Professional Documents
Culture Documents
العناصـــــر :
الرحمة في حياة النبي (صلى هللا عليه وسلم ).
صور من رحمة النبي ( صلى هللا عليه وسلم ) بأمته .
صور من رحمة النبي ( صلى هللا عليه وسلم ) مع مخالفيه .
صور من رحمة النبي ( صلى هللا عليه وسلم ) بالحيوان .
اثر الرحمة على الفرد والمجتمع .
العزيـز(و َمـا َأ ْر َ
سـ ْل َنا َك ِإاَّل َ الموضـــــوع :الحمد هلل رب العالمين ،القائل في كتابـه
َر ْح َم ًة لِّ ْل َعا َلمِينَ )األنبياء )107وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شــريك لــه ،وأشــهد
أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله،القائــل في حديثــه الشــريف " َيــا َأ ُّي َهــا ال َّن ُ
اس
ِإ َّن َما َأ َنا َر ْح َم ٌة ُم ْهدَ اةٌ " مستدرك الحاكم) اللهم صــل وســلم وبــارك عليــه وعلى آلــه
وصحبه ،ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ،وبعد
لقــد جمــع هللا ســبحانه وتعــالى للحــبيب المصــطفى صــلى هللا عليــه وســلم ،صــفات
الجمال والكمال البشري ،فتألقت روحه الطاهرة بعظيم الشــمائل والخصــال ،وكــريم
الصفات واألفعال ،حــتى أبهــرت أخالقــه القــريب والبعيــد ،وشــملت رحمتــه الغــريب
والصديق ،ولقد صور لنا القران الكـريم هـذا جليـا واضـحا إذ يقـول الحـق سـبحانه
ـة ِّل ْل َعـ ا َلمِينَ )األنبيــاء )107ويقــول جــل وعال ( َل َقــدْ (و َمــا َأ ْر َ
س ـ ْل َنا َك ِإاَّل َر ْح َمـ ً وتعــالى َ
وف يص َع َل ْي ُكم بِا ْل ُمْؤ ِمنِينَ َر ُء ٌ سـول ٌ ِّمنْ َأنفُ ِسـ ُك ْم َع ِزيـ ٌز َع َل ْيـ ِه َمــا َع ِن ُّت ْم َحـ ِر ٌ َجا َء ُك ْم َر ُ
َّرحِي ٌم)التوبـةـ )128ويقــول حبيبنــا ،صــلى هللا عليــه وســلم ،عن نفســه " َيــا َأ ُّي َهــا
اس ِإ َّن َما َأ َنا َر ْح َم ٌة ُم ْه َداةٌ " مستدرك الحــاكم) فكــان صــلى هللا عليــه وســلم أكمــل ال َّن ُ
يم )القلم )4وأعظمهم إنســانية ـق َعظِ ٍ (وِإ َّن َك َل َعلى ُخلُـ ٍ الناس َخلقا و ُخلقا ،قــال تعــالى َ
ورحمة ،يصل من قطعه ،ويعطى من حرمــه ،ويعفــو عمن ظلمــه ،ويحســن إلى من
ص ـل ُ أســاء إليــه ،تقــول أم المؤمــنينـ خديجــة (رضــي هللا عنهــا) في حقــه " ِإ َّن َك َل َت ِ
ب ا ْل َحـ ِّق فَ ،و ُتعِينُ َع َلى َنـ َـواِئ ِ الضـ ْي َ
ـري َّ ب ا ْل َم ْعـ دُو َمَ ،و َت ْق ِ
الر ِح َمَ ،و َت ْح ِمل ُ ا ْل َكلََّ ،و َت ْكسِ ُ
َّ
"(مستدرك الحاكم ) فلقد بعث هللا ،النبي صلى هللا عليه وسلم رحيما رفيقا حريصــا
علينا ،رءوفا بنا ،يسجد يــوم القيامــة تحت عــرش الــرحمن ،فال يرفــع رأســه حــتى
شـ َّف ْع" فيقــول اشـ َف ْع ُت َ
سـلْ ُت ْع َطـ ْه َو ْس َك َوقُـلْ ُي ْسـ َم ْـع َلـ َك َو َ يقال له" َيا ُم َح َّم ُد ْار َف ْع َرْأ َ
حبيبنا صلى هللا عليه وسلم":يارب ُأ َّمتِى ُأ َّمتِى" .
وألفضل األديان قــــــام فأنذرا
ِ شرا *** ُ
الرحمة المهداةُ جاء مب ِّ
وألكرم األخالق جاء ُمت ِّم ًما *** يدعو ألحسنِها ويمحو المنكرا
ِ
صلى عليه هللاُ في ملكوته *** ما قـــــام عب ٌد في الصالة وك ّبرا
ولقد تجلت عظمة رحمته ،صلى هللا عليه وســلم بأمتــه في الكثــير من المواقــف ،إذ
رق قلب المصطفى صلى هللا عليه وسلم لجميع أبنــاء أمتــه حــتى بكى خوفــا عليهم
ص ـلَّى رضي هللاُ عن ُه قالََ :قال َ لِي ال َّن ِب ُّي َ َ أن يصيبهم من هللا عذاب ،ف َعنْ ا ْب ِن َم ْس ُعو ٍد
ـرُأ َع َل ْيـ َك َو َع ْلي ـ َك س ـول َ هللاَِ ،أ ْقـ َ تَ :يــا َر ُ ـرْأ َع َل َّي ا ْلقُـ ْـرآنَ "َ ،فقُ ْل ُ وس ـلَّم" :ا ْقـ َ هللاُ َع َل ْيـ ِه َ
ت اء َح َّتى ِجْئ ُ سـ ِ ور َة ال ِّن َ سـ َ ت َع َل ْي ِه ُ ِب َأنْ َأ ْس َم َع ُه مِنْ َغ ْي ِري" َف َق َرْأ ُ ُأ ْن ِزلَ؟!ـ َقالَِ":إ ِّني ُأح ُّ
شـ ِهي َداً) الء َ شـ ِهي ٍد َو ِجْئ َنــا بِ َك َع َلى هــُؤ ِ ـف ِإ َذا ِجْئ َنــا مِنْ ُكـ ل ِّ ُأ َّم ٍة ِب َ ِإلى هذ ِه اآل َية ( َف َك ْيـ َ
ـق عليــه)و َعنْ ت ِإ َل ْيهَِ ،فِإ َذا َع ْي َناهُ َت ْذ ِر َفان" متفـ ٌ ":ح ْس ُب َك اآلنَ "فا ْل َت َف ُ النساء )41قال َ َ
ـز سـلَّ َم َ :تاَل َقـ ْـول َ هَّللا ِ َعـ َّ صلَّى هَّللا ُ َع َل ْيـ ِه َو َ اصَ " ،أنَّ ال َّن ِب َّي َ َع ْب ِد هَّللا ِ ْب ِن َع ْم ِرو ْب ِن ا ْل َع ِ
اس َف َمنْ َت ِب َعنِي َفِإ َّن ُه ِم ِّني) ســورة ثِيرا مِنَ ال َّن ِ ضـ َل ْلنَ َك ً َو َجل َّ فِي ِإ ْب َراهِي َم ( َر ِّب ِإ َّن ُهنَّ َأ ْ
الس ـاَل م ( ِإنْ ُت َعـ ِّذ ْب ُه ْم َفـِإ َّن ُه ْم ِع َبــا ُد َك َوِإنْ سى َع َل ْي ِه َّ إبراهيم آية 36اآل َي َة )َ ،و َقال َ عِي َ
ـع َي َد ْيـ ِه َ ،و َقــال َ : َت ْغف ِْر َل ُه ْم َفِإ َّن َك َأ ْن َت ا ْل َع ِزي ُز ا ْل َحكِي ُم سورة المائدة آيــة َ ،) 118ف َر َفـ َ
َب ِإ َلى ُم َح َّم ٍد ــز َو َجــ ل َّ َ :يــا ِج ْب ِريــل ُ ْ ،اذه ْ ال َّل ُه َّم ُ ،أ َّمتِي ُ ،أ َّم ِتيـ َ ،و َب َكى َ ،ف َقــال َ هَّللا ُ َع َّ
سـول ُ سـَأ َل ُه َ ،فـَأ ْخ َب َر ُه َر ُ السـاَل ُم َ ،ف َس ْل ُه َما ُي ْبكِي َك ؟ َفَأ َتا ُه ِج ْب ِريل ُ َع َل ْي ِه َّ َو َر ُّب َك َأ ْع َل ُم َ ،ف َ
َب ِإ َلى سـلَّ َم ِب َمـا َقـال َ َ ،وه َُـو َأ ْع َل ُم َ ،ف َقـال َ هَّللا ُ َ :يـا ِج ْب ِريـل ُ ْ ،اذه ْ صلَّى هَّللا ُ َع َل ْي ِه َو َ هَّللا ِ َ
سـوُؤ َك " رواه مسـلم) بـل بلغت رحمتــه س ُن ْرضِ ي َك فِي ُأ َّمتِ َك َواَل َن ُ ُم َح َّم ٍد َ ،فقُلْ ِ :إ َّنا َ
صلى هللا عليه أن يــؤثرـ أمتــه على نفســه بدعوتــه المســتجابة شــفاعة لهم ورحمــة
َعـ َوةٌسـلَّ َم " لِ ُكـ ل ِّ َن ِب ٍّي د ْ صـلَّى هَّللا ُ َع َل ْيـ ِه َو َسـول ُ هَّللا ِ َ فعنْ َأ ِبي ه َُر ْي َر َة َقالََ :قال َ َر ُ بهمَ ،
ش ـ َفا َع ًة ُأِل َّمتِي َيـ ْـو َم ا ْلقِ َيا َمـ ةِ؛
ت دَ ْع َوتِي َ اخ َت َبْأ ُ
ُم ْس َت َجا َب ٌة َف َت َع َّجل َ ُكل ُّ َن ِب ٍّي دَ ْع َو َت ُه؛ َوِإ ِّني ْ
ش ْيًئ ا"(متفقـ عليه) ش ِر ُك ِباهَّلل ِ َات مِنْ ُأ َّم ِتيـ اَل ُي ْ شا َء هَّللا ُ َمنْ َم َ َف ِه َي َناِئ َل ٌة ِإنْ َ
ولقد بلغت رحمة الرسول صلى هللا عليه وسلم ،بأمتهـ حدا ال يتخيلــه عقــل ،إذ كــان
يترك العمل وهو يحبه ،خشية أن يفرض عليهم فيشق عليهم أداؤه ،فهو صــلى هللا
ـر ْك ُت ُك ْمَ ،فِإ َّن َمـا َه َلـ َك َمنْ َكـانَ
عليه وسلم ،القائـل في حديثــه الشــريف " َذ ُرونِي َمـا َتـ َ
شـ ْي ٍء َفـْأ ُتوا ِم ْنـ ُه َمــا اخ ِتاَل فِ ِه ْم َع َلى َأ ْن ِب َيــاِئ ِه ْمَ ،فـِإ َذا َأ َمـ ْ
ـر ُت ُك ْم ِب َ سـَؤ الِ ِه ْم َو ْ ـر ِة ُ َق ْب َل ُك ْم ِب َك ْثـ َ
شـ ْي ٍء َفــدَ ُعوهُ " وتقــول أم المؤمــنين عائشــة رضــي هللا اس َت َط ْع ُت ْمَ ،وِإ َذا َن َه ْي ُت ُك ْم َعنْ َ ْ
سول ُ هَّللا ِ صلى هللا عليه وسلم َل َي َد ُع ا ْل َع َمل َ َوه َُو ُيح ُّ
ِب َأنْ َي ْع َمـ ل َ بِ ِه عنها " ِإنْ َكانَ َر ُ
ض َع َل ْي ِه ْم " البخــاري ومســلم) فــانظر في ســنتهـ ـر َ ش ـ َي َة َأنْ َي ْع َمـ ل َ بِ ِه ال َّن ُ
اس َف ُي ْفـ َ َخ ْ
وسيرتهـ تراه ينقطع عن الخروج إلى صالة الــتراويح جماعــة في رمضــان ،خشـ َ
ـية
أن تفرض ،و تأخر في الردِّ على من سأل عن تكرار الحج في كــل عــام خشــية أن
يفرض بهذه الصورة ،و لما فرضت الصالة ،ظل المصــطفى صــلى هللا عليــه وســلم
يسأل هللا التخفيف ،رحمة بأمته صلى هللا عليه وسلم حتى كانت خمس في العمل و
خمسين في األجر.
ما أعظم إنسانية ورحمة النبي صلى هللا عليه وسلم الــتي لم تــترك بشــرا إال وكــان
له منها نصيب فكان رحيما باآلباء واألمهات ،رحيما باألطفال ،رحيما بالمخالف لــه
صـلَّى هَّللا ُ َع َل ْيـ ِه
ت ال َّن ِب َّي َ س َرضِ َي هَّللا ُ َع ْنـ ُه َ
"خـ دَ ْم ُ رحيما بالخدم والعبيد ،إذ يقول َأ َن ٌ
صـ َن ْع َت " رواه البخـاري صـ َن ْع َت َواَل َأاَّل َ ف َواَل لِ َم َ شـ َر ِسـنِينَ َف َمــا َقـال َ لِي ُأ ٍّ سلَّ َم َع َْو َ
سـول ُ هَّللا ِ ضـ َر َب َر ُاِئشـ َة رضـي هللا عنهـا َقـا َل ْت " َمـا َ وعنْ أم المؤمـنين َع َ مسـلم)َ ،
يل
سـ ِب ِ ـرَأ ًة َواَل َخا ِد ًمـا ِإاَّل َأنْ ُي َجاهِدَ فِي َ شـ ْيًئ ا َقـ ُّط ِب َيـ ِد ِه َواَل ْ
ام َ سـلَّ َم َصلَّى هَّللا ُ َع َل ْيـ ِه َو ََ
هَّللا ِ "...،رواه البخاري ومسلم) بل تدبر معي ما جــاء عن أنس بن مالــك قــال " ِإنْ
لِقول هَّللا ِ صلى هللا عليه وسـلم َف َت ْن َط ُ س ِ َكا َن ْت اَأْل َم ُة مِنْ ِإ َم ِ
اء َأهْ ِل ا ْل َمدِي َن ِة َل َتْأ ُخ ُذ ِب َي ِد َر ُ
اء ْت" رواه البخاري ) . ش َ ث َ ِب ِه َح ْي ُ
وفى رحمته باآلباء واألمهات واألطفال ترى أروع األمثلة وأعظمها ،فلقد كان نــبي
الرحمة صلى هللا عليه وسلم يدخل في الصالة ينوي أن يطيل فيها ،فــإذا بــه يســمعـ
بكاء الصبي فيتجوز فيها شفقة بالصغير من جانب ورفقــا بأمــه من آخــر ،إذ يقــول
الصالَ ِة َوَأ َنا ُأ ِري ُد ِإ َطا َل َت َها َفَأ ْس َم ُع ُب َكــا َء َّ
الصـ ِب ِّي صلى هللا عليه وسلم "ِإ ِّني َألدْ ُخل ُ فِي َّ
صالَتِي ِم َّما َأ ْع َل ُم مِنْ شِ َّد ِة َو ْج ِد ُأ ِّم ِه مِنْ ُب َكاِئه"رواه البخاري) " وصدق َفَأ َت َج َّو ُز فِي َ
ولسـ ِ ـال مِنْ َر ُ ت َأ َحـ دًا َكــانَ َأ ْر َح َم ِبا ْل ِع َيـ ِ
س ْب ِن َمالِكٍ رضي هللا عنه إذ يقول" َما َرَأ ْي ُ َأ َن ِ
هللا عليه وسلم" مما يشيرـ لنــا جميعــا إلى أن الرحمــة في حياتنــا يجب أن صلَّى ّ هَّللا ِ َ
ـر َح ْم س ِم َّنا َمنْ َل ْم َيـ ْ تشــملـ الصــغير والكبــير ،فقــد قــال صــلى هللا عليــه وســلم " َل ْي َ
ـرَأ ًة َكــانَ فِي س "َأنَّ ا ْمـ َ ير َنا "(رواه أبــو داود والترمــذي)ـ وعنْ َأ َن ٍ ِير َنا و ُي َو ِّق ْر َك ِب َ
صغ َ َ
ي ـري َأ َّ اج ًةَ "،ف َقــال َ َيــا ُأ َّم فُاَل ٍن ،ا ْن ُظـ ِ سول َ هَّللا ِ ِإنَّ لِي ِإ َل ْي َك َح َ ش ْي ٌءَ ،ف َقا َل ْت َيا َر ُ َع ْقلِ َها َ
ــر َغ ْت مِنْ ض ال ُّط ُر ِق َح َّتى َف َ اج َتكِ " َف َخاَل َم َع َها فِي َب ْع ِ الس َككِ شِ ْئ تَِ ،ح َّتى َأ ْقضِ َي َلكِ َح َ ِّ
اج ِت َها "( رواه مسلم ) ويأتي أبو بكر رضي هللا عنه بأبيــه عــام الفتح إلى رســول َح َ
هللا صلى هللا عليه وسلم ،إذ بالنبي صــلى هللا عليــه وســلم يقــول لـه " :هال تــركت
الشيخ في بيتهـ حتى أكون أنـا آتيــه فيــه" ،فيجيب أبــو بكــر رضــي هللا عنــه " هــو
أحق أن يمشيـ إليك يا رسول هللا من أن تمشيـ إليه " ولما جاءه رجــل َف َقــالَِ :إ ِّني
ض ـ ِح ْك ُه َما ان َقالَْ " :ار ِج ْع ِإ َل ْي ِه َما َفَأ ْ ي َي ْب ِك َي ِت َأ َب َو َّ
ت ُأ َب ِاي ُع َك َع َلى ا ْل ِه ْج َرةَِ ،و َل َقدْ َت َر ْك ُ ِجْئ ُ
َك َما َأ ْب َك ْي َت ُه َما " رواه النسائي وأبو داود)
وما أعظم رحمتهـ صلى هللا عليه وسلم إذ يوصى بالنساء خيرا ،زوجة كــانت ،فقــد
ض َل ِع ش ْي ٍء فِي ال ِّ اء َخ ْي ًراَ ،فِإ َّن ُهنَّ ُخلِ ْقنَ مِنْ ضِ َل ٍعَ ،وِإنَّ َأ ْع َو َج َ س ِ صوا ِبال ِّن َ اس َت ْو ُ
"و ْ قال َ
اءسـ ِ صـواـ ِبال ِّن َاس َت ْو ُ ـزلْ َأ ْعـ َو َجَ ،ف ْ سـ ْر َت ُهَ ،وِإنْ َت َر ْك َتـ ُه َل ْم َيـ َ َأ ْعاَل هَُ ،فـِإنْ َذ َه ْب َت ُتقِي ُمـ ُه َك َ
َخ ْي ًرا " رواه البخاري) أو بنتــا كــانت ،فقــد قــال" َمنْ َكــا َن ْت َلـ ُه ُأ ْن َثى َف َل ْم َيِئدْ هَا َو َل ْم
ور َ -أدْ َخ َلـ ُه هَّللا ُ ا ْل َج َّن َة "(رواه أبــو داود) ُي ِه ْن َهــا َو َل ْم ُيــْؤ ث ِْر َو َلــدَ هُ َع َل ْي َهــا َ -ي ْعنِي الـ ُّذ ُك َ
ولعلنا نأخذ من رحمتهـ لنقتدي؛ كيف كان النبي صلى هللا عليه وســلم ،مــع زوجاتــه
في بيتــه وكيــف كــانت معاملتــه لهن وكيــف كــانت معاملتــه مــع أوالده؟ تقــول أم
المؤمنين عائشة رضي هللا عنها ،عن حال النبي صلى هللا عليــه وســلم في بيتــه "
ف َنع َلـ ُهَ ،و َيخِي ـ ُط َثو َبـ ُه،ـ َو َيع َمـ ل ُ في َبيتِ ِه سلَّ َم َيخصِ ُ صلَّى هللاُ َع َلي ِه َو َ هللا َ
سول ُ ِ َكانَ َر ُ
َك َما َيع َمل ُ َأ َح ُد ُكم في َبي ِتهِ"رواه ابن حبان وغيره) وعن معاملته مــع زوجاتــه ،ف َع ِن
ســم َِع صلَّى هَّللا ُ َع َل ْي ِه َو َ
سلَّ َم َف َ ير َقالََ :جا َء َأ ُبو َب ْك ٍر َي ْس َتْأذِنُ َع َلى ال َّن ِب ِّي َ ال ُّن ْع َمان ْب ِن َبشِ ٍـ
سـلَّ َم ) َفـَأذِنَ َلـ ُه َفــدَ َخلَ، صلَّى هَّللا ُ َع َل ْي ِه َو َ ول هَّللا ِ َ س ِ ص ْو َت َها َع َلى َر ُ ش َة َوه َِي َراف َِع ٌة َ َعاِئ َ
صـلَّى هَّللا ُ َع َل ْيـ ِه ول هَّللا ِ َ سـ ِ صـ ْو َتكِ َع َلى َر ُ ـر َفعِينَ َ َف َقالََ :يا ا ْب َن َة ُأ ِّم ُرو َمانَ َو َت َن َاو َل َهــا َأ َتـ ْ
ـر سلَّ َم َب ْي َن ُه َو َب ْي َن َهاَ ،قالََ :ف َل َّما َخـ َر َج َأ ُبــو َب ْكـ ٍ صلَّى هَّللا ُ َع َل ْي ِه َو َ سلَّ َمَ ،قالََ :ف َحال َ ال َّن ِب ُّي َ َو َ
ت َب ْينَ ـر ْينَ َأ ِّني َقـدْ ُح ْل ُ ضـاهَا " َأاَل َت َ سـلَّ َم َيقُـول ُ َل َهـا َي َت َر َّ صلَّى هَّللا ُ َع َل ْيـ ِه َو َ َج َعل َ ال َّن ِب ُّي َ
ضا ِح ُك َهاَ ،قالََ :فـَأذِنَ َل ـ ُه اس َتْأ َذنَ َع َل ْي ِه َف َو َج َد ُه ُي َاء َأ ُبو َب ْك ٍر َف ْ الر ُج ِل َو َب ْي َنكِ " َقالَُ :ث َّم َج َ َّ
شـ َر ْك ُت َمانِي فِي شـ ِر َكانِي فِي ِسـ ْل ِم ُك َما َك َمـا َأ ْ سـول َ هَّللا ِ َأ ْ ـر َيــا َر ُ َف َد َخلََ ،ف َقــال َ َلـ ُه َأ ُبــو َب ْكـ ٍ
َح ْر ِب ُك َما " رواه أحمد) وكلما دخلت عليه ابنته فاطمــة رضــي هللا عنهـا اخـذ بيـدها،
وقبلها ،وأجلسها في مجلسه.ـ و لما َق َّبل الحسن بن على رضي هللا عنه فإذ باألقرع
بن حابس ،يقول :إن لي عشرة من الولـد ،مـا قبلت منهم أحــدا ،فينظـر إليـه النـبي
صلى هللا عليه وسلم ويقول" َمنْ اَل َي ْر َح ُم اَل ُي ْر َح ُم " رواه البخاري)
وتظهر لنا عظمة رحمتهـ وإنسانيتهـ صلى هللا عليه وسلم ،في معاملته مع مخالفيه،
فلقد كان صلى هللا عليه وسلم ،حريصا أن يكون المجتمــع وان اختلفت فيـه العقائــد
قلبا واحدا ،تحوطــه روح المحبــة والســماحة والمــودة واإلنســانية،ـ وهــذا مــا كـانت
عليه المدينة في عهده صلى هللا عليه وسلم ،فلقد كان النبي صـلى هللا عليـه وسـلم
يعامــل مخالفيــه بــأرقى قيم اإلنســانيةـ ال يفــرق في مثــل هــذه المعاملــة بينهم وبين
(و َل َقــدْ َك َّر ْم َنــا َبنِي آ َد َم َو َح َم ْل َنــا ُه ْم فِي ا ْل َب ِّ
ــر َوا ْل َب ْحــ ِر غــيرهم ،فاهلل جــل وعال يقــول َ
ِير ِّم َّمنْ َخ َل ْق َنا َت ْفضِ ياًل )االسراء )70فكــان ض ْل َنا ُه ْم َع َل ٰى َكث ٍ ت َو َف َّ َو َر َز ْق َناهُم ِّمنَ ال َّط ِّي َبا ِ
يجيب دعوتهم ويحضر مجالسهم ويعود مرضاهم ويواسيهم في مصابهم ،فقد قال
ِّين َو َل ْم ُي ْخ ِر ُجــو ُكم ِّمن ِد َيـ ِ
ـار ُك ْم هللا تعالى (اَّل َي ْن َها ُك ُم هَّللا ُ َع ِن الَّذِينَ َل ْم ُي َقا ِتلُو ُك ْم فِي ال ـد ِ
ِب ا ْل ُم ْقسِ طِ ينَ ) الحجرات )8ولما مــرض هــذا َأن َت َب ُّرو ُه ْم َو ُت ْقسِ ُطوا ِإ َل ْي ِه ْم ِإنَّ هَّللا َ ُيح ُّ
الغالم الذي كان يخدمه( ،وكان لم يسلم قبلها) عاده النــبي صــلى هللا عليــه وســلم ،
ولما مرت جنازة فقام لها النبي صلى هللا عليه وسلم ،فقيــل لــه يــا رســول هللا إنهــا
نفسـا؟ "؛ ولقــد مــات النــبي صــلى هللا عليــه وســلم أليسـ ْت ً َ جنازة يهودي ،فقال" :
ودرعه مرهونا عند يهـودي؛ ممـا يؤكـد على قيم التعـايش السـلمي بين النـاس في
مجتمعهم حتى وان اختلف اللون أو العرق أو العقيدة ،كما سطر الصــحابة األطهــار
سيرا على نهج نبيـ الرحمة سطورا من نور في الرحمة معهم فقد جاء َعنْ ُم َجاهِ ٍد
هَّللا
شــاةٌ فِي َأهْ لِ ِه َف َل َّما َجــ ا َء َقــال َ " َأهْــ َد ْي ُت ْم ل َِج ِ
ار َنــا ــرو ُذ ِب َح ْت َلــ ُه َ َأنَّ َع ْبــدَ ِ ْبنَ َع ْم ٍ
سـلَّ َم َيقُــول ُ صلَّى هَّللا ُ َع َل ْيـ ِه َو َ سول َ هَّللا ِ َ ت َر ُ سم ِْع ُ ِي ؟ َ ار َنا ا ْل َي ُهود ِّ ِي ؟ َأهْ َد ْي ُت ْم ل َِج ِ ا ْل َي ُهود ِّ
ت َأ َّن ُه َ
س ُي َو ِّر ُث ُه " . ار َح َّتى َظ َن ْن ُ " َما َزال َ ِج ْب ِريل ُ ُيوصِ ينِي ِبا ْل َج ِ
إن هذه الرحمة النبويةـ المنقطعة النظير ،في البشر ،لم تقف عند حدود البشــر ،بــل
امتدت لتشمل الحيوان ،فعن ابن مســعود قــال :ك ّنــا مــع رســول هللا صــلى هللا عليــه
وسلم في سفر ،فانطلق لحاجتِه ،فرأينــا ُح َّم َر ًة ( عصــفورة ) معهــا فرخــان ،فأخــذنا
ـرش ،فجــاء صــلى هللا عليــه وســلم فقــال " :من فرخيها ،فجاءت الح َّمرةُ فجعلت تفـ ِّ
فجع هذه بولدِها ؟ ردُّوا ولدَ ها إليها " وعن عبد هللا بن جعفر رضي هللا عنهمــا أن
النبي صلى هللا عليه وسلم دخل حائطا ً لرجل من األنصار ،فإذا فيه جمل فلمــا رأى
النبي صلى هللا عليه وسلم حنّ وذرفت عينــاه فأتــاه صــلى هللا عليــه وســلم فمســح
ظفراه فسكت ،فقال صلى هللا عليه وسلم " :من رب هذا الجمــل؟ لمن هــذا الجمــل؟
" فجاء فتى من األنصار فقال :لي يا رسول هللا ،فقال له َ " :أ َفاَل َت َّتقِي هَّللا َ فِي َهـ ِذ ِه
ا ْل َب ِهي َمـ ِة الَّتِي َملَّ َكـ َك هَّللا ُ ِإ َّيا َهــا َفِإ َّن ُه َ
ش ـ َكا ِإ َل َّي َأ َّن َك ُت ِجي ُعـ ُه َو ُتدْ ِئ ُبـ ُه (رواه احمــد وأبــو
داود)( ُتدْ ِئ ُب ُه،ـ اى تكرهــه وتتعبــه) وهـا هــو صــلى هللا عليــه وســلم يوصـيـ بــالرفق
سـانَ َع َلى ُكـ ل ِّ بــالحيوان واإلحســان إليــه حــتى عنــد ذبحــه فيقــول"ِإنَّ هَّللا َ َك َت َب اِإل ْح َ
ــةَ ،وِإ َذا َذ َب ْح ُت ْم َفَأ ْح ِســ ُنوا ال ِّذ ْب َحــ َةَ ،و ْل ُيحِ َّد َأ َحــ ُد ُك ْم
شــ ْي ٍءَ ،فــِإ َذا َق َت ْل ُت ْم َفَأ ْح ِســ ُنوا القِ ْت َل َ َ
يح َتـ ُه"رواه الترمــذي) وال يــزال صــلى هللا عليــه وســلم يوصــى شـ ْف َر َت ُه،ـ َو ْل ُيـ ِـر ْح َذ ِب َ َ
س َج َن ْت َها َح َّتى َما َت ْت َف َد َخ َل ْت فِي َها ام َرَأةٌ فِي ه َِّر ٍة َ بالرحمة بالحيوان حتى قال " ُع ِّذ َب ْت ْ
اش شــ ِ ســ ْت َهاَ ،واَل ه َِي َت َر َك ْت َهــا َتْأ ُكــ ل ُ مِنْ َخ َ ار ،اَل ه َِي َأ ْط َع َم ْت َهــا َواَل َ
ســ َق ْت َها ِإ ْذ َح َب َ ال َّن َ
ضـ َي هَّللا ُ َع ْنـ ُه َقــالََ :قــال َ ـر َة َر ِ ض"( متفــق عليــه) ،وفي المقابــلَ ،عنْ َأ ِبي ه َُر ْيـ َ اَأْل ْر ِ
ش ِإ ْذ َرَأ ْتـ ُه ـف ِب َر ِك َّي ٍة َكــادَ َي ْق ُتلُـ ُه ا ْل َع َط ُ
ب ُيطِ يـ ُ صلَّى هَّللا ُ َع َل ْي ِه َو َ
سـلَّ َمَ " :ب ْي َن َمــا َك ْل ٌ ال َّن ِب ُّي َ
س َق ْت ُه َف ُغف َِر َل َها ِب ِه "(متفق عليه) ِي مِنْ َب َغا َيا َبنِي ِإ ْس َراِئيل َ َف َن َز َع ْت ُمو َق َها َف َ َبغ ٌّ
و لم تقف رحمته صلى هللا عليه وسلم عند كل ما فيــه روح بــل حــتى الجمــاد ،نــال
من رحمته إذ يتعاطف مع جبل ُأ ُحد ،فيقول صلى هللا عليــه وســلم وهــو يشــيرـ إليــه
"ه ََذا َج َبل ٌ ُي ِح ُّب َنا َو ُن ِح ُّب ُه".ـ
هذه صور من حياة نبينا صــلى هللا عليــه وســلم ،تجســد رحمتــه،ـ فلنحمــل للعــالمين
رحمتــه ،إذ أن األخالق المثلى عمــاد األمم وقــوام الشــعوب ،واألمم باقيــة مــا بقيت
أخالقهــا ،وتطيب الحيــاة بين أبنائهــا وتصــلح وتزدهــر بــالتراحم والتعــاطف ،لــذلك
ولغيره الكثير ذكرت صفة الرحمة بمشــتقاتها في القــران الكــريم أكــثر من ثالثمائــة
مرة ،وان من هذا ليتضح للجميع أن قيم الرحمة واإلنسانية،ـ من قيم ديننا و أخالق
ـرو َ ،قــال َ : هَّللا
فعنْ َع ْبـ ِد ِ ْب ِن َع ْمـ ٍ نبينا وهى إلى الغفران نهجنــا والى الجنــة طريقنــا َ
ـر ْح َمنُ ْ ،ار َح ُمــوا َمنْ ـر َح ُم ُه ُم الـ َّ سلَّ َم َّ " :
الرا ِح ُمــونَ َيـ ْ صلَّى هَّللا ُ َع َل ْي ِه َو َ
سول ُ هَّللا ِ َ َقال َ َر ُ
اء" وكما أنها مفتــاح قلــوب النــاس؛ إذ يقــول هللا س َم ِض َي ْر َح ْم ُك ْم َمنْ فِي ال َّ فِي اَأْل ْر ِ
ض ـوا مِنْ ب اَل ن َف ُّ نت َف ًّظـ ا َغلِي ـ َظ ا ْل َق ْل ِ جــل وعال ( َف ِب َمــا َر ْح َمـ ٍة ِّمنَ هَّللا ِ ل َ
ِنت َل ُه ْم َو َلـ ْـو ُك َ
فعنْ َع ْبـ ِد هَّللا ِ ْب ِن َح ْولِ َك)آل عمران )159هي أيضــا مفتــاح لبــاب رحمــة هللا تعــالىَ ،
ـر " : سلَّ َم َ ،أ َّن ُه َقال َ َو ُهـ َـو َع َلى ا ْل ِم ْن َبـ ِ صلَّى هَّللا ُ َع َل ْي ِه َو َاص َ ،ع ِن ال َّن ِب ِّي َ َع ْم ِرو ْب ِن ا ْل َع ِ
ـر َح ُمـر َح ُم هَّللا ُ َمنْ اَل َيـ ْ اغفِ ُروا َي ْغف ِْر هَّللا ُ َل ُك ْم " وقال أيضــا " اَل َيـ ْ ْار َح ُموا ُت ْر َح ُموا َ ،و ْ
اس " متفق عليه) ال َّن َ
( الدعــــــاء )
=====ـ كتبه =====ـ
محمد حســـــــن داود
إمام وخطيب ومدرس