You are on page 1of 20

‫أوراق املجلة الدولية للدراسات األدبية واإلنسانية ـ ـ ـ مخبراملوسوعة الجزائرية ـ ـ ـ جامعة باتنة‪ 1‬ـ ـ ـ الجزائر‬

‫‪ ISSN 2779-2940 EISSN.…-….‬املجلد ‪ 02‬العدد ‪( 01‬مارس‪2020،‬م ) ص‪39‬إلى ‪58‬‬

‫مظاهرالتجريب والحداثة في الرواية الجزائرية‬


‫ـ ـ ـ رواية "البيت األندلس ي" لواسيني األعرج نموذجا ـ ـ ـ‬
‫‪Experimentation and Modernity Features in the Algerian Novel‬‬
‫‪–Waciny Laradj “The Andalusian House” Case Study-‬‬
‫غنية بوبيدي* مخبراملوسوعة الجزائرية امليسرة‬
‫جامعة باتنة ‪ 1‬ـ ـ ‪ghania.boubidi@univ-batna.dz‬‬
‫‪2020 /02 /26‬م‬ ‫تاريخ القبول‬ ‫‪2019 /12 /20‬م‬ ‫تاريخ اإلرسال‬
‫ملخص‬
‫تهدف هذه الدراسة إلى مناقشة إشكالية التجريب في الرواية الجزائرية املعاصرة‪ ،‬التي تدعو إلى‬
‫تجاوز الشكل التقليدي‪ ،‬والتي تساير التطورات الحاصلة في املجتمع واألدب على حد سواء إلى أن تغيرت جذريا‬
‫على مستوى الشكل واملضمون‪ ،‬وذلك من خالل الكشف عن التقنيات الجديدة التي استعملها الروائي‬
‫"واسيني األعرج" في روايته "البيت األندلس ي"‪ ،‬باستخدام املنهج الوصفي التحليلي لقراءة املتن الروائي والبحث‬
‫فيه عن مظاهر التجريب والحداثة‪ .‬توصلت الدراسة إلى أن التجريب في الرواية هو إبداع وخلق عوالم جديدة‬
‫ومواضيع تستجيب لروح العصر‪ ،‬فقد عمل الروائي املعاصر على تجسيد تقنيات الرواية الجديدة مختلفة‬
‫عن تقنيات الرواية التقليدية‪ ،‬كما تتجلى مظاهر التجريب في رواية البيت األندلس ي على مستوى العنوان‬
‫باعتباره املوضوع واإليديولوجيا‪ ،‬املكان‪ ،‬ومستوى الشخصيات الروائية‪.‬‬
‫الكلمات املفتاحية‪ :‬التجريب؛ الحداثة؛ الرواية الجزائرية؛ الرواية الجديدة؛ واسيني األعرج‬
‫‪Abstract‬‬
‫‪The present study aims at discussing the concept of experimentation in the‬‬
‫‪contemporary Algerian novel, that goes beyond the traditional form, until it radically‬‬
‫‪changed the form and content, revealing the new techniques used by the novelist‬‬
‫‪“Waciny Laradj” in his novel “Andalusian house” by using the descriptive analytical‬‬
‫‪method and searching for features of experimentation and modernity. Most important‬‬
‫‪results are that experimentation in the novel is the creation of new worlds and new‬‬
‫‪topics for this time. Therefore, the contemporary novelist embodied the difference‬‬
‫‪between new novel techniques and traditional ones. Experimental aspects are also‬‬
‫‪reflected in the novel of “Andalusian house” at the level of title, topic and ideology,‬‬
‫‪place and level of fictional characters.‬‬

‫‪Keywords: experimentation; modernity; Algerian novel; the new novel; Waciny Laradj‬‬

‫* المؤلف المرسل‬
‫‪39‬‬
‫مظاهر التجريب والحداثة في الرواية الجزائرية‬

‫‪.1‬مقدمة‬
‫تعد الرواية من أحدث أنواع الفنون النثرية التي عرفها العرب‪ ،‬إذ نجدها‬
‫تحظى بشعبية كبيرة واألكثر رواجا وتأثيرا على املتلقي‪ ،‬ألنها تعبر عن اهتمامات‬
‫الجنس النثري‪ ،‬وقد شهدت تطورا كبيرا وسريعا واكب حركة التطور وتطابق مع‬
‫معايير الخطاب الحديث‪.‬‬
‫أصبحت الرواية املعاصرة أو ما يطلق عليها اسم "الرواية الجديدة" أو‬
‫"الرواية التجريبية" مادة خصبة للدراسة‪ ،‬حيث تهب نفسها للمتلقي في توافق‬
‫وانسجام كلي مما يجعلها مادة أثيرة في الدراسات الجديدة وميدانا لتطبيق‬
‫النظريات الحديثة‪ ،‬فغاية الفن الروائي التجريبي هو تجاوز الشكل القديم‬
‫والتقليدي للرواية‪ ،‬وذلك من أجل مسايرة التقدم الحاصل في مجال اآلداب عامة‬
‫والرواية بشكل خاص‪ ،‬وقد ّ‬
‫عدت الرواية التجريبية من أكبر تجارب اإلبداع العربي‬
‫في العصور الحديثة‪ ،‬وهي الرواية التي خطت خطوة كبيرة متجاوزة التقنيات‬
‫السابقة‪ ،‬فكانت أول تجربة روائية عند العرب بسبب التأثر باآلداب الغربية لذلك‬
‫عدة صور فأبدعوا في هذا املجال‪ ،‬وشهدت‬ ‫تعددت أشكال الفن السردي وظهور ّ‬
‫الرواية الجزائرية كغيرها من الروايات العربية بروز هذا الشكل الروائي‪ ،‬وسعت‬
‫لتجاوز القوالب القديمة والخروج مما هو مألوف وسائد‪ ،‬وساعدها في ذلك‬
‫التجريب كونه من األشكال الفنية الجديدة التي تسمح بحدوث قفزة نوعية في‬
‫مجال الرواية‪ ،‬وأصبح الروائيون الجزائريون مسكونين بهاجس اإلبداع والتجديد‬
‫والبحث املستمر عن أشكال فنية جديدة‪ ،‬التي بإمكانها أن تخرجهم من الراهن‬
‫واملألوف‪ ،‬وتجعل كتاباتهم الجديدة تختلف عما سبق‪ ،‬وهذا ما جعل الرواية‬
‫الجزائرية املعاصرة منفتحة على مختلف مظاهر التجديد والتجريب‪ .‬ولقد خاض‬
‫العديد من الروائيين الجزائريين غمار التجريب وساهموا في ظهور الرواية‬
‫التجريبية‪ ،‬ومن بين هؤالء نجد‪ :‬الروائي الكبير واسيني األعرج‪ ،‬الذي كانت له‬
‫‪40‬‬
‫بوبيدي غنية‬

‫العديد من التجارب الروائية في الرواية الجديدة‪ ،‬ورواية البيت األندلس ي تمثل‬


‫أنموذجا للرواية الجزائرية املعاصرة‪.‬‬
‫أهمية الدراسة وأهدافها‬
‫تنبع أهمية هذه الدراسة في كونها تسعى للكشف عن ماهية التجريب في‬
‫الرواية الجزائرية‪ ،‬وعن التقنيات الجديدة التي استعملها الروائي الجزائري‬
‫"واسيني األعرج" في روايته "البيت األندلس ي"‪.‬‬
‫تهدف هذه الدراسة إلى‬
‫ـ ـ بيان مفهوم التجريب والحداثة في الرواية الجزائرية‪.‬‬
‫ـ ـ بيان مظاهر التجريب في رواية البيت األندلس ي لـ «واسيني األعرج"‪.‬‬
‫إشكالية الدراسة‬
‫ما مفهوم الحداثة؟ ما مفهوم التجريب؟ ماهي التقنيات الجديدة التي استعملها‬
‫الروائي "واسيني األعرج في روايته "البيت األندلس ي"‪ ،‬وما مالمح التجريب فيها؟‬
‫الدراسات السابقة‬
‫من أبرز الدراسات التي تناولت موضوع التجريب الروائي‪ ،‬والتي استعنت بها‬
‫لفهم املوضوع وكتابة هذا املقال ما يلي‪:‬‬
‫ـ ـ بنية سليمة‪ ،‬الرواية الجديدة (أحالم مستغانمي‪ ،‬أنموذجا)‪ ،‬مذكرة لنيل‬
‫شهادة ماجستير‪ ،‬كلية اآلداب واللغات‪ ،‬قسم األدب العربي‪ ،‬بسكرة‪.2007. ،‬‬
‫ـ ـ حنان شاوش أخوان‪ ،‬مالمح التجريب في رواية‪ ،‬فاجعة الليلة السابقة بعد‬
‫األلف لواسيني األعرج‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة املاجستير‪ ،‬تخصص نقد أدبي‪،‬‬
‫كلية اآلداب واللغات‪ ،‬جامعة بسكرة‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫مظاهر التجريب والحداثة في الرواية الجزائرية‬

‫ـ ـ عبد العزيز ضويو’ التجريب في الرواية العربية املعاصرة‪ ،‬دراسة تحليلية‬


‫لنصوص روائية حديثة‪ ،‬عالم الكتب الحديث‪ ،‬إربد‪ ،‬األردن‪ ،‬ط‪2014 ،1‬م‪،‬‬
‫ص ‪.281‬‬
‫منهج الدراسة‬
‫اعتمدت هذه الدراسة على املنهج الوصفي التحليلي‪ ،‬ألن طبيعة املوضوع‬
‫مرهون بفعل القراءة التحليلية املسؤولة إلى حد ما عن إعطاء القيم األدبية للنص‬
‫األدبي أو سحبها عنه‪ ،‬وذلك ما سنحاول الوقوف عليه من أجل فهم أكثر في قراءة‬
‫الرواية العربي الجزائرية وبالتحديد رواية "البيت األندلس ي لـ " واسيني األعرج"‪،‬‬
‫والبحث فيه عن مظاهر التجديد والتجريب التي وظفها الروائي الجزائري املعاصر‪.‬‬
‫الصعوبات‬
‫البد أن تواجه أي دارس في علم من العلوم جملة من الصعوبات والعراقيل‬
‫الناجمة عن طبيعة بحثه الذي يتناوله بالدراسة‪ ،‬وقد اعترضت سبيل البحث‬
‫جملة من الصعوبات‪ ،‬من أهمها‪:‬‬
‫ـ ـ ضخامة الرواية‪.‬‬
‫ـ ـ النقص الحاصل في الدراسات النقدية التي اهتمت بموضوع التجريب في‬
‫الرواية املعاصرة‪.‬‬
‫‪ .2‬تحديد مفهوم التجريب والحداثة في الرواية الجزائرية‬
‫‪ 1.2‬مفهوم التجريب‬
‫لقد استجابت الفنون األدبية إلى التغيرات التي حصلت في البنى السياسية‬
‫واالجتماعية والثقافية واالقتصادية‪ ،...‬ألن حركة اإلبداع والتجديد مرهونة‬
‫بالتطورات الحاصلة في املجتمع‪ ،‬هذه الحركة جعلت ّ‬
‫الكتاب والنقاد يهتمون‬
‫بالتجريب‪ ،‬الذي جعل الشكل الروائي أكثر انفتاحا وقادرا على االستجابة لتطورات‬
‫الحاضر‪ ،‬ولكن التجريب لم يستقر على مفهوم واحد‪ ،‬فمنهم من يعرفه بأنه‬
‫‪42‬‬
‫بوبيدي غنية‬

‫الخروج عن النموذج الثابت وتجاوز األشكال التقليدية فهو‪« :‬نقض املسلمات‬


‫الجامدة والتقاليد الثابتة واألعراف الخانقة وصياغة السؤال وممارسة حرية‬
‫اإلبداع في أضحى حاالتها» (بن جمعة‪2003 ،‬م‪ ،‬ص‪ ،)31‬فالسؤال يدمر سلطة‬
‫السائد القديم بالبحث عن إجابات جديدة‪ ،‬وبذلك يبحث األديب واملبدع عموما‬
‫عما يحقق له التفرد والتميز «فالجديد أفق كتابة يصدر عن هاجس التجديد‬
‫الذي ال يتحقق إال عبر التحرر من إسار السائد‪ ،‬مما يجعله يمثل شكال من أشكال‬
‫تكريس حرية املبدع الروائي من خالل ثورته على األشكال النمطية في الكتابة‬
‫الروائية» (بن جمعة‪2003 ،‬م‪ ،‬ص ‪.)10‬‬
‫إن التجريب هو فرصة إلبراز الطاقات التعبيرية الكامنة في األديب‪ ،‬مما‬
‫يجعل الرواية أكثر مرونة وحرية وقادرة على االستجابة لتطورات الحاضر ويظهر‬
‫ذلك في «رفض األساليب الفنية القديمة ومحاولة البحث عن أسلوب جديد قادر‬
‫على استيعاب رؤية الفنان املعاصر لعامله والتعبير عن التجربة التي تميز عصره‬
‫ألن األشكال القديمة ال تالءم التعبير عن روح العصر وفلسفته» (الرماني‪،‬‬
‫‪2012‬م‪ ،‬ص‪ ،)11‬فالتجريب بهذا املعنى إعادة بناء وفق مخطط جديد لكسر ما‬
‫هو سائد وتقليدي وفتح املجال ألفق إبداعي جديد‪.‬‬
‫يقول الدكتور "فراس الريموني"‪« :‬نعني بالتجريب هنا هو فعل التغيير الذي‬
‫يتواصل مع العصر ولحظة الزمن وذلك من خالل إعادة البنية التركيبية لألطر‬
‫التقليدية التي جمدت حركة اإلبداع والتواصل إلى تجارب القرن املاض ي وصوال إلى‬
‫بداية‪ ،‬ستجعلنا داخل قرن جديد مؤدلج بالتجارب واختراق كل ما هو سائد‬
‫ومجمد» (الرماني‪2012 ،‬م‪ ،‬ص ‪.)09‬‬
‫والتجريب قاعدته االختالف والتمرد‪ ،‬فليس هناك قاعدة تحدد تقنياته‪،‬‬
‫فرأي كثير من النقاد أن التجريب األدبي أداة لتطوير فنون األدب وهو بمثابة ثورة‬

‫‪43‬‬
‫مظاهر التجريب والحداثة في الرواية الجزائرية‬

‫قائم ة تجعل األديب ينطق عن املسكوت عنه‪ ،‬وغالبا ما يحمل مصطلح التجريب‬
‫داللة على الرغبة في التفوق ومخالفة السائد بإضافات جمالية تؤصل ما قبلها‬
‫وتؤكد مزيته باستيعاب الجديد‪ ،‬واملعرفة على هذا النوع هي أرقى مستويات‬
‫التجريب اإلبداعي‪.‬‬
‫‪ 2.2‬مفهوم الحداثة‬
‫تعددت مفاهيم الحداثة بتعدد آراء الكتاب والنقاد‪ ،‬وباختالف مذاهبهم‬
‫وتوجهاتهم‪ ،‬ومن هؤالء نجد رأي "فتحي التركي" و"رشيدة التريكي" من خالل رؤيتهم‬
‫أن املعنى األساس ي للحداثة يكون من خالل «استنطاق املفهوم في بنية ونمط عمله‬
‫ومستنتجاته الفكرية» (التريكي‪1992 ،‬م‪ ،‬ص ‪ ،)05‬فمفهوم الحداثة انبنى أساسا‬
‫على مفهوم التغيير الحضاري الشامل في نسيج صانع ملالمح التجربة قوامها‬
‫التحول املستمر وهذا ما نتج عنه فتح حركة تاريخية تستند إلى هذا التغير وترفض‬
‫الوعي به‪.‬‬
‫فالحداثة هي مجموعة من املستجدات في املعارف األدبية والفنية‬
‫واملمارسات اإلبداعية «كما أن مفهومها حركي يتغير بتغير األجيال‪ ،‬وال يمكن أن‬
‫يتصف به جيل دون آخر أو أمة دون أخرى‪ .‬إن الحداثة هي الحالة الناتجة عن‬
‫تطور زمني يسمح بالوضع القائم املتجدد تلقائيا أن يعبر بشكل أو بآخر عن روح‬
‫العصر أي حضور األنا على صعيد اإلبداع الفني» (التريكي‪1992 ،‬م‪ ،‬ص‪ ،)33‬إذن‬
‫لكل عصر متطلباته واحتياجاته‪ ،‬فالحداثة مرتبطة بالزمن الذي هو في حركة‬
‫مستمرة‪ ،‬فما هو حديث اليوم يصبح قديما في الغد «فالحداثة حالة فكرية ذات‬
‫سمات عامة حتى وإن صح قول ذلك في معرض آخر وهي ترادف معنى املنظومة‬
‫الفكرية التي تجاوزت فيها نزاعات يرد بعضها إلى بعض» (بلقزيز‪2001 ،‬م‪ ،‬ص ‪.)04‬‬
‫كما أن مفهوم الحداثة يتحدد ويقترب من التجريب‪ ،‬ألنه ينبع من‬
‫خصائصها الذاتية املتميزة‪ ،‬وذلك برفض األشكال السائدة ونبذ القواعد املتحكمة‬
‫‪44‬‬
‫بوبيدي غنية‬

‫في جنس الرواية‪ ،‬ذلك أن ملمح الحداثة في الرواية يتجلى في النزوع إلى التجريب‬
‫الذي وضع الكتابة الروائية الجزائرية في موضع تساؤل‪ ،‬فهي قادرة على االستجابة‬
‫لعمق الواقع وتحوالته التي ال تستطيع الكتابة التقليدية التعبير عنه‪ ،‬فالهوس‬
‫بالتجريب يعتبر من املالح األساسية للرواية التي تولد عند هوس بالحداثة وكل ما‬
‫يرافقهما من مفاهيم كالقطيعة والتجاوز واملغايرة‪.‬‬
‫من هنا ال نستطيع التفريق بين التجريب والحداثة نظرا الرتباطهما‬
‫ببعضهما البعض وال يكتمل أحدهما دون اآلخر‪ ،‬فالتجريب هو خرق للسائد‬
‫ّ‬
‫استجد‬ ‫واألعراف املتعارف عليها‪ ،‬مما يتولد عنه حداثة تعبر عما توصل إليه وما‬
‫وما طرأ من تغيرات‪ ،‬مما يجعل األديب يستحدث أشكاال وموضوعات جديدة في‬
‫سبيل تجريبها‪ ،‬فهو يعبر عن تجربة شعورية وذاتية خالصة‪ ،‬يسعى من خاللها إلى‬
‫الحرية وتحطيم أغالل التقليد وكل ما هو قديم على حد سواء‪.‬‬
‫‪ 3.2‬سردية التجريب وحداثتها في الرواية الجزائرية‬
‫إن السرد الروائي الجزائري املكتوب باللغة العربية يتجسد من خالل‬
‫ارتحاله الدائم في الزمان واملكان‪ ،‬مما يجعل الرواية تكتسب سماتها األدبية الدالة‬
‫«فالسرد أفق كتابة يسكنه هاجس الترحال إلى آفاق من التشكيل ال ّ‬
‫تحدـ‪ ،‬من‬
‫خالل لغة ال تتجاوز الكائن من الصيغ واألساليب والدالالت إلى املمكن في توقها إلى‬
‫اختراق طاقات الكامن فيها»(بن جمعة‪2003 ،‬م‪ ،‬ص ‪ ،)18‬وذلك من خالل اختراق‬
‫السائد السردي والبحث عن أفق حداثي مغاير يواكب التطورات الحاصلة في‬
‫ّ‬
‫التجربة الروائية‪ ،‬ومثلت في اآلن ذاته السمات املفيدة الدالة على انزياحات هذا‬
‫النوع من الكتابات على مستوى خصائصه الفنية والجمالية‪ ،‬وهو ما أدى إلى‬
‫أسئلة ع لى املتن واألنساق السردية ضمن مسالك البحث وتجريب األشكال من‬
‫السرد الروائي ذات طابع حداثي‪ ،‬تكون قادرة على تجاوز النمط التقليدي‪،‬‬

‫‪45‬‬
‫مظاهر التجريب والحداثة في الرواية الجزائرية‬

‫«فخضوع التحديث في الرواية العربية ملنطلق التجريب يجعل الروائيين ينطلقون‬


‫في مناح عديدة بحثا عن تقنيات جديدة مما يفرز تنوع التجارب وتباينها» (ضويو‪،‬‬
‫‪2014‬م‪ ،‬ص ‪ )281‬وفي هذا الصدد اطلع الروائيون الجزائريون على نماذج عديدة‬
‫تنتمي إلى اآلداب الفرنسية واإلنجليزية واإلسبانية‪ ،‬مما أدى إلى تحول السرد من‬
‫أنماط الكتابة التي تستعيد املاض ي التاريخي خالل مرحلة النضال التحرري‪ ،‬ليسير‬
‫هؤالء الروائيون على أنماط جديدة من الكتابة التي ترتكز أساسا على الواقع‪،‬‬
‫«وذلك باختراق عمودية السرد واالنزياح عنها على كافة مكونات الخطاب (الزمن‪،‬‬
‫الرؤية‪ ،‬الصيغة‪( »)...‬بن جمعة‪ ،2003 ،‬ص ‪.)104-103‬‬
‫هذا التجريب يعكس األشكال التعبيرية الجديدة في املمارسة الروائية‪،‬‬
‫واملرحلة التاريخية الصعبة للجزائر‪ ،‬التي تميزت بالتحوالت والتطورات‪ ،‬وهو ما‬
‫يفسر تعدد االتجاهات الفكرية‪ ،‬والفنية‪ ،‬والجمالية التي شهدتها الرواية‬
‫الجزائرية التجريبية‪.‬‬
‫وقد أسس "الطاهر وطار" فعال وبطريقة ثابتة وواضحة ملفهوم التجريب‪،‬‬
‫من خالل اختراق السائد السردي وثوابته‪ ،‬فيقول‪« :‬وقد خرجت من تجربتي في‬
‫الكتابة بخالصة وهي أن االلتزام بشكل معين حتى بدعوى رفض األشكال القديمة‬
‫هو الوقوع في محافظة جديدة‪ ،‬الكتابة بداية جديدة‪ ،‬ميالد‪ ،‬كل له عامله وتفاعله‬
‫وعناصره‪ ،‬املسألة ليست ميكانيكية» (بن جمعة‪2003 ،‬م‪ ،‬ص‪.)104-103‬‬
‫ّ‬
‫"الحوات‬ ‫وقد ظهرت مالمح التجديد والتجريب كظاهرة فنية مع رواية‬
‫والقصر"‪ ،‬وذلك على مستوى اللغة واألفكار معا‪ ،‬وهو تحرر فني وسردي للرواية‪،‬‬
‫مع إضفائه لعنصر العجائبي الذي أضحى عنصرا أساسيا من عناصر التجريب‬
‫السردي الروائي‪.‬‬
‫ّ‬
‫لذلك يعد "الطاهر وطار" رائدا في محاولته إنعاش وإنقاذ الرواية الجزائرية‬
‫من مشكلة املوضوعات املرحلية والرؤى واملواقف النقدية‪ ،‬محاوال وضع قواعد‬
‫‪46‬‬
‫بوبيدي غنية‬

‫لرواية جديدة «فالعمل الحقيقي ال يحتويه شكله املحدد بل سلسلة تقريبات‬


‫تصاغ للوصول إليه‪ ،‬هي الجهد الذي يبذله في الكتابة كأداة معرفية‪ ،‬وأدرك مدى‬
‫أهمية األنساق السردية في االقتراب من الفكرة واملعنى‪ ،‬وفي تقريب اللغة من‬
‫اإلحساس‪ ،‬واإلحساس من اللغة السردية» (بوطاجين‪2001 ،‬م‪ ،‬ص‪ ،)36‬وهذا ما‬
‫يتحقق بمعرفة سر اللغة التي تعتمد على التكثيف واإليحاء‪.‬‬
‫وفي ظل الهوس بالحداثة حاولت الرواية الجزائرية الجديدة تجريب تقديم‬
‫سرد استثنائي مخالف للقوالب القديمة السائدة‪ ،‬فالتجريب على هذا النحو هو‬
‫الخبرة الفنية التي هي األساس الذي يتجلى من خالل اندماج األديب على نحو‬
‫مباشر بالعمل الفني ومع ذاته‪ ،‬ومالمسته للواقع ونزعته التجريبية الباحثة عن‬
‫أفق حداثي‪.‬‬
‫لقد شهد السرد الروائي منذ بدايته األولى عدة تغيرات مفصلية‪ ،‬مما أعطى‬
‫الرواية طابعا روائيا متميزا‪ ،‬مما يؤكد بوضوح النضج الذي وصل إليه السرد في‬
‫الرواية التجريبية‪.‬‬
‫‪ .3‬مظاهرالتجريب في رواية "البيت األندلس ي" لواسيني األعرج‬
‫ّ‬
‫يعد الروائي الجزائري "واسيني األعرج" متميزا بكتاباته‪ ،‬وذا رؤى وأفكار‬
‫معاصرة‪ ،‬فال حدود لغوية أو سياسية‪ ،‬فهو من األوائل الذين حاولوا التجريب في‬
‫كتاباتهم الروائية‪ ،‬وخرق النمط التقليدي السائد‪ ،‬فهو خزان عميق األفكار متعدد‬
‫الرؤى‪ ،‬وتظهر مالمح التجريب في رواية "البيت األندلس ي" من خالل مجموعة‬
‫مستويات تتمثل في‪ :‬مستوى العنوان‪ ،‬مستوى املوضوع واإليديولوجيا‪ ،‬مستوى‬
‫املكان‪ ،‬مستوى الشخصيات الروائية‪ ،‬على املستوى الفني‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫مظاهر التجريب والحداثة في الرواية الجزائرية‬

‫‪ 1.3‬على مستوى العنوان‬


‫الرواية‪ ،‬فهو بمثابة املفتاح‬ ‫عد العنوان من ّ‬
‫أهم املرتكزات التي تقوم عليها ّ‬ ‫ُي ّ‬
‫الذي يلجأ إليه القارئ للولوج في أغوار الرواية «العنوان‪ ...‬تلك العالمة اللغوية التي‬
‫والتأمل ويطرح من‬ ‫تتقدم النص وتعلوه‪ ،‬ويجد القارئ فيها ما يدعوه للقراءة ّ‬
‫ترسبات املاض ي ويصنع‬ ‫خاللها على نفسه أسئلة تتعلق بما هو آت واملبني على ّ‬
‫للتوقع» (مداس‪2007 ،‬م‪ ،‬ص‪.)04‬‬ ‫لنفسه منها أفقا ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تجريبية العنوان عند الروائي " واسيني األعرج" من خالل منحه‬ ‫وتتجلى‬
‫تأصيال وداللة‪ ،‬حيث ربط بين املاض ي " التاريخ" والحاضر من خالل هذا العنوان‪،‬‬
‫يعبر من خالل املاض ي عن قضايا العصر‪ ،‬وقد ربط بين مسند ومسند إليه "‬ ‫فهو ّ‬
‫ّ‬
‫البيت األندلس ي" فهي تتركب من كلمتين‪ " :‬البيت" وهو املكان والفضاء الذي تنطلق‬
‫منه األحداث وتدور فيه مجريات الرواية‪ ،‬و" األندلس ي" األندلس هي لفظة تطلق‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫إسالمية‪ ،‬بإضافة ياء النسبة‪ ،‬فهو ينسب هذا البيت‬ ‫على إسبانيا عندما كانت دولة‬
‫إلى األندلس‪ ،‬بالرغم من تواجده في الجزائر(القصبة)‪.‬‬
‫يدل على مرحلة من‬ ‫متعدد اإليحاءات‪ ،‬فهو ّ‬ ‫إن عنوان " البيت األندلس ي" ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫بكل ّ‬ ‫مراحل تاريخ الجزائر‪ّ ،‬‬
‫سلبياتها وتناقضاتها‪ .‬فعند الغوص في الرواية ندرك بأنه‬
‫ّ‬
‫نسب البيت لألندلس‪ ،‬ألنه يشبه البيت املوجود في األندلس لهذا ُس ّمي البيت‬
‫ّ‬
‫حياتية‬ ‫حي‪ ،‬عرف مراحل‬ ‫األندلس ي‪ .‬فالعنوان جاء في الرواية كهيأة إنسان أو كائن ّ‬
‫مختلفة‪ ،‬من ميالده إلى وفاته‪ ،‬كما نجد في الرواية " مات البيت األندلس ي"(األعرج‪،‬‬
‫‪2010‬م‪ ،‬ص ‪.)439‬‬
‫منبه ُ‬
‫يثير‬ ‫ّ‬
‫ليتحول إلى ّ‬ ‫حدد ّ‬
‫هويتها‪،‬‬ ‫إن العنوان في الرواية هو العنصر الذي ُي ّ‬ ‫ّ‬
‫جرب‬ ‫القارئ‪ ،‬واألعرج لم يكتف بالتجريب على مستوى العنوان األصلي فقط‪ ،‬بل ّ‬
‫الفرعية التي أصبحت من خصائص أعمال واسيني‬ ‫ّ‬ ‫حتى على مستوى العناوين‬ ‫ّ‬
‫فنية ّ‬
‫متميزة‪ ،‬فهو قد‬ ‫الروائية وطريقة ّ‬
‫ّ‬ ‫تصورا جديدا للكتابة‬‫الروائية‪ ،‬فهي تحمل ّ‬ ‫ّ‬
‫‪48‬‬
‫بوبيدي غنية‬
‫ّ‬
‫خطة ارتبطت بتقنيات الكتابة الجديدة‪ ،‬فنجد ّ‬
‫عدة عناوين‬ ‫رسم هذه الرواية على‬
‫ّ‬
‫فرعية وهي كاآلتي‪:‬‬
‫• استخبار ما سيكا‪.‬‬
‫• توشية مراد باسطا‪.‬‬
‫• الفصل األول‪ :‬نوبة خليج الغرباء‬
‫• الفصل الثاني‪ :‬وصلة الخيبة‬
‫• الفصل الثالث‪ :‬إيقاعات الحرف ّ‬
‫السري‬
‫• الفصل الرابع‪ :‬في مقام الرماد‬
‫• الفصل الخامس‪ :‬ملسة ما سيكا الناعمة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫لتشد انتباه القارئ وتغويه‪ ،‬فقد‬ ‫هذه العناوين انتقاها ووضعها "واسيني"‬
‫ّ‬
‫أندلسية‪ ،‬فاستفتحها باستخبار " ما سيكا" وعرفه في‬ ‫ّ‬
‫موسيقية‬ ‫ارتبطت بمقاطع‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫افتتاحية صغيرة‪ ،‬وهي مقدمة ملا‬ ‫ّ‬
‫أندلسية‬ ‫ّ‬
‫موسيقية‬ ‫نهاية الصفحة بأنه «قطعة‬
‫سيأتي الحقا‪ ،‬القصد من ورائها شد انتباه املستمع وإدخاله في املوسيقى تعزف‬
‫وترية واحدة أو جماعيا بمختلف اآلالت»(األعرج‪2010 ،‬م‪ ،‬ص ‪،)07‬‬ ‫فرديا بآلة ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ورتب هذه العناوين على منوال األغنية األندلسية " استخبار توشية‪ ،‬نوبة وصلة"‬
‫الصفحة‪ ،‬وهذا ما أحدث تناغما وانسجاما‪ّ ،‬‬
‫وكأن الرواية‬ ‫وشرحها في نهاية ّ‬
‫ّ‬
‫الفرعية أوراق‪،‬‬ ‫ّ‬
‫أندلسية تعزف‪ ،‬وتندرج تحت هذه العناوين‬ ‫ّ‬
‫موسيقية‬ ‫مقطوعة‬
‫أن القارئ يستعرض ألوراق غاليلو ولهذا أشار إلى‬‫فواسيني األعرج قد أشار إلى ّ‬
‫ذلك‪« :‬من أوراق سيدي أحمد بن خليل املدعو غاليلو»(األعرج‪2010 ،‬م‪ ،‬ص ‪.)61‬‬

‫‪49‬‬
‫مظاهر التجريب والحداثة في الرواية الجزائرية‬

‫فهذه العناوين الفرعية ال تختلف وظيفتها عن العنوان الرئيس ي‪ ،‬فهي تحيل‬


‫القارئ على مضمون الرواية‪ ،‬فهي تعتمد على قدرة واسيني على اإليحاء والتلميح‪،‬‬
‫لغوية بسيطة‪ ،‬فيظهر لنا العنوان بسيط املبنى لكن عميق‬ ‫من خالل تراكيب ّ‬
‫ّ‬
‫وتتعمق‬ ‫ّ‬
‫تتشعب‬ ‫ّ‬
‫ضمنية قد‬ ‫طياتها معاني‬ ‫فإنها تحمل في ّ‬ ‫املعاني‪ ،‬فرغم بساطتها ّ‬
‫مخيلة القارئ أكبر قدر من األحاسيس واملشاعر‪ ،‬فهي قد‬ ‫لتمس أعمق نقطة في ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫تاريخية‪،‬‬ ‫ّ‬
‫إيديولوجية‪،‬‬ ‫تكون تعبيرا مباشرا لتوجهات الكاتب ورؤيته سواء كانت‪:‬‬
‫ّ‬
‫ثقافية‪...‬الخ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫إذا العنوان لم يأت بمحض ّ‬
‫الصدفة‪ ،‬فقد كان مدروسا بدقة‪ ،‬فهو انعكاس‬
‫التجريب على مستوى العنوان عند‬ ‫أن ّ‬ ‫حقيقي ملضمون الرواية‪ .‬وبذلك ندرك ّ‬
‫وفنية‪...‬الخ‪ ،‬فالعنوان قد ربط‬ ‫واسيني األعرج قد انفتح على قيم تاريخية وجمالية‪ّ ،‬‬
‫أن رواية " البيت األندلس ي"‬ ‫زمنيتين مختلفتين‪ ،‬فنفهم من خالل ذلك ّ‬ ‫بين فترتين ّ‬
‫تمس الواقع وتحاكي‬ ‫ذات عنوان تاريخي ُيحاكي املاض ي بأفق ورؤى معاصرة‪ّ ،‬‬
‫الوقائع واألحداث في الوطن العربي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫إن البيت األندلس ي لم يكن ّ‬ ‫ّ‬
‫مجرد بيت عائلي فحسب‪ ،‬وإنما كان الوطن‬
‫نفسه الذي ّ‬
‫يحن إليه الكاتب‪.‬‬
‫‪ 2.3‬على مستوى املوضوع واإليديولوجيا‬
‫تدور أحداث هذه الرواية حول " البيت األندلس ي"‪ ،‬الذي هو مركز وأساس‬
‫ّ‬
‫اإليديولوجية التي انطلقت منها الرواية «لو لم تكن‬ ‫الرواية‪ ،‬فهو بمثابة القاعدة‬
‫سيصبح العالم بال معنى والحياة ستصبح بال‬ ‫اإليديولوجيات موجودة أو انتهت ُ‬
‫تستحق أن ُتعاش» (ضرغام‪2010 ،‬م‪ ،‬ص ‪.)18‬‬ ‫ّ‬ ‫هدف وال‬
‫لقد انطلق واسيني األعرج من قناعته التامة ووجهة رأيه‪ ،‬وإيمانا بموضعه‬
‫استهل روايته بمقولة‪ّ :‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وقضيته التي ّ‬ ‫ّ‬
‫«إن البيوت الخالية‬ ‫تطرق إليها‪ .‬فنجد أنه‬

‫‪50‬‬
‫بوبيدي غنية‬
‫ّ‬
‫تموت يتيمة» (األعرج‪2010 ،‬م‪ ،‬ص ‪ ،)05‬وهي مقولة لغاليلو الروخو‪ ،‬كما نجد أنه‬
‫ّ‬
‫شعريا ألبي البقاء ّ‬ ‫ّ‬
‫الرندي‪:‬‬ ‫وظف بيتا‬
‫وال يدوم على حال لها شان»‬ ‫«وهذه الدار ال تبقي على أحد‬
‫(األعرج‪2010 ،‬م‪ ،‬ص ‪)05‬‬
‫من خالل هذه املقولة والبيت الشعري يلج واسيني األعرج إلى املوضوع‪،‬‬
‫الدار"‪ .‬فموضوعه تجريبي بحت‪،‬‬ ‫تحدث عن "البيت"‪ ،‬و" ّ‬ ‫ويتطرق إليه‪ ،‬فكالهما ّ‬ ‫ّ‬
‫ينعم بها الكاتب في اختيار موضوعه وإيمانه بصدقها‪،‬‬ ‫للحرية ّ‬
‫التا ّمة التي ُ‬ ‫وهذا نظرا ّ‬
‫فالبيت األندلس ي يحيل إلى حقبة من تاريخ املسلمين في األندلس‪ ،‬وتطرق إلى‬
‫تعرض لها املسلمون واليهود في اسبانيا من تنكيل ومعاناة‪،‬‬‫الفظاعة اإلنسانية التي ّ‬
‫الجبرية من اسبانيا إلى الجزائر‪ ،‬ومن الذين ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫رحلوا عنوة " غاليلو‬ ‫وعمليات الترحيل‬
‫الروخو" الذي مكث بالجزائر‪ ،‬وقام ببناء هذا البيت األندلس ي‪ ،‬وهو البيت الذي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تمناه هو واللة سلطانة‪ُ ،‬ويشبه البيت املوجود في األندلس‪ ،‬فقد بناه في القصبة‪.‬‬
‫ورث هذا البيت واملخطوطة " مراد الباسطا"‪ ،‬حفيد غاليلو‪ ،‬هذه املخطوطة‬
‫عدها على رؤوس األصابع حتى وصل ّ‬
‫إلي مليئا‬ ‫ة عن «كتاب تحرك بين أيد يمكن ّ‬
‫عبار‬
‫والرماد» (األعرج ‪2010‬م‪ ،‬ص ‪ ،)49‬هذه‬ ‫بالدم ّ‬‫بالغموض والخوف وأحيانا ّ‬
‫املخطوطة فيها تاريخ املسلمين في األندلس‪ .‬وقد أوص ى "غاليلو الروخو" أحفاده‬
‫باملحافظة على هذا البيت‪« :‬حافظوا على هذا البيت فهو من لحمي ودمي‪ .‬ابقوا‬
‫حتى ولو أصبحتم خدما فيه أو عبيدا» (األعرج‪2010 ،‬م‪ ،‬ص ‪،)43‬‬ ‫فيه وال تغادروه ّ‬
‫شيد مكانه برج بمائة طابق‪ ،‬ولكن " مراد‬ ‫البلدية هدم البيت ُلت ّ‬
‫ّ‬ ‫وبعد ذلك تحاول‬
‫ّ ّ‬ ‫ظل ّ‬ ‫الباسطا" ّ‬
‫متمسكا به‪ ،‬رافضا بيعه أو التخلي عنه‪ ،‬فهو بيت أجداده منذ القرن‬
‫السادس عشر‪ ،‬وبعد ذلك يقوم " حسن الخزناجي" بشراء البيت األندلس ي البنته‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫ليتحول إلى " املحروسة"‪.‬‬ ‫ّ‬
‫األصلي‬ ‫ُ‬
‫اسمه‬ ‫" خداوج العمياء"‪ ،‬ويهديه لها فينس ى ُ‬
‫البيت‬

‫‪51‬‬
‫مظاهر التجريب والحداثة في الرواية الجزائرية‬

‫ثم مكانا إلقامة‬ ‫ّ‬


‫يتحول البيت إلى البلدية ّ‬ ‫وفي فترة االستعمار الفرنس ي‬
‫نابليون الثالث وزوجته‪ .‬أما في فترة االستقالل فيتعرض البيت لحريق هائل‪،‬‬
‫فتدخل ما سيكا البيت إلنقاذ املخطوطة‪.‬‬
‫ولكن في نهاية املطاف تقوم البلدية بهدمه رغم كل املحاوالت إلنقاذه‪،‬‬
‫ّ ّ‬
‫ويصور لنا الكاتب كيف ُه ّدم البيت األندلس ي بفظاعة وبشاعة رغم أنه ُيمثل تراثا‬
‫عري جسد املرأة الغتصابها»‬ ‫تعري البيت األندلس ي كمن ُي ّ‬
‫إنسانيا‪ ،‬فقد «كانت اآللة ّ‬ ‫ّ‬
‫(األعرج‪2010 ،‬م‪ ،‬ص ‪ ،.)441‬فتكون بذلك نهاية البيت األندلس ي وموت حلم‬
‫"غاليلو" في املحافظة عليه «مات البيت األندلس ي ودفنت به أصدائه» (األعرج‪،‬‬
‫‪2010‬م‪ ،‬ص ‪.)439‬‬
‫إن البيت األندلس ي رمز للحب واملعاناة في آن واحد‪ ،‬وموضوع الرواية ليس‬ ‫ّ‬
‫وإنما ّ‬‫ّ‬
‫يعبر عن الوطن الضائع الذي ُسلب من أيدي مسلمو األندلس‪،‬‬ ‫البيت فقط‪،‬‬
‫تعرض لها املسلمون بعد سقوط األندلس واإلبادة‬ ‫يعبر عن األلم واملعاناة التي ّ‬ ‫وهو ّ‬
‫تعرض لها‬ ‫التطهير العرقي التي ّ‬ ‫تعرض لها البيت األندلس ي وأشكال ّ‬ ‫التي ّ‬
‫املورسكيون‪.‬‬
‫خيل انطالقا من عنصر‬ ‫التجريب عند الروائي " واسيني األعرج" هو ّ‬
‫الت ّ‬ ‫إن ّ‬ ‫ّ‬
‫وجمالية‪ ،‬فموضوعه ُيحاكي ما‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫شعورية‬ ‫يحمل املوضوع شحنات‬ ‫مما ّ‬ ‫الواقع‪ّ ،‬‬
‫يحدث اليوم في الوطن العربي من ثورات واستعمار‪ ،‬فالروائي أعاد صياغة هذا‬ ‫ُ‬
‫املوضوع التاريخي ُليسقطه على الحاضر‪.‬‬
‫‪ 3.3‬على مستوى املكان‬
‫الروائي‪ ،‬فهو اإلطار الذي تدور فيه‬ ‫ّ‬
‫أساسيا في العمل ّ‬ ‫عد املكان عنصرا‬ ‫ُي ّ‬
‫خصيات‪ ،‬فهو «عنصر فاعل ّ‬ ‫ّ‬
‫الش ّ‬ ‫ّ‬
‫ومكون جوهري للرواية‪،‬‬ ‫وتتحرك فيه‬ ‫األحداث‬
‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫الشخ ّ‬ ‫يعد املكان موقعا للحدث وال ُبعدا جغر ًّ‬ ‫فلم ْ‬
‫صيات‪ ،‬ولكنه تجلى‬ ‫افيا لحركة‬
‫في كثير من األعمال الروائية بطال رئيسيا ينطلق املؤلف من خالل بلورة أفكاره‬
‫‪52‬‬
‫بوبيدي غنية‬

‫وتوضيح وجهة نظره» (شعبان‪2004 ،‬م‪ ،‬ص‪ .)277‬فاملكان هو الذي يجعل املتلقي‬
‫يندمج مع أحداث الرواية ويتفاعل معها‪.‬‬
‫ّ‬
‫ويتجلى ّ‬
‫التجريب على مستوى املكان في رواية " البيت األندلس ي" من خالل‬
‫ّ ّ‬
‫التخلي عنه‪ .‬فاملكان يحمل‬ ‫إشراكه كعنصر أساس ي بل ورئيس ي ال تستطيع الرواية‬
‫وفنية‪...‬الخ‪ ،‬فواسيني االعرج زاوج بين املكان والواقع‬ ‫تجارب تاريخية واجتماعية‪ّ ،‬‬
‫ّ ّ‬
‫مما شكل أدبا حقيقيا‪ ،‬وعبر عنصر املكان تجاوز الواقع من خالل تجسيد الحياة‬
‫حد ذاتها وبكل ما تحمله من أبعاد تاريخية واجتماعية‪...‬الخ‪.‬‬ ‫في ّ‬
‫ّ‬ ‫الش ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫إن ّ‬ ‫ّ‬
‫الروائية‬ ‫خصية‬ ‫التجريب عند واسيني االعرج جعل املكان محل‬
‫واستغنى عن الشخصيات بالوصف الحيادي للمكان الذي جعله في املرتبة األولى‬
‫عكس الرواية التقليدية التي جعلت املكان في املرتبة الثانية‪.‬‬
‫املكان في هذه الرواية يحمل أبعادا تاريخية ودينية ونفسية‪...‬الخ‪ ،‬لتصبح له‬
‫السيادة باعتبار ّ‬
‫أن الروائي ينطلق منه‪.‬‬
‫ّ‬
‫املكان عنصر فني اختاره واسيني األعرج بوعيه‪ ،‬فال يمكن القول بأنه عبارة‬
‫عن مكان وفقط‪ ،‬بل هو ضروري لحيوية الرواية‪ ،‬فال ُب ّد أن يكون لكل حدث مكان‬
‫خاص يقع فيه‪ ،‬ونجد واسيني قد اختار أماكن حقيقية في روايته‪ ،‬ومن بين األمكنة‬
‫التي اختارها الروائي بعناية نذكر‪:‬‬
‫أ‪-‬البيت األندلس ي وهو الفضاء الذي تنطلق منه األحداث وتدور حوله‪ ،‬وقد‬
‫ّ‬
‫اختاره واسيني األعرج كعنوان رئيس ي لهذه الرواية‪ ،‬يمثل مفتاحها ومسرح األحداث‬
‫والحب‪ .‬يعيش فيه غاليلو مع ّ‬ ‫ّ‬
‫حنا‬ ‫ّ‬ ‫فيها‪ُ ،‬ويمثل رمزا للمعاناة بعد أن كان رمزا للحياة‬
‫سلطانة‪ ،‬ورثه األحفاد بعد وفاته‪.‬‬
‫«البيت األندلس ي كان في صلب الطريق الجديد‪( »...‬األعرج‪2010 ،‬م‪ ،‬ص ‪)23‬‬
‫«من ساعة ما سكنا هذا البيت وأنا مذعورة‪( »...‬األعرج‪2010 ،‬م‪ ،‬ص ‪)45‬‬

‫‪53‬‬
‫مظاهر التجريب والحداثة في الرواية الجزائرية‬

‫«كانوا يستعدون لزيارة البيت األندلس ي مع معلمتهم‪( »...‬األعرج‪2010 ،‬م‪ ،‬ص ‪)57‬‬
‫ّ‬
‫ب‪-‬األندلس رمز للسقوط والهزيمة‪ ،‬وهو بلد إسالمي يمثل الحضارة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬تعرض للسقوط والضياع من أيدي املسلمين‪ ،‬وفي هذا املكان كان‬
‫الظلم واملعاناة يمارسان في ّ‬
‫حق املورسكيين‪.‬‬
‫تحول اسم هذا البلد إلى اسبانيا‬ ‫وبعد سقوط األندلس من أيدي املسلمين ّ‬
‫ضد املورسكيين‪.‬‬‫التي صار حكامها يمارسون أنواع التعذيب ّ‬
‫«اندس القسم األكبر من املسلمين في املدينة وما حولها‪ ،‬عدا جموع املدجنين في‬
‫بلنسية في شرقي األندلس‪ ،‬وفي سرقسطة في شمالها‪( »...‬األعرج‪2010 ،‬م‪ ،‬ص ‪)78‬‬
‫«شيئا فشيئا تراخت قبضة النظام األندلس ي على جنوب األندلس» (األعرج‪،‬‬
‫‪2010‬م‪ ،‬ص ‪)82‬‬
‫ّ‬
‫فاألندلس كانت رمزا للمعاناة والظلم والحرب التي كانت ضد املسلمين‬
‫واملسيحيين‪.‬‬
‫أن الروائي جعلها رمزا للتعذيب‬ ‫مقدس إال ّ‬ ‫ج‪-‬الكنيسة تعتبر الكنيسة مكان ّ‬
‫واملعاناة‪ ،‬حيث كانت تمارس العنف على الشعب األندلس ي‪ ،‬وتحارب املورسكيين‬
‫وتقتلهم‪.‬‬
‫ّ‬
‫«مازالت تحت سطوة كنيسة املوت التي عذبت فيها‪( »...‬األعرج‪2010 ،‬م‪ ،‬ص ‪)66‬‬
‫«كان الكثير من السجناء يئنون في الزوايا الخلفية من الطابق األرض ي للكنيسة‪»...‬‬
‫(األعرج‪2010 ،‬م‪ ،‬ص ‪)69‬‬
‫ّ‬
‫تدريجيا‬ ‫والرأس واليدين‬ ‫الصدر ّ‬ ‫ثم عظام ّ‬ ‫«كانوا يبدؤون بسحق عظام األرجل‪ّ ،‬‬
‫هش َم الجسم‪( »...‬األعرج‪2010 ،‬م‪ ،‬ص ‪)69‬‬ ‫حتى ُي َّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬ ‫لقد كان للمكان في رواية " البيت األندلس ي" حضورا ّ‬
‫قويا‪ّ .‬‬
‫صوره الكاتب بدقة‬
‫عالية وأعطاه قيمة كبيرة‪ ،‬جعلت القارئ يندمج في فضاء الرواية‪ ،‬ويعيش أحداثها‪،‬‬
‫والر ّ‬ ‫ّ‬
‫التاريخية ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ ّ ّ‬
‫مزية‪ ،‬التي لها‬ ‫خاصة حيالها‪ .‬حيث استعمل األماكن‬ ‫حس بلذة‬ ‫وي‬
‫‪54‬‬
‫بوبيدي غنية‬
‫عالقة بالحضارة‪ ،‬والتراث‪ ،‬وبذلك فقد نجح واسيني األعرج إلى ّ‬
‫حد كبير في تجريبه‬
‫لعنصر املكان وبطريقة جديدة ومختلفة عن السابق‪.‬‬
‫‪ 3.4‬على مستوى الشخصيات‬
‫الروائي‪ّ ،‬‬
‫ويعرفها الدكتور‬ ‫الر ّ‬
‫وائية هي عماد من أعمدة البناء ّ‬ ‫ّ‬
‫الشخصية ّ‬ ‫ّ‬
‫إن‬
‫بأنها «هي التي تكون واسطة العقد بين جميع املشكالت األخرى‪،‬‬ ‫عبد املالك مرتاض ّ‬
‫ُ‬
‫حيث ّأنها هي التي تصطنع اللغة‪ ،‬وهي التي تثبت أو تستقبل الحوار‪ ،‬وهي التي تنجز‬
‫الحدث‪ ،‬والتي تنهض بدور تقديم ّ‬
‫الصراع‪...‬وهي التي تعمر املكان وهي التي تتفاعل‬
‫مع الزمن فتمنحه معنى جديد» (مرتاض‪1989 ،‬م‪ ،‬ص ‪.)91‬‬
‫وبالنسبة ّ‬ ‫ّ‬
‫للتجريب على مستوى الشخصيات عند واسيني األعرج‪ ،‬جعله‬
‫شخصياته وأبعادها‪ ،‬فهي مستوحاة من صميم الواقع ومالبساته‬ ‫ّ‬ ‫ينجح في تصوير‬
‫ّ‬ ‫خصية ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫التي يعيشها الكاتب‪ ،‬فحين ركز على الواقع‪ ،‬أكسب الش ّ‬
‫وفاعليتها‬ ‫حيويتها‬
‫في البناء الروائي‪.‬‬
‫ّ‬
‫تتعدد الش ّ‬ ‫ّ‬
‫خصيات وتختلف أبعادها وداللتها في رواية البيت األندلس ي‪،‬‬
‫الر ّ‬ ‫خصيات ّ‬ ‫والش ّ‬‫ّ‬
‫ئيسية هي‪:‬‬
‫هجروا‬‫‪-1‬غاليلو الروخو هو سيد أحمد بن خليل‪ ،‬أحد املورسكيين الذين ّ‬
‫متجها نحو فراغ جديد اسمه‬ ‫عنوة إلى الجزائر «نتيجة لذلك أركب سفينة ثقيلة‪ّ ...‬‬
‫وهران» (األعرج‪2010 ،‬م‪ ،‬ص ‪.)92‬‬
‫‪-2‬مراد باسطا هو من أحفاد غاليلو الروخو‪ ،‬وآخر نسل لساللة املورسكيين‬
‫السر بعد أن اندثر‬‫ّ‬ ‫املقيمين بالجزائر «كنت آخر من عرف العالمة‪ .‬وحفظ‬
‫الجميع» (األعرج‪2010 ،‬م‪ ،‬ص ‪ ،)31‬ألقى على عاتقه الحفاظ على البيت األندلس ي‬
‫واملخطوطة التي تحمل تاريخ أجداده املورسكيين وأمجادهم‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫مظاهر التجريب والحداثة في الرواية الجزائرية‬

‫‪-3‬ماسيكا هي شخصية بارزة في الرواية‪ ،‬وسارده أيضا ينادونها سيكا‪ ،‬وهي‬


‫من أصول موريسكية‪« :‬أنا ‪...‬سيكا بنت السبنيولية كما سماني أصدقائي ‪ ...‬الن‬
‫أصولنا موريسكية» (األعرج‪2010 ،‬م‪ ،‬ص ‪.)07‬‬

‫كانت ما سيكا تعرف البيت األندلس ي جيدا وتعرف بأمر املخطوطة‪« :‬أعتقد أني‬
‫كنت الوحيدة بعد مراد باسطا وربما حفيده سليم من تعرف مكان املخطوطة‬
‫السري» (األعرج‪2010 ،‬م‪ ،‬ص ‪.)08‬‬

‫إن ما سيكا تمثل رمز املرأة املحبة التي تساند الرجل في السراء والضراء‪،‬‬
‫ورمز للمحبة والوفاء للوطن والهوية الضائعة‪.‬‬
‫لقد راهن واسيني األعرج على تجريب تقنية تكثيف الشخصيات‪ ،‬حامال‬
‫لرسالة إنسانية وأدبية‪ ،‬وبهذا وفق الكاتب في توظيف هذه الشخصيات بطريقة‬
‫فنية من خالل هذه التقنية ليرمز بها إلى تاريخ الشعب املورسكي والوطن والهوية‬
‫الضائعة منهم‪ .‬كما نجده اهتم بالجانب الذهني والشعوري للشخصية‪ ،‬كما‬
‫اهتمت الرواية بكالم وأفكار ومشاعر وذكريات الشخصيات‪ ،‬كما تخلى عن رسم‬
‫الشخصية من الخارج وركز على الشخصية‪ ،‬وهذا بالغوص في نفسيتها‪ ،‬وهذا ما‬
‫نجده عند الحداثيين فنجد التجريب عندهم يرتكز على التفاصيل الدقيقة‬
‫والجزئيات البسيطة للشخصية حتى يوضح لنا أهميتها‪.‬‬
‫إذن نجد في الرواية الشخصيات أكثر فاعلية وإيجابية‪ ،‬فهي تتميز بالحيوية‬
‫وهذا ما يدل على التجريب في الرواية الجزائرية‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫بوبيدي غنية‬

‫‪ .4‬خاتمة‬
‫نخلص في ختام هذه الدراسة إلى أن التجريب الروائي ليس كما يظنه البعض‬
‫مجرد محاولة مراهقة أو هوس لكسر التقاليد والتمرد على جنس الرواية‪ ،‬وإنما‬
‫هو إبداع وخلق عوالم جديدة ومواضيع جديدة تكون قادرة على االستجابة‬
‫للتطورات الحاصلة في املجتمع والساحة األدبية‪.‬‬
‫ومن أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة‪:‬‬
‫ـ ـ يعد التجريب في الرواية ممارسة خالقة قوامه االختالف والتفرد‬
‫واإلبداع‪.‬‬
‫ـ ـ عمل الروائي املعاصر على تجسيد تقنيات الرواية الجديدة مختلفة عن‬
‫تقنيات الرواية التقليدية‪.‬‬
‫ـ ـ يعد الروائي واسيني األعرج من األوائل الذين أحدثوا في كتاباتهم‪ ،‬حيث‬
‫أعطى اللغة مساحة كبيرة‪ ،‬من خالل ممارسة لعالقة خاصة معها‪ ،‬والتي‬
‫جعلته يكسر أسس التقليد‪ ،‬باعتبار أن اللغة عنده أداة إغراء بامتياز‬
‫كبير‪.‬‬
‫ـ ـ استعمل الروائي واسيني األعرج عنوان رئيس ي بسيط تندرج تحته عناوين‬
‫فرعية‪ ،‬هي بمثابة هوية للنص وتعطي القارئ انطباعا وملحة ملا يحتويه‬
‫النص‪.‬‬
‫ـ ـ تتجلى مظاهر التجريب في رواية البيت األندلس ي لواسيني األعرج من‬
‫خالل مجموعة من املستويات تتمثل في‪ :‬مستوى العنوان‪ ،‬مستوى‬
‫املوضوع وااليديولوجيا‪ ،‬مستوى املكان ومستوى الشخصيات الروائية‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫مظاهر التجريب والحداثة في الرواية الجزائرية‬

‫‪ .5‬قائمة املراجع‬
‫‪ .1‬األعرج‪ ،‬واسيني‪2010( .‬م)‪ .‬البيت األندلس ي (ط‪ .)1‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ :‬منشورات‬
‫الجمل‪.‬‬
‫‪ .2‬التريكي‪ ،‬فتحي‪ ،‬والتريكي‪ ،‬رشيدة‪1992( .‬م)‪ .‬فلسفة الحداثة‪ .‬بيروت‪ ،‬لبنان‪:‬‬
‫مركز االنتماء القومي‪.‬‬
‫‪ .3‬الرماني‪ ،‬فراس‪2012( .‬م)‪ .‬حلقات التجريب في املسرح‪( .‬ط‪ .)1‬عمان‪ ،‬األردن‪:‬‬
‫دار حامد للنشر والتوزيع‪.‬‬
‫‪ .4‬بلقزيز‪ ،‬عبد اإلله‪2001( .‬م)‪ .‬من النهضة إلى الحداثة‪( .‬ط‪ .)2‬لبنان‪ :‬بيت‬
‫النهضة‪.‬‬
‫‪ .5‬بن جمعة‪ ،‬بوشوشة‪2003( .‬م)‪ .‬التجريب وارتحاالت السرد الروائي املغاربي‪.‬‬
‫(ط‪ .)1‬تونس‪ :‬املغاربة للنشر‪.‬‬
‫‪ .6‬بوطاجين‪ ،‬السعيد‪2001( .‬م)‪ .‬الرواية غدا‪ ،‬امللتقى الرابع لعبد الحميد بن‬
‫هدوقة‪( .‬ط‪ .)1‬برج بوعريريج‪ :‬دار هومة للنشر والتوزيع‪.‬‬
‫‪ .7‬شعبان‪ ،‬هيام‪2004( .‬م)‪ .‬السرد الروائي في أعمال إبراهيم نصر هللا‪ .‬األردن"‪:‬‬
‫دار الكندي للنشر والتوزيع‪.‬‬
‫‪ .8‬ضرغام‪ ،‬عادل‪2010( .‬م)‪ .‬في السرد الروائي‪( .‬ط‪ .)1‬الجزائر‪ :‬منشورات‬
‫االختالف‪.‬‬
‫‪ .9‬ضويو‪ ،‬عبد العزيز‪2014( .‬م)‪ .‬التجريب في الرواية العربية املعاصرة‪ ،‬دراسة‬
‫تحليلية لنصوص روائية حديثة‪( .‬ط‪ .)1‬إربد‪ ،‬األردن‪ :‬عالم الكتب الحديث‪.‬‬
‫‪ .10‬مداس‪ ،‬أحمد‪2007( .‬م)‪ .‬لسانيات النص نحو منهج لتحليل الخطاب الشعري‪.‬‬
‫(ط‪ .)1‬إربد‪ ،‬األردن‪ :‬عالم الكتب الحديث‪.‬‬
‫‪ .11‬مرتاض‪ ،‬عبد املالك‪1989( .‬م)‪ .‬في نظرية الرواية –بحث في تقنيات السرد‪.-‬‬
‫بيروت‪ ،‬لبنان‪ :‬عالم املعرفة‪.‬‬

‫‪58‬‬

You might also like