You are on page 1of 13

‫دعاء ختم القرآن العظيم‬

‫مجع وتأليف‬
‫الشيخ أيب بكر بن حممد بن عمر املال األحسائي‬
‫تغمده اهلل برمحته‬

‫حققه وعين بنشره‬


‫خادم العلم‬
‫عبد اهلل بن إبراهيم األنصاري‬

‫طبع على نفقة‬


‫إدارة إحياء الرتاث اإلسالمى‬
‫بدولة قطر‬

‫‪1‬‬
‫[أ]‬

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬


‫مقدمة‬
‫احلمد هلل املوفق واهلادي إىل سواء السبيل‪ ،‬والصالة والسالم على الشافع املشفع املخصوص‬
‫بالتنـزيل من الرب اجلليل‪ ،‬وعلى آله وأصحابه الذين متسكوا هبدي كتاب رهبم واستقاموا علي العمل‬
‫والرتتيل‪.‬‬
‫وبعد ‪ :‬فال ريب أن أقرب شفيع للمسلم هو كتاب اهلل الذي ال يأتيه الباطل من بني يديه وال من‬
‫خلفه‪ ،‬تنـزيل من حكيم محيد‪ ،‬وأقرب مواطن اإلجابة لدعاء املسلم عند ختم كتاب اهلل‪ ،‬حني تتنـزل‬
‫مالئكة اهلل‪ ،‬على اجملتمعني لتدارس [ب] القرآن وختمه‪ .‬فال غرابة أن نبحث عن األدعية املأثورة‬
‫واملؤثرة لنسأل اهلل تعلى هبا يف مثل ذلك املوطن الشريف‪ ،‬وقد سطرنا بعض األدعية املأثورة يف أواخر‬
‫صفحات القرآن الكرمي يف طبعاتنا اليت قمنا باإلشراف عليها‪ ،‬وكم كنت أحبث عن هذا الدعاء‬
‫"دعاء ختم القرآن العظيم" للعامل الفاضل الشيخ أيب بكر بن حممد بن عمر املال األحسائي‪ ،‬حيث‬
‫كنت قد اطلعت عليه سابقًا‪ ،‬وكنت أختُذ قراءته والدعاء به يف مناسبة ختم القرآن‪ ،‬وقد فقدته بعد‬
‫ذلك‪ ،‬حيث طلبه بعض اإلخوان لالستفادة والتربك بدعائه‪ ،‬وبينما كنت أمتىن أن ألقاه أبرزه يل أحد‬
‫اإلخوان األفاضل وهو الشيخ حممد بن عبد الرمحن بن قاسم العبد الرمحن آل ثاين فثارت إراديت حاال‬
‫للسعي يف طبعه‪ ،‬فقلت له‪[ :‬جـ] إنا سوف نسعي يف طبعه‪ ،‬فدفعه ـ حفظه اهلل ـ دافع اخلري ونيل األجر‪،‬‬
‫فطلب مين أن يكون على نفقته ففرحت لذلك فرحة ثانية‪ ،‬رغبة إدراك األجر والثواب للشيخ‬
‫املذكور‪ ،‬إذ أن العلم الذي ينتفع به من خري ذخائر املرء الذي يبقى بعده‪ ،‬كما أخرب بذلك الصادق‬
‫بقوله‪" :‬إذا مات ابن آدم‪ ،‬انقطع عمله إال من ثالث‪ :‬صدقة جارية‪ ،‬وعلم ينتفع به‪،‬‬ ‫املصدوق‬
‫وولد صاحل يدعو له"‪.‬‬
‫فهو صدقة‬ ‫والشك أن طبع الكتب العلمية حيوز اثنتني من ثالث كما أخرب به الرسول‬
‫جارية وكذلك علم ينتفع به على مر السنني‪.‬‬
‫فشكر اهلل ألخينا يف هبته لنا هذه النسخة‪ ،‬ويف بذله قيمة الطبع‪ .‬فنسأل اهلل ـ سبحانه‬
‫وتعاىل‪[ -‬د] أن يضاعف األجر والثواب ملؤلفه وملن قام على طبعه ونفقته‪ ،‬وأن جيعل عملنا خالصًا‬
‫لوجهه الكرمي‪ ،‬وأن يبعدنا عن شوائب الرياء والسمعة‪ ،‬وأن يوفقنا مجعيًا لصاحل األعمال واألقوال إنه‬
‫مسيع قريب جميب‪.‬‬
‫وصلى اهلل على سيدنا حممد وعلى آله وأصحابه ومن تبع هديه إىل يوم الدين‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسالم على املرسلني واحلمد هلل رب العاملني‪.‬‬
‫خادم العلم‬
‫مديرإدارة إحياء التراث اإلسالمي‬
‫عبد اهلل بن إبراهيم األنصاري‬
‫غرة ذو القعدة ‪ 1403‬هـ‬
‫املوافق ‪ 1983 / 8 /9‬م‬
‫الدوحة ـ قطر‬

‫‪3‬‬
‫[‪]3‬‬

‫ِبْس ِم اِهلل اْلَّر َمْحِن الَّر ِح يِم (‪)1‬‬


‫اَحْلْم ُد ِهلل َر ِّب اْلَعاَلِم َني (‪ )2‬الَّر َمْحِن الَّر ِح يِم (‪َ )3‬م ِلِك َيْو ِم الِّديِن (‪ )4‬إَّياَك َنْع ُبُد َو إَّياَك َنْس َتِعُني (‪ )5‬اْه ِد َنا‬
‫الِّص َر اَط اْلُمْس َتِق يَم (‪ِ )6‬ص راَط اَّلِذ يَن أْنَعْم َت َعَلْيِه ْم َغِرْي اْلَم ْغُضوِب َعَلْيِه ْم َو َال الَّض آِّلَني (‪)7‬‬

‫ِبْس ِم اِهلل اْلَّر َمْحِن الَّر ِح يِم‬


‫امل (‪َ )1‬ذِلَك الِكَتُب َال َر ْيَب ِفيِه ُه دًى ِللُم َتِق َني (‪ )2‬اَّلِذ يَن ُيْؤ ِم ُنوَن ِباْلَغْيِب َو ُيِق يُم وَن الَّص َالَة‬
‫َو َّمِما َر َز ْقَناُه ْم ُيْنِف ُقوَن [‪َ )3( ]4‬و اَّلِذ يَن ُيْؤ ِم ُنوَن َمِبا ُأْنِز َل إَلْيَك َو َم ا ُأْنِز َل ِم ْن َقْبِلَك َو ِباآلِخ َر ِة ُه ْم ُيوِقُنوَن (‬
‫‪ُ )4‬أْو َلئك َعَلى ُه دًى ِم ْن َّر ِهِّبْم وُأولئَك ُه ُم اْلُم ْف ِلُح وَن (‪)5‬‬

‫َو إُهلُك ْم إَلٌه َو اِح ٌد َال إَلَه إال ُه َو الَّر َمْحُن اَّلرِح ُيم(‪)163‬‬

‫اُهلل ال إَلَه إَّال ُه َو اَحلُّي اْلَق ُّيوُم َال َتْأُخ ُذ ُه ِس َنٌة َو َال َنْو ٌم َلُه َم ا يِف الَّس َمَو اِت َو َم ا يِف األْر ِض َمْن َذا‬
‫ِب ٍء ِم ِع ِمِه ِإ‬ ‫ِحُي‬ ‫ِد ِه‬ ‫ِنِه‬ ‫ِع‬ ‫َّلِذ‬
‫ا ي َيْشَف ُع ْنَد ُه إَّال بإْذ َيْع َلُم َم ا َبَنْي أْي ي ْم َو َم ا َخ ْلَف ُه ْم َو َال يُطوَن َش ي ْن ْل َّال َمِبا َش اَء‬
‫َو ِس َع ُك ْر ِس ُّيُه الَّس َمَو اِت َو األْر َض َو َال َيُؤُدُه ِح ْف ُظُه َم ا َو ُه َو اْلَعِلُّي اْلَعِظ يُم(‪)255‬‬
‫[‪]5‬‬
‫آَم َن الَّر ُس وُل َمِبا ُأْنِز َل إَلْيِه ِم ْن َّرِّبِه َو اْلُم ؤِم ُنوَن ُك ٌّل آَم َن ِباِهلل َو َم َالِئَك ِتِه َو ُك ُتِبِه َو ُرُس ِلِه َال ُنَفِّرُق‬
‫َبَنْي أَح ٍد ِم ْن ُّر ُس ِلِه َو َقاُلوا ِمَس ْع َنا َو أَطْع َنا ُغْف َر اَنَك َر َّبَنا َو إَلْيَك اْلَم ِص ُري(‪َ )285‬ال ُيَك ِّلُف اُهلل َنْف سًا إال‬
‫ُو ْسَعَه ا َهَلا َم ا َك َس َبْت َو َعَلْيَه ا َم ا اْك َتَس َبْت َر َّبَنا َال ُتَؤ اِخ ْذ َنا إن َّنِس يَنا أْو أْخ َطأَنا َر َّبَنا َو َال ْحَتِم ْل َعَلْيَنا‬
‫إْص رًا َك َم ا َمَحْلَتُه َعَلى اَّلِذ يَن ِم ْن َقْبِلَنا َر َّبَنا َو َال َحُتِّم ْلَنا َم ا َال َطاَقَة َلَنا ِبِه َو اْعُف َعَّنا واْغِف ْر َلَنا َو اْر ْمَحَنا‬
‫أنَت َمْو َالَنا َفاْنُصْر َنا َعلى الَق ْو ِم اْلَك اِفريَن (‪)286‬‬
‫[‪]6‬‬
‫ِبْس ِم اِهلل اْلَّر َمْحِن الَّر ِح يِم‬
‫امل(‪ )1‬اُهلل َال إَلَه إَّال ُه َو اَحلُّي اْلَق ُّيوُم(‪.)2‬‬

‫َو َعَنِت اْلُو ُج وُه ِلْلَح ِّي اْلَق ُّيِو م َو َقْد َخ اَب َمْن َمَحَل ُظْلمًا(‪.)111‬‬

‫َر َمْحُت اِهلل َو َبَر َك اُتُه َعَلْيُك ْم أْه َل اْلَبْيِت إَّنُه ِمَح يٌد ِجَّم يٌد (‪.)73‬‬
‫إَمَّنا ُيِر يُد اُهلل ِلُيْذ ِه َب َعْنُك ُم الِر ْج َس أْه َل اْلَبْيِت َو ُيَطِّه َر ُك ْم َتْطِه ريًا(‪.)33‬‬

‫‪4‬‬
‫إَّن اَهلل َو َم َالِئَك َتُه ُيَص ُّلوَن َعلى الَّنِّيِب َيأُّيَه ا اَّلِذ يَن آَم ُنوا َص ُّلوا َعَلْيِه َو َس ِّلُم وا َتْس ِليمًا(‪.)56‬‬

‫[‪]7‬‬
‫ِبْس ِم اِهلل اْلَّر َمْحِن الَّر ِح يِم‬
‫احلمد هلل الذي أنزل القرآن على عبده نورًا وهدًى وصدقًا‪.‬‬
‫اللهَّم َص ِّل على سيدنا حممد بأشرف َمْر َقا‪ ،‬الذي جعلته أزكى نبيًا وأهبى وأتقى‪ ،‬ومجعت له‬
‫مجيع اْلَمَح اِّس واحملاسِن ُخ ُلقًا َو َخ ْلقًا‪ ،‬وأمرت البدر أن ينشق له إذ دعاُه شقًا‪ ،‬أجار البعَري وضمَن‬
‫وأْنَبَت َو أْو َر َق ‪ ،‬ونبع‬ ‫الغزالة‪ ،‬وكلمه الَّضُّب ‪ ،‬و اطبه الثعبان حقًا‪ ،‬واخضَّر العود الياب يف كفِه‬
‫ُس‬ ‫َخ‬
‫املاء الُّز الُل من بني أصابعه وأْر وَى العطشان صدقًا‪ ،‬الذي قال لألعرايب أْس ِلْم قال‪ :‬ومن [‪ ]8‬يشهد يا‬
‫شجرًة من شاطئ الوادي األمين فجاءت إليه وهي‬ ‫حممد أن ما تقول صدقًا! فنادى رسول اهلل‬
‫وقال هلا‪ :‬يا شجرة من أنا قالت‪ :‬أنت رسول اهلل‬ ‫تشق األرَض شقًا‪ ،‬فاستشهدها رسول اهلل‬
‫حقًا‪ ،‬فعادت إىل مكاهنا معلنًة له بالرسالة نطقًا‪ ،‬صلى اهلل عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا‬
‫كثريًا كثريًا‪.‬‬
‫[‪]9‬‬
‫ِبْس ِم اِهلل اْلَّر َمْحِن الَّر ِح يِم‬
‫احلمد هلل العلي اجمليد الويل احلميد املبدي املعيد الفعال ملا يريد‪ ،‬املتوحد يف جالل كربيائه من‬
‫غري تكييٍف وال حتديٍد‪ ،‬الذي ال ينفد عطاؤه‪ ،‬وال يبيُد املعطي فال مانع ملا أعطى وال معطي ملا منع‬
‫وال راَّد ملا يريد‪ ،‬خلق اخللق وسلك هبم أحسَن الطريِق إىل أمرِه الرشيد وصورهم فأحسن صورهم‬
‫وبشرهم يف اجلنة بالنعيم والتخليد‪ ،‬وبصرهم بعني االعتبار‪ ،‬وحذرهم عذاب النار والوعيد‪ ،‬وألزمهم‬
‫شكره وضمن هلم من فضله املزيد‪ ،‬وحكم عليهم باملوت فما ألحٍد عنه حُم يٌص وال حميد‪ ،‬فكم أثكل‬
‫خليًال بفراق خليله‪ ،‬وكم أيتم ولدًا [‪َ ]10‬و َشَغَلُه ببكائه وعويله‪ ،‬فهو ال يبدُئ بعد رحيلِه وال ُيعيُد ‪،‬‬
‫هدم باملوت مشيَد األعمار‪ ،‬وحكم بالفناء على أهل هذه الدار‪ ،‬وجعلهم عرضًا لسهام األقدار‪،‬‬
‫األحرار منهم والعبيد‪ ،‬أوحَش املنازل من أقمارها‪ ،‬وَنَّف َر طيور األوكار من أوكارها‪ ،‬وعوضهم عن‬
‫لذة العيِش بالتنغيِص والتنكيد‪ ،‬فامللك واململوك والغين والصعلوك تساوت يف قبورهم يف الفقر والبيِد‪،‬‬
‫فسبحان من أذل باملوت كل جباٍر عنيٍد‪ ،‬وحطم به من األكاسرِة كل بطٍل صنديد‪ ،‬أخرجهم من‬
‫سعة القصور إىل ضيق القبور‪ ،‬وقطع حبل أمدهم املديد‪ ،‬أخذ هبم اآلباء واجلدود‪ ،‬واألطفال يف‬
‫َّك‬
‫املهود‪ ،‬وس َنُه ُم اللحود‪َ ،‬و َعَّف َر وجوههم يف الرتاب والصعيد‪ ،‬وساوى يف املوت بني الصغري [‪]11‬‬

‫والكبري‪ ،‬فهم يف حبر األجداث إىل يوم الوعيد أفال يعتُرب العاقُل مبصرعهم وقد أفناهم املوُت بأمجعهم‪،‬‬

‫‪5‬‬
‫وَفَّرَق مشلهم بالتبديد‪ ،‬فكيف يغرت اإلنسان وهو عاٌمل بأن اهلل تعاىل مُي لي للظامل حىت إذا أخذه مل ُيفلتُه‬
‫ومل يكن عنه حميد‪ ،‬أما كانت أنفسهم بذلك عاملة‪ ،‬وهي من املوت غري ساملٍة‪ ،‬وكذلك أخُذ ربك إذا‬
‫أخذ القرى وهي ظاملٌة‪ ،‬إن أخذه أليٌم شديٌد ‪.‬‬
‫أين أهل املدائن واحلصون؟ أين أرباُب املعاين والفنون؟ أين املتحصنون بكل حصٍن منيع‬
‫وقصر مشيد؟ أين األمم املاضية؟ أين أرباب القصور العالية؟ واهلل َح َّق عليهم الوعيد فلو عاينتهم يف‬
‫قبورهم لرأيت العجيب من [‪ ]12‬أمورهم قد َغَّيَر البالء أحواهلم ومزق أوصاهلم ومل ُيعرف منهم‬
‫األحرار والعبيد‪ ،‬أما أصبَح منهم ذور الشدة والبأس‪ ،‬بعد الُقْر ِب واإليناس يف ظلمة اللحود وحيد‪،‬‬
‫أما أوعظكُم املوت مبا أخذ منهم من شقي وسعيد وقريب وبعيد‪ ،‬أما أنذركم قول امللك اجمليد‪،‬‬
‫َو َج اءْت َس ْك َر ُة اْلَمْو ِت ِباَحْلِّق َذِلَك َم ا ُك ْنَت ِم ْنُه ِحَت ْيُد ‪.‬‬
‫وحيك تنبه لنفسك واعمل ملا تلقى غدًا‪ ،‬فاملوت يأيت بغتة وليس عنه حميد‪ ،‬من لك إذا مَّلَك‬
‫من قد كان يهوى صحبتك‪ ،‬وصرت يف القرب وحدك فردًا فقريًا وحيدًا‪ ،‬إن كنت يا صاح نائمًا البد‬
‫يف احلشر تنتبه‪ ،‬إذا رأيت اخلالئق يف موضع التهديد‪ ،‬وقيل‪ :‬اقرأ كتابك كفى بنفسك [‪ ]13‬شاهدًا‪،‬‬
‫وقد أتيت املوقف بسائق وشهيد‪ ،‬فدع دموعك جتري قبل املقال ملن عصى‪ ،‬أمل تكن قبل تدري أن‬
‫احلساب شديد‪ ،‬ترى العباد حيارى من هول ما قد شاهدوا‪ ،‬وسوف تدري هنالك من هو شقي أو‬
‫سعيد‪ ،‬فمن أطاع املوىل فذاك منه قد قرب‪ ،‬ومن عصاه وخالف فذاك منه بعيد‪ ،‬كل القلوب قد‬
‫النت لكن قلبك قد قسى‪ ،‬كأن قلبك أضحى بني القلوب حديد‪ ،‬وحيك فهيئ زادك واحذر تسوف‬
‫موعدك‪ ،‬بعد الرحيل بنفسك ما ينفع التسويف وحيك فراقب ربك وامسع كالمي واتعظ‪ ،‬عسى‬
‫قساوة قلبك تلني بالتهديد‪.‬‬
‫[‪]14‬‬ ‫فيا غافًال من املوت وقد هدم ركن عمرك املشيد‪ ،‬إىل مىت يف نوم غفلتك ال ُتبدُئ وال‬
‫تعيد‪ ،‬أما أهلجك الوعد‪ ،‬أما أنذرك الوعيد‪ ،‬أما مسعت قول امللك اجمليد‪َ ،‬و َج اءْت َس ْك َر ُة اْلَمْو ِت ِباَحْلِّق‬
‫َذِلَك َم ا ُك ْنَت ِم ْنُه ِحَت ْيُد ‪.‬‬
‫الذي‬ ‫وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن حممدًا عبده ورسوله‬
‫شرفته بأفضل َمْر َقى‪ ،‬وجعلتُه أزكى وأهبى نبيًا وأتقى‪ ،‬وأمرت البدر أن ينشق له إذ دعاه شقًا‪ ،‬الذي‬
‫أنزلت عليه يا موالنا يف حمكم كتابك العزيز‪ ،‬وكالمك القدمي إجالًال وفخرًا‪َ ،‬و َمْن َيَّتِق اَهلل ُيَك ِّف ْر َعْنُه‬
‫َس ِّيَئاِتِه َو ُيْع ِظ ْم َلُه أْج رًا‪ ،‬اللهم صِّل وسلم على سيدنا حممد وعلى آله وأصحابه أمجعني‪.‬‬
‫[‪]15‬‬
‫اللهم اجعل ثواب ما قرأناه وبركاِت نور ما تلوناه من كتابك العزيز هدية منا واصلًة‪،‬‬
‫ورمحًة منك نازلًة‪ ،‬وبركًة منك شاملًة‪ُ ،‬نقدمها وهنديها إىل حضرة سيد األنام‪ ،‬ومصباح الظالم حممد‬

‫‪6‬‬
‫عليه أفضل الصالة والسالم‪ ،‬مث إىل أرواح آبائه وإخوانه من النبيني واملرسلني صلوات اهلل وسالمه‬
‫عليهم أمجعني‪ ،‬مث إىل أرواح األربعة األئمة اجملتهدين‪ ،‬ومقلديهم بإحساٍن إىل يوم الدين‪.‬‬
‫مث اجعل اللهم ثوابًا مثل ثواب ذلك‪ ،‬وأضعافًا مثل أضعاف أمثال ذلك إىل ُر وِح من ُقرئت‬
‫هذه اخلتمة أو اخلتمات ألجلهم‪ ،‬وأنت أعلم منا هبم وبأمسائهم‪ ،‬النازلون بفنائك [‪ ]16‬احملتاجون إىل‬
‫رمحتك ورضوانك عبيدك وأبناء إمائك‪ ،‬الراجون رمحتك املتشبثون بذيل لطفك أْو ِص ِل اللهم ثواب‬
‫ذلك إليهم واجعله نورًا يسعى بني أيديهم وضاعف رمحتك ورضوانك عليهم اللهم ُح َّل أرواحهم يف‬
‫حمل األبرار‪ ،‬وتغمدهم بالرمحة آناء اهلل وأطراف النهار‪ ،‬وِّجَنِه ْم من فتنة القرب ومن عذاب النار‪،‬‬
‫برمحتك يا أرحم الرامحني‪ ،‬اللهم كن لنا وهلم بعد احلبيب حبيبًا‪ ،‬وبعد املؤمنني صاحبًا وقريبًا‪ ،‬وكن‬
‫لنا وهلم يا اهلل سامعًا وجميبًا برمحتك يا أرحم الرامحني‪ ،‬اللهم آنس وحشتهم وارحم غربتهم َو َنِّو ْر‬
‫حملتهم وَنِّف ْس ُك ربتهم وقهم عذاب القرب وفتنته واجعل قربهم روضًة من رياض اجلنة‪ ]17[ ،‬وال جتعلها‬
‫ُح فرًة من حفر النريان‪ ،‬اللهم اجعل هذه اخلتمات الشريفة على قبورهم نازلًة‪ ،‬ويف صحفهم ساكنًة‪،‬‬
‫وتغمدهم بالرمحة والرضوان‪ ،‬وأسكنهم أعلى فراديس اجلنان‪ ،‬واجعل مالئكتك املقربني يدخلون‬
‫عليهم من كل باب‪ ،‬سالٌم عليكم مبا صربمت فنعم عقىب الدار‪ ،‬اللهم أنزل يف قبورهم الضياء والنور‬
‫والفسحة والسرور والكرامة واحلبور وجازهم باإلحسان إحسانًا وبالسيئات غفرانًا‪ ،‬اللهم انقلهم من‬
‫ضيق اللحود والقبور إىل سعة الدور والقصور‪ ،‬يف سدٍر خمضود وطلٍح منضود وظ ممدود وماٍء‬
‫ٍّل‬
‫مسكوب وفاكهة كثريٍة ال مقطوعة وال ممنوعة وفرٍش مرفوعة مع الذين أنعمت عليهم من النبيني‬
‫والصديقني والشهداء والصاحلني‪ ،‬وَح ُسَن أولئك رفيقًا‪ ،‬موالنا رب [‪ ]18‬العاملني‪ ،‬اللهم ال َتُر َّدَنا بعد‬
‫الدعاء خائبني‪ ،‬وال عن باب ُج ودك مطرودين‪ ،‬وال عن وصالك حمرومني‪ ،‬يا قابل التائبني‪ُ ،‬تْب علينا‬
‫أمجعني برمحتك يا أرحم الرامحني‪ ،‬اللهم اجعل القرآن العظيم ربيعًا لقلوبنا وشفاًء لصدورنا‪ ،‬وجالًء‬
‫هلمومنا‪ ،‬ونورًا يف قلوبنا‪ ،‬وسعة يف أخالقنا‪ ،‬وبركًة يف أرزاقنا‪ ،‬ومغفرًة لذنوبنا‪ ،‬وكفارًة لسيئاتنا‪،‬‬
‫اللهم اجعل القرآن العظيم لنا إمامًا ونورًا وهدًى ورمحًة وال جتعلُه علينا وباًال وغضبًا ونقمًة اللهم‬
‫ذكرنا منه ما نسيناه وعلمنا منه ما جهلناه وفهمنا منه ما علمناه‪ ،‬وارزقنا ُح سن تالوته وفهم معناه‪،‬‬
‫آناء الليل وأطراف النهار لعلك ترضى‪ ،‬اللهم اشغلنا به سرًا وعالنيًة واجعله ُح جًة لنا وال جتعله ُح جًة‬
‫علينا موالنا رب العاملني [‪ ]19‬اللهم ال َس َّو ْد ت به وجوهنا‪ ،‬وال فضحتنا به يف يوم احلشر واملآب‪ ،‬وال‬
‫أعميت به بصائرنا‪ ،‬وال كدرت به سرائرنا‪ ،‬وال خذلتنا به يف املوقف العظيم‪ ،‬اللهم إنك تعلم ما قد‬
‫فرطنا فيه من احلقوق‪ ،‬وما قد اقرتفنا فيه من األوزار والعقوق فال تؤاخذنا بالتفريط‪ ،‬وال تعاقبنا على‬
‫التخليط‪ ،‬واصفح عنا األوزار‪ ،‬واحلم عنا واسرتنا واغفر لنا يا غفاُر ‪ ،‬اللهم َبِّيْض به وجوهنا يوم‬
‫النشور‪ ،‬وجننا به من دعوى الويل والثبور‪ ،‬وأعطنا به ُك تبنا باألميان‪ ،‬وامشلنا بالسعادة واإلحسان‪،‬‬

‫‪7‬‬
‫وارزقنا به املطالعة إىل أنوار أشعة عظمتك لتخمد به حواسنا إىل سلطان قهرك وهيبتك‪ ،‬إهلي َك َر ُمَك‬
‫مذكوٌر ‪ ،‬وفضلك [‪ ]20‬مشهور‪ ،‬وأنت عليٌم شكوٌر ‪ ،‬إدفع عنا كل حمذوٍر يا أرحم الرامحني‪.‬‬
‫اللهم اسقنا الغيث وال جتعلنا من القانطني‪ ،‬اللهم اسقنا الغيث وال جتعلنا من اآليسني‪ ،‬اللهم‬
‫أمجعني‪ ،‬برمحتك يا أرحم الرامحني‪ ،‬اللهم ارمحنا‬ ‫اسِق اجملدبني‪ ،‬و ِّر عنا وعن مجيع أمة حممٍد‬
‫َف ْج‬
‫وارزقنا بربكة القرآن العظيم خري الدارين‪ ،‬واصرف عنا بربكة القرآن العظيم شر الدارين‪ ،‬اللهم‬
‫اجعلنا ممن يقرأُه فريقى وال جتعلنا ممن يقرأه فيشقى واكتب لنا به براءًة من النار وعتقًا واحشرنا يا‬
‫ربنا حتت لواء من َكَّم ْلَتُه ُخ ُلقًا وَخ ْلقًا برمحتك يا أرحم الرامحني‪ ،‬اللهم يا ُمعلم [‪ ]21‬إبراهيم علمنا ويا‬
‫ُمفهم سليمان فهمنا‪ ،‬سبحانك ال علم لنا إال ما علمتنا إنك أنت العليم احلكيم‪ ،‬ربنا ال تزغ قلوبنا‬
‫بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رمحة‪ ،‬إنك أنت الوهاب‪ ،‬سبحان ربك رب العزة عما يصفون‪،‬‬
‫وسالٌم على املرسلني‪ ،‬واحلمد هلل رب العاملني‪ ،‬وصلى اهلل على سيدنا حممد وعلى آله وصحبه وسلم‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫[‪]22‬‬
‫وداع شهر رمضان المبارك‬
‫ِبْس ِم اِهلل اْلَّر َمْحِن الَّر ِح يِم‬
‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬والصالة والسالم على سيد املرسلني‪ ،‬صلى اهلل عليه وعلى آله‬
‫وصحبه أمجعني‪ ،‬أما بعد‪ :‬اعلموا رمحكم اهلل تعاىل‪ ،‬أن ليلتكم هذه ليلة الوداع لشهركم الذي َش َّرَفُه‬
‫اهلل وَعَّظَم ُه‪ ،‬ورفع قدرُه وَكَّر َم ْه‪ ،‬شهر الصيام والقيام وتالوة القرآن‪ ،‬ونزول الرمحة فيه من اهلل عليكم‬
‫والرضوان‪ ،‬جعله اهلل مصباح العام‪ ،‬وواسطة النظام‪ ،‬وأشرف قواعد اإلسالم املشرقة بأنوار الصيام‬
‫والقيام‪ ،‬أنزل اهلل فيه كتابه‪ ،‬وفتح فيه للتائبني بابه‪ ،‬فال دعاء فيه إال مسموٌع‪ ،‬وال خري إال جمموٌع‪،‬‬
‫وال ضر إال [‪ ]23‬مدفوٌع‪ ،‬وال عمل إال مرفوٌع‪ ،‬الظافر امليمون من اغتنم أوقاته‪ ،‬واخلاسر املغبون من‬
‫أمهلُه ففاته‪ ،‬شهر جعله اهلل لذنوبكم تطهريًا‪ ،‬ولسيئاتكم تكفريًا‪ ،‬وملن أحسن منكم صحبتُه ذخريًة‬
‫ونورًا‪ ،‬وملن َو ىَّف بشروطه‪ ،‬ورعى حرمته فرحًا وسرورًا‪ ،‬شهٌر تورع فيه أهل الفسق والفساد وازداد‬
‫فيه من الرغبة إىل اهلل أهل اجلد واالجتهاد شهر عمارات القلوب وكفارات الذنوب‪ ،‬واغتصاص‬
‫املساجد‪ ،‬باالزدحام والتحاشد‪ ،‬وهبوط األمالك ببشارة العتق والفكاك‪ ،‬شهٌر فيه املساجد ُتعمر‪،‬‬
‫واملصابيح تزهر واآليات ُتذكر‪ ،‬والقلوب جترب‪ ،‬والذنوب ُتغفر‪ ،‬شهٌر ُتشرُق فيه املساجد باألنوار‬
‫وُتكثُر املالئكة ِلُصَّو امه من االستغفار‪ ،‬وُيعتُق فيه اجلبار كل [‪ ]24‬ليلة عند اإلفطار‪ ،‬ستمائة ألف عتيق‬
‫من النار‪ ،‬وتنـزُل فيه الربكات‪ ،‬وتعظُم فيه الصدقات‪ ،‬وُتكفُر فيه السيئات‪ ،‬وُتقاُل فيه العثرات‪ ،‬وُتدفُع‬
‫فيه النكباُت ‪ ،‬وُترفُع فيه الدرجات‪ ،‬وُترحُم فيه العرباُت ‪ ،‬وُتنادى فيه احلوُر احلساُن من اجلناِت هنيئًا‬
‫لكم يا معشر الصائمني والصائمات‪ ،‬والقائمني والقائمات‪ ،‬مبا أعد اهلل لكم من اخلريات‪ ،‬لقد‬
‫غمرتكم الربكاُت ‪ ،‬واستبشَر بكم أهل األرض والسموات‪.‬‬
‫فرحم اهلل امرًأ َم َّه َد لنفسه قبل حلول َر ْم ِس ِه واشتغل بيومه عن غده وأمسه‪ ،‬وتزود من بقية‬
‫شهره ففي نفاده نفاد عمره‪ ،‬وأظهر لفراق شهره جزعُه وسلم على شهره وودعه وقال‪ :‬السالم‬
‫عليك [‪ ]25‬يا شهر رمضان‪ ،‬السالم عليك يا شهر الصيام والقيام وتالوة القرآن‪ ،‬السالم عليك يا‬
‫شهر األمن واألمان‪ ،‬السالم عليك يا شهر العتق من النريان‪ ،‬السالم عليك يا شهر التجاوز والغفران‪،‬‬
‫السالم عليك يا شهر الربكة واإلحسان‪ ،‬السالم عليك يا شهر التحف والرضوان‪ ،‬السالم عليك يا‬
‫شهر النسك والتعبد‪ ،‬السالم عليك يا شهر الصيام والتهجد‪ ،‬السالم عليك يا شهر الرتاويح‪ ،‬السالم‬
‫عليك يا شهر األنوار واملصابيح‪ ،‬السالم عليك يا ُأنس العابدين‪ ،‬السالم عليك يا نور الوامقني‪،‬‬
‫السالم عليك يا فخر الواصفني‪ ،‬السالم عليك يا روضة العابدين‪ ،‬فيا شهرنا غري ُمودع ودعناك‪،‬‬
‫وغري َم ْق ِلٍّي فارقناك‪ ،‬كان هنارك صدقًة وصيامًا‪ ،‬وليلك قراءة وقيامًا‪ ،‬فعليك منا [‪ ]26‬حتيًة وسالمًا‪،‬‬
‫أُتراك تعود بعدها علينا‪ ،‬أم ُتدركنا املنون فال تؤُب إلينا كانت مصابيحنا فيك مشهورة‪ ،‬ومساجدنا‬

‫‪9‬‬
‫منك معمورة‪ ،‬فاآلن ُتطفئ املصابيح وتنقطُع الرتاويح‪ ،‬ونرجُع إىل العادة‪ ،‬ونفارُق شهر العبادة‪ ،‬فيا‬
‫ليت شعري من املقبول منا فنهنيه حبسن عمله‪ ،‬أم ليت شعري من املطرود منا فنعزيه بسوء تفريطه‬
‫وزللـه فيا أيها املقبول هنيئًا لك بثواب اهلل ورضوانه ورمحته وغفرانه وقبوله وإحسانه‪ ،‬وعفوه وامتنانه‪،‬‬
‫وخلوٍد يف دار أَم اِنِه‪ ،‬ويا أيها املطرود بإصرارِه وطغيانه‪ ،‬وظلمه وعدوانه وغفلته وُخ سرانه‪ ،‬ومتاديه‬
‫وعصيانه‪ ،‬لقد عظمْت ُمصيبتك بغضِب اهلل وهوانه‪ ،‬فأين ُمقلتك الباكية؟ وأين دمعتك اجلارية؟ وأين‬
‫زفرتك الرائحُة الغادية؟ [‪ ]27‬ألي يوٍم أخرت توبتك؟ وألي عاٍم ادخرت أْو َبَتَك إىل عاٍم قابل‪،‬‬
‫َو َحْو ٍل حائل؟ كال فما إليك ُمدة األعمار وال معرفة املقدار‪ ،‬فكم من ُمأمٍل أَّم َل ُبلوغه فلم يبلغه‬
‫وكم من ُمدرٍك له ومل خيتمه‪ ،‬وكم من معد طيبًا لعيده‪ُ ،‬ج عَل يف تلحيده‪ ،‬وثيابًا لتزيينه صارت‬
‫لتكفينه‪ ،‬وُم تأهبًا لفطره صار مرهتنًا يف قربه‪ ،‬فيا من ال يصوم بعده سواه وهو يطمع يف غريه أنه يراه‪.‬‬
‫فامحدوا اهلل عباد اهلل على بلوغ اختتامه‪ ،‬واسألوه قبول صيامه وقيامه‪ ،‬وراقبوُه بأداء حقوقه‪،‬‬
‫واعتصموا حببلِه وتوفيقه‪ ،‬واعلموا رمحكم اهلل تعاىل أنكم فارقتم شهرًا عظيمًا ُمفضًال كرميًا‪ ،‬أين‬
‫الصواموان والقواموان‪ ]28[ ،‬واملوافقون لكم يف سالف األعوام؟ وأين الكثري ممن كان معكم ليايل‬
‫شهر رمضان شاهدين ويف كل حٍّق هلل تعاىل معاملني‪ ،‬من اآلباء واألمهات‪ ،‬واإلخوان واألخوات‪،‬‬
‫واجلريان والقرابات‪ ،‬أتاهم واهلل هادُم اللذات‪ ،‬وقاطع الشهوات ومفرق اجلماعات‪ ،‬فأخال منهم‬
‫املشاهد‪ ،‬وعطل منهم املساجد‪ ،‬تراهم يف بطون اللحود صرعى ال جيدون ملا هم فيه دفعًا‪ ،‬وال‬
‫ميلكون ألنفسهم ضرًا وال نفعًا‪ ،‬ينتظرون يومًا األمم فيه إىل رهبا ُتدعى‪ ،‬واخلالئق حُت شُر إىل املوقف‬
‫وتسعى والفرائص ترعُد من هول ذلك اليوم والعيون تذرُف دمعًا‪ ،‬والقلوب تتصدُع من احلساب‬
‫تصدعًا‪ ،‬ونفخ يف الصور فجمعناهم مجعًا‪.‬‬
‫عباد اهلل من كان منكم منع نفسه من احلرام [‪ ]29‬يف شهر رمضان‪ ،‬فليمنعها فيما بعده من‬
‫الشهور واألعوام‪ ،‬فإن إله الشهرين واحٌد ‪ ،‬وهو على الزمانني ُم طلٌع وشاهٌد ‪َ ،‬عَّظَم اهلل أجرنا‬
‫وأجركم‪ ،‬على فراق شهر الربكة‪ ،‬وأجزل أقسامنا وأقسامكم برمحته املشرتكة‪ ،‬وبارك لنا ولكم يف‬
‫بقيته‪ ،‬وسلك بنا وبكم طرق هدايته بفضله ِم َّنِتِه‪ ،‬اللهم وما قسمت لنا يف هذه الليلة من عتٍق‬
‫َو‬
‫ٍد‬ ‫ٍة‬ ‫ٍم‬
‫وغفران‪ ،‬ورمحٍة ورضواٍن ‪ ،‬وعفٍو وامتناٍن ‪ ،‬وكر وإحسا ‪ ،‬وجنا من النريان‪ ،‬وخلو يف نعيم اجلنان‪،‬‬
‫ٍن‬
‫فاجعل لنا فيه أوفر احلظ وأجزل األقسام‪ ،‬برمحتك يا أرحم الرامحني‪ ،‬اللهم فكما بلغتنا شهر الصيام‪،‬‬
‫فاجعل عامه علينا من أبرك األعوام وأيامه من أسعد األيام‪ ،‬وتقبل منا ما قدمناه فيه من الصيام‬
‫والقيام‪ ،‬واغفر [‪ ]30‬لنا ما اقرتفناه من اآلثام‪ ،‬وخلصنا من مظامل األنام‪ ،‬يوم ال ُيرجى فيه سواك يا‬
‫عالُم يا أرحُم الرامحني‪ ،‬اللهم إنا قد تولينا صيام شهرنا وقيامُه على تقصرينا وأدينا فيه من حقك قليًال‬
‫من كثري‪ ،‬وقد أخننا ببابك سائلني‪ ،‬وملعروفك طالبني‪ ،‬فال تردنا بعد الدعاء خائبني‪ ،‬وال عن باب‬
‫جودك مطرودين وال عن وصالك حمرومني‪ ،‬وال من رمحتك آيسني‪ ،‬فنحن الفقراء إليك‪ ،‬اُألسراُء بني‬

‫‪10‬‬
‫يديك‪ ،‬إليك توجهنا وملعروفك تعرضنا‪ ،‬ولبابك قرعنا‪ ،‬ومن فضلك سألنا‪ ،‬فارحم خضوعنا‪ ،‬واقبل‬
‫خشوعنا واجرب قلوبنا واسرت عيوبنا‪ ،‬واغفر ذنوبنا وأقر برؤيتك يف اجلنة عيوننا‪ ،‬وال تصرف وجهك‬
‫الكرمي عنا‪ ،‬واجعل عملنا مقبوًال‪ ،‬وسعينا مشكورًا‪ ،‬وحظنا [‪ ]31‬يف هذه الليلة موفورًا‪ ،‬اللهم إن كان‬
‫يف سابق علمك أن جتمعنا يف مثله‪ ،‬فبارك لنا فيه‪ ،‬وإن قضيت بقطع آجالنا وما حيوُل بيننا وبينه‪،‬‬
‫فأحسن اخلالفة على باقينا‪ ،‬وأوسع الرمحة على ماضينا‪َ ،‬و ُعَّم َنا مجيعًا برمحتك ورضوانك‪ ،‬واجعل‬
‫املوعد حببوحة جنانك مع الذين أنعمت عليهم من النبيني والصديقني والشهداء والصاحلني وحسن‬
‫أولئك رفيقًا‪ ،‬برمحتك يا أرحم الرامحني‪ ،‬سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسالم على املرسلني‬
‫واحلمد هلل رب العاملني‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫[‪]32‬‬
‫دعاء أول السنة‬
‫ِبْس ِم اِهلل اْلَّر َمْحِن الَّر ِح يِم‬
‫اللهم أنت القدمي األول‪ ،‬وعلى فضلك العظيم وكرم جودك املعول‪ ،‬وهذا عاٌم جديٌد قد‬
‫أقبل‪ ،‬أسألك العصمة فيه من الشيطان وأوليائه‪ ،‬والعون على هذه النفس األمارة بالسوء واالشتغال مبا‬
‫يقربين إليك زلفًا يا ذا اجلالل واإلكرام –ُيقرأ الدعاء ثالثًا‪ -‬فإن الشيطان يقول قد استأمن من نفسه‬
‫فيما بقي من عمره‪ ،‬ويوكل اهلل به ملكني حيرسانه من الشيطان وأتباعه‪ ،‬واهلل على كل شيء قدير‪.‬‬
‫[‪]33‬‬‫وذكر أحد العلماء الصاحلني –رمحه اهلل‪ -‬أن من قرأ آية الكرسي يف أول يوم من َحُمَّر َم‬
‫احلرام عدة مرات‪ ،‬يبسمُل يف أول كل مرة‪ ،‬وعند اإلمتام يقول‪ :‬اللهم يا َحُمِّو َل األحوال‪َ ،‬ح ِّو ْل حايل‬
‫إىل أحسن األحوال حبولك وقوتك يا عزيز يا متعال‪ ،‬وصلى اهلل على سيدنا حممد وعلى آله وصحبه‬
‫وسلم‪ ،‬بإذن اهلل يأمن مما يكره‪.‬‬
‫[‪]34‬‬
‫اإليضاح عن دعاء ليلة النصف من شعبان‬
‫اعلم وفقنا اهلل وإياك لطاعته أن هذا الدعاء الذي نكتبه بعد هذا البيان مل يثبت أنه قد ورد‬
‫فيه شيء من األحاديث الصحيحة‪ ،‬أو املعتمد عليها‪ ،‬ولكن لو قرأها املسلم ابتغاء مرضاة اهلل يثاب‬
‫عليها‪ ،‬ولو تركها مل يأمث‪ ،‬ويف قراءهتا بعض الفوائد‪ ،‬حيث إن املسلم يتخيل أهنا من أعمال الرب الذي‬
‫ِت‬
‫قال عنها رسول اهلل ‪ ،‬ملا سئل عن الرب واإلمث‪ ،‬قال‪" :‬استف قلبك‪ ،‬الرب ما اطمأنت إليه النفُس‬
‫واطمأن إليه القلُب واإلُمث ما حاَك يف النفس وتردد يف الصدر وكرهت أن يطلع عليه الناس وإن أفتاك‬
‫وأفتوك‪ ..‬لذلك فإنا نورد هذا الدعاء ترغيبًا ملن أراد أن يسأل اهلل به‪ ،‬واهلل ويل التوفيق‪.‬‬
‫[‪]35‬‬
‫دعاء ليلة النصف من شعبان‬
‫تقرأ أوًال بعد صالة املغرب سورة يس ثالث مرات األوىل بنية طول العمر‪ ،‬والثانية بنية دفع‬
‫البالء‪ ،‬والثالثة بنية االستغناء عن الناس‪ ،‬وكلما تقرأ السورة مرة تقرأ بعدها الدعاء مرة وهو هذا‪:‬‬
‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‪ ،‬اللهم يا ذا املن وال ُمَيَّن عليه‪ ،‬يا ذا اجلالل واإلكرام‪ ،‬يا ذا الَّطْو ِل واإلنعام‪،‬‬
‫ال إله إال أنت ظهر الالجئني‪ ،‬وجار املستجريين‪ ،‬وأمان اخلائفني‪ ،‬اللهم إن كنت كتبتين شقيًا أو‬
‫حمرومًا أو مطرودًا أو مقرتًا علَّي يف الرزق‪ ،‬فامُح اللهم بفضلك شقاويت وحرماين وطردي وإقتار‬
‫رزقي واكتبين عندك يف أم الكتاب سعيدًا مرزوقًا [‪ ]36‬موفقًا للخريات إنك على كل شيء قدير‪،‬‬
‫اللهم إنك قلت وقولك احلق يف كتابك اُملَنَّز ْل على لسان نبيك املرسُل‪ْ" :‬مَيُح اُهلل َم ا َيَش اُء َو ُيْثِبُت‬

‫‪12‬‬
‫َو ِعْنَد ُه أُّم اْلِكَتاِب " إهلي بالتجلي األعظم يف ليلة النصف من شعبان املكرم‪ ،‬اليت ُيفرُق فيها ك أمٍر‬
‫ُل‬
‫حكيم وُيربُمن أن تكشَف عنا من البالء ما نعلم وما ال نعلم‪ ،‬وما أنت به منا أعلم‪ ،‬إنك أنت األعز‬
‫األكرم‪ ،‬وصلى اهلل على سيدنا حممد وعلى آله وصحبه وسلم‪ ،‬مث تقرُأ سورة الدخان وتقول بعدها‪:‬‬
‫حسيب اهلل ونعم الوكيل ثالث مرات‪ ،‬وتقول‪ :‬يا حي يا قيوم برمحتك أستغيث ثالث مرات وتقول‪:‬‬
‫اللهم هب يل قلبًا تقيًا نقيًا من الشرك َبِر يًّا ال كافرًا وال شقيًا ثالث مراٍت ‪.‬‬
‫[‪]37‬‬
‫اللهم َص ِّل على سيدنا حممد عبدك ورسولك النيب األمي وعلى آله وصحبه وسلم عدد‬
‫معلوماتك ومداد كلماتك كلما ذكرك الذاكرون وغفل عن ذكرك الغافلون‪ ،‬مث تدعو هبذا الدعاء‬
‫اللهم أحينا حياة السعداء‪ ،‬وأمتنا ممات الشهداء واحشرنا يف ُز مرة األنبياء واألصفياء إنك أنت الغفور‬
‫الرحيم وصلى اهلل على سيدنا حممٍد وعلى آله وأصحابه أمجعني‪ ،‬وآخر دعوانا أن احلمُد هلل رب‬
‫العاملني‪.‬‬
‫[‪]37‬‬
‫الخاتمة‬
‫اللهم صِّل على سيدنا ونبينا عدد ما يف علم اهلل‪ ،‬صالة دائمة بدوام ملك اهلل‪ ،‬اللهم صِّل‬
‫على سيدنا حممد كلما ذكرك الذاكرون وغفل عن ذكرك الغافلون‪ ،‬اللهم صَّل على حممد وعلى آل‬
‫حممد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم يف العاملني إنك محيد جميد‪ ،‬اللهم صِّل على سيدنا‬
‫ونبينا حممد صالة تنحل هبا الُعقد وتنفرج هبا الكرب وترضيك وترضيه وترضى هبا عنا يا أرحم‬
‫الرامحني‪ ،‬اللهم صِّل على سيدنا ونبينا حممد يف األولني‪ ،‬وصِّل اهلل على سيدنا ونبينا حممد يف‬
‫اآلخرين‪ ،‬وصِّل على سيدنا ونبينا [‪ ]39‬حممد يف املرسلني‪ ،‬وصِّل على سيدنا ونبينا حممد يف املأل‬
‫األعلى إىل يوم الدين‪.‬‬
‫سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسالم على املرسلني واحلمد هلل رب العاملني‪.‬‬
‫خادم العلم‬
‫مدير إدارة إحياء التراث اإلسالمي‬
‫عبداهلل بن إبراهيم األنصاري‬

‫[‪]40‬‬
‫مطابع قطر الوطنية‬
‫تليفون‪ 883454 :‬ص‪.‬ب‪355 :‬‬
‫الدوحة ‪ -‬قطر‬

‫‪13‬‬

You might also like