Professional Documents
Culture Documents
سورة املدثر
مكيٌة ،عدُدها سٌت ومخسوَن آيًة كويف
{ وربك فكرب } يعين َفَعِّظم ،وال ُتعِّظمَّن كفاَر مكَة يف نفِس َك ،فقاَم من َم ضجِعِه ذلَك ،
فقاَل :ا أك كبريا َ ،فكرب خدجيُة ،وخرج وعِلم أنه قد ُأوحي إليِه
ْت ْت ْت ُهلل ُرب
َ(-4و ِثَياَبَك َفَطِّه ْر )
ِة ِم
{ وثيابك فطهر } يقوُل َ :طِّه ْر بالتوب ن املعاصي ،وكانت العرُب تقوُل للرجِل :إذا أْذَنَب
أنه َدَّن الثيا ،وإذا ُتويف َ ،قالوا :إَّنه َلطاِه الثياِب
ُر َس َب
َ(-5و الُّر ْجَز َفاْه ُجْر )
ِت ِن
{ والرجز فاهجر } يعين األوثاُن ،يساف (أساُف ) ونائلُة ومها صنما عنَد البي مُي سُح
وُج وَه ُه ما َمْن َم َّر هبما ِم ْن كفاِر مكَة ،فأمَر اُهلل تبارَك وتعاىل النَّيب صلى اهلل عليه وسلم أْن
ْجَيَتنْبُه ما ،يعين بالرجِز أوثاٌن ال تتحرُك مبنزلِة اإلبِل ،يعين داٌء َيأخُذ ها ذلَك الداُء ،فال تتحرْك
ِم ْن َو َج ِع الِّر جِز َفَش َّبَه اآلهلَة هبا .
{ ولربك فاصرب } ُيعزي نبَّيُه صلى اهلل عليه وسلم ِليصَرب على األذى والتكذيِب ِم ْن ُك فاِر َم كَة
.
{ فذلك يومئذ يوم عسري } يعين مَش َّقُتُه وِش َّد ُتُه،
مث أخَرب على َمْن َعَّس َر ُه ،فقال {:على الكافرين غري يسري } غُري هٍنِّي ،وَيهوُن ذلك على
املؤمِن كأدىن صالتِه
{ ذرين ومن خلقت وحيدا } يعين الوليُد بُن املغريِة اْلَم ْخ ُز وِم ِّي ،كان ُيسمى الوحيُد يف
قومِه ،وذلَك أن اَهلل عَّز وجَل أنزَل على النِيب صلى اهلل عليه وسلم { حم تنزيُل الكتاِب من
اِهلل العزيِز العليِم غافِر الذنِب وقابِل التوِب شديُد العقاِب ذي الَّطوِل ال إلَه إال هو إليه املصُري }
[ غافر . ] 3-1:
فلما نزل هذه اآليُة قا الن صلى اهلل عليه وسلم يف املسجِد احلراِم فقرأها والوليُد اب املغريِة
ُن َم ُيب ْت
قريبا منه يستمُع إىل قراءِتِه ،فلما َفَطَن صلى اهلل عليه وسلم أْن الوليَد بَن املغريِة يستمُع إىل
قراءتِه أعاَد النُيب صلى اهلل عليه وسلم َيقرأ هذِه اآليِة {:حم تنزيل الكتاب من اهلل العزيز } يف
ِل ِك ِم ِل ِه ِه
ُملك { العليم } خبلق { غافر الذنب } َمْن تاَب ن الشر { ،وقابل التوب } َم ن تاَب
ِغ ِك ِم ِك ِم
ن الشر { ،شديد العقاب } ملن مل َيُتْب ن الشر { ذي الطول } يعين ذي ال ىن َعَّم ْن
مل ُيوِّح ْد ،مث وَّح د الرُب نفّس ُه حني مل ُيوحْد ُه كفاُر مكَة ،فقاَل {:ال إله إال هو إليه
املصري } يعين مص اخلالئِق يف اآلخرِة إليه ،فلما مسعها الولي انطل حىت أتى جمل بين خمزوٍم
َس ُد َق ُري
،فقاَل :واِهلل لقد مسعُت ِم ن حممد كالما آنفا ما هو من كالِم اإلنِس ،وال ِم ن كالِم اجلِن ،
وأَّن أسفُلُه ُلْم ِعرٌق ،وأن أعالُه َلُم وِفٌق ،وأن له حَل الوٌة ،وأن عليه َلطالوٌة ،وأنه َليعلو وما
ُيعلى .
مث انصرف إىل منزلِه ،فقالْت قريٌش :لقد سبأ (َص بأ) الوليُد ،واِهلل َلِئْن َص بأ َلَتْص بون (َلَتْص ُبو)
قريُش كُّلها ،وكاَن يقاُل للوليِد :رحيانُة قريٍش ،فقال أبو جهٍل :أنا أْك فْيُك موُه ،فانطلَق أبو
جهٍل حىت دخَل على الوليِد ،فقعَد إليه َك ِش ْبِه احلزيِن ،فقال له الوليُد :ما يل أراَك يا ابَن أخي
حزينا ؟ فقال أبو جهُل :ما مينُعيِن أن ال أحزَن وهذِه قريُش جيمعوَن لَك نفقًة ِلُيِعيُنوَك على
ِكِرَب َك ،ويزُعمون أنَك إمنا زَّيْنَت قول حممٍد ِلُتصيَب ِم ْن َفضِل َطعامِه ،فغضَب الوليُد عند ذلك
،وقال :أو ليَس قد علمْت قريش أين ِم ن أكثِر هم ماال وولدا ،وهل َيشبُع حممٌد وأصحابُه ِم ن
الطعاِم ،فيكوُن هلم فضٌل ؟ فقال أبو جهل :فإهنم يزعمون أنك إمنا َز ينَت قوَل حممٍد من أجِل
ذلك .
فقام الوليُد فانطلَق مع أيب جهِل ،حىت أتى جملِس قوه (قوِم ) بين خمزوٍم ،فقاَل :تزعموَن أن
حممدا كاِه ٌن ،فهل مسعتموُه خُي ُرب مبا يكون يف غٍد ؟ قالوا :اللهم ال ،قال :ويزعمون أن
حممدا شاعر ،فهل رأيتموه َينطق فيكم بشعٍر قٍط ؟ قالوا :اللهم ال ،قال :وتزعمون أن حممد
(حممدا) كذاٌب ،فهل رأيتموه يكذُب فيكم قُط ؟ قالوا :اللهم ال ،وكان ُيسمى حممد صلى
اهلل عليه وسلم قبل النبوة األمُني ،فَبَّر أُه من هذه املغالة (املقالِة)كِلها .
فقالْت قريُش :وما هو أبا املغريِة ؟ فتفكَر يف نفسِه ما يقوُل عن حممٍد صلى اهلل عليه وسلم ،مث
نظَر فيما يقوُل عنه ،مث َعبَس وجهُه ،ويسر (َبَس ر) يعين وَك َلَح ،فذلك قولٌه عَّز وجَّل {:إنه
فكر وقدر } ،وما يقوُل حملمٍد ،فقَّد َر له السحَر ،يقوُل اهلل تبارَك وتعاىل {:فُقتل } يعين
ُلعَن { كيف قدر } حملمٍد صلى اهلل عليه وسلم السحَر ،مث نظَر ،مث عبَس ،يقول َ :ك لح
وَبسر ،يعين وتغَري لوُنُه يعين أعرَض عن اإلمياِن { استكرب عنه فقال } الوليُد لقوِمِه {:إن
هذا } الذي يقوُل حممٌد { إال سحر يؤثر } فقال له قوُمُه وما السحُر يا أبا املغريَة ؟ وفرحوا ،
ِذ
فقال :شيٌء يكوُن ببابَل إذا تعلمُه اإلنساُن ُيفِّرُق بَني االثنِني وحممٌد َيأُثُر ُه ،وَّملا ْحَي ُفُه بعُد وأُمْي
اِهلل ،لقد أصاَب فيه حاجَتُه أَم ا رأيُتُم وُه َفرَّق بني فالٍن وبني أهلِه ،وبَني فالٍن وبني أبيه ،وبني
فالن وبني أخيه ،وبني فالن وبني َم والٌه ،فهذا الذي يقول حممٌد سحٌر ُيؤثُر عن ُمسليمَة بِن
حبيٍب احلنفِي الكذاِب يقول َ :يرويِه عنُه ،فذلَك قوله {:إن هذا إال سحر يؤثر } يقول :إن
هذا الذي يقول حممٌد إال قوُل َبشٍر .
ِب ِت ِه ِه ِم ِك ِة
قال الوليُد بُن املغري :عن َيساِر أيب َف يهَة هو الذي يأ ي ب ْن مسيلمَة الكذا ،فجعَل اُهلل
َله َس قٌر ،وهو الباُب اخلامُس ِم ن جهنٍم ،فلما قال ذلك الوليُد َشَق ى (َش َّق ) ذلك على النِيب
صلى اهلل عليه وسل ما مل ُش َّق عليه ،فيما ُقذَف بغريِه من الكذِب ،فأنزَل ا تعاىل على نبيِه
ُهلل َي َم
ِم ِه ِل
صلى اهلل عليه وسلم ُيعزي يصَرب على تكذيِبهم ،فقال :يا حممُد { كذلك ما أتى الذيَن ْن
قبلِه م ِم ْن رسوٍل إال قالوا ساحٌر أو جمنوٌن } [ الذاريات ، ] 52:وأنزَل يف الوليِد بِن املغريِة :
{ ذرين ومن خلقُت وحيدا } يقول َ :خ ِّل بيين يا حممُد وبني َمْن خلقُت وحيدا ،يقول :حَني
ِه
مل يكن له ماٌل وال بنوٌن ،يعين َخ ِّل بيين وبينه ،فأنا أتفرُد هبالك ،وأما الوليُد ،يعين َخ لقُتُه
ليس له شيٌء ،يقوُل عز وجل فأعطيُتُه املاَل والولَد .
فذلك قوله {:وجعلت له ماال ممدودا }
ِف ِل
{ وجعلت له ماال ممدودا } يعين باملا ُبستاُنُه الذي له بالطائ ،واملمدوُد الذي ال ينقطُع
ِه
خُريُه شتاًء وال صيفا ،كقول {:وظل ممدود } يعين ال ينقطُع
َ(-13و َبِنَني ُش ُه وًدا)
{ وبنني شهودا } يعين حضورا ال يغيبوَن أبدا عْنُه يف جتارٍة وال غِري ها لكثرِة أمواِهلم مبكَة ،
وكلُه ْم رجاٌل منهم الوليُد بُن الوليِد ،وخالُد بُن الوليِد ،وهو سيُف اِهلل أسلَم بعد ذلك ،
ِد ِد ِد ِد
وُعَم ارُة بُن الولي ،وهشاُم بُن الولي ،والعاُص بُن الولي ،وقيُس بُن الولي ،وعبُد مشِس بُن
الوليِد .
مث قاَل {:وَم َّه ْد ُت له متهيدا } يقوُل :بسطُت له يف املاِل والولِد واخلِري َبسطا
{ مث يطمع أْن أزيَد } ال ُأِز يُد ُه بْل أقطُع ذلك عنه وُأهِلكه ،مث منعُه اُهلل املاَل ،فلم ُيعِطِه شيئا
حىت افتقَر وسأَل الناَس ،فأهلكُه اُهلل َتعاىل ،وماَت فقريا يف اْلُمْس َتهَز ئِني .
مث أخَرب اُهلل تعاىل ما َيصنُع به يف اآلخرِة ،فقاَل {:سأرهقه صعودا } يعين َس ُأكِّلُفُه أْن َيصعَد
على صخرٍة ِم ن الناِر َم لسا يف الباِب اخلامِس ،واس ذلك الباُب َس َق ،يف تلَك الصخرِة
ٌر ُم َء
ُك وى خَت رُج منها ريٌح ،وهي ريٌح حارٌة ،وهي ُتناثُر حلَم ُه يقوُل اهلل جَل وعَز {:سأرهقه
صعودا } يقوُل :سُأْغ ِش ى وجُهُه تلَك الصخرِة ،وهي جبٌل ِم ن ناٍر طوُلُه مسريُة سبعَني سنًة ،
وُيْص َعُد به فيها على وجهِه ،فإذا بلَغ الكافُر أعالها احنَّط إىل أسفِلها ،مث ُيكَّلُف أيضا ُصعوَدها
،وخَي رُج إليه ِم ن ُك وى ِتلك الصخرِة ريٌح باردٌة ِم ن فوِقها وِم ن حتِتها تقطُع تلَك الريُح ْحَلَم ُه ،
وِج لَد ُة وجهِه ،فُك لما ُأصِعَد أَص ابُتُه تلَك الريُح وإذا احنَّط ،حىت ينتثَر اللحُم ِم ن العظِم ،مث
َيشرُب ِم ْن عية آنيٍة ،اليت قد انتهى حُر ها ،فهذا دأُبُه أبدا .
َّ(-21مُث َنَظَر )
{ مث عبس } وجُهُه يعىن َك َلَح كقولِه {:عبس وتوىل } [ عبس ، ] 1:يعىن َك َلَح وجوه
( ) اب أِّم كتوٍم { وبسر } يعين وتغ َلوُن وجهِه
َري َو ْجُه ُن َم
َ(-26س ُأْص ِليِه َس َق َر )
مث أخَرب اُهلل عنها تعظيما هلا ،لشدهِت ا ِليعِذَبُه هبا ،فقال {:ال تبقي وال تذر } يعين ال ُتبقي
الناُر إذا رأُهتْم حىت تأكَلهم وال َتذرُه م إذا َح لُف وا هلا حىت تواِقَعهم
ِة ِم
{ عليها تسعة عشر } يقوُل :يف الناِر ن املالئك تسعَة عشٍر َخ زنُتها ،يعين َم الكا ،ومعُه
مثانيَة عش َم َلكا ،أعيُنهم كالربِق اخلاطِف ،وأنياهُب م كالصياِص ى ،يعين مث ُقروِن البقِر
ُل َر
ِه ِك ِه ِم
وأشعاِر هم مَت ُّس أقداُمهم ،خيرُج هلُب الناِر ن أفوا هم ،ما بَني َم ْن ْيَب أحد م مسريُة سبعَني
سنًة َيسُع كُّف أحدِه ْم مثُل ربيعَة وُمَض ٍر ،قد ُنِز عْت منهم الرأفُة والرمحُة ِغَض ابا يدفُع أحدهم
سبعَني ألفا ،فُيلقيهم حيُث أراَد ِم ن جهنم ،فَيهوى أحُد ُه م يف جهنَم مسريَة أربعَني سنًة ،ال
َتضُّر هم الناُر ألَّن ُنورهم أشُّد ِم ن َح ِّر الناِر ،ولوال ذلك مل َيطيقوا دخوَل الناِر ُطرفَة عٍني ،
فلما قال اهلل {:عليها تسعة عشر } ،قال أبو جه ب هشام :يا معش قريٍش ،ا ِلمحمٍد
َم َر ُل ُن
ِد ِم
ن اجلنو إال تسعَة عشَر ،ويْز ُعُم أهنم َخ زنُة جهنَم خَي وُفكم ِبتسعَة عشَر ،وأنتم أَلُّد ُه ْم أيعَجُز
كُّل مائٍة منكم أْن َتبطَش بواحٍد منهم َ ،فيخرجوا منها .
أمح ، َةعشر َة سبع أكفيكم أنا : وقال أ و األَش َّد ِن :ا ُأ ُد َك ْلَد َة ب لٍف ا ِح
ُل ُّي ُن َخ ُجلَم ْي ُمْسُه َس ْي ْبُن ُب
منهم َعْش رًة على ظهري ،وسبعًة على صدري ،واكفويِن منهم اثنِني ،وكان َش ديدا ،فسمى
أبا األَش َّديِن لشدِتِه بذلك مُس ي ،وكنيُتُه أبو األعوِر .
ِل ِق َّلِذ ِإ ِف ِل ِذ ِع ِر ِإ ِئ
َ(-31و َم ا َجَعْلَنا َأْص َح اَب الَّنا ال َم ال َك ًة َو َم ا َجَعْلَنا َّد َتُه ْم ال ْتَنًة َّل يَن َك َف ُر وا َيْس َتْي َن ا يَن
ُأوُتوا اْلِكَتاَب َو َيْز َداَد اَّلِذي آَم ُنوا ِإَمياًنا َو ال َيْر َتاَب اَّلِذي ُأوُتوا اْلِكَتاَب َو اْلُم ْؤ ِم ُنوَن َو ِلَيُقوَل اَّلِذي يِف
َن َن َن
ُقُلوِهِبْم َم َر ٌض َو اْلَك اِفُر وَن َم اَذا َأَر اَد الَّلُه َهِبَذ ا َم َثال َك َذ ِلَك ُيِض ُّل الَّلُه َمْن َيَش اُء َو َيْه ِدي َمْن َيَش اُء َو َم ا
َيْع َلُم ُج ُنوَد َر ِّبَك ِإال ُه َو َو َم ا ِه َي ِإال ِذْك َر ى ِلْلَبَش ِر )
قال اهلل تعاىل {:وما جعلنا أصحاب النار إال مالئكًة } يعىن خزن (ُخ َّز اُن ) الناِر { وما جعلنا
عدهتم } يعين ِقَّلُتهم { إال فتنة للذين كفروا } حني قال أبو األَش َّديِن ،وأبو جهٍل َم ا قاال ،
ِد ِل ٍد ِم
فأنزَل اُهلل تعاىل يف قوِل أيب جهٍل َ :م ا ُم حم ن اجلنو إال تسعَة عشَر { ،وما يعلم جنوَد
ربك إال هو } يقوُل :ما يعلُم كثرهُت م أحٌد إال اُهلل .وأنزَل اُهلل يف قوِل أيب األَش َّديِن :أَنا
أكفيُك م منهم سبعَة عشَر {:عليها مالئكٌة ِغالٌظ ِش داٌد } [ التحرمي { ] 6:وما جعلنا
أصحب النار إال مالئكة } يعىن ُخ َّز اُن الناِر { وما جعلنا عدهتم } يعين ِقَّلُتهم { إال فتنة للذين
ِل ِل ِم
كفروا } يعين أبا جهٍل ،وأبا األَش َّديِن ،واملستهزئَني ن قريٍش { ،يستيقَن } كي َيْس َتْيقَن
{ الذين أوتوا الكتاب } يقوُل ِ :ليعلَم ُمؤمنو أهَل التوراِة أْن الذي قاَل حممٌد صلى اهلل عليه
وسلم حٌق ،ألَّن ِعدَة ُخ َّز اُن جهنٍم يف التوراِة تسعَة عشَر .
{ ويزداد الذين آمنوا إميانا } يعين تصديقا وال شُّك وا يف حممٍد صلى اهلل عليه وسلم مبا جاء بِه
َي
{ وال يرتاب } يقول :وِلكي ال َيرتاَب يعين ِلكي ال َيُش َّك يقوُل ِ :لئال َيُش َّك { الذين أوتوا
ٍم ِة
الكتاب } يعين أهُل التورا { و } ال يشك { واملؤمنون } أن خزنَة جهن تسعَة عشَر
{ وليقول الذين يف قلوهبم مرض } يعين الشُك ،وهم اليهوُد ِم ن أهِل املدينِة { والكافرون }
ِم ن أهِل مكِة ،يعين مشركي العرِب { ماذا أراد اهلل هبذا مثال } يعين ِذْك ُر ُه ِعدُة َخ زنَة جهنٍم ،
َيْس َتِق ُّلوهَن م .
يقول اهلل عز وجل {:كذلك يضل اهلل } هبذا املثُل { من يشاء } عن دينِه { ويهدي من
يشاء } إىل دينِه وأنزَل يف قوِل أيب جهٍل ،وأيب األَش َّديِن ما ِلمحمٍد ِم ن اجلنوِد إال تسعَة
عشَر ،فقال اهلل تعاىل {:وما يعلم جنود ربك إال هو } من الكثرِة حَني اْس َتَق ُّلوُه ْم ،فقال أبو
جهٍل لقريش :أيعجُز . . .مثُل ما قاَل يف التقدِمي ،وقالوا ما قالوا .
مث رجَع إىل َس قٍر ،فقال {:وما هي } يعين َس َق َر { إال ذكرى للبشر } يعين سقُر َتذكٌر
وتفكٌر للعاِمَل .
{ إهنا } إَّن َس قَر { إلحدى الكرب } ِم ن أبواِب جهنَم السبعَة :جهنُم ،وَلظى ،واُحْلَطمُة ،
والسعُري ،وسقُر ،واجلحيُم ،واهلاويُة
َ(-36نِذيًر ا ِلْلَبَش ِر )
{ ملن شاء منكم أن يتقدم } يف اخلِري { أو يتأخر } منه إىل املعصية هذا هتديٌد ،كقولِه :
{ فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر } [ الكهف ، ] 29:وكقولِه {:اعملوا ما شئتم }
[ فصلت . ] 40:
مث استثىن ،فقاَل {:إال أصحاب اليمني } الذي أعطوا ُك ُتَبُه م بَأَمْياهِن م وال َيْر هتنون ِبذنوهِب م يف
الناِر ،
قال املؤمنوَن ِلَمْن َبِق ي يِف الناِر {:ما سلككم يف سقر } يعين َم ا جعلكم يف سقٍر ،يعين ما
َحَبَس ُك ْم يف الناِر .
{ وكنا خنوض مع اخلائضني } يف الدنيا يف الباطِل والتكذيِب كما خَي وُض كفاُر مكَة
يقوُل اُهلل تعاىل {:فما تنفعهم شفاعة الشافعني } يعين ال َيناهُل م يومئٍذ شفاعُة
املالئكِة والنبيَني ،
{ فما هلم عن التذكرة معرضني } عن التذكرِة يعىن عن القرآِن ُمعرضَني َ ،نزلْت هذه اآليُة يف
كفاِر قريٍش حني أعرضوا ،ومل ُيؤمنوا ،
َ(-52بْل ُيِر يُد ُك ُّل اْم ِر ٍئ ِم ْنُه ْم َأْن ُيْؤ َتى ُصُح ًف ا ُمَنَّش َر ًة)
{ بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى } يقوُل :عطى { صحفا منشرة } فيها كتا ِم اِهلل
ُب َن ُي
ِم
تعاىل ،وذلَك أَّن كفاَر مكَة قالوا للنِيب صلى اهلل عليه وسلم ،كان الرجُل ن بين إسرائيَل َذْنُبُه
وكفارُة ذنبِه ُيْص ِبُح َم كتوَبا ِعْنَد رأِس ِه ،فَه اَّل ُتِر َيَنا مثَل هؤالِء اآلياِت إْن ُك نَت رسوال كما
تْز ُعم ،فقال جربيُل :إْن ِش ئْت فعلنا هبم ِكفعلنا ببين إسرائيَل ،وأخذناُه ْم مبا أخذَنا بِه بين
ِم ِل
إسرائيَل َ ،فَك ِر َه النُيب صلى اهلل عليه وسلم ،وقالوا ُ :يصبَح عنَد رأِس كِّل رجٍل َّنا كتاٌب
منشوٌر ِم ن اِهلل بأَّن آهلَتنا باطٌل ،وأَّن اإللَه الذي يف السماء حٌق ،وأنَك رسوُل ،وأَّن الذي
ِج ئَت بِه حٌق ،وجَت ئ معَك مبالئكٍة يشهدوَن بذلك َك قوله ابَن أيب ُأميَة يف سورِة بين إسرائيل
يقوُل اُهلل تبارَك وتعاىل {:كال } ال يؤمنوَن بالَّص ُح ِف اليت أراُدوها .مث اْس َتأنَف ،فقاَل :
{ بل } لكَّن { ال خيافون } عذاَب { اآلخرة }
َ(-56و َم ا َيْذ ُك ُر وَن ِإال َأْن َيَش اَء الَّلُه ُه َو َأْه ُل الَّتْق َو ى َو َأْه ُل اْلَم ْغِف َر ِة)
مث قاَل {:وما يذكرون } يعين وما َيشهدون { إال أن يشاء اهلل هو أهل التقوى وأهل
املغفرة } يعين الرُب تبارَك وتعاىل َنْف ُس ُه ،يقوُل :هو أهٌل أْن ُيَّتَق ى وال ُيعصى ،وهو أهُل
املغفرِة ِلمْن َيتوُب عن املعاصي .