You are on page 1of 57

‫‪ 

‬‬
‫قُــ َّرةُ ال َعيـْ ِن‬
‫لِ َشـرْ ِ‬
‫ح‬
‫ين‬
‫ــام ال َح َر َم ِ‬‫ت إ َم ِ‬ ‫َو َرقــَا ِ‬

‫حـ‬
‫الولِ ّي الصَّالِ ِ‬ ‫لإل َم ِام ال َعال َم ِة الفَقِي ِه األصُولِ ِّي َ‬
‫َأبِي َع ْب ِد هللاِ ُم َح َّمد بن ُم َح َّمد الرُّ َع ْينِ ّي ال َمالِ ِك ّي‬
‫بالحطَّاب‬‫الشهير َ‬
‫رحمه هللا تعالى‬
‫(‪ 902-954‬ﻫ)‬

‫ضبط نصه وعلق عليه‬


‫جالل علي عامر الجهاني‬
‫عفا هللا عنه‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫‪ ‬‬
‫احلمد هلل رب الع املني‪ ،‬والص الة والس الم على س يدنا حممد خ امت األنبي اء واملرس لني‪ ،‬وعلى آله‬
‫الطي بني الط اهرين‪ ،‬ورض وان اهلل تع اىل عن ص حابته اهلادين امله ديني‪ ،‬ومن تبعهم بإحس ان إىل ي وم‬
‫الدين‪.‬‬
‫أما بعد‪،‬‬
‫‪ ‬‬
‫ف إن أمتنا املس لمة الي وم وهي تعيش مرحلة من مراحل الض عف يف تارخيها الطوي ل‪ ،‬ت وجب على‬
‫وردها‬
‫لب منه ا‪ِّ ،‬‬ ‫املسلمني أن يهبوا إىل العمل اجلاد والسري احلاث‪ ،‬ألجل إعالء رايتها‪ ،‬واستعادة ما ُس َ‬
‫ملرتبة الريادة والقيادة للبشرية‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫وال شك أن رفع اجلهل منه ا‪ ،‬وبث العل وم فيها من الواجب ات الش رعية‪ ،‬وهو مما يوصل إىل الغاي ة‪،‬‬
‫ويكفي اجلهل ذم اً كونه من عالمات الساعة اليت ال تقوم إال على شرار اخللق‪ ،‬قال رسول اهلل صلى‬
‫يقل العلم ويظهر اجلهل﴾‪.‬‬ ‫اهلل عليه وسلم‪﴿ :‬من أشراط الساعة أن َّ‬
‫‪ ‬‬
‫علم أص ول الفق ه‪ ،‬ذلك العلم ال ذي جيمع بني‬ ‫وإن من العل وم املهمة لل دعاة والع املني لإلس الم َ‬
‫املنق ول واملعق ول‪ ،‬ويوجد ‪-‬مع مسيه "أص ول ال دين"‪ -‬العقلية اإلس المية ال نرِّي ة اليت تسري وفق قواعد‬
‫منهجي ة‪ ،‬فال تض طرب يف التفكري وال تش طح يف الفهم‪ ،‬فتك ون عائق اً أم ام تق دم مس رية األمة إىل‬
‫هنضتها‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫رأيت أن من الكتب اليت تس اعد على ول وج ه ذا العلم ش رح اإلم ام أيب عبد اهلل احلط اب‪،‬‬ ‫ولقد ُ‬
‫لورقات إمام احلرمني اجلويين‪ ،‬رمحهما اهلل تعاىل‪.‬‬
‫أحببت إخراجه للن اس على ص ورة‬ ‫ُ‬ ‫حيث ك ان س هل العب ارة‪ ،‬وملم اً بالض روري من ه ذا الفن‪ ،‬ف‬
‫جيدة‪ ،‬وخصوصاً أنه مل يطبع إال طبعات قدمية‪ ،‬غريُ معتىن هبا‪.‬‬
‫فقمت بنسخ املطبوع‪ ،‬وقارنته مبخطوطة حتصلت عليها من مركز دراسات اجلهاد اللييب بطرابلس‪،‬‬ ‫ُ‬
‫وحاولت قدر جهدي أن تكون خالية من األخطاء والتحريفات‪.‬‬ ‫ُ‬
‫وسرت على طريقة االعتناء بالكتاب‪ ،‬دون ذكر األخطاء اليت كانت يف املطبوعة أو الزيادات اليت‬ ‫ُ‬
‫جاءت من املخطوط‪.‬‬
‫وعزوت األحاديث إىل مصادرها قدر املستطاع[‪.]1‬‬ ‫ُ‬
‫رأيت ذلك حاجة ملحة يف موضعه‪.‬‬‫ووضعت عليها بعض التعليقات املقتضبة حيث ُ‬‫ُ‬
‫‪ ‬‬
‫واهللَ أس أل أن جيعل عملي خالص اً لوجهه الك رمي‪ ،‬إنه من وراء القص د‪ ،‬وال ح ول وال ق وة إال باهلل‬
‫العلي العظيم‪.‬‬
‫وكتب‬
‫جالل اجلهاين‬
‫عمان‪ /‬األردن‬
‫َّ‬

‫‪ ‬‬

‫ترجمة مختصرة لإلمام الحطاب‬


‫[‪]2‬‬
‫رحمه هللا تعالى‬
‫‪ ‬‬
‫هو اإلمام العالمة األصويل الفقيه النحوي الويل الصاحل‪ ،‬أبو عبد اهلل حممد بن حممد بن عبد الرمحن‬
‫ين‪ ،‬املغريب األصل‪ ،‬ينحدر من أصل أندلسي‪ ،‬املالكي املذهب‪ ،‬املكي املولد والوفاة‪.‬‬ ‫الر َعْي ّ‬
‫بن حسني ُّ‬
‫‪ ‬‬
‫ولد ليلة األحد ثامن عشر من شهر رمضان املبارك‪ ،‬سنة اثنني وتسعمائة للهجرة‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫نشأ نشأة صاحلة‪ ،‬حيث رباه والده الويل الصاحل‪ ،‬فقرأ على والده العلوم‪ ،‬وهنل منه الفنون‪ ،‬وكان‬
‫إمامنا حمباً للعلم ومثابراً عليه‪ ،‬حمققاً فاضالً‪ ،‬ال ميل وال يكل‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪ ‬‬
‫ألّف يف فنون العلم‪ ،‬فكتب يف الفقه وأصوله‪ ،‬والنحو واملواريث‪ ،‬وغري ذلك‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫وتويف رمحه اهلل يوم األحد تاسع ربيع الثاين‪ ،‬سنة أربع ومخسني وتسعمائة للهجرة‪ ،‬مبكة املكرمة‪.‬‬

‫‪ ‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬
‫وصلى هللا على سيدنا محمد‬
‫‪ ‬‬
‫قال الشيخ اإلمام العامل العالمة احلرب الفهامة‪ ،‬مفيت املسلمني ببلد اهلل األمني‪ ،‬أبو عبد اهلل حممد ابن‬
‫سيدنا وموالنا الشيخ العالمة حُمَ َّمد احلَطَّاب ‪-‬نفع اهلل به آمني‪:-‬‬
‫[ مقدمة المؤلف ]‬
‫‪ ‬‬
‫والسالم على سيدنا حُمَ َّمد وعلى آله وصحبه أمجعني‪.‬‬
‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬والصالةُ َّ‬ ‫ُ‬
‫وبعد‪..‬‬
‫كتاب الورقات في علم أصول الفقه للشيخ اإلمام العالمة‪ ،‬صاحب التصانيف املفيدة‪ ،‬أيب‬ ‫َ‬ ‫‪َّ  ‬‬
‫فإن‬
‫ت بركته‪.‬‬ ‫وعظُ َم نفعُه وظَ َهَر ْ‬‫علمه َ‬
‫حجمه وكثُر ُ‬ ‫صغَُر ُ‬ ‫كتاب َ‬
‫املعايل عبد امللك إمام احلرمني‪ٌ -‬‬
‫ط الكالم علي ه‪ ،‬ومنهم َم ْن‬ ‫‪ ‬وقد ش رحه مجاع ةٌ من العلم اء ‪-‬رضي اهلل عنهم‪ ،-‬فمنهم َم ْن بَ َس َ‬
‫اختصر ذلك‪.‬‬
‫حممد بن أمحد‬ ‫الم ِة املفيد جالل ال دين أيب عبد اهلل َّ‬ ‫الع َ‬
‫يخ ش يوخنا َ‬ ‫رح ش ِ‬ ‫ِ‬
‫ومن أحس ِن ش روحه ش ُ‬
‫تغل به الطلب ةُ وانتفع وا ب ه‪ ،‬إال أنَّه لف رط اإلجياز‬ ‫ِّ‬
‫افعي ‪ ،‬فإنَّه كث ريُ الفوائد والنكت‪ ،‬اش َ‬ ‫املَ َحلي الش ّ‬
‫[‪]3‬‬

‫ٍ‬
‫وعناية‪.‬‬ ‫ب أن يكون من مجلة األلغاز‪ ،‬فال يُ ْهتَ َدى لفوائده إال ٍ‬
‫بتعب‬ ‫قَ َار َ‬
‫املساعد من اإلخوان‪،‬‬ ‫اهلموم واألحزان‪ ،‬وقَ َّل فيه‬ ‫رت فيه‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ض عُ َفت اهل َم ُم يف هذا الزمان‪ ،‬و َكثُ ْ‬ ‫‪ ‬وقد َ‬
‫ت الش رح املذكور وفوائ ده‪،‬‬ ‫فاس تخرت اهلل تع اىل يف ش رح الورق ات بعب ارة واض ٍ‬
‫حة‪ ،‬منَ ِّـبهةً على نُ َك ِ‬
‫ُ َ‬ ‫ُ َ‬
‫الشرح شرحاً للورقات وللشرح املذكور‪ ،‬وحيصل بذلك االنتفاعُ للمبتدئ وغ ِريه‬ ‫ُ‬ ‫حبيث يكون هذا‬
‫إن شاء اهلل تعاىل‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫الع ْي ِن‬ ‫ٍ‬ ‫وال ِ‬
‫بأوضح منها‪ ،‬أو لزيادة فائدة‪ ،‬ومَسَّْيتـُهُ ﴿ ُق َّر َة َ‬ ‫َ‬ ‫أعد ُل عن عبارة الشرح املذكور إال لتغيريها‬
‫ِ‬
‫ل َش ْر ِح َو َرقَات َإم ِام َ‬
‫الح َر َم ْي ِن﴾‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫واهللُ سبحانه املسؤول يف بلوغ املأمول‪ ،‬وهو حسيب ونعم الوكيل‪.‬‬

‫‪ ‬‬
‫[‪]4‬‬
‫[ترجمة اإلمام الجويني]‬
‫‪       ‬‬
‫صـنِّف على سبيل االختصار فنقول‪:‬‬
‫ولنقدم التعريف باملُ َ‬
‫وأحد أصحاب الوجوه‪ ،‬وصاحب التصانيف املفيدة‪ ،‬أبو املعايل‬ ‫رئيس الشافعية‪ُ ،‬‬
‫اإلمام‪ُ ،‬‬
‫الشيخ ُ‬‫ُ‬ ‫هو‬
‫الـج َويْين‪ ،‬نس بةً إىل ج وين‪ ،‬وهي ناحي ةٌ‬ ‫َعْب ُد امللك ابن الش يخ أيب حممد عبد اهلل بن يوسف بن حممد ُ‬
‫كبرية من نواحي نيسابور‪ ،‬يلقب بضياء الدين‪.‬‬
‫[‪]5‬‬
‫احملرم من سنة تسعة عشر وأربعمائة‪ ،‬وتُ ُويِّف بقرية من أعمال َنْي َس ابُور يقال هلا‪ :‬بُ ْشـتَنِ َقان‬
‫ولد يف َّ‬
‫مثان وسبعني وأربعمائة‪.‬‬ ‫ليلة األربعاء‪ ،‬اخلامس والعشرين من شهر ربيع الثاين سنة ٍ‬
‫ِّب بإم ام احلرمني‪ ،‬وانتهت إليه رئاسة العلم‬ ‫َج َاو َر مبكة واملدينة أربع س نني ي درس العلم ويف يت‪َ ،‬فلُق َ‬
‫بنيسابور‪ ،‬وبُنِيَت له املدرسة النظامية[‪ ،]6‬وله التصانيف اليت مل يسبق إىل مثلها[‪َ ،]7‬تغَ َّم َدهُ اهلل برمحته‪،‬‬
‫وأعاد علينا من بركاته‪ ،‬آمني‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫ف رحمه هللا تعالى‪:‬‬ ‫المصنِّ ُ‬


‫قال الم َ‬
‫ص‬
‫‪ ‬‬
‫الر ِح ِيم) ُأص نِّف‪ ،‬وكذا ينبغي أن جُي ع ل متعلَّق الت ِ‬
‫َّسمية ما ُجعِلَت التسمية مبدًأ‬ ‫حم ِن َّ‬ ‫(بِس ِم ِ‬
‫ََ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫الر َ‬
‫اهلل َّ‬ ‫ْ‬
‫س‬‫اآلكل‪ :‬بسم اهلل آكل‪ ،‬والقارُئ ‪ :‬بسم اهلل أقرأ‪ ،‬فهو أوىل من تقدير‪ :‬أبتدىء‪ ،‬إلفادته َتلَبُّ َ‬ ‫ُ‬ ‫له‪ ،‬فيقدِّر‬
‫الفعل كله بالتسمية‪ ،‬وأبتدئ ال يفيد إال تلبس االبتداء به‪.‬‬
‫ألن املقصود األهم البداءة باسم اهلل تعاىل‪ ،‬وإلفادة احلصر‪.‬‬ ‫وتقدير املتعلق متأخراً َّ‬
‫وابت دأ املص نِّف بالبس ملة اقت داء ب القرآن العظيم‪ ،‬وعمالً حبديث‪﴿ :‬ك ُّل أم ٍر ذي ب ال ال يُْب َدُأ فيه‬
‫ببسم اهلل الرمحن الرحيم فهو أبرت﴾‪ ،‬رواه اخلطيب يف كتاب (اجلامع) هبذا اللفظ[‪.]8‬‬
‫اف‪ ،‬أو َّ‬
‫ألن املراد باحلمد معن اه لغ ةً‪،‬‬ ‫واكتفى بالبس ملة عن احلمدلة إما ألنه مَح َد بلس انه‪ ،‬وذلك ك ٍ‬
‫َ‬
‫ض ِّمنَةٌ لذلك‪ ،‬أو ألن املراد باحلمد ذكر اهلل تعاىل‪.‬‬
‫وهو الثناء‪ ،‬والبسملة ُمتَ َ‬
‫ويف رواية يف مس ند اإلم ام أمحد‪﴿ :‬كل أمر ذي ب ال ال يفتح ب ذكر اهلل فهو أبرت ‪-‬أو ق ال‪ :‬أقطع‬
‫‪ ]9[﴾-‬على الرتدد‪.‬‬
‫وقد ورد احلديث بروايات متعددة‪ ،‬قال النووي‪ :‬وهو حديث حسن‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫مجع السالمة‪ ،‬فإن‬ ‫ات) قليلة‪ ،‬كما يشعر بذلك ُ‬ ‫فلما اكتفى بالبسملة عن احلَ ْم َدلة قال‪( :‬هذه َو َرقَ ٌ‬
‫مجوع السالمة عند سيبويه من مجوع ِ‬
‫القلَّة‪.‬‬
‫وعرَّب بذلك تسهيالً على الطالب وتنشيطاً له‪ ،‬كما قال تعاىل يف فرض صوم شهر رمضان‪﴿ :‬أيَ َام اً‬ ‫َ‬
‫ودات﴾ فوصف الش هر الكامل بأنَّه أي ام مع دودات‪ ،‬تس هيالً على املكلفني وتنش يطاً هلم‪ ،‬وقي ل‪:‬‬ ‫َم ْع ُد َ‬
‫املراد يف اآلية باأليام املعدودات عاشوراء وثالثة أيام من كل شهر‪ ،‬فإن ذلك كان واجباً أول اإلسالم‬
‫مث نسخ‪.‬‬
‫واإلشارة بـ (هذه) إىل حاض ٍر يف اخلارج إن كان أتى هبا بعد التصنيف‪ ،‬وإال فهي إشارة إىل ما هو‬
‫حاضر يف الذهن‪.‬‬
‫ٌ‬
‫اسم لطائفة من املسائل تَ ْشرَتِ ُك يف حك ٍم‪.‬‬
‫ص ٍل‪ ،‬وهو ٌ‬
‫ص ٍ‬
‫ول) مجع فَ ْ‬ ‫وهذه الورقات (تَ ْشتَ ِم ُل َعلَى فُ ُ‬
‫وتلك الفصول (من) علم (أصول الفقه) ينتفع به املبتديء وغريه‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫[تعريف أصول الفقه]‬
‫‪ ‬‬
‫(وذلك) أي لفظ أصول الفقه له معنيان‪:‬‬
‫أحدمها‪ :‬معناه اإلضايف‪ ،‬وهو ما يُ ْف َه ُم من ُم ْفَر َديْه عند تقييد األول بإضافته للثاين‪.‬‬
‫العلَم الذي ُجعِل هذا الرتكيب اإلضايف لقب اً له‪ ،‬ونُِقل عن معناه األول‬ ‫وثانيهما‪ :‬معناه اللَّـ َقيِب ّ‪ ،‬وهو َ‬
‫إليه‪ ،‬وهذا املعىن الثاين ذكره املصنف بعد هذا يف قوله‪( :‬وأصول الفقه طرقه على سبيل اإلمجال) إخل‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫ف ِم ْن َج ْزَأيْ ِن)‪ ،‬من التأليف‪ ،‬وهو حصول األلفة والتناسب‬ ‫واملعىن األول هو الذي بينه بقوله‪ُ ( :‬مَؤ لَّ ٌ‬
‫كلمة إىل أخرى‪ ،‬وقيل‪ :‬إهنما مبعىن واحد‪.‬‬ ‫بني اجلزأين‪ ،‬فهو أخص من الرتكيب الذي هو ض ُّم ٍ‬
‫َ‬
‫‪ ‬‬
‫وقوله‪ُ ( :‬م ْف َر َديْ ِن) من اإلفراد املقابل للرتكيب‪ ،‬ال املقابل للتثنية واجلمع‪ ،‬فإن اإلفراد يطلق يف مقابلة‬
‫ك ٍّل منهم ا‪ ،‬وال تص لح إرادة الث اين هنا ألن أحد اجلزأين ال ذين وص فهما ب اإلفراد لفظ (أص ول) وهو‬
‫مجع‪ ،‬ويف كالمه إشارة لذلك حيث قال‪:‬‬
‫‪ ‬‬
‫[ تعريف األصل]‬
‫‪ ‬‬
‫عليه غَْي ُرهُ)‪ ،‬أي فاألصل الذي هو مف رد اجلزء األول‪ ،‬ما بُين عليه غريه‪ ،‬كأصل‬ ‫(فاألص ل ما بنِى ِ‬
‫ْ َُ َُ‬
‫اجلدار أي أساسه‪ ،‬وأصل الشجرة أي طرفها الثابت يف األرض‪.‬‬
‫احلس يشهد له كما يف ِ‬
‫أصل اجلدار والشجرة‪.‬‬ ‫وهو أقرب تعريف لألصل؛ فإن َّ‬
‫فأصول الفقه أدلته اليت يبىن عليها‪.‬‬
‫وه ذا أحسن من ق وهلم‪ :‬األصل هو احملت اج إلي ه‪ ،‬ف إن الش جرة حمتاجة إىل الثم رة من حيث كماهلا‪،‬‬
‫وليست الثمرة أصالً للشجرة‪.‬‬
‫ومن قوهلم[‪ :]10‬األصل ما منه الشيء‪ ،‬فإن الواحد من العشرة وليست العشرة أصالً له‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫ف مقابِلَه وهو الف رعُ على س بيل االس تطراد فق ال‪َ :‬‬
‫(وال َف ْرعُ َما ُي ْبنَى على‬ ‫ف األص َل ع َّر َ‬ ‫وملا ع َّر َ‬
‫غَي ِر ِه) كفروع الشجرة ألصوهلا‪ ،‬وفروع الفقه ألصوله‪.‬‬
‫[تعريف الفقه]‬
‫‪ ‬‬
‫والف ْق هُ) ال ذي هو اجلزء الث اين من لفظ (أص ول الفق ه) له معىن لغ وى وهو الفهم‪ ،‬ومعىن ش رعي‬ ‫( ِ‬

‫االجتِ َـه ُ‬ ‫وهو‪( :‬مع ِرفةُ األح َك ِام َّ ِ‬


‫اد)‪.‬‬ ‫الش ْرعيّة التي طَ ِري ُقها ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ك العلم ب أن النية يف الوض وء واجب ة‪ ،‬وأن ال وتر من دوب‪ ،‬ه ذا على م ذهب الش افعي‪ ،‬وأما عند‬
‫املالكية فسنة مؤكدة‪ ،‬وأن تبييت النية شرط يف الصوم‪ ،‬وأن الزكاة واجبة يف مال الصيب وغري واجبة‬
‫يف احللي املباح‪ ،‬وأن القتل عمداً يوجب القصاص وحنو ذلك من املسائل اخلالفية‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫حمرم‪ ،‬واألحكام‬
‫خبالف ما ليس طري ُق هُ االجتهاد‪ ،‬كالعلم بأن الصلوات اخلمس واجبة‪ ،‬وأن الزىن َّ‬
‫االعتقادية كالعلم باهلل سبحانه وتعاىل وصفاته وحنو ذلك من املسائل القطعية‪ ،‬فال يسمى معرفة ذلك‬
‫اخلاص والعام‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫شرتك فيها‬
‫فقهاً‪ ،‬ألن معرفةَ ذلك يَ ُ‬
‫‪ ‬‬
‫فالفقه هبذا التعريف ال يتن اول إال علم اجملته د‪ ،‬وال يض ُّر يف ذلك ع دم اختص اص الوقف على‬
‫الفقهاء باجملتهدين‪ ،‬ألن املرجع يف ذلك للعرف[‪ ،]11‬وهذا اصطالح خاص‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫املراد‬
‫ألن َ‬ ‫والم راد بالمعرفة هنا العلم مبعىن الظن‪ ،‬وأطلقت املعرفة اليت هي مبعىن العلم على الظن؛ َّ‬
‫قريب من العلم‪.‬‬
‫لقوته ٌ‬ ‫ظن اجملتهد‪ ،‬الذي هو َّ‬
‫بذلك ُّ‬
‫‪ ‬‬
‫األحكام العقلية‪ ،‬كالعلم بأن الواحد نصف االثنني‪ ،‬واحلسية‬
‫ُ‬ ‫وخرج بقوله‪( :‬األحكام الشرعية)‪،‬‬
‫كالعلم بأن النار حمرقة‪.‬‬
‫مجيع األحكام‪ ،‬فاأللف والالم فيه لالستغراق‪.‬‬
‫واملراد باألحكام يف قوله‪( :‬معرفة األحكام الشرعية) ُ‬
‫‪ ‬‬
‫واملراد مبعرفة مجيع ذلك التهيؤ ل ذلك‪ ،‬فال ين ايف ذلك ق ول مالك رضي اهلل عنه ‪-‬وهو من أعظم‬
‫الفقهاء اجملتهدين‪ ،-‬يف اثنني وثالثني مسألة من مثان وأربعني مسألة سئل عنها‪ :‬ال أدري‪ ،‬ألنه متهيء‬
‫للعلم بأحكامها مبع اودة النظ ر‪ ،‬وإطالق العلم على مثل ه ذا التهيؤ ش ائع عرف اً‪ ،‬تق ول‪ :‬فالن يعلم‬
‫النحو‪ ،‬وال تريد أن مجيع مسائله حاضرة عنده على التفصيل‪ ،‬بل إنه متهيء لذلك‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫[أقسام الحكم الشرعي]‬


‫‪ ‬‬
‫وب‬ ‫ِ‬
‫والـمن ُد ُ‬
‫ب َ‬ ‫ام َس َبعةٌ‪ :‬ال َواج ُ‬
‫مث بني األحك ام املرادة يف قوله األحك ام الش رعية فق ال‪َ ( :‬واألح َك ُ‬
‫والص ِحيح والب ِ‬
‫اط ُل)‪.‬‬‫ور وال َـم ْك ُروهُ َّ ُ َ َ‬
‫اح وال َـم ْحظُ ُ‬
‫َوال ُـمبَ ُ‬
‫‪ ‬‬
‫العلم هبذه الس بعة‪ ،‬أي معرفة جزئياهتا‪ ،‬أي الواجب ات واملن دوبات واملباح ات واحملظ ورات‬‫فالفقه ُ‬
‫واملكروهات واألفعال الصحيحة واألفعال الباطلة‪ ،‬كالعلم بأن هذا الفعل مثالً واجب وهذا مندوب‬
‫وه ذا مب اح وه ذا حمظور وهذا مكروه وه ذا ص حيح وه ذا باطل‪ ،‬وليس املراد العلم بتعريفات هذه‬
‫األحكام املذكورة فإن ذلك من علم أصول الفقه ال من علم الفقه‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫جتوز؛ ألهنا متعلق األحكام‪.‬‬‫وإطالق األحكام على هذه األمور فيه ُّ‬
‫والندب واإلباحةُ والكراهةُ والتحرميُ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫اإلجياب‬
‫ُ‬ ‫واألحكام الشرعية مخسةٌ‪:‬‬
‫اصطالح له‪ ،‬والذي عليه اجلمهور أن األحكام مخسة ال سبعة كما ذكرناها‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫األحكام سبعةً‬
‫َ‬ ‫وجعلُه‬
‫ْ‬
‫ألن الصحيح إما واجب أو غريه‪ ،‬والباطل داخل يف احملظور‪.‬‬
‫وجعل بعض هم األحك ام تس عةً وزاد‪ :‬الرخصة والعزمية‪ ،‬ومها راجع ان إىل األحك ام اخلمسة أيض اً‪،‬‬
‫واهلل أعلم‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫[تعريف الواجب]‬
‫‪ ‬‬
‫ٍ‬
‫كل واحد منها فقال‪:‬‬ ‫ِ‬
‫مثَّ شرع يف تعريف األحكام اليت ذكرها بذكر الزم ِّ‬
‫ب َعلَى َت ْركِ ِه)‪.‬‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫ب َما يـُثـَاب َعلَى ف ْعله َو ُي َعاقَ ُ‬
‫(فالواج ُ‬
‫َ‬
‫أي فالواجب من حيث وص ُفه بالوجوب‪ ،‬هو ما يثاب على فعله ويعاقب على تركه‪.‬‬
‫الزم للواجب من حيث وصفه بالوجوب‪ ،‬وليس هو‬ ‫ِ‬
‫أمر ٌ‬ ‫والعقاب على الرتك ٌ‬ ‫ُ‬ ‫فالثواب على الفعل‬
‫ول الثَّواب بفعلها‬
‫ول متص َّوٌر يف نفس ه‪ ،‬وهو غ ريُ حص ُ‬ ‫الص الةَ َمثَالً َْأم ٌر َمعق ٌ‬
‫إن َّ‬‫حقيقة ال واجب‪ ،‬ف َّ‬
‫والعقاب برتكها‪.‬‬
‫فالتعريف املذكور ليس تعريف اً حبقيقة الواجب إذ ال ميكن تعريف حقيقته لكثرة أصناف الواجبات‬
‫ب‬ ‫دق اس ِم ال ِ‬
‫واج ِ‬ ‫ف ال ذي اش رتكت فيه حىت ص َّح ِص ُ‬ ‫واختالف حقائقه ا‪ ،‬وإمنا املقص ود بي ا ُن الوص ِ‬
‫عليها‪ ،‬وذلك هو ما ذكره من الثواب على الفعل والعقاب على الرتك‪.‬‬
‫وكذلك يقال يف بقية األحكام‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫فإن قيل‪ :‬قوله يعاقب على تركه يقتضى لزوم العقاب لكل من ترك واجباً‪ ،‬وليس ذلك بالزم‪.‬‬
‫لواحد من العصاة‪ ،‬مع العفو عن غريه‪.‬‬‫ٍ‬ ‫وجوده‬ ‫فاجلواب أنه يكفي يف صدق العقاب على الرتك‬
‫ُ‬
‫أو يق ال‪ :‬املراد بقوله (ويع اقب على ترك ه)‪ ،‬أي ت رتُّب العق ِ‬
‫اب على ترك ه‪ ،‬كما عرَّب ب ذلك غري‬ ‫ُ‬
‫واحد‪ ،‬وذلك ال ينايف العفو عنه‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫وُأو ِرد على التعريف املذكور أنه غري مانع‪ ،‬لدخول كثري من السنن فيه‪ ،‬فإن األذان سنة وإذا تركه‬
‫أهل بلد قوتل وا‪ ،‬وكفي ب ذلك عقاب اً‪ ،‬وك ذلك ص الة العي دين عند من يق ول ب ذلك‪ ،‬ومن ت رك ال وتر‬
‫ردت شهادته وحنو ذلك‪.‬‬ ‫َّ‬
‫وأجيب ب أن املراد عق اب اآلخ رة‪ ،‬وب أن العقوبة املذكورة ليست على نفس ال رتك بل على الزم ه‪،‬‬
‫ورد الش هادة ليس عقاب اً‪ ،‬وإمنا هو ع دم أهلية لرتب ٍة ش ٍ‬
‫رعية‬ ‫وهو االحنالل من ال دين‪ ،‬وهو ح رام‪ُّ ،‬‬
‫كماالت جتتمع من أفعال وترك‪ ،‬فدخل فيها الواجب وغريه‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫شرطُها‬
‫ردت شهادته مل يكن ذلك عقوبة له‪ ،‬وإمنا ذلك لنقصانه عن درجة العدالة ؟!‬ ‫أال ترى أن العبد إذا َّ‬
‫على أن الص حيح أن األذان يف املصر ف رض كفاي ة‪ ،‬ونص أص حابنا على أنه ال يقاتل َم ْن ت رك‬
‫العيدين‪.‬‬
‫والسؤاالن واردان على حد احملظور‪ ،‬واجلواب ما تقدم[‪.]12‬‬
‫‪ ‬‬
‫[تعريف المندوب]‬
‫‪ ‬‬
‫وب) هو املأخوذ من الندب‪ ،‬وهو الطلب لغةً‪.‬‬ ‫المن ُد ُ‬
‫( َو َ‬
‫ب َعلَى َت ْركِ ِه)‪.‬‬ ‫ِ ِِ‬
‫اب َعلَى فعله َوال ُي َعاقَ ُ‬
‫وشرعاً من حيث وصفه بالندب هو ( َما ُيثَ ُ‬
‫[ تعريف المباح]‬
‫‪ ‬‬
‫ب‬ ‫ِ ِِ‬
‫اب َعلَى ف ْعل ه)‪ ،‬يريد وال على تركه‪َ ( ،‬وال ُي َع اقَ ُ‬ ‫اح) من حيث وص ُفه باإلباحة ( َما ال ُيثَ ُ‬ ‫(والمبَ ُ‬‫َ‬
‫َعلَى َت ْركِ ِه)‪ ،‬يريد وال على فعله‪ ،‬أي ال يتعلق بكل من فعله وتركه ثواب وال عقاب‪.‬‬
‫وال بد من زيادة ما ذكرنا لئال يدخل فيه املكروه واحلرام‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫[تعريف المحظور]‬
‫‪ ‬‬
‫ب َعلى‬ ‫ِ‬
‫اب َعلَى َت ْركهِ) امتث االً‪َ ( ،‬و ُيـ َعاقَ ُ‬
‫ور) من حيث وص ُفه ب احلظر‪ ،‬أي احلرمة ( َما ُيثَ ُ‬
‫(والمحظُ ُ‬
‫فِ ْعلِ ِه)‪.‬‬
‫وتقدم السؤاالن وجواهبما‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫[تعريف المكروه]‬
‫‪ ‬‬
‫ب َعلَى فِ ْعلِ ِه)‪.‬‬
‫(وال ُي َعاقَ ُ‬
‫ِِ‬
‫اب َعلَى َت ْركه) امتثاالً َ‬
‫المكروهُ) من حيث وصفه بالكراهة ( َما ُيثَ ُ‬
‫(و ُ‬ ‫َ‬
‫ألن احملرمات واملكروهات خيرج‬ ‫وإمنا قيدنا ترتب الثواب على الرتك يف احملظور واملكروه امتثاالً‪َّ ،‬‬
‫اإلنس ان من عه دهتا مبج رد تركه ا‪ ،‬وإ ْن مل يش عر هبا فض الً عن القصد إىل تركه ا‪ ،‬لكنَّه ال ي رتتب‬
‫اب َعلَى الت َّْر ِك إال إذا قصد به االمتثال‪.‬‬
‫الث ََّو ُ‬
‫فإن قيل‪ :‬وكذلك الواجبات واملندوبات ال يرتتب الثواب على فعلها إال إذا قصد به االمتثال‪.‬‬
‫لـما ك ان كث ريٌ من الواجب ات ال يت أتى اإلتي ان هبا إال إذا قصد‬
‫ف الجواب‪ :‬أن األمر ك ذلك‪ ،‬ولكنَّه َّ‬
‫واجب ال يصح فعله إال بني ة‪ ،‬مل حيتج إىل التقييد ب ذلك‪ ،‬وإن ك ان بعض‬ ‫ٍ‬ ‫هبا االمتث ال‪ ،‬وهو ك ُّل‬
‫الواجب ات ت ربأ الذمة بفعلها وال ي رتتب الث واب على ذلك إال إذا قصد االمتث ال‪ ،‬كنفق ات الزوج ات‬
‫ورد الديون وحنو ذلك مما يصح بغري نية‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬ ‫ورد املغصوب والودائع ِّ‬
‫ِّ‬
‫‪ ‬‬
‫[تعريف الصحيح]‬
‫‪ ‬‬
‫يح) من حيث وص ُفه بالص حة اص طالحاً‪َ ( :‬ما َيتَعلَّ ُق بِ ِه ُّ‬
‫الن ُف وذُ) بال ذال املعجم ة‪ ،‬وهو‬ ‫(و َّ ِ‬
‫الص ح ُ‬ ‫َ‬
‫كحل االنتفاع يف البيع واالستمتاع يف النكاح‪.‬‬ ‫البلوغ إىل املقصود‪ِّ ،‬‬
‫وأصلُه من نفوذ السهم أي بلوغه إىل املقصود‪.‬‬
‫( َويُعتَ ُّد بِ ِه) يف الشرع‪ ،‬بأن يكون قَد مجع ما يعترب فيه شرعاً‪ ،‬عقداً كان أو عبادة‪.‬‬
‫فعل املكلَّف‪ ،‬واالعتداد من فعل الشارع‪ ،‬وقيل‪ :‬إهنما مبعىن واحد‪.‬‬ ‫فالنفوذُ من ِ‬

‫‪ ‬‬

‫[تعريف الباطل]‬
‫‪ ‬‬
‫الن ُف وذُ َوال يُعتَ ُّد بِ ِه) ب أن مل يس تجمع ما‬ ‫(والب ِ‬
‫اط ُل) من حيث وص ُفه ب البطالن‪َ ( :‬ما ال يَ َتعلَّ ُق بِ ِه ُّ‬‫َ َ‬
‫يعترب فيه شرعاً‪ ،‬عقداً كان أو عباد ًة‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫والعقد يف االصطالح يوصف بالنفوذ واالعتداد‪ ،‬والعبادات توصف باالعتداد فقط‪.‬‬
‫[تعريف العلم]‬
‫‪ ‬‬
‫ص من ِ‬
‫العل ِْم)؛ لص دق العلم على معرفة الفقه والنحو‬ ‫َأخ ُّ‬ ‫( ِ‬
‫والف ْق هُ) ب املعىن الش رعي املتق دم ذك ره ( َ‬
‫كل علم فقهاً‪.‬‬‫فكل فقه علم وليس ُّ‬ ‫وغريمها‪ُّ ،‬‬
‫وكذا باملعىن اللغوي‪ ،‬فإن الفقه هو الفهم‪ ،‬والعلم املعرفة‪ ،‬وهي أعم‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫وم)‪ ،‬أي إدراك ما من ش أنه أن يعلم‪ ،‬موج وداً ك ان أو‬‫العلْم) يف االص طالح‪( :‬مع ِرفَ ة المعلُ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ ُ ْ‬ ‫( َو ُ‬
‫مع دوماً‪َ ( ،‬علَى َما ُه َو بِ ِه) يف الواق ع‪ ،‬ك إدراك اإلنس ان أي تص وره بأنه حي وان ن اطق‪ ،‬وك إدراك أن‬
‫العامل وهو ما سوى اهلل تعاىل حادث‪.‬‬
‫وهذا احلد للقاضي أيب بكر الباقالين‪ ،‬وتبعه املصنِّف‪.‬‬
‫وم إال بعد معرفة العلم‪َّ ،‬‬
‫ألن‬ ‫ف املعل ُ‬ ‫تق من العلم‪ ،‬فال يُع َر ُ‬ ‫ألن املعل وم مش ٌ‬‫أن فيه دوراً‪َّ ،‬‬ ‫ض ب َّ‬ ‫واعرُتِ َ‬
‫مشتمل على معىن املشتَ ِّق منه مع زيادة‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫املشتَ َّق‬
‫وبأنَّه غريُ شامل لعلم اهلل سبحانه‪ ،‬ألنه ال يسمى معرفةً إمجاعاً‪ ،‬ال لغةً وال اصطالحاً‪.‬‬
‫وبأن قولَه‪( :‬على ما هو به) زائ ٌد ال حاجة إليه‪ ،‬ألن املعرفة ال‪  ‬تكون إال كذلك[‪.]13‬‬ ‫َّ‬
‫‪ ‬‬
‫ُ‬
‫[تعريف الجهل]‬
‫‪ ‬‬
‫يء َعلَى ِخ ِ‬
‫الف َما ُه َو بِ ِه) يف الواقع‪.‬‬ ‫الش ِ‬
‫ور َّ‬‫ص ُ‬
‫الج ْه ُل تَ ُّ‬
‫( َو َ‬
‫ويف بعض النسخ (على خالف ما هو علي ه) كتص ور اإلنس ان بأنه حي وان ص اهل‪ ،‬وك إدراك‬
‫الفالسفة أن العامل قدمي‪.‬‬
‫التصو ُر املطلق الشامل للتصور الساذج وللتصديق[‪.]14‬‬ ‫فاملراد بالتَّصو ِر هنا ُّ‬
‫ُ‬
‫ف ه ذا باجلهل املركب‪ ،‬وجعل اجلهل البس يط ع دم العلم بالش يء‪ ،‬كع دم علمنا مبا‬ ‫وبعض ُهم وص َ‬ ‫ُ‬
‫حتت األرضني ومبا يف بطون البحار‪ ،‬وهذا ال يدخل يف تعريف املصنف‪ ،‬فال يسمى عنده جهالً‪.‬‬
‫قص َد‬ ‫ِ‬
‫والتعريف الش امل للقس مني أن يق ال‪ :‬اجلهل انتف اء العلم باملقص ود‪ ،‬أي ما من ش أنه أن يُ َ‬
‫در َك على خالف ما هو عليه يف الواقع‪ ،‬وهو‬ ‫َفيُ ْد َر َك‪ ،‬إما بأن مل يدرك أص الً وهو البسيط‪ ،‬أو بأن يُ َ‬
‫املركب‪.‬‬
‫ألن فيه جهلني‪ :‬جهل باملدرك‪ ،‬وجهل بأنه جهل به‪.‬‬ ‫ومُسِّي مركباً َّ‬
‫َ‬
‫‪ ‬‬

‫[أقسام العلم الحادث]‬


‫‪ ‬‬
‫ْم) احلادث وهو علم املخلوق ينقسم إىل قسمني‪ :‬ضروري ومكتسب‪.‬‬ ‫ِ‬
‫( َوالعل ُ‬
‫وأما العلم القدمي وهو علم اهلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬فال يوصف بأنه ضروري وال مكتسب‪.‬‬
‫اس تِ ْد ٍ‬
‫الل) ب أن حيصل مبج رد التف ات النفس إلي ه‪،‬‬ ‫الض ُرو ِري) هو ( َما ْ‬
‫لم َي َق ْع َع ْن نَظَ ٍر َو ْ‬ ‫ف العلم ( َّ‬
‫العل ِْم ِ‬
‫فيض طَّر اإلنس ان إىل إدراكه وال ميكنه دفعه عن نفس ه‪ ،‬وذلك (ك ِ‬
‫إح َدى‬‫الواقعِ) أي احلاصل (بِ ْ‬
‫َ‬
‫س) الظاهرة‪ ،‬احرتازاً من الباطنة‪:‬‬‫اس) مجع حاسة مبعىن القوة احلساسة (ال َخ ْم ِ‬ ‫الح َو ِّ‬
‫َ‬
‫‪ ‬‬
‫درك هبا‬
‫الس ْم ُع)‪ :‬وهو قوةٌ مودعةٌ يف العصب املفروش يف مقعر الصماخ‪ ،‬أي مؤخره‪ ،‬يُ ُ‬ ‫(الّتي ِه َي‪َّ :‬‬
‫ف بكيفية الص وت إىل الص ماخ‪ ،‬مبعىن أن اهلل س بحانه خيلق‬ ‫ول ِ‬
‫اهلواء املتَ َكيِّ ِ‬ ‫وات بطري ِق وص ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫األص ُ‬ ‫َ‬
‫اإلدراك يف النفس عند ذلك‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫اجملو َفتَ ِ‬
‫ني اللتني يتالقيان يف الدماغ مث يتفرقان فيتأديان إىل‬ ‫ني َّ‬ ‫ص بَت ِ‬
‫الع َ‬‫ص ُر)‪ ،‬وهو قوةٌ مودعة يف َ‬ ‫( َوالبَ َ‬
‫العي نني‪ ،‬ي درك هبما األض واء واألل وان واألش كال وغري ذلك مما خيلق اهلل إدراكه يف النفس عند‬
‫استعمال العبد تلك القوة‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫( َو َّ‬
‫الش ُّم)‪ ،‬وهو قوةٌ مودعة يف الزائدتني الناتئتني يف مقدم الدماغ الشبيهتني حبلميت الثدي‪ ،‬يدرك هبا‬
‫ال روائح بطريق وص ول اهلواء املتكيف بكيفية ذي الرائحة إىل اخليش وم‪ ،‬خيلق اهلل س بحانه وتع اىل‬
‫اإلدراك عند ذلك‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫درك هبا الطُّعوم‪ ،‬مبخالطة القوة‬ ‫ِ‬
‫الذو ُق) وهو قوةٌ منبثَّةٌ يف العصب املفروش على ِج ْرم اللسان‪ ،‬يُ ُ‬
‫( َو َّ‬
‫اللعابية اليت يف الفم للمطعوم ووصوهلا إىل العصب‪ ،‬خيلق اهلل سبحانه وتعاىل اإلدراك عند ذلك‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫س)‪ ،‬وهو قوةٌ منبثَّةٌ يف مجيع البدن‪ ،‬يدرك هبا احلرارة والربودة والرطوبة واليبوسة وحنو ذلك‬ ‫َّ‬
‫( َوالل ْم ُ‬
‫عند االتصال وااللتماس‪ ،‬خيلق اهلل سبحانه وتعاىل اإلدراك عند ذلك‪.‬‬
‫ويف بعض النسخ تقدمي اللمس على الشم والذوق‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫وه ذه احلواس اخلمس الظاهرة هي املقطوع بوجودها‪ ،‬وأما احلواس الباطنة اليت أثبتها الفالس فة فال‬
‫أهل السنة؛ ألهنا مل تقم دالئلها على األصول اإلسالمية‪.‬‬
‫يثبتها ُ‬
‫‪ ‬‬
‫ودل كالم املصنف على أن العلم احلاصل من هذه احلواس غري اإلحساس‪.‬‬ ‫َّ‬
‫‪ ‬‬
‫َّواتُ ِر)‪ ،‬وهو معط وف على قول ه‪( :‬بإح دى‬ ‫ويوجد يف بعض النسخ بعد ذكر احلواس اخلمس ( َْأو الت َ‬
‫احلواس اخلمس)‪.‬‬
‫واملعىن أن العلم الض روري ك العلم احلاصل بإح دى احلواس اخلمس‪ ،‬وك العلم احلاصل ب التواتر‪،‬‬
‫وذلك كالعلم احلاصل بوجود النيب صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وكظهور املعجزات على يديه وعجز اخللق‬
‫عن معارضته‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫أعظم من اجلزء‪َّ ،‬‬
‫وأن النفي‬ ‫ومن العل وم الض رورية العلم احلاصل ببديهة العق ل‪ ،‬ك العلم ب أن الك َّل ُ‬
‫واإلثبات ال جيتمعان‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫الل)‪ ،‬كالعلم بأن العامل حادث‪ ،‬فإنه‬ ‫واالس تِ ْد ِ‬ ‫وف َعلَى النَّظَ ِر‬
‫الموقُ ُ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ب َف ُه َو َ‬
‫الم ْكتَ َس ُ‬
‫ْم ُ‬‫( َو َّأما العل ُ‬
‫موقوف على النظر يف العامل ومشاهدة تغريه‪ ،‬فينتقل الذهن من تغرُّي ه إىل احلكم حبدوثه‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫[تعريف النظر]‬
‫‪ ‬‬
‫الم ْنظُو ِر فِ ِيه)‪ ،‬ليؤدى إىل عل ٍم أو ظَ ٍّن‪ ،‬مبطلوب تصديقي أو تصوري‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫( َوالنَّظَُر ُه َو الف ْك ُر في َحال َ‬
‫كر َحركةُ النفس يف املعقوالت‪ ،‬خبالف حركتها يف احملسوسات فإهنا تسمى ختييالً‪.‬‬ ‫ِ‬
‫والف ُ‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫[تعريف االستدالل والدليل]‬


‫‪ ‬‬
‫أعم من االستدالل‪ ،‬ألنه يكون‬ ‫ب الدَّلِ ِ‬
‫يل) ليؤدي إىل مطلوب تصديقي‪ ،‬فالنظر ُّ‬ ‫االس تِ ْد ُ‬
‫الل طَلَ ُ‬ ‫( َو ْ‬
‫يف التصورات والتصديقات‪ ،‬واالستدالل خاص بالتصديقات‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫المةٌ َعلَْي ِه)‪.‬‬ ‫المطْلُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وب‪ ،‬ألنَّهُ َع َ‬ ‫الم ْرش ُد إلى َ‬
‫يل) لغةً‪ُ ( :‬ه َو ُ‬
‫( َوالدَّل ُ‬
‫يح النَّظَ ِر فيه إىل مطْلُ ٍ‬
‫وب ُجزئي‪.‬‬ ‫َ‬ ‫بص ِح ٍ‬
‫َّوص ُل َ‬
‫ِ‬
‫وأما اصطالحاً‪ :‬فهو ما ميك ُن الت ُ‬
‫‪ ‬‬
‫[‪]15‬‬
‫[تعريف الظن والشك]‬
‫‪ ‬‬
‫اجملوز ‪-‬بكسر الواو‪.-‬‬ ‫ويز َْأم َري ِن َأح ُد ُه َما َأظ َْه ُر ِم َن َ‬
‫اآلخ ِر) عند ِّ‬ ‫(والظَّ ُّن تَ ْج ُ‬
‫إن الظن ليس هو التَّج ويز‪ ،‬وإمنا هو‬ ‫الظن هو التج ويز‪ ،‬فيه مس احمة‪ ،‬ف َّ‬‫وق ول املص نِّف رمحه اهلل‪ :‬إن َّ‬
‫املقابل له يقال له َو ْه ٌم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫املرجوح‬
‫ُ‬ ‫اجملوزين ‪-‬بفتح الواو‪ ،-‬والطَّ ُ‬
‫رف‬ ‫الطَّرف الراجح من َّ‬
‫‪ ‬‬
‫ِ‬
‫اجملوز ‪-‬بكسر الواو‪.-‬‬‫اآلخر) عند ِّ‬ ‫َأمري ِن ال َم ِزيَّةَ َ‬
‫ألحدهما َعلَى َ‬ ‫جويز َ‬
‫ك تَ ُ‬ ‫( َّ‬
‫والش ُّ‬
‫رف ال َّر ِاج ِح‪،‬‬
‫وال رتدد يف ثب وت قي ام زيد ونفيه على الس واء ش ك‪ ،‬ومع رجح ان أح دمها ظَ ٌّن للطَّ ِ‬
‫وو ْه ٌم للطَّرف املرجوح‪.‬‬ ‫َ‬
‫‪ ‬‬
‫[تعريف أصول الفقه بالمعنى االصطالحي]‬
‫‪ ‬‬
‫الف ْق ِه) ال ذي ُوض عت فيه ه ذه الورق ات (طُُرقُ هُ)‪ ،‬أي ط رق الفقه املوص لة إلي ه‪،‬‬ ‫(و) علم (ُأص ول ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ال)‪ ،‬كالكالم على مطلق األمر والنهي وفعل النيب صلى اهلل عليه وسلم واإلمجاع‬ ‫اإلجم ِ‬ ‫( َعلَى َس بِ ِ‬
‫يل ْ َ‬
‫والقي اس واالستص حاب والع ام واخلاص واجململ واملبني وغري ذل ك‪ ،‬املبح وث عن َّأوهلا بأنه للوج وب‬
‫للحرمة كذلك‪ ،‬وعن البواقي بأهنا ُح َج ٌج وغري ذلك مما سيأيت‪.‬‬ ‫حقيقة‪ ،‬وعن الثاين بأنه ُ‬
‫طريق توصل إىل مسألة‬ ‫كل ٍ‬ ‫أن َّ‬ ‫خبالف طُرق الفقه املوصلة إليه على سبيل التعيني والتفصيل‪ ،‬حبيث َّ‬ ‫ِ‬
‫ص اً أو اس تنباطاً‪ ،‬حنو‪﴿ :‬أقيم وا الص الة﴾‪﴿ ،‬وال تقرب وا ال زىن﴾‪ ،‬وص الته‬ ‫دل على حكمها نَ َّ‬ ‫جزئية ت ُّ‬
‫ص لى اهلل عليه وس لم يف الكعبة كما أخرجه الش يخان[‪ ،]16‬واإلمجاع على أن لبنت االبن الس دس مع‬
‫بعض ه ببعض إال مثالً مبثل يداً‬ ‫البِّر يف امتناع بي ِع ِ‬
‫بنت الصلب حيث ال عاصب هلا‪ ،‬وقياس األرز على ُّ‬
‫بيد كما رواه مس لم[‪ ،]17‬واستص حاب العص مة ملن يشك يف بقائه ا‪ ،‬ف إن ه ذه الط رق ليست من‬
‫أصول الفقه وإن ذكر بعضها يف كتبه ‪-‬يعىن أصول الفقه‪ -‬متثيالً‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫الل بِ َها) أي بطرق الفقه اإلمجالية من حيث تفاصيلها وجزئياهتا عند تعارضها‪ ،‬من‬ ‫االستِ ْد ِ‬ ‫ِ‬
‫( َو َك ْيفيَّةُ ْ‬
‫تقدمي اخلاص منها على العام‪ ،‬واملقيد على املطلق وغري ذلك‪.‬‬
‫وإمنا حصل التعارض فيها لكوهنا ظنية‪ ،‬إذ ال تعارض بني قاطعني‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬وكيفية) بالرفع عطفاً على قوله‪( :‬طرقه)‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫ِ‬
‫وكيفية االستدالل بالطرق املذكورة جتر إىل الكالم على صفات َم ْن يستد ُّل هبا‪ ،‬وهو اجملتهد‪.‬‬
‫رق الفقه اإلمجالية وكيفي ةَ االس تدالل هبا وص فات من يس تدل هبا‪ -‬هي ال َف ُّن‬ ‫فه ذه الثالثة ‪-‬أعين ط َ‬
‫املس مى هبذا اللقب‪ ،‬أعين أص ول الفق ه‪ ،‬املش عر مبدحه بابتن اء الفقه علي ه‪ ،‬وهو املعىن الث اين ال ذي‬
‫تقدمت اإلشارة إليه‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫[أبواب أصول الفقه]‬


‫‪ ‬‬
‫ام ال َك ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اب ُ ِ‬
‫اص)‪،‬‬
‫ام َوال َخ ُّ‬ ‫الع ُ‬
‫َّه ُي َو َ‬
‫األم ُر والن ْ‬
‫الم َو ْ‬ ‫ْس ُ‬‫ُأص ول الف ْق ه) ُمْبت دٌأ‪ ،‬خ ربُهُ (َأق َ‬ ‫( َو) قوله ( َْأب َو ُ‬
‫ؤو ُل) وس يأيت‪،‬‬ ‫اه ُر)‪ ،‬ويف بعض النسخ ( َوالم َّ‬ ‫وي ذكر فيه املطلق واملقي د‪( ،‬والمجم ل والم بيَّن والظَّ ِ‬
‫َُ‬ ‫َ َُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫اإلج َم اعُ‬
‫ض َو ْ‬ ‫ار ُ‬‫َّع ُ‬
‫خ َوالت َ‬‫سو ُ‬ ‫( َواَأل ْف َع الُ) أي أفع ال الرس ول ص لى اهلل عليه وس لم‪َ ( ،‬والنَّاس ُخ َوالم ْن ُ‬
‫الم ْس َت ْفتِي‬ ‫ص َفةُ ِ‬ ‫القي اس والحظْ ر واإلباح ةُ وَت رتِيب ِ‬
‫األدلَّ ِة و ِ‬ ‫ِ‬
‫الم ْفتي َو ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ار) مجع خَرَب ‪َ ( ،‬و َ ُ َ َ ُ َ َ َ َ ْ ُ‬ ‫َواأل ْخبَ ُ‬
‫ِ‬
‫المجت ِهد َ‬
‫ين)‪.‬‬ ‫ام ُ‬ ‫َأح َك ُ‬
‫َو ْ‬
‫مفصالً إن شاء اهلل تعاىل[‪.]18‬‬
‫فهذه مجلة األبواب‪ ،‬وسيأيت الكالم عليها َّ‬

‫‪ ‬‬

‫[باب أقسام الكالم]‬


‫‪ ‬‬
‫الم) فلها حيثيات‪:‬‬ ‫ام ال َك ِ‬
‫ْس ُ‬
‫(فَ َّأما أق َ‬
‫‪ ‬‬
‫ان)‪ ،‬حنو‪ :‬اهلل أحد‪.‬‬ ‫فأوهُل ا من حيث ما يرتكب منه‪( :‬فَأقَ ُّل ما يَتر َّكب) منه (ال َكالم اسم ِ‬ ‫َّ‬
‫ُ َ‬ ‫َ ََ ُ‬
‫اس ٌم َوفِ ْع ٌل) حنو‪ :‬قام زيد‪.‬‬
‫·‪َْ (                    ‬أو ْ‬
‫ف) حنو‪ :‬ما ق ام‪ ،‬أثبته بعض هم‪ ،‬وال يع ُّد الض مري يف ق ام الراجع‬ ‫·‪َْ (                   ‬أو فِ ْع ٌل َو َح ْر ٌ‬
‫إىل زيد مثالً كلمةً لعدم ظهوره‪ ،‬واجلمهور على عدة كلمة‪.‬‬
‫ف) وذلك يف النداء‪ ،‬حنو‪ :‬يا زيد‪ ،‬وأكثر النحاة قالوا‪ :‬إمنا كان‬ ‫اس ٌم َو َح ْر ٌ‬
‫·‪َْ (                   ‬أو ْ‬
‫غرض املص نِّف رمحه اهلل وغريه من‬
‫ولكن َ‬ ‫ألن تقديره أدعوا زيداً‪ ،‬أو أنادي زيداً‪َّ ،‬‬ ‫حنو يا زيد كالم اً؛ َّ‬
‫األصوليني بيا ُن أقسام اجلملة ومعرفة املفرد من املركب‪ ،‬فلذلك مل يأخذوا فيه بالتحقيق الذي يسلكه‬
‫النحويون‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫الم) يف االصطالح ( َي ْن َق ِس ُم) من حيثية أخرى (إلى‪):‬‬ ‫(وال َك ُ‬
‫يدل على طلب الفعل‪ ،‬حنو‪ :‬قُ ْم‪.‬‬ ‫(َأم ٍر) وهو ما ُّ‬ ‫·‪ْ                   ‬‬
‫يدل على طلب الرتك حنو‪ :‬ال تقم‪.‬‬ ‫·‪َ (                   ‬و َن ْه ٍي) وهو ما ُّ‬
‫·‪َ (                   ‬و َخبَ ٍر) وهو ما حيتمل الصدق والكذب‪ ،‬حنو‪ :‬جاء زيد‪ ،‬وما جاء زيد‪.‬‬
‫استِ ْخبَا ٍر) وهو االستفهام‪ ،‬حنو‪ :‬هل قام زيد ؟ فيقال‪ :‬نعم أو ال‪.‬‬
‫·‪َ (                   ‬و ْ‬
‫‪ ‬‬
‫( َو َي ْن َق ِس ُم) الكالم أيضاً (إلى‪):‬‬
‫·‪(                   ‬تَ َم ٍّن) وهو طلب ما ال طمع في ه‪ ،‬أو ما فيه عس ر‪ :‬ف األول حنو‪ :‬ليت الش باب‬
‫أحج ب ه‪ ،‬وميتن ُع التَّمين يف ال واجب حنو‪:‬‬
‫ليت يل م االً ف ُّ‬
‫يع ود يوم اً‪ ،‬والث اين‪ :‬حنو ق ول منقطع الرج اء‪َ :‬‬
‫ليت غداً جييء‪ ،‬إال أن يكون املطلوب جميئه اآلن فيدخل يف القسم األول‪.‬‬ ‫َ‬
‫واحلاصل أن التمين يكون يف املمتنع واملمكن الذي فيه عسر‪.‬‬
‫ُ‬ ‫·‪                  ‬‬
‫الطلب برفق حنو‪ :‬أال تنـ ِزل عن دنا‪ ،‬وحنوه‬‫ُ‬ ‫·‪َ (                   ‬و َع ْر ٍ‬
‫ض) بس كون ال راء‪ ،‬وهو‬
‫حبث‪.‬‬
‫التحضيض إال أنه طلب ٍّ‬
‫ألفعلن كذا‪.‬‬
‫ّ‬ ‫·‪َ (                   ‬وقَ َس ٍم) بفتح القاف والسني‪ ،‬وهو احللف‪ ،‬حنو‪ :‬واهلل‬
‫‪ ‬‬
‫( َو ِم ْن َو ْج ٍه َ‬
‫آخ َر َي ْن َق ِس ُم) الكالم أيضاً (إلى‪َ :‬ح ِقي َق ٍة ومجاز)‪.‬‬
‫الح ِقي َقةُ) يف اللغة‪ :‬ما جيب حفظه ومحايته‪.‬‬ ‫(فَ َ‬
‫وع ِه) أي على معناه الذي وضع له يف اللغة‪.‬‬‫ض ِ‬ ‫االستِ َعم ِ‬
‫ال َعلَى َم ْو ُ‬ ‫ويف االصطالح‪َ ( :‬ما بَِق َي في ْ َ‬
‫الم َخاطَبَ ِة) اليت وقع التخ اطب هبا وإن مل يبق على‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اص طُل َح َعلَي ه م ْن ُ‬ ‫يما ْ‬ ‫اس ُت ْعم َل ف َ‬
‫( َوقي َل‪َ :‬ما ْ‬
‫موضوعه الذي وضع له يف اللغة‪ ،‬كالصالة املستعملة يف لسان أهل الشرع للهيئة املخصوصة‪ ،‬فإنه مل‬
‫يب َق على موض وعه اللُّغ وي وهو ال دعاء خبري‪ ،‬وكالدَّابَّة املوض وعة يف الع رف ل ذوات األربع كاحلم ار‬
‫فإنه مل يبق على موضوعه اللغوي وهو كل ما يدب على األرض‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫از) يف اللغة‪ :‬مكان اجلواز‪.‬‬ ‫المج ُ‬
‫( َو َ‬
‫وع ِه)‪ ،‬وه ذا على الق ول األول يف تعريف‬ ‫ض ِ‬
‫ِّي بِ ِه ( َع ْن َم ْو ُ‬
‫ويف االص طالح‪َ ( :‬ما تُ ُج ِّو َز) أي ُتعُ د َ‬
‫احلقيقة‪ ،‬وعلى القول الثاين‪ :‬هو ما استعمل يف غري ما اصطلح عليه من املخاطبة[‪.]19‬‬
‫‪ ‬‬
‫الح ِقي َقةُ َّإما لُغَ ِويَّةٌ) وهي اليت وضعها واضع اللغة‪ ،‬كاألسد للحيوان املفرتس‪.‬‬ ‫( َو َ‬
‫( َو َّإما َش ْر ِعيَّةٌ) وهي اليت وضعها الشارع‪ ،‬كالصالة للعبادة املخصوصة‪.‬‬
‫( َو َّإما عُ ْرفِيَّةٌ) وهي اليت وض عها أهل الع رف الع ام‪ ،‬كالدابة ل ذوات الرب ع‪ ،‬وهي يف اللغة كل ما‬
‫يدب على وجه األرض‪ ،‬أو أهل العرف اخلاص كالفاعل لالسم املعروف عند النحاة‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫وه ذا التقس يم إمنا يتمشى على الق ول الث اين يف تعريف احلقيقة دون األول‪ ،‬فإنه مبىن على نفي ما‬
‫جماز عندهم‪.‬‬
‫عدا احلقيقة اللغوية‪ ،‬فاأللفاظ الشرعية كالصالة واحلج وحنومها‪ ،‬والعرفية كالدابة ٌ‬
‫راجح‪ ،‬وإن‬
‫ويف إثب ات املص نف للحقيقة الش رعية والعرفية دلي ٌل على اختي ار الق ول الث اين‪ ،‬وهو ال ُ‬
‫اقتضى تقدميه للقول األول على ترجيحه‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫وجعل املص نف احلقيقة واجملاز من أقس ام الكالم مع أهنما من أقس ام املف ردات‪ ،‬إش ارةٌ إىل أن املف رد‬
‫ال يظهر اتصافه باحلقيقة واجملاز إال بعد االستعمال ال قبله‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫استِ َع َار ٍة‪.‬‬ ‫اد ٍة َأو ُن ْقص ٍ‬
‫ان َْأو َن ْق ٍل َأو ْ‬ ‫از َّإما أ ْن يَ ُكو َن بِ ِزيَ َ ْ َ‬ ‫المج ُ‬
‫( َو َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫الزي َ ِ ِ‬
‫مثل له‬ ‫س َك ِمثْله َشيءٌ﴾)‪ ،‬فالكاف زائدة لئال يلزم ُ‬
‫إثبات ٍ‬ ‫ادة مثْ ُل قَوله َت َعالى‪﴿ :‬ل َْي َ‬ ‫از بِ ِّ َ‬
‫فَالمـَ َج ُ‬
‫تع اىل؛ ألهنا إن مل تكن زائ دة فهي مبعىن مث ل‪ ،‬فيقتضى ظ اهر اللفظ نفي مثل مثل الب اري‪ ،‬ويف ذلك‬
‫وضد املقصود من اآلية‪ ،‬فإن املقصود منها نفي املثل‪ ،‬فالكاف مزيدة‬ ‫إثبات مثل له وهو حمال عقالً‪ُّ ،‬‬
‫للتأكيد‪ ،‬وقال مجاعة‪ :‬ليست الكاف زائدة واملراد باملثل الذات كما يف قوهلم‪ِ :‬مثلُك ال يفعل كذا‪،‬‬
‫لقصد املبالغة يف نفي ذلك الفعل عنه‪ ،‬ألنه إذا انتفي عمن مياثله ويناسبه كان نفيه عنه أوىل‪.‬‬
‫وق ال الش يخ س عد ال دين[‪ :]20‬الق ول ب أن الك اف زائ دة أخذ بالظ اهر‪ ،‬واألحسن أال تك ون زائ دة‬
‫موجود قطعاً‪ ،‬فنفي مثل املثل مستلزم‬
‫ٌ‬ ‫ألن اهلل سبحانه‬ ‫وتكون نفياً للمثل بطريق الكناية اليت هي أبلغ‪َّ ،‬‬
‫لنفي املث ل‪ ،‬ض رور َة أنه لو وجد له مثل لك ان هو تع اىل مثالً ملثل ه‪ ،‬فال يصح نفي مثل املث ل‪ ،‬فهو من‬
‫باب نفي الشيء بنفي الزمه‪ ،‬كما يقال‪ :‬ليس ألخي زيد أخ‪ ،‬فأخي زيد ملزوم‪ ،‬وأخي الزمه‪ ،‬ألنه‬
‫فنفيت الالزم‪ ،‬وهو أخو أخي زيد‪ ،‬واملراد نفي ملزومه وهو أخو زي د‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ال ب َّد ألخي من أخ هو زي د‪،‬‬
‫إذ لو كان له أخ لكان لذلك األخ أخ وهو زيد‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫جماز‬
‫(والمج از بالنقص ان مثل قوله تع الى‪ :‬واس ئل القرية) أي أهل القري ة‪ ،‬ويس مى ه ذا الن وع َ‬
‫املظهر دلي ٌل على احملذوف‪ ،‬كالقرينة العقلية هنا الدالة على أن األبنية‬ ‫اإلض مار‪ ،‬وش رطُه أن يك ون يف َ‬
‫ال تُسأل لكوهنا مجاداً‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫ف إن قيل‪ :‬ح ُّد اجملاز ال يص دق على اجملاز بالزي ادة والنقص ان؛ ألنه مل يس تعمل اللفظ يف غري‬
‫موضوعه‪.‬‬
‫ف الجواب‪ :‬أنَّه منه‪ ،‬حيث استعمل نفي مثل املثل يف نفي املثل وس ؤال القرية يف سؤال أهله ا‪ ،‬فقد‬
‫جتوز يف اللفظ وتع ّدى به عن معناه إىل معىن آخر‪.‬‬
‫احب التلخيص[‪ :]21‬إنه جماز من حيث أن الكلمة نقلت عن إعراهبا األص لي إىل ن وع آخر‬‫وق ال ص ُ‬
‫من اإلعراب‪ ،‬فاحلكم األصلي لـ(مثله) النصب؛ ألنه خرب ليس‪ ،‬وقد تغري باجلر بسبب زيادة الكاف‪،‬‬
‫واحلكم األصلي لـ(القرية) اجلر‪ ،‬وقد تغري إىل النصب بسبب حذف املضاف‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫(والمج از بالنقل) أي بنقل اللفظ عن معن اه إىل معىن آخر ملناس ٍبة بني معىن املنق ول عنه واملنق ول‬
‫إلي ه‪( ،‬كالغائط فيما يخ رج من اإلنس ان )‪ ،‬فإنه نقل إليه عن معن اه احلقيقي وهو املك ان املطمئن من‬
‫األرض‪ ،‬ألن ال ذي يقضى احلاجة يقصد ذلك املك ان طلب اً للس رت‪ ،‬فس موا الفض لة اليت خترج من‬
‫اإلنس ان باسم املك ان ال ذي يالزم ذل ك‪ ،‬واش تهر ذلك حىت ص ار ال يتب ادر يف الع رف من اللفظ إال‬
‫ذلك املعىن‪ ،‬وهو حقيقة عرفية جماز بالنسبة إىل معناه اللغوي‪.‬‬
‫فق ول من ق ال‪ :‬إن تس ميته جمازاً مبين على ق ول من أنكر احلقيقة العرفية ليس بظ اهر؛ إذ ال مناف اة‬
‫بني كونه حقيقة عرفية وجمازاً لغوياً كما عرفت‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫ينقض﴾) أي يس قط‪ ،‬فش به ميله إىل‬ ‫(والمج از باالس تعارة كقوله تع الى‪﴿ :‬ج داراً يريد أن ّ‬
‫السقوط بإرادة السقوط اليت هي من صفة احلي دون اجلماد‪ ،‬فإن اإلرادة منه ممتنعة عادة‪.‬‬
‫واجملاز املبين على التشبيه يسمى استعارة‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫يعم مجيع‬
‫وعب ارة املص نف ت وهم أن النقل قسم من اجملاز ومقابل لألقس ام وليس ك ذلك‪ ،‬ف إن النقل ُّ‬
‫فإن معناه حتويل اللفظ عن معناه املوضوع له إىل معىن آخر‪.‬‬ ‫أقسام اجملاز‪َّ ،‬‬
‫فقوله‪﴿ :‬ليس كمثله شيء﴾ منقول من الداللة على نفي مثل املثل إىل نفي املثل‪.‬‬
‫وقوله‪﴿ :‬واسأل القرية﴾ منقول من الداللة على سؤال القرية إىل سؤال أهل القرية‪.‬‬
‫ولفظ الغائط منقول من الداللة على املكان املطمئن املعنّي إىل فضلة اإلنسان‪.‬‬
‫وقول ه‪﴿ :‬ج داراً يريد أن ينقض﴾ منق ول من الداللة على اإلرادة احلقيقية اليت هي إرادة احلي إىل‬
‫صورة تشبه صورة اإلرادة احلقيقية‪.‬‬
‫نقل اللفظ من موضعه األول إىل معىن آخر‪ ،‬لكنه قد يكون مع بقاء اللفظ على صورته‬ ‫ُ ُّ‬
‫فاجملاز كله ُ‬
‫من غري تغيري وهذا اجملاز العارض يف األلفاظ املفردة‪ ،‬كنقل لفظ األسد من احليوان املفرتس إىل الرجل‬
‫الشجاع‪ ،‬ونقل لفظ الغائط من املك ان املطمئن إىل فضلة اإلنس ان‪ ،‬وقد يكون مع تغيري يعرض للفظ‬
‫بزيادة أو نقصان‪ ،‬وهو اجملاز الذي يعرض لأللفاظ املركبة‪.‬‬
‫ويس مى اجملاز الواقع يف األلف اظ املف ردة جمازاً لغوي اً‪ ،‬واجملاز الواقع يف ال رتكيب جمازاً عقلي اً‪ ،‬وهو‬
‫إسناد الفعل إىل غري ما هو له يف الظاهر‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫[ باب األمر]‬
‫‪ ‬‬
‫وملا انقضى كالمه على أقسام الكالم أتبع ذلك بالكالم على األمر فقال‪:‬‬
‫‪ ‬‬
‫(واألمر استدعاء الفعل بالقول لمن هو دونه على سبيل الوجوب)‪ ،‬بأن ال جيوز له الرتك‪.‬‬
‫فقوله‪( :‬استدعاء الفعل) خيرج به النهي ألنه استدعاء الرتك‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬بالقول) خيرج به الطلب باإلشارة والكتابة والقرائن املفهمة‪.‬‬
‫وقول ه‪( :‬لمن هو دون ه) خيرج به الطلب من املس اوي واألعلى‪ ،‬فال يس مى ذلك أم راً‪ ،‬بل يس مى‬
‫األول التماساً‪ ،‬والثاين دعاء وسؤاالً‪.‬‬
‫وهذا قول مجاعة من األصوليني‪ ،‬واملختار أنه ال يعترب يف األمر العلو‪ ،‬وهو أن يكون الطالب أعلى‬
‫رتبة من املطلوب‪ ،‬وال االستعالء وهو أن يكون الطلب على سبيل التعاظم‪.‬‬
‫والف رق بني العلو واالس تعالء أن العلو ك ون اآلمر يف نفسه أعلى درجة من املأمور‪ ،‬واالس تعالء أن‬
‫جيعل نفسه عالي اً بتكرب أو غ ريه وقد ال يك ون يف نفس األمر ك ذلك‪ ،‬ف العلو من ص فات اآلمر‬
‫واالستعالء من صفات كالمه‪.‬‬
‫جيوز الرتك‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬على سبيل الوجوب) خيرج اآلمر على سبيل الندب بأن ِّ‬
‫واقتضى كالم املصنف أن املندوب ليس مأموراً به‪ ،‬وفيه خالف مبين على أن لفظ األمر حقيقة يف‬
‫الوج وب أويف الق در املش رتك بني اإلجياب والن دب وهو طلب الفعل ؟ وقي ل‪ :‬إنه حقيقة يف الن دب‪،‬‬
‫وقيل غري ذلك‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫(وصيغته) أي صيغة األمر الدالة عليه (افعل)‪.‬‬
‫وليس املراد ه ذا ال وزن خبصوص ه‪ ،‬بل ك ون اللفظ داالً على األمر هبيئته حنو‪ :‬اض رب وأك رم‬
‫واستخرج و ﴿لينفق﴾‪ ،‬و﴿ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق﴾‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫(وهي) أي صيغة األمر (عند اإلطالق والتجرد عن القرينة) الصارفة عن الوجوب (تحمل عليه)‬
‫أي على الوجوب‪ ،‬حنو‪﴿ :‬أقيموا الصالة﴾‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫(إال ما دل الدليل على أن المراد منه الندب) حنو‪﴿ :‬فكاتبوهم إن علمتم فيهم خرياً﴾ ألن املقام‬
‫يقتضى عدم الوجوب‪ ،‬فإن الكتابة من املعامالت‪.‬‬
‫(أو اإلباحة) حنو‪﴿ :‬وإذا حللتم فاصطادوا﴾‪ ،‬فإن االصطياد أحد وجوه التكسب وهو مباح‪ ،‬وقد‬
‫أمجعوا على عدم وجوب الكتابة واالصطياد‪.‬‬
‫وظاهر كالمه أن االستثناء يف قوله‪( :‬إال ما دل الدليل) منقطع؛ ألن الدليل هو القرينة‪ ،‬وميكن أن‬
‫يكون متصالً‪.‬‬
‫وختتص القرينة مبا ك ان متص الً بالص يغة‪ ،‬وال دليل مبا ك ان منفص الً عنه ا؛ ألن ما ك انت القرينة فيه‬
‫اجملرد عن القرينة‪.‬‬
‫منفصلة داخل يف َّ‬
‫مث ال القرينة املتص لة قوله تع اىل‪﴿ :‬ف اآلن باش روهن﴾‪ ،‬بعد قوله تع اىل‪﴿ :‬أحل لكم ليلة الص يام‬
‫الرفث إىل نساءكم﴾‪.‬‬
‫ومثال القرينة املنفصلة قوله تعاىل‪﴿ :‬وأشهدوا إذا تبايعتم﴾‪ ،‬والقرينة أن النيب صلى اهلل عليه وسلم‬
‫باع ومل يشهد‪ ،‬فعلم أن األمر للندب‪.‬‬
‫يدل على التقييد بالتكرار أو باملرة (التكرار على الصحيح)‬ ‫عما ُّ‬‫(وال تقتضي) صيغة األمر العارية َّ‬
‫املرةُ ض رورية؛ ألن ما قصد من حتص يل املأمور به ال يتحقق إال هبا‪ ،‬واألصل ب راءة‬
‫وال املرة‪ ،‬لكن َّ‬
‫دل ال دليل على قصد التك رار) فيعمل ب ه‪ ،‬ك األمر بالص لوات اخلمس‬ ‫الذمة مما زاد عليها (إال ما َّ‬
‫وصوم رمضان‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫حيث ال‬
‫ومقابل الصحيح أنه يقتضى التكرار‪ ،‬فيستوعب املأمور بالفعل املطلوب ما ميكنه من عمره ُ‬
‫بيان ألمد املأمور به‪ ،‬النتفاء مرجح بعضه على بعض‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬يقتضى املرة[‪ ،]22‬وقيل‪ :‬بالوقف‪.‬‬
‫واتفق الق ائلون بأنه ال يقتضي التك رار على أنه إذا عُلَِّ َق على علة حمققة حنو‪ :‬إن زىن فاجل دوه‪ ،‬أنه‬
‫يقتضى التكرار‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫إجياد الفعل من‬
‫ألن الغرض ُ‬ ‫(وال تقتضى) صيغة األمر (الفور)‪ ،‬يريد وال الرتاخي‪ ،‬إال بدليل فيهما‪َّ ،‬‬
‫غري اختصاص بالزمن األول والثاين‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬يقتضى الفور[‪.]23‬‬
‫وكل من قال بأهنا تقتضى التكرار قال إهنا تقتضى الفور‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫(واألمر بإيج اد الفعل أمر به وبما ال يتم) ذلك (الفعل ك األمر بالص الة) فإنه (أمر بالطه ارة)‪،‬‬
‫فإن الصالة ال تصح إال بالطهارة (المؤدية إليها)‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫(وإذا فعل) بالبن اء للمفع ول والض مري للم أمور به (يخ رج الم أمور عن العه دة) أي عه دة األمر‬
‫ويتصف الفعل باإلجزاء‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫ويف بعض النس خ‪ :‬وإذا فعله املأمور خيرج عن العه دة‪ ،‬واملعىن أن املكلف إذا أمر بفعل ش يء ففعل‬
‫ذلك الفعل املأمور به كما أمر به‪ ،‬فإنه حيكم خبروجه عن عهدة ذلك األمر‪ ،‬ويتصف الفعل باإلجزاء‪،‬‬
‫وهذا هو املختار‪.‬‬
‫وقال قوم‪ :‬إنه حيكم باإلجزاء خبطاب متجدد‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫(الذي يدخل في األمر والنهي وما ال يدخل)‬


‫‪ ‬‬
‫هذه ترمجة معناها‪ :‬بيا ُن من يتناوله خطاب التكليف باألمر والنهي ومن ال يتناوله‪.‬‬
‫وقال‪( :‬ما ال يدخل) تنبيهاً على أن من مل يدخل يف خطاب التكليف ليس يف حكم ذوى العقول‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫(يدخل في خطاب اهلل تعالى المؤمنون) املكلفون‪ ،‬وهم العاقلون البالغون غري الساهني‪.‬‬
‫ويدخل اإلناث يف خطاب الذكور حبكم التبع‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫(و) أما (الس اهي والص بي والمجن ون) فهم (غ ير داخلين في الخط اب) النتف اء التكليف عنهم‪،‬‬
‫ألن شرط اخلطاب الفهم‪ ،‬وهم غري فامهني للخطاب‪.‬‬‫َّ‬
‫وي ؤمر الس اهي بعد ذه اب الس هو جبرب خلل الس هو‪ ،‬كقض اء ما فاته من الص الة‪ ،‬وض مان ما أتلفه‬
‫من املال؛ لوجود سبب ذلك وهو اإلتالف‪ ،‬ودخول الوقت‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫(والكفار مخ اطبون بفروع الشريعة) على الص حيح (وبما ال تصح إال به وهو اإلس الم) اتفاق اً‬
‫[‬

‫‪.]24‬‬
‫وقوله‪( :‬لقوله تعالى‪﴿ :‬ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين﴾) حجةٌ للقول الصحيح‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إهنم غري خماطبني بفروع الشريعة لعدم صحتها منهم قبل اإلسالم وعدم مؤاخذهتم هبا بعده‪.‬‬
‫وأجيب‪ :‬ب أن فائ دة خط اهبم هبا عق اهبم عليه ا‪ ،‬وع دم ص حتها يف ح ال الكفر لتوقفها على النية‬
‫املتوقفة على اإلسالم‪.‬‬
‫وأما عدم املؤاخذة هبا بعد اإلسالم فرتغيباً هلم يف اإلسالم[‪.]25‬‬
‫‪ ‬‬
‫بالكف عن‬
‫ِّ‬ ‫(واألمر) النفسي (بالشيء نهي عن ضده)‪ ،‬مبعىن أن تعلق األمر بالشيء هو عني تعلُّقه‬
‫كضد السكون الذي هو التحرك‪ ،‬أو أكثر كضد القيام الذي هو القعود‬ ‫ِّ‬ ‫ضدِّه‪ ،‬واحداً كان الضد‪،‬‬
‫واالتكاء واالستلقاء‪.‬‬
‫فالطلب له تعلُّق واحد بأمرين مها‪ :‬فعل الشيء والكف عن ضده‪ ،‬فباعتبار األول هو أمر‪ ،‬وباعتبار‬
‫الثاين هو هني‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إن األمر بالشيء ليس عني النهي عن ضده ولكن يتضمنه‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬ليس عينه وال يتضمنه‪ ،‬وعزاه صاحب مجع اجلوامع للمصنِّف‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫وأما َم ْفهوما األمر والنهي فال نـزاع يف تغايرمها‪ ،‬وكذا ال نـزاع يف أن األمر اللفظي ليس عني النهي‬
‫اللفظي‪ ،‬واألصح أنه اليتضمنه‪.‬‬
‫وقي ل‪ :‬يتض منه‪ ،‬ف إذا ق ال اس كن فكأنه ق ال‪ :‬ال تتح رك؛ ألنه ال يتحقق الس كون إال ب الكف عن‬
‫التحرك‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫(و) أما (النهي) النفسي (عن الشيء) فقيل‪ :‬إنه (أمر بضده)‪ ،‬فإن كان واحداً فواضح‪ ،‬وإن كان‬
‫كثرياً كان أمراً بواحد من غري تعيني‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إن النهي النفسي ليس أمراً بالضد قطعاً‪.‬‬
‫وأما النهي اللفظي فليس عني األمر اللفظي قطعاً‪ ،‬وال يتضمنه على األصح‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬يتضمنه‪ ،‬فإذا قال‪ :‬ال تتحرك فكأنه قال‪ :‬اسكن‪ ،‬ألنه ال يتحقق ترك التحرك إال بالسكون‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫(والنهي استدعاء الرتك بالقول ممن هو دونه على سبيل الوجوب) على وزان ماتقدم يف األمر‪.‬‬
‫إال أنه يقال هنا‪ :‬قوله‪( :‬استدعاء الرتك) خمرج لألمر‪.‬‬
‫خمرج للنهي على سبيل الكراهة‪ ،‬بأن‬‫وقوله هنا‪( :‬على سبيل الوجوب) أي بأن ال جيوز له الفعل‪ٌ ،‬‬
‫جيوز له الفعل‪.‬‬
‫مقتض للفور والتكرار‪ ،‬فيجب االنتهاء يف‬‫ٍ‬ ‫وال يعترب فيه أيضاً علو وال استعالء‪ ،‬إال أن النهي املطلق‬
‫احلال‪ ،‬واستمرار الكف يف مجيع األزمان‪ ،‬ألن الرتك املطلق إمنا يصدق بذلك‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫(وي دل) النهي املطلق ش رعاً (على فس اد المنهي عنه) ش رعاً على األصح عند املالكية والش افعية‪،‬‬
‫وسواء كان املنهي عنه عبادة كصوم يوم العيد أو عقداً كالبيوع املنهي عنها‪.‬‬
‫عما إذا اق رتن به ما يقتضى ع دم الفس اد كما يف ص ور ال بيوع املنهي عنه ا‪،‬‬
‫واحرتزنا بـ (املطل ق) َّ‬
‫وسقطت هذه املسألة من نسخة احمللي‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫(وت رد ص يغة األمر والم راد به) أي ب األمر (اإلباحة) كما تق دم‪( ،‬أو التهديد) حنو‪﴿ :‬اعمل وا ما‬
‫شئتم﴾‪( ،‬أو التسوية) حنو‪﴿ :‬اصربوا أوال تصربوا﴾‪( ،‬أو التكوين) حنو‪﴿ :‬كونوا قردة خاسئني﴾‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫[باب العام]‬
‫‪ ‬‬
‫(وأما العام فهو ما عم شيئين فصاعداً)‪ ،‬أي من غري حصر‪.‬‬
‫وهو مأخوذ (من قوله‪ :‬عممت زيداً وعمراً بالعطاء وعممت جميع الناس بالعطاء) أي مشلتهم‪،‬‬
‫ففي العام مشول‪.‬‬
‫ويف بعض النس خ‪( :‬مثل عممت زي داً وعم راً)‪ ،‬وال يصح ذلك ألن عممت زي داً وعم راً ليس من‬
‫العام الذي يريد بيانه‪.‬‬
‫وقول ه‪( :‬ما عم ش يئني فص اعداً) جنس يش تمل على املثىن ك رجلني‪ ،‬وأمساء الع دد كثالثة وأربع ة‪،‬‬
‫وحنو ذلك‪.‬‬
‫وقولنا‪( :‬من غري حصر) فصل خمرج للمثىن وألمساء العدد‪ ،‬فإهنا تتناول شيئني فصاعداً لكنها تنتهي‬
‫إىل غاية حمصورة‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫(وألفاظه) أي صيغ العموم املوضوعة له (أربعة) أي أربعة أنواع‪:‬‬
‫الن وع األول‪( :‬االسم الواحد المع رف ب األلف والالم) اليت ليست للعهد وال للحقيق ة‪ ،‬فإنه يفيد‬
‫العموم بدليل جواز االستثناء منه حنو‪﴿ :‬إن اإلنسان لفي خسر إال الذين آمنوا﴾‪.‬‬
‫(و) الن وع الث اين (اسم الجمع)‪ ،‬أي ال دال على مجاعة (المع رف ب الالم) اليت ليست للعهد حنو‪:‬‬
‫﴿اقتلوا املشركني﴾‪.‬‬
‫(و) الن وع الث الث (األس ماء المبهمة كمن فيمن يعقل) حنو‪َ :‬م ْن دخ َل دارى فهو آمن‪( ،‬وما فيما‬
‫أي عبيدي جاءك‬
‫ال يعقل) حنو‪َ :‬ما جاءين قبلته‪( ،‬وأي في الجميع) أي من يعقل ومن ال يعقل حنو‪ُّ :‬‬
‫فأحسن إلي ه‪ ،‬وأي األش ياء أردته أعطيت ك‪( ،‬وأين في المك ان) حنو‪ :‬أين جتلس أجلس‪( ،‬وم تى في‬
‫الزم ان) حنو‪ :‬مىت تقم أقم‪( ،‬وما في االس تفهام) حنو‪ :‬ما عن دك ؟ (و) يف (الج زاء) أي اجملازاة حنو‪:‬‬
‫ما تفعل جُتَْز به‪.‬‬
‫علمت ‪-‬بتاء املتكلم يف األول وتاء اخلطاب‬
‫َ‬ ‫علمت ما‬
‫ُ‬ ‫ويف نسخة‪( :‬واخلرب) بدل اجلزاء حنو قولك‪:‬‬
‫علمت ؟‬
‫َ‬ ‫يف الثاين‪ ،-‬جواباً ملن قال لك‪ :‬ما‬
‫(وغيره) أي غري ما ذكر‪ ،‬كاخلرب على النسخة األوىل واجلزاء على النسخة الثانية‪.‬‬
‫ِ‬
‫َّك ر ِ‬
‫ات) أي الداخلة على النك رات‪ ،‬ف إن ب نيت النك رة معها على الفتح‬ ‫(و) الن وع الرابع (ال في الن َ‬
‫[‬
‫رجل يف الدار‬
‫رجل يف الدار فهي نص يف العموم‪ ،‬وإن مل تنب فهي ظاهرة يف العموم حنو‪ :‬ال ٌ‬ ‫حنو‪ :‬ال َ‬
‫‪.]26‬‬
‫‪ ‬‬
‫(والعموم من صفات النطق) أي اللفظ‪ ،‬والنطق مصدر مبعىن منطوق به‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫(وال يج وز دع وى العم وم في غ يره) أي يف غري اللفظ (من الفعل وما يجرى مجراه) أي جمرى‬
‫الفعل‪.‬‬
‫فالفعل كجمعه عليه الصالة والسالم بني الصالتني يف السفر كما رواه البخاري[‪ ،]27‬فال يدل على‬
‫عموم اجلمع يف السفر الطويل والقصري‪ ،‬فإنه إمنا وقع يف واحد منهما‪.‬‬
‫والذي جيري جمرى الفعل كالقضايا املعينة‪ ،‬مثل قضائه صلى اهلل عليه وسلم بالشفعة للجار‪ ،‬رواه‬
‫النسائي عن احلسن مرسالً[‪ ،]28‬فال يعم كل جار الحتمال خصوصية يف ذلك اجلار‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫[باب الخاص]‬
‫‪ ‬‬
‫(والخ اص يقابل الع ام) فيق ال يف تعريف ه‪ :‬هو ما ال يتن اول ش يئني فص اعداً من غري حص ر‪ ،‬بل إمنا‬
‫يتن اول ش يئاً حمص وراً‪ :‬إما واح داً أو اث نني أو ثالثة أو أك ثر من ذل ك‪ ،‬حنو‪ :‬رجل ورجلني وثالثة‬
‫رجال‪.‬‬
‫(والتخص يص تمي يز بعض الجملة) أي إخ راج بعض اجلمل اليت يتناوهلا اللفظ الع ام‪ ،‬ك إخراج‬
‫املعاهدين من قوله تعاىل‪﴿ :‬اقتلوا املشركني﴾‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫ص ‪-‬بكسر الصاد‪ -‬املفهوم من التخصيص (ينقسم إلى‪:‬‬ ‫خص ُ‬
‫(وهو) أي امل ِّ‬
‫ُ‬
‫متصل) وهو ما ال يستقل بنفسه‪ ،‬بل يكون مذكوراً مع العام‪.‬‬
‫(ومنفصل) وهو ما يستقل بنفسه وال يكون مذكوراً مع العام‪ ،‬بل يكون مفرداً‪.‬‬
‫(فالمتصل) ثالثة أجزاء على ما ذكر املصنف‪:‬‬
‫أحدها‪( :‬االستثناء)‪ ،‬حنو‪ :‬قام القوم إال زيداً‪.‬‬
‫(و) ثانيها (التقييد بالشرط)‪ ،‬حنو‪ :‬أكرم بين متيم إن جاءوك‪ ،‬أي اجلائني منهم‪.‬‬
‫(و) ثالثها (التقييد بالصفة)‪ ،‬حنو‪ :‬أكرم بين متيم الفقهاء‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫[تعريف االستثناء]‬
‫(واالستثناء) احلقيقي‪ ،‬أي املتصل هو‪( :‬إخراج ما لواله) أي لوال االستثناء (لدخل في الكالم)‪،‬‬
‫حنو املثال السابق‪.‬‬
‫واالستثناء املتصل هو‪ :‬ما يكون فيه املستثىن بعض املسثىن منه‪.‬‬
‫واحرتزنا به عن املنفص ل‪ ،‬وه و‪ :‬ما ال يك ون فيه املس تثىن بعض املس تثىن من ه‪ ،‬حنو‪ :‬ق ام الق وم إال‬
‫محاراً‪ ،‬فليس من املخصصات وإن كان املصنف سيذكره على سبيل االستطراد‪.‬‬
‫والبد يف االس تثناء املنقطع أن يك ون بني املس تثىن واملس تثىن منه مالبسة كما مثلن ا‪ ،‬فال يق ال‪ :‬ق ام‬
‫القوم إال ثعباناً‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫(وإنما يصح) االستثناء (بشرط أن يبقى من المستثنى منه شيء) ولو واحداً‪ ،‬فلو استغرق املستثىن‬
‫علي عشرة إال تسعة صح ولزمه واحد‪ ،‬ولو قال‪ :‬إال عشرة‪ ،‬مل‬
‫منه مل يصح وكان لغواً‪ ،‬فلو قال‪ :‬له َّ‬
‫يصح ولزمته العشرة‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫(ومن شرطه) أي االستثناء (أن يكون متصالً بالكالم) بالنطق أو يف حكم املتصل‪ ،‬فال يضر قطعه‬
‫بسعال وتنفس وحنومها مما ال يعد فاص الً يف العرف‪ ،‬فإن مل يتصل بالكالم املستثىن منه مل يصح‪ ،‬فلو‬
‫قال‪ :‬جاء القوم‪ ،‬مث قال بعد أن مضى ما يعد فاصالً يف العرف‪ :‬إال زيداً مل يصح‪.‬‬
‫وعن ابن عباس رضي اهلل تعاىل عنهما‪ :‬يصح االستثناء املنفصل بشهر‪ ،‬وقيل بسنة‪ ،‬وقيل أبداً[‪.]29‬‬
‫‪ ‬‬
‫(ويجوز تقديم االستثناء) أي املستثىن (عن المستثنى منه)‪ ،‬حنو‪ :‬ما قام إال زيداً أح ٌد‪.‬‬
‫(ويج وز االس تثناء من الجنس) وهو املتصل املع دود يف املخصص ات املتص لة كما تق دم‪( ،‬ومن‬
‫غيره) وهو املنقطع كما تقدم‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫[التخصيص بالشرط]‬
‫(والش رط) وهو الث اين من املخصص ات املتص لة‪( ،‬يج وز أن يت أخر عن المش روط) يف اللفظ كما‬
‫تق دم‪( ،‬ويج وز أن يتق دم عن المش روط) يف اللفظ حنو‪ :‬إن ج اءوك بين متيم ف أكرمهم‪ ،‬وأما يف‬
‫الوجود اخلارجي فيجب أن يتقدم الشرط على املشروط أو يقارنه‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫[التخصيص بالصفة]‬
‫(و) التقييد بالص فة‪ ،‬وهو الث الث من املخصص ات املتص لة‪ ،‬يك ون فيه (المقيد بالص فة) أص الً‬
‫(ويحمل عليه المطلق) فيقيده بقيده‪( ،‬كالرقبة قيدت باإليمان في بعض المواضع) كما يف كفارة‬
‫الظهار‪ ،‬فيحمل املطلق على املقيد احتياطاً‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫مث شرع يتكلم عن القسم الثاين من املخصص‪ ،‬أعىن املنفصل فقال‪:‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫[التخصيص بالمخصص المنفصل]‬


‫‪ ‬‬
‫(ويج وز تخص يص الكت اب بالكت اب) على األصح حنو‪﴿ :‬واملطلق ات يرتبصن بأنفس هن أربعة‬
‫قروء﴾ الشامل ألوالت األمحال‪ ،‬فخص بقوله‪﴿ :‬وأوالت األمحال أجلهن أن يضعن محلهن﴾‪.‬‬
‫ألن أهل الكتاب مشركون‬ ‫وحنو قوله‪﴿ :‬وال تنكحوا املشركات حىت يؤمن﴾ الشامل للكتابيات‪َّ ،‬‬
‫لقوله تع اىل‪﴿ :‬وق الت اليه ود عزير ابن اهلل‪ ،‬وق الت النص ارى املس يح ابن اهلل﴾‪ ،‬إىل قوله تع اىل‪﴿ :‬ال‬
‫ص بقوله تع اىل‪﴿ :‬واحملص نات من ال ذين أوت وا الكت اب من‬ ‫إله إال هو س بحانه عما يش ركون﴾‪ُ ،‬خ َّ‬
‫قبلكم﴾‪ ،‬أي حل لكم‪ ،‬واملراد هنا باحملصنات احلرائر‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫(و) جيوز (تخص يص الكت اب بالس نة) س واء ك انت مت واترة أو خرب آح اد‪ ،‬وفاق اً للجمه ور‪،‬‬
‫كتخصيص قوله تعاىل‪﴿ :‬يوصيكم اهلل يف أوالدكم﴾ اآلية الشامل للمولود الكافر حلديث‪﴿ :‬ال يرث‬
‫املسلم الكافر وال الكافر املسلم﴾[‪.]30‬‬
‫‪ ‬‬
‫(و) جيوز (تخصيص السنة بالكتاب) كتخصيص حديث الصحيحني ﴿ال يقبل اهلل صالة أحدكم‬
‫إذا أحدث حىت يتوضأ﴾[‪ ،]31‬بقوله‪﴿ :‬فلم جتدوا ماء فتيمموا﴾ وإن وردت السنة بالتيمم أيض اً بعد‬
‫نـزول اآلية‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫[‬
‫(و) جيوز (تخصيص السنة بالسنة) كتخصيص حديث الصحيحني ﴿فيما سقت السماء العشر﴾‬
‫‪ ،]32‬حبديثهما‪﴿ :‬ليس فيما دون مخسة أوسق صدقة﴾[‪.]33‬‬
‫‪ ‬‬
‫(و) جيوز (تخصيص النطق بالقياس‪ ،‬ونعنى بالنطق قول اهلل تعالى وقول الرسول ص لى اهلل عليه‬
‫وسلم) ألن القياس يستند إىل نص من كتاب اهلل تعاىل وسنة رسوله صلى اهلل عليه وسلم فكان ذلك‬
‫هو املخصص‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫مثال ختصيص الكتاب بالقياس قوله تعاىل‪﴿ :‬الزانية والزاين فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة﴾‪،‬‬
‫ص عمومه الش امل لألمة بقوله تع اىل‪﴿ :‬فعليهن نصف ما على احملص نات من الع ذاب﴾‪ ،‬وخص‬ ‫ُخ َّ‬
‫عمومه أيضاً بالعبد املقيس على األمة‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫[باب المجمل والمبين]‬


‫‪ ‬‬
‫ِ‬
‫(والمجمل) يف اللغة‪ :‬م ْن َأمْج َْل َ‬
‫ت الشَّيءَ إذا مَجَ ْعتَهُ‪ ،‬وضدُّه املفصل‪.‬‬
‫ويف االص طالح ه و‪( :‬ما افتقر إلى البي ان)‪ ،‬أي هو اللفظ ال ذي يتوقف فهم املقص ود منه على أمر‬
‫خارج عنه‪ :‬إما قرينة حال‪ ،‬أو لفظ آخر‪ ،‬أو دليل منفصل‪.‬‬
‫فاللفظ املشرتك جممل؛ ألنه يفتقر إىل ما يبني املراد من معنييه أو من معانيه‪ ،‬حنو قوله تعاىل‪﴿ :‬ثالثة‬
‫قروء﴾ فإنه حيتمل األطهار واحليضات‪ ،‬الشرتاك ال ُق ْرء بني الطهر واحليض‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫(والبي ان) يطلق على التب يني ال ذي هو ق ول املبنّي ‪ ،‬وعلى ما حصل به التب يني وهو ال دليل‪ ،‬وعلى‬
‫متعلَّق التبيني وحمله وهو املدلول‪.‬‬
‫عرفه بالنظر إىل املعىن األول بقوله‪( :‬إخراج الشيء من حيز اإلشكال إلى حيز التجلي)‬
‫واملصنِّف َّ‬
‫أي الظهور والوضوح‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫وأورد عليه أمران‪ :‬أحدمها‪ :‬أنه ال يشتمل التبيني ابتداء قبل تقرير اإلشكال؛ ألنه ليس فيه إخراج‬
‫من حيز اإلشكال‪.‬‬
‫جتوز‪ ،‬وهو‬
‫والثاين‪ :‬أن التبيني أمر معنوي‪ ،‬واملعاين ال توصف باالستقرار يف احليز‪ ،‬فذكر احليز فيه ّ‬
‫جمتنب يف الرسم‪.‬‬
‫كره وجعلُه واضحاً‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وأجيب بأن املراد من قوله‪( :‬إخراج الشيء من حيز اإلشكال) ذ ُ‬
‫واملراد باحليز مظنة اإلشكال وحمله‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫[تعريف النص]‬
‫‪ ‬‬
‫(والنص ما ال يحتمل إال معنى واحداً) كـ (زيداً) يف‪ :‬رأيت زيداً‪.‬‬
‫(وقيل) يف تعريف النص هو‪( :‬ما تأويله تنـزيله) أي يفهم معناه مبجرد نـزوله وال حيتاج إىل تأويله‪،‬‬
‫حنو‪﴿ :‬فصيام ثالثة أيام﴾ فإنه يفهم معناه مبجرد نـزوله وال يتوقف فهمه على تأويله‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫(وهو) أي النص (مشتق من منصة العروس وهو الكرسي) الذي جتلس عليه لتظهر للناظرين‪.‬‬
‫ويف قول ه‪( :‬مش تق من منصة الع روس) مس احمة؛ ألن املص در ال يش تق من غ ريه على الص حيح‪ ،‬بل‬
‫يشتق غريه منه‪ ،‬فاملنصة مشتقة من النص‪ ،‬فالنص لغة الرفع‪ ،‬فإذا ظهرت داللة اللفظ على معناه كان‬
‫ذلك يف معىن رفعه على غ ريه‪ ،‬فقول ه‪( :‬مش تق من منصة الع روس) مل ي رد به االش تقاق االص طالحي‪،‬‬
‫وإمنا أراد اشرتاكهما يف املادة‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫والنص عند الفقه اء يطلق على معىن آخر وهو ما دل على حكم ش رعي من كت اب أو س نة‪ ،‬س واء‬
‫كانت داللته نصاً أو ظاهراً‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫[تعريف الظاهر والمؤول]ـ‬
‫‪ ‬‬
‫رأيت الي وم أس داً‪ ،‬فإنه‬
‫(والظ اهر ما احتمل أم رين أح دهما أظهر من اآلخر)‪ ،‬كاألسد يف حنو‪ُ :‬‬
‫ظاهر يف احليوان املفرتس‪ ،‬ألنه املعىن احلقيقي‪ ،‬وحمتمل للرجل الشجاع‪.‬‬
‫والظ اهر يف احلقيقة هو االحتم ال ال راجح‪ ،‬ف إن محل اللفظ على االحتم ال املرج وح يس مى اللفظ‬
‫مؤوالً‪ ،‬وإمنا يؤول بالدليل‪ ،‬كما قال‪( :‬ويؤول الظاهر بالدليل)‪ ،‬أي حيمل على االحتمال املرجوح‬
‫(ويس مى) حينئذ (الظ اهر بال دليل) أي كما يس مى م ؤوالً كما يف قوله تع اىل‪﴿ :‬والس ماء بنيناها‬
‫فص ِرف عنه إىل معىن القوة بالدليل العقلي‬ ‫ٍ‬
‫بأيد﴾‪ ،‬فإن ظاهره مجع يد‪ ،‬وهو حمال يف حق اهلل تعاىل‪ُ ،‬‬
‫القاطع‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫[باب](األفعال)‬
‫‪ ‬‬
‫هذه ترمجة‪ ،‬واملراد هبا بيان حكم أفعال الرسول صلى اهلل عليه وسلم وهلذا قال املصنف‪:‬‬
‫‪ ‬‬
‫(فعل صاحب الشريعة) يعىن النيب صلى اهلل عليه وسلم (ال يخلو‪ :‬إما أن يكون على وجه القربة‬
‫والطاعة أو غير ذلك)‪ ،‬والقربة والطاعة مبعىن واحد‪.‬‬
‫فإن كان على وجه القربة والطاعة (فإن دل دليل على االختصاص به يحمل على االختصاص)‪،‬‬
‫كالوصال يف الصوم‪ ،‬فإن الصحابة ملا أرادوا الوصال هناهم صلى اهلل عليه وسلم عنه وقال‪﴿ :‬لست‬
‫كهيئتكم﴾ متفق عليه‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫يخص به ألن اهلل تعالى يقول‪﴿ :‬لقد كان‬
‫ّ‬ ‫(وإن لم يدل) دليل على االختصاص به كالتهجد‪( ،‬ال‬
‫لكم في رس ول اهلل أس وة حس نة﴾)‪ ،‬أي ق دوة ص احلة‪ ،‬واألس وة بكسر اهلم زة وض مها لغت ان ق رئ‬
‫هبما يف السبعة‪ ،‬وهو اسم وضع موضع املصدر أي اقتداء حسن‪ ،‬والظرفية هنا جمازية مثل قوله تعاىل‪:‬‬
‫﴿لقد كان يف يوسف وإخوته آيات للسائلني﴾‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫وإذا مل خيتص ذلك الفعل به صلى اهلل عليه وسلم فيعم األمة مجيعها‪.‬‬
‫مث إن علم حكم ذلك الفعل من وج وب أو ن دب فواض ح‪ ،‬وإن مل يعلم حكمه (فيحمل على‬
‫الوجوب عند بعض أصحابنا) يف حقه صلى اهلل عليه وسلم ويف حقنا؛ ألنه األحوط‪ ،‬وبه قال مالك‬
‫رضي اهلل عنه وبعض أصحابه‪.‬‬
‫(ومن أصحابنا من قال يحمل على الندب) ألنه احملقق‪.‬‬
‫(ومنهم من قال يتوقف عنه) لتعارض األدلة يف ذلك‪.‬‬
‫(ف إن ك ان) فعل ص احب الش ريعة ص لى اهلل عليه وس لم (على وجه غ ير القربة والطاعة) كالقي ام‬
‫والقع ود واألكل والش رب والن وم (فيحمل على اإلباحة في حقه وحقنا) وه ذا يف أصل الفع ل‪ ،‬وأما‬
‫يف ص فة الفعل فق ال بعض املالكي ة‪ :‬حيمل على الن دب‪ ،‬ويؤي ده ما ورد عن كثري من الس لف من‬
‫اإلقتداء هبم يف ذلك‪.‬‬
‫وقال بعضهم‪ :‬حيمل على اإلباحة أيضاً‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫وعلم مما ذكره املصنف احنصار أفعاله صلى اهلل عليه وسلم يف الوجوب والندب واإلباحة‪ ،‬فال يقع‬
‫وع ذلك من‬‫حمرم ألنه معص وم‪ ،‬وال مك روه وال خالف األوىل‪ ،‬ولقلَّة وق ِ‬
‫منه ص لى اهلل عليه وس لم َّ‬
‫املتقي من أمته‪ ،‬فكيف منه صلى اهلل عليه وسلم ؟‬
‫‪ ‬‬
‫[باب اإلقرار]‬
‫‪ ‬‬
‫(وإقرار صاحب الشريعة) صلى اهلل عليه وسلم (على القول الصادر من أحد) حبضرته (هو)‪ ،‬أي‬
‫ذلك القول (قول صاحب الشريعة)‪ ،‬أي كقوله‪.‬‬
‫ك إقراره ص لى اهلل عليه وسلم أبا بكر الصديق رضي اهلل عنه على قوله‪ ،‬إعطاء سلب القتيل لقاتله‬
‫متفق عليه‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫(وإق راره) أي ص احب الش ريعة (على الفعل) الص ادر من أحد حبض رته (كفعله) أي ص احب‬
‫الشريعة‪.‬‬
‫ك إقراره ص لى اهلل عليه وس لم خالد بن الوليد على أكل الض ب‪ ،‬متفق عليه[‪ ،]34‬وذلك ألنه ص لى‬
‫يقر على منكر‪.‬‬
‫اهلل عليه وسلم معصوم عن أن َّ‬
‫‪ ‬‬
‫(وما فعل في وقته) أي زمنه صلى اهلل عليه وسلم (في غير مجلسه وعلم به ولم ينكره فحكمه‬
‫حكم ما فعل في مجلسه)‪.‬‬
‫كعلمه ص لى اهلل عليه وس لم حبلف أىب بكر الص ديق رضي اهلل عنه إنه ال يأكل الطع ام يف وقت‬
‫غيظه‪ ،‬مث أكل ملا رأى ذلك خرياً‪ ،‬كما يؤخذ من حديث مسلم يف األطعمة[‪.]35‬‬

‫‪ ‬‬

‫[باب النسخ]‬
‫‪ ‬‬
‫(وأما النسخ فمعناه لغة اإلزالة)‪ ،‬يقال‪ :‬نسخت الشمس الظل إذا أزالته ورفعته بانبساط ضوئها‪.‬‬
‫واإلزالة والرفع مبعىن واحد‪.‬‬
‫(وقيل‪ :‬معناه النقل‪ ،‬من قولهم‪ :‬نسخت ما في هذا الكتاب أي نقلته)‪.‬‬
‫ويف االس تدالل هبذا على أن النسخ مبعىن النقل نظ ر‪ ،‬ف إن نسخ الكت اب ليس هو نقالً ملا يف األصل‬
‫يف احلقيقة‪ ،‬وإمنا هو إجياد مثل ما كان يف األصل يف مكان آخر‪ ،‬فتأمله‪.‬‬
‫وليس هذا باختالف قول‪ ،‬وإمنا هو بيان ملا يطلق عليه النسخ يف اللغة‪ ،‬فذكر أنه يطلق على معنيني‪:‬‬
‫على اإلزال ة‪ ،‬وعلى النق ل‪ ،‬وذكر بعض هم أنه يطلق على معىن ث الث وهو التغي ري‪ ،‬كما يف ق وهلم‪:‬‬
‫نسخت الريح آثار الديار‪ ،‬أي غريهتا‪ ،‬والظاهر أنه يرجع إىل املعىن األول وهو اإلزالة فإهنا أعم‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫واختلف يف اس تعماله يف املعن يني الل ذين ذكرمها املص نف فقي ل‪ :‬إنه حقيقة فيهم ا‪ ،‬فيك ون مش رتكاً‬
‫جماز يف النقل‪.‬‬
‫بينهما‪ ،‬وقيل إنه حقيقةٌ يف اإلزالة ٌ‬
‫وذكر بعضهم قوالً ثالثاً‪ :‬إنه حقيقة يف النقل جماز يف اإلزالة‪ ،‬وهو بعيد‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫(وحده) أي معناه االصطالحي الشرعي‪( :‬هو الخطاب الدال على رفع الحكم الثابت بالخطاب‬
‫المتق دم على وجه ل واله)‪ ،‬أي لو اخلط اب الث اين‪( ،‬لك ان) احلكم (ثابت اً‪ ،‬مع تراخيه)‪ ،‬أي اخلط اب‬
‫الثاين (عنه)‪ ،‬أي اخلطاب املتقدم‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫وه ذا ال ذي ذك ره رمحه اهلل ح ٌد للناس خ‪ ،‬ولكنه يؤخذ منه حد النسخ وأن ه‪ :‬رف ع احلك ِم الث ِ‬
‫ابت‬ ‫ُ‬
‫خبطاب ٍ‬
‫متقدم‪ ،‬خبطاب آخر‪ ،‬لواله لكان ثابتاً مع تراخيه عنه‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫ونعين (برفع احلكم) رفع تعلقه بفعل املكلف‪ ،‬فقولنا‪( :‬رفع احلكم) جنس يشمل النسخ وغريه كما‬
‫سيأيت بيانه‪.‬‬
‫وقولن ا‪( :‬الث ابت خبط اب) فصل خيرج به رفع احلكم الث ابت ب الرباءة األص لية‪ ،‬أي ع دم التكليف‬
‫بشيء‪ ،‬فإنه ليس بنسخ‪ ،‬إذ لو كان نسخاً كانت الشريعة كلها نسخاً‪ ،‬فإن الفرائض كلها كالصالة‬
‫والزكاة والصوم واحلج رفع للرباءة األصلية‪.‬‬
‫وقولنا‪( :‬خبطاب آخر) فصل ثان خيرج به رفع احلكم باجلنون واملوت‪.‬‬
‫وقولنا‪( :‬على وجه لواله لكان ثابت اً) فصل ثالث خيرج به ما لو كان اخلطاب مغَيَّا ٍ‬
‫بغاية أو ُم َعلالً‬ ‫ُ‬
‫مبعىن‪ ،‬وخرج اخلطاب الثاين ببلوغ الغاية أو زوال املعىن فإن ذلك ال يكون نسخاً له‪ ،‬ألنه لو مل يرد‬
‫اخلطاب الثاين الدال على ذلك مل يكن احلكم ثابتاً لبلوغ الغاية وزوال العلة‪.‬‬
‫مثال ذلك‪ :‬قوله تعاىل‪﴿ :‬يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصالة من يوم اجلمعة فاسعوا إىل ذكر اهلل‬
‫وذروا ال بيع﴾‪ ،‬فتح رمي ال بيع ُمغَيَّا بقض اء اجلمع ة‪ ،‬فال يق ال‪ :‬إن قوله تع اىل‪﴿ :‬ف إذا قض يت الص الة‬
‫ناسخ لألول‪ ،‬بل هو مبنّي لغاية التحرمي‪.‬‬
‫فانتشروا يف األرض وابتغوا من فضل اهلل﴾ ٌ‬
‫وك ذا قوله تع اىل‪﴿ :‬وح رم عليكم ص يد الرب م ادمتم حرم اً﴾‪ ،‬فال يق ال‪ :‬إنه منس وخ بقوله تع اىل‪:‬‬
‫ألن التحرمي ألجل اإلحرام‪ ،‬وقد زال‪.‬‬‫﴿وإذا حللتم فاصطادوا﴾‪َّ ،‬‬
‫‪ ‬‬
‫وقولن ا‪( :‬مع تراخي ه) فصل رابع خيرج به ما ك ان متص الً باخلط اب من ص فة أو ش رط أو اس تثناء‪،‬‬
‫فإن ذلك ختصيص كما تقدم‪ ،‬وليس ذلك نسخاً‪.‬‬ ‫َّ‬
‫‪ ‬‬
‫[أنواع النسخ]‬
‫‪ ‬‬
‫(ويج وز نسخ الرسم وبق اء الحكم) أي جيوز نس ُخ رس ِم اآلية يف املص حف وتالوهتا على أنه‬
‫ق رآن‪ ،‬مع بق اء حكمها والتكليف ب ه‪ ،‬حنو‪ :‬آية ال رجم وهي‪﴿ :‬الش يخ والش يخة إذا زنيا فارمجومها‬
‫ألبتة﴾‪ ،‬قال عمر رضي اهلل عنه‪ :‬إياكم أن هتلكوا عن آية الرجم‪ ،‬وذكرها‪ ،‬مث قال‪ :‬فإنا قد قرأناها‪،‬‬
‫رواه مالك يف املوطأ[‪ ،]36‬قال مالك‪ :‬الشيخ والشيخة الثيب والثيبة‪.‬‬
‫ورواه غري مالك بلفظ ﴿الشيخ والشيخة إذا زنيا فارمجومها ألبتة نكاالً من اهلل واهلل عزيز حكيم﴾‪،‬‬
‫وأصل احلديث متفق عليه من غري ذكره لفظها‪.‬‬
‫واملراد بالثيب احملصن وضده البكر‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫(و) جيوز (نسخ الحكم وبق اء الرسم) حنو قوله تع اىل ﴿وال ذين يتوف ون منكم وي ذرون أزواج اً‬
‫وصية ألزواجهم متاع اً إىل احلول غري إخراج﴾ نُسخت باآلية اليت قبلها‪ ،‬أعين قوله تعاىل‪﴿ :‬يرتبصن‬
‫بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً﴾‪ ،‬وهو كثري‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫(و) جيوز (نسخ الحكم والرسم مع اً) حنو ح ديث مس لم‪﴿ :‬ك ان فيما أنـزل عشر رض عات‬
‫معلوم ات‪ ،‬فنس خن خبمس معلوم ات﴾[‪ ،]37‬أي مث نس خت تالوة ذلك وبقى حكمه كآية الش يخ‬
‫والشيخة‪ ،‬قاله الشافعي وغريه‪.‬‬
‫وقال املالكية وغريهم‪ :‬حترم املصة الواحدة وال حجة يف حديث عائشة رضي اهلل عنها؛ ألن ظاهره‬
‫ألن في ه‪ :‬فت ويف رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم وه ذا فيما يق رأ من الق رآن‪ ،‬وذلك يقتضي‬ ‫م رتوك؛ َّ‬
‫وق وع النسخ بعد موته ص لى اهلل عليه وس لم‪ ،‬فلم يثبت كونه قرآن اً‪ ،‬وال حيتج بأنه خرب واح د؛ ألن‬
‫اخلرب الواحد إذا توجه إليه ق ادح توقف عن العمل ب ه؛ وه ذا ملا مل جيئ إال باآلح اد مع أن الع ادة‬
‫تقتضى جميئه مت واتراً‪ ،‬ك ان ذلك ريبة فيه وقادح اً‪ ،‬وألنه ال حيتج ب القراءة الش اذة على الص حيح ألهنا‬
‫ليست بق رآن وناقلها مل ينقلها على أهنا ح ديث‪ ،‬بل على أهنا ق رآن‪ ،‬وذلك خط أ‪ ،‬واخلرب إذا وقع فيه‬
‫اخلطأ مل حيتج به‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫(و) جيوز (النسخ إلى بدل) كما يف نسخ استقبال بيت املقدس باستقبال الكعبة‪.‬‬
‫(وإلى غير بدل) كما يف نسخ قوله تعاىل‪﴿ :‬إذا ناجيتم الرسول فقدموا بني يدي جنواكم صدقة﴾‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫(و) جيوز النسخ (إلى ما هو أغلظ) كما يف نسخ التخيري بني ص وم رمض ان والفدية بالطع ام إىل‬
‫تعيني الصوم‪.‬‬
‫(و) جيوز النسخ (إلى ما هو أخف)‪ ،‬كما يف قوله تع اىل ﴿إن يكن منكم عش رون ص ابرون يغلب وا‬
‫مائتني﴾‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫(ويجوز نسخ الكتاب بالكتاب) كما يف آييت العدة وآييت املصابرة‪.‬‬
‫(ونسخ الس نة بالكت اب) كما يف نسخ اس تقبال بيت املق دس الث ابت بالس نة الفعلية يف ح ديث‬
‫﴿فول وجهك شطر املسجد احلرام﴾‪.‬‬
‫الصحيحني[‪ ]38‬بقوله تعاىل‪ّ :‬‬
‫(ونسخ الس نة بالس نة) كما يف ح ديث مس لم‪﴿ :‬كنت هنيتكم عن زي ارة القب ور فزوروه ا﴾[‪،]39‬‬
‫وم راد املص نف ب ذلك ما ع دا نسخ الس نة املت واترة باآلح اد‪ ،‬فإنه سيص رح بع دم ج وازه‪ ،‬وي أيت أن‬
‫الصحيح جوازه‪.‬‬
‫َ‬
‫ألن كالمه اآليت يقتضي أنه جيوز بالس نة‬ ‫وس كت عن التص ريح ببي ان حكم نسخ الكت اب بالس نة‪َّ ،‬‬
‫املتواترة وال جيوز باآلحاد‪.‬‬
‫وقد اختلف يف جواز ذلك ووقوعه‪ ،‬وقال يف مجع اجلوامع‪" :‬الصحيح أنه جيوز نسخ القرآن بالقرآن‬
‫أو بالسنة"‪ ،‬أي سواء كانت متواترة أو آحاداً‪ ،‬مث قال‪" :‬واحلق أنه مل يقع إال باملتواترة"‪.‬‬
‫وق ال الش ارح[‪ ]40‬يف ش رحه جلمع اجلوام ع‪" :‬وقي ل‪ :‬وقع باآلح اد يف ح ديث الرتم ذي وغ ريه ﴿ال‬
‫وص ية ل وارث﴾‪ ،‬فإنه ناسخ لقوله تع اىل‪﴿ :‬كتب عليكم إذا حضر أح دكم املوت إن ت رك خ رياً‬
‫الوص ية للوال دين واألق ربني﴾‪ ،‬قلن ا‪ :‬ال نس لم ع دم ت واتر ذلك وحنوه للمجته دين احلاكمني بالنسخ‬
‫لقرهبم من زمان النيب صلى اهلل عليه وسلم" انتهى‪.‬‬
‫ويوجد يف بعض نسخ الورقات‪( :‬وال يجوز نسخ الكتاب بالسنة)‪ ،‬ويريد غري املتواترة‪ ،‬بدليل ما‬
‫جيوز ختصيص الكتاب بالسنة‪ ،‬فكأنه رأى أن التخصيص أهون‬ ‫سيأيت‪ ،‬واختار القول باملنع‪ ،‬وتق ّدم أنه ِّ‬
‫من النسخ‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫(ويجوز نسخ المتواتر) من كتاب أو سنة (بالمتواتر) منهما‪.‬‬
‫(ونسخ اآلح اد باآلح اد وب المتواتر‪ ،‬وال يج وز نسخ المت واتر) ك القرآن والس نة املت واترة‬
‫حمل النسخ هو احلكم‪ ،‬والداللة‬ ‫(باآلح اد)؛ ألنه دونه يف الق وة‪ ،‬وقد تق دَّم أن الص حيح اجلواز‪َّ ،‬‬
‫ألن َّ‬
‫عليه باملتواتر ظنية‪ ،‬فهو كاآلحاد‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫[باب التعارض والترجيح]‬


‫‪ ‬‬
‫(فصل) يف بيان ما يفعل (في التعارض) بني األدلة‪.‬‬
‫ِ‬
‫كأن كالً من النصني عرض لآلخر حني خالفه‪.‬‬‫ض‪َّ ،‬‬‫ض الشَّيءُ َي ْع ِر ُ‬
‫وهو َت َفاعُ ٌل م ْن‪َ :‬عَر َ‬
‫‪ ‬‬
‫(إذا تعارض نطقان) أي نصان من قول اهلل سبحانه وتعاىل ومن قول رسوله صلى اهلل عليه وسلم‪،‬‬
‫أو أح دمها من ق ول اهلل تع اىل واآلخر من ق ول رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم‪( ،‬فال يخلو إما أن‬
‫يكونا عامين أو خاصين أو أحدهما عاماً واآلخر خاصاً أوكل واحد منهما عام اً من وجه وخاص اً‬
‫من وجه)‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫(فإن كانا عامين‪ :‬فإن أمكن الجمع بينهما جمع)‪ ،‬وذلك بأن حيمل كل منهما على حال‪ ،‬إذ ال‬
‫حمال‪ ،‬ألنه يفضى إىل اجلمع بني‬ ‫ميكن اجلمع بينهما مع إج راء كل منهما على عموم ه؛ َّ‬
‫ألن ذلك ٌ‬
‫النقيضني‪ ،‬فإطالق اجلمع بينهما جماز عن ختصيص كل واحد منهما حبال‪.‬‬
‫مثاله حديث مسلم‪﴿ :‬أال أخربكم خبري الشهداء الذي يأيت بشهادته قبل أن يسأهلا﴾[‪ ،]41‬وحديث‬
‫الص حيحني‪﴿ :‬خ ريكم ق رين مث ال ذين يل وهنم مث ال ذين يل وهنم مث يك ون بع دهم ق وم يش هدون قبل أن‬
‫فح ِم َل األول على ما إذا كان َمن له الشهادة غري عامل هبا‪ ،‬والثاين على ما إذا كان‬
‫يستشهدوا﴾ ‪ُ ،‬‬
‫[‪]42‬‬

‫عاملاً‪ ،‬ومحل بعضهم األول على ما كان يف حق اهلل كالطالق والعتاق‪ ،‬والثاين على غري ذلك‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫(وإن لم يكن الجمع بينهما) أي بني النصني (يتوقف فيهما) عن العمل هبما (إن لم يعلم‬
‫مرج ٌح ألحدمها‪.‬‬
‫التاريخ)‪ ،‬أي إىل أن يظهر ِّ‬
‫جيوز‬
‫مثاله قوله تعاىل‪﴿ :‬أو ما ملكت أميانكم﴾‪ ،‬وقوله تعاىل‪﴿ :‬وأن جتمعوا بني األختني﴾‪ ،‬فاألول ِّ‬
‫حيرم ذل ك‪ ،‬فتوقف فيهما عثم ان رضي اهلل عنه ملا س ئل عنهما‬ ‫مجع األخ تني مبلك اليمني‪ ،‬والث اين ِّ‬
‫َ‬
‫فقال‪ :‬أحلتهما آية وحرمتهما آية‪ ،‬مث حكم الفقهاء بالتحرمي لدليل آخر‪ ،‬وهو أن األصل يف األبضاع‬
‫التحرمي‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫(فإن علم التاريخ فينسخ المتقدم بالمتأخر) كما يف آييت عدة الوفاة‪ ،‬وآييت املصابرة‪.‬‬
‫واملراد باملتأخر املتأخر يف النـزول ال يف التالوة واهلل أعلم‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫(وك ذا إذا كانا) أي النص ان (خاص ين)‪ ،‬أي وإن أمكن اجلمع بينهما مجع كما يف ح ديث ﴿أنه‬
‫صلى اهلل عليه وسلم توضأ وغسل رجليه﴾[‪ ]43‬وهذا مشهور يف الصحيحني وغريمها‪ ،‬وحديث ﴿أنه‬
‫توضأ ورش املاء على قدميه ومها يف النعلني﴾ رواه النس ائي وال بيهقي وغريمها[‪ ،]44‬فجمع بينهما يف‬
‫حال التجديد ملا يف بعض الطرق‪﴿ :‬إن هذا وضوء من مل حيدث﴾[‪.]45‬‬
‫وقيل‪ :‬املراد بالوضوء يف حديث الغسل الوضوء الشرعي‪ ،‬ويف حديث الرش اللغوي وهو النظافة‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إنه غسلهما يف النعلني ومسي ذلك رشاً جمازاً‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫وإن مل ميكن اجلمع بينهما ومل يعلم التاريخ توقف فيهما إىل ظهور مرجح ألحدمها‪.‬‬
‫مثاله ما ج اء أنه ص لى اهلل عليه وس لم س ئل عما حيل للرجل من امرأته وهي ح ائض‪ ،‬فق ال‪﴿ :‬ما‬
‫فوق اإلزار﴾‪ ،‬رواه أبو داود[‪ ،]46‬وجاء أنه قال‪﴿ :‬اصنعوا كل شيء إال النكاح﴾ أي الوطء‪ ،‬رواه‬
‫مس لم[‪ ،]47‬ومن مجلة ذلك االس تمتاع مبا حتت اإلزار‪ ،‬فتع ارض فيه احلديثان ف رجح بعض هم التح رمي‬
‫احتياط اً‪ ،‬وبعض هم احلل؛ ألنه األصل يف املنكوح ة‪ ،‬واألول هو املش هور عن دنا وعند الش افعية‪ ،‬وق ال‬
‫أبو حنيفة ومجاعة من العلماء بالثاين‪.‬‬
‫ووقع يف كالم الشرح بعد ذكر احلديث الثاين‪" :‬ومن مجلة ذلك الوطء يف ما فوق اإلزار فيتعارض‬
‫فيه احلديثان"‪ ،‬والظاهر أنه سهو‪ ،‬فإن ما فوق اإلزار جيوز االستمتاع به باتفاق العلماء‪ ،‬قال النووي‬
‫يف شرح مسلم‪ :‬بل حكى مجاعة كثرية اإلمجاع عليه‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫وإن علم التاريخ نسخ املتقدم باملتأخر كما تقدم يف حديث زيارة القبور‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫(وإن كان أحدهما عاماً واآلخر خاص اً فيخصص العام بالخاص)‪ ،‬كحديث الصحيحني‪﴿ :‬فيما‬
‫سقت السماء العشر﴾‪ ،‬وحديثهما ﴿ليس فيما دون مخسة أوسق صدقة﴾[‪ ،]48‬فيخص األول بالثاين‪،‬‬
‫سواء َو َر َدا معاً أو تقدَّم أحدمها على اآلخر أو جهل التاريخ‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫(وإن ك ان أح دهما عام اً من وجه وخاص اً من وجه فيخص عم وم كل واحد منهما بخص وص‬
‫اآلخر) إن أمكن ذلك‪ ،‬وإال احتيج إىل التاريخ‪.‬‬
‫مثال ما ميكن فيه التخصيص حديث أىب داود وغريه‪﴿ :‬إذا بلغ املاء قلتني فإنه ال ينجس﴾[‪ ،]49‬مع‬
‫ح ديث ابن ماجه وغ ريه ﴿املاء ال ينجسه ش يء إال ما غلب على رحيه وطعمه ولون ه﴾[‪ ،]50‬ف األول‬
‫خاص يف القلتني عام يف املتغري وغريه‪ ،‬والثاين خاص يف املتغري عام يف القلتني وما دوهنما‪.‬‬
‫فيخص عموم األول خبصوص الثاين‪ ،‬فيحكم بأن ماء القلتني ال ينجس بالتغيري‪ ،‬وخص عموم الثاين‬
‫ورجح املالكية‬
‫خبصوص األول فيحكم بأن ما دون القلتني ينجس وإن مل يتغري هذا مذهب الشافعية‪َّ ،‬‬
‫نص واألول إمنا يعارضه مبفهومه‪ ،‬والقصد التمثيل‪.‬‬
‫الثاين ألنه ٌ‬
‫ومث ال ما ال ميكن ختص يص عم وم كل منهما خبص وص اآلخر ح ديث البخ اري ﴿من ب دل دينه‬
‫فاقتلوه﴾[‪ ،]51‬وحديث الصحيحني ﴿أنه صلى اهلل عليه وسلم هني عن قتل النساء﴾[‪ ،]52‬فاألول عام‬
‫يف الرج ال والنس اء خ اص بأهل ال ردة‪ ،‬والث اين خ اص يف النس اء ع ام يف احلربي ات واملرت دات‪،‬‬
‫فيتعارضان يف املرتدة هل تقتل أم ال ؟ فيطلب الرتجيح‪.‬‬
‫وقد رجح بقاء عموم األول وختصيص الثاين باحلربيات حبديث َو َر َد يف قتل املرتدة[‪ ،]53‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫[باب اإلجماع]‬
‫‪ ‬‬
‫(وأما اإلجماع) فهو ثالث األدلة الشرعية األربعة‪ :‬أعين الكتاب والسنة واإلمجاع والقياس‪.‬‬
‫العزم‪ ،‬كما يف قوله تعاىل‪﴿ :‬فأمجعوا أمركم﴾‪.‬‬
‫وهو لغةً ُ‬
‫‪ ‬‬
‫وأما يف االص طالح‪( :‬فهو اتف اق علم اء العصر) من أمة حممد ص لى اهلل عليه وس لم (على حكم‬
‫الحادثة)‪.‬‬
‫وفاق العوام معهم على املعروف‪.‬‬
‫عتبُر َ‬ ‫فال يُ َ‬
‫الز َما ُن‪.‬‬
‫والعصر َّ‬
‫ُ‬
‫(ونعنى بالعلماء الفقهاء)‪ ،‬يعىن اجملتهدين‪ ،‬فال يعترب موافقة األصوليني معهم‪.‬‬
‫(ونعنى بالحادثة الحادثة الشرعية) ألهنا حمل نظر الفقهاء‪ ،‬خبالف غري الشرعية كاللغوية مثالً فإهنا‬
‫حمل نظر علماء اللغة‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫(وإجم اع ه ذه األمة حجة دون غيره ا؛ لقوله ص لى اهلل عليه وس لم‪﴿ :‬ال تجتمع أم تي على‬
‫ضالله﴾) رواه الرتمذي وغريه[‪.]54‬‬
‫(والشرع ورد بعصمة هذه األمة) هلذا احلديث وغريه‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫(واإلجماع حجة على العصر الثاني) ومن بعده‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫(و) اإلمجاع حجة (في أي عصر كان)‪ ،‬سواء كان يف عصر الصحابة أويف عصر من بعده‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫(وال يشترط) يف حجية اإلمجاع (انقراض العصر) بأن ميوت أهله (على الصحيح)‪ ،‬لس كوت أدلة‬
‫حجية اإلمجاع عن ذلك‪ ،‬فلو اجتمع اجملتهدون يف عصر على حكم مل يكن له وال لغريه خمالفته‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬يشرتط يف حجيته انقراض اجملتهدين؛ جلواز أن يطرأ لبعضهم ما خيالف اجتهاده فريجع‪.‬‬
‫وأجيب‪ :‬بأنا مننع رجوعه لإلمجاع قبله‪.‬‬
‫(ف إن قلنا انق راض العصر ش رط فيعت بر) يف انعق اد اإلمجاع (ق ول من ولد في حي اتهم وتفقه‬
‫وص ار من أهل االجته اد) ف إن خ الفهم‪ ،‬مل ينعقد إمجاعهم الس ابق‪( ،‬فلهم) على ه ذا الق ول (أن‬
‫يرجعوا عن ذلك الحكم) الذي أمجعوا عليه‪.‬‬
‫وعلى القول الصحيح ال يقدح يف إمجاعهم خمالفة من ولد يف عصرهم وال جيوز هلم الرجوع‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫(واإلجم اع يصح بق ولهم) أي بق ول اجملته دين يف حكم من األحك ام‪ :‬إنه حالل أو ح رام أو‬
‫واجب أو مندوب أو غري ذلك وهذا هو اإلمجاع القويل‪.‬‬
‫(و) يصح أيض اً (بفعلهم)‪ ،‬ف إن فعل وا فعالً فيَ ُد ُّل فعلهم على ج وازه وإال ك انوا جممعني على‬
‫الضاللة‪ ،‬وقد تقدم أهنم معصومون من ذلك‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وال يكاد يتحقق ذلك‪َّ ،‬‬
‫فإن األمة مىت فعلت شيئاً فالبد من متكلم حبكم ذلك الشيء‪.‬‬
‫وقد قي ل‪ :‬إن إمجاعهم على إثب ات الق رآن يف املص احف إمجاع فعلى وليس ك ذلك؛ لتق دم املش ورة‬
‫فيه بني الصحابة رضي اهلل تعاىل عنهم‪.‬‬
‫وقي ل‪ :‬مث ال اإلمجاع الفعلي إمجاع األمة على اخلت ان‪ ،‬وهو مش روع باإلمجاع الفعلي‪ ،‬أما وجوبه‬
‫وسنيته مأخوذ من أقواهلم‪ ،‬وذلك أمر خمتلف فيه‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫(و) يصح اإلمجاع أيض اً (بق ول البعض وبفعل البعض وانتش ار ذلك) الق ول أو الفعل (وس كوت‬
‫الباقين) من اجملتهدين عنه مع علمهم به من غري إنكار‪ ،‬ويسمى ذلك باإلمجاع السكويت‪.‬‬
‫وظ اهر كالم املص نف أنه إمجاع‪ ،‬وفيه خالف‪ :‬فقي ل‪ :‬إنه إمجاع‪ ،‬وقي ل‪ :‬إنه حجة وليس بإمجاع‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬ليس بإمجاع وال حجة[‪.]55‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫[حكم قول الصحابي]‬


‫‪ ‬‬
‫(وق ول الواحد من الص حابة ليس بحجة على غ يره) من الص حابة اتفاق اً وال على غ ريه من غري‬
‫الصحابة (على القول الجديد)‪.‬‬
‫ويف القدمي‪ :‬هو حجة‪ ،‬وهو قول مالك رضي اهلل تعاىل عنه[‪ ،]56‬حلديث‪﴿ :‬أصحايب كالنجوم بأيهم‬
‫اقتديتم اهتديتم﴾ رواه ابن ماجه[‪.]57‬‬
‫وذكر الواحد ال مفهوم له فإن اخلالف جار فيما مل جيمعوا عليه‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫(باب) يذكر فيه الكالم على األخبار‬


‫‪ ‬‬
‫وهكذا يوجد يف بعض النسخ‪ ،‬وأكثر النسخ على سقوط لفظ الباب واالكتفاء بقوله‪:‬‬
‫مجع خرب‪ ،‬فيذكر تعريف اخلرب أوالً مث أقسامه‪.‬‬
‫فهي ُ‬
‫(وأما األخبار) بفتح اهلمزة‪َ ،‬‬
‫(فالخبر ما يدخله الصدق والكذب)‪ ،‬مبعىن أنه حمتمل هلما ال أهنما يدخالنه مجيع اً‪ ،‬واحتماله هلما‬
‫ب النظر إىل ذاته أي من حيث إنه خ رب‪ ،‬كقول ك‪ :‬ق ام زي د‪ ،‬فالص دق مطابقته للواق ع‪ ،‬والك ذب ع دم‬
‫مطابقته للواقع‪.‬‬
‫وقد يقطع بصدق اخلرب أو بكذبه بأمر خارجي‪ ،‬فاألول كخرب اهلل تعاىل وخرب رسوله صلى اهلل عليه‬
‫وس لم‪ ،‬والث اين كقول ك‪ :‬الض دان جيتمع ان الس تحالة ذلك عقالً‪ ،‬فال خيرجه القطع بص دقه وال كذبه‬
‫عن كونه خرباً‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫(والخبر ينقسم إلى قسمين‪ :‬آحاد ومتواتر)‪.‬‬
‫(ف المتواتر) هو (ما ي وجب العلم‪ ،‬وهو أن ي روى جماعة ال يقع التواطؤ على الك ذب من‬
‫مثلهم) وهكذا (إلى أن ينتهي إلى المخبر عنه‪ ،‬ويكون في األصل عن مشاهدة أو سماع ال عن‬
‫اجتهاد)‪.‬‬
‫كاإلخبار عن مشاهدة مكة‪ ،‬ومساع خرب اهلل تعاىل من النيب صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬خبالف اإلخبار‬
‫عن أمر جيتهد فيه كإخبار الفالسفة بقدم العامل‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫(واآلح اد) هو ما ال يبلغ إىل حد الت واتر (هو ال ذي ي وجب العمل) مبقتض اه (وال ي وجب العلم)‬
‫الحتمال اخلطأ فيه‪ ،‬ولو بالسهو والنسيان‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫(وينقسم) أي خرب اآلحاد (إلى مرسل ومسند)‪.‬‬
‫(فالمسند ما اتصل إسناده) بأن ذكر يف السند رواته كلهم‪.‬‬
‫(والمرسل ما لم يتصل إسناده) بأن سقط بعض رواته من السند‪.‬‬
‫(ف إن ك ان) املرسل (من مراس يل غ ير الص حابة) ك أن يق ول الت ابعي أومن بع ده‪ :‬ق ال رس ول اهلل‬
‫ص لى اهلل عليه وس لم (فليس ذلك) املرسل (حجة) عند الش افعي؛ الحتم ال أن يك ون الس اقط‬
‫جمروحاً‪( ،‬إال مراسيل سعد بن المسيب) بفتح املثناة التحتية وكسرها‪ ،‬وهو من كبار التابعني رضي‬
‫اهلل عنهم‪ ،‬فإذا أسقط الصحايب وعزا األحاديث للنيب صلى اهلل عليه وسلم فإن مراسيله حجة‪( ،‬فإنها‬
‫فتشت) أي فتش عنها (فوجدت مسانيد)‪ ،‬أي رواها الصحايب الذي أسقطه (عن النبي) صلى اهلل‬
‫عليه وسلم‪ ،‬وهو يف الغالب صهره أبو زوجته‪ ،‬أي أبا هريرة رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫وق ال مالك وأبو حنيفة وأمحد يف أش هر الرواي تني عنه ومجاعة من العلم اء‪ :‬املرسل حج ة؛ َّ‬
‫ألن الثقة‬
‫ال يرسل احلديث إال حيث جيزم بعدالة الراوي[‪.]58‬‬
‫‪ ‬‬
‫فحجةٌ؛ ألهنم ال ي روون غالب اً إال عن ص حايب والص حابة كلهم ع دول ‪،‬‬
‫[‪]59‬‬
‫وأما مراس يل الص حابة َّ‬
‫فإذا قال الصحايب قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فهو حممول على أنه مسعه من صحايب آخر فله‬
‫حكم املسند‪.‬‬
‫وقولنا‪( :‬غالباً)‪ ،‬ألنه قد وجدت أحاديث رواها الصحابة عن التابعني‪ ،‬خالفاً ملن أنكر ذلك‪.‬‬
‫وه ذا فيما علم أن الص حايب مل يس معه من النيب ص لى اهلل عليه وس لم‪ ،‬وأما إذا مل يعلم ذلك وق ال‬
‫حممول على أنَّه مسعه منه صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫الصحايب‪ :‬قال النيب صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬فهو‬
‫‪ ‬‬
‫احلديث إذا رواه بكلمة "عن"‪ ،‬فق ال‪ :‬ح دثنا فالن عن فالن‪ ،‬و(ت دخل‬‫َ‬ ‫(والعنعنة) مص َد ُر َعْن َع َن‬
‫على األسانيد) أي على األحاديث املسندة فال خيرجها عن حكم اإلسناد إىل حكم اإلرسال‪ ،‬فيكون‬
‫احلديث املروي هبا مسنداً التصال سنده يف الظاهر ال مرسالً‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫(وإذا ق رأ الش يخ) على ال رواة وهم يس معون فإنه (يج وز لل راوي أن يق ول ح دثني) فالن (أو‬
‫أخبرني)‪.‬‬
‫(وإذا ق رأ هو) أي ال راوي (على الش يخ فيق ول) ال راوي‪( :‬أخ برني‪ ،‬وال يق ول ح دثني)؛ ألنه مل‬
‫حيدثه‪.‬‬
‫ومنهم من أجاز ذلك‪ ،‬وهو قول مالك رضي اهلل عنه وسفيان ومعظم احلجازيني‪ ،‬وعليه عُْرف أهل‬
‫اإلعالم بالرواية عن الشيخ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫القصد‬
‫َ‬ ‫احلديث؛ َّ‬
‫ألن‬
‫‪ ‬‬
‫وهذا إذا أطلق‪ ،‬وأما إذا قال‪ :‬حدثين قراء ًة عليه‪ ،‬فال خالف يف جواز ذلك واهلل أعلم‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫(وإن أجازه الشيخ من غير قراءة) من الشيخ عليه وال منه على الشيخ (فيقول) الراوي‪( :‬أجازني‬
‫أو أخبرني إجازة)‪ ،‬وفُ ِه َم منه جواز الرواية باإلجازة وهو الصحيح‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫‪       ‬‬

‫‪ ‬‬

‫[باب القياس]‬
‫‪ ‬‬
‫(وأما القياس) فهو الرابع من األدلة الشرعية[‪.]60‬‬
‫َّوب‪ ،‬ومبعىن التشبيه حنو قوهلم‪ :‬يُ َقاس املرء باملرء‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ت الث َ‬
‫وهو يف اللغة‪ :‬مبعىن التقدير‪ ،‬حنو‪ :‬ق ْس ُ‬
‫‪ ‬‬
‫وأما يف االصطالح‪( :‬فهو رد الفرع إلى األصل بعلة تجمعهما في الحكم)‪.‬‬
‫رد الف رع إىل األصل جعلُه راجع اً إليه ومس اوياً له يف احلكم‪ ،‬كقي اس األرز على الرُب يف‬
‫ومعىن ِّ‬
‫الرب ا‪ ،‬للعلِّة اجلامع ِة بينهم ا‪ ،‬وهي االقتي ات واالدخ ار للق وت عند املالكي ة‪ ،‬وكونه مطعوم اً عند‬
‫الشافعية‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫[أقسام القياس]‬
‫‪ ‬‬
‫(وهو) أي القياس (ينقسم إلى ثالثة أقسام‪ :‬إلى قياس عله‪ ،‬وقياس داللة‪ ،‬وقياس شبه)‪.‬‬
‫(فقياس العلة) وهو القسم األول‪( :‬ما كانت العلة فيه موجبة للحكم) أي مقتضية له‪ ،‬مبعىن أنه ال‬
‫حيسن عقالً ختلف احلكم عنها‪ ،‬ولو ختلف عنها مل يلزم منه حمال‪ ،‬كما هو شأن العلل الشرعية‪.‬‬
‫اإلجياب العقلي‪ ،‬مبعىن أنه يستحيل عقالً ختلف احلكم عنها‪ ،‬وذلك كقياس حترمي ضرب‬
‫َ‬ ‫املراد‬
‫وليس ُ‬
‫الوالدين على التأفيف جبامع اإليذاء‪ ،‬فإنه ال حيسن يف العقل إباحة الضرب مع حترمي التأفيف‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫وقد اختلف يف ه ذا الن وع‪ ،‬فمنهم من جعل الداللة فيه على احلكم قياس ية‪ ،‬ومنهم من ذهب إىل‬
‫أهنا غري قياسية‪ ،‬وأهنا من داللة اللفظ على احلكم‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫(و) القسم الثاين من أقسام القياس (قياس الداللة وهو االستدالل بأحد النظيرين على اآلخر)‪.‬‬
‫(وهو أن تكون العلة دالة على الحكم وال تكون موجبة للحكم)‪ ،‬أي مقتضية له كما يف القسم‬
‫األول‪.‬‬
‫وه ذا الن وع غ الب أن واع األقيس ة‪ ،‬وهو ما يك ون احلكم فيه لعلة مس تنبطة جلواز أن ي رتتب احلكم‬
‫عليها يف الفروع وجيوز أن يتخلف‪.‬‬
‫إن العلَّةَ فيه دالة على احلكم وليست ظ اهرة فيه ظه وراً ال حيسن‬
‫وه ذا الن وع أض عف من األول‪ ،‬ف َّ‬
‫معه ختلف احلكم‪.‬‬
‫مال ٍ‬
‫نام‪.‬‬ ‫وذلك كقياس مال الصيب على مال البالغ يف وجوب الزكاة فيه‪ ،‬جبامع أنه ٌ‬
‫وجيوز أن يقال‪ :‬ال جيب يف مال الصيب‪ ،‬كما قال أبو حنيفة[‪.]61‬‬
‫‪ ‬‬
‫(و) القسم الث الث من أقس ام القي اس (قي اس الش به‪ ،‬وهو الف رع الم تردد بين أص لين‪ ،‬فيلحق‬
‫بأكثرهما شبهاً)‪.‬‬
‫احلر من حيث إنه آدمي‪ ،‬وبني البهيمة من‬ ‫رتدد يف َّ ِ‬
‫الض مان بني اإلنس ان ّ‬ ‫كالعبد املقت ول‪ ،‬فإنَّه م ٌ‬
‫حيث إنه م ال‪ ،‬وهو باملال أك ثر ش بهاً من احلر‪ ،‬ب دليل أنه يب اع وي ورث ويوقف وتض من أج زاؤه مبا‬
‫نقص من قيمته‪ ،‬فيلحق به وتضمن قيمته وإن زادت على دية احلر‪.‬‬
‫وه ذا الن وع أض عف من ال ذي قبله ول ذلك اختلف يف قبول ه‪( ،‬وال يص ار إليه مع إمك ان ما قبله)‬
‫واهلل أعلم‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫[أركان القياس]‬
‫‪ ‬‬
‫ِ‬
‫األص ِل املقيس عليه‪ ،‬ولكل واحد منها شروط‪.‬‬
‫ْم ْ‬ ‫واألصل والعلَّةُ ُ‬
‫وحك ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫القياس أربعةٌ‪ :‬ال َفرعُ‬ ‫وأركا ُن‬
‫‪ ‬‬
‫(ومن شرط الفرع أن يكون مناسباً لألصل) يف األمر الذي جيمع بينهما للحكم‪ ،‬بأن تكون علَّةُ‬
‫الفرع مماثلة لعلَّ ِة األصل‪:‬‬
‫في عينها‪ :‬كقياس النبيذ على اخلمر لعلة اإلسكار‪،‬‬
‫أو في جنسها‪ :‬كقياس وجوب القصاص يف األطراف على القصاص يف النفس جبامع اجلناية‪.‬‬
‫وقد يقال بأنه يستغىن عن هذا الشرط بقوله يف حد القياس‪ :‬رد الفرع إىل األصل لعلة جتمعهما يف‬
‫احلكم‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫(ومن ش رط األصل أن يك ون) حكمه (ثابت اً ب دليل متفق عليه بين الخص مين)‪ ،‬ب أن يتفقا على‬
‫حكمه ليكون القياس حجة على اخلصم‪.‬‬‫ِعلَّ ِة ِ‬
‫فإن كان حكم األصل متفقاً عليه بينهما ولكن لعلتني خمتلفتني مل يصح القياس‪.‬‬
‫فإن مل يكن خصم فالشرط ثبوت حكم األصل ٍ‬
‫بدليل يقول به القايس‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫(ومن ش رط العلة أن تطَّرد في معلوالتها) حبيث كلما وج دت األوص اف املعرب هبا عنها يف‬
‫ص ور ٍة‪ ،‬وجد احلكم‪( ،‬فال تنتقض لفظ اً) ب أن تص دق األوص اف املعرب هبا عنها يف ص ورة ال يوجد‬
‫احلكم معه ا‪( ،‬وال مع نى) ب أن يوجد املعىن املعلل به وال يوجد احلكم‪ ،‬فمىت انقضت العلة لفظ اً أو‬
‫معىن فسد القياس‪.‬‬
‫مث ال األول‪ :‬أن يق ال يف القتل مبُثقَّل إنه قت ُل عم ٍد ع دوان‪ ،‬فيجب به القص اص كالقتل باحملدَّد‪،‬‬
‫فينتقض ذلك بقتل الوالد ولده فإنه ال يوجب القصاص مع أنه قتل عمد عدوان[‪.]62‬‬
‫ومثال الثاين أن يقال‪ :‬جتب الزكاة يف املواشي لدفع حاجة الفقري‪ ،‬فيقال‪ :‬ينتقض ذلك بوجود ذلك‬
‫املعىن وهو دفع حاجة الفقري يف اجلواهر‪.‬‬
‫واملرجع يف االنتق اض لفظ اً ومعىن إىل وج ود العلة ب دون احلكم‪ ،‬وإمنا غ اير بينهما ألن العلة يف‬
‫األول ملا ك انت ُمر ّكبة من أوص اف متع ددة نظر فيها إىل ج انب اللف ظ‪ ،‬وملا ك انت يف الث اين أم راً‬
‫واحداً نظر فيها إىل املعىن وكأنه جمرد اصطالح واهلل أعلم‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫(ومن ش رط الحكم أن يك ون مثل العلة)‪ ،‬أي تابع اً هلا (في النفي واإلثب ات)‪ ،‬أي يف الوج ود‬
‫والعدم‪.‬‬
‫(ف إن وج دت العلة وجد الحكم) وإن انتفت انتفى‪ ،‬وه ذا إن ك ان احلكم معلالً بعلة واح دة‬
‫كتحرمي اخلمر فإنه معلل باإلسكار‪ ،‬فمىت وجد اإلسكار وجد احلكم ومىت انتفي انتفى‪.‬‬
‫وأما إذا ك ان احلكم معلالً بِعِلَ ٍل فإنه ال يل زم من انتف اء بعض تلك العلل انتف اء احلكم‪ ،‬كالقتل فإنه‬
‫جيب بس بب ال ردة وال زىن بعد اإلحص ان وقتل النفس املعص ومة املماثلة وت رك الص الة وغري ذلك واهلل‬
‫أعلم‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫[تعريف العلة]‬
‫‪ ‬‬
‫(والعلة هي الجالبة للحكم)‪ ،‬أي الوصف املناسب ل رتتب احلكم علي ه‪ ،‬كرفع حاجة الفقري فإنه‬
‫وصف مناسب إلجياب الزكاة‪.‬‬
‫(والحكم هو المجلوب للعلة) أي هو األمر الذي يصح ترتبه على العلة‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫وملا ف رغ من ذكر ال دالئل الش رعية املتفق عليها ش رع ي ذكر ال دالئل املختلف فيها[‪ ،]63‬فمنها أن‬
‫يقال‪ :‬إن األصل يف األشياء احلرمة أو اإلباحة فقال‪:‬‬
‫‪ ‬‬
‫[فصل في الحظر واإلباحة]‬
‫‪ ‬‬
‫(وأما الحظر) أي احلرمة (واإلباحة‪ ،‬فمن الناس من يقول‪ :‬إن األشياء) بعد البعثة (على الحظر)‪،‬‬
‫أي مستمرة على احلرمة؛ ألهنا األصل فيها‪( ،‬إال ما أباحته الشريعة)‪.‬‬
‫واالستثناء منقطع‪ ،‬فإن ما أباحته الشريعة األصل فيه أيضاً احلرمة عنده‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫(فإن لم يوجد في الشريعة ما يدل على اإلباحة يتمسك باألصل) وهو احلظر‪.‬‬
‫(ومن الن اس من يق ول بض ده)‪ ،‬أي بضد ه ذا الق ول‪( ،‬وهو أن األصل في األش ياء) بعد البعثة‬
‫حر َمه‪.‬‬
‫(أنها على اإلباحة إال ما حظره الشرع) أي َّ‬
‫‪ ‬‬
‫أصل املضار التحرمي‪ ،‬واملنافع احلل‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪﴿ :‬خلق لكم ما يف‬
‫أن َ‬ ‫والصحيح التفصيل‪ :‬وهو َّ‬
‫األرض مجيعاً﴾ ذكره يف معرض االمتنان‪ ،‬وال مينت إال جبائز‪.‬‬
‫وقال صلى اهلل عليه وسلم فيما رواه ابن ماجه وغريه‪﴿ :‬ال ضرر وال ضرار﴾[‪ ،]64‬أي يف ديننا‪ ،‬أي‬
‫ال جيوز ذلك‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫وه ذا حكم األش ياء بعد البعث ة‪ ،‬وأما قبل البعثة فليس هن اك حكم ش رعي يتعلق بش يء النتف اء‬
‫الرسول املبني لألحكام[‪.]65‬‬
‫‪ ‬‬
‫[فصل في االستصحاب]‬
‫‪ ‬‬
‫ومن األدلة املختلف فيها االستص حاب‪ ،‬وملا ك ان االستص حاب له معني ان أح دمها متفق على قبوله‬
‫أشار إليه بقوله‪:‬‬
‫(ومعنى استصحاب الحال الذي يحتج به) عند عدم الدليل الشرعي كما سيأيت (أن يستصحب‬
‫األصل)‪ ،‬أي الع دم األص لي (عند ع دم ال دليل الش رعي)‪ ،‬إذا مل جيده اجملتهد بعد البحث عنه بق در‬
‫طاقته‪.‬‬
‫ك أن مل جيد دليالً على وج وب ص وم رجب فيق ول‪ :‬ال جيب؛ الستص حاب األص ل‪ ،‬أي الع دم‬
‫األصلي‪.‬‬
‫وعلى وجوب صالة زائدة على اخلمس فإن األصل عدمه‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫وأما االستص حاب ب املعىن الث اين املختلف فيه وهو ثب وت أمر يف الزم ان الث اين لثبوته يف األول‪ ،‬فهو‬
‫حجة عند املالكية والشافعية دون احلنفية‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫وملا فرغ من ذكر األدلة شرع يف بيان الرتجيح بينها فقال‪:‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫[فصل في ترتيب األدلة]‬


‫‪ ‬‬
‫(وأما األدلة فيق دم الجلي) منها (على الخفي)‪ ،‬وذلك كالظ اهر على املؤول‪ ،‬واللفظ يف معن اه‬
‫احلقيقي على معناه اجملازى‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫(و) يقدم الدليل (الموجب للعلم على) الدليل (الموجب للظن)‪ ،‬فيق ّدم املتواتر على اآلحاد‪ ،‬إال‬
‫فيخص به كما تقدم يف ختصيص الكتاب بالسنة‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫أن يكون األول عاماً‬
‫‪ ‬‬
‫ويق دم (النطق) أي النص من كت اب أو س نة (على القي اس)‪ ،‬إال أن يك ون النطق عام اً فيخص‬
‫بالقياس كما تقدم[‪.]66‬‬
‫‪ ‬‬
‫(و) يقدم (القياس الجلي) كقياس العلة (على) القياس (الخفي) كقياس الشبه‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫(فإن وجد في النطق) أي النص من كتاب أو سنة (ما يفسر األصل) أي العدم األصلي الذي يعرب‬
‫عنه باستص حاب احلال كما تق دم فواضح أنه يعمل ب النطق وي رتك األص ل‪ ،‬وك ذا إن وجد إمجاع أو‬
‫قياس‪.‬‬
‫(وإال) أي وإن مل يوجد ش يء من ذلك (فيستص حب الح ال) أي الع دم األص لي فيعمل به كما‬
‫تقدم‪.‬‬
‫وملا فرغ من الكالم عن األدلة شرع يتكلم على االجتهاد فذكر شروط اجملتهد فقال‪:‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫[فصل في االجتهاد والتقليد]‬


‫‪ ‬‬
‫(ومن شرط المفتى) وهو اجملتهد (أن يكون عالماً بالفقه أصالً وفرعاً خالفاً ومذهباً)‪.‬‬
‫م راده باألصل دالئل الفقه املذكورة يف علم أص ول الفقه[‪ ،]67‬ويف إدخاهلا يف الفقه كما تقتض يه‬
‫عبارته مساحمة‪.‬‬
‫وحيتمل أن يريد باألصل أمه ات املس ائل اليت هي كالقواعد ويتف رع عليها غريه ا‪ ،‬لكن يفوته التنبيه‬
‫على معرفة أصول الفقه إال أن يدخل ذلك يف قوله كامل األدلة‪.‬‬
‫ومراده بالفروع املسائل املدونة يف كتب الفقه‪.‬‬
‫ومراده باخلالف املسائل املختلف فيها بني العلماء‪.‬‬
‫وباملذهب ما يستقر عليه رأيه‪ ،‬هذا إن محل على اجملتهد املطلق‪ ،‬وإن محل على اجملتهد املقيد فمراده‬
‫باملذهب ما يستقر عليه رأي إمامه‪.‬‬
‫وفائ دة معرفة اخلالف لي ذهب إىل ق ول من ه‪ ،‬وال خيرج منه بإح داث ق ول آخ ر‪ ،‬ألن فيه خرق اً‬
‫إلمجاع من قبله‪ ،‬حيث مل يذهبوا إىل ذلك القول‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫(و) من شرط املفيت أيضاً (أن يكون كامل األدلة في االجتهاد)‪.‬‬
‫وحيتمل أن يريد بكم ال األدلة ص حة ال ذهن وج ودة الفهم بع ده‪ ،‬فيك ون ما بع ده ش رطاً آخ راً‪،‬‬
‫وحيتمل أن يريد بكم ال األدلة ما ذك ره بع ده فيك ون تفس رياً ل ه‪ ،‬أعين قول ه‪( :‬عارف اً بما يحت اج إليه‬
‫في اس تنباط األحك ام) من النحو والفقه ومعرفة الرج ال ال راوين للح ديث‪ ،‬ليأخذ برواية املقب ول منه‬
‫دون اجملروح‪.‬‬
‫وإذا أخذ األح اديث من الكتب اليت ال تزم مص نفوها ختريج الص حيح كاملوطأ والبخ اري ومس لم مل‬
‫حيتَج إىل معرفة الرجال‪.‬‬
‫(وتفسير اآليات الواردة في األحكام واألخبار الواردة فيها) ليوافق ذلك يف اجتهاده وال خيالفه‪.‬‬
‫واملراد من ذلك معرفة ما يتعلق بفقه تلك اآليات وفقه تلك األخبار دون معرفة القصص‪.‬‬
‫وال يشرتط أن يكون حافظ اً للقرآن وال آليات األحكام منه وال حميط اً باألحاديث واآلثار الواردة‬
‫يف األحكام‪.‬‬
‫ق ال الش افعي رضي اهلل عن ه‪ :‬ال جتتمع الس نن كلها عند أح د‪ ،‬ف املراد أن يك ون عاملاً جبملة من‬
‫األح اديث ال واردة يف األحك ام املش هورة عند أهل العلم وعاملاً بفقهه ا‪ ،‬وال يش رتط أن يع رف‬
‫األحاديث الغريبة وال تفسري غريب احلديث‪ ،‬وإن كان معرفة ذلك تزيده متكيناً‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫(ومن ش روط المس تفتى أن يك ون من أهل التقليد)‪ ،‬أي ليس من أهل االجته اد لكونه مل جيتمع‬
‫فيه شروطه‪( ،‬فيقلد المفتي) أي اجملتهد (في الفتوى)‪.‬‬
‫وأشار بذلك إىل مسألتني‪:‬‬
‫إحدامها‪ :‬أنه ال جيوز تقليد كل أحد‪ ،‬بل إمنا يقلد اجملتهد إن وجده‪.‬‬
‫اجلاهل العاملَ يفعل فعالً مل جيز له‬
‫ُ‬ ‫والثاين‪ :‬أنه إمنا يقلده يف الفتوى‪ ،‬وال يقلده يف األفعال‪ ،‬فلو رأى‬
‫تقليده فيه حىت يسأله‪ ،‬إذ لعلَّه فعله ألمر مل يظهر له‪ ،‬أي املقلد‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫وعُلِ َم منه أن من ك ان من أهل االجته اد مل جيز له أن يقلد غ ريه كما نبه عليه بقول ه‪( :‬وليس‬
‫للعالم) أي اجملتهد (أن يقلد) غريه‪ ،‬لتمكنه من االجتهاد‪ ،‬هذا هو الصحيح‪ ،‬وقيل‪ :‬جيوز‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫(والتقليد قبول قول القائل بال حجة) يذكرها‪.‬‬
‫(فعلى هذا قبول قول النبي صلى اهلل عليه وسلم) فيما يذكره من األحكام (ال يسمى تقليداً)‪،‬‬
‫ألنه جيب األخذ بقوله فيما ي ذكره من األحك ام‪ ،‬وإن مل ي ذكر دليل ذلك احلكم‪ ،‬ألنه قد ق ام ال دليل‬
‫على قبول قوله‪ ،‬أعين املعجزة الدالة على رسالته‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫(ومنهم من ق ال التقليد قب ول ق ول القائل وأنت ال ت درى من أين قاله) أي ال تعلم مأخذ ذلك‬
‫القول عند قائله‪.‬‬
‫(فإن قلنا‪ :‬إن النبي صلى اهلل عليه وسلم كان يقول بالقياس) أي جيتهد وال يقتصر على الوحي‬
‫(فيجوز أن يسمى قبول قوله تقليداً)‪ ،‬الحتمال أن يكون قاله عن اجتهاد‪.‬‬
‫وإن قلن ا‪ :‬إنه ال جيتهد وإمنا يق ول عن وحي لقوله تع اىل‪﴿ :‬وما ينطق عن اهلوى إن هو إال وحى‬
‫يوحى﴾ فال يسمى قبول قوله تقليداً إلسناده إىل الوحي‪.‬‬
‫وه ذه املس ألة فيها خالف‪ ،‬أعين مس ألة اجته اده ص لى اهلل عليه وس لم والص حيح ج واز االجته اد‬
‫للنيب صلى اهلل عليه وسلم ووقوعه منه‪ ،‬وهو الذي رجحه ابن احلاجب‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬ال جيوز‪ ،‬وقيل‪ :‬جيوز يف اآلراء واحلروب‪.‬‬
‫والصواب أن اجتهاده صلى اهلل عليه وسلم ال خيطئ‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫[تعريف االجتهاد]‬
‫‪ ‬‬
‫وملا ذكر أن االجته اد جيب على من اجتمعت فيه ش روطه عرفه بقول ه‪( :‬وأما االجته اد فهو ب ذل‬
‫الوسع) أي متام الطاقة (في بلوغ الغرض) املقصود من العلم لتحصيله‪ ،‬بأن يبذل متام طاقته يف النظر‬
‫يف األدلة الشرعية ليحصل الظن باحلكم الشرعي‪.‬‬
‫(فالمجتهد إن كان كامل األدلة في االجتهاد) الذي تقدم ذكره فهو اجملتهد املطلق‪ ،‬ودونه جمتهد‬
‫املذهب وهو املتمكن من أن خيرج ال دليل منصوص اً زائ داً على نص وص إمام ه‪ ،‬ودونه جمتهد الفت وى‬
‫وهو اجملتهد املتبحر يف مذهب إمامه املتمكن من ختريج ترجيح قول آخر‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫ف إن اجتهد كل واحد من ه ؤالء (في الفروع فأصاب فله أج ران) أجر على اجته اده وأجر على‬
‫إصابته‪.‬‬
‫(وإن اجتهد) يف الف روع (وأخطأ فله أجر واحد) على اجته اده‪ ،‬وس يأيت دليل ذل ك‪ ،‬وال إمث عليه‬
‫صَر يف اجتهاده فيأمث لتقصريه وفاقاً‪.‬‬
‫خلطئه على الصحيح‪ ،‬إال أن يُ َق ِّ‬
‫‪ ‬‬
‫(ومنهم) أي من علمائنا (من ق ال‪ :‬كل مجتهد في الف روع) اليت ال ق اطع فيها (مص يب)‪ ،‬بن اءاً‬
‫ْم اهلل يف َحق ِِّه َو َح ِّق من قلده ما أداه إليه اجتهاده‪.‬‬ ‫على َّ‬
‫أن ُحك َ‬
‫وهذا قول الشيخ أىب احلسن والقاضي أىب بكر الباقالين من املالكية وغريمها‪ ،‬واملنقول عن مالك أن‬
‫املصيب واحد‪.‬‬
‫وأما الف روع اليت فيها ق اطع من نص أو إمجاع فاملص يب فيها واحد وفاق اً‪ ،‬ف إن أخطأ فيها اجملتهد‬
‫لعدم وقوعها عليه مل يأمث على األصح‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫(وال يجوز) أن يقال‪( :‬كل مجتهد في األصول الكالمية) أي العقائد الدينية (مصيب؛ ألن ذلك‬
‫يؤدى إلى تصويب أهل الضاللة) من النصارى القائلني بالتثليث‪( ،‬والمجوس) القائلني (باألصلين)‬
‫للعامل النور والظلمة‪( ،‬والكفار) يف نفيهم التوحيد وبعثة الرسل وامليعاد يف اآلخرة[‪.]68‬‬
‫وهو من عطف الع ام على اخلاص‪ ،‬وك ذلك قول ه‪( :‬والملح دين) إن أريد باإلحلاد معن اه اللغ وي‬
‫وهو مطلق امليل عن احلق‪ ،‬وإن أريد بامللحد اص طالحاً وهو من ي دعي أنه من أهل ملة اإلس الم‬
‫ويص در عنه من ينافيه كاملعتزلة وحنوهم يف نفيهم ص فات اهلل تع اىل ك الكالم وخلق اهلل ألفع ال العب اد‬
‫وكونه مرئياً يف اآلخرة وغري ذلك ‪ -‬فليس من عطف العام على اخلاص‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫(ودليل من ق ال‪ :‬ليس كل مجتهد في الف روع مص يباً قوله ص لى اهلل عليه وس لم‪﴿ :‬من اجتهد‬
‫وأصاب له أجران ومن اجتهد وأخطأ له أجر واحد﴾)‪ ،‬رواه الشيخان ولفظ البخاري‪﴿ :‬إذا حكم‬
‫احلاكم فاجتهد فأص اب فله أج ران وإذا حكم فاجتهد مث أخطأ فله أجر واح د﴾‪ ،‬ذك ره يف كت اب‬
‫[‬
‫االعتص ام‪ ،‬ولفظ مس لم مثله إال أنه ق ال‪﴿ :‬فاجتهد مث أص اب﴾ إىل آخ ره‪ ،‬ذك ره يف كت اب القض اء‬
‫‪.]69‬‬
‫(ووجه الدليل) من احلديث (أن النبي صلى اهلل عليه وسلم خطأ المجتهد تارة وصوبه أخرى)‪.‬‬
‫أعم من أن يك ون كامل األدلة يف اجته اده أو ال‪،‬‬
‫ف إن قيل‪ :‬قوله يف احلديث ﴿من اجته د﴾ ُّ‬
‫خصه بكونه كامل األدلة‪.‬‬
‫واملصنِّف َّ‬
‫ف الجواب واهلل أعلم‪ :‬أن من مل يكن كامل األدلة فيما اجتهد فليس من أهل االجته اد وفرضه‬
‫التقليد‪ ،‬فهو معتد باجتهاده فيكون آمثاً غري مأجور‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫ووقع احلديث املذكور يف رواية عند احلاكم بلف ظ‪﴿ :‬إذا اجتهد احلاكم فأخطأ فله أجر واحد ف إن‬
‫أصاب فله عشرة أجور﴾‪ ،‬وقال‪ :‬صحيح اإلسناد[‪.]70‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫وهذا ما يسره اهلل سبحانه وتعاىل يف مجعه يف شرح الورقات‪ ،‬جعل اهلل ذلك خالصاً لوجهه الكرمي‪،‬‬
‫ونفع به يف احلياة بعد املمات‪ ،‬إنه مسيع قريب جميب الدعوات‪.‬‬
‫اللهم‬
‫ونع وذ باهلل من علم ال ينف ع‪ ،‬وقلب ال خيش ع‪ ،‬ودع اء ال يس مع‪ ،‬ونفس ال تش بع‪ ،‬أع وذ بك َّ‬
‫من َشِّر هؤالء األربع‪.‬‬
‫فساد قلوبنا ويوفقنا ملا يرضيه عنا‪ ،‬ويغفر لنا ولوالدينا‬
‫يصلح َ‬
‫َ‬ ‫ونسأل اهلل العظيم جباه نبيه الكرمي أن‬
‫وملشاخينا ووالديهم وإخواهنم وأصحابنا وأحبابنا ومجيع املسلمني مبنه وكرمه‪ ،‬آمني[‪.]71‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫استخدمت يف العزو إليه شرحه فتح الباري لإلمام احلافظ‬


‫ُ‬ ‫[‪ ]1‬بالنسبة لصحيح اإلمام البخاري‪ ،‬فقد‬
‫ابن حجر العسقالين رمحه اهلل تعاىل‪.‬‬
‫[‪ ]2‬انظر يف ترمجة هذا اإلمام مقدمة الدكتور أمحد سحنون‪ ،‬لكتاب "حترير املقالة يف شرح نظائر‬
‫الرسالة"‪ ،‬من مؤلفات اإلمام احلطاب‪ ،‬ص ‪ ،125-87‬فقد ذكر الكثري من جوانب حياة هذا‬
‫اإلمام‪ ،‬وذكر مصنفاته‪ ،‬املطبوع منها واملخطوط‪.‬‬
‫[‪ ]3‬هو اإلمام جالل الدين حممد بن أمحد بن حممد املـَ َحلِّي‪ ،‬الفقيه الشافعي‪ ،‬ولد سنة ‪ 790‬هـ‪،‬‬
‫وتويف سنة ‪ 864‬هـ‪ ،‬من تصانيفه‪ :‬األنوار املضية يف مدح خري الربية صلى اهلل عليه وآله وسلم‪،‬‬
‫وشرح مجع اجلوامع للتاج الدين السبكي‪ ،‬وتفسري القرآن إىل سورة اإلسراء‪ ،‬وأكمله اإلمام‬
‫السيوطي‪ ،‬وغريها‪ ،‬انظر هدية املؤلفني إلمساعيل باشا (‪.)6/202‬‬
‫[‪ ]4‬انظر ترمجة إمام احلرمني رمحه اهلل تعاىل يف طبقات الشافعية الكربى‪ ،‬لإلمام تاج الدين السبكي‬
‫(‪ ،)5/165‬فقد استوىف ترمجته مبا ال جتده يف مكان آخر‪ ،‬ورد على من حاول انتقاص هذا اإلمام‬
‫اجلليل‪.‬‬
‫[‪  ]5‬جاءت يف األصل‪ :‬بنشقال‪ ،‬وهو حتريف‪ ،‬والصواب ما أثبته من طبقات الشافعية (‪.)5/181‬‬
‫[‪ ]6‬املدرسة النظامية تنسب إىل نظام امللك‪ ،‬وهو الوزير الكبري العامل العادل‪ ،‬ناصر السنة أبو علي‬
‫احلسن ابن علي بن إسحاق الطوسي الشافعي‪ ،‬ولد سنة ‪ 408‬هـ‪ ،‬واستشهد يف العاشر من رمضان‬
‫سنة ‪485‬هـ على أيدي الباطنية اإلمساعيلية‪ ،‬وهم طائفة كافرة مارقة عن الدين‪ ،‬وانظر لزاماً طبقات‬
‫الشافعية الكربى (‪.)4/309‬‬
‫[‪ ]7‬منها كتاب (الربهان يف أصول الفقه) وهو من أهم كتب األصول‪ ،‬وقد طبع بتحقيق الدكتور‬
‫عبد العظيم ديب‪ ،‬يف جملدين‪ ،‬وله أيضاً يف العقائد كتاب (اإلرشاد إىل قواطع األدلة يف أصول‬
‫االعتقاد) و(العقيدة النظامية)‪ ،‬وغريها‪.‬‬
‫[‪ ]8‬اجلامع ألخالق الراوي وآداب السامع (‪ ،)2/69‬وهذا احلديث هبذا اللفظ واه جداً‪ ،‬انظر‬
‫جزء‪ :‬االستعاذة واحلسبلة ممن صحح حديث البسملة‪ ،‬خلامتة احلفاظ السيد أمحد بن الصديق الغماري‬
‫رمحه اهلل‪ ،‬وأما بلفظ "احلمد هلل" فهو حسن كما سيذكر املصنف بعد قليل‪.‬‬
‫[‪ ]9‬انظر املسند (‪.)2/359‬‬
‫[‪ ]10‬أي‪ :‬وأحسن من قوهلم‪.‬‬
‫[‪ ]11‬أي يف ألفاظ الوقف‪.‬‬
‫[‪ ]12‬لكن الصحيح أن يقال يف حد الواجب‪ :‬هو ما طلب الشارع فعله طلباً جازماً‪ ،‬واملندوب‪ :‬ما‬
‫طلب الشارع فعله طلباً غري جازم‪ ،‬واحلرام‪ :‬ما طلب الشارع تركه طلباً جازماً‪ ،‬واملكروه‪ :‬ما طلب‬
‫الشارع تركه طلباً غري جازم‪ ،‬واملباح ما استوى فيه طلب الفعل والرتك‪.‬‬
‫حد العلم يف احملصول لإلمام الرازي (‪ ،)1/83‬والربهان لإلمام اجلويين (‬ ‫[‪ ]13‬انظر الكالم حول ِّ‬
‫‪ ،)1/97‬واعلم أن العلم يصعب حده كما قال اإلمام الغزايل يف املستصفى (‪ ،)1/24‬والسبيل إىل‬
‫معرفته يكون بالتقسيم والتقريب‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫والتصديق‬
‫ُ‬ ‫[‪ ]14‬التصور هو إدراك الشيء املفرد دون أي عالقة‪ ،‬مثل‪ :‬إدراك الكرسي‪ ،‬وإدراك زيد‪.‬‬
‫السلَّم‬
‫هو إدراك النسبة بني تصورين‪ ،‬كإدراك أن زيداً موجود‪ ،‬وأن الفاعل مرفوع‪ ،‬قال صاحب ُّ‬
‫(من متون علم املنطق)‪:‬‬
‫ص ِد ٍيق ُو ِسم‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ‬
‫ص ُّو َراً عُلم‪َ               ‬و َد ْر ُك ن ْسبَة بِتَ ْ‬
‫ُ ٍ‬
‫إدراك مفرد تَ َ‬
‫[‪ ]15‬جيب التنبه إىل الفرق بني القطع والظن والشك‪ ،‬حىت ال ختتلط األمور على طالب العلم‪ ،‬ألنه‬
‫ال جيوز أن جنعل الظين يف منـزلة القطعي‪ ،‬وال القطعي يف منـزلة الظين‪ ،‬ومن مل يفهم هذا يقع يف‬
‫أخطاء كبرية‪.‬‬
‫[‪ ]16‬فتح الباري (‪ ،)1/578‬وصحيح مسلم (‪.)2/966‬‬
‫[‪ ]17‬والبخاري أيضاً‪ ،‬انظر‪ :‬فتح الباري (‪ ،)4/378‬وصحيح مسلم (‪.)3/1211‬‬
‫[‪ ]18‬وهناك مباحث متممة لعلم األصول جتدها يف الكتب املطولة‪ ،‬وإمنا اقتصر هنا على املباحث‬
‫الضرورية من علم األصول‪.‬‬
‫[‪ ]19‬وهو واقع يف اللغة والقرآن‪ ،‬وذهب شذوذ من الناس إىل نفيه من اللغة والقرآن‪ ،‬وهو خطأ‬
‫قطعاً‪ ،‬وانظر يف ذلك كتاب " اجملاز يف اللغة والقرآن بني املثبتني والنافني "‪ ،‬للدكتور عبد العظيم‬
‫املطعين‪ ،‬فقد حبث هذه املسألة بتحقيق بالغ‪ ،‬فجزاه اهلل خرياً‪ ،‬والكتاب مطبوع يف جزأين‪ ،‬تلزم‬
‫مطالعته لطالب العلم‪.‬‬
‫[‪ ]20‬هو اإلمام العالمة األصويل املتكلم الفقيه األديب سعد الدين مسعود بن عمر بن عبد اهلل‬
‫بالت ْفتازاين‪ ،‬ولد سنة ‪722‬هـ‪ ،‬وتويف بسمرقند يف احملرم سنة ‪792‬هـ‪ ،‬من‬ ‫اهلروي اخلراساين‪ ،‬الشهري ِّ‬
‫تصانيفه‪" :‬التلويح يف كشف حقائق التنقيح" مطبوع‪ ،‬و"شرح العقائد النسفية" مطبوع‪ ،‬وغريها‬
‫كثري‪ ،‬انظر هدية العارفني (‪.)6/429‬‬
‫[‪ ]21‬هو الشيخ اإلمام جالل الدين حممد بن عبد الرمحن ال َق ْزويين الشافعي‪ ،‬املعروف خبطيب‬
‫دمشق‪ ،‬املتوىف سنة ‪ 739‬هـ‪ ،‬له عدة مصنفات نافعة‪ ،‬ومن أشهرها يف علوم العربية "تلخيص املفتاح‬
‫يف املعاين والبيان" وهو منت مشهور‪ ،‬عليه شروح عديدة وحواش‪ ،‬انظر كشف الظنون (‪.)1/473‬‬
‫[‪ ]22‬قال اإلمام القرايف يف شرح التنقيح ص ‪ 130‬ما نصه‪" :‬وهو عنده –أي اإلمام مالك‪-‬‬
‫للتكرار‪ ،‬قاله ابن القصار من استقراء كالمه" مث قال أيضاً‪ " :‬ويدل على التكرار أنه لو مل يكن‬
‫للتكرار المتنع ورود النسخ عليه بعد الفعل‪ ،‬وألنه ضد النهي‪ ،‬وهو للتكرار‪ ،‬ألن العرب حتمل الشيء‬
‫على ضده‪ ،‬كما حتمله على مثله" انتهى‪.‬‬
‫[‪ ]23‬وهو مذهب اإلمام مالك رمحه اهلل‪ ،‬قال اإلمام القرايف يف شرح التنقيح ص ‪ 128‬ما نصه‪:‬‬
‫"وهو عنده –أي اإلمام مالك‪ -‬للفور‪ ،‬وعند احلنفية‪ ،‬خالفاً ألصحابنا املغاربة" انتهى‪.‬‬
‫[‪ ]24‬يعلم من هذا أن القائل بأن النصارى واليهود وغريهم من الكفار غري مطالبني بالدخول يف‬
‫اإلسالم أنه كافر مرتد والعياذ باهلل تعاىل‪ ،‬وذلك إلمجاع املسلمني قاطبة على أن رسالة اإلسالم شاملة‬
‫لكل الناس عرباً وعجماً‪ ،‬أبيض وأسود‪ ،‬وكذا للجن‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬ليكون للعاملني نذيراً﴾‪ ،‬ولإلمام‬
‫تقي الدين السبكي رسالة يف عموم الرسالة‪ ،‬مطبوعة ضمن فتاواه‪ ،‬انظرها فهي مفيدة‪.‬‬
‫[‪ ]25‬ولقوله تعاىل‪﴿ :‬قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر هلم ما قد سلف﴾‪.‬‬
‫[‪ ]26‬ولإلمام القرايف رمحه اهلل كتاب "العقد املنظوم يف اخلصوص والعموم"‪ ،‬استقرأ فيه كثرياً من‬
‫مباحث العام واخلاص‪ ،‬واستوعب ألفاظ العموم‪ ،‬وهو نفيس جداً يف بابه‪ ،‬تلزم مطالعته لطالب العلم‪.‬‬
‫[‪ ]27‬انظر فتح الباري (‪.)2/579‬‬
‫[‪ ]28‬انظر سنن النسائي (‪.)7/321‬‬
‫[‪ ]29‬الصحيح أن املنقول عن ابن عباس رضي اهلل عنه االستثناء من اليمني باهلل تعاىل‪ ،‬وليس‬
‫االستثناء من الكالم‪.‬‬
‫[‪ ]30‬انظر فتح الباري (‪ ،)12/50‬وصحيح مسلم (‪ ،)3/1233‬ورواه غريمها‪.‬‬
‫‪ ]31[ ‬انظر فتح الباري (‪ ،)12/329‬وصحيح مسلم (‪.)1/204‬‬
‫[‪ ]32‬انظر فتح الباري (‪ ،)3/347‬وصحيح مسلم (‪.)2/675‬‬
‫[‪ ]33‬انظر فتح الباري (‪ ،)3/310‬وصحيح مسلم (‪.)2/674‬‬
‫[‪ ]34‬انظر فتح الباري (‪ ،)9/534‬وصحيح مسلم (‪.)2/1543‬‬
‫[‪ ]35‬انظر صحيح مسلم‪.)3/1628( :‬‬
‫تنبيه‪ :‬مل يتعرض املصنف وال الشارح رمحهما اهلل تعاىل إىل مسألة مهمة‪ ،‬وهي أن ترك النيب صلى‬
‫اهلل عليه وسلم فعل شيء‪ ،‬ال يدل على حرمة املرتوك‪ ،‬إال إذا كانت هناك قرينة تدل على احلرمة‪،‬‬
‫كفاً‪ ،‬فعدم فعله صلى اهلل عليه وسلم ال يفيد إال جواز الرتك‪،‬‬ ‫وعندها ال يسمى هذا تركاً وإمنا يسمى َّ‬
‫وانظر لزاماً رسالة شيخنا اإلمام سيدي أيب الفضل عبد اهلل بن الصديق الغماري رمحه اهلل املسماة‪:‬‬
‫حسن التفهم والدرك ملسألة الرتك‪ ،‬وهي مطبوعة ونفيسة‪.‬‬
‫[‪ ]36‬انظر املوطأ (‪.)2/824‬‬
‫[‪ ]37‬انظر صحيح مسلم (‪ ،)2/1075‬ورواه أيضاً مالك والشافعي وغريمها‪.‬‬
‫[‪ ]38‬انظر فتح الباري ‪ ،)08/173‬وصحيح مسلم (‪.)1/375‬‬
‫[‪ ]39‬انظر صحيح مسلم (‪ ،)2/672‬لكنه رواه بلفظ ﴿هنيتكم عن زيارة القبور فزوروها﴾‪ .‬حبذف‬
‫(كنت)‪.‬‬
‫[‪ ]40‬اإلمام جالل الدين احمللي‪ ،‬شارح الورقات‪.‬‬
‫[‪ ]41‬انظر صحيح مسلم (‪.)3/1344‬‬
‫[‪ ]42‬انظر فتح الباري (‪ ،)5/259‬وصحيح مسلم (‪.)4/1963‬‬
‫[‪ ]43‬انظر فتح الباري (‪ ،)1/294‬وصحيح مسلم (‪.)1/213‬‬
‫[‪ ]44‬انظر سنن البيهقي (‪ ،)1/72‬وسنن النسائي (‪.)1/85‬‬
‫[‪ ]45‬انظر سنن النسائي (‪.)1/85‬‬
‫[‪ ]46‬انظر سنن أيب داود (‪.)1/55‬‬
‫[‪ ]47‬انظر صحيح مسلم (‪.)1/246‬‬
‫[‪ ]48‬تقدم خترجيهما‪.‬‬
‫[‪ ]49‬انظر سنن أيب داود (‪ ،)1/17‬والرتمذي (‪.)1/97‬‬
‫[‪ ]50‬انظر سنن ابن ماجة (‪.)1/174‬‬
‫[‪ ]51‬انظر فتح الباري (‪.)12/176‬‬
‫[‪ ]52‬انظر فتح الباري (‪ ،)6/148‬وصحيح مسلم (‪.)3/1364‬‬
‫[‪ ]53‬انظر فتح الباري (‪ ،)12/268‬وسنن الدارقطين (‪.)217-4/216‬‬
‫[‪ ]54‬انظر سنن الرتمذي (‪ ،)466-4/465‬ويعد هذا احلديث من األحاديث املتواتر معنوياً‪ ،‬كما‬
‫قال سيدي اإلمام عبد اهلل بن الصديق الغماري يف "االبتهاج بتخريج أحاديث املنهاج" ص‪ ،180‬وما‬
‫بعدها‪.‬‬
‫[‪ ]55‬فائدة‪ :‬الراجح يف مذهبنا أن إمجاع أهل املدينة حجة فيما طريقه النقل‪ ،‬وليس هو حبجة عند‬
‫اجلمهور‪ ،‬واعتربه بعضهم مرجحاً عند التعارض‪ ،‬ودليلنا على حجيته أن إمجاعهم فيما من شأنه النقل‬
‫مثل التواتر‪ ،‬ولذلك نرد خرب الواحد إذا خالف عمل أهل املدينة‪ ،‬وانظر تفصيل ذلك يف إحكام‬
‫الفصول لإلمام الباجي‪ ،‬ومقدمة القاضي عياض لرتتيب املدارك‪ ،‬واجلواهر الثمينة يف أدلة عامل املدينة‬
‫للمشاط‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫[‪ ]56‬اختلف علماؤنا يف حترير مذهب اإلمام مالك يف حجية قول الصحايب‪ ،‬والراجح –واهلل أعلم‪-‬‬
‫أنه حجة إذا مل خيالفه أحد غريه‪ ،‬من الصحابة‪ ،‬وليس حبجة إذا خالفه غريه‪ ،‬انظر إحكام الفصول ص‬
‫‪ ،360‬واملنهاج ص ‪ 23‬كالمها لإلمام الباجي‪ ،‬ونشر البنود للشنقيطي‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫[‪ ]57‬هذا احلديث هبذا اللفظ ال يصح‪ ،‬بل نص العديد من احلفاظ على بطالنه‪ ،‬انظر‪ :‬االبتهاج‬
‫بتخريج أحاديث املنهاج‪ ،‬ص ‪.205‬‬
‫[‪ ]58‬وهلذا اخلالف أثر كبري يف الفقه اإلسالمي‪ ،‬فيجب االنتباه إليه عند البحث يف أدلة اجملتهدين‪.‬‬
‫فائدة‪ :‬واشرتط اإلمام مالك رمحه اهلل يف قبول احلديث أن يكون راويه فقيهاً‪ ،‬وذلك بسبب أن‬
‫الرواة كانوا يروون احلديث باملعىن وال يأتون يف أحيان كثرية باللفظ‪ ،‬فيدخل اخلطأ يف الفهم فيؤثر‬
‫ذلك يف االستنباط‪ ،‬انظر شرح التنقيح لإلمام القرايف ص ‪.369‬‬
‫[‪ ]59‬فال جيوز ألحد أن يطعن فيهم‪ ،‬وقد نص علماؤنا على أن الطاعن يف جل الصحابة رضوان اهلل‬
‫عليهم مرتد‪ ،‬انظر شرح اإلمام احلطاب ملختصر سيدي خليل (‪.)6/284‬‬
‫[‪ ]60‬وشذ الظاهرية فأنكروا حجية القياس على العلل املستنبطة‪ ،‬ورأيهم هذا ساقط جداً‪ ،‬ألنه‬
‫خمالف إلمجاع الصحابة رضي اهلل عنهم‪ ،‬فمن أنكر حجية القياس فقد خرق اإلمجاع‪ ،‬ولذا حكم‬
‫اإلمام أبو الوليد ابن رشد اجلد بسقوط عدالة منكري القياس‪ ،‬كما يف فتاواه‪ ،‬وانظر لزاماً كتاب‪:‬‬
‫"أقيسة النيب صلى اهلل عليه وسلم" لناصح الدين ابن احلنبلي رمحه اهلل‪ ،‬فهو مهم‪.‬‬
‫[‪ ]61‬وهذا النوع من القياس داخل يف العبادات‪ ،‬خالفاً ملا يراه بعض املعاصرين من حرمة القياس يف‬
‫العبادات‪ ،‬هكذا بإطالق!! على أن األصل يف األحكام الشرعية عندنا أهنا معقولة املعىن‪ ،‬كما نص‬
‫على ذلك اإلمام املقَّري يف قواعده وابن عبد الرب يف التمهيد‪ ،‬فتنبه لذلك‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫[‪ ]62‬املعتمد يف املذهب املالكي أن الوالد يقتل بولده إن كان قتله عمداً‪ ،‬فال ينتقض القياس يف‬
‫املذهب‪.‬‬
‫[‪ ]63‬فائدة‪ :‬اعلم أن االقتصار على هذه األدلة هو مذهب السادة الشافعية‪ ،‬أما مذهبنا –املالكية‪-‬‬
‫فزاد على ذلك‪ :‬إمجاع أهل املدينة‪ ،‬واالستحسان‪ ،‬ومراعاة اخلالف‪ ،‬وسد الذرائع‪ ،‬واملصاحل املرسلة‪،‬‬
‫واألخذ باألخف‪ ،‬واألخذ بالعوائد‪ ،‬انظر تفصيل ذلك يف شرح تنقيح الفصول لإلمام القرايف‪،‬‬
‫واجلواهر الثمينة يف أدلة عامل املدينة لإلمام املشاط‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫[‪ ]64‬رواه ابن ماجه يف سننه (‪ ،)2/784‬ومالك يف املوطأ (‪ ،)2/745‬وغريمها‪ ،‬وهو حديث‬
‫صحيح‪ ،‬انظر االبتهاج بتخريج أحاديث املنهاج ص ‪.241‬‬
‫[‪ ]65‬فال يكون عليهم تكليف‪ ،‬وبالتايل ال عقاب عليهم‪ ،‬لقوله تعاىل‪﴿ :‬وما كنا معذبني حىت نبعث‬
‫رسوال﴾‪ ،‬مع قوله تعاىل‪﴿ :‬لتنذر قوماً ما أنذر آباؤهم﴾‪ ،‬وهؤالء يسمون بأهل الفرتة‪.‬‬
‫[‪ ]66‬ومذهب اإلمام مالك رمحه اهلل تعاىل تقدمي القياس على خرب الواحد‪ ،‬قال اإلمام القرايف رمحه‬
‫اهلل تعاىل يف شرح التنقيح ص ‪ ،387‬ما نصه‪" :‬وهو –أي القياس‪ -‬مقدَّم على خرب الواحد عند‬
‫مالك رمحه اهلل‪ ،‬ألن اخلرب إمنا ورد لتحصيل احلكم‪ ،‬والقياس متضمن للحكمة‪ ،‬فيقدم على اخلرب"‪،‬‬
‫واختلف أصوليو املذهب يف هذا املسألة على قولني‪ ،‬مبا تراه يف املطوالت‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫[‪ ]67‬فاعجب أخي الكرمي من أناس يزعمون االجتهاد وهم ال يتقنون مسائل هذا الفن‪ ،‬بل وال‬
‫درسوها حق الدراسة‪ ،‬مث تراهم يزعمون اتباع احلديث الشريف‪ ،‬وهم ليسوا حبفاظ له وال عاملني‬
‫بعلله وخفاياه‪ ،‬فيخطّئون األئمة وخيالفوهنم‪ ،‬وال حول وال قوة إال باهلل العلي العظيم‪.‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬فما فائدة دراسة هذا العلم مث عدم االجتهاد يف مسائل الفقه‪ ،‬واالجتهاد هو مثرة هذا‬
‫العلم؟‬
‫فاجلواب‪ :‬أنه لو مل يكن لدراسة علم األصول فائدة إال معرفة أوجه االستدالل عند اجملتهدين لكفى‬
‫ذلك!! على أنه ال حجر على من اجتمعت فيه شروط االجتهاد مع شهادة العلماء له من اخلوض فيه‪،‬‬
‫ودب كما هو مشاهد يف حق كثري من الناس‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬ ‫لكن ليس لكل من هب َّ‬
‫فكل من أتى بقول خمالف للقواطع اليقينية يف العقائد مل يعذر جبهل‪ ،‬وإمنا يعترب ضاالً أو كافراً‬
‫[‪]68‬‬

‫مرتداً‪ ،‬وانظر تفصيل ذلك يف مباحث الردة من كتب الفقه‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫[‪ ]69‬انظر فتح الباري (‪ ،)13/318‬وصحيح مسلم (‪.)3/193‬‬
‫[‪ ]70‬انظر مستدرك احلاكم (‪ ،)4/88‬لكن بلفظ خمتلف عما هنا‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫انتهيت من خدمة هذا الكتاب‪ ،‬والتعليق عليه‪ ،‬ليلة‬
‫ُ‬ ‫[‪ ]71‬قال خادم العلم والعلماء جالل الجهاني‪:‬‬
‫السبت الرابع من شهر رجب عام ‪1414‬هـ‪ ،‬ونسأل اهلل اهلداية والتوفيق وأن يفرج عن أمتنا ما‬
‫تواجهه من حمن وشدائد‪ ،‬آمني وصلى اهلل على سيدنا حممد وعلى آله وصحبه وسلم‪.‬‬
‫أعدت النظر فيه مرة أخرى‪ ،‬مبهجري مبدينة ليدن باململكة اهلولندية‪ ،‬وانتهيت من‬
‫ُ‬ ‫مالحظة‪ :‬مث‬
‫ذلك ليلة اخلميس التاسع من شهر ذي القعدة سنة ‪1422‬هـ‪ ،‬واهلل املوفق‪.‬‬

You might also like