You are on page 1of 9

‫‪ 1‬من ‪9‬‬

‫فضل أيام التشريق‬ ‫عنوان الخطبة‬


‫‪ /1‬فض ائل أي ام التش ريق ‪ /2‬أفضل أعم ال أي ام التش ريق ‪ /3‬فض ائل ذكر اهلل‬ ‫عناصر الخطبة‬
‫تع الى ‪ /4‬تس خير األنع ام لإلنس ان وط رق ش كر ه ذه النعمة ‪ /5‬وج وب‬
‫الحرص على اغتنام أيام المغفرة والرحمة‪.‬‬
‫خالد بن محمد بابطين‬ ‫الشيخ‬
‫‪8‬‬ ‫عدد الصفحات‬
‫‪10806‬‬ ‫رقم الخطبة في الموقع‬

‫اخلطبة األوىل‪:‬أما بعد‪ :‬فإننا اليوم يف أعظم أيام السنة على اإلطالق‪ ،‬إنه‬
‫يوم النحر يوم احلج األكرب‪ ،‬وهو أفضل أيام املناسك وأظهرها وأكربها‬
‫مجيعاً‪ .‬فعن ابن عمر قال‪" :‬وقف رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬يوم‬
‫النحر عند اجلمرات يف حجة الوداع فقال‪ :‬هذا يوم احلج األكرب"‪.‬وذكر‬
‫اهلل –تعاىل‪ -‬يف هذا اليوم وأيام التشريق من أفضل العبادات وأجلّها‪ ,‬بل‬
‫عده معاذ بن جبل ‪-‬رضي اهلل عنه‪ -‬أفضل عبادة على اإلطالق‪ ,‬إذ قال‪:‬‬
‫"ما َع ِم َل آدمي عمالً أجنى له من عذاب اهلل من ذكر اهلل تعاىل‪ ,‬قالوا‪ :‬يا‬
‫أبا عبد الرمحن! وال اجلهاد يف سبيل اهلل؟ قال‪ :‬وال‪ ,‬إال أن يضرب بسيفه‬
‫(ولَ ِذ ْك ُر اللَّ ِه أَ ْكَبُر) [العنكبوت‪:‬‬
‫حىت ينقطع"؛ ألن اهلل يقول يف كتابه‪َ :‬‬
‫‪ ،]45‬فذ ْكره تعاىل فيه حياة القلوب وطمأنينتها وسكينتها‪ ،‬كما قال‬
‫‪ 2‬من ‪9‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬
‫وب) [الرعد‪َ .]28 :‬م ْن ذَ َكَر اهلل يف‬ ‫تعاىل‪( :‬أَال بذ ْك ِر اللَّه تَطْ َمئ ُّن الْ ُقلُ ُ‬
‫كل أحيانه هانت عليه الدنيا وما فيها‪ ,‬فال يشقى هبا‪ ,‬ألنه يذكر خالقها‪,‬‬
‫ويعلم أن ما عنده خري وأبقى‪ .‬أيام التشريق أيام ذكر اهلل ‪-‬تعاىل‪-‬‬
‫احلق أن يُذكر اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬ويُشكر يف كل وقت‬ ‫وشكره‪ ،‬وإن كان ُّ‬
‫وحني‪ ,‬لكن يتأكد يف هذه األيام املباركة‪ .‬روى نبيشة اهلذيل رضي اهلل‬
‫عنه أن النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬أيام التشريق أيام أكل‬
‫وشرب وذكر اهلل" (أخرجه مسلم)‪ .‬ويف رواية لإلمام أمحد‪" :‬من كان‬
‫صائماً فليفطر فإهنا أيام أكل وشرب" (صحيح مسلم)‪ .‬ويف صحيح‬
‫البخاري من حديث عائشة ‪-‬رضي اهلل عنها‪" :-‬مل يرخص يف صيام أيام‬
‫التشريق أن يصمن إال ملن مل جيد اهلدي"‪ .‬وهي األيام املعدودات اليت قال‬
‫ات) [البقرة‪،]200 :‬‬ ‫اهلل عز وجل فيها‪( :‬واذْ ُكروا اللَّه يِف أَيَّ ٍام مع ُدود ٍ‬
‫َْ َ‬ ‫َ ُ َ‬
‫وجاء يف حديث عبد اهلل بن قرط أن النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬قال‪:‬‬
‫"أعظم األيام عند اهلل يوم النحر‪ ،‬مث يوم ال َقّر" أخرجه اإلمام أمحد ‪ ..‬وملا‬
‫يكملون‬
‫كانت هذه األيام هي آخر أيام موسم فاضل‪ ,‬فاحلجاج فيها ِّ‬
‫حجهم‪ ,‬وغري احلجاج خيتموهنا بالتقرب إىل اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬بالضحايا بعد‬
‫حب أن خُي تم هذا املوسم بذكر اهلل‬ ‫عمل صاحل يف أيام العشر؛ استُ َّ‬
‫‪-‬تعاىل‪ -‬للحجاج وغريهم‪ .‬وتلك سنة سنَّها اهلل عز وجل عقب انتهاء‬
‫بعض العبادات‪:‬‬
‫‪ 3‬من ‪9‬‬

‫فمن ذلك الذكر عقب الصالة؛ جاء القرآن العظيم باألمر به يف قوله‬
‫الصال َة فَاذْ ُك ُروا اللَّهَ قِيَاماً َو ُقعُوداً َو َعلَى ُجنُوبِ ُك ْم) ‪..‬‬ ‫ضْيتُ ُم َّ‬ ‫تعاىل‪( :‬فَِإ َذا قَ َ‬
‫الصالةُ فَا ْنتَ ِشروا يِف‬
‫ت َّ‬ ‫ضي ِ‬ ‫ِ‬
‫ويف ذكر صالة اجلمعة قال تعاىل‪( :‬فَِإ َذا قُ َ‬
‫ُ‬
‫ض ِل اللَّ ِه َواذْ ُكُروا اللَّهَ َكثِرياً لَ َعلَّ ُك ْم ُت ْفلِ ُحو َن)‪.‬‬‫ض َو ْابَتغُوا ِم ْن فَ ْ‬ ‫اأْل َْر ِ‬
‫ِ‬
‫ضْيتُ ْم َمنَاس َك ُك ْم فَا ْذ ُك ُروا اللَّهَ‬ ‫وعقب احلج أمر بذلك فقال تعاىل‪( :‬فَِإ َذا قَ َ‬
‫َش َّد ِذ ْكراً)‪ ..‬وينبغي للذاكر أن يتدبر الذكر الذي‬ ‫ِ‬
‫َكذ ْك ِر ُك ْم آبَاءَ ُك ْم أ َْو أ َ‬
‫يقوله‪ ,‬ويفهم معناه‪ ،‬فذلك أدعى للخشوع والتأثر به‪ ,‬ومن مث صالح‬
‫القلب‪.‬قال ابن القيم ‪-‬رمحه اهلل تعاىل‪" :-‬وأفضل الذكر وأنفعه ما واطأ‬
‫القلب اللسا َن‪ ,‬وكان من األذكار النبوية‪ ,‬وشهد الذاكر معانيه‬ ‫فيه ُ‬
‫ومقاصده"‪ .‬ويتأكد يف هذه األيام املباركة؛ التكبري املقيد بأدبار الصلوات‬
‫املكتوبات‪ ,‬والتكبري املطلق يف كل وقت إىل غروب مشس اليوم الثالث‬
‫عشر‪ ،‬للحجاج ولسائر أهل األمصار‪ ..‬وقد كان عمر ‪-‬رضي اهلل عنه‪-‬‬
‫يكرب يف قبته مبىن فيسمعه أهل املسجد فيكربون‪ ,‬ويكرب أهل األسواق‬
‫مىن تكبرياً ‪ ..‬وكان ابن عمر ‪-‬رضي اهلل عنهما‪ -‬يكرب مبىن‬ ‫حىت ترتج ً‬
‫تلك األيام‪ ,‬وخلف الصلوات‪ ,‬وعلى فراشه‪ ,‬ويف فسطاطه وجملسه‬
‫وممشاه تلك األيام مجيعاً ‪ ..‬وكانت ميمونة زوج النيب ‪-‬صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ورضي اهلل عنها‪ -‬تكرب يوم النحر‪ ،‬وكان النساء يكربن خلف أبان‬
‫بن عفان وعمر بن عبد العزيز ليايل التشريق مع الرجال يف املساجد كما‬
‫يف صحيح البخاري‪ .‬بل بلغ من أمهية التكبري املقيد بأدبار الصلوات أن‬
‫‪ 4‬من ‪9‬‬

‫العلماء قالوا‪ :‬يقضيه إذا نسيه‪ ,‬فإذا نسي أن يكرب عقب الصالة فإنه يكرب‬
‫الفصل بني الصالة‬ ‫ُ‬ ‫إذا ذكر‪ ،‬ولو أحدث أو خرج من املسجد ما مل يَطُ ِل‬
‫والتكبري ‪ ..‬وهكذا التكبري املطلق مشروع أيضاً يف األسواق ويف البيوت‬
‫ويف املساجد ويف الطرقات؛ تعظيماً هلل ‪-‬تعاىل‪ -‬وإجالالً له‪ ,‬وإظهاراً‬
‫لشعائره ‪.‬عباد اهلل‪:‬‬
‫أيام التشريق جيتمع فيها للمؤمنني نعيم أبداهنم باألكل والشرب‪ ,‬ونعيم‬
‫ض ِل اللَّ ِه َوبَِرمْح َتِ ِه‬
‫قلوهبم بالذكر والشكر‪ ,‬وبذلك تتم النعمة (قُ ْل بَِف ْ‬
‫ك َف ْلَي ْفَر ُحوا ُه َو َخْيٌر مِم َّا جَيْ َمعُو َن) [يونس‪ ]58 :‬وكلما أحدثوا‬ ‫ِ‬
‫فَبِ َذل َ‬
‫شكرهم نعمةً أخرى‪ ,‬فيحتاج إىل شكر آخر!!‬ ‫شكراً على النعمة كان ُ‬
‫فال ينتهي الشكر أبداً‪.‬وهلذا كان لزاماً على املؤمن أن يستعني بالنعمة‬
‫على الطاعة‪ ،‬قال احلافظ ابن رجب رمحه اهلل يف «لطائف املعارف»‪:‬‬
‫"ويف قول النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪" :-‬إهنا أيام أكل وشرب وذكر هلل‬
‫عز وجل" إشارةٌ إىل أن األكل يف أيام األعياد والشرب إمنا يستعان به‬
‫على ذكر اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬وطاعته‪ ,‬وذلك من متام شكر النعمة أن يستعان‬
‫هبا على الطاعات‪ ,‬وقد أمر اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬يف كتابه باألكل من الطيبات‬
‫والشكر له‪ ,‬فمن استعان بنعم اهلل على معاصيه فقد كفر نعمة اهلل‪ ،‬وبدَّهلا‬
‫جدير أن يُ ْسلَبَها!! كما قيل‪:‬‬
‫كفراً‪ ،‬وهو ٌ‬
‫إذا كنت يف نعمة فارعها *** فإن املعاصي تُزيل النعم‬
‫وداوم عليه بشكر اإلله *** فشكر اإلله يُزيل النقم‬
‫‪ 5‬من ‪9‬‬

‫وخصوصاً نعمة األكل من حلوم هبيمة األنعام‪ ,‬كما يف أيام التشريق‪ ,‬فإن‬
‫هذه البهائم مطيعة هلل ال تعصيه‪ ,‬وهي مسبحة هلل قانتةٌ‪ ،‬كما قال تعاىل‪:‬‬
‫(وإِ ْن ِم ْن َش ْي ٍء إال يُ َسبِّ ُح حِب َ ْم ِد ِه)‪ ،‬وإهنا تسجد له كما أخرب بذلك يف‬ ‫َ‬
‫ض ِمن دابَّةٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الس َم َاوات َو َما يِف اأْل َْر ِ ْ َ‬ ‫(وللَّه يَ ْس ُج ُد َما يِف َّ‬ ‫قوله تعاىل‪َ :‬‬
‫َن اللَّهَ يَ ْس ُج ُد لَهُ َم ْن‬‫َوالْ َمالئِ َكةُ َو ُه ْم ال يَ ْستَ ْكرِب ُو َن)‪.‬وقال تعاىل‪( :‬أَمَلْ َتَر أ َّ‬
‫َّج ُر‬
‫ال َوالش َ‬ ‫وم َواجْلِبَ ُ‬
‫ُّج ُ‬
‫س َوالْ َق َم ُر َوالن ُ‬‫َّم ُ‬
‫ض َوالش ْ‬
‫السماو ِ‬
‫ات َو َم ْن يِف اأْل َْر ِ‬ ‫يِف َّ َ َ‬
‫ِ‬ ‫اب و َكثِري ِمن الن ِ ِ‬
‫اب َو َم ْن يُِه ِن اللَّهُ فَ َما لَهُ‬
‫َّاس َو َكثريٌ َح َّق َعلَْيه الْ َع َذ ُ‬ ‫َّو ُّ َ ٌ َ‬ ‫َوالد َ‬
‫ٍ‬
‫ِم ْن ُم ْك ِرم إِ َّن اللَّهَ َي ْف َع ُل َما يَ َشاءُ) [احلج‪ ،]18 :‬ورمبا كانت أكثر ذكراً‬
‫هبيمة خري من راكبها‬ ‫هلل من بعض بين آدم‪ ,‬ويف املسند مرفوعاً‪" :‬رب ٍ‬
‫وأكثر هلل منه ذكراً" ‪..‬ويقول أيضاً‪" :‬وقد أخرب اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬يف كتابه أن‬
‫كثرياً من اجلن واألنس كاألنعام بل هم أضل‪ ,‬فأباح اهلل ‪-‬عز وجل‪-‬‬
‫ذبح هذه البهائم ‪ -‬املطيعة الذاكرة له‪ -‬لعباده املؤمنني حىت تتقوى هبا‬
‫أجل األغذية وألذها‪,‬‬ ‫أبداهنم‪ ,‬وتكمل لذاهُت م يف أكلهم اللحوم‪ ,‬فإهنا من ِّ‬
‫مع أن األبدان تقوم بغري اللحم‪ ،‬من النباتات وغريها؛ لكن ال تكمل‬
‫القوة والعقل واللذة إال باللحم‪ ,‬فأباح للمؤمنني قتل هذه البهائم واألكل‬
‫من حلومها‪ ,‬ليكمل بذلك قوة عباده وعقوهلم‪ ,‬فيكون ذلك عوناً هلم‬
‫وأعمال صاحلة ميتاز هبا بنو آدم على البهائم‪ ,‬ويتقوون‬ ‫ٍ‬ ‫على ٍ‬
‫علوم نافعة‪,‬‬
‫هبا على ذكر اهلل ‪-‬عز وجل‪."-‬إىل أن قال‪" :‬فأما من قتل هذه البهائم‬
‫املطيعة الذاكرة هلل ‪-‬عز وجل‪ ،-‬مث استعان بأكل حلومها على معاصي اهلل‬
‫‪ 6‬من ‪9‬‬

‫‪-‬عز وجل‪ ,-‬ونسي ذكر اهلل‪ ،‬فقد غلب األمر‪ ،‬وكفر النعمة‪ .‬فال كانت‬
‫البهائم خرياً منه وأطوع!!" اهـ كالم احلافظ ابن رجب‪..‬أعوذ باهلل‪:‬‬
‫اس َم اللَّ ِه‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اها لَ ُك ْم م ْن َش َعائ ِر اللَّه لَ ُك ْم ف َيها َخْيٌر فَاذْ ُك ُروا ْ‬
‫(والْبُ ْد َن َج َع ْلنَ َ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اف فَِإذَا َو َجبَ ْ‬
‫ت ُجنُوبُ َها فَ ُكلُوا مْن َها َوأَطْع ُموا الْ َقان َع َوالْ ُم ْعَتَّر‬ ‫ص َو َّ‬ ‫َعلَْي َها َ‬
‫اها لَ ُك ْم لَ َعلَّ ُك ْم تَ ْش ُك ُرو َن) [احلج‪.]36 :‬بارك اهلل يل ولكم‬ ‫ِ‬
‫ك َس َّخ ْرنَ َ‬ ‫َك َذل َ‬
‫يف القرآن العظيم ‪.......‬‬
‫‪ 7‬من ‪9‬‬

‫اخلطبة الثانية‪:‬‬
‫عباد اهلل‪:‬‬
‫إن تسخري هذه األنعام للناس من أعظم نعم اهلل على عباده‪ ،‬كما قال‬
‫ت أَيْ ِدينَا أَْن َعاماً َف ُه ْم هَلَا َمالِ ُكو َن‬ ‫مِم‬
‫سبحانه‪( :‬أ ََومَلْ َيَر ْوا أَنَّا َخلَ ْقنَا هَلُ ْم َّا َع ِملَ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب‬‫*وهَلُ ْم ف َيها َمنَاف ُع َو َم َشا ِر ُ‬ ‫اها هَلُ ْم فَمْن َها َر ُكوبُ ُه ْم َومْن َها يَأْ ُكلُو َن َ‬ ‫* َو َذلَّْلنَ َ‬
‫أَفَال يَ ْش ُك ُرو َن) [يس‪ .]72 -71 :‬قال ابن كثري ‪-‬رمحه اهلل تعاىل‪-‬‬
‫اها لَ ُك ْم لَ َعلَّ ُك ْم تَ ْش ُك ُرو َن)‪" :‬من‬ ‫ِ‬
‫ك َس َّخ ْرنَ َ‬ ‫معلقاً على قوله تعاىل‪َ ( :‬ك َذل َ‬
‫أجل هذا سخرناها لكم أي‪ :‬ذللناها لكم‪ ،‬وجعلناها منقادة لكم‬
‫خاضعة‪ ,‬إن شئتم ركبتم‪ ,‬وإن شئتم حلبتم‪ ,‬وإن شئتم ذحبتم"‪.‬‬
‫وقال أيضاً‪" :‬واهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬خلقها للعباد وليس حمتاجاً إليها‪ ،‬وال إىل‬
‫عباده؟ فهو الغين عن العاملني؟ ولكنه ‪-‬تعاىل‪ -‬خلقها تسخرياً للعباد‪,‬‬
‫وليتقربوا هبا إليه بإهراق دمها يف هذه األيام الفاضلة‪ ,‬كما قال تعاىل‪:‬‬
‫ِ‬ ‫وم َها َوال ِد َم ُاؤ َها َولَ ِك ْن َينَالُهُ َّ‬
‫ك‬‫الت ْق َوى ِمْن ُك ْم َك َذل َ‬ ‫ال اللَّهَ حُلُ ُ‬ ‫(لَ ْن َينَ َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ني) [احلج‪:‬‬ ‫َس َّخَر َها لَ ُك ْم لتُ َكِّب ُروا اللَّهَ َعلَى َما َه َدا ُك ْم َوبَ ِّش ِر الْ ُم ْحسن َ‬
‫‪."]37‬عباد اهلل‪:‬‬
‫يف النهي عن صيام أيام التشريق بعد العمل الصاحل يف عشر ذي احلجة ملن‬
‫مل حيج‪ ,‬وبعد أعمال احلج؛ يف هذا النهي عن الصيام والتمتع مبا أحل اهلل‬
‫من الطيبات إشارةٌ إىل حال املؤمنني يف الدنيا‪ .‬فإن الدنيا كلها أيام سفر‬
‫كأيام احلج‪ ,‬وهي زمان إحرام املؤمن عما حرم اهلل عليه من الشهوات‪,‬‬
‫‪ 8‬من ‪9‬‬

‫سفر‬
‫وكف عن اهلوى‪ ,‬فإذا انتهى ُ‬ ‫َّ‬ ‫فمن صرب يف مدة سفره على إحرامه‪,‬‬
‫عم ره‪ ,‬ووص ل إىل ُم ىن امل ىن فق د قض ى تفث ه ووىف ن ذره‪ ,‬فص ارت أيام ه‬
‫ُ‬
‫كله ا كأي ام م ىن‪ ,‬أي ام أك ل وش رب وذك ر هلل ‪-‬ع ز وج ل‪ ,-‬وص ار يف‬
‫ض يافة اهلل ‪-‬ع ز وج ل‪ -‬يف ج واره أب د األب د‪ ,‬وهلذا يق ال أله ل اجلن ة‪:‬‬
‫َس لَ ْفتُ ْم‬ ‫ِ مِب‬ ‫ِ مِب‬
‫( ُكلُوا َوا ْشَربُوا َهنيئاً َا ُكْنتُ ْم َت ْع َملُو َن) ‪ُ ( ..‬كلُوا َوا ْشَربُوا َهنيئ اً َا أ ْ‬
‫يِف اأْل َيَّ ِام اخْلَالِيَ ِة)‪َ .‬م ْن صام اليوم عن شهواته أفطر عليها غداً بعد وفاته‪,‬‬
‫ومن تعجل ما حرم عليم من لذاته عوقب حبرمان نصيبه من اجلنة وفواته‬
‫وشاهد ذلك‪" :‬من شرب اخلمر يف الدنيا مل يشرهبا يف اآلخرة‪ ,‬ومن لبس‬
‫احلري ر مل يلبس ه يف اآلخ رة"‪ .‬أال ف اتقوا اهلل أيه ا املس لمون‪ ,‬واعم روا‬
‫أوق اتكم ب ذكره وش كره وحس ن عبادت ه‪ .‬واذحبوا هلل ‪-‬تع اىل‪ -‬ه داياكم‬
‫وأُضحياتكم يف هذه األيام‪ ،‬وتأكدوا من سالمتها من العيوب‪ ،‬واختاروا‬
‫الس مان الص حيحة‪ ،‬واس ألوا اهلل القب ول ‪ ..‬وتفك روا يف تقلب األي ام‬ ‫ِّ‬
‫املفرط واحملسن مع اً ‪-‬‬ ‫والدهور!! فكما تنقضي هذه األيام الفاضلة على ِّ‬
‫مع الفارق الكبري بني عملهما‪ ،-‬فكذلك الدنيا تنقضي على اجلميع‪ ،‬ال‬
‫ِ‬
‫تؤخر العاص ي ليت وب‪ ,‬ب ل (إذَا َج اءَ‬ ‫تق دِّم احملس ن قب ل حل ول أجل ه‪ ,‬وال ِّ‬
‫اعةً َواَل يَ ْس َت ْق ِد ُمو َن) [النح ل‪ !!]61 :‬ولكن‬ ‫ِ‬
‫َجلُ ُه ْم اَل يَ ْس تَأْخ ُرو َن َس َ‬ ‫أَ‬
‫الطائع ينسى مشقة الطاعة‪ ,‬وصربه عليها‪ ,‬وصربه عن الشهوات‪ ,‬وجيد‬
‫حالوة األجر والثواب‪ ..‬وكذلك العاصي ينسى حالوة الشهوات‪ ،‬وجيد‬
‫‪ 9‬من ‪9‬‬

‫م رارة الس يئات ال يت ُكتبت علي ه من أج ر تض ييعه للف رائض وارتكاب ه‬


‫للنواهي‪ .‬اللهم أعز اإلسالم ‪.......‬‬

You might also like