You are on page 1of 25

1

‫سلسلة كيف نفهم القرآن؟‪1‬‬

‫(تفسري سورة يوسف كاملة)‬

‫‪ .1‬الربع األول من سورة يوسف‬

‫اآلية ‪ ،1‬واآلية ‪﴿ :2‬الر﴾ َسبَ َق الكالم عن احلروف املقطَّعة يف أول سورة البقرة‪( ،‬واعلم أ ّن هذه احلروف تُقرأ هكذا‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫وهداه وحالله وحرامه‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫عانيه‬‫م‬ ‫يف‬ ‫اضح‬ ‫و‬ ‫ال‬ ‫لكتاب‬ ‫ا‬ ‫آَيت‬
‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫هذه‬ ‫ي﴾ يعين‪:‬‬ ‫ت الْ ِكتَ ِ‬
‫اب الْمبِ ِ‬ ‫ألف الم را)‪﴿ ،‬تِْل َ‬
‫ك آَ ََي ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫العَرب ‪﴿ -‬تَ ْع ِقلُو َن﴾ أي تَعقلو َن َمعانيه وتَفهموهنا‪ ،‬فتَعملوا هبَ ْديِه‪.‬‬
‫﴿إِ ََّّن أَنْ َزلْنَاهُ قُ ْرآَ اَّن َعَربِيًّا﴾ ﴿لَ َعلَّ ُك ْم﴾ ‪ -‬أيها َ‬

‫أْجَلَه‪ ،‬وذلك‬ ‫أص َدقه‪ ،‬وأنْ َف َعهُ و ْ‬ ‫ص﴾ يعين َ‬


‫أص ّح القصص و ْ‬ ‫ص ِ‬
‫َح َس َن الْ َق َ‬
‫ك﴾ ‪ -‬أيها الرسول ‪﴿ -‬أ ْ‬ ‫ص َعلَْي َ‬‫اآلية ‪ََْ ﴿ :3‬ن ُن نَ ُق ُّ‬
‫ت‬‫ك﴾ أي بواسطة َو ْحيِنا إليك ﴿ َه َذا الْ ُق ْرآَ َن﴾ ‪ -‬أل ّن هذه القصص تكو ُن عن طريق الوحي ‪َ ﴿ -‬وإِ ْن ُكْن َ‬ ‫﴿ِِبَا أ َْو َحْي نَا إِلَْي َ‬
‫قبل إنزال القرآن عليك ‪ -‬من الغافلي عن هذه األخبار‪ ،‬ال تَدري عنها‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِِ ِ‬
‫كنت ‪َ -‬‬
‫ي﴾ يعين‪ :‬وقد َ‬ ‫م ْن قَ ْبله لَم َن الْغَافل َ‬
‫شيئاا‪.‬‬

‫ِ‬ ‫اآلية ‪﴿ :4‬إِ ْذ قَ َال يوس ِ ِ‬


‫ت﴾ أي يف‬ ‫ف ألَبِيه﴾ أي اذكر أيها الرسول لقومك قَ ْوَل يوسف ألبيه يعقوب‪ََ ﴿ :‬ي أَبَت إِِّّن َرأَيْ ُ‬ ‫ُ ُ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ص َل إليه يوسف عليه‬ ‫شرى ل َما َو َ‬ ‫ين﴾ (فكانت هذه الرؤَي بُ َ‬ ‫س َوالْ َق َمَر َرأَيْتُ ُه ْم ِِل َساجد َ‬
‫َّم َ‬
‫َح َد َع َشَر َك ْوَكباا َوالش ْ‬
‫املنام ﴿أ َ‬
‫السالم ِمن عُلُِّو املنزلة يف الدنيا واآلخرة)‪.‬‬
‫َ‬
‫ك﴾ ‪ -‬وقد كانوا إخوته ِمن أبيه‪ ،‬ولَيسوا‬ ‫ص ُرْؤََي َك َعلَى إِ ْخ َوتِ َ‬ ‫ين َال تَ ْق ُ‬
‫ص ْ‬ ‫اآلية ‪﴿ :5‬قَ َال﴾ يَعقوب البنه يوسف‪ََ ﴿ :‬ي بُ ََّ‬
‫ي﴾‬ ‫ك َكي ادا﴾ أي فيحسدوك ويعادوك‪ ،‬ويسعوا يف إهالكك‪﴿ ،‬إِ َّن الشَّيطَا َن لِ ِْْلنْس ِ‬
‫ان َع ُد ٌّو ُمبِ ن‬ ‫أشقَّاء له ‪﴿ -‬فَيَ ِك ُ‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫يدوا لَ َ ْ‬
‫أي عداوته ظاهرة لْلنسان‪.‬‬

‫ك ِم ْن ََتْ ِو ِيل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫وَيتارك ﴿ َويُ َعلّ ُم َ‬
‫ك﴾ يعين‪ :‬وكما أر َاك ربك هذه الرؤَي‪ ،‬فكذلك يَصطفيك َ‬ ‫ك ََْيتَبِ َ‬
‫يك َربُّ َ‬ ‫اآلية ‪َ ﴿ :6‬وَك َذل َ‬
‫ِ‬ ‫ْاأل ِ ِ‬
‫وب﴾ ابلنُبُ َّوة والرسالة ﴿ َك َما‬ ‫ِ‬ ‫الناس يف َمنامهم‪َ ﴿ ،‬ويُتِ ُّم نِ ْع َمتَهُ َعلَْي َ‬
‫ك َو َعلَى آَل يَ ْع ُق َ‬ ‫َحاديث﴾ أي يُ َعلّمك تفسري ما يَراهُ ُ‬ ‫َ‬

‫أيضا من‬
‫تصرة من (كتاب‪" :‬التفسري امليَ َّسر" (إبشراف الرتكي)‪ ،‬و ا‬
‫‪ 1‬وهي سلسلة تفسري آلَيت القرآن الكرمي أبسلوب بسيط جدًّا‪ ،‬وهي ُُم َ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫لما أب ّن ما حتته خط هو نص اآلية الكرمية‪،‬‬ ‫السعدي" ‪ ،‬وكذلك من كتاب‪ " :‬أيسر التفاسري" أليب بكر اجلزائري) (بتصرف)‪ ،‬ع ا‬ ‫"تفسري ّ‬
‫وأما الكالم الذي ليس حتته خط فهو التفسري‪.‬‬
‫ف يف كالمهم‪ ،‬وال ُُيبون كثرة الكالم‪ ،‬فجاءهم القرآن هبذا األسلوب‪ ،‬فكانت‬ ‫نزل متحدَيا ٍ‬
‫لقوم يَعشقون احلَذ َ‬ ‫‪ -‬واعلم أن القرآن قد َ ُ‬
‫فهم من ِسيَاق اآلية)‪ ،‬وإننا أحياَّنا نوضح بعض الكلمات اليت مل‬‫(معىن واضح‪ ،‬ومعىن يُ َ‬
‫ِ‬
‫اجلُملة الواحدة يف القرآن تتضمن أكثر من َمعىن‪َ :‬‬
‫يذكرها هللا يف كتابه (بَالغةا)‪ ،‬حىت نفهم لغة القرآن‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫ك َعلِ نيم﴾ ِبَن يَستحق االصطفاء واالختيار من عباده‪َ ﴿ ،‬ح ِك نيم﴾‬ ‫ك ِم ْن قَ ْب ُل إِبْ َر ِاه َيم َوإِ ْس َح َ‬
‫اق﴾ ﴿إِ َّن َربَّ َ‬ ‫أَََتََّها َعلَى أَبَ َويْ َ‬
‫يف تدبري أمور َخلقه‪.‬‬

‫وحكمته‪ ،‬وفيها ِعبَ نر‬ ‫اآلية ‪﴿ :7‬لََق ْد َكا َن ِيف يوسف﴾ أي يف قصة يوسف ﴿وإِخوتِِه آََيت﴾ أي أدلة تدل على قدرة ِ‬
‫هللا ِ‬
‫َ َ َْ َ ن‬ ‫ُ ُ َ‬
‫ي﴾ الذين يَسألون عن أخبارهم‪ ،‬ويَرغبون يف َمعرفتها‪.‬‬ ‫﴿لِ َّ ِِ‬
‫لسائل َ‬

‫َخوهُ﴾‪ :‬يعين إ ّن يوسف وأخاه‬ ‫ف َوأ ُ‬ ‫وس ُ‬ ‫ِ‬


‫اآلية ‪ ،8‬واآلية ‪﴿ :9‬إ ْذ قَالُوا﴾ أي اذ ُكر حي قال إخوة يوسف فيما بينهم‪﴿ :‬لَيُ ُ‬
‫صبَةن﴾ أي‪ :‬وَنن ْجاعة (وكان عددهم تسعة)‬ ‫فضلهما علينا) ﴿ َوََْن ُن عُ ْ‬ ‫ب إِ ََل أَبِينَا ِمنَّا﴾ (ألنه يُ ِّ‬ ‫َح ُّ‬ ‫ِ‬
‫الشقيق "بنيامي" ﴿أ َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫حيث فضَّلهما علينا‬ ‫ي﴾‪ :‬يعين إ ّن أابَّن لَفي خطأ واضح‪ُ ،‬‬ ‫ض َال ٍل ُمبِ ٍ‬
‫ضل االثني على التسعة؟! ﴿إِ َّن أ ََاب ََّن لَفي َ‬ ‫فكيف يُ َف ِّ‬
‫أرض جمهولة بعيدة عن العُمران‪ ،‬وبذلك‬ ‫ضا﴾ يعين‪ :‬أو ألقوا به يف ٍ‬ ‫ف﴾ ﴿أَ ِو اطَْر ُحوهُ أ َْر ا‬ ‫وس َ‬
‫من غري سبب‪ ،‬إذا ف ﴿اقْ تُلُوا يُ ُ‬
‫ب أبيكم وإقباله عليكم‪ ،‬وال يَلتفت عنكم إَل غريكم ﴿ َوتَ ُكونُوا ِم ْن بَ ْع ِد ِه﴾‬ ‫ِ‬
‫﴿ ََيْ ُل لَ ُك ْم َو ْجهُ أَبي ُك ْم﴾‪ :‬أي ََيلُص لكم ُح ّ‬
‫ين ِمن ذنبكم‪( ،‬ويف هذا دليل على أ ّن‬ ‫اتئبي إَل هللا‪ُ ،‬مستغفر َ‬
‫ي﴾ َ‬
‫‪-‬أي ِمن بعد قَ ْتل يوسف أو إبعاده ‪﴿ -‬قَوما ِِ‬
‫صاحل َ‬ ‫ْا َ‬ ‫ْ‬
‫ورُ العداوة بي ا ِِإخوة)‪.‬‬ ‫إظهار امليل إَل أحد األبناء ابحلب‪ ،‬يُ ُ‬
‫َ‬
‫ب﴾ يعين‪ :‬ألقوه‬ ‫ف﴾ ‪ -‬أل ّن القتل جرمية فظيعة ‪﴿ -‬وأَلْ ُقوهُ ِيف َغيَابَِة ْ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اجلُ ّ‬ ‫َ‬ ‫وس َ‬‫اآلية ‪﴿ :11‬قَ َال قَائ نل مْن ُه ْم﴾‪َ﴿ :‬ال تَ ْقتُلُوا يُ ُ‬
‫ِِ‬ ‫السيَّارِة﴾ أي يلتقطه بعض َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ي﴾‪:‬‬ ‫املارة من املُسافرين فتسرتُيوا منه‪ ،‬هذا ﴿إِ ْن ُكْن تُ ْم فَاعل َ‬ ‫َ‬ ‫ض َّ َ‬ ‫يف َجوف البئر‪﴿ :‬يَ ْلتَقطْهُ بَ ْع ُ‬
‫فاعلي شيئا جتاه أخيكم‪ ،‬فهذه هي أفضل الطرق‪.‬‬ ‫َ‬ ‫يعين إن كنتم‬

‫ف﴾ ‪-‬‬ ‫ك َال ََتَْمنَّا َعلَى يُ ُ‬


‫وس َ‬ ‫اآلية ‪ ،11‬واآلية ‪﴿ :12‬قَالُوا﴾ ألبيهم ‪ -‬بعد اتفاقهم على إبعاد يوسف ‪ََ ﴿ :-‬ي أ ََاب ََّن َما لَ َ‬
‫ِ‬ ‫مع أنه أخوَّن‪ ،‬وَنن نريد له اخلري‪ ،‬وخناف عليه ونَرعاه ‪﴿ -‬وإِ ََّّن لَه لَنَ ِ‬
‫صهُ خبالص النصيحة؟‪﴿ ،‬أ َْرس ْلهُ‬ ‫اص ُحو َن﴾ أي َخنُ ُّ‬ ‫َ ُ‬
‫ب﴾ ابلتسابق معنا‪ ،‬وبغري ذلك من اللعب‬ ‫ِ‬
‫َم َعنَا َغ ادا﴾ ‪ -‬عندما خنرج إَل َمراعينا ‪﴿ -‬يَ ْرتَ ْع﴾‪ :‬أي يَنشط ويفرح‪َ ﴿ ،‬ويَ ْل َع ْ‬
‫املباح‪َ ﴿ ،‬وإِ ََّّن لَهُ َحلَافِظُو َن﴾ ِمن كل ما ُ‬
‫ختاف عليه‪.‬‬
‫ُ‬
‫اآلية ‪﴿ :13‬قَ َال﴾ هلم يعقوب عليه السالم‪﴿ :‬إِِّّن لَيَ ْح ُزنُِين أَ ْن تَ ْذ َهبُوا بِِه﴾‪ :‬أي تُؤملين ُمفارقته إذا ذهبتم به إَل املراعي‬
‫ب َوأَنْتُ ْم َعْنهُ َغافِلُو َن﴾ يعين وأنتم ُمنشغلون عنه يف َمراعيكم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اف أَ ْن ََيْ ُكلَهُ ال ّذئْ ُ‬
‫َخ ُ‬
‫﴿ َوأ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صبَةن﴾ أي ْجاعة قوية‪﴿ :‬إ ََّّن إ اذا َخلَاس ُرو َن﴾ أي ال َ‬
‫خري‬ ‫اآلية ‪ ،14‬واآلية ‪﴿ :15‬قَالُوا﴾ له‪﴿ :‬لَئ ْن أَ َكلَهُ ال ّذئْ ُ‬
‫ب َوََْن ُن عُ ْ‬
‫فينا‪.‬‬

‫ب﴾ يعين أْجَعوا على إلقائه يف َجوف البئر‪،‬‬ ‫َْجَعُوا أَ ْن ََْي َعلُوهُ ِيف َغيَابَِة ْ ِ‬‫فأر َسلَهُ أبوهم معهم ﴿فَلَ َّما َذ َهبُوا بِِه﴾ ﴿ َوأ ْ‬
‫اجلُ ّ‬ ‫♦ ْ‬
‫َّه ْم ِأب َْم ِرِه ْم َه َذا﴾‪ :‬أي سوف ُخترب إخوتك ُمستقبَالا ِبا‬ ‫ِ‬
‫يوسف بطر ٍيق َخف ٍّي سريع‪﴿ :‬لَتُنَ بِّئَ ن ُ‬
‫َ‬ ‫﴿ َوأ َْو َحْي نَا إِلَْي ِه﴾ أي ْ‬
‫أعلَ َم هللاُ‬
‫فعلوه بك‪َ ﴿ ،‬وُه ْم َال يَ ْشعُُرو َن﴾ أننا أوحينا إليه بذلك (ويف هذا بِشارةن له أبنه سيَنجو ِِمّا وقع فيه)‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫♦ وقد قال بعض املفسرين يف قوله تعاَل‪َ ﴿ :‬وُه ْم َال يَ ْشعُُرو َن﴾ أي لن يَعرفوا ‪ -‬عندما تُعاتبهم ‪ -‬أنك أخوهم‪( ،‬وهذا‬
‫إخبار من هللا تعاَل ُِبا وقع بعد سني)‪ ،‬واملقصود بذلك قوله تعاَل‪﴿ :‬قَ َال هل علِمتُم ما فَع ْلتُم بِيوسف وأ ِ‬
‫َخ ِيه إِ ْذ أَنْتُ ْم‬ ‫َْ َْْ َ َ ْ ُ ُ َ َ‬ ‫ن‬
‫جِ‬
‫اهلُو َن﴾‪.‬‬ ‫َ‬

‫اآلية ‪ ،16‬واآلية ‪َ ﴿ :17‬و َجاءُوا أ ََاب ُه ْم ِع َشاءا﴾ أي يف وقت العِشاء ‪ِ -‬من أول الليل ‪﴿ -‬يَْب ُكو َن﴾ ويُظ ِهرون األسف‬
‫واخلوف‪ ،‬ف ﴿قَالُوا﴾‪َ﴿ :‬ي أَاب ََّن إِ ََّّن َذهب نَا نَستَبِق﴾ أي نَتسابق يف اجلري والرمي ابلسهام‪﴿ ،‬وتَرْكنَا يوسف ِعْن َد متَ ِ‬
‫اعنَا﴾‬ ‫َ‬ ‫ََ ُ ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫َْ‬ ‫َْ ْ ُ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬
‫ص ّد ٍق لنا‬ ‫ِ‬
‫أي عند طعامنا وثيابنا‪ ،‬وما فارقناه إال وقتاا قليالا ﴿فَأَ َكلَه ال ّذئْب﴾ ﴿وما أَنْ ِ ِ‬
‫ت ِبُْؤم ٍن لَنَا﴾ يعين‪ :‬وما أنت ِبُ َ‬
‫ََ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ي﴾ أي‪ :‬ولو كنا َموصوفي ابلصدق (وذلك لشدة ُحبِّك ليوسف)‪.‬‬ ‫﴿ولَو ُكنَّا ِ ِ‬
‫صادق َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬

‫يص ِه بِ َدٍم َك ِذ ٍب﴾ أي جاؤوا بقميصه ُملَطَّ اخا بِ َدٍم غري َدم يوسف‪( ،‬وقد قيل إهنم بعد أ ْن‬ ‫اآلية ‪﴿ :18‬وجاءوا علَى قَ ِم ِ‬
‫ََ ُ َ‬
‫ألقوه يف البئر‪ ،‬ذحبوا حيواَّنا صغريا يُشبه املاعز ولَطَّ ُخوا بِ َد ِمه قميص يوسف)‪ ،‬ف ﴿قَ َال﴾ هلم يعقوب عليه السالم‪﴿ :‬بَ ْل﴾‬
‫قبيحا يف‬
‫أمرا ا‬
‫ابلسوء ا‬
‫األمارة ُ‬
‫ت لَ ُك ْم أَنْ ُف ُس ُك ْم أ َْمارا﴾ أي زيَّنت لكم أنفسكم َّ‬ ‫لكن ﴿ َس َّولَ ْ‬‫أي‪ :‬ليس األمر كما تقولون‪ ،‬و ْ‬
‫ط فيه‪ ،‬وال شكوى معه ٍ‬
‫ألحد من‬ ‫صْب نر ْجيل (ال َس َخ َ‬ ‫ِ‬
‫فص ْربي َ‬ ‫يل﴾ أي‪َ :‬‬ ‫صْب نر َْج ن‬ ‫يوسف‪ ،‬فرأيتموه َح َسناا وفعلتموه‪﴿ ،‬فَ َ‬
‫صَِّربّن على َحتَ ُّمل هذا الوصف الكاذب الذي َحتكونه‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫أستعي ابهلل ليُ َ‬
‫اّللُ الْ ُم ْستَ َعا ُن َعلَى َما تَص ُفو َن﴾ أي‪ :‬و ُ‬ ‫اخلَلق) ﴿ َو َّ‬
‫ِل‪.‬‬

‫هللا تعاَل‪ ،‬ومل يَ ْس َع للكشف عن َمصري يوسف‪ ،‬ألنه َعلِ َم بصعوبة ذلك‬
‫♦ وإمنا فَ َّوض يعقوب عليه السالم األمر إَل ِ‬
‫َْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫س من‬ ‫ِ‬
‫الساعي يف البُعد بينه وبي يوسف‪ ،‬فيَئ َ‬
‫َ‬ ‫لِ ِك َرب ِسنِّه‪ ،‬وألنه مل يكن له أحد يَستعي به على أبنائه‪ ،‬وقد صاروا هم‬
‫َّل الصرب اجلميل‪.‬‬
‫ذلك‪ ،‬وفَض َ‬
‫ت َسيَّ َارةن﴾ أي جاءت ْجاعة من املسافرين (وكانوا ذاهبي إَل مصر)‪،‬‬ ‫اآلية ‪ ،19‬واآلية ‪ ،21‬واآلية ‪َ ﴿ :21‬و َجاءَ ْ‬
‫أرسل الوارد َدلْ َوهُ يف البئر‪ :‬تَ َعلَّ َق هبا‬
‫فلما َ‬ ‫﴿فَأ َْر َسلُوا َوا ِرَد ُه ْم﴾‪ :‬أي أرسلوا َمن َييت إليهم ببعض املاء‪﴿ ،‬فَأ َْد ََل َدلْ َوهُ﴾ يعين‪َّ :‬‬
‫ارد‬
‫َسُّروهُ﴾ يعين‪ :‬إ ّن الو َ‬ ‫عظيم القيمة‪َ ﴿ ،‬وأ َ‬
‫غالم ُ‬‫اي هذا ن‬ ‫يوسف‪ ،‬ف ﴿قَ َال﴾ الوارد‪ََ ﴿ :‬ي بُ ْشَرى َه َذا غُ َال نم﴾ يعين‪َ :‬ي بُشر َ‬
‫يوسف عن بقية املسافرين‪ ،‬حىت ال يُطالبوهم ابالشرتاك معهم يف ََثَنه بعد أن يَبيعوه‪ ،‬و َّأما قوله تعاَل‪:‬‬ ‫َ‬ ‫وأصحابه قد أخفوا‬
‫اّللُ َعلِ نيم‬
‫اعةا﴾ يعين إهنم قالوا هلم‪( :‬هذه بضاعة‪ ،‬وقد طلب ِمنَّا أصحاب املاء أن نوصلها إَل صاحبها ِبصر)‪َ ﴿ ،‬و َّ‬ ‫ضَ‬ ‫﴿بِ َ‬
‫ِِبَا يَ ْع َملُو َن﴾ بيوسف‪.‬‬

‫فلما رأوه أبيدي الوارد وِرفاقه‪ ،‬قالوا هلم‪( :‬هذا َعب ند لنا‬ ‫♦ وقد كان إخوة يوسف يَرتددون على البئر ليَعرفوا َمصري أخيهم‪َّ ،‬‬
‫ذاك الذي نريد)‪ ،‬فبَاعوه هلم بثَ َم ٍن قليل‪ ،‬وهلذا قال تعاَل‪َ ﴿ :‬و َشَرْوهُ‬‫كثري اهلرب‪ ،‬وإن أردمت شراءَهُ بِ ْعنَاه لكم)‪ ،‬فقالوا هلم‪َ ( :‬‬
‫ين﴾ أي كان إخوته‬ ‫س﴾ أي ابعه إخوته هلؤالء املسافرين بثم ٍن قليل‪﴿ :‬در ِاهم مع ُدود ٍة﴾‪﴿ ،‬وَكانُوا فِ ِيه ِمن َّ ِ ِ‬ ‫بِثَ َم ٍن َخبْ ٍ‬
‫الزاهد َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ َ ْ َ‬ ‫ََ‬
‫زاهدين فيه‪ ،‬راغبي يف التخلص منه‪ ،‬ألهنم ال يعلمون منزلته عند ِ‬
‫هللا تعاَل‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫‪4‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫♦ وملَّا ذهب املسافرون بيوسف إَل "مصر" اشرتاه منهم أحد وزرائها‪َ ﴿ ،‬وقَ َال﴾ هذا الوزير ﴿الَّذي ا ْشتَ َراهُ م ْن م ْ‬
‫صَر‬
‫نستفيد ِمن ِخدمته‬
‫ُ‬ ‫ِالمرأَتِِه أَ ْك ِرِمي مثْ واه﴾ يعين ِ‬
‫أحسين معاملته‪ ،‬وأك ِرمي إقامته عندَّن ﴿ َع َسى أَ ْن يَْن َف َعنَا﴾‪ :‬أي لعلنا‬ ‫َ َُ‬ ‫َْ‬
‫َّخ َذهُ َولَ ادا﴾‪ :‬يعين أو نُقيمه عندَّن مقام الولد (وقد قال ذلك ألنه مل يكن له ولد)‪.‬‬ ‫﴿أَو نَت ِ‬
‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض﴾ يعين‪ :‬وكما أجنينا يوسف من البئر‪ ،‬وكما يَ َّس ْرَّن له أن يَشرتيه عزيز "مصر" ‪ -‬وهو‬ ‫ف ِيف ْاأل َْر ِ‬
‫وس َ‬ ‫ك َم َّكنَّا ليُ ُ‬
‫﴿ َوَك َذل َ‬
‫الوزير ‪ -‬وجعلناهُ يَ ْع ِطف عليه‪ ،‬فكذلك جعلنا هذا ُمق ِّد َمةا لتمكينه يف أرض "مصر" ِمن هذا الطريق (ليَكون على خزائنها‬
‫يث﴾ أي‪َ :‬ولِنُ َعلِّ َمهُ ِمن تفسري الرؤى‪ ،‬فيَعرف ما سيَقع‬ ‫فيما بعد‪َُ ،‬يكمها ابلعدل والرمحة)‪﴿ ،‬ولِنُعلِّمه ِمن ََتْ ِو ِيل ْاألَح ِاد ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ َُ ْ‬
‫ط ِعلم التأويل ببيت العزيز‪ ،‬أل ّن يوسف عليه السالم سيَبقى يف هذا املكان ُمتَفرغ ا‬ ‫منها ُمستقبَالا‪( ،‬ولعل هللاَ تعاَل َربَ َ‬
‫للتفكر والتعمق يف هذا العِلم (الذي وهبه هللاُ له)‪ ،‬ليَزداد بذلك ِعلم ا‪ِِ ،‬مّا سيَكو ُن سبب ا لتمكينه يف األرض عندما يُ َف ِّسر‬
‫ب َعلَى أ َْم ِرِه﴾ (فإذا أر َاد سبحانه شيئ ا‪ ،‬قال له ُكن فيكون‪ ،‬وال أحد يَستطيع أن َمينع حدوُ ما‬ ‫رؤَي امللِك)‪﴿ ،‬و َّ ِ‬
‫اّللُ َغال ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الم صغري ُمل َقى يف بئر‪ ،‬أن ََيعله هللاُ فيما بعد على‬ ‫ِ‬
‫َتمل األمر لَتَ ع َّجب‪( :‬كيف لغُ ٍ‬ ‫لو‬ ‫ن‬ ‫اِإنسا‬ ‫ن‬ ‫فإ‬ ‫‪،‬‬ ‫)‬‫تعاَل‬
‫َ َ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫يُريده ُ‬
‫هللا‬
‫َّاس َال ي علَمو َن﴾ أ ّن األمر كله بيد ِ‬ ‫ِ‬
‫هللا‪.‬‬ ‫َ‬ ‫لكن هللاَ يَفعل ما يريد ﴿ َولَك َّن أَ ْكثَ َر الن ِ َ ْ ُ‬ ‫خزائن األرض؟!)‪ ،‬و ّ‬

‫♦ ويف هذا تصبري للرسول ملسو هيلع هللا ىلص على ما ََيد ِمن أ َذى أقرابئه له‪ ،‬إذ يوسف عليه السالم قد أصابه األذى ِمن أخوته الذين‬
‫هم أقرب الناس إليه بعد والديه‪.‬‬

‫ْما﴾ أي َعلَّمناهُ كيف َُيكم‬ ‫ص َل يوسف إَل ُمنتهى قوته يف شبابه‪﴿ :‬آَتَ ْي نَاهُ ُحك ا‬
‫َشدَّهُ﴾ يعين ملَّا َو َ‬ ‫اآلية ‪َ ﴿ :22‬ولَ َّما بَلَ َغ أ ُ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ي﴾ يعين‪ :‬وكما‬ ‫بي الناس‪َ ﴿ ،‬و ِع ْل اما﴾ وهو الفقه يف دين إبراهيم عليه السالم (وهو اِإسالم)‪َ ﴿ ،‬وَك َذل َ‬
‫ك َْجن ِزي الْ ُم ْحسن َ‬
‫أعطينا يوسف هذا العطاء (جزاءا له على إحسانه)‪ ،‬فكذلك نُعطي احملسني ِعلما َّنفعا جزاءا هلم على إحساهنم‪ ،‬كما قال‬
‫السنّة والبدعة‪.‬‬ ‫اَّن) أي ِعلما ونورا تُ ِ ِ‬ ‫تعاَل‪( :‬إِ ْن تَتَّ ُقوا َّ‬
‫فرقون به بي احلق والباطل واحلالل واحلرام و ُ‬ ‫ّ‬ ‫اّللَ ََْي َع ْل لَ ُك ْم فُ ْرقَ ا‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫وحسن َهبائه)‪،‬‬‫لت امرأة العزيز فتنة يوسف (حلُبِّها الشديد له ُ‬ ‫اآلية ‪َ ﴿ :23‬وَر َاوَدتْهُ الَِّيت ُه َو ِيف بَْيت َها َع ْن نَ ْفسه﴾ أي حاو ْ‬
‫ت ْاألَب واب وقَالَت هيت لَك﴾ ‪ -‬يعين إهنا دعته إَل فاحشة الزَّن والعِياذُ ابهلل ‪ ،-‬ف ﴿قَ َال معا َذ َِّ‬
‫اّلل﴾ أي أعتصم‬ ‫ََ‬ ‫ََ ُ‬ ‫﴿ َو َغلَّ َق ِ ْ َ َ َ ْ َ ْ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫أح َس َن‬‫اي﴾‪ :‬يعين إنه سيدي الذي ْ‬ ‫ابهلل تعاَل من فعل الفاحشة‪ ،‬وأستجريُ به من خيانة سيدي ﴿إِنَّهُ َرِّيب أ ْ‬
‫َح َس َن َمثْ َو َ‬
‫فإن سيده احلق (هللاُ َج َّل جالله) قد أكرمه ِبا َس ّخر له من األمور‪،‬‬ ‫إقاميت يف بيته‪ ،‬فال أخونه يف أهله‪( ،‬ويف نفس الوقت َّ‬
‫فكيف ََيونه فيما َحَّرَم عليه؟)‪( ،‬واعلم أهنم كانوا يقولون للسيد املالك لفظ‪( :‬الرب)‪ ،‬كما نقول‪ :‬رب البيت﴾‪﴿ ،‬إِنَّهُ َال‬
‫يُ ْفلِ ُح الظَّالِ ُمو َن﴾‪ :‬يعين إ ّن َمن جتاوز حدَّهُ ال يُفلِ ُح أبدا‪.‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اآلية ‪﴿ :24‬ولََق ْد ََهَّ ِ‬


‫نفسه لالستجابة (ألنه‬
‫يوسف ُ‬
‫َ‬ ‫ت بِه﴾ أي مالت نفسها لفعل الفاحشة‪َ ﴿ ،‬وَه َّم هبَا﴾ أي حد ْ‬
‫َّثت‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫بَ َشنر وليس َملَكا)‪ ،‬واعلم أ ّن اهلَّم هو َخطرات النفس وليس العمل‪ ،‬والدليل على ذلك قول هللا تعاَل يف احلديث القدسي‬
‫ت له َحسنة)‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫‪ -‬كما يف الصحيحي ‪َ ( :-‬من َه َّم حبَسنة فلم يَعملها‪ُ ،‬كتبَ ْ‬

‫‪5‬‬
‫عما َحدَّثَْتهُ به نفسه‪( ،‬وذلك ألنه‬ ‫♦ وقوله تعاَل‪﴿ :‬لَ ْوَال أَ ْن َرأَى بُْرَها َن َربِِّه﴾‪ :‬يعين لوال أنه رأى آية من آَيت ربه تنهاه َّ‬
‫ص ِر َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ف َعْنهُ‬ ‫ك﴾ يعين‪ :‬إمنا أريناه ذلك الربهان ﴿لنَ ْ‬ ‫اعتصم بربه ‪ -‬يف بداية األمر ‪ -‬قائالا‪َ ( :‬معا َذ هللا)‪ ،‬فنَ َّجاه هللا)‪َ ﴿ ،‬ك َذل َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ي﴾ أي‬ ‫السوءَ﴾ وهو كل ما يَ ُسوء اِإنسان‪َ ﴿ ،‬والْ َف ْح َشاءَ﴾ وهي الوقوع يف جرمية الزَّن ﴿إِنَّهُ م ْن عبَاد ََّن الْ ُم ْخلَص َ‬ ‫ُّ‬
‫وَمبتنا‪ ،‬فال نَرضى هلم أن يَتلوثوا ابلذنوب واملعاصي‪( ،‬واعلم أ ّن ذلك‬ ‫ين للرسالة‪ ،‬الذين استخلصناهم لطاعتنا َ‬ ‫املُختار َ‬
‫ِ‬
‫السوء والفحشاء)‪.‬‬ ‫صهُ هللاُ من ُ‬ ‫يَتضمن أيضا أ ّن يوسف عليه السالم كان َُيلص عمله هلل تعاَل‪ ،‬فلذلك َخلَّ َ‬

‫ت بِِه﴾ أي أرادت أن تضربه عندما امتنع‪َ ﴿ ،‬وَه َّم ِهبَا﴾ ليُدافع عن‬ ‫♦ وقد قال بعض املفسرين يف قوله تعاَل‪َ ﴿ :‬ولََق ْد ََهَّ ْ‬
‫السوءَ﴾‬ ‫ص ِر َ‬
‫ف َعْنهُ ُّ‬ ‫ن‬‫نفسه ويضرهبا‪﴿ ،‬لَوَُال أَ ْن رأَى ب رها َن ربِِه﴾ أي لوال أ ّن هللا أ ْهلمه أ ّن اخلري يف عدم ضرهبا‪َ ﴿ ،‬ك َذلِك لِ‬
‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ ََ ُ‬ ‫َ ُ ْ َ َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ض ْرهبا‪َ ﴿ ،‬والْ َف ْح َشاءَ﴾ وهي الزَّن‪.‬‬
‫وهو َ‬

‫َّت‬
‫أسرعت ورائه حتاول اِإمساك به‪َ ﴿ ،‬وقَد ْ‬
‫اب﴾ يعين أسرع يوسف إَل الباب يريد اخلروج‪ ،‬و ْ‬‫استَ بَ َقا الْبَ َ‬
‫اآلية ‪َ ﴿ :25‬و ْ‬
‫فقطعت القميص‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ذبت قميصه ِمن خلفه ‪ -‬لتمنعه عن اخلروج ‪-‬‬
‫يصهُ م ْن ُدبٍُر﴾ أي َج ْ‬
‫قَ ِم ِ‬
‫َ‬

‫اب﴾ أي وجدا زوجها عند الباب‪( ،‬وقد كانوا يُطلِقون على‬ ‫♦ وفتح يوسف الباب ليهرب منها‪﴿ ،‬وأَلْ َفيا سيِ َد َها لَ َدى الْب ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ َّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ك ُسوءاا﴾ ‪ -‬أي الفاحشة ‪-‬‬ ‫ت﴾ لزوجها‪َ ﴿ :‬ما َجَزاءُ َم ْن أ ََر َاد ِأب َْهل َ‬ ‫الزوج لفظ (السيد) ألنه كا َن َميلك املرأة)‪ ،‬ف ﴿قَالَ ْ‬
‫اب أَلِ نيم﴾ يعين أو يُ َع َّذب عذاابا شديدا‪.‬‬ ‫﴿إَِّال أَ ْن يُ ْس َج َن﴾ ﴿أ َْو َع َذ ن‬

‫طلبت ِم ِّين ذلك‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫اآلية ‪ ،26‬واآلية ‪﴿ :27‬قَ َال﴾ يوسف‪﴿ :‬ه َي َر َاوَدتِْين َع ْن نَ ْفسي﴾‪ :‬يعين هي اليت ْ‬
‫♦ والظاهر أ ّن العزيز كان معه رجل من أهل امرأته (أو أنه استدعاه ليحكم بينهما)‪ ،‬قال تعاَل‪﴿ :‬وش ِه َد ش ِ‬
‫اه ند ِم ْن‬ ‫ََ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت﴾ يف ّاّتامها له ﴿ َوُه َو‬
‫ص َدقَ ْ‬ ‫أَ ْهل َها﴾ فقال‪﴿ :‬إِ ْن َكا َن قَم ُ‬
‫يصهُ قُ َّد م ْن قُبُ ٍل﴾‪ :‬يعين إن كان قميصه قُط َع من األمام‪﴿ :‬فَ َ‬
‫يصهُ قُ َّد ِم ْن ُدبٍُر﴾‪ :‬يعين إن كان قميصه قُ ِط َع من اخللف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ي﴾ فيما دافَ َع به عن نفسه‪َ ﴿ ،‬وإِ ْن َكا َن قَم ُ‬ ‫م َن الْ َكاذبِ َ‬
‫ي﴾‪.‬‬ ‫‪﴿:‬فَ َك َذبت﴾ يف قوهلا ﴿وهو ِمن َّ ِ ِ‬
‫الصادق َ‬ ‫ََُ َ‬ ‫َْ‬

‫قميص يوسف قد قُ ِط َع ِمن خلفه‪َ :‬علِ َم‬


‫َ‬
‫ِ‬
‫يصهُ قُ َّد م ْن ُدبٍُر﴾‪ :‬يعين عندما رأى ُ‬
‫الزوج‬ ‫ِ‬
‫اآلية ‪ ،28‬واآلية ‪﴿ :29‬فَلَ َّما َرأَى قَم َ‬
‫مت به هذا الشاب هو ِمن ُْجلة‬ ‫براءة يوسف‪ ،‬و﴿قَ َال﴾ لزوجته‪﴿ :‬إِنَّه ِمن َكي ِد ُك َّن﴾‪ :‬يعين إ ّن هذا الكذب الذي َّاّت ِ‬
‫ُ ْ ْ‬
‫ض َع ْن َه َذا﴾ أي اترك ِذ ْكَر ما كان منها‬
‫ف أ َْع ِر ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َم ْك ِرُك َّن ‪ -‬أيتها النساء ‪﴿ -‬إ َّن َكْي َد ُك َّن َعظ نيم﴾‪ ،‬مث قال ليوسف‪﴿ :‬يُ ُ‬
‫وس ُ‬
‫ك﴾‪ :‬أي اطليب ‪ -‬أيتها املرأة ‪ِ -‬من زوجك العفو عن ذنبك؛ حىت ال يؤ ِ‬
‫اخ َذ ِك به‬ ‫فال تَذكره ألحد‪﴿ ،‬واستَ ْغ ِف ِري لِ َذنْبِ ِ‬
‫ُ‬ ‫َْ‬
‫ي﴾ فيما فَ َعليت‪ ،‬ويف افرتائك على يوسف‪.‬‬ ‫ت ِمن ْ ِ ِ‬
‫ِ ِ ِ‬
‫اخلَاطئ َ‬ ‫﴿إنَّك ُكْن َ‬
‫*********************‬

‫‪6‬‬
‫‪ .2‬الربع الثاين من سورة يوسف‬

‫لن‪ْ ﴿ :‬امَرأَةُ الْ َع ِزي ِز‬


‫فتحدثن به‪ ،‬وقُ َ‬
‫َ‬ ‫اآلية ‪َ ﴿ :31‬وقَ َال نِ ْس َوةن ِيف الْ َم ِدينَ ِة﴾ ‪ -‬بعد أن وصل َّ‬
‫إليهن خرب امرأة العزيز ويوسف ‪-‬‬
‫اف قلبها (أي‬ ‫تُرا ِود فَتاها عن نَ ْف ِس ِه﴾ أي حتاول فِتنة خادمها‪ ،‬إنه ﴿قَ ْد َشغَ َفها حبًّا﴾‪ :‬أي قد وصل حبها لَه إَل َشغَ ِ‬
‫ُّ ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ُ َ َ َْ‬
‫ب عبدا هلا‪ ،‬على الرغم ِمن‬ ‫ي﴾ أي يف خطأ واضح‪ ،‬إذ كيف ُِحت ُّ‬ ‫ض َال ٍل ُمبِ ٍ‬
‫غالفه)‪﴿ ،‬إِ ََّّن لَنَ َر َاها﴾ ‪ -‬هبذا الفعل ‪ِ﴿ -‬يف َ‬
‫َشَرفِها وعُلُّو َمكانتها؟!‬

‫تدعوهن لزَيرّتا‬
‫ّ‬ ‫ت إِلَْي ِه َّن﴾‬
‫ذم هؤالء النسوة هلا‪﴿ :‬أ َْر َسلَ ْ‬ ‫ت ِِبَ ْك ِرِه َّن﴾‪ :‬يعين عندما بَلَ َغ امرأةَ العزيز ُّ‬ ‫ِ‬
‫اآلية ‪﴿ :31‬فَلَ َّما ََس َع ْ‬
‫اح َد ٍة ِمْن ُه َّن‬
‫َّكئن عليه من الوسائد‪ ،‬وما َي ُك ْلنَه من الطعام ﴿وآَتَت ُك َّل و ِ‬
‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫هلن ما يَت َ‬ ‫َّت ّ‬ ‫ت َهلُ َّن ُمتَّ َكأا﴾‪ :‬يعين َ‬
‫أعد ْ‬ ‫﴿ َوأ َْعتَ َد ْ‬
‫اخ ُر ْج َعلَْي ِه َّن﴾ ﴿فَلَ َّما َرأَيْنَهُ أَ ْكبَ ْرنَهُ﴾ أي‬ ‫ِ‬
‫أعطتهن طعاما َُيتاج إَل تقطيع)‪َ ﴿ ،‬وقَالَت﴾ ليوسف‪ْ ﴿ :‬‬ ‫ّ‬ ‫ِس ِّكيناا﴾ (ألهنا‬
‫عن الطعام (بسبب‬ ‫ِ‬
‫وه َّن يُ َقطّ َ‬‫أيديهن ُ‬
‫ّ‬ ‫وشغَلَ ُه ّن ُحسنه وْجاله ﴿ َوقَطَّ ْع َن أَيْ ِديَ ُه َّن﴾‪ :‬أي َجَر ْح َن‬ ‫نفوسهن‪َ ،‬‬
‫ّ‬ ‫أعظَ ْمنَهُ يف‬
‫العجز أب ْن ََيلق ِمثل هذا اجلمال‪َ ﴿ ،‬ما َه َذا‬ ‫ِ‬ ‫الدهشة والذهول الذي أصاهبن)‪﴿ ،‬وقُ ْلن ح ِ ِ‬
‫اش َّّلل﴾ أي تنزيها هلل تعاَل عن َ‬ ‫ّ َ َ َ َ‬
‫ك كرمي من املالئكة‪( ،‬وظاهر هذه‬ ‫ك َك ِرمين﴾ أي‪ :‬ما هذا إال َملَ ن‬ ‫بَ َشارا﴾ أل ّن ْجاله غري َمعهود يف البشر‪﴿ ،‬إِ ْن َه َذا إَِّال َملَ ن‬
‫ينئذ يف وجود املالئكة)‪.‬‬ ‫اجلملة أ ّن املصريي كانوا يعتقدون ِح ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫قوهلن‬ ‫♦ وقد قال بعض املفسرين يف وصف ِ‬
‫إبنكارهن على امرأة العزيز أن يَصل ّ‬ ‫ّ‬ ‫َّه َّن َأرْد َن‬
‫لكالمهن ابملَكر‪ :‬أن ُ‬
‫ّ‬ ‫هللا تعاَل‬ ‫َْ‬ ‫ُ‬
‫السالم‪ ،‬وهذا هو ما فعلْته‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫عليه‬ ‫يوسف‬ ‫ْجال‬ ‫لرؤية‬ ‫تدعوهن‬
‫َّ‬ ‫أن‬ ‫يف‬ ‫ا‬ ‫سبب‬ ‫إليها‪ ،‬فيكون ذلك‬

‫ت﴾ امرأة العزيز للنسوة‪﴿ :‬فَ َذلِ ُك َّن الَّ ِذي لُ ْمتُن َِّين فِ ِيه﴾‪ :‬أي فهذا هو الفىت الذي لُمتُنَّين يف االفتتان به‪،‬‬ ‫اآلية ‪﴿ :32‬قَالَ ْ‬
‫ص َم﴾‪ :‬أي امتنع (وهذه شهادةن منها ليوسف عليه السالم‪ ،‬يف‬ ‫﴿ولََق ْد راودتُه عن نَ ْف ِس ِه﴾ أي حاو ِ‬
‫استَ ْع َ‬ ‫لت فتنته ﴿فَ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ ََْ ُ َ ْ‬
‫ابهلل تعاَل)‪﴿ ،‬ولَئِن َمل ي ْفعل ما آَمره﴾ به مستقبالا‪﴿ :‬لَيسجنَ َّن﴾ ﴿ولَي ُكونَن ِمن َّ ِ‬ ‫ِصدق اعتصامه ِ‬
‫ين﴾ أي الذليلي‬ ‫الصاغ ِر َ‬ ‫ََ ْ َ‬ ‫ُْ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ ْ ْ َ َ ْ َ ُ ُُ‬
‫املهاني‪.‬‬
‫ُ‬
‫ِل ِِمَّا يَ ْدعُونَِين‬
‫ب إِ ََّ‬‫َح ُّ‬ ‫ابهلل ِمن َش ِرِه َّن ومك ِرِه َّن ‪﴿ :-‬ر ِ ِ‬
‫الس ْج ُن أ َ‬
‫ب ّ‬ ‫َّ‬ ‫ّ َ‬
‫اآلية ‪﴿ :33‬قَ َال﴾ يوسف عليه السالم ‪ -‬مستعي اذا ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫َص ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫إليهن‪،‬‬
‫كرهن أَم ْل ّ‬ ‫ب إلَْيه َّن﴾ يعين‪ :‬إ ْن مل تَصرف عين َم ّ‬ ‫إِلَْيه﴾ من الوقوع يف الفاحشة‪َ ﴿ ،‬وإَِّال تَ ْ‬
‫ص ِر ْ‬
‫ف َع ِّين َكْي َد ُه َّن أ ْ ُ‬
‫اهلِي﴾ الذين يرتكبون الذنوب ِجلهلهم بقدرة ِ‬
‫هللا تعاَل‬ ‫(فإنين ضعيف عاجز إن مل تَدفع عين السوء)‪﴿ ،‬وأَ ُكن ِمن ْ ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫اجلَ َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ن‬
‫ض ُل لَ ّذة رخيصة عاجلة‪ ،‬على لَ ّذات ُمتتابعات وشهوات ُمتنوعات‬ ‫فاجلاهل حق ا هو الذي يُ َف ِّ‬ ‫ُ‬ ‫الع ِه عليهم‪( ،‬‬
‫وعظَمته وا ِطّ ِ‬
‫َ‬
‫يف جنات النعيم)‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫ت ِمن‬ ‫ِ‬ ‫ف عْنه َكي َده َّن﴾ (أل ّن امرأة العزيز ظَلَّت ُحت ُ ِ‬
‫اول فتنته وهو َميتنع‪ ،‬حىت يَئ َس ْ‬ ‫صَر َ َ ُ ْ ُ‬ ‫اب لَهُ َربُّهُ فَ َ‬
‫استَ َج َ‬
‫اآلية ‪﴿ :34‬فَ ْ‬
‫يع﴾ لدعاء يوسف‪ ،‬ودعاء كل َمن َدعاه‪﴿ ،‬الْ َعلِ ُيم﴾ حباجة يوسف إليه‪،‬‬ ‫ف هللا عنه َكيدها) ﴿إِنَّه هو َّ ِ‬
‫السم ُ‬ ‫ُ َُ‬ ‫وصَر َ ُ‬
‫ذلك‪َ ،‬‬
‫ونِيَّته الصادقة يف االعتصام به من املعاصي‪.‬‬

‫اآلية ‪ُ ﴿ :35‬مثَّ بَ َدا َهلُْم﴾ أي ظَ َهَر للعزيز وأصحابه ﴿ ِم ْن بَ ْع ِد َما َرأ َُوا ْاآلَ ََي ِت﴾ أي ِمن بعد ما رأوا األدلة على براءة‬
‫ي﴾‪ :‬يعين إهنم َعَزموا على أن يَسجنوه فرتة من الزمن‪ ،‬حىت يَنسى الناس احلادثة‪ ،‬وال‬ ‫وعفَّته‪﴿ :‬لَيَس ُجنُنَّهُ َح َّىت ِح ٍ‬
‫يوسف ِ‬
‫ْ‬
‫كر بينهم (وذلك َم انعا للفضيحة)‪.‬‬ ‫ِ‬
‫يَبقى هلا ذ ن‬
‫ٍ ِ‬ ‫السجن فَتَ ي ِ‬‫اآلية ‪﴿ :36‬ودخل معه ِ‬
‫ت إليهما‪ ،‬ف‬ ‫ان﴾ أي خادمان (كاَّن ََيدمان امللك)‪ ،‬وقد ُحبِ ُسوا بسبب ّتمة ُو ّج َه ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ََ َ َ ََُ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫أيت يف املنام أّن أعصر عنباا ليَكو َن ََخارا‪َ ﴿ ،‬وقَ َال ْاآلَ َخ ُر﴾‪﴿ :‬إِِّّن‬ ‫َح ُد َُهَا﴾‪﴿ :‬إِِّّن أ ََرِاّن أ َْعص ُر َخَْارا﴾‪ :‬يعين إنين ر ُ‬
‫﴿قَ َال أ َ‬
‫َمح ُل فَ ْو َق َرأْ ِسي ُخْب ازا ََتْ ُك ُل الطَّْي ُر ِمْنهُ﴾‪ ،‬مث قاال ليوسف عليه السالم‪﴿ :‬نَبِّْئ نَا‬‫أَرِاّن﴾‪ :‬يعين إنين رأيت يف املنام أّن ﴿أ ِْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ي﴾ الذين ُُيسنون ُمعاملة الناس‪.‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫بِتَأْ ِويلِ ِه﴾‪ :‬أي ِ‬
‫أخربَّن بتفسري ما رأيناه‪ ،‬ف ﴿إِ ََّّن نََر َاك م َن الْ ُم ْحسن َ‬

‫اآلية ‪ ،37‬واآلية ‪﴿ :38‬قَ َال﴾ هلما يوسف عليه السالم‪َ﴿ :‬ال ََيْتِي ُك َما طَ َع نام تُ ْرَزقَانِِه إَِّال نَبَّأْتُ ُك َما بِتَأْ ِويلِ ِه﴾ يعين إالَّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أخربتُكما خبَربه (أو بِو ِ ِ‬
‫أثبت هلما كفائته أوالا‪،‬‬ ‫صفه) ﴿قَ ْب َل أَ ْن ََيْتيَ ُك َما﴾‪( ،‬ونالحظ أنه مل يُ َف ّسر هلما رؤيتهما إال بعد أن َ‬ ‫َْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ص ّدقا كالمه عندما ُُيَ ّدثهما عن التوحيد)‪.‬‬
‫وذلك حىت يَثقا فيه‪ ،‬فبالتاِل يُ َ‬
‫﴿ َذلِ ُكما﴾ أي التفسري الذي سأقوله لكما هو ﴿ِِمَّا علَّم ِين رِيب﴾‪ ،‬وليس ِمن عند نفسي (وذلك حىت يربط قلوهبما ِ‬
‫ابهلل‬ ‫َ‬ ‫َ َ َّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ت ِملَّةَ قَ ْوٍم﴾ أي‬
‫ابتعدت عن دين قوم ﴿َال يُ ْؤمنُو َن ِاب َّّلل﴾ إذ كانوا ُمشر َ‬
‫كي‬ ‫ُ‬ ‫تعاَل وليس ابلبشر)‪ ،‬مث قال هلما‪﴿ :‬إِِّّن تَ َرْك ُ‬
‫عث وال حساب‪﴿ ،‬واتَّب ع ِ ِ‬ ‫هللا غريه‪﴿ ،‬وهم ِابْآلَ ِخرِة هم َكافِرو َن﴾ ال يؤمنو َن بب ٍ‬ ‫يعبدو َن مع ِ‬
‫ت ملَّةَ آَ َابئي﴾‪ :‬أي ات ُ‬
‫َّبعت دين‬ ‫َ َْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُْ ُ‬ ‫َُْ‬ ‫َ‬
‫ّلل ِم ْن َش ْي ٍء﴾ يف عبادته‪.‬‬ ‫اق وي ع ُقوب﴾ فعب ْدَّن هللا وحده‪ ،‬و﴿ما َكا َن لَنا أَ ْن نُ ْش ِرَك ِاب َِّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ ِ ِ‬
‫آابئي‪﴿ :‬إبْ َراه َيم َوإ ْس َح َ َ َ ْ َ ََ َ‬
‫ّلل ِمن َشي ٍء﴾‪ ،‬أ ّن اِإنسان ََيب أن يرتفع عن فِعل ِ‬
‫ِ ِ ِ‬
‫الشرك‬ ‫َ‬ ‫♦ واعلم أنه يُستفاد من هذه اجلملة‪َ ﴿ :‬ما َكا َن لَنَا أَ ْن نُ ْشرَك اب َّ ْ ْ‬
‫واملعاصي‪ ،‬فيقول‪( :‬ما كان لنا أن نَعصي هللاَ تعاَل وهو ُمطَّلِ نع علينا)‪ ،‬وكذلك يَُرِّيب أوالده على ذلك‪ ،‬فيقول هلم‪( :‬لَ ْسنا‬
‫َنن الذين نَفعل اخلطأ‪ِ ،‬من املمكن أن يفعله غريَّن‪ ،‬أما َنن فال ُميكن أن نَفعله أبدا)‪ ،‬فبهذا ينشأ األوالد يف ٍ‬
‫بيئة تَكره‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ت أحدهم نفسه على فعل شيء خطأ‪ ،‬قال هلا‪( :‬إ ّن ديين وأخالقي ال يَسمحان ِل أن أفعل‬ ‫اود ْ‬
‫املعاصي وحتتقرها‪ ،‬فإذا ر َ‬
‫ذلك)‪.‬‬

‫َّاس﴾‬‫هللا وحده ابلعبادة ‪ -‬هو ِِمّا تَ َفضَّل هللاُ به ﴿ َعلَْي نَا َو َعلَى الن ِ‬
‫اّلل﴾ أي ذلك التوحيد ‪ -‬وهو إفراد ِ‬ ‫ض ِل َِّ‬
‫ك ِم ْن فَ ْ‬ ‫ِ‬
‫﴿ َذل َ‬
‫َ‬
‫أرسل هللاُ إليهم الرسل هلدايتهم‪ ،‬ولكنهم مل يَشكروهُ على نعمته‪ ،‬ورفضوا اتِّباع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿ َولَك َّن أَ ْكثَ َر النَّاس َال يَ ْش ُك ُرو َن﴾ إذ َ‬
‫الر ُسل‪.‬‬
‫ُ‬

‫‪8‬‬
‫السج ِن﴾‪ :‬يعين َي صاحيب يف السجن‪﴿ :‬أَأَرابب متَ َف ِرقُو َن﴾‪ :‬يعين هل ِعبادةُ ٍ‬
‫آهلة‬ ‫اآلية ‪ ،39‬واآلية ‪َ﴿ :41‬ي ِ ِ‬
‫َْ ن ُ ّ‬ ‫َّ‬ ‫صاح َِيب ّ ْ‬
‫َ َ‬
‫ُملوقة‪ُ ،‬متفرقة هنا وهناك (هذا صنم وهذا كوكب‪ ،‬هذا إنسان وهذا حيوان‪ ،‬هذا َشكله كذا وهذا ِص َفته كذا) هل هذا‬
‫وعبيده‪ ،‬وهم حتت قَ ْهره وسلطانه‪،‬‬ ‫﴿خي ر أَِم َّ ِ‬
‫اّللُ الْ َواح ُد﴾ يف ذاته وصفاته‪﴿ ،‬الْ َق َّه ُار﴾ جلميع ُملوقاته؟ (إذ ال ُكل َخلقه َ‬ ‫َْن‬
‫ال يَتحركون إال ِبشيئته وإرادته)‪.‬‬

‫وها﴾ آهلةا ﴿أَنْتُ ْم َوآَ َاب ُؤُك ْم﴾ َجهالا منكم‬ ‫ََسَاءا﴾ ال َمعاّن هلا (وهي األصنام) اليت ﴿ ََسَّْي تُ ُم َ‬ ‫﴿ َما تَ ْعبُ ُدو َن ِم ْن ُدونِِه إَِّال أ ْ‬
‫اّللُ ِهبَا ِم ْن‬
‫وضالالا‪( ،‬إذ إطالقكم لفظ (إله) على صنم ‪ -‬أو على صورة َمرسومة لكوكب ‪ -‬ال ََيعلها آهلة)‪ ،‬و﴿ َما أَنْ َزَل َّ‬ ‫َ‬
‫ان﴾‪ :‬أي ما أنزل هللاُ ُح َّجة بشأهنا تدل على أهنا تستحق العبادة‪ ،‬أو أهنا تقربكم إَل ربكم كما تزعمون‪( ،‬فهي‬ ‫س ْلطَ ٍ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫ْم إَِّال َّّلل﴾‪ :‬يعين ما احلُكم احلق إال هلل تعاَل وحده‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بصر‪ ،‬وال تنفع وال تضر)‪﴿ ،‬إِ ِن ْ‬ ‫مصنوعة أبيديكم ال تَسمع وال تُ ِ‬
‫احلُك ُ‬
‫ين الْ َقيِّ ُم﴾ أي الدين املستقيم الذي ال ِع َو َج فيه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك﴾ هو ﴿ال ّد ُ‬ ‫وقد ﴿أ ََمَر﴾ أي َح َك َم ﴿أََّالتَ ْعبُ ُدوا إَِّال إِ ََّيهُ﴾‪َ ﴿ ،‬ذل َ‬
‫َّاس َال يَ ْعلَ ُمو َن﴾ (إذ َج ْهلهم ِبَعرفة رهبم احلق ‪ -‬الذي َخلَقهم َورَزقهم ويُ َدبِّر حياّتم ‪ -‬هو الذي جعلهم‬ ‫﴿ َولَ ِك َّن أَ ْكثَ َر الن ِ‬
‫يَعبدو َن ما يَصنعون)‪.‬‬

‫َح ُد ُك َما فَيَ ْس ِقي َربَّهُ َخَْارا﴾‪ :‬يعين َّأما الذي رأى أنه يَعصر العنب‪ ،‬فإنه سيَخرج‬ ‫اآلية ‪َ﴿ :41‬ي ِ ِ‬
‫الس ْج ِن﴾‪﴿ :‬أ ََّما أ َ‬
‫صاح َِيب ّ‬
‫َ َ‬
‫ب﴾ أي سيُقتَل‬ ‫صلَ ُ‬
‫خبزا‪﴿ :‬فَيُ ْ‬
‫للملك‪َ ﴿ ،‬وأ ََّما ْاآلَ َخ ُر﴾ الذي رأى أنه َُيمل على رأسه ا‬ ‫من السجن ويكون ساقي اخلمر َ‬
‫ض َي ْاأل َْم ُر﴾ أي ُح ِك َم يف األمر ﴿الَّ ِذي فِ ِيه‬
‫وهو مصلوب على خشبة‪ ،‬مث ي ْرتك ﴿فَتَأْ ُكل الطَّي ر ِمن رأْ ِس ِه﴾ ﴿قُ ِ‬
‫ُ ُْ ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ن‬
‫تَستَ ْفتِي ِ‬
‫ان﴾‪.‬‬‫ْ َ‬
‫♦ ويستفاد من اآلَيت السابقة أ ّن يوسف عليه السالم قد اغتنم فرصة سؤال ال َفتيان له‪ ،‬يف أن يدعوَها أوالا إَل ِ‬
‫هللا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫شخص ما‪ ،‬وحكى له‬‫ن‬ ‫حبيث إذا جاءه‬
‫أجاب طلبهما‪ ،‬وهلذا يَنبغي لْلنسان أن يَغتنم هذه الفرص‪ُ ،‬‬ ‫َ‬ ‫تعاَل‪ ،‬مث بعد ذلك‬
‫شكلة تُواجهه‪ ،‬فعليه أن يسأله أوالا‪( :‬هل أنت تصلي أو ال؟)‪ ،‬فإذا كان ال يصلي‪ ،‬فعليه أن يقول له‪( :‬إذا هذا هو‬ ‫م ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك أبدا‪ ،‬فعليك أن تُصلح حالك مع هللا أوالا)‪ ،‬مث بعد ذلك‬ ‫ِ‬
‫كنت قريبا من هللا تعاَل‪ ،‬ما َخ َذلَ َ‬
‫سبب املشكلة‪ ،‬ألنك لو َ‬
‫يُعِينه على حل مشكلته‪ ،‬فبذلك يَستجيب‪.‬‬

‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫♦ وكذلك يُستفاد من قوهلما له‪﴿ :‬إِ ََّّن نََر َاك م َن الْ ُم ْحسن َ‬
‫ي﴾ أنه يَنبغي لْلنسان أن يكون قدوةا للناس قبل أن يَدعوهم‬
‫إَل هللا‪.‬‬

‫يوسف أنه سيَخرج من السجن ‪:-‬‬ ‫ُ‬ ‫اآلية ‪َ ﴿ :42‬وقَ َال﴾ يوسف ﴿لِلَّ ِذي ظَ َّن أَنَّهُ ََّن ٍج ِمْن ُه َما﴾ ‪ -‬وهو الفىت الذي َعلِ َم‬
‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫﴿اذْ ُك ْرِّن ِعْن َد َربِّ َ‬
‫ك﴾‪ :‬أي اذكرّن عند سيدك املَلك وأخربه أبنين َمظلوم‪﴿ ،‬فَأَنْ َساهُ الشَّْيطَا ُن ذ ْكَر َربّه﴾‪ :‬يعين َ‬
‫أنسى‬
‫السج ِن بِ ْ ِ ِ‬‫ِ‬ ‫حال يوسف‪﴿ ،‬فَلَبِ َ‬
‫ث يوسف يف السجن‬ ‫ي﴾‪ :‬أي َم َك َ‬ ‫ض َع سن َ‬ ‫ث ِيف ّ ْ‬ ‫للملك َ‬ ‫الشيطا ُن ذلك الرجل أن يَذكر َ‬
‫ضع‪ِ :‬من ثَالُ إَل تِسع‪ ،‬وقيل‪ِ :‬من ثَالُ إَل َع ْشر‪ ،‬وهللاُ أعلم)‪.‬‬ ‫عدة سنوات (واعلم أ ّن البِ ْ‬

‫‪9‬‬
‫ِ ِِ‬
‫يوسف عليه السالم‬‫َ‬ ‫♦ وقد قال بعض املُفسرين يف قوله تعاَل‪﴿ :‬فَأَنْ َساهُ الشَّْيطَا ُن ذ ْكَر َربّه﴾ يعين (إ ّن الشيطان أ َ‬
‫َنسى‬
‫استدلُّوا هبذا احلديث‪:‬‬
‫التفت بقلبه إَل اخلادم وامللَك‪ ،‬فعاقبه هللاُ ابلبقاء يف السجن بضع سني)‪ ،‬مث َ‬ ‫َ‬ ‫ِذ ْكَر ربّه تعاَل‪ ،‬حيث‬
‫َ‬
‫حيث يَبتغي الفرج ِمن عند غري هللا(‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ث‪،‬‬ ‫ِ‬‫ب‬‫ل‬
‫َ‬ ‫ما‬ ‫طول‬ ‫السجن‬ ‫يف‬ ‫ث‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫ب‬‫ل‬
‫َ‬ ‫ما‬ ‫(لو مل يقل ‪ -‬يعين يوسف ‪ -‬الكلمة اليت قال‪،‬‬
‫ذكرت هذا القول ِمن ابب األمانة العلمية فقط‪ ،‬وإالَّ‪ ،‬فإ ّن احلديث املذكور ضعيف جدا‪ ،‬وكذلك فإ ّن‬ ‫ُ‬ ‫واعلم أنين قد‬
‫يوسف عليه السالم مل يرتكب خطأا‪ ،‬ولكنه أخ َذ أبسباب النجاة‪ ،‬وهذا ال يتعارض أبدا مع التوكل على ِ‬
‫هللا تعاَل‪ ،‬وال‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يَتعارض مع أ ّن يوسف عليه السالم كان يدعو ربه قبل أن يقول هذه اجلملة‪ ،‬ولكنه اغتنم فرصةا قد ال تتكرر‪ ،‬وهللاُ أعلم‪.‬‬

‫ان﴾ أي ََسينات ﴿ ََيْ ُكلُ ُه َّن َسْب نع ِع َج ن‬ ‫ات َِس ٍ‬


‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫اف﴾‬ ‫أيت يف منامي ﴿ َسْب َع بَ َقَر َ‬ ‫ك إِِّّن أ ََرى﴾ أي ر ُ‬ ‫اآلية ‪َ ﴿ :43‬وقَ َال الْ َمل ُ‬
‫ُخَر‬ ‫الع َجب‪ :‬أ ّن الضعيف َيكل القوي)‪َ ﴿ ،‬و َسْب َع ُسْن بُ َال ٍت ُخ ْ‬
‫ض ٍر َوأ َ‬
‫ِ‬
‫َيكلهن سبع بقرات ََنيالت َهزيالت (وهذا من َ‬ ‫ّ‬ ‫أي‬
‫ٍ‬
‫َيكلهن سبع ُسنبالت َيبسات‪ََ ﴿ ،‬ي أَيُّ َها الْ َم َلُ﴾‪ :‬يعين َي أيها السادة‬ ‫ّ‬ ‫أيت سبع ُسنبالت ُخضر‬ ‫ََيبِ َسات﴾ يعين‪ :‬ور ُ‬
‫ي﴾ ﴿إِ ْن ُكْن تُ ْم لِ ُّلرْؤََي تَ ْعبُ ُرو َن﴾‪ :‬يعين إن كنتم للرؤَي تُ َف ِّسرون‪.‬‬ ‫ِ ِ‬
‫وال ُك َرباء ﴿أَفْ تُوّن يف ُرْؤََي َ‬
‫ِِ‬
‫َح َالِم بِ َعالم َ‬
‫ي﴾‬ ‫تفسري هلا‪َ ﴿ ،‬وَما ََْن ُن بِتَأْ ِو ِيل ْاأل ْ‬ ‫َح َالٍم﴾ يعين إ ّن َ‬
‫رؤَيك هذه أحال نم ُُمتلَطة ال َ‬ ‫اُ أ ْ‬
‫َضغَ ُ‬
‫اآلية ‪﴿ :44‬قَالُوا أ ْ‬
‫أي ال ِع َلم لنا بتفسري األحالم‪.‬‬

‫صاحيب يوسف ‪ -‬وعاد إَل خدمة‬‫َ‬ ‫اآلية ‪ ،45‬واآلية ‪َ ﴿ :46‬وقَ َال الَّ ِذي َجنَا ِمْن ُه َما﴾ أي الذي َجنا من السجن ‪ِ -‬من‬
‫تذكر بعد ُم ّدة ‪ -‬وهي البِضع سني اليت َم َكثها يوسف يف السجن ‪ -‬فتذ ّكر أ ّن يوسف‬ ‫امللك‪َ ﴿ ،‬و َّاد َكَر بَ ْع َد أ َُّم ٍة﴾‪ :‬أي َّ‬
‫ي ََف ِسر الرؤى‪ ،‬فقال هلم‪﴿ :‬أَ ََّن أُنَبِئُ ُكم بِتَأْ ِويلِ ِه فَأَرِسلُ ِ‬
‫ون﴾‪ :‬يعين أَّن أخربكم بتفسري هذه الرؤَي‪ ،‬فابعثوّن إَل يوسف آلتيكم‬ ‫ْ‬ ‫ّ ْ‬ ‫ُ ّ‬
‫بتفسريها‪.‬‬

‫"أمة "َييت أحياَّنا ِبعىن‪ْ( :‬جاعة من الناس)‪ ،‬وَييت أحياَّنا ِبعىن‪( :‬فرتة من الزمن)‪ ،‬واعلم أيض ا أ ّن كلمة‬
‫♦ واعلم أ ّن لفظ َّ‬
‫(تذكر) ولكن أ ِ‬
‫ُدغ َمت التاء يف الذال فصارت‪( :‬ا ّد َكر)‪.‬‬ ‫(ا ّد َكر) أصلها‪َّ :‬‬
‫ْ‬

‫الصدق ‪ -‬وقد رأى ذلك منه يف السجن‬ ‫الص ِّديق﴾ أي كثري ِ‬ ‫ِ‬
‫ف أَيُّ َها ّ ُ‬ ‫وس ُ‬
‫♦ وعندما وصل الرجل إَل يوسف قال له‪﴿ :‬يُ ُ‬
‫ات َِس ٍ‬
‫ان ََيْ ُكلُ ُه َّن َسْب نع ِع َج ن‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫َيكلهن سبع بقرات ََنيالت‬
‫ّ‬ ‫اف﴾ أي‬ ‫‪ -‬فقال له‪﴿ :‬أَفْتنَا ِيف﴾ تفسري رؤَي ل ﴿ َسْب ِع بَ َقَر َ‬
‫اس﴾ أي إَل امللك‬‫ات﴾ ﴿لَ َعلِّي أ َْرِج ُع﴾ يعين لِ َكي أرجع ﴿إِ ََل النَّ ِ‬ ‫ض ٍر وأُخر َيبِس ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َهزيالت‪َ ﴿ ،‬و َسْب ِع ُسْن بُ َال ٍت ُخ ْ‬
‫َ‬
‫ك عنه‪ ،‬فيَنتفعوا به ويَعلموا َمكانتك وفضلك‪.‬‬ ‫وأصحابه فأُخربهم ﴿لَ َعلَّ ُه ْم يَ ْعلَ ُمو َن﴾ أي ليَعلموا تفسري ما سألتُ َ‬

‫ي َدأ اَاب﴾‪ :‬أي تزرعون سبع سني‬ ‫ِِ‬


‫اآلية ‪ ،47‬واآلية ‪﴿ :48‬قَ َال﴾ له يوسف‪ :‬تفسري هذه الرؤَي أنكم ﴿تَ ْزَرعُو َن َسْب َع سن َ‬
‫ص ْد ُْمت﴾ ِمن تلك الزروع يف كل َسنة‪﴿ :‬فَ َذ ُروهُ ِيف ُسْن بُلِ ِه﴾‪ :‬أي اتركوه يف سنابله‬ ‫ين ليَكْثُر العطاء‪﴿ ،‬فَ َما َح َ‬
‫ِ‬
‫جاد َ‬
‫ُمتتابعة ّ‬
‫َّخروه للسني القادمة ﴿إَِّال قَلِ ايال ِِمَّا ََتْ ُكلُو َن﴾‪ :‬يعين إال قليالا ِِمّا َتكلونه‬
‫التسوس‪ ،‬حىت تد ِ‬
‫(يف الصوامع) ليَ َّتم ِحفظه من ُّ‬

‫‪1‬‬
‫‪0‬‬
‫من احلبوب يف كل َحصاد‪ ،‬فهذه ال تَدَّخروها‪ ،‬بل اعطوها للناس حىت َيكلوها (ولتكن قليلة‪ ،‬ليَكثُر ما تَدَّخرونه ويَعظُم‬
‫ك﴾ أي سيأيت ِمن بعد هذه السني ﴿ َسْب نع ِش َد ناد﴾‪ :‬أي سبع سني شديدة اجلفاف‬ ‫ِ ِ‬
‫نَفعه)‪ُ ﴿ ،‬مثَّ ََيِْيت ِم ْن بَ ْعد َذل َ‬
‫صنُو َن﴾‪ :‬يعين إال قليالا ِما حتفظونه‬ ‫﴿َيْ ُك ْلن ما قَ َّدمتُم َهل َّن﴾‪ :‬أي َيكل أهلها كل ما َّادخرَتوه هلم ﴿إَِّال قَلِ ايال ِِمَّا ُْحت ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ َ ْْ ُ‬
‫بذورا للزراعة فيما بعد )فهذه ال تُعطوها للناس ليأكلوها‪ ،‬بل َّاد ِخروها للبَذر واحلاجة)‪.‬‬ ‫وتَدَّخرونه ليَكون ا‬
‫ِ‬

‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫عام‬
‫َّاس﴾ أي‪ :‬مث سيأيت من بعد سنوات اجلفاف‪ :‬ن‬ ‫ك َع نام ف ِيه يُغَ ُ‬
‫اُ الن ُ‬ ‫اآلية ‪ ،49‬واآلية ‪ُ ﴿ :51‬مثَّ ََيِْيت ِم ْن بَ ْعد َذل َ‬
‫يغيثهما هللا فيه ابملطر والسيول وجرَين النيل‪ ،‬فريفع عنهم تلك الشدة‪﴿ ،‬وفِ ِيه ي ع ِ‬
‫ص ُرو َن﴾ يعين‪ :‬ويف هذا العام يَعصرون‬ ‫َ َْ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫الثمار اليت ُميكن عصرها ‪ -‬كالزيتون والعنب وقصب السكر ‪ -‬وذلك من كثرة الثمار واحلبوب‪ ،‬وزَيدّتا على أ ْكلهم‪.‬‬ ‫ِ‬

‫وعبَّ َر عن البقرات‬ ‫♦ فبذلك ع َّرب يوسف عليه السالم عن البقرات السمينات والسنبالت اخلضر (أبهنن سنو ِ‬
‫ات خصبة)‪َ ،‬‬
‫ن‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اهلزيالت والسنبالت اليابسات (أبهنن سنوات ٍ‬
‫قحط وجفاف)‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬

‫♦ فلَ َّما ذهب الرجل إَل امللك‪ :‬أعجبه تفسري الرؤَي‪ ،‬وعرف ما تدل عليه‪ ،‬فأر َاد إكرام يوسف عليه السالم‪ ،‬لِ َما ظَ َهَر له‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫ك﴾ ألعوانه‪:‬‬ ‫من العلم والكمال والفضل على أهل مصر (يف سنوات اجملاعة اليت ستأيت عليهم)‪ ،‬قال تعاَل‪َ ﴿ :‬وقَ َال الْ َمل ُ‬
‫فلما جاءه‬ ‫ول﴾ أي َّ‬ ‫الر ُس ُ‬ ‫﴿ائْ تُ ِوّن بِِه﴾‪ :‬أي أخ ِرجوا الرجل الذي ف َّسر الرؤَي من السجن و ِ‬
‫أحضروهُ ِل‪﴿ ،‬فَلَ َّما َجاءَهُ َّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الالِيت‬
‫اسأَلْهُ َما َاب ُل النّ ْس َوة َّ‬‫ك﴾‪ :‬أي ارجع إَل سيدك املَلك ﴿فَ ْ‬ ‫رسول امللك يدعوه‪﴿ :‬قَ َال﴾ له يوسف‪ْ ﴿ :‬ارج ْع إِ ََل َربِّ َ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫أيديهن عن حقيقة ْأم ِرِه ّن معي‪ ،‬حىت تَظهر احلقيقة‬ ‫ّ‬ ‫قَطَّ ْع َن أَيْ ِديَ ُه َّن﴾‪ :‬أي اطلب منه أن يَسأل النسوة الاليت َجَر ْح َن‬
‫ِ ِِ ِ‬ ‫ِ‬
‫أفعاهلن‪ ،‬ال ََيفى‬
‫نيعهن و ّ‬ ‫بص ّ‬ ‫للجميع‪ ،‬وتتضح براءيت‪﴿ ،‬إ َّن َرِّيب ب َكْيده َّن َعل نيم﴾‪ :‬يعين إ ّن ريب ‪ -‬سبحانه وتعاَل ‪ -‬ن‬
‫عليم َ‬
‫عليه شيءن من ذلك‪.‬‬

‫ف َع ْن‬ ‫وس َ‬ ‫ِ‬


‫أيديهن‪َ ﴿ :‬ما َخطْبُ ُك َّن إ ْذ َر َاو ْدتُ َّن يُ ُ‬
‫ّ‬ ‫اآلية ‪ ،51‬واآلية ‪ ،52‬واآلية ‪﴿ :53‬قَ َال﴾ امللك للنسوة الاليت َجَر ْح َن‬
‫هلل تعاَل عن‬ ‫ّلل﴾ أي تنزيه ا ِ‬ ‫نَ ْف ِس ِه﴾‪ :‬يعين ما شأنكن حي حاولنت فتنة َيوسف؟ هل رأينت منه سوءا؟ ﴿قُ ْلن حاش َِِّ‬
‫َ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ص‬‫ص َح َ‬ ‫العجز أبن ََيلق بشرا عفيف ا مثل هذا‪َ ﴿ ،‬ما َعل ْمنَا َعلَْيه م ْن ُسوء﴾‪ ،‬فعندئذ ﴿قَالَت ْامَرأَةُ الْ َع ِزي ِز﴾‪ْ ﴿ :‬اآلَ َن َح ْ‬
‫ي﴾‬ ‫احل ُّق﴾ أي ظهر احلق بعد خفائه‪ ،‬ف ﴿أَ ََّن﴾ اليت ﴿راودتُه عن نَ ْف ِس ِه﴾ أي حاولت فِتنته فامتنع‪﴿ ،‬وإِنَّه لَ ِمن َّ ِ ِ‬
‫الصادق َ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫ََْ ُ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َخْنهُ‬ ‫ك﴾ أي ذلك القول الذي قلتُهُ يف براءة يوسف واِإقرار على نفسي ﴿ليَ ْعلَ َم﴾ زوجي ﴿أِّ‬
‫َّن َملْ أ ُ‬ ‫يف كل ما قاله‪َ ﴿ ،‬ذل َ‬
‫ِ‬ ‫ِابلْغَْي ِ‬
‫اعرتفت بذلك ِإظهار براءة يوسف وبراءيت‪،‬‬ ‫أخنه ابلكذب عليه‪ ،‬ومل تقع م ِّين الفاحشة أثناء غيابه‪ ،‬و ُ‬ ‫ب﴾ أي مل ُ‬
‫الرشد والصواب‪ ،‬فإ ّن‬ ‫ي﴾‪ :‬أي ال يُ َوفِّق أهل اخليانة لِ َما فيه ُّ‬ ‫اّلل﴾ أي‪ :‬ولِيعلم زوجي أ ّن هللا ﴿َال ي ه ِدي َكي َد ْ ِِ‬ ‫﴿ َوأ َّ‬
‫اخلَائن َ‬ ‫ْ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َن ََّ‬
‫أصبحت‬
‫ُ‬ ‫كنت خائنةا لزوجي‪ ،‬ما هداّن هللاُ لِ ِمثل هذا املوقف امل َّش ِرف‪ ،‬الذي‬ ‫ُ‬ ‫ُك َّل خائ ٍن ال بد أن يَفضح هللاُ ْأمره‪ ،‬فلو‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫بِِه ُمبَ َّرأةا طاهرة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪1‬‬
‫ئ نَ ْف ِسي﴾ من املحاولة وال َكيد‪﴿ ،‬إِ َّن‬ ‫♦ وملَّا كان هذا الكالم فيه نوع من تزكية النفس‪ ،‬فإهنا عادت تقول‪َ ﴿ :‬وَما أُبَِّر ُ‬
‫ُ‬ ‫لس ِ‬
‫وء﴾‪ :‬يعين إ ّن النفس لَكثرية األمر لصاحبها بعمل املعاصي ﴿إَِّال َم َارِح َم َرِّيب﴾‪ :‬يعين إال َمن عصمه‬ ‫س َأل ََّم َارةن ِاب ُّ‬
‫النَّ ْف َ‬
‫ور﴾ لذنوب َمن اتب ِمن عباده‪َ ﴿ ،‬رِح نيم﴾ هبم‪ ،‬حيث َج َع َل التوبة جناةا‬ ‫ِ‬
‫وهواه‪﴿ ،‬إ َّن َرِّيب َغ ُف ن‬
‫هللا‪ ،‬فأعانه على ُُمالفة نفسه َ‬
‫هلم‪.‬‬

‫*********************‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ .3‬الربع الثالث من سورة يوسف‬
‫اآلية ‪﴿ :54‬وقَ َال الْملِك﴾ (احلاكم ملصر) ‪ -‬عندما عرف براءة يوسف وأمانته وحسن خلقه ‪﴿ :-‬ائْ ت ِوّن بِِه أ ِ‬
‫صهُ‬
‫َستَ ْخل ْ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫فلما جاء يوسف وَكلَّمه امللك‪﴿ :‬قَ َال﴾ له‬
‫بي ِل‪ ،‬ومن أهل َمشوريت‪﴿ ،‬فَلَ َّما َكلَّ َمهُ﴾ يعين‪َّ :‬‬‫ِ‬
‫َ‬ ‫لِنَ ْف ِسي﴾ أي أجعله من امل َّ‬
‫قر‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َّك الْي وم لَ َدي نَا ُم ِكي أ ِ‬
‫ي﴾‪ :‬يعين إنك اليوم عندَّن عظيم املكانة‪ ،‬ومؤَتَن على كل شيء‪.‬‬ ‫امللك‪﴿ :‬إِن َ َ ْ َ ْ َ ن ن‬
‫َم‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ض﴾‪ :‬أي اجعلين أتوَل شؤون خزائن "مصر" (وهو ما‬ ‫اج َع ْل ِين َعلَى َخَزائِ ِن ْاأل َْر ِ‬
‫للملك‪ْ ﴿ :‬‬ ‫اآلية ‪﴿ :55‬قَ َال﴾ يوسف َ‬
‫ظ﴾ أي أمي‪َ ﴿ ،‬علِ نيم﴾ أي ذو ِعل ٍم وبصرية ِبا أتواله‪( ،‬وقد طلب يوسف‬ ‫عرف يف عصرَّن ب (وزير املالية))‪﴿ ،‬إِِّّن َح ِفي ن‬ ‫يُ َ‬
‫عليه السالم ذلك ألنه أراد أن يَنفع العباد‪ ،‬وأن يُقيم العدل بينهم)‪.‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض﴾ يعين‪ :‬وكما أنعمنا على يوسف ابلنجاة من السجن‪،‬‬ ‫ف ِيف ْاأل َْر ِ‬‫وس َ‬‫ك َم َّكنَّا ليُ ُ‬
‫اآلية ‪ ،56‬واآلية ‪َ ﴿ :57‬وَك َذل َ‬
‫ث ي َشاء﴾‪ :‬أي ينزل ويسكن يف أي ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫مكان شاءه منها (وذلك بعد أن‬ ‫ّ‬ ‫َ َ‬ ‫فكذلك َمكنَّا له يف أرض "مصر" ﴿يَتَ بَ َّوأُ مْن َها َحْي ُ َ ُ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت ُك َّل‬‫يب بَِر ْمحَتنَا َم ْن نَ َشاءُ﴾ ‪ -‬وقد قال تعاَل يف آية أخرى‪َ ﴿ :‬وَر ْمحَِيت َوس َع ْ‬
‫كان يف ظالم البئر وضيق السجن)‪﴿ ،‬نُص ُ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫اّلل قَ ِر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ٍ‬
‫َجَر‬‫يع أ ْ‬
‫ي﴾‪ ،‬وهلذا قال بعدها‪َ ﴿ :‬وَال نُض ُ‬ ‫ين يَتَّ ُقو َن﴾‪ ،‬وقال أيض ا‪﴿ :‬إ َّن َر ْمحَةَ َّ ن‬
‫يب م َن الْ ُم ْحسن َ‬ ‫َش ْيء فَ َسأَ ْكتُبُ َها للَّذ َ‬
‫ِِ‬ ‫ي﴾ ﴿وَأل ْ ِ ِ‬ ‫ِِ‬
‫َج ُر ْاآلَخَرة﴾ أي ثواهبا ونعيمها ﴿ َخْي نر للَّذ َ‬
‫ين آَ َمنُوا َوَكانُوا يَتَّ ُقو َن﴾ أي خرين هلم من متاع الدنيا القليل‬ ‫الْ ُم ْحسن َ َ‬
‫الزائل‪.‬‬

‫حضروا منها الطعام ‪ -‬وذلك بعد أن نزل‬ ‫اآلية ‪ ،58‬واآلية ‪ ،59‬واآلية ‪﴿ :61‬وجاء إِخوةُ يوسف﴾ إَل "مصر" لي ِ‬
‫ُ‬ ‫َ َ َ َْ ُ ُ َ‬
‫القحط واجلفاف يف أرضهم ‪﴿ -‬فَ َد َخلُوا َعلَْي ِه﴾ أي على يوسف ﴿فَ َعَرفَ ُه ْم﴾ ﴿ َوُه ْم لَهُ ُمْن ِك ُرو َن﴾ أي‪ :‬ولكنهم مل يَعرفوه‬
‫وحسن ضيافتهم)‪.‬‬ ‫ِ‬
‫غري هيئته‪( ،‬وقد َأمَر يوسف عليه السالم فتيانه إبكرام إخوته ُ‬ ‫لطُول املدَّة ولِتَ ُّ‬
‫ُ‬
‫أخ ا ِمن أبيهم مل ُُيضروه‬ ‫ِ ِ‬
‫﴿ َولَ َّما َج َّهَزُه ْم ِبَ َها ِزه ْم﴾‪ :‬يعين عندما أعطاهم الطعام الذي طلبوه ‪ -‬وكانوا قد أخربوه أ ّن هلم ا‬
‫َخ لَ ُك ْم ِم ْن أَبِي ُك ْم﴾‪ :‬أي ائتوّن أبخيكم الذي ِمن‬ ‫معهم (وهو شقيقه "بنيامي") ‪ -‬ف ﴿قَ َال﴾ هلم يوسف‪﴿ :‬ائْ تُ ِوّن ِأب ٍ‬
‫ِ‬ ‫َّن أ ِ‬
‫ي﴾‪ :‬يعين‪ :‬وأَّن خري‬‫أوفيت لكم ال َكيل وأكرمتكم ﴿ َوأَ ََّن َخْي ُر الْ ُمْن ِزل َ‬ ‫ُويف الْ َكْي َل﴾‪ :‬يعين أمل تروا أّن ُ‬ ‫أبيكم‪﴿ ،‬أََال تَ َرْو َن أِّ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫طعام أعطيه لكم بعد ذلك‪َ ﴿ ،‬وَال‬ ‫املُضيفي لكم؟‪﴿ ،‬فَِإ ْن َملْ ََتْتُ ِوّن بِه فَ َال َكْي َل لَ ُك ْم عْندي﴾ أي فليس لكم عندي ن‬
‫إِل مرة أخرى إن مل َتتوّن أبخيكم‪.‬‬‫ون﴾‪ :‬أي ال َتتوا َّ‬ ‫تَ ْقرب ِ‬
‫َُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اآلية ‪﴿ :61‬قَالُوا َسنُ َرا ِو ُد َعْنهُ أ ََابهُ﴾ أي سنَبذل جهدَّن ِإقناع أبيه أن يُرسله معنا ﴿ َوإِ ََّّن لََفاعلُو َن﴾ يعين‪ :‬ولن نُ ّ‬
‫قصر يف‬
‫ذلك‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪3‬‬
‫ِ ِ ِِ‬
‫اعتَ ُه ْم﴾‪ :‬أي ضعوا ََثَن بضاعتهم ‪ -‬وهي الدراهم اليت‬ ‫ضَ‬ ‫اج َعلُوا بِ َ‬
‫اآلية ‪َ ﴿ :62‬وقَ َال لفْت يَانه﴾ أي قال يوسف لعُ ّماله‪ْ ﴿ :‬‬
‫اشرتوا هبا الطعام ِمنَّا ‪ِ﴿ -‬يف ِر َحاهلِِ ْم﴾‪ :‬أي ضعوها يف أمتعتهم ِسّرا ﴿لَ َعلَّ ُه ْم يَ ْع ِرفُونَ َها إِ َذا انْ َقلَبُوا﴾ أي إذا رجعوا ﴿إِ ََل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫طمعا يف‬‫أ َْهل ِه ْم﴾ ليَعلموا أننا مل أنخذ منهم ََثَن الطعام فيُق ّدروا إكرامنا هلم ﴿لَ َعلَّ ُه ْم يَ ْرجعُو َن﴾‪ :‬أي َلريجعوا لنا مرة أخرى ا‬
‫عطائنا‪.‬‬

‫اعتَ ُه ْم ِيف ِر َحاهلِِ ْم﴾ ‪ُُ -‬ي َتمل أن يكون َمعناها‪َ(َ :‬ثَن‬ ‫ضَ‬ ‫اج َعلُوا بِ َ‬
‫♦ واعلم أ ّن كلمة (بضاعتهم) ‪ -‬املذكورة يف قوله‪ْ ﴿ :‬‬
‫بضاعتهم‪ ،‬وهي الدراهم اليت اشرتوا هبا الطعام من يوسف)‪ ،‬كما ُُي َتمل أن يكون َمعناها‪( :‬البضاعة اليت جاءوا هبا ِمن‬
‫بادلة)‪ ،‬وهللاُ أعلم‪.‬‬ ‫عرف بنظام (املُ َ‬ ‫بلدهم ‪ -‬كالتمر وَنوه ‪ -‬ليأخذوا مكاهنا سائر الطعام من مصر)‪ ،‬وهو ما كا َن يُ َ‬
‫اآلية ‪﴿ :63‬فَلَ َّما َر َجعُوا إِ ََل أَبِي ِه ْم﴾‪َ ،‬حكوا له ما كا َن من إكرام العزيز هلم‪ ،‬و﴿قَالُوا﴾ له‪ََ ﴿ :‬ي أ ََاب ََّن ُمنِ َع ِمنَّا الْ َكْي ُل﴾‪:‬‬
‫اَّن﴾ ‪" -‬بنيامي" ‪﴿ -‬نَكْتَ ْل﴾‪:‬‬ ‫َخ َ‬ ‫ِ‬
‫يعين إنه لن يُعطينا ُمستقبَالا إال إذا كان معنا أخوَّن الذي أخربَّنه به‪﴿ ،‬فَأ َْرس ْل َم َعنَا أ َ‬
‫أي َُنضر لكم طعاما كثريا (ألنه سيَزيد لنا ال َكيل بسبب وجود "بنيامي")‪َ ﴿ ،‬وإِ ََّّن لَهُ َحلَافِظُو َن﴾ أي‪ :‬وَنن نَتعهد لك‬
‫حبفظه‪.‬‬

‫َخ ِيه ِم ْن قَ ْب ُل﴾ يعين‪ :‬كيف‬


‫اآلية ‪ ،64‬واآلية ‪﴿ :65‬قَ َال﴾ هلم أبوهم‪﴿ :‬هل آَمنُ ُكم علَي ِه إَِّال َكما أ َِمْن تُ ُكم علَى أ ِ‬
‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ ْ َْ‬
‫أستأمنكم على بنيامي وقد استأمنتكم على أخيه يوسف من قبل‪ ،‬والتزمتم حبفظه فلم تَفوا بذلك؟ فال أثق بوعدكم‬
‫ي﴾‪،‬‬ ‫اّلل خي ر حافِظاا﴾‪ :‬أي هو سبحانه خري احلافظي ﴿وهو أَرحم َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الرامح َ‬ ‫َ َُ ْ َ ُ‬ ‫وحفظكم‪ ،‬ولكين أثق حبفظ هللا تعاَل ﴿فَ َُّ َ ْ ن َ‬
‫علي)‪.‬‬
‫فأرجو منه أن يَرمحين (أبن َُيفظ يوسف ويَ ُرّده َّ‬

‫دار بينهم وبي أبيهم ‪ -‬قبل أن يَفتحوا أمتعتهم اليت أحضروا هبا الطعام من مصر‪،‬‬ ‫♦ وقد كان هذا احلديث ‪ -‬الذي َ‬
‫ِ‬
‫ت إِلَْي ِه ْم﴾‪ :‬أي وجدوا َدراَههم اليت دفعوها‬ ‫اعتَ ُه ْم ُرَّد ْ‬
‫ضَ‬ ‫اع ُه ْم﴾‪ :‬يعين عندما فتحوا أَوعيَتهم‪َ ﴿ :‬و َج ُدوا بِ َ‬ ‫﴿ َولَ َّما فَتَ ُحوا َمتَ َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ت إِلَْي نَا﴾‪ :‬أي‬
‫اعتُنَا ُرَّد ْ‬
‫ضَ‬ ‫رجعت إليهم‪ ،‬ف ﴿قَالُوا ََي أ ََاب ََّن َما نَْبغي﴾ يعين ماذا نطلب أكثر من هذا الكرم؟ ﴿ َهذه بِ َ‬ ‫ْ‬ ‫قد‬
‫أرسله معنا نَذهب به إَل مصر‬ ‫هذا ََثَن بضاعتنا رَّده العزيز إلينا لننتفع به يف معاشنا‪ ،‬ف ُكن مطمئن ا على "بنيامي" و ِ‬
‫َ‬
‫اَّن﴾ ‪ -‬أثناء سفره معنا ‪ِ -‬من كل مكروه ﴿ َونَ ْزَد ُاد﴾ ‪ -‬بوجوده‬ ‫َخ َ‬‫ظأَ‬ ‫وفريا ألهلنا ﴿ َوََْن َف ُ‬
‫طعاما ا‬
‫ِ‬
‫﴿ َوَمنريُ أ َْهلَنَا﴾‪ :‬أي َُنضر ا‬
‫ِ‬
‫معنا ‪ -‬طعام ا ِمقداره‪َ ﴿ :‬كْي َل بَعِ ٍري﴾ (وهو ما يَستطيع أحد اِإبل أن َُيمله)‪ ،‬فإ ّن العزيز يَكيل للفرد الواحد‪ِ ( :‬محْل أحد‬
‫ك َكْي نل يَ ِسرين﴾ عليه‪ ،‬لِغِناهُ وسعة ُملكه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اِإبل)‪ ،‬و ﴿ َذل َ‬

‫عاهدوّن وحتلفوا ِل‬ ‫اّلل﴾ أي حىت تُ ِ‬


‫ون موثِاقا ِمن َِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اآلية ‪﴿ :66‬قَ َال﴾ هلم يعقوب عليه السالم‪﴿ :‬لَ ْن أ ُْرسلَهُ َم َع ُك ْم َح َّىت تُ ْؤتُ َ ْ َ‬
‫ِ‬
‫ابهلل أنكم ﴿لَتَأْتُن َِّين بِِه﴾ أي احلفوا أنكم َستَ ُرُّدونه َّ‬
‫إِل ﴿إَِّال أَ ْن ُُيَا َط بِ ُك ْم﴾‪ :‬يعين إال أن َّتلكوا ْجيعا‪﴿ ،‬فَلَ َّما آَتَ ْوهُ‬
‫يل﴾ أي تكفينا شهادته سبحانه علينا‪.‬‬ ‫اّلل علَى ما نَ ُق ُ ِ‬ ‫َم ْوثَِق ُه ْم﴾ يعين‪َّ :‬‬
‫ول َوك ن‬ ‫عاهدوهُ على ما طلب‪﴿ ،‬قَ َال﴾ هلم‪َ َ َُّ ﴿ :‬‬ ‫فلما َ‬

‫‪1‬‬
‫‪4‬‬
‫اح ٍد﴾ يعين إذا دخلتم أرض "مصر" فال تدخلوا كلكم ِمن ٍ‬
‫ابب واحد‪،‬‬ ‫اآلية ‪﴿ :67‬وقَ َال َي ب ِين َال تَ ْدخلُوا ِمن اب ٍب و ِ‬
‫َ َ َ َّ‬
‫ُ ْ َ َ‬
‫اّلل ِم ْن َش ْي ٍء﴾ يعين‪ :‬وإنين ‪-‬‬
‫اب مت َف ِرقٍَة﴾ (حىت ال تصيبكم العي لِ َكثرتكم)‪﴿ ،‬وما أُ ْغ ِين عْن ُكم ِمن َِّ‬
‫َ ْ َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫﴿ َو ْاد ُخلُوا م ْن أَبْ َو َُ ّ‬
‫ّلل﴾‪ :‬يعين فما احلكم إال ِ‬
‫هلل وحده‪،‬‬ ‫احلكْم إَِّال َِِّ‬ ‫ِِ‬
‫ُ‬ ‫هبذا الذي أوصيكم به ‪ -‬ال أدفع عنكم شيئاا قضاهُ هللاُ عليكم‪﴿ ،‬إن ُْ ُ‬
‫قت ﴿ َو َعلَْي ِه فَ ْليَ تَ َوَّك ِل الْ ُمتَ َوّكِلُو َن﴾ أي‪ :‬وعليه وحده فليَعتمد املؤمنون يف كل‬‫ووثَ ُ‬
‫اعتمدت َ‬
‫ُ‬ ‫ت﴾‪ :‬أي عليه‬ ‫ِ‬
‫﴿ َعلَْيه تَ َوَّك ْل ُ‬
‫أمورهم‪( ،‬وإمنا َأمَرهم أبوهم أن َيخذوا ابألسباب اليت َُيفظهم هللاُ هبا ‪ -‬وهي الدخول من أبواب متفرقة ‪ -‬حىت ال يكون‬
‫هللا تعاَل ‪ -‬مث االعتماد على ِ‬
‫هللا‬ ‫صرا يف األخذ ابألسباب‪ ،‬وهذا من َتام التوكل‪ :‬األخذ ابألسباب ‪ -‬امتثاالا ألمر ِ‬ ‫ِ‬
‫ُم َق ّ‬
‫وحده وليس على السبب‪ ،‬أل ّن كل ٍ‬
‫شيء بيد هللا)‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪5‬‬
‫♦ وهنا قد يقول قائل‪ :‬كيف يَصفهم سبحانه أبهنم ُمتوكلون‪ ،‬مث َيمرهم ابلتوكل عندما قال‪َ ﴿ :‬و َعلَْي ِه فَ ْليَ تَ َوَّك ِل‬
‫الْ ُمتَ َوّكِلُو َن﴾؟‬

‫واجلواب‪ :‬أ ّن هذا كقوله تعاَل‪َ﴿ :‬ي أَيُّها الَّ ِذين آَمنُوا آَِمنُوا﴾‪ ،‬أي ِ‬
‫استمُّروا على إميانكم واعملوا على زَيدته (وذلك‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫ابِإكثار من فِعل الطاعات)‪ ،‬فكما أ ّن اِإميان يَزيد ويَنقص‪ ،‬فكذلك التوكل يَزيد ويَنقص (حبسب احلالة اِإميانية‬
‫هللا تعاَل‪ :‬فليتوكل على ِ‬
‫هللا‬ ‫وُيتمل أيض ا أن يكون املعىن‪( :‬من كان متوكالا ‪ -‬أي معتمدا ‪ -‬على غري ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫للشخص)‪َ ُ ،‬‬
‫وحده)‪.‬‬

‫اّلل ِم ْن َش ْي ٍء﴾‪:‬‬
‫اب متفرقة ‪﴿ :-‬ما َكا َن ي ْغ ِين عْن هم ِمن َِّ‬
‫ُ َ ُْ َ‬ ‫َ‬
‫وهم﴾ ‪ -‬أي ِمن أبو ٍ‬ ‫اآلية ‪َ ﴿ :68‬ولَ َّما َد َخلُوا ِم ْن َحْي ُ‬
‫ث أ ََمَرُه ْم أَبُ ُ ْ‬
‫اجةا ِيف نَ ْف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اها﴾ أي‪ :‬ولكنه كا َن خوفا يف نفس يعقوب‬ ‫ضَ‬‫وب قَ َ‬
‫س يَ ْع ُق َ‬ ‫أي ما كان ذلك ليَدفع قضاءَ هللا عنهم‪﴿ ،‬إَّال َح َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫عليهم من أن تصيبهم العي‪َ ﴿ ،‬وإِنَّهُ لَ ُذو ع ْل ٍم ل َما َعلَّ ْمنَاهُ﴾‪ :‬يعين إ ّن يعقوب لَصاحب عل ٍم عظيم ‪ْ -‬‬
‫أبمر دينه ‪َ -‬علَّ َمهُ‬
‫َّاس َال يَ ْعلَ ُمو َن﴾ أي ال يَعلمو َن عواقب األمور ودقائق األشياء‪ ،‬وكذلك ال يَعلمو َن ما‬ ‫هللاُ له ابلوحي‪َ ﴿ ،‬ولَ ِك َّن أَ ْكثَ َر الن ِ‬
‫يعلمه يعقوب ِمن صفات ِ‬
‫هللا تعاَل‪.‬‬ ‫َ‬

‫فعلت هذا؟)‪ ،‬فإنه يقول‬ ‫ِ‬


‫♦ واعلم أنه من اخلطأ الذي يقع فيه البعض‪ ،‬أنه إذا فَ َع َل أحدهم شيئا‪ ،‬وقال له الناس‪( :‬ملاذا َ‬
‫هلم‪( :‬حاجةا يف نفس يعقوب قضاها)‪ ،‬فهذا خطأ‪ ،‬ألنه ليس يعقوب‪ ،‬ويعقوب عليه السالم نيب‪ ،‬وهذا الشخص ليس‬
‫نبيا‪ ،‬وإمنا الصواب أن يقول‪( :‬حاجةا يف نفس "فُالن" قضاها) ‪ -‬ويقول اَسه‪.‬‬

‫ِ‬
‫ض َّم إليه شقيقه بنيامي‪،‬‬ ‫َخاهُ﴾‪ :‬أي َ‬ ‫ف﴾ يف َمنزل ضيافته ومعهم شقيقه‪﴿ :‬آََوى إِلَْيه أ َ‬
‫وس َ‬
‫اآلية ‪َ ﴿ :69‬ولَ َّما َد َخلُوا َعلَى يُ ُ‬
‫س ِِبَا َكانُوا يَ ْع َملُو َن﴾‪ :‬أي ال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وك﴾ (و َأمَرهُ بكتمان ذلك عن إخوته)‪ ،‬وقال له‪﴿ :‬فَ َال تَْب تَئ ْ‬ ‫و﴿قَ َال﴾ له سّرا‪﴿ :‬إِِّّن أَ ََّن أ ُ‬
‫َخ َ‬
‫ضى‪.‬‬ ‫حتزن ِبا صنعوه يب فيما َم َ‬
‫ِ‬
‫الس َقايَةَ ِيف َر ْح ِل‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫اآلية ‪﴿ :71‬فَلَ َّما َج َّهَزُه ْم ِبَ َهازه ْم﴾‪ :‬يعين عندما َمحَّل يوسف إبلَهم ابلطعام الذي ُيتاجونه‪َ ﴿ :‬ج َع َل ّ‬
‫ض َع اِإَّنء ‪ -‬الذي كان يَكيل به للناس ‪ -‬يف متاع بنيامي (دو َن أن يَشعر أحد)‪ُ ﴿ ،‬مثَّ﴾ ‪ -‬عندما ركبوا‬ ‫ِِ‬
‫أَخيه﴾‪ :‬أي َو َ‬
‫حملة ابلطعام ﴿إِنَّ ُك ْم‬ ‫ليسريوا ‪﴿ :-‬أَذَّ َن مؤِذّ نن﴾‪ :‬أي َّندى م ٍ‬
‫ناد‪﴿ :‬أَيَّتُ َها الْعِريُ﴾‪ :‬يعين َي أصحاب هذه القافلة امل َّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َُ‬
‫لَ َسا ِرقُو َن﴾‪.‬‬

‫نادي ‪َ ﴿ :-‬ما َذا تَ ْف ِق ُدو َن﴾؟‬


‫اآلية ‪﴿ :71‬قَالُوا وأَقْ ب لُوا علَي ِهم﴾ أي قال أوالد يعقوب ‪ -‬مقبلي على امل ِ‬
‫ُ‬ ‫َ َ َْ ْ‬
‫ُ‬
‫ك﴾‪ :‬أي نفقد املكيال الذي يَكيل امللك به للناس‪،‬‬ ‫اع الْملِ ِ‬
‫َ‬ ‫ص َو‬ ‫ومن معه‪﴿ :‬نَ ْف ِق ُد‬ ‫اآلية ‪﴿ :72‬قَالُوا﴾ أي قال امل ِ‬
‫نادي‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ضره‪ ،‬مقدارها ﴿ ِمحْ ُل بَعِ ٍري﴾‪ :‬أي َيخذ من الطعام ما يستطيع أحد اِإبل أن‬ ‫﴿ولِمن جاء بِِه﴾‪ :‬يعين هناك ُمكافأة ملن ُُي ِ‬
‫ََْ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َُيمله‪َ ﴿ ،‬وأَ ََّن به َزع نيم﴾ يعين‪ :‬وقال املنادي‪( :‬وأَّن الضامن واملتوِل ِإعطاء هذه املكافأة ملن َيد املكيال)‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪1‬‬
‫‪6‬‬
‫وهللا لقد َتكدمت ‪ِِ -‬مّا رأيتموه ِمنَّا يف املرة السابقة‬
‫ّلل لََق ْد علِمتم﴾‪ :‬يعين‪ِ :‬‬
‫َ ُْْ‬
‫اآلية ‪﴿ :73‬قَالُوا﴾ أي قال إخوة يوسف‪َ ﴿ :‬ات َِّ‬
‫ض﴾ أي ما جئنا أرض "مصر" من أجل اِإفساد فيها وارتكاب املعاصي ﴿ َوَما ُكنَّا‬ ‫‪ -‬أننا ﴿ َما ِجْئ نَا لِنُ ْف ِس َد ِيف ْاأل َْر ِ‬
‫ي﴾ أي مل نَسرق املكيال كما أننا مل نَسرق متاع أحد ِمن قبل‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َسا ِرق َ‬

‫اآلية ‪﴿ :74‬قَالُوا﴾ أي قال امل َكلَّفون ابلبحث عن املكيال ‪ِ -‬إخوة يوسف ‪﴿ :-‬فَ َما َجَز ُاؤهُ﴾‪ :‬يعين ما هي عقوبة‬
‫ِ ُ‬
‫ي﴾ يف قولكم‪( :‬لسنا بسارقي؟)‪.‬‬ ‫السارق عندكم ﴿إِ ْن ُكْن تُ ْم َكاذبِ َ‬

‫اآلية ‪ ،75‬واآلية ‪﴿ :76‬قَالُوا﴾ أي قال إخوة يوسف‪َ ﴿ :‬جَز ُاؤهُ﴾ أي جزاء السارق يف شريعتنا‪ :‬أنه ﴿ َم ْن ُوِج َد﴾ املكيال‬
‫ك﴾‪ :‬أي ِبِثل هذا اجلزاء‬ ‫ِ‬ ‫﴿ِيف َر ْحلِ ِه فَ ُه َو َجَز ُاؤهُ﴾ أي يُ َسلَّم السارق إَل َمن َسَرق منه‪ ،‬حىت يكو َن ا‬
‫عبدا عنده‪ ،‬و﴿ َك َذل َ‬
‫ِِ‬
‫ي﴾ أي السارقي‪( ،‬واعلم أ ّن معىن قوله تعاَل‪﴿ :‬فَ ُه َو َجَز ُاؤهُ﴾‬ ‫عامل السارق معاملة العبيد ‪َْ ﴿ -‬جن ِزي الظَّالم َ‬
‫‪ -‬وهو أن يُ َ‬
‫أي فنفسه هي جزاء سرقته‪ ،‬أبن تُستَعبَد)‪.‬‬

‫َخ ِيه﴾؛ وذلك‬ ‫نادي ومعه إخوة يوسف‪ ،‬فقام يوسف بتفتيش أمتعتهم بنفسه ﴿فَب َدأَ ِأبَو ِعيتِ ِهم قَبل ِوع ِاء أ ِ‬ ‫♦ فرجع امل ِ‬
‫َ ْ َ ْ َْ َ‬
‫ف﴾‪ :‬أي كذلك يَ َّسرَّن‬ ‫وس‬ ‫ي‬‫َخ ِيه﴾‪َ ﴿ ،‬ك َذلِك كِ ْد ََّن لِ‬
‫َ‬ ‫إحكاما لِماُ دبَّره‪ ،‬حىت يستبقي أخيه معه ﴿ ُمثَّ استَخرجها ِمن ِوع ِاء أ ِ‬
‫ُ ُ َ‬ ‫ْ َْ َ َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ا َ َ‬
‫ك﴾‪ :‬أي ما كان يستطيع أن َيخذ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫توصل به ألخذ أخيه‪ ،‬و﴿ما َكا َن ليأْخ َذ أَخاه ِيف دي ِن الْمل ِ‬ ‫ليوسف هذا التدبري الذي َّ‬
‫َ‬ ‫َ ُ َُ‬ ‫َ‬
‫أخاه عن طريق االحتكام إَل َملِك مصر ‪ -‬ألنه ليس من شريعة امللك أن يَتملَّك السارق‪ ،‬ولكنه كان يَضرب السارق‬
‫اّلل﴾‪ :‬يعين إال أ ّن مشيئةَ َِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هللا قد اقتضت هذا التدبري واالحتكام إَل شريعة إخوة‬ ‫َ‬ ‫ويُغَِّرمه ِبثل ما َسَرق ‪﴿ -‬إَّال أَ ْن يَ َشاءَ َُّ‬
‫أبخذ السارق ومعاملته َك َعبد‪.‬‬ ‫فحكموا ْ‬ ‫يوسف‪َ ،‬‬

‫ات َم ْن نَ َشاءُ﴾‪ :‬أي نرفع َمنازل َمن نشاءُ ِمن عبادَّن‪َ ﴿ ،‬وفَ ْو َق ُك ِّل ِذي ِع ْل ٍم‬
‫♦ وكما رفعنا منزلة يوسف‪﴿ :‬نَرفَع درج ٍ‬
‫ْ ُ ََ َ‬ ‫َ‬
‫هللا تعاَل عامل الغيب والشهادة‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َعلِ نيم﴾ يعين‪َ :‬‬
‫وفوق كل صاحب ِعل ٍم من هو أعلم منه‪ ،‬حىت ينتهي العِلم إَل ِ‬

‫*********************‬

‫‪1‬‬
‫‪7‬‬
‫‪ .4‬الربع الرابع من سورة يوسف‬

‫ِ‬
‫ب يف‬ ‫اآلية ‪﴿ :77‬قَالُوا﴾ أي قال إخوة يوسف‪﴿ :‬إ ْن يَ ْس ِر ْق﴾‪ :‬يعين إ ْن كا َن "بنيامي" قد سرق مكيال املَلك‪ ،‬فال َع َج َ‬
‫أَيم ِصغَ ِره‪ ،‬فقد قيل ‪ -‬وهللاُ أعلم ‪ -‬إنه َسَر َق‬ ‫ِ‬
‫َخ لَهُ م ْن قَ ْب ُل﴾ (يَقصدون بذلك يوسف عليه السالم َ‬ ‫ذلك ﴿فَ َق ْد َسَر َق أ ن‬
‫ابهلل تعاَل‪،‬‬ ‫صنما أليب أ ُِمه فكسره حىت ال يعبده)‪ ،‬فإ ْن كا َن ذلك قد حدُ‪ ،‬فهذه ليست سرقة‪ ،‬بل هو هني عن ِشرٍك ِ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ف ِيف نَ ْف ِس ِه َوَملْ يُْب ِد َها َهلُْم﴾‪ :‬أي َكتَ َم يوسف يف نفسه هذه التهمة وكظم غيظه‪ ،‬و﴿قَ َال﴾ يف نفسه‪:‬‬ ‫وس ُ‬ ‫َسَّرَها يُ ُ‬
‫﴿فَأ َ‬
‫اّللُ أ َْعلَ ُم ِِبَا‬ ‫ِ‬
‫اَّن﴾‪ :‬يعين أنتم أسوأُ َمنزلةا ِمّن اّتمتموه ‪ -‬كذابا ‪ -‬ابلسرقة‪ُ ،‬‬
‫حيث َدبَّرمت ِل ما كا َن منكم ﴿ َو َّ‬ ‫﴿أَنْتُ ْم َشٌّر َم َك ا‬
‫ص ُفو َن﴾ أي حبقيقة ما تَذكرون‪.‬‬ ‫تَ ِ‬

‫في يوسف لِيُوفوا بعهد أبيهم ‪ََ ﴿ :-‬ي أَيُّ َها الْ َع ِز ُيز إِ َّن لَهُ أ اَاب َشْي اخا َكبِ اريا﴾‪ :‬يعين إ ّن له و ا‬
‫الدا‬ ‫ِ‬
‫اآلية ‪﴿ :78‬قَالُوا﴾ ‪ُ -‬مستعط َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ي﴾ يف معاملتك لنا ولغريَّن‪.‬‬ ‫َح َد ََّن َم َكانَهُ﴾ ﴿إِ ََّّن نََر َاك م َن الْ ُم ْحسن َ‬
‫كبريا يف السن‪ُُ ،‬يبه وال يطيق بُعده ﴿فَ ُخ ْذ أ َ‬
‫ا‬
‫أحدا غري‬
‫ابهلل أن أنخذ ا‬ ‫اآلية ‪﴿ :79‬قَ َال﴾ هلم يوسف‪﴿ :‬معا َذ َِّ‬
‫اّلل أَ ْن َأنْخ َذ إَِّال من وج ْد ََّن متاعنا ِعْن َده﴾‪ :‬أي نعوذ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ ْ َ َ َ َ ََ‬ ‫ُ‬ ‫ََ‬
‫الذي وجدَّن املكيال عنده‪﴿ ،‬إِ ََّّن إِ اذا لَظَالِ ُمو َن﴾ إ ْن فَ َعلنا لكم ما تطلبون‪.‬‬

‫انفردوا عن الناس‪،‬‬ ‫اآلية ‪﴿ :81‬فَلَ َّما استَ ي ئسوا ِمْنه﴾‪ :‬يعين عندما يئِسوا من إجابة يوسف لِطَلبهم‪﴿ :‬خلَ ِ‬
‫صوا َجنيًّا﴾‪ :‬أي َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ َْ ُ ُ‬
‫َن أَاب ُكم قَ ْد أَخ َذ علَي ُكم موثِاقا ِمن َِّ‬ ‫ِ‬
‫اّلل﴾ أي أخذ‬ ‫َ َ ْ ْ َْ َ‬ ‫وأخذوا يَتشاورو َن فيما بينهم‪ ،‬ف ﴿قَ َال َكبريُُه ْم﴾ يف السن‪﴿ :‬أََملْ تَ ْعلَ ُموا أ َّ َ ْ‬
‫ومن قبل هذا‬ ‫عليكم العهد املؤكد أبنكم لَتَ رُّد َّن إليه أخاكم إال أن َّتلكوا ْجيعا‪﴿ ،‬وِمن قَبل ما فَ َّرطْتُم ِيف يوسف﴾ يعين‪ِ :‬‬
‫ْ ُ ُ َ‬ ‫َ ْ ُْ َ‬ ‫ُ‬
‫ض﴾‪ :‬أي لن أفارق أرض "مصر" ﴿ َح َّىت ََيْ َذ َن ِِل أَِيب﴾ يف‬ ‫كان تقصريكم يف يوسف و َغ ْدركم به؛ لذلك ﴿فَلَ ْن أَبْ َر َح ْاأل َْر َ‬
‫ي﴾ أي‪:‬‬ ‫اّلل ِِل﴾‪ :‬يعين أو يقضي ِل ريب ابخلروج منها‪ ،‬وأَتَ َّكن ِمن أَخ ِذ أخي‪﴿ ،‬وهو خي ر ْ ِ ِ‬
‫احلَاكم َ‬ ‫َ َُ َُْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُمفارقتها‪﴿ ،‬أ َْو َُْي ُك َم َُّ‬
‫وهللاُ تعاَل هو أعدل َمن َح َك َم بي الناس‪.‬‬

‫ِ‬
‫ك﴾ "بنيامي" قد ﴿ َسَر َق﴾ ﴿ َوَما‬ ‫اآلية ‪ ،81‬واآلية ‪ ،82‬واآلية ‪ْ ﴿ :83‬ارجعُوا إِ ََل أَبِي ُك ْم فَ ُقولُوا﴾ له‪ََ ﴿ :‬ي أ ََاب ََّن إِ َّن ابْنَ َ‬
‫ي﴾‬ ‫َش ِه ْد ََّن إَِّال ِِبَا علِمنَا﴾ أي‪ :‬ما َش ِه ْدَّن بذلك إال بعد أن َتكدَّن‪ ،‬فقد رأينا املكيال يف متاعه‪﴿ ،‬وما ُكنَّا لِْلغَي ِ ِ ِ‬
‫ب َحافظ َ‬ ‫ْ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫اسأ َِل الْ َق ْريَةَ الَِّيت ُكنَّا فِ َيها﴾ أي اسأل‬ ‫ِِ‬
‫عاهدَّنك على َرّده إليك‪َ ﴿ ،‬و ْ‬ ‫َ‬ ‫حي‬
‫لم من الغيب أبنه سيَسرق َ‬
‫أي‪ :‬مل يكن عندَّن ِع ِ‬
‫ن‬
‫ص ِادقُو َن﴾ فيما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أهل "مصر" ﴿ َوالْع َري الَِّيت أَقْ بَ ْلنَا ف َيها﴾ أي‪ :‬واسأل أيض ا َمن كان معنا يف القافلة اليت كنا فيها ﴿ َوإِ ََّّن لَ َ‬
‫أخربَّنك به‪.‬‬

‫ت لَ ُك ْم أَنْ ُف ُس ُك ْم أ َْمارا﴾ يعين‪ :‬بل َزيَّنَت لكم‬


‫♦ وملّا رجعوا إَل بلدهم‪ ،‬وأخربوا أابهم ِبا حدُ‪﴿ :‬قَ َال﴾ هلم‪﴿ :‬بَ ْل َس َّولَ ْ‬
‫صْب نر ْجيل ال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فص ْربي َ‬
‫يل﴾ أي‪َ :‬‬ ‫صْب نر َْج ن‬ ‫األمارة ابلسوء َمكيدة َدبَّرَتوها‪ ،‬كما فعلتم من قبل مع يوسف‪﴿ ،‬فَ َ‬ ‫أنفسكم َّ‬

‫‪1‬‬
‫‪8‬‬
‫إِل أبنائي الثالثة‬
‫ْج ايعا﴾‪ :‬أي عسى هللاُ أن يَ ُرَّد َّ‬ ‫اّلل أَ ْن َيْتِي ِين هبِِم َِ‬ ‫ٍ‬
‫ط فيه وال شكوى معه ألحد من اخلَلق‪َ ﴿ ،‬ع َسى َُّ َ َ ْ‬ ‫تَ َس ُّخ َ‬
‫احلَ ِك ُيم﴾ يف تدبريه وقضائه‪.‬‬ ‫‪ -‬يوسف وبنيامي وأخوهم الكبري (املتخلف من أجل أخيه) ‪﴿ -‬إِنَّهُ ُه َو الْ َعلِ ُيم﴾ حباِل‪ْ ﴿ ،‬‬

‫َس َفى﴾ أي َيحزّن ﴿ َعلَى‬


‫ص ْد ُرهُ ِبا قالوه‪َ ﴿ ،‬وقَ َال ََي أ َ‬ ‫اآلية ‪َ ﴿ :84‬وتَ َوََّل َعْن ُه ْم﴾‪ :‬أي أعرض يعقوب عنهم‪ ،‬وقد َ‬
‫ضاق َ‬
‫أصاب عينيه من البياض) ﴿ ِم َن﴾‬
‫َ‬ ‫ص ِرِه ِبا‬
‫دليل على ذهاب بَ َ‬
‫ب َسوادَها‪( ،‬وهو ن‬
‫َّت َعْي نَاهُ﴾ أي ذَ َه َ‬
‫ف﴾ ﴿ َوابْيَض ْ‬ ‫وس َ‬
‫يُ ُ‬
‫احلزِن﴾ ﴿فَهو َك ِظيم﴾ أي ِملوء ابلغم وال َكرب‪ ،‬ولكنه ال يظهر َكربه ٍ‬
‫ألحد إال هلل‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َُ ن‬ ‫شدة ﴿ ُْْ‬
‫ّلل تَ ْفتأُ تَ ْذ ُكر يوسف﴾ أي‪ِ :‬‬
‫وهللا ما تزال تتذكر يوسف‪ ،‬ويَ ُّ‬
‫شتد حزنك عليه‬ ‫ِ‬
‫اآلية ‪﴿ :85‬قَالُوا﴾ أي قال له أبناؤه‪َ ﴿ :‬ات َّ َ ُ ُ ُ َ‬
‫فخ ِفف عن‬ ‫﴿ح َّىت تَ ُكو َن حرضا﴾‪ :‬أي حىت تُ ْش ِرف على اهلالك ﴿أَو تَ ُكو َن ِمن ا ْهلالِ ِكي﴾‪ :‬يعين أو َّتلَ ِ‬
‫ك فعالا‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ََ ا‬ ‫َ‬
‫نفسك‪.‬‬

‫اآلية ‪ ،86‬واآلية ‪﴿ :87‬قَ َال﴾ يعقوب ُجميبا هلم‪﴿ :‬إَِّمنَا أَ ْش ُكو ب ثِّي﴾ أي ََِهي ﴿وحزِّن إِ ََل َِّ‬
‫اّلل﴾ وحده‪ ،‬فهو كاشف‬ ‫ّ َ ُْ‬ ‫َ‬ ‫ا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الضر والبالء‪﴿ ،‬وأَعلَم ِمن َِّ‬
‫اّلل َما َال تَ ْعلَ ُمو َن﴾ أي أعلم من رمحة هللا وفرجه ما ال تعلمونه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َُْ َ‬ ‫ّ‬
‫شتك ٍ‬
‫ألحد من‬ ‫♦ واعلم أ ّن الشكوى إَل ِ‬
‫هللا تعاَل ال تُعا ِرض الصرب اجلميل الذي و َع َد به يعقوب عليه السالم‪ ،‬ألنه مل ي ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫اخلَلق‪.‬‬

‫َخ ِيه﴾‪ :‬أي التمسوا وتَتَ بّعوا‬‫♦ مث قال يعقوب ألبنائه‪َ﴿ :‬ي ب ِين ا ْذهبوا﴾ أي عودوا إَل "مصر" ﴿فَتَح َّسسوا ِمن يوسف وأ ِ‬
‫َ ُ ْ ُ ُ َ َ‬ ‫َ َ َّ َ ُ‬
‫اّلل﴾‪ :‬أي ال تَقطعوا رجاءكم ِمن رمحة هللا‪﴿ ،‬إِنَّه َال ي ي ئس ِمن رو ِح َِّ‬
‫اّلل إَِّال‬ ‫أخبار يوسف وأخيه‪﴿ ،‬وَال تَي ئسوا ِمن رو ِح َِّ‬
‫ُ َْ َ ُ ْ َ ْ‬ ‫َ َْ ُ ْ َْ‬
‫الْ َقوم الْ َكافِرو َن﴾‪ :‬يعين إنه ال يقطع الرجاء من رمحة ِ‬
‫هللا إال اجلاحدو َن لقدرته وسعة رمحته‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُْ‬

‫اآلية ‪ ،88‬واآلية ‪﴿ :89‬فَلَ َّما َد َخلُوا َعلَْي ِه﴾ أي على يوسف‪﴿ ،‬قَالُوا ََي أَيُّ َها الْ َع ِز ُيز َم َّسنَا َوأ َْهلَنَا الضُُّّر﴾ أي أصابنا وأهلنا‬
‫القحط واجلفاف‪﴿ ،‬وِجْئ نَا بِبِضاع ٍة مزج ٍاة﴾‪ :‬أي جئناك بثم ٍن قليل (وهي دراهم معدودة)‪﴿ ،‬فَأَو ِ‬
‫ف لَنَا الْ َكْي َل﴾‪ :‬يعين‬ ‫ْ‬ ‫ََ‬ ‫َ َ ُْ َ‬ ‫َ‬
‫َّق َعلَْي نَا﴾ ابلتغاضي عن قلة هذه الدراهم‪﴿ ،‬إِ َّن َّ‬
‫اّللَ ََْي ِزي‬ ‫صد ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كنت تعطينا من قبل ابلثمن اجليد‪َ ﴿ ،‬وتَ َ‬ ‫أعطنا هبا ما َ‬
‫الْمت ِ ِ‬
‫ي﴾ أي يُثيب ِّ‬
‫املتفضلي أبمواهلم على أهل الفقر واحلاجة‪.‬‬ ‫ص ّدق َ‬
‫َُ َ‬
‫َخ ِيه إِ ْذ أَنْتم ج ِ‬
‫اهلُو َن﴾‪ :‬يعين‬ ‫فلما َسع قوهلم‪ ،‬ر َّق هلم‪ ،‬وعَّرفهم بنفسه‪ ،‬ف ﴿قَ َال﴾‪﴿ :‬هل علِمتُم ما فَع ْلتُم بِيوسف وأ ِ‬
‫♦ َّ‬
‫ُْ َ‬ ‫َْ َْْ َ َ ْ ُ ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫هل تَذ ُكرون ما فعلتموه بيوسف وأخيه من األذى‪ ،‬يف حال َج ْهلكم بعاقبة ما تفعلون؟‬

‫اّللُ َعلَْي نَا﴾‪ :‬أي قد تفضَّل هللاُ علينا‪،‬‬


‫َخي﴾‪﴿ ،‬قَ ْد َم َّن َّ‬ ‫َّك َألَنْت يوسف﴾؟ ﴿قَ َال أَ ََّن يوسف وه َذا أ ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ ُ ُ ََ‬ ‫اآلية ‪﴿ :91‬قَالُوا أَئن َ َ ُ ُ ُ‬
‫ي﴾‪ :‬أي ال‬ ‫ِِ‬
‫َجَر الْ ُم ْحسن َ‬
‫يع أ ْ‬
‫ِ‬ ‫صِ ْرب﴾ على املِ َحن‪﴿ :‬فَِإ َّن َّ‬
‫اّللَ َال يُض ُ‬ ‫فج َم َع بيننا بعد ال ُفرقة‪﴿ ،‬إِنَّهُ َم ْن يَت َِّق﴾ هللاَ تعاَل‪َ ﴿ ،‬ويَ ْ‬
‫َ‬
‫وصربه‪ ،‬وإمنا ََيزيه أحسن اجلزاء‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اب إحسانه َ‬ ‫يُذهب ثو َ‬

‫‪1‬‬
‫‪9‬‬
‫أعزك ابلعِلم واحلِلم والفضل‪َ ﴿ ،‬وإِ ْن ُكنَّا‬ ‫اّلل علَي نا﴾ أي‪ِ :‬‬
‫وهللا لقد فَضَّلك هللاُ علينا و َّ‬ ‫ِ‬
‫اآلية ‪﴿ :91‬قَالُوا َات َّّلل لََق ْد آَثََرَك َُّ َ ْ َ‬
‫مدا ‪ -‬بك وأبخيك‪.‬‬ ‫خاطئي ِبا فعلناه ‪َ -‬ع ا‬ ‫ي﴾ أي‪ :‬ولقد كنا‬ ‫ِِ‬
‫َ‬ ‫َخلَاطئ َ‬

‫وم وال عتاب‪﴿ ،‬يَ ْغ ِف ُر َّ‬


‫اّللُ لَ ُك ْم﴾‬ ‫َتنيب عليكم اليوم وال لَ َ‬ ‫اآلية ‪ ،92‬واآلية ‪﴿ :93‬قَ َال َال تَثْ ِر َ‬
‫يب َعلَْي ُك ُم الْيَ ْوَم﴾ أي ال َ‬
‫اتب ِمن ذنبه وندم على ما فعل‪.‬‬ ‫﴿وهو أَرحم َّ ِ ِ‬
‫ي﴾ ملن َ‬ ‫الرامح َ‬ ‫َ َُ ْ َ ُ‬
‫♦ وهذا يُ َعلِّ ُمنا العفو َع ّمن أساءَ إلينا ِبجرد أن يَعتذر‪ ،‬فعلى الرغم ِِمّا فَ َعله إخوته به إال إهنم ِبجرد أن اعتذروا إليه ‪-‬‬
‫فالسعيد حقا هو َمن يُسامح عن كل ما كا َن يف َح ِّق ِه من‬
‫ُ‬ ‫واعرتفوا خبطئهم‪ ،‬وَك َسروا كربَيئهم ‪َ -‬عفا عنهم ومل يُعاتبهم‪( ،‬‬
‫أجل اجلنة)‪.‬‬

‫يصي َه َذا﴾‪ :‬أي عودوا إَل أبيكم‬ ‫♦ وملا سأهلم عن أبيه‪ ،‬أخربوه بذهاب بصره من البكاء عليه‪ ،‬فقال هلم‪﴿ :‬ا ْذهبوا بَِق ِم ِ‬
‫َُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫َْجعي﴾ أي‪ :‬مث ِ‬
‫أحضروا‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ك‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫ل‬ ‫َه‬ ‫ِ‬
‫أب‬ ‫ِ‬
‫وّن‬ ‫ت‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫أ‬‫و‬ ‫﴿‬ ‫بصره‪،‬‬ ‫إليه‬ ‫د‬
‫ْ‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫أي‬ ‫﴾‬ ‫ا‬
‫ري‬‫ص‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ومعكم قميصي هذا ﴿فَأَلْ ُقوه علَى وجه أَِيب َيْت ب ِ‬
‫ْ ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َُ‬ ‫َ َ ا‬ ‫ُ َ َْ‬
‫إِل ْجيع أهلكم‪.‬‬
‫َّ‬

‫*********************‬

‫‪2‬‬
‫‪0‬‬
‫‪ .5‬الربع األخري من سورة يوسف‬

‫خرجت القافلة من أرض "مصر" ومعهم قميص يوسف عليه السالم‪﴿ :‬قَ َال‬ ‫ْ‬ ‫ت الْعِريُ﴾ يعين‪ :‬وملا‬
‫اآلية ‪﴿ :94‬ولَ َّما فَصلَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ف﴾ أي أشم رائحته (أل ّن الريح َمحَلَتها إليه أبمر هللا تعاَل هلا)‪﴿ ،‬لَ ْوَال‬ ‫وس َ‬ ‫ين عنده‪﴿ :‬إِّّن َألَج ُد ر َ‬
‫يح يُ ُ‬ ‫وه ْم﴾ للحاضر َ‬ ‫أَبُ ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫صدَّقتموّن فيما‬ ‫ص َد َر م ِّين من غري شعور‪ ،‬لَ َ‬
‫أَ ْن تُ َفنّ ُدون﴾ يعين‪ :‬ولوال أنكم ستَسخرون م ِّين وتزعمون أ ّن هذا الكالم قد َ‬
‫أقول‪ ،‬فإّن أ َِج ُد رائحته‪.‬‬

‫ك الْ َق ِد ِمي﴾ يعين إنك ال تزال يف خطئك القدمي ِمن‬ ‫ّلل إِنَّك لَِفي ِ‬
‫ض َالل َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫اآلية ‪﴿ :95‬قَالُوا﴾ أي قال احلاضرو َن عنده‪َ ﴿ :‬ات َّ َ‬
‫ب يوسف وعدم نسيانه‪.‬‬ ‫اِإفراط يف ُح ّ‬

‫حي‪﴿ ،‬أَلْ َقاهُ َعلَى َو ْج ِه ِه﴾ أي ألقى قميص‬ ‫بشره أب ّن يوسف ٌّ‬ ‫اآلية ‪﴿ :96‬فَلَ َّما أَ ْن َجاءَ الْبَ ِشريُ﴾‪ :‬يعين عندما جاءَ َمن يُ ِّ‬
‫وع َّمهُ السرور‪ ،‬ف ﴿قَ َال﴾ ملن عنده‪﴿ :‬أََملْ أَقُ ْل لَ ُك ْم إِِّّن أ َْعلَ ُم‬ ‫ِ‬
‫بصرا‪َ ،‬‬ ‫يوسف على وجه يعقوب ﴿فَ ْارتَ َّد بَص اريا﴾ أي َ‬
‫عاد ُم ا‬
‫وحسن تدبريه ورمحته وكرمه ما ال تعلمونه أنتم؟‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِمن َِّ‬
‫اّلل َما َال تَ ْعلَ ُمو َن﴾ أي أعلم من لُطف هللا ُ‬ ‫َ‬
‫استَ ْغ ِف ْر لَنَا ذُنُوبَنَا﴾ أي اسأل هللاَ أن يعفو عنا ويَسرت علينا ذنوبنا‪﴿ ،‬إِ ََّّن ُكنَّا‬
‫اآلية ‪﴿ :97‬قَالُوا﴾ أي قال أبناؤه‪ََ ﴿ :‬ي أ ََاب ََّن ْ‬
‫ي﴾ فيما فعلناه بيوسف وشقيقه‪ ،‬ويف الضرر واحلُزن الذي حدُ لك طوال هذه املدة‪.‬‬ ‫ِِ‬
‫َخاطئ َ‬
‫ِ‬ ‫فأ ِ‬
‫َستَ ْغف ُر لَ ُك ْم َرِّيب﴾‪ :‬أي سوف أسأل ريب أن يَغفر لكم ذنوبكم ﴿إنَّهُ ُه َو الْغَ ُف ُ‬
‫ور﴾‬ ‫اآلية ‪ ،98‬واآلية ‪﴿ :99‬قَ َال َس ْو َ ْ‬
‫الرِح ُيم﴾ هبم‪ُ ،‬‬
‫حيث َوفقهم للتوبة وقَبِلها منهم‪.‬‬ ‫لذنوب عباده التائبي‪َّ ﴿ ،‬‬
‫أجل االستغفار ألبنائه ‪ -‬عندما قال هلم‪( :‬سوف أستغفر لكم ريب) ‪ -‬إَل ٍ‬
‫ساعة‬ ‫قيل إ ّن يعقوب عليه السالم قد َّ َ‬
‫♦ وقد َ‬
‫الس َحر) أو يوم اجلمعة‪ ،‬وهللاُ أعلم‪.‬‬
‫من ساعات إجابة الدعاء‪ ،‬كآخر الليل (وهو وقت َ‬
‫ِ ِ‬
‫ف آََوى إِلَْيه أَبَ َويْه﴾ أي َ‬
‫ض َّم يوسف إليه أابه وأ َُّمه‪،‬‬ ‫وس َ‬
‫♦ مث خرج يعقوب وأهله إَل "مصر" ﴿فَلَ َّما َد َخلُوا َعلَى يُ ُ‬
‫ومن كل مكروه‪.‬‬ ‫هللا وتقديره وإذنه‪﴿ ،‬آَِمنِي﴾ من التعب واجلوع‪ِ ،‬‬ ‫اّلل﴾ أي ِبشيئة ِ‬ ‫﴿وقَ َال﴾ هلم‪ْ ﴿ :‬اد ُخلُوا ِم ْ ِ‬
‫َ‬ ‫صَر إ ْن َشاءَ َُّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫س أابه وأ َُّمه على عرش ُملكه ِبانبه (إكر ااما هلما)‪،‬‬ ‫اآلية ‪ ،111‬واآلية ‪َ ﴿ :111‬وَرفَ َع أَبَ َويْه َعلَى الْ َع ْر ِش﴾‪ :‬أي ْ‬
‫أجلَ َ‬
‫حتية وتكرمي‪ ،‬وليس سجود ٍ‬
‫عبادة‬ ‫﴿وخُّروا لَه س َّج ادا﴾‪ :‬أي حيَّاه أبواه وإخوته ‪ -‬األحد عشر ‪ -‬ابلسجود له (سجود ٍ‬
‫َ ُ‬ ‫ََ ُ ُ‬
‫وخضوع)‪ ،‬وقد كان ذلك جائزا يف شريعتهم‪ ،‬ولكنه ح ِرم يف شريعتنا؛ إغالقا لباب الشرك ِ‬
‫ابهلل تعاَل‪.‬‬ ‫ُ َّ‬ ‫ا‬

‫صتُها عليك‬ ‫ت ه َذا ََتْ ِويل رْؤَي ِ‬


‫ِ‬
‫صْ‬‫ي م ْن قَ ْب ُل﴾ أي‪ :‬هذا السجود هو تفسري رؤَيي اليت قَ َ‬ ‫َُُ َ‬ ‫﴿ َوقَ َال﴾ يوسف ألبيه‪ََ ﴿ :‬ي أَبَ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الس ْج ِن﴾‪ :‬أي قد تفض َ‬
‫َّل هللاُ‬ ‫َح َس َن ِيب إِ ْذ أ ْ‬
‫َخَر َج ِين م َن ّ‬ ‫من قبل يف صغَري‪﴿ ،‬قَ ْد َج َعلَ َها َرِّيب َحقًّا﴾ أي صدقاا‪َ ﴿ ،‬وقَ ْد أ ْ‬

‫‪2‬‬
‫‪1‬‬
‫إِل ﴿ ِم َن الْبَ ْد ِو﴾ أي من البادية (وهي هنا‪ :‬صحراء الشام)‪ ،‬وذلك ﴿ ِم ْن‬ ‫علي حي أخرجين من السجن ﴿ َو َجاءَ بِ ُك ْم﴾ َّ‬ ‫َّ‬
‫األخ ّوة بيين وبي إخويت‪﴿ ،‬إِ َّن َرِّيب‬ ‫ِ‬
‫ي إِ ْخ َوِيت﴾‪ :‬أي من بعد أن أفسد الشيطان رابطة ُ‬ ‫بَ ْع ِد أَ ْن نََز َ‬
‫غ الشَّْيطَا ُن بَْي ِين َوبَ ْ َ‬
‫ف يب(‪﴿ ،‬إِنَّهُ ُه َو الْ َعلِ ُيم﴾ ِبصاحل عباده‪ْ ﴿ ،‬‬
‫احلَ ِك ُيم﴾‬ ‫ِ‬
‫يف﴾ يف تدبريه ﴿ل َما يَ َشاءُ﴾ أي ملن يشاءُ من عباده (كما لَطَ َ‬ ‫لَ ِط ن‬
‫يف أقواله وأفعاله‪.‬‬

‫الحظ أ ّن يوسف عليه السالم قد جعل نفسه طََرف ا يف القضية عندما قال‪( :‬نزغ الشيطان بيين وبي إخويت)‪ ،‬وذلك‬
‫♦ ويُ َ‬
‫حىت ال ُُيرج إخوته أمام الناس‪ ،‬فما أروع هذا األدب الراقي!‬

‫ك﴾‪ :‬أي أعطيتَين ِمن ُملك مصر ﴿ َو َعلَّ ْمتَِين ِم ْن ََتْ ِو ِيل‬ ‫♦ مث دعا يوسف ربه قائالا‪﴿ :‬ر ِب قَ ْد آَتَي تَِين ِمن الْم ْل ِ‬
‫َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬
‫السماو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْاأل ِ ِ‬
‫ات﴾ أي َي خالق السماوات‬ ‫َحاديث﴾‪ :‬أي علَّمتين من تفسري الرؤى وغري ذلك من العلم‪﴿ ،‬فَاطَر َّ َ َ‬ ‫َ‬
‫ت َولِيِّي﴾‪ :‬يعين أنت ُمتوِل ْجيع شؤوّن ﴿ِيف الدُّنْيَا﴾ ﴿ َو ْاآلَ ِخَرِة﴾ أي‪ :‬فكذلك ُكن ُمتوِل ْأمري يف‬ ‫ض﴾ ﴿أَنْ َ‬ ‫﴿ َو ْاأل َْر ِ‬
‫هللا واحد ‪ -‬يف كل‬ ‫اآلخرة إبجنائي من النار وإدخاِل اجلنة‪﴿ ،‬تَوفَِّين﴾ إليك ﴿مسلِما﴾ (ويف هذا دليل على أ ّن دين ِ‬
‫َ‬ ‫ُْ ا‬ ‫َ‬
‫لكن الشرائع هي اليت ختتلف)‪،‬‬ ‫ِ‬
‫زمان ‪ -‬وهو اِإسالم‪ ،‬الذي هو االستسالم واالنقياد واخلضوع التام ألوامر هللا تعاَل‪ ،‬و ّ‬
‫ي﴾ ‪ -‬من األنبياء واألبرار ‪ -‬يف أعلى درجات اجلنة‪.‬‬ ‫َحلِ ْق ِين ِاب َّ ِِ‬
‫لصاحل َ‬ ‫﴿ َوأ ْ‬

‫ك﴾ ‪ -‬أيها الرسول ‪-‬‬ ‫وح ِيه إِلَْي َ‬ ‫ك﴾ أي املذكور من قصة يوسف عليه السالم هو ﴿ ِم ْن أَنْبَ ِاء الْغَْي ِ‬
‫ب نُ ِ‬ ‫ِ‬
‫اآلية ‪َ ﴿ :112‬ذل َ‬
‫حاضرا مع إخوة يوسف حي َدبَّروا ْأمَر إلقاءه يف البئر‪،‬‬ ‫ا‬ ‫كنت‬ ‫ت لَ َديْ ِه ْم إِ ْذ أ ْ‬
‫َْجَعُوا أ َْمَرُه ْم َوُه ْم ميَْ ُك ُرو َن﴾‪ :‬أي ما َ‬ ‫﴿ َوَما ُكْن َ‬
‫وحي إليك)‪.‬‬ ‫وحي كذبوا على أبيهم (وهذا ي ُد ّل على ِصدقك‪ ،‬وعلى أ ّن هللا ي ِ‬
‫َُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫أكثر الناس ِبُص ِّدقيك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬ولو‬


‫ي﴾ أي‪ :‬ما ُ‬
‫َّاس ولَو حرص ِ ِ ِ‬
‫ت ِبُْؤمن َ‬ ‫اآلية ‪ ،113‬واآلية ‪َ ﴿ :114‬وَما أَ ْكثَ ُر الن ِ َ ْ َ َ ْ َ‬
‫ت على إمياهنم‪ ،‬وذلك أل ّن االنقياد للحق يَتعارض مع انقيادهم لشهواّتم وأغراضهم الدنيوية الرخيصة (إذا فال َحتزن‬ ‫صَ‬‫َحَر ْ‬
‫ِِ‬
‫أجرا على إرشادهم لْلميان ‪-‬‬‫َج ٍر﴾ يعين‪ :‬إنك مل تَطلب منهم ْ‬ ‫عليهم‪ ،‬ألنه ما عليك إال البالغ)‪َ ﴿ ،‬وَما تَ ْسأَ ُهلُْم َعلَْيه م ْن أ ْ‬
‫لت به ‪ِ -‬من‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ي﴾ يعين‪ :‬ما الذي أُرس َ‬ ‫حىت ال يكون ذلك سبب ا يف إعراضهم عن َد ْع َوتك ‪﴿ -‬إِ ْن ُه َو إَِّال ذ ْكنر ل ْل َعالَم َ‬
‫كرى للناس أْجعي‪ ،‬فبالتفكر فيه يَهتدون إَل احلق‪ ،‬وابتِّباعه يَسعدون يف الدنيا واآلخرة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫القرآن واهلُدى ‪ -‬إال َموعظة وذ َ‬
‫ض﴾‬ ‫السماو ِ‬
‫ات َو ْاأل َْر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ٍ‬
‫اآلية ‪َ ﴿ :115‬وَكأَيّ ْن م ْن آَيَة﴾ يعين‪ :‬وكثري من الدالئل ‪ -‬على وحدانية هللا وقدرته ‪ُ -‬منتشرة ﴿يف َّ َ َ‬
‫ضو َن﴾ ال يَتفكرون فيها‪،‬‬ ‫كالشمس والقمر واجلبال واألشجار‪َ﴿ ،‬ميُُّرو َن َعلَْي َها﴾ أي يُشاهدها املشركون ﴿ َوُه ْم َعْن َها ُم ْع ِر ُ‬
‫تفرد ابخلَلق ‪ -‬سبحانه وتعاَل ‪ََ -‬يب إفر ُادهُ أيضا ابلعبادة‪.‬‬ ‫وال يَعتربون أب ّن امل ِ‬
‫ُّ‬
‫ّلل﴾ أي‪ :‬ما يُِقُّر هؤالء املشركون أب ّن هللاَ تعاَل هو خالقهم ورازقهم‬ ‫اآلية ‪ ،116‬واآلية ‪﴿ :117‬وما ي ؤِمن أَ ْكث رهم ِاب َِّ‬
‫َ َ ُْ ُ َُ ُ ْ‬
‫وخالق كل شيء ﴿إَِّال َوُه ْم ُم ْش ِرُكو َن﴾ به يف عبادّتم للصنام وغريها‪ ،‬وكذلك يُشركون به يف َذ ْحبهم ونَ ْذرهم وغري ذلك‬

‫‪2‬‬
‫‪2‬‬
‫اّلل﴾ يعين‪ :‬فهل عند هؤالء املشركي ما ََيعلهم مطمئني ِمن‬ ‫اب َِّ‬
‫اشيةن ِمن َع َذ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫من أنواع العبادات‪﴿ ،‬أَفَأَمنُوا أَ ْن ََتْتيَ ُه ْم َغ َ ْ‬
‫اعةُ بَ ْغتَةا﴾‪:‬‬ ‫أ ّن هللاَ تعاَل لن يُ ِّنزل عليهم عذاابا ِمن عنده يُهلكهم ْجيعا؟‪﴿ ،‬أ َْو﴾ هل ِأمنُوا ‪ -‬أيضا ‪ -‬أن ﴿ ََتْتِيَ ُه ُم َّ‬
‫الس َ‬
‫يعين أن َتتيهم القيامة فجأة ﴿ َوُه ْم َال يَ ْشعُُرو َن﴾؟!‬

‫اآلية ‪﴿ :118‬قُل﴾ ‪ -‬أيها الرسول هلؤالء املشركي ‪﴿ :-‬ه ِذ ِه سبِيلِي﴾‪ :‬أي هذه طريقيت‪ ،‬وهي أنين ﴿أَدعو إِ ََل َِّ‬
‫اّلل﴾‪:‬‬ ‫ُْ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫اضحة من هللا تعاَل ‪ -‬وهو هذا القرآن الذي أنزل هللا فيه‬ ‫ٍ‬
‫صرية﴾‪ :‬أي على ح َّج ٍة و ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫أي أدعو إَل عبادة هللا وحده ﴿ َعلَى بَ َ‬
‫األدلة والرباهي وحتدَّى به املشركي ‪ -‬وعلى ِعل ٍم ويقي من شريعة ريب ﴿أَ ََّن وم ِن اتَّب ع ِين﴾ من املؤمني‪ُ ،‬كلُّنا ندعو إَل ِ‬
‫هللا‬ ‫ََ َ َ‬
‫اّلل﴾ أي‪ :‬وأُنَِّزهُ هللاَ تعاَل عن الشركاء‪ ،‬وأقول لكم ‪ُ -‬معلِن ا براءيت من الشرك ‪َ ﴿ : -‬وَما أَ ََّن م َن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫على بصرية‪﴿ ،‬وسبحا َن َِّ‬
‫َ ُْ َ‬
‫ِ‬
‫الْ ُم ْش ِرك َ‬
‫ي﴾‪.‬‬

‫ك﴾ ‪ -‬إَل الناس ‪﴿ -‬إَِّال ِر َج ااال﴾ أي بَشرا ِمن ِجنسهم (وهذا ن‬


‫إبطال‬ ‫ِ‬
‫اآلية ‪ ،119‬واآلية ‪َ ﴿ :111‬وَما أ َْر َس ْلنَا ِم ْن قَ ْبل َ‬
‫وخنتارهم ﴿ ِم ْن أ َْه ِل‬ ‫ِِإنكارهم أن يكون الرسول رجالا من الناس)‪ ،‬وهؤالء الرسل ﴿نُ ِ‬
‫وحي إِلَْي ِه ْم﴾‪ :‬أي نُنَ ِّزل عليهم َو ْحيَنا‪َ ،‬‬ ‫ُُ‬
‫أقد ُر الناس على فَهم‬ ‫الْ ُقَرى﴾‪ :‬أي ِمن أهل امل ُدن ‪ -‬وليس من أهل البادية (الصحراء) ‪ -‬وذلك أل ّن أهل امل ُدن هم َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ف َكا َن َعاقِبَ ُة‬ ‫ي‬‫ك‬ ‫ا‬
‫و‬ ‫ر‬‫ُ‬‫ظ‬‫ن‬ ‫ي‬
‫ْ ََ ْ ُ َ ْ َ‬ ‫ف‬ ‫ِ‬
‫ض‬ ‫َر‬‫األ‬
‫ْ‬ ‫ِ‬
‫يف‬ ‫﴿‬ ‫ا‬
‫و‬ ‫ش‬‫مي‬
‫َ‬ ‫أمل‬ ‫‪،‬‬ ‫‪-‬‬ ‫ابلعذاب‬ ‫كذبون‬ ‫امل‬ ‫هؤالء‬ ‫أي‬ ‫‪-‬‬ ‫﴾‬ ‫ا‬‫و‬ ‫ِ‬
‫الرسالة وتبليغها‪﴿ ،‬أَفَلَ ْم َ ُ‬
‫ري‬‫س‬ ‫ي‬
‫ُ‬
‫ين ِم ْن قَ ْبلِ ِه ْم﴾ من املكذبي وما نََزَل هبم من اهلالك؟‪َ ﴿ ،‬ولَ َد ُار ْاآلَ ِخَرِة﴾ أي‪ :‬ولَنعيم الدار اآلخرة ﴿ َخْي نر﴾ من الدنيا‬ ‫َ‬ ‫الَّ ِذ‬
‫ُ‬
‫ين اتَّ َق ْوا﴾ رهبم‪ ،‬ففعلوا أوامره واجتنبوا معاصيه‪﴿ ،‬أَفَ َال تَ ْع ِقلُو َن﴾‪ :‬يعين أفال تتفكرون بعقولكم ‪ -‬أيها‬ ‫ِِ‬
‫وما فيها ﴿للَّذ َ‬
‫هللا على البعث‬ ‫املشركون ‪ -‬يف هذا القرآن الذي يتلى عليكم ‪ -‬وفيما تشاهدونه من اآلَيت الكونية ‪ -‬فتؤمنوا بقدرة ِ‬
‫ُ‬
‫وتُ َو ِّح ُدوه يف عبادته؟‬

‫الر ُسل الذين ِمن قبلك كان يَتأخر عليهم النصر ‪ -‬اختبارا ِإميان‬ ‫♦ وال تستعجل أيها الرسول النصر على املُكذبي‪ ،‬فإ ّن ُ‬
‫ِ‬
‫الر ُسل من إجابة قومهم ﴿ َوظَنُّوا أَن ُ‬
‫َّه ْم‬ ‫س ُ‬‫الر ُس ُل﴾‪ :‬أي حىت إذا يَئ َ‬ ‫س ُّ‬ ‫وختليصا هلم من املنافقي ‪َ ﴿ -‬ح َّىت إِ َذا ْ‬
‫استَ ْي ئَ َ‬ ‫أتْباعهم َ‬
‫ص ُرََّن﴾ عند شدة ال َكرب‪﴿ ،‬فَنُ ِّج َي َم ْن‬ ‫قَ ْد ُكذبُوا﴾‪ :‬أي وأيقنوا أ ّن قومهم قد َك َّذبوهم وأنه ال َأم َل يف إمياهنم‪َ ﴿ :‬جاءَ ُه ْم نَ ْ‬
‫ِ‬
‫ين آَ َمنُوا﴾ ‪َ ﴿-‬وَال يَُرُّد َأبْ ُسنَا﴾ أي عذابنا‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫الر ُسل وأتْباعهم ‪ -‬كما قال تعاَل‪ُ ﴿ :‬مثَّ نُنَ ّجي ُر ُسلَنَا َوالذ َ‬ ‫نَ َشاءُ﴾‪ :‬أي فنُنجي ُ‬
‫هللا تعاَل و َّ‬ ‫جترأوا على ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كذبوا رسله (ويف هذا تصبري للنيب ملسو هيلع هللا ىلص على إيذاء قومه له)‪.‬‬ ‫ي﴾ الذين َّ‬ ‫الشديد ﴿ َع ِن الْ َق ْوم الْ ُم ْج ِرم َ‬
‫رسلي ‪ -‬والعذاب الذي نزل ابملكذبي ‪ِ ﴿ -‬عْب َرةن ِأل ِ‬
‫ُوِل‬ ‫َ‬
‫اآلية ‪﴿ :111‬لََق ْد َكا َن ِيف قَص ِ‬
‫ص ِه ْم﴾‪ :‬أي لقد كان يف قصص امل‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫اب﴾ أي ألهل العقول السليمة‪﴿ ،‬ما َكا َن ح ِديثا ي ْفت رى﴾‪ :‬أي ما كان هذا القرآن حديثا مكذواب (ألنه ال ي ِ‬
‫قد ُر‬ ‫ْاألَلْب ِ‬
‫َ‬ ‫ا َ ا‬ ‫َ ا ُ ََ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫أح ند من اخلَلق أن َييت ِبِثله‪ ،‬فهو الكتاب العظيم الذي ال َيتيه الباطل من بي يديه وال من خلفه)‪َ ﴿ ،‬ولَ ِك ْن﴾ هللاُ تعاَل‬
‫ي يَ َديِْه﴾‪ :‬أي َج َعله ُموافق ا للكتب اليت أنزهلا‬ ‫أنزله رمحةا للعاملي‪ ،‬وح َّجةَ على العباد أْجعي‪ ،‬وجعله ﴿تَص ِد ِ‬
‫يق الَّذي بَ ْ َ‬
‫ْ َ‬ ‫ََ‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫على أنبيائه (مص ِّدقاا لِما فيها ِمن ِص َّحة‪ِ ِ ،‬‬
‫ياَّن لكل ما َُيتاج‬ ‫يل ُك ِّل َش ْيء﴾‪ :‬أي وبَ ا‬
‫ومبَ يّناا ل َما فيها من حتريف) ﴿ َوتَ ْفص َ‬
‫ُ‬ ‫َُ َ‬

‫‪2‬‬
‫‪3‬‬
‫إرشادا من الضالل ﴿ َوَر ْمحَةا لَِق ْوٍم‬‫ا‬ ‫حتليل وحترمي‪ ،‬وغري ذلك من اِإخبارات الصادقة‪َ ﴿ ،‬وُه ادى﴾‪ :‬أي‬ ‫إليه العباد ِمن ٍ‬
‫يُ ْؤِمنُو َن﴾‪ :‬أي ورمحة ألهل اِإميان به‪ ،‬فتَهتدي به قلوهبم‪ ،‬ويَسعدون ‪ -‬بتالوته والعمل به ‪ -‬يف الدنيا واآلخرة‪.‬‬

‫*********************‬

‫‪2‬‬
‫‪4‬‬
‫الفهرس‬
‫سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ‪1 .................................................................................‬‬
‫(تفسري سورة يوسف كاملة) ‪2 ................................................................................‬‬
‫‪ .1‬الربع األول من سورة يوسف ‪2 ............................................................................‬‬
‫‪ .2‬الربع الثاّن من سورة يوسف ‪7 ............................................................................‬‬
‫‪ .3‬الربع الثالث من سورة يوسف ‪13..........................................................................‬‬
‫‪ .4‬الربع الرابع من سورة يوسف ‪18...........................................................................‬‬
‫‪ .5‬الربع األخري من سورة يوسف ‪21..........................................................................‬‬

‫‪2‬‬
‫‪5‬‬

You might also like