها من أن تفقد ابنين‬
‫ي عا وابد"(‪.)3‬‬
‫وقد كررت القاصة هوذه المتواليوات الفرعيوة فوي مجموعوة (ناسوك‬
‫سوووفر األول المسووو ّمى (سوووفر التّكووووين) أو (‬ ‫الصوووومعة) (‪ )4‬فق ّ‬
‫سووومت ال ّ‬
‫الدخول في الصومعة) على تسعة أجزاء‪ ،‬وأسومتها الكاتبوة صووامع هوي‬
‫الرجولووة‪،‬‬‫شووهادة ‪ ،‬صووومعة ّ‬ ‫علووى التّوووالي‪ :‬صووومعة العشووق‪ ،‬صووومعة ال ّ‬
‫صومعة الموت‪ ،‬صومعة الجسد‪ ،‬صومعة الحرمان‪ ،‬صوومعة الفضويلة‪،‬‬
‫الظالم ‪ ،‬وصوومعتهم‪ ،‬والتّسومية صوومعة داللوة أخورى لتجسويد‬ ‫صومعة ّ‬

‫(‪ )1‬المصدر نفسه‪.32 :‬‬


‫(‪ )2‬المصدر نفسه‪.39 :‬‬

‫(‪ )3‬مقامات االحتراق‪.40:‬‬


‫(‪ )4‬ناس الصومعة‪ ،‬سناء شعالن‪ ،‬ناد الجسرة الثقافي االجتماعي‪ ،‬همان – األردن‪.2007 ،‬‬

‫‪110‬‬
‫شخصيّة النّاسك‪ .‬كما أنها ربطت القصص المتواليوة فوي قصوة (يوميوات‬
‫حروف) بالحروف العربية التي تبدأ باأللف وتنتهي بالياء‪.‬‬
‫أنا في مجموعتهوا القصصوية (كوابوس) (‪ )1‬فقود نحوت المنحوى ذاتوه‬
‫في ربوط القصوص بعنووان فرعوي كموا فوي قصوة (كوابوس) التوي حملوت‬
‫المجموعووة اسوومها‪ ،‬فجوواءت علووى الشووكل التووالي‪( :‬كابوسووه‪ ،‬كابوسوووها‪،‬‬
‫كابوسهما‪ ،‬كابوسهم‪ ،‬كابوسي) وعند مقارنة هوذه الكووابيس موع األحوالم‬
‫التي أتوت فوي قصصوها األخريوات‪ ،‬نجودها أحالموا يقظوة مفزعوة‪ ،‬تؤثثنوا‬
‫بوالخوف الشوديد‪ ،‬والهلوع الوذي ال يحوس بهولوه إال مون يكابوده‪ .‬ولوم نحلول‬
‫تحوووالت القووص فووي مجموووعتي (ناسووك الصووومعة) و(كووابوس) وذلووك‬
‫لسببين‪ :‬األول‪ :‬ال نريد تكرار واجترار ما قلناه في طيوات الكتواب ثانيوة‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬هناك تحوالت أعمق في المجاميع التي تلت إصدارهما‪.‬‬
‫وقبل أن أختتم الكتاب‪ ،‬هناك بعض التحوالت الجزئية في‬
‫اشتغالها القصصي‪ ،‬ربما لو أضفناها‪ ،‬لزادت من الفائدة‪ ،‬إذ ركزت‬
‫القاصة على عبارة التصدير في أغلب قصصها‪ ،‬وقد أرادت بهذا الفعل‬
‫السردي أن تدفع بقصتها قدما عبر هذا التصدير‪ ،‬وأن توجه القارئ‬
‫نحو الحالة التي ترغب في عرضها دون أن تثقل عليه أو تجعله يشعر‬
‫بانسياقه إلى الحالة رغما عنه‪ .‬ويتضمن كل مشهد حدثا دون شك‪،‬‬
‫ولكنه يغص بالتفاصيل الخاصة والحميمة‪ ،‬وبتوظيف التفاصيل‬
‫الخاصة يمكن القاص القارئ من الوصول إلى ما يجول في عقل‬
‫الشخصية التي هي محور كل قصة‪.‬‬
‫لقد كان التغير في حالة الصوت‪ ،‬وحركات الجسد المدروسة‬
‫بعناية فائقة‪ ،‬والحركات الحميمة ذات الخصوصية األنثوية في قصص‬
‫سناء شعالن هي مفتاح توظيف التفاصيل لبناء مشهد فاعل‪ .‬وما نقصده‬
‫بالحميمية هنا هو تسجيل أو مالحظة تفصيل ال يعرفه القارئ أو ربما‬
‫ال يتخيله من دون إضاءة القاصة الداخلية‪ .‬وفي مواضع من المجموعة‬

‫(‪ )1‬كابوس‪ ،‬سناء شعالن‪ ،‬دائرة الثقافة واإلعالم ‪ ،‬حكومة الشارقة‪.2006 ،‬‬

‫‪111‬‬
‫كانت التفاصيل الحميمة هي محور القصة‪ ،‬وكانت من البراعة والقوة‪،‬‬
‫إذ إن القارئ ال يمكن أن ينساها‪.‬‬
‫وهذا النمط من الوصف الذي يمتد صداه من المكان الخاص إلى‬
‫البيئة المحيطة هو الذي م ّكن القاص من حكي الفعل بطريقة االستطراد‬
‫المشبع بالمحتوى‪ ،‬دون أن يعطي الفرصة لتفاصيل المشهد من أن‬
‫تتسرب من ذاكرة القارئ‪ ،‬كما انه وظف تقنية المناجاة التي مر ذكرها‬
‫حتى ال ينفلت وصف المشهد من ذهن القارئ‪ .‬فالمشاهد المشبعة‬
‫باالستطراد من خالل وصف الظروف الزمكانية والشخصيات منحت‬
‫القارئ فرصة تأويل الموقف الذي عبرت عن حالة الشخصية النفسية‪.‬‬
‫والن السارد ال يقحم نفسه في المشهد فان القارئ ال يرى المشهد أو‬
‫يفسر الحالة من خالل السارد‪ .‬إنما صوت القصة ذاتها يضع القارئ في‬
‫مكان الحالة تماما أو على األقل في حالة مقاربة‪ ،‬ال سيما توظيف‬
‫المقارنات غير التقليدية التي عكست طريقة الشخصيات في التواصل‬
‫مع عالمها ومع بعضها البعض‪.‬‬
‫إن الوصف هو صيغة الكتابة القصصية التي تهدف توضيح‬
‫الصورة العقلية لشخوص القصة‪ .‬فمن خالل الوصف يمكننا عرض‬
‫الشخصيات والحبكة والظروف الزمكانية‪ .‬فضال عن الوصف هو أداة‬
‫القاص في عرض ثيمات قصته في كثير من األحيان‪ ،‬فمن الطبيعي أن‬
‫يعكس توظيف الوصف في القصة أسلوب كتابتها المميز عند القاص‪.‬‬
‫فهو من أكثر الصيغ الكتابية المتعارف عليها مع الحوار والتسريد‬
‫والعرض والخاتمة‪ ،‬ومن سوء الحظ فان مصطلح الوصف ـ مثله مثل‬
‫اغلب مصطلحات علم السرد ـ له تحديدات عديدة تتراوح بين التفصيل‬
‫واإليجاز وتبعا لذلك فان توظيف المصطلح أو تحليله في قصة ما قد‬
‫يؤدي إلى التشويش أو سوء التوظيف‪ .‬وإذا ما صدقت مقولة أن كل‬
‫كاتب هو وصفي بالضرورة‪ ،‬فان المصطلح بتحديده الواسع يعني أن‬
‫كل الصيغ القصصية يمكن أن تكون تفرعات من الوصف ‪ ،‬ولكن هذا‬
‫التعميم الواسع ال يساعدنا في فهم صيغ القص األخرى؛ ولذا فان‬
‫تحديدا أدق لصيغة الوصف تتضمن فقط الوصف بمعناه الخالص‪ ،‬وقد‬
‫تجلى التعبير الوصفي في مجموعة (تقاسيم الفلسطيني) التي تعد‬
‫قصصا (شيئية) بالدرجة األولى‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫فالوصف " قد يختلط أحيانا بأنماط كتابية قريبة منه كاالستعارة‬
‫والصورة اللتين تدخالن في تكوينه أثناء الكتابة الروائية وال تنعزالن‬
‫وتتساميان عليه إال في الكتابة الشعرية"(‪ .)1‬وتتمظهر الصورة الوصفية‬
‫في السرد عبر العالمات اللغوية واإلشارات البالغية والمسارات‬
‫الحكائية ‪ ،‬ويتم توظيفها لتمثل وصفا خالصا حينا‪ ،‬وملتبسا بالسرد حينا‬
‫آخر‪ ،‬كما في الصورة الوصفية اآلتية‪:‬‬
‫(أنا امرأة المواتم‪ ،‬ذقني لتعرس كيف تجتمع ي امرأة وابدة‬
‫بربرية الغابات وهمجية الكهوس وتوبش الجنس‪ ،‬وعذوبة االشتها‬
‫وأتاطير الميالد الجديد وبكايا البعث والقرابين) (‪.)2‬‬
‫إن القارئ في هذه القصص يغرق في مستنقع النفسيات‬
‫المتخلخلة؛ ألنها كتبت بطريقة السرد النفسي‪ ،‬فقد وظف القاص تقانات‬
‫التحليل النفسي‪ ،‬بدءا من اسم المجموعة الذي جاء متوافقا مع صيغتها‪،‬‬
‫بوصفها تقاسيم نفسية في جلسات التحليل النفسي‪ .‬فيعمل سارد الحكي‬
‫الثالث والذي هو المؤلف في الوقت نفسه على إذابة الحدود بين‬
‫القارئ والشخصية‪ ،‬والتالعب بتمثيالت ذاكرة البطل والقارئ‪،‬‬
‫ويركز على خطوط بعينها في المشهد وفي الشخصية وفي الذكريات‬
‫في محاولة منه على إبقاء القارئ مشدودا حتى النهاية‪ ،‬دون شعور‬
‫بالملل جراء االستطراد وطول الوصف‪.‬‬

‫(أغمض عينيها‪ ،‬وشعرت بثنها تسقط ي أبضان القمر‪ ،‬أتدل‬


‫شرائط وردية علق نوا ذ الماضي الحاضر‪ ،‬وبال قصد منها وجدت‬
‫نفسها تتحسس جسدها)(‪.)3‬‬
‫إن عجلة الحياة السريعة تدور وفيها نفسيات هذه الشخصيات‪،‬‬
‫وعلى الرغم من براعة الشخصيات في توظيف الكلمات الواضح من‬
‫المونولوج الداخلي الذي ينقله السارد إال إنها في النهاية شخصيات هشة‬
‫ثانوية هامشية محكومة لألقدار ال تشعر بقدرتها على التغيير أو اتخاذ‬

‫(‪ )2‬الذ سرق نجمة‪.51:‬‬


‫(‪ )3‬قافلة العطش‪.80:‬‬

‫‪113‬‬
‫القرار ومع أ ن العنوان يوحي بتقاسيم انتقالية ليبست ثابتة إال أن أيا من‬
‫الشخصيات لم تتخذ قرار بإنهاء الحالة بطريقة ايجابية‪ ،‬أو ببذل جهد‬
‫ولو يسير لتغير الوضع ‪ ،‬إنها تقاسيم ولكن من الواضح أنها متكررة‬
‫وربما في طريقها الن تتفاقم أو تتحول إلى ثبات ال عودة عنه‪ .‬إنها‬
‫تعبير عن حالة عجز شامل وسط خيارات محدودة فرضها واقع‬
‫اجتماعي واقتصادي وسياسي مترد‪.‬‬
‫لقد اهتمت سناء شعالن بإظهار هذه القيم والتعبير عنها ضمن‬
‫المتواليات القصصية‪ ،‬كي توصل ذلك عبر تحليل الشخوص‪ ،‬القيم‬
‫الفردية‪ ،‬األخالقيات‪ ،‬والمفاهيم األخرى المشابهة‪ .‬فالقصص النفسية‬
‫التي تتميز بعرض الحياة الداخلية للشخوص يكون وعيها أوسع بكثير‬
‫من أن ترضيها االتفاقيات المحددة في العالم‪ ،‬فهي شخوص معقدة في‬
‫عالم معقد‪ .‬كما تكشف هذه القصص القيم والمعاني االجتماعية التي‬
‫أضفى عليها صفات ذاتية وعادة ما تكون مضمرة ويقع على عاتق‬
‫القارئ كشفها والتفاعل معها‪.‬‬
‫وعلى الرغم من أن ذلك ينحاز بنا إلى الشيئية‪ ،‬إال أن (تقاسيم‬
‫الفلسطيني) أو (مذكرات رضيعة) أو (قافلة العطش) هي ليست قصصا‬
‫شيئية خالصة وان احتلت الشيئية مساحة في كل قصة؛ ذلك أنها‬
‫اختلفت مع الشيئية الخالصة حين أسقطت إنسانية‬
‫شخصياتها على الوجود حولها‪ ،‬فمزجت الوصف الذي هو جوهر‬
‫الشيئية بالمونولوج الداخلي والتداعي الحر والمناجاة وغيرها من‬
‫تقانات تيار الوعي الذي وظفته القاصة في قصة (الضياع في عيني‬
‫رجل الجبل) ؛ لتربط داخل الشخصية وما يدور في عقلها بمظاهر‬
‫الوجود حولها في تمازج متفرد‪ ،‬كما أننا يمكن أن نقول عن هذه‬
‫المجموعة التي عدّها عبدهللا إبراهيم "التعبيرية الشيئية"(‪ )1‬هي حاالت‬
‫تمازج فيها العام بالخاص‪ ،‬المضمون بالتجربة الداخلية‪ ،‬التي هي‬
‫جوهر التعبيرية‪ ،‬والتي وظف القاص تقنيات تيار الوعي في عرضها ـ‬
‫مع الواقع الخارجي بتفاصيله بتناغم يستحق اإلعجاب‪ .‬وفي هذه‬
‫القصص تكون الظروف الزمكانية انعكاسا للشخوص‪ ،‬إنها تعمل على‬

‫(‪ )1‬المتخيل السرد ‪.33 :‬‬

‫‪114‬‬
‫الشخصية وتمنحها مصدرا ال ينضب من التفاصيل التي تساعد القاص‬
‫في سرد قصته بطريقة بصرية‪ ،‬كما لو انه يلتقطها بعدسة كاميرا‪،‬‬
‫وعليه فإنها هنا شخصية قائمة بذاتها وتشكل ارتباطاتها وجودها‬
‫الحقيقي‪.‬‬

‫المصادر والمراجع‬
‫أوال‪ :‬الكتب‬
‫‪ ‬األدب العام المقارن‪ ،‬دانيل – هنري ياجو‪ ،‬ترجمة‪ :‬غسان السيد‪،‬‬
‫اتحاد الكتاب العرب‪ ،‬دمشق‪.1997 ،‬‬
‫‪ ‬أدب الفنتازيا‪ – ،‬مدخل إلى الواقع – ت‪ .‬ي‪ .‬ايتر‪ ،‬صابر سعدون‬
‫السعدون‪ ،‬دار المأمون للترجمة والنشر‪ ،‬بغداد‪.1985 ،‬‬

‫‪115‬‬
‫األدب والغرابة‪ ،‬دراسة بنيوية في األدب العربي‪ ،‬عبد الفتاح‬ ‫‪‬‬
‫كيليطو‪ .‬دار توبقال للنشر ‪ ،‬الدار البيضاء‪ -‬المغرب‪ ،‬ط‪،3‬‬
‫‪.2006‬‬
‫أسطورة الموت والنبعاث في الشعر العربي‪ ،‬ريتا عوض‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫المؤسسة العربية للدراسات والنشر‪ ،‬بيروت‪.1978 ،‬‬
‫األسطورة بين الثقافة الغربية والثقافة اإلسالمية‪ ،‬د‪ .‬يونس‬ ‫‪‬‬
‫لوليدي‪ ،‬مطبعة أنفو برانت‪ ،‬ط‪.1996 ،1‬‬
‫األسطورة في روايات نجيب محفوظ‪ ،‬سناء شعالن‪ ،‬نادي‬ ‫‪‬‬
‫الجسرة الثقافي‪ ،‬قطر‪.2006 ،‬‬
‫األسلوب واألسلوبية‪ ،‬د ‪ .‬عبد السالم المسدي‪ ،‬الدار العربية‬ ‫‪‬‬
‫للكتاب‪ ،‬تونس ط‪.1982 ،2‬‬
‫أنماط الشخصية المؤسطرة‪ ،‬فرج ياسين‪ ،‬دار الشؤون الثقافية‬ ‫‪‬‬
‫العامة‪ ،‬بغداد‪.2010 ،‬‬
‫البحث عن الهوية السردية‪ ،‬جاسم عاصي‪ ،‬بحث ألقي في الملتقى‬ ‫‪‬‬
‫الرابع للقصة القصيرة‪ ،‬دورة (( علي جواد الطاهر))‪ ،‬بغداد‪،‬‬
‫‪.2009 /1/17‬‬
‫التجريب في القصة والرواية‪ ،‬سليمان البكري ‪ ،‬دار الشؤون‬ ‫‪‬‬
‫الثقافية العامة – بغداد‪ ،‬الموسوعة الصغيرة (‪. 2000 ،)438‬‬
‫تجنيس العجائبي‪ ،‬لؤي علي خليل‪ ،‬مجلة عالمات‪ ،‬ج(‪،)15‬‬ ‫‪‬‬
‫سبتمبر ‪.2005‬‬
‫التحليل البنيوي للقصة القصيرة‪ ،‬روالن بارت‪ ،‬ترجمة منذر‬ ‫‪‬‬
‫عياشي‪ ،‬مركز االنماء الحضاري‪.1993 ،‬‬
‫تحليل النص السردي‪ ،‬سعيد الوكيل‪ ،‬الهيئة المصرية العامة‬ ‫‪‬‬
‫للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪.1998 ،1‬‬
‫تداخل األنواع في القصة المصرية القصيرة‪ ،1990 - 1960‬د‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫خيري دومة‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪1998 ،‬م ‪.‬‬
‫تراتيل الماءـ سناء شعالن‪ ،‬الوراق للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان –‬ ‫‪‬‬
‫األردن‪.2010 ،‬‬

‫‪116‬‬
‫التطور الفني لشوكل القصوة القصويرة فوي األدب الشوامي الحوديث‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫سورية – لبنان – األردن – فلسطين‪ ،‬د‪ .‬نعيم اليافي‪.1982 ،‬‬
‫تقاسيم الفلسطيني‪ ،‬سناء شعالن‪ ،‬منشورات أمواج للنشر‬ ‫‪‬‬
‫والتوزيع‪ ،‬عمان‪ -‬األردن‪ ،‬ط‪.2015 ،1‬‬
‫التناص األسطوري في شعر إبراهيم أبو سنة‪ ،‬عبد العاطي‬ ‫‪‬‬
‫كيوان‪ ،‬مكتبة النهضة المصرية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪.2003 ،1‬‬
‫الحساسية الجديدة في الرواية العربية‪ ،‬روايات أدوار الخراط‬ ‫‪‬‬
‫نموذجا‪ ،‬الدار العربية للعلوم ناشرون‪.2010 ،‬‬
‫الحكاية الجديدة‪ ،‬محمد خضير‪ ،‬مؤسسة عبد الجميد شومان‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫عمان‪.2009 ،‬‬
‫الخيال من الكهف الى الواقع االفتراضي‪ ،‬د‪ .‬شاكر عبد الحميد‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫عالم المعرفة‪ ،‬الكويت‪.2009 ،‬‬
‫دراسات في القصة العربية ( وقائع مكناس) مؤسسة األبحاث‬ ‫‪‬‬
‫العربية ‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪.1989 ،1‬‬
‫دليل الناقد األدبي‪ ،‬د‪ .‬ميجان الرويلي و د‪ .‬سعد البازعي‪ ،‬المركز‬ ‫‪‬‬
‫الثقافي العربي‪.2003 ،‬‬
‫الذي سرق نجمة‪ ،‬سنماء شعالن‪ ،‬أمواج للطباعة والنشر‬ ‫‪‬‬
‫والتوزيع‪.2016 ،‬‬
‫الراوي والنص القصصي‪ ،‬عبد الرحيم الكردي‪ ،‬مكتبة اآلداب‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫القاهرة‪ ،‬ط‪.2006 ،1‬‬
‫الراوية ما بعد الحداثية‪ ،‬د‪ .‬ماجدة هاتو هاشم‪ ،‬دار الشؤون‬ ‫‪‬‬
‫الثقافية العامة‪ ،‬بغداد ‪.2013 ،‬‬
‫رحلة في جماليات رواية أمريكا الالتينية‪ ،‬ماجدة حمود‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫منشورات اتحاد الكتاب العرب‪.2007 ،‬‬
‫رسالة إلى اإلله‪ ،‬سناء شعالن‪ ،‬دار اآلداب للنشر والتوزيع‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫مؤسسة عبد المحسن القطان‪.2008 ،‬‬
‫رسائل إلى شاب روائي‪ ،‬ماريو بارغاس يوسا‪ ،‬ترجمة صالح‬ ‫‪‬‬
‫علماني‪ ،‬دار المدى‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪.2005 ،1‬‬

‫‪117‬‬
‫الرواية العربية والحداثة‪ ،‬محمد الباردي‪ ،‬دار الحوار‪ ،‬الالذقية‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫ط‪.1993 ،1‬‬
‫الرؤية الفجائعية في الرواية العربية نهاية القرن العشرين‪ ،‬محمد‬ ‫‪‬‬
‫معتصم ‪ ،‬دار أزمنة للنشر والتوزيع‪.2004 ،‬‬
‫سرد الجسد وغواية اللغة‪ /‬قراءة في حركية السرد األنثوي‬ ‫‪‬‬
‫وتجربة المعنى‪ ،‬الدكتور األخضر بن السايح‪ ،‬عالم الكتب‬
‫الحديث‪ ،‬أربد – األردن‪.2011 ،‬‬
‫السرد الغرائبي والعجائبي‪ ،‬د‪ .‬سناء شعالن‪ ،‬نادي األسرة للثقافي‬ ‫‪‬‬
‫واالجتماعي‪.2007 ،‬‬
‫شعرية الرواية الفانتستيكية‪ ،‬شعيب حليفي‪ ،‬المجلس األعلى‬ ‫‪‬‬
‫للثقافة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪.2006 ،1‬‬
‫شعرية القصة القصيرة جدا‪ ،‬جاسم خلف الياس‪ ،‬دار نينوى للنشر‬ ‫‪‬‬
‫والتوزيع‪ ،‬ط‪ 1‬دمشق ‪.2010‬‬
‫شعرية المحكي‪ :‬دراسات في المتخيل السردي العربي‪ ،‬الدكتور‬ ‫‪‬‬
‫فيصل غازي النعيمي‪ ،‬دار مجدالوي للنشر والتوزيع‪.2013 ،‬‬
‫الصووووت اآلخووور‪ ،‬الجووووهر الحوووواري للخطووواب األدبوووي – فاضووول‬ ‫‪‬‬
‫ثامر‪ ،‬دار الشؤون الثقافية العامة‪ ،‬بغداد‪1995 ،‬م‪.‬‬
‫الصوت والصدى‪ ،‬دراسات في القصة السورية الحديثة‪ ،‬رياض‬ ‫‪‬‬
‫عصمت‪ ،‬دار الطليعة للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت‪.1979 ،‬‬
‫الصورة – الزمن‪ ،‬جيل دولوز‪ ،‬ترجمة حسن عودة‪ ،‬منشورات‬ ‫‪‬‬
‫وزارة الثقافة‪ ،‬المؤسسة العامة للسينما‪ ،‬ط‪ ،1‬دمشق‪،1998 ،‬‬
‫الضياع في عيني رجل الجبل‪ ،‬فضولي للطباعة والنشر‪ ،‬العراق‪-‬‬ ‫‪‬‬
‫كركوك‪.2012 ،‬‬
‫عبد الرحمن مجيد الربيعي وتجديد القصة العراقية‪ ،‬سوليمان‬ ‫‪‬‬
‫البكووري‪ ،‬منشووورات المركووز الثقووافي االجتموواعي – مؤسسووة دار‬
‫الكتب للطباعة والنشر‪ ,‬جامعة الموصل ‪. .1977‬‬
‫عجائب المخلوقات‪ ،‬وغرائب الموجودات‪ ،‬زكريا القزويني‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫مطبعة المعاهد‪ ،‬القاهرة‪( ،‬د‪ .‬ت)‪.‬‬

‫‪118‬‬
‫‪ ‬عالمات التحديث فوي القصوة المصورية القصويرة ‪،1980 -1925‬‬
‫محموود كشووك‪ ،‬دار الشووؤون الثقافيووة العامووة‪ ،‬الموسوووعة الصووغيرة‬
‫(‪ ،)294‬بغداد‪.1988 ،‬‬
‫‪ ‬عووون التقاليووود والتحوووديث فوووي القصوووة العربيوووة عبووود هللا أبوووو هيوووف‪،‬‬
‫منشورات اتحاد الكتاب العرب ‪. 1993‬‬
‫‪ ‬فاتحة لنهايات القرن‪ ،‬ادونيس‪ ،‬دار العودة‪ ،‬بيروت ‪. 1980‬‬
‫‪ ‬فن القصة القصيرة وإشكالية البناء‪ ،‬أ‪.‬د خليل أبو ذياب‪ .‬انترنيت‬
‫موقع القصة السورية‪،‬‬
‫‪ ‬في البنوية التركيبية‪ ،‬دراسة في منهج لوسيان جولدمان‪ ،‬ترجمة‬
‫د‪ .‬جمال ش ّحيد‪ ،‬دار ابن رشد للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت‪.1982 ،‬‬
‫‪ ‬في نظرية االدب‪ ,‬د‪.‬شكري عزيز الماضي‪ ،‬دار الحداثة للطباعة‬
‫والنشر والتوزيع‪ ،‬لبنان بيروت ط‪.1986 1‬‬
‫‪ ‬قافلة العطش‪ ،‬سناء شعالن‪ ،‬الوراق للنشر والتوزيع‪.2006 ،‬‬
‫‪ ‬القصة الرواية المؤلف‪ ،‬دراسات في نظرية األنواع األدبية‬
‫المعاصرة‪ ،‬تودوروف وآخرون ‪ :‬ترجمة وتقديم د‪ .‬خيري دومة‪،‬‬
‫‪.1997‬‬
‫‪ ‬القصوة العربيووة والحداثووة‪ ،‬د‪ .‬صوبري حووافظ‪ ،‬دار الشووؤون الثقافيووة‬
‫العامة‪ ،‬بغداد ‪ ،‬الموسوعة الصغيرة (‪.1990 ، )347‬‬
‫‪ ‬القصة القصيرة النظرية والتقنية‪ ،‬انريكي اندرسون امبرت‪،‬‬
‫ترجمة‪ :‬علي إبراهيم علي منوفي‪ ،‬مراجعة صالح فضل‪،‬‬
‫المجلس األعلى للثقافة‪ ،‬مصر‪.2000 ،‬‬
‫‪ ‬قضايا الرواية الحديثة‪ ،‬جان ريكاردو‪ ،‬ترجمة صياح الجهيم‪،‬‬
‫وزارة الثقافة ‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪.1977 ،1‬‬
‫‪ ‬اللغة المنسية‪ ,‬ايريك فروم‪ ,‬ت حسن قبيس‪ .‬المركز الثقافي‬
‫العربي‪1995 ،‬‬
‫‪ ‬المتخيول السوردي‪ ،‬مقاربووات نقديوة فوي التنوواص والورؤى والداللووة‪،‬‬
‫عبدهللا إبراهيم‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪.1990 ،1‬‬
‫‪ ‬معجم المصطلحات األدبية‪ ،‬سعيد علوش‪ ،‬دار الكتاب اللبناني‪،‬‬
‫ط‪.180 :1985 ،1‬‬

‫‪119‬‬
‫المغامرة الجمالية للنص القصصي‪ ،‬االستاذ الدكتور محمد صابر‬ ‫‪‬‬
‫عبيد‪ ،‬عالم الكتب الحديث‪ ،‬أربد‪ .‬األردن‪.2010 /‬‬
‫مغامرة العقل األولى‪ ،‬دراسة في األسطورة‪ ،‬دار الكلمة‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫ط ‪.1985 ،2‬‬
‫مفاهيم التجريب الروائي رصد ومساءلة ‪ :‬انترنيت ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫مالحظات حول الكتابة القصصية الياس خوري ضمن كتاب‬ ‫‪‬‬
‫دراسات في القصة العربية (وقائع ندوة مكناس)‪.‬‬
‫موسوعة األدب والنقد‪ ،‬مجموعة من الكتاب‪ ،‬ج‪( 1‬األدب والنقد‬ ‫‪‬‬
‫والتاريخ األدبي) ترجمة وتقديم وتعليق عبد الحميد شيحة‪،‬‬
‫المجلس األعلى للثقافة‪ ،‬مصر‪.1999 ،‬‬
‫ناسك الصومعة‪ ،‬سناء شعالن‪ ،‬نادي الجسرة الثقافي االجتماعي‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫همان – األردن‪.2007 ،‬‬
‫النزوع األسطوري في الرواية العربية‪ ،‬نضال الصالح‪ ،‬األلمعية‬ ‫‪‬‬
‫للنشر والتوزيع‪ -‬الجزائر ‪.2013 ،‬‬
‫النص الرائي‪ /‬أسئلة القيمة وتقانات التشكيل‪ ،‬الدكتور محمد‬ ‫‪‬‬
‫صابر عبيد‪ ،‬المؤسسة الحديثة للكتاب‪ ،‬طرابلس‪ -‬لبنان‪.2014 ،‬‬
‫النظرية االدبية الحديثة والنقد االسطوري‪ ,‬حنا عبود‪ ،‬منشورات‬ ‫‪‬‬
‫اتحاد الكتاب العرب‪.1999 ،‬‬
‫النقوود الفنوووي‪ ،‬جيوووروم سوووتولينير‪ ،‬ترجمووة فوووؤاد زكريوووا‪ ،‬المؤسسوووة‬ ‫‪‬‬
‫العربية للدراسات والنشر‪ ،‬ط‪ 2‬بيروت ‪.1982‬‬
‫هسهسة اللغة‪ ،‬روالن بارت‪ ،‬ترجمة ‪ :‬منذر عياشي‪ ،‬مركز‬ ‫‪‬‬
‫االنماء الحضاري‪ ،‬حلب‪،‬‬
‫ط‪.1999 ،1‬‬
‫ثانيا‪ :‬الدوريات‬
‫األثر المتبادل بين التطور الفني والتطور االجتماعي في الشعر‬ ‫‪‬‬
‫اللبناني الحديث‪ ،‬د‪ .‬ميشال سليمان‪ ،‬مجلة الكتاب‪ ،‬العدد ‪ ،6‬السنة‬
‫التاسعة‪ ،‬حزيران ‪.1975‬‬
‫آراء في تاريخ الواقعية السحرية ونظريتها‪ ،‬مجموعة نقاد‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫ترجمة ناطق خلوصي‪ ،‬مجلة الثقافة األجنبية‪ ،‬ع ‪.2006 ،2‬‬

‫‪120‬‬
‫‪ ‬االستدالل باألسطورة‪ ،‬ميتافيزيقيا القص وتدمير الحكاية‪ ،‬د‪.‬‬
‫محمد صابر عبيد‪ ,‬مجلة األقالم العدد ‪.7-5‬‬
‫‪ ‬بنية الجملة االستهاللية في القصة القصيرة‪ ،‬ياسين النصير‪ ،‬مجلة‬
‫االقالم‪ ،‬ع ‪.12-11‬‬
‫‪ ‬التفسير السوسيولوجي لشيوع القصة القصيرة‪ ،‬سمير حجازي‪،‬‬
‫مجلة فصول‪ ،‬مج ‪ ،2‬ع ‪.1982 ،4‬‬
‫‪ ‬حبكة الرواية من المؤلف إلى القارئ‪ ،‬د‪ .‬ابراهيم خليل‪ ،‬مجلة‬
‫عمان‪ ،‬ع‪.2008 ،152‬‬
‫‪ ‬الحداثة وبعض العناصر المحدثة في القصيدة العربية المعاصرة‬
‫‪ ,‬عبد هللا احمد المهنا ‪ ,‬عالم الفكر مج ‪ 19‬ع‪. 3‬‬
‫‪ ‬دهشة التفاصيل الصغيرة (بنية القصة القصيرة)‪ ،‬عبد هللا‬
‫رضوان‪ ،‬مجلة الموقف األدبي‪ ،‬اتحاد الكتاب العرب بدمشق ‪-‬‬
‫العددان ‪ 419‬آذار ‪.2006‬‬
‫‪ ‬شاعرية الذات في تحوالت فاجعة الماء‪ ،‬عبد الحفيظ جلولي‪،‬‬
‫مجلة عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬ع (‪ ،)145‬تموز ‪.2007‬‬
‫‪ ‬شهادة إبداعية لسناء شعالن‪ :‬مجلة الجسرة‪.‬‬
‫‪ ‬العالقة الجدلية بين الواقعي والمتخيّل في النص‪ ،‬جاسم عاصي‪،‬‬
‫مجلة األديب العراقي‪ ،‬ع‪.5‬‬
‫‪ ‬الغرائبي في األقصوصة وإشكالية المنهج‪ ،‬احمد السماوي‪ ،‬مجلة‬
‫األقالم‪ ،‬ع (‪ )2‬السنة الرابعة والثالثون‪.1999 ،‬‬
‫‪ ‬القصة القصيرة والنوع األدبي وتداخل األجناس ‪ :‬القصة كجنس‬
‫مفتوح د‪ .‬حسن عليان مجلة الكاتب العربي العدد ‪ 67‬ـ ‪ ، 68‬شتاء‬
‫ربيع ‪.2005‬‬
‫‪ ‬محاولة اقتراب من الواقعية السحرية‪ ،‬أورورا أوكامبو‪ ،‬ترجمة‬
‫نرمين ابراهيم‪ ،‬الثقافة‬
‫االجنبية‪ ،‬ع ‪ ،2‬السنة الثانية عشرة‪.1994 ،‬‬
‫‪ ‬مذكرات رضيعة‪ ،‬سناء شعالن‪ ،‬نادي الجسرة الثقافي‬
‫االجتماعي‪ ،‬قطر‪.2006 ،‬‬

‫‪121‬‬
‫‪ ‬المرئي والمتخيل‪ ،‬أدب الحرب القصصي في العراق‪ ،‬دراسة‬
‫ومختارات‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬د‪ .‬محسن جاسم الموسوي ‪.‬‬
‫‪ ‬مصارد توثيق التجربة اإلبداعية‪ ،‬تجربة ماركيز أنموذجا‪ ،‬ناطق‬
‫خلوصي‪ ،‬مجلة األقالم‪ ،‬ع ‪ ،2‬أيار‪ /‬حزيران‪ /‬تموز‪ /‬آب‪ ،‬السنة‬
‫السابعة واألربعون‪.2012 ،‬‬
‫‪ ‬وظيفة الرؤية في القصة العراقية القصيرة في الثمانينات‪ ،‬عبدهللا‬
‫إبراهيم‪ ،‬مجلة الطليعة األدبية‪ ،‬ع (‪ )10 /9‬أيلول – تشرين األول‬
‫‪.1987‬‬

‫ثالثا‪ :‬األنترني‬
‫حاورها توفيق عابد صحيفة االتحاد االماراتية‬ ‫‪‬‬
‫‪http://www.alittihad.ae/details.php?id=23022&y‬‬
‫‪=2011‬‬
‫السرد الروائي وتداخل األنواع‪ ،‬نماذج من الرواية المصرية‬ ‫‪‬‬
‫المعاصرة‪ ،‬د إبراهيم الكردي‪ :‬انترنيت ‪ .‬موقع أدباء مصر‪،‬‬
‫‪http://odabaamasr.blogspot.com///blog-‬‬
‫‪. post_.html‬‬
‫سووووناء شووووعالن قاصووووة محرومووووة موووون الحووووب ‪ -‬جريوووودة االتحوووواد‬ ‫‪‬‬
‫‪&http://www.alittihad.ae/details.php?id=23022‬‬
‫‪article=full#ixzz1GZGG7Hlj&y=2011‬‬
‫مصطلحات أدبية ‪ :‬الواقعية السحرية‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫‪.http://www.annabaa.org/nbanews//.htm‬‬
‫النقد االسطوري عند د‪ .‬مصطفى ناصف‪ ,‬د‪ .‬جميل حمداوي‬ ‫‪‬‬
‫انترنيت‪ ،‬موقع ديوان العرب‪www.Diwan alar .‬‬

‫‪122‬‬

You might also like