Professional Documents
Culture Documents
جل جالله
قال تعاىلَ " :و َمن يُ ْؤ ِمن بِاللَّ ِه َي ْه ِد
يم" َق ْلبه واللَّه بِ ُكل شي ٍء علِ
َ ُ َ ُ ِّ َ ْ َ ٌ
( التغابن ،آية )11 :
1
بسم اهلل الرحمن الرحيم
اإلهداء
يف الوجود يبحث عن الطريق ملعرفة اهلل ،واإلميان به إىل كل إنسان
الشاملة على املنهج الصحيح أهدي هذا الكتاب سائالً وحتقيق عبوديته
بأمسائه احلسىن وصفاته العُال أن يكون خالصاً لوجه وجل
ّ املوىل عز
الكرمي.
صاحِلًا َواَل يُ ْش ِر ْك ِ ِ
ل َقاء َربِّه َف ْلَي ْع َم ْل َع َماًل َ قال تعاىل ":فَ َمن َكا َن َي ْر ُجو
آية .)110 : َح ًدا" (الكهف ، ِِ ِ ِ
بعبَ َادة َربِّه أ َ
د .علي حممد حممد الصاليب
2
بسم اهلل الرحمن الرحيم
المقدمة
إن احلمد هلل ،حنمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ باهلل من
شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ،من يهده اهلل فال مضل له ،ومن
يضلل فال هادي له وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له
وأشهد أن حممداً عبده ورسوله.
ين َآمنُواْ َّات ُقواْ اللّهَ َح َّق ُت َقاتِِه َوالَ مَتُوتُ َّن إِالَّ َوأَنتُم َّ ِ
" يَا أَيُّ َها الذ َ
ُّم ْسلِ ُمو َن" (آل عمران ،آية .)102 :
اح َد ٍة َو َخلَ َق ِمْن َها س وِ َّ ِ
َّاس َّات ُقواْ َربَّ ُك ُم الذي َخلَ َق ُكم ِّمن نَّ ْف ٍ َ " يَا أَيُّ َها الن ُ
ث ِمْن ُه َما ِر َجاالً َكثِ ًريا َونِ َساء َو َّات ُقواْ اللّهَ الَّ ِذي تَ َساءلُو َن بِِه َز ْو َج َها َوبَ َّ
َواأل َْر َح َام إِ َّن اللّهَ َكا َن َعلَْي ُك ْم َرقِيبًا" (النساء ،آية .)1 :
صلِ ْح لَ ُك ْم
يدا* يُ ْين َآمنُوا َّات ُقوا اللَّهَ َوقُولُوا َق ْواًل َس ِد ً َّ ِ
" يَا أَيُّ َها الذ َ
أ َْع َمالَ ُك ْم َو َي ْغ ِف ْر لَ ُك ْم ذُنُوبَ ُك ْم َو َمن يُ ِط ْع اللَّهَ َو َر ُسولَهُ َف َق ْد فَ َاز َف ْو ًزا
يما" (األحزاب ،آية .)71 ،70 : ِ
َعظ ً
يا رب لك احلمد حىت ترضى ولك احلمد إذا رضيت ،ولك احلمد
بعد الرضى.
أما بعد:
الفعال ملا يريد، هذا الكتاب يتحدث عن اخلالق العظيم والرازق الكرميّ ،
الكرمي املنان ،الواسع العليم ،الذي رأيت من خالل مسرييت يف عامل
التاريخ عظمته يف احلياة ،ويف قيام الدول وزواهلا ،وانتشار احلضارات
وإندثارها ،وعز احلكومات وإذالهلا وقصص الناس ،ويف خملوقاته العجيبة
الغريبة ويف هذا الكون الفسيح وحركة التاريخ.
هذا الكتاب إمنا كان نتاج هذه املسرية ،بل إحدى مثارها حيث
وجدت أن الذين أمنوا باهلل العظيم واتبعوا رسوله الكرمي هدى اهلل
3
قلوهبم بل زادها إميانا ،لقد عرفوا رهبم وعلموا أن اهلل هو التواب
الرحيم ذو الفضل العظيم ،العزيز احلكيم الذي ابتلى إبراهيم بكلمات،
ومسع نداء يونس يف الظلمات ،واستجاب لزكريا فوهبه على الكرب حيىي
هادياً مهدياً ،وحنّاناً من لدنه وكان تقيا.
اهلل الذي أزال الكرب عن أيوب وأالن احلديد لداود وسخر الريح
لسليمان ،وفلق البحر ملوسى ،ورفع إليه عيسى ،وجنّا هوداً وأهلك
قومه ،وجنّا صاحلاً من الظاملني فأصبح قومه يف دارهم جامثني ،وجعل
النار برداً وسالماً على إبراهيم ،وفداء إمساعيل بذبح عظيم ،وجعل
عيسى وأمه آية للعاملني.
اهلل الذي أغرق فرعون وقومه وجنّاه ببدنه ليكون ملن خلقه آية،
وخسف بقارون وداره األرض ،وجنّا يوسف من غيابت اجلب وجعله
على خزائن األرض ،ونصر نوحاً على القوم الكافرين وجنّاه وأهله من
الكرب العظيم.
اهلل الذي أضحك وأبكى ،وأمات وأحيا ،وأسعد وأشقى ،وأوجد وأبلى،
ورفع وخفض ،وأعز وأذل ،وأعطى ومنع.
هدى نوحاً وأضل ابنه ،واختار ابراهيم وأبعد أباه ،وأنقذ لوطاً وأهلك
امرأته ،ولعن فرعون وهدى زوجته ،واصطفى حممد ومقت عمه وجعل
من أنصار دعوته أبناء ألد خصومه ،كخالد بن الوليد وعكرمة بن أيب
جهل ،فسبحانه عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته.1
جل وعال الذي مجع يف هذا الوجود بني الكمال واجلمال وعنصر اهلل ّ
اجلمال يف هذا الكون مقصوداً قصداً ،مجال مقصود وكمال بال حدود،
فرؤية اجلمال على حقيقته ال تكون إال حينما ينظر القلب بنور اهلل،
فتتكشف له األشياء عن جوهرها اجلميلة وروائعها البديعة ،ويتذكر اهلل
كلما وقعت عينه أو حسه على شيء بديع ،أو منظر حسن ،فيحسن
1هللا أهل الثناء والمجد ،د .ناصر الزهراني صـ .41
4
بالصلة ويشعر بالرتابط بني املبدع وما أبدع واجلميل وما مجّل واحملسن
وما أحسن ،ويرى من وراء هذا اجلمال مجال اهلل وجالله وكماله
والقرآن الكرمي يوقظ القلوب لتتبع مواضع احلسن وآيات اجلمال يف
ِِ
ني" (املؤمنون ،آية ،)14 : َح َس ُن اخْلَالق َ هذا الكون البديع " َفتَبَ َار َك اللَّهُ أ ْ
َح َس َن ُك َّل َش ْي ٍء َخلَ َقهُ" (السجدة ،آية ،)7 :وقال تعاىل ":أََفلَ ْم ِ
"الَّذي أ ْ
وج" (ق َّاها َو َما هَلَا ِمن ُفُر ٍ اها َو َزيَّن َف َبَنْينَ َ يَنظُُروا إِىَل َّ
الس َماء َف ْو َق ُه ْم َكْي َ
،آية .)6 :
وتأمل كلمة" أََفلَ ْم يَنظُُروا" إنه استفهام استنكاري ألولئك الذين هلم أعني
ال يبصرون هبا ،وقلوب ال يفقهون هبا ،وال يرون ذلك اجلمال
الساحر ،واإلبداع األخاذ واحلسن اجل ّذاب الذي يدل على رب العباد،
ولذلك يكثر يف القرآن الكرمي األمر بالنظر ألخذ العربة ،ولإلحساس
باجلمال:
السماو ِ ِ
ض َو َما َخلَ َق اللّهُ ات َواأل َْر ِ قال تعاىل ":أ ََومَلْ يَنظُُرواْ يِف َملَ ُكوت َّ َ َ
ِمن َش ْي ٍء" (األعراف ،آية .)185 :
ض َب ْع َد َم ْوهِتَا ف حُيْيِي اأْل َْر َ
ِ ِ
وقال تعاىل ":فَانظُْر إِىَل آثَا ِر َرمْح َت اللَّه َكْي َ
ك لَ ُم ْحيِي الْ َم ْوتَى َو ُه َو َعلَى ُك ِّل َش ْي ٍء قَ ِد ٌير" (الروم ،آية : ِ
إِ َّن ذَل َ
.)50
ف بَ َدأَ اخْلَْل َق مُثَّ اللَّهُ ض فَانظُُروا َكْي َ وقال تعاىل ":قُ ْل ِسريُوا يِف اأْل َْر ِ
نش ُئ النَّ ْشأََة اآْل ِخَر َة إِ َّن اللَّهَ َعلَى ُك ِّل َش ْي ٍء قَ ِد ٌير" (العنكبوت ،آية : يِ
ُ
.)20
ِِ
صبًّا* مُثَّ َش َق ْقنَا
صبَْبنَا الْ َماء َ نسا ُن إِىَل طَ َعامه* أَنَّا َ ِ ِ
قال تعاىلَ ":ف ْليَنظُر اإْل َ
ض َش ًّقا* فَأَنبَْتنَا فِ َيها َحبًّا* َو ِعنَبًا َوقَ ْ
ضبًا* َو َز ْيتُونًا َوخَن ْاًل * َو َح َدائِ َق غُ ْلبًا* اأْل َْر َ
اعا لَّ ُك ْم َوأِل َْن َع ِام ُك ْم" (عبس ،آية 24 :ـ .)32 ِ
َوفَاك َهةً َوأَبًّا* َّمتَ ً
5
ض" (يونس ،آية : ات َواأل َْر ِالسماو ِ وقال تعاىل ":قُ ِل انظُرواْ َما َذا يِف
َّ َ َ ُ
.)101
فأين األعني الناظرة ،والقلوب املبصرة ،واألذهان املتوقدة ،والفطرة
السليمة ،واملشاعر احلية ،واألحاسيس املرهفة؟ يا اهلل ما أروع هذا
الكون وما أمجل هذا الوجود ،إن املتأمل فيه يبهر جبماله ،وروعة
نظامه وعظمة إحكامه كل شيء فيه مجيل ليله وهناره ،صبحه ومساؤه،
حره وبرده ،غيمه وصحوه ،أخضره أرضه ومساؤه ،بدره ومشسهّ ،
وأغربه ،جباله وتالله ،1سهوله ووديانه ،بره وحبره ،كل شيء مجيل،
وكل شيء بديع وكل شيء متقن ،وكل شيء متناسق وكل شيء
منتظم ،وكل شيء بقدر ،وكل شيء بإحكام ،من الذرة الصغرية إىل
اجلرم الكبري ،ومن اخللية الساذجة إىل أعقد األجسام.
أنظر إىل اإلنسان وروعة خلقه ،وتباين أجناسه وتعدد لغاته وإختالف
جل وعال قد أحسن كل شيء خلقه ومن أحسن خملوقاته نغماته ،فهو ّ
صريُ" (التغابن ،آية وأمجلها اإلنسان" وص َّور ُكم فَأَحسن صور ُكم وإِلَي ِه الْم ِ
َ َ َ ْ ْ َ َ َُ َ ْ َ ْ َ
ِ
ك فَ َس َّو َاكك الْ َك ِر ِمي* الَّذي َخلَ َق َنسا ُن َما َغَّر َك بَِربِّ َ ِ
" ،)3 :يَا أَيُّ َها اإْل َ
ك" (اإلنفطار ،آية 6 :ـ ،)8قال ور ٍة َّما َشاء َر َّكبَ َ صَ َي ُ ك* يِف أ ِّ َف َع َدلَ َ
َح َس ِن َت ْق ِو ٍمي" (التني ،آية .)4 : نسا َن يِف أ ْ ِ
تعاىل ":لََق ْد َخلَ ْقنَا اإْل َ
أنظر إىل السماء وهيبتها والنجوم وفتنتها ،والشمس وحسنها ،والكواكب
وروعتها ،والبدر وإشراقه ،والفضاء ورحابته ،تأمل يف السماء يف ليلة
حالكة وقد انتشرت فيها الكواكب وبثت فيها النجوم.
أنظر إىل األرض كيف دحاها ،وأخرج منها ماءها ومرعاها ،واجلبال
أرساها ،هذه البحار ،هذه األهنار ،هذا الليل ،هذا الصبح ،هذا الضياء،
هذه الظالل ،هذه السحب ،هذا التناغم الساري يف الوجود كله ،هذا
التناسق هذه الزهرة ،هذه الوردة هذه الثمرة اليانعة ،هذا اللنب السائغ،
1هللا أهل الثناء والمجد صـ .67 ،66
6
هذا الشهد املذاب ،هذه النخلة هذه النحلة ،هذه النملة هذه الدويبة
الصغرية اجملهزة باألرجل أو الشعريات أو املالمسة واملرونة لتشق طريقها
وتتعامل مع واقعها ،هذه السمكة ،هذا الطائر املغرد ،والبلبل الشادي
هذه الزاحفة ،هذا احليوان مجال ال ينفذ ،وحسن ال ينتهي وقرة عني
صبِ ُحو َن* َولَهُ احْلَ ْم ُد يِف ِ ِ ِ
ال تنقطع " ،فَ ُسْب َحا َن اللَّه ح َ
1
ني تُ ْ ني مُتْ ُسو َن َوح َ
ِ ِ ض و َع ِشيًّا و ِح َ ِ َّ ِ
ِج
ِج احْلَ َّي م َن الْ َميِّت َوخُيْر ُ ني تُظْهُرو َن* خُيْر ُ َ الس َم َاوات َواأْل َْر ِ َ
ِ هِت الْميِّ ِ
ك خُتَْر ُجو َن " (الروم ، ض َب ْع َد َم ْو َا َو َك َذل َ ت م َن احْلَ ِّي َوحُيْيِي اأْل َْر َ َ َ
آية 17 :ـ .)19
اهلل سبحانه إله واحد ليس له شريك ،وليس له مثيل يف ذاته أو
صفاته أو أفعاله كل ما يف الكون من إبداع ونظام وانسجام يدل
على أن مبدعه ومدبره واحد ولو كان وراء هذا الكون أكثر من
مدبر وأكثر من منظم ألختل نظامه ،واضطربت سننه " لَ ْو َكا َن فِي ِه َما
ب الْعر ِش ع َّما ي ِ ِ هِل ِ
ص ُفو َن" (األنبياء ، َ َ آ َةٌ إاَّل اللَّهُ لََف َس َدتَا فَ ُسْب َحا َن اللَّه َر ِّ َ ْ
آية .)22 :
وليس التوحيد جمرد إقرار العبد بأنه ال خالق إال اهلل وأن اهلل رب
كل شيء ومليكه ،كما كان عبّاد األصنام مقرين بذلك وهم
مشركون ،بل التوحيد يتضمن ،من حمبة اهلل واخلضوع له والذل له،
وكمال اإلنقياد لطاعته وإخالص العبادة له وإرادة وجهه األعلى جبميع
األقوال واألعمال واملنع والعطاء واحلب والبغض وهو واحد سبحانه يف
ألوهيته فال يستحق العبادة إال هو وال جيوز التوجه خبوف أو رجاء
إال إليه ال خشية إال منه ،وال ذل إال إليه ،وال طمع إال يف رمحته،
وال إعتماد إال عليه وال إنقياد إال حلكمه.2
9
الشمس من املغرب ،فإن الذي حييي ومييت هو الذي يفعل ما يشاء
وال ميانع وال يغالب بل قد قهر كل شيء ،ودان له كل شيء ،فإن
كنت كما تزعم فأفعل هذا فإن مل تفعله فلست كما زعمت وأنت
تعلم وكل أحد انك ال تقدر على هذا ومل يبق للنمرود كالم جييب
ت الَّ ِذي َك َفَر فيه اخلليل عليه الصالة والسالم ،وهلذا قال تعاىلَ ":فبُ ِه َ
1
ِِ ِ
َواللّهُ الَ َي ْهدي الْ َق ْو َم الظَّالم َ
ني".
وقال الشاعر:
فيا عجباً كيف يعصي اإلله
أم كيف جيحده اجلاحد
واهلل يف كل حتريكة
ويف كل تسكينة شاهد
ويف كل شيء له آية
2
تدل على أنه واحد
وما أمجل هذه األبيات الرائعة اليت قاهلا الشاعر إبراهيم بريول ـ رمحه
اهلل:
إين أويت لكل مأوى يف احلياة
فما رأيت أعز من مأواكا
وتلمست نفسي السبيل إىل النجاة
فلم جتد منجي سوى منجاكا
وحبثت عن ِسّر السعادة جاهداً
فوجدت هذا السر يف تقواكا
فلريضى عين الناس أو فليسخطوا
أنا مل أعد أسعى لغري رضاكا
12
((اإلميان)) وال شك أن العودة إىل تعبري القرآن والرسول عليه الصالة
والسالم أنفع وأوىل مع جواز املصطلحات األخرى ،فكلمة اإلميان أرقى
معىن وأشف ظالً وأحل على املقصود من الكلمات األخرى ،فهي
تشيع يف األجواء عندما تكتب أو تنطق معاين األمن والثقة وتلقي
ظالل الطمأنينة واليقني وتوحي مبعاين اإللزام والتصديق واخلضوع وتطلق
إحياءات الثبات والدوام واملتانة واحليوية وكلمة العقيدة ال تتضمن كل
هذا كما أنين بينت الفرق بني اإلسالم واإلميان واإلحسان واألسس اليت
يقوم عليها اإلميان باهلل عز وجل وشرحت بعض اآليات القرآنية اليت
حتدثت عن اإلميان ،كزينة اإلميان ،ونور اإلميان ،وروح اإلميان ،وخلصت
يف هذا الكتاب أهم أسباب قوة اإلميان مثل:
1ـ معرفة أمساء اهلل احلسىن.
2ـ تدبر القرآن على وجه العموم.
3ـ معرفة النيب صلى اهلل عليه وسلم.
4ـ التفكري يف الكون والنظر يف األنفس.
5ـ اإلكثار من ذكر اهلل يف كل وقت.
6ـ معرفة حماسن الدين.
7ـ االجتهاد يف التحقق من مقام اإلحسان.
8ـ الدعوة إىل اهلل.
9ـ توطني النفس على مقاومة ما ينايف اإلميان.
10ـ معرفة حقيقة الدنيا واعتبارها ممر لآلخرة.
وعرضت بعض صفات املؤمنني اليت جاءت يف القرآن الكرمي ،وشرحتها
وبينت أمهيتها وركزت على أهم فوائد اإلميان ومثراته ،كاالغتباط بوالية
اهلل اخلاصة ودفاع اهلل عن املؤمنني والفوز برضا اهلل ،وحصول البشارة
بكرامة اهلل ،حصول الفالح واهلدى ،االنتفاع باملواعظ والتذكري ،والشكر
13
والصرب ،تأثريه على األعمال واألقوال ،هداية اهلل إىل الصراط املستقيم،
حمبة اهلل واملؤمنني من خلقه ،رفع اهلل ملكانتهم.
ويف املبحث السابع واألخري :كان احلديث عن الشرك والكفر والنفاق
والردة والفسق واملعاصي.
أيها القاري الكرمي أضع بني يديك هذا الكتاب راجياً من اهلل أن
حيي قلبك وتزداد هداية مع كل معرفة جديدة عن ربك فاهلدف من
كتابته هو زيادة إميانك برب العاملني بعيدا عن العوائق اليت وضعت يف
طريق اإلميان الذي بينه رسولنا حممد صلى اهلل عليه وسلم وسار عليه
الصحابة الكرام سهال ميسرا بدون عناء وال شقاء فأمنوا برهبم فهدى
ِ ِ ِ
اهلل قلوهبم قال اهلل سبحانه وتعاىل " َو َمن يُ ْؤمن بِاللَّه َي ْهد َق ْلبَهُ َواللَّهُ
يم" ( التغابن ،آية ،)11 :هذا وقد انتهيت من هذا ٍ ِ ِ
ب ُك ِّل َش ْيء َعل ٌ
الكتاب يوم األحد الثالثة إال ربع ظهراً بتاريخ 8/5/1430هـ/
3/3/2009م بالدوحة ،والفضل هلل من قبل ومن بعد وأسأله سبحانه
بأمسائه احلسىن وصفاته العال أن جيعل عملي لوجهه خالصاً ولعباده
نافعا ،ويشرح صدور العباد لالنتفاع به ويبارك فيه مبنه وكرمه وجوده
وأن يثيب أخواين الذين أعانوين من أجل إمتام هذا اجلهد املتواضع،
ونرجو من كل مسلم يصله هذا الكتاب أن ال ينسى العبد الفقري إىل
ب أ َْو ِز ْعيِن أَ ْن أَ ْش ُكَر عفنو ربه ومغفرته ورمحته ورضوانه من دعائه " َر ِّ
ي وأَ ْن أَعمل حِل ِ
ضاهُصا ًا َت ْر َ َْ َ َ ت َعلَ َّي َو َعلَى َوال َد َّ َ ك الَّيِت أَْن َع ْم َ نِ ْع َمتَ َ
ني" (النمل ،آية .)19 : ك يِف ِعب ِاد َك َّ حِلِ َوأ َْد ِخ ْليِن بَِرمْح َتِ َ
الصا َ َ
كك هَلَا َو َما مُيْ ِس ْ َّاس ِمن رَّمْح ٍَة فَاَل مُمْ ِس َ وقال تعاىلَ " :ما َي ْفتَ ِح اللَّهُ لِلن ِ
يم" (فاطر ،آية .)2 : ِ ِ ِِ ِ ِ
فَاَل ُم ْرس َل لَهُ من َب ْعده َو ُه َو الْ َعز ُيز احْلَك ُ
ص ُفو َن * َو َساَل ٌم َعلَى ب الْعَِّز ِة ع َّما ي ِ ك َر ِّ وقال تعاىلُ " :سْب َحا َن َربِّ َ
َ َ
ني" (الصافات ،آية 180 :ـ .)183 ِ
ب الْ َعالَم َ ني * َواحْلَ ْم ُد لِلَّ ِه َر ِّ ِ
الْ ُم ْر َسل َ
14
سبحانك اللهم وحبمدك أشهد أن ال إله إآل أنت استغفرك وأتوب
إليك وآخر دعوانا أن احلمد هلل رب العاملني.
االخوة الكرام :يسرين أن تصل مالحظاتكم وانطباعاتكم حو هذا الكتاب
وغريه من كتيب من خالل دور النشر ،وأطلب من أخواين الدعاء يف
ظهر الغيب باإلخالص هلل والصواب خلدمة دينه العظيم.
Mail: info@alsallaby.com
Website : www.alsallaby.com
15
الفصل األول
كلمة الشهادة
المبحث األول :معنى ال إله إال اهلل محمد رسول اهلل فضلها
وشروطها:
أول كلمة يدخل هبا اإلنسان بوابة اإلسالم ،ويصل إىل مدارج التوحيد،
ويرتقي يف مراقي العبودية ،هي كلمة "ال إله إال اهلل حممد رسول
اهلل" اليت مبوجبها يعرتف العبد هلل عز وجل وحده بالربوبية واأللوهية
وحملمد صلى اهلل عليه وسلم بالرسالة .وأن يشهد العبد أن اهلل هو
املستحق للعبادة ،وأن تنصرف قواه ـ قوى عقله وقلبه وبدنه وجوارحه
ـ يف التسبيح والتهليل والتمجيد ،والعبودية هلذا اإلله العظيم ،الذي أنت
ذرات كيانك الداخلية أيها اإلنسان بعض فضله وبعض خلقه ،فكل َّ
ومتجده وتسبِّحه ،شئت أم أبيت ،غفلت أم انتبهت ،حييت َّ تعرتف به،
ت ،آمنت أو كفرت ،فيبقى اختيار اإلنسان أن يعبد ربه سبحانه أم ِم َّ
وتعاىل طوعاً مبا أمره اهلل تعاىل ومبا جاء على ألسنة رسله املكرمني
عليهم الصالة والسالم .وأن يشهد بأن حممد صلى اهلل عليه وسلم
1
اخلامت للرسل هو عبد اهلل ورسوله أرسله ربنا إىل اخللق أمجعني من
اإلنس واجلن وذلك إقرارا باللسان وإميانا بالقلب بأنه رمحة مهداة
للعاملني.
17
اهلل ،فكما تفرد سبحانه وتعاىل باخللق والرزق واإلحياء ،واإلماتة
واإلجياد ،واإلعدام والنفع والضر ،وغري ذلك من معاين ربوبيته ومل
يشاركه أحد يف خلق املخلوقات وال يف التصرف يف شئ منها،
ك بِأ َّ
َن ِ
فكذلك تفرد سبحانه باأللوهية حق ال شريك له ،قال تعاىل" :ذَل َ
َن اللَّهَ ُه َو الْ َعلِ ُّي َن ما ي ْدعو َن ِمن دونِِه الْب ِ
اط ُل َوأ ََّ ُ اللَّهَ ُه َو احْلَ ُّق َوأ َّ َ َ ُ
الْ َكبِريُ" (لقمان ،آية .)30 : 1
ولفظ اجلاللة يف كلمة الشهادة (اهلل) عز وجل فهو اسم من أمسائه جل
وتعاىل ،بل هو امسه األعظم عند قوم ،وهذا أكثر األمساء تردداً يف
القرآن والسنة( .اهلل) هو أكثر األمساء إشتهاراً وترديداً على ألسنة
املخلوقني كلهم مبختلف لغاهتم وألسنتهم.
((اهلل)) هو اإلسم الدال عل الذات العظيمة اجلامعة لصفات اإلهلية
والربوبية فهو إسم له وحده ال يتعلق به أحد سواه ،وال يُطلق على
غريه وال ي ّدعيه أحد من خلقه.
ميجده اخللق ويسبحونه وحيمدونه، ((اهلل)) اسم للرب املعبود احملمود الذي َّ
وتسبح له السماوات السبع واألرضون السبع ومن فيهم والليل والنهار
ـكن الَّ واإلنس واجلن والرب والبحر "وإِن ِّمن َشي ٍء إِالَّ يسبِّح حِب م َد ِه ولَ ِ
ُ َ ُ َْ َ ْ َ
ورا" (اإلسراء ،آية ."44 : ف
ُ غ
َ ا يمَت ْف َقهو َن تَسبِيحهم إِنَّه َكا َن حلِ
ً َ ً ْ َُ ْ ُ ُ
((اهلل)) هو الرب الذي تأهلُههُ القلوب وحتن إليه النفوس وتتطلع إليه
األشواق ،وحتب وتأنس بذكره وقربه وتشتاق إليه وتفتقر إليه املخلوقات
كلها يف كل حلظة وومضة ،وخطرة وفكرة يف أمورها اخلاصة والعامة،
ومْن ِشئها
والكبرية والصغرية ،واحلاضرة واملستقبلة ،فهو مبديها ومعيدهاُ ،
وباريها وهي تدين له سبحانه وتُِقُّر ،ةتفتقر إليه يف كل شؤوهنا
طوقه ِمنَناً ونِعماً وأمورها ما من خملوق إال ويشعر بأن اهلل تعاىل ّ
قال الشاعر:
هلل يف اآلفاق آيات
لعل أقلَّها هو ما إليه هداكا
ولعل ما يف النفس من آياته
َّ
عجب عُجاب لو ترى عيناكا
والكون مشحون بأسرار
إذا حاولت تفسرياً هلا أعياكا
2
ومقتضى هذه الشهادة أن تصدِّق رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فيما
أخرب وأن متتثل أمره فيما أمر ،وأن تتجنب ما عنه هنى وزجر ،وأن
ال تعبد اهلل إال مبا شرع وأن ال تعتقد أن لرسول اهلل حقاً يف
الربوبية وتصريف الكون ،أو حقاً يف العبادة ،بل هو صلى اهلل عليه
وسلم عب ٌد ال يعبد ورسول ال يكذب ،وال ميلك لنفسه وال لغريه
2
شيئاً من النفع أو الضر إال ما شاء اهلل .
لقد عرفت ال إله إال اهلل لدى املسلمني بكلمة "التوحيد" وكلمة
"اإلخالص" وكلمة "التقوى" ،وكانت ال إله إال اهلل ،إعالن ثورة على
جبابرة األرض وطواغيت اجلاهلية ،ثورة على كل األصنام واآلهلة،
املزعومة ،من دون اهلل ،سواء كانت شجراً أم حجراً أم بشراً ،وكان
ال إله إال اهلل نداءً عاملياً لتحرير اإلنسان من عبودية اإلنسان والطبيعة
وكل من خلق ،وكانت ال إله إال اهلل عنوان منهج اهلل الذي ال
ثانياً :فضل كلمة ال إله إال اهلل :لقد ورد يف كتاب اهلل وسنة
نبيه من الفضائل اجلمة هلذه الكلمة واخلصال العديدة واألوصاف
احلميدة ،ما يصعب استقصاؤه يف هذا املوضع ،فهي ،كلمة قامت هبا
وخلقت ألجلها مجيع املخلوقات ،وهبا أرسل اهلل األرض والسماواتُ ،
تعاىل رسله ،وأنزل كتبه وشرع شرائعه وألجلها نصبت املوازين
ووضعت الدواوين ،وقام سوق اجلنة والنار ،وهبا انقسمت اخلليقة إىل
املؤمنني والكفار واألبرار والفجار ،فهي منشأ اخللق واألمر والثواب
والعقاب ،وهي احلق الذي خلقت له اخلليقة ،وعنها وعن حقوقها
السؤال واحلساب ،وعليها يقع الثواب والعقاب ،وعليها نصبت القبلة،
وعليها أسست امللة ،وألجلها جردت سيوف اجلهاد ،وهي حق اهلل
على مجيع العباد ،فهي كلمة اإلسالم ومفتاح دار السالم ،وعنها يُسأل
األولون واآلخرون فال تزول قدما العبد بني يدي اهلل حىت يُسأل عن
مسألتني :ماذا كنتم تعبدون؟ وماذا أجبتم املرسلني؟
فجواب األوىل :بتحقيق ال إله إال اهلل معرفة وإقراراً وعمالً.
وجواب الثاين :بتحقيق أن حممداً رسول اهلل معرفة وإقراراً وانقياداً
وطاعة .
2
ومما ورد يف فضل هذه الكلمة يف القرآن الكرمي أهنا وصفت بالكلمة
ب اللّهُ َمثَالً ضَر َ
ف َ الطيبة والقول الثابت كما قال تعاىل " :أَمَلْ َتَر َكْي َ
ٍ ِ
الس َماء * ُت ْؤيِت أُ ُكلَ َها
َّ َصلُ َها ثَابِ ٌ
ت َو َف ْرعُ َها يِف َكل َمةً طَيِّبَةً َك َش َجر ٍة طَيِّبَة أ ْ
سادساً :شروط ال إله إال اهلل :ملا كان معىن ال إله إال اهلل هو :أنه
ّ
ال معبود حبق إال اهلل ،وملا كان كثري من الناس ال يدرك معىن وأمهية
ّ
بد لنا أن نتحدث عن شروط هذه الكلمة. ال إله إال اهلل :كان ال َّ
ورحم اهلل وهب بن منبه حني سئل :أليست ال إله إال اهلل مفتاح
اجلنَّة؟ قال:بلى ،ولكن ما من مفتاح إال وله أسنان ،فإن جئت مبفتاح
له أسنان فتح لك ،وإال مل يفتح لك ،وهذه األسنان هي شروط
2
هذه الكلمة العظيمة ،واليت عددها سبعة عند العلماء ،وليس املراد من 3
مستيقناً مبدلول هذه قائلها 2ـ اليقين املنايف للشك ،وذلك بأن يكون
َآمنُوا بِاللَّ ِه َو َر ُسولِِه ين َّ ِ
الذ َ الكلمة يقيناً جازماً قال تعاىل" :إِمَّنَا الْ ُم ْؤ ِمنُو َن
ك ُه ُماللَّ ِه أ ُْولَئِ َ َسبِ ِيل اه ُدوا بِأ َْمواهِلِ ْم َوأَن ُف ِس ِه ْم يِف
مُثَّ مَلْ َي ْرتَابُوا َو َج َ
َ
الص ِادقُو َن" ( احلجرات ،آية .)15 : َّ
اهلل وإين رسول اهلل، وقال صلى اهلل عليه وسلم :أشهد أن ال إله إال
اجلنة ،وقال صلى اهلل 2
ال يلق اهلل هبما عبد غري شاك فيهما إال دخل
وراء هذا احلائط عليه وسلم أليب هريرة رضي اهلل عنه :من لقيت
باجلنة . 3
يشهد أن ال إله إال اهلل مستيقناً هبا قلبه فبشره
3ـ القبول لما اقتضته هذه الكلمة بالقلب واللسان وقد قص
ردها
اهلل علينا من أنباء ما قد سبق من إجناء من قبلها وإنتقامه ممّن ّ
ِ ِ
ك ُر ُساًل إِىَل َق ْوم ِه ْم فَ َج ُاؤ ُ
وهم وأباها قال تعاىلَ " :ولََق ْد أ َْر َس ْلنَا ِمن َقْبل َ
ِِ ِ َّ ِ بِالْبِّينَ ِ
ني"صُر الْ ُم ْؤمن ََجَر ُموا َو َكا َن َح ًّقا َعلَْينَا نَ ْ
ين أ ْ انت َق ْمنَا م َن الذ َ
ات فَ َ َ
ك ِ َّ ِ
ين َآمنُواْ َك َذل َ (الروم ،آية )47 :وقال تعاىل " :مُثَّ نُنَ ِّجي ُر ُسلَنَا َوالذ َ
ني" (يونس ،آية ،)102:وقال تعاىل عن الذين ِِ َح ًّقا َعلَْينَا نُ ِ
نج الْ ُم ْؤمن َ
4ـ االنقياد لما دلت عليه المنافي لترك ذلك :قال اهلل سبحانه
ِ ِ وتعاىل" :وأَنِيبوا إِىَل ربِّ ُكم وأ ِ
َسل ُموا لَهُ من َقْب ِل أَن يَأْتيَ ُك ُم الْ َع َذ ُ
اب مُثَّ اَل َ ْ َ ْ َ ُ
ِ
َح َس ُن دينًا مِّم َّْن أ ْ
َسلَ َم نصُرو َن" (الزمر ،آية ،)54 :وقال تعاىلَ " :و َم ْن أ ْ تُ َ
َو ْج َههُ هلل َو ُه َو حُمْ ِس ٌن" ( النساء ،آية .)125 :
5ـ الصدق المنافي للكذب ،وذلك بأن يقوهلا صدقاً من قلبه
َّاس أَن يُْتَر ُكوا أَن َي ُقولُوا يواطئ قلبه لسانه قال تعاىل" :امل * أ ِ
ب الن َُحس ََ
َّ ِ ِِ آمنَّا وهم اَل ي ْفَتنُو َن * ولََق ْد َفَتنَّا الَّ ِذ ِ
ين من َقْبله ْم َفلََي ْعلَ َم َّن اللَّهُ الذ َ
ين َ َ ُ َ َُْ
ِ
ني" (العنكبوت ،آية 1 :ـ .)3 ص َدقُوا َولََي ْعلَ َم َّن الْ َكاذبِ َ
َ
وقال صلى اهلل عليه وسلم :ما من أحد يشهد أن ال إله إال اهلل،
حرمه اهلل على النار .
2
وأن حممداً عبده ورسوله صدقاً من قلبه إال ّ
وهو تصفية العمل لصاحل النية عن مجيع شوائب الشرك، 6ـ اإلخالص
اعبُ ِد
ص" (الزمر ،آية ،)3 :وقال تعاىل ((فَ ْ
ِ ِِ
للَّه الد ُ
ِّين اخْلَال ُ قال تعاىل" :أَاَل
ِّين" ( الزمر ،آية ،)2 :وقال تعاىلَ " :و َما أ ُِمروا إِاَّل ِ
ُ الد َ صا لَّهُ اللَّهَ خُمْل ً
2
حرم على النار من قال ال إله إال اهلل يبتغي بذلك وجه اهلل . ّ
العاملني هبا ودلت عليه ،وألهلها 7ـ المحبة هلذه الكلمة وملا اقتضته
الن ِ
َّاس َمن ذلك قال تعاىلَ " :و ِم َن
امللتزمني بشروطها وبغض ما ناقض
َكح ِّ ِ َّ ِ
َنداداً حُيِ بُّو َن ُه ْم
َش ُّد ُحبًّا
ين َآمنُواْ أ َ ب اللّه َوالذ َ ُ ون اللّ ِه أ َ
َّخ ُذ ِمن د ِ
ُ
يت ِ
َ
لِّلّ ِه" (البقرة ،آية .)165 :
هبن حالوة
وقال صلى اهلل عليه وسلم :ثالث من كن فيه وجد ّ
اإلميان :أن يكون اهلل ورسوله أحب إليه مما سوامها ،وأن حيب املرء ال
حيبُه إال اهلل ،وأن يكره أن يعود يف الكفر بعد أن أنقذه اهلل منه،
كما يكره أن يقذف يف النار .
3
وقال صلى اهلل عليه وسلم :ال يؤمن أحدكم حىت أكون أحب إليه من
ولده ووالده والناس أمجعني .
4
وحمبة اهلل سبحانه وتعاىل ال تتم إال مبحبة ما حيبه وكره ما يكرهه
وطريق معرفة ذلك هو اتباع الرسول صلى اهلل عليه وسلم وحمبته،
فمحبة اهلل تستلزم حمبة الرسول صلى اهلل عليه وسلم واتباعه وطاعته
5
فهذه الشروط من حققها وعمل هبا وابتعد عما يناقضها أوجب له
مغفرة الذنوب بإذن اهلل تعاىل .
6
ولقد ضرب نيب اهلل إبراهيم عليه السالم منوذج السوة احلسنة يف والئه
لرب العاملني حيث كان عليه السالم أسوة حسنة وقدوة طيبة يف
والئه لربه ودينه وعباد اهلل املؤمنني وبرائه ومعاداته ألعداء اهلل ومنهم
أبوه،لقد كانت سرية نيب اهلل ابراهيم عليه السالم مع قومه ،كأي نيب
رسول ،حيث دعاهم باليت هي أحسن إىل عبادة اهلل وتوحيده ،وإفراده
بالعبادة والكفر بكل طاغوت يعبد من دون اهلل.3
يم إِنَّهُ َكا َن ِصدِّي ًقا نَّبِيًّا * إِ ْذ قَ َال اب إِبر ِ
اه قال تعاىل " :واذْ ُكر يِف الْ ِكتَ ِ
َْ َ َ ْ
نك َشْيئًا * صُر َواَل يُ ْغيِن َع َ ت مِل َتعب ُد ما اَل يسمع واَل يب ِ أِل َبِ ِيه يا أَب ِ
َ ْ َ ُ َ ُْ َ ُْ َ َ َ
ك فَاتَّبِ ْعيِن أ َْه ِد َك ِصَراطًا ت إِيِّن قَ ْد َجاءيِن ِم َن الْعِْل ِم َما مَلْ يَأْتِ َ يا أَب ِ
َ َ
صيًّا * يَا ت اَل َتعب ِد الشَّيطَا َن إِ َّن الشَّيطَا َن َكا َن لِلرَّمْح ِن ع ِ س ِويًّا * يا أَب ِ
َ َ ْ ْ ُْ َ َ َ
ان َولِيًّا * ك ع َذاب ِّمن الرَّمْح ن َفتَ ُكو َن لِلشَّيطَ ِ
ْ َ اف أَن مَيَ َّس َ َ ٌ َ َخ ُ ِ
أَبَت إِيِّن أ َ
ِ ِ هِل
َّك َو ْاه ُج ْريِنيم لَئِن مَّلْ تَنتَ ِه أَل َْرمُجَن َ َنت َع ْن آ َيِت يَا إبْراه ُ ب أ َ
ِ
قَ َال أ ََراغ ٌ
ك َريِّب إِنَّهُ َكا َن يِب َح ِفيًّا * ملِيًّا * قَ َال ساَل م علَيك سأ ِ
َسَت ْغفُر لَ ََ ٌ َْ َ َ ْ َ
1الرسائل المفيدة ،عبد اللطيف بن عبد الرحمن صـ.296
2اإليمان البن أبي شيبة صـ.45
3الوالء والبراء في اإلسالم د .القحطاني صـ,145
29
ون اللَّ ِه َوأ َْدعُو َريِّب َع َسى أَاَّل أَ ُكو َن بِ ُد َعاء وأ َْعتَ ِزلُ ُكم وما تَ ْدعو َن ِمن د ِ
ُ ُ ْ ََ َ
ون اللَّ ِه َو َهْبنَا لَهُ إِ ْس َح َق ريِّب َش ِقيًّا * َفلَ َّما ْاعَتزهَل م وما يعب ُدو َن ِمن د ِ
ُ َ ُْ َ َ َ ُْ َ
وب َو ُكاًّل َج َع ْلنَا نَبِيًّا" (مرمي ،آية 41 :ـ .)49تلك هي نقطة َو َي ْع ُق َ
البدء يف دعوة خليل الرمحن ،دعوة باحلسىن ،مبتدئاً بأقرب الناس إليه،
فإن مل يكن هناك جتاوب مع هذه الدعوة فاالعتزال هلذا الباطل
عل يف ذلك ردعاً وزجراً وتفكراً يف هذا األمر اجلديد وجناة وأصحابه ّ
للداعي من مشاركة أهل الباطل يف باطلهم ،إذا كان ال بد له من
خمالطتهم ومعاشرهتم وعدم متكنه من اهلجرة يف أرضهم ،مث ميضي
القرآن يف بيان دعوة ابراهيم عليه السالم ،مبيناً أنه استخدم مع قومه
يم * إِ ْذ قَ َال أِل َبِ ِيه ِ ِ ِ
كل حجة ودليل ،قال تعاىلَ " :واتْ ُل َعلَْيه ْم َنبَأَ إ ْبَراه َ
ني * قَ َال ِِ ِِ
َصنَ ًاما َفنَظَ ُّل هَلَا َعاكف َ َو َق ْومه َما َت ْعبُ ُدو َن { }70قَالُوا َن ْعبُ ُد أ ْ
ضُّرو َن * قَالُوا بَ ْل َو َج ْدنَا َه ْل يَ ْس َمعُونَ ُك ْم إِ ْذ تَ ْدعُو َن * أ َْو يَن َفعُونَ ُك ْم أ َْو يَ ُ
ك َي ْف َعلُو َن * قَ َال أََفَرأ َْيتُم َّما ُكنتُ ْم َت ْعبُ ُدو َن * أَنتُ ْم َوآبَا ُؤ ُك ُم ِ
آبَاءنَا َك َذل َ
ني" (الشعراء ،آية 70 :ـ ِ اأْل َقْ َد ُمو َن * فَِإنَّ ُه ْم َع ُد ٌّو يِّل إِاَّل َر َّ
ب الْ َعالَم َ
.)77
وملا مل جيدوا حجة وإمنا هو التقليد األعمى لفعل اآلباء واألجداد قال
تهلم ابراهيم عليه السالم ،أنا عدو آهلتكم هذه ،قال تعاىل" :قَ ْد َكانَ ْ
ين َم َعهُ إِ ْذ قَالُوا لَِق ْو ِم ِه ْم إِنَّا بَُراء َّ ِ
يم َوالذ َ
لَ ُكم أُسوةٌ حسنةٌ يِف ِ ِ
إ ْبَراه َ ْ ْ َ َ ََ
ون اللَّ ِه َك َفْرنَا بِ ُك ْم َوبَ َدا َبْيَننَا َو َبْينَ ُك ُم الْ َع َد َاوةُ ِمن ُكم ومِم َّا َتعب ُدو َن ِمن د ِ
ُ ُْ ْ َ
ضاء أَبَ ًدا َحىَّت ُت ْؤ ِمنُوا بِاللَّ ِه َو ْح َدهُ" ( املمتحنة ،آية .)4 : َوالَْب ْغ َ
وعقيدة ابراهيم عليه السالم هذه هي اليت عرب عنها علماؤنا األجالء
بقوهلم :ال مواالة إال باملعاداة ،وال تصح املواالة إال باملعاداة 1كما قال
تعاىل عن إمام احلنفاء احملبني ،أنه قال لقومه" :أفرأيتم ما تعبدون أنتم
وآباؤكم األقدمون فإهنم عدو يل إال رب العاملني" فلم تصح خلليل اهلل
1الوالء والبراء صـ.147 ، 146
30
هذه املواالة واخللة إال بتحقيق هذه املعادلة فإنه ال والء إال هلل ،وال
والء إال بالرباء من كل معبود سواه قال تعاىل " :إِنَّيِن َبَراء مِّمَّا َت ْعبُ ُدو َن
* إِاَّل الَّ ِذي فَطََريِن فَِإنَّهُ َسَي ْه ِدي ِن * َو َج َعلَ َها َكلِ َمةً بَاقِيَةً يِف َع ِقبِ ِه لَ َعلَّ ُه ْم
َي ْر ِجعُو َن" (الزخرف ،آية ،)28 ، 26 :أي جعل هذه املواالة هلل،
والرباءة من كل معبود سواه ،كلمة باقية يف عقبه يتوارثها األنبياء
بعضهم عن بعض ،وهي كلمة ال إله إال اهلل وهي اليت ورثها أمام
احلنفاء ألتباعه إىل يوم القيامة .وقد كان من نتيجة هذه املعاداة وهذا
الرباء القوي أن أمجع الطغاة على قتل إبراهيم ـ كما هو حال كل
طاغية على مر عصور التاريخ يف إبادة الدعاة إىل اهلل ال لشئ إال
ألهنم يدعوهنم إىل عبادة اهلل وحده ومجعوا له ناراً عظيمة فكانت
رعاية اهلل وحفظه حتوطان خليله الصادق عليه الصالة والسالم فصارت
النار برداً وسالماً عليه ،قال تعاىل " :قَالُوا ْابنُوا لَهُ بُْنيَانًا فَأَلْ ُقوهُ يِف
ني" (الصافات ،آية 97 :ـ اجْل ِحي ِم * فَأَرادوا بِِه َكي ًدا فَجع ْلناهم اأْل ِ
َس َفل َ
ََ َ ُ ُ ْ ْ َُ َ
.)98
لقد عدلوا عن اجلدال واملناظرة ملا انقطعوا وغلبوا ،ومل تبق هلم حجة
وال شبهة إىل إستعمال قوهتم وسلطاهنم لينصروا ما هم عليه من
جل جالله وأعلى كلمته ودينه وبرهانه سفههم وطغياهنم فكادهم الرب ّ
ِِ هِل
ني * ُق ْلنَا انصُروا آ تَ ُك ْم إِن ُكنتُ ْم فَاعل َ كما قال تعاىل " :قَالُوا َحِّرقُوهُ َو ُ
ِ ِ ِ
اه ُميم * َوأ ََر ُادوا بِه َكْي ًدا فَ َج َع ْلنَ ُ يِن
يَا نَ ُار ُكو َب ْر ًدا َو َساَل ًما َعلَى إ ْبَراه َ
ين" ( األنبياء ،آية 68 :ـ .)70 َخ َس ِر َ
اأْل ْ
وجاءت التوجيهات الربانية خلامت األنبياء حممد صلى اهلل عليه وسلم
باتباع ملة ابراهيم عليه السالم.1
يم َحنِي ًفا َو َما َكا َن ِم َن ِ ِ ِ َّ ِ ِ
ك أَن اتَّب ْع ملةَ إ ْبَراه َ ـ قال تعاىل " :مُثَّ أ َْو َحْينَا إِلَْي َ
ِ
ني" (النحل ،آية .)123 : الْ ُم ْش ِرك َ
1الوالء والبراء في اإلسالم صـ.149 ، 148
31
ِ ِم َنيم َحنِي ًفا َو َما َكا َن ِ َّ ِ ِ
ني" (آل عمران الْ ُم ْش ِرك َ ـ قال تعاىل(( :ملةَ إ ْبَراه َ
ص َارى َت ْهتَ ُدواْ قُ ْل
أ َْو نَ َ ودا
ُه ً ،آية .)95 :ـ قال تعاىلَ " :وقَالُواْ ُكونُواْ
يم ِ َّ ِ ِ
بَ ْل ملةَ إ ْبَراه َ
ِ ِ ِ
ني" (البقرة ،آية .)135 : َحني ًفا َو َما َكا َن م َن الْ ُم ْش ِرك َ
َّ ِ ِ َّاس بِِإبر ِ ِ
يم لَلَّذ َ
ين اتََّبعُوهُ َو َهـ َذا النَّيِب ُّ َوالذ َ
ين ـ قال تعاىل " :إ َّن أ َْوىَل الن ِ ْ َ َ
اه
َآمنُواْ َواللّهُ َويِل ُّ
ني" (آل عمران ،آية .)68 : ِِ
الْ ُم ْؤمن َ
َسلَ َم َو ْج َههُ هلل َو ُه َو حُمْ ِس ٌن واتَّبَ َع ِ
َح َس ُن دينًا مِّم َّْن أ ْ ـ قال تعاىلَ " :و َم ْن أ ْ
يم َخلِيالً" (النساء ،آية .)125 : ِ ِ خَّت
يم َحني ًفا َوا َ َذ اللّهُ إ ْبَراه َ
ِ ِ َّ ِ ِ
ملةَ إ ْبَراه َ
ِ ِِ ِ ِ
ـ قال تعاىلَ (( :و َجاه ُدوا يِف اللَّه َح َّق ج َهاده ُه َو ْ
اجتَبَا ُك ْم َو َما َج َع َل
مني ِمن ِ ِ ِ َّ ِ ِ َعلَْي ُك ْم يِف
يم ُه َو مَسَّا ُك ُم الْ ُم ْسل َالدِّي ِن م ْن َحَر ٍج ِّملةَ أَبي ُك ْم إ ْبَراه َ
َقْب ُل" (احلج ،آية .)78 :
يم إِالَّ َمن َس ِفهَ َن ْف َسهُ " َّ ِ ِ ِ
ب َعن ِّملة إ ْبَراه َ ـ قال تعاىلَ " :و َمن َي ْر َغ ُ
(البقرة ،آية .)130 :
فهذه األخبار من اهلل ألمة حممد صلى اهلل عليه وسلم عن فعل ابراهيم
عليه السالم من أجل االقتداء به يف اإلخالص والتوكل على اهلل
وحده ،وعبادة اهلل وحده والرباء من الشرك وأهله ومعاداة الباطل
وحزبه.1
واألمثلة على أن من لوازم ال إله إال اهلل الوالء والرباء كثرية ،كقصة
نوح مع نوح وزوجته ،وغريها من القصص.
لقد مجعت ال إله إال اهلل صهيباً الرومي وبالل احلبشي وسلمان
الفارسي وأبا بكر العريب القرشي ،وتوارت عصبية القبيلة واجلنس
واألرض وقال هلم صلى اهلل عليه وسلم :دعوها فإهنا منتنة ،2وقال ليس
34
9ـ واإلميان بـ (ال إله إال اهلل) جيعل اإلنسان متقيداً بشرع اهلل وحمافظاً
عليه ،فإن املؤمن يعتقد بيقني أن اهلل خبري بكل شيء ،وهو أقرب إليه
أي كان، من حبل الوريد وأنه إن كان يستطيع أن يفلت من بطش ّ
فإنه ال يستطيع أن يفلت من اهلل عز وجل ،وعلى قدر ما يكون
هذا اإلميان راسخاً يف ذهن اإلنسان يكون متبعاً ألحكام اهلل قائماً
عند حدوده ال جيرؤ على اقرتاف ما حرم اهلل ،ويسارع إىل اخلريات
والعمل مبا أمر اهلل.
لذا فالعبد الذي ملىء اهلل قلبه إميانا بـ (ال إله إال اهلل) هو يف احلقيقة
عبد مطيع منقاد لربه سبحانه وتعاىل وهذا هو أصل اإلسالم ،وهو
مصدر قوته وكل ماعداه من معتقدات اإلسالم وأحكامه إمنا هي مبنية
عليه وال تستمد قوهتا إال منه ،واإلسالم ال يبقى منه شيء لو زال
هذا األساس .
1
المبحث الثاني
رغم أنه ال يوجد يف القرآن مناقشة صرحية ملنكري اخلالق إال أن
اإلميان بوجود خالق هلذا الكون قضية ضرورية ال مساغ للعقل يف
إنكارها ،فهي ليست قضية نظرية حتتاج إىل دليل وبرهان ،ذلك ألن
داللة األثر على املؤثر يدركها العقل بداهة والعقل ال ميكن أن يتصور
أثراً من غري مؤثر ،أي أثر ولو كان أثراً تافهاً فكيف هبذا الكون
العظيم؟ ولذلك مل يناقش القرآن هذه القضية ،حىت حينما أورد إنكار
ني" (الشعراء ،آية : ِ
ب الْ َعالَم َ
فرعون لرب العاملني يوم أن قالَ " :و َما َر ُّ
الكرمي:
أوالً :دليل الخلق :وخالصة هذا الدليل ،أن هذا اخللق بكل ما فيه
شاهد على وجود خالقه العلي القدير سبحانه ،قال تعاىل ":أ َْم ُخلِ ُقوا ِم ْن
ض بَل اَّل َغ ِ َشي ٍء أَم هم اخْل الُِقو َن * أَم خلَ ُقوا َّ ِ
الس َم َاوات َواأْل َْر َ ْ َ ْ ْ ُُ َ رْي
يُوقِنُو َن" (الطور ،آية 35:ـ ،)36يقول هلم أنتم موجودون هذه حقيقة
ال تنكروهنا وكذلك السموات واألرض موجودتان وال شك وقد تقرر
يف العقول أن املوجود البد من سبب لوجوده ،وهذا يدركه راعي
اإلبل يف الصحراء فيقول :البعرة تدل على البعري واألثر يدل على املسري
فسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج تدل على العليم اخلبري .ويدركه
كبار العلماء الباحثني يف احلياة واألحياء ،يقول أحدهم :إن اهلل األزيل
الكبري العامل بكل شيء واملقتدر على كل شيء قد جتلى يل ببدائع
صنعه حىت صرت دهشاً متحرياً فأي قدرة وأي حكمة وأي إبداع
أودعه مصنوعات يده صغريها وكبريها .3وهذا الذي أشارت إليه اآلية
هو الذي يعرف عند العلماء باسم :قانون السببية هذا القانون يقول :إن
شيئاً من "املمكنات" ال حيدث بنفسه من غري شيء ،ألنه ال حيمل يف
طبيعته السبب الكايف لوجوده وال يستقل بإحداث شيء ،ألنه ال
يستطيع أن مينح غريه شيئاً ال ميلكه هو .4وهبذا الدليل كان علماء
اإلميان بك واإلقرار بوحدانيتك ،ال أزول عنه ،قال ابن حجر :وقال
2
ابن بطال قوله :وأنا على عهدك ووعدك يريد العهد الذي أخذه اهلل
على عباده حيث أخرجهم أمثال الذر وأشهدهم على أنفسهم ألست
بربكم فأقروا له بالربوبية وأذعنوا له بالوحدانية ،وبالوعد ما قاله على
لسان نبيه ،فهذا الذكر العظيم من داوم عليه يومياً والزمه حفظ 3
نفسه ـ بإذن اهلل ـ من إحنراف فطرته وتغرّي ها ووىّف بعهده الذي بينه
وبني ربه . 4
49
وسياساهتا وهدايتها واجتماع مشلها وانتظام أمرها وتدبري ملكها ،وتفويض
كل عمل إىل واحد منها ،يتعجب منها كل العجب ،ويعلم أن هذا
ليس يف مقدورها وال هو من ذاهتا ،فإن هذه أعمال حمكمة متقنة يف
غاية اإلحكام واإلتقان ،فمن الذي أوحى إليها أمرها ،وجعل ما جعل
يف طباعها ،ومن الذي هداها لشأهنا؟ ومن الذي أنزل هلا من الطّل
ردته عسالً صافياً خمتلفاً ألوانه يف غاية احلالوة واللذاذة
ما إذا جنته ّ
واملنفعة1؟ إنه"الذي أعطى كل شيء خلقه مث هدى".
2ـ الهدهد :ومن هدايته ما حكاه اهلل عنه يف كتابه أن قال لنيب اهلل
سليمان وقد فقده وتوعده فلما جاء بدره بالعذر قبل أن ينذره
سليمان بالعقوبة ،وخاطبه خطاباً هيجه به على اإلصغاء إليه والقبول
منه ،فقال أحط مبا مل حتطت به ،ويف ضمن هذا أين أتيتك بأمر قد
عرفته حق املعرفة حبيث أحطت وهو خرب عظيم له شأن فلذلك قال:
وجئتك من سبأ بنبأ يقني ،والنبأ هو اخلرب الذي له شأن والنفوس
متطلعة إىل معرفته ،مث وصفه بأنه نبأ يقني ال شك فيه وال ريب،
فهذه مقدمة بني يدي إخباره لنيب اهلل بذلك النبأ استفرغت قلب
املخرب لتلقي اخلرب ،وأوجبت له التشويق التام إىل مساعه ومعرفته ،وهذا
نوع من براعة االستهالل وخطاب التهييج ،مث كشف عن حقيقة اخلرب
كشفاً مؤكداً بأدلة التأكيد ،فقال :إين وجدت إمرأة متلكهم ،مث أخرب
أجل امللوك حبيث أوتيت من كل شيء ّ عن شأن تلك امللكة وأهنا من
يصلح أن تؤتاه امللوك ،مث زاد يف عظيم شأهنا بذكر عرشها اليت
جتلس عليه وأنه عرش عظيم مث أخربه مبا يدعوه إىل قصدهم وغزوهم
يف عقر دارهم بعد دعوهتم إىل اهلل فقال:وجدهتا وقومها يسجدون
للشمس من دون اهلل .وحذف أداة العطف من هذه اجلملة وأتى هبا
مستقلة غري معطوفة على ما قبلها إيذاناً بأهنا املقصودة وما قبلها توطئة
1مفتاح دار السعادة ( 1/309ـ.)310
50
هلا ،مث أخرب عن املغوى هلم احلامل هلم على ذلك وهو تزيني الشيطان
هلم أعماهلم حىت صدهم عن السبيل املستقيم وهو السجود هلل وحده،
مث أخرب أن ذلك الصد حال بينهم وبني اهلداية والسجود هلل الذي ال
ينبغي السجود إال له ،مث ذكر من أفعاله سبحانه اخراج اخلبء يف
السموات واألرض ،وهو املخبوء فيهما من املطر والنبات واملعادن
وأنواع ما ينزل من السماء وما خيرج من األرض ،ويف ذكر اهلدهد
هذا الشأن من أفعال الرب تعاىل خبصوصه إشعار مبا خصه اهلل به من
إخراج املاء املخبوء حتت األرض ،قال صاحب الكشاف ويف إخراج
اخلبء إمارة على أنه من كالم اهلدهد هلندسته ومعرفته املاء حتت
األرض وذلك بإهلام من خيرج اخلبء يف السموات واألرض جلت
قدرته ولطف علمه وال يكاد خيفي على ذي الفراسة ،الناظر بنور اهلل
خمايل كل شخص بصناعة أو فن من العلم يف روائه ومنطقه ومشائله
فما عمل آدمي عمالً إال ألقى اهلل عليه رداء عمله .
1
السويّة املعتدلة أمر يستحق التدبر الطويل ألنه خلق ال ميلك العقل
حياله إال اإلقرار بعظمة اهلل والشكر له بأن أكرمه هبذه اخل ْلقة وقد
4
يشاؤها . كان قادراً أن يركبه يف أي صورة أخرى َ
توحيد الربوبية:
ومعىن توحيد الربوبية :هو االعتقاد اجلازم بأن اهلل جل جالله رب كل
شيء ومالكه وخالقه ومدبر أمره ورازقه وأنه وحده الذي ينفع ويضر
وحيي ومييت وأنه سبحانه وحده املتصرف هبذا الكون وما شاء كان
وما مل يشأ مل يكن ،ال مانع ملا أعطى وال معطى ملا منع بيده اخلري
وإليه ترجع األمور وهو على كل شيء قدير ،1وهذا التوحيد ال يكفي
يأت مع ذلك بال زمة من العبد يف حصول اإلسالم ،بل ال بد أن ِ
توحيد اإلهلية ،ألن اهلل تعاىل حكى عن املشركني أهنم مقرون هبذا
ض التوحيد هلل وحده قال تعاىل ":ولَئِن سأَلَْتهم َّمن خلَق َّ ِ
الس َم َاوات َواأْل َْر َ ْ َ َ َ ُ َ
لَي ُقولُ َّن اللَّه قُل أََفرأَيتُم َّما تَ ْدعو َن ِمن د ِ ِ
ون اللَّه إِ ْن أ ََر َاديِن َ اللَّهُ بِ ُ
ضٍّر ُ ُ ُ ْ َْ َ
ات َرمْح َتِ ِه قُ ْل ِ ٍ
ضِّر ِه أ َْو أ ََر َاديِن بَِرمْح َة َه ْل ُه َّن مُمْس َك ُ ات ُ
ِ
َه ْل ُه َّن َكاش َف ُ
َح ْسيِب َ اللَّهُ َعلَْي ِه َيَت َو َّك ُل الْ ُمَت َو ِّكلُو َن" (الزمر ،آية.)38:
ض َو َمن فِ َيها إِن ُكنتُ ْم َت ْعلَ ُمو َن * َسَي ُقولُو َن وقال تعاىل ":قُل لِّ َم ِن اأْل َْر ُ
ب الْ َع ْر ِشالسْب ِع َو َر ُّ
ات َّ السماو ِ
ب َّ َ َ لِلَّ ِه قُ ْل أَفَاَل تَ َذ َّكُرو َن * قُ ْل َمن َّر ُّ
ِِ ِِ ِ
وت ُك ِّل الْ َعظي ِم * َسَي ُقولُو َن للَّه قُ ْل أَفَاَل َتَّت ُقو َن * قُ ْل َمن بِيَده َملَ ُك ُ
َش ْي ٍء َو ُه َو جُيِ ريُ َواَل جُيَ ُار َعلَْي ِه إِن ُكنتُ ْم َت ْعلَ ُمو َن * َسَي ُقولُو َن لِلَّ ِه قُ ْل
اهم بِاحْلَ ِّق َوإِنَّ ُه ْم لَ َك ِاذبُو َن * َما اخَّتَ َذ اللَّهُ ِمن فَأَىَّن تُ ْس َحُرو َن * بَ ْل أََتْينَ ُ
ٍ ِ ِ ٍ ِ َّ ٍ
ض ُه ْم ب ُك ُّل إِلَه مِب َا َخلَ َق َولَ َعاَل َب ْع ُ َولَد َو َما َكا َن َم َعهُ م ْن إلَه إ ًذا ل َذ َه َ
َّه َاد ِة َفَت َعاىَل َع َّما ب َوالش َ ص ُفو َن * َعامِلِ الْغَْي ِ ض سبحا َن اللَّ ِه ع َّما ي ِ
َ َ َعلَى َب ْع ٍ ُ ْ َ
يُ ْش ِر ُكو َن" (املؤمنون ،آية 84:ـ .)92
وسائط وشفعاء بينهم وبني اهلل ،ومع ذلك يتخلون عنهم إذا نزلت
هبم الشدائد ووقت االضطرار ،ومع هذا اإلقرار فلم تغىن عنهم شيئاً
ومل ينتفعوا به إذ مل يصبحوا به مسلمني ومل تعصم أمواهلم وال
دماؤهم وال أعراضهم ،ألهنم أنكروا توحيد األلوهية ،وأشركوا برهبم،
ومل يلتزموا بالزم ما أقروا به إذ أن توحيد الربوبية يلزم منه توحيد
األلوهية .
2
وهو أفراد اهلل عز وجل جبميع أنواع العبادات ،إن املؤمن يشعر
بطمأنينة كبرية وهو يتأمل يف ملكوت اهلل تبارك وتعاىل فريى عظمة
اهلل يف خلقه وحكمته البالغة يف تدبريه " أَفَ َمن مَيْ ِشي ُم ِكبًّا َعلَى َو ْج ِه ِه
اط ُّم ْستَ ِقي ٍم" (امللك ،آية .)22 : أَه َدى أ ََّمن مَيْ ِشي س ِويًّا علَى ِصر ٍ
َ َ َ ْ
واحلديث عن عظمة اهلل ميالء القلب سكينة والتدبر يف ملكوته ميلءه
فحق للشاعر أن يتسأل بعد جولة تأمل يف خملوقات اهلل سبحانه إميانا ُ
فقال:
ش بالبكاء
وأج َه َ
قل للوليد بكى ْ
لدى الوالدة ما الذي أبكاكا
ث مُسّه
وإذا ترى الثعبان ين ُف ُ
فاسأله من ذا بالسموم حشاكا
واسأله كيف تعيش يا ثعبان أو
السم ميألُ فاكا
ُّ حتيا وهذا
1المباحث العقدية المتعلقة باألذكار (.)1/353
2اقتضاء الصراط صـ(.)460
55
واسأل بطون النحل كيف تقاطرت
شهدا وقل للشهد من حاَّل كا
ْ
بل سائل اللنب املص ّفى كان
صفاكا ِ
وفرث ما الذي َّ بني دم
واسأل شعاع الشمس يدنو وهي
أبعد كل شيء ما الذي أدناكا
يا أيها اإلنسان مهالً ما الذي
جل جالله أغراكا ؟
1
باهلل ّ
املتأمل يف خلق اهلل عز وجل وملكوته يقود إىل رسوخ اإلميان به إن ُّ
ف اللَّْي ِل ض واختِالَ ِ سبحانه وهلذا قال تعاىل":إِ َّن يِف خ ْل ِق َّ ِ
الس َم َاوات َواأل َْر ِ َ ْ َ
ِ َّ ِ ِ ٍ والن َ ِ
ودا َو َعلَ َى َّهار آليَات أِّل ُْويِل األلْبَاب * الذ َ
ين يَ ْذ ُكُرو َن اللّهَ قيَ ًاما َو ُقعُ ً َ
السماو ِ ِ َّ هِبِ
ت َهذا ض َربَّنَا َما َخلَ ْق َ ات َواأل َْر ِ ُجنُو ْم َو َيَت َفكُرو َن يِف َخ ْلق َّ َ َ
اب النَّا ِر" (آل عمران،آية.)191 ،190: ِ بِ
ك فَقنَا َع َذ َاطالً ُسْب َحانَ َ َ
2
وسبح وتعبد ملن خلقك وذرأك وإليه املصري . ْ فتأمل
َّ
إن من أبرز صفات اهلل عز وجل ال ّدالة على ربوبيته صفة اخللق وما
متيزت به من اتقان وبديع صنع ال يكون إال من رب العاملني ،فاهلل
عز وجل هو الذي خلق املخلوقات ومن عظيم إتقانه أن سن هلا
قوانني وسنناً ثابتة منها العام ومنها اخلاص عليها مدار انضباطها ،وهذه
السنن ال ميكن إضافتها لغري اهلل سبحانه وتعاىل ،ألنه هو املتفرد
3
بالربوبية وحده ال شريك له .
فالسنن العامة ختضع هلا مجيع الكائنات يف وجودها املادي وما مير هبا
من حوادث مادية ،كنمو اإلنسان ،وحركته ومرضه وما شابه ذلك،
ومعناه :اإلميان مبا أثبته اهلل تعاىل لنفسه يف كتابه وأثبته له رسوله صلى
اهلل عليه وسلم يف سنته من األمساء احلسىن والصفات العلى ،من غري
حتريف ألفاظها أو معانيها ،وال تعطيلها بنفيها أو نفي بعضها عن اهلل
عز وجل ،وال تكييفها بتحديد ُكنهها ،وإثبات كيفية معينة هلا ،وال
تشبيهها بصفات املخلوقني .
1
االستواء معلوم ،والكيف جمهول ،ومن اهلل البيان ،وعلى الرسول البالغ،
وعلينا البيان . 2
ثانياً :أدلة هذا النوع من التوحيد :ال ختلو سورة من سور القرآن
الكرمي من ذكر اسم من أمساء اهلل تعاىل أو صفة من صفاته ومن
ذلك سورة اإلخالص فهي بكاملها عن أمساء اهلل وصفاته قال تعاىل":
ِ
الص َم ُد * مَلْ يَل ْد َومَلْ يُولَ ْد * َومَلْ يَ ُكن لَّهُ
َح ٌد * اللَّهُ َّ
قُ ْل ُه َو اللَّهُ أ َ
َح ٌد"(اإلخالص) .ففي هذه السورة وصف اهلل سبحانه وتعاىل نفسه ُك ُف ًوا أ َ
بأنه أحد صمد ،فهذان الوصفان يدالن اتصاف اهلل بغاية الكمال
املطلق ،3ومعىن الصمد :إنه املستغين عن كل أحد واحملتاج إليه كل
أحد .وهذا املعىن يدل على اإلثبات والتنزيه فاإلثبات بوصفه سبحانه بأنه
هو الذي يصمد إليه أي يرجع إليه يف كل أمر وذلك ألنه هو
والفعال ملا
ّ املتصف جبميع صفات الكمال ،فهو القادر على كل شيء
1فتاوى ابن تيمية (.)3/58
2المصدر نفسه ( ،)3/58حماية الرسول حمى التوحيد صـ .255
3علو هللا على خلقه بتصرف صـ .28
60
يريد والذي بيده اخللق واألمر واجلزاء وما من قوة لغريه تعاىل إال
هبيمنة منه إذا شاء أبقاها ومىت شاء سلبها فاملرجع واملراد إليه
سبحانه .1وأما التنزيه :فبوصفه تعاىل بأنه غين عن كل شيء فال افتقار
فيه بوجه من الوجوه ،ال يف وجوده ،فإنه األول الذي ليس قبله شيء
طعم ِ
وهو الذي مل يلد ومل يولد وال يف بقائه فإنه الذي يُطعم وال يُ َ
وال يف أفعاله فال شريك له وال ظهري ،2كما أن وصفه سبحانه بأنه
أحد صمد يدل على اتصافه بالكمال املطلق فكذلك يدالن على معىن
آخر وهو نفي الوالدة والتوليد عن اهلل سبحانه قال تعاىل ":قُ ْل أَ َغْيَر
ِ ِ ِ اط ِر َّ ِ اللّ ِه أَخَّتِ ُذ ولِيًّا فَ ِ
الس َم َاوات َواأل َْرض َو ُه َو يُطْع ُم َوالَ يُطْ َع ُم قُ ْل إيِّنَ َ
ِ ِ
ني" (األنعام ، َسلَ َم َوالَ تَ ُكونَ َّن م َن الْ ُم ْش ِر َك َ
ت أَ ْن أَ ُكو َن أ ََّو َل َم ْن أ ْ أُم ْر ُ
ون * َما آية .)14 :وقال تعاىل" :وما خلَ ْقت اجْلِ َّن واإْلِ نس إِاَّل لِيعب ُد ِ
َ ُْ َ َ ََ َ ُ
َّاق ذُو ون * إِ َّن اللَّهَ ُه َو َّ
الرز ُ يد أَن يطْعِم ِ يد ِمْن ُهم ِّمن ِّر ْز ٍق َو َما أُِر ُ أُِر ُ
ُ ُ
ني" (الذاريات ،آية .)58 ،57 ،56 : ِ ِ
الْ ُق َّوة الْ َمت ُ
فإن األحد هو الذي ال كفؤ له وال نظري فيمتنع أن تكون له صاحبة
ات َواأل َْر ِ السماو ِ ِ
ض أَىَّن يَ ُكو ُن لَهُ َولَ ٌد َومَلْ يع َّ َ َ وال ولد قال تعاىل ":بَد ُ
يم" (األنعام ،آية ٍ ِ احبةٌ و َخلَ َق ُك َّل َشي ٍء ُ ِ تَ ُكن لَّه ص ِ
وه َو ب ُك ِّل َش ْيء َعل ٌ ْ َ َ ُ َ
.)101:
ويف هذا نفي عن املخلوقات مكافأته أو مماثلته للخالق ومثل ذلك
ِ قوله ":احْل م ُد لِلّ ِه الَّ ِذي خلَق َّ ِ
ض َو َج َع َل الظُّلُ َمات َوالن َ
ُّور الس َم َاوات َواأل َْر َ َ َ َْ
ين َك َفُرواْ بَِرهِّبِم َي ْع ِدلُو َن" (األنعام ،آية ،)1 :أي يعدلون به َّ ِ
مُثَّ الذ َ
3
بغريه فيجعلون له من خلقه عدالً ونظرياً ،ومثال هذا قوله تعاىلَ ":ر ُّ
ِ ِ ِِ السماو ِ
اصطَرِب ْ لعبَ َادته َه ْل َت ْعلَ ُم لَهُ اعبُ ْدهُ َو ْ
ض َو َما َبْيَن ُه َما فَ ْ ات َواأْل َْر ِ َّ َ َ
مَسِ يًّا" (مرمي ،آية .)65 :أي ال شيء يساميه ال ند وال عدل وال
1المصدر نفسه صـ .29 ،28
2علو هللا في خلقه صـ .29 ،28
3من عقيدة المسلمين في صفات رب العالمين صـ .62
61
نظري له يساويه ،فانكر التشبيه والتمثيل وهبذا يتبني لنا أن تنزيهه
سبحانه عن العيوب والنقائص واجب لذاته كما دلت على ذلك سورة
اإلخالص.1
ثالثاً :أسماء اهلل الحسنى :لربنا تبارك وتعاىل أمساء مسّى هبا نفسه
منها ما أنزله يف كتابه ،كاألمساء املوجودة يف القرآن ومنها ما علّمه
اهلل تعاىل بعض خلقه من األنبياء واملرسلني أو املالئكة املقربني أو ما
شاء اهلل تبارك وتعاىل ،ومن أمسائه سبحانه ما استأثر به يف علم
الغيب عنده فال يعلمه أحد ،وذلك أن هلل تعاىل من معاين العظمة ما
ال تستطيع املخلوقات إدراكه ،ألنه اإلله احلق املبني ،له اجلمال املطلق،
والكمال املطلق ،واجلالل املطلق ،والعظمة التامة ،والقدرة الكاملة ،فلله
تعاىل أمساء وصفات ال حييط هبا إال هو سبحانه وتعاىل.
1ـ أسماء اهلل تبارك وتعالى كثيرة،بل كما قال ربنا عز
ات َريِّب لَنَ ِف َد الْبَ ْحُر َقْب َل أَن
وجل ":قُل لَّو َكا َن الْبحر ِم َدادا لِّ َكلِم ِ
َ ً َ ُْ ْ
ات َريِّب َولَ ْو ِجْئنَا مِبِثْلِ ِه َم َد ًدا" (الكهف ،آية ،)109 : ِ
تَن َف َد َكل َم ُ
ض ِمن َش َجَر ٍة أَقْاَل ٌم َوالْبَ ْحُر مَيُدُّهُ ِمن َب ْع ِد ِه َسْب َعةُ وقالَ ":ولَ ْو أَمَّنَا يِف اأْل َْر ِ
ِ ت َكلِم ُ ِ ِ ِ
يم" (لقمان ،آية .)27 : ات اللَّه إ َّن اللَّهَ َع ِز ٌيز َحك ٌ َ أَحْب ُ ٍر َّما نَف َد ْ
فلله عز وجل من معاين احلمد واجملد ،والكمال والعظمة والقوة والقدرة
والسلطان ما ال حييط به بشر ،وال يدركه عقل ،وال يقف عند
منتهى ُكنهه إدراك ،وهذا احلديث ال يعين قصر األمساء احلسىن على
التسعة والتسعني ،بل إن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال يف احلديث
الصحيح ـ الذي رواه ابن مسعود رضي اهلل عنه ـ مناجياً وداعياً ربه
تبارك وتعاىل (اسألك بكل اسم هو لك ،مسيت به نفسك ،أو أنزلته
4ـ صفات فعلية:ـ تتعلق هبا مشيئته وقدرته كل وقت وآن ،وحتت
مشيئته وقدرته آحاد تلك الصفات من األفعال وإن كان هو سبحانه
مل يزل موصوفاً بالفعل مبعىن أن نوع األفعال قدمي وأفرادها حادثة،
فهو سبحانه مل يزل فعاالً ملا يريد ومل يزل وال يزال يقول ويتكلم
وخيلق ويدبر األمور ،وأفعاله تقع شيئاً فشيئاً تبعاً حلكمته وإرادته ،ومثل
هذا االستواء على العرش واجمليء واإلتيان والنزول إىل السماء الدنيا
69
وكذلك علم الدنيا والكون واإلنسان وألوان املعارف اإلنسانية هي
حمبوبة ألهنا تزيد العبد بصرية خبلق اهلل وقدرته وحكمته وعظمته وتيسر
ات َو َما يِف اأْل َْر ِ
ض السماو ِ االنتفاع هبذا الكون " َو َس َّخر لَ ُكم َّما يِف
َّ َ َ َ
مَجِ ًيعا ِّمْنهُ" (اجلاثية ،آية .)13 :
إن صفة العلم مستمدة من امسه العليم ،وهذا اإلسم الشريف العظيم
يولد يف النفس تسليماً ملا يفعله اهلل يف كونه ،وأنه بعلمه وإرادته
يم وحكمته ،فاحلكمة هي العلم ،والقدرة هي قرين العلم "وهو الْعلِ
َ َُ َ ُ
يم الْ َق ِد ُير" (الروم ،آية ،)54 ِ
يم" (التحرمي ،آية َ " )2 :و ُه َو الْ َعل ُ
ِ
احْلَك ُ
صيبَ ٍة إِاَّل بِِإ ْذ ِن اللَّهِ
فكل شئ بقدر وكل قدر حبكمة " ما أَصاب ِمن ُّم ِ
َ َ َ
ٍ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
يم" (التغابن ،آية : َو َمن يُ ْؤمن باللَّه َي ْهد َق ْلبَهُ َواللَّهُ ب ُك ِّل َش ْيء َعل ٌ
.)11
إن اإلميان بالرب (العليم) جيعل العبد أقرب إىل ربه وأكثر استشعاراً
ملعيّته.
قال الشاعر:
هو العليم أحاط علماً بالذي
يف الكون من سر ومن
إعالن
وبكل شئ علمه سبحانه
قاصي األمور لديه قبل الداين
ال جهل يسبق علمه كال وال
1
ينسى كما اإلنسان ذو نسيان
آية .)4 :وقال" :وإنا على أن نريك ما نعدهم لقادرون" .ومن السنة
املطهرة حديث جابر بن عبد اهلل رضي اهلل عنهما قال :كان رسول
اهلل صلى اهلل عليه وسلم يعلمنا االستخارة كما يعلمنا السورة من
هم أحدكم باألمر فلريكع ركعتني من غري الفريضة القرآن ،يقول :إذا َّ
مث ليقل :اللهم إين استخريك بعلمك واستقدرك بقدرتك .
2
صفة اإلرادة :اإلرادة واملشيئة مبعىن واحد فاإلرادة اليت تعىن املشيئة هي
اإلرادة الكونية وأما اإلرادة الشرعية فتختلف عن اإلرادة الكونية وسيايت
احلديث عنها مفصال بإذن اهلل الحقا واآليات واألحاديث يف بياهنا
يد اللّهُ لِيَ ْج َع َل َعلَْي ُكم ِّم ْن َحَر ٍج كثرية جداً منها قال تعاىلَ " :ما يُِر ُ
يد لِيُطَ َّهَر ُك ْم َولِيُتِ َّم نِ ْع َمتَهُ َعلَْي ُك ْم لَ َعلَّ ُك ْم تَ ْش ُكُرو َن" (املائدة ،آية ولَ ِ
ـكن يُِر ُ َ
يد بِ ُك ُم
يد اللّهُ بِ ُك ُم الْيُ ْسَر َوالَ يُِر ُ ،)6 :وقوله سبحانه وتعاىل" :يُِر ُ
الْعُ ْسَر" (البقرة ،آية .)185 :وأما األحاديث فمنها حديث معاوية رضي
اهلل عنه قال" :مسعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول :من يرد
اهلل به خرياً يفقهه يف الدين."3
إثبات صفة السمع والبصر :واملعلوم واملقدر عند أهل السنة أن
السميع ال يكون إال بسمع والبصري ال يكون إال ببصر كما ال يكون
القدير واحلكيم إال بقدرة وحكمة .4واآليات يف إثبات صفيت السمع
والبصر كثرية ،واألحاديث أيضاً ،ولذلك سنستدل ببعض اآليات قال
الس ِميع الْب ِ تعاىل ":فَ ْ ِ ِ ِ ِ
صريُ" (غافر ،آية ،)56 :وقال استَع ْذ باللَّه إنَّهُ ُه َو َّ ُ َ
تعاىل":وكان اهلل مسيعاً بصرياً".
وقد ذكر اهلل سبحانه وتعاىل يف صفة اليد اإلفراد والتثنية واجلمع ففي
ِِ ِ
ك" (امللك ،آية ،)1 : اإلفراد مثل قوله تعاىلَ ":تبَ َار َك الَّذي بِيَده الْ ُم ْل ُ
1مع هللا صـ.150
2البخاري ،ك الجنائز ،باب رثاء سعد (.)2/103
3مسلم ك اإلمارة (.)3/1458
74
ان" (املائدة ،آية ،)64:ويف ويف التثنية كقوله تعاىل ":بل ي َداه مبسوطَتَ ِ
َ ْ َ ُ َْ ُ
ت أَيْ ِدينَا أَْن َع ًاما" مِم ِ
اجلمع كقوله تعاىل ":أ ََومَلْ َيَر ْوا أَنَّا َخلَ ْقنَا هَلُ ْم َّا َعملَ ْ
(يس ،آية .)71 :والتوفيق بني هذه الوجوه أن نقول :الوجه األول
مفرد مضاف فيشمل كل ما ثبت هلل من يد وال ينايف الثنيتني وأما
اجلمع فهو للتعظيم ال حلقيقة العدد الذي هو ثالثة فأكثر وحينئذ ال
ينايف التثين على أنه قد قيل إن أقل اجلمع اثنان ،فإذا محل اجلمع
1
على أقله فال معارضة بينه وبني التثنية أصالً .
اثبات صفة العين :واثبات صفة العني على ما يليق باهلل تعاىل وال
يفهم منها أن العني هلل جارحة كأعيننا بل له سبحانه وتعاىل عني
حقيقية تليق بعظمته وجالله وقِ َدمه وللمخلوق عني حقيقية تناسب حاله
وحدوثه وضعفه وهذا شأن مجيع الصفات اليت فيها املشاركة اللفظية
مع صفات املخلوق ،2والعني صفة هلل تعاىل بال كيف ،وهي من
صنَ َع َعلَى َعْييِن " (طه ،آية : ِ
الصفات اخلربية الذاتية قال تعاىلَ ":ولتُ ْ
،)39وذكر العني مفردة ال يدل على أهنا عني واحدة فقط ألن
املفرد املضاف يراد به أكثر من واحد مثل قوله تعاىلَ ":وإِن َتعُدُّواْ
وها" (ابراهيم ،آية ،)34 :وقال تعاىل ":جَتْ ِري ِ ِ
ص َت اللّه الَ حُتْ ُ ن ْع َم َ
َعيُنِنَا" (القمر ،آية ،)14 :وهنا ذكرت بصيغة اجلمع مضافة إىل بِأ ْ
ضمري اجلمع.3
ب َربُّ ُك ْم َعلَى َن ْف ِس ِه الرَّمْح َةَ "اثبات صفة النفس :قال تعاىلَ ":كتَ َ
(األنعام ،آية ،)54 :وقال تعاىلَ ":ت ْعلَ ُم َما يِف َن ْف ِسي َوالَ أ َْعلَ ُم َما
ك" (املائدة ،آية ،)116 :وقال صلى اهلل عليه وسلم :يقول يِف َن ْف ِس َ
انا مع عبدي حني يذكرين فإن ذكرين يف نفسه ذكرته يف نفسي وإن
اسَت َوى" (طه ،آية ،)5 :قال االستواء غري جمهول ،والكيف الْ َع ْر ِش ْ
غري معقول ،واإلميان واجب ،والسؤال عنه بدعة ،وما أراك إال ضاالً
وأمر أن خيرج السائل من اجمللس .وأكثر من صرح بأن اهلل مستو
4
بذاته على عرشه أئمة املالكية ،فصرح أبو حممد بن أيب يزيد يف ثالثة
مواضع من كتبه أشهرها الرسالة ،ويف كتاب جامع النوادر ويف كتاب
اآلداب ،وصرح بذلك القاضي أبو بكر الباقالين وكان مالكياً وصرح
إن كتاب اهلل عز وجل من أوله إىل آخره وسنة رسوله صلى اهلل
عليه وسلم وعامة الصحابة والتابعني وكالم سائر األئمة ،مملوء مبا هو
نص أو ظاهر يف أن اهلل سبحانه وتعاىل فوق كل شئ وأنه فوق
العرش وفوق السماوات مست ٍو على عرشه .
2
ص ًّفا" (الفجر ،آية ص ًّفا َ ك َ ك َوالْ َملَ ُ صفة المجئ :قال تعاىلَ " :و َجاء َربُّ َ
،)22 :قال تعاىلَ " :ه ْل يَنظُُرو َن إِالَّ أَن يَأْتَِي ُه ُم اللّهُ" (البقرة ،آية :
.)210وجيب إثبات اجملئ من غري حتريف وال تعطيل ،وال تكييف وال
3
متثيل وهو جمئ حقيقة يليق باهلل تعاىل .
ضواْ َعْنهُ" (املائدة ،آية صفة الرضا :قال تعاىلَّ " :ر ِض َي اللّهُ َعْن ُه ْم َو َر ُ
.)119 :
ف يَأْيِت اللّهُ بَِق ْوٍم حُيِ ُّب ُه ْم َوحُيِ بُّونَهُ" (املائدة صفة المحبة :قال تعاىل " :فَ َس ْو َ
،آية .)54 :
ب اللّهُ َعلَْي ِه َولَ َعنَهُ" (النساء ،آية : ِ
صفة الغضب :قال تعاىلَ " :و َغض َ
.)93
ِ
َس َخ َط اللَّهَ" (حممد ، ك بِأَنَّ ُه ُم اتََّبعُوا َما أ ْ صفة السخط :قال تعاىلَ " :ذل َ
آية .)28 :
ـكن َك ِر َه اللّهُ انبِ َعاثَ ُه ْم " (التوبة ،آية : صفة الكراهة :قال تعاىل " :ولَ ِ
َ
.)46
فهذا العلم إذا رسخ يف القلب أوجب خشية اهلل ال حمالة فكل اسم
من أمساء اهلل له تأثري يف القلب والسلوك ،فإذا أدرك القلب معىن
االسم وما يتضمنه واستشعر ذلك ،جتاوب مع هذه املعاين وانعكست
هذه املعرفة على تفكريه وسلوكه ولكل صفة عبودية خاصة هي من
موجباهتا مقتضياهتا فاألمساء احلسىن والصفات العلى مقتضاها آلثرها من
العبودية وهذا مطرد يف مجيع أنواع العبودية اليت على القلب واجلوارح،
فمثالً :علم العبد بتفرد الرب تعاىل بالضر والنفع والعطاء واملنع واخللق
والرزق واإلحياء واإلماتة يثمر له عبودية التوكل عليه باطناً ولوازم
التوكل ومثراته ظاهراً ،وعلمه بسمعه وبصره وعلمه أنه ال خيفى عليه
مثقال ذرة يف السموات وال يف األرض وأنه يعلم السر وأخفى ويعلم
خائنة األعني وما ختفي الصدور يثمر له حفظ لسانه وجوارحه
وخطرات قلبه عن كل ما ال يرضي اهلل وأن جيعل تعلق هذه األعضاء
مبا حيبه ويرضاه فيثمر له ذلك احلياء باطناً ،ويثمر له احلياء اجتناب
احملرمات والقبائح ،ومعرفته بغناه وجوده وكرمه وبره ،وإحسانه ورمحته
1انظر :دراسات في مباحث األسماء والصفات صـ .15 ،14
85
توجب له سعة الرجاء ،ويثمر له ذلك من أنواع العبودية ،الظاهرة
1
والباطنة حبسب معرفته وعلمه وكذلك معرفته جبالل اهلل وعزه تثمر له
اخلضوع واإلستكانة واحملبة ،وتثمر له تلك األحوال الباطنة أنواعاً من
العبودية الظاهرة هي موجباهتا وكذلك علمه لكماله ومجاله وصفاته
العلى يوجب له حمبة خاصة مبنزلة أنواع العبودية فرجعت تلك العبودية
كلها إىل مقتضى األمساء والصفات وارتبطت هبا ،وهذه األحوال اليت
2
تتصف هبا القلوب :هي أكمل األحوال ،وأجل وصف يتصف به القلب
وينصبغ به ،وال يزال العبد ميرن نفسه عليها حىت تنجذب نفسه
وروحه بدواعيه منقادة راغبة وهبذه األعمال القلبية تكمل األعمال
البدنية فسأل اهلل أن ميأل قلوبنا من معرفته وحمبته واإلنابة إليه ،فإنه
أكرم األكرمني وأجود األجودين .
3
6ـ التخلق بالجبر "الجبار" :إن أخذ من جربوت العظم والفقري ،إذ
أصلحتهما فثمرت معرفته رجاء جربه وإصالحه والتخلق به ،بأن تعامل
عباده بكل خري وإصالح تقدر عليه ،أو تصل إليه ،وإن أخذ من
العلو فهو كالعلي ،ومثرة معرفته كالثمرات معارف مجيع الصفات ،وإن
أخذ من اإلجبار فهو كالقهار .
3
10ـ التخلق باإلعزاز" :المعز" خالق العِِّز ومثرة معرفته الطمع يف
إعزازه باملعارف والطاعات والتخلق به ،بإعزاز الدين ومن تبعه من
عباد اهلل املؤمنني.
11ـ التخلق باإلذالل" :المذل" خالق ُّ
الذل ومثرة معرفته خوف
اإلذالل باملعاصي واملخالفات ،واملعاملة به بإذالل الباطل وأشياعه وإمخال
العُدوان وأتباعه .
3
15ـ التخلق بالحفظ" :الحفيظ" ،إن أخذ من العلم فقد سبق ،وإن
أوالدك أخذ من ضبط األشياء وحفظها فثمرة معرفته رجاؤك حفظه يف
فإن أمرت به من الطاعات واألمانات، َ وأُخراك والتخلق به حبفظ ما
َما اهلل قد مدح احلافظني حلدوده ،وبشََّر ُهم بإجناز وعوده فقالَ ":ه َذا
يظ" (ق ،آية .)32 : اب ح ِف ٍ
وع ُدو َن لِ ُك ِّل أ ََّو ٍ
َ تُ َ
واملؤخر" ،مثرة معرفتها املهابة
ِّ خلُّق بالتقديم والتأخير" :املقدم
16ـ الت َ
ِّمك بطاعته، واإلجالل واالعتماد عليه يف تقدميه وتأخريه ورجاء أن يُقد َ
يؤخرك مبعصيته والتخلق هبما بتقدمي ما أمرت بتقدميه وخوف أن ِّ
وتأخري ما أمرت بتأخريه ،بأن تقدم األمثال على األراذل ،وأن تقدم
ومضي َقها على
َّ أوجب الطاعات على واجبها ،وأفضلها على فاضلها،
موسعها ،وبأن تقدم ال ُقربات والطاعات إىل أوائل األوقات ،فإن اهلل
مدح الذين يسارعون يف اخلريات .
3
بالب ِّر( :البُّر) :هو املنعم ،ومثرة معرفته رجاء أنواع ّبره،
17ـ التخلق َ
بأحب أموالك إليك
ِّ والتخلق به بأن ترَّب ُك َّل من تقدر على بره
23ـ التخلق ببذل الهبات" :الوهاب" مثرة معرفته رجاء أنواع هباته
والصالت ُمق ّدماً لآلباء واألمهات،
ّ وصالته ،والتخلق به بكثرة اهلبات
والبنني والبنات.
24ـ التخلق بالجود والكرم" :الجواد الكريم" مثرة معرفتهما الطمع
يف آثار جوده وكرمه والتخلق هبما ملن أراد الوصول إليه بأن جتود
بكل ما يقدر عليه من مال وجاه وعلم وحكمة ،وبر ومساعدة.
25ـ التخلق باالجابة" :المجيب" مثرة معرفته رجاء إجابة دعائك
لعلمه بافتقارك إليه واعتمادك عليه ،وأنه سامع لدعائك عامل ببالئك،
وضرائِك ،والتخلق به بإجابة موالك فيما دعاك إليه من
ّ لسرائِك
خابر ّ
ُقُرباته ،وبإجابة كل داع إىل ما يُرضي موالك يف طاعاته وعباداته .
2
26ـ التخلق بالمجد" :المجيد" الذي كثر شرفه ،ومتّ كماله وجالله
يف ذاته وصفاته ،ومثرة معرفته املهابة واإلجالل والتخلق به ميكن التخلق
به مما سبق ذكره ،فإنه شامل جلميع الصفات كما ِمشلها ذو اجلالل
بالصفات وال حيصل التخلقّ واإلكرام فهذه إشارات إىل كيفية التخلق
بالصفات إال ملن واظب على التحديق إليها ،واإلقبال عليها ،ولذلك
أمرنا اهلل تعاىل بإكثار ذكره لنُالبس ما يثمره ذكره من األحوال
واألقوال واألعمال .
3
92
ِِ ِ ِ
ني صواْ د َين ُه ْم للّ ِه فَأ ُْولَـئِ َ
ك َم َع الْ ُم ْؤمن َ َخلَ ُ
ِ
ص ُمواْ بِاللّه َوأ ْ َصلَ ُحواْ َو ْاعتَ َ
َوأ ْ
يما" (النساء ،آية ،)146 :فالبد ِ ِِ ِ
َجًرا َعظ ً ني أ ْ ف يُ ْؤت اللّهُ الْ ُم ْؤمن َ َو َس ْو َ
من األخذ باالسباب املؤدية إىل املغفرة ،وأما إن مات وهو مقيم على
الكبائر من غري أن يتوب ،فإنه ليس له عهد عند اهلل باملغفرة والرمحة،
بل إن شاء غفر له وعفا عنه لفضله وإن شاء عذبه يف النار لعدله
مث خيرجه برمحته وشفاعة الشافعني من أهل طاعته مث يدخله اجلنة
1
وذلك للموحدين خاصة
1النهج األسمى في شرح أسماء هللا الحسنى صـ ،151 ،150شرح الطحاوية صـ 416ـ .421
93
المبحث الخامس
توحيد األلوهية
أوالً :تعريفه ومكانته خاصة :1هو إفراد اهلل عز وجل جبميع أنواع
العبادات وإخالصها له وحده ال شريك له ظاهراً وباطناً وهو توحيد
اهلل تعاىل بأفعال العباد ويسمى توحيد العبادة ،ألن األلوهية والعبودية
مبعىن واحد ،إذا معىن اإلله :املعبود ،قال ابن عباس رضي اهلل عنهما:
2
وهذا التوحيد أعظم أنواع التوحيد وأمهها ،واملتضمن هلا مجيعاً ،وال
يصري العبد مؤمناً إال بتحقيقه وهو الذي ألجله خلق اهلل عباده وأنزل
كتبه ،وبعث أنبياءه ورسله عليهم الصالة والسالم ،4قال تعاىلَ ":و َما
ون" (الذاريات ،آية )56:وقال تعاىلَ ":ولََق ْد خلَ ْقت اجْلِ َّن واإْلِ نس إِاَّل لِيعب ُد ِ
َ ُْ َ َ َ ُ
وت فَ ِمْن ُهم َّم ْن بع ْثنَا يِف ُك ِّل أ َُّم ٍة َّرسوالً أ َِن ْاعب ُدواْ اللّه و ِ
اجتَنبُواْ الطَّاغُ َ
َ َ ْ ُ ُ ََ
ت َعلَْي ِه الضَّاللَةُ" (النحل ،آية .)36: ِ
َه َدى اللّهُ َومْن ُهم َّم ْن َح َّق ْ
ِِ ِ ِ
ِّين" (البينة ،آية ني لَهُ الد َ وقال تعاىلَ ":و َما أُمُروا إِاَّل لَي ْعبُ ُدوا اللَّهَ خُمْلص َ
.)5 :
ـ وهذا التوحيد هو معىن قول :ال إله إال اهلل واليت معناها :ال معبود
حبق إال اهلل .
5
ـ ومما يدل على أمهية توحيد األلوهية أنه هو التوحيد الذي أرسل اهلل
به الرسل من أوهلم إىل آخرهم واتفقت دعوة الرسل من أول رسول
بعثه اهلل إىل خامتهم حممد صلى اهلل عليه وسلم اتفقت دعوهتم إىل
ِ
البدء بدعوة أقوامهم إىل إخالص العبادة هلل ونبذ الشرك بكل صوره
1المنهج األسمى في شرح أسماء هللا الحسنى صـ ،151 ،150شرح الطحاوية صـ 416ـ .421
2حماية الرسول حمى التوحيد صـ.234
3دعوة التوحيد ،خليل الهراس صـ.37
4حماية الرسول حمى التوحيد صـ.234
5منهج السلف والمتكلمين في موافقه العقل للنقل (.)1/261
94
ك ِمن ِ
وأسبابه ووسائله املؤدية إليه قال تعاىلَ ":و َما أ َْر َس ْلنَا ِمن َقْبل َ
اعب ُد ِ ِ ِ ِ ِِ ٍ ِ
ون" (األنبياء ،آية : َّر ُسول إاَّل نُوحي إلَْيه أَنَّهُ اَل إلَهَ إاَّل أَنَا فَ ْ ُ
،)25وقال تعاىل عن نوح عليه السالم أنه قال لقومهْ ":اعبُ ُدواْ اللَّهَ َما
اب َي ْوٍم َع ِظي ٍم" (األعراف ، اف َعلَْي ُك ْم َع َذ َ
َخ ُ ٍ
لَ ُكم ِّم ْن إِلَـه َغْيُرهُ إِيِّنَ أ َ
آية ،)59 :وقال عن نبيه ابراهيم عليه السالم أنه قال لقومه":
يم إِ ْذ قَ َال لَِق ْو ِم ِه ْاعبُ ُدوا اللَّهَ َو َّات ُقوهُ ذَلِ ُك ْم َخْيٌر لَّ ُك ْم إِن ُكنتُ ْم وإِبر ِ
اه
َ َْ َ
َت ْعلَ ُمو َن" (العنكبوت ،آية ،)16 :وقال تعاىل عن كليمه موسى عليه
السالم أنه قال لقومه ":إِمَّنَا إِهَلُ ُك ُم اللَّهُ الَّ ِذي اَل إِلَهَ إِاَّل ُه َو َو ِس َع ُك َّل
َش ْي ٍء ِع ْل ًما" (طه ،آية ،)98 :وقال تعاىل عن املسيح عليه السالم أنه
ض الَّ ِذي خَت ْتَلِ ُفو َن فِ ِيه ِ ِ ِ
قال لقومه ":قَ ْد جْئتُ ُكم بِاحْل ْك َمة َوأِل َُبنِّي َ لَ ُكم َب ْع َ
اعبُ ُدوهُ َه َذا ِصَرا ٌطون* إِ َّن اللَّهَ ُه َو َريِّب َو َربُّ ُك ْم فَ َْطيع ِِ
فَ َّات ُقوا اللَّهَ َوأ ُ
يم" (الزخرف ،آية .)64 ،63 : ِ
ُّم ْستَق ٌ
ـ وأول ما بدأ به خامتهم حممد صلى اهلل عليه وسلم دعوته إىل اهلل
عز وجل دعوة الناس إىل اخالص العبادة هلل ،ونبذ الشرك بأنواعه
ووسائله وأسبابه بالقول والفعل ،فحمى صلى اهلل عليه وسلم محى
التوحيد ،ودعا إليه ،وأنذر الشرك غاية اإلنذار واستمر على هذا املنهج
حىت حلق بالرفيق األعلى صلى اهلل عليه وسلم ،واقتدى به اصحابه
رضوان اهلل عليهم أمجعني وكل من اتبع طريقته واسنت بسنته ،فطريقته
يف الدعوة هي ":قُل ه ِـذ ِه سبِيلِي أ َْدعو إِىَل اللّ ِه علَى ب ِ
ص َري ٍة أَنَاْ َو َم ِن َ َ ُ َ ْ َ
ِ ِ ِ
ني" (يوسف ،آية ،)108 : اتََّب َعيِن َو ُسْب َحا َن اللّه َو َما أَنَاْ م َن الْ ُم ْش ِرك َ
ويف هذه اآلية أمر اهلل رسوله صلى اهلل عليه وسلم أن خيرب الناس أن
هذه سبيله أي :طريقته ومسلكه وسنته وهي الدعوة إىل شهادة أن ال
إله إال اهلل وحده ال شريك له يدعو هبا على بصرية من ذلك ويقني
95
وبرهان وكل من اتبعه يدعو إىل ما دعا إليه رسول اهلل صلى اهلل
عليه وسلم على بصرية وبرهان عقلي وشرعي.1
وقد بني رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أن توحيد العبادة أساس
اإلسالم وأنه أول ما يبدأ له يف الدعوة إىل اهلل ويدل على ذلك
رسائله صلى اهلل عليه وسلم ومبايعته وجهاده ووصاياه لقواده ،وغري
ذلك من األمور ،ومن األمثلة الدالة على هذا:
1ـ إرساله صلى اهلل عليه وسلم معاذاً رضي اهلل عنه إىل اليمن لدعوة
قوم من أهل الكتاب إىل توحيد اهلل عز وجل ،فعن ابن عباس رضي
اهلل عنهما أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ملا بعث معاذاً إىل
اليمن قال له :إنك تأيت قوماً من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم
إليه شهادة أن ال إله إال اهلل ،ويف رواية :إىل أن يوحدوا اهلل ،فإن
هم أطاعوك على ذلك فأعلمهم أن اهلل افرتض عليهم مخس صلوات
يف كل يوم وليلة ،فبني صلى اهلل عليه وسلم أن أول ما يبدأ به يف
2
الدعوة إىل اهلل تعاىل إىل شهادة أن ال إله إال اهلل وإخالص العبادة له
جال وعال .
3
2ـ وكذلك أمره صلى اهلل عليه وسلم علي بن أيب طالب رضي اهلل
عنه يوم خيرب بدعوة اليهود إىل التوحيد أوالً حيث أعطاه صلى اهلل
عليه وسلم الراية وقال :انفذ على رسلك ،حىت تنزل بساحتهم ،مث
ادعهم إىل اإلسالم ،وأخربهم مبا جيب عليهم من حق اهلل تعاىل فيه،
فواهلل ألن يهدي اهلل بك رجالً واحداً خري لك محر النعم ،ويف
4
رواية أخرى :فسار علي رضي اهلل عنه مث وقف ومل يلتفت فصرخ :يا
رسول اهلل على ماذا أقاتل الناس؟ فقال صلى اهلل عليه وسلم :قاتلهم
3ـ وكذلك مبايعاته صلى اهلل عليه وسلم تدل على أن أول ما يبدأ
به يف الدعوة إىل اهلل إخالص العبادة هلل الذي هو التوحيد ومن
األمثلة على ذلك ،عن عبادة بن الصامت رضي اهلل عنه قال :قال لنا
رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وحنن يف جملس :تبايعوين على أن ال
تشركوا باهلل شيئاً ،2وعن أم عطية رضي اهلل عنها قالت :بايعنا رسول
اهلل صلى اهلل عليه وسلم فقرأ علينا ":أَن اَّل يُ ْش ِر ْك َن بِاللَّ ِه َشْيئًا"
(املمتحنة ،آية .3)12 :
4ـ وكذلك جهاد النيب صلى اهلل عليه وسلم وقتاله إمنا كان من أجل
دعوة الناس إىل إخالص العبادة هلل عز وجل والرباءة من الشرك وأهله،
والدفاع عن راية التوحيد ،فعن ابن عمر رضي اهلل عنهما أن رسول
اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال :أمرت أن أقاتل الناس حىت يشهدوا أن
ال إله إال اهلل وأن حممداً رسول اهلل ،ويقيموا الصالة ،ويؤتوا الزكاة،
فإذا فعلوا ذلك عصموا مين دماءهم وأمواهلم إال حبق اإلسالم وحساهبم
على اهلل عز وجل .
4
99
ِِ ِ ِ فَ َك َفى بِاللّ ِه
يدا َبْيَننَا َو َبْينَ ُك ْم إِن ُكنَّا َع ْن عبَ َادت ُك ْم لَغَافل َ
ني" (يونس ، َش ِه ً
.)29 آية ، 28 :
6ـ ومنها ما جاء في قصص األنبياء والرسل عليهم الصالة
والسالم يف دعوهتم أممهم إىل توحيد اهلل وإفراده وحده بالعبادة،
وكان ذلك مفتاح دعوة كل نيب ورسول وما جرى بينهم وبني
أقوامهم ألجله من خصومة وما دارت بسببه من معارك عظيمة بالبيان
والسنان ،وما كان من ذلة وهالك ألعداء اهلل وأعداء رسله ونصر
ومنعة وغلبة للرسل وأتباعهم ،وتلك سنة اهلل يف خلقه ،وهو الذي
يقول بعد ما قص دعوة عدد من األنبياء والرسل عليهم الصالة
يد" (هود ،آية ،)83 :واآليات عن والسالم ":وما ِهي ِمن الظَّالِ ِمني بِبعِ ٍ
َ َ ََ َ َ
قصص األنبياء والرسل عليهم الصالة والسالم مع أممهم كثرية جداً
ين ِمن َّ ِ ِ
نكتفي مبثال واحد لذلك وهو قوله تعاىل":أَمَلْ يَأْت ُك ْم َنبَأُ الذ َ
ِِ وح وع ٍاد ومَثُود والَّ ِذ ِ ِ ِ
ين من َب ْعده ْم الَ َي ْعلَ ُم ُه ْم إِالَّ اللّهُ َقْبل ُك ْم َق ْوم نُ ٍ َ َ َ َ َ َ
ات َفَر ُّدواْ أَيْ ِد َي ُه ْم يِف أَْف َو ِاه ِه ْم َوقَالُواْ إِنَّا َك َفْرنَا مِب َا جاء ْتهم رسلُهم بِالْبِّينَ ِ
َ َ ُْ ُ ُ ُ
ت ُر ُسلُ ُه ْم أَيِف يب * قَالَ ْ ك مِّمَّا تَ ْدعُونَنَا إِلَْي ِه ُم ِر ٍ أ ُْر ِس ْلتُم بِِه َوإِنَّا لَِفي َش ٍّ
ض يَ ْدعُو ُك ْم لَِي ْغ ِفَر لَ ُكم ِّمن ذُنُوبِ ُك ْم ات َواأل َْر ِ السماو ِ اللّ ِه َش ٌّ ِ
ك فَاط ِر َّ َ َ
يدو َن أَن َج ٍل ُّم َس ًّـمى قَالُواْ إِ ْن أَنتُ ْم إِالَّ بَ َشٌر ِّم ْثلُنَا تُِر ُ ِ
َويُ َؤ ِّخَر ُك ْم إىَل أ َ
ت هَلُ ْم ُر ُسلُ ُه ْم ان ُّمبِ ٍ آؤنَا فَأْتُونَا بِس ْلطَ ٍ
ني * قَالَ ْ ُ صدُّونَا َع َّما َكا َن َي ْعبُ ُد آبَ ُ تَ ُ
ـك َّن اللّهَ مَيُ ُّن َعلَى َمن يَ َشاء ِم ْن ِعبَ ِاد ِه َو َما إِن حَّنْن إِالَّ ب َشر ِّم ْثلُ ُكم ولَ ِ
ْ َ َ ٌ ُ
ان إِالَّ بِِإ ْذ ِن اللّ ِه َوعلَى اللّ ِه َف ْليََت َو َّك ِل الْ ُم ْؤ ِمنُو َن َكا َن لَنَا أَن نَّأْتِي ُكم بِس ْلطَ ٍ
ُ َ
صرِب َ َّن َعلَى َما ِ
* َو َما لَنَا أَالَّ َنَت َو َّك َل َعلَى اللّه َوقَ ْد َه َدانَا ُسُبلَنَا َولَنَ ْ
ين َك َفُرواْ لُِر ُسلِ ِه ْم َّ ِ ِ
آ َذ ْيتُ ُمونَا َو َعلَى اللّه َف ْليََت َو َّك ِل الْ ُمَت َو ِّكلُو َن * َوقَ َال الذ َ
ود َّن يِف ِملَّتِنَا فَأ َْو َحى إِلَْي ِه ْم َربُّ ُه ْم لَُن ْهلِ َك َّن ِ
لَنُ ْخ ِر َجنَّـ ُكم ِّم ْن أ َْرضنَآ أ َْو لََتعُ ُ
100
ك لِ َم ْن َخ َ
اف َم َق ِامي ِِ ِ
ض ِمن َب ْعده ْم َذل َ ِ
ني * َولَنُ ْسكَننَّـ ُك ُم األ َْر َ
ِِ
الظَّالم َ
يد" (ابراهيم ،آية9 :ـ .)14 اف و ِع ِ
َو َخ َ َ
واحلديث عن قصص األنبياء والرسل عليهم الصالة والسالم مع أممهم
يف دعوهتم يوضح أن توحيد اهلل وإفراده بالعبادة وحده ال شريك له
هو املهمة األوىل للرسل عليهم الصالة والسالم ومما تقدم يتبني أمهية
توحيد األلوهية املتضمن ألنواع التوحيد مجيعاً واملطلوب من الناس
كافة .1
والعبادة يف تعريفها الشامل هي :اسم جامع لكل ما حيبه اهلل ويرضاه
من األقوال واألعمال الباطنة والظاهرة ،فالصالة والزكاة والصيام واحلج
وصدق احلديث وأداء األمانة وبر الوالدين وصلة األرحام والوفاء بالعهود
واألمر باملعروف والنهي عن املنكر واجلهاد للكفار واملنافقني ،واإلحسان
إىل اجلار ،واليتيم واملسكني وابن السبيل واململوك من اآلدميني والبهائم،
والدعاء والذكر والقراءة وأمثال ذلك من العبادة ،وكذلك حب اهلل
ورسوله وخشية اهلل واإلنابة إليه وإخالص الدين له والصرب حلكمه
والشكر لنعمه والرضا بقضائه والتوكل عليه والرجاء لرمحته واخلوف من
عذابه وأمثال ذلك هي من العبادة هلل وذلك أن العبادة هي الغاية
ت
احملبوبة له واملرضية له اليت خلق اخللق هلا كما قال تعاىلَ ":و َما َخلَ ْق ُ
ويف حديث أيب هريرة قال :مسعت النيب صلى اهلل عليه وسلم يقول :إن
أول الناس يقضي يوم القيامة عليه ،رجل استشهد فأتى به فعرفعه
نعمته فعرفها قال :فما عملت فيها؟ قال :قاتلت فيك حىت استشهدت،
ئ فقد قيل :مث أمر به
قال كذبت ،ولكنك قاتلت ألن يقال جر ُ
فسحب على وجهه حىت ألقى يف النار ،ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ
القرآن ،فأتى به ،فعرفه نعمه فعرفها ،قال فما عملت؟ قال :تعلمت
العلم وعلمته ،وقرأت فيك القرآن ،قال :كذبت ولكنك تعلمت ليقال:
عامل وقرأت القرآن ليقال :قارئ فقد قيل ،مث أمر به فسحب على
وسع اهلل عليه وأعطاه من أصناف وجهه حىت ألقى يف النار ،ورجل ّ
املال ،فأتى به فعرفه نعمه فعرفها ،قال فما عملت فيها؟ قال :ما
تركت من سبيل حتب أن ينفق فيها إال أنفقت فيها لك ،قال :كذبت
ولكنك فعلت ليقال :جواد ،وقد قيل ،مث أمر به فسحب على وجهه،
حىت ألقى يف النار . 2
وقوله صلى اهلل عليه وسلم" :من أحدث يف أمرنا ما ليس منه فهو
رد" .
2
وقال صلى اهلل عليه وسلم" :لقد تركتكم على مثل البيضاء ليلها
كنهارها ال يزيغ عنها إآل هالك" .
3
وعن مطرف بن عبد اهلل يقول :مسعت مالك بن أنس إذا ذكر عنده
الزائغني يف الدين يقول :قال عمر بن عبد العزيز رضي اهلل عنهَ :س َّن
رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وواله األمر بعده سنناً ،األخذ هبا
اتباع لكتاب اهلل عز وجل ،واستكماالً لطاعة اهلل عز وجل ،وقوة
على دين اهلل تبارك وتعاىل ،ليس ألحد من اخللق تغيريها وال تبديلها،
وال النظر يف شئ خالفها ،من اهتدى هبا فهو مهتد ،ومن استنصر هبا
فهو منصور ،ومن تركها واتبع غري سبيل املؤمنني ،واله اهلل تعاىل ما
توىل وأصاله جهنم وساءت مصرياً .ومما روى عن الفضيل بن عياض
4
ِ
َح َس ُن َع َمالً" ( تبارك ،آية ،)2 : أنه تال قوله تعاىل" :ليَْبلَُو ُك ْم أَيُّ ُك ْم أ ْ
فقال :أخلصه وأصوبه ،قالوا :يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه؟ قال :إذا
كان العمل خالصاً ومل يكن صواباً ،مل يقبل ،وإذا كان صواباً ومل
يكن خالصاً مل يقبل ،حىت يكون خالصاً صواباً ،واخلالص إذا كان هلل
عز وجل والصواب إذا كان على السنة .
5
1رواه مالك في الموطأ بالغاً ،ك القدر ،باب النهي عن قول الغقدر (.)2/898
2مسلم ،ك األقضية (.)1344 ، 2/1343
3سنن ابن ماجة ،باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين (.)14 / 1
4الشريعة لآلجري صـ.48
5مدارج السالكين (.)89 / 2
104
وبعد ذكر شرطي العبادة املقبولة عند اهلل سبحانه وتعاىل يتبني أن دين
اإلسالم مبين على أصلني :أن نعبد اهلل وحده ال شريك له ،وأن نعبده
مبا شرعه من الدين ،وهو ما أمرت به الرسل .
1
إن الغاية من خلق اإلنسان وكتابة املوت واحلياة عليه واضح يف قوله
ِ ِ
َح َس ُن َع َماًل َو ُه َو الْ َع ِز ُيز
ت َواحْلَيَاةَ ليَْبلَُو ُك ْم أَيُّ ُك ْم أ ْ تعاىل" :الَّذي َخلَ َق الْ َم ْو َ
ور" (تبارك ،آية .)2 :واألحسن عمالً يتضمن أمرين :كما فسر الْغَ ُف ُ
ذلك الفضيل بن عياض ـ رمحه اهلل ـ عندما قال :أحسنه أي أخلصه
وأصوبه.2
فأخلصه هو ((ال إله إال اهلل)) ،وأصوبه هو ((حممد رسول اهلل)) ،وهو
الصَرا َط الذي أشارت إليه سورة الفاحتة ـ أم القرآن الكرمي ـ " ِ
اهدنَـ ــا ِّ
ني" وب َعلَي ِه ْم َوالَ الضَّالِّ َ غض ِمت َعلَي ِه ْم َغ ِري امل ُ َ َنع
َ ين أ َ يم * ِصَرا َط الَّ ِذ َ املستَ ِق
َ ُ
(الفاحتة ،آية 6ـ .)7والذين أنعم اهلل عليهم هم النبيون والصديقون
والشهداء والصاحلون ،ومنهم الرسول الكرمي صلى اهلل عليه وسلم
الصَرا َط
وصحابته ـ رضوان اهلل عليهم ـ والذين ساروا على هذا (( ِّ
يم)) ،أي الصواب املوصل للغاية ،وهذا الطريق وسط بني طرفني . قاملست ِ
َُ َ
3
رابعاً :حقيقة العبادة :إن دائرة العبادة اليت خلق اهلل هلا اإلنسان،
وجعلها غايته يف احلياة ومهمته يف األرض ،دائرة رحبة واسعة :أهنا
تشمل شئون اإلنسان كلها ،وتستوعبه حياته مجيعاً ،وتستغرق كافة
مناشطه ،وأعماله ،ومن التعريف السابق للعبادة ،عندما ذكرنا بأنه اسم 4
جامع لكل ما حيبه اهلل ويرضاه ،من األقوال واألعمال الباطلة والظاهرة،
ال ميكن أن خيرج أي شئ من نشاطات اإلنسان وأعماله سواء أكان
ذلك يف العبادات احملضة ،أو يف املعامالت املشروعة ،أو يف العادات
1مجموع الفتاوى (.)189 / 1
2تفسير اللغوي ،معالم التنزيل (.)269 / 4
3الوسطية في القرآن الكريم صـ.389
4العبادة في اإلسالم للقرضاوي صـ.53
105
اليت طبع اإلنسان على فعلها ،وإن كان ينبغي لنا اإلشارة إىل أن
األصل يف العبادات احملضة املنع حىت يرد ما يدل على مشروعيتها ،وأن
أصل العادات العفو حىت يرد ما يدل على منعها ،وذلك مبين على أن
تصرفات العباد من األقوال واألفعال نوعان :عبادات يصلح هبا دينه،
وعادات حيتاجون إليها يف دنياهم ،فباستقراء أصول الشريعة نعلم أن
العبادات اليت أوجبها اهلل ،أو أحبها ال يثبت األمر هبا إآل بالشرع.
وأما العادات :فهي ما اعتاده الناس يف دنياهم مما حيتاجون إليه ،واألصل
فيه عدم احلظر ،فال حيظر منه إال ما حظره اهلل سبحانه وتعاىل وذلك
ألن األمر والنهي هنا شرع اهلل ،والعبادة ال بد أن يكون مأموراً هبا ،
1
فما مل يثبت أنه مأمور به ،كيف حيكم عليه بأنه عبادة؟ وما مل
يثبت من العبادات أنه منهي عنه كيف حيكم عليه أنه حمظور؟
والعادات األصل فيها العفو وال حيظر منها إال ما حرم اهلل .وهذا
2
حلديث" :ويف بضع أحكم صدقة" .ويف هذا دليل على أن املباحات
4
تصري طاعات بالنية الصادقة ،ومن ذلك يتضح :أن الدين كله داخل يف
5
العبادة والدين منهج اهلل ،جاء ليسع احلياة كلها ،وينظم مجيع أمورها
من أدب األكل والشرب وقضاء احلاجة إىل بناء الدولة ،وسياسة املال،
وقوله صلى اهلل عليه وسلم :دخلت امرأة النار يف هرة ،ربطتها فلم
تطعمها ،ومل تدعها تأكل من حشاش األرض حىت ماتت ،وأما
3
االستدال على عموم العبادة ومشوهلا حلياة اإلنسان ،عند الصحابة ففي
قصة بعث أيب موسى ومعاذ إىل اليمن ،ويف آخره قال أبو موسى
ملعاذ :فكيف تقرأ أنت يا معاذ؟ قال :أنام أول الليل فأقوم وقد قضيت
جزئي من النوم ،فأقرأ ما كتب اهلل يل ،فأحتسب نوميت كما أحتسب
قوميت ،ويف كالم معاذ رضي اهلل عنه دليل أن املباحات يؤجر عليها 4
بالقصد والنية.
ك الَّيِت سليمان عليه الصالة والسالم حيث قال ":أ َْو ِز ْعيِن أَ ْن أَ ْش ُكَر نِ ْع َمتَ َ
ي وأَ ْن أَعمل حِل ِ
ك يِف ضاهُ َوأ َْد ِخ ْليِن بَِرمْح َتِ َ
صا ًا َت ْر َ َْ َ َ أَْن َع ْم َ
ت َعلَ َّي َو َعلَى َوال َد َّ َ
ني" (النمل ،آية .)19 : ِعب ِاد َك َّ حِلِ
الصا َ َ
ومثله كذلك توسل الصحابة رضي اهلل عنهم بدعاء العباس رضي اهلل
عنه وهو يف صحيح البخاري من حديث أنس رضي اهلل عنه :أن عمر
بن اخلطاب رضي اهلل عنه كان إذا قُحطوا استسقى بالعباس بن عبد
املطلب ،فقال :اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا صلى اهلل عليه وسلم
3
بعم نبينا فاسقنا ،قال :فيسقون .
فتسقينا ،وإنا نتوسل إليك ِّ
بعم نبِّينا ،أي بدعائه فبهذه األنواع
واملراد بقوله :إنا نتوسل إليك ِّ
وأما ماالثالثة من التوسل كلها مشروعة لداللة نصوص الشرع عليها ّ
1الذكر والدعاء والعالج بالرقي صـ.100
2البخاري ( ،)1/224مسلم(.)2/613
3صحيح البخاري رقم .1010
110
سوى ذلك مما ال أصل له ،وال دليل على مشروعيته فينبغي على
املسلم أن جيتنبه . 1
2ــ النذر :هو التزام قربة غري الزمة يف أصل الشرع بلفظ يشعر
2
علي أن أصوم ثالثة أيام . بذلك ،مثل أن يقول :هلل َّ
وحكم النذر الكراهة ،بل حرمه بعض العلماء لعدم حتمل املسلم ما قد
يعجز عن الوفاء به ،ولكن إذا نذر املسلم ،وجب عليه الوفاء هبذا
النذر وذلك ما مل يكن يف معصية اهلل ،فأصبح هذا النذر معلقاً يف
3
رقبته ،وديناً عليه حىت يوفيه .
ـ قال تعاىل ":يُوفُو َن بِالنَّ ْذ ِر َوخَيَافُو َن َي ْو ًما َكا َن َشُّرهُ ُم ْستَ ِط ًريا" (اإلنسان ،
آية .)7 :
ٍ
ـ وقال تعاىلَ ":و َما أَن َف ْقتُم ِّمن نَّ َف َقة أ َْو نَ َذ ْرمُت ِّمن نَّ ْذ ٍر فَِإ َّن اللّهَ َي ْعلَ ُمهُ
َنصا ٍر" (البقرة ،آية .)270 : وما لِلظَّالِ ِم ِ
ني م ْن أ َ َ ََ
ضوا َت َفَثهم ولْيوفُوا نُ ُذورهم ولْيطََّّوفُوا بِالْبي ِ
ت ـ وقال تعاىل ":مُثَّ لَْي ْق ُ
َْ َُْ ََ ُْ َ ُ
الْ َعتِ ِيق" (احلج ،آية .)29 :
وقال صلى اهلل عليه وسلم من نذر أن يطيع اهلل فليطعه ومن نذر أن
4
يعصي اهلل فال يعصه
ومن شروط النذر:
أ ـ أن يكون طاعة هلل :لقوله صلى اهلل عليه وسلم :ال نذر يف
معصية اهلل ،وال يف قطيعة رحم .
5
ب ـ أن يكون مما يطيقه العبد :وعن ابن عباس رضي اهلل عنهما
قال :بينما النيب صلى اهلل عليه وسلم خيطب إذ هو برجل قائم فسأل
عنه ،فقالوا :أبو سرائيل ،نذر أن يقوم فال يقعد وال يستظل وال يتكلم
1فقه األدعية واألذكار صـ.341
2اللباب في شرح العقيدة على ضوء السنة والكتاب صـ.54
3العقيدة الصافية صـ .274
4البخاري (.)585 ،11/581
5سنن أبي داوود ،ك اإليمان واسناده حسن.
111
ويصوم فقال النيب صلى اهلل عليه وسلم :مرة فليتكلم وليستظل وليقعد
وليتم صومه . 1
ج ـ أن يكون فيما يملك :قال صلى اهلل عليه وسلم :ال وفاء لنذر
يف معصية اهلل وال فيما ال ميلك ابن آدم .
2
وإذا كان النذر هلل تعاىل عبادة ونوعاً من أنواع التقرب إىل اهلل ،فإن
صرفه لغري اهلل تعاىل شرك أكرب خيرج من امللة ،ويوجب لصاحبه النار،
ألن كل ما شأنه عبادة ال جيوز حبال من األحوال أن يُصرف لغري
اهلل تعاىل ،ومن املؤسف حقاً أن نرى مثل هذه العبادات تصرف لغري
اهلل تعاىل ،وهذا جهل عظيم باإلسالم وال عالج له إال نشر العلم 4
شوائب الشرك صرفها هلل تعاىل حىت يتم توحيد العبد وخيلو من
عليه وحده ال غريه. وأدران اجلاهلية واهلل سبحانه وتعاىل يأمرنا بالتوكل
َو َسبِّ ْح حِب َ ْم ِد ِه َو َك َفى ِ
ـ قال تعالىَ ":وَت َو َّك ْل َعلَى احْلَ ِّي الَّذي اَل مَيُ ُ
وت
وب ِعبَ ِاد ِه َخبِ ًريا" (الفرقان ،آية .)58 : بِِه بِ ُذنُ ِ
ت َعلَى اللّ ِه َريِّب َو َربِّ ُكم َّما ِمن َدآبٍَّة إِالَّ ـ وقال تعالى ":إِيِّن َت َو َّك ْل ُ
اط ُّم ْستَ ِقي ٍم" (هود ،آية .)56 : اصيتِها إِ َّن ريِّب علَى ِصر ٍ
َ َ َ
ِ ِ
ُه َو آخ ٌذ بِنَ َ َ
ِ ِ ـ وقال تعالى " :وَتو َّكل علَى الْع ِزي ِز َّ ِ
وم
ني َت ُق ُ الرحي ِم * الَّذي َيَر َاك ح َ َ ََ ْ َ
الس ِميع الْعلِ اج ِدين * إِ الس ِ ك يِف
يم" (الشعراء ،آية 217 :ـ ُ َ ُ َّ وَ ه
ُ ُهَّ
ن َ َّ * َوَت َقلُّبَ َ
.)220
ـ وقال تعالىَ " :وَت َو َّك ْل َعلَى اللَّ ِه َو َك َفى بِاللَّ ِه َوكِياًل " (األحزاب ،
آية .)48 :
وقال رسول اهلل عليه وسلم :لو أنكم تتوكلون على اهلل حق توكله
لرزقكم كما يرزق الطري تغدو مخاصاً وتروح بطاناً .
4
وعن ثابت بن الضحاك :أنه كان يف زمن النيب صلى اهلل عليه وسلم
منافق يُوذي املؤمنني فقال بعضهم :قوموا بنا نستغيث برسول اهلل من
هذا املنافق .فقال الرسول صلى اهلل عليه وسلم :أنه ال يستغاث يب وإمنا
يستغاث باهلل .
2
7ـ الخشية :هي خضوع القلب واجلوارح هلل تعاىل طاعة وخشوعاً
3
وخوفاً من مقامه ووعيده ،على سبيل التعبد هلل تعاىل .
اخ َش ْو ُه ْم َفَز َاد ُه ْم إِميَاناً َوقَالُواْ ِ
ـ قال تعاىل ":إ َّن الن َ
َّاس قَ ْد مَجَعُواْ لَ ُك ْم فَ ْ
يل" (آل عمران ،آية .)173 : حسبنَا اللّه ونِعم الْوكِ
ُ َ َْ َ ُ َ ُْ
ِ ِ َّ ِ
ين يَُبلِّغُو َن ِر َسااَل ت اللَّه َوخَي ْ َش ْونَهُ َواَل خَي ْ َش ْو َن أ َ
َح ًدا ـ وقال تعاىل ":الذ َ
إِاَّل اللَّهَ َو َك َفى بِاللَّ ِه َح ِسيبًا" (األحزاب ،آية .)39 :
ين ُهم ِّم ْن َخ ْشيَ ِة َرهِّبِم ُّم ْش ِف ُقو َن" (املؤمنون ،آية َ ذـ وقال تعاىل ":إِ َّن الَّ ِ
.)57 :
وقال صلى اهلل عليه وسلم ....:أما واهلل إين ألخشاكم وأتقاكم له،
لكين أصوم وأفطر ،وأصلي وأرقد ،وأتزوج النساء ،فمن رغب عن
4
سنيت فليس مين .
َ
أفضل مقامات الدين وأجلها وأمجع أنواع العبادة اليت جيب إخالصها هلل
تعاىل .
3
مؤمناً أوجب عليه إميانه أن يتحلى هبا كما يدل عليه قوله تعاىل":
َنداداً حُيِ بُّو َنهم َكح ِّ ِ َّ ِ
ين
ب اللّه َوالذ َ ُْ ُ ون اللّ ِه أ َ َّخ ُذ ِمن د ِ
ُ
َّاس من يت ِ
َوم َن الن ِ َ َ
ِ
َش ُّد ُحبًّا لِّلّ ِه" (البقرة ،آية .)165 : َآمنُواْ أ َ
وقد بني القرآن الكرمي عالمات احملبة هلل تعاىل ،فجعل من ذلك ،اتباع
نبيه صلى اهلل عليه وسلم ،والذلة للمؤمنني ،والعزة على الكافرين،
واجلهاد يف سبيله ،وعدم اخلوف من لوم الئم ومعاداة أعدائه ،أما
االتباع لنبيه صلى اهلل عليه وسلم فقد دل عليه قوله تعاىل ":قُ ْل إِن
ُكنتُ ْم حُتِ بُّو َن اللّهَ فَاتَّبِعُويِن حُيْبِْب ُك ُم اللّهُ" (آل عمران ،آية ،)31 :فإن
هذه اآلية تسمى آية احملبة ،فهذه اآلية الكرمية حاكمة على كل من 3
ادعى حمبة اهلل وليس هو على الطريقة احملمدية ،فإنه كاذب يف دعواه
يف نفس األمر حىت يتبع الشرع احملمدي ،والدين النبوي يف مجيع أقواله
1اخالق النبي صلى هللا عليه وسلم في القرآن والسنة د .أحمد الحداد (.)1/204
2المصدر نفسه (.)1/205
3المصدر نفسه (.)1/207
117
وأفعاله كما ثبت يف الصحيح عن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم :من
1
عمل ليس عليه أمرنا فهو رد .
َّ ِ
ين َآمنُواْ وأما العالمات األخرى فقد دل عليها قوله تعاىل ":يَا أَيُّ َها الذ َ
ف يَأْيِت اللّهُ بَِق ْوٍم حُيِ ُّب ُه ْم َوحُيِ بُّونَهُ أ َِذلٍَّة
َمن َي ْرتَ َّد ِمن ُك ْم َعن ِدينِ ِه فَ َس ْو َ
اه ُدو َن يِف َسبِ ِيل اللّ ِه َوالَ خَيَافُو َن َعَّز ٍة علَى الْ َكافِ ِرين جُي ِعلَى الْم ْؤ ِمنِني أ ِ
َ َ َ ُ َ َ
ِ ِ ِ ِِ ِ
يم " (املائدة ض ُل اللّه يُ ْؤتيه َمن يَ َشاء َواللّهُ َواس ٌع َعل ٌ ك فَ ْ لَ ْو َمةَ آلئِ ٍم ذَل َ
،آية .)54 :
وأنواع العبادات كثيرة وإمنا هذه على سبيل املثال وقد قسم العلماء
أنواع العبادات اليت ال جيوز أن يقصد هبا غري اهلل إىل:
ـ عبادات اعتقادية :وهذه أساس العبادات كلها وهي أن يعتقد العبد
أن اهلل هو الرب الواحد األحد الذي له اخللق واألمر ،وبيده النفع
والضر ،الذي ال شريك له ،ويشفع عنده أحد إال بإذنه وأنه ال معبود
حبق غريه.
ـ عبادات قلبية :والعبادات القلبية اليت ال جيوز أن يقصد هبا إال اهلل
وحده ،وصرفها لغري اهلل شرك كثرية ،كاخلوف والرجاء ،والرغبة والرهبة
واخلشوع واخلشية واحلب واالنابة ،والتوكل ،واخلضوع واخلشوع،
واالستغاثة....اخل
ـ قولية :كالنطق بكلمة التوحيد ،إذ ال يكفي اعتقاد معناها بل البد
من النطق هبا ،وكاالستعاذة باهلل ،واالستعانة به ،والدعاء له ،وتسبيحه،
ومتجيده ،وتالوة القرآن.
ـ بدنية :كالصالة والصوم ،واحلج والذبح والنذر وغري ذلك.
ـ مالية :كالزكاة وأنواع الصدقات والكفارات ،واألضحية والنفقة.2
ومن معاين حكمة اهلل تبارك وتعاىل :الشرع الذي أنزله يف كتابه على
لسان رسوله وهلذا وصف اهلل تعاىل القرآن بأنه حكيم ،كما يف قوله:
الذ ْك ِر احْلَ ِكي ِم " (آل عمران ،آية ، )58 : ات و ِّ ِ " َنْتلُوه علَي َ ِ
ك م َن اآليَ َ ُ َْ
آن احْلَ ِكي ِم " (يس ،آية )2 :فتشريعاته حكمة يف وقوله " والْ ُقر ِ
َ ْ
مقاصدها وأسرارها ومآالهتا ،فشريعته حكمة ،وخلقه وقدره حكمة ،حىت
وإن عجزت بعض العقول يف فهم أبعادها ،فإن من احلوادث والشرائع
ما ال يتبني مداه إال بعد أجيال وعصور ،وال زال العلم البشري
يصح أن يكون اجلهل أو عدم ُّ يكتشف الشئ بعد الشئ وليس
اإلدراك يف وقت أو مكان أو بالنسبة لفرد أو مجاعة سبباً يف عدم
القناعة مبا جاء عن اهلل ،ألن أحكم احلاكمني ،وأعلم العاملني ،وخري
الرازقني ،وأحسن اخلالقني ،فاحلكيم الذي ال يدخل يف تدبريه وال
1مع اللع صـ.184
122
شرعه خلل وال زلل وأفعاله وأقواله تقع يف مواضعها حبكمة وعدل،
1
وسداد ،فال يفعل إال السداد وال يقول إال الصواب .
والقرآن احلكيم فيه احللول الصادقة واملناسبة املالئمة واألحكام الصحيحة
وح ُّل مشكالهتم اليت يواجهوهنا اليوم ،سواء اليت هبا قوام حياة الناسَ ،
على صعيد الفكر أو االقتصاد أو السياسة ،أو اجملتمع ،وقد وضع
االُطُر العامة اليت هتدي الناس إليها ،وال شك أن أصول اهلداية الكلية
2
صلُح هبا موجودة يف القرآن الكرمي ،فإنه تضمن األصول العامة اليت تَ ْ
ِ
ني َر ُسواًل ث يِف اأْل ُِّميِّ َ حياة الناس وهلذا قال اهلل عز وجلُ ":ه َو الَّذي َب َع َ
اب َواحْلِ ْك َمةَ َوإِن َكانُوا ِ ِِ
ِّمْن ُه ْم َيْتلُو َعلَْي ِه ْم آيَاته َويَُز ِّكي ِه ْم َويُ َعلِّ ُم ُه ُم الْكتَ َ
ني " (اجلمعة ،آية .)2 : ضاَل ٍل ُّمبِ ٍ ِ ِ
من َقْب ُل لَفي َ
وهذا دليل على أن احلكمة تعين السنة ،فمن حكمته عز وجل أن
يرسل الرسل الذين خيتارهم من البشر ،كما قال اهلل عز وجل ":لََق ْد
ِ ِ ِ
يص َعلَْي ُكم ُّم َح ِر ٌ ول ِّم ْن أَن ُفس ُك ْم َع ِز ٌيز َعلَْيه َما َعنت ْ َجاء ُك ْم َر ُس ٌ
يم " (التوبة ،آية .)128 : بِالْم ْؤ ِمنِني ر ُؤ ٌ ِ
وف َّرح ٌ ُ َ َ
فيختار سبحانه من الرسل أفضل البشر ممن هلم الكمال البشري يف
علومهم وعقوهلم وأفهامهم ومداركهم وقدراهتم ،ليتم بذلك البالغ وتقوم
احلجة على الناس وهلذا كان النيب صلى اهلل عليه وسلم باملنزلة العظيمة
اليت يعرفها كل من قرأ سريته ،وقد امنت اهلل سبحانه على الناس
ببعثته هلذا الرسول صلى اهلل عليه وسلم فقال ":لََق ْد َم َّن اللّهُ َعلَى
ث فِي ِه ْم َر ُسوالً ِّم ْن أَن ُف ِس ِه ْم َيْتلُو َعلَْي ِه ْم آيَاتِِه َويَُز ِّكي ِه ْم ني إِ ْذ َب َع َ ِِ
الْ ُمؤمن َ
ض ٍ ِ ِ ِ ِ
ني" (آل الل ُّمبِ ٍ اب َواحْل ْك َمةَ َوإِن َكانُواْ من َقْب ُل لَفي َ َويُ َعلِّ ُم ُه ُم الْكتَ َ
عمران ،آية .)164 :
ِ َّ ِ
ين َآمنُواْ أَطيعُواْ اللّهَ 4ـ ربطها باإليمان :قال تعاىل ":يَا أَيُّ َها الذ َ
ول َوأ ُْويِل األ َْم ِر ِمن ُك ْم فَِإن َتنَ َاز ْعتُ ْم يِف َش ْي ٍء َفُر ُّدوهُ إِىَل الر ُس َ وأ ِ
َطيعُواْ َّ َ
ول إِن ُكنتم ُتؤ ِمنو َن بِاللّ ِه والْيوِم ِ ِ الرس ِ ِ
َح َس ُن ك َخْيٌر َوأ ْ اآلخ ِر َذل َ َ َْ ُْ ْ ُ اللّه َو َّ ُ
تَأْ ِويالً " (النساء ،آية.)59 :
ِ َّ ِ
ين َي ْزعُ ُمو َن أَنَّ ُه ْم َآمنُواْ مِب َا أُن ِز َل إِلَْي َ
ك ـ وقال تعالى " :أَمَلْ َتَر إىَل الذ َ
وت َوقَ ْد أ ُِمُرواْ أَن يدو َن أَن يتَحا َكمواْ إِىَل الطَّاغُ ِ ِ
َ َ ُ ك يُِر ُ َو َما أُن ِز َل ِمن َقْبل َ
يدا" (النساء ،آية : ضالَالً بَعِ ً ضلَّ ُه ْم َ يد الشَّيطَا ُن أَن ي ِ
ُ ْ يَ ْك ُفُرواْ بِِه َويُِر ُ
.)60
ني إِ َذا ُدعُوا إِىَل اللَّ ِه َو َر ُسولِِه ِِ
ـ وقال تعالى " :إِمَّنَا َكا َن َق ْو َل الْ ُم ْؤمن َ
ك ُه ُم الْ ُم ْفلِ ُحو َن" (النور ، ليَ ْح ُك َم َبْيَن ُه ْم أَن َي ُقولُوا مَسِ ْعنَا َوأَطَ ْعنَا َوأ ُْولَئِ َ
ِ
آية .)51 :
5ـ ربطها باإلسالم :واإلسالم أساسه اإلستسالم هلل واالنقياد له بالطاعة
واخللوص من الشرك .
2
126
إذا أقام العباد دين اهلل تعاىل ،وخلص هلل حتاكمهم يف السر والعالنية
ويشد من أزرهم حىت يستخلفهم يف األرض ُّ فإن اهلل سبحانه يقويهم
ومكن هلم ،وهي سنة إهلية ماضية
ّ كما استخلف الذين من قبلهم
جندها يف قصص شىت يف كتاب اهلل تعاىل.
أ ـ فهذا يوسف عليه السالم صار من أهل االستخالف والتمكني ،بعد
أن ابتلى فأبلى بالء حسناً ،وظهر أنه كان من احملسنني ،قال تعاىل":
يب بَِرمْح َتِنَا ِ ِ
ِ ض َيتََب َّوأُ ِمْن َها َحْي ُ
ث يَ َشاء نُص ُ ف يِف األ َْر ِ ك َم َّكنِّا ليُ ُ
وس َ َو َك َذل َ
ِِ ِ
ني " (يوسف ،آية.)56 : َجَر الْ ُم ْحسن َ َمن نَّ َشاء َوالَ نُض ُ
يع أ ْ
ب ـ وهذا موسى عليه السالم كان حريصاً على أن يُظهر لقومه هذه
استَعِينُواالسنة املاضية ،عندما خافوا بطش فرعون وقومه ،فيقول هلمْ ":
ض لِلّ ِه يُو ِرثُ َها َمن يَ َشاء ِم ْن ِعبَ ِاد ِه َوالْ َعاقِبَةُ اصرِب ُواْ إِ َّن األ َْر َ
ِ
بِاللّه َو ْ
ني " (األعراف ،آية .)128 :أي :العاقبة احلسنة ستكون لكم ِ ِ
ل ْل ُمتَّق َ
بإرث األرض شريطة أن تكونوا من املتقني ،بإقامة شرع اهلل يف
األرض.1
وملا استبطؤوا العاقبة واستأخروا النصر ،نبّههم موسى عليه السالم إىل
ض ك َع ُد َّو ُك ْم َويَ ْستَ ْخلِ َف ُك ْم يِف األ َْر ِ ِ
ُسنّة االستخالف" َع َسى َربُّ ُك ْم أَن يُ ْهل َ
ف َت ْع َملُو َن " (األعراف ،آية .)129 : َفيَنظَُر َكْي َ
مث اجنز اهلل عز وجل هلم ما وعد كما يف قوله تعاىلَ ":وأ َْو َر ْثنَا الْ َق ْو َم
ِ َّ ِ
تض َو َمغَا ِر َب َها الَّيِت بَ َار ْكنَا ف َيها َومَتَّ ْ ض َع ُفو َن َم َشا ِر َق األ َْر ِ ين َكانُواْ يُ ْستَ ْ الذ َ
صنَ ُع ك احْل س علَى بيِن إِسرآئِ مِب َكلِ
صَبُرواْ َو َد َّم ْرنَا َما َكا َن يَ ْ يل َا َ َ َ ْ َ َ ىَن ْ ُ َ ب
ِّ ر
َ تُ م
َ
فِْر َع ْو ُن َو َق ْو ُمهُ َو َما َكانُواْ َي ْع ِر ُشو َن " (األعراف ،آية .)137 :
من اهلل عليهم بالتمكني فقال وبعد وراثة األرض ،واالستخالف فيهاّ ،
ض َوجَنْ َعلَ ُه ْم أَئِ َّمةً ضعِ ُفوا يِف اأْل َْر ِ يد أَن مَّنُ َّن علَى الَّ ِ
استُ ْ
ين ْ َ ذ َ سبحانهَ ":ونُِر ُ
إن وقائع التاريخ اإلسالمي ،تصدق هذا الوعد اإلهلي لألمة بالنصر
والتمكني إذا أقامت شرعه ،فليست هناك من جوالت املسلمني انتصروا
فيها على أعدائهم ،وتق ّدموا يف شؤون دنياهم إال وكان واقعهم شاهداً
2
على متكني القرآن الكرمي منهم اعتقاداً وعمالً .
2ـ األمن واالستقرار :ضمن اهلل عز وجل ألهل اإلميان والعمل بشرعه
وحكمه ،أن حُي قق هلم األمن الذي ينشدون إذا استقاموا على التوحيد
ين َآمنُواْ َومَلْ َي ْلبِ ُسواْ إِميَا َن ُهم بِظُْل ٍم َّ ِ
ونبذوا الشرك بأنواعه ،قال تعاىل ":الذ َ
أ ُْولَـئِ َ
ك هَلُ ُم األ َْم ُن َو ُهم ُّم ْهتَ ُدو َن " (األنعام ،آية .)82 :
وال يتصور حتقيق أمة لإلخالص يف العبودية ،واخللوص من الشرك،
وبالتايل الشعور باألمن واالستقرار إال بإقامة شرع اهلل كامالً غري
منقوص ،وإال فإن األمم املنحرفة عن شرع اهلل حُي يط هبا اخلوف والقلق
وسنة اهلل تعاىل ماضية يف نصر من ينصر دينه ،كما قال تعاىل " :إِن
ت أَقْ َد َام ُك ْم " (حممد ،آية ،)7 :وقال نصُروا اللَّهَ يَ ُ
نص ْر ُك ْم َويُثَبِّ ْ تَ ُ
تعاىلَ ":و َكا َن َح ًّقا َعلَْينَا نَ ْ
صُر
ني (الروم ،آية .)47 : ِِ
الْ ُم ْؤمن َ
والعزة أو عدمها يعترب مقياساً دقيقاً َّ وهلذا فإن حال األمة من النَّصر
وميزاناً للحكم على مقدار امتثاهلا ـ ُرعاة ورعيَّة ـ لشريعة اهلل ظاهراً
وباطناً,
فباالستجابة للشريعة يُستجلب الفتح ،ويُستنزل النصر ،وتُستفتح األرض .
2
العزة فليتعزر بطاعة اهلل تعاىل ،ألن مصدرها من اهلل تعاىل ومن أراد ّ
يد الْعَِّزةَ فَلِلَّ ِه الْعَِّزةُ
فليطلبها من مصدرها ،كما قال تعاىلَ ":من َكا َن يُِر ُ
ِ ِِ ِ ِ ِ ِِ ِ ِ
مَج ًيعا " (فاطر ،آية ،)10 :وقال تعاىلَ ":وللَّه الْعَّزةُ َولَر ُسوله َول ْل ُم ْؤمن َ
ني
ني اَل َي ْعلَ ُمو َن" (املنافقون ،آية ،)8 :وهذه العزة كما ِِ ِ
َولَك َّن الْ ُمنَافق َ
كانت للمؤمنني السابقني فهي كذلك لالحقني شريطة أن يقتفوا أثرهم
يف تعظيم حرمات اهلل وتطبيق شرعه واالعتزاز بدينه.2
َن أ َْه َل الْ ُقَرى َآمنُواْ َو َّات َقواْ 5ـ بركة العيش ورغده :قال تعاىلَ ":ولَ ْو أ َّ
اهم مِب َا ِ لََفتَحنَا علَي ِهم بر َك ٍ
ض َولَـكن َك َّذبُواْ فَأ َ
َخ ْذنَ ُ الس َماء َواأل َْر ِ
ات ِّم َن َّ ْ َ ْ ََ
َكانُواْ يَ ْك ِسبُو َن" (األعراف ،آية ،)96 :فاآلية الكرمية تعد املؤمنني
املستجيبني لشرع اهلل بالربكات مىت ما حققوا معىن اإلميان والتقوى
والطريق إىل بركات السماء واألرض االستجابة هلل وروسوله صلى اهلل
عليه وسلم وإقامة شريعته حىت ينالوا هذا املطلب النفسي.3
وكك الَ يُ ْؤ ِمنُو َن َحىَّتَ حُيَ ِّك ُم َ 6ـ الهداية والتثبيت :قال تعاىل ":فَالَ َو َربِّ َ
ِ ِ
ت َويُ َسلِّ ُمواْ ضْي َ يما َش َجَر َبْيَن ُه ْم مُثَّ الَ جَيِ ُدواْ يِف أَن ُفس ِه ْم َحَر ًجا مِّمَّا قَ َ فَ
اخُر ُجواْ ِمن ِديَا ِر ُكم ِ ِ
يما* َولَ ْو أَنَّا َكتَْبنَا َعلَْي ِه ْم أَن ا ْقُتلُواْ أَن ُف َس ُك ْم أَ ِو ْ تَ ْسل ً
وعظُو َن بِِه لَ َكا َن َخْيًرا َّما َفعلُوه إِالَّ قَلِ
يل ِّمْن ُه ْم َولَ ْو أَنَّ ُه ْم َف َعلُواْ َما يُ َ ٌ َ ُ
اه ْم ِصَراطًا ِ
يما* َوهَلََد ْينَ ُ
َجراً َعظ ً اهم ِّمن لَّ ُدنَّـا أ ْ َش َّد َتثْبِيتًا * َوإِذاً آَّل َتْينَ ُ
هَّلُ ْم َوأ َ
يما " (النساء ،آية 65 :ـ .)66 ِ
ُّم ْستَق ً
إن للحكم بغريما أنزل اهلل آثار دنيوية وأخروية سيئة ،تبدو على احلياة
يف وجهتها الدينية واإلجتماعية والسياسية واإلقتصادية ،تصيب بشررها
وتشوه معاملها ،وبذلك تتحول احلياة إىل فتنة يف الدنيا واآلخرة ِّ حماسنها
فلله عز وجل ح ّذرنا من خمالفة األوامر الشرعية يف قوله تعاىلَ ":ف ْليَ ْح َذ ِر
ِ ِ ِ ِ ِ َّ ِ
يم " اب أَل ٌ ين خُيَال ُفو َن َع ْن أ َْم ِر ِه أَن تُص َيب ُه ْم فْتنَةٌ أ َْو يُص َيب ُه ْم َع َذ ٌ
الذ َ
(النور ،آية ،)63:أي :فليحذر وليخش من خالف شريعة الرسول صلى
اهلل عليه وسلم باطناً أو ظاهراً "أن تصيبهم فتنة".أي :يف قلوهبم من
كفر أو نفاق أو بدعة" أو يُصيبهم عذاب أليم" ،أي :يف الدنيا بقتل،
أو حدِّ ،أو حبس ،أو حنو ذلك.1
إن اجملتمعات والشعوب اليت تُسلِ ُم قيادهتا للحكام الذين حيكومنها بغري
شريعة اهلل ،تدفع ضريبة التخلي عن احلكم مبا أنزل اهلل من أمواهلا
واملادية ،ذلك ّ وأعراضها وعقول أبنائها ،وغري ذلك من ثرواهتا األدبية
إىل جانب ما جيُّره التَّخلِّي عن احلكم مبا أنزل اهلل من اجلوع واخلوف
2
وضنك العيش ،وغضب اهلل يف الدنيا واآلخرة .
وإليك بعض اآلثار املرتتبة على احلكم مبا أنزل اهلل يف احلياة الدنيا
واآلخرة.
ِ
1ـ قسوة القلب :قال تعاىل ":فَبِ َما نَ ْقض ِهم ِّميثَا َق ُه ْم لَعن ُ
َّاه ْم َو َج َع ْلنَا
اضعِ ِه َونَ ُسواْ َحظًّا مِّمَّا ذُ ِّكُرواْ بِِه" اسيةً حُي ِّرفُو َن الْ َكلِم عن َّمو ِ ِ
َ َ َ وب ُه ْم قَ َ َ ُقلُ َ
(املائدة ،آية .)13:فهم ملا نقضوا ميثاق اهلل على السمع والطاعة،
َّ
وتأولوا كتاب اهلل على غري ما أنزله، تصرفهم يف آيات اهلل ّ وساء ُّ
ومحلوه على غري مراده ،وقالوا عليه ما مل يقل ،مث تركوا العمل به
رغبة عنه ،جعل اهلل قلوهبم قاسية ،فال يتعظون مبوعظة لغلظتها
1هجر القرآن العظيم صـ.642
2الحكم والتحاكم في خطاب الوحي (.)710 ،2/705
134
وقساوهتا وهذا من أعظم العقوبات اليت خُي ذل القلب ،ومُي نع األلطاف
1
كل من شراً .وهكذا الشأن يف ِّ الربانية ،وال يزيده اهلدى واخلري إال ّ
عدل عن شرع اهلل ،حُم ِّكماً عقله وهواه ،فجزاؤه أن يُطبع على قلبه
َضلَّهُ اللَّهُ َعلَى ِع ْل ٍم َو َختَ َم ت َم ِن اخَّتَ َذ إِهَلَهُ َه َواهُ َوأ َ قال تعاىل ":أََفَرأَيْ َ
ص ِر ِه ِغ َش َاوةً فَ َمن َي ْه ِد ِيه ِمن َب ْع ِد اللَّ ِه ِ ِِ
َعلَى مَسْعه َو َق ْلبِه َو َج َع َل َعلَى بَ َ
أَفَاَل تَ َذ َّكُرو َن " (اجلاثية ،آية .)23:
2
اك َخلِي َفةً يِف ود إِنَّا َج َع ْلنَ َ 2ـ الضالل عن الحق :قال تعاىل ":يَا َد ُاو ُ
ك َعن َسبِ ِيل اللَّ ِه ضلَّ َ َّاس بِاحْل ِّق واَل َتتَّبِ ِع اهْل وى َفي ِ
ُ ََ اح ُكم َبنْي َ الن ِ َ َ ض فَ ْ اأْل َْر ِ
اب َش ِدي ٌد مِب َا نَ ُسوا َي ْو َم ِ
ين يَضلُّو َن َعن َسبِ ِيل اللَّه هَلُ ْم َع َذ ٌ
ِ ِ َّ ِ
إ َّن الذ َ
اب" (ص ،آية ،)26 :ومعلوم أن نيب اهلل داود عليه السالم ال احْلِس ِ
َ
ولكن اهلل تعاىل َّ احلق وال يتبع اهلوى فيضله عن سبيل اهلل، حيكم بغري ِّ
3
شرعوا ألممهم . يأمر أنبياءه عليهم الصالة والسالم ،وينهاهم ،ليُ ِّ
وقد جاء التحذير الصريح يف خطورة اتباع األهواء وتقدميها على
أحكام اهلل تعاىل ،وأنه ليس ملؤمن وال مؤمنة أن يكون له اختيار عند
حكم اهلل ورسوله ،فما أمر اهلل هو املتبع ،وما أراد النيب هو احلق،
ضل ضالالً مبيناً ،ألن اهلل هو املقصد ومن خالفهما يف شيء فقد ّ
املقصد ،ومل يسمع قول اهلادي، ِ والنيب هو اهلادي املوصل ،فمن ترك
ٍِ ِ ِ
ضى اللَّهُ فهو ضال قطعاً ،قال تعاىلَ ":و َما َكا َن ل ُم ْؤم ٍن َواَل ُم ْؤمنَة إِ َذا قَ َ 4
ص اللَّهَ َو َر ُسولَهُ َو َر ُسولُهُ أ َْمًرا أَن يَ ُكو َن هَلُ ُم اخْلَِيَرةُ ِم ْن أ َْم ِر ِه ْم َو َمن َي ْع ِ
ضاَل اًل ُّمبِينًا " (األحزاب ،آية .)36: ض َّل َ َف َق ْد َ
3ـ الوقوع في النفاق :قال تعاىل ":وإِذَا قِ
يل هَلُ ْم َت َعالَ ْواْ إِىَل َما أ َ
َنز َل َ َ
ف إِ َذا ِِ الرس ِ ِ
ودا* فَ َكْي َ ص ُد ً نك ُ صدُّو َن َع َ ني يَ ُ ت الْ ُمنَافق َ ول َرأَيْ َ اللّهُ َوإىَل َّ ُ
فباإلضافة لعدم طهارة قلوهبم فإن هناك خزياً يالحقهم وحييط هبم من
مجيع اجلهات ،قال تعاىل":هلم يف الدنيا خزي" فخزي اليهود :فضيحتهم
1تفسير ابن كثير ( )3/136هجر القرآن العظيم صـ.647
2تفسير الطبري ( )4/209هجر القرآن صـ.647
3تفسير السعدي (.)1/485
137
نص اهلل تعاىل ،يف إجياب الرحم وأخذ اجلزية بظهور كذهبم يف كتمان ِّ
منهم ،وخزي املنافقني:هتك أستارهم بإطالع الرسول صلى اهلل عليه
1
وسلم على كذهبم وخوفهم من القتل .
ات اللّ ِه مَثَنًا قَلِيالً الص ُّد عن سبيل اهلل :قال تعاىل ":ا ْشَترواْ بِآي ِ
َْ َ 5ـ َّ
صدُّواْفَ َ
َعن َسبِيلِ ِه إِنَّ ُه ْم َساء َما َكانُواْ َي ْع َملُو َن " (التوبة ،آية .)9 :فهذا
حديث القرآن الكرمي عن مشركي العرب الذين اعتاضوا عن اتّباع
شرع اهلل ،مبا اهتوا به من أمور الدنيا اخلسيسة صادين الناس عن
اإلسالم وهناك صنفان متقابالن من أهل الكتاب ،حتدث القرآن الكرمي
عنهم يف قوله تعاىل ":فَبِظُْل ٍم ِّمن الَّ ِذين هادواْ حَّرمنَا علَي ِهم طَيِّب ٍ
ات َ َ ُ َ ْ َْ ْ َ َ
الربَا َوقَ ْد نُ ُهواْ َعْنهُ َخ ِذ ِه ُم ِّ ِ ِ
صدِّه ْم َعن َسبِ ِيل اللّه َكث ًريا* َوأ ْ
أ ُِحلَّت هَل م وبِ ِ
ْ ُْ َ َ
اط ِل وأ َْعتَ ْدنَا لِْل َكافِ ِرين ِمْنهم ع َذابا أَلِيما* لَّ ِ َّاس بِالْب ِ ِ
ـك ِن َ ُْ َ ً ً َ َوأَ ْكل ِه ْم أ َْم َو َال الن ِ َ
يك َو َما أُن ِز َل الر ِاس ُخو َن يِف الْعِْل ِم ِمْن ُه ْم َوالْ ُم ْؤ ِمنُو َن يُ ْؤ ِمنُو َن مِب َا أُن ِز َل إِلَ َ َّ
الز َكا َة َوالْ ُم ْؤ ِمنُو َن بِاللّ ِه َوالَْي ْوِم
الصالََة َوالْ ُم ْؤتُو َن َّني َّ ِِ
ك َوالْ ُمقيم َ
ِ
ِمن َقْبل َ
ِ ِ اآلخ ِر أ ُْولَـئِ َِ
يما" (النساء ،آية 160:ـ .)162ففريق َجًرا َعظ ً ك َسُن ْؤتي ِه ْم أ ْ
الرشوة على احلكم فصدوا توعدهم اهلل تعاىل بالعذاب األليم ،لتعاطيهم ِّ
الربا وأموال الناس بالباطل ويف الناس عن الدِّين ،إضافة إىل أكلهم ِّ
املنزلة ،مث إمياهنم مقابلهم فريق استحقوا األجر العظيم ،إلمياهنم بالشريعة َّ
2
بالشريعة احلقة الناسخة ،فكانوا مثالً يُقتدى هبم .
والص ِّد عن دينه، َّ وهلذا اإلرتباط الوثيق بني اإلحنراف عن شرع اهلل
الصادون عن سبيله اللعنة والطرد من رمحته قال تعاىل ":أَن لَّ ْعنَةُ استحق َّ
صدُّو َن َعن َسبِ ِيل اللّ ِه َو َيْبغُو َن َها ِع َو ًجا َو ُهم اللّ ِه علَى الظَّالِ ِم َّ ِ
ين يَ ُ ني* الذ َ َ َ
اآلخَر ِة َكافُِرو َن " (األعراف ،آية 44 :ـ.)45 بِ ِ
وإذا خرج والة األمور عن احلكم بني الناس بالكتاب والسنة ،فقد
حكموا بغري ما أنزل اهلل ووقع بأسهم بينهم وهذا من أعظم أسباب
تعوذ النيب صلى اهلل عليه وسلم من مغبة ترك احلكم تغيري الدول .وقد ّ
3
رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فقال :يا معشر املهاجرين ،مخس إذا
ابتليتم هبن واعوذ باهلل أن تُدركوهن وما مل حتكم أئمتهم بكتاب اهلل
5
ويتخرّي وا مبا أنزل اهلل ،إال جعل اهلل بأسهم بينهم .
َّ ِ
الز َكا َة ض أَقَ ُاموا الصَّاَل َة َوآَت ُوا ََّّاه ْم يِف اأْل َْر ِ ين إِن َّم َّكن ُ
يف قوله تعاىل ":الذ َ
وف َو َن َه ْوا َع ِن الْ ُمن َك ِر َولِلَّ ِه َعاقِبَةُ اأْل ُُمو ِر" (احلج ،آية : وأَمروا بِالْمعر ِ
َ ُْ َ َُ
.)41واآلية الكرمية تدل على أن الذين ال يقيمون الصالة وال يؤتون
الزكاة ،وال يأمرون باملعروف وال ينهون عن املنكر ليس هلم وعد من
يتسمون باسم ّ اهلل بالنصر البتة ...فالذين يرتكبون مجيع املعاصي ممّن
املسلمني ،مث يقولون :إن اهلل سينصرنا مغرورون ،ألهنم ليسوا من حزب
اهلل ،املوعودين بنصره ،كما ال خيفى ومعىن نصر املؤمنني هلل ،نصرهم
لدينه ولكتابه ،وسعيهم وجهادهم يف أن تكون كلمته هي العليا ،وأن
تقام حدوده يف أرضه ،ومُت تثل أوامره وجتتنب نواهيه وحيكم يف عباده
2
مبا أنزل على رسوله صلى اهلل عليه وسلم .
العقاب الذي ينتظر المبدلين لشرعه :قال تعاىل ":قُ ْل 9ـ هول
ٍ
َنز َل اللّهُ لَ ُكم ِّمن ِّر ْزق فَ َج َع ْلتُم ِّمْنهُ َحَر ًاما َو َحالَالً قُ ْل آللّهُ
أَ أ ََرأ َْيتُم َّما
ين َي ْفَتُرو َن َعلَى اللّ ِه َّ ِ ِ أ َِذ َن لَ ُك ْم
أ َْم َعلَى اللّه َت ْفَتُرو َن* َو َما ظَ ُّن الذ َ
1تفسير ابن كثير ( ،)4/175هجر القرآن العظيم صـ .656
2هجرة القرآن العظيم صـ .657
141
ب َي ْو َم الْ ِقيَ َام ِة إِ َّن اللّهَ لَ ُذو فَ ْ
َّاس ولَ ِ ِ
ـك َّن أَ ْكَثَر ُه ْم الَ ض ٍل َعلَى الن ِ َ الْ َكذ َ
يَ ْش ُكُرو َن " (يونس ،آية ،)60 ،59 :ففي هذه اآليات الكرمية :أنكر
حرم اهلل ،مبجرد أحل ما ّ ّ أحل اهلل أو حرم ما ّ اهلل تعاىل على من ّ
اآلراء واألهواء ،اليت ال مستند هلا ،وال دليل عليها مث توع ّدهم على
ذلك يوم القيامة فقال":وما ظن الذين يفرتون على اهلل الكذب يوم
القيامة" أي :ما ظنهم أن يُصنع هبم يوم مرجعهم إلينا يوم القيامة1؟
فهذا استفهام يراد منه هتويل وتفظيع العقاب األليم ،الذي ينتظر املفرتين
املتقولني على اهلل ،املب ّدلني لشرعه ،ولذا نُ ّكر وأُهبم ،فمصريهم هو أسوأ
املصري ،وعقاهبم هو أوخم العقاب .وصيغة الغائب تشمل جنس الذين 2
يفرتون على اهلل الكذب ،وتنتظمهم مجيعاً ،فما ظنهم يا تُرى؟ ما
الذي يتصورون أن يكون يف شأهنم يوم القيامة؟ وهو سؤال تذوب
أمامه جىت اجلبال الصلدة اجلاسية .
3
ِ َّ ِ
ين ْارتَدُّوا َعلَى 10ـ اإلهانة عند قبض األرواح :قال تعاىل" :إ َّن الذ َ
أ َْدبَا ِر ِهم ِّمن َب ْع ِد َما َتَبنَّي َ هَلُ ُم اهْلَُدى الشَّْيطَا ُن َس َّو َل هَلُ ْم َوأ َْملَى هَلُ ْم *
ض اأْل َْم ِر ين َك ِر ُهوا َما نََّز َل اللَّهُ َسنُ ِطيعُ ُك ْم يِف َب ْع ِ ِِ َذلِ َ ِ
ك بأَنَّ ُه ْم قَالُوا للَّذ َ
ف إِذَا َت َو َّفْت ُه ْم الْ َماَل ئِ َكةُ يَ ْ
ض ِربُو َن ُو ُج َ
وه ُه ْم َواللَّهُ َي ْعلَ ُم إِ ْسَر َار ُه ْم* َف َكْي َ
ِ
َحبَ َط َس َخ َط اللَّهَ َو َك ِر ُهوا ِر ْ
ض َوانَهُ فَأ ْ ك بِأَنَّ ُه ُم اتََّبعُوا َما أ ْ َوأ َْدبَ َار ُه ْم * َذل َ
أ َْع َماهَلُ ْم" (حممد ،آية 25 :ـ .)28هذه اآليات الكرميات هتدد وتتوعد
نوعاً من املنحرفني عما أنزل اهلل تعاىل ،وهم الذين يطيعون أعداء اهلل
ـ كاليهود والنصارى ـ يف بعض ما يأمرون به ،واآليات تصفهم بالردة
بسبب ذلك الفعل ،وتتوعدهم مبصري مظلم ،وعذاب مؤمل يبدأ معهم
منذ اللحظات األوىل من مفارقة الدنيا " ،فكيف إذا توفتهم املالئكة
4
وقال سبحانه يف نوع آخر من املنحرفني عن شرعه املنزلَ ":و َم ْن أَظْلَ ُم
مِم َّ ِن ا ْفَترى علَى اللّ ِه َك ِذبا أَو قَ َال أُو ِحي إِيَلَّ ومَل ي ِ ِ
وح إلَْيه َش ْيءٌ َ ْ ُ َ ْ َ ً ْ َ َ
اتزل اللّه ولَو َترى إِ ِذ الظَّالِمو َن يِف َغمر ِ َ ن
ََأ ا م ل ث
ْ ومن قَ َال سأُن ِز ُل ِ
م
ََ ُ َ ْ َ ُ َ َ َ ََ
ِ ِ ِ ِ
َخ ِر ُجواْ َن ُف َس ُك ُم الَْي ْو َم جُتَْز ْو َن َع َذ َ
اب الْ َم ْوت َوالْ َمآلئ َكةُ بَاسطُواْ أَيْدي ِه ْم أ ْ
ون مِب َا ُكنتُ ْم َت ُقولُو َن َعلَى اللّ ِه َغْيَر احْلَ ِّق َو ُكنتُ ْم َع ْن آيَاتِِه تَ ْستَ ْكرِب ُو َن" اهْل ِ
ُ
(األنعام ،آية ،.)93 :فاآلية حتكي أحوال هؤالء عند معاينة املوت
واخلروج من الدنيا "ولو ترى إذ الظاملون يف غمرات املوت" أي :شدائده
وسكراته "واملالئكة باسطوا أيديهم" بالعذاب ومطارق احلديد لقبض
ارواحهم "اخرجوا انفسكم" أي :اخرجوا ارواحكم من اجسادكم أي
هاتوا أرواحكم ،واألمر لإلهانة واإلرهاق ،إغالظاً يف قبض أرواحهم،
وال يرتكون هلم راحة ،وال يعاملوهنم بلني ،وفيه إشارة إىل أهنم
جيزعون فال يلفظون أرواحهم وهو على هذا الوجه ،وعيد باآلالم عند
النزاع جزاءً يف الدنيا على شركهم" .2اليوم جتزون عذاب اهلون" أي:
اهلََوان "مبا كنتم تقولون على اهلل غري احلق وكنتم عن آياته تستكربون"
أي :تتعظمون وتأنفون عن قبول ما أنزله اهلل يف آياته.3
ِ َّ ِ
11ـ األكل من النار وغضب الجبار :قال العليم اخلبري ":إ َّن الذ َ
ين
ِ
ك َما اب َويَ ْشَتُرو َن بِِه مَثَنًا قَليالً أُولَـئِ َ ي ْكتُمو َن ما أَنز َل اللّهُ ِمن الْ ِكتَ ِ
َ َ ُ َ َ
َّار َوالَ يُ َكلِّ ُم ُه ُم اللّهُ َي ْو َم الْ ِقيَ َام ِة َوالَ يَُز ِّكي ِه ْم هِنِ ِ
يَأْ ُكلُو َن يِف بُطُو ْم إالَّ الن َ
وهَل م ع َذاب أَلِيم * أُولَـئِ َّ ِ
الضالَلَةَ بِاهْلَُدى َوالْ َع َذ َ
اب ين ا ْشَتَر ُواْ َّ ك الذ َ َ َ ُْ َ ٌ ٌ
اب بِاحْلَ ِّق ِ ك بِأ َّ ِ ِ
َن اللّهَ َنَّز َل الْكتَ َ َصَبَر ُه ْم َعلَى النَّا ِر * َذل َ بِالْ َم ْغفَر ِة فَ َمآ أ ْ
1تفسير ابن كثير (.)7/323
2التحرير والتنويرـ (.)6/223
3تفسير القرطبي (7/43ـ .)44
143
اق بعِ ٍ
ِ ِ ِ ِ ٍ ِ َّ ِ
يد"(البقرة ،آية174 :ـ اخَتلَ ُفواْ يِف الْكتَاب لَفي ش َق َ َوإ َّن الذ َ
ين ْ
.)176
بعد أن حتدثت اآليات عن بعض أحكام الشريعة مثل حترمي أكل امليتة
والدم ،وحلم اخلنزير ،وما أهل لغري اهلل به ،توعدت من يكتمون
أحكام الشريعة مقابل مثن قليل يأكلونه ،ألن كتمان الشريعة ،يستلزم
أنواعاً من اإلحنراف عنها ،فهؤالء الذين يكتمون احلق املنزل ،لقاء مثن
1
رخيص ،إمنا يأتون حراماً يعذهبم اهلل عليه بنار جهنم يأكلوهنا يف
نار على احلقيقة يأكلوهنا يوم القيامة ،جزاء ما بطوهنم اجلشعة ،فهي ٌ
اقرتفوا من أكل الرشوة على الدين ،والذي اعظم عليهم من عذاب
2
النار ،هو غضب اهلل عليهم ،وإعراضه عنهم "ال يكلمهم اهلل يوم
الرذيلة ،إذ ليس هلم يطهرهم من األخالق َّ القيامة وال يزكيهم" أي :ال ِّ
والرضا واجلزاء عليها ،بل يعذهبم عذاباً أليماً،أعمال تصلح للمدح ِّ
ألهنم تركوا كتاب اهلل وأعرضوا عنه ،وعن التحاكم إليه يف الدنيا
واختاروا الضاللة على اهلدى والعذاب على املغفرة .
3
1ـ النهي عن الغلو واإلطراء :حذر الرسول صلى اهلل عليه وسلم
امته من الغلو وهناهم عن ذلك وحذرهم منه ومن إطرائه أو جتاوز
احلد يف مدحه والثناء عليه محاية جلانب التوحيد قال صلى اهلل عليه
وسلم :إياكم والغلو فإنه أهلك من كان قبلكم الغلو ،وسد الذرائع
2
املوصلة إليه ،فنهى عن اإلطراء وقال :ال تطروين كما أطرت النصارى
ابن مرمي ،إمنا أنا عبد فقولوا عبد اهلل ورسوله .
3
2
القبور الدعاء للميت واالستغفار له والرتحم عليه .
وبني رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم كيفية الزيارة الشرعية للقبور
بقوله وعمله وعلمها أصحابه ،فعن أم املؤمنني عائشة رضي اهلل عنها:
أن جربيل عليه السالم أتى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فقال :إن
ربك يأمرك أن تأيت أهل البقيع فتستغفر هلم ،قالت :قلت :كيف أقول
هلم يا رسول اهلل؟ قال قوىل :السالم على أهل الديار من املؤمنني
واملسلمني ،ويرحم اهلل املستقدمني منا واملستأخرين ،وإن شاء اهلل بكم
الحقون . 3
كان رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قد هنى عن زيارة القبور أول
األمر سداً للذريعة ،مث أذن فيها حني متكن التوحيد يف القلوب وبني
الزيارة املشروعة وأمر هبا وهنى عن كل ما خيالفها وحذر منها أشد
التحذير .وكان من دعائه صلى اهلل عليه وسلم قوله :اللهم ال جتعل 4
قربي وثناً يعبد ،وكان حيذر وينهي أمته عن اختاذ قربه مسجداً أو
5
القبور مساجداً ،فعن أم سلمة رضي اهلل عنها وأم حبيبة رضي اهلل
عنها ذكرتا لرسول اهلل كنيسة رأهتا بأرض احلبشة وما فيها من
الصور ،فقال :أولئك إذا مات فيهم الرجل الصاحل ،أو العبد الصاحل بنوا
على قربه مسجد ،وصوروا فيه تلك الصور ،أولئك شرار اخللق عند
اهلل ،وكان رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول يف مرض موته :لعنة 6
اهلل على اليهود والنصارى اختذوا قبور انبيائهم مساجد حيذر ما صنعوا
1صحيح مسلم بشرح النووي (.)7/46
2حماية الرسول حمى التوحيد صـ .295
3صحيح مسلم بشرح النووي (.)7/44
4حماية الرسول حمى التوحيد صـ .296
5مسند أحمد ( ،)2/246حديث شريف.
6البخاري مع الفتح (.)1/531
147
ولوال ذلك ألبرز قربه ،وقد هنى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أن
1
3ـ الرقى والتمائم :قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم :إن الرقى
والتمائم والتولة شرك .واملقصود بالرقى غري املشروع منها وهي اليت
3
وأما التولة :بكسر التاء وفتح الواو فهي ما يضع بزعم أنه حيبب املرأة
إىل زوجها ،كما فسر ذلك ابن مسعود رضي اهلل عنه قالوا :يا ابا
عبد الرمحن هذه الرقى والتمائم قد عرفناها ،فما التولة؟ قال :شيء
تضعه النساء يتحبنب إىل أزواجهن ،وكانت املرأة جتلب به حمبة زوجها
6
األمور ،اليت فيها توكل على غري اهلل تعاىل ،واعتقاد جلب نفع ،أو
ك اللّهُ بِ ُ
ضٍّر ضر من دونه عز وجل ،واهلل تعاىل يقولَ ":وإِن مَيْ َس ْس َ دفع ّ
يب بِِه َمن آد لَِف ْ ِ ِ
ف لَهُ إِالَّ ُه َو َوإِن يُِر ْد َك خِب َرْيٍ فَالَ َر َّ ِ
ص ُضله يُ َ فَالَ َكاش َ
يم " (يونس ،آية .)107 : حالر ِ
َّ ور ف
ُ غ
َ ل
ْ ا و ه و يشاء ِمن ِعب ِاد ِ
ه
ُ ُ َ ُ َ ْ َ ََ
فقد حرص رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم على محاية التوحيد من
مثل األمور اليت قد يتساهل فيها املرء مع خطورهتا ،فمن تعلق وأنزل
حوائجه به والتجأ إليه ،وفوض أمره إليه ،كفاه وقرب إليه كل بعيد،
ويسر له كل عسري ،ومن تعلق بغريه أو سكن على رايه وعقله ّ
ودوائه ومتائمه وحنو ذلك وكله هلل إىل ذلك وخذ له وهذا معروف
بالنصوص والتجارب قال تعاىلَ ":و َمن َيَت َو َّك ْل َعلَى اللَّ ِه َف ُه َو َح ْسبُهُ "
2
(الطالق ،آية . )3 :
4ـ االستسقاء باألنواء :ومعناه نسبة السقيا ونزول املطر إىل األنواء
واألنواء :مجع نوء ،وهي منازل القمر .وقد حرص الرسول صلى اهلل
3
عليه وسلم أن يبني ألمته ما كان عليه أهل اجلاهليه من شرك وضالل
وأمرهم باحلذر من ذلك والبعد عنه ،وأهم ذلك وأعظمه ما كان
متعلقاً بأمور االعتقاد ومن ذلك ما كان شائعاً يف اجلاهلية من نسبة
نزول املطر إىل النجوم ومطالعها ومغارهبا ،وبني عليه الصالة والسالم
ما يف ذلك من الشرك املنايف للتوحيد ،كما جاء يف حديث أيب مالك
األشعري رضي اهلل عنه أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال :أربع
من أميت من أمر اجلاهلية ال يرتكوهنن :الفخر باألحساب ،والطعن يف
األنساب ،واالستسقاء بالنجوم ،والنياحة .
4
5ـ السحر :رقى وعزائم وعقد يفعلها السحرة تؤثر يف القلوب ويف
األبدان مبرض أو قتل أو تفريق بني املرء وزوجه ،وغري ذلك ،كما
أخرب اهلل عن ذلك يف كتابه الكرمي ،فقالَ ":فيََت َعلَّ ُمو َن ِمْن ُه َما َما يُ َفِّرقُو َن
بِِه َبنْي َ الْ َم ْر ِء َو َز ْو ِج ِه" (البقرة،آية ،)102:ويقع ضرره مبشيئة اهلل عز
َح ٍد إِالَّ بِِإ ْذ ِن اللّ ِه " (البقرة ،آية : آر ِِ ِ
ين به م ْن أ َ ض ِّ َوجل " َو َما ُهم بِ َ
.)102
والسحر حقيقه ،وقد أمر اهلل باإلستعادة من أهله إذ يقول عز وجل":
ب* َو ِمن ٍِ ِ ِ
ب الْ َفلَق* من َشِّر َما َخلَ َق* َومن َشِّر َغاسق إذَا َوقَ َ
قُل أَعوذُ بِر ِّ ِ ِ
ْ ُ َ
اس ٍد إِ َذا َح َس َد " (الفلق) والنفاثات: ات يِف الْع َق ِد* وِمن َشِّر ح ِ
َ ُ َ
َشِّر الن ََّّفاثَ ِ
هن السواحر وبني سبحانه أن السحر كفر باهلل تعاىلَ ":و َما َك َفَر
الس ْحَر َو َما أُن ِز َل َعلَى ِ ِ
َّاس ِّ ني َك َفُرواْ يُ َعلِّ ُمو َن الن َ
ُسلَْي َما ُن َولَـك َّن الشَّْياط َ
َح ٍد َحىَّت َي ُقوالَ إِمَّنَا ِ ِ
وت َو َما يُ َعلِّ َمان م ْن أ َ وت َو َم ُار َالْ َملَ َكنْي ِ بِبَابِ َل َه ُار َ
حَنْ ُن فِْتنَةٌ فَالَ تَ ْك ُف ْر " (البقرة ،آية .)102:
قال أبو بكر ابن العريب :وما كفر سليمان قط وال سحر ولكن
الشياطني كفروا بسحرهم ،وأهنم يعلمون الناس ،ومعتقد السحر كافر،
1حماية الرسول حمى التوحيد صـ.326
151
ببابل وقائله كفر ،ومعلمه كافر ،ويعلمون الناس ما أنزل على امللكني
حَنْ ُن هاروت وماروت وما كان امللكان يعلمان أحداً حىت يقوال ":إِمَّنَا
َو َما فِْتنَةٌ فَالَ تَ ْك ُف ْر َفيََت َعلَّ ُمو َن ِمْن ُه َما َما يُ َفِّرقُو َن بِِه َبنْي َ الْ َم ْر ِء َو َز ْو ِج ِه
ِ آرين بِِه ِمن أ ٍ
ضُّر ُه ْم َوالَ َحد إِالَّ بِِإ ْذ ِن اللّه َو َيَت َعلَّ ُمو َن َما يَ ُْ َ ض ِّ َُهم بِ َ
يَن َفعُ ُه ْم " (البقرة ،آية .)102:
وقد ذم اهلل عز وجل السحر وأهله يف كتابه الكرمي ،وبني بطالن
عملهم ،وأهنم ال خالف يف اآلخرة وجاء ذلك يف آيات كثرية من
كتابه منها.
اآلخَر ِة ِم ْن َخالَ ٍق ِ ـ قوله عز وجلَ ":ولََق ْد َعلِ ُمواْ لَ َم ِن ا ْشَتراهُ َما لَهُ يِف
َ
س َما َشَر ْواْ بِِه أَن ُف َس ُه ْم لَ ْو َكانُواْ َي ْعلَ ُمو َن " (البقرة ،آية .)102: ِ
َولَبْئ َ
ِ
الس ْحُر إِ َّن اللّهَ َسيُْبطلُهُ وسى َما ِجْئتُم بِِه ِّ وقوله تعاىلَ ":فلَ َّما أَلْ َقواْ قَ َال ُم َ
ين " (يونس ،آية .)81: ِِ إِ َّن اللّه الَ ي ِ
صل ُح َع َم َل الْ ُم ْفسد َ ُْ َ
ثاحُر َحْي ُ اح ٍر َواَل يُ ْفلِ ُح َّ
الس ِ وقوله تبارك وتعاىل ":إِمَّنَا صَنعوا َكي ُد س ِ
ْ َ َُ
أَتَى " (طه ،آية .)69:
وقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم :اجتنبوا السبع املوبقات قالوا :يا
رسول اهلل وما هن؟ قال :الشرك باهلل والسحر وقتل النفس اليت حرم
اهلل إال باحلق وأكل مال اليتيم وأكل الربا والتويل يوم الزحف وقذف
احملصنات املؤمنات .
1
ـ وعن ابن مسعود قال :هنى رسول اهلل عن مثن الكلب ،ومهر البغي
وحلوان الكاهن. 2
7ـ الشفاعة :بني الرسول صلى اهلل عليه وسلم الصراط املستقيم الذي
يصلهم برهبم دون شفعاء وال وسائط وهو طريق التوحيد اخلالص هلل
عز وجل وإفراده سبحانه بالعبادة دون ما سواه ،أما الشفاعة املثبتة
اليت أثبتها القرآن الكرمي وبينها رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فلها
شرطان:
ِ ِ
أ ـ اإلذن من اهلل تعاىل للشافع قال تعاىلَ " :من ذَا الَّذي يَ ْش َف ُع عْن َدهُ
إِالَّ بِِإ ْذنِِه " "البقرة ،آية "255 :
ِ
ضى ب ـ الرضا عن املشفوع له قال تعاىلَ " :واَل يَ ْش َفعُو َن إِاَّل ل َم ِن ْارتَ َ
" "األنبياء ،آية "28 :
وهذه الشفاعة خص اهلل تعاىل هبا أهل توحيده وعبادته تفضالً منه
وكرماً ،فهذه خاصة هبم ألهنم مل يتخذوا من دون اهلل ولياً وال
شفيعاً وقد رضي اهلل قوهلم وعملهم ،كما يف حديث أيب هريرة رضي
اهلل عنه قال :قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم :من أسعد الناس
بشفاعتك؟ فقال عليه الصالة والسالم :من قال ال إله إال اهلل خالصاً
من قلبه. 3
وأول الشافعني رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم إمام املوحدين وخامت
املرسلني صلوات اهلل عليهم أمجعني والذي اختصه اهلل تعاىل وأكرمه
بشفاعات عظيمة يف ذلك اليوم تفضالً وتكرمياً منه سبحانه لرسوله
حممد صلى اهلل عليه وسلم ورمحة بأمته عليه الصالة والسالم قال
1مسلم ( ) 37 / 7
2البخاري ك الطب ( ) 176 / 7
3البخاري مع الفتح ( ) 418 / 11
153
رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم :لكل نيب دعوة مستجابة ،وأين اختبأت
دعويت شفاعة ألميت يوم القيامة فهي نائلة إن شاء اهلل من مات ال
1
يشرك باهلل شيئاً.
فله عليه الصالة والسالم الشفاعة العظمى يوم القيامة واليت يتخلى عنها
أولو العزم من الرسل عليهم الصالة والسالم ،وهي كما بني ألهل
التوحيد من أمته وهو الذي يشفع يف دخول املؤمنني اجلنة ،ويف إخراج
عصاة املوحدين من النار ،والشفاعة إمنا تكون وتنفع أهل التوحيد ،أما
ني " (املدثر ِِ
اعةُ الشَّافع َ غريهم فهم كما قال عز وجل " فَ َما تَن َفعُ ُه ْم َش َف َ
2
وقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم" :اإلميان بضع وسبعون شعبة،
فأفضلها قول :ال إله إال اهلل ،وأدناها إماطة األذى عن الطريق ،واحلياة
شعبة من اإلميان . 2
ـ عن أيب هريرة رضي اهلل عنه قال :قال النيب صلى اهلل عليه وسلم:
"ال يزين الزاين حني يزين وهو مؤمن ،وال يشرب حني يشرب وهو
مؤمن ،وال يسرق حني يسرق وهو مؤمن ،وال ينتهب هنبة يرفع
3
الناس إليها فيها أبصارهم حني ينتهبها وهو مؤمن .والقول الصحيح
4
5ـ صدق المتابعة للنبي صلى اهلل عليه وسلم :قال تعاىل ":لََق ْد
ِ ِ
َكا َن لَ ُك ْم يِف َر ُسول اللَّه أ ْ
ُس َوةٌ َح َسنَةٌ لِّ َمن َكا َن َي ْر ُجو اللَّهَ َوالَْي ْو َم
اآْل ِخَر َوذَ َكَر اللَّهَ َكثِ ًريا " (األحزاب ،آية ،)21 :هذه اآلية الكرمية
أصل كبري يف التأسي برسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يف أقواله
وأفعاله وأحواله.3
صاحِلًا َواَل يُ ْش ِر ْك ِ ِ
قال تعاىل ":فَ َمن َكا َن َي ْر ُجو ل َقاء َربِّه َف ْلَي ْع َم ْل َع َماًل َ
َح ًدا " (الكهف ،آية .)110 : ِِ ِ ِ
بعبَ َادة َربِّه أ َ
وهذان ركنا العمل املتقبل البد أن يكون صواباً خالصاً فالصواب :أن
يكون على السنة وإليه اإلشارة بقوله":فليعمل عمالً صاحلاً" واخلالص :أن
1جامع البيان (.)2/324
2أثر اإليمان (.)1/65
3تفسير القرآن العظيم البن كثير (.)6/392
161
خيلص من الشرك اجللي ،واخلفي ،وإليه اإلشارة بقوله ":وال يشرك بعبادة
ربه أحداً" .
1
ني" ِ
يل الْ ُم ْج ِرم َ ات ولِتَستَبِ َ ِ ِ ِ
6ـ العلم :قال تعاىلَ ":و َك َذل َ
ني َسب ُ ص ُل اآليَ َ ْ ك ن َف ِّ
(األنعام ،آية .)55 :فالعلم أساس هام يف اإلميان باهلل وركن بارز يف
دعوة النيب صلى اهلل عليه وسلم ،قال تعاىل ":قُ ْل َه ِـذ ِه َسبِيلِي أ َْدعُو إِىَل
ِ ِ ِ ِ ٍ ِ
ني " اللّه َعلَى بَص َرية أَنَاْ َو َم ِن اتََّب َعيِن َو ُسْب َحا َن اللّه َو َما أَنَاْ م َن الْ ُم ْش ِرك َ
(يوسف ،آية ،)108 :فدلت آية سورة يوسف على أن طريق النيب
صلى اهلل عليه وسلم يقوم على ثالثة أمور:
ـ التوحيد اخلالص :القائم على فعل الطاعات واجتناب احملرمات مع
اإلخالص هلل يف ذلك.
ـ الدعوة إىل التوحيد.
2
ـ العلم والبصرية يف ذلك كله .
وقد بني سبحانه أن التعليم من أخص وظائف النيب صلى اهلل عليه
وسلم وأنه أخرج به املسلمني من الضالل املبني ،فقال سبحانهُ ":ه َو
ني َر ُسواًل ِّمْن ُه ْم َيْتلُو َعلَْي ِه ْم آيَاتِِه َويَُز ِّكي ِه ْم َويُ َعلِّ ُم ُه ُم ِ
ث يِف اأْل ُِّميِّ َالَّذي َب َع َ
ضاَل ٍل ُّمبِ ٍ ِ ِ ِ ِ
ني " (اجلمعة ،آية اب َواحْل ْك َمةَ َوإِن َكانُوا من َقْب ُل لَفي َ الْكتَ َ
.)2 :
فيجب علينا أن نعلم أهم املسائل واليت هي:
ـ العلم ،وهو معرفة اهلل ،ومعرفة نبيه ،ومعرفة دين اإلسالم باألدلة.
ـ العمل به.
ـ الدعوة إليه.
ـ الصرب على األذى فيه.
ويف قوله تعاىل":مثل نوره" وهي أن أصل اإلميان يكون من اهلل عندما
يشرح صدر عبده املؤمن لإلسالم وجيعل له نوراً فيبدأ به النور واحلياة
وقد شبه العلم املستفاد من الوحي الواصل للقلب بالزيت اجليد،
فاستدامة النور وقوته وسالمته وتنامي حياة القلب إمنا تكون بالعلم
3
بالكتاب والسنة والعمل به ،فهي غذاؤه ومادة حياته .
ـ إن ضياء النار حيتاج يف دوامه إىل مادة حتمله ،وتلك املادة للضياء
مبنزلة غذاء احليوان فكذلك نور اإلميان حيتاج إىل مادة من العلم النافع
ـ هناك تشابه بني الفطرة والفتيلة ،من حيث إن كال منهما يف أصل
خلقه وصنعه مهيأ إلستدعاء وتشرب ما يناسبه ،فالفتيلة تتشرب الوقود
املناسب ومتتصه وتتبلل به وتصبح مهيأة به لإلشتغال إذا أوقدت
وكذلك الفطرة على الدين احلنيف اليت فطر اهلل قلوب العباد عليها
مهيأة إلستدعاء ما يناسب ما فُطرت عليه من التوحيد والدين واحلق،
فإذا تشربت ما يرد إليها من ذلك من العلم بالكتاب والسنة ،فإهنا
تكون مهيأة إليقاد مصباح القلب وقذف نور اإلميان به قال تعاىل":
يل فَأَقِم وجهك لِلدِّي ِن حنِي ًفا فِطْرةَ اللَّ ِه الَّيِت فَطَر النَّاس علَيها اَل َتب ِ
د
ْ َ َ َ َْ َ َ َ ْ َ َْ َ
خِلَْل ِق اللَّ ِه" (الروم ،آية .)30:
فاهلل عز وجل فطر كل الناس على معرفته وتوحيده وحمبته وجبل
نفوسهم على استدعاء وقبول ما يناسب ذلك من الدين واإلسالم
ـ إن املثل دل على أثر نور العلم واإلميان على العقل حيث أكسبه
سالمة التعقل ،وسداد النظر ،وصحة اإلستنتاج وأن الطريق إىل احلق يف
كل املطالب الدينية إمنا يكون بإعمال العقل املستنري بالوحي النازل على
الرسول صلى اله عليه وسلم إلستخالص احلقائق واملعارف اليقينية
وغريها ،وأن العقل اجملرد عن العلم ال سبيل له إىل تلك احلقائق،
كما دل املثل على أن النور سطع وأشرق على كل أعمال القلب
ووظائفه األخرى من العقائد ،والعواطف ،واإلرادات ،واإلنفاعالت،
فأخصبها باخلري والسالمة والصالح .
2
سادساً :أسباب قوة اإليمان :هذا الفصل عظيم النفع واحلاجة ،بل
الضرورة ماسة إىل معرفته والعناية به ،معرفة واتصافاً ـ وذلك :أن
اإلميان هو كمال العبد ،وبه ترتفع درجاته يف الدنيا واآلخرة وهو
السبب والطريق لكل خري عاجل وآجل ،وال حيصل ،وال يقوى ،وال
يتم إال مبعرفة ما منه يستمد وإىل ينبوعه وأسبابه وطرقه واهلل تعاىل قد
جعل لكل مطلوب سبباً وطريقاً يوصل إليه ،واإلميان أعظم املطالب
وأمهها وأعمها ،وقد جعل اهلل له مواد كبرية جتلبه وتقويه ،كما كان
له أسباب تضعفه وهتويه ومواده اليت جتلبه وتقويه أمران :جممل ومفصل:
أما اجململ فهو :التدبر آليات اهلل املتلوة :من الكتاب والسنة ،والتأمل
آلياته الكونية على اختالف أنواعها ،واحلرص على معرفة احلق الذي
خلق له العبد ،والعمل باحلق ،فجميع األسباب مرجعها إىل هذا األصل
العظيم ،وأما التفصيل :فاإلميان حيصل ويقوى بأمور كثرية ،منها: 2
2ـ تدبر القرآن على وجه العموم :فإن املتدبر ال يزال يستفيد من
ِ
علوم القرآن ومعارفه ،ما يزداد به إمياناً ،كما قال تعاىلَ ":وإِ َذا تُليَ ْ
ت
َعلَْي ِه ْم آيَاتُهُ َز َاد ْت ُه ْم إِميَانًا َو َعلَى َرهِّبِ ْم َيَت َو َّكلُو َن " (األنفال ،آية ،)2:
َّاس قَ ْد وهو العالج الناجح ألمراض القلوب قال تعاىل ":يَا أَيُّ َها الن ُ
الص ُدو ِر َو ُه ًدى َو َرمْح َةٌ
ُّ َجاءتْ ُكم َّم ْو ِعظَةٌ ِّمن َّربِّ ُك ْم َو ِش َفاء لِّ َما يِف
ِِ
ني " (يونس ،آية ،)57:أنه موعظة من اهلل وهل هناك أبلغ لِّْل ُم ْؤمن َ
من املوعظة الربانية؟ وأيسر منها؟ وأكثر نفاذا إىل القلب والضمري؟ ففيه
الشفاء ألمراض الشبهات والشهوات وأمراض اهلوى واإلحنراف وأمراض
الشك والشرك وأمراض القلوب والنفوس واجلوارح واحلواس وأمراض
السياسة واإلقتصاد واألخالق واإلجتماع واحلياة واحلضارة ،2قال تعاىل":
ِِ ِ ِ ِ
ني " (اإلسراء ،آية : َونَُنِّز ُل م َن الْ ُق ْرآن َما ُه َو ش َفاء َو َرمْح َةٌ لِّْل ُم ْؤمن َ
.)82
فهو غذاء للروح ،وعالج يشفي النفوس من عللَّها ويكسبها املناعة
القوية ،ومن مثرات تدبر القرآن :أنه وسيلة ملعرفة ما يريد اهلل منا، 3
وكيفية عبادته تبارك وتعاىل ،ومعرفة ما أنزل اهلل إليها ،ألن القرآن
الكرمي منهج حياة أنزله اهلل عز وجل وهو أساس التشريع الذي جيب
1شجرة اإليمان للسعدي صـ.41
2اإليمان أوالً فكيف نبدأ به د.الهدلي صـ.119
3هجر القرآن العظيم د.محمود الدوسري صـ.567
168
على العباد أن يتدبروه ،ويلتزموا بأوامره ،وجيتنبوا نواهيه ليحققوا عبادة
اهلل تعاىل .
1
وإذا نظر إىل انتظام القرآن الكرمي وإحكامه ،وأنه يصدق بعضه بعضاً،
ويوافق بعضه بعضاً ،ليس فيه تناقض وال اختالف :تيقن أنه" اَل يَأْتِ ِيه
يد" (فصلت ، اطل ِمن ب ِ ي َدي ِه واَل ِمن خ ْل ِف ِه تَن ِزيل ِّمن ح ِكي ٍم مَحِ ٍ الْب ِ
ٌ ْ َ ْ َ َنْي َ ْ َ َ ُ
آية )42:وأنه لو كان من عند غري اهلل ،لوجد فيه ،من التناقض
واالختالف أمور كثرية قال تعاىل ":أَفَالَ َيتَ َدبَُّرو َن الْ ُق ْرآ َن َولَ ْو َكا َن ِم ْن
اختِالَفًا َكثِ ًريا" (فصلت ،آية ،)82:وهذا ِِ ِ ِِ
عند َغرْيِ اللّه لََو َج ُدواْ فيه ْ
من أعظم مقويات اإلميان ،ويقويه من وجوه كثرية فاملؤمن مبجرد ما
يتلو آيات اهلل ،ويعرف ما ركب عليه من األخبار الصادقة واألحكام
احلسنة ،حيصل له من أمور اإلميان خري كبري ،فكيف إذا أحسن تأمله
وفهم مقاصده وأسراره؟ وهلذا كان املؤمنون الكمل يقولون" َّربَّنَا إِنَّنَا
ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
آمنَّا" (آل عمران ،آية : مَس ْعنَا ُمنَاديًا يُنَادي ل ِإلميَان أَ ْن آمنُواْ بَربِّ ُك ْم فَ َ
.)193
3ـ معرفة النبي صلى اهلل عليه وسلم :وما هو عليه من األخالق
العالية واألوصاف الكاملة ،فإن من عرفه حق املعرفة مل يرتب يف
صدقه ،وصدق ما جاء به ،قال تعاىل ":أ َْم مَلْ َي ْع ِرفُوا َر ُسوهَلُ ْم َف ُه ْم لَهُ
نكُرو َن" أي :فمعرفته صلى اهلل عليه وسلم توجب للعبد املبادرة إىل م ِ
ُ
اإلميان ممن مل يؤمن وزيادة اإلميان ممن آمن به وقال تعاىل مشجعاً هلم
اح َد ٍة أَن
َعظُ ُكم بِو ِ
َ
على تدبر أحوال الرسول الداعية لإلميان ":قُل إِمَّنَا أ ِ
ْ
احبِ ُكم ِّمن ِجن ٍَّة إِ ْن ُه َو إِلَّا َت ُقوموا لِلَّ ِه م ْث و ُفرادى مُثَّ َتَت َف َّكروا ما بِص ِ
ُ َ َ َ ىَن َ َ َ ُ
اب ش ِد ٍ ِ
يد" (سبأ ،آية )46:وأقسم تعاىل نَذ ٌير لَّ ُكم َبنْي َ يَ َد ْي َع َذ ٍ َ
بكمال هذا الرسول ،وعظمة أخالقه وأنه أكمل خملوق قال تعاىل ":ن
ك مِب َجنُ ٍ ِ ِ
َجًرا َغْيَر ك أَل ْ ون* َوإِ َّن لَ َ َنت بِن ْع َمة َربِّ َ ْ
َوالْ َقلَ ِم َو َما يَ ْسطُُرو َن* َما أ َ
1المصدر نفسه صـ.566
169
ك لَ َعلى ُخلُ ٍق َع ِظيم"(القلم ،آية 1:ـ )4فهو صلى اهلل عليه مَمْنُ ٍ
ون* َوإِنَّ َ
وسلم ،أكرب داع لإلميان يف أوصافه احلميدة ،ومشائله اجلميلة ،وأقواله
الصادقة النافعة ،وأفعاله الرشيدة ،فهو اإلمام األعظم والقدوة األكمل
وقد ذكر اهلل عن أوىل األلباب الذين هم خواص اخللق أهنم قالوا" َّربَّنَا
إِنَّنَا مَسِ ْعنَا ُمنَ ِاديًا " وهو :هذا الرسول الكرمي"ينادي لإلميان" بقوله وخلقه،
ِ ِ
آمنَّا" (آل عمران ،آية : وعمله ودينه ومجيع أحواله" أَ ْن آمنُواْ بَربِّ ُك ْم فَ َ
)193أي :إمياناً ال يدخله ريب وملا كان هذا اإلميان من أعظم ما
يقرب العبد إىل اهلل ،ومن أعظم الوسائل اليت حيبها اهلل ـ توسلوا
بإميناهم :أن يكفر عنهم السيئات وينيلهم املطالب العاليات فقالواَّ ":ربَّنَا
آمنَّا َربَّنَا فَا ْغ ِف ْر لَنَا ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
إنَّنَا مَس ْعنَا ُمنَاديًا يُنَادي ل ِإلميَان أَ ْن آمنُواْ بَربِّ ُك ْم فَ َ
األبَرا ِر" (آل عمران) .وهلذا كان ِ
وبنَا َو َكف ِّْر َعنَّا َسيِّئَاتنَا َوَت َو َّفنَا َم َع ْ
ذُنُ َ
الرجل املنصف الذي ليس له إرادة إال أتباع احلق جمرد ما يراه
ويسمع كالمه ،يبادر إىل اإلميان به صلى اهلل عليه وسلم ،وال يرتاب
يف رسالته ،بل كثري منهم جمرد مايرى وجهه الكرمي ،يعرف ،أنه ليس
وجه كذاب .
1
التفكر يف كثرة نعم اهلل وآالئه العامة واخلاصة ،اليت ال خيلو منها
خملوق طرفة عني ،فإن هذا يدعو إىل اإلميان .
3
ضن ًكا َوحَنْ ُشُرهُ َي ْو َم الْ ِقيَ َام ِة أ َْع َمى" (طه ،آية ،)124: يشةً َفَِإ َّن لَهُ َمعِ َ
وعلى هذا فحياة الروح والقلب هذه ،ال حيياها وال يذوق طعمها إال
الذاكر هلل سبحانه وتعاىل ،كما قال املصطفى :مثل الذي يذكر ربه
وامليت ،2فما بني الذاكر والغافل هو َ والذي ال يذكر ربه مثل احلي
ما بني احلي وامليت وشتان ما بينهما ،3فسبحان من أشهد عباده جنته
قبل لقائه ،وفتح هلم أبواهبا يف دار العمل فآتاهم من روحها ونسيمها
وطيبها حىت قال قائلهم :مساكني أهل الدنيا خرجوا منها ومل يذوقوا
أطيب ما فيها؟ قيل :ما أطيب ما فيها؟ قال :حمبة اهلل تعاىل ،ومعرفته
وذكره .4فالذكر بني الغافلني هو كاحلي بني املوتى حياة متكاملة يف
َحَيْينَاهُ َو َج َع ْلنَا لَهُ
البدن والروح والشعور قال تعاىل ":أ ََو َمن َكا َن َمْيتًا فَأ ْ
ِج ِّمْن َها" س خِب َار ٍ ي ل َّاس َكمن َّمَثلُه يِف الظُّلُم ِ
ات ورا مَيْ ِشي بِِه يِف الن ِ
َ َْ َ ُ َ نُ ً
(األنعام ،آية .)122:
ب ـ القوة في األبدان وأحياء المعاش والجهاد:
إن الذكر يعطي الذاكر قوة حىت إنه ليفعل مع الذكر ما مل يظن
فعله بدونه ،وشاهد ذلك موقف النيب صلى اهلل عليه وسلم مع ابنته 5
فاطمة وعلي رضي اهلل عنهما ،ملا سألته خادماً وشكت إليه ما تقاسيه
فعلمهما :أن يسبحا كل ليلة إذا أخذا
من الطحن والسعي واخلدمة َّ
1مدارج السالكين (.)3/259
2البخارى،ك الدعوات ،باب فضل الذكر (.)11/212
3ذكر هللا تعالى بين األتبّاع واالبتداع عبد الرحمن خليفه صـ .171
4ذكر هللا تعالى بين األتبّاع واإلبتداع عبد الرحمن خليفة صـ.171
5ذكر هللا تعالى صـ.172
172
مضاجعهما ثالثاً وثالثني ،وحيمدا ثالثاً وثالثني ،ويكرِّب ا أربعاً وثالثني،
وقال هلما :فهذا خري لكما من خادم ،فقيل :إن من دوام على ذلك
1
6ـ معرفة محاسن الدين :من األسباب املقوية لإلميان معرفة حماسن
الدين ،فإن الدين اإلسالمي كله حماسن ،عقائده أصح العقائد وأصدقها
وأنفعها ،وأخالقه أمحد األخالق وأمجلها ،وأعماله وأحكامه أحسن
األحكام وأعدهلا وهبذا النظر اجلليل يزين اهلل اإلميان يف قلب العبد،
ِ
بوحيببه إليه ،كما امنت به على خيار خلقه بقولهَ ":ولَك َّن اللَّهَ َحبَّ َ
إِلَْي ُك ُم اإْلِ ميَا َن َو َزيَّنَهُ يِف ُقلُوبِ ُك ْم" (احلجرات ،آية ،)7:فيكون اإلميان
يف القلب أعظم احملبوبات وأمجل األشياء وهبذا يذوق العبد حالوة
اإلميان وجيدها يف قلبه ،فيتجمل الباطن بأصول اإلميان وحقائقه ،وتتجمل
اجلوارح بأعمال اإلميان ويف الدعاء املأثور :اللهم زينا بزينة اإلميان
واجعلنا هداتاً مهتدين .
2
أسلم بعد ذلك النجاشي وحسن أسالمه وأسلم معه أساقفه وبطارقه
2
وكثري من النصارى يف تلك الديار .
وقمة املهارة َّ
كان رد جعفر على أسئلة النجاشي يف غاية الذكاء ّ
السياسية واإلعالمية والدعوية والعقدية فقد قام بالتايل:
لقد جنح جعفر رضي اهلل عنه بتوفيق اهلل يف عرض حماسن االسالم
فأسلم امللك وكسبه إىل جانبه.
7ـ اإلجتهاد في التحقق من مقام اإلحسان :يف عبادة اهلل
واإلحسان إىل خلقه ،فيجتهد ،أن يعبد اهلل كأنه يشاهده ويراه ،فيجتهد
يف إكمال العمل واتقانه وال يزال العبد جياهد نفسه :ليتحقق هبذا املقام
العايل ،حىت يقوم إميانه ويقينه ويصل يف ذلك إىل حق اليقني ـ الذي
هو أعلى مراتب اليقني ،فيذوق حالوة الطاعات ،وجيد مثرة املعامالت،
وهذا هو اإلميان الكامل وكذلك اإلحسان إىل اخللق ـ بالقول ،والفعل
واملال واجلاه وأنواع املنافع ،هو من اإلميان ومن دواعي اإلميان ،واجلزاء
من جنس العمل ،فكما أحسن إىل عباد اهلل وأوصل إليه من بره،
أحسن اهلل إليه أنواعاً من اإلحسان ومن أفضها :أن يقوي إميانه ورغبته
يف فعل اخلري ،والتقرب إىل ربه وإخالص العمل له وبذلك يتحقق
1السيرة النبوية للصَّالبي (.)1/361
176
العبد بالنصح هلل ،ولعباده ،فإن الدين النصيحة ،ومن وفق لإلحسان يف
1
عبادة ربه ،واإلحسان يف معاملة اخللق ،فقد حتقق نصحه .
ان َوإِيتَاء ِذي الْ ُق ْرىَب " (النحل ـ قال تعاىل " :إِ َّن اللّه يأْمر بِالْع ْد ِل وا ِإلحس ِ
َ َ ُُ َ َ ْ َ
،آية .)90 :
َّاس َواللّهُ حُيِ ُّ ني َع ِن الن ِ ِ ِِ
ب ـ وقال تعاىلَ " :والْ َكاظم َ
ني الْغَْي َظ َوالْ َعاف َ
ني" (آل عمران ،آية .)134 ِِ
الْ ُم ْحسن َ
ِِ ِ
ني" (األعراف ،آية : يب ِّم َن الْ ُم ْحسن َ ت اللّه قَ ِر ٌ ـ وقال تعاىل " :إِ َّن َرمْح َ َ
.)56
ِِ ِ ـ وقال تعاىل " :و ْ رِب ِ
ني" (هود ،آية : َجَر الْ ُم ْحسن َ
يع أ ْ اص ْ فَإ َّن اللّهَ الَ يُض ُ َ
.)115
ان إِاَّل اإْلِ ْح َسا ُن" (الرمحن ،آية .)60 : ـ وقال تعاىل " :هل جزاء اإْلِ حس ِ
َْ َ ْ ََ
ين ُهم حُّمْ ِسنُو َن" (النحل ، َّ ِ َّ ِ ِ
ين َّات َقواْ َّوالذ َ ـ وقال تعاىل " :إ َّن اللّهَ َم َع الذ َ
آية .)128 :
فاحملسنون يشعرون مبعية اهلل يا له من شعور عظيم يستحقه احملسنون .
2
8ـ الدعوة إلى اهلل :ومن دواعي اإلميان وأسبابه ،والدعوة إىل اهلل
وإىل دينه والتواصي باحلق والتواصي بالصرب ،والدعوة إىل أصل الدين،
والدعوة إىل إلتزام شرائعه ،يف األمر باملعروف والنهي عن املنكر ،وأن
طريق الدعوة إىل اهلل والنصيحة لعباده ،من أكرب مقومات اإلميان،
وصاحب الدعوة ال بد أن يسعى بنصر هذه الدعوة ،ويقيم األدلة
والرباهيم على حتقيقها ،ويأيت باألمور من أبواهبا ،ويتوسل إىل األمور
من طرقها ،وهذه األمور من طرق اإلميان وأبوابه ،كما أن اجلزاء من
جنس العمل ،فكما سعى إىل تكميل العباد ونصحهم وتوصيتهم باحلق،
وصرب على ذلك ال بد أن جيازيه اهلل من جنس عمله ،ويؤيده من
ِ
َح َس ُن َو َعلَى َرهِّب ْم َيَت َو َّكلُو َن" (النحل ،آية ،)99 :وقال تعاىلَ " :و َم ْن أ ْ
ِِ ِ َقواًل مِّمَّن دعا إِىَل اللَّ ِه وع ِمل حِل
ني * َواَل صا ًا َوقَ َال إِنَّيِن م َن الْ ُم ْسلم َ ََ َ َ ََ ْ
ِ ِ
ك َو َبْينَهُ َح َس ُن فَِإذَا الَّذي َبْينَ َ السيِّئَةُ ْادفَ ْع بِالَّيِت ه َي أ ْ
تَ ْستَ ِوي احْلَ َسنَةُ َواَل َّ
اها إِاَّل ع َداوةٌ َكأَنَّه ويِل ٌّ مَحِ يم * وما يلَ َّقاها إِاَّل الَّ ِ
صَبُروا َو َما يُلَ َّق َ
ين ََ ذ ٌ ََ ُ َ ُ َ َ َ
ذُو َح ٍّظ َع ِظي ٍم" (فصلت ،آية 33 :ـ .)35
9ـ توطين النفس على مقاومة ما ينافي اإليمان :ومن أهم مواد
اإلميان ومقوياته ،توطني النفس على مقاومة ما ينايف اإلميان ،من شعب
الكفر والفسوق والعصيان ،فإنه كما أنه ال بد يف اإلميان من فعل
مجيع األسباب املقوية املنمية له ،فال بد مع ذلك من دفع املوانع
والعوائق ،وهي اإلقالع عن املعاصي ،والتوبة مما يقع منها ،وحفظ
اجلوارح كلها من احملرمات ،ومقاومة فنت الشبهات القادحة يف علوم
اإلميان املضعفة له والشهوات املضعفة إلرادات اإلميان ،فإن اإليرادات
2
اليت أصلها الرغبة يف اخلري وحمبته والسعي ال ترتك إال برتك إرادات ما
ينافيها :من رغبة النفس يف الشر ومقاومة النفس اإلمارة بالسوء ،فمىت
حفظ العبد من الوقوع يف فنت الشبهات وفنت الشهوات مت إميانه
َص َاب َها َوابِ ٌل ٍ ٍ
وقوي يقينه وصار مثل بستان إميانهَ " ،ك َمثَ ِل َجنَّة بَِر ْب َوة أ َ
صبها وابِل فَطَلٌّ واللّه مِب َا َتعملُو َن ب ِ ِ ِ ِ مَّل ِ
صريٌ" َ َْ َ ُ ت أُ ُكلَ َها ض ْع َفنْي فَإن ْ يُ ْ َ َ ٌ
فَآتَ ْ
(البقرة ،آية ¨ ،)265ومىت كان األمر بالعكس ،بأن استولت عليه
النفس اإلمارة بالسوء ،ووقع يف فنت الشبهات أو الشهوات ،أو كليهما
َح ُد ُك ْم أَن تَ ُكو َن لَهُ َجنَّةٌ انطبق عليه هذا املثل وهو قوله تعاىل" :أ ََي َو ُّد أ َ
حاهلم الكاملة وعاد عدوهم حسرياً ذليالً وأخوان الشيطان" ،مَيُدُّو َن ُه ْم يِف
الْغَ ِّي مُثَّ
صُرو َن" (األعراف ،آية .)202 :الشياطني ال تقصر عن أغوائهم الَ ي ْق ِ
ُ
وإيقاعها يف أشراك اهلالك ،واملستجينب هلم ال يقصرون عن طاعة
أعدائهم ،واالستجابة لدعوهتم حىت يقعوا يف اهلالك ،وحيق عليهم
اخلسار ،ولذلك نكثر من الدعاء ،اللهم حبب إلينا اإلميان وزينه يف
قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين
2
بفضلك ومنتك أنك أنت العليم احلكيم .
10ـ معرفة حقيقة الدنيا واعتبارها ممر لآلخرة :ومن موقيات
اإلميان معرفة حقيقة الدنيا وأهنا مهما طالت فهي إىل زوال ،وإن
متاعها مهما عظم ،فإنه قليل حقري ،قال تعاىل " :إِمَّنَا َمثَ ُل احْلَيَ ِاة ُّ
الد ْنيَا
1منهج الرسول صلى هللا عليه وسلم في غرس الروح الجهادية صـ 19إلى .34
2في ظالل اإليمان صـ .80 ،79
182
أـ الخشوع في الصالة :قال صلى اهلل عليه وسلم :ما من امرئ
حتضره صالة مكتوبة ،فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إال كانت
كفارة ملا قبلها من الذنوب مامل يأت كبرية وذلك الدهر كله .
1
وهو يشتمل عن الشرك ،كما قاله بعضهم واملعاصي ،كما قاله آخرون
ـ وما ال فائدة فيه من األقوال واألفعال ،كما قال تعاىلَ ":وإِ َذا َمُّروا
بِاللَّ ْغ ِو َمُّروا كَِر ًاما" (الفرقان ،آية .)72 :
ين ُه ْم لِ َّلز َك ِاة َّ ِ
ج ـ تطهيرهم ألنفسهم بأداء الزكاة :قال تعاىلَ ":والذ َ
اعلُو َن" (املؤمنون ،آية ،)4 :قال صلى اهلل عليه وسلم :الطهور شطر فَ ِ
اإلميان ،واحلمد هلل متأل امليزان ،وسبحان اهلل واحلمد هلل متآلن ـ أو متآل
ـ ما بني السماوات واألرض ،والصالة نور ،والصدقة برهان ،والصرب
ضياء والقرآن حجة لك أو عليك ،كل الناس يغدو فبائع نفسه
فمعتقها أو موبقها .قوله :والصدقة برهان" معناه :الصدقة حجة على إميان 2
فاعلها ،فإن املنافق ميتنع منها لكونه ال يعتقده فمن تصدق استدل
بصدقته على صدق إميانه ،فاملؤمنون يف حياهتم الدنيا يصونون بالزكاة
اجملتمع من اخللل الذي ينشئه الفقر يف جانب والرتف يف جانب ،فهي
تأمني اجتماعي لألفراد مجيعاً وهي ضمان اجتماعي للعاجزين ،وهي
وقاية للجماعة كلها من التفكك واإلحنالل .
3
يف الدبر ويف أثناء احليض ويف أثناء الصيام واإلحرام وحفظ الفرج
يقتضي سد الذرائع ،أي جتنب السبل اليت تفضي إليه وهلذا أمر القرآن
الكرمي املسلمني بغض البصر وعدم إبداء الزينة ،فذلك أزكى هلن
وأطهر .
2
القائمة جذرياً لصاحل العفة ،فنظمه وقوانينه تعاون الرجال والنساء على
التعفف .
3
الرسول صلى اهلل عليه وسلم ،الوالية يف هذا احلديث أمانة ،ألن تأدية
حقها بالعدل ،وعدم االستغالل الشخصي فيها ،واليقظة على مصاحل
الناس ،كل ذلك ال يكون إآل خبلق األمانة ،ما روي عن أيب هريرة
6
قال :بينما كان النيب صلى اهلل عليه وسلم ،حيدث إذا جاء إعرايب
فقال" :مىت الساعة؟ قال :إذ ضيعت األمانة فانتظر الساعة ،قال :كيف
1مسلم ،ك النكاح ،باب استحبابـ النكاح رقم .1400
2التشريع الجنائي اإلسالمي (.)1/642
3الفضائل الخلقية في اإلسالم ،عبد القادر صـ .245
4مسلم ،ك اإليمان شرح النووي (.)46 / 2
5مسلم ،ك اإلمارة ،باب كراهة رقم .1825
6األخالق اإلسالمية وأسسها (.)605 ، 1
186
وسد األمر إىل إضاعتها؟ فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم :إذا َّ
غري أهله فانتظر الساعة ،وقال تعاىلَ " :وإِن ُكنتُ ْم َعلَى َس َف ٍر َومَلْ جَتِ ُدواْ 1
فيها .روي عن عبد اهلل بن مسعود قال :سألت رسول اهلل صلى اهلل
عليه وسلم :أي العمل أفضل؟ قال :الصالة على وقتها .قال :قلت" مث أي؟
قال :بر الوالدين .قال :قلت :مث أي؟ قال :اجلهاد يف سبيل اهلل .فما تركت
استزيده إال إرعاء عليه .
3
يريدون يف األرض علواَ ،وال يبغون فيها كذلك فساداً قال تعاىل" :تِْل َ
ك
َّار اآْل ِخَرةُ جَنْ َعلُ َها
الد ُ
ِ ِ ِ يدو َن عُلًُّوا يِف اأْل َْر ِ ِِ
ني" "القصص، ض َواَل فَ َس ًادا َوالْ َعاقبَةُ ل ْل ُمتَّق َ ين اَل يُِر ُللَّذ َ
آية."83 :
ويف بيان املعىن الصحيح للسكينة والوقار ،ليس املراد أهنم ميشون
كاملرضى تصنعاً ورياء ،فقد كان سيد ولد آدم ـ صلى اهلل عليه
وسلم ـ إذا مشى كأمنا ينحط من صبب ،وكأمنا األرض تطوى له،
وقد كره بعض السلف املشي بتضعف ،وتصنع .وتبني أن املؤمنني يف
2
َّ ِ ِ
ض َه ْونًا ين مَيْ ُشو َن َعلَى اأْل َْر ِ اد الرَّمْح َ ِن الذ َ ج ـ الحلم :قال تعاىلَ " :وعبَ ُ
اهلُو َن قَالُوا َساَل ًما" (الفرقان ،آية :)63 :هم حلماء ال وإِ َذا خاطَبهم اجْل ِ
َ َُ ُ َ َ
1تفسير الطبري ()407 / 9
2تفسير ابن كثير (.)279 / 3
3الحياة في القرآن الكريم (.)443 / 2
188
جيهلون ،وإن ُجهل عليهم حلموا وال يسفهوا ،هذا هنارهم ،فكيف
ليلهم؟ خري ليل ،صفوا أقدامهم ،وأجروا دموعهم على خدودهم يطلبون
من اهلل جل ثناؤه فكاك رقاهبم ،واحللم من اخلصال احملمودة واليت 1
حيبها اهلل عز وجل ،قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم" :ألشبح عبد
القيس :أن فيك خصلتني حيبهما اهلل احللم واألناة .
2
ني ِ ِ
اج َع ْلنَا ل ْل ُمتَّق َ
وقال ابن عباس ـ رضي اهلل عنهما ـ يف قوله تعاىلَ " :و ْ
إِ َم ًاما" أئمة هدى يهتدى بنا وال جتعلنا أئمة ضاللة ،ألنه قال ألهل
ات َوإِقَ َام السعادة" :وجع ْلنَاهم أَئِ َّمةً يه ُدو َن بِأَم ِرنَا وأَوحينَا إِلَي ِهم فِعل اخْل ير ِ
ْ َ ْ َ ْ ْ ْ ْ َ َْ َ َْ َ ََ ُ ْ
اه ْم أَئِ َّمةً يَ ْدعُو َن ِ
الصَّاَل ة" (األنبياء ،آية ،)73 :وألهل الشقاوةَ " :و َج َع ْلنَ ُ
ِ ِ
نصُرو َن" (القصص ،آية .)41 : إِىَل النَّا ِر َو َي ْو َم الْقيَ َامة اَل يُ َ
وقال آخرون :هداة مهتدين دعاة إىل اخلري ،فأحبوا أن تكون عبادهتم
متصلة بعبادة أوالدهم وذرياهتم ،وأن يكون هداهم متعدياً إىل غريهم
بالنفع وذلك أكثر ثواباً ،وأحسن مآبا وهلذا قال رسول اهلل صلى اهلل
ونكتفي هبذا القدر يف ذكر صفات املؤمنني يف احلياة الدنيا ،فال نتوسع
خشية اإلطالة وإال فصفات املؤمنني كثرية كما ورد ذكرها يف القرآن
الكرمي ،فمنها :اإلخالص والصدق ،والتوكل وحمبة اهلل واخلوف والرجاء،
والشكر ،والصرب ،والرضا والشجاعة وغريها من الصفات احلميدة .
2
والتقوى من شروط والية اهلل اخلاصة ،ومن شروط التمكني هلذه األمة
َن أَهل الْ ُقرى آمنُواْ و َّات َقواْ لََفتَحنَا علَي ِهم بر َك ٍ
ات ِّم َن ْ َ ْ ََ َ َ قال تعاىلَ ":ولَ ْو أ َّ ْ َ َ
اهم مِب َا َكانُواْ يَ ْك ِسبُو َن" (األعراف،َخ ْذنَ ُ
ِ
ض َولَـكن َك َّذبُواْ فَأ َ
الس َماء َواأل َْر ِ
َّ
آية ،)96 :إن تقوى اهلل جتعل بني العبد وبني ما خيشاه من ربه ومن
غضبه وسخطه وعقابه وقاية تقيه من ذلك ،وهي أن تعمل بطاعة اهلل
على نور من اهلل ترجو ثواب اهلل وأن ترتك معصية اهلل على نور من
اهلل ختاف عقاب اهلل وللتقوى مثرات عاجلة وآجلة منها: 2
6ـ حصول الفالح والهدى :ومن مثرات اإلميان حصول الفالح الذي
هو ،إدراك غاية الغايات ،فإنه إدراك كل مطلوب والسالمة من كل
مرهوب ،واهلدى الذي هو أشرف الوسائل ،كما قال تعاىل ،بعد ذكره
املؤمنني مبا أنزل على حممد صلى اهلل عليه وسلم وما أنزل على من
قبله واإلميان بالغيب ،وإقامة الصالة وإيتاء الزكاة :اللتني مها من أعظم
ك َعلَى ُه ًدى ِّمن َّرهِّبِ ْم َوأ ُْولَـئِ َ
ك ُه ُم آثار اإلميان قال تعاىل":أ ُْولَـئِ َ
الْ ُم ْفلِ ُحو َن" (البقرة ،آية ،)5 :فال سبيل إىل اهلدى والفالح ،اللذين ال
صالح وال سعادة إال هبما ،إال باإلميان التام بكل كتاب أنزله ،وبكل
أجل الوسائل ،والفالح أكمل الغايات .
2
رسول أرسله اهلل ،فاهلدى ّ
7ـ االنتفاع بالمواعظ والتذكير :ومن مثرات اإلميان االنتفاع باملواعظ
ني" (الذاريات ِِ والتذكري واآليات قال تعاىل":وذَ ِّك ْر فَِإ َّن ِّ
الذ ْكَرى تَن َف ُع الْ ُم ْؤمن َ َ
،آية ،)55 :ألن اإلميان حيمل صاحبه على التزام احلق واتباعه ،علماً
وعمالً وكذلك معه اآللة العظيمة واالستعداد لتلقي املواعظ النافعة
واآليات الدالة على احلق وليس عنده مانع مينعه من قبول احلق ،وال
من العمل به كما أن اإلميان يوجب سالمة الفطرة ،وحسن القصد،
3
ومن كان كذلك انتفع باآليات .
8ـ قطع الشكوك التي تضر بالدين :ومنها أن اإلميان يقطع
الشكوك اليت تعرض لكثري من الناس فتضر بدينهم قال تعاىل ":إِمَّنَا
ين َآمنُوا بِاللَّ ِه َو َر ُسولِِه مُثَّ مَلْ َي ْرتَابُوا" (احلجرات ،آية : َّ ِ ِ
الْ ُم ْؤمنُو َن الذ َ
1شجرة اإليمان صـ 79
2شجرة اإليمان صـ .80
3المصدر نفسه صـ .80
199
،)15أي :دفع اإلميان الصحيح الذي معهم الريب والشك املوجود
وأزاله بالكلية ،وقاوم الشكوك اليت تلقيها شياطني اإلنس واجلن،
األمارة بالسوء ،فليس هلذه العلل املهلكة دواء إال حتقيق اإلميان والنفوس ّ
وهلذا ثبت يف الصحيحني ،من حديث أيب هريرة أن النيب صلى اهلل
عليه وسلم قال :ال يزال الناس يتساءلون ،حىت يقال هذا :اهلل خلق
اخللق ،فمن خلق اهلل؟ فمن وجد ذلك ،فليقل آمنت باهلل ،ولينته،
وليتعوذ باهلل من الشيطان.
فذكر صلى اهلل عليه وسلم ،هذا الدواء النافع هلذا الداء املهلك ،وهو
ثالثة أشياء :االنتهاء عن هذه الوساوس الشيطانية ،واالستعاذة من شر
من ألقاها وشبّه هبا :ليضل هبا العباد ،واالعتصام بعصمة اإلميان الصحيح
الذي من اعتصم به ،كان من اآلمنني ،وذلك ألن الباطل يتضح
بطالنه بأمور كثرية ،أعظمها ،العلم أنه مناف للحق ،وكل ما ناقض
احلق فهو باطل " فَ َما َذا َب ْع َد احْلَ ِّق إِالَّ َّ
الضالَ ُل" (يونس ،آية .)32 : 1
9ـ ملجأ المؤمنين:ـ ومن مثرات اإلميان وفوائده ،أن اإلميان ملجأ
املؤمنني يف كل ما يلم هبم ،من سرور وحزن وخوف وأمن ،وطاعة
ومعصية ،وغري ذلك من األمور اليت البد لكل أحد منها ،فعند احملاب
والسرور يلجؤون إىل اإلميان ،فيحمدون اهلل ،ويثنون عليه ،ويستعملون
النعم فيما حيب املنعم ،وعند املكاره واألحزان ،يلجؤون إىل اإلميان من
جهات عديدة ،يتسلون بإمياهنم وحالوته ،ويتسلون مبا يرتتب على ذلك،
من الثواب ،ويقابلون األحزان والقلق ،براحة القلب ،والرجوع إىل احلياة
الطيبة املقاومة لألحزان واألتراح ويلجؤون إىل اإلميان عند اخلوف
فيطمئنون إليه ويزيدهم إمياناً وثباتاً ،وقوة وشجاعة ويضمحل اخلوف
الذي أصاهبم كما قال تعاىل":الَّ ِذين قَ َال هَلُم الن ِ
َّاس قَ ْد مَجَعُواْ َّاس إ َّن الن َ
ُ ُ َ
يل* فَان َقلَبُواْلَ ُكم فَاخ َشوهم َفزادهم إِميَاناً وقَالُواْ حسبنَا اللّه ونِعم الْوكِ
ُ َ َْ َ ُ َ ُْ َ ْ ْ ْ ُ ْ َ َُ ْ
1شجرة اإليمان صـ .84
200
ض ٍل" (آل عمران ،آية ،)174 ،173 :لقد اضمحل بِنِ ْع َم ٍة ِّم َن اللّ ِه َوفَ ْ
اخلوف من قلوب هؤالء األخيار ،وخلفه قوة اإلميان وحالوته وقوة
التوكل على اهلل والثقة بوعده ويلجؤون إىل اإلميان عند األمن ،فال
يبطرهم وال حيدث هلم الكربياء ،بل يتواضعون ،ويعلمون أنه من اهلل،
ومن فضله وتيسريه فيشكرون الذي أنعم بالسبب واملسبب ،األمن
وعز ،أنه حبول اهلل وأسبابه ،ويعلمون أنه إذا حصل هلم ظفر باألعداء ِ
وقوته وفضله ال حبوهلم وال بقوهتم ويلجؤون إىل اإلميان عند الطاعة
والتوفيق لألعمال الصاحلة ،فيعرتضون بنعمة اهلل عليهم هبا ،وأن نعمته
فيها أعظم من نعمة العافية والرزق وحيرصون على تكميلها وعمل كل
سبب لقبوهلا وعدم ردها أو نقصها ،ويسألون الذي تفضل عليهم
بالتوفيق هلا ،أن يتم عليهم نعمته بقبوهلا والذي تفضل عليهم حبصول
أصلها ،أن يتمم هلم منها ما انتقصوه منها ويلجؤون إىل اإلميان إذا
ابتلوا بشيء من املعاصي باملبادرة إىل التوبة منها ،وعمل ما يقدرون
ين َّات َقواْ إِذَا َم َّس ُه ْم َّ ِ
عليه من احلسنات ،جلرب نقصها ،قال تعاىلِ ":إ َّن الذ َ
صُرو َن" (األعراف ،آية .)201 : ان تَ َذ َّكرواْ فَِإذَا هم ُّمب ِ
ف ِّمن الشَّيطَ ِ ٌ طَائِ
ُ ْ ُ ْ َ
فاملؤمن جيول ما جيول يف الغفلة والتجرئ على بعض اآلثام ،مث يعود
سريعاً إىل اإلميان الذي بىن عليه أموره كلها ،فاملؤمنون يف مجيع
تقلباهتم وتصرفاهتم ،ملجؤهم إىل اإلميان ومفزعهم إىل حتقيقه ،ودفع ما
1
ومنّه .
ينافيه ويضاده ،وذلك من فضل اهلل عليهم َ
10ـ المنع من الوقوع في الموبقات المهلكة :ومنها أن اإلميان
الصحيح مينع العبد من الوقوع يف املوبقات املهلكة ،قال رسول اهلل
صلى اهلل عليه وسلم :ال يزين الزاين ـ حني يزين ـ وهو مؤمن ،وال
يسرق السارق حني يسرق وهو مؤمن ،وال يشرب اخلمر حني يشرهبا
احلياء ممن يراه حيث هناه ،وهذا معروف مشاهد ،واإلميان الصادق
الصحيح ،يصحبه احلياء من اهلل ،واحلب له والرجاء القوي لثوابه
واخلوف من عقابه والنور الذي ينايف الظلمة وهذه األمور اليت هي من
مكمالت اإلميان ال ريب أهنا تأمر صاحبها بكل خري ،وتزجره عن
كل قبيح ،فأخرب أن اإلميان إذا صحبه ،عند وجود أسباب هذه
الفواحش ،فإن نور إميانه مينعه من الوقوع فيها ،فإن النور الذي
يصحب اإلميان الصادق ووجود حالوة اإلميان واحلياء من اهلل ،الذي
هو من أعظم شعب اإلميان ،بال شك ،مينع من مواقعة هذه
الفواحش .
2
11ـ الشكر والصبر :ومن فوائد ومثرات اإلميان أنه حيمل صاحبه على
الشكر يف حالة السراء ،والصرب يف حالة الضراء وكسب اخلري يف كل
أوقاته ،قال النيب صلى اهلل عليه وسلم :عجباً ألمر املؤمن إن أمره كله
خري ،إن أصابته سراء ،شكر فكان خرياً له وإن أصابته ضراء صرب،
فكان خرياً له ،وليس ذلك ألحد إال للمؤمن ،والشكر والصرب مها
3
إن من شروط التمكني هلذه األمة حتقيق اإلميان بكافة معانية وبكافة
أركانه وممارسة العمل الصاحل بكل أنواعه واحلرص على كل أنواع اخلري
وصنوف الرب ،وحتقيق العبودية الشاملة وحماربة الشرك بكل أشكاله
ين َآمنُوا ِمن ُك ْم َو َع ِملُوا َّ ِ
وأنواعه وخفاياه ،قال تعاىلَ ":و َع َد اللَّهُ الذ َ
2
فحقيقة الشرك باهلل ،أن يعبد املخلوق كما يعبد اهلل أو يعظم كما
يعظم اهلل أو يصرف له نوع من خصائص الربوبية واأللوهية.
ولقد وردت النصوص الكثرية من الكتاب والسنة يف التحذير من
الشرك وبيان خطره ،وإنه أعظم ذنب عصي اهلل به وإنه ال أضل من
فاعله وإنه خملد يف النار أبداً ال نصري له وال محيم وال شفيع يطاع،
ك لِ َمن ِ ِ ِ
قال تعاىل":إ َّن اللّهَ الَ َي ْغفُر أَن يُ ْشَر َك بِِه َو َي ْغفُر َما ُدو َن َذل َ
ِ ِ ِ ِ ِ
يما" ( النساء ،آية .)48 : يَ َشاء َو َمن يُ ْش ِر ْك باللّه َف َقد ا ْفَتَرى إمْثًا َعظ ً
ك لِ َمن ِ ِ ِ
وقال تعاىل ":إِ َّن اللّهَ الَ َي ْغفُر أَن يُ ْشَر َك بِِه َو َي ْغفُر َما ُدو َن َذل َ
يدا" ( النساء ،آية .)116 : ضالَالً بَعِ ًض َّل َ
ِ
يَ َشاء َو َمن يُ ْش ِر ْك بِاللّه َف َق ْد َ
وقال تعاىلَ ":و َمن يُ ْش ِر ْك بِاللَّ ِه فَ َكأَمَّنَا َخَّر ِم َن َّ
الس َماء َفتَ ْخطَُفهُ الطَّْيُر أ َْو
ان َس ِح ٍيق" ( احلج ،آية .)31 : الريح يِف م َك ٍ
َ
ِِ
َت ْه ِوي به ِّ ُ
ك وإِىَل الَّ ِذين ِمن َقبلِ َ ِ ِ ِ
تك لَئ ْن أَ ْشَر ْك َ َ ْ ْ وقال تعاىلَ ":ولََق ْد أُوح َي إلَْي َ َ
ِ ِ
ين" ( الزمر ،آية .)65 : ك َولَتَ ُكونَ َّن م َن اخْلَاس ِر َ لَيَ ْحبَطَ َّن َع َملُ َ
1القول السديد في مقاصد التوحيد صـ.31
207
إن الشرك هو الذنب الوحيد املتميز عن بقية الذنوب بعدم املغفرة
لصاحبه إذا مات ومل يتب منه ،وأما بقيه الذنوب فإن صاحبها إن
مات ومل يتب منها فإنه حتت مشيئة اهلل إن شاء عذبه ،وإن شاء
غفر له.
إن الذنوب اليت دون الشرك جعل اهلل ملغفرهتا أسباباً كثرية كاحلسنات
املاحية واملصائب املكفرة يف الدنيا والربزخ ويوم القيامة وكدعاء املؤمنني
بعضهم لبعض وشفاعت الشافعني ،ومن دون ذلك كله رمحته اليت
خص هبا أهل اإلميان والتوحيد وهذا خبالف الشرك فإن الشرك س ّد
على نفسه أبواب املغفرة ،وأغلق دونه أبواب الرمحة فال تنفعه الطاعات
دون التوحيد ،وال تفيده الشدائد ،واحملن شيئاً.
إن الشرك باهلل متجه الفطر السليمة ،ولقد بقي البشر بعد آدم قروناً
طويلة وهم أمة واحدة على التوحيد واهلدي ،مث أدخلت عليهم
الشياطني الشرور املتنوعة بطرق كثرية فكان قوم نوح قد مات منهم
أناس صاحلون فحزنوا عليهم فجاءهم إبليس وأمرهم أن يصوروا متاثيلهم
ليتذكروا أحواهلم ،فكان هذا باب الشر العظيم ،فلما مات الذين
قل فيهم العلم واستفزهم صوروهم هلذا املعىن خلف من بعدهم خلف ّ
الشيطان وأغواهم حىت أوقعهم يف الشرك مث بعث اهلل فيهم نوحاً عليه
السالم يعرفونه ويعرفون صدقه وأمانته وكمال أخالقه فقال ":لََق ْد أ َْر َس ْلنَا
ِ ٍِ َّ ِ ِِ ِ
وحا إىَل َق ْومه َف َق َال يَا َق ْوم ْاعبُ ُدواْ اللهَ َما لَ ُكم ِّم ْن إلَـه َغْيُرهُ إيِّنَ نُ ً
اب َي ْوٍم َع ِظي ٍم" ( األعراف ،آية )59 :إال أهنم اف َعلَْي ُك ْم َع َذ َ َخ ُ أَ
عصوه وما آمن معه إال قليل ،إن اهلل تعاىل خلق الناس على فطرة
التوحيد مث استطاعت الشياطني أن متيل بالناس وتنحرف هبم حنو الوثنية
املظلمة والشرك العظيم ،قال تعاىلَ ":كا َن النَّاس أ َُّمةً و ِ
ث اللّهُ اح َد ًة َفَب َع َ َ ُ
ِِ النَّبِيِّ َ
ين" (البقرة ،آية .)213 :أي إن الناس كانوا ني ُمبَ ِّش ِر َ
ين َو ُمنذر َ
208
على ملة آدم عليه السالم حىت عبدوا األصنام فبعث اهلل إليهم نوحاً
عليه السالم فكان أول رسول بعثه اهلل إىل أهل األرض .
1
إن هذه األمة اإلسالمية اليت رضيت باهلل رباً وباإلسالم ديناً ومبحمد
صلى اهلل عليه وسلم رسوالً ،عليها أن حترص على حتقيق التوحيد
وحماربة الشرك ،ألهنا تعلم علم اليقني أن من شروط التمكني هلا،
حتقيق التوحيد وهتذيبه ،وتصفيته من الشرك األكرب واألصغر ،ومن البدع
القولية واالعتقادية ،والبدع الفعلية والعملية ،ومن املعاصي وذلك بكمال
اإلخالص هلل يف األقوال واالفعال واإلرادات ،وبالسالمة من الشرك
األكرب املناقض ألصل التوحيد ،ومن الشرك األصغر املنايف لكماله
وبالسالمة من البدع ،2وعليها أن حتارب شرك القبور ،ووكذلك شرك
القوانني الوضعية املخالفة للشريعة اإلسالمية ،وعليها تدعو إىل إفراد
العبودية هلل وحده يف مجيع شئون احلياة اإلنسانية والن حاهلا ومقاهلا
ني ِ
ب الْ َعالَم َ اي َومَمَايِت لِلّ ِه َر ِّ ِ قول اهلل تعاىل " :قُل إِ َّن َ يِت
صالَ َونُ ُسكي َوحَمْيَ َ ْ
يك لَهُ" (األنعام ،آية 161 :ـ .)162 * الَ َش ِر َ
1تفسير الطبري ( )17/155الشرك في القديم والحديث أبو بكر محمد زكريا (.)2/1370
2تفسير الطبري (.)7/236
212
ملالكه من غري تنازع فيه مع رأفة مالكه به ورمحته له وشفقته عليه
وإحسانه إليه وتوليه ملصاحله ،فهل يستوي هذين العبدين؟ وهذا من
أبلغ األمثال فإن اخلالص ملالك واحد يستحق من معونته وإحسانه
والتفاته إليه وقيامه مبصاحله ما ال يستحقه صاحب الشركاء املتشاكسني،
احلمد هلل بل أكثرهم ال يعلمون".1
2ـ الشرك األصغر :وهذا النوع ال خيرج صاحبه من امللة ولكنه
ينقص من توحيده ،وهو وسيلة للشرك األكرب وهو ينقسم إىل نوعني:
ظاهر وخفي.
أ ـ فالظاهر :مكون من ألفاظ قولية وأفعال عملية ،فمن األلفاظ
احللف بغري اهلل ،وقول اإلنسان لوال اهلل وأنت أو هذا من اهلل
ومنك ما شاء اهلل وشئت ،فإن هذا يقتضي املساواة بني اهلل وبني
العبد ،وهذا حمال ،ولكن الصحيح أال حيلف إال باهلل عز وجل،
وأن يقول لوال اهلل مث أنت أو هذا من اهلل مث منك وما شاء
اهلل مث شئت.
ومن األفعال ،لبس احللقة واخليط وتعليق التمائم خشية العني ،أو
اجلن فمن فعل ذلك معتقداً أهنا سبب يستدفع هبا البالء وأن
الدافع للبالء هو اهلل وحده فقد أشرك شركاً أصغر ،وإذا فعل
ذلك معتقداً أن هذه األشياء تدفع البالء بعد نزوله أو متنعه قبل
حلوله فقد أشرك شركاً أكرب حيث أعتقد شريكاً مع اهلل يف
اخللق والتدبري.2
ب ـ وأما الخفي من الشرك األصغر :فهو شرك اإلرادات،
واملقاصد والنيات ،وذلك مثل الرياء ،والسمعة ،ومثال ذلك أن يعمل
املسلم عمالً األصل فيه أنه هلل تعاىل ،مث بعد ذلك يدخل فيه شئ
ثانياً :الكفر :أصل الكفر تغطية الشيء ،ومسي الليل كافراً لتغطيته كل
شيء ،وذكر أهل التفسري أن الكفر يف القرآن على مخسة أوجه: 2
والكفر واإلميان ضدان مىت ثبت أحدمها ثبوتاً كامالً انتفى اآلخر .
5
والكفر ليس حقيقة واحدة وال هو شعبة واحدة فليس ينحصر يف
التكذيب أو االعتقاد القليب ،بل هو شعب متعددة ومراتب متفاوتة،
1فقه النصر والتمكين صـ .203
2التبيان لعالقة العمل بمسمى اإليمان ،علي سوف صـ .249
3نزهة األعين النواظر البن الجوزي (.)120 ،2/119
4عقيدة أهل السنة والجماعة صـ .49
5اإلرشاد إلى معرفة األحكام للسعدي صـ .204 ،203
218
كما أن ما يقابله وهو اإلميان شعب متعددة كما سبق ذكره ،ويقع
الكفر بالتكذيب وباجلحود وباإلعراض وبالتكرب عن أوامر اهلل .
1
يف الكتاب والسنة كفراً ،وهو ال يصل إىل حد الكفر األكرب ،وهذا
النوع يوجب استحقاق الوعيد دون اخللود يف النار ،ومثال ذلك قوله
فإن الكفر هنا صلى اهلل عليه وسلم ":سباب املسلم فسوق وقتاله كفر" َّ .
2
معناه الكفر األصغر الذي ال خيرج من امللة بدليل قوله تعاىلَ ":وإِن
ان ِمن الْمؤ ِمنِني ا ْقتتلُوا فَأ ِ
ت إِ ْح َدامُهَا َعلَى
َصل ُحوا َبْيَن ُه َما فَِإن َبغَ ْ
ْ طَائَِفتَ ِ َ ُ ْ َ ََ
َصلِ ُحوا
اءت فَأ ْ
ِ ِ ِ ِ
ُخَرى َف َقاتلُوا الَّيِت َتْبغي َحىَّت تَفيءَ إِىَل أ َْم ِر اللَّه فَِإن فَ ْ اأْل ْ
ني" ( احلجرات ،آية )9 : ِِ َبْيَن ُه َما بِالْ َع ْد ِل َوأَقْ ِسطُوا إِ َّن اللَّهَ حُيِ ُّ
ب الْ ُم ْقسط َ
3
فقد مساهم اهلل مؤمنني مع اقتتاهلم" .
3ـ إطالق حكم الكفر :ليس كل من عمل عمالً أو قال قوالً
كفرياً يكون كافراً إال إذا وجدت الشروط يف حق ذلك املعني،
وانتفت املوانع اليت متنع استحقاقه لذلك احلكم ،فقد يقول اإلنسان
الكفر أو يعمله بإجتهاد أو خطأ وال يكفر به ،وذلك ملا يرتتب على
ذلك من األحكام الشرعية كإهدار دمه وزوال عصمة ماله وأوالده
وحترمي زوجته عليه وعدم حل ذبيحته وعدم جواز تغسيله والصالة عليه
ودفنه يف مقابر املسلمني وعدم جواز اإلستغفار له بعد موته ولورود
الوعيد الشديد على من أطلق كلمة الكفر على مسلم ومل يكن كذلك
ففي احلديث :من قال ألخيه يا كافر فقد باء هبا أحدمها.4
4ـ شروط التكفير:
222
اب ِّمن َقْبلِ ِه لََقالُوا َربَّنَا لَ ْواَل
اهم بِع َذ ٍ
ـ قال تعاىلَ " :ولَ ْو
أَنَّا أ َْهلَ ْكنَ ُ َ
ك ِمن َقْب ِل أَن نَّ ِذ َّل َوخَن َْزى" (طه ،آية َفنَتَّبِ َع آيَاتِ َ
ت إِلَْينَا َر ُسواًل أ َْر َس ْل َ
.)134 :
وهذه النصوص الربانية تفيد أن اهلل تعاىل ال يؤاحذ عباده إال بعد قيام
احلجة عليهم ،وعلمهم باحلق والصواب ،1وقد ثبت يف نصوص أخرى
أن اهلل ال يؤاخذ جاهل ،ولو كان جهله مبسائل يف العقيدة ،فقد قال
صلى اله عليه وسلم" :كان رجل يسرف على نفسه ،وملا حضره املوت
قال لبنيه :إذا أنا مت فأحرقوين ،مث أطحنوين ،مث ذروين يف الريح،
علي ليعذبين عذاباً ما عذبه أحد ،فلما مات فعل بهفواهلل لئن قدر َّ
ذلك ،فأمر األرض فقال" :أمجعي ما فيك منه ،ففعلت ،فإذا هو قائم،
فقال :ما محلك على ما صنعت؟ قال :يا رب خشيتك ،فغفر له ،ويف
رواية :خمافتك يا رب ،2فهذا الرجل كان قد وقع له الشك واجلهل يف
قدرة اهلل تعاىل على إعادة ابن آدم ،بعدما أحرق وذري وعلى أنه
يعيد امليت وحيشره إذا فعل ذلك ،وهذان أصالن عظيمان:
ـ أحدهما متعلق باهلل تعاىل ،وهو اإلميان بأن اهلل على كل شئ
قدير.
ـ والثاني متعلق باليوم اآلخر ،وهو اإلميان بأن اهلل يعيد هذا امليت
وجيزيه على أعماله.
ومع هذا فلما كان مؤمناً باهلل يف اجلملة ،ومؤمناً باليوم اآلخر يف
اجلملة وهو أن اهلل يثيب ويعاقب بعد املوت قد عمل صاحلاً ،وهو
خوفه من اهلل أن يعاقبه على ذنوبه ،غفر اهلل له مبا كان منه من
اإلميان باهلل ،واليوم اآلخر ،والعمل الصاحل.3
فغري موضع أنه ال يكلف نفساً إآل وسعها ،كقوله تعاىل " :الَ يُ َكلِّ ُ
َّ ِ ِ
ين َآمنُواْ اللّهُ َن ْف ًسا إالَّ ُو ْس َع َها" (البقرة ،آية ،)286 :وقوله تعاىلَ " :والذ َ
ف َن ْف ًسا إِالَّ ُو ْس َع َها" (األعراف ،آية ،)42 : وع ِملُواْ َّ حِل ِ
الصا َات الَ نُ َكلِّ ُ ََ
استَطَ ْعتُ ْم" (التغابن ، وأمر بتقوه بقدر االستطاعة فقال " :فَ َّات ُقوا اللَّهَ َما ْ
آية .)16 :
5ـ موانع التكفير:
إن احلكم على الشخص املعني يتوقف على وجود شروط وإنتفاء
موانع ،ومن موانع التكفري ،اخلطأ ،اجلهل ،العجز ،واإلكراه.
1ظاهرة الغلو في الدين في العصر الحديث صـ ،272الحديث صحيح رواه الشيخان.
2مستدرك الحاكم ( ،)257 / 2نصب الراية للزيلمي (.)158 / 4
3تفسير ابن كثير (.)588 ، 587 / 2
225
ِ ِ
َخطَأْنَا" (البقرة أ ـ فالخطأ :لقوله تعاىلَ " :ربَّنَا الَ ُت َؤاخ ْذنَا إِن نَّسينَا أ َْو أ ْ
،آية .)286 :
َخطَأْمُت بِِه" (األحزاب ،آية : وقال تعاىل" :ولَيس علَي ُكم جن ِ
يما أ ْ اح ف َ َ ْ َ َ ْ ْ َُ ٌ
.)5ووجود اخلطأ من املسلم أحد موانع تكفري املعني ،كما أن اهلل أمر
الناس أن يطلبوا احلق على قدر وسعه وإمكاهنم ،فإن مل يصيبوا احلق
يف إجتهادهم ،فال يكلف اهلل نفساً إال وسعها ،والواجب يف حقه أن
يعبد اهلل حبسب ما توصل إليه إجتهاده ،إن كان مؤهالً لإلجتهاد
وبذل وسعه يف طلب احلق.
أن األدلة من الكتاب والسنة متضافرة على أن اجملتهد املخطئ معذور،
كما دل اإلمجاع والقياس على ذلك.1
ين لِئَالَّ يَ ُكو َن لِلن ِ
َّاس ر ب ـ الجهل :قال تعاىلُّ " :رسالً ُّمب ِّش ِرين وم ِ
نذ ِ
ُ َ َ َُ َ
ِ َعلَى اللّ ِه ُح َّجةٌ َب ْع َد ُّ
يما" (النساء ،آية : الر ُس ِل َو َكا َن اللّهُ َع ِز ًيزا َحك ً
ث َر ُسوالً" (اإلسراء ، ني َحىَّت َنْب َع َ ،)165وقال تعاىلَ " :و َما ُكنَّا ُم َع ِّذبِ َ
آية .)15 :
فاجلهل أحد موانع تكفري املعني ألن اإلميان متعلق بالعلم ،ووجود العلم
باملؤمن به شرط من شروط اإلميان به.2
ج ـ العجز :قال تعاىلَ ":و َما لَ ُك ْم الَ ُت َقاتِلُو َن يِف َسبِ ِيل اللّ ِه
َخ ِر ْجنَا الرج ِال والنِّساء والْ ِولْ َد ِان الَّ ِ ضع ِفني ِ
ين َي ُقولُو َن َربَّنَا أ ْ َ ذ َ َ َ َ ِّ ن
َوالْ ُم ْستَ ْ َ َ َ
م
اج َعل لَّنَا ِمن ِ مِل ِِ
نك َوليًّا َو ْ اج َعل لَّنَا ِمن لَّ ُد َ ِ
م ْن َهـذه الْ َق ْريَة الظَّا ِ أ َْهلُ َها َو ْ
ِ
ص ًريا" (النساء ،آية .)75 :فأولئك كانوا عاجزين عن إقامة نك نَ ِ
لَّ ُد َ
دينهم فقد سقط ما عجزوا عنه.3
ِ ِِ ِِ ِ ِ َّ ِ
يم ُكنتُ ْم اه ُم الْ َمآلئ َكةُ ظَالمي أَْن ُفسه ْم قَالُواْ ف َ ين َت َوفَّ ُوقوله تعاىل ":إ َّن الذ َ
ض اللّ ِه َو ِاس َعةً ني يِف األ َْر ِ قَالُواْ ُكنَّا مست ْ ِ
ض قَالْ َواْ أَمَلْ تَ ُك ْن أ َْر ُ ض َعف َ ُ َْ
1منهج ابن تيمية في مسألة التكفير (.)257 ، 249 / 1
2المصدر نفسه (.)261 / 1
3الفتاوى (.)221 ،19/220
226
ني صريا* إِالَّ الْمست ْ ِ ك مأْواهم جهنَّم وس ْ ِ ِ ِ ِ
ض َعف َ ُ َْ اءت َم ً َفُت َهاجُرواْ ف َيها فَأ ُْولَـئ َ َ َ ُ ْ َ َ ُ َ َ
ِّساء َوالْ ِولْ َد ِان الَ يَ ْستَ ِطيعُو َن ِحيلَةً َوالَ َي ْهتَ ُدو َن َسبِيالً* ِمن ِّ ِ
الر َجال َوالن َ َ
ورا" (النساء ، ك َع َسى اللّهُ أَن َي ْع ُف َو َعْن ُه ْم َو َكا َن اللّهُ َع ُف ًّوا َغ ُف ً فَأ ُْولَـئِ َ
آية 97 :ـ .)99فهذه اآليات يف مجاعة من املؤمنني كانوا يستخفون
بإمياهنم ،وهم عاجزون عن اهلجرة ،فعذرهم اهلل تعاىل.1
ومثال آخر على موانع التكفري ،العجز ،أن النجاشي كان ملك
النصارى يف احلبشة ،فلم يطعه قومه يف الدخول يف اإلسالم ،ومل
يدخل معه سوى نفر يسري منهم ،فلما مات ،صلى عليه النيب صلى
اهلل عليه وسلم باملدينة ،خرج باملسلمني إىل املصلى ،فصفهم صفوفاً،
وصلى عليهم وأخربهم مبوته يوم مات فقال :قد تويف اليوم رجل صاحل
من احلبش فهلموا فصلوا عليه .2وكثري من شرائع اإلسالم مل يكن دخل
فيها لعجزه عن ذلك ،فلم يهاجر ،ومل جياهد ،بل قد روي أنه مل
يصل الصلوات اخلمس ،وال يصوم رمضان ،وال يؤدي الزكاة الشرعية،
ألن ذلك يظهر عند قومه فينكرون عليه وهو ال ميكنه خمالفتهم ويعلم
قطعاً أنه مل يكن ميكنه أن حيكم بينهم حبكم القرآن ،ألن قومه ال
يقرونه على ذلك ،وهلذا جعل اهلل هؤالء من أهل الكتاب الذين آمنوا
اب لَ َمن بالنيب صلى اهلل عليه وسلم قال تعاىل ":وإِ َّن ِمن أ َْه ِل الْ ِكتَ ِ
ْ َ
ني لِلّ ِه الَ يَ ْشَتُرو َن ِِ ِ ِ
يُ ْؤم ُن بِاللّه َو َما أُن ِز َل إِلَْي ُك ْم َو َمآ أُن ِز َل إِلَْي ِه ْم َخاشع َ
َجر ُهم ِع َ ِ ِ ِ بِآي ِ
ند َرهِّب ْم إ َّن اللّهَ َس ِر ُ
يع ك هَلُ ْم أ ْ ُ ْ ات اللّ ِه مَثَنًا قَليالً أ ُْولَـئِ َ َ
اب" (آل عمران ،آية .)199 : احْلِس ِ
َ
وقال بعض العلماء هذه اآلية :إهنا نزلت يف النجاشي ،ومنهم من قال:
فيه ويف أصحابه ،3وكذلك ما أخرب به عن حال مؤمن آل فرعون مع
قوم فرعون ،وعن حال إمرأة فرعون ،وكما كان يوسف الصديق ـ
1الفتاوى (.)19/220
2مسلم ( )3/55كتاب العجائز.
3فتاوى (19/217ـ .)219
227
عليه السالم ـ مع أهل مصر ،فإهنم كانوا كفاراً ومل ميكنه أن يفعل
معهم كل ما يعرفه من دين اإلسالم ،ألنه دعاهم إىل التوحيد واإلميان
فلم جييبوه.1
إن من عجز عن أداء ما شرع اهلل عليه ،واتقى اهلل ما أستطاع ،فإنه
معذور ،غري مؤاخذ على ما تركه.
س ـ اإلكراه :قال تعاىلَ ":من َك َفَر بِاللّ ِه ِمن َب ْع ِد إميَانِِه إِالَّ َم ْن أُ ْك ِر َه
ِ ِ ِ
ب ِّم َن ضٌ َو َق ْلبُهُ ُمطْ َمئ ٌّن بِا ِإلميَان َولَـكن َّمن َشَر َح بِالْ ُك ْف ِر َ
ص ْد ًرا َف َعلَْي ِه ْم َغ َ
يم" (النحل ،آية .)106 :كل ما أدى بشخص ِ ِ
اب َعظ ٌ اللّه َوهَلُ ْم َع َذ ٌ
لو مل يفعل املأمور به إىل ضرب أو حبس ،أو أخذ مال ،أو قطع
رزق يستحقه أو حنو ذلك 2وشروطه أربعة:
ـ أن يكون فاعله قادراً على إيقاع ما يهدد به ،واملأمور عاجزاً عن
الدفع ،ولو بالفرار.
ـ أن يغلب على ظن املكره أنه إذا امتنع أوقع به ما هدده به.
ـ أن يكون ما هدده به فورياً ،أو بعد زمن قريب جداً ،أو جرت
العادة أنه ال خيلف ما هدده به.
ـ أن ال يظهر من املأمور ما يدل على اختياره.3
6ـ ما يمحو الكفر بعد ثبوته على المعين:
التوبة :هي رجوع العبد إىل اهلل ،ومفارقته لصراط املغضوب عليهم
والضالني.4
واهلل سبحانه وتعاىل يقبل توبة العبد من مجيع الذنوب ،الشرك فما
َسَرفُوا َعلَى أَن ُف ِس ِه ْم اَل دونه ،كما قال تعاىل ":قُل يا ِعب ِادي الَّ ِ
ين أ ْ
َ ذ ْ َ َ َ
الذنُ َ ِ ِ
وب مَج ًيعا إنَّهُ ُه َو الْغَ ُف ُ
ور َت ْقنَطُوا ِمن رَّمْح َِة اللَّ ِه إِ َّن اللَّهَ َي ْغ ِفر ُّ
ُ
1تفسير الطبري (4/218ـ .)219
2مناهج ابن تيمية في مسألة التكفير (.)1/266
3فتح الباري (.)12/311
4مدارج السالكين (.)2/199
228
ين قَالُواْ إِ َّن َّ ِ َّ َّ ِ
يم" (الزمر ،آية .)53 :وقال تعالى ":ل َق ْد َك َفَر الذ َ الرح ُ
ث ثَالَثٍَة وما ِمن إِلَ ٍـه إِالَّ إِلَـه و ِ
اح ٌد َوإِن مَّلْ يَ َنت ُهواْ َع َّما َي ُقولُو َن ِ
ٌ َ ََ ْ اللّهَ ثَال ُ
ِ ِ ِ ِ َّ ِ
يم* أَفَالَ َيتُوبُو َن إِىَل اللّه َويَ ْسَت ْغفُرونَهُ
اب أَل ٌين َك َفُرواْ مْن ُه ْم َع َذ ٌ لَيَ َم َّس َّن الذ َ
ِِ ِ
يم" (املائدة ،آية .)74 ،73 :وقال تعاىل ":قُل للَّذ َ
ين ور َّرح ٌ َواللّهُ َغ ُف ٌ
ف" (األنفال ،آية .)38 : َك َفُرواْ إِن يَ َنت ُهواْ يُغَ َف ْر هَلُم َّما قَ ْد َسلَ َ
والتوبة متحو مجيع السيئات وليس شيء يغفر مجيع الذنوب إال التوبة
ومعلوم أن من سب الرسول من الكفار احملاربني ،وقال :هو ساحر ،أو
شاعر أو جمنون ،أو معلم ،أو مفرت ،وتاب ،تاب اهلل عليه ،وقد كان
طائفة يسبون النيب صلى اهلل عليه وسلم من أهل احلرب ،مث أسلموا
وحسن إسالمهم وقبل النيب صلى اهلل عليه وسلم منهم ،منهم أبو
سفيان بن احلارث بن بن عبد املطلب ابن عم النيب صلى اهلل عليه
وسلم وعبد اهلل ابن أيب السرح ،وكان قد ارتد ،وكان يكذب على
النيب صلى اهلل عليه وسلم ويقول :أنا كنت أعلمه القرآن ،مث تاب،
وأسلم وبايعه النيب صلى اهلل عليه وسلم على ذلك ،1فالتوبة هي األمر
الوحيد الذي ميحو اهلل به الكفر بعد ثبوته ،وقد انعقد اإلمجاع على
ذلك.2
ِ ِ ِِ ِ ِ
ت أ َْع َماهُلُ ْم ت َو ُه َو َكافٌر فَأ ُْولَـئِ َ
ك َحبِطَ ْ َو َمن َي ْرتَد ْد من ُك ْم َعن دينه َفيَ ُم ْ
اب النَّا ِر ُه ْم فِ َيها َخالِ ُدو َن" (البقرة ، َص َح ُ ك أْ اآلخَر ِة َوأ ُْولَـئِ َ
الد ْنيا و ِ
يِف ُّ َ َ
آية .)217 :
249
سبحانك اللهم وحبمدك ،أشهد أن ال إله إال أنت استغفرك وأتوب
إليك
فهرس الكتاب
املقدمة
الفصل األول :كلمة الشهادة ال إله إال اهلل حممد رسول اهلل
املبحث األول :معىن ال إله إال اهلل وفضلها وشروطها
أوالً :معىن ال إله إال اهلل
ثانياً :فضل كلمة ال إله إال اهلل
ثالثاً :أفضل الذكر ال إله إال اهلل
رابعاً :أشعة كلمة التوحيد ،تبدد ظلمات القلوب
خامساً :التوافق بني ال إله إال اهلل ((وإياك نعبد))
سادساً :شروط ال إله إال اهلل
1ـ العلم
2ـ اليقني
3ـ القبول ملا اقتضته هذه الكلمة بالقلب واللسان
4ـ االنقياد ملا دلت عليه املنايف لرتك ذلك
5ـ الصدق املنايف للكذب
6ـ اإلخالص
7ـ احملبة
سابعاً :ارتباط ال إله إال اهلل بالوالء والرباء
ـ اسوة حسنة يف الوالء والرباء من األمم املاضية
ـ إبراهيم عليه السالم
ثامناً :آثار اإلقرار بـ ((ال إله إال اهلل))
املبحث الثاين :إثبات وجود اخلالق
250
أوالً :دليل اخللق
ثانياً :دليل الفطرة والعهد
ثالثاً :دليل اآلفاق
1ـ نقص األكسجني يف اإلرتفاعات
2ـ حركة النجوم والكواكب يف مداراهتا
3ـ دوران األرض واجلبال
4ـ حاجز بني حبرين ماحلني
5ـ إهتزاز األرض وزيادهتا باملطر
6ـ أوهن البيوت
رابعاً :دليل األنفس
1ـ اإلحساس واجللد
2ـ البصمات وحتديدها هلوية اإلنسان
خامساً :دليل اهلداية
1ـ النحل
2ـ اهلدهد
سادساً :دليل انتظام الكون وعدم فساده
سابعاً :دليل التقدير
ثامناً :دليل التسوية
املبحث الثالث :توحيد الربوبية
1ـ سنن عامة
2ـ سنن خاصة
املبحث الرابع :توحيد األمساء والصفات
أوالً :األسس اليت يقوم عليها توحيد األمساء والصفات
ثانياً :أدلة هذا النوع من التوحيد
251
ثالثاً :أمساء اهلل احلسىن
1ـ أمساء اهلل تبارك وتعاىل كثرية
2ـ أمساء اهلل تبارك وتعاىل توقيفية
3ـ من أمساء اهلل احلسىن ما خيتص به سبحانه
4ـ من أمساء اهلل عز وجل ما جيوز أن يذكره وحده منفرداً
5ـ معىن اإلحصاء يف قوله صلى اهلل عليه وسلم :أن هلل تسعة وتسعني
امساً مائة إال واحداً
رابعاً :الصفات اخلربية
1ـ الصفات العقلية
2ـ الصفات اخلربية
3ـ صفات ذاتية
أ ـ بعض الصفات الذاتية
ـ صفة احلياة
ـ صفة العلم
ـ صفة القدرة
ـ إثبات صفة السمع والبصر
ـ إثبات صفة الكالم
ـ علو اهلل على خلقه
ـ إثبات صفة اليدين
ب ـ بعض الصفات اخلربية
ـ صفة اجملئ
ـ صفة الرضا
ـ صفة السخط
ـ صفة الكراهة
252
ج ـ بعض الصفات اليت تطلق يف باب املقابلة
س ـ اهلل ينزه عن كل صفة نقص
4ـ صفات اهلل كلها صفات كمال
5ـ من لوازم استحقاق اهلل تعاىل لصفات الكمال وحده
6ـ نفي معاين أمسائه احلسىن من أعظم اإلحلاد فيه
7ـ آثار الصفات اإلهلية يف النفس والكون واحلياة
خامساً :أثر الصفات اإلهلية على األخالق
1ـ التخلق بالقدوس ((القدوس))
2ـ التخلق بالسالم ((السالم))
3ـ التخلق باإلميان ((املؤمن))
4ـ التخلق باهليمنة ((املهيمن))
5ـ التخلق بالعزة ((العزيز))
6ـ التخلق باجلرب ((اجلبار))
7ـ التخلق بالتكرب عن الرذائل ((املتكرب))
8ـ التخلق باحللم ((احلليم))
9ـ التخلق بالصرب ((الصبور))
10ـ التخلق باإلعزاز ((املعز))
11ـ التخلق باإلذالل ((املذل))
سادساً :وصف اهلل نفسه باملغفرة ال يعين اإلسراف يف املعاصي
املبحث اخلامس :توحيد األلوهية
أوالً :تعريفه ومكانته خاصة
ثانياً :الطريقة القرآنية يف الدعوة لتوحيد األلوهية
ثالثاً :معىن العبادة وشروط قبوهلا
الشرط األول :اإلخالص
253
الشرط الثاين :يف قبول العبادة املوافقة للشرع
رابعاً :حقيقة العبادة
خامساً :أنواع العبادة
1ـ الدعاء
أ ـ التوسل إىل اهلل بأمسائه احلسىن أو صفة من صفاته
ب ـ التوسل إىل اهلل تعاىل باألعمال الصاحلة
ج ـ التوسل إىل اهلل تعاىل بدعاء الصاحلني األحياء
2ـ النذر
3ـ الذبح
4ـ التوكل
5ـ اإلستعانة
6ـ اإلستغاثة
7ـ اخلشية
8ـ اخلوف
9ـ احملبة
سادساً :أفضل العبادات
سابعاً :حتكيم الشريعة وارتباطها بالتوحيد
1ـ ربطها بتوحيد العبادة
2ـ ربطها بتوحيد الربوبية
3ـ ربطها بتوحيد األمساء والصفات
4ـ ربطها باإلميان
5ـ ربطها باإلسالم
6ـ ربطها بالشهادتني
7ـ طاعة غري اهلل واإلعراض عنه كفر وشرك
254
ثامناً :اآلثار احلسنة للحكم مبا أنزل اهلل
1ـ اإلستخالف
2ـ األمن واإلستقرار
3ـ النصر والفتح
4ـ العز والشرف
5ـ بركة العيش ورغده
6ـ اهلداية والتثبيت
7ـ الفالح والفوز
8ـ املغفرة وتكفري السيئات
والص ّدقني
ّ 9ـ مرافقة النبيني
تاسعاً :اآلثار السيئة للحكم بغري ما أنزل اهلل
1ـ قسوة القلب
2ـ الضالل
3ـ الوقوع يف النفاق
4ـ احلرمان من التوبة
الص ُّد عن سبيل اهلل5ـ ّ
6ـ غياب األمن وانتشار الفوضى
7ـ انتشار العداوة والبغضاء
8ـ احلرمان من النصر والتمكني
9ـ هول العقاب الذي ينتظر املبدلني لشرعه
10ـ اإلهانة عند قبض االرواح
11ـ األكل من النار وغضب اجلبار
12ـ العذاب املهني
عاشراً :محاية الرسول صلى اهلل عليه وسلم لتوحيد األلوهية
255
1ـ النهي عن الغلو واإلطراء
2ـ زيارة القبور والنهي عن اختاذها مساجد
3ـ الرقي والتمائم
4ـ االستسقاء باألنواء
5ـ السحر
6ـ الكهانة
7ـ الشفاعة
املبحث السادس :اإلميان
أوالً :اإلميان لغة وشرعاً وزيادة ونقصاناً
ثانياً :اإلسالم واإلميان واإلحسان
ثالثاً :أصل اإلميان
رابعاً :األسس اليت يقوم عليها اإلميان باهلل عز وجل
1ـ الكفر بالطاغوت
2ـ اإلميان بالغيب
3ـ امتثال األوامر واجتناب النواهي
4ـ اإلخالص هلل يف العبادة
5ـ صدق املتابعة للنيب صلى اهلل عليه وسلم
6ـ العلم
خامساً :شرح بعض اآليات القرآنية حتدثت عن اإلميان
1ـ زينة اإلميان
2ـ نور اإلميان
3ـ روح اإلميان
سادساً :أسباب قوة اإلميان
1ـ معرفة أمساء اهلل احلسىن
256
2ـ تدبر القرآن على وجه العموم
3ـ معرفة النيب صلى اهلل عليه وسلم
4ـ التفكر يف الكون والنظر يف األنفس
5ـ اإلكثار من ذكر اهلل يف كل وقت
أ ـ احلياة الطيبة احلقيقية
ب ـ القوة يف األبدان واحياء املعاش واجلهاد
ج ـ رقة القلب وخشوعه
س ـ النجاة من العذاب
ر ـ من السبعة الذين يظلهم اهلل يف ظله يوم القيامة
ز ـ تكثري الشهود يوم القيامة
6ـ معرفة حماسن الدين
7ـ اإلجتهاد يف التحقق يف مقام اإلحسان
8ـ الدعوة إىل اهلل
9ـ توطني النفس على مقاومة ما ينايف اإلميان
10ـ معرفة حقيقة الدنيا واعتبارها ممر لآلخرة
سابعاً :صفات املؤمنني
1ـ سورة املؤمنني
أ ـ اخلشوع يف الصالة
ب ـ اإلعراض عن اللغو
ج ـ تطهريهم ألنفسهم بأداء الزكاة
ح ـ حفظ الفروج
خ ـ رعاية األمانة والعهد
س ـ احملافظة على الصلوات
2ـ سورة الفرقان
257
أ ـ السكينة والوقار
ج ـ احللم
ح ـ إحياء الليل بالصالة
ر ـ القصد واإلعتدال يف اإلنفاق
ز ـ عدم الشرك باهلل والتحرج عن قتل النفس والزنا
س ـ عدم شهادة الزور
ثامناً :من فوائد اإلميان ومثراته
1ـ االغتباط بوالية اهلل اخلاصة
2ـ الفوز برضا اهلل تعاىل
3ـ دفاع اهلل عن املؤمنني
4ـ احلياة الطيبة
5ـ حصول البشارة بكرامة اهلل
6ـ حصول الفالح واهلدى
7ـ االنتفاع باملواعظ والتذكري
8ـ قطع الشكوك اليت تضر بالدين
9ـ ملجأ املؤمنني
10ـ املنع من الوقوع يف املوبقات املهلكة
11ـ الشكر والصرب
12ـ تأثريه على األعمال واألقوال
13ـ هداية اهلل إىل الصراط املستقيم
14ـ حمبة اهلل واملؤمنني من خلقه
15ـ رفع اهلل ملكانتهم
املبحث السابع :نواقض التوحيد واإلميان
أوالً :الشرك
258
ثانياً :أنواع الشرك
1ـ الشرك األكرب
أ ـ شرك الدعاء
ب ـ شرك النية واإلرادة والقصد
ج ـ شرك الطاعة
ح ـ شرك احملبة
ـ مثل املشرك بالساقط من السماء
ـ مثل املشرك باحلريان يف األرض
ـ مثل املشرك بالعبد اململوك جبماعة كثريين
2ـ الشرك األصغر
3ـ الفرق بني الشرك األكرب واألصغر
4ـ آثار الشرك
ثانياً :الكفر
ـ أنواع الكفر
1ـ كفر أكرب
أ ـ كفر التكذيب
ب ـ اإلباء واستكبار
ج ـ كفر اإلعراض
ح ـ كفر الشك
ر ـ كفر النفاق
2ـ كفر أصغر
3ـ إطالق حكم الكفر
4ـ شروط التكفري
أ ـ العلم
259
ب ـ العمد
ج ـ االختيار والقدرة
5ـ موانع التكفري
أ ـ اخلطأ
ب ـ اجلهل
ج ـ العجز
س ـ اإلكراه
6ـ ما ميحو الكفر بعد ثبوته على املعني
ثالثاً :األمثال القرآنية للكافرين
1ـ السراب وأعمال الكفار
2ـ ظلمات الكفر
3ـ الرماد وأعمال الكفار
4ـ نفقة الكفار والريح الشديدة
5ـ قلب املوحد وقلب الكافر
رابعاً :النفاق
1ـ أنواع النفاق
أ ـ نفاق االعتقاد
ب ـ النفاق العملي
2ـ من أبرز صفات املنافقني
أ ـ اإلفساد يف األرض
ب ـ خداع املؤمنني
ج ـ اإلعراض عن التحاكم إىل شرع اهلل
د ـ األمر باملعروف والنهي عن املنكر
هـ ـ اختاذ الكافرين أولياء من دون املؤمنني
260
خامساً :الردة
1ـ أنواع الردة
2ـ األحكام اليت ترتتب على االرتداد
3ـ األشياء اليت يصري فيها املسلم مرتداً
سادساً :الفسق
1ـ فسق ينقل من امللة
2ـ فسق ال ينقل من امللة
سابعاً :املعاصي :الكبائر والصغائر
1ـ املعاصي
2ـ أنواع املعاصي
3ـ تعريف الكبرية
4ـ تعريف الصغائر
5ـ حكم مرتكب الكبرية
6ـ اخلامتة
7ـ فهرس الكتاب
8ـ املؤلف يف سطور
261
المؤلف في سطور
263
33ـ الدولة الفاطمية.
34ـ حركة الفتح اإلسالمي يف الشمال األفريقي.
35ـ صالح الدين األيويب وجهوده يف القضاء على الدولة الفاطمية
وحترير البيت املقدس.
36ـ إسرتاتيجية شاملة ملناصرة الرسول صلى اهلل عليه وسلم دروس
مستفادة من احلروب الصليبية.
37ـ الشيخ عز الدين بن عبد السالم سلطان العلماء.
38ـ احلمالت الصليبية (الرابعة واخلامسة والسادسة والسابعة) واأليوبيون
بعد صالح الدين.
39ـ املشروع املغويل عوامل اإلنتشار وتداعيات اإلنكسار.
40ـ سيف الدين قطز ومعركة عني جالوت يف عهد املماليك.
41ـ اإلميان باهلل جل جالله
264