Professional Documents
Culture Documents
اآلية ،1واآلية ﴿ :2الر﴾ َسبَ َق الكالم عن احلروف املقطَّعة يف أول سورة البقرة( ،واعلم أ ّن هذه احلروف تُقرأ هكذا:
ُ ِ
وهداه وحالله وحرامه، ُ عانيهم يف اضح و ال لكتاب ا آَيت
ُ ي ه هذه ي﴾ يعين: ت الْ ِكتَ ِ
اب الْمبِ ِ ألف الم را)﴿ ،تِْل َ
ك آَ ََي ُ
َ ُ
العَرب ﴿ -تَ ْع ِقلُو َن﴾ أي تَعقلو َن َمعانيه وتَفهموهنا ،فتَعملوا هبَ ْديِه.
﴿إِ ََّّن أَنْ َزلْنَاهُ قُ ْرآَ اَّن َعَربِيًّا﴾ ﴿لَ َعلَّ ُك ْم﴾ -أيها َ
أيضا من
تصرة من (كتاب" :التفسري امليَ َّسر" (إبشراف الرتكي) ،و ا
1وهي سلسلة تفسري آلَيت القرآن الكرمي أبسلوب بسيط جدًّا ،وهي ُُم َ
ُ ِ
لما أب ّن ما حتته خط هو نص اآلية الكرمية، السعدي" ،وكذلك من كتاب " :أيسر التفاسري" أليب بكر اجلزائري) (بتصرف) ،ع ا "تفسري ّ
وأما الكالم الذي ليس حتته خط فهو التفسري.
ف يف كالمهم ،وال ُُيبون كثرة الكالم ،فجاءهم القرآن هبذا األسلوب ،فكانت نزل متحدَيا ٍ
لقوم يَعشقون احلَذ َ -واعلم أن القرآن قد َ ُ
فهم من ِسيَاق اآلية) ،وإننا أحياَّنا نوضح بعض الكلمات اليت مل(معىن واضح ،ومعىن يُ َ
ِ
اجلُملة الواحدة يف القرآن تتضمن أكثر من َمعىنَ :
يذكرها هللا يف كتابه (بَالغةا) ،حىت نفهم لغة القرآن.
2
ك َعلِ نيم﴾ ِبَن يَستحق االصطفاء واالختيار من عبادهَ ﴿ ،ح ِك نيم﴾ ك ِم ْن قَ ْب ُل إِبْ َر ِاه َيم َوإِ ْس َح َ
اق﴾ ﴿إِ َّن َربَّ َ أَََتََّها َعلَى أَبَ َويْ َ
يف تدبري أمور َخلقه.
وحكمته ،وفيها ِعبَ نر اآلية ﴿ :7لََق ْد َكا َن ِيف يوسف﴾ أي يف قصة يوسف ﴿وإِخوتِِه آََيت﴾ أي أدلة تدل على قدرة ِ
هللا ِ
َ َ َْ َ ن ُ ُ َ
ي﴾ الذين يَسألون عن أخبارهم ،ويَرغبون يف َمعرفتها. ﴿لِ َّ ِِ
لسائل َ
ب﴾ يعين أْجَعوا على إلقائه يف َجوف البئر، َْجَعُوا أَ ْن ََْي َعلُوهُ ِيف َغيَابَِة ْ ِفأر َسلَهُ أبوهم معهم ﴿فَلَ َّما َذ َهبُوا بِِه﴾ ﴿ َوأ ْ
اجلُ ّ ♦ ْ
َّه ْم ِأب َْم ِرِه ْم َه َذا﴾ :أي سوف ُخترب إخوتك ُمستقبَالا ِبا ِ
يوسف بطر ٍيق َخف ٍّي سريع﴿ :لَتُنَ بِّئَ ن ُ
َ ﴿ َوأ َْو َحْي نَا إِلَْي ِه﴾ أي ْ
أعلَ َم هللاُ
فعلوه بكَ ﴿ ،وُه ْم َال يَ ْشعُُرو َن﴾ أننا أوحينا إليه بذلك (ويف هذا بِشارةن له أبنه سيَنجو ِِمّا وقع فيه).
3
♦ وقد قال بعض املفسرين يف قوله تعاَلَ ﴿ :وُه ْم َال يَ ْشعُُرو َن﴾ أي لن يَعرفوا -عندما تُعاتبهم -أنك أخوهم( ،وهذا
إخبار من هللا تعاَل ُِبا وقع بعد سني) ،واملقصود بذلك قوله تعاَل﴿ :قَ َال هل علِمتُم ما فَع ْلتُم بِيوسف وأ ِ
َخ ِيه إِ ْذ أَنْتُ ْم َْ َْْ َ َ ْ ُ ُ َ َ ن
جِ
اهلُو َن﴾. َ
اآلية ،16واآلية َ ﴿ :17و َجاءُوا أ ََاب ُه ْم ِع َشاءا﴾ أي يف وقت العِشاء ِ -من أول الليل ﴿ -يَْب ُكو َن﴾ ويُظ ِهرون األسف
واخلوف ،ف ﴿قَالُوا﴾َ﴿ :ي أَاب ََّن إِ ََّّن َذهب نَا نَستَبِق﴾ أي نَتسابق يف اجلري والرمي ابلسهام﴿ ،وتَرْكنَا يوسف ِعْن َد متَ ِ
اعنَا﴾ َ ََ ُ ُ َ ْ َْ َْ ْ ُ َ َ
ِ
ص ّد ٍق لنا ِ
أي عند طعامنا وثيابنا ،وما فارقناه إال وقتاا قليالا ﴿فَأَ َكلَه ال ّذئْب﴾ ﴿وما أَنْ ِ ِ
ت ِبُْؤم ٍن لَنَا﴾ يعين :وما أنت ِبُ َ
ََ َ ُ ُ
ي﴾ أي :ولو كنا َموصوفي ابلصدق (وذلك لشدة ُحبِّك ليوسف). ﴿ولَو ُكنَّا ِ ِ
صادق َ َ َْ
يص ِه بِ َدٍم َك ِذ ٍب﴾ أي جاؤوا بقميصه ُملَطَّ اخا بِ َدٍم غري َدم يوسف( ،وقد قيل إهنم بعد أ ْن اآلية ﴿ :18وجاءوا علَى قَ ِم ِ
ََ ُ َ
ألقوه يف البئر ،ذحبوا حيواَّنا صغريا يُشبه املاعز ولَطَّ ُخوا بِ َد ِمه قميص يوسف) ،ف ﴿قَ َال﴾ هلم يعقوب عليه السالم﴿ :بَ ْل﴾
قبيحا يف
أمرا ا
ابلسوء ا
األمارة ُ
ت لَ ُك ْم أَنْ ُف ُس ُك ْم أ َْمارا﴾ أي زيَّنت لكم أنفسكم َّ لكن ﴿ َس َّولَ ْأي :ليس األمر كما تقولون ،و ْ
ط فيه ،وال شكوى معه ٍ
ألحد من صْب نر ْجيل (ال َس َخ َ ِ
فص ْربي َ يل﴾ أيَ : صْب نر َْج ن يوسف ،فرأيتموه َح َسناا وفعلتموه﴿ ،فَ َ
صَِّربّن على َحتَ ُّمل هذا الوصف الكاذب الذي َحتكونه ِِ ِ
أستعي ابهلل ليُ َ
اّللُ الْ ُم ْستَ َعا ُن َعلَى َما تَص ُفو َن﴾ أي :و ُ اخلَلق) ﴿ َو َّ
ِل.
هللا تعاَل ،ومل يَ ْس َع للكشف عن َمصري يوسف ،ألنه َعلِ َم بصعوبة ذلك
♦ وإمنا فَ َّوض يعقوب عليه السالم األمر إَل ِ
َْ ّ َ
ِ
س من ِ
الساعي يف البُعد بينه وبي يوسف ،فيَئ َ
َ لِ ِك َرب ِسنِّه ،وألنه مل يكن له أحد يَستعي به على أبنائه ،وقد صاروا هم
َّل الصرب اجلميل.
ذلك ،وفَض َ
ت َسيَّ َارةن﴾ أي جاءت ْجاعة من املسافرين (وكانوا ذاهبي إَل مصر)، اآلية ،19واآلية ،21واآلية َ ﴿ :21و َجاءَ ْ
أرسل الوارد َدلْ َوهُ يف البئر :تَ َعلَّ َق هبا
فلما َ ﴿فَأ َْر َسلُوا َوا ِرَد ُه ْم﴾ :أي أرسلوا َمن َييت إليهم ببعض املاء﴿ ،فَأ َْد ََل َدلْ َوهُ﴾ يعينَّ :
ارد
َسُّروهُ﴾ يعين :إ ّن الو َ عظيم القيمةَ ﴿ ،وأ َ
غالم ُاي هذا ن يوسف ،ف ﴿قَ َال﴾ الواردََ ﴿ :ي بُ ْشَرى َه َذا غُ َال نم﴾ يعينَ :ي بُشر َ
يوسف عن بقية املسافرين ،حىت ال يُطالبوهم ابالشرتاك معهم يف ََثَنه بعد أن يَبيعوه ،و َّأما قوله تعاَل: َ وأصحابه قد أخفوا
اّللُ َعلِ نيم
اعةا﴾ يعين إهنم قالوا هلم( :هذه بضاعة ،وقد طلب ِمنَّا أصحاب املاء أن نوصلها إَل صاحبها ِبصر)َ ﴿ ،و َّ ضَ ﴿بِ َ
ِِبَا يَ ْع َملُو َن﴾ بيوسف.
فلما رأوه أبيدي الوارد وِرفاقه ،قالوا هلم( :هذا َعب ند لنا ♦ وقد كان إخوة يوسف يَرتددون على البئر ليَعرفوا َمصري أخيهمَّ ،
ذاك الذي نريد) ،فبَاعوه هلم بثَ َم ٍن قليل ،وهلذا قال تعاَلَ ﴿ :و َشَرْوهُكثري اهلرب ،وإن أردمت شراءَهُ بِ ْعنَاه لكم) ،فقالوا هلمَ ( :
ين﴾ أي كان إخوته س﴾ أي ابعه إخوته هلؤالء املسافرين بثم ٍن قليل﴿ :در ِاهم مع ُدود ٍة﴾﴿ ،وَكانُوا فِ ِيه ِمن َّ ِ ِ بِثَ َم ٍن َخبْ ٍ
الزاهد َ َ َ ََ َ َ ْ َ ََ
زاهدين فيه ،راغبي يف التخلص منه ،ألهنم ال يعلمون منزلته عند ِ
هللا تعاَل. َ َ َ َ
4
ِ ِ ِ
♦ وملَّا ذهب املسافرون بيوسف إَل "مصر" اشرتاه منهم أحد وزرائهاَ ﴿ ،وقَ َال﴾ هذا الوزير ﴿الَّذي ا ْشتَ َراهُ م ْن م ْ
صَر
نستفيد ِمن ِخدمته
ُ ِالمرأَتِِه أَ ْك ِرِمي مثْ واه﴾ يعين ِ
أحسين معاملته ،وأك ِرمي إقامته عندَّن ﴿ َع َسى أَ ْن يَْن َف َعنَا﴾ :أي لعلنا َ َُ َْ
َّخ َذهُ َولَ ادا﴾ :يعين أو نُقيمه عندَّن مقام الولد (وقد قال ذلك ألنه مل يكن له ولد). ﴿أَو نَت ِ
ْ
ِ ِ
ض﴾ يعين :وكما أجنينا يوسف من البئر ،وكما يَ َّس ْرَّن له أن يَشرتيه عزيز "مصر" -وهو ف ِيف ْاأل َْر ِ
وس َ ك َم َّكنَّا ليُ ُ
﴿ َوَك َذل َ
الوزير -وجعلناهُ يَ ْع ِطف عليه ،فكذلك جعلنا هذا ُمق ِّد َمةا لتمكينه يف أرض "مصر" ِمن هذا الطريق (ليَكون على خزائنها
يث﴾ أيَ :ولِنُ َعلِّ َمهُ ِمن تفسري الرؤى ،فيَعرف ما سيَقع فيما بعدَُ ،يكمها ابلعدل والرمحة)﴿ ،ولِنُعلِّمه ِمن ََتْ ِو ِيل ْاألَح ِاد ِ
َ َ َ َُ ْ
ط ِعلم التأويل ببيت العزيز ،أل ّن يوسف عليه السالم سيَبقى يف هذا املكان ُمتَفرغ ا منها ُمستقبَالا( ،ولعل هللاَ تعاَل َربَ َ
للتفكر والتعمق يف هذا العِلم (الذي وهبه هللاُ له) ،ليَزداد بذلك ِعلم اِِ ،مّا سيَكو ُن سبب ا لتمكينه يف األرض عندما يُ َف ِّسر
ب َعلَى أ َْم ِرِه﴾ (فإذا أر َاد سبحانه شيئ ا ،قال له ُكن فيكون ،وال أحد يَستطيع أن َمينع حدوُ ما رؤَي امللِك)﴿ ،و َّ ِ
اّللُ َغال ن َ َ
الم صغري ُمل َقى يف بئر ،أن ََيعله هللاُ فيما بعد على ِ
َتمل األمر لَتَ ع َّجب( :كيف لغُ ٍ لو ن اِإنسا ن فإ ، )تعاَل
َ َ َ َّ َ ّ يُريده ُ
هللا
َّاس َال ي علَمو َن﴾ أ ّن األمر كله بيد ِ ِ
هللا. َ لكن هللاَ يَفعل ما يريد ﴿ َولَك َّن أَ ْكثَ َر الن ِ َ ْ ُ خزائن األرض؟!) ،و ّ
♦ ويف هذا تصبري للرسول ملسو هيلع هللا ىلص على ما ََيد ِمن أ َذى أقرابئه له ،إذ يوسف عليه السالم قد أصابه األذى ِمن أخوته الذين
هم أقرب الناس إليه بعد والديه.
ْما﴾ أي َعلَّمناهُ كيف َُيكم ص َل يوسف إَل ُمنتهى قوته يف شبابه﴿ :آَتَ ْي نَاهُ ُحك ا
َشدَّهُ﴾ يعين ملَّا َو َ اآلية َ ﴿ :22ولَ َّما بَلَ َغ أ ُ
ِِ ِ
ي﴾ يعين :وكما بي الناسَ ﴿ ،و ِع ْل اما﴾ وهو الفقه يف دين إبراهيم عليه السالم (وهو اِإسالم)َ ﴿ ،وَك َذل َ
ك َْجن ِزي الْ ُم ْحسن َ
أعطينا يوسف هذا العطاء (جزاءا له على إحسانه) ،فكذلك نُعطي احملسني ِعلما َّنفعا جزاءا هلم على إحساهنم ،كما قال
السنّة والبدعة. اَّن) أي ِعلما ونورا تُ ِ ِ تعاَل( :إِ ْن تَتَّ ُقوا َّ
فرقون به بي احلق والباطل واحلالل واحلرام و ُ ّ اّللَ ََْي َع ْل لَ ُك ْم فُ ْرقَ ا
ِ ِِ ِ
وحسن َهبائه)،لت امرأة العزيز فتنة يوسف (حلُبِّها الشديد له ُ اآلية َ ﴿ :23وَر َاوَدتْهُ الَِّيت ُه َو ِيف بَْيت َها َع ْن نَ ْفسه﴾ أي حاو ْ
ت ْاألَب واب وقَالَت هيت لَك﴾ -يعين إهنا دعته إَل فاحشة الزَّن والعِياذُ ابهلل ،-ف ﴿قَ َال معا َذ َِّ
اّلل﴾ أي أعتصم ََ ََ ُ ﴿ َو َغلَّ َق ِ ْ َ َ َ ْ َ ْ َ َ
ِ ِ ِ ِ
أح َس َناي﴾ :يعين إنه سيدي الذي ْ ابهلل تعاَل من فعل الفاحشة ،وأستجريُ به من خيانة سيدي ﴿إِنَّهُ َرِّيب أ ْ
َح َس َن َمثْ َو َ
فإن سيده احلق (هللاُ َج َّل جالله) قد أكرمه ِبا َس ّخر له من األمور، إقاميت يف بيته ،فال أخونه يف أهله( ،ويف نفس الوقت َّ
فكيف ََيونه فيما َحَّرَم عليه؟)( ،واعلم أهنم كانوا يقولون للسيد املالك لفظ( :الرب) ،كما نقول :رب البيت﴾﴿ ،إِنَّهُ َال
يُ ْفلِ ُح الظَّالِ ُمو َن﴾ :يعين إ ّن َمن جتاوز حدَّهُ ال يُفلِ ُح أبدا.
5
عما َحدَّثَْتهُ به نفسه( ،وذلك ألنه ♦ وقوله تعاَل﴿ :لَ ْوَال أَ ْن َرأَى بُْرَها َن َربِِّه﴾ :يعين لوال أنه رأى آية من آَيت ربه تنهاه َّ
ص ِر َ ِ ِ
ف َعْنهُ ك﴾ يعين :إمنا أريناه ذلك الربهان ﴿لنَ ْ اعتصم بربه -يف بداية األمر -قائالاَ ( :معا َذ هللا) ،فنَ َّجاه هللا)َ ﴿ ،ك َذل َ
ِ ِ ِ ِ
ي﴾ أي السوءَ﴾ وهو كل ما يَ ُسوء اِإنسانَ ﴿ ،والْ َف ْح َشاءَ﴾ وهي الوقوع يف جرمية الزَّن ﴿إِنَّهُ م ْن عبَاد ََّن الْ ُم ْخلَص َ ُّ
وَمبتنا ،فال نَرضى هلم أن يَتلوثوا ابلذنوب واملعاصي( ،واعلم أ ّن ذلك ين للرسالة ،الذين استخلصناهم لطاعتنا َ املُختار َ
ِ
السوء والفحشاء). صهُ هللاُ من ُ يَتضمن أيضا أ ّن يوسف عليه السالم كان َُيلص عمله هلل تعاَل ،فلذلك َخلَّ َ
ت بِِه﴾ أي أرادت أن تضربه عندما امتنعَ ﴿ ،وَه َّم ِهبَا﴾ ليُدافع عن ♦ وقد قال بعض املفسرين يف قوله تعاَلَ ﴿ :ولََق ْد ََهَّ ْ
السوءَ﴾ ص ِر َ
ف َعْنهُ ُّ ننفسه ويضرهبا﴿ ،لَوَُال أَ ْن رأَى ب رها َن ربِِه﴾ أي لوال أ ّن هللا أ ْهلمه أ ّن اخلري يف عدم ضرهباَ ﴿ ،ك َذلِك لِ
َ ْ َ َْ َ ََ ُ َ ُ ْ َ َّ ْ َ
ض ْرهباَ ﴿ ،والْ َف ْح َشاءَ﴾ وهي الزَّن.
وهو َ
َّت
أسرعت ورائه حتاول اِإمساك بهَ ﴿ ،وقَد ْ
اب﴾ يعين أسرع يوسف إَل الباب يريد اخلروج ،و ْاستَ بَ َقا الْبَ َ
اآلية َ ﴿ :25و ْ
فقطعت القميص.
ْ ذبت قميصه ِمن خلفه -لتمنعه عن اخلروج -
يصهُ م ْن ُدبٍُر﴾ أي َج ْ
قَ ِم ِ
َ
اب﴾ أي وجدا زوجها عند الباب( ،وقد كانوا يُطلِقون على ♦ وفتح يوسف الباب ليهرب منها﴿ ،وأَلْ َفيا سيِ َد َها لَ َدى الْب ِ
َ َ َ َّ َ
ِ
ك ُسوءاا﴾ -أي الفاحشة - ت﴾ لزوجهاَ ﴿ :ما َجَزاءُ َم ْن أ ََر َاد ِأب َْهل َ الزوج لفظ (السيد) ألنه كا َن َميلك املرأة) ،ف ﴿قَالَ ْ
اب أَلِ نيم﴾ يعين أو يُ َع َّذب عذاابا شديدا. ﴿إَِّال أَ ْن يُ ْس َج َن﴾ ﴿أ َْو َع َذ ن
6
.2الربع الثاين من سورة يوسف
تدعوهن لزَيرّتا
ّ ت إِلَْي ِه َّن﴾
ذم هؤالء النسوة هلا﴿ :أ َْر َسلَ ْ ت ِِبَ ْك ِرِه َّن﴾ :يعين عندما بَلَ َغ امرأةَ العزيز ُّ ِ
اآلية ﴿ :31فَلَ َّما ََس َع ْ
اح َد ٍة ِمْن ُه َّن
َّكئن عليه من الوسائد ،وما َي ُك ْلنَه من الطعام ﴿وآَتَت ُك َّل و ِ
َ َ ْ ُ
ِ
هلن ما يَت َ َّت ّ ت َهلُ َّن ُمتَّ َكأا﴾ :يعين َ
أعد ْ ﴿ َوأ َْعتَ َد ْ
اخ ُر ْج َعلَْي ِه َّن﴾ ﴿فَلَ َّما َرأَيْنَهُ أَ ْكبَ ْرنَهُ﴾ أي ِ
أعطتهن طعاما َُيتاج إَل تقطيع)َ ﴿ ،وقَالَت﴾ ليوسفْ ﴿ : ّ ِس ِّكيناا﴾ (ألهنا
عن الطعام (بسبب ِ
وه َّن يُ َقطّ َأيديهن ُ
ّ وشغَلَ ُه ّن ُحسنه وْجاله ﴿ َوقَطَّ ْع َن أَيْ ِديَ ُه َّن﴾ :أي َجَر ْح َن نفوسهنَ ،
ّ أعظَ ْمنَهُ يف
العجز أب ْن ََيلق ِمثل هذا اجلمالَ ﴿ ،ما َه َذا ِ الدهشة والذهول الذي أصاهبن)﴿ ،وقُ ْلن ح ِ ِ
اش َّّلل﴾ أي تنزيها هلل تعاَل عن َ ّ َ َ َ َ
ك كرمي من املالئكة( ،وظاهر هذه ك َك ِرمين﴾ أي :ما هذا إال َملَ ن بَ َشارا﴾ أل ّن ْجاله غري َمعهود يف البشر﴿ ،إِ ْن َه َذا إَِّال َملَ ن
ينئذ يف وجود املالئكة). اجلملة أ ّن املصريي كانوا يعتقدون ِح ٍ
َ َ
قوهلن ♦ وقد قال بعض املفسرين يف وصف ِ
إبنكارهن على امرأة العزيز أن يَصل ّ ّ َّه َّن َأرْد َن
لكالمهن ابملَكر :أن ُ
ّ هللا تعاَل َْ ُ
السالم ،وهذا هو ما فعلْته. ّ عليه يوسف ْجال لرؤية تدعوهن
َّ أن يف ا سبب إليها ،فيكون ذلك
ت﴾ امرأة العزيز للنسوة﴿ :فَ َذلِ ُك َّن الَّ ِذي لُ ْمتُن َِّين فِ ِيه﴾ :أي فهذا هو الفىت الذي لُمتُنَّين يف االفتتان به، اآلية ﴿ :32قَالَ ْ
ص َم﴾ :أي امتنع (وهذه شهادةن منها ليوسف عليه السالم ،يف ﴿ولََق ْد راودتُه عن نَ ْف ِس ِه﴾ أي حاو ِ
استَ ْع َ لت فتنته ﴿فَ ْ ُ َ ََْ ُ َ ْ
ابهلل تعاَل)﴿ ،ولَئِن َمل ي ْفعل ما آَمره﴾ به مستقبالا﴿ :لَيسجنَ َّن﴾ ﴿ولَي ُكونَن ِمن َّ ِ ِصدق اعتصامه ِ
ين﴾ أي الذليلي الصاغ ِر َ ََ ْ َ ُْ َ ُ َ َ ْ ْ َ َ ْ َ ُ ُُ
املهاني.
ُ
ِل ِِمَّا يَ ْدعُونَِين
ب إِ َََّح ُّ ابهلل ِمن َش ِرِه َّن ومك ِرِه َّن ﴿ :-ر ِ ِ
الس ْج ُن أ َ
ب ّ َّ ّ َ
اآلية ﴿ :33قَ َال﴾ يوسف عليه السالم -مستعي اذا ِ
ُ
ِ َص ِ ِ ِ
إليهن،
كرهن أَم ْل ّ ب إلَْيه َّن﴾ يعين :إ ْن مل تَصرف عين َم ّ إِلَْيه﴾ من الوقوع يف الفاحشةَ ﴿ ،وإَِّال تَ ْ
ص ِر ْ
ف َع ِّين َكْي َد ُه َّن أ ْ ُ
اهلِي﴾ الذين يرتكبون الذنوب ِجلهلهم بقدرة ِ
هللا تعاَل (فإنين ضعيف عاجز إن مل تَدفع عين السوء)﴿ ،وأَ ُكن ِمن ْ ِ
َ َ َ اجلَ َ َ ْ َ ُ ن
ض ُل لَ ّذة رخيصة عاجلة ،على لَ ّذات ُمتتابعات وشهوات ُمتنوعات فاجلاهل حق ا هو الذي يُ َف ِّ ُ الع ِه عليهم( ،
وعظَمته وا ِطّ ِ
َ
يف جنات النعيم).
7
ت ِمن ِ ف عْنه َكي َده َّن﴾ (أل ّن امرأة العزيز ظَلَّت ُحت ُ ِ
اول فتنته وهو َميتنع ،حىت يَئ َس ْ صَر َ َ ُ ْ ُ اب لَهُ َربُّهُ فَ َ
استَ َج َ
اآلية ﴿ :34فَ ْ
يع﴾ لدعاء يوسف ،ودعاء كل َمن َدعاه﴿ ،الْ َعلِ ُيم﴾ حباجة يوسف إليه، ف هللا عنه َكيدها) ﴿إِنَّه هو َّ ِ
السم ُ ُ َُ وصَر َ ُ
ذلكَ ،
ونِيَّته الصادقة يف االعتصام به من املعاصي.
اآلية ُ ﴿ :35مثَّ بَ َدا َهلُْم﴾ أي ظَ َهَر للعزيز وأصحابه ﴿ ِم ْن بَ ْع ِد َما َرأ َُوا ْاآلَ ََي ِت﴾ أي ِمن بعد ما رأوا األدلة على براءة
ي﴾ :يعين إهنم َعَزموا على أن يَسجنوه فرتة من الزمن ،حىت يَنسى الناس احلادثة ،وال وعفَّته﴿ :لَيَس ُجنُنَّهُ َح َّىت ِح ٍ
يوسف ِ
ْ
كر بينهم (وذلك َم انعا للفضيحة). ِ
يَبقى هلا ذ ن
ٍ ِ السجن فَتَ ي ِاآلية ﴿ :36ودخل معه ِ
ت إليهما ،ف ان﴾ أي خادمان (كاَّن ََيدمان امللك) ،وقد ُحبِ ُسوا بسبب ّتمة ُو ّج َه ْ َ َ ْ ّ ََ َ َ ََُ
َ ِ
أيت يف املنام أّن أعصر عنباا ليَكو َن ََخاراَ ﴿ ،وقَ َال ْاآلَ َخ ُر﴾﴿ :إِِّّن َح ُد َُهَا﴾﴿ :إِِّّن أ ََرِاّن أ َْعص ُر َخَْارا﴾ :يعين إنين ر ُ
﴿قَ َال أ َ
َمح ُل فَ ْو َق َرأْ ِسي ُخْب ازا ََتْ ُك ُل الطَّْي ُر ِمْنهُ﴾ ،مث قاال ليوسف عليه السالم﴿ :نَبِّْئ نَاأَرِاّن﴾ :يعين إنين رأيت يف املنام أّن ﴿أ ِْ
ُ َ
ي﴾ الذين ُُيسنون ُمعاملة الناس. ِِ ِ بِتَأْ ِويلِ ِه﴾ :أي ِ
أخربَّن بتفسري ما رأيناه ،ف ﴿إِ ََّّن نََر َاك م َن الْ ُم ْحسن َ
اآلية ،37واآلية ﴿ :38قَ َال﴾ هلما يوسف عليه السالمَ﴿ :ال ََيْتِي ُك َما طَ َع نام تُ ْرَزقَانِِه إَِّال نَبَّأْتُ ُك َما بِتَأْ ِويلِ ِه﴾ يعين إالَّ
ِ ِ أخربتُكما خبَربه (أو بِو ِ ِ
أثبت هلما كفائته أوالا، صفه) ﴿قَ ْب َل أَ ْن ََيْتيَ ُك َما﴾( ،ونالحظ أنه مل يُ َف ّسر هلما رؤيتهما إال بعد أن َ َْ
ِ ِ
ص ّدقا كالمه عندما ُُيَ ّدثهما عن التوحيد).
وذلك حىت يَثقا فيه ،فبالتاِل يُ َ
﴿ َذلِ ُكما﴾ أي التفسري الذي سأقوله لكما هو ﴿ِِمَّا علَّم ِين رِيب﴾ ،وليس ِمن عند نفسي (وذلك حىت يربط قلوهبما ِ
ابهلل َ َ َ َّ َ
ِ ِ ٍ ت ِملَّةَ قَ ْوٍم﴾ أي
ابتعدت عن دين قوم ﴿َال يُ ْؤمنُو َن ِاب َّّلل﴾ إذ كانوا ُمشر َ
كي ُ تعاَل وليس ابلبشر) ،مث قال هلما﴿ :إِِّّن تَ َرْك ُ
عث وال حساب﴿ ،واتَّب ع ِ ِ هللا غريه﴿ ،وهم ِابْآلَ ِخرِة هم َكافِرو َن﴾ ال يؤمنو َن بب ٍ يعبدو َن مع ِ
ت ملَّةَ آَ َابئي﴾ :أي ات ُ
َّبعت دين َ َْ ُ َ ُ َ ُْ ُ َُْ َ
ّلل ِم ْن َش ْي ٍء﴾ يف عبادته. اق وي ع ُقوب﴾ فعب ْدَّن هللا وحده ،و﴿ما َكا َن لَنا أَ ْن نُ ْش ِرَك ِاب َِّ
َ َ
ِ ِ ِ
آابئي﴿ :إبْ َراه َيم َوإ ْس َح َ َ َ ْ َ ََ َ
ّلل ِمن َشي ٍء﴾ ،أ ّن اِإنسان ََيب أن يرتفع عن فِعل ِ
ِ ِ ِ
الشرك َ ♦ واعلم أنه يُستفاد من هذه اجلملةَ ﴿ :ما َكا َن لَنَا أَ ْن نُ ْشرَك اب َّ ْ ْ
واملعاصي ،فيقول( :ما كان لنا أن نَعصي هللاَ تعاَل وهو ُمطَّلِ نع علينا) ،وكذلك يَُرِّيب أوالده على ذلك ،فيقول هلم( :لَ ْسنا
َنن الذين نَفعل اخلطأِ ،من املمكن أن يفعله غريَّن ،أما َنن فال ُميكن أن نَفعله أبدا) ،فبهذا ينشأ األوالد يف ٍ
بيئة تَكره َ ّ َ ُ ُ
ٍ ِ
ت أحدهم نفسه على فعل شيء خطأ ،قال هلا( :إ ّن ديين وأخالقي ال يَسمحان ِل أن أفعل اود ْ
املعاصي وحتتقرها ،فإذا ر َ
ذلك).
َّاس﴾هللا وحده ابلعبادة -هو ِِمّا تَ َفضَّل هللاُ به ﴿ َعلَْي نَا َو َعلَى الن ِ
اّلل﴾ أي ذلك التوحيد -وهو إفراد ِ ض ِل َِّ
ك ِم ْن فَ ْ ِ
﴿ َذل َ
َ
أرسل هللاُ إليهم الرسل هلدايتهم ،ولكنهم مل يَشكروهُ على نعمته ،ورفضوا اتِّباع ِ ِ
﴿ َولَك َّن أَ ْكثَ َر النَّاس َال يَ ْش ُك ُرو َن﴾ إذ َ
الر ُسل.
ُ
8
السج ِن﴾ :يعين َي صاحيب يف السجن﴿ :أَأَرابب متَ َف ِرقُو َن﴾ :يعين هل ِعبادةُ ٍ
آهلة اآلية ،39واآلية َ﴿ :41ي ِ ِ
َْ ن ُ ّ َّ صاح َِيب ّ ْ
َ َ
ُملوقةُ ،متفرقة هنا وهناك (هذا صنم وهذا كوكب ،هذا إنسان وهذا حيوان ،هذا َشكله كذا وهذا ِص َفته كذا) هل هذا
وعبيده ،وهم حتت قَ ْهره وسلطانه، ﴿خي ر أَِم َّ ِ
اّللُ الْ َواح ُد﴾ يف ذاته وصفاته﴿ ،الْ َق َّه ُار﴾ جلميع ُملوقاته؟ (إذ ال ُكل َخلقه َ َْن
ال يَتحركون إال ِبشيئته وإرادته).
وها﴾ آهلةا ﴿أَنْتُ ْم َوآَ َاب ُؤُك ْم﴾ َجهالا منكم ََسَاءا﴾ ال َمعاّن هلا (وهي األصنام) اليت ﴿ ََسَّْي تُ ُم َ ﴿ َما تَ ْعبُ ُدو َن ِم ْن ُدونِِه إَِّال أ ْ
اّللُ ِهبَا ِم ْن
وضالالا( ،إذ إطالقكم لفظ (إله) على صنم -أو على صورة َمرسومة لكوكب -ال ََيعلها آهلة) ،و﴿ َما أَنْ َزَل َّ َ
ان﴾ :أي ما أنزل هللاُ ُح َّجة بشأهنا تدل على أهنا تستحق العبادة ،أو أهنا تقربكم إَل ربكم كما تزعمون( ،فهي س ْلطَ ٍ
ُ
ِ
ْم إَِّال َّّلل﴾ :يعين ما احلُكم احلق إال هلل تعاَل وحده، ِ ِ بصر ،وال تنفع وال تضر)﴿ ،إِ ِن ْ مصنوعة أبيديكم ال تَسمع وال تُ ِ
احلُك ُ
ين الْ َقيِّ ُم﴾ أي الدين املستقيم الذي ال ِع َو َج فيه ِ ِ
ك﴾ هو ﴿ال ّد ُ وقد ﴿أ ََمَر﴾ أي َح َك َم ﴿أََّالتَ ْعبُ ُدوا إَِّال إِ ََّيهُ﴾َ ﴿ ،ذل َ
َّاس َال يَ ْعلَ ُمو َن﴾ (إذ َج ْهلهم ِبَعرفة رهبم احلق -الذي َخلَقهم َورَزقهم ويُ َدبِّر حياّتم -هو الذي جعلهم ﴿ َولَ ِك َّن أَ ْكثَ َر الن ِ
يَعبدو َن ما يَصنعون).
َح ُد ُك َما فَيَ ْس ِقي َربَّهُ َخَْارا﴾ :يعين َّأما الذي رأى أنه يَعصر العنب ،فإنه سيَخرج اآلية َ﴿ :41ي ِ ِ
الس ْج ِن﴾﴿ :أ ََّما أ َ
صاح َِيب ّ
َ َ
ب﴾ أي سيُقتَل صلَ ُ
خبزا﴿ :فَيُ ْ
للملكَ ﴿ ،وأ ََّما ْاآلَ َخ ُر﴾ الذي رأى أنه َُيمل على رأسه ا من السجن ويكون ساقي اخلمر َ
ض َي ْاأل َْم ُر﴾ أي ُح ِك َم يف األمر ﴿الَّ ِذي فِ ِيه
وهو مصلوب على خشبة ،مث ي ْرتك ﴿فَتَأْ ُكل الطَّي ر ِمن رأْ ِس ِه﴾ ﴿قُ ِ
ُ ُْ ْ َ ُ َ ن
تَستَ ْفتِي ِ
ان﴾.ْ َ
♦ ويستفاد من اآلَيت السابقة أ ّن يوسف عليه السالم قد اغتنم فرصة سؤال ال َفتيان له ،يف أن يدعوَها أوالا إَل ِ
هللا َ َ ُ
شخص ما ،وحكى لهن حبيث إذا جاءه
أجاب طلبهما ،وهلذا يَنبغي لْلنسان أن يَغتنم هذه الفرصُ ، َ تعاَل ،مث بعد ذلك
شكلة تُواجهه ،فعليه أن يسأله أوالا( :هل أنت تصلي أو ال؟) ،فإذا كان ال يصلي ،فعليه أن يقول له( :إذا هذا هو م ِ
ُ
ِ ِ
ك أبدا ،فعليك أن تُصلح حالك مع هللا أوالا) ،مث بعد ذلك ِ
كنت قريبا من هللا تعاَل ،ما َخ َذلَ َ
سبب املشكلة ،ألنك لو َ
يُعِينه على حل مشكلته ،فبذلك يَستجيب.
ِِ ِ
♦ وكذلك يُستفاد من قوهلما له﴿ :إِ ََّّن نََر َاك م َن الْ ُم ْحسن َ
ي﴾ أنه يَنبغي لْلنسان أن يكون قدوةا للناس قبل أن يَدعوهم
إَل هللا.
يوسف أنه سيَخرج من السجن :- ُ اآلية َ ﴿ :42وقَ َال﴾ يوسف ﴿لِلَّ ِذي ظَ َّن أَنَّهُ ََّن ٍج ِمْن ُه َما﴾ -وهو الفىت الذي َعلِ َم
ِ ِِ ِ ﴿اذْ ُك ْرِّن ِعْن َد َربِّ َ
ك﴾ :أي اذكرّن عند سيدك املَلك وأخربه أبنين َمظلوم﴿ ،فَأَنْ َساهُ الشَّْيطَا ُن ذ ْكَر َربّه﴾ :يعين َ
أنسى
السج ِن بِ ْ ِ ِِ حال يوسف﴿ ،فَلَبِ َ
ث يوسف يف السجن ي﴾ :أي َم َك َ ض َع سن َ ث ِيف ّ ْ للملك َ الشيطا ُن ذلك الرجل أن يَذكر َ
ضعِ :من ثَالُ إَل تِسع ،وقيلِ :من ثَالُ إَل َع ْشر ،وهللاُ أعلم). عدة سنوات (واعلم أ ّن البِ ْ
9
ِ ِِ
يوسف عليه السالمَ ♦ وقد قال بعض املُفسرين يف قوله تعاَل﴿ :فَأَنْ َساهُ الشَّْيطَا ُن ذ ْكَر َربّه﴾ يعين (إ ّن الشيطان أ َ
َنسى
استدلُّوا هبذا احلديث:
التفت بقلبه إَل اخلادم وامللَك ،فعاقبه هللاُ ابلبقاء يف السجن بضع سني) ،مث َ َ ِذ ْكَر ربّه تعاَل ،حيث
َ
حيث يَبتغي الفرج ِمن عند غري هللا(،
ُ ث، ِبل
َ ما طول السجن يف ث
َ ِ
بل
َ ما (لو مل يقل -يعين يوسف -الكلمة اليت قال،
ذكرت هذا القول ِمن ابب األمانة العلمية فقط ،وإالَّ ،فإ ّن احلديث املذكور ضعيف جدا ،وكذلك فإ ّن ُ واعلم أنين قد
يوسف عليه السالم مل يرتكب خطأا ،ولكنه أخ َذ أبسباب النجاة ،وهذا ال يتعارض أبدا مع التوكل على ِ
هللا تعاَل ،وال َ َ َ
يَتعارض مع أ ّن يوسف عليه السالم كان يدعو ربه قبل أن يقول هذه اجلملة ،ولكنه اغتنم فرصةا قد ال تتكرر ،وهللاُ أعلم.
صاحيب يوسف -وعاد إَل خدمةَ اآلية ،45واآلية َ ﴿ :46وقَ َال الَّ ِذي َجنَا ِمْن ُه َما﴾ أي الذي َجنا من السجن ِ -من
تذكر بعد ُم ّدة -وهي البِضع سني اليت َم َكثها يوسف يف السجن -فتذ ّكر أ ّن يوسف امللكَ ﴿ ،و َّاد َكَر بَ ْع َد أ َُّم ٍة﴾ :أي َّ
ي ََف ِسر الرؤى ،فقال هلم﴿ :أَ ََّن أُنَبِئُ ُكم بِتَأْ ِويلِ ِه فَأَرِسلُ ِ
ون﴾ :يعين أَّن أخربكم بتفسري هذه الرؤَي ،فابعثوّن إَل يوسف آلتيكم ْ ّ ْ ُ ّ
بتفسريها.
"أمة "َييت أحياَّنا ِبعىنْ( :جاعة من الناس) ،وَييت أحياَّنا ِبعىن( :فرتة من الزمن) ،واعلم أيض ا أ ّن كلمة
♦ واعلم أ ّن لفظ َّ
(تذكر) ولكن أ ِ
ُدغ َمت التاء يف الذال فصارت( :ا ّد َكر). (ا ّد َكر) أصلهاَّ :
ْ
الصدق -وقد رأى ذلك منه يف السجن الص ِّديق﴾ أي كثري ِ ِ
ف أَيُّ َها ّ ُ وس ُ
♦ وعندما وصل الرجل إَل يوسف قال له﴿ :يُ ُ
ات َِس ٍ
ان ََيْ ُكلُ ُه َّن َسْب نع ِع َج ن ٍ ِ
َيكلهن سبع بقرات ََنيالت
ّ اف﴾ أي -فقال له﴿ :أَفْتنَا ِيف﴾ تفسري رؤَي ل ﴿ َسْب ِع بَ َقَر َ
اس﴾ أي إَل امللكات﴾ ﴿لَ َعلِّي أ َْرِج ُع﴾ يعين لِ َكي أرجع ﴿إِ ََل النَّ ِ ض ٍر وأُخر َيبِس ٍ
َ َ َ َ َ َهزيالتَ ﴿ ،و َسْب ِع ُسْن بُ َال ٍت ُخ ْ
َ
ك عنه ،فيَنتفعوا به ويَعلموا َمكانتك وفضلك. وأصحابه فأُخربهم ﴿لَ َعلَّ ُه ْم يَ ْعلَ ُمو َن﴾ أي ليَعلموا تفسري ما سألتُ َ
1
0
من احلبوب يف كل َحصاد ،فهذه ال تَدَّخروها ،بل اعطوها للناس حىت َيكلوها (ولتكن قليلة ،ليَكثُر ما تَدَّخرونه ويَعظُم
ك﴾ أي سيأيت ِمن بعد هذه السني ﴿ َسْب نع ِش َد ناد﴾ :أي سبع سني شديدة اجلفاف ِ ِ
نَفعه)ُ ﴿ ،مثَّ ََيِْيت ِم ْن بَ ْعد َذل َ
صنُو َن﴾ :يعين إال قليالا ِما حتفظونه ﴿َيْ ُك ْلن ما قَ َّدمتُم َهل َّن﴾ :أي َيكل أهلها كل ما َّادخرَتوه هلم ﴿إَِّال قَلِ ايال ِِمَّا ُْحت ِ
َ َ َ َ ْْ ُ
بذورا للزراعة فيما بعد )فهذه ال تُعطوها للناس ليأكلوها ،بل َّاد ِخروها للبَذر واحلاجة). وتَدَّخرونه ليَكون ا
ِ
ِ ِ ِ
عام
َّاس﴾ أي :مث سيأيت من بعد سنوات اجلفاف :ن ك َع نام ف ِيه يُغَ ُ
اُ الن ُ اآلية ،49واآلية ُ ﴿ :51مثَّ ََيِْيت ِم ْن بَ ْعد َذل َ
يغيثهما هللا فيه ابملطر والسيول وجرَين النيل ،فريفع عنهم تلك الشدة﴿ ،وفِ ِيه ي ع ِ
ص ُرو َن﴾ يعين :ويف هذا العام يَعصرون َ َْ َ ََ ُ ُ
ِ
الثمار اليت ُميكن عصرها -كالزيتون والعنب وقصب السكر -وذلك من كثرة الثمار واحلبوب ،وزَيدّتا على أ ْكلهم. ِ
وعبَّ َر عن البقرات ♦ فبذلك ع َّرب يوسف عليه السالم عن البقرات السمينات والسنبالت اخلضر (أبهنن سنو ِ
ات خصبة)َ ،
ن ّ ُ ُ َ َ
اهلزيالت والسنبالت اليابسات (أبهنن سنوات ٍ
قحط وجفاف). ُ ّ ُ َ
♦ فلَ َّما ذهب الرجل إَل امللك :أعجبه تفسري الرؤَي ،وعرف ما تدل عليه ،فأر َاد إكرام يوسف عليه السالم ،لِ َما ظَ َهَر له
ِ َ
ك﴾ ألعوانه: من العلم والكمال والفضل على أهل مصر (يف سنوات اجملاعة اليت ستأيت عليهم) ،قال تعاَلَ ﴿ :وقَ َال الْ َمل ُ
فلما جاءه ول﴾ أي َّ الر ُس ُ ﴿ائْ تُ ِوّن بِِه﴾ :أي أخ ِرجوا الرجل الذي ف َّسر الرؤَي من السجن و ِ
أحضروهُ ِل﴿ ،فَلَ َّما َجاءَهُ َّ َ
ِ ِ ِ
الالِيت
اسأَلْهُ َما َاب ُل النّ ْس َوة َّك﴾ :أي ارجع إَل سيدك املَلك ﴿فَ ْ رسول امللك يدعوه﴿ :قَ َال﴾ له يوسفْ ﴿ :ارج ْع إِ ََل َربِّ َ
ُ
َ
أيديهن عن حقيقة ْأم ِرِه ّن معي ،حىت تَظهر احلقيقة ّ قَطَّ ْع َن أَيْ ِديَ ُه َّن﴾ :أي اطلب منه أن يَسأل النسوة الاليت َجَر ْح َن
ِ ِِ ِ ِ
أفعاهلن ،ال ََيفى
نيعهن و ّ بص ّ للجميع ،وتتضح براءيت﴿ ،إ َّن َرِّيب ب َكْيده َّن َعل نيم﴾ :يعين إ ّن ريب -سبحانه وتعاَل -ن
عليم َ
عليه شيءن من ذلك.
1
1
ئ نَ ْف ِسي﴾ من املحاولة وال َكيد﴿ ،إِ َّن ♦ وملَّا كان هذا الكالم فيه نوع من تزكية النفس ،فإهنا عادت تقولَ ﴿ :وَما أُبَِّر ُ
ُ لس ِ
وء﴾ :يعين إ ّن النفس لَكثرية األمر لصاحبها بعمل املعاصي ﴿إَِّال َم َارِح َم َرِّيب﴾ :يعين إال َمن عصمه س َأل ََّم َارةن ِاب ُّ
النَّ ْف َ
ور﴾ لذنوب َمن اتب ِمن عبادهَ ﴿ ،رِح نيم﴾ هبم ،حيث َج َع َل التوبة جناةا ِ
وهواه﴿ ،إ َّن َرِّيب َغ ُف ن
هللا ،فأعانه على ُُمالفة نفسه َ
هلم.
*********************
1
2
.3الربع الثالث من سورة يوسف
اآلية ﴿ :54وقَ َال الْملِك﴾ (احلاكم ملصر) -عندما عرف براءة يوسف وأمانته وحسن خلقه ﴿ :-ائْ ت ِوّن بِِه أ ِ
صهُ
َستَ ْخل ْ
ْ ُ ُ ُ َ َ ُ َ
فلما جاء يوسف وَكلَّمه امللك﴿ :قَ َال﴾ له
بي ِل ،ومن أهل َمشوريت﴿ ،فَلَ َّما َكلَّ َمهُ﴾ يعينَّ :ِ
َ لِنَ ْف ِسي﴾ أي أجعله من امل َّ
قر ِ
َ َّك الْي وم لَ َدي نَا ُم ِكي أ ِ
ي﴾ :يعين إنك اليوم عندَّن عظيم املكانة ،ومؤَتَن على كل شيء. امللك﴿ :إِن َ َ ْ َ ْ َ ن ن
َم
َ َ
ض﴾ :أي اجعلين أتوَل شؤون خزائن "مصر" (وهو ما اج َع ْل ِين َعلَى َخَزائِ ِن ْاأل َْر ِ
للملكْ ﴿ : اآلية ﴿ :55قَ َال﴾ يوسف َ
ظ﴾ أي أميَ ﴿ ،علِ نيم﴾ أي ذو ِعل ٍم وبصرية ِبا أتواله( ،وقد طلب يوسف عرف يف عصرَّن ب (وزير املالية))﴿ ،إِِّّن َح ِفي ن يُ َ
عليه السالم ذلك ألنه أراد أن يَنفع العباد ،وأن يُقيم العدل بينهم).
ِ ِ
ض﴾ يعين :وكما أنعمنا على يوسف ابلنجاة من السجن، ف ِيف ْاأل َْر ِوس َك َم َّكنَّا ليُ ُ
اآلية ،56واآلية َ ﴿ :57وَك َذل َ
ث ي َشاء﴾ :أي ينزل ويسكن يف أي ٍ ِ َّ
مكان شاءه منها (وذلك بعد أن ّ َ َ فكذلك َمكنَّا له يف أرض "مصر" ﴿يَتَ بَ َّوأُ مْن َها َحْي ُ َ ُ
ِ ٍ ِ ِ ِ
ت ُك َّليب بَِر ْمحَتنَا َم ْن نَ َشاءُ﴾ -وقد قال تعاَل يف آية أخرىَ ﴿ :وَر ْمحَِيت َوس َع ْ
كان يف ظالم البئر وضيق السجن)﴿ ،نُص ُ
ِ ِِ ِ
اّلل قَ ِر ِ ِ ِِ ٍ
َجَريع أ ْ
ي﴾ ،وهلذا قال بعدهاَ ﴿ :وَال نُض ُ ين يَتَّ ُقو َن﴾ ،وقال أيض ا﴿ :إ َّن َر ْمحَةَ َّ ن
يب م َن الْ ُم ْحسن َ َش ْيء فَ َسأَ ْكتُبُ َها للَّذ َ
ِِ ي﴾ ﴿وَأل ْ ِ ِ ِِ
َج ُر ْاآلَخَرة﴾ أي ثواهبا ونعيمها ﴿ َخْي نر للَّذ َ
ين آَ َمنُوا َوَكانُوا يَتَّ ُقو َن﴾ أي خرين هلم من متاع الدنيا القليل الْ ُم ْحسن َ َ
الزائل.
حضروا منها الطعام -وذلك بعد أن نزل اآلية ،58واآلية ،59واآلية ﴿ :61وجاء إِخوةُ يوسف﴾ إَل "مصر" لي ِ
ُ َ َ َ َْ ُ ُ َ
القحط واجلفاف يف أرضهم ﴿ -فَ َد َخلُوا َعلَْي ِه﴾ أي على يوسف ﴿فَ َعَرفَ ُه ْم﴾ ﴿ َوُه ْم لَهُ ُمْن ِك ُرو َن﴾ أي :ولكنهم مل يَعرفوه
وحسن ضيافتهم). ِ
غري هيئته( ،وقد َأمَر يوسف عليه السالم فتيانه إبكرام إخوته ُ لطُول املدَّة ولِتَ ُّ
ُ
أخ ا ِمن أبيهم مل ُُيضروه ِ ِ
﴿ َولَ َّما َج َّهَزُه ْم ِبَ َها ِزه ْم﴾ :يعين عندما أعطاهم الطعام الذي طلبوه -وكانوا قد أخربوه أ ّن هلم ا
َخ لَ ُك ْم ِم ْن أَبِي ُك ْم﴾ :أي ائتوّن أبخيكم الذي ِمن معهم (وهو شقيقه "بنيامي") -ف ﴿قَ َال﴾ هلم يوسف﴿ :ائْ تُ ِوّن ِأب ٍ
ِ َّن أ ِ
ي﴾ :يعين :وأَّن خريأوفيت لكم ال َكيل وأكرمتكم ﴿ َوأَ ََّن َخْي ُر الْ ُمْن ِزل َ ُويف الْ َكْي َل﴾ :يعين أمل تروا أّن ُ أبيكم﴿ ،أََال تَ َرْو َن أِّ
ِِ ِ
طعام أعطيه لكم بعد ذلكَ ﴿ ،وَال املُضيفي لكم؟﴿ ،فَِإ ْن َملْ ََتْتُ ِوّن بِه فَ َال َكْي َل لَ ُك ْم عْندي﴾ أي فليس لكم عندي ن
إِل مرة أخرى إن مل َتتوّن أبخيكم.ون﴾ :أي ال َتتوا َّ تَ ْقرب ِ
َُ
ِ ِ
اآلية ﴿ :61قَالُوا َسنُ َرا ِو ُد َعْنهُ أ ََابهُ﴾ أي سنَبذل جهدَّن ِإقناع أبيه أن يُرسله معنا ﴿ َوإِ ََّّن لََفاعلُو َن﴾ يعين :ولن نُ ّ
قصر يف
ذلك.
1
3
ِ ِ ِِ
اعتَ ُه ْم﴾ :أي ضعوا ََثَن بضاعتهم -وهي الدراهم اليت ضَ اج َعلُوا بِ َ
اآلية َ ﴿ :62وقَ َال لفْت يَانه﴾ أي قال يوسف لعُ ّمالهْ ﴿ :
اشرتوا هبا الطعام ِمنَّا ِ﴿ -يف ِر َحاهلِِ ْم﴾ :أي ضعوها يف أمتعتهم ِسّرا ﴿لَ َعلَّ ُه ْم يَ ْع ِرفُونَ َها إِ َذا انْ َقلَبُوا﴾ أي إذا رجعوا ﴿إِ ََل
ِ ِ ِ
طمعا يفأ َْهل ِه ْم﴾ ليَعلموا أننا مل أنخذ منهم ََثَن الطعام فيُق ّدروا إكرامنا هلم ﴿لَ َعلَّ ُه ْم يَ ْرجعُو َن﴾ :أي َلريجعوا لنا مرة أخرى ا
عطائنا.
اعتَ ُه ْم ِيف ِر َحاهلِِ ْم﴾ ُُ -ي َتمل أن يكون َمعناهاَ(َ :ثَن ضَ اج َعلُوا بِ َ
♦ واعلم أ ّن كلمة (بضاعتهم) -املذكورة يف قولهْ ﴿ :
بضاعتهم ،وهي الدراهم اليت اشرتوا هبا الطعام من يوسف) ،كما ُُي َتمل أن يكون َمعناها( :البضاعة اليت جاءوا هبا ِمن
بادلة) ،وهللاُ أعلم. عرف بنظام (املُ َ بلدهم -كالتمر وَنوه -ليأخذوا مكاهنا سائر الطعام من مصر) ،وهو ما كا َن يُ َ
اآلية ﴿ :63فَلَ َّما َر َجعُوا إِ ََل أَبِي ِه ْم﴾َ ،حكوا له ما كا َن من إكرام العزيز هلم ،و﴿قَالُوا﴾ لهََ ﴿ :ي أ ََاب ََّن ُمنِ َع ِمنَّا الْ َكْي ُل﴾:
اَّن﴾ " -بنيامي" ﴿ -نَكْتَ ْل﴾: َخ َ ِ
يعين إنه لن يُعطينا ُمستقبَالا إال إذا كان معنا أخوَّن الذي أخربَّنه به﴿ ،فَأ َْرس ْل َم َعنَا أ َ
أي َُنضر لكم طعاما كثريا (ألنه سيَزيد لنا ال َكيل بسبب وجود "بنيامي")َ ﴿ ،وإِ ََّّن لَهُ َحلَافِظُو َن﴾ أي :وَنن نَتعهد لك
حبفظه.
دار بينهم وبي أبيهم -قبل أن يَفتحوا أمتعتهم اليت أحضروا هبا الطعام من مصر، ♦ وقد كان هذا احلديث -الذي َ
ِ
ت إِلَْي ِه ْم﴾ :أي وجدوا َدراَههم اليت دفعوها اعتَ ُه ْم ُرَّد ْ
ضَ اع ُه ْم﴾ :يعين عندما فتحوا أَوعيَتهمَ ﴿ :و َج ُدوا بِ َ ﴿ َولَ َّما فَتَ ُحوا َمتَ َ
ِِ ِ
ت إِلَْي نَا﴾ :أي
اعتُنَا ُرَّد ْ
ضَ رجعت إليهم ،ف ﴿قَالُوا ََي أ ََاب ََّن َما نَْبغي﴾ يعين ماذا نطلب أكثر من هذا الكرم؟ ﴿ َهذه بِ َ ْ قد
أرسله معنا نَذهب به إَل مصر هذا ََثَن بضاعتنا رَّده العزيز إلينا لننتفع به يف معاشنا ،ف ُكن مطمئن ا على "بنيامي" و ِ
َ
اَّن﴾ -أثناء سفره معنا ِ -من كل مكروه ﴿ َونَ ْزَد ُاد﴾ -بوجوده َخ َظأَ وفريا ألهلنا ﴿ َوََْن َف ُ
طعاما ا
ِ
﴿ َوَمنريُ أ َْهلَنَا﴾ :أي َُنضر ا
ِ
معنا -طعام ا ِمقدارهَ ﴿ :كْي َل بَعِ ٍري﴾ (وهو ما يَستطيع أحد اِإبل أن َُيمله) ،فإ ّن العزيز يَكيل للفرد الواحدِ ( :محْل أحد
ك َكْي نل يَ ِسرين﴾ عليه ،لِغِناهُ وسعة ُملكه. ِ
اِإبل) ،و ﴿ َذل َ
1
4
اح ٍد﴾ يعين إذا دخلتم أرض "مصر" فال تدخلوا كلكم ِمن ٍ
ابب واحد، اآلية ﴿ :67وقَ َال َي ب ِين َال تَ ْدخلُوا ِمن اب ٍب و ِ
َ َ َ َّ
ُ ْ َ َ
اّلل ِم ْن َش ْي ٍء﴾ يعين :وإنين -
اب مت َف ِرقٍَة﴾ (حىت ال تصيبكم العي لِ َكثرتكم)﴿ ،وما أُ ْغ ِين عْن ُكم ِمن َِّ
َ ْ َ ََ َ
ٍ ِ
﴿ َو ْاد ُخلُوا م ْن أَبْ َو َُ ّ
ّلل﴾ :يعين فما احلكم إال ِ
هلل وحده، احلكْم إَِّال َِِّ ِِ
ُ هبذا الذي أوصيكم به -ال أدفع عنكم شيئاا قضاهُ هللاُ عليكم﴿ ،إن ُْ ُ
قت ﴿ َو َعلَْي ِه فَ ْليَ تَ َوَّك ِل الْ ُمتَ َوّكِلُو َن﴾ أي :وعليه وحده فليَعتمد املؤمنون يف كلووثَ ُ
اعتمدت َ
ُ ت﴾ :أي عليه ِ
﴿ َعلَْيه تَ َوَّك ْل ُ
أمورهم( ،وإمنا َأمَرهم أبوهم أن َيخذوا ابألسباب اليت َُيفظهم هللاُ هبا -وهي الدخول من أبواب متفرقة -حىت ال يكون
هللا تعاَل -مث االعتماد على ِ
هللا صرا يف األخذ ابألسباب ،وهذا من َتام التوكل :األخذ ابألسباب -امتثاالا ألمر ِ ِ
ُم َق ّ
وحده وليس على السبب ،أل ّن كل ٍ
شيء بيد هللا).
1
5
♦ وهنا قد يقول قائل :كيف يَصفهم سبحانه أبهنم ُمتوكلون ،مث َيمرهم ابلتوكل عندما قالَ ﴿ :و َعلَْي ِه فَ ْليَ تَ َوَّك ِل
الْ ُمتَ َوّكِلُو َن﴾؟
واجلواب :أ ّن هذا كقوله تعاَلَ﴿ :ي أَيُّها الَّ ِذين آَمنُوا آَِمنُوا﴾ ،أي ِ
استمُّروا على إميانكم واعملوا على زَيدته (وذلك َ َ َ َ
ابِإكثار من فِعل الطاعات) ،فكما أ ّن اِإميان يَزيد ويَنقص ،فكذلك التوكل يَزيد ويَنقص (حبسب احلالة اِإميانية
هللا تعاَل :فليتوكل على ِ
هللا وُيتمل أيض ا أن يكون املعىن( :من كان متوكالا -أي معتمدا -على غري ِ
ُ َ للشخص)َ ُ ،
وحده).
اّلل ِم ْن َش ْي ٍء﴾:
اب متفرقة ﴿ :-ما َكا َن ي ْغ ِين عْن هم ِمن َِّ
ُ َ ُْ َ َ
وهم﴾ -أي ِمن أبو ٍ اآلية َ ﴿ :68ولَ َّما َد َخلُوا ِم ْن َحْي ُ
ث أ ََمَرُه ْم أَبُ ُ ْ
اجةا ِيف نَ ْف ِ ِ ِ
اها﴾ أي :ولكنه كا َن خوفا يف نفس يعقوب ضَوب قَ َ
س يَ ْع ُق َ أي ما كان ذلك ليَدفع قضاءَ هللا عنهم﴿ ،إَّال َح َ
ِ ِ ِ ِ
عليهم من أن تصيبهم العيَ ﴿ ،وإِنَّهُ لَ ُذو ع ْل ٍم ل َما َعلَّ ْمنَاهُ﴾ :يعين إ ّن يعقوب لَصاحب عل ٍم عظيم ْ -
أبمر دينه َ -علَّ َمهُ
َّاس َال يَ ْعلَ ُمو َن﴾ أي ال يَعلمو َن عواقب األمور ودقائق األشياء ،وكذلك ال يَعلمو َن ما هللاُ له ابلوحيَ ﴿ ،ولَ ِك َّن أَ ْكثَ َر الن ِ
يعلمه يعقوب ِمن صفات ِ
هللا تعاَل. َ
ِ
ض َّم إليه شقيقه بنيامي، َخاهُ﴾ :أي َ ف﴾ يف َمنزل ضيافته ومعهم شقيقه﴿ :آََوى إِلَْيه أ َ
وس َ
اآلية َ ﴿ :69ولَ َّما َد َخلُوا َعلَى يُ ُ
س ِِبَا َكانُوا يَ ْع َملُو َن﴾ :أي ال ِ ِ ِ
وك﴾ (و َأمَرهُ بكتمان ذلك عن إخوته) ،وقال له﴿ :فَ َال تَْب تَئ ْ و﴿قَ َال﴾ له سّرا﴿ :إِِّّن أَ ََّن أ ُ
َخ َ
ضى. حتزن ِبا صنعوه يب فيما َم َ
ِ
الس َقايَةَ ِيف َر ْح ِل ِ ِ ِِ
اآلية ﴿ :71فَلَ َّما َج َّهَزُه ْم ِبَ َهازه ْم﴾ :يعين عندما َمحَّل يوسف إبلَهم ابلطعام الذي ُيتاجونهَ ﴿ :ج َع َل ّ
ض َع اِإَّنء -الذي كان يَكيل به للناس -يف متاع بنيامي (دو َن أن يَشعر أحد)ُ ﴿ ،مثَّ﴾ -عندما ركبوا ِِ
أَخيه﴾ :أي َو َ
حملة ابلطعام ﴿إِنَّ ُك ْم ليسريوا ﴿ :-أَذَّ َن مؤِذّ نن﴾ :أي َّندى م ٍ
ناد﴿ :أَيَّتُ َها الْعِريُ﴾ :يعين َي أصحاب هذه القافلة امل َّ
ُ ُ َُ
لَ َسا ِرقُو َن﴾.
اآلية ﴿ :74قَالُوا﴾ أي قال امل َكلَّفون ابلبحث عن املكيال ِ -إخوة يوسف ﴿ :-فَ َما َجَز ُاؤهُ﴾ :يعين ما هي عقوبة
ِ ُ
ي﴾ يف قولكم( :لسنا بسارقي؟). السارق عندكم ﴿إِ ْن ُكْن تُ ْم َكاذبِ َ
اآلية ،75واآلية ﴿ :76قَالُوا﴾ أي قال إخوة يوسفَ ﴿ :جَز ُاؤهُ﴾ أي جزاء السارق يف شريعتنا :أنه ﴿ َم ْن ُوِج َد﴾ املكيال
ك﴾ :أي ِبِثل هذا اجلزاء ِ ﴿ِيف َر ْحلِ ِه فَ ُه َو َجَز ُاؤهُ﴾ أي يُ َسلَّم السارق إَل َمن َسَرق منه ،حىت يكو َن ا
عبدا عنده ،و﴿ َك َذل َ
ِِ
ي﴾ أي السارقي( ،واعلم أ ّن معىن قوله تعاَل﴿ :فَ ُه َو َجَز ُاؤهُ﴾ عامل السارق معاملة العبيد َْ ﴿ -جن ِزي الظَّالم َ
-وهو أن يُ َ
أي فنفسه هي جزاء سرقته ،أبن تُستَعبَد).
َخ ِيه﴾؛ وذلك نادي ومعه إخوة يوسف ،فقام يوسف بتفتيش أمتعتهم بنفسه ﴿فَب َدأَ ِأبَو ِعيتِ ِهم قَبل ِوع ِاء أ ِ ♦ فرجع امل ِ
َ ْ َ ْ َْ َ
ف﴾ :أي كذلك يَ َّسرَّن وس يَخ ِيه﴾َ ﴿ ،ك َذلِك كِ ْد ََّن لِ
َ إحكاما لِماُ دبَّره ،حىت يستبقي أخيه معه ﴿ ُمثَّ استَخرجها ِمن ِوع ِاء أ ِ
ُ ُ َ ْ َْ َ َ ْ َ َ ا َ َ
ك﴾ :أي ما كان يستطيع أن َيخذ ِ ِ ِ
توصل به ألخذ أخيه ،و﴿ما َكا َن ليأْخ َذ أَخاه ِيف دي ِن الْمل ِ ليوسف هذا التدبري الذي َّ
َ َ ُ َُ َ
أخاه عن طريق االحتكام إَل َملِك مصر -ألنه ليس من شريعة امللك أن يَتملَّك السارق ،ولكنه كان يَضرب السارق
اّلل﴾ :يعين إال أ ّن مشيئةَ َِ ِ ِ
هللا قد اقتضت هذا التدبري واالحتكام إَل شريعة إخوة َ ويُغَِّرمه ِبثل ما َسَرق ﴿ -إَّال أَ ْن يَ َشاءَ َُّ
أبخذ السارق ومعاملته َك َعبد. فحكموا ْ يوسفَ ،
ات َم ْن نَ َشاءُ﴾ :أي نرفع َمنازل َمن نشاءُ ِمن عبادَّنَ ﴿ ،وفَ ْو َق ُك ِّل ِذي ِع ْل ٍم
♦ وكما رفعنا منزلة يوسف﴿ :نَرفَع درج ٍ
ْ ُ ََ َ َ
هللا تعاَل عامل الغيب والشهادة. َ َ َعلِ نيم﴾ يعينَ :
وفوق كل صاحب ِعل ٍم من هو أعلم منه ،حىت ينتهي العِلم إَل ِ
*********************
1
7
.4الربع الرابع من سورة يوسف
ِ
ب يف اآلية ﴿ :77قَالُوا﴾ أي قال إخوة يوسف﴿ :إ ْن يَ ْس ِر ْق﴾ :يعين إ ْن كا َن "بنيامي" قد سرق مكيال املَلك ،فال َع َج َ
أَيم ِصغَ ِره ،فقد قيل -وهللاُ أعلم -إنه َسَر َق ِ
َخ لَهُ م ْن قَ ْب ُل﴾ (يَقصدون بذلك يوسف عليه السالم َ ذلك ﴿فَ َق ْد َسَر َق أ ن
ابهلل تعاَل، صنما أليب أ ُِمه فكسره حىت ال يعبده) ،فإ ْن كا َن ذلك قد حدُ ،فهذه ليست سرقة ،بل هو هني عن ِشرٍك ِ
ن َ ّ
ف ِيف نَ ْف ِس ِه َوَملْ يُْب ِد َها َهلُْم﴾ :أي َكتَ َم يوسف يف نفسه هذه التهمة وكظم غيظه ،و﴿قَ َال﴾ يف نفسه: وس ُ َسَّرَها يُ ُ
﴿فَأ َ
اّللُ أ َْعلَ ُم ِِبَا ِ
اَّن﴾ :يعين أنتم أسوأُ َمنزلةا ِمّن اّتمتموه -كذابا -ابلسرقةُ ،
حيث َدبَّرمت ِل ما كا َن منكم ﴿ َو َّ ﴿أَنْتُ ْم َشٌّر َم َك ا
ص ُفو َن﴾ أي حبقيقة ما تَذكرون. تَ ِ
في يوسف لِيُوفوا بعهد أبيهم ََ ﴿ :-ي أَيُّ َها الْ َع ِز ُيز إِ َّن لَهُ أ اَاب َشْي اخا َكبِ اريا﴾ :يعين إ ّن له و ا
الدا ِ
اآلية ﴿ :78قَالُوا﴾ ُ -مستعط َ
ِِ ِ
ي﴾ يف معاملتك لنا ولغريَّن. َح َد ََّن َم َكانَهُ﴾ ﴿إِ ََّّن نََر َاك م َن الْ ُم ْحسن َ
كبريا يف السنُُ ،يبه وال يطيق بُعده ﴿فَ ُخ ْذ أ َ
ا
أحدا غري
ابهلل أن أنخذ ا اآلية ﴿ :79قَ َال﴾ هلم يوسف﴿ :معا َذ َِّ
اّلل أَ ْن َأنْخ َذ إَِّال من وج ْد ََّن متاعنا ِعْن َده﴾ :أي نعوذ ِ
ُ َ ْ َ َ َ َ ََ ُ ََ
الذي وجدَّن املكيال عنده﴿ ،إِ ََّّن إِ اذا لَظَالِ ُمو َن﴾ إ ْن فَ َعلنا لكم ما تطلبون.
انفردوا عن الناس، اآلية ﴿ :81فَلَ َّما استَ ي ئسوا ِمْنه﴾ :يعين عندما يئِسوا من إجابة يوسف لِطَلبهم﴿ :خلَ ِ
صوا َجنيًّا﴾ :أي َ َ ُ َ ْ َْ ُ ُ
َن أَاب ُكم قَ ْد أَخ َذ علَي ُكم موثِاقا ِمن َِّ ِ
اّلل﴾ أي أخذ َ َ ْ ْ َْ َ وأخذوا يَتشاورو َن فيما بينهم ،ف ﴿قَ َال َكبريُُه ْم﴾ يف السن﴿ :أََملْ تَ ْعلَ ُموا أ َّ َ ْ
ومن قبل هذا عليكم العهد املؤكد أبنكم لَتَ رُّد َّن إليه أخاكم إال أن َّتلكوا ْجيعا﴿ ،وِمن قَبل ما فَ َّرطْتُم ِيف يوسف﴾ يعينِ :
ْ ُ ُ َ َ ْ ُْ َ ُ
ض﴾ :أي لن أفارق أرض "مصر" ﴿ َح َّىت ََيْ َذ َن ِِل أَِيب﴾ يف كان تقصريكم يف يوسف و َغ ْدركم به؛ لذلك ﴿فَلَ ْن أَبْ َر َح ْاأل َْر َ
ي﴾ أي: اّلل ِِل﴾ :يعين أو يقضي ِل ريب ابخلروج منها ،وأَتَ َّكن ِمن أَخ ِذ أخي﴿ ،وهو خي ر ْ ِ ِ
احلَاكم َ َ َُ َُْ ْ َ ُمفارقتها﴿ ،أ َْو َُْي ُك َم َُّ
وهللاُ تعاَل هو أعدل َمن َح َك َم بي الناس.
ِ
ك﴾ "بنيامي" قد ﴿ َسَر َق﴾ ﴿ َوَما اآلية ،81واآلية ،82واآلية ْ ﴿ :83ارجعُوا إِ ََل أَبِي ُك ْم فَ ُقولُوا﴾ لهََ ﴿ :ي أ ََاب ََّن إِ َّن ابْنَ َ
ي﴾ َش ِه ْد ََّن إَِّال ِِبَا علِمنَا﴾ أي :ما َش ِه ْدَّن بذلك إال بعد أن َتكدَّن ،فقد رأينا املكيال يف متاعه﴿ ،وما ُكنَّا لِْلغَي ِ ِ ِ
ب َحافظ َ ْ ََ َ َ َْ
اسأ َِل الْ َق ْريَةَ الَِّيت ُكنَّا فِ َيها﴾ أي اسأل ِِ
عاهدَّنك على َرّده إليكَ ﴿ ،و ْ َ حي
لم من الغيب أبنه سيَسرق َ
أي :مل يكن عندَّن ِع ِ
ن
ص ِادقُو َن﴾ فيما ِ ِ
أهل "مصر" ﴿ َوالْع َري الَِّيت أَقْ بَ ْلنَا ف َيها﴾ أي :واسأل أيض ا َمن كان معنا يف القافلة اليت كنا فيها ﴿ َوإِ ََّّن لَ َ
أخربَّنك به.
1
8
إِل أبنائي الثالثة
ْج ايعا﴾ :أي عسى هللاُ أن يَ ُرَّد َّ اّلل أَ ْن َيْتِي ِين هبِِم َِ ٍ
ط فيه وال شكوى معه ألحد من اخلَلقَ ﴿ ،ع َسى َُّ َ َ ْ تَ َس ُّخ َ
احلَ ِك ُيم﴾ يف تدبريه وقضائه. -يوسف وبنيامي وأخوهم الكبري (املتخلف من أجل أخيه) ﴿ -إِنَّهُ ُه َو الْ َعلِ ُيم﴾ حباِلْ ﴿ ،
اآلية ،86واآلية ﴿ :87قَ َال﴾ يعقوب ُجميبا هلم﴿ :إَِّمنَا أَ ْش ُكو ب ثِّي﴾ أي ََِهي ﴿وحزِّن إِ ََل َِّ
اّلل﴾ وحده ،فهو كاشف ّ َ ُْ َ ا
ِ ِ الضر والبالء﴿ ،وأَعلَم ِمن َِّ
اّلل َما َال تَ ْعلَ ُمو َن﴾ أي أعلم من رمحة هللا وفرجه ما ال تعلمونه. ِ
َُْ َ ّ
شتك ٍ
ألحد من ♦ واعلم أ ّن الشكوى إَل ِ
هللا تعاَل ال تُعا ِرض الصرب اجلميل الذي و َع َد به يعقوب عليه السالم ،ألنه مل ي ِ
َ َ
اخلَلق.
َخ ِيه﴾ :أي التمسوا وتَتَ بّعوا♦ مث قال يعقوب ألبنائهَ﴿ :ي ب ِين ا ْذهبوا﴾ أي عودوا إَل "مصر" ﴿فَتَح َّسسوا ِمن يوسف وأ ِ
َ ُ ْ ُ ُ َ َ َ َ َّ َ ُ
اّلل﴾ :أي ال تَقطعوا رجاءكم ِمن رمحة هللا﴿ ،إِنَّه َال ي ي ئس ِمن رو ِح َِّ
اّلل إَِّال أخبار يوسف وأخيه﴿ ،وَال تَي ئسوا ِمن رو ِح َِّ
ُ َْ َ ُ ْ َ ْ َ َْ ُ ْ َْ
الْ َقوم الْ َكافِرو َن﴾ :يعين إنه ال يقطع الرجاء من رمحة ِ
هللا إال اجلاحدو َن لقدرته وسعة رمحته. َ ُ ُْ
اآلية ،88واآلية ﴿ :89فَلَ َّما َد َخلُوا َعلَْي ِه﴾ أي على يوسف﴿ ،قَالُوا ََي أَيُّ َها الْ َع ِز ُيز َم َّسنَا َوأ َْهلَنَا الضُُّّر﴾ أي أصابنا وأهلنا
القحط واجلفاف﴿ ،وِجْئ نَا بِبِضاع ٍة مزج ٍاة﴾ :أي جئناك بثم ٍن قليل (وهي دراهم معدودة)﴿ ،فَأَو ِ
ف لَنَا الْ َكْي َل﴾ :يعين ْ ََ َ َ ُْ َ َ
َّق َعلَْي نَا﴾ ابلتغاضي عن قلة هذه الدراهم﴿ ،إِ َّن َّ
اّللَ ََْي ِزي صد ْ ِ ِ
كنت تعطينا من قبل ابلثمن اجليدَ ﴿ ،وتَ َ أعطنا هبا ما َ
الْمت ِ ِ
ي﴾ أي يُثيب ِّ
املتفضلي أبمواهلم على أهل الفقر واحلاجة. ص ّدق َ
َُ َ
َخ ِيه إِ ْذ أَنْتم ج ِ
اهلُو َن﴾ :يعين فلما َسع قوهلم ،ر َّق هلم ،وعَّرفهم بنفسه ،ف ﴿قَ َال﴾﴿ :هل علِمتُم ما فَع ْلتُم بِيوسف وأ ِ
♦ َّ
ُْ َ َْ َْْ َ َ ْ ُ ُ َ َ َ َ
هل تَذ ُكرون ما فعلتموه بيوسف وأخيه من األذى ،يف حال َج ْهلكم بعاقبة ما تفعلون؟
1
9
أعزك ابلعِلم واحلِلم والفضلَ ﴿ ،وإِ ْن ُكنَّا اّلل علَي نا﴾ أيِ :
وهللا لقد فَضَّلك هللاُ علينا و َّ ِ
اآلية ﴿ :91قَالُوا َات َّّلل لََق ْد آَثََرَك َُّ َ ْ َ
مدا -بك وأبخيك. خاطئي ِبا فعلناه َ -ع ا ي﴾ أي :ولقد كنا ِِ
َ َخلَاطئ َ
يصي َه َذا﴾ :أي عودوا إَل أبيكم ♦ وملا سأهلم عن أبيه ،أخربوه بذهاب بصره من البكاء عليه ،فقال هلم﴿ :ا ْذهبوا بَِق ِم ِ
َُ َ ّ
َْجعي﴾ أي :مث ِ
أحضروا ِ ْ أ م ك
ُ ِ
ل َه ِ
أب ِ
وّن ت
ُ ْ
أو ﴿ بصره، إليه د
ْ ع ي أي ﴾ ا
ريص ِ ِ
ومعكم قميصي هذا ﴿فَأَلْ ُقوه علَى وجه أَِيب َيْت ب ِ
ْ ْ َ َ َ َُ َ َ ا ُ َ َْ
إِل ْجيع أهلكم.
َّ
*********************
2
0
.5الربع األخري من سورة يوسف
خرجت القافلة من أرض "مصر" ومعهم قميص يوسف عليه السالم﴿ :قَ َال ْ ت الْعِريُ﴾ يعين :وملا
اآلية ﴿ :94ولَ َّما فَصلَ ِ
َ َ
َّ
ِ ِ ِ ِ
ف﴾ أي أشم رائحته (أل ّن الريح َمحَلَتها إليه أبمر هللا تعاَل هلا)﴿ ،لَ ْوَال وس َ ين عنده﴿ :إِّّن َألَج ُد ر َ
يح يُ ُ وه ْم﴾ للحاضر َ أَبُ ُ
ِ ِ ِ ِ ِ
صدَّقتموّن فيما ص َد َر م ِّين من غري شعور ،لَ َ
أَ ْن تُ َفنّ ُدون﴾ يعين :ولوال أنكم ستَسخرون م ِّين وتزعمون أ ّن هذا الكالم قد َ
أقول ،فإّن أ َِج ُد رائحته.
ك الْ َق ِد ِمي﴾ يعين إنك ال تزال يف خطئك القدمي ِمن ّلل إِنَّك لَِفي ِ
ض َالل َ
َ
ِ
اآلية ﴿ :95قَالُوا﴾ أي قال احلاضرو َن عندهَ ﴿ :ات َّ َ
ب يوسف وعدم نسيانه. اِإفراط يف ُح ّ
حي﴿ ،أَلْ َقاهُ َعلَى َو ْج ِه ِه﴾ أي ألقى قميص بشره أب ّن يوسف ٌّ اآلية ﴿ :96فَلَ َّما أَ ْن َجاءَ الْبَ ِشريُ﴾ :يعين عندما جاءَ َمن يُ ِّ
وع َّمهُ السرور ،ف ﴿قَ َال﴾ ملن عنده﴿ :أََملْ أَقُ ْل لَ ُك ْم إِِّّن أ َْعلَ ُم ِ
بصراَ ، يوسف على وجه يعقوب ﴿فَ ْارتَ َّد بَص اريا﴾ أي َ
عاد ُم ا
وحسن تدبريه ورمحته وكرمه ما ال تعلمونه أنتم؟ ِ ِ ِمن َِّ
اّلل َما َال تَ ْعلَ ُمو َن﴾ أي أعلم من لُطف هللا ُ َ
استَ ْغ ِف ْر لَنَا ذُنُوبَنَا﴾ أي اسأل هللاَ أن يعفو عنا ويَسرت علينا ذنوبنا﴿ ،إِ ََّّن ُكنَّا
اآلية ﴿ :97قَالُوا﴾ أي قال أبناؤهََ ﴿ :ي أ ََاب ََّن ْ
ي﴾ فيما فعلناه بيوسف وشقيقه ،ويف الضرر واحلُزن الذي حدُ لك طوال هذه املدة. ِِ
َخاطئ َ
ِ فأ ِ
َستَ ْغف ُر لَ ُك ْم َرِّيب﴾ :أي سوف أسأل ريب أن يَغفر لكم ذنوبكم ﴿إنَّهُ ُه َو الْغَ ُف ُ
ور﴾ اآلية ،98واآلية ﴿ :99قَ َال َس ْو َ ْ
الرِح ُيم﴾ هبمُ ،
حيث َوفقهم للتوبة وقَبِلها منهم. لذنوب عباده التائبيَّ ﴿ ،
أجل االستغفار ألبنائه -عندما قال هلم( :سوف أستغفر لكم ريب) -إَل ٍ
ساعة قيل إ ّن يعقوب عليه السالم قد َّ َ
♦ وقد َ
الس َحر) أو يوم اجلمعة ،وهللاُ أعلم.
من ساعات إجابة الدعاء ،كآخر الليل (وهو وقت َ
ِ ِ
ف آََوى إِلَْيه أَبَ َويْه﴾ أي َ
ض َّم يوسف إليه أابه وأ َُّمه، وس َ
♦ مث خرج يعقوب وأهله إَل "مصر" ﴿فَلَ َّما َد َخلُوا َعلَى يُ ُ
ومن كل مكروه. هللا وتقديره وإذنه﴿ ،آَِمنِي﴾ من التعب واجلوعِ ، اّلل﴾ أي ِبشيئة ِ ﴿وقَ َال﴾ هلمْ ﴿ :اد ُخلُوا ِم ْ ِ
َ صَر إ ْن َشاءَ َُّ َ
ِ
س أابه وأ َُّمه على عرش ُملكه ِبانبه (إكر ااما هلما)، اآلية ،111واآلية َ ﴿ :111وَرفَ َع أَبَ َويْه َعلَى الْ َع ْر ِش﴾ :أي ْ
أجلَ َ
حتية وتكرمي ،وليس سجود ٍ
عبادة ﴿وخُّروا لَه س َّج ادا﴾ :أي حيَّاه أبواه وإخوته -األحد عشر -ابلسجود له (سجود ٍ
َ ُ ََ ُ ُ
وخضوع) ،وقد كان ذلك جائزا يف شريعتهم ،ولكنه ح ِرم يف شريعتنا؛ إغالقا لباب الشرك ِ
ابهلل تعاَل. ُ َّ ا
2
1
إِل ﴿ ِم َن الْبَ ْد ِو﴾ أي من البادية (وهي هنا :صحراء الشام) ،وذلك ﴿ ِم ْن علي حي أخرجين من السجن ﴿ َو َجاءَ بِ ُك ْم﴾ َّ َّ
األخ ّوة بيين وبي إخويت﴿ ،إِ َّن َرِّيب ِ
ي إِ ْخ َوِيت﴾ :أي من بعد أن أفسد الشيطان رابطة ُ بَ ْع ِد أَ ْن نََز َ
غ الشَّْيطَا ُن بَْي ِين َوبَ ْ َ
ف يب(﴿ ،إِنَّهُ ُه َو الْ َعلِ ُيم﴾ ِبصاحل عبادهْ ﴿ ،
احلَ ِك ُيم﴾ ِ
يف﴾ يف تدبريه ﴿ل َما يَ َشاءُ﴾ أي ملن يشاءُ من عباده (كما لَطَ َ لَ ِط ن
يف أقواله وأفعاله.
الحظ أ ّن يوسف عليه السالم قد جعل نفسه طََرف ا يف القضية عندما قال( :نزغ الشيطان بيين وبي إخويت) ،وذلك
♦ ويُ َ
حىت ال ُُيرج إخوته أمام الناس ،فما أروع هذا األدب الراقي!
ك﴾ :أي أعطيتَين ِمن ُملك مصر ﴿ َو َعلَّ ْمتَِين ِم ْن ََتْ ِو ِيل ♦ مث دعا يوسف ربه قائالا﴿ :ر ِب قَ ْد آَتَي تَِين ِمن الْم ْل ِ
َ ُ ْ َّ
السماو ِ ِ ْاأل ِ ِ
ات﴾ أي َي خالق السماوات َحاديث﴾ :أي علَّمتين من تفسري الرؤى وغري ذلك من العلم﴿ ،فَاطَر َّ َ َ َ
ت َولِيِّي﴾ :يعين أنت ُمتوِل ْجيع شؤوّن ﴿ِيف الدُّنْيَا﴾ ﴿ َو ْاآلَ ِخَرِة﴾ أي :فكذلك ُكن ُمتوِل ْأمري يف ض﴾ ﴿أَنْ َ ﴿ َو ْاأل َْر ِ
هللا واحد -يف كل اآلخرة إبجنائي من النار وإدخاِل اجلنة﴿ ،تَوفَِّين﴾ إليك ﴿مسلِما﴾ (ويف هذا دليل على أ ّن دين ِ
َ ُْ ا َ
لكن الشرائع هي اليت ختتلف)، ِ
زمان -وهو اِإسالم ،الذي هو االستسالم واالنقياد واخلضوع التام ألوامر هللا تعاَل ،و ّ
ي﴾ -من األنبياء واألبرار -يف أعلى درجات اجلنة. َحلِ ْق ِين ِاب َّ ِِ
لصاحل َ ﴿ َوأ ْ
ك﴾ -أيها الرسول - وح ِيه إِلَْي َ ك﴾ أي املذكور من قصة يوسف عليه السالم هو ﴿ ِم ْن أَنْبَ ِاء الْغَْي ِ
ب نُ ِ ِ
اآلية َ ﴿ :112ذل َ
حاضرا مع إخوة يوسف حي َدبَّروا ْأمَر إلقاءه يف البئر، ا كنت ت لَ َديْ ِه ْم إِ ْذ أ ْ
َْجَعُوا أ َْمَرُه ْم َوُه ْم ميَْ ُك ُرو َن﴾ :أي ما َ ﴿ َوَما ُكْن َ
وحي إليك). وحي كذبوا على أبيهم (وهذا ي ُد ّل على ِصدقك ،وعلى أ ّن هللا ي ِ
َُ َ َ
2
2
اّلل﴾ يعين :فهل عند هؤالء املشركي ما ََيعلهم مطمئني ِمن اب َِّ
اشيةن ِمن َع َذ ِ
ِ ِ ِ
من أنواع العبادات﴿ ،أَفَأَمنُوا أَ ْن ََتْتيَ ُه ْم َغ َ ْ
اعةُ بَ ْغتَةا﴾: أ ّن هللاَ تعاَل لن يُ ِّنزل عليهم عذاابا ِمن عنده يُهلكهم ْجيعا؟﴿ ،أ َْو﴾ هل ِأمنُوا -أيضا -أن ﴿ ََتْتِيَ ُه ُم َّ
الس َ
يعين أن َتتيهم القيامة فجأة ﴿ َوُه ْم َال يَ ْشعُُرو َن﴾؟!
اآلية ﴿ :118قُل﴾ -أيها الرسول هلؤالء املشركي ﴿ :-ه ِذ ِه سبِيلِي﴾ :أي هذه طريقيت ،وهي أنين ﴿أَدعو إِ ََل َِّ
اّلل﴾: ُْ َ َ ْ
ِ
اضحة من هللا تعاَل -وهو هذا القرآن الذي أنزل هللا فيه ٍ
صرية﴾ :أي على ح َّج ٍة و ٍ ِ ِ
ُ أي أدعو إَل عبادة هللا وحده ﴿ َعلَى بَ َ
األدلة والرباهي وحتدَّى به املشركي -وعلى ِعل ٍم ويقي من شريعة ريب ﴿أَ ََّن وم ِن اتَّب ع ِين﴾ من املؤمنيُ ،كلُّنا ندعو إَل ِ
هللا ََ َ َ
اّلل﴾ أي :وأُنَِّزهُ هللاَ تعاَل عن الشركاء ،وأقول لكم ُ -معلِن ا براءيت من الشرك َ ﴿ : -وَما أَ ََّن م َن
ِ ِ على بصرية﴿ ،وسبحا َن َِّ
َ ُْ َ
ِ
الْ ُم ْش ِرك َ
ي﴾.
الر ُسل الذين ِمن قبلك كان يَتأخر عليهم النصر -اختبارا ِإميان ♦ وال تستعجل أيها الرسول النصر على املُكذبي ،فإ ّن ُ
ِ
الر ُسل من إجابة قومهم ﴿ َوظَنُّوا أَن ُ
َّه ْم س ُالر ُس ُل﴾ :أي حىت إذا يَئ َ س ُّ وختليصا هلم من املنافقي َ ﴿ -ح َّىت إِ َذا ْ
استَ ْي ئَ َ أتْباعهم َ
ص ُرََّن﴾ عند شدة ال َكرب﴿ ،فَنُ ِّج َي َم ْن قَ ْد ُكذبُوا﴾ :أي وأيقنوا أ ّن قومهم قد َك َّذبوهم وأنه ال َأم َل يف إمياهنمَ ﴿ :جاءَ ُه ْم نَ ْ
ِ
ين آَ َمنُوا﴾ َ ﴿-وَال يَُرُّد َأبْ ُسنَا﴾ أي عذابنا َّ ِ ِ
الر ُسل وأتْباعهم -كما قال تعاَلُ ﴿ :مثَّ نُنَ ّجي ُر ُسلَنَا َوالذ َ نَ َشاءُ﴾ :أي فنُنجي ُ
هللا تعاَل و َّ جترأوا على ِ ِ ِ
كذبوا رسله (ويف هذا تصبري للنيب ملسو هيلع هللا ىلص على إيذاء قومه له). ي﴾ الذين َّ الشديد ﴿ َع ِن الْ َق ْوم الْ ُم ْج ِرم َ
رسلي -والعذاب الذي نزل ابملكذبي ِ ﴿ -عْب َرةن ِأل ِ
ُوِل َ
اآلية ﴿ :111لََق ْد َكا َن ِيف قَص ِ
ص ِه ْم﴾ :أي لقد كان يف قصص امل َ
ُ ُ
اب﴾ أي ألهل العقول السليمة﴿ ،ما َكا َن ح ِديثا ي ْفت رى﴾ :أي ما كان هذا القرآن حديثا مكذواب (ألنه ال ي ِ
قد ُر ْاألَلْب ِ
َ ا َ ا َ ا ُ ََ َ َ
أح ند من اخلَلق أن َييت ِبِثله ،فهو الكتاب العظيم الذي ال َيتيه الباطل من بي يديه وال من خلفه)َ ﴿ ،ولَ ِك ْن﴾ هللاُ تعاَل
ي يَ َديِْه﴾ :أي َج َعله ُموافق ا للكتب اليت أنزهلا أنزله رمحةا للعاملي ،وح َّجةَ على العباد أْجعي ،وجعله ﴿تَص ِد ِ
يق الَّذي بَ ْ َ
ْ َ ََ ُ
ٍ ِ على أنبيائه (مص ِّدقاا لِما فيها ِمن ِص َّحةِ ِ ،
ياَّن لكل ما َُيتاج يل ُك ِّل َش ْيء﴾ :أي وبَ ا
ومبَ يّناا ل َما فيها من حتريف) ﴿ َوتَ ْفص َ
ُ َُ َ
2
3
إرشادا من الضالل ﴿ َوَر ْمحَةا لَِق ْوٍما حتليل وحترمي ،وغري ذلك من اِإخبارات الصادقةَ ﴿ ،وُه ادى﴾ :أي إليه العباد ِمن ٍ
يُ ْؤِمنُو َن﴾ :أي ورمحة ألهل اِإميان به ،فتَهتدي به قلوهبم ،ويَسعدون -بتالوته والعمل به -يف الدنيا واآلخرة.
*********************
2
4
الفهرس
سلسلة كيف نفهم القرآن؟ 1 .................................................................................
(تفسري سورة يوسف كاملة) 2 ................................................................................
.1الربع األول من سورة يوسف 2 ............................................................................
.2الربع الثاّن من سورة يوسف 7 ............................................................................
.3الربع الثالث من سورة يوسف 13..........................................................................
.4الربع الرابع من سورة يوسف 18...........................................................................
.5الربع األخري من سورة يوسف 21..........................................................................
2
5