You are on page 1of 19

110

‫د‪� .‬سناء �شعالن‬


‫عينان ت�س�أالن‬
‫أزدي‬
‫الفراهيدي ال ّ‬
‫ّ‬ ‫تميم‬
‫أحمد َعمرو بن ٍ‬ ‫بن � َ‬ ‫ُ‬
‫الخليل ُ‬ ‫كي)‬ ‫الط ُ‬
‫فل النّبي ُه (الذّ ُّ‬ ‫ُو َلد ّ‬
‫وقيل في الب�صر ِة (مدين ٍة في العراقِ ) في عام ‪ 100‬هجري‪،‬‬ ‫اليحمدي في ُع َمان‪َ ،‬‬ ‫ّ‬
‫بعد ر�سولِ اللهّ ِ ‪.‬‬ ‫أحمد َ‬ ‫كان �أ ّولَ َم ْن �س ّمي ِ‬
‫با�سم � َ‬ ‫أحمد َ‬‫وقيل � ّإن �أبا ُه � َ‬
‫ٍ‬
‫عندئذ‬ ‫الخليل �إلى مدين ِة الب�صر ِة‪ ،‬وهي‬ ‫ُ‬ ‫و�سرعان ما َ‬
‫انتقل‬ ‫َ‬
‫يعرف ِب ِه‬
‫ُ‬ ‫(علم‬
‫العربي ٍ‬
‫ّ‬ ‫(ف��ي ذل َ��ك ال��وق ِ��ت) عا�صم ُة النّحو‬
‫الكالم �إعراب ًا وبنا ًء)‪ ،‬و ِق ْبل ُة الكثيرِ من �أئم ِة‬ ‫ِ‬ ‫�أحوالُ �أواخرِ‬
‫ِ‬
‫والحديث‪،‬‬ ‫(علما ِء) ال ّلغ ِة العربي ِة وعلما ِء ال ّتف�سير‬
‫وم�سكن الكثيرِ من‬
‫ُ‬ ‫العلم‪،‬‬‫(م�ستق ُّر) طالبي ِ‬ ‫ُ‬
‫وموئل ُ‬
‫العرب و�أدبا ِئها‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ف�صحا ِء‬

‫‪111‬‬
112
‫بالعلم‪ ،‬وفي ح�ضنِ ال ّدول ِة الإ�سالم ّي ِة الفت ّي ِة (ال�شّ ا ّب ِة)‬ ‫ِ‬ ‫وفي هذ ِه البيئ ِة الخ�صب ِة‬
‫كل وق ِت ِه‬‫العلم الذي تو ّل َع ِب ِه (�أح َّب ُه وتع ّل َق ِب ِه)‪ ،‬ووه َب ُه َّ‬
‫أحمد على ِ‬ ‫حت عينا الخليلِ بنِ � َ‬ ‫تف ّت ْ‬
‫الخليل بقو ِة المالحظ ِة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫بي‬
‫ال�ص َّ‬ ‫(ف�ض َل ُه و�أعطا ُه) ّ‬ ‫خ�ص اهلل ُ ّ‬ ‫وقد َّ‬ ‫واهتمام ِه وحيا ِت ِه‪ْ ،‬‬
‫ِ‬
‫�شيء‪ ،‬وتت�أ ّمال ِن ِه طوي ًال‪ ،‬وت�س�أالن‬ ‫كل ٍ‬ ‫عند ِّ‬ ‫�شديد ي�ش ُّع في عيني ِه اللتين تتوقّفانِ َ‬ ‫وبذكاء ٍ‬ ‫ٍ‬
‫عند ظاهرِ الأ�شيا ِء بل تغو�صانِ في‬ ‫َعن ُه‪ ،‬ثم تتعم ّقان في ال ّتفكير في ِه‪ ،‬فال تقفانِ َ‬
‫بذلك‬ ‫فك الألغا ِز والأ�سرارِ‪ ،‬وت�صالنِ �إلى حقيق ِة الأ�شيا ِء‪ ،‬فكان َ‬ ‫العمقِ ‪ ،‬وتبحثانِ عن ِّ‬
‫نتائج‬‫بذلك‪ ،‬بل ت�سعى �إلى الو�صولِ �إلى َ‬ ‫وتدرك ثم ال تكتفي َ‬ ‫ُ‬ ‫نموذج العبقري ِة التي ُ‬
‫تفهم‬ ‫َ‬
‫كل �إن�سانٍ في ال ّدنيا‪.‬‬ ‫بعلم ِه َّ‬
‫ي�ساعد ِ‬ ‫َ‬ ‫يتمنى �أن‬
‫كان ّ‬ ‫علم‪ ،‬بل �إن ُه َ‬
‫طالب ٍ‬ ‫كل ِ‬ ‫ت�ساعد َّ‬
‫ُ‬ ‫وقواعد‬
‫َ‬
‫وكانت رغب ُت ُه الجامح ُة في خدم ِة‬ ‫إ�سالم‪ْ ،‬‬ ‫الخليل عا�شق ًا للغت ِه العرب ّي ِة ولدين ِه ال ِ‬
‫ُ‬ ‫وكان‬
‫َ‬
‫كان‬ ‫العلم وتع ّل ِم العرب ّي ِة‪� ،‬إذْ َ‬ ‫طلب ِ‬ ‫اجتهاد ِه في ِ‬ ‫ِ‬ ‫بب في‬
‫ال�س َ‬
‫إ�سالم والم�سلمين هي ّ‬ ‫ال ِ‬
‫إ�سالمي‬
‫ّ‬ ‫ين ال‬ ‫لمن �أرا َد �أن يف َه َم ال ّد َ‬ ‫(يجب) ْ‬ ‫ُ‬ ‫غيور ًا عليها‪ ،‬فهي ُل َغ ُة القر�آنِ ‪َّ ،‬‬
‫والبد‬
‫َ‬
‫وو�صل لي َل ُه‬ ‫واجتهد‪،‬‬
‫َ‬ ‫وتعب‬
‫كد َ‬ ‫فقد َّ‬ ‫ولذلك ْ‬‫َ‬ ‫يتقن ال ّلغ َة العرب ّي َة على خيرِ ٍ‬
‫وجه‪،‬‬ ‫�أن َ‬
‫رف)‬ ‫(ع َ‬ ‫أدرك َ‬ ‫وفهم معانيها‪ ،‬و� َ‬ ‫بنها ِر ِه حتى تف ّوقَ في درا�س ِة الل ّغ ِة العرب ّي ِة‪ِ ،‬‬
‫أهم علما ِء المدر�س ِة الب�صر ّي ِة‪.‬‬ ‫فنونَها و�آدا َبها‪ ،‬وغدا (�أَ�صبح) من � ِ‬

‫‪113‬‬
114
‫بن �أبي الن ِ‬
‫ّجود‬ ‫عا�صم ِ‬
‫ٍ‬ ‫وح�ض َر حلق َة القارئِ‬
‫العلم‪َ ،‬‬ ‫دروب ِ‬ ‫بعد � ْأن �سعى (�سا َر وم�شى) في ِ‬
‫من ال ِ‬
‫أعراب (البدو‬ ‫ابن كثيرٍ ‪ ،‬ثم تع ّلم ال ّلغ ِة العرب ّي ِة َ‬
‫في الكوف ِة‪ ،‬و�أخذَ في مكة عن قارئها ِ‬
‫ونجد وتهام َة‪ ،‬كما �أ ّن ُه تتلمذَ على‬‫ال�صحرا ِء) �أهلِ الف�صاح ِة والبالغ ِة في الحجا ِز ٍ‬ ‫من �أهلِ ّ‬
‫�شيوخ ِه‬
‫�شهد َل ُه جمي ُع ِ‬ ‫وقد َ‬ ‫بن العال ِء‪ْ ،‬‬ ‫�أيدي �أئم ِة ال ّلغ ِة العرب ّي ِة في ع�صرِ ِه �أمثال �أبي عمرو ِ‬
‫أعالم (�أ�شهرِ علما ِء) النّح ِو‬ ‫(معلمي ِه) بالذّ كا ِء وال ّتفوقِ ‪ ،‬وعن ُه �أخذَ النّح َو وال ّلغ َة جي ٌل ِم ْن � ِ‬
‫أ�صمعي‬
‫ّ‬ ‫ّحوي‪ ،‬ووهب بن جرير وال‬ ‫�أمثال �سيبوي ِه والنّ�ضر بن �شميل وهارون بن مو�سى الن ّ‬
‫الجه�ضي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫والك�سائي وعلي بن ن�صر‬‫ّ‬
‫ال ّدعا ُء الم�ستجا ُب‬
‫أحمد يوم ًا‪ ،‬فتع ّل َق ب�أ�ستا ِر الكعب ِة‪ ،‬و�س�ألَ‬
‫بن � َ‬ ‫ُ‬
‫الخليل ُ‬ ‫حج‬
‫وق ْـد َّ‬
‫وطلب ِم ْن ُه) �أَ ْن يه ُبه (يعطي ُه) علم ًا‬
‫(ابتهل َ‬ ‫َ‬ ‫اهلل َمت�ض ّرع ًا‬
‫لم ي�سبقه �إليه �أح ٌد‪ ،‬وال ُي�ؤخذُ �إال ع ْن ُه فيكون َل ُه خي ُر‬
‫أنعم عليه نعم ًة طيب ًة) اهلل ُ‬ ‫فمن (� َ‬‫العلم و أ�جـ ُر ُه‪َّ ،‬‬
‫ذلك ِ‬ ‫َ‬
‫اعتكف في ِه (� َ‬
‫أقام‬ ‫َ‬ ‫عل ِي ِه‪ ،‬فما كا َد يعو ُد �إلى بي ِت ِه‪ ،‬حتى‬
‫علم‬
‫وقد و�ض َع َ‬ ‫خرج على النّا� ِس ْ‬ ‫و َل��زِ َم)‪� ،‬إلى � ْأن َ‬
‫(علم موازين ال�شِّ عرِ )‪َ ،‬‬
‫وكان‬ ‫ال َع ُرو�ضِ كام ًال ِ‬
‫‪115‬‬
116
‫ا�س‪ ،‬وهو‬ ‫نح ُ‬ ‫بعد � َّأن م َّر يوم ًا ب�سوقِ النّحا�سين (مفردها ّ‬ ‫ذلك َ‬ ‫َ‬
‫ط�ست‬‫ٍ‬ ‫ّحا�س ويبي ُع ُه) ف�سم َع وقع مطرق ٍة على‬ ‫َم ْن ي�صن ُع الن ِ‬
‫فلمعت في ذه ِن ِه فكر ُة ال َع ُرو�ض‪ ،‬وهذا‬ ‫ْ‬ ‫(�آني ٍة من الن ِ‬
‫ّحا�س)‬
‫��ان للخليلِ عل ٌم‬ ‫ّغم‪ ،‬وك َ‬ ‫يحتاج �إلى معرف ٍة بال ِ‬
‫إيقاع والن ِ‬ ‫ُ‬ ‫العلم‬
‫ُ‬
‫نف�س ِه(نا�سي ًا َل َه ْا)‬ ‫بي�س بي ِت ِه ذاه ًال َع ْن ِ‬
‫ظل َح َ‬ ‫بذلك‪ ،‬وقـد َّ‬ ‫كبي ٌر َ‬
‫يتمتم (يقولُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫ل�ضبط �أوزانِ ما‬ ‫يرف ُع �أ�صاب َع ُه �أو يح ّرك ُها ٍ‬
‫ببطء‬
‫ي�ضبط‬ ‫َ‬ ‫وقد ا�ستطا َع � ْأن‬ ‫مفهوم) ِب ِه ِم ْن ال�شِّ عرِ ‪ْ ،‬‬
‫ٍ‬ ‫كالم ًا َ‬
‫غير‬
‫نظم ال�شِّ عرِ حتى الآن‪،‬‬ ‫أوزان خم�س َة ع�ش َر بحر ًا يجري عليها ُ‬ ‫� َ‬
‫الكالم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫الخليل ال�شِّ ع َر َع ْن غيرِ ِه من فنونِ‬
‫ُ‬ ‫وبهذ ِه ال ُبحو ِر م ّي َز‬
‫الف�ضل على ال ّلغ ِة العرب ّي ِة وعلى ال�شِّ عر‪� ،‬إذْ‬
‫ُ‬ ‫كان َل ُه‬
‫وبذلك َ‬ ‫َ‬
‫ياع‪.‬‬ ‫بذلك من االختاللِ ّ‬
‫وال�ض ِ‬ ‫حفظ ُه َ‬ ‫َ‬

‫‪117‬‬
118
‫دخل يوم ًا‬
‫وقد َ‬ ‫كان َل ُه ول ٌد جاه ٌل‪ْ ،‬‬ ‫عبد ال ّرحمنِ َ‬ ‫كان ُيكنّى ب�أبي ِ‬ ‫الخليل الذي َ‬ ‫َ‬ ‫ويقالُ �إِ ّن‬
‫ّا�س �صارخ ًا‪ّ � " :‬إن‬ ‫أبيات �شعرٍ ب�أوزانِ ال َع ُرو�ض‪ ،‬فخرج �إلى الن ِ‬ ‫قط ُع � َ‬‫فوجد ُه ُي ّ‬‫والد ِه‪َ ،‬‬ ‫على ِ‬
‫الخليل مخاطب ًا‬‫ُ‬ ‫ّا�س على الخليلِ ‪ ،‬و�أخبرو ُه بما قالَ اب ُن ُه‪ ،‬فقالَ‬ ‫فدخل الن ُ‬‫َ‬ ‫�أبي قد ُج َّن "‪،‬‬
‫َ‬
‫الجاهل‪:‬‬ ‫اب َن ُه‬
‫تعلم ما تقولَ َعذَ ل ُتكا‬ ‫كنت ُ‬ ‫لو َ‬ ‫تعلم ما �أقولُ عذرتني ‬ ‫كنت ُ‬ ‫"لو َ‬ ‫ ‬
‫وعلمت �أن َّك جاه ٌل َف َعذَ ْر ُتكـا"‬
‫ُ‬ ‫ـلت مقالتي فعذلـتني ‬ ‫لــكن جه ـ َ‬ ‫ ‬
‫أحمد؛ ليتع ّلموا على يدي ِه َ‬
‫العلم‬ ‫العبقري الخليلِ بنِ � َ‬
‫ّ‬ ‫العلم على �شيخهِ م‬ ‫أقبل طلب ُة ِ‬ ‫وقد � َ‬
‫الخليل خير ًا‬
‫ُ‬ ‫الجديد الذي ابتك َر ُه‪ ،‬فكانوا يالزمونه (يرافقو َن ُه وال يفارقو َن ُه)‪ ،‬ف� ْإن ر�أى‬ ‫َ‬
‫ذلك‬ ‫(عك�س) َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خالف‬ ‫ا�ستبقاهم‪ ،‬و� ْإن ر�أى‬
‫ُ‬ ‫فيهم‪ ،‬وا�ستعداد ًا َ‬
‫عند ُهم لتع ّل ِم ال َع ُرو�ض‬
‫علم �آخر‪.‬‬‫ون�صح ُهم بتع ّل ِم ٍ‬
‫َ‬ ‫�صر َف ُهم ب� ٍ‬
‫أدب‪،‬‬
‫العلم‬
‫ثرو ٌة من ِ‬
‫عظم‬ ‫(المف�ضلِ َ‬
‫عند ُه) ممن �أخذوا الكثي َر من ِ‬ ‫ّ‬ ‫وكان �سيبوي ِه ُ‬
‫تلميذ الخليلِ الأثيرِ‬ ‫َ‬
‫الزم ُه طوي ًال‪ ،‬وع ْن ُه َ‬
‫نقل الكثي َر من الم�سائلِ والآرا ِء‬ ‫علم ِه في النّمو بعد �أن َ‬ ‫ِ‬
‫يقارب) ثالثمئ ٍة و�سبعين‬
‫ِ‬ ‫(الكتاب) في نحو (ما‬ ‫ِ‬ ‫في كتا ِب ِه ال�شّ هيرِ‬
‫وعظيم ف�ض ِل ِه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫مو�ضع ًا ُمعترف ًا َل ُه بوافرِ ِ‬
‫علم ِه‪،‬‬
‫أنتج ْت) عبقر ّي ُة الخليلِ ِبن � َ‬
‫أحمد‬ ‫وتفتقت (� َ‬‫ْ‬
‫إبداع عمالقٍ ‪ ،‬و�إنجازٍ باهرٍ‬
‫جديد عن � ٍ‬ ‫من ٍ‬
‫ٍ‬
‫جماعات من العلما ِء كي‬ ‫يحتاج �إلى‬
‫ُ‬
‫‪119‬‬
‫يث بن ِ‬ ‫فكتب ع ْنهُ) على طال ِب ِه ال ّل ِ‬
‫(قال َل ُه َ‬ ‫وكان َق ْد �أم َ‬
‫�لا ُه َ‬ ‫معجم في ال ّلغ ِة العرب ّي ِة‪ْ ،‬‬
‫ٍ‬ ‫ينجزوا مثله‪ ،‬ف أ� ّل َف �أ ّو َل‬
‫كالم َها‪ .‬وقد بـد�أ الخلي ُل‬ ‫َ‬
‫ي�ضبط ال ّلغ َة ويح�ص َر (يح ّد َد ويع ّد َد) َ‬ ‫معجم ِه �أن‬
‫دف الخليلِ من َو ْ�ض ِع ِ‬ ‫وكان َه ُ‬ ‫المظفّرِ ‪َ ،‬‬
‫فكان ترتي ُب ُه كالآتي‪:‬‬‫الحروف في ِه َو ْفقَ مخارج َها‪َ ،‬‬
‫َ‬ ‫الحروف ثم بتقليبِ ال ّلفظ ِة على ِّ‬
‫كل �أوج ِه َها‪ ،‬وق ْد رت َّب‬ ‫ِ‬ ‫بترتيبِ‬

‫‪120‬‬
‫(العين)؛ ل ّأن‬
‫َ‬ ‫ع ح هـ‪ ،‬خ غ‪ ،‬ق ك‪ ،‬ج �ش �ض‪� ،‬ص �س ر‪ ،‬ط د ت‪ ،‬ظ ث ذ‪ ،‬ف ب م‪ ،‬و ا ى‪ ،‬الهمزة‪ ،‬و�أ�سما ُه‬
‫الحروف المرتّب ِة على التوالي‬ ‫ِ‬ ‫معجم ِه؛ و�س ّمى مجموعات‬ ‫الحروف في ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫الحرف الأ ّو ُل في ترتيبِ‬ ‫العين هو‬
‫َ‬
‫(التّرتيبِ ) حلق ّي ًة‪ ،‬ولهوي ًة‪ ،‬وهجر ّي ًة‪ ،‬و�أ�سل ّي ًة‪ ،‬ونطع ّي ًة‪ ،‬ولثو ّي ًة‪ ،‬وذلق ّي ًة‪ ،‬و�شفو ّي ًة‪ ،‬وهوائ ّي ًة‪ .‬و َق ْد تو ّق َف في‬
‫�شواهد نثر ّي ٍة و�شعر ّي ٍة وقر�آن ّي ٍة‪.‬‬
‫َ‬ ‫وال�صرف ّي ِة‪ ،‬وذك َر في ِه‬
‫عند كثيرٍ من الق�ضايا ال ّنحو ّي ِة ّ‬ ‫معجم ِه َ‬
‫نفات (ال ُكتب) ِمن َها‪:‬‬ ‫الم�ص ِ‬‫العرب‪ .‬كما َل ُه كثي ٌر من ّ‬ ‫أحمد أ� ّولَ َم ْن ح�ص َر �أ�شعا َر ِ‬ ‫بن � َ‬ ‫ُ‬
‫الخليل ُ‬ ‫وكان‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫الحروف‪.‬‬ ‫كتاب معاني‬ ‫كتاب العواملِ ‪ُ ،‬‬ ‫ّغم‪ُ ،‬‬ ‫كتاب الن ِ‬
‫واهد‪ُ ،‬‬ ‫كتاب ال�شّ ِ‬
‫رو�ض‪ُ ،‬‬ ‫كتاب ال َع ِ‬ ‫ُ‬
‫عوب الأخرى‬ ‫اختالطهم بغيرِ ِهم من ال�شّ ِ‬ ‫ُ‬ ‫العرب ِ‬
‫ب�سبب‬ ‫عند ِ‬ ‫والكالم َ‬
‫ِ‬ ‫ول ّما �شا َع الخط�أُ في القراء ِة‬
‫أحمد حـ ًّال ذك ّي ًا وناجح ًا (نافع ًا)‬ ‫بن � َ‬ ‫ُ‬
‫الخليل ُ‬ ‫خا�ص) الذي �أ�سلموا حديث ًا‪َ ،‬‬
‫وجد‬ ‫ال �سيما (ب�شكلٍ ٍ‬
‫(ا�ستخدام الن ِ‬
‫ّقاط ب�شكلٍ‬ ‫ِ‬ ‫إعجام‬
‫تنقيط ال ِ‬ ‫َ‬ ‫لهذ ِه الم�شكل ِة‪ ،‬بعد � ْأن اختر َع تلميذُ ُه �أبو ال ِ‬
‫أ�سود ال ّد� ّ‬
‫ؤلي‬
‫ُ‬
‫الخليل‬ ‫كالجيم والحا ِء والخا ِء)‪ ،‬وذلك ب� ْأن اختر َع‬ ‫ِ‬ ‫الحروف المت�شابه ِة‬‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫مخ�صو�ص للتمييز بين‬
‫ّظام الذي‬‫والهمزات وهمز َة الو�صلِ ‪ ،‬وبقي هذا الن ُ‬ ‫ِ‬ ‫كون‬
‫وال�س َ‬ ‫وال�ضم َة ّ‬
‫أوجد ال�ش ّد َة ّ‬ ‫الحركات‪ ،‬ف� َ‬‫ِ‬ ‫ر�سم‬
‫َ‬
‫اخترع ُه معمو ًال ِب ِه حتى الآن‪.‬‬
‫َ‬
‫العال ُم الفقيرُ ال ّزاه ُد‬
‫يملك �شيئ ًا) زاهد ًا بالمالِ ‪َ � ،‬‬
‫أ�شعث ال�شَّ عرِ (غي َر م�صف ٍّف)‬ ‫الخليل حيا َت ُه فقير ًا معدم ًا (ال ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫عا�ش‬
‫يكن ي�شكو من فقرِ ِه‪َ ،‬‬
‫وكان‬ ‫المالب�س والنّعلِ (الحذا ِء) غي َر م�شهو ٍر ال يعر ُف ُه الن ُ‬
‫ّا�س‪� ،‬إال إ� ّن ُه لم ْ‬ ‫ِ‬ ‫مم ّزقَ‬
‫ق�صب) َل ُه في الب�صر ِة‬
‫(بيت من �شجرٍ �أو ٍ‬ ‫�ص ٍ‬ ‫كان ُ‬
‫يعي�ش في خُ ٍّ‬ ‫غم من أ� ّن ُه َ‬ ‫ُمقب ًال على ِ‬
‫العلم‪ ،‬على ال ّر ِ‬
‫كان‬‫بعلم ِه‪ ،‬وما َ‬
‫يملك فل�سين‪ ،‬وتالمذ ُت ُه يك�سبون المالَ الكثي َر ِ‬ ‫والد ِه‪ ،‬ال ُ‬ ‫قد ور َث ُه عن ِ‬
‫في ب�ستانٍ كان َ‬
‫(يجاهد) عام ًا‪ ،‬ويح ُّج عام ًا حتى تُوفي‪.‬‬
‫ُ‬ ‫كان عفيف ًا زاهد ًا بال ّدنيا‪ ،‬يغزو‬ ‫فقد َ‬ ‫يبالي (يهت ُّم) َ‬
‫بذلك‪ْ ،‬‬

‫‪121‬‬
‫يرف�ض َ‬
‫ذلك‪ ،‬ويكتفي‬ ‫ُ‬ ‫الملوك �إلى الخليلِ يطلبون ر�ضا ُه‪ ،‬ويعر�ضون علي ِه عطا َء ُهم‪َ ،‬‬
‫فكان‬ ‫ُ‬ ‫وقد �سعى‬
‫ْ‬
‫حبيب ِبن المه ّلبِ ِبن �أبي �صفر ِة ال ّ‬
‫أزدي‪،‬‬ ‫�سليمان ِبن ٍ‬
‫َ‬ ‫رف�ض �أن يكون معلم ًا ومرب ّي ًا ِ‬
‫البن‬ ‫بالقليلِ ‪ ،‬حتى �إ ّن ُه َ‬
‫ُ‬
‫الخليل‪:‬‬ ‫كان يعطيه َل ُه‪ ،‬ف� َ‬
‫أن�شد‬ ‫�سليمان ما َ‬
‫ُ‬ ‫(حاكم) فار�س والأهوازِ‪ ،‬فقط َع عن ُه‬
‫َ‬ ‫وكان والي‬
‫َ‬

‫‪122‬‬
‫للـ ّرزقِ حــتى َي َت ـ ـ َو ّفــاني‬ ‫ � ّإن الذي �شَ َّق فـمي �ضـ ِ‬
‫ـام ٌ ن‬
‫مالك حرماني‬ ‫زادك في َ‬ ‫َح َرم ْتنَني خير ًا قلي ًال فم ـا ‬ ‫ ‬
‫و�ضاعف َل ُه‬
‫َ‬ ‫كتاب (ر�سالةَ) اعتذارٍ �إلي ِه‪،‬‬ ‫أر�سل َ‬ ‫وندم‪ ،‬و� َ‬
‫فخجل‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫�سليمان قولُ الخليلِ ‪،‬‬
‫َ‬ ‫فبل َغ‬
‫اتب‪.‬‬‫ال ّر َ‬
‫العال ُم الحكي ُم‬
‫كان رج ًال �صالح ًا عاق ًال حليم ًا‬ ‫فقد َ‬‫(�صفات و�أخالق ًا) كريم ًة‪ْ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫�شمائل‬ ‫وهب اهلل ُ َ‬
‫الخليل‬ ‫وقد َ‬
‫الح َك ِم والأ�شعار التي تد ُّل على خبر ِت ِه بالن ِ‬
‫ّا�س‬ ‫وكان َل ُه الكثي ُر من ِ‬ ‫ّا�س) حكيم ًا‪َ ،‬‬ ‫(يحترم ُه الن ُ‬‫ُ‬ ‫وقور ًا‬
‫كان يت ّغنى بقولِ ال�شّ اعر الأخطلِ ‪:‬‬ ‫والحيا ِة‪ ،‬وكثير ًا ما َ‬
‫ك�صالح الأعمالِ‬
‫ِ‬ ‫ذُ ْخر ًا ُ‬
‫يكون‬ ‫و�إذا اف َت َق ْر َت �إلى الذّ خائرِ لم تجِ ْد ‬ ‫ ‬
‫الخليل الم�شهور ِة‪:‬‬
‫ِ‬ ‫وم ْن � ِ‬
‫أقوال‬ ‫ِ‬
‫فلي�س‬
‫هلل َ‬ ‫العلم– �أوليا َء ِ‬ ‫أهل ِ‬ ‫الطائف ُة –يعني � َ‬ ‫تكن هذ ِه ّ‬ ‫"� ْإن ل َْم ْ‬
‫أحد ثالث ٍة؛‬‫لقيت � َ‬
‫خرجت من منزلي ُ‬ ‫ُ‬ ‫ولي"‪ .‬وقوله‪�":‬إذا‬ ‫هلل تعالى ٌّ‬ ‫ِ‬
‫يوم فائد ٍة‪� ،‬أو رج ًال مثلي‪َ ،‬‬
‫فذلك‬ ‫فذلك ُ‬ ‫ب�شيء مني‪َ ،‬‬ ‫أعلم ٍ‬ ‫�إ ّما رج ًال � ُ‬
‫وكان يقولُ ‪":‬ال ّز ُ‬
‫اهد َم ْن‬ ‫ثواب"‪َ ،‬‬ ‫يوم ٍ‬ ‫فذلك ُ‬ ‫مذاكر ٌة‪� ،‬أو رج ًال دوني‪َ ،‬‬
‫كذلك‪�" :‬إذا � َ‬
‫أردت �أن‬ ‫َ‬ ‫"‪.‬وكان يقولُ‬
‫َ‬ ‫يفقد الموجو َد‬ ‫يطلب المفقو َد حتى َ‬ ‫لم ِ‬
‫فجال�س غي َر ُه"‪.‬‬
‫ْ‬ ‫تعرف خط َ�أ مع ّل َم َك‬ ‫َ‬

‫‪123‬‬
‫كان غاي ًة في ال ّتوا�ض ِع‪ ،‬ف�إذا �أفا َد �إن�سان ًا �شيئ ًا لم ي�شعر ُه ب�أ ّنه‬
‫وعلى ال ّرغم من عبقر ّي ِة الخليلِ �إ ّال �أ ّن ُه َ‬
‫ال�شك َر‪ ،‬و�أ�شع َر ُه ب�أ ّن ُه ا�ستفا َد من ُه‪ .‬وهذ ِه الأخالقُ الكريم ُة ْ‬
‫جعلت‬ ‫أحد �شيئ ًا � َ‬
‫أجزل َل ُه ّ‬ ‫�أفا َد ُه‪ ،‬و� ْإن ا�ستفا َد ِم ْن � ٍ‬
‫مثل الخليلِ ‪ ،‬وال‬‫بن �شميلٍ ‪" :‬ما ر�أى الرا�ؤون َ‬ ‫ذلك ُ‬
‫يقول النّ�ض ُر ُ‬ ‫علما َء ع�صرِ ِه ُي�شيدون ِب ِه (يمدحون ُه)‪ ،‬وفي َ‬
‫ٍ‬
‫وم�سك فلينظ ْر �إلى‬ ‫أحب � ْأن ينظ َر �إلى رجلٍ من ٍ‬
‫ذهب‬ ‫بن عيين َة‪َ " :‬م ْن � َّ‬ ‫�سفيان ُ‬
‫ُ‬ ‫نف�س ِه"‪َ ،‬‬
‫وقال‬ ‫مثل ِ‬ ‫ر�أى الخلي ُل َ‬
‫‪124‬‬
‫بن �شميلٍ في مع ّل ِم ِه الخليلِ ‪�" :‬أكلت ال ّدنيا ِ‬
‫بعلم‬ ‫حين َ‬
‫قال النُّ�ض ُر ُ‬ ‫أحمد "‪ .‬في َ‬‫الخليلِ ِبن � َ‬
‫بن‬ ‫َ‬
‫"‪.‬وقال محم ٌد ُ‬ ‫ابن عونٍ ِم َن الخليلِ‬ ‫بال�س ّن ِة َ‬
‫بعد ِ‬ ‫أعلم ّ‬‫أيت رج ًال � َ‬
‫الخليلِ وكت ِب ِه"‪،‬وقال‪":‬ما ر� ُ‬
‫أحمد وال �أجمع"‪.‬‬‫ال�صحاب ِة �أذكى من الخليلِ ِبن � َ‬ ‫بعد ّ‬ ‫�سلاّ ٍم‪":‬لم يكن ِ‬
‫للعرب َ‬
‫البح ُث حتى النّهاي ِة‬
‫هاج�س‬ ‫ُ‬ ‫العلم هو‬ ‫ِ‬ ‫إخال�ص) في تح�صيلِ‬ ‫البحث عن الحقيق ِة والتفاني (العملِ ب� ٍ‬ ‫ُ‬ ‫��ان‬
‫ك َ‬
‫كان �سبب ًا في مو ِت ِه‪ ،‬ففي �سن ِة‬ ‫اهتمام) الخليلِ حتى �آخرِ لحظ ٍة من حيا ِت ِه‪ ،‬بل َ‬ ‫ِ‬ ‫(مح ّر ُك ومحو ُر‬
‫ِ‬
‫الم�سجد‬ ‫ُ‬
‫الخليل ي�سي ُر في‬ ‫وخم�س و�سبعين �أو مئ ٍة و�ستين للهجر ِة َ‬
‫كان‬ ‫ٍ‬ ‫مئ ٍة و�سبعين هجري �أو مئ ٍة‬
‫وال�صغي ُر‪ ،‬وبينما‬ ‫ـاب‪ ،‬ي�ستطي ُع �أن يتق َن َها الكبي ُر ّ‬ ‫من�شغ ًال بال ّتفكير في �إيجاد طريق ٍة �سهل ٍة للح�س ِ‬
‫وانقلب على ظهرِ ِه‬ ‫َ‬ ‫هـو م�ستغرقٌ في تفكيرِ ِه‪َ ،‬‬
‫�صد َم ْت ُه �ساريـ ٌة (عامو ٌد) فان�صد َع (انك�س َر) ر� ُأ�س ُه‪،‬‬
‫للعلم ول ّلغ ِة العرب ّي ِة‪َ ،‬‬
‫فكان ابنَها البا َّر‬ ‫وهب حيا َت ُه ِ‬‫عبقري َ‬
‫ٍّ‬ ‫م ّيت ًا‪ ،‬لتنتهي بهذ ِه الحادث ِة المحزن ِة حيا ُة‬
‫المح�سن �إليها)‪.‬‬
‫َ‬ ‫(المخل�ص لها‬
‫َ‬
‫أخل�ص ِ‬
‫هلل‬ ‫عابد‪َ �،‬‬ ‫زاهد ٍ‬ ‫لعالم ٍ‬ ‫العلم وتاريخ ًا م�شرق ًا ٍ‬ ‫الخليل للإن�سان ّي ِة ثرو ًة من ِ‬ ‫ُ‬ ‫وقد َ‬
‫ترك‬ ‫ْ‬
‫فعلت‬ ‫هلل ما ُ‬ ‫أيام‪":‬وا ِ‬ ‫قبل مو ِت ِه ب� ٍ‬ ‫ذلك قالَ َ‬ ‫وللعلم‪،‬وتر ّف َع عن لهو ال ّدنيا وعن معا�صي َها‪ .‬وفي َ‬ ‫ِ‬
‫وددت �أنّي‬
‫ُ‬ ‫ف�ضل فكرٍ �صرف ُت ُه على جه ٍة‬ ‫كان لي ُ‬ ‫أخاف على نف�سي م ْن ُه‪،‬وما َ‬ ‫قط (�أبـد ًا) � ُ‬ ‫فع ًال ُّ‬
‫يغفر اهلل ُلي الت� َ‬
‫أويل‬ ‫قط‪،‬و�أرجو �أن َ‬ ‫كذبت متع ّمد ًا ُّ‬
‫ُ‬ ‫وماعلمت �أنّي‬
‫ُ‬ ‫كنت �صرف ُت ُه �إلى غيرِ َها‪،‬‬ ‫ُ‬
‫ف�سير)"‪.‬‬‫(ال ّت َ‬
‫‪125‬‬
‫ل ّون معنا‬

‫‪126‬‬
127

You might also like