Professional Documents
Culture Documents
[ُ ]63
اب ُ َب ُ
َماُ َجا َُءُفِيُ ِذ َّم ُِةُال َُّل ُِهُ َو ِذ َّم ُِةُ َنبِ َّي ُِهُ
اه ْدت ْمُ َو َلُ َت ْنقضواُ ْ َ
اْل ْي ََمنَ ُ َب ْع َدُ ﴿و َأ ْوفواُ بِ َعهْ ِدُُال َُّل ِهُ إِ َذاُ َع َ َو َق ْولهَ ُ:
﴾ُاآل َي َة. َت ْوكِ ِ
يد َها ُ
ولُال َُّل ِهُصلىُاهللُعليهُوسلمُ َكانَ ُ «ُ:أ َّن َُرس َ َع ْنُب َر ْي َد َةُرضيُاهللُعنه َ
سرِ َّي ٍة؛ُ َأ ْو َصاهُ بِ َت ْق َوىُُال َُّل ِهَ ُ،و َم ْنُ َم َعهُ ِم َنُ شُ َأ ْوُ َ إِ َذاُ َأ َّم َرُ َأ ِمير ًاُ َع َلىُ َج ْي ٍ
ابَُفإِنْ ُ َأ َب ْواُ َأنْ ُ َي َت َح َّولواُ ِم ْنهَ ا؛ُ َف َأ ْخبِ ْره ْمُ َأنَّه ْمُ َيكونونَ ُ َك َأ ْع َر ِ
َّ
الش ْرح ُ:
َق َال رمحه اهللَ ( :بابُ ُ َما ُ َجا َُء ُفِي ُ ِذ َّم ُِة ُال َُّل ُِه ُ َو ِذ َّم ُِة ُ َنبِ َّي ِه) أي :من الوعيد
فيمن َأخفر ونَقض عهده مع الله أو مع نب ِّيه ،وكذا مع خ ْلقه ،ون ْقض العهد
مع الله أو مع نب ِّيه قدح يف التوحيد؛ ألنه استخفاف بالله عز وجل وبأوامر
شرح كتاب التوحيد 4
رسوله ُصىل اهلل عليه وسلم؛ وهذا مناسبة ذكْر المصنِّف رمحه اهلل هذا
الباب يف كتاب التوحيد.
وقولهَ ( :بابُ ُ َما ُ َجا َُء ُفِي ُ ِذ َّم ُِة ُال َُّل ِه) أي مِن النهي عن ْ
أن َتجعل ذمة
الله وذمة نبيه يف العهود والمواثيق ،والتحذير من ذلك ،وأن َمن َجعل
ذمة الله وذمة نب ِّيه؛ َوجب عليه الوفاء هبا وجوبا مؤكدا.
ومعنى ( ِذ َّم ُِةُال َّل ُِهُ َو ِذ َّم ُِةُ َنبِ َّي ُِه) :يعني :لو أن أميرا مع أمير عدو ونحو
ذلك؛ تعاهدا وتعاقدا عىل شيء ،فقال أمير المسلمين :ما عاهدناه عليكم
هو ذمة الله وذمة نب ِّينا ،لن َنخو َنكم؛ فهنا أتى النهي بأن ال تجعل ذمة الله
وذمة نب ِّيه يف هذا العقد والعهد والميثاق الذي ب ْين الطرفين؛ وإنما يقال:
هذا العهد يف ذمتنا ،وال ننقضه.
وكذلك إذا قيل :حكم الله ،مثل :القاضي إذا َحكم يف قضية
حضانة ونحو ذلك ،ال يقول :حكمت عليك بحكم الله بكذا وكذا؛
وإنما يقول الحاكم :حكمت عليك بكذا وكذا؛ ف َيجعل الحكم هو
حكمه باجتهاده من استنباط النصوص ،وال ي ِنزل حكم الله عز وجل عىل
هذه المسألة العينية.
5 مقرر األسبوع الرابع والعشرين
( )1رواه البخاري ،كتاب اللباس ،باب إرداف الرجل خ ْلف الرجل ،رقم
( ،)5967ومسلم ،كتاب اإليمان ،باب من لقي الله باإليمان وهو غير شاك فيه
دخل الجنة وحرم عىل النار ،رقم (.)30
7 مقرر األسبوع الرابع والعشرين
ول ُال َُّل ُِه ُصلىُ ن ُب َر ْي َد َُة ُرضي ُاهلل ُعنهَ ُ :
«أ َُّن ُ َرس َ ُ (ع ُْ
ثم بعد ذلك قالَ :
اهللُعليهُوسلمُ َكانَُُإِ َذاُ َأ َّم َُرُ َأ ِمير ًا) هذا يدل عىل مشروعية تأمير األمير يف
الجيش؛ ل َينقاد الناس بأمره يف غير معصية الله ،سواء كان عددا كبيرا من
المقاتلين -كالجيش ،-أو قطعة من الجيش -كالس ِرية َ ،-
(ع َلىُ َج ْي ٍ
ش ُ)
سرِ َّي ٍة) قطعة من الجيش. (أ ُْوُ َ وهم الجند الكثيرَ ،
( )1رواه البخاري ،كتاب الجهاد والسير ،باب َمن قاتل لتكون كلمة الله هي
العليا ،رقم ( ،)2810ومسلم ،كتاب اإلمارة ،باب َمن قاتل لتكون كلمة الله هي
العليا فهو يف سبيل الله ،رقم ( ،)9104من حديث أبي موسى رضي اهلل عنه.
11 مقرر األسبوع الرابع والعشرين
اْلول :أن ال يكون ب ْين المسلمين وبين الكفار عهد؛ فهؤالء ِ
القسمُ َّ
يقا َتلونُ.
أن يكون بين المسلمين وبين الكفار عهد؛ فال يجوز ِ
والقسمُالثانْ ُ:
است َِقيموا َله ْم﴾ [التوبةُ.]7:
اس َت َقاموا َلك ْم َف ْ
قتالهم ،كما قال سبحانهَ ﴿ :ف َما ْ
والقسمُُالثالثُُ:إذا كان بينهما عهد ،ولكن يخاف ويظن أن ِ
فهنا يجوز ن ْقض هذا العهد؛ كما قال المشركين س َينقضون العهد؛ ِ
َق ْوم ِخ َيانَة َفا ْنبِ ْذ إِ َل ْي ِه ْم َع َلى َس َواء﴾ُ سبحانهَ ﴿ :وإِما َت َخا َفن مِ ْن
[األنفالُ.]58:
لُت َم ِّثلوا) يعني :زيادة يف التمثيل؛ يعني:
(و َ ُ
والوصيةُالسادسةُ:قالَ :
أن تمثلوا لكن ال تزيدون يف التمثيل ،ويف روايةَ «ُ :و َال َت ْمثلوا ُ»(،)1
لكم ْ
وهو مأخوذ من التمثيل عىل هذا اللفظ ،وهو تغيير صورة المقتول بقطع
( )1رواها مسلم ،كتاب الجهاد والسير ،باب تأمير اإلمام األمراء عىل البعوث،
ووصيته إياهم بآداب الغزو وغيرها ،رقم ( ،)1731من حديث بريدة رضي اهلل
عنه.
13 مقرر األسبوع الرابع والعشرين
( )1مثل :أبي الحسن ،محمد بن عبد الهادي نور الدين السندي
(المتوىف1138 :هـ) .حاشية السندي عىل سنن ابن ماجه (.)199/2
شرح كتاب التوحيد 14
الكبير ال يقاتل ،وكذلك المرأة وكذلك العبد ،وقتْل هؤالء ينقسم إىل
قسمينُ:
اْلول :أن يقصدوا بالقتل؛ وهذا ال يجوز لهذا الحديثُ. ِ
القسمُ َّ
ن :إذا كانوا مع المقاتلين؛ فيجوز قتلهم ،كما لو كانوا ِ
والقسم ُالثا ُ
ول الل ِه ،إِنا م َت َت ِّرسين؛ لذلك لما سئل النبي صىل اهلل عليه وسلم َيا َرس َ
ات مِ ْن َذ َر ِار ِّي الم ْش ِركِي َنَ ،ق َال« :ه ْم مِنْه ْم»(.)1 ن ِصيب فِي البي ِ
ََ
ثُُين؛ُ َفا ْدعه ُمُإِ َلىُ َث ََل ِ
نُالم ْشرِكِ َ
كُ ِم َُ (وإِ َذاُ َل ِق َ ُ
يتُ َعد َّو َُ َق َال رمحه اهللَ :
ْ
الَُ ُ-أ ُْوُ ِخ ََل ٍُلَُ )-يذكر رمحه اهلل هنا ثالثة أمور عىل جيش المسلمين ِخ َص ٍُ
ْ
أن َيفعلها ق ْبل قتالهم ،وسيأيت حكم ذلك.
فيشرع للقائد إذا نَزل ديار الكفار أن يدْ عهم إىل ثالث خصال؛ هذا
إذا كانت الدعوة قد َبلغتهم؛ فيستحب له ْ
أن يدعوهم إىل اإلسالم لعلهم
يسلِمون ،أما إذا مل تكن الدعوة ب َلغتهم؛ فيجب عليه وجوبا أن يبلغهم
( )1رواه البخاري ،كتاب الجهاد والسير ،باب أهل الدار يبيتون ،فيصاب الولدان
والذراري ،رقم ( ،)3012ومسلم ،كتاب الجهاد والسير ،باب جواز قتْل النساء
تعمد ،رقم ( )1745من حديث الصعب بن جثامة
والصبيان يف البيات من غير ّ
الليثي رضي اهلل عنه.
15 مقرر األسبوع الرابع والعشرين
وك؛ُُ َفا ْق َب ْ ُ
لُ بدعوة اإلسالم ،فإذا أجابوك؛ لذلك قالَ ( :ف َأ َّي َته َُّ
نُُ َماُُ َأ َجاب َ
س ََل ُِم) ،يف هذا وقال صىل اهلل عليه وسلم هنا( :ث َُّم ُا ْدعه ُْم ُإِ َلى ُ ِ
اإل ْ
الحديث بين النبي صىل اهلل عليه وسلم أنه قبل القتال يجب أن يد َع ْوا إىل
اإلسالمُ.
والقولُالثان :أنه ال يجب أن يد َع ْوا إىل اإلسالم؛ ألن النبي صىل اهلل
عليه وسلم َأ َغ َار َع َلى َبنِي الم ْص َطلِ ِق َوه ْم َغار َ
ون()1؛ يعني :يف غفلةُ.
والقولُُالثالث :التفصيل؛ وهو أهنم إن كانوا َسمعوا اإلسالم؛
فيجوز لإلمام أن يباغتهم بالقتال ،وإذ مل َيسمعوا باإلسالم؛ فيدعون إليه.
لُ ِم ْنه ْم) يعني :اقبل ( َفإِنُُْ َأ َجاب َ
وك) يعنيَ :دخلوا يف اإلسالم؛ ( َفا ْق َب ْ ُ
أن َيدخل الناس يف منهم إسالمهم ،وهذا المراد من َش ْر ِعية الجهاد؛ وهو ْ
دين الله ،والقتال – أي :الجهاد :-يقا َتل َمن َصد عن الدعوة ،فإذا مل
َيصد الكافر عن الدعوة؛ فإنه ال يقا َتل كما سيأيت يف الجزية.
( )1رواه البخاري ،كتاب العتق ،باب من َملك من العرب رقيقا ،فوهب وباع
وجامع وفدى وسبى الذرية ،رقم ( ،)2541ومسلم ،كتاب الجهاد والسير ،باب
جواز اإلغارة عىل الكفار الذين بلغتهم دعوة اإلسالم ،من غير تقدِّ م اإلعالم
باإلغارة ،رقم ( ،)1730من حديث عبد الله بن عمر رضي اهلل عنهما
17 مقرر األسبوع الرابع والعشرين
أن نبقى يف ديارنا؛ قالَ ( :فإِنُُْ َأ َب ْواُ َأنُُْ َي َت َح َّولواُ ِم ْنهَ ا؛ُ َف َأ ْخبِ ْره ُْمُ َأنَّه ُْمُ َيكونونَُُ
ىُُا َّل ِذيُُ َي ْجرِيُُ َع َلىُ ينَ ُُ،ي ْجرِيُُ َع َل ْي ِه ُْمُُح ْكمُُُال َُّل ُِهُُ َت َعا َل ُ ابُُالم ْسلِ ِم َ
َك َأ ْع َر ِ ُ
المؤْ ِمن ِ َ
ين) والذي يجري عىل أعراب المسلِمين :أنهم ال َيشملهم ال َق ْسم
من الفيء ،وكذلك من الغنيمة ،ومع عدم هجرهتم يجري عليهم ما
يجري عىل أحكام المؤمنين؛ من الصالة والزكاة والصوم ونحو ذلك.
يم ُِةُ َوال َف ْي ُِءُ َش ْي ٌء؛ُإِ َّلُُِ ِ
لُ َيكونُُ َله ُْمُفيُال َغن َ
(و َ ُ
ثم تأكيدا لذلك؛ قالَ :
ين) يعني :إذا مل يهاجروا فليس لهم من الفيء اهدوا ُ َم َُع ُالم ْسلِ ِم َ
َأنُْ ُي َج ِ
أن ي ِ ِ
حمي المسلمون دم الكافر يف داره أجل ْ َ
فتدفع هذه الجزية من ْ
بأن ال يعتدي أحد عليه مِن ْ
أهل اإلسالم؛ فهذا المبلغ – الجزية -الذي
يؤخذ منه للحفاظ عليه.
الخصلةُالثالثة :وهي القتال ،قالَ ( :فإِنُُْه ُْمُ َأ َب ْوا) يعني :د ْفع الجزية؛ َ
نُ ُبِال َُّل ُِهُ َو َقاتِ ْله ُْم ُ).
س َت ِع ُْ
(فا ْ
فدل عىل أن الحكمة مِن مشروعية الجهاد ليس حب القتال؛ وإنما
نشر اإلسالمْ ،
فإن أسلموا ال نقاتلهم ،وإن أبوا نأخذ منهم الجزية؛ هو ْ
لعلهم يسلِمون ،فدل عىل أن الجهاد مشروع لنشر دعوة اإلسالم؛ لذلك
كانت فيه هذه الخصال الثالث.
عهد بعد
ف َيبدأ القتال ب ْين المسلمين وب ْين الكفار ،فإذا حصل بينهم ْ
(وإِ َذاُ
توقف القتال أو أثناء القتال؛ قال النبي صىل اهلل عليه وسلمَ :
وك َُأنْ ُ َت ْج َع َلُ َله ْمُ ِذ َّم َةُال َُّل ِه َُو ِذ َّم َةُ َنبِ ِّي ِه) يف هذا اصر َت َُأ ْه َل ِ
ُح ْص ٍنَ ُ،ف َأ َراد َ َح َ ْ
الحديث أمران:
وعهد نب ِّيه ،أو أحدمها.
عهد اللهْ ،
اْلمرُاْلولْ :
َّ
واْلمرُالثان :حكم الله.
وكال األمرين منهي عنهما.
شرح كتاب التوحيد 20
ِ ِ
ال َُّله َُو ِذ َّم َةُ َنبِ ِّيه)؛ ألن إبرام العقد بذمة الله وذمة ِّ
النبي صىل اهلل عليه وسلم
يف حياته أمر عظيم ،فب ْعد مماته ال يجوز ْ
أن يقال :ذمة نب ِّيه؛ وإنما يقال:
ذمة الله -إن قيل -مع أنه ال يقال ذلك؛ فال يقول قائل :ما فع ْلناه وذمة
الله ،أو :أعاهدكم بذمة الله؛ لكن يقول :أجعل هذا العهد يف ذمتي ،وأن
أصحابي يوفون به.
ِ
فمن تعظيم الله ،وتعظيم رسوله صىل اهلل عليه وسلم أن ال يجعل
العهد باسمهما؛ وهذا الشاهد من الحديث يف البابُ .
اص ْر َتُ (وإِ َذ َ
اُح َ ن :الحكم؛ فقال عليه الصالة والسالمَ : واْلمرُالثا ُ
ُع َلىُح ْك ِم ُال َُّل ِه) بأن قال ْ
أهل حصن: وك َُأنْ ُت ْن ِز َله ْم َ َأ ْه َل ِ
ُح ْص ٍنَ ُ،ف َأ َراد َ
بأن نَخرج مثال ،أو ْ
بأن تأخذ منا عشرة آالف ريال احكم فينا بحكم اللهْ ،
-مثال -ونحو ذلك؛ قال عليه الصالة والسالمَ ( :ف ََلُت ْن ِز ْله ْم َُع َلىُح ْك ِمُ
ال َُّل ِه؛ُ َو َلكِ ْنُ َأ ْن ِز ْله ْمُ َع َلىُ ح ْك ِم ْك) أي :أنت األمير ،ومل يقل هنا
وأصحابك؛ ألن الحكم عند األمير؛ ْ
بأن يقول مثال :حكمت عليكم
بحرق نخيلكم مثال ،وال يقول حكمت عليكم بحكم الله بحرق
نخيلكم؛ وهذا من تصحيح األلفاظ.
شرح كتاب التوحيد 22
(أت ِصيبُ
َّك َُلُ َت ْد ِري) يعني :أيها األميرَ ،والعلة يف ذلك ،قالَ ( :فإِن َ
أن تخرجواُل) فلو قلت :حكمت عليكم بحكم الله ْ ح ْك َمُال َُّل ِهُفِ ِ
يه ُْمُ َأ ْم َ ُ
يُأت ِصيبُ
َّك َُلُ َت ْد ِر َ
العصر ،فقد ال يكون هذا حكم الله؛ لذلك قالَ ( :فإِن َ
ح ْك َمُال َُّل ِهُفِ ِ
يه ْم َ
ُ،أ ْم َُل).
أن َأحكم عليكم بحكم الله أنكم
فال تقل مثال :بيني وبينكم عهد ْ
َتمكثون يف الجهة الشرقية ،وهذا هو حكم الله؛ ال ،ال يقول :هذا حكم
أن َتمكثوا يف الجهة الشرقية مثال
الله؛ وإنما يقول :حكمت عليكم ْ
وهكذا.
فال يقول حكم الله ،لماذا؟ كما قال عليه الصالة والسالمَ ( :فإِن َ
َّكُ
َلُ َت ْد ِريُ َأت ِصيبُ ح ْك َمُُال َُّل ِهُ فِ ِ
يه ْمَ ُ،أ ْمُ َل) ،فقد يكون حكم الله أنهم
َيمكثون يف الجهة الغربية مثال ،أو حكم الله ْ
أن َيدفعوا المبلغ المعين ال
َيزيدوا عليه أو ال ينقصوا منه؛ فأنت ال تدري هل أصبت حكم الله فيهم
أم ال.
أن َيدفع للمسلِمين كل شخص
قلت مثال :وحكم الله فيكم ْ
فلو َ
منكم عشرة آالف يف السنة ،فال تقل :هذا حكم الله؛ فقد يكون حكم الله
23 مقرر األسبوع الرابع والعشرين
أقل مِن هذا المبلغ ،أو يكون حكم الله أكثر من هذا المبلغ؛ لذلك قال
ُ،أ ْم َُل). يُأت ِصيبُح ْك َمُال َُّل ِهُفِ ِ
يه ْم َ َّك َُلُ َت ْد ِر َ
عليه الصالة والسالمَ ( :فإِن َ
فاإلسالم أعطاك الحكم بالجملة بأخذ الجزية ،لكن يف تحديد هذا
المبلغ وإنزاله عىل ذلك الشخص ،ال تقل :هذا حكم الله؛ وإنما يكون
ول األمر.
هذا اجتهاد القائد أو ِّ
وكذلك يف األمور االجتهادية ،فالقاضي ال يقل :حكمت عليك
أن َتدفع لزيد ما يطالب به ،وهو عشرة آالف ريال
بحكم الله ورسوله ْ
مثال؛ ألنه قد تكون الدعوة كاذبة ،أو كيدية.
فتبين مما َسبق :أن ذمة الله وذمة نب ِّيه عليه الصالة والسالم ال تجعل
فذ ِّمة الله عز وجل شأهنا عظيم ،وإنما َيجعل يف العهود وال يف المواثيق؛ ِ
***
25 مقرر األسبوع الرابع والعشرين
[]64
َبابُ
اإل ْق َسا ُِمُ َع َلىُال َُّل ِهُ
َماُ َجا َُءُفِيُ ِ
بُ ْب ِن َُع ْب ِدُال َُّل ِهُرضيُاهللُعنهُ َق َالَ ُ:ق َال َُرسولُال َُّل ِهُصلىُاهللُ َع ْنُج ْند ِ
ُ:وال َُّل ِه َُلُ َي ْغ ِفرُال َُّلهُلِف ََل ٍُنَ ُ،ف َق َالُال َُّلهُعزُوج ُ
لَ ُ:م ْنُ عليهُوسلمَ «ُ:ق َال َُرج ٌل َُ
َذاُا َّل ِذيُ َي َت َأ َّلىُ َع َل َّي َُأ َّل َُأ ْغ ِف َرُلِف ََل ٍن؟!ُإِ ِّنيُ َق ْد َُغ َف ْرتُ َله َ
ُ،و َأ ْح َب ْطت َُع َم َل َ ُ
ك»ُ
َر َواهُم ْسلِ ٌم.
«ُ:أ َّنُال َقائِ َل َُرج ٌل َ
ُعابِ ٌدَ ُ.ق َالُ يث َُأبِيُه َر ْي َر َةُرضيُاهللُعنه َ يُح ِد ُِ َوفِ َ
َأبوُهرير َةَ ُ:ت َك َّلمُبِ َكلِم ٍة َُأ ْوب َق ْتُد ْنياه َُو ِ
آخ َر َته» ُ. َ َ َ َ َ َْ
َّ
الش ْرح ُُ:
ُِع َلىُال َُّل ِه) ،قالِ :
(اإل ْق َسامِ) اُجا َءُفِ ِ
يُاإل ْق َسام َ َق َال رمحه اهللَ ( :بابُ َم َ
أن يقول الشخص :أقسمت عليك يا أي :كلمة أقسمَ ( ،ع َلىُال َّل ُِه) أيْ :
الجنة ،أو أقسمت عليك يا الله أن تجنِّ َبن ِي الفتن ،أو ْ
أن الله ْ
أن تدخلني َ
تفعل كذا وكذا ونحو ذلك.
والمصنِّف رمحه اهلل مل َيذكر حكم ذلك؛ ألنه ينقسم إىل قِسمين:
شرح كتاب التوحيد 26
( )1رواه البخاري ،كتاب تفسير القرآن ،باب ﴿يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم
القصاص يف القتىل الحر بالحر﴾ [البقرة ،]178 :رقم ( ،)4500ومسلم ،كتاب
القسامة والمحاربين والقصاص والديات ،باب إثبات القصاص يف األسنان ،وما
يف معناها ،رقم ( ،)1675من حديث أنس رضي اهلل عنه.
( )2سبق تخريجه.
27 مقرر األسبوع الرابع والعشرين
وهذه المقولة مشروطة بأن ال يقولها إال رجل تقي ،أما غير التقي؛
فال يقولها.
فإذا قيل :ما حكم إقسام الرجل التقي عىل الله بحسن الظ ِّن ،هل هو
مشروع أم ال؟
نقول :ال ،األصل عدم مشروعيته.
اد الل ِه َم ْن َل ْو
فإذا قيل :النبي صىل اهلل عليه وسلم يقول« :إِن مِن ِعب ِ
ْ َ
َأ ْق َس َم َع َلى الل ِه َألَ َبره ،مِنهم ال َب َراء»(.)1
نقول :هنا َأخبر النبي صىل اهلل عليه وسلم أن مِن عباد الله َمن لو
َأقسم عىل الله ألبره ،لكن مل يأمره النبي صىل اهلل عليه وسلم باإلقسام ،ومل
قسم ذلك الصحابي. ي ِ
ِ
فمن عباد الله َمن بلغ منزلة لو أقسم عىل الله ألبره؛ يعني :ألبر
يمينه ،لكن ذلك العابد مل ي ِ
قسم عىل الله عز وجل.
( )1رواه الترمذي ،أبواب المناقب ،باب مناقب البراء بن مالك رضي اهلل عنه،
رقم ( ،)3854من حديث أنس رضي اهلل عنه ،ولفظه« :ك َْم مِ ْن َأ ْش َع َث َأ ْغ َب َر ِذي
طِ ْم َر ْي ِن َال ي ْؤ َبه َله َل ْو َأ ْق َس َم َع َلى الل ِه َألَ َبره مِنْهم ال َب َراء ْبن َمالِك».
شرح كتاب التوحيد 28
عليه بأن الله لن َيغفر له ،وسوف يدخله النار؛ وهذا فيه تعاظم عىل الله
كأنه يأمر ربه بأن ال يغفر له ،أو لن ي ِ
غفر له. َ َ
وكذلك لو قال شخص :والله لن َينجح فالن ،أو :والله لن يكون
غنيا ،وهكذا.
لُ َأ ْغ ِف َرُلِف ََل ٍُن) أيَ :من
يُ َأ َّ ُ ( َف َق َالُال َُّلهُعزُوجلَ ُ:م ْنُ َذاُا َّل ِذيُ َي َت َأ َّل َ
ىُع َل َُّ
ذا الذي يأمرين ويتكبر ويتصرف و َيحلف عل ،ويظن أن له تصرفا يف
تدبير الكون.
(إِ ِّنيُ َق ْدُ َغ َف ْرتُ َله) َغفر لذلك الذي حلِ َ
ف عليه؛ يعني :الرجل
الفاسق.
فدل عىل أن األمر المكروه قد يأيت بخير ،فصاحب المعصية هذا
َسمع كالما ال يحمد بأن الله لن َيغفر له؛ فأتاه ما ال َيخطر بباله وهو
غفران ذنوبه؛ بسبب تأ ِّلي ذلك الرجل عليه.
»ُر َواهُم ْسلِ ٌُم)ُ.
(و َأ ْح َب ْطت َُع َم َل َك َ
قالَ :
«ُ:أ َّنُال َقائِ َل َُرج ٌل َُعابِ ٌد) أي:
يث َُأبِيُه َر ْي َر َةُرضيُاهللُعنه َ يُح ِد ِ ( َوفِ َ
للنبي ِ
فكأنه قاله عىل سبيل الغيرة والحمية للدين ،والله عز وجل قال ِّ
صىل اهلل عليه وسلمَ ﴿ :ل ْي َس َل َك مِ َن ْاألَ ْم ِر َش ْيء﴾ [آل عمران ،]128:لما
31 مقرر األسبوع الرابع والعشرين
ف ي ْفلِح َق ْوم َشجوا َنبِيه ْم»( ،)1فإذا كان الله هنى النبي صىل اهلل
قالَ « :ك ْي َ
عليه وسلم عن نفي الفالح عن قومه؛ فكيف باليمين يف ذلك.
يعني :الذي قال والله ال َيغفر الله لفالن هو رجل عابد ،ومع ذلك
أحبِ َط عمله.
وأن َينظر للعاصين بنظر المسلِم ْ
أن َيحفظ لسانهْ ، ْ فيجب عىل
الرمحة ،والرأفة ،والدعاء لهم؛ ال بالتحجير عليهم ،وإبعاد مغفرة الله
لهم.
الجنة والنار من الرجل؛ فالرجل األول بكلمة
ويدل أيضا عىل ق ْرب َ
سمعها؛ غ ِفر له ،وهذه الكلمة قد أساءته ،ورجل صالح قال تلك الكلمة؛
فسبب تلك الكلمة دخل النار.
فعىل المرء ْ
أن َيحفظ لسانه؛ فقد تزل به القدم ببعض الكلمات التي
ال ي ِ
لقي لها باال؛ فتهلكه ،حتى ولو كانت عىل سبيل الغيرة للدين ونحوه.
ِ
( )1رواه البخاري ،كتاب المغازي ،باب ﴿ َل ْي َس َل َك م َن ْاألَ ْم ِر َش ْيء َأ ْو َيت َ
وب
ون﴾ [آل عمران ،]128 :رقم ( ،)4069ومسلم، َع َل ْي ِه ْم َأ ْو ي َع ِّذ َبه ْم َفإِنه ْم َظالِم َ
كتاب الجهاد والسير ،باب غزوة أحد ،رقم ( ،)1791من حديث ابن عمر رضي
اهلل عنها.
شرح كتاب التوحيد 32
لبدعته؛ ال يجوز أن يتألى الشخص يف هدايته ،أو عدم المغفرة له بال َقسم
( )1رواه أمحد يف المسند ،رقم ( ،)7215من حديث أبي هريرة رضي اهلل عنه.
( )2رواه البخاري ،كتاب الرقاق ،باب ح ْفظ اللسان ،رقم ( ،)6477ومسلم،
كتاب الزهد والرقائق ،باب التكلم بالكلمة يهوي هبا يف النار ،رقم ( ،)2988من
حديث أبي هريرة رضي اهلل عنه.
33 مقرر األسبوع الرابع والعشرين
ض كله ْميف ذلك؛ قال سبحانهَ ﴿ :و َل ْو َشا َء َرب َك َآل َم َن َم ْن فِي ْاألَ ْر ِ
ُ ***
35 مقرر األسبوع الرابع والعشرين
[ُ ]65
ابُ ُ َب ٌ
لُي ْس َت ْش َفعُُ ُبِال َُّل ُِهُ َع َلىُ َخ ْل ِق ُِهُ
َُ
«ُ:جا َء َُأ ْع َرابِ ٌّيُإِ َلىُالنَّبِ ِّيُصلىُ َع ْنُج َب ْيرُِ ْب ِنُم ْط ِع ٍمُرضيُاهللُعن ُهُ َق َال َ
اعُ ِ
الع َيالُ، ْل ْنفسَ ُ،و َج َ تُ ا َ ولُُال َُّل ِه!ُ ن ِه َك ِ اهللُ عليهُ وسلمَ ُ،ف َق َالَ ُ:ياُ َرس َ
أن ال ينقل فالنا ،يقول الملك :أنا ما أشفع؛ أنا آمر الوزير أمرا؛ ألين أنا
أعىل منه.
رب اشفع ل عند فالن أ ِّنيفهنا لو قيل -تعاىل الله عن ذلك :-يا ِّ
َأدخل المستشفى مثال؛ هذا ال؛ الله أعظم مِن هذا ك ِّله؛ لذلك قال النبي
صىل اهلل عليه وسلم« :إِن َش ْأ َن الل ِه َأ ْع َظم مِ ْن َذل ِ َك»(.)1
وإنما رب العالمين هو الذي َيأمر الخلق وال يشفع عندهم؛ ألنه
بيده مقاليد السموات واألرض؛ قال سبحانه﴿ :إِن َما َأ ْمره إِ َذا َأ َرا َد َش ْيئا َأ ْن
ول َله ك ْن َف َيكون﴾ [يس.]82:
َيق َ
ىُخ ْل ِق ُِه) أي :باب ال تطلب شفاعة
ابَ :لُي ْس َت ْش َفعُ ُبِال َُّل ِه َُع َل َ
لهذا ( َب ٌ ُ
الله عىل أحد مِن خ ْلقه.
(ع ْنُج َب ْيرُِ ْب ِنُم ْط ِع ٍمُرضيُاهللُعنهُ َق َال َ
«ُ:جا َء َُأ ْع َرابِ ٌّيُإِ َلىُالنَّبِ ِّيُُ قالَ :
صلىُاهللُعليهُوسلم) يعني :أصاب الناس قحط؛ فجاء ذلك األعرابي
أن يدعو ربه ْ
أن يغيث العباد النبي صىل اهلل عليه وسلم طالبا منه ْ
إىل ِّ
( )1رواه أبو داود ،كتاب السنة ،باب يف الجهمية ،رقم ( ،)4726من حديث جبير
بن مطعم رضي الله عنه.
شرح كتاب التوحيد 38
والبالد ،فقال :يا رسول الله -بدأ يب ِّين له ويشكو حاله – يعني :يا رسول
الله أب ِّين لك حالنا؛ لتدعو لنا ربك.
ولُُال َُّل ِه!ُ ن ِه َك ِ
تُ ا َ
ْل ْنفسُ) يعني :ضعفت من شدة ( َف َق َالَ ُ:ياُ َرس َ
اعُ
(و َج َ
الجوع ،فما عندنا أكل نأكله؛ فاألرض ما تنبت وقد أجدبتَ ،
الع َيال) يعني :ال طعام لهم لقلة الماء؛ ألن بالماء حياة الناس؛ كما قالِ
سبحانه﴿ :وجع ْلنَا مِن الم ِ
اء كل َش ْيء َحي﴾ [المؤمنون ،]30 :فالماء :مادة َ َ َ َ َ
ستعذبة ال لون لها وال ريح ،يستَمتَع بش ْربِها ،وأحيانا يجعلها الله عز
م َ
وجل عذابا ،كما َأغرق به فرعون وسبأ وقوم نوح.
ْل ْم َوال) يعنيِّ :
الش َياه ونحو ذلك من هبيمة األنعام؛ (و َه َل َك ِ
تُا َ قالَ :
وجه األرض؛ وإنما َهلكت
ألنه ليس يف األرض نبات فتبقى البهائم عىل ْ
فماتت.
س َت ْس ِقُ َل َن َ
اُربَّ َك) يعني :اطلب من الله أن يسق َينا المطر؛ وهذا ( َفا ْ
يدعو لِعموم الناس؛ كما
َ مشروع أن َيطلب الشخص من رجل صالح أن
39 مقرر األسبوع الرابع والعشرين
ِ
النبي صىل اهلل عليه وسلم
عم َِّطلب عمر بن الخطاب رضي اهلل عنه من ِّ
يدعو َلهم بنزول الغيث(.)1
َ العباس رضي اهلل عنه ْ
أن
النبي
فكان الصحابة رضي اهلل عنهم مثل هذا األعرابي يأيت إىل ِّ
صىل اهلل عليه وسلم َيطلب منه أن يدعو ربه؛ ألن دعوة األنبياء مستجابة،
س َت ْس ِقُ َل َن َ
اُربَّ َك) يف حياته عليه الصالة والسالم؛ جائز ،أما بعد فقولهَ ( :فا ْ
مماته ال يجوز؛ ألنه قد مات عليه الصالة والسالم.
اُربَّ َك) عبارة سليمة. س َت ْس ِقُ َل َن َ قولهَ (ُ:فا ْ
وقولهَ ( :فإِنَّاُ َن ْس َت ْش ِفعُ ُبِال َُّل ِه َ
ُع َل ْي َك) نستشفع الله عندك؛ هذه العبارة
غير سليمة ،هذه هي الكلمة المحذورة ،وال تجوز؛ أي :نَطلب من الله
رب أن يشفع لنا عندك يا محمد ْ
أن تدعو ربك لنا؛ يعني :كأنا نقول :يا ِّ ْ
اشفع لنا عند محمد أنه يدعوك؛ فهذا ما يجوز؛ ألنه طلب من األعىل،
وإذا طلِب من األعىل ال تطلب منه الشفاعة وإنما يطلب منه األمر ،والله
عز وجل سبحانه وتعاىل ال َيشفع عند النبي صىل اهلل عليه وسلم ليفعل
( )1رواه البخاري ،أبواب االستسقاء ،باب سؤال الناس اإلمام االستسقاء إذا
قحطوا ،رقم ( ،)1010من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
شرح كتاب التوحيد 40
كذا وإنما يأمره؛ قال سبحانهَ ﴿ :يا َأي َها الرسول َب ِّل ْغ َما أن ِْز َل إِ َل ْي َك مِ ْن َر ِّب َك
َوإِ ْن َل ْم َت ْف َع ْل َف َما َبل ْغ َت ِر َسا َلتَه﴾ [المائدة.]67:
ُع َلىُال َّلُ ِه) أي :نستشفعك عند الله؛ وهذا ال بأس به (وبِ َك َ وقولهَ :
إذا كان النبي صىل اهلل عليه وسلم ح ّيا؛ يعني :قالوا له :يا رسول الله أنت
حي ،ولك مكانة عند الله ،ونَطلب منك أن الله ين ِْزل علينا الغيث؛ وهذا
ال بأس به ،نطلب شفاعتك عند الله أن الله يغيثنا.
أيهما أعىل منزلة ودرجة ومقاما؟ رب العالمين سبحانه ال شك،
وهذه العبارة سليمة؛ ألن النبي صىل اهلل عليه وسلم َيشفع عند الرب
العظيم ،من األدنى إىل األعىل؛ وهذا شيء مقبول.
ِ (وبِ َك َ
ُع َلىُال َّله) فهذا يف حياته ،أما بعد ممات ِّ
النبي صىل اهلل عليه َ
وسلم؛ ال يدعى النبي صىل اهلل عليه وسلم؛ وإنما المشروع هو ْ
أن يصلى
ويسلم عليه ،عليه الصالة والسالم.
( َف َق َالُالنَّبِ ُّيُصلىُاهللُعليهُوسلمُ:س ْب َحانَ ُال َُّل ِه!ُس ْب َحانَ ُال َُّل ِه!) يعني:
جناب اللهَ ( ،ف ََم َُز َالُ
ِ حق أن َِّزه الله عن ِّ
كل عيب ونقص ،فهذا نقص يف ِّ
ي َس ِّبح) يعني :كرر التسبيح ،وهذا يدل عىل أن التسبيح يشرع إذا َس ِمع
41 مقرر األسبوع الرابع والعشرين
اإلنسان أو رأى أمرا من َكرا ،وهذا يدل عىل أنه يف حال التعجب يشرع
للمرء أن يقول :سبحان الله سبحان الله.
وورد عن النبي صىل اهلل عليه وسلم أيضا أنه يك ِّبر إذا رأى أمرا َ
من َكرا أو متعجبا منه؛ فيقول« :الله أكبر»( ،)1فهنا قالُ( :س ْب َحانَ ُُال َُّل ِه!ُ
س ْب َحانَ ُال َُّل ِه!).
وهُ َأ ْص َحابِ ِه) يعني :من الكراهة لتلك فُ َذلِ َكُ فِيُ َوج ِ
(ح َّتىُ عرِ َ َ
اللفظة والخطأ فيها َع َرفوا أهنا كلمة من َكرة.
(ث َّمُ َق َالَ ُ:و ْي َحك!) كلمة تعجب أو كلمة زجر وتعنيف؛ أي :ما
بالك؟ أو :ويلك!
َ
(أ َت ْد ِريُ َماُال َُّله؟) يعني :هل َتعرف ما هي جاللة وعظمة الله؛ هذا
استفهام للتعظيم؛ يعني :هل َتعرف أن الله كبير؟ وال يشفع عند أحد من
خ ْلقه؛ وإنما يأمرهم وينهاهم؟
( )1مثل حديث« :الله َأ ْك َبر! إِن َها السنَن» .رواه أمحد يف المسند ،رقم (،)21897
يثي رضي الله عنه.
من حديث أبي واقد الل ّ
شرح كتاب التوحيد 42
ىُأ َح ٍد)».ُ.ُ. (إِ َّن َُش ْأنَ ُال َُّل ِه َُأ ْع َظم ُِم ْنُ َذلِ َكُ،إِنَّه َُلُي ْس َت ْش َفعُ ُبِال َُّل ِه َ
ُع َل َ
الله ال يكون شافعا عند أحد من خ ْلقه؛ بل هو الذي يأمر الخ ْلق ،وهو
الذي ينهاهم ،وهو الذي يدبر شؤوهنم وأحوالهم.
فلما كان طلب الشفاعة من الله عىل خ ْلقه فيه تنقص من جناب
الربوبية؛ ألن مقام الله عظيم سبحانه؛ ساق المصنِّف رمحه اهلل هذا الباب
يف كتاب التوحيد؛ لكونه مناف لكمال التوحيد الواجب ل ِ َما فيه من هضم
للربوبية ،وقِلة تعظيم لله؛ وهذا قدح يف التوحيد؛ فالشفاعة ال تكون إال
من األدنى إىل األعىل.
ُ.ر َواه َُأبوُ َداو َد)ُ.
يث َُالح ِد َ
(و َذ َك َر َ
قالَ :
43 مقرر األسبوع الرابع والعشرين
***