Professional Documents
Culture Documents
التحولات الجمالية في القص النسوي قصص سناء شعلان القصيرة أنموذجا
التحولات الجمالية في القص النسوي قصص سناء شعلان القصيرة أنموذجا
()2021/5/2773
( ) ص.
ISBN 978-9957-96-946-2
الدكتور
جاسم خلف الياس
الطبعة األولى
2022
الفهرس
5
تقديم
قبل البدء بكتابة هذا الكتاب ،كنت أتابع عن كثب التحوالت
الجمالية في القصة القصيرة ،والسعي إلى اإلجابة على التساؤالت التي
تتعلق بمغامرة تحوالت القص -القصير تحديدا -وكشف شعريته،
ووحدات اشتغاله ،وآليات قراءته ،وتأثيره الجمالي في أنموذجات
مسوغ اختياري
ّ مختارة من المشهد القصصي العربي ،وقد تر ّكز
لألنموذجات في تمظهر التحوالت بانحرافات حادة ،بعيدا عن
التوجهات المألوفة في كتابة القصة القصيرة ،على الرغم من عدم
التفريط بطبيعة النوع األدبي الذي تنتمي إليه .ولكي ينحاز الكتاب إلى
قدر من التكثيف في هذا االشتغال النقدي في القص ،فقد سعينا إلى
تحديد الدراسة في السرديات النسوية ،واقتصرناها على التحوالت في
قصص سناء شعالن القصيرة ،بوصفها أنموذجا فاعال في كتابة القصة
القصيرة النسوية.
وتوخينا عدم الوقوع في مزالق المنهجية الجاهزة ،فعمدنا إلى
االبتعاد عن أية إسقاطات تخص تلك المنهجية ،لنتخلص من أسر
النماذج قيد القراءة في زنزانة الحكم ،أو المصادرة المسبقة آلراء
6
القراء في التحققات النصية ،وانجازاتها الجمالية ،ونتيجة لوفرة
اإلشكاليات في القراءات التي تتناول التحوالت ،فقد تطلبت القراءة
أكبر قدر ممكن من التساؤالت ،التي تعالقت مع التساؤالت التي
تمظهرت في القص كغيره من األنواع األدبية والفنية ،التساؤالت
المتعلقة بأسباب الكتابة ،والتمركز في القلق الوجودي النابع من الحيرة
التي تحشر القاصة بين الشك واليقين أزاء الكون ،الحيرة التي تفتك
ّ
وتشظيها ،كي تلملم أشالءها وتعيدها ثانية في الخلق بالذات القاصة
النصي؛ لتعبّر تلك الذات عن انكساراتها وانتصاراتها ،عن مسراتها
وأوجاعها ...وغيرها من اإلحساسات.
لقد أفدنا من المناهج النقدية التي تؤكد على النص والقارئ ،كما أفدنا
من علم اجتماع النص ،الذي عمد إلى إبراز المستويات النصية
المتعددة ،ال سيما التداخل اللساني مع االجتماعي ،من حيث تناول
الداخل النصي ،وانفتاحه على الخارج النصي .وهذا ما دعانا إلى تبني
استراتيجية التضافر المنهجي القائم على تحليل وحدات القص،
واستثمار المقارنات ،واستحضار الدالالت ،وتفعيل منطقة التأويل،
وتشريح جسد النص ،وكشف عالقاته الداخلية ،وإضاءة عتماته،
وانزياحاته النوعية ،وكل هذا تحقق في صياغة نقدية ألزمتنا بها طبيعة
التحوالت وخصوصيتها ،لنتفاعل مع االنفتاح النصي ،والدينامية
النصية التي خلخلت أفق القارئ ،فضال عن خياراتنا النقدية التي تمثل
توجهنا في تقانات التشكيل القصصي التي تقود إلى التحوالت دائما.
ومن أبرز المسوغات التي دعتنا إلى اختيار قصص سناء شعالن
هي:
أوال :اإلسهام في كشف وتقديم وإبراز فاعلية المنتج القصصي عند
القاصة ،وولوعها بالتجريب والتغريب والتعجيب ،والتشويش على
الذهنيات المطمئنة .فالكتابات السردية النسوية في الوطن العربي بشكل
7
عام ،تجربة جادة وراسخة ،إذ أسهمت الكاتبة في هذا المجال بشكل
واضح ،ومنحت كل طاقتها وما تملك من اشتغاالت ،كي تقدم صورتها
التي تليق بها وهي تقدم عطاء ال يقل عن عطاء الرجل في هذا الميدان،
ويبدو أن السرد (الحكاية ،الرواية ،القصة القصيرة) ليس بغريب
على المرأة ،وهو الفن المالزم لها منذ شهرزاد وحتى الراهن المعيش.
وعلى الرغم من ظهور أسماء كاتبات متميزات في الوطن العربي في
مجال القصة القصيرة والرواية ،ودورهن في تنشيط هذه التحوالت،
إال أن لبعضهن خصوصية في اشتغال هذا النوع من االبداع ومنهن
القاصة سناء شعالن ،التي تداخل في عالمها القصصي الواقع بالحلم،
األحاسيس المرهفة بالحرمان والشوق ،األسرار المتوارية بالضجيج
والعطش ،فكلما توغلنا في هذا العالم ،وجدنا كونا إبداعيا متفردا في
معرفة أدق أخبار المرأة وأسرارها واختالفها الروحي والجسدي عن
عالم الرجل الشائك العنيف.
ثانيا :توجهات الباحث ورؤيته وتذوقه المغاير في القراءات ،وال سيما
قراءة القص المختلف ،إذ ارتبطت هذه القراءة بفضاء المتن ودوره في
تحوالت القص ،ورؤية القاصة إلى الوجود ،مع يقيننا بأن أية قراءة من
النادر أن تنجو من الفخاخ التي ينصبها النص في طريق الناقد؛ لذا
وهروبا من هذه الفخاخ ،اختارت القراءة طرقا أًخر للتمرد على شروط
المناهج الصارمة التي تقيّد االنزياح إلى القيم الجمالية التي تؤسس
انوجادها في التغاير واالختالف ،استجابة للتحرر من هيمنة سلطة
الشكل العتيق ،وسلطة الخطاب المركزي ،وانحراف التساؤالت النقدية
تبعا النحراف الكتابة عن الثوابت القارة ،والدخول في المغامرات
اللغوية بوصفها أبرز وجوه التشكيل والتدليل.
ولتكن في هذه المقدمة مساحة من الصراحة – من المؤكد ال
أنفرد بها وحدي – تتعلق بالقلق الذي تر ّ
شح عن المغامرة النقدية في
8
تقصيها لتحوالت القص عند سناء شعالن ،فهذا القلق المشروع
والمبرر هو أشد وأفظع مما تشظى في فصول الكتاب ،إذ يبقى التجاوز
من جهة وطموحي بتقديم ما هو فاعل في المشهد النقدي من جهة
أخرى ،ما يغريني في الكتابة المشروطة بالوعي.
ومن هللا التوفيق.
9
مدخل
نسعى في هذا المدخل إلى االبتعاد عن تكرار واجترار
الطروحات النقدية التي أثارت اشكالية مصطلح األدب النسوي بدءا من
فرجيينا وولف وكتابها (غرفة فرجينيا وولف) الصادر عام ،1928
وسيمون دي بوفوار وكتابها الشهير(الجنس الثاني) الصادر عام
،1948وجوليا كريستيفا وكتابها (النقد األدبي النسوي) عام ،1986
وسارة جامبل وكنابها (النسوية وما بعد النسوية) وألين شوالنر وكتابها
(أدب خاص بهن) الصادر عام ،1977وإلى جانبهن هيلين سيكسوس،
10
لوس أريجاري ،توريل موي ،كاتي ميللت ،ماري ايجلتون ...وغيرهن.
فضال عن تجاوز الطروحات النقدية العربية التي تناولت المصطلح
ذاته ،على سبيل المثال ال الحصر ،حفناوي بعلي وكتابه (مدخل في
نظرية النقد النسوي وما بعد النسوية) بسام قطوس وكتابه (المدخل الى
مناهج النقد المعاصر) األخضر بن السايح وكتابه (حركية السرد
األنثوي) ومحمد معتصم وكنابه ( المرآة )...حسين المناصرة وكتابه
(النسوية في الثقافة واإلبداع) ميجان الرويلي وسعد البازعي في
كتابهما ( دليل الناقد األدبي) ،وعبدهللا الغذامي وفاطمة المرنيسي،
وجورج طرابيشي ،ونوال السعداوي ،وزهرة الجالصي ،وزليخة أبو
ريشة ،وبثينة شعبان ،ونازك األعرجي وغيرهم /غيرهن من النقاد
والناق دات الذين /اللواتي تناولوا /تناولن المصطلح في كتبهم /كتبهن
النقدية.
وربما من األفضل – في هذا الكتاب تحديدا -تجاوز ما تمت دراسته
في كثير من الدراسات التي أكدت على أن الكتابة األدبية التي تنتجها
المرأة ما زالت تثير عددا ً من اإلشكاليات ،سواء على مستوى اللغة أو
المصطلح ،أو الوجود على مستوى االعتراف بهذا األدب ابداعا ونقدا
؛ كونها كتابة لها جمالياتها ودالالتها المختلفة ،فللمرأة وجود منماز
بطبعها وتكوينها المختلف عن الرجل ،وهذا ينعكس على أدبها الذي
تنمظهر فيه هذه الطبائع والتكوينات وهي تقدم رؤية مغايرة وجديدة
للواقع ،غير الرؤية التقليدية التي يقدمها اآلخر ،إذ تعكس حساسية
أنثوية ت نطوي على تفرد في الرؤية والتجربة ووجهة النظر في كل ما
يشجع أو يسهل اللعب الحر بالمعاني ويمنع االنغالق على عالم األنثى.
وال بد من اإلشارة إلى أن الكتابة النسوية لم تعد مقتصرة على
المستوى الثيمي فحسب ،وإنما تجاوزته إلى الجمالي أيضا ،ففيما
يخص السرد سعت الروائية أو القاصة إلى تجاوز مكونات القص
11
التقليدي ،ومغادرته عبر توظيف التقنيات التي تو ّسع متخيلها السردي،
للوصول إلى فضاء المغايرة الذي تليق بوجودها المتناغم والمنفتح على
عواطفها وانطباعاتها واحالمها .من هنا تأثثت الكتابة النسوية بالجرأة
في مالمسة المسكوت عنه ،واعتمدت تقنيات السرد الحديثة ،مثل تيار
الوعي وتهشيم الخط الزمني ،وتوظيف الغرائبي والعجائبي ،انتهاك
الحكي التقليدي ،وتفتيت المعنى ،وفك التالزم بين عناصر السرد،
ونفي اإليهام وزعزعة طقوس القراءة ..وغيرها؛ إلعطاء الحراك
التعبيري تشكيال وتدليال قوة فاعلة في الحضور والتأثير.
إن الكتابة النسوية تمثل ذات المرأة ورؤيتها في التحرر
واالنعتاق من اإلرث األدبي واالجتماعي المتمركز حول الذكورة،
الذي يجعل المرأة تابعا له ال غير؛ لذلك اتجهت النظرة إلى تفكيك
التقابل بين رجل /امرأة المرتبط بهما في الثقافة والمجتمع ،ومناصرة
هوية المرأة والمطالبة بحقوقها اإلنسانية ،وتقويض بنى الخطاب
الذكوري الذي يستلب إنسانيتها؛ لذلك سعت هذه الكتابة إلى تطوير
أشكال تعبيرية جديدة في األدب ،تتطابق مع تجربة المرأة وخبراتها
ومعاناتها وشعورها وعالمها الخاص ،فسعت إلى اإلجابة عن األسئلة
التي تؤرق ذات المرأة المبدعة فكرا ووجدانا ،وهي تسعى إلى تجسيد
فعل اإلبداع وإنتاج خطابها الخاص بها ،أسئلة تزاوج بين المسالة
الشعورية وما تطرحه من قضايا مجتمعية ذات صلة بعالم المرأة ،إذ
تعكس تلك اإلجابة حساسية أنثوية تنطوي على تفرد في الرؤية
والتجربة ،ال سيما اشتغالها في لغة الجسد والدالالت الحسية.
هناك مسألة أخرى يجب تجاوزها؛ لعدم االطمئنان إليها ،وهي أن
المرأة عندما سعت إلى تجاوز ذلك الحيّز؛ لكي يعترف الرجل
بقدرتها على التعبير الفني عن دواخلها بما تجود بها قريحتها بشكل
شمولي ،ظلت أسيرة نرجسية الرجل العالية عبر توصيفاتها المخاتلة.
12
فمثلما تعد األنوثة منابع النص الذكوري في أغلب الثيمات المهيمنة
التي احتوتها جدلية الحضور /الغياب ،فإن منابع النص األنثوي
ذكورية أيضا ،فكالهما يعيش على هامش اآلخر ،وكالهما يجعل اآلخر
ممكن الوجود ،وكالهما يرتبط بشدة باآلخر ،وكالهما يشترك في
الكتابات التي تبحث في األسئلة الكونية ،واشكاليات تخص الوجود
وتتعداه إلى الميتافيزيقيا ،ولكن بنسب متفاوتة ،وذلك أمر طبيعي أيضا،
فالكتابة النسوية بهذا الكم والنوع لم تكن متوفرة بزخمها الحالي إال بعد
أن وجدت المرأة أن فاعليتها في الفضاء اإلنساني ال تقل عن فاعلية
الرجل .فأخذت تكشف عن ذاتها عبر هويتها الثقافية.
وعبر اطالعنا على المجاميع القصصية للشعالن وجدنا أن
المتخيل القصصي كان له الدور الفاعل في هذا القص الحداثي ،الذي
يتعالق مع الواقع اليومي أو الحضور المعيشي ،فكالهما حينما يجتمعان
في بنية واحدة يبعثان على اإلقناع واإلمتاع للقارئ ،إذ أننا ونحن نقرأ
السطور تتجلى أمامنا مجموعة من الرؤى التي تمنح القصص بريقها،
وتضيء أمام القارئ عتماتها النصية التي تبعث اإلمتاع لدى القارئ
عبر تعدد دالالتها.
إن اشكالية العالقة بين السرد القصصي والسيرة الذاتية من أهم
االشكاليات التي سعى النقد الحداثي إلى مقاربتها؛ وذلك لكثرة اللبس
والتماهي الذي يحصل بين المؤلف الحقيقي والسارد الذاتي ،فضال عن
حضور معظم العناصر للسيرة الذاتية في النقد القصصي ،فأغلب
القصاصين ال تنقصهم الجرأة في االعتراف الضمني أو الصريح لهذا
التداخل ،فالقراءة النقدية على هذا األساس ،تستوجب الحصول على
إشارة محددة تصلح ميثاقا بينها وبين الكاتب ،وتبرز على نحو ما
13
حضورا سير ذاتيا في النقد القصصي( . )1فأغلب القصص استوحتها
القاصة من حياتها الخاصة ،ويمكن أن تكون عصارة تجربة عاشتها
هي بنفسها ،فتأخذنا خواطرها ،وتأسرنا وتشغلنا فترة من الزمن،
فتغوص في ال شعورنا ثم تعود الينا وامضة رائعة.
وإذا كان الحدث هو الوقائع النصية التي يقصها السارد وتستند
عليها القصة ،ويكون لها أثر فعّال في مجريات السرد في القصة على
القارئ؛ لشد انتباهه عبر ترابط تفاصيلها منذ بداية القصة وحتى
نهايتها ،ومبرر حدوث هذه الوقائع ،فإنه – أي الحدث -في قصص
صن بذاته ،بل يولّد أحداثا ترافقه ،وتط ّورشعالن القصيرة ال يتح ّ
مجريات القصة ،أو تحرفها ،أو قد تطرأ عليه أحداث فرعية تعضّده
وتقويه وفق تقنيات السرد الفنية التي لجأت اليها القاصة ببراعة وفنية
ّ
عالية .لهذا نرى قد تظهر في قصصها عدة أحداث ترافق الحدث
األساس ،لكن يبقى هناك ترابطا وثيقا مع الحدث األساس الذي ال يخفت
نوره على القارئ عبر مجريات القص وتأثيره فيه.
أما لغة قصصها فيتداخل فيها حيزان :حيز الشعر وحيز النثر،
ويتعالقان في فضاءات تلك القصص ،فيعمالن على توسيع الوظائف
التي تتداخل فيها اشكاليات التجنيس واالنزياح النوعي لألجناس ،فيغدو
النص القصصي جزءا من اشكالية تتعلق بمقوالت الكتابة بشكل عام.
وعلى الرغم من أن هناك من يأخذ على النص القصصي الذي يهتم
باللغة الشعرية مأخذا سلبيا ،اال أن القاصة سناء شعالن استطاعت
توظيف هذه اللغة بشكل فاعل وجوهري في بناء قصصها القصيرة.
وبما ان اللغة الشعرية لها انزياحات كثيرة فان دالالتها تتعدد
حسب نوع القراءة ،السيما عندما تتناول القاصة العوالم الكونية دون
( )1ينظر :المغامرة الجمالية للنص القصصي ،االستاذ الدكتور محمد صابر عبيد ،عالم الكتب الحديث ،أربد .األردن/
.115 :2010
14
االبتعاد عن العوالم المحلية ،إذ تسعى القاصة إلى تشتيت الخزين
الذاكراتي للوصول إلى ما تضمره االحداث .فهي تمتلك لغة شاعرية
سلسة ،وذات إيقاع داخلي ،متمكنة من أدواتها البالغية ،وقد وظفت
قدرتها الفنية على الخوض في الدراما من خالل السخرية والتهكم؛
لتجسيد جمالية طرح الرؤى الثقافية والفكرية عبر تجريد االنسان عن
أحالمه تحت وطأة القمع؛ ليعلو صوتها تعبيرا عن رفضها للواقع بكل
مكنوناته التعسفية والقهرية في مسيرة البحث عن ذاتها بعيدا عن القيود
االجتماعية والثقافية والسياسية ،فهي تقدم واقعها الحياتي بلباس أدبي،
ولغة عالية على شكل صرخات مؤثرة في القارئ العربي.
وعلى هذا األساس فإن أغلب تعبيراتها انفعالية حادة تجاه ما
يحدث ،وتجاه مفردات الواقع ومكوناته ،عبر توصيف أثرها على
الذات ،أي االثر العاطفي الجارح؛ مما ينتج تركيزا شعوريا وانفعاليا
يستدعي مشاعر عديدة بالنسبة للشخصية ،وما يتعلق بالقارئ في آن
واحد ،فأغلب شخوصها حزينة ويائسة وتعاني من أزمات فردية،
ويشاركها السارد انفعاالتها إلى حد اصطباغ بعضها بمالمحه ،ويكون
ذلك مصحوبا بمشاعر الشفقة والعطف والغضب والجنون.
15
الفصل األول
تحوالت القص النسوي
16
في ظل التحوالت النوعية وتداخالتها ،تغيرت آليات اشتغال
القص بأنواعه المتعددة ،ومنها القصة القصيرة ,بوصفها نوعا أدبيا قلقا
في صيرورته التاريخية ،إذ ارتهنت بتساؤالت التحول؛ لشدة لصوقها
بالحياة االجتماعية والمتغير اليومي من جهة( ،)1وما تملك من ثراء
نوعي وأسلوبي ،وما تتيح من مجال للـ(أنا) المفردة – تأليفا وبطولة –
من تعدد وتنوع وفرادة من جهة ثانية( . )2وقد أثر على هذه التحوالت
بواعث عديدة:
خارجية :تتعلق بالواقع ،وما رافقه من تغيّرات اجتماعية وسياسية
وثقافية ،فضال عن التأثر بالمسارات الجديدة في القص العربي
والعالمي ،بدءا من القص الرمزي ،مرورا بالوجودي والرواية الجديدة
وتيار الوعي ،والواقعية السحرية ،وصوال إلى ما عليه القص اليوم.
وداخلية :تتعلق بذات القاصة ،ورغبتها في الوصول إلى
متغيرات جديدة في القص ،عبر تفاعل مكونات التحوالت :تحوالت
أساليب القص وصيغه وأنماطه ،وتحوالت التداخل النوعي ،والعوم في
فضاء النوع ،والتحول في النوع ذاته .وال تحدث هذه التحوالت إال
بتظافر النزوع نحو التطور الداخلي وتحوالته من جهة ،وعالقة السياق
الخارجي بالنوع الذي ينتمي إليه النص من جهة أخرى.
وقد أخذ المسار القصصي منذ النصف الثاني من القرن العشرين،
يعلن عن نفسه في الواقع األدبي في لحظة انبهار كبرى ،لخصتها
( )1النص الرائي /أسئلة القيمة وتقانات التشكيل ،الدكتور محمد صابر عبيد ،المؤسسة الحديثة للكتاب ،طرابلس-
لبنان.181 :2014 ،
( ) 2بنية الجملة االستهاللية في القصة القصيرة ،ياسين النصير ،مجلة االقالم ،ع .256 :12-11
17
كشوفات الكتابة الجديدة ،وهي كشوفات اتخذت صيغة انحسار مباغت
لمد القص التقليدي ،في مقابل نمو وتصاعد القص الحداثي،
وهذا التحول المباغت في عمر قصير لنوع أدبي مستحدث ،اتخذ من
المكون التقني مدخال رئيسا إلعالن انخراط القصة القصيرة في
الكتابات الحداثية وما بعد الحداثية ,فالمحفز الرئيس في السعي إلى
تجاوز النمطية المجترة في الكتابة القصصية هو دون أدنى شك رغبة
القاصة في الخروج على القوالب الجاهزة ،واالنزياح عن المألوف،
ولهذا تو ّسلت القاصة بالعجائبي والشعري والتداخل االجناسي....
وغيرها للوصول إلى المتعة المغايرة ،وتخييب أفق انتظار القارئ،
وعلى هذا األساس أصبح النص القصصي نصا إشكاليا ،بدءا من
(الجملة) وانتهاء بـ(النص) ،فهل اكتفى هذا التوسل المشاكس
بمبررات االنزياح عن المعيار القصصي؟ وهل ما زال يبحث عن
ممكنات االنفالت؟ وهل تكمن حداثة القص في مجرد هدم اللغة
القصصية أو تفكيك المعيار أو نسف البناء القصصي للشخوص
وافراغها من عمقها السيكولوجي أو االجتماعي؟ وما هو دور القارئ
في تفعيل القراءة في مثل هذه األنموذجات من القصص؟ وما هي
رهانات الفعل القرائي المبدع؟ علما أن "فعل القراءة يؤثر ويستجيب،
وذلك باعتماد كل قارئ على منطقه وثقافته ،وبالتالي حساسيته الفنية
الخاصة ،فكل تعبير فني جديد ينتج – ال محالة – صيغة جديدة لرؤية
األشياء ،لتستحيل القراءة إلى فعل إبداعي ،يؤدي إلى تجاوز األجوبة
النمطية والجاهزة ،ويعمل في اآلن نفسه على استحداث نموذج قراءة
من نوع جديد" ( . )1ونذكر في سبيل المثال ال الحصر كل من :لطفية
الدليمي ،ميسلون هادي ،ذكرى محمد نادر ،لطيفة باقا ،بديعة بن
مراح ،سميحة خريس ،سحر خليفة ،مسعودة بو بكر ،ميساء باي ،ليلى
عساف ....وغيرهن كثير.
( ) 1الحساسية الجديدة في الرواية العربية ،روايات أدوار الخراط نموذجا ،الدار العربية للعلوم ناشرون:2010 ،
.28
18
لقد أخذت تحوالت القص بنوعيه (الرواية والقصة القصيرة)
تتمظهر في الوجود الكتابي تبعا للتحوالت االجتماعية والثقافية
والسياسية واالقتصادية وغيرها ،إال أن القصة القصيرة أقرب األنواع
األدبية إلى التحوالت ،إذ أن " تقنيات القصة من أكثر
( ) 2التطووور الفنووي لشووكل القصووة القصوويرة فووي األدب الشووامي الحووديث ،سووورية – لبنووان – األردن – فلسووطين ،د .نعوويم
اليافي.25 :
19
وعرفها فاولر في كتابه (قاموس المصطلحات ّ للظواهر الجمالية"(.)1
النقدية الحديثة) بـ"مفهوم القدرات الذاتية الداخلية أو الوعي االنفعالي
والحساسية ليست مجرد استجابة شعورية أو رد فعل فردي يتفاوت من
شخص إلى آخر على الرغم من وجود تلك التفاوتات الذاتية داخل إطار
الحساسية الواحدة ،ولكنها إطار معرفي وجمالي عام يشمل اإلبداع
وطرائق تلقيه .ويمكن الحديث عن خصائصه المشتركة وارتبط هذا
المفهوم بالنزعة التي ترى أن اإلبداع األدبي عملية تسعى إلى تحقيق
استغراق المتلقي فيها ال استبعاده منها " (.)2
لقد فعّلت هذه التحوالت انتقال بؤرة التعبير من الصيغ النمطية
الثابتة ،إلى الصيغ المغايرة ،التي افترقت عن تماثالتها السياقية
التقليدية وترسباتها في ذهن القارئ ،فلو تتبعنا تقانات االشتغال
القصصي ،والمعطيات الجمالية التي رصدتها تطورات األشكال
الجديدة ،لوجدنا أن هذه التحوالت قد لحقت بالبنيات واألساليب
والثيمات .ولم تعد القصة القصيرة سلسلة من المشاهد الموصوفة ,تنشأ
خاللها حالة مسببة تتطلب شخصية حاسمة ،ذات صفة مسيطرة تحاول
أن تحل نوعا من المشكلة من خالل بعض األحداث التي تتعرض
لبعض العوائق والتصعيدات (العقدة) حتى تصل إلى نتيجة قرار تلك
الشخصية النهائي فيما يعرف بلحظة التنوير أو الحل ،في أسلوب يمتاز
()3
بالتركيز والتكثيف الداللي دون أن يكون للبعد الكمي فيها كبير شأن
؛ ألن من العسير" أن تنتاب الواقع تحوالت في بنيته األساسية دون أن
تتحول معها بنية الخطاب القصصي ،كما انه من العسير كذلك أن نعثر
على تبدالت جوهرية في بنية الخطاب القصصي دون أن تكون تلك
التبدالت تعبيرا عن مجموعة من المتغيرات التي انتابت كثيرا من
( (1القصةةة العربيةةة والحداثةةة ،د .صةةبر حةةافظ ،دار الشووؤون الثقافيووة العامووة ،بغووداد ،الموسوووعة الصووغيرة (، )347
.46:.1990
( ) 3ينظر :فن القصة القصيرة وإشكالية البناء ،أ.د خليل أبو ذياب .انترنيت موقع القصة السورية،
http://www.syrianstory.com/comment.htm
20
الوحدات المشاركة في عملية إنتاج الخطاب األدبي عامة والخطاب
القصصي خاصة" (.)1
وعلى هذا األساس تغيرت تقاناتها القصصية ،وظهرت تقنيات جديدة،
نتيجة التأثر بتطور تقنيات الرواية الجديدة ،كما ظهرت أشكال تكاد
تكون عابرة لنوعها المتعارف عليه ،بسبب التداخل أو التمرد النوعي،
وأصبح القاص يكتب بتقنية قصصية تعتمد على تكسير السرد ،وتشظي
األحداث ،والخروج على الرتابة القصصية بواسطة إدخال أساليب
مختلفة من إشكال متنوعة ،فأصبحت نوعا من التغريب حسب
المصطلح الشكلي ،أو شكال من التناص حسب مصطلحات علم النص،
أو اختالفا ونفيا للمركزية الفنية -متمثلة في النوع األدبي -حسب
مصطلحات التفكيك ،أو إطارا يستكشف أفق التوقعات لدى القارئ
حسب مدارس التلقي ( .)2وتبعا لهذا االنفتاح ابتعدت القصة القصيرة
عن مسارها المحدد ،وأخذت تقترب من القص بوصفه نوعا قصصيا
يتخذ من التالعب باألحداث والشخصيات والزمان والمكان ،منطلقا
الرتياد أفق القص التج ريبي .ومن القاصات التي تمردت على التقاليد
الثابتة للقصة القصيرة على سبيل المثال ال الحصر :نهلة جمزاوي،
سناء شعالن ،فاطمة بو زيان ،رجاء الصانع ،ميرال الطحاوي ،الزهرة
رميج ،هدى العطاس ....وغيرهن كثير .ولو تفحصنا الببليوغرافيات
التي كتبت في نوع القصة القصيرة النسائية في أغلب أقطار الوطن
العربي ،لوجدنا أن المبادرة إلى إثبات الذات ،والحيازة على الهوية
األنثوية ،والتصدي للتهميش واإلقصاء ،وفضح المتناقضات
االجتماعية ...وغيرها ،تشكل القوة فاعلة والمتحكمة في القص
( ) 2السرد الروائي وتداخل األنواع ،نماذج من الرواية المصرية المعاصرة ،د إبراهيم الكرد :انترنيت .موقع أدباء
مصر. http://odabaamasr.blogspot.com///blog-post_.html ،
21
المغاير ،عبر االشتغال التجريبي في كسر مألوفات القص شكال
ومضمونا.
( ) 2ينظر :األثر المتبادل بين التطور الفني والتطور االجتماعي في الشعر اللبناني الحديث ،د .ميشال سليمان ،مجلة
الكتاب ،العدد ،6السنة التاسعة ،حزيران .211 :1975
( ) 3عن التقاليد والتحديث في القصة العربية عبد هللا أبو هيف ،منشورات اتحاد الكتاب العرب . 173: 1993
22
وعند دراسة هذه التحوالت في بنية القصة القصيرة ،ومتابعة
التحوالت الشكلية فيها ،وجدنا – كغيرنا -أن العالقة بين الفاعلية
النصية والتحوالت التاريخية واالجتماعية والسياسية وشيجة بشكل
طبيعي .وعلى ضوء هذه العالقة االنعكاسية بين المجتمع واألدب
القصصي–واالنعكاسية هنا بمعنى االنتاج وليس المرآة -تتخلق عالقة
المادة والشكل ،فهما يتساويان مع التعبير في األهمية" ،ويعتمد كل
منهم على اآلخر ،وإن من المحال فهم أي عنصر من هذه العناصر ،أو
تقديره إال في داخل الكيان الكلي الموحد الذي هو العمل الفني"( )1وما
دامت اللغة هي الوجود المادي في تشكيل أي نص أدبي ،فإن اللغة "
ليست توسطا بين (الشيء) و(مدلوله) بل هي نسيج هذا الشيء في
لحظة معنى .إن هذا النسيج (شكل) ذو (معنى) وال وجود للمعنى إال
بهذا الشكل ،وال وجود للشكل إال بهذا المعنى "). (2
إن الشكل األدبي مهما اختلف النقاد في توصيفه ،فهو ال يتجاوز"
مجموعة عناصر بنائية قابلة للتغيير ،وهذا التغيير مرتبط بالوضعية
التاريخية واالجتماعية من ناحية ،وبحساسية الكاتب وخبراته الجمالية
من ناحية أخرى .ومعنى ذلك أن تطور وعي الفرد المبدع ،واستجابته
للتحوالت التاريخية والحضارية تؤثر على تشكيل البناء الفني الذي
يحمله" ( .)3كما وجد لوسيان غولدمان "عالقة عميقة بين التحوالت
الرأسمالية بعد الحرب العالمية الثانية وتنامي ما يعرف باقتصاديات
السوق وتزايد السلع والبضائع وانتقالها الحر بين البلدان المصدرة
والمستوردة وبين ظاهرة االختفاء التدريجي للشخصية الروائية ومن ثم
تالشيها تماما في الرواية الفرنسية الحديثة ،وإحالل عالم األشياء
والمشيّئ والمستقل مكانها"( .)4وأصبح الكشف عن التطورات
( )1النقةةد الفنةةي ،جيةةروم سةةتولينير ،ترجمةةة فةةؤاد زكريةةا ،المؤسسووة العربيووة للدراسووات والنشوور ،ط 2بيووروت :.1982
.368
( )2التحليل البنيو للقصة القصيرة ،روالن بارت ،ترجمة منذر عياشي ،مركز االنماء الحضار . 13 : 1993 ،
( ) 3التفسير السوسيولوجي لشيوع القصة القصيرة ،سمير حجاز ،مجلة فصول ،مج ،2ع .154 :1982 ،4
23
والتغيرات التي حصلت في بنية الخطاب القصي العربي ،والقطيعة مع
األشكال القصصية التقليدية وربطها باالستجابة الواعية لتعقدات الواقع
العربي بعد نكسة ،1967وانتشار القيم االستهالكية وانحسار
اإليديولوجيات السياسية ،من المسلمات النقدية في األدب العربي .وهذا
يقودنا إلى دائرة التعالق بين البنى الذهنية التي تشكل الوعي والبنى
الجمالية التي تشكل العمل األدبي.
تبعا لكل ما سبق أخذت القصة القصيرة تمارس تحوالتها
وتشظياتها وتجاوزاتها على السائد والنمطي ،واتخذت من التجريب أداة
فاعلة في هذه التحوالت ،وأصبح التعالق بين البنى النصية ،والبنى
االجتماعية ،تعالقا تجادليا أو تبادليا ،وتوقف حراكه االستراتيجي على
تفاعل وتداخل ثالث مجموعات من المتغيرات التي انتابت العالقة بين
النص القصصي والواقع الذي يصدر عنه ،وهي(:)1
-1المتغيرات الحضارية بما في ذلك التغيرات التاريخية واالجتماعية
والنفسية والقومية .
-2مجموعة المتغيرات المتعلقة بموقف القاصة من تراثها النصي الذي
تبدعه ،وبنوعية الحوار الذي يجريه النص القصصي مع هذا التراث،
سواء أكان هذا الحوار بالقطيعة ( الن القطيعة موقف حواري ينطوي
سلبا على وعي رافض لما تتحقق القطيعة معه) أو باالندماج الكامل
فيه.
-3مجموعة المتغيرات الفنية المتعلقة بطبيعة االستراتيجيات الفنية،
ودالالت الشكل ،والوظائف الفنية المختلفة التي تستخدمها القاصة في
نصها.
لقد تأثر التنوع القصصي بالتداخل بين األطر الجمالية التي
اتخذت شكل النوع ،وبين المتغيرات الحياتية التي يعيشها اإلنسان.
وشكل هذا التنوع "محطات ووقفات تمت من خاللها ظهور اتجاهات
في الشكل ،ورؤية مختلفة للمعاني ،وكيفية صياغتها في النص ،وقد
لبت ذلك الحاجة لطبيعة الظروف المعرفية أوال ،ثم السياسية
واالجتماعية ثانيا ،األمر الذي دفع بمنتج النص إلى التنحي عن
24
التوجهات المألوفة في كتابة النص القصصي والبحث عما يضمن
لنصها البالغة األكثر والقدرة على التعبير دون أن تفرط بطبيعة
الجنس"( . )1كما شكل الوعي الكتابي النابع من قلق اإلنسان أمام
التح والت االجتماعية ،وأسئلتها التي غالبا ما تدفعه إلى خلق توازن بين
عالمه المتشظي ،أمام اآلمال واألحالم ،حضورا طاغيا في الكتابات
الجديدة ،فحدث أن تحول هذا الوعي إلى قوة فاعلة في "طبيعة العالقة
بين نوع ونوع آخر ,بين نوع معين وأسلوب معين وبين نوع وصيغة
معينة ,وبين نوع ومذهب معين وكيف تتبدل هذه العالقات من فترة إلى
أخرى فيتطور النوع ويتداخل مع أنواع أخرى"(.)2
من الجدير بالذكر أن هذا الوعي الكتابي لم يكن مقتصرا على
القصة القصيرة فحسب ،وإنما شمل األنواع األدبية بكاملها ،
فالخصائص التي طبعت تحوالت األنواع قد أثرت في الفترة التي
أنتجت فيها هذه التحوالت .وعليه فكل نوع في هذه الحال إما أن
(يتفكك) أو (يتالشى) أو (يتسرب) في أنواع أخرى .إال أنها ـ أي
الخصائص ـ ظلت محافظة على المكونات ولكن بأنماط مغايرة.
لقد اعتمدت القصة القصيرة على مكونات وتقنيات خاصة جعلتها
تمتلئ بالعالمات واإلشارات التي تمنحها وظيفة ،تثير في المتلقي
الغرابة والجدة والدهشة .وظهرت منها أنماط عدة لدى قاصات لهن
قدرتهن المنشودة في العمل القصصي ،مما جعلها تجربة متفردة في
عالم مضطرب ،وخطوة نحو اليقظة ،ووعي إزاء قلق الحضارة
وتموجاتها ،وقلق المرأة أمام الخيبات واالنكسارات واألوجاع التي
جعلتها في بحث مستمر عن الحرية ،وفقا لجماليات يشكل انفتاحها أمام
األشكال األخرى جزءا من هذه الحرية ،إذ جعلت القاصة في بحث
دائب ومستمر ،لخلق نص قصصي يمكنه التفرد واإللماح في بناء
تعبيري مغاير ،ونسق لغوي متميز يوصله بالقارئ لتجاوز التقليدي،
وتحقيق ما يمهد إلضاءة الداخل ،والسعي إلى إغناء الوعي والمخيلة
( )1البحث عن الهوية السردية ،جاسم عاصي ،بحث القي في الملتقى الرابع للقصة القصيرة ،دورة (( علي جواد
الطاهر)) ،بغداد.2009 /1/17 ،
( )2تداخل األنواع في القصة المصرية القصيرة ، 1990 - 1960د .خيري دومة ،الهيئة المصرية العامة للكتاب،
1998م .62:
25
التي ظلت أسيرة التراكمات النمطية ،لجعل القاص مشروع رؤية تعنى
بتكثيف الوجود ،واكتشاف المضمر فيه .وستظل تهمس بالمزيد من
الكالم ،وتثير على نحو جاد قضايا التحديث والتقليد .وإنها ستجعل
القاصات والمعنيين بالقصة قراءة ونقدا (نساء ورجاال) يعيدون النظر
إليها باستمرار حسب قناعاتهم واستجاباتهم؛ الن مثل هذه القصص
قادمة في حدود سعيها إلى كل ما هو مدهش ،فتشل طمأنينة اليقين
السائد الذي ينظر إلى التحديث عامة نظرة مستريبة ،وتسعى إلى
التجريب واالجتهاد في ابتكار لغة قصصية جديدة ،ومكونات ال تخضع
لمنطق القص القديم ،وال تستجيب إال لسحرها وجوهرها ونسقها
الداخلي.
وألن أي تحديث هو في األصل "اكتشاف لخصائص لغوية،
وتطوير لتلك الخصائص في شكل انحرافات عن اللغة المعيارية،
وابتعاد عن الخصائص الفنية المألوفة "( .)1كما أن أية تحوالت فنية
"ترتبط بالعديد من المتغيرات التي تعبر عن نفسها في قوانين الحركة
والصراع ،فتنفتح منافذ جديدة للتعبير تحاول أن تكشف الخلل وتعيد
صياغة الواقع بالثورة عليه من جديد"( .)2وعلى هذا األساس أخذت
القاصة الحداثية تطور أشكالها القصصية بوعي تجريبي ،وأخذت
تغترف من فيض التحوالت التي أصابت المجتمع في طرائق متعددة،
أضافت إلى روح التحديث في القصة العربية القصيرة ما جعلها تنفرد
في تقديم تقنيات متعدد في صياغة وبلورة العالم القصصي الجديد.
لقد نهضت هذه المقاربات – وهي تستجلي هتك الخصائص في
كتابة القصة القصيرة – على استقراء القصص بعيدا عن المقوالت
الجاهزة المسبقة بشكل يتالئم مع خصوصية هذا النوع األدبي ،وقد
حصر الناقد د .نجيب العوفي تحوالت القص -على الرغم من يقيننا أن
( )1عالمةةات التحةةديث فةةي القصةةة المصةةرية القصةةيرة ،1980 -1925محمةةد كش ة ،دار الشووؤون الثقافيووة العامووة،
الموسوعة الصغيرة ( ،)294بغداد.5 :1988 ،
26
هذه التحوالت تعميمية وال تنحسر في جيل معين أو قاصة محددة -بما
يلي.)1( :
تحول من الخارج إلى الداخل ،من الواقع البراني ،إلى الواقع ّ -1
الجواني ،ومن الموضوع إلى الذات.
-2تحول من الرؤية الميكروسكوبية ،الولوع بالتفاصيل الكبرى،
إلى الرؤية الميكروسكوبية ،الولوع بالتفاصيل الصغرى.
تحول الحدث إلى الالحدث ،ومن الحدث الديناميكي إلى الحدث ّ -3
الستاتيكي.
تحول من التسلسل الزمني (الدياكرونيّة) إلى المراوحة الزمنية، ّ -4
وتداخل األزمنة (السايكرونيّة).
تحول من اللغة اإلخبارية المطمئنة إلى اللغة اإليجابية المقلقة.ّ -5
إن االنعطافات الخطيرة التي أل ّمت بالمجتمع العربي قد توالت ّ
بعنف منذ المشهد الستيني وحتى يومنا هذا ،وقلبت كثيرا من
الموازين ،منها :الحروب والثورات والتطور المعرفي واالنفتاح
الواسع على الغرب ...وغيرها .فمنذ ذلك العقد وحتى الراهن
القصصي ،أخذ الوعي بالذات يسعى إلى تجسير المسافة بين قسوة
ال متغيرات الحياتية بكل ما تحمل من سلبيات اجتماعية وسياسية
واقتصادية وعسكرية وثقافية ،وبين المتغيرات العالمية في الكتابة،
والعبور إلى التنوع واالختالف عبر هذا الوعي ،فانحاز القاص بشكل
كلي إلى األشكال المبتكرة ،والمواضيع البكر ،واللغة المحتشدة بوعيها
في رفض التعبير التقليدي ،وحين نؤكد على الوعي بالذات ،ندرك أن
كل عمل أدبي يمتلك وعيه في الوجود بقوة ،حتى وإن كان هذا العمل
ناتجا عن اإللهام وليس الصنعة ،وإن ما نقصده هنا هو الوعي في
الوجود والنص في آن واحد .إذ ظلت المخيلة القصصية تحفر في
األرض الحرام ،رافضة بعض الكتابات القصصية التي كانت في
مرحلة ما متقدمة على كتابات سبقتها ،سواء أكانت هذه الظاهرة في
( )1دراسات في القصة العربية ( وقائع مكناس) مؤسسة األبحاث العربية ،بيروت ،ط( .72 :1989 ،1القصة
المغربية القصيرة على خط التطور أم على حافة األزمة).
27
المشهد القصصي العربي بشكل عام أو في التجربة القصصية عند
قاص بعينه أو قاصة بعينها.
وقد ساعدت القاصات على التقاط ظواهر اجتماعية سادت في
وظف في القصص القصيرة ال بطريقة الوصف التقليدية، هذه الفترة ،لت ُ ّ
وإنما بطريقة الكشف .فالتحوالت االجتماعية يقابلها نهوض ظواهر
جديدة في األدب كما ذكرنا سابقا؛ لذا لم يعد بإمكان القاصة الكتابة
بشكل تقليدي ،على الرغم من ممارستها التحول في تقديم رؤى جديدة
دونما تحول كبير في الشكل المعهود ،إال بقدر ما تستوعب تلك الرؤى
وما تحتاج من عوامل البناء الفني أو مسارات التجلي .كما أن مجاز
القصة القصيرة ومخيالها ال يعنيان االنفصال عن الواقع فكرا وتجربة
ومواقف؛ ألن أي عالم حكائي ال يسعه أن يكون مستقال استقالال كامال
عن العالم الواقعي؛ ونتيجة للتخلخالت التي انتابت بنية المجتمع
واإلنسان ،والتواصل الثقافي العالمي والتأثر بالكتابات األجنبية من
مختلف أجناسها اتجهت الكتابة القصصية نحو أسطرة الواقع تأثرا
بالواقعية السحرية حينا ،وتبعيد الحدث زمنيا ومكانيا حينا آخر ،فضال
عن التوغل أكثر في التجريب القصصي وتبني مصطلح (القص)
بوصفه نوعا قصصيا.
قد وظف هذه التقنيات أغلب كتاب أمريكا الالتينية ،الذين جعلوا
حكاياتهم بعيدة بعض الشيء إن في الزمان أو في المكان ،لكي
يستطيع الخيال أن يلعب بحرية( .)1واعتمادا على هذه التحوالت فقد
تخلت المكونات النصية عن صرامتها ،واتجهت عنوة باتجاه ضرورة
التجدد والتالعب بالثوابت الجمالية دون أي فقدان للمالمح األصلية ،ال
بل تحولت مفاهيم الكتابة برمتها إلى مفاهيم جديدة .فالكاتبة في الكتابة
تتعرف ،ال تبشر بل ّ الجديدة "ال تكتب إنها تنكتب ،ال تعرف بل
تكتشف .والكتابة التي تنكتب تنطلق من فرضية البحث عن المعرفة
وليس من فرضية نقلها .البحث يحرر ،والنقل يكبل ،أي أن الكتابة في
تحررها من النقل ،وحين تضع نفسها في مغامرة البحث ،تكشف
( ) 1عبةد الةرحمن مجيةد الربيعةي وتجديةد القصةة العراقيةة ،سةليمان البكةر ،منشوورات المركوز الثقوافي االجتمواعي –
مؤسسة دار الكتب للطباعة والنشر ,جامعة الموصل . 24 :1977
28
طاقتها التحويلية"( .)1وقد كشفت هذه التحوالت عددا من المسارات
)(2
األساسية التي يمكن إجمالها في النقاط التالية:
-1العودة إلى لون من القص الخارجي (الموضوعي) والتقريري
تحت تأثير تجارب بورخس وبعض محاوالت مركيز.
-2المزج بين الفنتازيا والواقعية ،والسعي لخلق لون من الواقعية
السحرية.
-3استلهام التاريخ واألسطورة والرمز.
-4السعي لخلق لغة قصصية جديدة ،وإعادة صياغة وإنتاج اللغة
التراثية.
-5كسر السياق الخطي البسيط في القص ،والسعي إلى خلخلة البنية
القصصية.
-6االهتمام بخلق مراكز متعددة للرؤيا داخل النص القصصي،
وإتاحة الفرصة أمام التعددية الصوتية ،عن طريق خلق لوحات
قصصية متشابكة ،واستبطان وعي عدد كبير من الشخصيات
القصصية .
-7اإلفادة من بعض معطيات قصة الخيال العلمي.
التعبير عن هم فلسفي وميتافيزيقي أحيانا عن طريق درجة -8
أعلى من التجريد الذهني.
الدمج بين الماضي والحاضر وخلق حالة اإليهام. -9
وعند هذه المسارات وغيرها اندفعت القصة القصيرة باتجاه
التحول المستمر ،وأخذ يظهر في إشكال مختلفة من المواجهات الخفية
والمعلنة مع مستويات الوعي ،وإعادة النظر في األساليب التي تتجاوز
األبنية المتخلية القارة؛ لخلق توازن بين المضامين الجديدة في
الظروف الجديدة ،والبنى الشكلية والجمالية التي تشكل العمل
القصصي .وال شك أن الوعي التجريبي قد أدّى دورا مميزا في تخطي
( )2الصوت اآلخةر ،الجووهر الحوواري للخطواب األدبوي – فاضول ثوامر ،دار الشوؤون الثقافيوة العاموة ،بغوداد1995 ،م:
.98
29
أو تجاوز األشكال المألوفة والقارة .وسنشاهد هذه التحوالت بوضوح
عند القاصة سناء شعالن في الفصول القادمة.
وعلى هذا األساس تشكلت جماليات القص ضمن عملية االختيار
التي ترتبط أساسا بمهارة التجريب التي تُدرك ضرورتها " ال من اجل
االنفصال عن الحقب السابقة بل لتأكيد قدرة الذات على اإلبداع والتفوق
في ظل إيقاعات الزمن المتالحقة والتطور المذهل في النمو المعرفي
والمتغيرات السياسية واالجتماعية واالقتصادية"( .)1ويبدو أن هذا
المفهوم يأخذ طابعا شموليا إذ إن مستويات الحداثة تشترك في حقيقة
أساسية هي "أن الحداثة رؤيا جديدة ،وهي جوهريا رؤيا تساؤل
واحتجاج ،تساؤل حول الممكن واحتجاج على السائد ،فلحظة الحداثة
هي لحظة التوتر ،أي التناقض والتصادم بين البنى السائدة في
المجتمع ،وما تتطلبه حركته العميقة التغييرية في البنى التي تستجيب
لها وتتالءم معها "(.)2
نخلص من كل ما سبق أن أهم اللحظات التي تمر بها التحوالت
القصصية هي لحظات التجريب المستمر ،أي لحظات التمرد والخروج
من خانة التقليد ،والبحث خارج ثوابت النوع ،وتحريك األساس
الجمالي في كيفية اختيار اإلطار الفني ،في اشتغال يرتبط بطاقة
التجريب التي تقدم أنماط جديدة للعالقة بين النص والمتلقي ،ويعود
نجاح هذا الخلق النصي إلى ضرورة عزل وعي التحوالت الحياتية
الجديدة عن عجز األدوات الفنية المتداولة ،وربطها باستيعاب
الحساسية األكثر توغال في نقل رؤيته لهذه التحوالت ،وهكذا حدث أن
غادرت الكتابات القصصية الحديثة المعايير والقوالب النمطية
الجاهزة ،وأخذت تتدفق بوجدانات غير معهودة ،حملت إلى المتلقي
( )1الحداثة وبعض العناصر المحدثة في القصيدة العربية المعاصرة ,عبد هللا احمد المهنا ,عالم الفكر مج 19ع: 3
.8
( )2فاتحة لنهايات القرن ،ادونيس ،دار العودة ،بيروت .321 : . 1980
30
الصدمة األولى التي خلخلت كل توقعاته ،وأحدثت اضطرابا من مسافة
التقبل التي انتابها التشقق والتصدع.
يستفزها أي عمل قصصي ّ لقد ظلت مساحة المتغيرات الجمالية
يسعى إلى االختالف والتجاوز ،وسوف يسعى هذا الكتاب إلى اإلجابة
على التساؤالت التي تتعلق بمغامرة تحوالت القص -القصير تحديدا -
وكشف شعريته ،ووحدات اشتغاله ،وآليات قراءته ،وتأثيره الجمالي في
مسوغ اختياري لهذه القاصة في ّ قصص سناء شعالن ،وقد تر ّكز
تمظهر التحوالت بانحرافات حادة ،بعيدا عن التوجهات المألوفة في
كتابة القصة القصيرة ،على الرغم من عدم التفريط بطبيعة النوع
األدبي الذي تنتمي إليه ،وعدم التفريط بـ" قواعدها الحافظة لنوعها،
فامتثال القصص بقواعد نوعها (حدود نوعها) يعيّن لها بنية بسيطة
جوهرية ،تستمر في الزمان والمكان من دون فناء ،أو إفناء في أجناس
أخرى" ( .)1أما انحرافاتها فقد شكلت ظاهرة من ظواهر القص بوصفه
نصا /خطابا قائما في الصيرورة التاريخية.
وال يفوتنا أن نذكر أن األلفية الثالثة قد جادت علينا بعشرات
المجاميع القصصية التي فعّلت كاتباتها تحوالت القص فيها ،وكسرن
جدار التقليد ،وأعدن تشكيل الواقع في سياق نصي مفارق ،جعل الكتابة
ي والهارب واآلتي ،ونذكر على سبيل عند المرأة انفتاحا على القص ّ
المثال ال ا لحصر :جميلة عمايرة في (اسمي سليماني ،امرأة اللوحة)
وانتصار السري في (المحرقة) ومسعودة بو بكر في (أظل أحكي)
وميهان في متتاليتها القصصية (سراديب نافوخي) وكفاح عواد في
(ذاكرة الروح) وانتصار عبد المنعم في (تنويعات على ذات الرحلة)
وحرية سليمان في (ربما يكون مغلقا ،سهر) ووفاء عبد الرزاق في
(أغالل أخرى) ....وغيرهن كثير.
( ) 1الحكاية الجديدة ،محمد خضير ،مؤسسة عبد الجميد شومان ،عمان.106 :2009 ،
31
32
الفصل الثاني
الواقعية السحرية وتحوالت القص
الفصل الثاني
الواقعية السحرية وتحوالت القص
33
تعد الواقعية السحرية التي تمثلت في كتابات غابريل غارسيا
ماركيز ،خورخي لويس بورخس ،ميغيل استورياس ،إيتالو كالفينو،
جون فاولز غونتر غراس ،اليخو كارينتير ....وغيرهم ،تحوال سرديا
فرض نفسه على المشهد القصصي العربي .ولو أردنا تتبعا لمسارها
التاريخي ،فيمكننا القول بان أغلب النقاد الذين تناولوا هذا التحول قد
غلّبوا ريادة (فرانز روه) في أطالق مصطلح الواقعية السحرية على
مجمل النتاج التصويري في مقالته المعنونة (الواقعية السحرية :ما بعد
االنطباعية) وذلك في عام ،1925إذ يقول في تفسيره مفردة
(السحرية) " :إن الغموض ال يحل على العالم المجسد ،بل ينبض
خبيئا فيما وراءه" ( .)1ثم تواصل استعماله للداللة على نوع من الرسم
القريب من السوريالية حيث تكون الموضوعات المرسومة واألشياء
قريبة في غرابتها من عوالم الحلم وما يخرج عن العالم المألوف من
رموز وأشكال .هذه الغرابة جزء أساسي من دالالت الواقعية السحرية
كما شاعت في األدب ،ال سيما القصة بنوعيها الرئيسين الرواية
والقصة القصيرة .غير أنها تنضاف هنا وبصورة أساسية إلى تفاصيل
الواقع ،إذ يرسم القاص تفاصيله رسما ً موغالً في البساطة واأللفة مما
يزيد من حدة االصطدام بالغريب والمستحيل الحدوث .وهناك من نسب
صياغتها إلى كل من دادالي فتس وفرانز روه "من الصعب القول إلى
أيهما ينسب ذلك على وجه التحديد" (.)2
لقد ُ
شرحت الواقعية السحرية من قبل وجهات نظر متعددة تبناها
النقاد بحسب آليات اشتغالها ،فبعضهم ربطها بالغرائبي والعجائبي
واألسطوري ،وبعضهم وصل إلى نوع من التطابق بين الواقعية
( )1محاولة اقتراب من الواقعي ة السحرية ،أورورا اوكامبو ،ترجمة نرمين ابراهيم ،الثقافة االجنبية ،ع ،2السنة
الثانية عشرة68 :1994 ،
( ) 2آراء في تاريخ الواقعية السحرية ونظريتها ،مجموعة نقاد ،ترجمة ناطق خلوصي ،مجلة الثقافة األجنبية ،ع ،2
.75 :2006
34
السحرية والسريالية ،أو قال إن الواقعية السحرية في أمريكا الالتينية ما
هي إال امتداد للتيار السوريالي في أوروبا ( .)1ولكنها في الحقيقة ليست
امتدادا للسوريالية ،بقدر ما هي اتجاه أدبي أصيل عبر عن بيئة
جغرافية واجتماعية لها خصوصية معينة.
لقد ر ّكزت الواقعية السحرية على أعمال كل من كافكا،
وبورخس ،إذ بدأ عدد من الكتاب يحاكون أسلوبهم ،مسجلين بداية
شعبية للواقعية السحرية في أربعينات وخمسينات القرن العشرين،
تحول العادي واليومي إلى مروع وغير فحين يراها انجيل فلوريس ّ
واقعي ،أي جعل كل ما هو اعتيادي يبدو وكأنه غير اعتيادي ،فإن
لويس ليبل ال يتفق معه؛ ألنه يرى في أعمال كافكا لوحده أساسا
للواقعية السحرية( )2بوصفها موقفا من الواقع يمكن أن يتم التعبير عنه
بأشكال شعبية وثقافية ،ويرى أماريل تشانادي إن مفهوم الالمألوفية
وثيق الصلة بشكل خاص بالواقعية السحرية ،فهي بقدر ما تدمج
العاطفي والخيالي أحيانا ،تكون تف ّحصا لخصيصة الوجود اإلنساني،
ونقدا ضمنيا للمجتمع ،وللنخبة فيه بشكل خاص(.)3
أما انريكي أندرسون أمبرت فينفي ربط تعريف الواقعية السحرية
باألثر النفسي الذي تحدثه لدى القارئ ،بل يربطه بما نُ ْع ِملُه نحن في
الحدث الذي يتم قصه .هل هو حدث مستحيل؟ هل حدث ينسب إلى ما
فوق الطبيعة؟ ( .)4ومثل هذا الكالم يجانب الصواب من حيث إهمال
( ) 2آراء في تاريخ الواقعية السحرية ونظريتها ،مجموعة نقاد ،ترجمة ناطق خلوصي ،مجلة الثقافة األجنبية ،ع ،2
.78 :2006
( )4القصة القصيرة التقنيات ،انريكي امبرت اندرسن ( .240-239 :العجائبي عند المترجم علي إبراهيم علي منوفي
هو السحري وبسبب هذه الترجمة حدث الخلط بين المصطلحين(
35
األثر ا لنفسي ،وهو العامل األساس في فهم الواقعية السحرية .فاألحداث
التي يتم التساؤل عنها -حسب اندرسون -ممكنة الوقوع ،ولكن ال
ندري كيف نفسرها؟ إي أنها أحداث غامضة ومثيرة للمشاكل ،ويقوم
الراوي بتص ّنع حيلة الهروب من الطبيعة ،حتى يجعلنا نتشكك في
األمر ،وأنه يريد خلق االنطباع بالالواقعية ،ويقص علينا حدثا نستغربه
كثيرا رغم تفسيره ،فبدال من تقديم السحر كما لو كان واقعيا ،يقدم
الواقع كأنه سحري (عجائبي) ،وألن الراوي خالق للشخوص فهو
يتحمل مسؤولية أن تكون القصة واقعيتها سحرية أو اعتيادية ،فحين
يريد أن يثير فينا مشاعر وإحساس بالغرابة فإنه يجهل ما يراه ،ويمتنع
عن اإلتيان بالتوضيحات الفعلية ،وهو بذلك يعمل على أن تضرب
القصة بجذورها في أعماق النفس (.)1
إن هذا الضرب في أعماق النفس ،ال يعني اقترابها من القصة
النفسية ،وإنما العكس ،إذ تتخذ بابتعادها عن األثر النفسي شكال أكثر
دقة ،كما تفترق عن السريالية واألدب العجائبي ،فالواقعية السحرية ال
تجرد الواقع المزدوج الذي يحيط بالحلم والمعيش ،عالم الذات
والم وضوع ،كما إنها ال ترمي إلى استثارة األحاسيس بل التعبير عنها،
فهي ال تخلق عوالم متخيلة تمكننا من اللوذ بها هربا من الواقع اليومي،
فالقاص يستبطن الواقع ،ويسبر أغوار كل ما يكتنفه من الغموض في
الحياة ،وفي المواقف اإلنسانية( .)2وعلى هذا األساس رفض بعض
الكتاب انتماء الكتابات العجائبية التي تخلق تدرجات ال متناهية،
وابتكار أوضاع ال تطاق -مثل كتابات كافكا وتحول اإلنسان إلى
صرصار – إلى الواقعية السحرية؛ ألنها اكتشاف العالقة الغامضة التي
( ) 2محاولة اقتراب من الواقعية السحرية ،أورورا اوكامبو ،ترجمة نرمين ابراهيم ،الثقافة االجنبية ،ع :1994 ،2
68
36
تربط بين اإلنسان وظروفه ،وليس خلق كائنات أو عوالم متخيّلة.
وحسب هذا االستنتاج فإن الواقع الغرائبي كان األساس الذي نهضت
عليه الواقعية السحرية ،فالقاص في هذا الواقع ال يرسمه لإلمتاع فقط،
إنما لإليحاء بفكرة فلسفية أو مجموعة أفكار منها أن العالم الذي نراه
مألوفا فيه قدر كبير من الغرابة( .)1ويقترب من هذا المعنى قول
فورستر "إن اإلفراط في التخيّل ،حد الوصول إلى الغرائب والعجائب،
بناء قصي ال يحتاج من القارئ إلى التصديق ،فما عليه وقد ارتضى
قراءة هذا النوع من الكتابة ،إال أن يمضي متمتعا بما يقرأ ،متسليا بما
يروى له" (.)2
إن الواقعية السحرية تحول سردي تتداخل فيه حدود الواقع
بالالواقع ،وتختلط فيها األحداث الواقعية التي تحتمل التصديق
باإلحاالت التي تستعصي على التصديق ،حتى يصل القارئ إلى
مرحلة ال تستطيع عندها حواسه التمييز بين ما هو حقيقي وما هو
خيالي( .)3وعلى هذا األساس اختلف النقاد حول مفهوم الواقعية
السحرية لمجاورتها ،او اعتمادها في تشكيلها على مفاهيم أخر مثل
الغرائبي والعجائبي ،والسحري ،فهناك من يربط بين العجائبي
والواقعية السحرية التي تشير إلى حدث غير عادي وغير متوقع أو يقع
فوق الواقع أو وراءه ،لكنه موجود أيضا في داخله وجزء منه أيضا ال
يمكن تفسيره بواسطة العلم العقالني أو الطبيعي ( .)4وهذا ما دعا
بعضهم إلى تحديدها بأنها أسلوب قصي متفكك غريب وخيالي يمزق
( ) 1دليل الناقد األدبي ،د .ميجان الرويلي و د .سعد البازعي ،المركز الثقافي العربي.348 :2003 ،
( ) 2حبكة الرواية من المؤلف إلى القارئ ،د .ابراهيم خليل ،مجلة عمان ،ع.30 :2008 ،152
( )3موسوعة األدب والنقد ،مجموعة من الكتاب ،ج( 1األدب والنقد والتاريخ األدبي) ترجمة وتقديم وتعليق عبد
الحميد شيحة ،المجلس األعلى للثقافة ،مصر.117 :1999 ،
( )4ينظر :الخيال من الكهف الى الواقع االفتراضي ،د .شاكر عبد الحميد ،عالم المعرفة ،الكويت.220 :2009 ،
37
أو يكسر تدفق ما قد يبدو ظاهريا ،إنه نص واقعي ،فهي تصف الواقع
الحقيقي وتصوره سحريا ،أو تصف الوقائع السحرية بطرائق وأساليب
واقعية(.)1
وإذا كان دليل أكسفورد لألدب اإلنكليزي ،قد جاء فيه بأن روايات
وقصص "الواقعية السحرية تتوافر بصورة نموذجية على دينامية
قصية قوية ،يندمج فيها الواقعي الذي يمكن تمييزه ،بغير المتوقع
والمتعذر تفسيره ،وترتبط فيها األحالم والقصص والخرافة
والميثولوجيا مع اليومي ،في نمط موزائيكي أو متغير األشكال" (.)2
فإن موسوعة األدب العالمي في القرن العشرين قد وصفتها – أي
الواقعية السحرية – بـ" اندماج متفرد لمعتقدات وخرافات مجموعات
ثقافية مختلفة ،وشأنها شأن األسطورة فإنها توفر أيضا ،طريقة توثيقية
وإجمالية بصورة أساسية لوصف الواقع ،وقد وجدت أرضيتها في
الواقع اليومي ،وعبرت عن دهشة اإلنسان ازاء عجائب العالم الواقعي،
وهي تنقل رؤية للسمات الخيالية للواقع" ( .)3وتبعا لما سبق يمكننا أن
نقول :مهما اختلفت التحديدات بشأن مفهوم الواقعية السحرية ،فإن
التعالق بين المألوف والال مألوف هو الذي يمنحها هوية االتفاق بشأن
نزعتها القصصية .وإذا تجاوزنا أسباب ظهورها في هذا الكتاب
اإلجرائي ،فمن الصعوبة – حسب ظني المتواضع -تجاوز آليات
اشتغالها؛ ألنها الفرشة التي يتم على أساسها االشتغال اإلجرائي.
( )2نقال عن :مصادر توثيق التجربة اإلبداعية ،تجربة ماركيز أنموذجا ،ناطق خلوصي ،مجلة األقالم ،ع ،2أيار/
حزيران /تموز /آب ،السنة السابعة واألربعون.70 :2012 ،
38
تكون مجتمعة معا ،لذلك فإن التصنيف يعتمد السمة المهيمنة لهذه
الصيغة أو تلك (:)1
-1تداخل الواقعي بالفنتازي من أجل خلق مناخ رواية الواقعية
السحرية ،وفي األغلب يشكل هذا التداخل انبثاق الفنتازي من
الواقعي أو العكس ،أي بمعنى أن تكون البنية الواقعية حاضنة
للحدث أو الشخصية أو الزمان أو المكان الفنتازي ،أو العكس.
-2تداخل الواقعي بالماورائي إذ تظهر في القصة شخوص (واحيانا
أحداث) تتمتع بقدرات خارقة (فوق طبيعية) كالكرامات
والمعجزات أو القدرة على الحدس وغيرها من القدرات ،وفي
الغالب ترد هذه القدرات إلى قوى ما ورائية غيبية ،إذ ال يجد
القارئ لها تفسيرا واقعيا أو منطقيا.
-3تغريب الواقع :ويعني أن يحتفظ الواقع بواقعيته ،واإليغال
ببساطته ،وهذا اإليغال هو ما يولّد تغريبا له ،مما يدفع القارئ
إلى التردد بين واقعية الحدث وغرابته.
في حين تعزو الدكتورة ماجدة حمود جماليات رواية الواقعية
السحرية إلى:
-اللغة الروائية التي اهتمت بالمجاز ،والسحر المضاد ،وجعلت
همها في الممارسة الوظيفية لألحالم ،فبدت انعكاسا للطبيعة
المدهشة في تشابكها وكثافة تنوعها (طبيعي ،أسطوري، )...
كما تمت خلخلة الحدود الفاصلة بين الشعر والنثر ،وقدمت نظاما
لفظيا خاصا يعتمد الترميز والتمثيل الكنائي ،فضال عن امتزاج
اللغة بكل ما هو شعبي(.)2
تحول الواقع إلى منظومة من الصورة -الحركة -لغة السينما التي ّ
(وبعد تفصيل في الصورة الحركة اعتمادا على جيل دولوز في
كتابه :الصورة – الزمن( ).)3تشكل الصورة المشهدية لديها داللة
( )1ينظر :الراوية ما بعد الحداثية ،د .ماجدة هاتو هاشم ،دار الشؤون الثقافية العامة ،بغداد .161 ،155 ،144 :2013 ،
( )3الصورة – الزمن ،جيل دولوز ،ترجمو حسن عودة ،منشورات وزارة الثقافة ،المؤسسة العامة للسينما ،ط،1
دمشق.42 :1998 ،
39
جمالية تغني لغة القص ،نظرا لتأثرها في الالوعي ،وسهولة
وصولها إلى القارئ ،وعدّت الباحثة هذه التقانة أحد أسباب شيوع
رواية الواقعية السحرية( .)1وأتفق معها في ذلك ،فلغة السينما
وتقاناتها من أهم المسائل التي قلبت المعادلة ،وأصبحت السينما
بتقاناتها المتطورة هي الرافد األكثر فاعلية في السرد ،من حيث
التجريب والتحول.
-الغرائبية (الفنتازيا) من أجل تجاوز الواقعية التقليدية ،ال سيما
أن أمريكا الالتينية هي عالم الواقع العجائبي ،في طبيعته ،وتنوع
أجناسه وثقافاته ،فبرع الكتاب في ما هو واقعي ،وما هو خارق
على حد سواء ،ومن أجل أن يتم التأثير على استجابة القارئ،
والتفاعل مع واقع أشد غموضا وتعقدا ،تستطيع أن تجسده الحداثة
الروائية أكثر من الطريقة التقليدية(.)2
وهنا تتفق مع د .ماجدة هاتو هاشم في اآللية األولى من حيث
تداخل الواقعي بالفنتازي ،ولكننا نراها مضطربة من حيث الخلط
االصطالحي بين الغرائبي والعجائبي ،فمرة تقول" :مع بداية الستينات
بدأ روائيو أمريكا الالتينية بتجديد جماليات القص ،إذ اهتموا بتوسيع
نطاق الواقعية السحرية والغرائبية (الفنتازيا) من أجل تجاوز واقعية
القرن التاسع عشر") . (3ومرة أخرى تقول" :وقد وجدنا بعض النقاد
يميز بين الواقعية السحرية والعجائبية (الفنتازيا) إذ يحضر الطبيعي
والفائق للطبيعة في األدب العجائبي ( الفنتازيا) بصفته عالما تخييليا
مبهما") . (4والخلط هنا ال يخص التمييز بين الواقعية السحرية
والغرائبية ،بل يتساوى عندها الغرائبي والعجائبي عندما تضع
(الفنتازي) أو (الفنتازيا) مقابل كل واحد منهما .كما تفند التمييز بين
الواقعية السحرية والعجائبية ،وتصف هذا التمييز بـ"غير دقيق ،فإذا
( )1رحلة في جماليات رواية أمريكا الالتينية ،ماجدة حمود ،منشورات اتحاد الكتاب العرب.25 :2007 ،
40
قلنا بأن الواقعية السحرية مصطلح عام يشمل بنية الرواية ،ويميّزها
عن الواقعية التقليدية ،فإن العجائبية جزءا من هذه البنية باعتقادنا"). (1
إال أنها تعود بعد الحديث عن الرواية الجديدة ،فتعطف العجائبية
على السحرية ،وكأنهما نوعان مختلفان "لهذا تحاول الرواية الجديدة
(السحرية والعجائبية) محاكاة الحلم الشامل لإلنسان" ( .)2قد نتفق على
أن كل عجائبية هي واقعية سحرية ،وليس كل واقعية سحرية هي
عجائبية ،وال نختلف معها حين تعطفهما على بعض ،ولكن نختلف
م عها حين ترفض التمييز بينهما ،ثم تقوم بالتمييز بينهما في موضع
آخر .وقبل الدخول في منطقة اإلجراء ربما يفيد القراءة التوسع في آلية
اشتغالها الرئيسة ،التي تتعلق بالعجائبي والغرائبي والتمييز بينهما.
التحول
ّ العجائبي ومرتكزات
شووكل العجووائبي مرتكووزا موون مرتكووزات التحو ّوول فووي القووص ،عبوور
تجاوزه لحدود اإلطوار التقليودي للحبكوة القصصوية ،فاتحوا المجوال أماموه
لمسوواءلة الواقووع والتحووديات الحداثيووة ومووا بعوود الحداثيووة ،ويعوود حضوووره
فووي بنيووة القووص مظهوورا موون مظوواهر التفوورد اإلبووداعي ،إذ يتحوودى قيووود
النووووع وأعوووراف الواقعيّوووة ،وينوووتج قصوووا ً يتووووفر علوووى إمكانوووات تخيليوووة
وتعبيريووة وإيحائيووة ،فضووال عوون تمثلهووا القصووي للمرجعيووات األسووطورية
والتاريخيوووة والحكائيوووة التوووي تستحضووور موروثوووا ً فنتازيوووا متجوووذرا فوووي
الموووروث التوواريخي ،وفووي تقسوويماتها لروافوود العجووائبي والغرائبووي فووي
القوووص القصصوووي الحوووديث ،تعووود د ,سوووناء شوووعالن الروافووود التاريخيوووة
التراثية من أبرز هذه الروافود ،وقود لخصوتها – أي الروافود التاريخيوة –
في أحد عشر نتاجا ،ونحيل القارئ الذي يرغوب فوي التوسوع إلوى كتابهوا
(.)3
( )3ينظر :السرد الغرائبي والعجائبي ،د .سناء الشعالن ،ناد األسرة للثقافي واالجتماعي.38-36 :2007 ،
41
إن هذا التوجه يعبر عن رغبة في انتهاج أساليب جديدة ،يعبّر بها
شعور القاص عن الواقع في شكل جديد يستوعبه ،في قص ينقل ال ّ
بالواقع دون طبعه بك ّل جزئيّاته ،بل يترك هامشا ً للخيال واالنعتاق من
الطبيعة والوجود بلعبوديّة األطر الخارجية .لذا فهو ال يعاند أنظمة ّ
يمسخ هذه األنظمة ،ويقدم الشاذ وغير المألوف منها ،ويرفض أن يقدم
القصة على أنها متوالية موازية ومتناظرة ،بل يجسدها انكسارا للواقع
واستثناء لحوادثه ضمن منظومته المعرفيّة المشتركة .لذا تعد األجواء
العجائبية وسيلة عملية وناجعة للكشف عن اهتمامات الشخصيات
وعواطفها التي يمكن أن تتستر ،وتتبدل في بنيات يحكم فيها العرف أو
الضوابط االجتماعية .كما أنه بما تقدم من خيال مجنح يمنح فرصة
للهروب من الواقع ،لكن الهدف والغاية من الهروب يتراوحان بين
تحقيق األمنية واإلثارة ومجرد االستماع .فهو وسيلة للتخلص من
أن الغرض من وراء هذا الهروب التصورات والمفاهيم المعتادة ،بيد ّ
هو تبيان الضيق وكبت األنفاس والرعب الذي يتميز به عالمنا
إن القص العجائبي يمثل تلك اللذة التي اإلنساني .إذن نستطيع القول ّ
يجدها القارئ والمبدع عندما يفلت من إسار تكاليف واقعه الصارمة،
وما هي عليه من جفوة ،ويستسلم لفتنة غير المعقول). (1
إن العجائبي يختص بالتردد بين تفسيرين :طبيعي وفوق طبيعي
لألحداث المعلن عنها .وطالما يعيش القارئ حيرة التفسير هذه يظل في
العجائبي ال يبارحه .أما إذا اختار تغليب األسباب الطبيعية على
األسباب فوق الطبيعية أو العكس خرج بذلك عن العجائبي واتصل
بالغرائبي ،والعجائبي بهذا المعنى حال ،في حين أن الغرائبي تفسير،
والزمن الخاص بالعجائبي هو الحاضر الن التردد الذي يميزه ال يمكن
( )1ينظر :أدب الفنتازيا – ،مدخل إلى الواقع – ت .ي .ايتر ،صابر سعدون السعدون ،دار المأمون للترجمة والنشر،
بغداد.20 ،12 :1985 ،
42
أن يكون إال حاضرا) .(1وتتجلى وظيفة العجائبي األدبية عند تودوروف
في ثالث):(2
-1وظيفة نفعية :تتمثل بأن القارئ يجد متعة في اإلثارة التي يخلقها
الحكي العجائبي بخروجه عن المألوف أو اليومي ،والسفر في
فضاءات أخرى ،وفي عوالم غير التي نعيش فيها.
-2وظيفة داللية :إذ يقوم بتجلية أو بإظهار الخاص والشاذ ،وذلك
بخالف األجناس التعبيرية األخرى.
-3وظيفة تركيبية :يتيح األدب العجائبي تنظيما للحبكة منضغطا في
صورة خاصة ،ويكسر القواعد القائمة في حقل الكتابة.
وما يهمنا هنا هو الجمالية التي يعمل القاص على توفيرها في تحوالت
القص النوعية ،فهذه األنواع من القص تشكل ترميزا فاعال في الهروب
من المسائلة ،فضال عن منحها القارئ فرصة أكبر في حقل التأويل،
فـ" الظاهرة األدبية ليست هي النص فقط .ولكنها القارئ أيضا،
باإلضافة إلى مجموع ردود فعله إزاء النص").(3
ويوافق العجائبي الغرائبي في اعتماده على الواقع حينما يقتنص
لحظات غموضه النابضة بالغرابة ،وليس على التخليق الفنتازي
(العجائبي) الذي يمظهره السارد في متن القصة ،وهذا ما دعا أحد
النقاد إلى القول بأن " ظهور الواقعية السحرية أو العجائبية ليس مرده
الواقع العجائبي ،وإنما الواقع المروع" ( .)4وينفي انريكي اندرسون
امبرت أن يكون لألثر النفسي صلة في تعريف السحري* (العجائبي)
بعد أن يستعرض آراء بعض النقاد الذين ربطوا السحري باألثر النفسي
ومنهم :تزفيتان تودوروف ،مارسيل شنايدر ،بيتر بنزولت ،ه .بي.
43
لوفكرافت ،لويس فاكس ،يؤكد على أن القراء يتفاوتون في قراءة
القصة السحرية ،فمنهم من يشعر في أعماق نفسه بالرعب والهلع من
وجود عوالم وقوى ذات طاقة خارقة ،ومنهم من يسعد لتلك القوى
ويضحك لذلك الوضع ،ولهذا يجب أال نثق كثيرا بالمشاعر التي ال يتم
التعبير عنها فنيا داخل القصة ( )1وهذا األمر يتعلق بالشخوص من
حيث ترددهم أو خوفهم أو تعجبهم بكلمات تتمظهر حية في جسد النص
من مثل :تعجبت ،عجيب ،أصابني الهلع ،لم يكن معقوال ،غير معقول
أبدا....وغيرها.
فماريو بارغاس يوسا على سبيل المثال ال الحصر يبين للروائي
في كتابه (رسائل إلى روائي شاب) أن مصطلح (الفنتازي) أو
(العجائبي) يضم كثيرا من المعاني المختلفة (السحري ،اإلعجازي،
الخرافي ،األسطوري ....وغيرها *.والتعارض بين الواقع والفنتازيا
تعارض جوهري بين عوالم ذات طبيعة مختلفة ،التخيّل الحقيقي أو
الواقعي يتضمن عدة مستويات متباينة فيما بينها ،واألدب الفنتازي هو
العجيب الخرافي غير القابل للتفسير عقالنيا ،إذ يحدث التفسير تلقائيا،
أي هذه التخيالت ال تروي قصصا فنتازية ،وإنما هي فنتازية بذاتها).(2
ويلتزم كل من سعيد الوكيل ومحمد الباردي بمصطلح العجائبي ،فقد
استعمله األول بالمعنى الذي يؤديه المصطلح الفرنسي
( )1القصة القصيرة النظرية والتقنية ،انريكي اندرسون امبرت ،ترجمة :علي إبراهيم علي منوفي ،مراجعة صالح
فضل ،المجلس األعلى للثقافة ،مصر.239 :.2000 ،
(*) وهذا ما اكدته ماجدة حمود أيضا في كتابها (رحلة في جماليات رواية امريكا الالتينية.)137 :
( ) 2رسائل إلى شاب روائي ،ماريو بارغاس يوسا ،ترجمة صالح علماني ،دار المدى ،دمشق ،ط.10 :2005 ،1
44
) .Fantasique(1في حين ميّزه الثاني بين العجائبي و حكاية الخوارق
Le mervelleaxو العجائبي والحكايات الغريبة).(2
أما سعيد علوش فيحدد العجائبي بوصفه شكال من أشكال القص،
إذ تفترض فيه الشخوص قوانين جديدة تعارض قوانين الواقع
التجريبي ،وتقرر هذه الشخوص بقاء قوانين الواقع كما هي)،.(3
ويذكر المصطلح الفرنسي بوصفه "نوعا أدبيا موجودا لحظة تردد
القارئ بين انتماء القصة إلى الغرائبي والعجائبي") . (4ويوافقه الرأي
شعيب حليفي حين يضع "الفنتاستك بين ما هو عجائبي وما هو
غرائبي") . (5غير أنه يصف الغرائبي والعجائبي بوصف تودروف
قائال " :فالغرائبي هو حدوث أحداث فوق طبيعية تنتهي بتفسير
طبيعي ،في حين أن العجائبي هو حدوث أحداث طبيعية تنتهي بتفسير
فوق طبيعي") . (6ولكن يختلط عنده المصطلح في موضع آخر ،فيكون
العجائبي هو الفنتاستك ،وبهذا ال يستقر هو أيضا على قرار ثابت من
ناحية المصطلح .وربما ال نحيد عن الصواب لو قلنا يقترب تودوروف
كثيرا في مفهومه للعجائبي من مفهوم القزويني حين يحدد العجب
بقوله"العجب حيرة تعرض لإلنسان لقصوره عن معرفة الشيء أو عن
معرفة كيفية تأثيره فيه"). (7
( ) 1تحليل النص السرد ،سعيد الوكيل ،الهيئة المصرية العامة للكتاب ،القاهرة ،ط.14 :1998 ،1
( )2الرواية العربية والحداثة ،محمد البارد ،دار الحوار ،الالذقية ،ط.187 :1993 ،1
( )3معجم المصطلحات األدبية ،دار الكتاب اللبناني ،ط.180 :1985 ،1
( ) 5شعرية الرواية الفانتستيكية ،شعيب حليفي ،المجلس األعلى للثقافة ،القاهرة ،ط.50 :2006 ،1
( )7عجائب المخلوقات ،وغرائب الموجودات ،زكريا القزويني ،مطبعة المعاهد ،القاهرة( ،د .ت).5 :
45
ويتنافى كل من تحديد تودروف والقزويني مع توصيف القص
العجائبي بأنه "قص قصصي يروي أحداثا ووقائع حافلة بالمبالغة
يصعب تصديقها" وهنا لم يتم توصيف المبالغة توصيفا يقودنا إلى
عجائبيتها ،وعلى هذا األساس ،فالمبالغة ال تشكل مرتكزا من
مرتكزات العجائبي ،ألن يمكن تفسيرها تفسيرا طبيعيا ،وبهذا تنتمي
إلى الغرائبي وليس إلى العجائبي ،وهناك من خلط بين الحلم
والعجائبي ،وهذا يتنافى مع التفسير الطبيعي ،وبذلك يتجه نحو
الغرائبي ال العجائبي ،ففي الحاشية التي أورد فيها المترجم (صيّاح
الجهيم) تعريف (العجيب) في كتاب (قضايا الرواية الحديثة) لجان
ريكاردو ،نجده "هو ما يختلط فيه الواقع بغرائب األحداث وبخفايا
األسرار ،وبالرؤى المشوشة ،التي ال تخضع لسلطان المنطق،
والمألوف ،بحيث تغدو شيئا شبيها باألحالم"). (1
وعند تتبعنا لمجاميع شعالن القصصية ،وجدناها منذ مجموعتها
األولى (أرض الحكايا) تبادر في التغاير عن المألوف والسائد ،إذ
دخلت دائرة المتواليات القصصية ،ومنحت الغرائبي والعجائبي
والسحري واألسطوري شارة لدخول مجموعتها الثانية (قافلة العطش)
بقوة أكثر في التحوالت التي أحدثت نقلة نوعية في القص .فـ" في
الوقت الذي يتلبث كثير من الكتاب في (كتاب النص الواحد) في منطقة
فنية وإبداعية واحدة على الرغم من إصدارهم عشرات الكتب في
ينوعون عليهصهم واحدا في كل الكتب ّ حقلهم اإلبداعي ،ليبقى ن ّ
ويعيدون انتاجه ،تجد اآلخرين في الجهة اإلبداعية األخرى يكسرون
في كل كتاب الحق مسق المنجز اإلبداعي في النص السابق،
متجاوزين إياه وعابرين فوقه ،وهؤالء هم صنّاع الجمال القادرون في
كل تجربة كتابية الذهاب الحر إلى منطقة جديدة ،تتمخض عن رؤيته
( ) 1قضايا الرواية الحديثة ،جان ريكاردو ،ترجمة صياح الجهيم ،وزارة الثقافة ،دمشق ،ط.130 :1977 ،1
46
المتطورة في الكتابة على المستويات كافة ،وهم الذين بوسعهم أن
يؤسسوا مشروعا إبداعيا خالقا ،يضيء تجربتهم وتجربة الجيل كامال،
قوة وإقناع"(.)1
ويأتون بالجديد المنتظر بكل ّ
عند الرجوع إلى أرض الحكايا ،نجد أن المجموعوة تكتنوز باللعوب
الترميزي ،والتعبير الغامض ،والتشوفير المتعمود ،والتوظيوف الغرائبوي،
وظي فووي عوووالم شووعالن وهووذه كلهووا جعلووت المجموعووة بووؤرة قابلووة للتشو ّ
القصصووية ،التووي تتخووذ موون التجريووب منطلقووا لهووا فووي التحوووالت النصووية
تشوكيال وتودليال .فيأخوذ التشووكيل المسواحة ذاتهوا فووي التودليل ،منطلقوة موون
الحوب والجسود بوصووفهما حاجوات طبيعيوة لإلنسووان سوواء أكوان ذكوورا أو
أنثى ،بعيدا عن الغرائز والنزوات ،ومجترحة قدسية للحوب بكول أنواعوه
وتفاصوووويله علووووى الوووورغم موووون اختراقهووووا لحجووووب الممنوعووووات ،فتهتووووك
المحظوووور ،وتتجووواوز المحوووذور ،وتجووونح للخرافوووة والسوووحر والجنوووون؛
ليكون هذا الجنوح بمثابة تورية اضطرارية ،تمرر عبرها موا لوديها مون
مشاكسووات تفضووح بهووا الواقووع المتووردي والبووائس ،وتعو ّوري الممارسووات
الوحشية التي يقوم بها اإلنسان أو المجتمع .فالحوبّ قضويتها الكبورى فوي
الحياة ،وفي ك ّل مجموعاتها القصصية ،وتجاربهوا اإلبداعيوة ،وهوو حوبّ
الرجوول والموورأة ليحتوووي عمووالق يتجوواوز المفوواهيم الضوويقة للعالقووة بووين ّ
البشوورية جمعوواء بك و ّل تفاصوويله .فهووي توودين ك و ّل التقاليوود والعووادات الباليووة
التي تنتصر للرجل وتدوس المورأة بكو ّل شوكل وألقوبح الوذّرائع ثوم تسو ّمي
() 2
جرائهما باسم واحد أبعد ما يكون عن الحقيقة وهو اسم “شرف”.
إن القاصة قد اهتمت منذ بوداياتها بموضووع (الحوب) وكلموا كانوت
وتنووع فوي
ّ تعود إلى ذلك الموضوع في قصصها الالحقوة ،كانوت تجودد
(كيفية) تنواول الموضووع ،ال فوي مواذا (يقوول) الموضووع .بهوذه الرؤيوة
الفنيووووة جعلووووت القاصووووة موضوووووع الحووووب ،مختلووووف بتجلياتووووه ،متمووووردا
بتمظهراته ،ومغايرا بتمثالته ،ويشكل فوي مجمووع قصصوها الموضووع
( )1أنماط الشخصية المؤسطرة ،فرج ياسين ،دار الشؤون الثقافية العامة ،بغداد19 :2010 ،
( )2أنماط الشخصية المؤسطرة ،فرج ياسين ،دار الشؤون الثقافية العامة ،بغداد19 :2010 ،
47
المركوز ،وعدّتووه منبووع الجمووال الخووالص الووذي كووان يسووتوقفها دائمووا .ومووا
يسوووتوقفنا هوووو متابعوووة (الكيوووف) الوووذي عبووورت بوووه القاصوووة عووون مادتهوووا
القصصية؛ لكشف بعض التحوالت في أسلوبها الفني.
هكذا ف ّعلت القاصة الحب في (أرض الحكايا) ( .)1وأخذتنا إلى
عالم الدهشة واإلثارة ،وتوغلت في الواقع المعيش اجتماعيا ونفسيا؛
كي ترينا كيف تفاعلت عذابات اإلنسان ،وحرمانه من أبسط حاجاته
األساسية .وعلى أساس كل ما تقدم ،يمكننا أن نعد مجموعتها (أرض
الحكايا) بوصفها أول كتاب قصصي ،ذو أهمية بالغة " ألنه يكشف عن
جوهر الفاعلية اإلبداعية المكتنزة في خطابه في أول شروع بتمظهر
الخطاب ،ومن مالمح هذا الكتاب تتوضّح مالمح حساسيته ،وأفق
رؤيته ،وقدرته على إقناع القارئ ،بأنه يحمل بين طياته مشروعا
مغايرا" ( .)2ولكننا سنركز فيه – أي كتابها األول -على المتواليات
القصصية التي قاربناها في الفصل الثالث ،بينما سنقارب التحوالت
التحول في مجموعتها
ّ عند شعالن فيما يخص العجائبية ومرتكزات
(قافلة العطش) التي تعد أكثر نضجا وثراء في تقنيات التشكيل ،فضال
عن ترسيخ جدلية الحب والحرمان بفاعلية أكثر.
إن التحوالت النصية في مجموعتها (قافلة العطوش) تونهض علوى
المغووايرة التووي اعتموودتها فووي تجوواوز القووص الووواقعي ،وتوظيووف كوول موون
العجائبي والغرائبي واألسطوري والسحري في القص الالواقعي؛ وهوذا
مووا دعاهووا إلووى التركيووز علووى شوواعرية اللغووة ،وتكثيووف األحووداث ،وتوورك
نهايات القصص مفتوحة .وهي بهوذا الفعول القصصوي كانوت تسوعى إلوى
( ) 1أرض الحكايا ،سناء الشعالن ،نادي الجسرة الثقافي واالجتماعي ،قطر.2005 ،
48
تجوواوز فضوواء االنكسووارات والهووزائم التووي تنتوواب شووخوص قصصووها،
وتنقلهم إلى فضاء التحدي واالنتصار.
في قصة (الفزاعوة) تودور األحوداث فوي مزرعوة ريفيوة ،فوي سورد
يعتموود الضوومير الغائووب ،إذ تصوونع صوواحبة حقوول الفراولووة فزاعووة موون
مالبوووس رثوووة ،وقبعوووة فيهوووا خووورق كبيووور ،وقووودمين خشوووبيتين ،وعينوووين
ملونتين ،وفم مخاط على عجل ،وبدون أذنين ،وقلب من القش ،وخصور
نحيووول ،وكوووأن القاصوووة تريووود بهوووذا الصووونيع اليووودوي لفوووت انتباهنوووا إلوووى
العجووائبي فووي تشووكيل هووذه الفزاعووة بوصووفه (رجووال) سيعشووق صوواحبة
الحقوول بعوود أن يخلووص فووي عملووه (إخافووة الطيووور وإبعادهووا عوون الحقوول)
ويراقب الفتاة التوي صونعته ،ويغورق باللوذة وهوو يستنشوق رائحوة عرقهوا
عندما ألبسته ثوبها البالي .لكنهوا بعود أن تلقوي نظورة عجلوى الثووب الوذي
يلبسه تقول " :يا له من ثوب قديم! ال تحزن يا عزيزي ،غدا أصننع لن
ثوبا آخر يليق ب ،وبجهودك التي تبذلها"). (1
ثووم تضوويف القاصووة بعوودا عجائبيووا آخوور علووى القصووة عوودا األنسوونة التووي
موورت علينووا فووي استنشوواق رائحتهووا ،ويتجلووى هووذا البعوود فووي (مغووادرة )
التربة التوي نصوبته فيهوا ،و(الغيورة) التوي انتابتوه وهوو يشواهد شوابا يوأتي
لزيووارة الفتوواة فووي الحقوول ،بعوود أن هيووأت نفسووها السووتقباله ،وكأنهووا فووي
عرس ،فبعد رقصا معا ،وهو يراقبهما ،يعلو فجوأة صوراخهما وينسوحب
الشوواب ،فترتمووي الفتوواة علووى أريكووة قريبووة منهووا ،وتنتحووب ببكوواء حووار،
فيسووتجيب الرجوول (الفزاعووة) إلووى وجيووب قلبووه ،يترجوول ،ويوودخل الكوووخ
الذي فيه الفتاة:
"راقبهما طويال من مكانه ،تناوال من طعنا العانا ،وعز نا معنا
مننننن جدينننند ،ثننننم راقصننننها علننننق أنغننننا موتننننيقق المسننننجل تعالق
صراخهما ،وبدا أن نارا تاتعل بينهما ،ثم غادر المكان غاضبا ،وصن ّ
الباب بقوة كادت تخلعه ،ارتمن ببيبتنه علنق أريكنة قريبنة منن البناب،
وانخرطن ي البكا ،كان صوت بكائها ال يقل جماال وتنثثيرا ني نفسنه
عن صوت غنائهنا ،قندّر أنهنا بزيننة جندا ،و ني باجنة قلنق قلنه يحبّهنا
باندّة ،لقلبننه مننثال ،كنناد يناديهننا مننن مكانننه ليسننثلها عننن تننبه بزنهننا،
( )1قافلة العطش ،سناء الشعالن ،الوراق للنشر والتوزيع.28 :2006 ،
49
ولكنه تنذكّر أننه ال يعنرس اتنمها ،هنو لنم يسنمع أبندا يناديهنا باتنمها
من قبل بتق يعر ه ،كّر قليال ،ثم اتتجاب قلق وجيه قلبه ،تر ّجل عنن
مكانه ،وقطع الحقل الصغير ،داس دون أن يقصد علنق ببّنات الفراولنة
الحمرا ،لم يقرع الباب ،حه دون انتظار ،ودخل قلق الكوخ" ). (1
إن هووذا االشووتغال العجووائبي أفضووى علووى القصووة بعوودا تشووكيليا مغووايرا،
عبور المبالغووة فووي تصوووير (الفزاعووة) وأفعالهووا الالمعقولووة ،وهووذا بوودوره
سيمنح القارئ بعدا تدليليا ،يختلف من قارئ آلخور .ويبودو أن االسوتالب
والظلم والقهر الذي طال الواقع العربي – والمرأة جزء منه – هو الوذي
دعا سناء شعالن ،كغيرها من الكتّواب والكاتبوات إلوى توظيوف العجوائبي
وروع الووذي نعيشووه بكوول تفاصوويله ،كووان
فووي القصووة القصوويرة .فووالواقع المو ّ
سببا في هذا االشتغال.
وتتشاكل قصة (امرأة استثنائية) مع قصة (فزاعة) في أنسنة الجمادات،
والنهوض على األحداث العجائبية ،فبعد أن تنادي الفتاة ذات القامة
القصيرة حد التقزم ،والمشوهة المالمح على الرجال ،بأنها موهوبة،
لدرجة أنها قادرة على بعث السعادة في القلوب الميتة ،وهذه إشارة إلى
(التمثال) الذي تحرره من عالمه الحجري ،فيقترب منها ،ويتحول إلى
شاب من لحم ودم:
" يقترب التمثال الصخري الذي ق ّد لتوه من جدار ّية صخرية كبيرة،
تضم تماثيل كثيرة لاباب رومان صغار السن مطوقين بالغار ،نظر
تحول بلحظات من تمثال ّ قليها بعينيه اللتين الحياة لتوهما ،قد
صخري ي جدارية صخرية ثالثية األبعاد ،تسكن وتط المدينة
القديمة من آالس السنوات قلق شاب من لح ود وربما قله من
يدري"). (2
يبتسم التمثال ثم يطبع قبلة على جبينها ،ويردد كلمة (أحبك) ،ثم
يركع عند قدميها ،ويتناول جسدها الصغير بين يديه ،ويدور بها بين
السواح وهو يقبلها ،ولكن فجأة يعود التمثال إلى مكانه ،وتذهب هي
50
بكل انكساراتها إلى فراشها الحقير .ثم تعود في اليوم الثاني ،وتكلم
صورة في جدار ،وتخبره بأنها (امرأة استثنائية) وقادرة على فعل ما لم
تستطع أي امرأة فعله إال إذا كانت استثنائية مثلها ،فتعيش يوما رائعا
وهي سعيدة بعد أن يتحول الشاب الذي في الصورة إلى عاشق آخر
يمر بحياتها البائسة:
ّ
" ي الصباح تتثمل ي صورة لفتق وتيم ،كان قد علّق علق لوبة
قديمة ي آخر الموقف المهجور ،تم ّن أن يكون بقيقة ،اقترب من
صورته ،وهمس بدس ،وكل به الدنيا قائلة :أنا امرأة قادرة علق
تحرير المثتورين من أترهم ،قادرة علق أن ترتم االرتعاش علق
الافاه الميتة ،قادرة علق أن تبعث الحياة ي القلوب الميتة ،أنا امرأة
اتتثنائية ،اقترب مني ومن جديد دبّ الحياة ي الفتق الصورة،
ومرة أخرى عاش قصة به رائعة ليو طويل مع شاب اتن ،تجاوز
جسدها وتجاعيدها"). (1
إن سعة خيال القاصة وتصويرها لألشكال المختلفة عبر توظيفها
للعجائبي عمال على تقوية عملية القص وجذب القارئ إليه ،وهنا
تحررت من التقنيات التقليدية ،وسعت إلى انوجاد عالم متخيل بأسلوب
يتوافق مع األحداث الواقعية وفوق الواقعية ،التي تداخلت فيما بينها من
أجل خلق الحيرة والتردد والدهشة وتغيير مسار القص؛ إلمتاع القارئ
ونقله من عالم مألوف وواضح وبسيط إلى عالم غامض ومعقد
ويتجاوز حدود األلفة .وقد أرادت القاصة بهذا التعالق بين الواقعية
الراهنة ،والمتخيّلة المفترضة ،فضح الواقع المتردي الذي تعيشه
المرأة ،والمتمثل بالحرمان والعطش واالستالب الروحي الذي تعاني
منه.
وتنعكس الشخصية في قصوة (زاجور المطور) إذ يصويب الحرموان
في هذه القصة شابا وليس فتواة كموا فوي القصوتين السوابقتين ،ولوه موهبوة
اسووتثنائية أيضووا ،وقوود تركووزت فووي توقووع قوودوم المطوور وعدمووه ،تيوتّم منووذ
بداية حياته ،فتزوجت أمه وتركته لزوجة عمه التي كانت تلقبوه بوـ(أجود
51
الهبيلووة) ،لووم يكموول دراسووته علووى الوورغم موون معدلووه العووالي فووي الثانويووة
العامووة ،%85رحوول الشوواب إلووى المدينووة ،فموهبتووه لووم تعوود تنفعووه ؛ ألن
المطر ال يعني للناس شويئا ،مثلموا يعنوي الفالحوين ،يحصول علوى وظيفوة
موزع صحف يومية ،بتوصية من إحدى الرئيسات المسنات في منظموة
المشواريع الصوغيرة التوي أبودت إعجابووا بتكوور فخذيوه ،واتسواق اعضووائه
السفلى ( وهنا تشوير القاصوة إلوى الحرموان الوذي موا توزال المورأة تعواني
منه ،وفي كل مراحل عمرها) وبتوصية منها كذلك حصول علوى دراجوة
هوائية قديمة لنقل الصحف ،ولكن نتيجة الجهد والتعب كوان يمنّوي نفسوه
لو تتحول الدراجة إلى سيارة ،ولكن لن يحصل هذا ،فهو صبي الجرائود
ويبقى .كما كوان يمنوي نفسوه بابتسوامة عوابرة مون فتواة ،ولوم يحصول هوذا
أيضووا ،وفووي يوووم موون األيووام افتووتح متجوور للثيوواب النسووائية ،وكووان فووي
واجهتوووه الزجاجيوووة (فتووواة) العووورض البالسوووتيكية التوووي يهووويم بجمالهوووا،
وتسور
ّ فيحادثها ويبادلها الحب كل يوم ،وتحدّثه عن عالمهوا البالسوتكي
له بأمنياتها ،وتحزن على حياته ،ويتفقان على الزواج ،فيُتهم بوالجنون ،
ويوورفض صوواحب المتجوور إيصووال باقووة ورد موون الشوواب إلووى معشوووقته
البالستيكية ،فيتأزم وضع الشاب النفسي ،ولم يعد يحتمل السكوت وهوو
واقووع تحووت نووار الغيوورة جووراء مشوواهدة الرجووال لهووا موون وراء الزجوواج ،
فيخترق الزجاج بحركة جنونية ،وتنتهي القصة بابتسامة فرح غريبة:
" ي المسنا كانن المديننة غارقنة ني أمطنار عجيبنة اجتابتهنا
ننني غينننر موتنننمها ،ث سننندت كنننل شننني ،وأعاقننن الحركنننة ،ومنعننن
الجميننع قال قلننة مننن بضننور جنننازة زاجننر المطننر الننذي مننات قثننر بالننة
جنون مفاجئنة د عتنه و نق تقرينر الطبينه الانرعي قلنق اختنرا جندار
يعن أبد المايعين نفسنه زجاجي ،كان علق شفتيه ابتسامة غريبة ،لم ّ
ترها ،ال أبد يبالي بابتسامة زاجر مطر مسكين" ). (1 ّ ي
في هذا الفضاء المشبع بالعجائبية ،تسوعى القاصوة إلوى خلوق تووازن
نفسي ،يضمن التآلف بين سكونية الواقعي وحركية الالواقعي ،مون أجول
تعرية الدوافع التي تدفع اإلنسان إلى مثل هذه األفعال ،ومنهوا الحرموان،
فالشاب في هذه الشخصية ال يعاني من حرمان واحد ،بل مون حرمانوات
52
كثيرة منها( :األب ،الدراسة ،الزوجة) .كما ال يعواني الشواب وحوده فوي
القصووة موون الحرمووان ،فالسوويدة التووي أوصووت بتعيينووه محرومووة أيضووا،
وحرمانها هو الذي دفعها إلى اشتهائه واإلشفاق عليه ،ولكن تبقوى نهايوة
هذه القصة من أغرب االشتغاالت في قصوص سوناء شوعالن ،إذ جمعوت
المطوور فووي موقفووه السوولبي ،واالبتسووامة الغريبووة فووي موقفهووا اإليجووابي،
وموووت زاجوور المطوور (التوسووط بووين السوولب واإليجوواب) .هووذه األفعووال
الثالثوة هووي التووي جسوودت فاعليووة هووذه القصووة فووي توظيووف المرونووة التووي
تنماز بها القصة القصيرة ،بوصفها أكثر الفنون استعدادا لتقبل التجريب
الذي يقود إلى التحوالت.
53
وإذا كان كل من التحدي واإلصرار على الفوز بما تريد تلك المرأة
التي حرمت من زوجها يشكل غرائبية نوعا ما ،فإن روح زوجهوا التوي
تخترق جسدها تشكل العجائبية التي اعتمدت عليها القاصوة فوي توصويل
داللة القضاء على الحرمان في مجتمع قاس ،ال يهمه سوى العيش علوى
أرواح اآلخورين .وهنووا فعّلووت القاصووة تحوووالت القووص عبوور التحووول موون
مكوناتوه الواقعيوة للونص ،إلوى المكونوات العجائبيوة للونص ،ولوو تتواح لنوا
فرصة أخورى فوي تحليول القصوة لوحودها ،وكشوف عتماتهوا ،واستشوفاف
الدوافع الخاصة بالقاصوة ،لوجودنا كوم أثّور الحرموان علوى شوخوص هوذه
وحولهم من أناس عاديين ،إلى عجائبيين ال يستوعبون الواقع القصصّ ،
العادي ،وال هو يستوعبهم ،فال مصير لهم سووى الوزوال بوأي شوكل مون
األشكال ،وإن بقي أحدهم حيا ،فتكتب عليه لعنة اإلنتظار.
وتتكرر العجائبية في قصة (الجسد) عبر عالقة تعلق بنطال كتاني
عتيد بجسد صاحبه ،وعبر األنسنة التي كثيرا ما وظفتها القاصة في
قصصها ،تتقدم العجائبية في كل األفعال اإلنسانية التي يفعلها ذلك
البط ال ،الذي ما زال يتعشق رائحة عرق الجسد الذي طالما حظنه حد
االلتصاق ،وحين كان يفارقه في الليل كان ينتظره بشهوة ليعود إليه
ويرتديه ثانية .فالبنطال يحدث نفسه ،يتذكر الزمن الجميل ،يئن تحت
وطأة مواجع الحاضر ،يتقلب شوقا إلى الجسد المشتهى ،ويحن إلى
الغائب الذي هجره:
"بات يعيش علق ذكرى ذل الخصر األهيف الذي طالما باصره
بكبريا وقثارة ،كان ذل من تنوات طويلة ،لكنه بتق اآلن ال زال
يتعاّق رائحة عر الجسد الذي طالما بضنه بد االلتصا ،ورا قه
ي كل مكان"). (1
هكذا نلفي أنفسنا أمام بنطال يمتلك إحساسا ً عارماً ،ورؤية جمالية،
ولمسات فنية تميزه ،حتى لنخاله كائنا إنسانيا حياً :يشعر ويحس،
ويتمنى ويقارن( ...ياعر البنطال بثن قر ه قد تضاعف يايح بنظراته
54
عن القميص الذي مازال يثرثر ،يبتعد ليحلم بجسد ياتريه من تو
النخاتة)(.)1
فاألفعال (يشعر ،يشيح ،يثرثر ،يحلم ،يشتريه) التي يفعلها كل من
البنطال والقميص ،هي أفعال حسية من أفعال اإلنسان ،عمدت القاصة
فيها إلى أنسنة الفضاء القصصي ،وإضفاء طابع التغريب عليه من
جهة ،والتعجب من جهة أخرى .وهنا ضخت القاصة في هذين
الجمادين (البنطال والقميص) أنساغا إنسانية ،فهما يتحركان ويمارسان
أعمال اإلنسان بانسيابية عالية تبقى عالقة في ذهن المتلقي ،وكأنها
قالت لهما :كونا فكانا .وقد أرادت القاصة من ذلك تحوال قصصيا،
يشمل منظومات فكرية تنحو نحوا رمزيا وإحاليا؛ بهدف استخالص
موقف ما ،أو رؤية ما عبر هذا التعالق بين األشياء واإلنسان ،فضال
عن سحب المتلقي إلى منطقة التدليالت المتعددة .هذه القصة العجائبية
هي صرخة عالية جدا بوجه الحرمان الذي يفرضه الرجل على المرأة
عندما يتخلى عنها ،بعد أن تسرقها سنوات العمر وتسلبها جمالها
وحيويتها.
وهكذا تخلخل سناء شعالن اشتراطات القص ،وتعمل على تفعيل
حركية الواقع بطريقة عجائبية مثيرة ،إذ تمكنت في هذه القصص من
إدارة دفة التعالق بين مكونات التركيب النصي للوصف ،وتفعيل دور
المكون الداللي للمفردات والجمل الوصفية التي يمكن استكناه دالالتها
عبر عالقاتها على مستوى البنية النصية والتركيبية ،والسيما داللة
الخطاب الوصفي في أغلب القصص؛ وذلك اعتمادا على المقاصد
النصية وما يحتويه الخطاب من جماليات وإحاالت متنوعة ،.ثم تقحمنا
في الذي العجائبي الذي يسهم إسهاما فاعال في تشكيل البناء السردي
في أغلب قصصها التي تتسم بالخيال والتصوير الفني الجمالي عبر
توظيفها لألشكال المختلفة وهي تتجاوز الواقعي إلى العجائبي.
إنها بهذا الفعل تغادر القاصة التقنيات التقليدية وتلجأ إلى كل ما
يتماشى مع القص الحداثي ،فضال عن اهتمامها باالشراطات الفنية التي
( )1
المصدر نفسه.125:
55
تثري عملية القص ،فتقوم بجذب القارئ الى الشخوص الحائرة
والمترددة وال مدهشة ،التي تؤثر على عملية تغيير القص ،فضال عن
االهتمام باألزمنة في مفارقاتها االسترجاعية واالستباقية ،وعدّها زمنا
مجهوال ،يضفى عجائبيّة متفردة على األحداث ،كما شكل االهتمام
باألمكنة ،الموزعة بين الواقعية والوهمية ،وسطوتها في حموالتها
التاريخية المعرفية والثقافية ،وارتباطها ببعدها الوجداني ،ودورها
سدت الفعّال في رسم األحداث ،هاجسا كتابيا عند شعالن ،إذ ج ّ
إحساسها المرهف بالمكان عبر ربطه ببقية عناصر البنية السردية.
وتبقى النهايات المفتوحة للقارئ أهم ميزة في اإلقفال النصي؛ لكي
يضع النهاية التي يشكل التدليل حضورها لديه.
ولكي نتابع تحوالت القص عند شعالن ،ال بد من اإلشارة إلى أنه
كلما كانت تتقادم تجربتها القصصية ،كانت مغامرتها في اإلبداع
القصصي تزداد تحوال .وفي مجموعتها
سخ وجوده في توظيف (تقاسيم الفلسطيني)) . (1نجد هذا التحول قد ر ّ
االنزياح النوعي الذي تكلمنا عنه في مجموعات سابقة عبر (المتواليات
القصصية) فضال عن توظيف العجائبي .ففي قصة (المؤذن) يغادر
جسد هذا المؤذن الحياة على أيدي الصهاينة ،ولكن روحه تبقى تمارس
عملها اليومي كالمعتاد ،وتعد مثل هذه األفعال التي تتنافى مع منطق
الواقع تجاوز عقليا:
"غادرت جسده علق يسر ،وأترع قلق المثذنة ،ور ع
اآلذان ي وقته ،صدح صوت المؤذن ي تما مدينة الخليل مودعا
بدعة جسده الذي غادر قلق البعيد مكوما ً ي مجنزرة صهيونية" ). (2
هذا الفعل العجائبي الذي تجسد عبر مغادرة الروح الجسد،
وقيامها بالفعل اإلنساني كما لو كان الرجل حيا ،أسهم في خلخلة
( ) 1تقاسيم الفلسطيني ،سناء الشعالن ،منشورات أمواج للنشر والتوزيع ،عمان -األردن ،ط.2015 ،1
56
القص ،وانقطاعه عن التواصل المألوف ،فامتزج الواقعي بالالواقعي،
لتظهر لنا كيفية مغادرة الثوابت ،واعتماد المغايرة النصية وعيا جديدا
في إمكانية تحديد طبيعة القص.
أما في قصة (المعجزة) فجاءت األفعال فيها غرائبية وعجائبية
في آن واحد:
" بطون النسا الفلسطينيات كلها أكن صبايا أ ي منتصف
الاباب أ ي شرخه تعج بتوائم أربعة أو خمسة أو تتة ،بتق
النسا اللواتي لم يتزوجن أو يمسهن بار أو عواقر تحرك
أربامهن باألجنة المعلنة وجودها بحركات عنيفة صارخة"). (1
وهنا ينفتح القص على أكثر من تأويل ،وال ينبغي اختزال المسافة
بين النص والقارئ ،فما يهمنا هو التوتر الذي حل محل السكينة في
الحمل المألوف ،فاستعانت القاصة بحركية النص؛ الحتواء ما ال يمكن
أن تحتويه بنية القص المألوفة ،وقد فعّلت المخيلة زحزحة الواقع
بدخول العنصر العجائبي في القص.
وفي قصة(شجرة) :تؤنسن القاصة األفعال التي تقوم بها
الشجرة ،ويمكننا عد هذه األنسنة نوعا من أنواع العجائبية التي
وظفتها القاصة في هذه المجموعة ،إذ تعمل القاصة عبر توظيف
األنسنة على تفعيل الم ّخيلة ،وتوسيع آفاق التلقي ،بوصفها شكال من
أشكال عولمة المأزق اإلنساني بكل تشعباتها إن جاز التعبير ،
ومنحها للجمادات؛ كي تشارك اإلنسان مآزقه .وعلى هذا األساس
نجد أنفسنا في قصص شعالن أمام جمادات تتحرك وتحس ،تنفعل
سعت القاصة هنا من وتتفاعل ،تتألم وتفرح ،تكره وتحب .وقد و ّ
فضاءات األنسنة ،لتشمل الشجر الذي أصبح يمتلك قامة وقدا ً من
جهة ،وحركة وحياة من جهة أخرى .وهي بهذا توظف عناصر
وأشكال وعالمات ترمز إلى الذكورة واألنوثة عبر سرد الوقائع
واألحداث ،فاألشجار -من وجهة نظر القاصة -تملك هي األخرى
( )1المصدر نفسه.19 :
57
حكايات وسيرا ومالحم وآماال وانكسارات ،فهي تحافظ على عشقها،
وتخلص لمحبوبها مهما كان الثمن:
"...الاجرة الكبير العمالقة اتتنجدت بثثيرها الحاجة ( ريدة)
التي هرول قليها علق الرغم من كبر تنها ،وغطتها بمال ة رأتها،
أخذتها قلق بضنها ،وشدتها قلق عظامها بتق كادت تنغرز يها ،قال
أن هذه الاجرة قد ر ض أن تُغتال ،هرب النّاجون القليلون من ّ
الصهاينة من وجه هذه الاجرة الفدائية ،ور ضوا أن يعدوا من جديد
قلق بيث تنتصه الاجرة الفلسطينية المقالة" ). (1
لقد فعّلت القاصة هنا أنسنة األشياء عبر تفعيل المجاز ،وإعطاء
الصفات اإلنسانية لألشياء .عبر توظف االستعارات المكنية لتؤنسن
بها االشياء ،خالعة الصفة االنسانية على الجمادات ،لمنح القص طاقة
فاعلة باتجاه الحياة ،فضال عن المغايرة في التعبير ،ترافقها تقانة
ال مفارقة التي دفعت تحوالت القص نحو اللعب والمراوغة والخلخلة
بشكل أكثر جماال ومتعة .فاستطاعت القاصة الغوص في أعماق النفس
اإلنسانية ،وبعث الحياة في تلك األشياء ،وعلى هذا األساس جاءت
شخوص أغلب قصصها بشخصياتها قريبة من
المتخيل الواسع األفق ،وهي تضيف إلى ممكناتها القصصية رؤى
فنية منزاحة عما هو قار وسائد ،إذ جاءت الشخوص التي أخذت
أشكاال وصورا مختلفة في تداخل بين الخارق والعادي ،األسطوري
والمعاصر ،وتعد هذه االستعارات المتنافرة في نسيجها القصصي
وعيا بصنيعها الفني الذي ش ّكل قيمة جمالية مضافة إلى ما قدمته
سابقا ،وتحوال قصصيا واضحا إذا ما قارناه بأسلوب قصصها السابقة.
وفي قصة (إسعاف) تص ّعد القاصة من توظيف الخارق في
قصصها ،وذلك لخلق الموازنة بين هول الجرائم الي ترتكب من قبل
الصهاينة ،وجنون التوظيف التي اتخذته مغامرة في تحوالت قصها
القصير:
58
"قذيفة هوجا عتية اقتلع رأته من و جسده ،تطاير
الرأس بعيدا غير آبه بآال التدبرج علق بصق ماتعلة ،أما الجسد
اتتمر يقود تيارة اإلتعاس بإصرار وشجاعة ليوصل المصابين قلق
أقرب مستافق لسطيني" ). (1
وال تكتفي القاصة بالحديث عن خوارق األحياء قبل أن يموتوا،
بل نجدها تحدثنا عن األموات وما يقومون به من أفعال ،ففي قصة
(مقبرة) تتخلى القاصة عن إعطاء األفعال الخارقة لألحياء ،وتمنحها
لألموات يقومون بها ،فيحدث في هذه القصة صراعا بين األموات
وقوات االحتالل الصهيوني:
" قرر العدو الصهيوني أن يجرس المقبرة بعد تمايطها ألجل
أن يبنق أكبر مستوطنة ي لسطين المحتلة ي الليل ومع هدأة
الرقاد اتتيقظ الهياكل المطرودة من قبورها ،ولبس أكفانها،
وهاجم أعدا ها"). (2
تسعى القاصة في هذا الوظيف العجائبي إلى بيان مدى القسوة
والظلم الذي يمارسه المحتل الصهيوني على الفلسطينيين ،إلى الحد
الذي ال تتحمل رفات الميت أفعالهم الممقوتة ،فنهضت تلم الرفات
وتقاتل ببسالة؛ لخلق التوازن الذي تكلمنا عنه قبل قليل .فاألفعال
الخارقة تجيء إلنقاذ الفلسطيني من معضلة ال يقدر أن يتجاوزها أو
يتخطاها ،فاألسرى في سجون االحتالل (رجال ونساء) تضيق عليهم
جدارن الزنزانة ،وهنا ال بد من إيجاد مخرج ،لهذا السجن.
أما في قصة (حليب) فتتجلى األفعال الخارقة في فعل تقوم به أم
أسيرة بإرضاع الحليب لطفلها:
59
" تخرج ثديها من داخل ثوب تجنها الفضفاض القذر ،وتفكر
بابنها الرضيع ،يندلق الحليه من صدرها ي م ابنها علق الرغم من
البعاد ،ترضعه بتق يابع وبينهما صحرا وتجن وجنود وكالب!"
).(1
في هذا الفعل العجائبي تتخضخض الثوابت المعيارية لعملية
إرضاع الطفل بشكلها المألوف ،وكأن القص األكثر واقعية يتشكل
بطرق غير واقعية). (2
وفي قصة (قلب) ترفض األعضاء المسروقة من الشهداء ،التي يتم
زرعها للصهاينة ،التجانس مع أجسادهم وعقولهم وتصرفاهم :
" تثل (الجنرال) أخاه بقلق :باروخ ،أخي الحبيه ،هل أن بخير؟
أجاب الااب الصهيوني بدهاة واتتنكار لما تمع من كال :أنا
باروخ ،أنا جميل الخليلي ،لماذا أنا هنا؟ من أنتم؟ علي أن أغادر هذا
المكان ألذهه للصالة ي الحر اإلبراهيمي"). (3
( ) 2هسهسة اللغة ،روالن بارت ،ترجمة :منذر عياشي ،مركز االنماء الحضار ،حلب ،ط.217 :1999 ،1
60
وفي قصة (الرسام) تشتغل العجائبية على تجاوز الحرمان،
والوصول إلى الحلم الذي راود الفنان الفلسطيني المه ّجر كثيرا:
"لقد رتم طوال عمره لوبات لوطنه لسطين ،لكنه لم يرتم
ي أي يو مضق بابا يؤدي قلق وطنه مع طلوع الامس أنهق رتم
اللوبة ،كان لوبة باب كبير مطو بثشجار الياتمين البري
ارق روبه جسده بدعة ،،وداعبته مودعة بنقر أصابعه التي لم
تنف تمس رياة رتمه ،و تح الباب المرتو ي اللوبة ،ودلف
قلق لسطين لتحقق بلمه الوبيد بالعودة قلق وطنه ،ثم اقفل الباب
خلفها" ). (1
فالرسام يقوم بعمل عجائبي وهو الخروج من باب اللوحة الذي
رسمه ليعود إلى فلسطين ،وعبر هذا العمل العجيب استطاع الرسام من
الدخول إلى فلسطين .وهنا سعت القاصة إلى توظيف إمكانات القص
الحداثي عبر خلق بلبلة في الوعي القائم بإنشاء واقع افتراضي ،يقود
الحراك القصصي إلى المغايرة والمغادرة والمفارقة للواقع.
ولكن في قصة (قارورة) تشتغل القاصة على أقوى توظيف
عجائبي في هذه المجموعة ،ويتمثل في فكرة تتجاوز التفكير العقلي ،إذ
تسطيع الذات الساردة توصيل جثمان الفلسطيني (األب) إلى وطنه
األصلي ،عبر حرقه من قبل ابنته ،ووضعه في قارورة ،وبعد زيارتها
لفلسطين وجلب القارورة معها ،تعمل على دفنها ،فتحقق وصية أبيها
في دفن جثمانه في فلسطين:.
"أبرق جسده ي محرقة الموتق معتذرة له عن ذل لجالل الغاية،
ودت رماده ي قارورة ،وتا رت قلق لسطين ي قا لة تيابية
أوروبية ،واغتنم أول رصة لد ن رماد القارورة ي تراب لسطين
عاد والدها قلق تراب وطنه رغم أنف الصهاينة"). (2
61
إن االحتالل الصهيوني هو السيد على األرض ،ويفعل كل ما
يريده ،دون قدرة الفلسطيني على فعل أي شيء؛ ألنه ال يملك القوة
الرادعة لهذا االحتالل؛ وعليه ال بد من خلق توازن بين العالمين عبر
العجائبية كما في قصة (ثوب) إذ تف ّعلها القاصة إلى ما يشبه الحلول،
فكل من يرتدي الثوب الفلسطيني يصبح فلسطينا في كل ما يخصه ،
فعندما ترتدي المرأة الصهيونية الثوب الفلسطيني المطرز بعد سرقته
بالقوة:
"تصيبها بمرض عجيه ،كلما لبستها شعرت بثنها لسطينية،
وترت ي جسدها قاعريرة الغضه علق العدو الصهيوني ،وانتابتها
بمق الهتاس بجملة " لسطين برة"). (1
وفي قصة (الريح والكالب) نجد إن العجائبية تعيد القاصة التوازن مرة
أخرى بين الوجع الفلسطيني المثمثل باإلبادة الوحشية ،واألمل بالعودة
إلى الوطن من جديد:
" مثلوا بثجسادهم ،أبرقوا جماجمهم ،طحنوا عظامهم ،نثروا
رمادهم ي مهه الريح تخرت الريح من نبابهم األجش ،وللم
رماد الفلسطينيين الذي بعثرته نسائمها ،وعجنته بما الخلود،
ونفخ يه ،بعث الفلسطينيون مرة أخرى ينسلون من طائر ينييق
ال يموت أبدا ً" ). (2
وبقدر اشتغال القاصة على العجائبية في هذه القصة (الريح
والكالب) نجدها قد اشتغلت على األسطرة أيضا ،فقد أخذت ردا ً مجنونا ً
يتناسب وحجم المجازر الوحشية التي قام بها المحتل بحق الفلسطينيين،
إذ تقوم الريح بجمع الرماد لتعيد إليه الحياة ،ويبدو أن هناك تناص بين
هذه القصة والملحمة الكنعانية (بعل) التي يتجدد فيها الصراع األبدي
62
بين (الموت) و(بعل) فمهما يحاول الموت أن ينهي وجود بعل ،ال
يستطيع؛ النبعاثه من جديد ،وإعادة الحياة إلى األرض في كل انبعاث.
نستنتج مما سبق أن العجائبي يوصفه " شكال من أشكال القص،
تعرض فيه الشخصيات بقوانين جديدة ،تعارض قوانين الواقع" ). (1
ش ّكل مرتكزا أساسيا من مرتكزات تحوالت القص ،وقد تحقق ذلك
عبر مزج الواقعي بالعجائبي ،وكأن األمر كما لو كان هذا العجائبي
واقعا .وهذا الصنيع القصصي هو الذي قاد القاصة إلى ارتياد فضاء
التجريب ،والبحث عن المغادرة التي تهدف إلى تجاوز الكتابة
القصصية المتعارف عليها ،وإخضاع المتلقي لمغايرة يقينياته المألوفة
عند تلقي القصة الجديدة .فعلى الرغم من استحضار الفضاء الواقعي،
إال أنها تعمل على خلخلة مكوناته ،وتحويله إلى فضاء عجائبي على
مستوى األبعاد الجمالية والوظائف االجتماعية.
( )2تجنيس العجائبي ،لؤ علي خليل ،مجلة عالمات ،ج( ،)15سبتمبر .391 :2005
63
كما تراوح تصنيف الغرائبي بين الصيغة والحافز والوظيفة
والتقانة والجنس وغيرها( .)1ولكن يبدو من خالل تتبعنا لبعض
المقاربات التي تناولت هذا المفهوم وجدناه ال يشكل جنسا أدبيا قائما
بذاته ،وإنما تقنية يستحضرها الخيال؛ لتعمل داخل القصة وتلونها بقيم
تعبيرية جمالية ،تثري من قيمتها الفنية .ولع َّل دراسة أي مفهوم ،تتطلب
الوقوف بداية على األرضية المعجمية المؤسسة لماهيته ،التي يمكن
بواسطتها الوصول إلى مقاربته بالشكل المفيد .ويعد أكثر دهشة وإثارة
"وأكثر قربا من الواقع ؛ ألنه يتفجر في النص األدبي حال تخليه عن
مواقعه المنطقية ،والدخول في مصيدة شعرية النص على الصعيد
اإلجرائي"( . )2ويعود السبب في ذلك إلى أن " الشيء الغريب هو ما
يأتي من خارج منطقة األلفة ويسترعي النظر بوجوده خارج مقره"(.)3
ويبدو أن كالم فرويد عن األحالم ال يبتعد عن هذا كثيرا ،وهو يتوصل
إلى استنتاج مؤداه " إن الغرائبي ينتمي إلى تلك المجموعة من األشياء
المفزعة ،التي تعيدنا ثانية إلى شيء سبق أن خبرناه ،أو شعرنا به من
قبل ،وقصارى القول ،أن الغرائبي أو الغريب يشيران في الحقيقة إلى
تكرار شيء مألوف جدا ،إال انه مكبوت ،أو بعيد عن االهتمام"(.)4
على أساس من كل ما تقدم فإن الغرائبي يضم ما هو مدهش
وساخر ومفارق ومتجاوز وال معقول وغيرها ،ويستطيع القارئ كشف
هذا الشيء في حال خروجه عن المألوف في التعامل اليومي في العمل
المت ّخيل .والمتخيّل هنا يعني المسافة الفارقة بين عالمي التجربة
(الواقع) والكتابة (ما وراء الواقع) اللذين يشكالن عالم الرؤيا .وتكمن
( )1تجنيس العجائبي ،لؤ علي خليل.486، 384 :
( )2أنماط الشخصية المؤسطرة في القصة العراقية الحديثة ،فرج ياسين ،دار الشؤون الثقافية العامة ،بغداد:2010 ،
.98
( )3األدب والغرابة ،دراسة بنيوية في األدب العربي ،عبد الفتاح كيليطو.60 :
64
شعريته في تشغيل آلية الخيال بين الواقعين .ويعتمد أساسا على قوى
تحولية ،ال الرتباطه بطريقة ما بنظام فوق الطبيعة فحسب ،وإنما
الحتكامه إلى مبدأ الوعي ،و"الوعي بالشيء يعني إعادة ترتيبه ضمن
مجال اإلدراك ،أي تغيير الرؤية إليه مما يكون دافعا إلى تحولية في
مستويات غير مألوفة .)1(".وهذه الالمألوفية هي التي تزيح بالمتخيّل
عن منطقة الجاهزية المألوفة ،إلى منطقة التأسيس الواعي عملية خرق
القوانين الطبيعة ،معتمدا على رؤية الذات للعوالم المحسوسة
والمجردة ،بوصفها موضوعة مركزية في اشتغال المتخيل من
األساس .والتخييل على هذا األساس "أكذوبة تخفي حقيقة عميقة ،إنه
الحياة التي لم تكن ،والتي يتوق إليها المرء دون أن يحصل عليها ،لذا
كان عليه اختالقها عبر المخيلة ،والكلمات من أجل إخماد الطموحات
التي عجزت الحياة الحقيقية عن اشباعها ،ومن أجل ملء الفجوات التي
يكتشفها المرء فيما حوله ،فيحاول مألها بأشباح يصنعها بنفسه ،مبتعدا
عن التاريخ واليومي وباحثا عن الحلم") . (2كما أن الغرائبي يوجه "
القارئ وجهة البحث عن الخارق في النص ،فكان ذلك التوجيه ميثاق
قراءة يربط بين السارد والمسرود له ،ويتواصالن في ضوئه شأنهما
معه شأنهما مع غير هذا الجنس الفرعي في القص .وإذا حضرت
المبالغة في النص كان لها هي أيضا دور في إضفاء طابع الخارق
عليه ،وأساس القبول بهذا الخارق رفض التفسير االستعاري وااللتزام
بالمعنى الحقيقي") . (3وتعد رواية (بيدرو بارامو) مثال اعلى للغرائبية
التي تنأى عن (الفنتازيا) القترابها من عالم اإلنسان ،وإن غامرت
بدخول عوالم مجهولة ،فهي تظل ملتحمة بهمومه وقضاياه).(4
( )1شاعرية الذات في تحوالت فاجعة الماء ،عبد الحفيظ جلولي ،مجلة عمان ،األردن ،ع ( ،)145تموز : 2007
. 65
( )2ينظر :رسائل إلى روائي شاب ،ماريو بارغاس يوسا.13 :
( ) 4الغرائبي في األقصوصة وإشكالية المنهج ،احمد السماو ،مجلة األقالم ،ع ( ،)2آذار – نيسان ،السنة الرابعة
والثالثون.26 :1999 ،
65
في حين أن هناك من جعل الغرائبي والفنتازي ،واألدب
االستيهامي ،والسحري مصطلحات مختلفة تأرجح العجائبي بينها (.)1
وبعد أن عرضنا بعض اآلراء التي استطعنا الحصول عليها،
وجدنا أن القاص الذي تتسم قصصه بالواقعية السحرية يرى في
الالواقعي من خالل الغرائبية الوجه اآلخر للواقع ،الواقع الغائر في
أعماق األنا الفردية والجماعية ،وليس في ما فوق الطبيعي في القص
الفنتازي (العجائبي) فحسب ،ذلك القص الذي يقتحم العالم الخاضع
لهيمنة العقل ،وهنا نعيد رأي الكاتب (فرانز روه) في الواقعية
السحرية ،إذ يرى فيه " إن الغموض ال يحل على العالم المجسد بل
ينبض خبيئا فيما وراءه" (.)2
فووي قصووة (قافلووة العطووش) التووي حملووت المجموعووة هووذا االسووم ،
تتجلووى لنووا الغرائبيووة فووي بقوواء الفتوواة (األسوويرة) فووي القبيلووة التووي غووزت
قبيلتها ،على الرغم من رجوع األسيرات كلهن بعود أن خيوروهن بالبقواء
أو الرجوع ،وتجاوزا لعوادات العورب فوي األسور ،ذهوبن الفتيوات إكراموا
لتلك الفتاة األسيرة ،وبدون أي تعويضات ماليوة ،بعود أن رفضوت الفتواة
أن تنفك من أسرها ،كوي تبقوى فوي قبيلوة حبيبهوا الوذي أسور قلبهوا بعود أن
أسر جسدها:
"كان علق وش أن تعتلي هودجها ،بقبضنته القوينة منعهنا منن
قكمال صعودها ،وقال بمزيد من االنكسار :منن تنتختارين؟ نظنرت ني
عينيه" :أنا عطانق" عطانق كمنا لنم أعطنش ني بيناتي" اقتنرب
ال بدوي األتمر خطوة أخرى منها ،كاد يسمع صهيلها األنثنوي ،وقنال:
() 3
"عطاق قلق ماذا؟" قال بصوت متهدج" :عطاق قلي "
وعلى الرغم من تهديد أبيها لها بقتلها إال أنها:
( )1شعرية المحكي :دراسات في المتخيل السرد العربي ،الدكتور فيصل غاز النعيمي ،دار مجدالو للنشر
والتوزيع.57 :2013 ،
66
" قال بتعه مهر ركض بتق آخر الدنيا :أنا عطاق"(،)1
ولكن الغرابة ال تكمن هنا فحسوب ،وإنموا فوي المفارقوة التوي فعلهوا
الرجال عندما ذبحوا كثيرا من نسائهم خوفوا مون العطوش والهوروب إلوى
واحووات الموواء للالرتووواء ،والغريووب فووي األموور أن الرجووال أنفسووهم كووانوا
عطشى ،وقد اكتشفوا ذلك في المساء ،لكنهم ظلوا مختلفين في سبب وأد
البنات بين الفقر والعار:
" لكننن الرمننال كان ن تعننرس أنهننا مجبننرة علننق ابننتالع ضننحاياها
الناعمنة خو ننا مننن أن ترتننوي يومنا ،كننان مسننموبا للقوا ننل أن تعطننش
وتعطش ،ولهنا أن تمنوت قن أرادت ،لكنن الوينل لمنن يرتنوي ني تنفر
العطش األكبر"(،)2
لقوود أيقنووت القاصووة أنهووا لووو كتبووت هووذا الوونص الصووحراوي دون أن
تضفي عليه غرابة ما ،لظل نصا عاديا ال يرتقوي إلوى المغوايرة بوصوفها
فعال تجريبيا باتجاه تحوالت القوص ،وهوذا موا جعلهوا تسوعى إلوى طغيوان
الخيووال علووى الواقووع ،وبنوواء علووى مووا جوواء فووي التشووكيل القصصووي موون
مغووايرة ،فوووي (البقووواء) مووون جهوووة ،و(الوووأد) مووون جهوووة أخووورى .فجووواءت
الغرائبيووة بمثابوووة تعبيووور موضوووعي عووون إدانوووة الفعوول القبلوووي ،ورفوووض
ألساليبه البشعة ،فضال عن التهكم من واقع ال يقبول التقودم ،وال الحووار،
لتصل القاصة بالقارئ إلى صدمة تلق وخيبة انتظار.
وفوووي قصوووة (سوووبيل الحوريوووات) تتجلوووى الغرائبيوووة فوووي مهنووودس
معماري يتقن فن الرسم ،و(هاجر) المجنونوة التوي تتعورى أموام النواس،
وعالقة الحب التي تحدث بينهما ،ثم تؤول إلى الزواج:
"تسننتهويه بكننل مننا يهننا ،بمالبسننها القننذرة الممزقننة ،بثطرا هننا
المتسخة ،بثظا رها القذرة ،باعرها األشنقر المتطناير بفوضنق مسنح
أي أثنر لتماننيط بنندا نني الننزمن الغننابر ،بنندموعها التنني تننذر ها وهنني
نارة ،بحنناالت الجنننون التنني تنتابهننا ،تجعلهننا تتعننرى مننن تسننتجدي المن ّ
67
مالبسنننها ،وتنصنننه نفسنننها قلهنننة مجنوننننة تنننرقص عارينننة ننني تنننبيل
الحوريات"(.)1
ربما هذه التفاصويل المدهشوة بكول موا فيهوا مون نفوور ظواهر لودينا،
وتقبوول مسووتتر لوودى المهنوودس /الرسووام ،هووي البدايووة التووي سووتقودنا إلووى
الفضاء الغرائبي الذي يعنينا في تحووالت القوص ،وهنوا ال بود مون طورح
تساؤالت تقليدية :موا الجموال؟ وهول هنواك جماليوة للقوبح؟ وهول موا فعلتوه
(هاجر) يدخل في هذه الجمالية؟ ال يهمنا اإلجابات عن هذه األسوئلة الوي
أوردناهووا هنوووا ،بقووودر موووا يهمنوووا تحووول القوووبح جمووواال ،أو الجموووال قبحوووا.
والمهنوودس /الرسووام ذو مهووارتين :األولووى معماريووة ،والثانيووة فنيووة ،فمووا
الذي يدفعه للتعلق بامرأة مجنونة؟:
" ي لحظة كان عارية تماما بجسد بلوري صناس ،وأعضنا
متناتقة منسابة ،لحظها شعر بثنها قلهنة مسنحورة ،ينفن تنحرها ني
منننا مقننندس ،كانننن ننني قمنننة غضنننبها وخروجهنننا عنننن عقلهنننا ،لكنهنننا
أترته ،شي يها جعلها يتوقف ،ويتثملها طويال ،لم يكنن جسندا يثمنل
جسدا عاريا ،ولم يكنن رجنال تجذبنه امنرأة ،كنان نفسنا تنذو نفسنا،
رأى امرأة لم يتسعها العقل ،هرب قلق الجنون" (.)2
وهنا تأتي اإلجابات عن تساؤالتنا ،فمنذ هذه اللحظة ستتغير حبكوة
القصوووة ،وسووويتم التوافوووق بوووين شخصووويتين متناقضوووتين ،وتحووودث بينهموووا
عالقوووة حوووب تتجووواوز اإلعجووواب ،وخطووووة خطووووة بووودأ يغازلهوووا وهوووي
تسووتجيب ،وبمووا أنووه علووم بسووحرها ،وأن الموواء المقوودس كفيوول بشووفائها،
سوويقودها يومووا إلووى شووقته ،فصووبح زوجتووه ،ويرويهووا موون مائووه المقوودس،
وبالفعل شفيت تلك المجنونة ،ولم تعد تخرج إلى سوبيل الحوريوات ،لكون
بقيووت علووى "عيبهننا الوبينند أنهننا تتعننرى عننندما تغض نه وتاننرع نني
البكا " (.)3
في هذه القصة السحرية حقا ،شكلت الغرائبية ظاهرة حاضرة في
القص ،وتجلَّى تجاوزها لحدود اإلطار التقليدي للحبكة القصصية،
( )1قافلة العطش.32 :
68
فاتحا المجال أمامها لمساءلة الواقع في هذا الشكل المستحدث .وما
حضورها في بنية القص إال مظهر من مظاهر التحوالت ،إذ أنتجت
سردا ً توافر على إمكانات تخيلية وتعبيرية وإيحائية ،فضال عن تمثلها
السردي للوقائع اليومية .وجاء هذا التوجه؛ ليعبر عن رغبتها في
انتهاج أساليب جديدة ،تعبّر بها عن الواقع في شكل جديد يستوعبه ،في
شعور بالواقع دون طبعه بك ّل جزئيّاته ،بل يترك هامشا ً قص ينقل ال ّ
للخيال واالنعتاق من عبوديّة األطر الخارجية .لذا فهو ال يعاند أنظمة
الطبيعة والوجود بل يمسخ هذه األنظمة ،ويقدم الشاذ وغير المألوف ّ
منها ،ويرفض أن يقدم القصة على أنها متوالية موازية ومتناظرة ،بل
يجسدها انكسارا للواقع واستثناء لحوادثه ضمن منظومته المعرفيّة
المشتركة.
وتأخذنا قصوة (تيتوا) إلوى فضواء سوحري بامتيواز ،والبعود التنوافري
هنووووا بووووين (طبيووووب) أوربووووي ،أبوووويض اللووووون ،يووووداوي النوووواس باألدويووووة
الكيميائية ،و امرأة (مشعوذة) سوداء ،مون قبائول (وداببوه) تعوالج النواس
في األعشاب من قبائل " وادبيه" .وعلوى الورغم مون إظهوار كرهوه لهوا،
ألنهووا كانووت تتجاهلووه دائمووا ،إال أنووه كووان يعشووقها فووي داخلووه ،كووان يريوود
التقرب إليها ،وحدث أن رآها يوما ترقص وحقيبتها بعيدة عنهوا ،فتنواول
الحقيبوة ،وانتظرهووا لحووين إكمالهووا الورقص ،اتجووه إليهووا وناولهووا الحقيبووة،
لكنهووا كالعووادة تجاهلتووه وذهبووت لخيمتهووا ،وأخووذ الطبيووب يتحووين الفوورص
للتحدث معها ،وجاء فرصة أن امرأة من قبيلتها كانوت والدتهوا عسويرة،
فاستنجدت به ،وأنقذ كل من المرأة والطفل ،وعرف فوي ذلوك اليووم أنهوم
يطلقوووون عليهوووا لقوووب الكاهنوووة؛ وألن هوووذا اللقووواء لوووم يشوووف غليلوووه ،ظووول
يتساءل:
نعنم لقند علن ذلن ، "تسا ل ي نفسه ،أتراها قد تنحرتني؟
كف يده اليمنق لهنا ،وقنال بابتسنامة واتنعة :اقرئني ّ اقترب منها وقد
لي طالعي" (.)1
لكنهوا دعتووه إلوى قبيلتهووا ،وقوراءة طالعووه هنواك ،بحجووة أنهوا متعبووة،
واسووتغل الطبيووب أحوود المهرجانووات (غيووروال) الووذي أطلووق عليووه لقووب
69
(توغووو) وهووو مهرجووان الجمووال والحووب والجسوود ،يتووزين فيووه الشووباب،
ويعرضون أنفسهم للفتيات ،ليخترن أجملهوم جسودا .فوي هوذا اليووم ذهوب
الطبيب إلى قبيلتها:
يتفنرس ني قسنماتها بنظنرات ّ " خطا خطوتين داخل خيمتها كان
جائعة ،قال له بتلعنثم وشنجاعة مزعومنة :هنا قند جئن قذن ،هنل أقنرأ
ل ن كف ن ؟ قننال :بننل جئ ن ألخطف ن يننا تننابرتي الجميلننة اقتننرب منهننا
بجسده القوي ،وانحنق قليال ،وبملها" (.)1
وهنا شكلت األجواء السحرية وسيلة عملية وناجعة للكشف عن
اهتمامات كل من الطبيب والكاهنة ،وعواطفهما التي يمكن أن تتستر،
وتتبدل في بنيات يحكم فيها العرف أو الضوابط االجتماعية .كما أنه بما
تقدم من خيال مجنح منح فرصة للهروب من الواقع الذي تمثّل
باالختطاف ،لكن الهدف والغاية من الهروب يتراوحان بين تحقيق
األمنية التي ظلت تراود كل منهما .ويبدو أن القاصة قد أرادت من هذه
الغرائبية ،أن الغرب مهما تقدموا في مجاالت العلم ،الذي أفقدهم في
كثير من الحاالت إنسانيتهم ،فأنهم يحتاجون للطقوس التي تعيدهم إلى
تلك اإلنسانية ،وأن أفريقيا وغيرها من الدول الفقيرة ،ستجلبهم إلى
أرضها صاغرين ومسحورين.
وتشوواكل قصووة (تحقيووق صووحفي) قصووة (تيتووا) موون حيووث البعووود
التنافري ،وتتباين من حيث قوة الشخصية في عالقة العشق التوي حودثت
بينهمووا ،ففووي هووذه القصووة ،تضووعنا القاصووة أمووام شخصوويتين متنووافرتين
أيضووا ،همووا :صووحفية توجهووت إلووى قبائوول (الطوووارق) قادمووة موون الووبالد
المتحضوورة فووي مهمووة صووحفية ،وسوويدي (الطالووب رجووب) وهووو زعوويم
دينووي ،يُطلووق كوول موون ترغووب بووالطالق؛ كووي تتووزوج موون تحبووه .فبعوود
وصول الصحفية إلوى الصوحراء بسويارتها القديموة ،كانوت (شواليفه) هوي
المرأة األولى التي قابلتها من الطوارق ،وقود أمور سويدي الطالوب رجوب
بأن تستضاف في الفندق المتواضع ،وفي اليوم الثاني ،أخبرتها
70
(شاليفه) بأن سيدي الطالب رجب يج العربية الفصحى ،فوارتحال،
ووصال إلى واحة (تيغمار) وكانت النظرات الفضولية بانتظارها ،وهنوا
تخبرها (شاليفه) بالمفارقة التي ستدهش الصحفية:
" عمنننل الاننناي ،ونصنننه البينننوت ،والقينننا باألعمنننال المنزلينننة
الصعبة ،ونقل الما هو من وظائف رجال الطوار
همس متسائلة :وماذا عن النسا ؟ ماذا يفعلن؟
قال شاليفه بدالل ذي مغزى :يعاقن بقوة"(.)1
وأخيووورا تعرفوووت علوووى الطالوووب رجوووب ،هجووورت الفنووودق ألجلوووه،
أعطاهوا خيمتوه لتنووام فيهوا ،بينموا هووو ينوام خارجهوا احترامووا لهوا ،وكانووت
تتمنووى أن ينوودس فووي فراشووها .وبعوود إقامووة حفلووة (التن ودّي) التووي تووم فيهووا
االعالن عن الفتاة الي وصلت مرحلة الطمث ،تمنّت لو أن حفلة ما تقوام
لهوووا لوووتعلن عووون أنوثتهوووا للطالوووب رجوووب .وبعووود رجوعهموووا مووون الحفلوووة
يتحادثان في الطريق عن الحب والطوارق ،وكيف للعاشقة حق الطوالق
والزواج مرة وثالث ومئة ماداموت تحوب مون تتزوجوه .توذكرت وحشوية
زوجهووا ،وتمنووت لووو أن القضوواء يهبهووا حكووم شوونقه بوودل الطووالق .مضووى
أسبوع والتحقيق لم يكتب ،وكانت تفكر بالرد على رئيس تحرير المجلوة
باالعتذار ،إال أنها كانت مشغولة بحفلة طوالق تقيمهوا ثوالث أخووات فوي
الواحة .بعد انتهاء الحفلة قوررت أن تُطلوق ،وتتوزوج مون تحوب ،فوذهبت
إلى الطالب ،لخبره بأنها تحبه ،وتكره زوجها ،وترغب بالزواج منه:
" نظننر الطالننه رجننه قليهننا نظننرة المغانني عليننه ،شننعرت مننن انفعننال
نظراته ،ومن توهج ناره يهما بثننه ال يملن قنوة ليجينه ،وبعند قعينا
قال بماقة :ولكن
غرق ي هائج عينيه ،وقال :تيدي الطالنه أننا أببن ،وأخطبن هنل
توا ق؟
ننز الطالنننه رأتنننه ودمعنننة قننناهرة تتنننوهج ننني عانننق عينينننه ،وقنننال: هن ّ
أوا ق" (.)2
71
وهكووذا تنقلنووا شووعالن موون فضوواء سووحري آلخوور ،تريوود بوووذلك أن
تتجووواوز الفضووواء الوووواقعي الموووتخم بالتعقيووود ،والمؤثوووث بوووالقهر واأللوووم
والكبوووت .ويبووودو أن هوووذا التوظيوووف الغرائبوووي جووواء نتيجوووة " ان القووواص
العربي لم يعد قادرا على تصوير معاناة اإلنسوان فوي عوالم شوديد التعقيود
باألدوات الواقعية ،أو التقليديوة التوي كوان معتوادا عليهوا ،ال سويما بعود أن
راح هذا اإلنسان يتعرض إلى سلسولة مون الضوغوط ،والعوذابات التوي ال
يمكن قهرها ،أو مواجعتهوا بسوهولة ،ولوذا فوإن البعود الغرائبوي يسوهم فوي
مواجهووة حالووة القهوور اإلنسوواني الالمعقووول عوون طريووق توظيووف الخيووال،
واختراق سكون السطح الواقعي(.)1
ويتكرر مثل هذا السحر الذي يقود امرأة إلى اعترافها بعشق
الرجل الجبلي الذي كانت تنتظره منذ سنوات طويلة ،وعلى مدى تسع
عشرة صفحة تناجي حبيبها ،تعلن له عشقها بقوة ،تتأوه بغنج أـنثوي
وهي تمارس عريها في حضوره الغائب ،قالت له الكثير الكثير ،التقت
به دون أن تجني من ذلك اللقاء عشقا يروي عطشها ،يخلّصها من
الضياع في عينيه :
" هل تدري األن أن امرأة جا ت من المستحيل تلبس األخضر،
جالسة مواجهت تماما ،تفهم كل كلمة تقولها بلغت الكردية ،وتر ض
أن يرجم لها أي صديق ما تقول علق الرغم من جهلها بلغت ؛ ألنها
تفهم بقلبها الذي أنفق تنينه وانتظاره يرتقه بضورك علق مر ث
االشتيا "(.)2
إن القاصة هنا تثير الدهشة فينا ،وتلفت العواطف إلى حقائقها الباطنيوة
حتى وإن كانت عبر الصدمة المؤلمة ،هو (جنون) الحب الذي أخرجهوا
( )2الوذي سوورق نجمووة ،سووناء شووعالن ،أموواج للطباعووة والنشوور والتوزيووع .عمووان – األردن ،ط .36 :2006 ،1وكانةةت
القصةة ذاتهةةا قةةد نشةةرت فةةي مجموعةةة مشةةتركة عةةن (منظمةة كتةةاب بةةال حةةدود /الشةةرق األوسةةط) ،فضةةولي للطباعةةة
والنشر ،كركو – العراق.2012 ،
72
علوووى السوووياق الحيووواتي الموووألوف ،إلوووى (الحلوووم) الوووذي تريووود أن تعيشوووه؛
للخروج على قوانين الواقع ،واستجابة الحرمانات
المتراكمة ما زالت مزمنة في واقعها المعيش ،إذ تسعى القاصة هنوا إلوى
معالجتهوووا بجووورأة وتحووود لألعوووراف المجتمعيوووة ،فجووواء بوحهوووا بشوووكلين
متناقضين ،األول يتعالى على الحسية ،ونستطيع أن نطلق عليه (العشوق
المثووالي) ،والثوواني يغوورق فووي الحسووية ،وهووو العشووق الجسوودي الحووارق
والغارق في الشبقية.
قن لننم أكن د
نن غمننده " ال قيمننة لكننل رجولت ن ولسننيف الرجننولي المثيننر د
األبدي ،ال قيمة لكلمات د
قن لنم يحسنن ثغنرك الكنرزي ال ُمان ّهي تقبيلني،
صن بتنق آخنر قطنرة منن ال قيمة ألنوثتي د
قن لنم تسنعدك وتفتنن ،وتمت ّ
أراهن عليها بعمري وجالل ا تناني" (.)1
ُ رجولت التي
وهنووا تعلوون الشخصووية /السوواردة عوون رغبتهووا القاتلووة فووي الوودفء،
والتووووق الجنسوووي لرجووول الصووودفة الحوووارق؛ كوووي تخلوووص نفسوووها مووون
الحرمان ،غير مبالية بما سيقال عن جسدها الذي موا زال العطوش يجوأر
فيووه بقوووة .ولكوون عنوودما ال تجوود موون يووروي عطشووها ،تقوواوم ذلووك العطووش
بواسووطة أفعووال يصوونعها خيالهووا الجووامح ،فتتعوورى فووي غرفتهووا ،إكرامووا
لشبقها ،وتهليال بلحظة العشق المشتهاة ،وهي تتحدى الخوف والكشف:
73
إن هذه القصوة التوي تمتلوك سوحرا خاصوا بهوا ،هوي سومفونية الحوب بكول
أشكاله ،وهي أسطرة لعشق مستحيل ،فاض بمفردات الجسد الوذي غوزاه
الحرمووان والشوووق والشوويق والشووهوة ،كيووف الب وهووي تعبوور عوون الووذات
األنثويووة عبوور بنوواء الجسوود والووروح معووا " ،بواسووطة الصووورة ،وأفعووال
التصوير ،فإن المرأة قد أحسنت المحافظة على تلك المسافة بين الذات
تحوالت ،اسوتطاعت مون والجسد ،والظاهر والضامر ..وما يصحبه من ّ
خاللها ،أن ترصد القرائن المصواحبة لطقووس الخفواء والتجلوي ،وتموزج
بين الرغبة والرهبة والدهشة ..كيف الب والمورأة فويض مون (االنفعوال)،
وجيش من العواطف والمشاعر واألحاسويس ،أهلهوا تكوينهوا البيولووجي
المختلف عن الرجل وعاطفة األمومة المفعمة بالحوب والرغبوة والعشوق
سوها الفنوي ،وتميّوز بعودها (االنسواني)"
في تكوينها الفكري واألدبوي ،وح ّ
(.)1
لم ترهق القاصة قارئها بوصف ال طائل من ورائه وال يخدم
أغراضه أو حاالت شخصياته ،بل كانت بارعة في االنتقاء ،وفي تحديد
التفاصيل ،إذ إن كل مشهد كان يشي بالعمل المرتقب أو بالحوار وكان
كل مشهد يدفع بالقصة إلى األمام كما تريد القاصة ،أو كانت تطور
التشخيص ،أو ترتب الصيغة العامة للقصة ،أو نبرة الصوت في
القصة ،أو انها كانت تفعل كل ذلك دفعة واحدة .فأننا حين نصل إلى
نهاية القصة ونرى كيف ختمتها ،ندرك أن النهايات المفتوحة التي
تتركها الشخصية اثر انتهاء كالمها كان سمة مشتركة بين بقية
القصص.
إن مجوواميع سووناء شووعالن القصصووية تعاملووت مووع األسووطورة بوووعي
حوواذق ،وقوود احتشوودت باألسوواطير مثوول :األسوواطير الفرعونيووة (عووروس
النيوول) ،أسوواطير الرؤيووا (زرقوواء اليمامووة) أسوواطير الطوفووان (العمووالق
عووج بوون عنوواق) ،األسووطورة األنثويووة (شووهرزاد) ،أسوواطير البحووث عوون
( )1سرد الجسد وغواية اللغة /قراءة في حركية السرد األنثوي وتجربة المعنى ،الدكتور األخضر بن السايح ،عالم
الكتب الحديث ،أربد – األردن.8-7 :2011 ،
74
الخلود (قصة ذي القرنين موع الخضور وعوين الحيواة) ،أسوطورة التحوول
(أطلنطووا) ،األسوواطير اليونانيووة الهوميريووة (األوديسووة) ، ...والكثيوور موون
األساطير التي تعمل فيها الكاتبة علوى تعريوة الواقوع العربوي وموا يعانيوه
المواطن العربي من حرمان؛ حرمانه من الحب ،مون ذاتوه ،مون هويتوه،
ومن أبسط حقوقه كإنسان.
األتطوري والمؤتطر
يبدو أن األسطورة ستظل تشكل المالذ المحتفى به منذ العصر
الكالسيكي ،وحتى
( )2م غامرة العقل األولى ،دراسة في األسطورة ،دار الكلمة ،بيروت ،ط .15 :1985 ،2
( ) 3أنماط الشخصية المؤسطرة في القصة العراقية الحديثة ،د .فرج ياسين ،دار الشؤون الثقافية العامة ،بغداد،
.33 :2010
75
لخيبات اإلنسان ،أو البؤرة التي يرى منها النور ،أو الفرح واشراقات
المستقبل ،وعلى الرغم من أنها ظلت تدور ضمن حركية المثاقفة،
وجدلية االحتكاك الثقافي ،والحوار الحضاري بين الشعوب ,إال إنها
صمدت أمام هذا التداخل؛ لذلك كان لكل شعب من شعوب العالم أو أمة
من األمم أساطيرها الخاصة ,ولم يكن القاسم المشترك بين أساطير
العالم هو األسى وإنما المالمح والخصائص واألبعاد ومدلوالت
رموزه( .)1من هنا تتبلور معرفيتها ,اذ بوساطتها يمكننا دراسة
المكونات الثقافية والفكرية لذلك الشعب أو تلك األمة .فـ((إذا كان بعض
الباحثين يرى أن األسطورة مرض لغوي ،وخيال جامح ،وحكايات ال
تصدق ،فإن البعض اآلخر يرى أنها ال تخرج عن الواقع ،وإنما تقوم
داخله ،حيث تكون مجموعة قواعد تضبط الفكر والعمل ،وبذلك ال
يمكن التفريق بين األسطورة والعالم ،وال يمكن عزل أحدهما عن
اآلخر ،ألن األمر ال يتعلق بقراءة بسيطة للطبيعة والعالم ،وإنما يتعلق
بفهم اإلنسان لنفسه داحل هذه الطبيعة ،وهذا العالم .واألسطورة إذ
تعطي فكرة عن نظام العالم ،فإنها في الوقت نفسه تعطي فكرة عن
مكان اإلنسان داخل العالم))( .)2
لم يقتصر تأثير الفكر األسطوري على الدراسات االنثروبولوجية
واالجتماعية فحسب ,بل تعداها إلى الفاعلية اإلبداعية في جميع
األنواع الفنية واألدبية (رسم ,نحت ,رقص ,مسرح ,سينما ,تلفزيون,
شعر ,قصة ,رواية ...الخ) .ويشكل توظيفها في العمل القصصي رؤية
فنية وإبداعية ال يستطيع القاص الوصول إليها إال بعد جهد ودربة,
للوصول إلى الجودة واإلبداع ,أما من الناحية النقدية فابتعدوا عن تناول
دراسة األسطورة بذاتها ,بل درسوها من حيث هي عنصر بنائي في
النقد األدبي( .)3ومنهم حنا عبود في كتابه (النظرية األدبية الحديثة
والنقد األسطوري) ومحاولته تقديم صورة إجمالية للنقد األسطوري،
وتبيان حدوده وموقعه في مرسوم النظرية األدبية الحديثة ,والتعرف
( )1ينظر :أسطورة الموت والنبعاث في الشعر العربي.10-8 :19 :
76
على(النظام األدبي) الذي تؤكد عليه هذه النظرية ,وكشف النقد
األسطوري في نظريته االنزياح والتعديل؛ ليكون أفقا مفتوحا أمام كل
اإلنتاج األدبي الحديث ،مع تأكيده الشديد على األنماط األولية التي
صاغها الفكر البشري عبر مسيرته والتي تعد أي األنماط راسخة جدا
ووطيدة جدا(.)1
وهكذا إذن فدراسة األسطورة ليست بالتأويل أو الشرح النصي,
والبحث عن المعنى فحسب ,وإنما في البحث عن جماليات العمل
الفني ,وربط النص بصاحبه وأحوال مجتمعة من خالل التعامل مع
ظواهر النصوص ال بوصفها ظواهر فردية ,بل ظواهر جماعية ,ومن
ثم تحديد شبكة الصور البدائية ذات الطاقة الخيالية الرمزية
واألسطورية ,وتأطير النماذج العليا واألنماط البدائية التي تشكيل
مقوالت الماضي الثقافي واالجتماعي واإلنساني ألي عمل إبداعي،
عبر مفاهيم اصطالحية استعملها التحليل النفسي اليونجي
واالنثروبولوجيا االجتماعية مثل الالشعوري الجمعي ,النماذج العليا,
النماذج البدائية ,الطقوس ,التابوات ,القران المقدس ,اإلسقاط ,الترميز,
الحدس ,أنماط التحول ,األحالم .....الخ(.)2
والالشعور الجمعي حسب يونج صور ابتدائية الشعورية أو
رواسب نفسية لتجارب ابتدائية وقد ورثت في أنسجة الدماغ بطريقة
ما ,فهي إذن نماذج أساسية قديمة لتجربة إنسانية مركزية ،وإن هذا
الالشعوري موجود في كل حلقات سلسلة النقل أو التعبيرــ بوصفها
تطورات في الالوعي عند الشاعر ,وموضوعات مترددة أو سالسل
من الصور في الشعر ،وتصورات في الالوعي عند القارئ ،وهذا كله
مبني على فكرته في الالشعوري الجمعي ،الذي يختزن الماضي
ولد األبطال األسطوريين البدائيين ,والزال يولد الجنسي ،وهو الذي ّ
أخيلة فردية ،إذ يجد تعبيره األكثر في رمزية تتجاوز حدود الزمان
غير أنها مألوفة نسبيا وهي رمزيه وما تزال تتكرر (.)3
( )1األسطورة بين الثقافة الغربية والثقافة اإلسالمية ،د .يونس لوليدي ،مطبعة أنفو برانت ،ط.11 :1996 ،1
( )2النقد االسطوري عند د .مصطفى ناصف ,د .جميل حمداوي انترنيت ،موقع ديوان العربwww.Diwan alar .
( )3في نظرية االدب ,د.شكري عزيز الماضي ،دار الحداثة للطباعة والنشر والتوزيع ،لبنان بيروت ط:1986 1
-157ـ.158
77
كما يعد ((نور شراب فردي)) من أهم نقاد ((االسطورة)) الذين
استخدموا الميثولوجيا كأسلوب جديد في دراسة األدب ,إذ أثنى على
اكتشاف العالقة بين الشعر واألسطورة .وتقوم نظرية فراي على
الرموز البدائية التي تمثل حجر الزاوية في القصيدة ,وهو يؤمن بأن
التاريخ األدبي بشكل((تام)) ــ حسب تعبيره ــ يتحرك من نقطة البداية
إلى نقطة أكثر تحضرا حتى يصل إلى قمة الحضارة( .)1ومن ثم
فاألدب عبارة عن تراكم مجموعة بسيطة من الصيغ واألنماط التي
يمكن دراستها في حضارة بدائية عندها يصبح البحث عن الرموز
البدائية في الشعر نوعا من االنثروبولوجيا األدبية التي تهتم بالبحث في
كيفية استخدام األدب ألنماط التعبير التي نشأت قبل ظهوره مثل
الطقوس واألساطير والحكايات الشعبية(.)2
وهنا نتجاوز التوظيف األسطوري في األدب إلى تحويل الواقع إلى
بنى أسطورية تتناظر رموزها مع اللغة تناظر العالمة المدلول ,تناظر
المعنى والمعنى ،إذ تصبح األسطورة بنية لغوية شديدة الشفافية
والعالقة فيها بين الرمز والمرموز إليه ليست عالقة اتفاقية بل عالقة
جوانية بنائيه( .)3كما نتجاوز االنزياح للداللة على األسطورة األصلية
التي تخضع لتعديل يجربه الشاعر أو األديب حتى يوافق بينها وبين
موقفه ونظرته ,فنظرة الشاعر في مجتمعاتنا مقصرة أن تضع في
حسابها كثيرا من المستجدات كروح العصر وظهور مخترعات
حضارية ونشؤ عالقات جديدة بين الطبقات االجتماعية وتغيير في
االتجاه السياسي العام .وقيام أنظمة وسقوط أنظمة ..أشياء وأشياء
تجبر الشاعر على استخدام األسطورة األولية استخداما جديدا(.)4
األتطرة
78
تضعنا القراءة أمام مصطلحين متجاورين ،وينبعان من حقل
واحد ،ولكنهما يختلفان عن بعضهما كثير ،وهما :األسطرة واألسطورة
الجديدة ،فحين ينصرف مفهوم األسطرة إلى الناحية اإلجرائية بوصفها
آلية ووسيلة ،فإن األسطورة الجديدة ذات صفة نوعية ،فهي أحد نوعي
األسطورة ،ومن هنا ميّز فرج ياسين بين األسطرة التي تعني ((جعل
الشيء أسطوريا))( ،)1وما يرادف الخلق واالبتكار ورفع الواقع إلى
مرتبة األسطورة ،واألسطورة الجديدة بوصفها المروي المؤسطر أو
المبتكر أو المخلّق من الواقع على نحو يوحي بقطع الصلة مع
األسطورة القديمة(.)2
نستخلص من كل ما سبق ،أن األسطورة بنية معرفية تنهض على
أسئلة الوعي اإلنساني في مواجهة المحن والمصير والشقاء والعالقة
بالكون بشكل عام .وأن النقد األسطوري على الرغم من تداخله مع النقد
االجتماعي يظل نقدا له خصوصية من خالل اجتهاد مصطلحاته في
التأثير في النظرية األدبية الحديثة ،وما األسطورة إال مغايرة لغوية
تتحرك مثلما يتحرك الحلم .وسنتناول في هذه القراءة قصة (رسالة إلى
اإلله) من قصص مجموعة (قافلة العطش) ،تبعا لدعوة الواقعية
السحرية إلى التحرر من قوانين الواقع الموضوعي ،وارتياد ما فوق
الواقعي ،وذلك بعودة اإلنسان إلى الينابيع األولى (االسطورة)( )3التي
أصبحت ضربا من ضروب الرؤيا الفنية كذلك( )4فضال عن كونها
شكال من اشكال التحوالت وهي تجمع بين عنصرين مهمين وهما
الواقع والفنتازيا.
وقعت األسطورة من قلوب المبدعوة سوناء شوعالن موقعوا كبيورا ؛إذ
دأبووت علووى قراءتهووا منووذ الطفولووة وعوودت نفسووها الوحيوودة القيّمووة عليهووا،
فطاردت من هم دونها معرفة بها لتحكي لهوم أسواطيرها ،وكيوف ال وقود
( )1األدب العام المقارن ،دانيل – هنر ياجو ،ترجمة :غسان السيد ،اتحاد الكتاب العرب ،دمشق.147 :1997 ،
( ) 3ينظر :النزوع األسطور في الرواية العربية ،نضال الصالح 52 :وما بعدها.
( )4التناص األسطور في شعر إبراهيم إبو سنة ،عبد العاطي كيوان ،مكتبة النهضة المصرية ،القاهرة ،ط ،1
19 :2003وما بعدها.
79
أصبحت شهرزادا فوي عالمهوا ؟ نهلوت مون الكثيور مون الكتوب وبالتحديود
قرأت أكثر من ألفي كتاب ،و قد ساعدتها في ذلوك معلمتهوا بوأن جعلتهوا
القيّمة على مكتبة المدرسة رغم حداثة سنها ،فقرأت لمواركيز ،وفيكتوور
هيغووووو وارنسووووت هيمنغووووواي ،وحنووووا مينووووا ،وتوفيووووق الحكوووويم ،وجمووووال
الغيطوواني ،وغسوووان كنفوواني ،وغوووادة السووومان ،وجرجووي زيووودان ،وعبووود
الرحمان منيوف ،كموا قورأت كول أعموال نجيوب محفووظ الوذي تووج ثمورة
حبهووا لألسوواطير ببحووث علمووي درسووت فيووه األسووطورة فووي رواياتووه ،ممووا
دفعها إلى االطالع على الكثير من الكتب المتعلقوة باألسوطورة وتقوديمها
لكتاب نقدي بعنوان (األسطورة فوي روايوات نجيوب محفووظ) ،كموا كوان
للكاتبة كتاب نقدي سابق بعنوان(السورد الغرائبوي والعجوائبي فوي القصوة
االردنية) ،و هو ما زاد من سعة االطالع لديها وتمكنها مون األسوطورة
(.)1
في قراءتنا السابقة وجدنا أن القاصة سناء شعالن من القاصات
القليالت اللواتي تميزن بجرأتهن في رفض الواقع المأساوي في
مواضعاته (االجتماعية والثقافية والسياسية) .وعندما ترفض القاصة
هذه البنى بوصفها بنى موضوعاتية ،فال بد من رفضه للبنى النصية
التي تتقوقع تلك البنى داخلها ،أو تسايرها في أقل االحتماالت ،وعلى
هذا األساس اختلفت طرائقها النصية ،وتعبيراتها اللغوية ،وخياراتها
التقانية ،وتمظهرت نتيجة لكل هذا ،متغيرات جديدة في منجزها
القصصي ،وعبّرت عن رؤيتها الغرائبية في تحليل الواقع ،فتداخل
لديها الحلم باليقظة ،واالسطوري بالملحمي ،والمتخيّل بالواقعي،
ليصور عوالم تحاصرها ّ واأللفة بالغرابة ،والمعقول بالالمعقول،
العزلة ،كما في مجموعة ( رسالة إلى اإلله )( .)2فاإلله الذي اختارته
في هذه القصة ،هو رمز في الوقت ذاته ،تعبّر عن االنكسار والخذالن
واالنسحاق الذي يطحن ذاتها ،ويحيلها إلى اغتراب.
( )1ينظر :األسطورة في روايات نجيب محفوظ ،سناء شعالن ،24 :وشهادة إبداعية لسناء شعالن :مجلة الجسرة:
30ومابعدها.
( )2رسالة إلى اإلله ،سناء شعالن ،دار اآلداب للنشر والتوزيع ،مؤسسة عبد المحسن القطان.2008 ،
80
تعد قصتها (رسالة إلى اإلله)( )1من أشد قصص المجموعة جرأة،
فصورها يكتنفها الغموض ،وأسلوبها يتكأ على الغرابة ،والقاصة ال
تملك أي استعداد للتخلي عن جملة واحدة دون تعزيز وجودها الداللي،
تصر على
ّ وبهذا تكون القصة عبارة عن حشد هائل من االيحاءات التي
االنفالت من حواضنها الشعبية واألسطورية والتاريخية والفلسفية
والثقافية.
حينما تنهض القراءة على التفسير ومالحقة المعاني ،تقبع في خانة
ضيقة ،وال تنال مرادها ،وحينما تنهض على كشف المضمر ،وإضاءة
العتمة ،وتقريب ال ُمبعد ،وحضور المنفي ،وقول المسكوت عنه ....إلخ،
تحلّق في فضاء واسع جدا ،وتصل إلى مبتغاها ،وهذا ما تغيّته هذه
القراءة وهي تنوء تحت ثقل الموروث (األسطوري) ،والمراوغات
الداللية التي تحاول القاصة توريتها قدر اإلمكان ،فماذا يخفي السارد
بضمير الغائب في تعبيره القصصي اآلتي:
" قليل هم من يجرؤون علق السخط علق اإلله ،لكنها تخط عليه،
نعم هي تاخطة علق زيوس اإلله األكبر الذي ينصرس قلق المتعة
والاهوة والحه والسعادة ،وينسق أن له رع ّية شقية ،ينساها هي
()2
" بالذات ،لقد تظرع قليه طويال
قبل القراءة التأويلية للجملة ،يأخذنا الحديث عن القص
الموضوعي ،وهو وإن كان من أقدم أنماط القص ،وقد تخلى كثير من
القصاصين عنه ،إال أننا نرى تمسك سناء شعالن بهذا النمط ،وقد هيمن
على قصص المجموعة كلها ،والراوي الذي يهيمن بدوره على هذا
النمط القصي هو الراوي كلي العلم ،إذ "يتخذ لنفسه موقعا ساميا ،يعلو
فوق مستوى إدراك الشخصيات ،فيعرف ما تعرفه وما ال تعرفه،
ويرى ما تراه وما ال تراه ،وهو المتحدث الرسمي باسمها ،فال يسمع
()3
القارئ إال صوته ،وال يرى األشياء إال من خالل وجهة نظره"
( )1رسالة إلى اإلله .57 :وقد نشرت هذه القصة في مجموعة (قافلة العطش) أيضا ص.20
81
ينطلق المفتتح القصصي من بؤرة تضيء حالة الشخصية (الرعية)
أو (الشقية) نسبة إلى عالمها المأزوم )،فالسارد هو في داخل هذه
الشخصية ،وهو العليم بكل ما تفعل وتفكر به ،ويعرف أسرارها
وخفاياها ،لذا نجده يتساءل بدال عنها:
" لماذا هي مسجونة ي هذا الجسد األنثوي البغيض؟ تريد أن
تتحرر ،تتمنق لحظة به وابدة ،أهذا كثير علق قله السما ؟ أكثير أن
تتمنق رجال يحبها دون نسا األرض؟ هي تاتهي مخاصرة تستمر
بتق آخر العمر ،لقد كفرت بإله السما األصم الذي ال يسمع
شكواها"(.)1
ومع استمرار هذه الوحدة القصصية ،تسعى القاصة إلى عملية التمويه
بين اإلنسان واإلله ،فهي تؤسطر هذا الفعل اإلنساني ،وتخفي دالالته
في لبوس أسطوري ..... ،ثم يقودنا الراوي إلى أسطرة الواقع مجددا
عبر التواصل اإلنساني اإللهي ،إذ تمسك هذه المرأة بدواة وقرطاس
لتكتب رسالة إلى اإلله (زيوس) وتخبره بمعاناتها:
" أريد ببا وابدا يمأل ذاتي ،يهصر أشواقي وذاتي ،يسكن ما بيني
وبين جسدي ،أريد ببا يقتلعني من أبزان جسدي ،ووبدة تاعاتي،
أريده ببا ويا جبارا ال يعرس األلم ،أريده ببا يمس بتالبيه روبي،
ويخلق ب ارجات دامية ي نفسي ،اللعنة علي ،اتتجه لي ولو لمرة
()2
وابدة"
في هذا المقطع تعمد القاصة إلى ترحيل األسطورة من مخيال
أسطوري إلى مخيال قصصي ،وهذان المخيالن ينقالن الداللة من
النصية إلى الواقعية ،و الفعل القصصي الذي يتم الترحيل األسطوري
فيه و "وخلق التم اهي وااللتباس بين الواقع والخيال ،يحتاج إلى مهارة
تتمكن من تحقيق صيرورة مقنعة ،بعيدا عن القسر ،وهذا ال يتم إال عبر
() 3
رؤية صافية ومتأنية ال بد أن يتوفر عليها الكاتب"
( ) 3العالقة الجدلية بين الواقعي والمتخيّل في النص ،جاسم عاصي ،مجلة األديب العراقي ،ع.31 :5
82
إن قصة (رسالة إلى اإلله) قد اشتملت على المغامرة والغرابة
وإرباك المتلقي ،ونهضت على أسطرة الواقع في سياق نصي يشير إلى
تجذر ذاكرة القاص ووعيه في الموروث األسطوري ،واإلفادة من
مكنوناته الثرية ،واعادة تشكيل عالم يحاكي العالم الواقعي ،ويتوازى
معه ،وترتبط أحداثه بشخوص يواجهون قوى غيبية خارقة تسعى إلى
تحريك عناصر القص تحريكا تخيّليا وإحداث أثر غريب ،وطابع ال
نمطي يترك بصمته على فكر الشخوص ووعيهم ،وغايته خلخلة بعض
المعايير االجتماعية المتكلسة ،وضعها أمام اسئلة التغيير المعرفية التي
تبتكر وال تستنسخ ،وتجترح وال تستهلك.
لقد نهضت القصة على البناء األسطوري ،عبر اسطورة
(زيوس) بوصفه خالقا للفضاء األيروتيكي المتمثل بمعاشرة زوجاته
الشرعيات أو عشيقاته ،وقد أضمرت القاصة في هذا التناول
األسطوري تصوراتها عن الواقع االجتماعي الذي نعيشه ،فـ(زيوس)
اإلله واألب عالمة تقودنا إلى ممارسة القمع على الطبقات المهمشة ،
التي ال تجرؤ على اإلفصاح عن تطلعاتها في الحياة ،إال أن إحساسها
بدونيتها في التفاصيل المعيشة كلها ،جعلها تنطق بكلمة الحق في وجه
هذا اإلله الظالم ،وهنا استطاعت القاصة أن تغاير النسق األسطوري،
الذي تركز في توزيع الخير والشر على البشر ،إذ جعلته يقدم الموت
على الحب ،لتؤسطر واقعا جديدا يوحي إلى واقعنا الحالي الذي يمنح
الموت للطبقات المسحوقة التي تعيش الحرمان الكلي ،في حين يتمتع
(زيوس) بملذات الحياة ،وما تمسك الذات األنثوية في هذه القصة
بالحب ،إال تعبيرا عن رغبتها في تحقيق أمنيتها بأنها أنثى:
" لقد تضرع قليه طويال ،والق ابنته قلهة الجمال ا روديتي
()1
والق قله الحه كيوبيد ،كي يهبوها ببا ً وابدا ً قط "
تصرح بما في
ّ ولكن هذا الحرمان والقسوة والظلم جعل الساردة
داخل الفتاة من ألم وقهر ،حتى وضعتها في موضع توسل وخضوع
83
إلى حد أن أسئلتها باتت مثار الشسفقة على أنوثتها التي وصفتها
بالبغيضة؛ جراء اهمالها .بهذه الحرقة الشديدة ،تتمرد على اإلله،
وتعصي كل أوامره ،وتتجاوز ذلك إلى إرسال لعناتها إليه دون خوف
أو مواربة :
اللعنة علي كيف تتركني أعاني من كل هذه " أنا وبيدة
()1
المعاناة ؟"
()2
" اللعنة علي اتتجه لي ولو لمرة وابدة "
وعلى الرغم من تفكيره في شكل الحبيب والحب اللذين تطلبهما،
إال أنه حقق رغبتها في إرسال (هاديس) بوصفه ملكا للعالم السفلي
(إله الموت) ،وأسكن جسدها ،كي تشعر بلذة التخلص من سجنها
األبدي:
"وقبل أن تربل مع هاديس قلق مملكة العطش ،أرتل ز رة
() 3
شكر لإلله زيوس ،وغاب ي الموت "
وهنا تكمن المفارقة االستعارية عبر الفرح /الحزن ،فعلى الرغم
من الفرح الذي سيحدثه هذا الصنيع الذي كان يرغب به (زيوس) في
تنفيذه ،نراه يحزن ،ويسعى إلى مداراة حزنه بالسكر:
" زيوس لم ينم ي الليلة التي تكر يها ،بل أمضق ليله باكيا ً
()4
،وكته رتالة قلق مجهول"
إن القاصة في أسطرتها للواقع ،أرادت أن تخلق نصا موازيا
لألسطورة ،فالقصة القصيرة واألسطورة كالهما يقتربان من بعضهما
84
من حيث اللعب الترميزي واإلشاري في كل منهما .وقد وظفت القاصة
(التناص) في أسطرة الواقع ،فهي لم توظف األسطورة كما هي ،وإنما
عملت على اإلفادة منها فقط ،وقد تجل غايتها في ذلك بقولها " :غايتي
من ذلك أن أحدث صدمة عند القارئ عندما أهدم كثيرا ً من مسلماته
سردية وأبني مكانها فرضياتي ومعتقداتي التي تنبع قيمتها من قدرتها ال ّ
على التّمرد والخروج على نظرية القطيع لتؤ ّسس مفهوما ً جديدا ً من
الفهم القادر على تكوين ذاته بنا ًء على المنطق والعقل والحقيقة ،وبعيداً
عن هيمنات اإلعالم وسلطة تاريخ المنتصرين وادعاءات الكاذبين"(.)1
وربما ال نحيد عن الصواب لو قلنا أن القاصة قد أسطرت الوأد
الحديث في هذه القصة ،وأعطته ذات البعد ،ولكن بأسلوب مختلف.
وفي قصة (دقلة النور) تؤسطر القاصة الواقع الصحراوي مكانا
وشخوصا ،فالواحة بأشجارها السحرية ،وثمارها األسطورية ،كانت
المكان الذي يسحر:
" العرب الخليجين األثريا ،ال1ذين جاؤوا من الخليج؛
لينصبوا خيامهم التر ة و ربال الصحرا الملتهبة بالحكايا
والقصص واالنتظار ،هم جاؤوا من البعيد مدججين بمالهم وتر هم ،
لينصبوا الفخاخ والبناد للطيور المهاجرة التي تمر بصحرا توزر،
()2
وتكان تل المدينة الصحراوية الهاجعة ي صمتها الحار"
كما تؤسطر شخصية (المرأة) المبروكة الفقيرة ،التي كانت تسكن
الواحة منذ مئات السنين ،وذلك عبر فعل عجائبي ،يقودنا إلى أسطرة
الشخصية ،أكثر مما يقودنا إلى توظيف العجائبي في القصة القصيرة:
" كان تسكن الوابة منذ مئات السنين ،وكان أمنيتها أن
تذهه قلق الحج ،وأن تزور قبر الرتول الكريم ،ولكنها مات قبل أن
يتحقق هذا الحلم ،د ن ي الوابة ،ود ن مع مسبحتها المصنوعة
( ) 1حاورها توفيق عابد صحيفة االتحاد االماراتية
http://www.alittihad.ae/details.php?id=23022&y=2011
( ) 2أرض الحكايا.159 :
85
من نوى التمرّ ،ر الرتول الكريم لحالها ي قبره ،هبط دموعه
علق المسبحة ،عندها لم يتحول النوى الجاس قلق وابة مليئة بالنخيل
قط ،ولكنه أنتج نوعا من التمورلم يكن موجودا من قبل ،هو دقلّة
()1
النور"
وعلى الرغم من الغريب (األجنبي) الذي يدين ألحدث النظريات
العلمية الحديثة ،كان يرفض هذه المزاعم األسطورية ،إال أنها كانت
توافق بشكل وآخر هالة النور التي يراها تحيط بسمرائه السمينة ،التي
رجع إليها بعد أن يئس من زراعة نخلة (دقلّة النور) في كاليفورنيا،
ولكنها على الرغم من تظاهرها أمامه بأنها متماسكة وقوية ،إال أنها لم
ليعوضها الحرمان الذي قسا تعد تقاوم ما في داخلها من شوق إليهّ ،
كثيرا عليها ،فسألته بخبث بعد أن علمت ّأال فائدة من زراعة هذه النخلة
في بلده:
" تثلته من جديد بدالل وخبث :قذن لم عدت قلق هنا؟
قال وهو ينزع نظارته السودا ،وي ّد ي عينيها البربريتين
() 2
الثائرتين المتحررتين :جئ من أجل دقلّة النور"
وهنا نجد أن القاصة قد أسطرت المخيال الشعبي الديني؛ لتمنح
كل من المكان والشخصية ممكنات أسطورية؛ لتثير انتباه القارئ ،إلى
الكيفية الي استطاعت عبرها إطالق االنفعاالت المكبوحة ،أو المشاعر
المكبوتة ،وتفريغها من عقالها في النفس .فقد حررت كل من الرجل
والمرأة عبر هذا التفريغ ،وجعلت كل منهما بحاجة لآلخر ،فكما أصاب
المرأة الحرمان من الحب ،نجد أن الرجل يشاطرها هذا الحرمان،
فيضطر إلى الرجوع إليها وهو مؤثث بالشوق والشبق .وال غرابة في
قدرة القاصة على هذا الفعل القصصي الناتج من تداخل الوعي
86
النظري ،والطاقة التطبيقية (اإلبداعية) ،وقد تناولت في دراستها
األكاديمية السرد العجائبي والغرائبي واألسطورة ،حتى أنها اقتنعت:
"لكل موجود أتطورة ،هكذا تقول الحكاية ،وألن الحكاية تقر
بحقيقة وجود األتاطير ،كان أتطورتها ،وكان أتطورة كل امرأة
منذ كان الخليقة ،قول األتطورة أنها خلق لكي تنتظره ،أي أتطورة
تقول ذل ؟ ال تعرس ،لعلها أتطورة االنتظار التي باكتها باشتيا
()1
الدنيا"
وهنا ال تريد القاصة توظيف األسطورة ،بل تريد الوصول إلى
صياغة الواقع عبر األسطرة ،أي بتشكيل أسطوري توازي فيه القصة
القصيرة تحطيم قوانين العقل ،وإعادة إنتاج هذه القوانين وفق رؤية
تقوض الحدود الفاصلة بين ما هو واقعي وما هو فوق الواقعي ،كما ّ
األسطورة التي تبتدع قوانينها الخاصة التي تتجاوز في محاولة منها
لتملك الواقع الذي تعانيه تملكا جماليا قادرا على إعادة النظام إلى واقع
محتشد بالفوضى والعماء وقيم السلب واالنتهاك(.)2
( ) 1الكابوس ،سناء شعالن ،دائرة الثقافة واألعالم ،الشارقة ،ط..2006 ،1
87
88
الفصل الثالث
التحوالت النوعية ي القص
الفصل الثالث
التحوالت النوعية ي القص
مدخل
تعد التحوالت النوعية قضية محورية في التحوالت القصصية،
إذ تعمل على إزاحة القصة القصيرة من البناء المغلق إلى البناء
المفتوح ،حسب طبيعة التغيرات والتطورات التي تخضع لها بنيتها
الفنية .فتقترح القصة القصيرة مكونات نسيجية متفردة ،تعتمتد على
مغايرات جزئية أو كلية ،وينهض هيكلها الحكائي على تقانات تتضافر
89
فيها اللغة والرموز والدالالت لتأثيث تشكيل نصي ال يؤسس حبكة
معقدة بقدر ما يصوغ قصا مختلفا.
لقد انطلقت التحوالت النوعية عتد سناء شعالن في رؤية مغايرة،
تبحث عن الجديد في البنية القصصية ال بوصفها موضة عابرة ،بل
ممارسة كتابية تواصل محاوالتها للتخلص من هيمنة السرد التقليدي،
وسحب (وسادة الكسل) من تحت رأس المتلقي ،وإشراكه في كتابة
قصصية مغايرة ،لها خطابها الجمالي المتعلق بإدراك القاصة لروح
ووجدان المرحلة التي تعيشها؛ ويأتي ذلك استجابة لرؤيتها وأفكارها
وانفتاحها على الحدس والتأمل بعد استفزاز وعيها ،وبهذا يتحول
الخطاب إلى أنموذج رمزي تخييلي تجسد ضرورته في التفرد
والترابط في اآلن نفسه.
حين تعيد القاصة النظر بالمفاهيم القصصية ،فإن تلك اإلعادة تعد
االنطالقة األولى نحو التغيير في إيجاد أنواع قصصية فرعية تتالءم
مع تغيير فكر وحياة المعاصرين للقاصة ،من هنا انطلقت أفكارها
القصصية في المغايرة الكلية التي اعتمدت تداخل األزمنة واألمكنة في
الواقع النصي وهو يقدم األحداث المكثفة بأساليب وكيفيات جديدة،
عملت على تخليصه من السرد الحكائي المنظم ،فبدال من تقديمه لنا
سردا قصصيا ،يتركنا لنعيش قصة السرد ونختبرها .ونختبر وحدات
القص وهي توجه فعله إلى متكآت محايدة أو مجاورة تعمل على تشييد
بنية مغايرة.
90
المتوالية القصصية والتحوالت
من المتعارف عليه أن االنزياحات النوعية تحدث داخل النوع
الواحد فتعمل على خلخلته ،وتضعه في منطقة تغاير منطقته التقليدية،
ويسمى النوع الجديد المتمخض عن االنزياح بـ(نوع تحتي sub-
) )gener)(1ومن هذه األنواع الجديدة في القصة القصيرة ظهر نوع
قصصي أطلق عليه مصطلح (حلقة القصة القصيرة) حسب فورست
انجرام ،وهو "مجموعة من القصص التي ترتبط إحداها باألخريات،
إلى درجة يتعدّل معها فهم القارئ لكل قصة من خالل فهمه للقص
األخرى") .(2األمر الذي لفت انتباهه إلى تكرار الثيمة ،والرمز،
والشخصية .ولكنه يفعل ذلك على حساب االهتمام بالتتابعية في
المجلد) . (3مع االنتباه إلى أن األمر المحوري فيها أن ديناميتها قائمة
على التوتر بين الوحدة والتنوع) .(4كما أطلق عليه مصطلح (متوالية
القصة القصيرة) حسب روبرت لوشر ،إذ يعرفها بعد أن يتناول
محاولة هورتينس كاليشر في بناء خيمة لقصصها المجموعة في كتاب
أطلقت عليه اسم (مجموعة قصص) بأنها "مجلد قصص جمعه ورتبه
مؤلفه .فيه يدرك القارئ بنجاح ،النماذج التي تقف وراء التماسك،
وذلك من خالل التعديالت المستمرة لتصوراته عن النموذج والثيمة.
وهكذا فان كل قصة قصيرة في سياق المتوالية ليست تجربة شكلية
مغلقة ومكتملة .وكل كشف في المتوالية يؤهلنا ـ بطريقة ما ـ للكشف
التالي ،ويلقي الضوء على العوالم المتضامة لنتتبعها .ويصبح المجلد
ككل -بهذه الطريقة-
( )1ينظر :شعرية القصة القصيرة جدا ،جاسم خلف الياس ،دار نينوى للنشر والتوزيع ،ط 1دمشق - 41 :2010
.54
( )3القصة الرواية المؤلف ،دراسات في نظرية األنواع األدبية المعاصرة ،تودوروف وآخرون :ترجمة وتقديم د.
خير دومة .90 :
(.Ingram Representative Short Story Cycles p: )4نقال عن تداخل األنواع في القصة المصرية
القصيرة .269 :
91
كتابا مفتوحا يدعو القارئ لبناء شبكة من التداعيات ،تربط القصص
مع بعضها البعض ،وتمنحها أثرا موضوعاتيا متراكما") .(1وهذا يتنافى
مع كالمه حين تحدّث عن طبيعة قراءة هذا النوع من القصص.
فـ"القصص في مجموعة واحدة ـ رغم وجودها بين دفتي نفس الكتاب ـ
تدعونا إلى النظر إليها مفردة؛ ألن كل قصة تمنحنا إحساسا بأنها مغلقة
( )...وهكذا نحن ال نعيش في متوالية القصة القصيرة لذة اإلطار
المغلق فحسب ،وإنما نتلقى المكآفات عن اكتشاف االستراتيجيات
الموحدة األعظم")) .(2ثم ظهرت مصطلحات أخرى ـ كالعادة ـ لتوسيع
منطقة إشكالية المصطلح النقدي ،من مثل مصطلح (توليفة القصص
القصيرة) حسب جول سلفرمان ،أو(مجمع القصص القصيرة) حسب
جوزيف ريد ،أو(مجموعة قصص قصيرة متكاملة) لدى بليسنت ريد،
وتيموثي ألدرمان .فكلها مصطلحات توحي بالوحدة الساكنة ألجزاء
متراكبة ومستقلة ،لكنها تفشل في اإلشارة إلى أهمية طبيعة توالي ،أو
العناصر المتكررة التي تمنحها وحدة أكثر ديناميكية).(3
وإذا كان أنجرام قد وجد عالقة قربى ـ في هذا النوع القصصي ـ
مع (الحلقات الملحمية) فإن شولر يوجد عالقة قربى مع متوالية
السونيتا ،والمتوالية الشعرية الحديثة) .(4علما أن فورست انجرام ما
زال هو المنظر األشهر لحلقات القصص القصيرة ،وقد أعطانا تعريفا
عمليا لهذا النوع القصصي بقوله" :كتاب من القصص القصيرة التي
ربطها مؤلفها مع بعضها البعض بحيث أن خبرة القارئ المتتابعة في
المستويات المختلفة ككل تعدل كثيرا من خبرته عن كل جزء على
حدة")(5ويركز تعريف انجرام على الديناميكية التأسيسية
( )1القصة الرواية المؤلف ،دراسات في نظرية األنواع األدبية المعاصرة .89 :
( )3القصة الرواية المؤلف ،دراسات في نظرية األنواع األدبية المعاصرة.89 :
92
للحلقة القصصية :التوازن المتفرد بين التكامل والفردية في كل
قصة ثم الحاجة إلى المجموعة كلها والعكس صحيح أيضا الحالة التي
أطلق عليها انغرام "التوتر بين الواحد والمجموعة") .(1وقد وصف
إنجرام أيضا نظام تصنيف الحلقات القصصي تبعا لدوافع مؤلفيها في
تنظيمها وترتيبها ،ووفقا للمرحلة التي ظهرت لهم فيها الفكرة الموحدة
)( 2
بين القصص :
-1المتناغمة :التي يقرر مؤلفها أنها ستكون حلقة ضمن حلقات
قصصية منذ بداية تأليفها.
-2المرتبة :وهي التي يضعها المؤلف معا من اجل إلقاء الضوء أو
التعليق على قصة أخرى من خالل المجاورة أو الترابط.
-3مجموعة من القصص المرتبطة ولكنها ليست متناغمة تماما وال
مرتبة ،ولكنها أصبحت مكتملة عندما اعترف مؤلفها بالروابط التي
تجمع مجموعة من قصصه.
وعلى الرغم من أن هذا التصنيف مقبول بدرجة كبيرة ،إال أنه يمكن
تصنيف متواليات القصص بصورة ابسط من خالل تحديد العامل الذي
يمنح القصص تماسكها .فمثال تترابط كثير من القصص بواسطة
المكان أو بواسطة الشخصية ،كما أن هناك رابطين اقل أهمية هما:
الثيمة المركزية أو األسلوب أو النغمة المتساوقة .كما أن التصنيف من
خالل تتبع الرابط الذي يجمعها وخصوصا المكان أو الشخصية ،يجعلنا
ننظر إليها بوصفها رواية فاشلة .ذلك أن الرواية التقليدية تعرض سردا
متواصال عن المكان والشخصية والثيمة األساسية واألسلوب ،وهي
بالضرورة متماسكة من خالل السرد المتواصل ،إال أن القصص
القصيرة تتميز عن الرواية بأنها تصف أفعال الذروة ،وحتى في هذه
القصص المترابطة فإنها ال تفتقد إلى الميزة األساسية للرواية ،وهي
الشكل السرد الموحد الشمولي والمتصل .إن أهم ما يميز القصة
القصيرة هو أنها ليست رواية ،بل إنها كما يقول أدغار
93
آالن بو اقرب إلى الشعر الغنائي الومضة بدال من الضوء الذي يزداد
سطوعه بثبات ،ولكن النقاد دائما ما يتناولون حلقات القصص
بجماليات غير مناسبة ومن بؤرة غير صحيحة).(1
إن نجاح متواليات القصص ال يجب أن يحاكم من حيث قربها أو
بعدها عن الرواية ،كما ال يجب أن يعتمد على درجة ارتباطها من
خالل المكان أو الشخصية أو الثيمة أو األسلوب ،أو من خالل أي
جماليات ترتكز على الرغبة في الحصول على عمل موحد ومتكامل،
وعلى الرغم من أن حلقات القصص تالئم الكتاب الذين يرغبون في
فحص مكان محدد أو شخصية معينة ،إال أن الشكل يعد متفردا في
الطريقة التي يعكس بها حقيقة فشل المكان والشخصية في توحيد عمل
يبقى هاجسه األكبر هو الكمال.
إن مصطلح (متواليات) يعني أن هذه القصص تدور حول نفسها
لتعود إلى نقطة األصل وربما يرتبط المصطلح بالزمن .وتبعا لذلك فان
تتابع القصص يرتبط بالتطور (االنتقال من نقطة إلى نقطة) سواء
بالزمن أو الثيمة .إما سبب االهتمام بكون القصص متتاليات أو حلقات
فال يختلف عن سبب اهتمامنا بالنوع األدبي؛ ذلك أن هذا التحديد يساعد
القارئ على وضع استراتيجية ذهنية تساعده في فهم العمل .إذ تمنح
متواليات القصص الكاتب فرصة التركيز على جوانب مختلفة من
شخصية (الشخصية) ،أو عرض تجارب إنسانية متنوعة اكتسبت عمقا
وثراء بفعل تجاورها أو تزامنها مع بعضها البعض ،مما أدى في نهاية
المطاف إلى عرض صورة ثالثية األبعاد للشخصية .وغالبا ما تطرح
كل قصة في الحلقات مشكلة التواصل والتماسك من اجل أن ترجئ
الحلول المنشودة إلى القصة التالية في المتواليات التي يتشابه الصراع
فيها مع الصراع في سابقتها ولكنها مختلفة ،عنها حتى نصل إلى
القصة األخيرة التي تعيدنا إلى القصص السابقة في سياق حلقة مفرغة.
ولكن ليست هذه الصفة هي القارة أبدا في هذا النوع ،فـ"المشكلة
األساسية أنه ال
( )1ينظر :تداخل األنواع في القصة المصرية القصيرة .269 :و القصة الرواية المؤلف ،دراسات في نظرية األنواع
األدبية المعاصرة .90 :
94
مطرد من الحلقات القصصية يفضي إلى نوع من يوجد لنموذج ّ
التقعيد ،فعلى الرغم من أن كل المتواليات تنطوي في النهاية على
(وحدة) من نوع ما ،فإن كل متوالية تضيف تقانات جديدة تصنع بها
إطارها الخاص ووحدتها الخاصة ،بل إن الكاتب قد يوظف عملية
تكسير الوحدة لخدمة أهدافه ورؤيته ،ولهذا تظل حلقات القصص (كتابا
مفتوحا) كما قال لوشر ،وشكال قابال على الدوام لتجريب الكاتب
()1
ومساهمات القارئ في التأويل"
يعزو الباحث خيري دومة ظهور (متواليات القصص) في هذا الوقت
)(2
إلى األسباب اآلتية:
-1تجاوزت القصة القصيرة شكلها الكالسيكي عبر ما أنجزه الكتاب
في أواخر الستينات من تحديث الشكل وتحريره من إطار حبكة
األزمة ،إذ أصبحت القصة القصيرة الواحدة مهيأة بشكلها الحديث
ألن تدخل مع غيرها في سياق أوسع هو حلقة القصص.
-2لم تعد القصة القصيرة شكال مغلقا ومكتمال في ذاته ،بل أصبحت
شكال مفتوحا ال ينتهي وإنما يتوقف ،أصبحت (مشهدا) يمكن أن
يدخل مع غيره من المشاهد في صناعة لوحة واحدة كبيرة ومتعددة
المشاهد.
-3كان الوعي الروائي هو السائد خالل هذه السنوات ،وعي التسجيل
والمراجعة وتحليل المواقف ودراسة أبعاده ،ال وعي االنفعال الحاد
المصاحب للقصة القصيرة؛ ومن ثم كانت القصة القصيرة في هذه
الفترة مستعدة أكثر من أي وقت مضى ألن تدخل في تفاعل مع
الرواية.
تركز موالية القصة القصيرة على شخصية واحدة أو شخصيتين في
مجتمع محلي محدد ،وتبعا لذلك فإنها تعكس االهتمام بنفسية الفرد،
األمر الذي يميز حداثتها وتجاوزها لما هو متعارف عليه ،وفضال عن
أنها تمنح فرصة استكشاف المكان والشخصية ،فإنها تمنح احتماالت
شكلية تسمح لكتابها بتحدي االنطباع الشمولي لرواية الواقعية
( )1تداخل األنواع في القصة المصرية القصيرة.273 :
95
االجتماعية ،أو النفسية التقليدية سواء بقصد أو بدون قصد ،إذ يجد
كتابها نوعا من االستمرار في االنقطاع ،والوحدة في التشتت ،وهو
التمثيل الدقيق للوعي الحداثي.
إن المتوالية القصصية عند القاصة سناء على نوعين :متوالية
رئيسة وتضم قصص المجموعة كلها كما في مجموعة "مذكرات
رضيعة") ، . (1ومتوالية فرعية وتضم القصص الفرعية في القصة
الواحدة ،كما في مجموعة "تراتيل الماء") .(2على سبيل المثال ال
الحصر لكال النوعين .وسنتناول في البداية المتوالية الرئيسة في
مجموعة (مذكرات رضيعة).
( )1مذكرات رضيعة ،سناء شعالن ،ناد الجسرة الثقافي االجتماعي ،قطر.2006 ،
( )2تراتيل الماءـ سناء شعالن ،الوراق للنشر والتوزيع ،عمان – األردن.2010 ،
96
األمنيات ،إذ تقوم القاصة بتجسيد الوقائع التفصيلية لحادث االنفجار
على لسان الساردة ،بلغة فنية ،استوعبت المجاز واإلشارة والدالالت
التي ش ّكلت بنية القص العميقة ،وليس بلغة تقريرية صحفية ،فعلى
الرغم من أنه صانع أحالم ،إال أنه كره هذا الحلم الذي ش ّل لحظاته،
ورحل مصحوبا بألم فادح جدا ،وهو رحيل ابنته (ريم) التي اتت من
لبنان لتلتقي به في عمان ،بعد أن أخبرها إنه في شوق لها .لكنها رحلت
أيضا:
"يثخذ نفسا بصعوبة ،ومن جديد تمر ريم بابتسامتها الجميلة
ي بلمه ،يسلم جسده لألطبا ،ويربل مع أطيا ه الوردية المكللة
).(1
بدما ريم"
انها المرثية األولى التي رثت بها القاصة (مصطفى العقّاد) رثاء
حزينا ،في لحظات سادها الضياع والسكون ،لتشكل ردا عنيفا وقاسيا
على لحظة الفقد التي صنعتها أصابع اإلرهاب.
وجاءت القصة الثانية (عروس ع ّمان) بلغة شفافة وغنائية ،فهي
أقرب إلى األحالم منها إلى الكابوس (الموت) الذي خطف والدا
العروسة (نادية) وحماها وجمع من األصدقاء واألقارب ،إذ كانا
يعيشان أحالمهما التي:
" بات بمائم بيضا تر رس ي دنيا تعادتهما ،تاعات
ويغدوان زوجين ،تيسا ران قلق شر الايخ ليقضيا هناك شهر
العسل ،ثم تيسا ران قلق الكوي ليعياا ي بيتهما الجميل الذي
اختارا تويّة كل قطعة من أثاثه ،تير الن بالسعادة ،وتيعيدان ي
بيتهما الصغير تيرة عائالت محبّة ومتعاضدة عر اها ي
)(2
أترتيهما"
لكن المجرمين األوغاد سرقوا سعادة كل من نادية وأشرف في
ليلة عرسهما ،وتركوها يتيمة تشح بسواد الموت ،كل أحالمها ذهبت،
فال سفر إلى شرم الشيخ ،وال الكويت حيث بيتها الذي ينظرها ،بل
ستبقى في عمان؛ كي تعين أخوتها الذين غدوا يتامى ،ولحماة غدت
( )1المصدر نفسه.11 :
97
أرملة .وهكذا نجد الرابط بين القصة األولى وهذه القصة هو الحدث
االجرامي اإلرهابي الذي طال الفندقين في يوم واحد ،كان مصطفى
العقاد يحضر زفاف صديق له ،وكانا والدي (نادية) وحماها وغيرهم
يحضرون زفافها ،وهذا ما شكل الخيط الذي يربط القصتين.
أما القصة الثالثة (الطرحة البيضاء) فتحكي قصة كل من (نادية
وفاتن وبتول وسوسن وربى) اللواتي حطمهن الموت في زفاف (نادية
وأشرف) .والقصة الرابعة (الوداع األخير) تحكي قصة (خالد
األخرس) الذي أهدى ابنه (أشرف) في ليلة زفافه على (نادية) رعاية
أم أرملة وأخوة أيتام .والقصة الخامسة (فنجان قهوة) تحكي قصة أم
نادية (هالة فاروق) التي كانت تحلم بزفاف ابنتها البكر (نادية) لكنها
رقدت في رمس بارد حزين في مقبرة (وادي السير) دون أن تقول
وداعا لنادية التي انتظرت أن تضمها أمها صباح زواجها مثلما تفعل
كل األمهات .والقصة السادسة (اللعبة الوحيدة) التي تحكي قصة موت
الطفلة لينا ولعبتها الوحيدة ،في حفل زفاف عمها (أشرف) وعروسه
الجميلة ذات الثوب األبيض الطويل:
"كان تلبس ثوبا زاهيا ،وتنتقل كفراشة بين المدعوين ي
قاعة الز اس ،وعلق الرغم من محاولة أمها بثن تلزمها بالجلوس ي
مكان وابد ،كان تخطف أبصار الحضور بضحكاتها وتعادتها عندما
ّ
وهز انفجار أركان المكان وبدّل النور خطف ضو مفاجئ األبصار،
ظالما ،وطغق بسواده علق لون ثياب لينا الزاهي ،وأتقطها أرضا
تتخبط ي دمائها ،وتنزس من شتق أنحا جسدها ،غر ثوبها ي د
أبمر بار وانزلق ي تكون شابه عال وجهها وأجبر بركتها علق
االتتكانة ،وألزم الصم "(.)1
وفي القصة السابعة (مذكرات رضيعة) التي حملت المجموعة
اسمها ،يحرم اإلرهاب الرضيعة (تولين) من حنان األم ،في المكان
ذاته ،والحدث ذاته ،والزمن ذاته ،زفاف (أشرف ونادية) في فندق
(الراديسون ساس).
98
لقد جاءت هذه القصص لتروي حدثا واحدا وزمنا واحدا ومكانا
واحدا وعدة شخوص جمعهم ذلك المكان في حفل زفاف (أشرف
ونادية) فكل ما في هذه القصص مترابط ،ويؤكد على ثيمة محورية
واحدة .ومثل هذا الفعل القصصي ،يتطلب مهارة فنية ،تحافظ على
اإلقفال الختامي لكل قصة ،وتحافظ على الرابط بين القصص في اآلن
ذاته ،وهذا ما فعلته القاصة في هذه المجموعة.
وقد استعانت القاصة بلعبة تكتيكية في تسلسل القص ،فكانت
تقطع تسلسل القصص التي حدثت في فندق ( الراديسون ساس)
بواسطة القصص التي حدثت في فندق آخر (حياة عمان) وكأنها تريد
بذلك توظيف (استطراد) الجاحظ؛ من أجل ترويح القارئ ،ثم العودة
مجددا إلى القصص األولى .ففي القصة الثامنة ( نور الصباح) تحكي
قصة (عمار) الذي يشتغل سفرجي في المطعم التابع لفندق (حياة
عمان) ،ويذهب ضحية فعل إرهابي طال الفندق ،فتنتهي حياته دون
تحقيق أمنياته المؤجلة .وتشاطرها القصة التاسعة (النبوءة) التي تقع
في فندق (حياة عمان) أيضا ،وحين يشاهد األب عبر التلفاز االنفجار
الذي يحدث وسط المحتفلين بالزفاف ،يسرع إلى الفندق ،ولكن ال أحد
هناك من أوالده ،فيذهب إلى المركز الوطني للطب الشرعي ،فتُقدم له
أجسادهم ممزقة .وفي التقانة ذاتها ،يعلم زوج (مريم عقرباوي)
الحسناء الجميلة التي قدمها اإلرهاب إلى المقصلة دون جرم عبر
التلفاز باالنفجار الذي حدث في فندق (حياة عمان).
وهكذا باقي قصص المجموعة تروي معاناة بعض ضحايا عمان
يوم ،2005 /11 /9كما جاء في تصدير المجموعة .وعند تحليل
القصص كلها ،يمكننا النظر إليها من منظارين يتعلقان بالنوع
القصصي :المنظار األول :يشكل هذا الكتاب مجموعة قصص قصيرة،
وكل قصة بنية متكاملة لوحدها .والمنظار الثاني :يشكل هذا الكتاب
متوالية قصصية ،وكل قصة تتعلق بالقصص األُخر.
كان الفضاء الشامل متكامال مع معنى القصة الواحدة بالتوافق مع
الشخصية والحبكة .لقد منحت براعة القاصة في وصف الظروف
الزمكانية وحدة للقصة .وبدا لنا واضحا أن الرؤية التي نقلتها لنا
الساردة كانت متوافقة مع الظروف الزمكانية التي هيئتها
99
القاصة وهي تنقل تفاصيل بصرية مفعمة بالحيوية ،ساعدت القارئ
على تخيل المشهد ،والولوج إلى عقل الشخصية ومشاعرها بسهولة،
كما بدا معها أن كل متوالية هي متوالية القارئ أو أنموذجا عاما
لمتواليات اجتماعية .وفي هذه الحال تنحسر الرؤية وتتحول إلى "رؤية
مجهرية تسلط الضوء على حالة ،وترتقي بها لتكون نموذجا عاما
لحاالت مهيمنة في البنية االجتماعية"( )1ومن المشتركات المتمظهرة
بشكل ال يقبل الشك ،والتي تضفي على المجموعة القصصية
اشتراطات (متوالية القصص) في مجموعة (مذكرات رضيعة)
التفاصيل الصغيرة ،من حيث عالقتهما بداخل الشخوص والعناوين.
إن هيمنة التفاصيل الصغيرة التي ذكرتها القاصة وهي تروي معاناة
بعض ضحايا تفجيرات عمان يوم األربعاء ،2005 /11 /9من قبل
الساردة العليمة ،شكلت كل المشتركات في المجموعة ،ال تبعا للسياق
الذي أتى به ذكر التفاصيل فحسب ،وإنما تبعا لما تمظهر في هذه
المجموعة وفق اشتراطاتها الفنية التي تبنتها (المتواليات القصصية).
فالعرس الذي شكل بدوره لعنة طردت كثيرا من الشخوص خارج
دائرة الحياة ،كان السبب المساعد للسبب األصلي في تلك الجريمة
تحول إلى مقبرة مؤجلة.
الشنعاء التي حدثت في الفندق الذي ّ
وهكذا بقية القصص في المجموعة ،وليس الغرض من ذكر هذه
التفاصيل المغرقة في خصوصيتها إال لتبرير تساؤلنا :كيف لنا أن
نتوصل إلى أعماق النص ونكشف المحموالت الداللية ،لو لم تكن هذه
التفاصيل عالمات تؤثث شروطها الفنية والتواصلية للوصول إلى
اإلقناع واإلمتاع في اآلن نفسه ؟ وعلى هذا األساس فـ((التفاصيل
ليست مجرد كومة حيادية قائمة في الواقع يتم جلبها ،أو تحميلها من
الواقع إلى القص .التفاصيل موقف ورؤية ووعي واختيار فني عميق،
( ) 1وظيفة الرؤية في القصة العراقية القصيرة في الثمانينات ،عبدهللا إبراهيم ،مجلة الطليعة األدبية،ع ()10 /9
أيلول – تشرين األول .15 : 1987
100
ومن هنا تبدو فروق التفاصيل وأهميتها ودورها بين قاص وآخر ،هي
فروق الوعي والموقف والرؤية أساساً))).(1
في كثير من األحيان تأتي التفاصيل سطحية ال تزيد عن كونها
مالحظات يسجلها السارد بصورة عابرة ،ولكنها تعطي إحساسا باأللفة
والتواصل ،حتى وإن كانت ثانوية وبدت استطرادية زائدة .إذ يساعده
رسم المشهد بالتفاصيل الدقيقة على إيجاد روابط ،ربما كان من
الصعب عليه معرفتها دون هذه التعلق في دهشة هذه التفاصيل.
فالقاصة تساعد القارئ عندما تمنحه بعض مفاتيح شخصياته .وهنا
نقول أن شعالن وظفت (األشياء) ببراعة لتكون هي مفاتيح الدخول إلى
أعماق الشخصيات .الفساتين البيضاء ،بقع الدم ،جبروت الموت ،الفقد
بكل تفاصيله ...وغيرها .كلها مفاتيح الشخصيات التي طرحتها شعالن
في متوالياتها .وهنا نرى تركيزها على الكلمات التي تبعث اإليحائية
والديناميكية ،وتخبر عن المواسم واألوقات والحاالت النفسية
والعالقات بين الشخصيات واألشياء من حولها .على الرغم من مجيئها
بسيطة وتلقائية وغير متكلفة ،دون أن يشعر القارئ بالملل واإلثقال
حتى في الحاالت النفسية كانت غارقة في الكآبة واإلحباط.
وال بد ونحن نحلل بنية التشكيل المغاير عند القاصة سناء شعالن
في المتواليات القصصية ،علينا أن نتذكر بأن التفاصيل الصغيرة في
القصة القصيرة تشكل مجمل الجزئيات الصغيرة المحيطة بالشخصيات
والزمان والمكان ،ومن ث ّم الحدث داخل القص ،إذ يوضح تجاور هذه
الجزئيات الحالة العامة المراد تقديمها ،في بنية القصة ذاتها .وهي
ليست مجرد وسيلة ،إنها القصة ذاتها ،وإن كان ذلك ال يتعارض مع
دورها في إكمال بنية القص ،وهي بهذا تفارق في وظيفتها وظيفة
التفاصيل في البناء الروائي ،ففي الرواية تمثل التفاصيل إحدى أهم
وسائل العمل الروائي الستكمال خصوصيته ،وأية تفاصيل روائية ال
يتم توظيفها الحقا ً داخل العمل الروائي تظل تفاصيل زائدة عن الحاجة،
بينما تختلف وظيفة ودور وأهمية التفاصيل في القصة القصيرة ،ذلك
( )1دهشة التفاصيل الصغيرة (بنية القصة القصيرة) ،عبد هللا رضوان ،مجلة الموقف األدبي ،مجلة أدبية شهرية
تصدر عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق -العددان 419آذار .37 : 2006
101
أن التفاصيل في القصة تؤسس مجمل البناء الفني ،بل هي البناء ذاته
وقد توحدا معا ً في وحدة عضوية فنية تقدم ثيمة القصة الرئيسة ،ولحظة
تجاوز التفاصيل في حركة القص زمانا ً ومكانا ً هي لحظة منقطعة في
البناء ).(1
ويحدد عبدهللا رضوان حضور هذه التفاصيل في عالقتها اإلنسانية في
ثالثة أبعاد وهي.(2):
-1بعد يعطي القاص القدرة على بناء عالمه ،وتحديد هويته القصصية
الخاصة به ،عبر منح ذاته لمجمل التفاصيل الواردة في القص.
-2بعد يُم ّكن القارئ من بناء عالقة إيجابية فاعلة مع العمل القصصي،
عبر خلق آليات تواصل متعددة األوجه بتعدد التفاصيل في القصة،
وفي عالقة هذه التفاصيل مع الزمان والمكان معاً.
-3بعد يعطي الناقد القدرة على إعادة بناء التجربة عبر تجربة شخصية
جديدة ،تمكنه من إعادة إنتاج العمل بعد تحليله إلى تفاصيله
الصغيرة.
وإذا كانت (المتواليات القصصية) تتفق على التقاء القصص التي
تشتمل عليها في مناطق معينة لتشكل وحدة كلية ،فان التفاصيل
الصغيرة في أية قصة قصيرة تعمل على االنطالق من الخاص إلى
العام في القصة الواحدة ،أي من الجزئيات إلى الكل النصي ،وبهذا يكاد
يتوازى فعل حلقة القصص مع فعل التفاصيل ،مع الفارق الذي يتركز
في أن المتواليات القصصية هي ليست قصص قصيرة يتم جمعها
لنحصل على الكل النصي ،بينما الكل النصي في التفاصيل الصغيرة
في أية قصة قصيرة يتكون من مجموع تعالقاتها زمانيا ومكانيا وحدثيا.
لم تقف القاصة عند هذا الحد من التغاير باتجاه المتواليات
التطور الفني
ّ سوغ لها تطورها فنيا ،وقد ّ
القصصية ،بل عملت على ّ
الدخول إلى دائرة تحوالت القص وبفاعلية مشهودة في مجموعتها
(أكاذيب النساء) ( . )3إذ اجترحت في هذه المجموعة تقانات عدة ،
( )3أكاذيب النساء ،سناء شعالن ،أمواج للطباعة والنشر والتوزيع.2018 ،
102
وظفتها في اشتغال تجريبي تجاوز االشتغال في مجاميعها السابقة في
سعي جديد؛ للقبض على المدهش والمثير ،عبر رهاناتها الفنية الجديدة
واالنفتاح على األنواع األدبية والفنية األخر .وتوظيف اشتراطاتها
وخصائصها في تقديم هموم ضاغطة لثقافة واسعة ورؤى عميقة ،إذ
شكل موضوع الحب وعالقة المرأة بالرجل محورا رئيسا في قص أخذ
مظهرا م ن مظاهر النضج الفني عند القاصة .وعلى الرغم من أن كل
قصة تستقل بعنوان رئيسي إال أن القصص تتضافر مع بعضها لتشكل
مجتمعة كلية المتوالية القصصية .ويعد هذا االشتغال نزعة تجريبية
بدأتها بالعناوين التي أخذت جميعا من العنوان الرئيس للمتوالية مفردة
(أكاذيب) ،وهذا ما قد يهب النص الكلي قدرا من الخصوصية
ساعي إلى المغزى والتميز ،وهي تتجه نحو اللعب الفنّي ال ّ
ساخر ال ّ
المفتوح على اإلدهاش وتنشيط الحواس.
لقد وظفت القاصة الفضاء القصصي القصير بطريقة أقل ما يقال
عنها أنها خاصة ،من أجل تحقيق هدفها في التحوالت .والفضاء
القصصي القصير يعني أكثر من مجرد بنيتي المكان والزمان في هذه
المجموعة .إنه الفضاء الشامل الكلي للمجموعة ،بكل بظاللها الثقافية،
فضال عن المميزات التي تحدد كل ظل وتمايزه .وهكذا جاءت مفردة
(أكاذيب) لتعبر عن الداخل الذي يعيشه أبطال القصص ،وكيفية
الخروج من الشخصي (الذاتي) إلى اآلخر (الموضوعي) من أجل
المراوغة والمكر والخديعة.
كما أنها سعت إلى تجسيد االستعارة التنافرية في بعض العناوين
عبر األكاذيب /الحقائق ،فقد جاءت قصصها الثالث األولى بمفردة
الكذب الصريحة (أكاذيب النساء) كاآلتي:
-1أكاذيه النسا
( )1وتشمل ثنائية أكاذيب العانس /حقائق العانس.
( )2وتشمل ثنائية أكاذيب الخادمة /حقائق الخادمة.
( )3وتشمل ثنائية أكاذيب الزوجة /حقائق الزوجة.
( )4وتشمل ثنائية أكاذيب الجميلة /حقائق الجميلة.
( )5وتشمل ثنائية أكاذيب العروس /حقائق العروس.
حرة.
الحرة /حقائق ال ّ
ّ ( )6وتشمل ثنائية أكاذيب
103
( )7وتشمل ثنائية أكاذيب الساحرة /حقائق الساحرة.
-2أكاذيه العدالة
خارج العدالة. ()1
دون العدالة. ()2
للعدالة وجوه كثيرة. ()3
عدالة اللصوص. ()4
موت العدالة. ()5
-3أكاذيه مبابة
أكاذيب مشرعنة المسيح الفلسطيني .وقسمها على قسمين: ()1
بطل ،ثمن.
أكاذيب مشروعة اللعنة ،وقسمها على قسمين أيضا :سير، ()2
أقوال مأثورة.
وتنقل القاصة إلى الترادف اللغوي لمفردة (أكاذيب) فتعنون إحدى
قصصها بـ(تخريصات) .وتنحو منحى مغايرا في عنونة القصص
الفرعية ،إذ أتت العناوين على شكل أرقام متسلسة ،بوصفها عالمة
فارقة وظيفها ترتيب القصص ،مع إضافة جملة أو جملتين إلى
الرقم:،
تخريصات:
-1تخريص (من صفر إلى صفر) الحقيقة التي ال يريد أن يصدقها
مكذّب.
-2تخريص (من )2-1وإضافة جملة أو جملين.
-3تخريص (من )3-2وإضافة جملة أو جملتين.
وهكذا إلى أن تنهي القصة بتخريص متسلسل (من )11 – 10
لتضع بدل الجملة أو الجملتين أو القصة فراغا ،أو كما يسميه آيزر
بالشاغر ،بوصفه تشكيال بصريا متمردا على السائد واأللوف في
القصة القصيرة،؛كي ترك فرصة ليضع القارئ ما يشاء في هذا
الفراغ .ثم تنتقل انتقاالت سريعة من حيث األعداد ،تخريص (من
، )250- 50تخريص (من ، )5000-1000ويبدو أن القاصة بهذه
104
المبالغة في األرقام تريد توصيل معلومة للقارئ ،وهي أن
التخريصات في المجتمع العربي ال حد لها.
وفعّلت القاصة الهندسة العنوانية ذاتها في قصة صهوات الكذب،
فجاءت بين الصهوة والحقيقة ،وعبر االستبدال اللفظي لمفردة
(صهوة) ،تأخذنا العنونة إلى األكاذيب ،ال سيما وأن القرينة موجودة
في كل عنوان فرعي وهي (الحقيقة):
صهوة الكذب (صهوة الظل /حقيقة الظل)( ،صهوة المرايا /حقيقة
المرايا) ( ،صهوة الحلم /حقيقة الحلم) ( ،صهوة الشرف /حقيقة
الشرف) ( ،صهوة القلب /حقيقة القلب) ( ،صهوة الوطن /حقيقة
الوطن).
لقد تأثثت هذه المتوالية القصصية بهندسة العناوين التي شكلت
وحدة موضوعية في عالم متفسخ ،وعبر وسائط متفسخة ،وبمكابدة
المجتمعات المحلية الصغيرة من أجل التماسك والبقاء تحت ضغوط
متعددة من الحداثة والمدنية ،وبذلك فإنها تعكس الصراع بين التماسك
والتشظي ،بين العوامل الجاذبة والعوامل الطاردة ،وعادة فان كتّاب
متواليات القصص يوضحون تكوين الشخصية التخيلية بهذا الشكل
الذي يهدم ويبني االنطباع بالكمال في الوقت ذاته ،مؤكدين على فكرة
أن التماسك النفسي ليس أكثر من وهم في الحقيقة كما في القصة.
ويمكن تلخيص مجموعة (أكاذيب النساء) بأنها مجموعة (أناس
عاديون في ظرف خاص) وكانت وظيفة القاصة إقناع القارئ أو دمجه
أو توريطه في حالة الشخصية .لذا لم تتأسس متوالياتها الحكائية على
الخطية والتتابع أو كل ما هو تقليدي ،وإنما على التداخل والتعدد
والتجاوز.
عند تتبعنا لقصص هذه المجموعة ،وجدنا أن القاصة ما زالت
تحتفظ بحق الرد على كل من يطعن المرأة في شرفها ،أو يقتلها بحجة
أنها جعلت (شرفه) في الحضيض ،وقد تكررت هذه الثيمة في قصص
كثيرة ،ويبدو أنها قد شكلت الزمة ثيمية للقاصة:
وقرروا بك ّل رجولة صدابة،ّ "عندما اجتمع رجال أترتها،
جرت العار عليهم بر ضها ّ
الزواج وعدالة صارمة أن يذبحوها؛ ألنّها ّ
105
بمن اغتصبها ،وخسارة امرأة أهون من خسارة رجل ي عرس
()1
القبيلة"
وهنا تصوغ القاصة وجهة نظرها األنثوية ،التي تعبر فيها عن رؤيتها
في تشكيل صورة الرجل ،وكأن الغريزة التي توقع المرأة في حبائل
الرجال ،هم متنزهون عنها؛ لذلك ترفض القاصة هذا اإلصرار على
إهانة المرأة مهما كانت توصيفاتها :عاشقة محبطة ،مضطهدة ،كارهة
للعالم ،مغتصبة ،كما في المقطع اآلتي:
"كان األمر أتهل م ّما تتخ ّيل ،اغتنم رصة بقائها وبدها ي
بيتها ،واغتصبها بك ّل تهولة وتطوة بعد أن اتتفرد بها ،قاومته
بادّة ،لكنّه كان أقوى منها جسديّاً ،وبذل بظي ببكارتها ،وثم تلّم
نفسه للاّرطة معتر ا ً بجريمته ،ومعلنا ً أنّه علق أت ّم االتتعداد ّ
للزواج
بالزواج ممن اغتصبها، بق المغتصه ّ يقره القانون من ّ بها و ق ما ّ
( )2
صل بعناية لخدمة المجر " وكان القانون مف ّ
106
القاصة في الشهوة والحرمان ،على الرغم من تنوع تلك المقامات التي
جاءت على شكل قصص قصيرة جدا ،يمكن قراءتها بحسب توافر
اشتراطاتها الفنية فيها .وسنمثل لكل من الشهوة والحرمان في مقام من
تلك المقامات ،ولنأخذ المقام األول واألخير:
مقام الشوق " :أمضق ليلته ي بضن تمرائه الصغيرة ،ال يذكر
تماما أين قابلها ،لكنه يحفظ جيدا طقوس شهوتها ،وجغرا يا جسدها،
شرب منها بتق الثمالة ،وانسل من جانبها ،ليسدر ي راش زوجته
التي طال انتظارها له ،التصق بها ،وقال بحروس االرتوا الولهق :أنا
( )1
عطاان قلي "
في هذا القسم من المقامات تقدم القاصة ومضة قصصية اختزلت
سيرة رجل شهواني ،منافق ،ال يكتفي بجسد زوجته ،بل يبحث عن
جسد غيرها ،وال يبالي إن تكرر هذا الجسد أو غيره ،فالمهم أن يمضي
ليلته في حضن امرأة ما .والقصة هنا تجسد الصراع بين األنا واآلخر
مقام التوحد " :ال ي أول تجربة به له ،وقطع لسانه ي
مجلس القاضي؛ ألنه قال الحق ،وكاد يثكل نفسه جوعا؛ ألنه ر ض
أن يثكل مال األيتا ،وطال قائمة الفال والهزيمة واالنكسارات،
بحث عن نفسه لم يجدها ،وما عاد ياعر بثنه يسمع أو يحس أو
يحلم ،بحث ي شي يابهه ،ووجد ضاله ي بائط صلد بارد توبد
معه"( )2مقامات االحتراق16 :
في هذا القسم من المقامات ،تقدم لنا القاصة في مفتتح القصة
نتيجة ،تخبرنا منذ البداية بانكساره ،ونتيجة لهذا االنكسار ،يبحث
الرجل عن التآلف واالنسجام مع عالمه الخارجي ،لكنه يعجز عن ذلك،
فتته ّمش نفسه تحت وطأة الضغوطات المختلفة ،ويظل يعاني العجز
والفصام بعد أن يفقد دفء روحه وإنسانيته ،فلم يجد ما يتوافق مع
ضالته سوى الحائط الصلد؛ كي تزداد انكساراته في هذا التوحد،
بوصفه المخلّص الوحيد له.
107
وفي قصة (سفر الجنون) تفعل القاصة الفعل القصصي ذاته في
القصة السابقة ،إذ يشكل ك ٍّّل (سفر) منها موضوعا وحبكة قصصية
متكاملة البناء ،تجسدت في صور ملتقطة من حياة عدد من الشخوص،
ُوسمت بالجنون ،كونها مارست حق الرفض لكل ما يسلبها إنسانيتها.
وكانت عدد األسفار عشرة ،بدأها بـ(سفر الجنون) وختمها بـ(سفر
الجنون) وما بينهما عناوين مختلفة( :قلب مجنون ،عنبر رقم ،9لحظة
ع قل ،ليلة ماطرة تقريبا ،خطوة واحدة ،مسابقة شعرية ،فقدان توازن،
الحالة المرضية رقم (.)100
ففي السفر األول (الجسد المجنون) ،قرر داخل نفسه أن ال ينطق
إال بالحق ،وال يقول غير الصدق بعد أن كان مجافيا ً للحق والصدق
وغارقا ً في عالم المجامالت واألكاذيب التي فتحت له أبواب المال
والسلطة ،يُزَ ّج به في مستشفى المجانين ،لكنه ورغم خذالن العالم
الخارجي له ،يبدو متصالحا ً مع نفسه وشاعرا ً بمنتهى الرضا عن
الذات" :شعر بسعادة غامرة ،وأحس ألول مرة في حياته بالحرية
والطمأنينة ،لكنهم شعروا بالخطر ،وتآمروا على جسده المسكون
بجنون الصدق ،فدفعوه إلى ما خلف العقل ،حيث مستشفى المجانين،
وتمنوا أن ينسى الجميع كالمه الصادق الذي قاله في لحظة جنون.
"هو الوبيد الذي لم ينس ،بل ضح كثيرا ً وكثيراً؛ ألنه قال كل
ما يريد ،ثم اعتلق الصم الجميل ،وانقطع ي تريره األبيض ي
جناح المجانين الخطيرين ،ليتثمل نفسه الجديدة ،وطال التثمل،
المطلع كان هائالً ،والعمر كان قصيرا ً " (.)1
وفي (قلب مجنون) يستبدل الرجل قلبا ً آخر بقلبه القاسي ..قلبا ً
"تتقبّض وشائجه عند آال أي بار ،وتنتفض غالئله لمرأى
ّ
ويحن المنكوبين والمنكودين ،ويتوتر بجنون عند مرأى البحر،
باو غريه قلق قلهه األخضر المعاوشه" ( . )2فيدخل بسبب هذا
القلب إلى مستشفى األمراض العقلية.
108
وفي "عنبر رقم "9يرفض الرجل تصنيفه في البيت (االبنَ
ي) الذي يرفض االستسالم ،وفي العمل الزائد) وفي المعركة (الجند َّ
(المشاغب) الذي ال يمتلك المرونة ،ومع المرأة (الرج َل) الذي ال َ
يقايض جسد زوجته الجميلة بمنصب مهم ..وألنه يقول كلمة (ال) يُزَ ّج
به في عنبر المجانين ،وعلى الرغم من أنه على ما يبدو من استسالمه
الخارجي لقدره المحتوم ،إال أن نفسه ال تنكسر وتظل أبية وشامخة:
"لكنه يستطيع أن يعترس بثنه تعيد وللمرة األولق ي بياته
يار ه أن يكون ي خانتهم ،ولو ّ بتصنيف ما ،في هذا العنبر رجال
كان ذل ي الدرك األتف من الجحيم ،جميعهم وصلوا هذا المكان؛
ألنهم ثاروا علق مبدأ التقسيم والتصنيف ،ور ضوا أنصاس الحلول،
وأنصاس األخال ،وأنصاس الارس ،وأنصاس المبادئ ،لذل آلوا قلق
العنبر .)1( "9
وفي كل قسم من أقسام القصة ،توالى الصور ،وتقدم الشخوص
التي تُتَّهم بالجنون في عالم مقلوب الموازين ،عالم ليس سوى ساحة
للمجانين الطلقاء .وهذه الشخوص شاحبة المصير ،يقودها خطابها
الواعي ،وإدراكها لذاتها وعالقتها بمحيطها إلى الخذالن والخسائر
الكبيرة على الصعيد الخارجي ،واالنتصار على الصعيد الداخلي.
أما في قصة (مآتم الرصاص) فتنحو القاصة المنحى ذاته في
تقسيم قصتها على ثالثة مآتم :األول وتعنونه بـ(رسالة عاجلة) ،والثاني
بـ(حليمة المجنونة) والثالث بـ(حالة خاصة).
في (المأتم األول) تأتي الكتابة القصصية على شكل رسالة
موجهة للدك تور (جورج آرثر) إذ يروي مرسلها قصة الطفل (فيصل)
الذي يُولَد بعين مبصرة واحدة ،ويعجز الطب عن إرجاع البصر
لألخرى المعطوبة .وبعينه المبصرة يشق فيصل طريقه في الحياة
متسلحا ً بموهبته الفذة في الرسم ،لكن رصاصة طائشة تغتال نور عينه
المبصرة ،ليموت النور في داخله ،ولكنه لم يمت تماما:
"ألن يصل ما عاد قادرا ً علق الرتم ،لم يم كما تتوقع ،وليته
مات ،قذن لوضع بدا ً لمثتاته ،ولكنه أُصيه بالعمق لقد ترق
رصاصة طائاة عين يصل الوبيدة ،أخطثت العين المظلمة،
( )1مقامات االحتراق.21 – 20:
109
وصمم علق التها عينه السليمة ،لم ترض أن تستقر قال ي ظال
عينه التي كان مبصرة قبل لحظات ،ارب من زاللها بتق ارتوت
دماً"(.)1
أما (لمأتم الثاني) ،فيروي قصة حليمة المجنونة ،التي كانت
أجمل نساء القرية وأكثرهن عقالً واتزانا ً وخلقاً ،والتي أنجبت "سعداً"
بعد سنوات انتظار طويلة ،وكانت تطوقه بالرقى والتمائم والحجب
وقطع الحلي الزرقاء خوفا ً عليه من الحسد ،لكن رصاصة طائشة
اغتالت فرحة حليمة ،وحولتها إلى مجنونة تدور القرية ليالً ونهارا ً بحثا ً
عن طفلها" :تصم العيون و ي البعيد ألمح بليمة المجنونة تزغرد
مذبوبة ،وهي تطارد عين الامس التي تتهيث لأل ول ،وتجتهد كي
تجد تعداً قبل أن يخيّم الظال ،سعد يخاق من الظال ،ألنه طفل
صغير ،واألطفال الصغار يخاون الظال والرصاص الطائش" (. )2
وفي (المأتم الثالث) يحكم على (جاسر) بالموت شنقا ً بتهمة لم
يرتكبها ،وإنما ارتكبتها يد طائشة ورصاصة عمياء اغتالت أخاه التوأم
(كايداً) في ليلة عرسه ،غير أن ما يؤلم (جاسراً) ليس حكم اإلعدام
الصادر بحقه ،وإنما دمعة أمه التي لن تتوقف" :من دمعة أمي،
وأشفق عليها من التصدّع بزناً ،كما أشفق عليها من أن تفقد ابنين
ي عا وابد"(.)3
وقد كررت القاصة هوذه المتواليوات الفرعيوة فوي مجموعوة (ناسوك
سوووفر األول المسووو ّمى (سوووفر التّكووووين) أو ( الصوووومعة) ( )4فق ّ
سووومت ال ّ
الدخول في الصومعة) على تسعة أجزاء ،وأسومتها الكاتبوة صووامع هوي
الرجولووة،شووهادة ،صووومعة ّ علووى التّوووالي :صووومعة العشووق ،صووومعة ال ّ
صومعة الموت ،صومعة الجسد ،صومعة الحرمان ،صوومعة الفضويلة،
الظالم ،وصوومعتهم ،والتّسومية صوومعة داللوة أخورى لتجسويد صومعة ّ
110
شخصيّة النّاسك .كما أنها ربطت القصص المتواليوة فوي قصوة (يوميوات
حروف) بالحروف العربية التي تبدأ باأللف وتنتهي بالياء.
أنا في مجموعتهوا القصصوية (كوابوس) ( )1فقود نحوت المنحوى ذاتوه
في ربوط القصوص بعنووان فرعوي كموا فوي قصوة (كوابوس) التوي حملوت
المجموعووة اسوومها ،فجوواءت علووى الشووكل التووالي( :كابوسووه ،كابوسوووها،
كابوسهما ،كابوسهم ،كابوسي) وعند مقارنة هوذه الكووابيس موع األحوالم
التي أتوت فوي قصصوها األخريوات ،نجودها أحالموا يقظوة مفزعوة ،تؤثثنوا
بوالخوف الشوديد ،والهلوع الوذي ال يحوس بهولوه إال مون يكابوده .ولوم نحلول
تحوووالت القووص فووي مجموووعتي (ناسووك الصووومعة) و(كووابوس) وذلووك
لسببين :األول :ال نريد تكرار واجترار ما قلناه في طيوات الكتواب ثانيوة.
والثاني :هناك تحوالت أعمق في المجاميع التي تلت إصدارهما.
وقبل أن أختتم الكتاب ،هناك بعض التحوالت الجزئية في
اشتغالها القصصي ،ربما لو أضفناها ،لزادت من الفائدة ،إذ ركزت
القاصة على عبارة التصدير في أغلب قصصها ،وقد أرادت بهذا الفعل
السردي أن تدفع بقصتها قدما عبر هذا التصدير ،وأن توجه القارئ
نحو الحالة التي ترغب في عرضها دون أن تثقل عليه أو تجعله يشعر
بانسياقه إلى الحالة رغما عنه .ويتضمن كل مشهد حدثا دون شك،
ولكنه يغص بالتفاصيل الخاصة والحميمة ،وبتوظيف التفاصيل
الخاصة يمكن القاص القارئ من الوصول إلى ما يجول في عقل
الشخصية التي هي محور كل قصة.
لقد كان التغير في حالة الصوت ،وحركات الجسد المدروسة
بعناية فائقة ،والحركات الحميمة ذات الخصوصية األنثوية في قصص
سناء شعالن هي مفتاح توظيف التفاصيل لبناء مشهد فاعل .وما نقصده
بالحميمية هنا هو تسجيل أو مالحظة تفصيل ال يعرفه القارئ أو ربما
ال يتخيله من دون إضاءة القاصة الداخلية .وفي مواضع من المجموعة
( )1كابوس ،سناء شعالن ،دائرة الثقافة واإلعالم ،حكومة الشارقة.2006 ،
111
كانت التفاصيل الحميمة هي محور القصة ،وكانت من البراعة والقوة،
إذ إن القارئ ال يمكن أن ينساها.
وهذا النمط من الوصف الذي يمتد صداه من المكان الخاص إلى
البيئة المحيطة هو الذي م ّكن القاص من حكي الفعل بطريقة االستطراد
المشبع بالمحتوى ،دون أن يعطي الفرصة لتفاصيل المشهد من أن
تتسرب من ذاكرة القارئ ،كما انه وظف تقنية المناجاة التي مر ذكرها
حتى ال ينفلت وصف المشهد من ذهن القارئ .فالمشاهد المشبعة
باالستطراد من خالل وصف الظروف الزمكانية والشخصيات منحت
القارئ فرصة تأويل الموقف الذي عبرت عن حالة الشخصية النفسية.
والن السارد ال يقحم نفسه في المشهد فان القارئ ال يرى المشهد أو
يفسر الحالة من خالل السارد .إنما صوت القصة ذاتها يضع القارئ في
مكان الحالة تماما أو على األقل في حالة مقاربة ،ال سيما توظيف
المقارنات غير التقليدية التي عكست طريقة الشخصيات في التواصل
مع عالمها ومع بعضها البعض.
إن الوصف هو صيغة الكتابة القصصية التي تهدف توضيح
الصورة العقلية لشخوص القصة .فمن خالل الوصف يمكننا عرض
الشخصيات والحبكة والظروف الزمكانية .فضال عن الوصف هو أداة
القاص في عرض ثيمات قصته في كثير من األحيان ،فمن الطبيعي أن
يعكس توظيف الوصف في القصة أسلوب كتابتها المميز عند القاص.
فهو من أكثر الصيغ الكتابية المتعارف عليها مع الحوار والتسريد
والعرض والخاتمة ،ومن سوء الحظ فان مصطلح الوصف ـ مثله مثل
اغلب مصطلحات علم السرد ـ له تحديدات عديدة تتراوح بين التفصيل
واإليجاز وتبعا لذلك فان توظيف المصطلح أو تحليله في قصة ما قد
يؤدي إلى التشويش أو سوء التوظيف .وإذا ما صدقت مقولة أن كل
كاتب هو وصفي بالضرورة ،فان المصطلح بتحديده الواسع يعني أن
كل الصيغ القصصية يمكن أن تكون تفرعات من الوصف ،ولكن هذا
التعميم الواسع ال يساعدنا في فهم صيغ القص األخرى؛ ولذا فان
تحديدا أدق لصيغة الوصف تتضمن فقط الوصف بمعناه الخالص ،وقد
تجلى التعبير الوصفي في مجموعة (تقاسيم الفلسطيني) التي تعد
قصصا (شيئية) بالدرجة األولى.
112
فالوصف " قد يختلط أحيانا بأنماط كتابية قريبة منه كاالستعارة
والصورة اللتين تدخالن في تكوينه أثناء الكتابة الروائية وال تنعزالن
وتتساميان عليه إال في الكتابة الشعرية"( .)1وتتمظهر الصورة الوصفية
في السرد عبر العالمات اللغوية واإلشارات البالغية والمسارات
الحكائية ،ويتم توظيفها لتمثل وصفا خالصا حينا ،وملتبسا بالسرد حينا
آخر ،كما في الصورة الوصفية اآلتية:
(أنا امرأة المواتم ،ذقني لتعرس كيف تجتمع ي امرأة وابدة
بربرية الغابات وهمجية الكهوس وتوبش الجنس ،وعذوبة االشتها
وأتاطير الميالد الجديد وبكايا البعث والقرابين) (.)2
إن القارئ في هذه القصص يغرق في مستنقع النفسيات
المتخلخلة؛ ألنها كتبت بطريقة السرد النفسي ،فقد وظف القاص تقانات
التحليل النفسي ،بدءا من اسم المجموعة الذي جاء متوافقا مع صيغتها،
بوصفها تقاسيم نفسية في جلسات التحليل النفسي .فيعمل سارد الحكي
الثالث والذي هو المؤلف في الوقت نفسه على إذابة الحدود بين
القارئ والشخصية ،والتالعب بتمثيالت ذاكرة البطل والقارئ،
ويركز على خطوط بعينها في المشهد وفي الشخصية وفي الذكريات
في محاولة منه على إبقاء القارئ مشدودا حتى النهاية ،دون شعور
بالملل جراء االستطراد وطول الوصف.
113
القرار ومع أ ن العنوان يوحي بتقاسيم انتقالية ليبست ثابتة إال أن أيا من
الشخصيات لم تتخذ قرار بإنهاء الحالة بطريقة ايجابية ،أو ببذل جهد
ولو يسير لتغير الوضع ،إنها تقاسيم ولكن من الواضح أنها متكررة
وربما في طريقها الن تتفاقم أو تتحول إلى ثبات ال عودة عنه .إنها
تعبير عن حالة عجز شامل وسط خيارات محدودة فرضها واقع
اجتماعي واقتصادي وسياسي مترد.
لقد اهتمت سناء شعالن بإظهار هذه القيم والتعبير عنها ضمن
المتواليات القصصية ،كي توصل ذلك عبر تحليل الشخوص ،القيم
الفردية ،األخالقيات ،والمفاهيم األخرى المشابهة .فالقصص النفسية
التي تتميز بعرض الحياة الداخلية للشخوص يكون وعيها أوسع بكثير
من أن ترضيها االتفاقيات المحددة في العالم ،فهي شخوص معقدة في
عالم معقد .كما تكشف هذه القصص القيم والمعاني االجتماعية التي
أضفى عليها صفات ذاتية وعادة ما تكون مضمرة ويقع على عاتق
القارئ كشفها والتفاعل معها.
وعلى الرغم من أن ذلك ينحاز بنا إلى الشيئية ،إال أن (تقاسيم
الفلسطيني) أو (مذكرات رضيعة) أو (قافلة العطش) هي ليست قصصا
شيئية خالصة وان احتلت الشيئية مساحة في كل قصة؛ ذلك أنها
اختلفت مع الشيئية الخالصة حين أسقطت إنسانية
شخصياتها على الوجود حولها ،فمزجت الوصف الذي هو جوهر
الشيئية بالمونولوج الداخلي والتداعي الحر والمناجاة وغيرها من
تقانات تيار الوعي الذي وظفته القاصة في قصة (الضياع في عيني
رجل الجبل) ؛ لتربط داخل الشخصية وما يدور في عقلها بمظاهر
الوجود حولها في تمازج متفرد ،كما أننا يمكن أن نقول عن هذه
المجموعة التي عدّها عبدهللا إبراهيم "التعبيرية الشيئية"( )1هي حاالت
تمازج فيها العام بالخاص ،المضمون بالتجربة الداخلية ،التي هي
جوهر التعبيرية ،والتي وظف القاص تقنيات تيار الوعي في عرضها ـ
مع الواقع الخارجي بتفاصيله بتناغم يستحق اإلعجاب .وفي هذه
القصص تكون الظروف الزمكانية انعكاسا للشخوص ،إنها تعمل على
114
الشخصية وتمنحها مصدرا ال ينضب من التفاصيل التي تساعد القاص
في سرد قصته بطريقة بصرية ،كما لو انه يلتقطها بعدسة كاميرا،
وعليه فإنها هنا شخصية قائمة بذاتها وتشكل ارتباطاتها وجودها
الحقيقي.
المصادر والمراجع
أوال :الكتب
األدب العام المقارن ،دانيل – هنري ياجو ،ترجمة :غسان السيد،
اتحاد الكتاب العرب ،دمشق.1997 ،
أدب الفنتازيا – ،مدخل إلى الواقع – ت .ي .ايتر ،صابر سعدون
السعدون ،دار المأمون للترجمة والنشر ،بغداد.1985 ،
115
األدب والغرابة ،دراسة بنيوية في األدب العربي ،عبد الفتاح
كيليطو .دار توبقال للنشر ،الدار البيضاء -المغرب ،ط،3
.2006
أسطورة الموت والنبعاث في الشعر العربي ،ريتا عوض،
المؤسسة العربية للدراسات والنشر ،بيروت.1978 ،
األسطورة بين الثقافة الغربية والثقافة اإلسالمية ،د .يونس
لوليدي ،مطبعة أنفو برانت ،ط.1996 ،1
األسطورة في روايات نجيب محفوظ ،سناء شعالن ،نادي
الجسرة الثقافي ،قطر.2006 ،
األسلوب واألسلوبية ،د .عبد السالم المسدي ،الدار العربية
للكتاب ،تونس ط.1982 ،2
أنماط الشخصية المؤسطرة ،فرج ياسين ،دار الشؤون الثقافية
العامة ،بغداد.2010 ،
البحث عن الهوية السردية ،جاسم عاصي ،بحث ألقي في الملتقى
الرابع للقصة القصيرة ،دورة (( علي جواد الطاهر)) ،بغداد،
.2009 /1/17
التجريب في القصة والرواية ،سليمان البكري ،دار الشؤون
الثقافية العامة – بغداد ،الموسوعة الصغيرة (. 2000 ،)438
تجنيس العجائبي ،لؤي علي خليل ،مجلة عالمات ،ج(،)15
سبتمبر .2005
التحليل البنيوي للقصة القصيرة ،روالن بارت ،ترجمة منذر
عياشي ،مركز االنماء الحضاري.1993 ،
تحليل النص السردي ،سعيد الوكيل ،الهيئة المصرية العامة
للكتاب ،القاهرة ،ط.1998 ،1
تداخل األنواع في القصة المصرية القصيرة ،1990 - 1960د.
خيري دومة ،الهيئة المصرية العامة للكتاب1998 ،م .
تراتيل الماءـ سناء شعالن ،الوراق للنشر والتوزيع ،عمان –
األردن.2010 ،
116
التطور الفني لشوكل القصوة القصويرة فوي األدب الشوامي الحوديث،
سورية – لبنان – األردن – فلسطين ،د .نعيم اليافي.1982 ،
تقاسيم الفلسطيني ،سناء شعالن ،منشورات أمواج للنشر
والتوزيع ،عمان -األردن ،ط.2015 ،1
التناص األسطوري في شعر إبراهيم أبو سنة ،عبد العاطي
كيوان ،مكتبة النهضة المصرية ،القاهرة ،ط .2003 ،1
الحساسية الجديدة في الرواية العربية ،روايات أدوار الخراط
نموذجا ،الدار العربية للعلوم ناشرون.2010 ،
الحكاية الجديدة ،محمد خضير ،مؤسسة عبد الجميد شومان،
عمان.2009 ،
الخيال من الكهف الى الواقع االفتراضي ،د .شاكر عبد الحميد،
عالم المعرفة ،الكويت.2009 ،
دراسات في القصة العربية ( وقائع مكناس) مؤسسة األبحاث
العربية ،بيروت ،ط.1989 ،1
دليل الناقد األدبي ،د .ميجان الرويلي و د .سعد البازعي ،المركز
الثقافي العربي.2003 ،
الذي سرق نجمة ،سنماء شعالن ،أمواج للطباعة والنشر
والتوزيع.2016 ،
الراوي والنص القصصي ،عبد الرحيم الكردي ،مكتبة اآلداب،
القاهرة ،ط.2006 ،1
الراوية ما بعد الحداثية ،د .ماجدة هاتو هاشم ،دار الشؤون
الثقافية العامة ،بغداد .2013 ،
رحلة في جماليات رواية أمريكا الالتينية ،ماجدة حمود،
منشورات اتحاد الكتاب العرب.2007 ،
رسالة إلى اإلله ،سناء شعالن ،دار اآلداب للنشر والتوزيع،
مؤسسة عبد المحسن القطان.2008 ،
رسائل إلى شاب روائي ،ماريو بارغاس يوسا ،ترجمة صالح
علماني ،دار المدى ،دمشق ،ط.2005 ،1
117
الرواية العربية والحداثة ،محمد الباردي ،دار الحوار ،الالذقية،
ط.1993 ،1
الرؤية الفجائعية في الرواية العربية نهاية القرن العشرين ،محمد
معتصم ،دار أزمنة للنشر والتوزيع.2004 ،
سرد الجسد وغواية اللغة /قراءة في حركية السرد األنثوي
وتجربة المعنى ،الدكتور األخضر بن السايح ،عالم الكتب
الحديث ،أربد – األردن.2011 ،
السرد الغرائبي والعجائبي ،د .سناء شعالن ،نادي األسرة للثقافي
واالجتماعي.2007 ،
شعرية الرواية الفانتستيكية ،شعيب حليفي ،المجلس األعلى
للثقافة ،القاهرة ،ط.2006 ،1
شعرية القصة القصيرة جدا ،جاسم خلف الياس ،دار نينوى للنشر
والتوزيع ،ط 1دمشق .2010
شعرية المحكي :دراسات في المتخيل السردي العربي ،الدكتور
فيصل غازي النعيمي ،دار مجدالوي للنشر والتوزيع.2013 ،
الصووووت اآلخووور ،الجووووهر الحوووواري للخطووواب األدبوووي – فاضووول
ثامر ،دار الشؤون الثقافية العامة ،بغداد1995 ،م.
الصوت والصدى ،دراسات في القصة السورية الحديثة ،رياض
عصمت ،دار الطليعة للطباعة والنشر ،بيروت.1979 ،
الصورة – الزمن ،جيل دولوز ،ترجمة حسن عودة ،منشورات
وزارة الثقافة ،المؤسسة العامة للسينما ،ط ،1دمشق،1998 ،
الضياع في عيني رجل الجبل ،فضولي للطباعة والنشر ،العراق-
كركوك.2012 ،
عبد الرحمن مجيد الربيعي وتجديد القصة العراقية ،سوليمان
البكووري ،منشووورات المركووز الثقووافي االجتموواعي – مؤسسووة دار
الكتب للطباعة والنشر ,جامعة الموصل . .1977
عجائب المخلوقات ،وغرائب الموجودات ،زكريا القزويني،
مطبعة المعاهد ،القاهرة( ،د .ت).
118
عالمات التحديث فوي القصوة المصورية القصويرة ،1980 -1925
محموود كشووك ،دار الشووؤون الثقافيووة العامووة ،الموسوووعة الصووغيرة
( ،)294بغداد.1988 ،
عووون التقاليووود والتحوووديث فوووي القصوووة العربيوووة عبووود هللا أبوووو هيوووف،
منشورات اتحاد الكتاب العرب . 1993
فاتحة لنهايات القرن ،ادونيس ،دار العودة ،بيروت . 1980
فن القصة القصيرة وإشكالية البناء ،أ.د خليل أبو ذياب .انترنيت
موقع القصة السورية،
في البنوية التركيبية ،دراسة في منهج لوسيان جولدمان ،ترجمة
د .جمال ش ّحيد ،دار ابن رشد للطباعة والنشر ،بيروت.1982 ،
في نظرية االدب ,د.شكري عزيز الماضي ،دار الحداثة للطباعة
والنشر والتوزيع ،لبنان بيروت ط.1986 1
قافلة العطش ،سناء شعالن ،الوراق للنشر والتوزيع.2006 ،
القصة الرواية المؤلف ،دراسات في نظرية األنواع األدبية
المعاصرة ،تودوروف وآخرون :ترجمة وتقديم د .خيري دومة،
.1997
القصوة العربيووة والحداثووة ،د .صوبري حووافظ ،دار الشووؤون الثقافيووة
العامة ،بغداد ،الموسوعة الصغيرة (.1990 ، )347
القصة القصيرة النظرية والتقنية ،انريكي اندرسون امبرت،
ترجمة :علي إبراهيم علي منوفي ،مراجعة صالح فضل،
المجلس األعلى للثقافة ،مصر.2000 ،
قضايا الرواية الحديثة ،جان ريكاردو ،ترجمة صياح الجهيم،
وزارة الثقافة ،دمشق ،ط.1977 ،1
اللغة المنسية ,ايريك فروم ,ت حسن قبيس .المركز الثقافي
العربي1995 ،
المتخيول السوردي ،مقاربووات نقديوة فوي التنوواص والورؤى والداللووة،
عبدهللا إبراهيم ،المركز الثقافي العربي ،بيروت ،ط.1990 ،1
معجم المصطلحات األدبية ،سعيد علوش ،دار الكتاب اللبناني،
ط.180 :1985 ،1
119
المغامرة الجمالية للنص القصصي ،االستاذ الدكتور محمد صابر
عبيد ،عالم الكتب الحديث ،أربد .األردن.2010 /
مغامرة العقل األولى ،دراسة في األسطورة ،دار الكلمة ،بيروت،
ط .1985 ،2
مفاهيم التجريب الروائي رصد ومساءلة :انترنيت .
مالحظات حول الكتابة القصصية الياس خوري ضمن كتاب
دراسات في القصة العربية (وقائع ندوة مكناس).
موسوعة األدب والنقد ،مجموعة من الكتاب ،ج( 1األدب والنقد
والتاريخ األدبي) ترجمة وتقديم وتعليق عبد الحميد شيحة،
المجلس األعلى للثقافة ،مصر.1999 ،
ناسك الصومعة ،سناء شعالن ،نادي الجسرة الثقافي االجتماعي،
همان – األردن.2007 ،
النزوع األسطوري في الرواية العربية ،نضال الصالح ،األلمعية
للنشر والتوزيع -الجزائر .2013 ،
النص الرائي /أسئلة القيمة وتقانات التشكيل ،الدكتور محمد
صابر عبيد ،المؤسسة الحديثة للكتاب ،طرابلس -لبنان.2014 ،
النظرية االدبية الحديثة والنقد االسطوري ,حنا عبود ،منشورات
اتحاد الكتاب العرب.1999 ،
النقوود الفنوووي ،جيوووروم سوووتولينير ،ترجمووة فوووؤاد زكريوووا ،المؤسسوووة
العربية للدراسات والنشر ،ط 2بيروت .1982
هسهسة اللغة ،روالن بارت ،ترجمة :منذر عياشي ،مركز
االنماء الحضاري ،حلب،
ط.1999 ،1
ثانيا :الدوريات
األثر المتبادل بين التطور الفني والتطور االجتماعي في الشعر
اللبناني الحديث ،د .ميشال سليمان ،مجلة الكتاب ،العدد ،6السنة
التاسعة ،حزيران .1975
آراء في تاريخ الواقعية السحرية ونظريتها ،مجموعة نقاد،
ترجمة ناطق خلوصي ،مجلة الثقافة األجنبية ،ع .2006 ،2
120
االستدالل باألسطورة ،ميتافيزيقيا القص وتدمير الحكاية ،د.
محمد صابر عبيد ,مجلة األقالم العدد .7-5
بنية الجملة االستهاللية في القصة القصيرة ،ياسين النصير ،مجلة
االقالم ،ع .12-11
التفسير السوسيولوجي لشيوع القصة القصيرة ،سمير حجازي،
مجلة فصول ،مج ،2ع .1982 ،4
حبكة الرواية من المؤلف إلى القارئ ،د .ابراهيم خليل ،مجلة
عمان ،ع.2008 ،152
الحداثة وبعض العناصر المحدثة في القصيدة العربية المعاصرة
,عبد هللا احمد المهنا ,عالم الفكر مج 19ع. 3
دهشة التفاصيل الصغيرة (بنية القصة القصيرة) ،عبد هللا
رضوان ،مجلة الموقف األدبي ،اتحاد الكتاب العرب بدمشق -
العددان 419آذار .2006
شاعرية الذات في تحوالت فاجعة الماء ،عبد الحفيظ جلولي،
مجلة عمان ،األردن ،ع ( ،)145تموز .2007
شهادة إبداعية لسناء شعالن :مجلة الجسرة.
العالقة الجدلية بين الواقعي والمتخيّل في النص ،جاسم عاصي،
مجلة األديب العراقي ،ع.5
الغرائبي في األقصوصة وإشكالية المنهج ،احمد السماوي ،مجلة
األقالم ،ع ( )2السنة الرابعة والثالثون.1999 ،
القصة القصيرة والنوع األدبي وتداخل األجناس :القصة كجنس
مفتوح د .حسن عليان مجلة الكاتب العربي العدد 67ـ ، 68شتاء
ربيع .2005
محاولة اقتراب من الواقعية السحرية ،أورورا أوكامبو ،ترجمة
نرمين ابراهيم ،الثقافة
االجنبية ،ع ،2السنة الثانية عشرة.1994 ،
مذكرات رضيعة ،سناء شعالن ،نادي الجسرة الثقافي
االجتماعي ،قطر.2006 ،
121
المرئي والمتخيل ،أدب الحرب القصصي في العراق ،دراسة
ومختارات ،الجزء الثاني ،د .محسن جاسم الموسوي .
مصارد توثيق التجربة اإلبداعية ،تجربة ماركيز أنموذجا ،ناطق
خلوصي ،مجلة األقالم ،ع ،2أيار /حزيران /تموز /آب ،السنة
السابعة واألربعون.2012 ،
وظيفة الرؤية في القصة العراقية القصيرة في الثمانينات ،عبدهللا
إبراهيم ،مجلة الطليعة األدبية ،ع ( )10 /9أيلول – تشرين األول
.1987
ثالثا :األنترني
حاورها توفيق عابد صحيفة االتحاد االماراتية
http://www.alittihad.ae/details.php?id=23022&y
=2011
السرد الروائي وتداخل األنواع ،نماذج من الرواية المصرية
المعاصرة ،د إبراهيم الكردي :انترنيت .موقع أدباء مصر،
http://odabaamasr.blogspot.com///blog-
. post_.html
سووووناء شووووعالن قاصووووة محرومووووة موووون الحووووب -جريوووودة االتحوووواد
&http://www.alittihad.ae/details.php?id=23022
article=full#ixzz1GZGG7Hlj&y=2011
مصطلحات أدبية :الواقعية السحرية،
.http://www.annabaa.org/nbanews//.htm
النقد االسطوري عند د .مصطفى ناصف ,د .جميل حمداوي
انترنيت ،موقع ديوان العربwww.Diwan alar .
122