Professional Documents
Culture Documents
الخطبة األولى:
إن احلمد هلل ،حنم ده ونس تعينه ونس تغفره ،ونع وذ باهلل من ش رور أنفس نا
مضل ل ه ،ومَْن يض لل فال ه اديَ
ومن س يئات أعمالن ا ،من يه ده اهلل فال َّ
اهلل وحدَه ال ش ريكَ ل ه ،وأش هد أن حممدًا عبدُهل ه ،وأش هد َّألا إلهَ إال ُ
تسليما كثريًا.
ً وسلم
ورسولُه ،صلى اهلل عليه وعلى آله وأصحابه َّ
،]43ومن سَُننِه أنه يبتلي عب َاده بالس راء ليش كروه ،وبالض راء ل ريجعوا
الش ِّر َواخْلَرْيِ فِْتنَ ةً َوإِلَْينَا ُت ْر َجعُ و َن)[اأْل َنْبِيَ ِاء:
(و َنْبلُ و ُك ْم بِ َّ
إلي ه ،ق ال تع اىلَ :
أمم ب ذلك ،ق ال عز وجلَّ( :أ َْم َح ِس ْبتُ ْم أَ ْن تَ ْد ُخلُوا ،]35وقد ابتُليت ٌ
ين َخلَ ْوا ِم ْن َقْبلِ ُك ْم َم َّس ْت ُه ُم الْبَأْ َس اءُ َو َّ
الض َّراءُ) َّ ِ ِ
اجْلَنَّةَ َولَ َّما يَ أْت ُك ْم َمثَ ُل الذ َ
[الَْب َقَر ِة.]214 :
ق ال ابن كثري -رمحه اهلل" :-هي األم راض واألس قام واآلالم واملص ائب
واجلراد والقَُّمَل
َ اهلل على بين إس رائيل الطوف انَ والن وائب ،فأرسل ُ
ظه ر لعب اده والض فادعَ وال دمَ آي اتٍ مفص َّالتٍ ،واهلل -عز وج ل -يُ ِ
وقدرت ه على خملوقات ه ،وعزته َ كربي اءَه وعظمتَ ه يف س لطانه ،وقوتَ ه
وجربوته يف كون ه ،وقه ره وهيمنته على عبي ده؛ ليعظِّم وه ويوحِّدوه
عظيم ا ووضَعَه ف وقَ رؤوس بين إس رائيل ليؤمن وا، ويَ ِذُّلوا ل ه ،فقلع جبلًا ً
كل رجل خر ُّ ق ال احلسن البص ري -رمحه اهلل" :-لََّما نظ روا إىل اجلبل َّ
ونظ ر بعينه اليمىن إىل اجلبل َفَرًق ا من أن س اجدًا على حاجبه األيس رَ ،
(وإِ ْذ َنَت ْقنَا اجْلَبَ َل َف ْو َق ُه ْم َكأَنَّهُ ظُلَّةٌ َوظَنُّوا أَنَّهُ
يس قط علي ه" ،ق ال تع اىلَ :
َواقِ ٌع هِبِ ْم ُخ ُذوا َما آَتْينَ ا ُكم بِ ُق َّو ٍة َواذْ ُك ُروا َما فِي ِه لَ َعلَّ ُك ْم َتَّت ُق و َن)
اهلل لنبيِّنا حممد -صلى اهلل عليه وسلم -مََل َ
ك اف ،]171 :وبعَث ُ [اأْل َع ر ِ
َْ
بني؟ ومها حممد ،إن ش ئتَ أن ُأطبِ َق عليهم األخش ِ اجلب الِ وق ال ل ه" :يا ُ
جبالنِ عظيمانِ يف مكة"(متفق عليه).
3من 11
وأخرب س بحانه عن س رعة نف اذ أم ره بقول ه( :إِمَّنَا أ َْم ُرهُ إِ َذا أ ََر َاد َش ْيئًا أَ ْن
ول لَ هُ ُك ْن َفيَ ُك و ُن)[يس ،]82 :واإلنس ان خمل وق ض عيف ع اجز ال َي ُق َ
خملوق ا ص غريًا ال ُي َرى اهلل عليه ً ضرا وال نفعً ا ،وقد يُس َِّلط ُ
ميلك لنفسه ًّ
حتداهمأهلكَ ه؛ وإلظهار عجز بين آدم َّ وهلع وحريةٌ ورمبا َ
سقم ٌ فيناله منه ٌ
حبة واح دةً ،ق ال عليه الص الة والس الم" :ق ال اهلل اهلل مجيعً ا أن خيلق وا ً
ُ
حبة أو شعريةً"(متفق عليه). ذرة أو ليخلقوا ً -عز وجل :-فليخلقوا ً
قهرا ،ق ال أمرا يض طرهم إىل اإلميان ً اهلل َلأن زلَ على عب اده ً ولو ش اء ُ
س بحانه( :إِ ْن نَش أْ نُن ِّز ْل علَي ِهم ِمن َّ ِ
الس َماء آيَ ةً فَظَلَّ ْ
ت أ َْعنَ ا ُق ُه ْم هَلَا َْ ْ َ َ َ
)[الش َعَر ِاء ،]4 :ق ال ابن ج ريج -رمحه اهلل" :-لو ش اء ُ
اهلل ني ُّ ِ ِ
َخاض ع َ
بعده مبعص ية ،واهلل -س بحانه- أمرا من أم ره ال يعمل أح ٌد منهم َ َلأراهُم ً
حوادَث ه ،ق ال حيدث يف الك ون ،وأن يت دبَّروا ِ أمَ ر عب ادَه ب التفكُّر مبا ُ
س،]101 : ِ ِ س بحانه( :قُ ِل انظُ ُروا َم ا َذا يِف َّ
الس َم َاوات َواأْل َْرض)[يُ ونُ َ
ِ
يماك ُم ْستَق ً (و َه َذا ِصَرا ُط َربِّ َ
واملؤمن َيعترب باآليات ويتَِّعظ هبا ،قال تعاىلَ :
متحيص
ٌ وقن بأنَّهاات لَِق ْوٍم يَ َّذ َّكُرو َن)[اأْل َْن َع ِام ،]126 :ويُ ِ
ص ْلنَا اآْل ي ِ
َ قَ ْد فَ َّ
جل
أجرها بغري حس اب ،ق ال َّ فيتحلى بعب ادةٍ ُ درجت ه َّ له من اهلل لرفع ِ
ص ِم َن اأْل َْم َو ِال وع َو َن ْق ٍ
ف َواجْلُ ِ ش أنُه( :ولَنَبلُ ونَّ ُكم بِش ي ٍء ِمن اخْل و ِ
َ ْ َ ْ َ ْ َ َْ
ص يبَةٌ قَالُوا إِنَّا الص ابِ ِرين * الَّ ِذين إِذَا أَص ابْتهم م ِ ِ
َ َ ُْ ُ َ س َوالث ََّمَرات َوبَ ِّش ِر َّ َ َواأْل َْن ُف ِ
4من 11
ِ ِ
ات ِم ْن َرهِّبِ ْم َو َرمْح َ ةٌ َوأُولَئِ َ
ك للَّ ِه َوإِنَّا إِلَْي ِه َراجعُ و َن * أُولَئِ َ
ك َعلَْي ِه ْم َ
ص لَ َو ٌ
ُه ُم الْ ُم ْهتَ ُدو َن)[الَْب َقَر ِة.]157-155 :
عوضَه اهللُ ما ف ات من ال دنيا ،ق ال س بحانه: آمَن بالقض اءِ وال َق َدرِ َّ ومَْن َ
ص يبَ ٍة إِاَّل بِ ِإ ْذ ِن اللَّ ِه َو َم ْن يُ ْؤ ِم ْن بِاللَّ ِه َي ْه ِد َق ْلبَ هُ)[التَّغَ ابُ ِن:
(ما أَص اب ِمن م ِ
َ َ َ ْ ُ
ي :ومَْن َأص ََابتُْه مص يبةٌ فعَِلَم أهنا ،]11ق ال ابن كثري -رمحه اهلل" :-أَ ْ
قلب ه
اهلل َ وق َدِره فصَبَر واحتَسَب واستسلَم لقض اء اهلل ه دى ُ بقض اء اهلل َ
خيل ف عليه صادقا ،وقد ُ عما فاتَه من الدنيا ُهًدى يف قلبه ،ويقينً ا ً ضه َّوعوَّ َ
خريا منه". ما كان ُأِخَذ منه أو ً
صابر على
وإما ٌ شاكر يف السراءَّ ،
مأجور ،إمَّا ٌ
ٌ تقلبات الدهر
واملؤمنُ يف ُّ
ما ف ات من حظ وظ ال دنيا مبص يبة أو حمن ة ،ق ال عليه الص الة والس الم:
إن أمره كلَّه له خري ،وليس ذلك ٍ
ألحد إال للمؤم ِن، ٌ "عجبًا ألم ِر املؤم ِن؛ َّ َ ُ
خريا
ضراءُ صََبَر فكان ً
خريا لهُ ،وإن أصابْتهُ َّ
سراءُ َش َكَر فكان ً
إن أصابْتهُ َّ
له"(رواه مسلم).
الظن باهلل يف حكمته وت دبريه ولطفه بعب اده ورأفته هبم ورمحته
وحس ُْن ِّ
ُ
أعظم األسبابِ يف رفع البالء ،قال عليه الصالة والسالم" :قال اهلل
حباهلم ُ
ظن عبدي يب"(متفق عليه). -عز وجل :-أنا عندَ ِّ
5من 11
الغمة كفي ٌل بزواهلا ،ق ال والتوكُُّل على اهلل وتف ويضُ األم ور إليه يف إزالة َّ
(و َمن َيَت َو َّك ْل َعلَى اللَّ ِه َف ُه َو َح ْس بُهُ)[الطَّاَل ِق ،]3 :قال القرطيب
سبحانهَ :
وفعل األس باب أمره إليه َكفَ اهُ ما َأهََّمُه"ُ ،فوض َ -رمحه اهلل" :-أي :مَْن َّ
َّ ِ
مع التوكل على اهلل َّمما ج اء به الش رعُ ،ق ال تع اىل( :يَا أَيُّ َها الذ َ
ين َآمنُ وا
ِّس ِاء.]71 : ِ
ُخ ُذوا ح ْذ َر ُك ْم)[الن َ
حفظ النفسِ وجمانبتُها عن كل ع دوى ،ق ال عليه مقاصد اإلس المِ ُ ِ ومن
الصالة والس الم" :فِ َّر من اجملذوم ف رارََك من األس د" ،والق رار يف ال بيوت
ظ وس المةٌ ،وقد اهت دت إىل ذلك منل ةٌ زمن اآلف ات واملخ اطر فيه حف ٌ َ
ِ ِ
فق الت( :يَا أَيُّ َها الن َّْم ُل ْاد ُخلُ وا َم َس اكنَ ُك ْم اَل حَيْط َمنَّ ُك ْم ُس لَْي َما ُن َو ُجنُ ُ
ودهُ
َو ُه ْم اَل يَ ْشعُُرو َن)[الن َّْم ِل.]18 :
والتض رعُ إىل اهلل واللج وءُ إليه وإظه ارُ الض َّْعف له واالس تكانة مُ ْؤِذ ٌن
ض َّرعُوا)[اأْل َْن َع ِام:
ب زوالِ البالءِ ،ق ال س بحانهَ ( :فلَ ْواَل إِ ْذ َج اءَ ُه ْم بَأْ ُس نَا تَ َ
.]43
ال(وقَ َ أحسن ح الٍ ،ق ال عز وج لَ : ِ وال دعاءُ مفت احُ قلبِ األح والِ إىل
طفُئ غضب ب لَ ُك ْم)[ َغ افِ ٍر ،]60 :والص دقةُ تُ ِ ربُّ ُكم ادع ويِن أ ِ
َس تَج ْ ْ َ ُ ُْ
األجور وتكفَّر اخلطايا واألوزارُ وتفرَّج الكروبُ، ُ الرمحن ،وهبا تتضاعَف ِ
ين يُْن ِف ُق و َن أ َْم َواهَلُ ْم َّ ِ
واملتصدِّق آمِن يف الدنيا واآلخرة ،قال عز وجل( :الذ َ
ف َعلَْي ِه ْم َواَلَج ُر ُه ْم ِعْن َد َرهِّبِ ْم َواَل َخ ْو ٌ ِ بِاللَّي ِل والن ِ
َّها ِر سًّرا َو َعاَل نيَةً َفلَ ُه ْم أ ْْ َ َ
ُه ْم حَيَْزنُ و َن)[الَْب َق َر ِة ،]274 :والتوبةُ إىل اهلل واإلنابةُ إليه وك ثرة
(و َما َك ا َن اللَّهُ وترفُعها بعد نزوهلا ،ق ال س بحانهَ : االس تغفار ت دفَُع احملنَ َ
ت فِي ِه ْم َو َما َك ا َن اللَّهُ ُم َع ِّذ َب ُه ْم َو ُه ْم يَ ْس َت ْغ ِف ُرو َن)[اأْل َْن َف ِال: ِ
لُي َع ِّذ َب ُه ْم َوأَنْ َ
،]33واإلكث ارُ من الطاع ات وتق وى اهلل س بيلُ الس عادةِ ،ق ال تع اىل:
(و َم ْن َيت َِّق اللَّهَ جَيْ َع ْل لَ هُ خَمَْر ًج ا)[الطَّاَل ِق ،]2 :قال ابن عباس -رضي اهلل َ
جيه ِمْن ُكِّل كربٍ يف الدنيا واآلخرة". عنهما" :-يُنَ ِّ
مفر منه إال إلي ه، وبعدُ أيها المس لمون :فاهللُ كب ريٌ حمي ٌ
ط بكل ش يء ،ال َّ
يرضى عن عب اده إن أط اعوه ،ووعَ د بفتح اخلريات هلم من الس ماء
َن أ َْه َل الْ ُق َرى َآمنُ وا َو َّات َق ْوا لََفتَ ْحنَا َعلَْي ِه ْم
(ولَ ْو أ َّ
واألرض إن جلؤوا إلي هَ ،
وق ص غريٌ وابن آدمَ خمل ٌ افُ ،]96 : ض)[اأْل َع ر ِ
َْ الس َم ِاء َواأْل َْر ِات ِم َن َّ بر َك ٍ
ََ
اهلل له من أم امَ الس موات واألرض ،ينسى ضَعَْفه ويغرتُّ بقدرت ه ،فيُرسِل ُ
اهلل ،ف ريجع العاقل إىل ربه اآلي ات والن ذر ما ُي َذِّكره بضَعِْفه أم امَ ق درةِ ِ
ك س وى اهلل وعجزه إلي ه ،ولن ينفعَ َ َ وفقره
ظه ر فاقتَ ه َ وي ِ ويتقوَّى ب هُ ،
ِ
ف لَ هُ إِاَّل ُه َو َوإِ ْن ض ٍّر فَاَل َكاش َ ك اللَّهُ بِ ُ (وإِ ْن مَيْ َس ْس َأح د ،ق ال تع اىلَ :
فتعلْق به بفعل الطاع ات، سَّ ،]107 : ن
ُ و )[ي ض لِ ِ
ه ْ ف
َ ي ِرد َك خِب ٍ فَاَل ر َّاد لِ
َ ُ َ ُ ْ َرْي
وأكثِ ْر من تالوةِ كتابِ ه وق راءةِ سَُّنِة رس ولِه -ص لى اهلل عليه وس لم،-
(سنُ ِري ِه ْم آيَاتِنَا
ك بشرعه وافرح به ،أعوذ باهلل من الشيطان الرجيمَ : ومتسَّ ْ
8من 11
اق ويِف أَْن ُف ِس ِهم حىَّت يتَبنَّي َ هَلُم أَنَّهُ احْل ُّق أَومَل ي ْك ِ
ف بَِربِّ َ ِ
ك أَنَّهُ َعلَى َ َ َْ ْ َ ََ ْ يِف اآْل فَ َ
ت.]53 : ُك ِّل َش ْي ٍء َش ِهي ٌد)[فُ ِّ
صلَ ْ
الخطبة الثانية:
احلمد هلل على إحس انه ،والش كر له على توفيقه وامتنان ه ،وأش هد ألَّا إلهَ
عبده
حممدا ُ ريك له تعظيمً ا لش انه ،وأش هد أن نبيَّنا ً
وحده ال ش َ
اهلل َإال ُ
مزيدا.
تسليما ً
ً وسلم
ورسولُه ،صلى اهلل عليه وعلى آله وأصحابه َّ
أمركم بالص الة والس الم على نبيِّه ،فق ال يف حمكم مث اعلم وا أن اهلل َ
َح ز ِ ِ ِ َّ ِ
اب: ص لُّوا َعلَْي ه َو َس لِّ ُموا تَ ْس ل ً
يما)[اأْل ْ َ التنزي ل( :يَا أَيُّ َها الذ َ
ين َآمنُ وا َ
وارض اللهم عن خلفائهَ وسلم على نبينا حمم د، ،]56اللهم صلِّ ِّ
10من 11
الراشدين ،الذين َقضَْوا باحلق وبه كانوا يعدلون؛ أيب بكر وعمر وعثمان
ك يا أكرمَ
ورمحت َ
جبودكَ ِ
أمجعني ،وعنَّا معهم ِ
َ وعليّ ،وعن سائر الصحابة
األكرمني.
َ