You are on page 1of 34

‫وحدة الصف‬

‫اتحاد الكلمة واجتماع الصف أمر جاء به اإلسالم وأم ر ب ه ورغب في ه وإن من أهم‬
‫خصائص هذه األمة أنها أمة واحدة ق ال هللا ‪-‬ع ز وج ل‪َ﴿ -‬و ِإَّن ه ذه ُأَّم ُتُك ۡم ُأَّم ࣰة َو ٰ ِح َد ࣰة‬
‫َو َأَن ۠ا َر ُّب ُك ۡم َف ٱَّتُقوِن ﴾ [المؤمن ون ‪ ]٥٢‬وان الوح دة بين المس لمين واجب ة بنص القرآن‬
‫والسنة ﴿َو ٱۡع َت ِص ُمو۟ا ِبَح ۡب ِل ٱِهَّلل َج ِمی ࣰعا َو اَل َتَفَّر ُقوا﴾ [آل عم ران ‪ ]١٠٣‬وق ال ص لى هللا‬
‫عليه وسلم ( (أُّيها الناُس عليكم بالجماعِة وإَّياكم والفرقَة ثالَث م راٍت)) رواه اإلم ام‬
‫أحمد‪.‬‬

‫هكذا يريد اإلسالم لألمة أن تكون أمة واحدة ال تع رف الفرق ة وال تع رف الع دوان‬
‫وال البغضاء بين بعضها البعض ألن العداوة والبغضاء داء م دمر يعص ف باإليم ان‬
‫وال دين وي دمر األم ة ويحطمه ا ويهلكه ا‪ ،‬ل ذلك في ظ ل ه ذه األوض اع المتردي ة‬
‫والظروف الصعبة التي نمر بها علينا أن ال ننجرف وراء عواطف مهلكة غر متزنة‬
‫وعلينا أن نعيش اإلسالم ونفوت الفرصة على األعداء الذين يس عون في نش ر الفتن ة‬
‫ونعمل بالحكمة والموعظة الحسنة‪ ،‬ونعمل على اإلصالح لكي ننال رحم ه هللا وه ذا‬
‫ه و منهج األنبي اء ومن س ار على دربهم بص دق وهم المص لحون الحقيقي ون‪ ،‬ق ال‬
‫تعالى حكاية عن نبي هللا شعيب ﴿ ِإۡن ُأِر یُد ِإاَّل ٱِإۡلۡص َلٰـ َح َم ا ٱۡس َت َط ۡع ُۚت َو َم ا َت ۡو ِفیِقۤی ِإاَّل‬
‫ِبٱِۚهَّلل ﴾ [هود ‪ ، ]٨٨‬نحن بحاجة إلى مص لحين حقيقيين الن أدعي اء االص الح كث يرا‬
‫فالكالم صنعة يتقنها الصادق كما يتقنها الكاذب‪.‬‬

‫بل إن المفسدين المنافقين ال يتحرج ون من أن يص فو فس ادهم وإفس ادهم بالص الح‬


‫واإلصالح بال حياء وال خج ل ﴿َو ِإَذ ا ِقیَل َلُهۡم اَل ُتۡف ِس ُد و۟ا ِفی ٱَأۡلۡر ِض َق اُلۤو ۟ا ِإَّن َم ا َنۡح ُن‬
‫ُم ۡص ِلُحوَن ۝أَ ۤاَل ِإَّن ُهۡم ُه ُم ٱۡل ُم ۡف ِس ُد وَن َو َلٰـ ِكن اَّل َی ۡش ُعُروَن ﴾ [البقرة اآليت ان ‪ ١1‬و ‪،]١2‬‬
‫وقد أخبر رسول هللا صلى هللا عليه وسلم مفاصل في ه ذه األم ة ظه ور فس اد أم ني‬
‫ففي الحرب (ال تقوم الساعة حتى يقتل الرجل أخاه‪ ،‬ال ي دري فيم قتل ه)‪ 1 .‬فاإلس الم‬
‫يحرم سفك الدماء وال يجيز لإلنسان ان يعتدي على إنسان بغير حق ومن هن ا يقول‬

‫رواه الحاكم في تاريخه‬ ‫‪1‬‬

‫‪1‬‬
‫هللا ﴿َو َم ن َی ۡق ُتۡل ُم ۡؤ ِم ࣰنا ُم َت َع ِّم ࣰدا َفَج َز ۤا ُؤ ُهۥ َج َه َّن ُم َخ ٰـ ِل ࣰدا ِفیَه ا َو َغ ِض َب ٱُهَّلل َع َلۡی ِه َو َلَع َن ُهۥ َو َأَع َّد‬
‫َلُهۥ َع َذ اًبا َع ِظ ی ࣰما﴾ [النساء ‪ ، ]٩٣‬انظر إلى هذه العقوب ات الكب يرة الى ه ذه العقوب ات‬
‫الضخمة (‪ )1‬فجزاؤه جهنم (‪ )2‬خالدا فيه ا (‪ )3‬وغض ب هللا علي ه (‪ )4‬ولعن ه (‪)5‬‬
‫واعد له عذابا عظيما‪ ،‬ويقول صلى هللا عليه وس لم (أَّو ُل م ا ُيْق َض ى بْي َن الَّن اِس َي وَم‬
‫‪2‬‬
‫الِقياَمِة في الِّد ماِء )‪.‬‬

‫( ( يأتي المقتوُل ُمتعِّلًقا رأُسه بإحدى يَد يه‪ُ ،‬متلِّبًبا قاتَله باليِد األخرى‪َ ،‬ت ْش ُجب أوداُجه‬
‫دًم ا‪ ،‬ح تى ي أتَي ب ه الع رَش ‪ ،‬فيقول المقت وُل ل رِّب الع المين‪ :‬ه ذا قتَل ني‪:‬‬
‫فيقول ُهللا للقات ِل ‪ :‬تِعس َت وُي ْذ َه ُب ب ه إلى الَّن اِر )) ‪ ،3‬ويقول ص لى هللا علي ه‬
‫( (َم ْن أع ان عَلى قت ِل م ؤمٍن بش طِر كلم ٍة‪ ،‬لقَي َهللا ع َّز وج َّل مكت وٌب بين َع يَن ي ِه‪:‬‬
‫آيٌس ِمن رحمِة ِهللا)) ‪4‬بشطر كلمة أن يقول له (اق) فكيف بمن قتل؟‬

‫لقد ح ذر رس ول هللا ص لى هللا علي ه وس لم األم ة من بع ده أن يرت دوا إلى عص ر‬


‫الجاهلية ويعادي بعضهم بعضا ويقتل بعضهم بعضا بغير حق فقال في حجة ال وداع‬
‫أمام الجماهير المؤمنة ( (ال َت ْر ِجُعوا َب ْع ِدي ُكَّف اًر ا‪َ ،‬ي ْض ِر ُب َب ْع ُض ُك ْم ِر قاَب َب ْع ٍض )) ‪،5‬‬
‫لقد عشنا أمة واحدة في حياتن ا كله ا ولكن الخط ر ي أتي من الدس ائس ال تي تري د أن‬
‫تفرقنا بعد م ا جم ع هللا األوس والخ زرج على اإلس الم وعلى رس ول هللا ص لى هللا‬
‫عليه وسلم وأل ف بين قل وبهم وأزال منه ا البغض اء والش حناء ال تي ك انت بينهم في‬
‫الجاهلية مر بهم أحد اليهود الخبثاء اسمه شاس بن قيس فغاظه أن يرى هؤالء ال ذين‬
‫طالما تحاربوا وطالما سفكت منهم الدماء أن ي راهم مجتمعين متح ابين فجلس بخبث‬
‫ودهاء يذكرهم بأيام الجاهلية وينشر أشعارا قالها األوس ب أنهم انتص روا ف رد عليهم‬
‫الخزرج أننا انتصرنا وقال شاعرنا كذا وما زال يذكي ه ذه الن ار ويطعمه ا ب الوقود‬
‫ح تى ت أججت ون ادى الرج ال من األوس بالس الح والرج ال من الخ زرج بالس الح‬
‫وس مع الن بي ق ولهم فأقب ل عليهم يقول لهم ( (ي ا معش َر الُمس ِلميَن َهللا َهللا أِب َدْع َو ى‬

‫‪ 2‬أخرجه مسلم في صحيحه رقم (‪.)1678‬‬


‫‪ 3‬أخرجه الطبراني في المعجم األوسط رقم (‪ ،)4368‬واأللباني في الصحيح الترغيب برقم (‪.)2447‬‬
‫‪ 4‬أخرجه الذهبي في الكبائر رقم (‪.)100‬‬
‫‪ 5‬أخرجه البخاري في صحيحه برقم (‪.)6868‬‬
‫‪2‬‬
‫الجاهليِة وأنا بيَن َأْظ َه رُك ْم )) ‪ ،6‬وتال عليهم اآليات فندموا واصطلحوا وتعانقوا والقوا‬
‫السالح ‪7‬ف انزل هللا ﴿َی ٰۤـ َأُّی َه ا ٱَّل ِذیَن َء اَم ُن ۤو ۟ا ِإن ُتِط یُع و۟ا َفِر ی ࣰقا ِّم َن ٱَّل ِذیَن ُأوُت و۟ا ٱۡل ِك َت ٰـ َب‬
‫َی ُر ُّد وُك م َب ۡع َد ِإیَم ٰـ ِنُك ۡم َك ٰـ ِفِر یَن ﴾ [آل عم ران ‪ ،]١٠٠‬س مى هللا الوح دة ايمان ا والتفرق‬
‫كفرا‪،‬‬

‫واآلن في عصر التكتالت هل نريد أن نعيش متمزقين متفرقين وأوربا ال تي عاش ت‬


‫متفرقة متقاتلة تتجمع ونحن الذين عشنا متحدين نرضى أن نتفرق ونتم زق فه ل ي ا‬
‫ترى نكون كما كان أصحاب رسول هللا ال اوسية وال خزرجية اآلن أسماكم أنص ارا‬
‫فتعانقوا وبكوا وعرفوا أنها نزعة شيطان وكان الشيطان ه و ذل ك اليه ودي الم اكر‪،‬‬
‫اللهم اجم ع كلم ة ه ذه األم ة على اله دى وقلوبه ا على التقى ونفوس ها على الحب‬
‫وعزائمها على عمل الخير‪.‬‬

‫عباد الرحمن‬

‫(‪ /15‬صفر‪ 1426 /‬الجمعة ‪)25/3/2005‬‬

‫هنال ك ص فات وخص ال ال ب د منه ا لتك وين شخص ية (عب اد ال رحمن) هم العب اد‬
‫المنسوبون إلى هللا وحده إذا كان هناك عباد للشيطان‪ ،‬أو للط اغوت أو الش هوات أو‬
‫للدينار والدوالر والدرهم ( (َت ِعَس عبُد الِّد يَن اِر ‪َ ،‬و َع ْب ُد ال ِّد ْر َه ِم ‪َ ،‬و َع ْب ُد الَخ ِميَص ِة‪ ،‬إْن‬
‫ُأْع ِط َي َر ِض َي ‪ ،‬وإْن َلْم ُيْع َط َس ِخَط ‪َ ،‬ت ِعَس َو اْن َتَك َس )) ‪ ،8‬إذا ك ان هنال ك عبي د للم رأة‬
‫والغريزة فإن هناك عبادا للرحمن منسوبون إلى اسم ال رحمن ألنهم أه ل لرحم ة هللا‬
‫وأنهم في دائرة الرحمة وان الرحمة تحي ط ب ه عن اليمين وعن الش مال ومن ف وقهم‬
‫ومن تحت أرجلهم فهم عباد الرحمن‪ ،‬فهل تريد أن تكون من عباد الرحمن؟ أتريد أن‬
‫تنتسب إلى هللا عز وجل؟ أتريد أن تكون عضوًا في هذه الجماعة فعلي ك أن تتص ف‬
‫‪ 6‬أخرجه الشوكاني في فتح القدير رقم (‪.)1/548‬‬
‫‪ 7‬ابن كثير في تفسيره ‪.1/389‬‬
‫‪ 8‬أخرجه البخاري في صحيحه رقم (‪.)2887‬‬
‫‪3‬‬
‫بص فاتهم وأول ص فاتهم كم ا بين هللا بقول ه ﴿ ٱَّل ِذیَن َی ۡم ُش وَن َع َلى ٱَأۡلۡر ِض َه ۡو ࣰنا ﴾‬
‫[الفرقان ‪ ]٦٣‬كيفية المشي وصفة المشي لها قيمة عند هللا ألنها تع بر عن الشخص ية‬
‫وما تحمله من معان وقيم فالمتكبرون والجبارون لهم مشية والمؤمنون المتواض عون‬
‫لهم مشية كل يمشي معبرا لما في ذاته‪.‬‬

‫عباد الرحمن يمش ون على األرض هون ا يمش ون متواض عين هي نين لي نين يمش ون‬
‫بسكينة ووقار بال تجبر وال استكبار ال ينتفش ون وال ينتفخ ون يمش ي مش ية من يعلم‬
‫أن ه من األرض خ رج وإلى األرض يع ود ﴿۞ ِم ۡن َه ا َخ َلۡق َٰن ُك ۡم َو ِفیَه ا ُنِعیُد ُك ۡم َو ِم ۡن َه ا‬
‫َر ٰى ﴾ [ط ه ‪﴿ ،]٥٥‬ٱَّل ِذیَن َی ۡم ُش وَن َع َلى ٱَأۡلۡر ِض َه ۡو ࣰنا َو ِإَذ ا َخ اَط َب ُهُم‬ ‫ُنۡخ ُج ُك ۡم َت اَر ًة ُأۡخ‬
‫ِر‬
‫ࣰما﴾ [الفرق ان ‪ ]٦٣‬ليس مع نى مش ي اله ون أنهم يمش ون متم اوتين‬ ‫ٱۡل َٰج ُلوَن َقاُلو۟ا َس َٰل‬
‫ِه‬
‫متمارضين كما يفعل بعض من ينتسب إلى التقوى والصالح فه و بتم اوت ويتص نع‬
‫ما كان هكذا رسول هللا‪ -‬صلى هللا عليه وس لم‪ -‬وال ك ان أص حابه‪ ،‬ك ان رس ول هللا‪-‬‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪ -‬كما روى عن علي بن أبي طالب ( (إذا مشى تكَّفَأ تكُّفَي ا كأّن م ا‬
‫ينحُّط من صبٍب)) ‪ 9‬ألنه ينزل من مكان مرتفع وهي مش ية اولي الع زم والش جاعة‬
‫ويقول ابو هريرة ( (وهللا ما رأْي ُت شيًئ ا أحسَن من رس وِل ِهللا‪ ،‬ك أَّن الش مَس َت ج ري‬
‫في وجِه ِه‪ ،‬وما رأْي ُت أحًد ا أسرَع في ِمشيِتِه من رسوِل ِهللا‪ ،‬كأَّن ما األرُض ُتطوى لُه‪،‬‬
‫وإَّن ا لُنجهُد أنفَس نا وإَّن ُه لغ يُر ُم كَت ِر ٍث)) ‪ 10‬وليس مع نى الس رعة هن ا الس رعة ال تي‬
‫تذهب بالوقار ب ل الوس ط ال بالس ريع المفرط وال ب البطيء المفرط ه ذا ه و مش ي‬
‫المؤمنين مشيًة فيها قوة وفيها تواض ع‪ ،‬رأى عم ر بعض الن اس يتخش ع في ص الته‬
‫ويتصنع ويطأطأ رقبته فعاله بالدرة وق ال ي ا ه ذا أرف ع راس ك‪ ،‬ال تمت علين ا دينن ا‬
‫اماتك هللا ان الخشوع في القلوب ليس الخشوع في الرقاب‪ ،‬فهذا هو ما نريد بالمش ي‬
‫الهون اذا كان االنسان يختال ويفتخر ويتعاظم ليكون عظيما عند الناس ف العكس ه و‬
‫الصحيح‪ ،‬ان هذا يحقره عند الناس ويجعله بغيظ الى الناس كم ا ه و بغي ظ الى هللا ‪-‬‬

‫‪ 9‬أخرجه الترمذي في سننه رقم (‪.)3637‬‬


‫‪ 10‬أخرجه الترمذي برقم (‪ ،)3648‬وفي ( (الشمائل المحمدية)) (‪ )124‬واللفظ له‪ ،‬وأحمد (‪)8604‬‬
‫‪4‬‬
‫عز وجل‪ -‬يقول‪ -‬صلى هللا عليه وس لم‪( -‬ط وَب ى لمْن تواض َع في غ ير مس كنٍة( ‪،11‬‬
‫(وما َت واَض َع أَح ٌد ِهَّلل إاَّل َر َفَع ُه ُهَّللا) ‪. 12‬‬

‫فعن عمر بن شيبة قال‪ :‬كنت بمكة بين الصفا والمروة فرأيت رجًال راكًبا بغلته وبين‬
‫يديه غلمان وإذا هم يعنفون الناس‪ ،‬ق ال‪ :‬ثم ع دت بع د حين دخلت بغ داد فكنت على‬
‫الجسر‪ ،‬فإذا أنا برجل حاف حاسر طويل الش عر‪ ،‬ق ال‪ :‬فجعلت أنظ ر إلي ه وأتأمل ه‪،‬‬
‫فقال لي‪ :‬ما لك تنظر إلَّي ؟ فقلت له‪ :‬شبهتك برجل رأيته بمكة‪ ،‬ووصفت ل ه الص فة‪،‬‬
‫فقال ل ه‪ :‬أن ا ذل ك الرج ل‪ ،‬فقلت‪ :‬م ا فع ل هللا ب ك؟ فقال‪ ):‬إني ت رفعت في موض ع‬
‫يتواضع فيه الناس فوضعني هللا حيث يترفع الناس (‪.13‬‬

‫فقد كان رسول هللا‪ -‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬اك ثر الن اس تواض عًا على مال ه من مقام‬
‫عند هللا وعن د الن اس يمش ي م ع أص حابه كواح د منهم وك ان يجلس بينهم ال يتم يز‬
‫عليهم ح تى ان الرج ل الغ ريب لي أتي فيقول ايكم محم د ألن ه ال يتم يز بش يء عن‬
‫اصحابه وكان قريبا سهال لينا يلقى ابعد الناس وأقربهم واصحابه واعدائه واهل بيت ه‬
‫ووفود الملوك بال تصنع وال تكلف بالحق مسافرا فكانت أعماله تص در طبيعي ة ك ل‬
‫منها يدل على خلقه كم ا ت دل الص ورة على ص احبها واس معوا الى ع دي بن ح اتم‬
‫يقول وقد كان يظن انه سيلقى ملكا في المدينة ( (دخلت على محمد‪ -‬ص لى هللا علي ه‬
‫وسلم‪ -‬وهو في المسجد‪ ،‬فسلمت عليه‪ ،‬فقال‪ :‬من الرجل؟‪ ،‬فقلت‪ :‬عدي بن حاتم‪ ،‬فقام‬
‫وانطل ق بي إلى بيت ه‪ ،‬فوهللا إن ه لعام د بي إلي ه‪ ،‬إذ لقيت ه ام رأة ض عيفة كب يرة‪،‬‬
‫فاستوقفته‪ ،‬فوقف طويال تكلمه في حاجتها‪ ،‬ق ال‪ :‬فقلت‪ :‬وهللا م ا ه ذا بمل ك‪ ،‬ق ال‪ :‬ثم‬
‫مضى بي رسول هللا‪ -‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬حتى إذا دخل بي بيته تن اول وس ادة من‬
‫آدم (جلد) محشوة ليفا فقذفها إلَّي ‪ ،‬فقال‪ :‬اجلس على هذه‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬ب ل أنت ف اجلس‬
‫عليه ا‪ ،‬فقال‪ :‬ب ل أنت‪ ،‬فجلس ت عليه ا‪ ،‬وجلس رس ول هللا‪ -‬ص لى هللا علي ه وس لم‪-‬‬
‫باألرض‪ ،‬قال‪ :‬قلت في نفسي‪ :‬وهللا ما هذا بأمر ملك " ‪ .14‬هذه طبيعة محمد رس ول‬
‫هللا لالطالع عليها عدي‪ ،‬وقد وقع بعض أهله قبل ذلك أس رى لجيوش ه يأتي ه مغلوب ا‬
‫‪ 11‬أخرجه السيوطي في الجامع الصغير الصفحة أو الرقم‪5281 .‬‬
‫‪ 12‬أخرجه مسلم في صحيحه رقم (‪.)2588‬‬
‫‪ 13‬إحياء علوم الدين أبو حامد الغزالي ج ‪ /3‬ص ‪.343‬‬
‫‪ 14‬السيرة النبوية البن هشام ج ‪ /2‬ص ‪.580‬‬
‫‪5‬‬
‫فيجلسه على وسادة ويجلس هو على األرض‪ .‬انه تواضعا عن يقين بانتصار اإلسالم‬
‫وانتشاره وكثرة اتباعه وأمواله فقال رسول هللا‪ -‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬يا عدُّي لعل ك‬
‫إنما يمنعك من ال دخوِل في ه ذا ال ديِن م ا ت رى من حاج ة المس لمين وفقرهم فوِهللا‬
‫ليوِش كَّن الماُل أن ُيفيَض فيهم حتى ال يوجد من يأخُذ ه ولعل ك إنم ا يمنُع ك من دخ وٍل‬
‫فيه ما ترى من كثرِة عدِّو هم وقَّلِة عدِدهم فوِهللا ليوِش َك َّن أن تسمَع ب المرأِة تخ رُج من‬
‫القادسيِة على بعيِر ها حتى ت زوَر ه ذا ال بيَت ال تخ اف اال هللا ولعل ك م ا يمنع ك من‬
‫الدخوٍل في هذا الدين أنك ترى أن الُملَك والسلطاَن في غ يِر المس لمين وِهللا ليوِش َك َّن‬
‫أن تسمَع بالقصوِر الِبيضِ من أرِض بابٍل قد ُفِتَح ْت عليهم قال وان كن وز كس رى بن‬
‫هرمز قد صارت اليهم فأسلمُت ‪ 15‬قال فكان عدٌّي يقول مضِت اثنت اِن وبقيِت الثالث ُة‬
‫وِهللا لتك ونَّن وق د رأيُت القص وَر ال بيَض من أرِض باب ٍل ق د ُفِتَح ْت ورأيُت الم رأَة‬
‫تخرج من القادسَّيِة على بعيِر ها ال تخاُف حتى تحَّج هذا البيَت وَأْي ُم ِهللا لتكونَّن الثالثُة‬
‫َليفيُض الماَل حتى ال يوجَد من يأخُذ ه)) ‪ 16‬كانت على يقين وما احوجنا الي ه وتحققت‬
‫الثالثة في عهد عمر بن عبدالعزيز حيث فاضت االموال على المس لمين ح تى جع ل‬
‫منادي ينادي على من يأخذ أموال زكاة من فقراء المسلمين فلم يجد احدا‬

‫اللهم اجعلنا من عباد الرحمن الذين يمشون على األرض هونا‪.‬‬

‫ذكرى المولد النبوي ‪1422‬‬

‫مقدمة‬

‫إن الحمد هلل‪ ،‬نحمده ونس تعينه ونس تهديه ونس تغفره‪ ،‬ونع وذ باهلل تع الى من ش رور‬
‫أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يه ده هللا فال مض ال ل ه ومن يض لل فلن تج د ل ه ولي ًا‬
‫مرشدًا‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له‪ ،‬خصنا بخ ير كت اب أن زل وأك رم‬

‫‪ 15‬المصدر السابق ص ‪581‬‬


‫‪ 16‬الحاوي الكبير للماوردي ج ‪ /14‬ص ‪.81‬‬
‫‪6‬‬
‫بخير نبي أرسل وأتم علينا النعمة بأعظم منهاج شرع‪ ،‬منه اج اإلس الم الي وم أكملت‬
‫لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم اإلسالم دين ا وأش هد أن س يدنا وإمامن ا‬
‫وأسوتنا وحبيبنا ومعلمنا وقائد دربنا محمدا عبد هللا ورسوله أرسله ربه بالهدى ودين‬
‫الح ق بش يرًا ون ذيرًا‪ ،‬وداعي ًا إلى هللا بإذن ه وس راجًا من يرًا‪ ،‬ففتح هللا برس الته آذان ًا‬
‫صما‪ ،‬وأعينًا عميا‪ ،‬وقلوبًا غلفا‪ ،‬وأخرج به الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم‬
‫إلى صراط العزيز الحميد‪ ،‬أدى األمان ة وبل غ الرس الة ونص ح األم ة وجاه د في هللا‬
‫حق جهاده‪ ،‬وعبد ربه حتى أتاه اليقين صلوات هللا وسالمه عليه وعلى آل ه وص حبه‬
‫ومن دعا بدعوته واهتدى بسنته وجاه د جه اده إلى ي وم ال دين اللهم أمتن ا على ملت ه‬
‫واحش رنا في زمرت ه م ع ال ذين أنعمت عليهم من النب يين والص ديقين والش هداء‬
‫والصالحين وحسن أولئك رفيقا‪ ،‬أما بعد‪،،،‬‬

‫فيا أيها اإلخوة المسلمون كلما أهل علينا شهر ربيع األول هبت علينا ذكريات رسول‬
‫هللا صلى هللا علي ه وس لم وذكري ات مول ده علي ه الص الة والس الم‪ ،‬ففي ش هر ربي ع‬
‫األول ولد محمد صلى هللا عليه وسلم وفيه بعث وفي ه ه اجر‪ ،‬ه ذا الن بي الك ريم من‬
‫حقه علين ا أن نت ذكر مس يرته كلم ا ج اءت مناس بة من المناس بات‪ ،‬وليس ه ذا من‬
‫االحتفال المبت دع‪ ،‬فنحن إنم ا ن ذكر الن اس به ذه الس يرة ون ربطهم به ذه الرس الة‬
‫المحمدية‪ ،‬وقد كان الصحابة رضوان هللا عليهم يذكرون رس ول هللا ص لى هللا علي ه‬
‫وسلم في كل حين‪ ،‬ويقول سعد بن أبي وقاص كنا نروج ألبنائن ا مغ ازي رس ول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم كما نحفظهم السورة من القرآن‪ ،‬ي روون لهم م ا ح دث في ب در‬
‫وما حدث في أحد وما حدث في الخندق وفي بيعة الرض وان‪ ..‬إلخ‪ ،‬فل ذلك علين ا أن‬
‫نهتدي بالصحابة وننتهز الفرص بعد الفرص لنذكر الناس بالرسول الكريم ص لى هللا‬
‫عليه وسلم‪ ،‬حينما نحتفل بمولده عليه الصالة والسالم‪ ،‬الحقيقة أنن ا ال نحتفل بمول د‬
‫شخص إنما نحتفل بمولد رسالة‪ ،‬رسالة ظه رت على ي د رس ول هللا ص لى هللا علي ه‬
‫وسلم فحديثنا عن الرس ول باعتب اره مرس ًال ال باعتب اره شخص ًا‪ ،‬باعتب اره شخص ًا‬
‫أعدته العناية اإللهية ليحمل الرسالة الخاتمة للبش رية ويحم ل الرس الة العالمي ة ال تي‬
‫امت دت ط وًال ح تى ش ملت آب اد ال زمن وامت دت عرض ًا ح تى انتظمت آف اق األمم‬
‫‪7‬‬
‫وامتدت عمقًا‪ .‬ح تى اس توعبت ش ئون ال دنيا واآلخ رة‪ ،‬وص دق هللا العظيم إذ يقول‬
‫لرس وله ﴿َو َن َّز ۡل َن ا َع َلۡی َك ٱۡل ِك َت ٰـ َب ِتۡب َی ٰـ ࣰنا ِّلُك ِّل َش ۡی ࣲء َو ُه ࣰدى َو َر ۡح َم ࣰة َو ُبۡش َر ٰى ِلۡل ُم ۡس ِلِمیَن ﴾‬
‫[النحل ‪َ﴿ ، ]٨٩‬لَقۡد َك اَن ِفی َقَصِص ِه ۡم ِع ۡب َر ࣱة ُأِّل۟و ِلی ٱَأۡلۡل َب ٰـ ِۗب َم ا َك اَن َح ِدی ࣰثا ُیۡف َت َر ٰى‬
‫َو َلٰـ ِكن َتۡص ِدیَق ٱَّلِذی َب ۡی َن َی َد ۡی ِه َو َت ۡف ِص یَل ُك ِّل َشۡی ࣲء َو ُه ࣰدى َو َر ۡح َم ࣰة ِّلَقۡو ࣲم ُیۡؤ ِم ُنوَن ﴾ [يوسف‬
‫‪.]١١١‬‬

‫نتحدث عن محمد المجاهد‬

‫عن هذا الرسول وعن هذه الرسالة يكون ح ديثنا أيه ا اإلخ وة‪ ،‬ولن نتح دث في ه ذه‬
‫المناسبة إال عن جانب واحد من ج وانب الس يرة النبوي ة الش املة الجامع ة الع اطرة‪،‬‬
‫وهو جانب الجهاد في سبيل هللا‪ ،‬نتحدث عن محم د المجاه د‪ ،‬لن نتح دث عن محم د‬
‫الزاه د وال عن محم د العاب د‪ ،‬وال عن محم د األخالقي‪ ،‬وال عن محم د في ج وانب‬
‫كثيرة جدًا‪ ،‬ولكن نتحدث عنه في جانب الجهاد‪ ،‬فما أحوج األمة في هذه اآلونة ال تي‬
‫تتخاذل فيها عن واجبها نح و نص رة إخوانه ا في المس جد األقص ى م ا أحوجن ا إلى‬
‫تح دث عن الجه اد وت ذكر بالجه اد‪ .‬ك ان رس ول هللا ص لى هللا علي ه وس لم س يد‬
‫المجاهدين‪ ،‬كما كان في كل شيء هو السيد والقائد والمقدم والمفضل على غيره‪ ،‬في‬
‫كل ناحية من نواحي حياته هو األول هو العابد األول والزاهد األول والمجاهد األول‬
‫أول كل شيء‪ ،‬يتباهى به الناس ويتغالى به الناس‪ ،‬فكان هو المجاهد األول‪.‬‬

‫جاهد نفسه وراضها في سبيل هللا‪.‬‬

‫ابن القيم رحمه هللا ذكر في الجهاد ثالث عش رة مرتب ة‪ ،‬جه اد النفس أرب ع م راتب‪،‬‬
‫وجهاد الشيطان مرتبتان‪ ،‬وجهاد الكفار أربع م راتب‪ ،‬وجه اد الظ المين والمبت دعين‬
‫والفس قة ثالث م راتب‪ ،‬والن بي ص لى هللا علي ه وس لم ك ان حظ ه األوفى من ه ذه‬
‫المراتب كلها‪ ،‬جاهد نفسه وراضها في س بيل هللا‪ ،‬ليك ون خلقه القرآن كم ا وص فته‬
‫عائشة‪ ،‬فال بد أنه كان ممن تحقق فيهم قول هللا تعالى ﴿َو ٱَّلِذیَن َج ٰـ َه ُد و۟ا ِفیَن ا َلَنۡه ِدَی َّن ُهۡم‬
‫ُسُبَلَن ۚا ﴾ [العنكبوت ‪ ]٦٩‬جاهد نفسه األمارة بالسوء حتى أصبحت نفسًا لوامة ثم نفس ًا‬
‫راضية مطمئنة‪ ،‬يا أيتها النفس المطمئنة‪ ،‬كانت نفسه نفس ًا مطمئن ة ب اليقين باهلل بع د‬
‫‪8‬‬
‫طول جهاده لنفسه منذ كان شابًا بل منذ كان ص بيبًا لم يع رف عن ه أن ه ذهب في م ا‬
‫ي دخل في ه أه ل الجاهلي ة لم يس جد لص نم ولم يش رب خم رًا ولم يش ارك في له و‬
‫الجاهلية‪ ،‬بل كان إنسانًا صنع على عين هللا‪ ،‬واصطنعه هللا لنفس ه واص طفاه من بين‬
‫خلقه فربي تربية خاصة أدبه ربه فأحسن تأديبه وعلمه فأكمل تعليمه‪ ،‬وأعده للرسالة‬
‫العظمى ﴿َأَلۡم َی ِج ۡد َك َی ِتی ࣰما َفَٔـ اَو ٰى َو َو َج َد َك َض ۤا ࣰّلا َفَه َد ٰى ﴾ [الض حى ‪ ،]٧ -٦‬ه داه هللا‬
‫وه و في ح يرة الجاهلي ة‪ ،‬اس تخرجه هللا من ب راثن الجاهلي ة ليع ده ليك ون الرس ول‬
‫األعظم يكون حامل الرسالة العامة الخالدة إلى البش رية إلى أن تقوم الس اعة‪ ،‬جاه د‬
‫نفسه في هللا وجاهد شيطانة‪ ،‬حتى أسلم ش يطانه‪ ،‬يقول الن بي ص لى هللا علي ه وس لم‬
‫( (ما ِمنُك م ِمن أَح ٍد‪ ،‬إاَّل وقْد ُو ِّك َل ب ه َقِر يُن ُه ِمَن الِج ِّن ‪ ،‬ق الوا‪ :‬وإَّي اَك ي ا َر س وَل ِهللا؟‬
‫‪17‬‬
‫قاَل ‪ :‬وإَّياَي ‪ ،‬إاَّل أَّن َهَّللا أعاَن ِني عليه فأْس َلَم ‪ ،‬فال َي ْأُمُرِني إاَّل بَخ ْي ٍر ))‪.‬‬

‫حتى الشيطان استجاب ل ه وأطاع ه وأص بح ال ي أمره إال بخ ير‪ ،‬أص بح ينبوع ًا من‬
‫ينابيع الخير يتدفق بالهدى في كل مجال وعن يمين وشمال هذا ه و محم د ص لى هللا‬
‫عليه وسلم جاهد نفسه في هللا‪ ،‬وجاهد شيطانه في هللا‪ ،‬وجاه د المش ركين والمن افقين‬
‫كما أمره ربه ﴿َی ٰۤـ َأُّی َه ا ٱلَّن ِبُّی َج ٰـ ِه ِد ٱۡل ُكَّفاَر َو ٱۡل ُم َن ٰـ ِفِقیَن َو ٱۡغ ُلۡظ َع َلۡی ِه ۚۡم َو َم ۡأ َو ٰى ُهۡم َج َه َّن ُۖم َو ِبۡئ َس‬
‫ٱۡل َمِص یُر﴾ [التوب ة ‪ ،]٧٣‬جاه د الكفار بنفس ه‪ ،‬وجاه دهم بمال ه وجاه دهم بلس انه‬
‫وجاهدهم بیده‪ ،‬بكل أنواع الجهاد‪ ،‬قال هللا تعالى له وهو في مك ة في س ورة الفرق ان‬
‫﴿َو َل ۡو ِش ۡئ َن ا َلَبَع ۡث َن ا ِفی ُك ِّل َقۡر َی ࣲة َّن ِذی ࣰرا َفاَل ُتِط ِع ٱۡل َك ٰـ ِفِر یَن َو َج ٰـ ِه ۡد ُهم ِبِهۦ ِجَه ا ࣰدا َك ِب ی ࣰرا﴾‬
‫[الفرقان ‪ –]٥٢ –٥١‬أي بالقرآن– جهادًا كبيرًا)‪ ،‬هذا الجهاد الكبير هو جهاد الدعوة‬
‫والبيان والتبليغ عن هللا ‪-‬عز وجل‪ -‬وال تظنون أن هذا كان أم رًا س هًال‪ ،‬إن مجابه ة‬
‫مجتمع وثني مصّر على الوثنية مقتنع بم ا ك ان علي ه اآلب اء واألج داد ال يح اول ان‬
‫يمتحن ما كانوا عليه‪َ﴿ ،‬و ِإَذ ا ِقیَل َلُهۡم َت َع اَلۡو ۟ا ِإَلٰى َم ۤا َأنَز َل ٱُهَّلل َو ِإَلى ٱلَّر ُسوِل َقاُلو۟ا َح ۡس ُبَن ا‬
‫َم ا َو َج ۡد َن ا َع َلۡی ِه َء اَب ۤا َء َن ۤا َأَو َلۡو َك اَن َء اَب ۤا ُؤ ُهۡم اَل َی ۡع َلُموَن َش ۡی ࣰٔـا َو اَل َی ۡه َت ُد وَن ﴾ [المائدة ‪.]١٠٤‬‬

‫لم تكن مجابهة المجتمع الجامد باألمر السهل‬

‫‪ 17‬صحيح مسلم‪2814 /‬‬


‫‪9‬‬
‫هذا المجتمع الجامد الذي وقف على التقليد قل د تقلي دًا أعمى لم تكن مجابهت ه ب األمر‬
‫السهل حينما يقول لهم إن آلهتكم ه ذه إن هي إال أس ماء س ميتموها أنتم وآب اؤكم م ا‬
‫أنزل هللا بها من سلطان‪ ،‬إنها ال تبصر وال تسمع وال تعطي وال تمنع‪ ،‬وال تضر وال‬
‫تنفع إن ال ذين ت دعون من دون هللا عب اد أمث الكم ف ادعوهم فليس تجيبوا لكم إن كنتم‬
‫صادقين ألهم أرجال يمشون بها‪ ،‬أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم‬
‫لهم آذان يـسمعون بها‪ ،‬كيف تعبدون هذه األشياء التي ليس لها حتى م ا لإلنس ان وال‬
‫للحيوان هذه الحجارة الص ماء‪ ،‬ولكن القوم ق د أغلقوا عقولهم فال يعقل ون وأغلقوا‬
‫أعينهم فال يبصرون وأغلقوا آذانهم فال يسمعون ﴿َو َق اُلو۟ا ُقُلوُبَن ا ِفۤی َأِك َّن ࣲة ِّمَّم ا َت ۡد ُع وَن ۤا‬
‫ِإَلۡی ِه َو ِفۤی َء اَذ اِنَن ا َو ۡق ࣱر َو ِم ۢن َب ۡی ِنَن ا َو َب ۡی ِنَك ِحَج ا ࣱب َفٱۡع َم ۡل ِإَّن َن ا َع ٰـ ِم ُلوَن ﴾ [فصلت ‪.]٥‬‬

‫هكذا ك ان م وقفهم وهك ذا ظ ل رس ول هللا ص لى هللا علي ه وس لم ثالث ة عش ر عام ًا‬


‫يدعوهم إلى هللا ال يكف دعاهم ليًال ونهارًا وسرًا وجهارًا وصدع بما أمره هللا حينم ا‬
‫قال له هللا ﴿َفٱۡص َد ۡع ِبَم ا ُتۡؤ َم ُر َو َأۡع ِر ۡض َع ِن ٱۡل ُم ۡش ِر ِكیَن ﴾ [الحج ر ‪ ]٩٤‬وجمعهم عن د‬
‫الصفا وقال لهم يا معشر قريش أَر َأْي َت ْم ل و أْخ َب ْر ُتُك ْم أَّن َخ ْي اًل ب الَو اِدي ُتِر ي ُد أْن ُتِغ يَر‬
‫عَلْي ُك م؛ أُكْنُتْم ُم َص ِّد ِقي؟ قالوا‪َ :‬ن َع ْم ‪ ،‬ما َج َّر ْب َن ا َع َلْي َك إاَّل ِص ْد ًق ا‪ ،‬قاَل ‪ :‬فإِّن ي َن ِذ يٌر َلُك ْم بْي َن‬
‫َي َدْي َع َذ اٍب َش ِديٍد‪َ ،‬فقاَل أبو َلَه ٍب‪َ :‬ت ًّب ا لَك َس اِئَر الَي وِم ‪ ،‬أِله ذا َج َم ْع َتَن ا؟! ف نزل ق ول هللا‬
‫تعالى يدافع عن رسوله وحبيبه صلى هللا عليه وسلم ( (َت َّب ۡت َي َدٓا َأِبي َلَه ٖب َو َت َّب ‪َ ١‬م ٓا‬
‫َأۡغ َنٰى َع ۡن ُه َم اُلُهۥ َو َم ا َك َسَب ‪َ ٢‬سَي ۡص َلٰى َن اٗر ا َذ اَت َلَه ٖب ‪َ ٣‬و ٱۡم َر َأُتُهۥ َح َّم اَل َة ٱۡل َح َط ِب ‪٤‬‬
‫ِفي ِجيِدَه ا َح ۡب ‪ٞ‬ل ِّمن َّم َس ِۢد ‪[ 18 ))٥‬المسد ‪.]5-1‬‬

‫معركة بين الرسول صلى هللا عليه وسلم وقومه‪.‬‬

‫ق امت معرك ة بين الرس ول وقوم ه‪ ،‬فالرس ول ي دعو إلى التوحي د وهم ي دعون إلى‬
‫الوثنية‪ ،‬يدعو إلى الحق وهم متمس كون بالباط ل‪ ،‬ي دعو إلى الجن ة وهم يدعون ه إلى‬
‫النار‪ ،‬ولكنه صلى هللا عليه وسلم ظل مستمسكًا بعرى دعوته لم يتزحزح قي د ش عرة‬
‫عن هذه الدعوة‪ ،‬حاولوا أن يغروه بالمال بالمنصب بالملك بالسيادة ولكنه رفض ذلك‬

‫‪ 18‬أخرجه البخاري في صحيحه رقم (‪.)4770‬‬


‫‪10‬‬
‫كله‪ ،‬جاء عتبة بن ربيعة وعرض علي ه وق ال ل ه ي ا ابن أخي َي ا اْب َن َأِخي‪ِ ،‬إْن ُكْن َت‬
‫ِإَّن َم ا ُت ِر يُد ِبَم ا ِج ْئ َت ِبِه ِم ْن َه َذ ا اَأْلْم ِر َم ااًل ‪َ ،‬ج َم ْع َن ا َلَك ِم ْن َأْم َو اِلَن ا َح َّت ى َت ُك وَن َأْك َث َر َن ا‬
‫َم ااًل ‪َ ،‬و ِإْن ُكْن َت ُتِر يُد ِبِه َش َر ًفا‪َ ،‬س َّو ْد َن اَك َع َلْي َن ا‪َ ،‬ح َّت ى اَل َن ْق َط َع َأْم ًر ا ُد وَن َك ‪َ ،‬و ِإْن ُكْن ُت‬
‫ُت ِر يُد ِبِه ُم ْلًك ا َم َّلْك َن اَك َع َلْي َن ا‪َ ،‬و ِإْن َك اَن َه َذ ا اَّلِذي َي ْأِتيَك َر ِئًّي ا َت َر اُه‪ -‬عفريت يركب ك أو‬
‫كذا‪َ -‬ط َلْب َن ا َلَك الِّط َّب ‪َ ،‬و َب َذْلَن ا ِفيِه َأْم َو اَلَن ا‪َ ،‬ح َّت ى ُنْب ِر َئ َك ِم ْن ُه ‪ ،‬إن كنت وإن كنت‪ ..‬فماذا‬
‫كان رد النبي صلى هللا عليه وس لم‪ ،‬لم ي رد علي ه بش يء وإنم ا ق رأ علي ه آي ات من‬
‫القرآن من أوائل سورة فصلت (بسم هللا الرحمن الرحيم‪ ﴿ ،‬حٓم ‪َ ١‬ت نِز ي‪ٞ‬ل ِّم َن ٱل َّر ۡح َٰم ِن‬
‫ٱلَّر ِحيِم ‪ِ ٢‬ك َٰت ‪ٞ‬ب ُفِّص َلۡت َء اَٰي ُتُهۥ ُقۡر َء اًن ا َعَر ِبّٗي ا ِّلَق ۡو ٖم َي ۡع َلُم وَن ‪َ ٣‬بِش يٗر ا َو َن ِذ يٗر ا َف َأۡع َر َض‬
‫َأۡك َث ُرُهۡم َفُهۡم اَل َي ۡس َم ُعوَن ‪َ ٤‬و َقاُلوْا ُقُلوُبَن ا ِفٓي َأِك َّن ٖة ِّمَّما َت ۡد ُع وَن ٓا ِإَلۡي ِه َو ِفٓي آَذ انَن ا َو ۡق ‪ٞ‬ر َو ِم ۢن‬
‫َب ۡي ِنَن ا َو َب ۡي ِنَك ِحَج ا‪ٞ‬ب َفٱۡع َم ۡل ِإَّن َن ا َٰع ِم ُلوَن ‪ُ ٥‬قۡل ِإَّن َم ٓا َأَن ۠ا َب َش ‪ٞ‬ر ِّم ۡث ُلُك ۡم ُي وَح ٰٓى ِإَلَّي َأَّن َم ٓا ِإَٰل ُهُك ۡم‬
‫ِإَٰل ‪ٞ‬ه َٰو ِح‪ٞ‬د َفٱۡس َت ِقيُم ٓو ْا ِإَلۡي ِه َو ٱۡس َت ۡغ ِفُروُۗه َو َو ۡي ‪ٞ‬ل ِّلۡل ُم ۡش ِر ِكيَن ‪ ٦‬ٱَّل ِذيَن اَل ُيۡؤ ُت وَن ٱلَّز َك ٰو َة َو ُهم‬
‫ِبٱٓأۡلِخَر ِة ُهۡم َٰك ِفُروَن ‪ ﴾ ٧‬إلى آخر هذه اآليات حتى وصل قوله تع الى ﴿َف ِإۡن َأۡع َر ُض و۟ا‬
‫َفُقۡل َأنَذ ۡر ُتُك ۡم َص ٰـ ِع َق ࣰة ِّم ۡث َل َص ٰـ ِع َقِة َع ا ࣲد َو َث ُموَد ﴾ [فصلت ‪ ]١٣‬ففزع الرجل وق ال ل ه‪ :‬ي ا‬
‫ابن أخي أناشدك هللا والرحم أن تك ف وع اد إلى قوم ه بوج ه غ ير الوج ه وق ال لهم‬
‫دعوا محمدًا وش أنه فقالوا ل ه س حرك محم د‪ ،‬ذهب من دوبًا لهم ليع رض علي ه ه ذه‬
‫العروض عساه أن يختار واحدة منها ولكنه اسمعه ش يئًا أخ ر فقال لهم‪َ( :‬ه َذ ا َر ْأِيي‬
‫َلُك ْم ‪َ ،‬ف اْص َن ُعوا َم ا َب َدا َلُك ْم ) ‪.19‬‬

‫قريش تقاطع محمدًا وأصحابه مقاطعة اقتصادية واجتماعية‬

‫رفض محمد صلى هللا عليه وسلم المال والجاه والمل ك وك ل م ا يتطل ع إلي ه الن اس‪،‬‬
‫ألنه ما كان يريد ماًال وال جاهًا وال دنيا‪ ،‬إنما كان يريد أن يبلغ دعوة ربه إلى الن اس‬
‫هذا ما يريده‪ ،‬ما كان يريد الدنيا‪ ،‬لو أراد الدنيا لقبل ما عرضه هؤالء‪ ،‬وظ ل يك افح‬
‫ويص بر على األذى ه و وأص حابه ح تى ق ررت ق ريش أن تقاطع محم د وتقاطع‬
‫أصحابه وتقاطع من يحمى لهم وي دافع عن ه مث ل أبي ط الب عم ه ال ذي ق در هللا أن‬
‫يظل على دين قومه وك انت ه ذه حكم ة من هللا ليحمي ه بجاه ه‪ ،‬ق رروا أن يقاطعوا‬
‫‪ 19‬البداية والنهاية البن كثير ج ‪ /4‬ص ‪ 159‬و‪.160‬‬
‫‪11‬‬
‫ه ؤالء مقاطع ة اقتص ادية واجتماعي ة‪ ،‬أي ال ي بيعون لهم وال يش ترون منهم وال‬
‫يزوجونهم وال يتزوجون منهم‪ ،‬وحوصروا في شعب‪ ،‬يسمى شعب أبي طالب‪ ،‬دخله‬
‫المسلمون كافة ودخله معهم بنو هاشم وبنو المطلب مسلمهم وك افرهم‪ ،‬المس لم دخل ه‬
‫باس م اإلس الم والك افر دخل ه عص بيًا لمحم د ولمن مع ه من ب ني قوم ه وأص يب‬
‫المسلمون بابتالء شديد نتيجة هذه المقاطع ة ح تى س مع بك اء ص بيانهم من بعي د من‬
‫الجوع وحتى أكل المسلمون أوراق الشجر حتى دميت أشداقهم‪ .‬جرحت أف واههم من‬
‫الشجر الذي فيه الشوك‪ ،‬حتى فرج هللا ‪-‬تبارك وتعالى‪ -‬عنهم‪ ،‬بعد نحو ثالث سنوات‬
‫هيأ هللا رجاًال حموا لبني هاشم وبني المطلب وطلبوا نقد الص حيفة الظالم ة القاطع ة‬
‫الجائرة‪ ،‬التي تعاه دوا فيه ا على مقاطع ة ه ؤالء القوم وعلقوه ا في ج وف الكعب ة‬
‫وشقوا هذه الصحيفة‪.‬‬

‫عام الحزن‬

‫ولكن الن بي ص لى هللا علي ه وس لم بع د أن خلص من ه ذه المحن ة دخ ل في محن ة‬


‫أخرى‪ ،‬فقد عمه أبو طالب الذي كان سندًا له في الخارج وفقد زوجت ه خديج ة ال تي‬
‫كانت سدًا له في ال داخل‪ ،‬وس مي ه ذا الع ام ع ام الح زن وآذاه قوم ه بم ا لم يكون وا‬
‫يقدرون على إيذائ ه ب ه أي ام عم ه أبي ط الب واش تدوا في إيذائ ه وإي ذاء أص حابه‪،‬‬
‫واضطر عليه الصالة والسالم أن يخرج من مكة وي ذهب إلى مك ان آخ ر عس ى أن‬
‫يجد فيه قلوبًا متفتحة وآذانا صاغية فذهب إلى الطائف‪ ،‬أق رب الم دن إلى مك ة وإلى‬
‫أهله من بني ثقيف وظل في الط ائف نح و عش رة أي ام ال يج د كب يرًا وال ش ريفًا إال‬
‫وعرض عليه دعوته ولكنهم أذوه أشد اإليذاء وقابلوه أسوأ مقابلة ولم يجد عن دهم م ا‬
‫يمكن أن يقدم شيئًا لهذا الدين الجديد ب ل س لطوا علي ه س فهاءهم وص بيانهم وجلس وا‬
‫سمتين عن يمين وشمال يرمون ه بالحج ارة ح تى دميت ق دماه ومع ه م واله زي د بن‬
‫حارثة يدافع عنه حتى شج في رأسه وأكثر من دمي القدمين وجرح القدمين أنه دمي‬
‫قلبه وحرج قلب ه نتيج ة ه ذه المقابل ة الس يئة ال تي لم تع رف ل ه ق درا ح تى ق ال ل ه‬

‫‪12‬‬
‫بعضهم‪ :‬ألم يجد هللا في جزيرة العرب غ يرك ح تى يرس لك وق ال ل ه أخ ر إن كنت‬
‫صادقًا فأنت أكبر من أن أكلمك وإن كنت كاذبًا فأنت أحقر من أن أكلم ك فلن أكلم ك‬
‫صادقًا أو كاذبًا‪ ،‬وعاد من هذه الرحلة كسير الخ اطر ح زين القلب وش كا إلى رب ه ‪-‬‬
‫عز وجل‪ -‬وإلى هللا المشتكى وهو المستعان‪ ،‬شكى ش كواه األس يفة الرقيقة الحزين ة‬
‫التي تحفظه ا كلن ا حينم ا ق ال‪( :‬الَّلهَّم اني أش كو إلي َك َض عَف ق َّو تي‪ ،‬وقَّل َة حيَل تي‪،‬‬
‫َو َه واني عَلى الَّن اِس ‪ ...‬أنَت أرحُم ال َّر احميَن ‪ ،‬أنَت رُّب المستض عفيَن ‪ ،‬وأنَت رِّبي‪...‬‬
‫إلى من َت ِك ُلني؟ إلى بعيٍد يتَج َّهُمني َأْم إلى ع ُد ٍّو مَّلكَت ُه أم ري‪ .‬إن لم َي ُك ن ِب َك غض ٌب‬
‫علَّي فال أبالي‪ ،‬غيَر أَّن عافيَت َك هَي أوسُع لي‪ ..‬أعوُذ بنوِر وجِه َك اَّل ذي أش َر قت ل ُه‬
‫الُّظ لماُت ‪ ،‬وصُلَح عَليِه أمُر ال ُّد نيا واآلخ رِة‪ ،‬أن يح َّل علَّي غض ُبَك ‪ ،‬أو أن ي نزَل بي‬
‫سخُط َك ‪َ .‬لَك الُعتبى حَّت ى َت رضى‪ ،‬وال حوَل وال قَّو َة إاَّل ِبَك ‪ ،‬لك العتبى ح تى ترض ى‬
‫وال حول وال قوة إال بك) ‪ ،20‬وقد أكرمه هللا بعد ذل ك ب أن أس لم على يدي ه في ه ذه‬
‫الرحلة عداس خادم بستان عتبة بن ربيعة وش يبة بن ربيع ة وأس لم على يدي ه الجن‪،‬‬
‫ال ذين ج اء فيهم م ا ج اء في س ورة األحقاف وفي س ورة الجن ﴿ُق ۡل ُأوِحَی ِإَلَّی َأَّن ُه‬
‫ٱۡس َت َمَع َنَف ࣱر ِّم َن ٱۡل ِج ِّن َفَقاُلۤو ۟ا ِإَّن ا َسِم ۡع َن ا ُقۡر َء اًن ا َع َج ࣰبا﴾ [الجن ‪ ]١‬كأن هللا تعالى يقول له‪:‬‬
‫إذا أعرض عنك اإلنس فلقد أقبل عليك الجن ثم عوضه برحلة أفضل من هذه الرحلة‬
‫وعوضًا عن هذه الرحلة إلى الس ماء إلى المس جد األقص ى ثم من المس جد األقص ى‬
‫إلى السماوات العال إلى سدرة المنتهى كانت رحلة اإلسراء ورحل ة المع راج‪ ،‬رحل ة‬
‫أرضية ورحلة سماوية‪.‬‬

‫الجهاد الكبير طوال ثالثة عشر عامًا‬

‫عاش رسول هللا صلى هللا عليه وسلم طوال ثالثة عش ر عام ًا في مك ة يجاه د جه د‬
‫التبليغ والبيان وجهاد الصبر واالحتمال على ما يلقى من األذى وفي ذل ك ن زل ق ول‬
‫هللا تعالى في أوائل سورة العنكبوت (آلٓم ‪َ ١‬أَح ِس َب ٱلَّن اُس إن ُيۡت َر ُك ٓو ْا َأن َي ُقوُل ٓو ْا َء اَم َّن ا‬
‫َو ُهۡم اَل ُيۡف َت ُنوَن ‪َ ٢‬و َلَقۡد َفَت َّن ا ٱَّلِذيَن ِمن َقۡب ِلِه ۖۡم َفَلَي ۡع َلَم َّن ٱُهَّلل ٱَّلِذيَن َص َد ُقوْا َو َلَي ۡع َلَم َّن ٱۡل َٰك ِذ ِبيَن‬
‫‪َ ٣‬أۡم َح ِس َب ٱَّلِذيَن َي ۡع َم ُلوَن ٱلَّس َٔ‍ِّياِت َأن َي ۡس ِبُقوَن ۚا َس ٓاَء َم ا َي ۡح ُك ُموَن ‪َ ٤‬م ن َك اَن َي ۡر ُج وْا ِلَق ٓاَء‬
‫‪ 20‬البداية والنهاية البن كثير ج ‪ /4‬ص ‪.339‬‬
‫‪13‬‬
‫ٱِهَّلل َفِإَّن َأَج َل ٱِهَّلل ٓأَلٖۚت َو ُه َو السميع ٱۡل َع ِليُم ‪َ ٥‬و َم ن َٰج َه َد َفِإَّن َم ا ُيَٰج ِه ُد ِلَن ۡف ِس ِه ۚٓۦ ِإَّن ٱَهَّلل َلَغ ِنٌّي‬
‫َع ِن ٱۡل َٰع َلِميَن ‪[ )٦‬العنكب وت ‪ ، ]6 -١‬ه ذا الجه اد ك ان جه اد االحتم ال والص بر‬
‫والمثابرة في ذات هللا وفي سبيل هللا وفي سبيل دعوة التبليغ ودعوة هللا‪ ،‬كان هذا هو‬
‫الجهاد الكبير‪( ،‬وجاهدهم به جهادًا كبيرًا) طوال ثالثة عش ر عام ًا‪ ،‬جاه د الن بي في‬
‫تبليغ الدعوة‪ ،‬ثم هاجر إلى هللا عز وجل‪ ،‬أذن هللا له بالهجرة إلى المدينة‪ ،‬إلى ي ثرب‬
‫التي سميت بعد ذلك المدينة حيث بايع األوس والخزرج بيع تين‪ ،‬بيع ة العقب ة األولى‬
‫وبيعة العقبة الثانية وعاه دهم وعاه دوه على أن يه اجر إليهم وعلى أن يمنع وه مم ا‬
‫يمنعون منه نس اءهم وذراريهم وأنفس هم وه اجر رس ول هللا ص لى هللا علي ه وس لم‪،‬‬
‫هاجر من مكة أحب بالد هللا إلى هللا وأحب بالد هللا إليه هكذا قال لها ولوال أن قومي‬
‫أخرجوني منك ما خرجت‪.‬‬

‫مرحلة الجهاد المسلح‬

‫ذهب إلى مهجره الجديد‪ ،‬إلى دار اإلسالم الجدي دة‪ ،‬إلى قاع دة اإلس الم الص لبة‪ ،‬إلى‬
‫ي ثرب أو إلى المدين ة ال تي نوره ا قدوم ه ص لى هللا وس لم وحول ه المه اجرين‬
‫واألنصار‪ ،‬وهنا ب دأت مرحل ة جدي دة من الجه اد‪ ،‬إن ه الجه اد المس لح‪ ،‬إن ه الجه اد‬
‫بالسيف‪ ،‬إنه الجهاد بمالقاة األعداء الذين أحاطوا به من كل جانب‪ ،‬وكم ا ق ال الن بي‬
‫صلى هللا علي ه وس لم ألص حابه‪ :‬لقد رمتكم الع رب عن ق وس واح دة‪ ،‬ك ل الع رب‬
‫تجمعوا عليهم‪ ،‬ووقفوا ضدهم اجتمع الباطل كله بخيله ورجله اجتمع وا على رس ول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم وعلى أصحابه‪ ،‬وكان عليهم أن يعدوا العدة لمالقاة ع دو هللا‬
‫وعدوهم كما قال هللا ‪-‬عز وجل‪َ﴿ -‬و َأِع ُّد و۟ا َلُهم َّما ٱۡس َت َط ۡع ُتم ِم ْن ُقَّو ࣲة َو ِمن ِّر َب اِط ٱۡل َخ ۡی ِل‬
‫ُتۡر ِهُبوَن ِبِهۦ َع ُد َّو ٱِهَّلل َو َع ُد َّو ُك ۡم ﴾ [األنفال ‪ ]٦٠‬وأع د الن بي ص لى هللا علي ه وس لم م ا‬
‫استطاع لهذا الجهاد الدامي وهذه المرحلة الش ديدة والقاس ية من مراح ل ال دعوة إلى‬
‫هللا عز وجل‪ ،‬وكان هو في مقدمة المجاهدين‪.‬‬

‫هيأه هللا ليكون المجاهد األول‬

‫‪14‬‬
‫وقد هيا هللا أسباب الجهاد‪ ،‬وأسباب القيادة في الجهد حيث يكون المجاهد األول‪ ،‬كان‬
‫عنده عدة الجهاد‪ .‬كان عنده الجسم القوي ليس ذلك الجسم المترف أو ذلك ال ذي ق ال‬
‫فيه الشاعر‪:‬‬

‫ولمس الحرير يدمي بنانه‬ ‫خطرات النسيم تجرح خديه‬

‫بل جسم تعود الخشونة رعى الغنم ألهل مكة واشتغل بك د يمين ه وع رق جبين ه‪ ،‬هللا‬
‫هيأه لهذا هيأه ليتلقى الحياة بخيره ا وش رها‪ ،‬ويجربه ا بحلوه ا ومره ا‪ ،‬ش اء هللا أن‬
‫يموت أبوه وهو في بطن أمه وأن يموت ج ده س يد مك ة وه و في الثامن ة من عم ره‬
‫ليالقي الحياة ويقاسيها بما فيها من ألوان األلم والع ذاب‪ ،‬ويكس ب قوت ه بنفس ه‪ ،‬ليس‬
‫كأوالد الذوات وأوالد األسر الكبيرة‪ ،‬وهو من أس رة كب يرة‪ ،‬ولكن أب اه لم ي ترك ل ه‬
‫ماًال‪ ،‬أباه مات في العشرين من عمره لم يكون ث روة‪ ،‬وك ان عم ه أب و ط الب كث ير‬
‫العيال وليس عنده مال كثير‪ ،‬فشاء هللا أن يجابه الحياة بنفسه ويعم ل بنفس ه وي رعى‬
‫الغنم ويتعلم في جو البادية وجو الصحراء وجو المراعي‪ ،‬هكذا أراد هللا لنبي ه ص لى‬
‫هللا عليه وسلم أن ينشأ هذه النشأة ويعيش على أقل القلي ل على م ا خش ن من العيش‪،‬‬
‫على ما قل من الطعام والشراب‪ ،‬ولذلك كان جسمه مع دًا للجه اد في س بيل هللا ك ان‬
‫جسمًا قويًا‪ ،‬حتى أن أح د المص ارعين المع روفين واس مه ركان ة أراد أن يص ارعه‬
‫صلى هللا عليه وسلم وجعل إذا غلب محمدًا يأخذ منه شاة وإذا غلبه هو أعط اه ش اة‪،‬‬
‫ولكن النبي صلى هللا عليه وسلم صارع ركانة فصرعه‪ ،‬ثم تنازل له عن الشاة وق ال‬
‫له (َم ا ُكَّن ا ِلَن ْج َم َع َع َلْي َك َأْن َن ْص َر َعَك َو ُنْغ ِر َم َك ُخ ْذ َغ َن َم ك) ‪ ،21‬ودخ ل الرج ل في‬
‫اإلسالم‪.‬‬

‫كان صلى هللا عليه وسلم يركب الفرس معروريًا ال سرج ل ه وال لج ام‪ ،‬ك ان الجس م‬
‫جسمًا قوي ًا خش نًا مع دًا للجه اد في س بيل هللا وك انت نفس ه نفس ًا ش جاعة ال تع رف‬
‫الخوف إال من هللا عز وجل‪ ،‬ولذلك يقول ف ارس اإلس الم علي بن أبي ط الب‪ُ ):‬كَّن ا‬
‫ِإَذ ا اْح َم َّر اْلَب ْأُس ‪َ ،‬و َلِقَي اْلَقْو ُم اْلَق ْو َم ‪ ،‬اَّت َق ْي َن ا ِبَر ُس وِل هَّللَا َص َّلى ُهللا َع َلْي ِه َو َس َّلَم ‪َ ،‬ف َم ا‬
‫‪ 21‬الجامع الصحيح للسنن والمسانيد ج ‪ 15‬ص ‪.212‬‬
‫‪15‬‬
‫َي ُك وُن َأَح ٌد َأْق َر َب ِإَلى اْلَع ُد ِّو ِم ْن ُه ) ‪ ،22‬هكذا كان عليه الص الة والس الم‪ ،‬جس م ق وي‪،‬‬
‫نفس شجاعة ال تخاف‪ ،‬بل كان يتمنى إن يقتل في سبيل هللا ويقول‪ ،‬والذي نفسي بيده‬
‫لوال أن أشق عليكم ما قعدت خلف سرية أبدًا‪ ،‬النبي عليه الصالة والسالم غزا س بعًا‬
‫وعشرين غزوة حضرها بنفسه وشارك فيه ا بنفس ه‪ ،‬وبعث بض عة وخمس ين س رية‬
‫من أص حابه وق ال لهم‪ْ( :‬و اَل إن َأُش َّق َع َلى ُأَّمِتي َم ا َتَخ َّلْف ُت َخ ْل َف َس ِر َّيٍة َتْغ ُز و ِفي‬
‫َس ِبيِل ِهللا) ‪ ،23‬فكان إذا خرج يخرجون معه‪ ،‬فكان يبعث مجموعة من أصحابه فقط‪،‬‬
‫ولوددت أن أقتل في سبيل هللا ثم أحيا ثم أقتل ثم أحي ا ثم أقت ل‪ ،‬هك ذا ك ان ص لى هللا‬
‫عليه وسلم كان قلبه موصوًال باهلل والقلب الموصول باهلل ال يخاف أح دًا إال هللا‪ ،‬ك ان‬
‫إذا دخل المعركة استعان باهلل عز وجل وقال‪( :‬الَّلهَّم إَّن ا َن جَع ُلَك في ُنح و هم‪ ،‬وَن ع وُذ‬
‫ِر‬
‫بَك ِمن ُش روِر هم)‪(، 24‬اللهم ُم ْن ِز َل الكت اب‪ ،‬وُمج رَي الس حاب‪ ،‬وه ازم األح زاب‪،‬‬
‫اه ِز ْم هم وانص رنا عليهم)‪ ،25‬ك ان يقوي أص حابه به ذه األدعي ة ال تي تش د أزرهم‬
‫وتقوي ظهرهم‪ ،‬وتنفخ في روحهم‪.‬‬

‫هكذا كان عليه الصالة والسالم‪ ،‬كان معدًا ليقود الجه اد في س بيل هللا ك ان متمرس ًا‬
‫على الحرب وأدوات الحرب كلها‪ ،‬وكان يغري أصحابه بذلك ويحرض هم على ذل ك‬
‫كم ا ق ال هللا تع الى ﴿ َفَقٰـ ِتۡل ِفی َس ِبیِل ٱِهَّلل اَل ُتَك َّل ُف ِإاَّل َن ۡف َس َۚك َو َح ِّر ِض ٱۡل ُم ۡؤ ِمِنیَۖن ﴾‬
‫[النساء ‪ ]٨٤‬وقال ﴿َی ٰۤـ َأُّی َه ا ٱلَّن ِبُّی َح ِّر ِض ٱۡل ُم ۡؤ ِمِنیَن َع َلى ٱۡل ِقَت اِۚل ﴾ [األنفال ‪ ]٦٥‬فك ان‬
‫يحرض هم وه و أس وة لهم‪ ،‬ك ان يتقل د الس يف ويلبس ال درع والخ وذة‪ ،‬ال درع على‬
‫صدره والخوذة على رأسه ويتترس بالترس ويحمل الرمح والقوس العربي ة وي رمي‬
‫بالنبل قاتل وقتل‪ ،‬قتل أبي بن خلف في غ زوة أح د‪ ،‬حينم ا أراد أن يقت ل رس ول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم فقال له‪ :‬بل أنا أقتلك فضربه فأصيب ولما رجع إلى مكة قيل له‬
‫ال بأس عليك الجرح يسير فقال لهم إن محمدًا قال سأقتلك وما أراني إال مقتوًال‪.‬‬

‫هكذا كان صلى هللا عليه وسلم أع ده هللا ليجاه د في س بيله فع اش عم ره في المدين ة‬
‫عشر سنوات‪ ،‬في السنة األولى كانت هناك مناوشات بينه وبين القبائل من حول مكة‬
‫‪ 22‬شرح السنة للبغوي ج ‪ 13‬ص ‪.258‬‬
‫‪ 23‬كتاب السنن الكبرى للبيهقي ج ‪ 9‬ص ‪.264‬‬
‫‪ 24‬أخرجه ابي داوود في سننه برقم (‪.)1537‬‬
‫‪ 25‬زاد المعاد في هدي خير العباد البن القيم ج ‪ 3‬ص ‪.117‬‬
‫‪16‬‬
‫ليرس لوا الس رايا من أص حابه لت ؤمن م ا ح ول المدين ة‪ ،‬وإم ا أن يس تجيب ه ؤالء‬
‫األعراب فيعاهدون النبي صلى هللا عليه وسلم وإم ا أن ي ؤدبهم ألن ه يس تعد لمعرك ة‬
‫قادمة يعلم أنها آتية ال ريب فيه ا‪ ،‬ثم ك انت غ زوة ب در وك انت غ زوة أح د وك انت‬
‫غزوة الخندق أو غزوة األحزاب‪ ،‬وكانت غزوة الحديبية وكانت غزوة خيبر وك انت‬
‫فتح مكة وكان معركة الطائف ومعركة حنين تسع غزوات كبرى من سبع وعش رين‬
‫غزوة حضرها النبي صلى هللا عليه وسلم وأربع وخمسون أو خمس وخمسون سرية‬
‫بعثها النبي صلى هللا عليه وسلم من أصحابه إلى جهات شتى‪.‬‬

‫هذه الحرب الطويلة أيها األخوة‪ ،‬جعلت كل بيت في المدينة يقدم شهيدًا أو أك ثر‪ ،‬م ا‬
‫من دار من ال دور وال حي من األحي اء إال وق دم ش هيدًا أو أك ثر من الش هداء‪ ،‬ه ذا‬
‫الدين الذي ننعم به اليوم ونستظل بظله الوارف لم يأت إلينا عفوًا صفوا‪ ،‬لم يأت إلينا‬
‫غنيمة باردة وال لقمة سائغة‪ ،‬لقد ب ذلت في ه الجه ود‪ ،‬أريقت في ه ال دماء أزهقت في ه‬
‫األرواح‪ ،‬قدمت فيه التضحيات‪ ،‬ينبغي أن نذكر فضل هللا علين ا أن ه ذا ال دين ال ذي‬
‫ورثناه عن آبائنا ولم تبذل فيه شيئًا هذا الدين قدم من أجله الكثير وفي س بيله الكث ير‪،‬‬
‫كان صلى هللا عليه وسلم وأص حابه يح اربون في ع دة جبه ات‪ ،‬الجبه ة الوثني ة في‬
‫مكة وفي جزيرة العرب والجبهة اليهودية ال تي غ درت برس ول هللا ص لى هللا علي ه‬
‫وسلم ونقدت عه ده‪ ،‬وهن اك جبه ة أخ رى متربص ة أرادت أن تغ زو الن بي قب ل أن‬
‫يغزوهم فغراهم هو قبل أن يغزوه‪ ،‬الروم النصارى الذين التقى بهم في س رية مؤت ة‬
‫وفي غزوة تبوك‪ ،‬وك ان هن اك الفرس ال ذين يقفون من ق ريب في إي ران في دول ة‬
‫فارس التي هي إحدى ال دولتين الك بريين في الع الم تتن ازع الس يادة على الع الم م ع‬
‫الروم‪ ،‬وكان هناك جبهة داخلية أخطر من هؤالء جميعًا هي جبه ة المن افقين‪ ،‬جبه ة‬
‫َٰخ‬ ‫ۡل‬
‫المنافقين الذين يقولون (َء اَم َّن ا ِبٱِهَّلل َو ِب ٱ َي ۡو ِم ٱٓأۡلِخ ِر َو َم ا ُهم ِبُم ۡؤ ِمِنيَن ‪ُ ٨‬ي ِدُعوَن ٱَهَّلل‬
‫َو ٱَّلِذيَن َء اَم ُنوْا َو َم ا َي ۡخ َد ُعوَن ِإٓاَّل َأنُفَس ُهۡم َو َم ا َي ۡش ُعُروَن ‪ِ ٩‬في ُقُلوِبِه م َّم َر ‪ٞ‬ض َف َز اَدُه ُم ٱُهَّلل‬
‫َمَر ٗض ۖا َو َلُهۡم َع َذ اٌب َأِليُۢم ِبَم ا َك اُنوْا َي ۡك ِذُبوَن ‪ ])١٠‬البقرة ‪.[ 10 –٨‬‬

‫الرحمة‬

‫‪17‬‬
‫{‪ 6/5/2005‬الموافق ‪ /27‬ربيع األول‪}1426 /‬‬

‫خلق نعرفه جميعًا ونعرف معناه ولكنه أصبح غير موجود بيننا لقد غاب ه ذا الخل ق‬
‫عن البشرية حتى صار العالم كله في أشد االحتياج له وخاصة نحن بغياب ه انتش رت‬
‫الجريمة وازداد القتل والبطش والظلم أنه خلق الرحمة أن ه خل ق النج اة ي وم القيام ة‬
‫ألن من عمل به في الدنيا ضمن الرحمة له يوم القيامة ( (وإَّن ما ي رحُم ُهَّللا ِمن عب اِدِه‬
‫الُّر حماَء )) ‪ 26‬والرحمة من أعظم ص فات هللا تع الى فه و ال رحمن ال رحيم والم ؤمن‬
‫يعتقد دائم ا فقير إلى رحم ة هللا وبه ذه الرحم ة اإللهي ة يعيش في ال دنيا ويفوز في‬
‫اآلخرة ولكنه يوقن أن‪ -‬رحمه هللا‪ -‬تعالى ال تنال إال برحمه الن اس ( (ومن ال َي ْر حْم‬
‫ال ُي ْر حْم )) ‪ 27‬ارحم وا من في األرض ي رحمكم من في الس ماء ورحم ة الم ؤمن ال‬
‫تقتصر على إخوانه المؤمنين وإنما هو ينبوع يفيض بالرحمة على الناس جميعًا وق د‬
‫قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ألصحابه ( (َلن تؤِمنوا حَّت ى َت رحموا ق الوا‪ :‬كُّلن ا‬
‫َر حيٌم يا رسوَل ِهَّللا قاَل إَّن ُه ليَس برحمِة أحِد ُك م ص احَب ُه ولكنه ا رحم ُة الَّن اِس رحم ُة‬
‫العاَّمِة)) ‪ 28‬حتى أن رب العزة من رحمته أنه حتى م ع أه ل ال ذنوب والمعاص ي ال‬
‫تفارقهم رحم ه هللا ‪-‬ع ز وج ل‪ -‬ول وال ذل ك انتقم منهم عن د أول ذنب وإنم ا يمهلهم‬
‫ويؤخرهم لعلهم يتوبوا لعلهم يرجعوا‪ ،‬هللا يغض ب على أه ل المعاص ي ويغ ار على‬
‫حرماته أن تنتهك ولكن رحمته تسبق غضبه لنتعلم الرحمة صاحب المعاص ي يمه ل‬
‫وال ينتقم فم ا بالن ا نمتلئ حقدًا وتحاس دًا وتباغض ًا ﴿َو َر ُّب َك ٱۡل َغ ُف وُر ُذ و ٱلَّر ۡح َم ِۖة َل ۡو‬
‫ُیَؤ اِخُذ ُهم ِبَم ا َك َس ُبو۟ا َلَع َّج َل َلُهُم ٱۡل َع َذ اَۚب ﴾ [الكهف ‪ ]٥٨‬ويقول صلى هللا عليه وسلم "إَّن‬
‫َهَّللا َكَت َب ِكتاًبا َقْب َل أْن َي ْخ ُلَق الَخ ْلَق ‪ :‬إَّن َر ْح َم تي َس َب َقْت َغ َض ِبي‪َ ،‬فهو َم ْكُتوٌب ِع ْن َدُه َفْو َق‬
‫الَع ْر ِش " ‪ 29‬ورحمته عمت البشرية كلها حتى الكفرة!! كيف ذلك هل يمنع هللا الرزق‬
‫عن الكافر؟ أبدًا أليست هذه رحمته؟ ‪-‬سبحان هللا‪ -‬يعص ون هللا وال يؤمن ون ب ه وم ع‬
‫ذلك يرزقهم وال يمنع عنهم الهواء وال الم اء رحم ة من هللا لعلهم يع ودون‪ ،‬وي روى‬
‫في األثر ان جاء شيخ كبير الى سيدنا ابراهيم عليه السالم‪ ،‬فدعاه سيدنا اب راهيم الى‬
‫‪ 26‬أخرجه البخاري في صحيحه برقم ‪ 7448‬ومسلم برقم ‪.2132‬‬
‫‪ 27‬أخرجه البخاري في صحيحه برقم ‪ 5997‬ومسلم برقم ‪.5982‬‬
‫‪ 28‬فتح الباري البن حجر العسقالني ج رقم ‪ 10‬ص ‪.435‬‬
‫‪ 29‬أخرجه البخاري في صحيحه برقم (‪ ،)7553‬ومسلم في صحيحه برقم (‪ )2751‬باختالف يسير‪.‬‬
‫‪18‬‬
‫الطعام‪ ،‬وأوقد النار لينضج الطعام‪ ،‬فجاء هذا الشيخ الكب ير وس جد أم ام الن ار؛ ألن ه‬
‫كان يعبدها فقال له سيدنا ابراهيم‪ :‬قم أتعب د الن ار؟ فقام الرج ل وخ رج‪ ،‬فأرس ل هللا‬
‫جبريل الى سيدنا اب راهيم‪" :‬ي ا اب راهيم لم تتحّمل ه س اعة وأن ا أتحّمل ه س تين عام ا"‬
‫فجرى خلفه سيدنا ابراهيم‪ ،‬وقال له‪ :‬هلم الى الطعام‪ ،‬فقال الشيخ‪ :‬لما؟ فقال اب راهيم‪:‬‬
‫لقد عاتبني ربي فيك‪ .‬فقال الشيخ‪ :‬إله رحيم ال بّد أن يعب د‪ ،‬وأس لم الرج ل وس جد هلل‬
‫تعالى‪ .‬ولذلك عندما اكمل بناء الكعبة قال ﴿َو ِإۡذ َقاَل ِإۡب َر ٰ ِه ۧـ ُم َر ِّب ٱۡج َع ۡل َه ٰـ َذ ا َب َلًد ا َءاِم ࣰنا‬
‫َو ٱۡر ُز ۡق َأۡه َلُهۥ ِمَن ٱلَّث َم َر ٰ ِت ﴾ [البقرة ‪ ]١٢٦‬ثم اش ترط ش رطا ﴿َم ۡن َء اَمَن ِم ۡن ُهم ِبٱِهَّلل‬
‫َو ٱۡل َی ۡو ِم ٱۡل َٔـاِخ ِۚر ُ ﴾ ولكن انظر الى رحمه هللا ﴿ َقاَل َو َم ن َكَفَر َف ُأَم ِّت ُعُهۥ َقِلی ࣰلا ُثَّم َأۡض َط ُّر ُهۤۥ‬
‫ِإَلٰى َع َذ اِب ٱلَّن اِۖر َو ِبۡئ َس ٱۡل َمِص یُر﴾ [البقرة ‪ ]١٢٦‬هكذا شأن المؤمن ان يكون رحيما ذو‬
‫قلب رحيم ألن الجرائم البشعة وليدة أهل القسوة من الظالمين المتجبرين مثل فرعون‬
‫الطاغية المتكبر الجبار صاحب القلب القاسي الذي ال يرحم يجع ل من من ابر حكم ه‬
‫كلها كلمات غلظة واستعالء فقد ذبح االبناء واستحيا النساء واستعبد االمة ل ذلك ق ال‬
‫موسى ﴿َو َقاَل ُموَس ٰۤى ِإِّن ی ُع ۡذ ُت ِب َر ِّبی َو َر ِّب ُك م ِّمن ُك ِّل ُم َتَك ِّب ࣲر اَّل ُی ۡؤ ِمُن ِبَی ۡو ِم ٱۡل ِحَس اِب﴾‬
‫[غافر ‪ ]٢٧‬وهذا شانهم في كل عصر وانظر ألصحاب القلوب الرحيمة التي تخش ى‬
‫هللا التي تعلم ان الذي تفلت من يد االنتقام هنا في الدنيا فلن تفلت من يد العدالة هن اك‬
‫انها ال تكتفي في مرتبة العدالة والقصاص بالمث ل ولكنه ا تتطل ع الى درج ة الفض ل‬
‫والعفو ﴿َو ِإۡن َع اَقۡب ُتۡم َفَع اِقُبو۟ا ِبِم ۡث ِل َم ا ُع وِقۡب ُتم ِبِهۖۦ َو َلِٕىن َص َب ۡر ُتۡم َلُه َو َخ ۡی ࣱر ِّللَّص ٰـ ِبِر یَن ﴾‬
‫[النحل ‪ ]١٢٦‬وهذا أمير المؤمنين االمام علي بن ابي طالب ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬حينم ا‬
‫يتآمر عليه الخارجون على الدين االشجعي وعبد الرحمن بن ملجم خرج قب ل الفج ر‬
‫يوقظ الناس للصالة فترقباه بباب المسجد حتى دخل فضربه شبيب فأخطئ ه وض ربه‬
‫بن ملجم على راسه فقال علي بن ابي طالب فزت ‪-‬ورب الكعبة‪ -‬يظن القتلة ان قت ل‬
‫االئمة انتصار لهم بل هو فوز لألمام فقد قال امير المؤمنين فزت فقد ن ال ال درجات‬
‫العال هناك حيث يطوف حول الع رش في نعيم هللا فتجم ع الن اس تمكن وا من القبض‬
‫على ابن ملجم واالمام علي ينزف وهو الخليفة المط اع ام ير المؤم نين اذا ام ر نفذ‬
‫امره فتصور ماذا قال بش ان قاتل ه البغيض ق ال ( (إن أعش ف األمر لي‪ ،‬وإن أص ب‬

‫‪19‬‬
‫فاألمر لكم‪ ،‬فإن آثرتم أن تقتصوا فضربة بضربة‪ ،‬وأن تعفوا أقرب للتقوى)) ‪ 30‬ه ذا‬
‫هو منطق االيمان ضربة بض ربة وان تعفو أق رب للتقوى اال م ا أروع وم ا اعظم‬
‫هذا‪ ،‬يا ترى كم كان يذهب ضحيته من ق وم ه ذا القات ل وحزب ه ل و ك ان االم ر بي د‬
‫الماديين اصحاب الدنيا اصحاب القلوب القاسية الذين ال يخشون الخالق وال يرحمون‬
‫المخلوق فما احوجنا االقتداء برس ول هللا ص لى هللا علي ه وس لم واه ل بيت ه الطي بين‬
‫وصحبه الغر المحجلين‪.‬‬

‫مولد النبي‬

‫(الجمعة ‪ 1/6/2001‬الموافق ‪ /9‬ربيع األول‪)1422 /‬‬

‫أخالق الرسول‬

‫الحمد هلل رب العالمين الحمد هلل الذي بعث في األميين رسوال منهم يتل و عليهم آيات ه‬
‫ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل لفي ض الل م بين وأش هد أن ال‬
‫إله إال هللا وحده ال شريك له لم يقسم هللا ببش ر مطلقا إال بالرس ول محم د ص لى هللا‬
‫عليه وسلم فإنه يقول ﴿َلَع ۡم ُر َك ِإَّن ُهۡم َلِفی َس ۡك َر ِتِه ۡم َی ۡع َم ُه وَن ﴾ [الحج ر ‪ ]٧٢‬فك أن لعم ر‬
‫محمد صلى هللا عليه وسلم مكانة ومقام عند الخالق الكريم ونش هد ان س يدنا وحبيبن ا‬
‫وقرة اعيينا محمدًا عبده ورسوله القائل (ِلي َخ ْم َس ُة أْس ماٍء ‪ :‬أن ا ُم َح َّم ٌد ‪ ،‬وَأْح َم ُد ‪ ،‬وأن ا‬
‫الماِحي الذي َي ْم ُحو ُهَّللا بي الُكْف َر ‪ ،‬وأنا الحاِش ُر ال ذي ُيْح َش ُر الَّن اُس عَلى َق َدِمي‪ ،‬وأن ا‬
‫العاِقُب ) ‪ 31‬العاقب الذي ليس بعده نبي وقد سماه هللا رؤوفًا رحيمًا‪.‬‬

‫اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا سيدي ي ا أب ا القاس م ي ا‬
‫قرة عيني يا حبيب هللا يا طب القلوب ودوائها ويا عافية األبدان وشفائها صلى عليك‬
‫هللا يا علم الهدى ما هبت النسائم وما نامت على األيك الحمائم وبعد يا عباد هللا اتقوا‬
‫هللا‪.‬‬

‫‪ 30‬الكامل في األدب واللغة للمبرد ج ‪ 3‬ص ‪.114‬‬


‫‪ 31‬أخرجه البخاري في صحيحه برقم ‪.3532‬‬
‫‪20‬‬
‫سأل الحبيب محمد صلى هللا عليه وس لم عن َص وِم َي وِم االْث َن يِن فقاَل ‪َ( ( :‬ذ اَك الي وُم‬
‫الذي وِلْد ُت فيِه وُأْن ِز َل علَّي فيِه)) ‪ 32‬ولد ع ام الفي ل فلقد اخت ار هللا والدت ه في ع ام‬
‫الفيل وهو العام الذي وقع فيه أعظم حدث في تاريخ الجزيرة العربية وقتذاك وجعلوا‬
‫مبدأ تاريخ يقول حدث كذا عام الفيل أو كذا قبل عام الفيل‪.‬‬

‫ولد في هذا العام الذي لم يرد هللا يجعل حماية بيته تتم من قبل مشركي ق ريش وإنم ا‬
‫يتولى هللا بنفسه حمايته والدفاع عنه ليكون مهبط ال وحي والن ور على محم د ص لى‬
‫هللا علي ه وس لم وانطالق ال دعوة اإلس المية وتعم ال دنيا كله ا ولتحطم وإلى األب د‬
‫الجاهلية وعروش كسرى وقيصر الروم‪ ،‬ولد حبيبكم محمد صلى هللا عليه وس لم في‬
‫هذا العام قال صلى هللا عليه وسلم ( (ما بعث هللا نبيا إال أخذ علي ه الميث اق لئن بعث‬
‫محمد وهو حي لي ؤمنن ب ه ولينص رنه وأم ره أن يأخ ذ على أمت ه الميث اق لئن بعث‬
‫محمد وهم أحياء ليؤمنون به ولينصرنه وليتبعن ه)) ي ا إخ وتي أه ل الكتب الس ماوية‬
‫يعرفونه حق المعرفة حتى يوم والدته معلومة لديهم فعندما ولد محمد صلى هللا عليه‬
‫وسلم كان يهودي قد سكن مكة‪ ،‬فقال في مجلس من مجالس قريش هل ك ان فيكم من‬
‫مولود هذه الليلة؟ قالوا‪ :‬ال نعلمه قال‪ :‬إنه ولد الليلة نبي هذه األمة‪ ،‬أحمد اآلخ ر ف إن‬
‫اخطئتم فه و اآلن في فلس طين ب ه ش امة بين كتفي ه س وداء ص فراء فيه ا ش عرات‬
‫متواترات‪ ،‬فلما ذهبوا إلى منازلهم ذكروا ألهاليهم فقيل لهم‪ :‬قد ولد لعب د هللا بن عب د‬
‫المطلب الليلة غالم فس ماه محم دا‪ ،‬فج اؤوا إلى اليه ودي فقال لهم‪ :‬قب ل أن أخ بركم‬
‫أمرا بعد‪ ،‬قالوا قد ولد واسمه محمد قال فاذهبوا بنا إليه فذهبوا وأخرج وه إلي ه‪ ،‬فلم ا‬
‫رأى اليهودي الشامة في ظهره خر مغشيا عليه ثم افاق فقالوا له‪ :‬ويل ك مال ك؟ ق ال‪:‬‬
‫ذهبت النب وة من ب ني إس رائيل‪ ،‬وخ رج الكت اب من بين أي ديهم وه ذا مكت وب ان ه‬
‫سيقتلهم‪ ،‬فقد فزتم بالنبوة‪ ،‬اما وهللا ليظهرن دينه حتى يعم المشرق والمغرب‪.‬‬

‫فأنتم يا أمة محمد موعودون بالنصر على اليه ود وقتلهم ج راء فس ادهم في األرض‬
‫والقتل من أمة محمد فبشراكم هذا ما وعدنا به هللا وهو مكتوب لديهم في التوراة‪.‬‬

‫‪ 32‬أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين برقم ‪.4230‬‬


‫‪21‬‬
‫إن محمد صلى هللا عليه وسلم قد نال الشهادة الكبرى والتك ريم العظيم من هللا تع الى‬
‫عندما أثنى عليه بقوله ﴿َو ِإَّن َك َلَع َلٰى ُخ ُلٍق َع ِظ ی ࣲم﴾ [القلم ‪ ]٤‬وأنها كلمة من هللا ف وق أي‬
‫وصف يعجز أي كالم عن ذلك الوص ف أنه ا ش هادة من هللا في م يزان هللا لعب د هللا‬
‫ومدلول الخلق العظيم هو ما هو عند هللا مما ال يبلغ اإلدراك مداه أح دا من الع المين‬
‫وما دامت من هللا ستبقى في جنبات الوجود وتتردد في المأل األعلى إلى م ا ش اء هللا‬
‫وان رس الة اإلس الم من الكم ال والجم ال والعظم ة والش مول والص دق والح ق ال‬
‫يحملها إال محمد صلى هللا عليه وسلم الذي أثنى عليه هللا ه ذا الثن اء ألن حقيقة ه ذه‬
‫النفس من حقيقة هذه الرسالة وان عظمة هذه النفس من عظمة هذه الرسالة ح تى أن‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم لخص رس الته في ه ذا اله دف النبي ل ( (إَّن م ا ُبعثُت ألتِّم َم‬
‫مكارَم األخالِق )) ‪ 33‬فما دام محمد صلى هللا عليه وسلم هو قدوتنا وال ننال محب ة هللا‬
‫بل وال نستطيع أن نثبت أننا نحب هللا إال باتباع رسول هللا صلى هللا عليه وس لم ﴿ُق ۡل‬
‫ِإن ُك نُتۡم ُتِحُّب وَن ٱَهَّلل َف ٱَّت ِبُعوِنی ُیۡح ِبۡب ُك ُم ٱُهَّلل َو َی ۡغ ِف ۡر َلُك ۡم ُذ ُن وَب ُك ۚۡم ﴾ [آل عم ران ‪ ]٣١‬فم ا‬
‫علينا اال ونحن ندعي محبة محمد صلى هللا عليه وس لم واتباع ه اال ان يظه ر حس ن‬
‫الخلق في اقوالنا وفي اعمالنا وتصرفاتنا وحسن الخل ق ه و الدعام ة القوي ة في بن اء‬
‫االمم واالفراد والجماعات وقد يسره هللا تعالى وجعله هين ال مشقة فيه يقول ص لى‬
‫هللا عليه وسلم ( (أال ُأخبُر ُك ْم ِبأْي َس ِر الِعب ادِة وأْه وَن ِه ا على الَب َد ِن ؟ الَّص ْم ُت ‪ ،‬وُحس ُن‬
‫الُخ ُلِق )) ‪ 34‬يجب ان نقرر في نفوسنا قيم ة الخل ق الحس ن ومكانت ه عن د هللا ودع وة‬
‫الحبيب محمد ص لى هللا علي ه وس لم ونستش عر بل ذة حس ن الخل ق ح تى ينش رح ل ه‬
‫الصدر وتنبسط له النفس قال صلى هللا عليه وس لم‪( ( :‬إذا دَخ ل الُّن وُر القلَب انفَس ح‬
‫وانشَر ح)) ‪ 35‬واعلم إذا لم تذق لحسن الخلق طعمًا فإن ك ال تس تطيع أن ت ؤتي بخل ق‬
‫فاضل وال يمكنك تقدره حق قدره وكل الكتب السابقة أبرز الجانب األخالق في نبين ا‬
‫محمد‪ -‬صلى هللا عليه وس لم‪ -‬وه ذا م ا بش ر ب ه األنبي اء عليهم وعلى نبين ا الص الة‬
‫والسالم يقول‪ :‬زيد بن سعيد وهو من علماء اليهود ( (ما من عالمات النبوة شيء إال‬

‫‪ 33‬لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف البن رجب الحنبلي برقم ‪.305‬‬
‫‪ 34‬الترغيب والترهيب للمنذري ج ‪ 3‬ص ‪.353‬‬
‫‪ 35‬شرح علل الترمذي البن رجب الحنبلي ج ‪ 3‬ص ‪.772‬‬

‫‪22‬‬
‫وقد عرفتها في وجه محمد صلى هللا عليه وآله وسلم حين نظ رت إلي ه إال ش يئان لم‬
‫أخبرهما منه‪ :‬هل يسبق حلم ه جهل ه‪ ،‬وال يزي ده ش دة الجه ل علي ه إال حلم ا‪ ،‬فكنت‬
‫أختلط به ألتعرف عن هذه‪ ،‬فخ رج م رة ومع ه علي بن أبي ط الب رض ي هللا عن ه‬
‫فأتاه رجل بدوي‪ ،‬فقال‪ :‬ي ا رس ول هللا إن قري ة ب ني فالن ق د أس لموا و ح دثتهم إن‬
‫أسلموا آتاهم الرزق رغدا‪ ،‬وقد أصابتهم س نة وش دة واني مش فق عليهم أن يخرج وا‬
‫من اإلسالم‪ ،‬ف إن رأيت أن ترس ل إليهم بش يء تعينهم ب ه فعلت فهن ا ت دخل زي د بن‬
‫سعنة قائال‪ :‬ثمانين دينارا وتعطيني تمرا وتم تحديد موع د العط اء فأخ ذها ص لى هللا‬
‫علي ه وس لم واعطاه ا الى االع رابي فقال‪ :‬اس رع اليهم وأغنهم به ا‪ ،‬ف رح زي د أن‬
‫الفرصة قد حانت لمعرفة عالمات النبوة من الحبيب المصطفى صلى هللا عليه وس لم‬
‫فقبل يومين والرسول صلى هللا عليه وسلم في جن ازة م ع بعض اص حابه ف اذا بزي د‬
‫يجذب رداء النبي بشده فتسقط عباءه المصطفى ويواجه النبي بوجه غاض ب س اخط‬
‫قائال اال تعطيني يا محم د حقي فوهللا م ا علمتكم ي ا ب ني عب د المطلب اال تم اطلون‪،‬‬
‫ويؤخرون بإعطاء الحق فاهتز عمر بن الخطاب فنظر إليه ببصره الحاد وأوش ك أن‬
‫يهجم عليه ويقطع رأسه قائال يا عدو هللا أتقول هذا لرسول هللا فهو الذي بعث محمدا‬
‫بالحق لوال أن أخاف أن أعمل عمال قبل موافقة الرس ول ص لى هللا علي ه وس لم لقد‬
‫قطعت رأسك ورسول هللا ينظر إليه بهدوء وسكينة ثم يبتسم بابي ه و وامي يبتس م ‪،‬‬
‫ثم قال‪" :‬يا عمر أنا وهو كنا أحوج إلى غير ه ذا أن ت أمرني بحس ن األداء‪ ،‬وت أمره‬
‫بحسن الطلب‪ ،‬اذهب به يا عمر فأعطه حقه‪ ،‬وزده عش رين ص اعا من تم ر" ونفذ‬
‫عمر رضي هللا عنه أمر الرسول صلى هللا عليه وسلم فقال زيد‪ :‬م ا ه ذه الزي ادة ي ا‬
‫عمر؟ قال‪ :‬أمرني رس ول هللا ص لى هللا علي ه وآل ه وس لم أن أزي دك مك ان غض بي‬
‫عليك‪ ،‬قال‪ :‬ا قال انا اكبر علماء اليهود واردت ان اتع رف على م ا تبقى م ا عرفت ه‬
‫من عالمات النبوة فقد رأيتها يسبق علمه جهله وال يزيده شدة الجهل عليه إال حلم ا؟‬
‫فقد اختبرتهما فأشهدك يا عمر أني قد رضيت باهلل ربا وباإلسالم دينا وبمحمد ص لى‬
‫هللا عليه وآله وسلم نبيا ورسوال‪ ،‬وأش هدك أن ش طر م الي‪ -‬ص دقة على أم ة محم د‬
‫صلى هللا عليه وآله وسلم‪ :‬أشهد أن ال إله إال هللا‪ ،‬وأش هد أن محم دا عب ده ورس وله‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫وآمن به وصدقه وبايعه‪ ،‬وأسلم أهل بيته جميعا وشهد مع رس ول هللا مش اهد كث يرة)‬
‫‪.36‬‬

‫فهذا الخلق النبوي العظيم سجله هللا في كتابه كم ا أن ه مس جل في الكتب المنزل ة من‬
‫قب ل الت وراة ال تي أنزله ا هللا على موس ى ليس بفٍّظ وال غلي ظ وال ص خوب يعفو‬
‫ويصفح وال يجزي بالسيئة مثلها ولكنه يعفو ويصفح‪.‬‬

‫عندما شد عليه األعرابي ليطلب حاجة من النبي صلى هللا عليه وس لم ق ائال أعط ني‬
‫من مال هللا قال النبي أعطيك ولكنك آذيتني وال بد أن اقتص منك قال األعرابي وهللا‬
‫ال تقدر م ا ه ذه الخش ونة لدي ه ق ال رس ول هللا علي ه وس لم‪( :‬ولم اذا ال أق در ق ال‬
‫األعرابي ألنك تقابل السيئة بالحسنة) هذه أخالق حبيبكم محمد صلى هللا علي ه وس لم‬
‫ونحن نحرص على اتباعه ونعشقه أن نرتقي بأخالقنا في درجة من أخالقه ‪.‬‬

‫اليتيم واألرملة‬

‫(‪ 1/4/2005‬الموافق ‪ /22‬صفر‪)1426 /‬‬

‫االحتفال بي وم الي تيم ه و أول جمع ة من ش هر نيس ان وه ذه الجمع ة هي ‪ /1‬نيس ان‬


‫الوقت الذي يحتفل فيه العالم اليوم ب اليتيم فإنن ا نفخ ر ب أن اإلس الم أول من دع ا إلى‬

‫‪ 36‬جمع الزوائد ومنبع الفوائد‪ ،‬علي بن أبي بكر الهيثمي‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪.663‬‬

‫‪24‬‬
‫كفالة اليتيم وحث عليه ونحاول أن نستذكر ذلك خصوصا وأننا في العراق فم ا أك ثر‬
‫األيتام واألرامل نحن أتباع محمد‪ -‬صلى هللا علي ه وس لم‪ -‬ال ذي ول د يتيم ا وأوص ى‬
‫باليتامى واألرامل وقال ( (خيُر بيوِتكم بيٌت فيه يتيٌم مكَر ٌم)) فإن هذا البيت الذي في ه‬
‫اليتيم المكرم مسجد عند هللا مسجد تطوف به المالئكة وترفرف عليه السكينة بأجنحة‬
‫النور لماذا ألن فيه يتيما مكرما وينادي رسول هللا على أمة الرحمة على أمة اإلسالم‬
‫فيقول ( (الَّساِع ي عَلى األْر َم َل ِة والِم ْس ِكيِن ‪ ،‬كاْلُمجاِه ِد في َس بيِل ِهَّللا‪َ ،‬أْو القاِئِم الَّلْي َل‬
‫الَّصاِئِم الَّن هاَر )) عندما سمع الصحابة ه ذا الن داء من رس ول هللا ح تى ترجم وا ه ذا‬
‫الكالم إلى واقع عملي ونحن جديرون باتباع النبي‪ -‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬فإن جزاءه‬
‫كمن يقوم الليل كله ال يفتر ال يضعف وال يلين ويصوم النهار حتى يلقى هللا في ذل ك‬
‫اليوم العصيب الشديد ﴿َی ۡو َم ُیۡك َش ُف َع ن َس ا ࣲق ﴾ [القلم ‪ ]٤٢‬لش دته وكربت ه ﴿ َي ۡو َم َيِف ُّر‬
‫ٱۡل َم ۡر ُء ِم ۡن َأِخيِه ‪َ ٣٤‬و ُأِّمِهۦ َو َأِبي ِه ‪َ ٣٥‬و َٰص ِحَب ِتِهۦ َو َب ِني ِه ‪ِ ٣٦‬لُك ِّل ٱۡم ِر ِّم ۡن ُهۡم َي ۡو َمِئ ٖذ‬
‫ٖٕي‬
‫َش ۡأ ‪ٞ‬ن ُيۡغ ِنيِه ‪[ ﴾ ٣٧‬عبس ‪ ]37 -٣٤‬ليس هنالك درهم ا وال دين ارا ﴿َي ۡو َم اَل َي نَف ُع َم ا‪ٞ‬ل‬
‫َو اَل َب ُنوَن ‪[ ﴾ ٨٨‬الشعراء ‪ ]٨8‬بقصر عظيم بمال كث ير بج اه ع ريض بحس ب م تين‬
‫بحماية شديدة بسلطان وصولجان ﴿ِإاَّل َم ۡن َأَت ى ٱَهَّلل ِبَقۡل ٖب َس ِليٖم ‪[ ﴾ ٨٩‬الشعراء ‪]٨٩‬‬

‫لذلك الكل مدعو لمساعدة األيتام واألرامل فاألعداء يري دون أن تش يح الفاحش ة لدي ه‬
‫يريدونهم أن يكونوا أذالء حاقدين فاسدين لكن بالكفالة نش عرهم نحن بإخوتن ا واب اءا‬
‫لهم نبعث فيهم األمل واألمن الذي حرمنا منه نجسد التعاون والتكافل الذي دعان ا هللا‬
‫إليه من لهؤالء األيتام واألرامل إن لم تكونوا أنتم لهم‬

‫وإذا كنت تخاف على أوالدك فإن هللا يوصيك بما يلي ﴿َو ۡل َی ۡخ َش ٱَّل ِذیَن َل ۡو َت َر ُك و۟ا ِم ۡن‬
‫َخ ۡل ِفِه ۡم ُذ ِّر َّی ࣰة ِض َع ٰـ ًفا َخ اُفو۟ا َع َلۡی ِه ۡم َفۡل َی َّتُق و۟ا ٱَهَّلل َو ۡل َی ُقوُل و۟ا َق ۡو ࣰلا َس ِدیًد ا﴾ [النس اء ‪ ]٩‬م اذا‬
‫يصنعون ليحافظ هللا على اوالده بعد مماتهم اوال َفۡل َی َّتُقو۟ا ٱَهَّلل ثانيا َو ۡل َی ُقوُلو۟ا َقۡو ࣰلا َس ِدیًد ا‬
‫والتقوى كم ا يبينه ا االم ام علي ‪-‬رض ي هللا عن ه‪( -‬الَخ وُف ِمَن الَج ِلي ِل ‪َ ،‬و الَع َم ُل‬
‫ِبالَّت نِز يِل ‪َ ،‬و الَقَن اَع ُة ِبالَقِليِل ‪َ ،‬و اِالسِتعَد اُد ِلَي وِم الَّر ِحيِل ) ‪ 37‬واسمع للحاكم المس لم لخليفة‬

‫‪ 37‬الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة‪ ،‬أمين الشقاوي ج ‪ 1‬ص ‪.161‬‬

‫‪25‬‬
‫اإلسالم عمر بن الخطاب انظر كيف كانوا يتعاملون مع أبناء شعبهم رعيتهم أي أنهم‬
‫واجب عليهم رعايتهم أنهم يرعونه يح افظون عليهم عم ر ال ذي حكم عش ر س نوات‬
‫وستة أشهر وثالثة أيام كان حريصًا على تفقدهم ومن عدالت ه ورحمت ه أن يم ر ذات‬
‫ليلة مظلمة شديدة البرودة يجد نارا وي ذهب ليتفقد من وراء الن ار ومن يش عل الن ار‬
‫ليجد امرأة ثكلى أرملة ويجدها ودموعها تس يل وعلى الن ار ق در وبالقدر م اء يغلي‬
‫وحولها أطفالها يصرخون من الج وع ويتب اكون َأَلًم ا من ألم الج وع فقال عم ر ألم‬
‫اليتامى ما األمر يا أمة هللا مم تش كين ق الت ه ؤالء أوالدي جياع ا وليس عن دي من‬
‫الطعام ما أسد به رمقهم فوضعت هذه الحص ى في الم اء على الن ار في القدر ح تى‬
‫ينامون على أمل إنضاج الطعام فقال لها الفاروق ومم تشتكين قالت هللا هللا في عم ر‬
‫وهي ال تدري أن الواقف أمامها هو عمر فلم يكن عمر اذا اراد ان يم ر بالرعي ة ان‬
‫يلبسه نياشين وال اوسمه ولم يكن عمر اذا اراد ان يمر بالرعية يركب عرب ة فاره ة‬
‫انما كان يلبس ثوبا فيه سبع عشر ركعه مشكلة االلوان مختلفات قال له ا‪ :‬وم ا ش أن‬
‫عمر أيعلم الغيب قالت له المرأة أيلي امرنا ويغفل عنا امرأه بضواحي المدين ة تقول‬
‫ه ذا واآلن الص حف تكتب الفض ائيات تظه ر والمس ؤول ال ي رى وال يس مع وال‬
‫يستجيب ألمر الشعب وعمر نفسه هو الذي دخل عليه عبد الرحمن ذات يوم في ليله‬
‫بارده فوجده يلبس ثوبا خفيفا في شدة البرد ويرتع د جس مه القوي فس أله لم ال تلبس‬
‫ثوبا غليظا فالشتاء قارص قال له‪ :‬يا عبد الرحمن تذكرت حال الفقراء وما يقاسونهم‬
‫من شدة البرد فاردت ان اشاركهم شعورهم فلبست هذا الثوب‪...‬‬

‫إيلي أمرنا ويغفل عنا ولم يملك عمر عينيه من البكاء وال قلبه من الخفقان وانطل ق‬
‫إلى وزارة التموين (التجارة) العمرية فقال للحارس احمل علي الطحين (الدقيق) قال‬
‫له الحارس احمله عنك قال عمر أحمل علي أ أنت تحمل ع ني ذن وبي ي وم القيام ة؟‬
‫احمل علي يحملها لألرملة لمن مات زوجها لأليتام ويعمل لهم الطعام ويضع الطعام‬
‫بيده بأفواه اليتامى وأم اليتامى جالسة في ذهول ال تعرف أنه أمير المؤمنين عمر بن‬
‫الخطاب فقالت والذي بعث محمد بالحق إنك أولى بالخالف ة من عم ر ويأك ل األيت ام‬
‫بيد حبيب اليتامى ويقول عب د ال رحمن ابن ع وف وك ان رفيقه ه ذه الليل ة ي ا أم ير‬
‫‪26‬‬
‫المؤمنين هيا بنا فقد أوشك الفجر يؤذن أمير المؤمنين يقضي ليلة يطبخ يعم ل طب اخ‬
‫ويجلس أمام النار ويضع الطعام بيده في أفواه األيتام ايتام يدعون لعمر ويذهب عمر‬
‫ليختبئ وراء صخرة ليراقب االطفال بعد م ا اكل وا فيقول ل ه عب د ال رحمن هلم الى‬
‫المس جد فيقول عم ر وهللا ال اغ ادر ه ذا المك ان ي ا ابن ع وف ح تى أت ركهم وهم‬
‫يضحكون كما اتيتهم وهم يبكون اي شيء هذا اي حاكم هذا اي ام ام ه ذا؟ وق ال الم‬
‫اليتامى اذا كان الصباح فأتي الى عمر ف إنني سأوص ي ب ك خ يرا وج اءت الص باح‬
‫وذهبت الم رآه الى دار الحكوم ة العمري ة فوج دت رجال جالس ا عن يمين ه رج ال‬
‫يقول ون ل ه ي ا ام ير المؤم نين ونظ رت الي ه فوجدت ه نفس ال ذي ك ان يطبخ لأليت ام‬
‫باألمس فتزلزلت وخافت وقالت ه ذا ال ذي قلت ل ه ب األمس هللا هللا في عم ر وقلت أ‬
‫يلي امرنا ويغفل عنا؟ يا ترى ماذا سيفعل بي؟ نظر اليها عمر بن خط اب وق ال له ا‬
‫ال بأس عليك يا امة هللا انا ما دعوتك الى هذا المكان اال لتبيعي مظلمتك لي فقالت له‬
‫التمس العفو يا امير المؤمنين فقال لها وهللا ال أسمح لك بالخروج حتى أش تري من ك‬
‫هذه المظلمة من مالي انا بكم تبيعينها واشتراها عم ر بثماني ة دراهم وج اء بص حيفة‬
‫وكتب عليها (اما بعد فقد اشترى عبد هللا عمر بن الخطاب هذه المظلم ة من أم ة هللا‬
‫وشهد على ه ذه ال بيع العقد علي وابن مس عود واحتفظ بالص حيفة مع ه) وكتب في‬
‫وصيته اذا انا مت فضعوا هذا العقد بين جسدي وكفني حتى القى هللا بها‪.‬‬

‫الظلم‬

‫‪27‬‬
‫أخوة اإلسالم ال يظن أحد أن ظلمه للعباد من ضرب أو سب أو ش تم أو اته ام باط ل‬
‫أو أكل ماله أو سخرية أو غيبة أو نميمة أو جرح كرامة أو اعتقال وتعذيب سيض يع‬
‫س دى كال ثم كال ألن الظلم حرم ه هللا وجع ل عاقبت ه وخيم ة (اَّتُق وا الُّظْلَم ‪ ،‬ف إَّن‬
‫الُّظْلَم ُظ ُلماٌت َي وَم الِقياَمِة ) ‪ 38‬فيا من دعاك منص بك وي ا من دع اك كرس يك وي ا من‬
‫دعتك صحتك يا من دعتك قوتك وقدرتك على الظلم فاعلم ب أن هللا ه و المل ك ال ذي‬
‫سيقتص المظلوم من الظالمين فأحذر الظلم فإن رب العزة يقول في الح ديث القدس ي‬
‫‪39‬‬
‫(يا ِع َب اِدي‪ ،‬إِّن ي َح َّر ْم ُت الُّظْلَم عَلى َن ْف ِس ي‪َ ،‬و َج َع ْلُت ُه بْي َن ُك ْم ُم َح َّر ًم ا‪ ،‬فال َت َظ اَلُموا)‬
‫ويقول ﴿ َو اَل َی ۡظ ِلُم َر ُّب َك َأَح ࣰدا﴾ [الكهف ‪]٤٩‬‬

‫َف الُّظْلم َم رَتُع ُه ُيفض ي ِإلى َالَّن َدم‬ ‫ِد رًا‬ ‫ال َتْظِلْم َن ِإذا ما ُك نَت ُم قَت‬

‫وحذر رسول هللا االمة من عاقبه الظلم اسمع اخي المسلم ان الن بي‪ -‬ص لى هللا علي ه‬
‫وس لم‪ -‬ق ال ألص حابه لم ا رجع وا من الحبش ة ع ام الفتح ق ال لهم ( (أال ُتَح ِّد ثوني‬
‫بأع اجيب م ا رأيتم ب أرض الحبش ة؟ ق ال فتي ة منهم‪ :‬بلى ي ا رس ول هللا‪ ،‬بينم ا نحن‬
‫جالسون مَّر ت بنا عجوز‪ ،‬تحمل على رأسها ُقَّلة من ماء‪ ،‬فمَّر ت بفتى منهم‪ ،‬ودفعها‪،‬‬
‫فخَّر ت على ركبتيها‪ ،‬فانكسرت الجرة‪ ،‬فلَّما قامت‪ ،‬التفتت إلي ه‪ ،‬فقالت‪ :‬س وف تعلم‪-‬‬
‫يا ظالم‪ -‬إذا وضع هللا الكرسَّي ‪ ،‬وجمع األولين واآلخرين‪ ،‬وتكَّلمت األيدي واألرج ل‬
‫بما كانوا يكسبون‪ ،‬فسوف تعلم كيف أمري وأمرك عنده غًد ا‪ ،‬قال‪ :‬يقول رس ول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪َ :‬ص َد َقت َص َد َقت‪ ،‬كي ف يقِّد س هللا أَّم ة ال يؤخ ذ لض عيفهم من‬
‫شديدهم؟)) ‪.40‬‬

‫إي وربي كيف يقدس هللا أم ة ال يؤخ ذ من ش ديدهم لض عيفهم كي ف يع ز هللا أم ة ال‬
‫تحترم فيها كرامات اإلنسان وال تصان فيها الدماء وتسفك فيها الدماء ويتهم ال بريء‬
‫وي برأ فيه ا الظ الم أم ة به ذه األخالقي ات الفاس دة محك وم عليه ا في ال دنيا بال دمار‬
‫ومحكوم على أفرادها من أهل الظلم في اآلخرة بالن ار ومن أظلم الظلم س فك ال دماء‬
‫‪ 38‬أخرجه مسلم في صحيحه برقم ‪2578‬‬
‫‪ 39‬أخرجه مسلم في صحيحه برقم ‪2577‬‬
‫‪ 40‬أخرجه أبن ماجه في سننه برقم (‪ )4010‬واللفظ له‪ ،‬وأبو يعلى (‪ ،)2003‬وابن أبي حاتم في ( (التفسير (‪.18954‬‬
‫‪28‬‬
‫بغير حق فإن حرمه الدماء عند هللا عظيمة ل ذا ك ان أوال م ا يقض ى بين الن اس ي وم‬
‫القيامة في الدماء ( (َأَّو ُل َم ا ُيْق َض ى َب ْي َن الَّن اِس َي ْو َم اْلِقَياَمِة ِفي الِّد َم اء)) ‪.41‬‬

‫وهللا هو خالق اإلنسان وواهب الحياة له ال يج وز ألح د أن يس لب الحي اة إال خالقه ا‬


‫وواهبها أو بما أمر بشرعه هو وحده وهللا لو ال تزمت األم ة ه ذه األح اديث واتبعت‬
‫رسول هللا ما رأين ا ه ذه ال برك من ال دماء هن ا وهن اك إذا أنن ا ن رى اآلن ال دماء ال‬
‫حرمه لها يقتل كل يوم العش رات وه ذه من عالم ات الس اعة ق ال رس ول هللا‪( ( :‬ال‬
‫َت ُقوُم الَّساَع ُة حَّت ى َي ْك ُثَر الَه ْر ُج قالوا‪ :‬وما الَه ْر ُج يا َر سوَل ِهللا؟ قاَل ‪ :‬الَقْت ُل الَقْت ُل)) ‪،42‬‬
‫ويقول أيضا‪َ( ( :‬قْت ُل الم ؤمِن أعظُم عن َد ِهللا مْن زواِل ال دنيا)) ‪ ،43‬ه ذه هي حرم ة‬
‫الدماء عند رب األرض والسماء لذلك كانت الدماء هي أول شيء يقضى فيه هللا بين‬
‫العباد بل واسمع إلى ه ذا الح ديث البلي غ العجيب لمش هد القتي ل م ع قاتل ه في أرض‬
‫المحشر ( (يجئ المقتوُل متعلقا بالقات ِل ي وَم القيام ِة ناص يُتُه ورأُس ُه بي ِدِه وأوداُج ُه‬
‫تشَخ ُب دًما يقوُل يا رِّب سل هذا فيما قتَلني حَّت ى ُيدنَي ُه مَن العرِش )) ‪.44‬‬

‫َف الُظلُم َترج ُع عقب اه ِإلى‬ ‫ال َتظِلَم َّن ِإذا ما ُك نَت ُم قَت ِد رًا‬
‫َد ِم‬ ‫ال َن‬
‫َيدعو َع َلي َك َو َع يُن هَّللَا َلم َتَنِم‬ ‫َتن اُم َع يُن َك َو الَم ظلوُم ُم نَتِب ٌه‬

‫ففي الصحيحين لما بعث النبي معاذ بن جبل إلى اليمن أوصاه بالوصايا الغالية وكان‬
‫‪45‬‬
‫من بين هذه الوصايا ( (اَّت ِق َد ْع َو َة الَم ْظ ُلوِم ‪ ،‬فإَّن َه ا ليَس بْي َن َه ا وبْي َن ِهَّللا ِحَج اٌب ))‬

‫انتبهوا أيها األحباب أن دعوة المظلوم ترفع إلى هللا دون حجاب فهي تصعد مباشرة‪.‬‬
‫أوذي اإلمام أحمد أن ال ذي س عى في س جنه وظلم ه وجل ده أحم د بن أبي داود أح د‬
‫الوزراء المقربين من الخليفة المعتصم؛ فرفع اإلم ام أحم د يدي ه إلى الحي القي وم ثم‬
‫قال‪ :‬اللهم إنه ظلمني فاحبسه في جس مه‪ ،‬وعذب ه وش رده أيم ا مش رد‪ ،‬ق ال العلم اء‪:‬‬
‫‪ 41‬أخرجه البخاري في صحيحه برقم (‪ )6864‬باختالف يسير‪ ،‬ومسلم في صحيحه برقم (‪.)1678‬‬
‫‪ 42‬أخرجه مسلم في صحيحه برقم ‪.157‬‬
‫‪ 43‬أخرجه النسائي في سننه برقم ‪.3990‬‬
‫‪ 44‬أخرجه النسائي في سننه برقم (‪ ،)4005‬وابن ماجه (‪ )2621‬باختالف يسير‪ ،‬وأصله في البخاري (‪.)4590‬‬
‫‪ 45‬أخرجه البخاري في صحيحه برقم (‪.)2448‬‬
‫‪29‬‬
‫فوهللا ما مات حتى أص ابه هللا بالفالج في نص فه‪ ،‬فنص ف مص اب بالفالج ق د م ات‬
‫ويبس نصف جسمه‪ ،‬وبقي نصفه حيًا‪ ،‬دخل وا علي ه وه و يخ ور كم ا يخ ور الث ور‪،‬‬
‫فقالوا‪ :‬مالك؟ قال‪ :‬دعوة اإلمام أحمد أصابتني‪ ،‬أما نصفي األيمن فوهللا لو وقع علي ه‬
‫ذب اب لك أن جب ال ال دنيا س قطت علي ه‪ ،‬وأم ا النص ف اآلخ ر‪ -‬فوهللا‪ -‬ل و قرض ُت‬
‫بالمقاريض ما أحسست ألمًا‪.‬‬

‫وهذه سنة هللا في األرض‪ ،‬فإن هللا ي دمر ال ديار‪ ،‬ويهل ك األمم‪ ،‬وتفنى الش عوب لم ا‬
‫ظلموا‪ ،‬سنة هللا ال تتبدل وال تتغير فأنه يعاقب الظالم في ال دنيا على ظلم ه للغ ير ق د‬
‫يغ تر الظ الم بظلم ه س نوات وه و يظلم عب اد هللا وهللا يمهل ه وه و يتم ادى في غي ه‬
‫وظلمه وينسى هذا المسكين أن هللا يمه ل وال يهم ل ( (إَّن َهَّللا َلُيْم ِلي ِللّظ اِلِم ‪ ،‬حَّت ى إذا‬
‫أَخ َذ ُه َلْم ُيْف ِلْت ُه)) ‪ .46‬أين الجبابرة اين األكاسرة اين القياصرة أين الفراعنة اين الطغ اة‬
‫اين الظالمون واين التابعون لهم‬

‫وذكرهم في ال ورى ظلم وطغي اُن‬ ‫أين من دوخ وا ال دنيا بس طوتهم‬


‫أو نج ا من ه بالسـلطان إنــــساُن‬ ‫ه ل أبقى الم وت ذا عـــــــز‬
‫الك ل يفنى فال إنس وال جـــاُن‬ ‫ال والذي خلق األكوان من عــدم‬
‫بعــزته‬
‫ولقد كان أبو إدريس إذا حدث الحديث جثا على ركبته من عظم ة الح ديث (لت وءدن‬
‫الُح ُقوَق إلى أْه ِلها َي وَم الِقياَم ِة‪ ،‬حَّت ى ُيقاَد ِللّش اِة الَج ْلح اِء ‪ِ ،‬مَن الَّش اِة الَقْر ن اِء ) ‪ 47‬فم اذا‬
‫ستقول لربك غ دا ه ذه كلم ة م أثورة عن عم ر بن الخط اب ‪-‬رض ي هللا عن ه‪ -‬ي وم‬
‫القيامة يوم طويل ما أطوله ويا له من خطب ما أهوله ويا له من جبار ما اعدله ي وم‬
‫يقال في ه للمظل وم تقدم ويقال للظ الم ال تتكلم ﴿َه ٰـ ذو َی ۡو ُم اَل َینِط ُق وَن َو اَل ُی ۡؤ َذ ُن َلُهۡم‬
‫َفَی ۡع َت ِذُروَن ﴾ [المرس الت ‪ ]٣٦ -٣٥‬ات ق دع وة المظل وم فليس بينه ا وبين هللا حج اب‬
‫(ودعوة المظلوِم يرَفُعه ا هللا ف وق الَغ م اِم ‪ ،‬وُيْف َت ُح له ا أب واُب الَّس ماِء ‪ ،‬ويقوُل ال َّر ُّب‬
‫تباَر َك وتعالى‪ :‬وِع َّز تي وجاللي ألْن ُص َر َّن ك ولو بعَد حيٍن ) ‪ ،48‬و (َم ن أَخ َذ ِش ْبًر ا ِمَن‬
‫األْر ِض ُظ ْلًما‪ ،‬فإَّن ه ُيَط ِّو قُه َي وَم الِقَياَمِة ِمن َس ْب ِع َأْر ِض يَن ) ‪.49‬‬
‫‪ 46‬أخرجه البخاري في صحيحه برقم‪.4686 :‬‬
‫‪ 47‬أخرجه مسلم في صحيحه برقم‪.2582 :‬‬
‫‪ 48‬أخرجه الترمذي (‪ )3598‬واللفظ له‪ ،‬وابن ماجه (‪ ،)1752‬وأحمد ( (‪.)8030‬‬
‫‪ 49‬أخرجه البخاري في صحيحه برقم ‪ 3198‬ومسلم في صحيحه برقم ‪.1610‬‬
‫‪30‬‬
‫كان البرامكة مقربين من العباسيين حتى صاروا ب ترف يص بغ أح دهم قص ره بم اء‬
‫الذهب والفضة من الداخل والخارج فطغوا وظلموا وس فكوا ال دماء فأخ ذهم هللا أخ ذ‬
‫عزيز مقتدر فسلط عليهم الخليفة في ليلة واحدة فجل د ك ل واح د منهم أل ف س وط ثم‬
‫قطع أيديهم وأرجلهم واستولى على أموالهم وهدم قص ورهم وس جن نس ائهم ف دخلوا‬
‫على ش يخ منهم وه و يع ذب ويبكي تحت الس ياط فقال ل ه بعض العلم اء م ا ه ذه‬
‫المصيبة التي حلت بكم قال‪( :‬دعوة مظلوم سرت في الليل فنمنا عنها وهللا ليس عنها‬
‫بنائم) ‪.50‬‬

‫عقوبة الظالم في الدنيا ليع اقب على ظلم ه للغ ير ألن للمظل وم دع وة مس تجابة ليس‬
‫بينها وبين هللا حجاب أنها مقبولة وإن كان عاصيا (دعوُة المظلوِم ُمستجابٌة وإن ك ان‬
‫فاِج ًر ا ففج وُره على نفِس ه) ‪ 51‬ألن المظل وم ي دعو على الظ الم لينتقم من ه في ال دنيا‬
‫ليشفي ما في صدره من غيظ على ظالمه ولما كان ل دعوة المظل وم مس تجابة تك ون‬
‫بمعاقب ة الظ الم في ال دنيا لتجنب البالء والهالك لننك ر الظلم ونمن ع الظ الم وع دم‬
‫الركون إليه لننجو منه ﴿َو اَل َتۡر َك ُنۤو ۟ا ِإَلى ٱَّلِذیَن َظ َلُمو۟ا َفَت َم َّس ُك ُم ٱلَّن اُر َو َم ا َلُك م ِّمن ُد وِن‬
‫ٱِهَّلل ِم ۡن َأۡو ِلَی ۤا َء ُثَّم اَل ُتنَص ُروَن ﴾ [هود ‪]١١٣‬‬

‫نوح ‪-‬عليه السالم‪ -‬وابنه‬

‫(‪ 23/9/2005‬الموافق ‪ /20‬شعبان‪)1426 /‬‬

‫إن هللا تعالى ذكر لنا في القرآن من مواقف األنبي اء وأخب ار األمم ال تي قبلن ا لنتعلم‬
‫ونتعظ ونستفاد ونتحدث عن ن بي هللا ن وح م ع ابن ه ن بي هللا ن وح علي ه وعلى نبين ا‬
‫محمد‪ -‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬ظل يدعو قومه إلى هللا ‪ 950‬عاما ومع ذلك لم يفسدهم‬
‫دعاؤه لهم إال فرار دعا هللا ليال ونهارا وك ان ك ل م ا دع اهم يغفر هللا لهم ﴿ َج َع ُل ۤو ۟ا‬
‫َأَص ٰـ ِبَع ُهۡم ِفۤی َء اَذ اِنِه ۡم ﴾ [ن وح ‪ ]٧‬إنهم لم يجعل وا أط راف أص ابعهم ال إنم ا جعل وا‬

‫‪ 50‬المنتظم في تاريخ الملوك واألمم‪ ،‬ابن الجوزي ج ‪ 9‬ص ‪.192‬‬


‫‪ 51‬أخرجه أحمد (‪ ،)8781‬والطيالسي (‪ ،)2450‬وابن أبي شيبة في ( (المصنف)) (‪.)29987‬‬
‫‪31‬‬
‫أصابعهم كلها في اآلذان خشيت أن تتسرب كلمه من نوح إليهم األصابع كلها م ع أن‬
‫ثقب األذن ال يحتمل إال أن أنملة ألصبع واحد وم ع ذل ك جعل وا األص ابع ال أنامله ا‬
‫وال أطرافها جعلوها في اآلذان خشيه أن تنقل إلى مس امعهم كلم ه واح دة انظ ر إلى‬
‫عنادهم وبعد ذلك ﴿ َو ٱۡس َت ۡغ َش ۡو ۟ا ِثَی اَب ُهۡم ﴾ [نوح ‪ ]٧‬وضعوا الثياب على الوج ه ح تى ال‬
‫يسمعوا وال يروا ثم ماذا كان حال القلوب ﴿ َو َأَص ُّر و۟ا َو ٱۡس َت ۡك َب ُرو۟ا ٱۡس ِتۡك َب ا ࣰرا﴾ [ن وح ‪]٧‬‬
‫هم يصرون على العناد وهو يصر على التبليغ ال يفتر وال يض عف وأوص ى هللا إلى‬
‫نبي هللا نوح أن أصنع الفلك ون زل جبري ل ليعلم ه كي ف يص نع الفل ك والظلم س بب‬
‫مؤكد لهالك األمم وهذه سنه من سنن هللا في الظالمين ﴿َو َلَقۡد َأۡه َلۡك َن ا ٱۡل ُق ُروَن ِمن َقۡب ِلُك ۡم‬
‫َلَّما َظ َلُمو۟ا ﴾ [يونس ‪ ]١٣‬فدعا نوح ربه ۤ﴿ َأِّن ی َم ۡغ ُل و ࣱب َفٱنَت ِص ۡر ﴾ [القم ر ‪ ]١٠‬وص لت‬
‫الدعوة على جن اح الس رعة إلى هللا فم اذا ح دث بع دها ﴿َفَفَتۡح َن ۤا َأۡب َو ٰ َب ٱلَّس َم ۤا ِء ِبَم ۤا ࣲء‬
‫ُّم ۡن َهِم ࣲر﴾ [القمر ‪ ]١١‬استجاب هللا على الفور ولم يقل فتحنا السماء لك ان المط ر عادي ا‬
‫ولكن قال ﴿َفَفَتۡح َن ۤا َأۡب َو ٰ َب ٱلَّس َم ۤا ِء ﴾ أي ن زل المط ر وك ان الس ماء تح ولت إلى أب واب‬
‫هائلة يتدفق منها الماء بشكل مرعب وبعد ﴿َو َفَّج ۡر َن ا ٱَأۡلۡر َض ُعُیو ࣰنا ﴾ [القم ر ‪ ]١٢‬لم‬
‫يقل فجرنا عيون األرض إنم ا وفجرن ا األرض عيون ا أن تح ولت األرض كله ا إلى‬
‫عيون ماء‪ ،‬ماء ينزل من أبواب السماء وماء يتفجر من عيون األرض ويلتقي األمر‬
‫على أمر قدره هللا ليهل ك الظ المون ﴿َو َی ۡص َن ُع ٱۡل ُفۡل َك َو ُك َّلَم ا َم َّر َع َلۡی ِه َم َل ِّمن َق ۡو ِمِهۦ‬
‫َس ِخُرو۟ا ِم ۡن ُۚه َقاَل ِإن َتۡس َخ ُرو۟ا ِم َّن ا َفِإَّن ا َنۡس َخ ُر ِمنُك ۡم َك َم ا َتۡس َخ ُروَن ۝ َفَس ۡو َف َتۡع َلُم وَن‬
‫َم ن َی ۡأ ِتیِه َع َذ ا ࣱب ُیۡخ ِز یِه َو َیِح ُّل َع َلۡی ِه َع َذ ا ࣱب ُّمِقیٌم﴾ [ه ود ‪ ٣٨‬و ‪ ]٣٩‬إن هللا ال يعج ل‬
‫كعجلة احدكم يقول ص لى هللا علي ه وس لم ( (إن َهَّللا َلُيْمِلي ِللّظ اِلِم ‪ ،‬حَّت ى إذا أَخ َذ ُه َلْم‬
‫ُيْف ِلْت ُه)) ‪.52‬‬

‫في وس ط ه ذا الطوف ان الس فينة تس ير ولكنه ا ال تج ري في مي اه البح ر االبيض‬


‫المتوسط الخليج العربي او المحيط وانما تجري في وصف وص فه هللا ﴿َو ِهَی َتۡج ِر ی‬
‫ِبِه ۡم ِفی َم ۡو ࣲج َك ٱۡل ِج َب اِل ﴾ [ه ود ‪ ]٤٢‬تص ور معي لس فينة تج ري في م وج كالجب ال‬
‫الشامخ الشاهقة ومع ذلك فإن الذي يجريها بسم هللا وال ذي ك ان يرس يها بس م هللا في‬

‫‪ 52‬أخرجه البخاري في صحيحه برقم‪.4686 :‬‬


‫‪32‬‬
‫هذا الموقف الرهيب المهيب ﴿ َو َن اَد ٰى ُنوٌح ٱۡب َن ُهۥ ﴾ [هود ‪ ]٤٢‬إن ه ابن ة من ص لبه من‬
‫ظهره الموقف ال يحتمل المساومة وال يقبل أنصافا في الحلول أن قدر هللا عم ا قلي ل‬
‫سيحل بهم وهو ينادي ابنه بلس ان األب وة الرحيم ة ﴿ َی ٰـ ُبَن َّی ٱۡر َك ب َّم َع َن ا َو اَل َت ُك ن َّم َع‬
‫ٱۡل َك ٰـ ِفِر یَن ﴾ [ه ود ‪ .]٤٢‬فم اذا ك ان ج واب الول د إذ ع ق وال ده ﴿ َسَٔـ اِو ۤی ِإَلٰى َج َب ࣲل‬
‫َی ۡع ِص ُمِنی ِمَن ٱۡل َم ۤا ِۚء ﴾ [هود ‪ ]٤٣‬ظن ان الجبال تعصمه ونسى هللا خالق الجبال وه ذا‬
‫امره وال يعصمك من امر هللا الواحد القهار‬

‫وال الشؤونْ التْي َت جرْي ِبتقديرْي‬ ‫ال األمُر أمرْي وال الَت دبيُر َت دبيرْي‬
‫أحاَط بْي ِع لُمُه ِم ْن قبِل َت صويرْي‬ ‫لْي خآِلٌق راِز ٌق ما شاَء َي ْف َع ُل بْي‬

‫ظن أنه متسلق ماهر للجبل ولن تتمكن المياه من الوصول إلي ه وه ذا م ا لم ي ره ولم‬
‫نره نحن ولكن األمر أمر هللا فليست المسالة اليوم مسألة جالل وال مس ألة نقاش وال‬
‫مسألة عقدية ِ﴿إَّن َأَج َل ٱِهَّلل ِإَذ ا َج ۤا َء اَل ُیَؤ َّخ ُۚر َلۡو ُك نُتۡم َتۡع َلُم وَن ﴾ [ن وح ‪ ]٤‬ولم ا أراد هللا‬
‫أن يغرق ابن نوح لمعصيته لم يرض هللا يغرقه أمام أبيه حتى ال يرى مص رع ابن ه‬
‫وإنما قال ﴿ َو َح اَل َب ۡی َن ُهَم ا ٱۡل َم ۡو ُج﴾ [هود ‪ ]٤٣‬وق ف الم وج حائ ل بين االبن وبين ابي ه‬
‫﴿َفَك اَن ِمَن ٱۡل ُم ۡغ َر ِقیَن ﴾ [هود ‪ ]٤٣‬ثارت الشفقة في قلب نوح على ابن ه فس أل رب ه ان‬
‫ينجي ابن ه ﴿ َر ِّب ِإَّن ٱۡب ِنی ِم ۡن َأۡه ِلی ﴾ [ه ود ‪ ]٤٥‬فأجاب ه هللا ﴿ ِإَّن ُهۥ َلۡی َس ِم ۡن َأۡه ِل َۖك ﴾‬
‫[هود ‪ ،]٤٦‬هو من صلبك هو ابنك صحيح إال أنه ليس من أهلك ألن أهل األنبياء ال‬
‫بد أن يكونوا صالحين ولد لم يكونوا من أص البهم أو من أقرب ائهم ﴿ ِإَّن ُهۥ َعَم ٌل َغ ۡی ُر‬
‫َص ٰـ ِل ࣲۖح ﴾ [هود ‪ ]٤٦‬النج اة في العم ل الص الح ال بالنس ب ثم نه اه هللا ان يطلب طلب ًا‬
‫مثل هذا﴿ ِإِّن ۤی َأِع ُظ َك َأن َت ُك وَن ِمَن ٱۡل َج ٰـ ِه ِلیَن ﴾ [هود ‪ ]٤٦‬فقال نوح بعد ما ندم على ما‬
‫صدر منه واعترف بذنبه ﴿َقاَل َر ِّب ِإِّن ۤی َأُعوُذ ِبَك َأۡن َأۡس َٔـ َلَك َم ا َلۡی َس ِلی ب ه ِع ۡل ࣱۖم َو ِإاَّل‬
‫َت ۡغ ِف ۡر ِلی َو َت ۡر َح ۡم ِنۤی َأُك ن ِّم َن ٱۡل َخ ٰـ ِس ِر یَن ﴾ [ه ود ‪ ]٤٧‬النج اة باتب اع منهج هللا واتب اع‬
‫رسول هللا ومهما ابتغينا العزة والنجاة بغير دين هللا أهلكنا هللا ويح ل ع ذاب هللا على‬
‫الظالمين ليخزيهم وال نجاة لهم من عذابه وتدميره بعدما ذكر هللا في كتابه في س وره‬

‫‪33‬‬
‫هود يقول لمحمد ﴿َفٱۡص ِبۖۡر ِإَّن ٱۡل َع ٰـ ِقَب َة ِلۡل ُم َّت ِقیَن ﴾ [ه ود ‪ ،]٤٩‬حين نس مع له ذه القص ة‬
‫يتطلب من ك اليقين والص بر على مش قه الطري ق وتمكن الظ المين الن النهاي ة ل ك‬
‫والعاقبة لك والمتك فما علينا اال العودة الى هللا واتباع رسول هللا والثقة باهلل ونت دبر‬
‫آيات هللا‪.‬‬

‫‪34‬‬

You might also like