You are on page 1of 19

46

‫ا�س ب ُن ِفرن َا�س‬


‫َعبّ ٌ‬
‫"حكي ُم الأَن َدل ُ ِ�س"‬
‫َ‬

‫على � ْأن‬ ‫بن ِف َ‬


‫رنا�س َ‬ ‫ا�س َ‬ ‫اقتين (اللاّ معتين) ال ُم�س َّمى َع ّب ٌ‬ ‫العينين الب ّر ِ‬
‫ِ‬ ‫الفتى ال�صغي ُر ذ ْو‬
‫اعتا َد َ‬
‫حفظ ُ‬
‫منذ‬ ‫وقد َ‬‫ال�سما ِء‪ْ ،‬‬
‫الطيو ِر والكواكبِ في ّ‬ ‫اعات الطويل َة في مراقب ِة حرك ِة ّ‬ ‫ال�س ِ‬‫م�ضي) ّ‬ ‫َيقط َع ( ُي ْ‬
‫ال�سما ِء‪.‬‬
‫في ّ‬ ‫وعرف �أماكنَها ِ‬‫من الكواكبِ ‪َ ،‬‬ ‫�صغر ِه �أ�سما َء الكثيرِ َ‬
‫(بحب‬
‫ٍّ‬ ‫ٍ‬
‫ب�شغف‬ ‫(قواعد ال ّلغ ِة العرب ّي ِة)‬
‫ِ‬ ‫درو�س النّح ِو‬ ‫اليوم بد ْا م�شغو ًَال للغاي ِة‪ ،‬حتى أ� َّن ُه ْلم يتاب ْع كعاد ِت ِه َ‬
‫لك ّن ُه َ‬
‫في الآي ِة الكريم ِة التي تع ّل َم َها‬ ‫كان يك ُّد الفك َر (يف ّك ُر بعمقٍ ) ِ‬
‫فقد َ‬‫كبيرٍ )؛ ْ‬
‫إن�س � ْإن‬
‫نف�س ِه قائ ًال‪ :‬يا مع�ش َر الجِ ِّن وال ِ‬‫في ِ‬ ‫دها ِمرار ًا ِ‬
‫اليوم‪ ،‬ور ّد َ‬
‫َ‬
‫أر�ض فانفذوا‬ ‫ِ‬
‫ال�سماوات وال ِ‬ ‫من �أقطا ِر‬
‫ا�ستطعتُم � ْأن تنفذوا ْ‬
‫تنفذون إ� ّال ب�سلطانٍ ‪.‬‬
‫َ‬ ‫ال‬
‫(ع��� َر َف) � َّأن الآي�� َة‬ ‫ث َّ��م خفقَ قل ُب ُه ���س��رور ًا عندما � َ‬
‫أدرك َ‬
‫إن�سان ب�أ َّن ُه �سي�ستطي ُع يوم ًا � ْأن يطي َر‪ْ ،‬‬
‫ولكن‬ ‫الكريم َة تب�شّ ُر ال َ‬
‫ب�سلطانٍ (بقو ٍة وعملٍ )‪.‬‬

‫‪47‬‬
48
‫َ‬
‫الجليل؟‬ ‫إن�سان � ْأن يطي َر ِب ِه يا �شيخَ نَا‬
‫الذي �سي�ستطي ُع ال ُ‬ ‫لطان ْ‬ ‫ال�س ُ‬ ‫بحما�س قائ ًال‪ :‬م ْا ه َو ّ‬‫ٍ‬ ‫ف�س�ألَ � َ‬
‫أ�ستاذ ُه ال�شّ َيخ‬
‫(ع َر َف) طال َب ُه ع ّبا�س ًا نجيب ًا (ذكي ًا) �س�ؤُ ًال (كثي َر ّ‬
‫ال�س�ؤالِ ) وه َو مبت�س ٌم‬ ‫الذي خَ ِب َر َ‬‫أ�ستاذ ال�شّ يخُ ْ‬ ‫فقالَ ال ُ‬
‫ا�س‪.‬‬
‫بالعلم يا ع ّب ُ‬ ‫�سعي ٌد‪ّ � :‬أي ِ‬
‫َ‬
‫الجليل؟!‬ ‫ذلك يا �شيخَ نَا‬ ‫وكيف َ‬ ‫(باهتمام)‪َ :‬‬ ‫ٍ‬ ‫ا�س‬ ‫قالَ ع ّب ٌ‬
‫فتهتدي �إلى‬
‫َ‬ ‫اهلل َ‬
‫عليك‪،‬‬ ‫عليك) ُ‬ ‫وينعم َ‬ ‫عطيك ُ‬ ‫يمن ( ُي َ‬ ‫فقد َّ‬ ‫العلوم‪ْ ،‬‬ ‫َ‬ ‫أتقنت‬
‫بني‪� ،‬إذا � َ‬ ‫الجليل‪ :‬يا ّ‬ ‫ُ‬ ‫قالَ ال�شّ يخُ‬
‫فيكون‬
‫ُ‬ ‫تكت�شف ما يفي ُد الب�شر ّي َة جمعا َء‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫قد تختر ُع �أو‬ ‫يهتد �إلي ِه �إن�سا ٌن من قبل‪َ ،‬‬
‫وعند َها ْ‬ ‫(ت�صل �إلى) ما ْلم ِ‬ ‫َ‬
‫لك الأج ُر م�ضاعف ًا � ْإن �شا َء ُ‬
‫اهلل‪.‬‬ ‫َ‬
‫ال�سما ِء‪ ،‬ليطي َر‬ ‫الطائ ُر في ّ‬ ‫كيف يطي ُر ّ‬ ‫اكت�شف َ‬ ‫َ‬ ‫يمكن � ْأن‬
‫(بفرح)‪ :‬وهل ُ‬ ‫ٍ‬ ‫قالَ ع ّب ٌ‬
‫ا�س‬
‫إن�سان مثل ُه‪.‬‬ ‫ال ُ‬
‫اهلل ال ي�ضي ُع �أج َر‬ ‫واعمل‪ ،‬ف��� َّإن َ‬ ‫ْ‬ ‫ولكن تع َّل ْم‬ ‫هلل‪ْ ،‬‬ ‫عند ا ِ‬
‫ق��الَ ال�شّ يخُ ‪ :‬ذل َ��ك عل ُم ُه َ‬
‫العاملين‪.‬‬
‫َ‬
‫الطيو ِر‬ ‫ا�س � َإلى بي ِت ِه‪ ،‬يكا ُد يطي ُر �سعادةً‪ ،‬فيح ِّلقُ بخيا ِل ِه م َع ّ‬ ‫وعا َد ال�صغي ُر ع ّب ٌ‬
‫الطريقَ‬ ‫رف �أخير ًا ّ‬ ‫ال�سما ِء؛ لأ َّن ُه َع َ‬ ‫التي يتمنّى � ْأن يج ِّر َب مث َل َها متع َة التّحليقِ في ّ‬
‫يدر�س‬
‫ُ‬ ‫فقد ط ِفقَ (ب��د َ�أ)‬ ‫ولذلك ْ‬ ‫ِ‬ ‫الوحيد �إلى طيرانِ الإن�سانِ ‪ ،‬وه َو ُ‬
‫العلم‪.‬‬ ‫َ‬
‫فحفظ القر� َآن‪ ،‬وفق َه‬ ‫َ‬ ‫(ن�شاط)ال ت ْف َت ُر (ت َْ�ض ُع ُف)‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫العلوم بِهِ َّم ٍة‬
‫َ‬
‫الحديث ال�شّ َ‬
‫ريف‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وحفظ‬ ‫ِ‬
‫الحنيف‪،‬‬ ‫الد ِين‬
‫مبادئ ِّ‬‫َ‬ ‫(فهم)‬ ‫َ‬

‫‪49‬‬
50
‫وخ�صائ�ص‬
‫َ‬ ‫أع�شاب‪،‬‬
‫در�س ال َ‬ ‫العالج من َها‪َّ ،‬ثم َ‬
‫ِ‬ ‫أمرا�ض‪ ،‬وكيفي َة‬
‫َدر�س ال َ‬ ‫الطبِ ‪ ،‬ف َ‬ ‫َّفات ( ُكتبِ ) ِّ‬
‫َّثم ع َّر َج على درا�س ِة م�صن ِ‬
‫العرب تَه ُب ُه (تُعطي ِه)‬
‫كانت ُ‬ ‫لقب ْ‬ ‫(حكيم الأند ُل ِ�س)‪ ،‬وه َو ٌ‬
‫ِ‬ ‫ذلك ك َّل ُه ح ّت َى ُلق َِّب بـ‬
‫أتقن) َ‬
‫الأحجا ِر والمعادنِ ‪ ،‬فحذقَ (� َ‬
‫در�س زَمن ًا طوي ًال الفيزيا َء والفل�سف َة‬ ‫ل َم ْن َيب َر ُع (يتم ّيزُ) في اال�شتغالِ ب�صنع ِة (مهنة) الكيميا ِء ِ‬
‫والط ِّب‪َّ .‬ثم َ‬
‫(علم مو�سيقى ال�شّ عرِ‬
‫والعرو�ض َ‬
‫َ‬ ‫قواعد ال ّلغ ِة العرب ّي ِة)‪،‬‬
‫ِ‬ ‫وفن العمار ِة (البنا ِء) والنّح َو َ‬
‫(علم‬ ‫َ‬
‫أندل�س (�إ�سبانيا)‪ ،‬و�ش َر َح ُها‬ ‫العرو�ض في ال ِ‬ ‫َ‬ ‫كان �أ ّولَ َم ْن حذقَ (� َ‬
‫أتقن)‬ ‫العربي) ح ّتى �أ َّن ُه َ‬
‫ِّ‬
‫ّون �أ َّن ُه عل ٌم‬
‫من قبلِ يظن َ‬ ‫(�صعب) علي ُه ْم فهم َها‪ ،‬وكانوا ْ‬ ‫َ‬ ‫ا�ستع�صى‬
‫َ‬ ‫لأهلِ قرط َب َة‪َ ،‬‬
‫بعد � ْأن‬
‫فهم)‪،‬وك َّل َل ( َت َّو َج) عل َم ُه بتع ِّل ِم المو�سيقى‪� ،‬إذْ ع َّد َها متع َة ال ُّر ْو ِح‪ ،‬ف�أتق ََن‬ ‫ال ُي ُ‬
‫درك ( ُي ُ‬
‫العزف على �أكثرِ ْم ْن �آل ٍة مو�سيق ّي ٍة‪.‬‬ ‫َ‬
‫انهمك في درا�س ِة ما َكت ََب �أوال ُد‬‫َ‬ ‫ولذا فق ْد‬‫الطيران؛ َ‬
‫ُ‬ ‫ولكن ه َّم ُه الأ ّو َل ظ ّل َ‬
‫حلم‬ ‫َّ‬
‫ّباني ويحيى ْبن من�صو ِر في هذ ْا المو�ضو ِع‪،‬‬ ‫والخوازمي والت ِّ‬
‫ِّ‬ ‫وثابت ْبن من�صو ِر‬ ‫مو�سى ِ‬ ‫َ‬
‫طلب‬‫ّجوم والكواكبِ )‪َّ .‬ثم َ‬ ‫(علم الن ِ‬
‫الفلك ِ‬ ‫علم ِ‬ ‫الم�شهورين في ِ‬
‫َ‬ ‫من علما ِء ِ‬
‫العرب‬ ‫وكانو ْا ْ‬
‫ّجوم‬
‫علم الن ِ‬ ‫يحتوي على رمو ِز ِ‬‫َ‬ ‫فلكي‬
‫الذي في َه تقوي ٌم ٌّ‬ ‫الكتاب ْ‬
‫َ‬ ‫ِم ْن ِ‬
‫حاكم قرطب َة � ْأن ُيعي َر ُه‬
‫عبا�س علي ِه‬
‫فانكب ٌ‬ ‫َّ‬ ‫حاكم قرطب َة ح ّب ًا وكرام ًة (ب�سرورٍ)‪،‬‬ ‫وم�صطلحا ِته‪ ،‬ف�أعار ُه ل ُه ُ‬
‫(فهم) ك ّل كلم ٍة في ِه‪َّ ،‬ثم �أعا َد ُه‬
‫قلب‪،‬ووعى َ‬ ‫عن ظهرِ ٍ‬ ‫يدر�سهُ‪ ،‬حتّى َ‬
‫حفظ ُه ْ‬ ‫(انهمك) ُ‬ ‫َ‬
‫� َإلى الأميرِ �شاكر ًا‪.‬‬

‫‪51‬‬
52
‫حكم) الخليف ِة‬ ‫عهد (فتر ِة ِ‬ ‫عام (‪180‬م‪274/‬هـ) في ِ‬ ‫ّكي المولو ُد في قرطب َة َ‬ ‫بي الذ ُّ‬ ‫وبذ ِل َك ا�ستطا َع ّ‬
‫ال�ص ُّ‬
‫وخرج‬
‫َ‬ ‫أ�صبح) مو�سوع ًة علم ّي ًة متنقّل ًة‪،‬‬ ‫ه�شام � ْأن يحذقَ علوم ًا كثيرةً‪ ،‬حتّى َغ َدا (� َ‬ ‫ٍِ‬ ‫الحكم ِبن‬‫ِ‬ ‫(الحاكم)‬
‫ِ‬
‫نف�س ِه‬
‫فقد � َآل على ِ‬‫لذلك ْ‬ ‫هلل‪َ ،‬‬ ‫غ�ضب ا ِ‬‫َ‬ ‫عطى ِعلم ًا علي ِه � ْأن َينف َع الن َ‬
‫َّا�س ِب ِه‪ ،‬و�إِ ّال ا�ستحقَ‬ ‫بحكم ٍة مفا ُد َها � َّأن َم ْن ُي َ‬
‫بعلم ِه‪.‬‬
‫الم�سلمين والب�ش ّر ّي َة جمعا َء ِ‬ ‫َ‬ ‫فيد‬
‫(عاهد َها) � ْأن ُي َ‬ ‫َ‬
‫ويدر�س �أع�ضا َء َها التي ت�ساع ُد َها‬ ‫ُ‬ ‫يراقب حرك َة ّ‬
‫الطيورِ‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫انفك (ا�ستم َّر)‬ ‫فرنا�س ما َّ‬ ‫َ‬ ‫ولكن ع ّبا�س ًا َ‬
‫بن‬ ‫َّ‬
‫ذلك في‬ ‫وي�سج ُل ك َّل َ‬
‫أر�ض‪ّ ،‬‬ ‫والهبوط على ال ِ‬ ‫ِ‬ ‫ويدر�س حرك َة �أجنح ِت َها‪ ،‬وطريقتَها في الإقال ِع‬ ‫َ‬ ‫الطيرانِ ‪،‬‬ ‫على ّ‬
‫يمكن � ْأن‬
‫هل ُ‬ ‫ويت�ساءل ْ‬
‫ُ‬ ‫بتقليد ِه‪،‬‬
‫ِ‬ ‫الطائ ُر‪ ،‬ويف ِّك ُر‬‫كيف يطي ُر ّ‬ ‫يعرف َ‬ ‫أ�صبح) ُ‬ ‫بات (� َ‬ ‫خا�ص‪ ،‬ح ّتى َ‬ ‫(كتاب) ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ�سفْرٍ‬
‫يعرف‬‫ا�س – بالطب ِع – ُ‬ ‫يكن ع ّب ٌ‬ ‫يكون �أ ّولَ �إن�سانٍ يطي ُر؟ ْلم ْ‬ ‫كتب َل ُه � ْأن َ‬
‫وهل �س ُي ُ‬ ‫الطيورِ؟ ْ‬ ‫مثل ّ‬ ‫إن�سان َ‬ ‫يطي َر ال ُ‬
‫بالطيرانِ كطائرٍ ٍ‬
‫�سعيد في‬ ‫انقطاع ّ‬ ‫ٍ‬ ‫دون‬
‫يحلم َ‬
‫كان ُ‬ ‫ذين يتك ّررانِ )‪ ،‬ولك َّن ُه َ‬ ‫الملح ِين (ال َل ِ‬ ‫الإجاب َة عن �س�ؤالي ِه َّ‬
‫ال�سما ِء‪.‬‬ ‫ّ‬
‫أ�صبح‬
‫و�سرعان ما � َ‬ ‫َ‬ ‫جميل الط َّل ِة (و�سيم ًا)‪،‬‬ ‫نجم (ا�شته َر) الفتى الذي غَ َدا �شا ّب ًا َ‬ ‫وطا َر ُ‬
‫بن�شاط ِه‬
‫ِ‬ ‫(الحاكم)‪ ،‬الذي َق َّد َر عل َم ُه‪ ،‬و�أُعجِ َب‬ ‫ِ‬ ‫من الخليفة‬ ‫طبيب الق�صرِ و�شاع َر ُه‪ ،‬والمق َّر َب َ‬ ‫َ‬
‫يوا�ص َل �أبحا َث ُه‪.‬‬
‫لكي ِ‬ ‫أعطا ُه) بالمالِ ‪ْ ،‬‬ ‫وذكا ِئ ِه‪ ،‬ف� َأم َّد ُه (� َ‬
‫غرف بي ِت ِه مختبر ًا‪،‬‬ ‫من �إحدىِ ِ‬ ‫يجعل ْ‬ ‫ا�س � ْأن َ‬ ‫فاختا َر ع ّب ٌ‬
‫يحتاج �إليها في �أبحا ِث ِه وتجار ِب ِه‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫أدوات و� ِ‬
‫آالت‬ ‫يحتوي على � ٍ‬ ‫َ‬
‫المعادن بالحرار ِة‪ ،‬فاختر َع الكثي َر‬ ‫َ‬ ‫واخت�ص بمعالج ِة (ت�صنيع)‬ ‫َّ‬
‫من الحجار ِة‬ ‫فاف الم�صنو ُع َ‬ ‫جاج ال�شّ ُ‬ ‫كان ال ّز ُ‬ ‫ِ‬
‫المخترعات‪َ ،‬‬ ‫من‬ ‫َ‬
‫�أه َّم َها‪.‬‬

‫‪53‬‬
54
‫فقد اختر َع ما ي�ش ِب ُه‬ ‫َّا�س‪ْ ،‬‬ ‫َّا�س باختراعا ِت ِه التي ك ّر َ�س َها (جع َل َها) لخدم ِة الن ِ‬
‫(يده�ش) الن َ‬ ‫ُ‬ ‫ا�س يبه ُر‬ ‫وبات ع ّب ٌ‬
‫َ‬
‫ّا�س‪ .‬كذ ِل َك اختر َع‬‫بذلك الكتاب َة على الن ِ‬‫في�س َر (�س َّه َل) َ‬ ‫ُ�ستخدم للكتاب ِة‪ّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫قلم الحب َر‪ ،‬وه َو �آل ٌة ا�سطواني ُة ال�شَّ كلِ ت‬ ‫َ‬
‫وقيا�س‬
‫ِ‬ ‫الظ ِّل‪،‬‬
‫ال�صال ِة‪ ،‬وهي تعتم ُد على ّ‬ ‫َ‬
‫ويعرف �أوقا َت ُه ال �س ّي َما �أوقات ّ‬ ‫الزمن‪،‬‬
‫َ‬ ‫(الميقاتة)؛ليقي�س ِب َها‬
‫َ‬ ‫�آل ًة �أ�س َم َاها‬
‫كانت هذ ِه الآل ُة �أ�سا�س ًا فيما بع ُد‬
‫وقد ْ‬ ‫تقي�س ال ّدقائقَ وال ّث َ‬
‫واني‪ْ ،‬‬ ‫كانت ُ‬ ‫كانت �آل ًة دقيق ًة‪ ،‬ح ّتى �أ َّن َها ْ‬
‫وقد ْ‬ ‫درجا ِت ِه وزوايا ُه‪ْ ،‬‬
‫عت الحق ًا (فيما بع ُد)‪.‬‬ ‫لل�ساع ِة ال�شّ م�س ّي ِة‪ ،‬التي �أُختُرِ ْ‬ ‫ّ‬
‫(ذات الحلقِ )‪،‬تر�ص ُد حرك َة الكواكبِ ال�س ّيار ِة والنّجوم والقمر في ال ّليلِ ‪،‬‬ ‫كما اختر َع �آل ًة عجيب ًة‪َ � ،‬‬
‫أ�سماها َ‬
‫وال�شّ َ‬
‫م�س في النَّهارِ‪.‬‬
‫كانت �أُعجوب َة ع�صرِ ِه‪،‬‬
‫فرنا�س (قاده �إلى) ببنا ِء ق ّب ٍة �سماو ّي ٍة في دا ِر ِه‪ْ ،‬‬
‫َ‬ ‫ا�س ِبن‬ ‫وهذ ْا االخترا ُع الأخي ُر � َ‬
‫أوحى لع ّب ٍ‬
‫فقد �صن َع َها في ِ‬
‫�سقف‬ ‫من ُك ِّل مكانٍ لمعاي َن ِتها (لم�شاهد ِتها)‪ْ ،‬‬ ‫الذين جاءوا ْ‬ ‫(يتجهون لزيار ِت َها)‪َ ،‬‬‫َ‬ ‫وقبل َة الن ِ‬
‫ّا�س‬
‫عد والبرقِ‬‫وجعل في َها نجوم ًا وغيوم ًا وبرق ًا ورعد ًا‪ ،‬كما ا�ستطا َع � ْأن ُيحدثَ في َها ظواه َر ال ّر ِ‬ ‫ال�سما ِء‪َ ،‬‬ ‫بي ِت ِه على هيئ ِة ّ‬
‫أدوات وال ِ‬
‫آالت التي �صن َع َها‪ ،‬وو�ض َع َها في‬ ‫بع�ض ال ِ‬ ‫من الما ِء على هيئ ِة مطرٍ بطرقٍ �آلي ٍة بوا�سط ِة ِ‬ ‫ٍ‬
‫رذاذات َ‬ ‫َ‬
‫و�سقوط‬
‫أماكن �ش ّتى (متع ّدد ٍة) َوفْقَ الحاج ِة �إلي َها في الق َّب ِة‪.‬‬
‫� َ‬
‫أخالط كيمائي ٍة‪ .‬واختر َع �آل ًة حرب ّي ًة تُ�ش ُبه‬
‫من � ٍ‬‫ا�س ما ُي�شب ُه القنبل َة الم�س ّيل َة لل ّدمو ِع‪� ،‬صن َع َها ْ‬ ‫َ‬
‫كذلك اختر َع ع ّب ٌ‬
‫العرب)‪ ،‬فانت�ص َر عليهم ب�سب ِب َها‪،‬‬ ‫بع�ض �أعدا ِئ ِه من ال ِ‬
‫أعاجم (غير ِ‬ ‫حاكم قرطب َة في حر ِب ِه مع ِ‬ ‫فا�ستخدم َها ُ‬
‫َ‬ ‫الد ّباب َة‪،‬‬
‫الح�صين)‪.‬‬
‫َ‬ ‫و َدكَّ َّ‬
‫(حطم) ِب َها َُح�صو َنهم (البنا َء‬

‫‪55‬‬
56
‫ا�س‪ ،‬وحاولوا � ْأن يق�ضوا علي ِه‪،‬‬ ‫من عبقر ّي ِة ع ّب ٍ‬ ‫(ح�سد الأعدا ُء) ْ‬
‫َ‬ ‫وقد َ‬
‫غيظ ال ِعدا‬ ‫ْ‬
‫إ�سالمي المتعق َِّل انت�ص َر ل ُه (دعم ُه‬
‫َّ‬ ‫بال�سحرِ وال�شعوذ ِة‪َّ ،‬‬
‫ولكن الق�ضا َء ال‬ ‫فاتهمو ُه ّ‬
‫و�شج َع ُه على موا�صل ِة �أبحا ِث ِه واختراعا ِت ِه‪،‬‬ ‫بعد محاكم ٍة عادل ٍة‪ّ ،‬‬ ‫و�ساعد ُه)‪ ،‬وب ّر َ�أ ُه َ‬
‫جن‪ ،‬فقد �أهدى‬ ‫ال�س َ‬ ‫علم ي�ستح ُّق ال ّتقدي َر ال ّ‬ ‫أدرك الق�ضا ُء � َّأن ع ّبا�س ًا رج ُل ٍ‬‫فقد � َ‬‫ْ‬
‫نافورات الميا ِه في الق�صورِ‪ ،‬وفي‬ ‫ِ‬ ‫أجمل فنونِ العمار ِة‪� ،‬إذْ بنَى ْ‬
‫لهم‬ ‫أهل قرطب َة � َ‬ ‫ل ُ‬
‫وال�صو َر‬
‫نحت) ّ‬ ‫ُّحوت (جم َع ٍِ‬ ‫أقام في َها الن َ‬ ‫الحدا ِئقِ العا ّم ِة‪ ،‬و� َ‬
‫أ�صبحت قرطب ُة تحف ًة فن ّي ًة جميل ًة ب�سببِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫والتماثيل‪ ،‬ف�‬
‫عالم َها الجليلِ ‪ ،‬ع ّبا�س بن فرنا�س‪.‬‬ ‫ِ‬

‫‪57‬‬
58
‫��ال ع�� ّب��ا� ٍ��س المتو ّثبِ‬ ‫ول��ك َّ��ن ُح��ل َ��م ال ّ��ط��ي��رانِ ب��ق َ��ي ي ِ‬
‫��داع ُ��ب خ��ي َ‬
‫يحاول �أن‬ ‫ُ‬ ‫وط ِف َق‬ ‫علم الطيرانِ ‪َ ،‬‬ ‫موح)‪ ،‬فك ّث َف درا�س َت ُه في ِ‬ ‫(الط ِ‬ ‫ّ‬
‫حدث في‬ ‫أهم ٍ‬ ‫أهل قرطب َة ب� َّ‬ ‫در�س عن الطيرانِ ‪َّ .‬ثم فاج�أَ � َ‬ ‫ينف َّذ ما َ‬
‫لذلك موعد ًا‬ ‫و�ضرب َ‬ ‫َ‬ ‫الب�شري‪� ،‬إذْ �أُ َ‬
‫علن أ� َّن ُه �سيطي ُر‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫تاريخ ّ‬
‫الطيرانِ‬ ‫ِ‬
‫ا�س‬ ‫و�صعد ع ّب ٌ‬
‫َ‬ ‫حول جام ِع قرطب َة‪،‬‬ ‫ّا�س َ‬ ‫(ح ّدد موعد ًا)‪ ،‬فاجتم َع الن ُ‬
‫يران‪،‬‬‫الط َ‬ ‫بنف�س ِه منها في الج ِّو محاو ًال ّ‬ ‫وقذف ِ‬ ‫�إلى مئذن ِة الجام ِع‪َ ،‬‬
‫بعد � ْأن‬
‫ذلك َ‬ ‫لزمن غيرِ ق�صيرٍ ‪ ،‬وح ّل َق مرتفع ًا في الج ِّو‪َ ،‬‬ ‫بذلك ٍ‬ ‫ونجح َ‬ ‫َ‬
‫بجناح ِّي طائرٍ كبيرٍ ‪ ،‬وربط ُه َما �إلى ذراعي ِه ب�شرا ِئ َط رقيق ٍة‬ ‫َ‬ ‫ا�ستعان‬
‫َ‬
‫ا�س �أن يتحق َّق �أخير ًا‪ ،‬لك ّن ُه تب ّد َد (�ضا َع)‬ ‫من الحريرِ ‪ ،‬وكا ُد ُح ُلم ع ّب ٍ‬
‫ب�سالم؛‬
‫ٍ‬ ‫ا�س في � ْأن َ‬
‫يهبط‬ ‫ف�ش َل ع ّب ٌ‬ ‫فقد ِ‬ ‫حظات الأخير ِة‪ْ ،‬‬ ‫في ال ّل ِ‬
‫فلم يتخذْ (ي�صنع)‬ ‫الطيرانِ ‪ْ ،‬‬ ‫لأ َّن ُه َجهِ َل �أهم ّي َة ال ّذيلِ في ّ‬
‫إ�صابات بليغ ٍة‬
‫ٍ‬ ‫ف�سقط على ظهرِ ِه‪ ،‬و أُ� َ‬
‫�صيب ب�‬ ‫َ‬ ‫ذي ًال‪،‬‬
‫الفرا�ش (�أجبرت ُه على‬ ‫َ‬ ‫(�شديد ٍة)‪� ،‬ألزم ْت ُه‬
‫الفرا�ش) �أ�شهر ًا طويل ًة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫البقا ِء في‬

‫‪59‬‬
60
‫(ليهتم)‬
‫ّ‬ ‫ليبالي‬
‫َ‬ ‫كان‬
‫فرنا�س ما َ‬ ‫َ‬ ‫ولكن ع ّبا�س ًا َ‬
‫بن‬ ‫ّ‬
‫من ُ�شرف ِة‬ ‫ال�سما ِء ْ‬ ‫يراقب ّ‬
‫الطيو َر المح ِّلق َة في ّ‬ ‫ظل ُ‬ ‫ب� ِألم ِه‪ ،‬بل َّ‬
‫أين‬ ‫(ينام) مري�ض ًا‪ ،‬ويت�سا َء َل في ِ‬
‫نف�س ِه‪َ � :‬‬ ‫غرف ِت ِه‪ ،‬حيثُ يرق ُد ُ‬
‫نف�س ِه‬
‫ال�س�ؤاالن في ِ‬ ‫كان ينق ُُ�ص ُه ح ّتى َ‬
‫يهبط ب�أمانٍ ؟ وتك ّر َر ّ‬ ‫الذي َ‬ ‫كان الخط�أُ في طيرا ِن ِه؟ ما ْ‬
‫َ‬
‫عدم‬
‫كان في ِ‬ ‫يعرف � ّأن الخط�أ الذي وق َع فيه َ‬ ‫دون �إجاب ٍة �شافي ٍة (�صحيح ٍة)‪َ ،‬‬
‫ودون � ْأن َ‬ ‫مرار ًا َ‬
‫دون � ْأن يتع ّر َ�ض للأذى‪ ،‬وهذا‬ ‫ب�سالم‪َ ،‬‬
‫ٍ‬ ‫الطائ ُر � ْأن َ‬
‫يهبط‬ ‫ا�ستخدام ذيلٍ ‪� ،‬إذْ بوا�سطت ِه ي�ستطي ُع ّ‬
‫ِ‬
‫ب�سالم‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ينق�ص ع ّبا�س ًا َ‬
‫ليهبط‬ ‫كان ُ‬ ‫ما َ‬
‫اختراعات عجيب ٍة‬
‫ٍ‬ ‫الذي تف ّت َق (�أب��د َع) عن‬
‫ا�س‪ْ ،‬‬ ‫حبي�س عقلِ ع ّب ٍ‬
‫َ‬ ‫ال�س� ُؤال الحائ ُر‬ ‫وبقي ّ‬
‫َ‬
‫(مات) هجع َت ُه‬ ‫الت�سعين عام ًا‪� ،‬إلى � ْأن هجِ َع َ‬
‫َ‬ ‫المديد ّ‬
‫(الطويلِ )‪� ،‬إذْ جاو َز‬ ‫ِ‬ ‫طوال عمرِ ِه‬‫ومفيد ٍة َ‬
‫حمن‪ ،‬وه َو‬ ‫عبد ال ّر ِ‬ ‫ٍ‬
‫محمد بن ِ‬ ‫عهد الخليف ِة‬
‫الأخير َة في قرطب َة عام (‪796‬ه��ـ‪887/‬م) في ِ‬
‫أذكياء) من �أبنا ِء الإن�سان ّي ِة‪،‬‬ ‫َ‬
‫الم�ستقبل ال ب َّد � ْأن يجو َد ب�أبنا َء نجبا َء (� ٍ‬ ‫ؤمن (مت�أك ٌد) ب� َّأن‬
‫م� ٌ‬
‫أزلي ّ‬
‫بالطيرانِ ‪.‬‬ ‫ّقون ُح َلم الب�شر ّي ِة ال ِّ‬
‫فيحق َ‬

‫‪61‬‬
‫ل ّون معنا‬

‫‪62‬‬
63

You might also like