You are on page 1of 140

‫الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية‬

‫وزارة التعليم العالي والبحث العلمي‬


‫جامعة العربي بن مهيدي ‪ -‬أم البواقي –‬

‫كلية‪ :‬اآلداب واللغات‬


‫قسم‪ :‬اللغة واألدب العربي‬

‫التخييل التاريخي في رواية اليوم الموعود لنجيب‬


‫الكيالني‬

‫مذكرة مكملة لنيل شهادة الماستر‬


‫تخصص‪ :‬أدب حديث ومعاصر‬
‫األستاذ المشرف‪:‬‬ ‫إعدادالطالبتين‪:‬‬

‫د‪ .‬أنيسة بن جاب هللا‬ ‫‪ .‬صبرينة ألبوش‬


‫‪ .‬آمنة تاجر‬
‫أعضاء لجنة المناقشة‪:‬‬
‫رئيسا‬ ‫أستاذ محاضر ‪-‬ب‪-‬‬ ‫د‪ .‬سميرة بارودي‬
‫مشرفا‬ ‫أستاذ محاضر ‪-‬ب‪-‬‬ ‫د‪.‬أنيسة بن جاب هللا‬
‫مناقشا‬ ‫أستاذ محاضر‬ ‫مازية حاج علي‬

‫‪ 2022/2021‬م‬
‫دخْلني ُم ْدخَلَ ص ْدق َوأَ ْخر ْجني‬
‫" َوقُل َّرب أَ ْ‬
‫نك ُسْلطَانً ا‬
‫د َ‬‫اج َعل لي من لَّ ُ‬
‫ُم ْخ َر َج ص ْدق َو ْ‬
‫يرا"‬
‫نَّص ً‬

‫من سورة ا إ‬
‫لسراء‪ ،‬ا إ‬
‫لية ‪80‬‬
‫شكر وعرف ان‬

‫عمال بقوله صلى هللا عليه وسلم‪ " :‬من ال يشكر الناس لم يشكر هللا "‬

‫فالحمد هلل الذي وفقنا إلتمام هذا العمل المتواضع‪...‬‬

‫اعترافا بالفضل وتقدي ار للجميل ال يسعنا إالّ أن نتوجه بجزيل الشكر واالمتنان وأسمى‬

‫عبارات االحترام والتقدير ألستاذتنا الفاضلة الدكتورة "بن جاب هللا أنيسة" فلوالها لم يكن‬

‫لبحثنا هذا ليرى بصيص النور‪ ،‬وتفضلت مشكورة باإلشراف على هذه المذكرة ومنحنا كل‬

‫العون والمساعدة‪ ،‬حيث كانت لتوجيهاتها السديدة ومالحظاتها القيمة األثر األكبر في‬

‫إتمام البحث على أن يظهر بهذه الصورة‪ ،‬فلها منا خالص الدعاء وأن يبارك لها في‬

‫عمل ها وخلقها وأن يجعلها ذخ ار للعلم والمعرفة‪ ،‬جزاها هللا عنا خير الجزاء‪....‬‬

‫كما نتقدم بجزيل الشكر إلى جميع أساتذة قسم اللغة واألدب العربي "‪...‬‬

‫والى كل من بذل معنا مجهودا ووفر لنا وقتا أو نصح لنا قوال‪ ،‬نسأل هللا أن يجزيهم عنا‬

‫خير الجزاء وأن تكون هذه المذكرة مرجعا ُيستفاد منه‪.‬‬


‫إهداء‬

‫إلى روح جدي الطاهرة رحمة الله علية‪.‬‬


‫ي‬‫ح‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫ل‬ ‫ح‬‫ل‬ ‫إ‬
‫إلى جدتى الغالية و ة و ا ى ة‪.‬‬
‫ي‬‫ي‬ ‫ت‬ ‫خ‬ ‫ن‬ ‫ن‬

‫إلى الغائلة الكريمة خاصة خالى الأصغر خلال‪.‬‬

‫إلى صديقتى صب نرية واجتى وسام وجديحة‪.‬‬


‫ي‬ ‫ي‬‫ك‬‫م‬
‫إلى كل من ساعدتى فى كتانة هدة إلمدكرة ( ية الأد ب‬

‫الغ ترى) الأح دودو و ميدو‬


‫آمنة تاجر‬
‫إهداء‬

‫اهدي هدا العمل إلى‬


‫م‬ ‫إل‬
‫اعظم سيدة فى الوجود والتى قال فيها إلحييب ط ىف‬
‫ص‬

‫"إلحية يحب افدام الأمهات"‬

‫إلى ننع إلحتان وقرة عيتى‬

‫والدتى الغ يررة (استان عائشة)‬


‫ج‬ ‫ي‬ ‫ع‬ ‫ل‬ ‫ج‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ل م يع خ ع‬
‫ص‬
‫إ ى ن ب لأ ل و ى انة لأ و ود ب و ود الأرادة‬

‫إلى الدي ررع نداخلى جب اليجاح والدي الغ يرر (النوش معمر)‬

‫إلى صعب ترى إلمدلله اجتى (اليش صونتا)‬

‫ألبوش صبرينة‬
‫مقدمــــــة‬
‫مقدمة‬

‫مقدمة‬
‫تعتبر الرواية فن الحياة لكونها إبداعا تخييليا‪ ،‬تعالج موضوعا معينا تتمحور فيه أحداث‬
‫متنوعة ومختلفة مثال‪ :‬أحداث اجتماعية‪ ،‬اقتصادية‪ ،‬ثقافية وتاريخية‪ ،‬فالرواية أصبحت شاملة‬
‫لجميع المواضيع‪ ،‬ليست الخيالية فقط بل حتى الواقعية مثال‪ :‬روايات السير ذاتية والرواية‬
‫التاريخية هذه األخيرة التي تأخذ من التاريخ مادتها الحكائية بالدرجة األولى‪ ،‬فصلة التاريخ‬
‫بالرواية هي متبادلة فالرواية تأخذ من التاريخ األحداث والوقائع الحقيقية وتضيف عليها الخيال‬
‫لكي يكون عمال ممزوجا ما بين التاريخي والتخييلي‪ ،‬يمكن أن نختصره في كلمتين هما ‪:‬‬
‫التخييل التاريخي‪.‬‬

‫ركزنا في دراستنا على التخييل التاريخي في الرواية لما له من أهمية في الساحة األدبية‬
‫من قبل الكتاب عامة والروائيين خاصة‪ ،‬فالرواية هي جنس روائي قادرة على اختراق واكتشاف‬
‫الوجود فنيا من خالل تخييل الظروف التاريخية ولذا وقد جاء عنوان بحثنا في هذا الموضوع‬
‫ب‪:‬‬

‫التخييل التاريخي في رواية اليوم الموعود لـ "نجيب الكيالني"‪.‬‬

‫يهدف بحثنا إلى اكتشاف العالقة بين الرواية والتاريخ وكيف استطاع الكاتب أن يمزج‬
‫بين التخيلي والتاريخي في الرواية؟‬

‫ويرجع اهتمامنا بهذا الموضوع إلى رغبتنا في تقديم دراسة تطبيقية تتمركز حول التاريخ‬
‫والتخييل‪ ،‬إضافة إلى انصراف الروائيين لهذه المواضيع المهمة حيث يكون الروائي بصدد خلق‬
‫عالم جديد بشخصياته وأمكنته وأزمنته‪ ،‬ويصبح التاريخ حاف از لكتابة جديدة متميزة‪.‬‬

‫وأهم إشكاليات هذا البحث نوجزها فيما يلي‪:‬‬

‫ماهي عالقة الرواية بالتاريخ؟ وكيف استطاع الكاتب أن يمزج بين التاريخي والتخييلي؟ وهل‬
‫وفق الروائي نجيب الكيالني في دمجه لهذه الثنائيتين هما التاريخ والتخييل؟‬
‫أ‬
‫مقدمة‬
‫وكيف جمع نجيب الكيالني بين الوقائع التاريخية والكتابة الروائية المفعمة باالحداث المتخيلة‬
‫؟وماهي الفترة التاريخية التي تستغلها نجيب الكيالني في روايته اليوم الموعود؟ وكيف صورت‬
‫هذه الرواية الشخصيات والزمان والمكان بعد ان استعارتها من الواقع التاريخي؟‬

‫ولإلجابة عن هذه األسئلة استثمرنا بعض آليات تحليل الخطاب الروائي‪ ،‬وقسمنا بحثنا‬
‫إلى مقدمة ومدخل وفصلين وخاتمة‪.‬‬

‫تناولنا في المدخل‪ :‬مفاهيم عامة حول الرواية التاريخية والخيال والتخييل والمتخيل‬
‫وأخي ار المتخيل السردي‪ ،‬أما الفصل األول فهو نظري تطبيقي موسوما بـ‪ :‬الزمان والمكان في‬
‫رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني" تناولنا فيه مفهوم الزمن وتقنياته إضافة إلى البنية الزمنية‬
‫المتخيلة في الرواية ‪ ،‬والزمن التاريخي والتخييلي في رواية "اليوم الموعود"‪ ،‬وكذلك مفهوم‬
‫المكان وأنواعه وأيضا المكان وأنواعه ومرجعياته في رواية" اليوم الموعود" لنجيب الكيالني أما‬
‫بالنسبة إلى الفصل الثاني جاء موسوما بـ‪ :‬الشخصية المتخيلة والتاريخية في رواية اليوم‬
‫الموعود" لنجيب الكيالني" تناولنا فيه مفهوم الشخصية وأبعادها وأنواعها‪ .‬وكذلك الشخصية‬
‫وأبعادها وأنواعها في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني" وأخي ار الشخصيات الواقعية‬
‫والتخييلية في رواية "اليوم الموعود"‪.‬‬

‫وقد استفاد بحثنا من مناهج البحث المهمة مثل المنهج التاريخي الذي بحثنا من خالله‬
‫في خلفيات الرواية التاريخية من زمان ومكان وشخصيات االحداث التاريخية الواقعية التي‬
‫استقت منها الرواية مادتها ‪.‬وكان لألليتي الوصف والتحليل الدور المهم في تحليل معطيات‬
‫الرواية كما كان المنهج البنيوي حاظ ار في فرز عناصر الرواية من حيث بنيتها السردية ‪ ,‬زمان‬
‫ومكان وشخصيات‬

‫وقد اعتمدنا في بحثنا على مجموعة من المصادر والمراجع نذكر منها‪ :‬كتاب نضال‬
‫الشمالي‪ ،‬ا لرواية والتاريخ‪ ،‬بحث في مستويات الخطاب في الرواية التاريخية وأهم مصدر في‬

‫ب‬
‫مقدمة‬
‫هذا البحث هو‪ :‬نجيب الكيالني‪ ،‬اليوم الموعود‪ ،‬فيليب هامون ‪ ,‬سيميولوجيا الشخصيات الرواية‬
‫وغيرها من المصادر والمراجع األخرى‪.‬‬

‫واجهتنا صعوبات في انجاز هذا البحث نذكر منها ظيق الوقت الذي حرمنا من التوسع‬
‫االطالع على قدر اوفر من المادة العلمية ‪.‬‬

‫واليسعنى في هذا المقام اال ان نتوجه بجزيل الشكر لألستاذة المشرفة على بحثنا الدكتورة‪:‬‬

‫"أنيسة بن جاب هللا" مع أجمل التماني بالصحة والعافية والتوفيق‪.‬‬

‫ج‬
‫مدخل‪ :‬مفاهيم‬
‫عامة‬
‫مفاهيم عامة‬ ‫مدخل ‪:‬‬

‫طالما استفادت الرواية كاثر فني سردي من الواقع الذي يحيط بالكاتب‬
‫‪.‬حيث يستمد خذا األخير مما يعايشه من ظروف تاريخية واجتماعية‬
‫واقتصادية ‪....‬‬
‫فالرواية جنس ادبي يتنوع من حيث تقنيات الكتابة كما يتنوع من حيث المضمون او‬
‫المادة التي ركز عليها الكاتب اثناء نسجه لخيوط احداثها والرواية التاريخية من‬
‫األنواع الروائية الشائعة الحديثة ‪.‬‬

‫‪ .1‬نشأة الرواية التاريخية‬


‫يختلف ميالد الرواية التاريخية من بيئة إلى بيئة أخرى‪ ،‬حيث كان ظهورها‬
‫وازدهارها في الغرب أثر كبير على تطورها وبروزها في األدب العربي الحديث في‬
‫النصف الثاني من القرن التاسع عشر‪ ،‬ومطلع القرن العشرين‪.‬‬

‫أ‪ .‬عند الغرب‪:‬‬

‫تنسب الرواية التاريخية الحديثة في الغالب للكاتب األمريكي ستيفن كرين‬


‫(‪ )Stephan Grane‬صاحب رواية "شارة الشجاعة الحمراء"‪ ،‬إال أن ظهورها بشكلها‬
‫المتكامل بدأ لدى بعض النقاد الغربيين على يد كتاب من أمثال ولتر سكوت (‪-1771‬‬
‫‪ )1832‬في روايته "ويفرلي" (‪ ،)1814‬وهو ما يرخصه كتاب آخرون يرون أن الرواية‬
‫التاريخية الغربية بدأت على يد الكاتب الروسي "نيو تولستوي" (‪ )1910-1828‬ولم‬
‫يعرفها العالم قبل كتابته لروايته الشهيرة "الحرب والسالم" (‪ ،)1869-1865‬فقد جاءت‬
‫هذه الرواية لتفصح عن معرفة واسعة يتمتع بها الروائي عن تاريخ األسرتين اللتين‬
‫تناولت الرواية تاريخهما‪ ،‬وعن غزو نابليون لروسيا‪ ،‬وعن ما يمتلكه من تجارب‪ ،‬وقوة‬
‫الخيال‪ ،‬فتمكن من خاللها أن ينتج رواية فنية تاريخية عظيمة‪ ،‬واآلن تعيش الرواية‬

‫‪5‬‬
‫مفاهيم عامة‬ ‫مدخل ‪:‬‬

‫التاريخية عص ار ذهبيا عند الغرب كما يظهر ذلك على أيدي كتاب معاصرين من‬
‫‪1‬‬
‫أمثال خوسيه سارماجو وماركيز وماريو فاراجاس ومارجريت أتوود‪...‬‬

‫ب‪ .‬عند العرب‪:‬‬

‫أما على الصعيد العربي فللحديث مساره الخاص‪ ،‬إذ نشأت الرواية العربية عند‬
‫انطالقتها األولى في مهد التاريخ‪ ،‬وترصد ذلك عند كتاب مثل سليم البستاني في روايته‬
‫"زنوبيا" (‪ )1871‬وجورجي زيدان (‪ )1914-1861‬الذي غدى هذا اللون األدبي‬
‫سلسلة من الحكايات التاريخية اإلسالمية حق أن بعضهم يصفه برائد هذا الفن النثري‬
‫يميل إلى كتابة التاريخ العربي والحضارة اإلسالمية‪ ،‬مجاريا في‬ ‫‪2‬‬
‫في أدبنا العربي‪.‬‬
‫ذلك هذا الميل الثقافي العام الذي غلب على تلك الفترة‪ ،‬وجذبها إلى االعتزاز بالماضي‬
‫والعمل على كشف الغطاء عنه‪ ،‬وقدر رأى جورجي زيدان أن كتب التاريخ تتجه إلى‬
‫ا لمثقفين وحدهم‪ ،‬إن لم تقتصر على المتخصصين في التاريخ والمشتغلين بالحضارة‪،‬‬
‫فأراد أن يكسب للتاريخ أكبر عدد من القراء العاديين‪ ،‬فاختار له شكل الرواية التي‬
‫‪3‬‬
‫تيسر قراءته وتجذب القراء إليه‪.‬‬

‫وهكذا قدم سلسلة من الروايات التاريخية التي تضم في ثنايا البناء القصصي‬
‫أطراف التاريخ اإلسالمي في المشرق والمغرب‪ ،‬فقدم "الفتاة غسان" لعرض األحداث‬
‫التاريخية التي صاحبت الغزوات اإلسالمية األولى‪ ،‬والتي شاهدت ظهور اإلسالم‬
‫وانتشاره في بالد العرب والشام والعراق‪ ،‬وقدم "أرمانوسة المصرية" لعرض األحداث‬
‫التاريخية التي صاحبت فتح العرب بمصر‪ ،‬وكتب "عذراء قريش" و"غادة كربالء"‬

‫‪1‬‬
‫نضال الشمالي‪ ،‬الرواية والتاريخ‪ ،‬بحث في مستويات الخطاب في الرواية التاريخية‪ ،2006 ،‬عالم الكتب الحديث‪،‬‬
‫إربد‪ -‬األردن‪ ،‬ص‪.120-119 :‬‬
‫‪2‬‬
‫نضال الشمالي‪ ،‬الرواية والتاريخ‪ ،‬ص‪.120 :‬‬
‫أحمد هيكل‪ ،‬تطور األدب الحديث في مصر‪ ،‬من زوائل القرن التاسع عشر إلى قيام الحرب الكبرى الثانية‪ ،‬ط‪،6‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ ،1994‬دار المعارف‪ ،‬ص‪.194-193 :‬‬

‫‪6‬‬
‫مفاهيم عامة‬ ‫مدخل ‪:‬‬

‫و"الحجاج بن يوسف" للتأريخ والوقائع التي حدثت خالل الصراع السياسي‪ ،‬منذ أواخر‬
‫عهد عثمان إلى سيطرة العهد األموي‪ ،‬وكتب "أبا مسلم الخرساني" و"العباسة" و"األميين‬
‫والمأمون ليفصل القول في أحداث قيام الدولة العباسية‪ ،‬ثم في الصراع بين الرشيد‬
‫والبرامكة‪ ،‬وأخي ار في الصراع بين العرب والفرس‪ ...‬وأخرج "فتاة القيروان" لتسجيل‬
‫أحداث الفتح اإلسالمي للمغرب‪ ،‬وأذاع "فتح األندلس" و"عبد الرحمان الناصر" ليقدم‬
‫أهم أحداث اإلسالم والمسلمين في الفردوس المفقود‪ .‬ولم يكتف جورجي زيدان بتقديم‬
‫التاريخ اإلسالم ي القديم‪ ،‬بل كان أحيانا يقطع التسلسل التاريخي ليقدم رواية ذات‬
‫أحداث حديثة‪ ،‬كما جعل في رواية "االنقالب العثماني" التي أراد أن يسجل بها سقوط‬
‫السلكان عبد الحميد‪ ،‬وكفاح األتراك من أجل الدستور‪ ،‬وهذه الرواية ‪-‬باإلضافة إلى‬
‫ثالث روايات أخرى‪ -‬تمثل حصة التاريخ الحديث من رواياته أما تلك الروايات الثالث‬
‫فهي "استبداد المماليك" و"المملوك الشارد" و"أسير المتمهدي"‪ ،‬وهي تعالج أحداث‬
‫‪1‬‬
‫عصر المماليك‪ ،‬ثم عصر محمد علي‪ ،‬ثم ثورة المهدي‪.‬‬

‫وتابعه في ذلك الجازم (‪ ،)1949-1881‬ومحمد فريد أبو حديد (‪-1893‬‬


‫‪ ) 1966‬الذي قدم "الملك الضليل" و"المهلهل سيد ريعة" و"زنوبيا ملكة تدمير"‪ ،‬ومحمد‬
‫سعيد العريان (‪ )1964-1905‬الذي اقتصر على تاريخ مصر اإلسالمي‪ ،‬وخاصة‬
‫عهد األيوبيين والمماليك في رواياته (قطر الندى) و(شجرة الحر) و(على باب زويلة)‪،‬‬
‫وعلي أحمد باكثير (‪ )1965-1910‬الذي اتجه إلى التاريخ اإلسالمي في أوطانه‬
‫المتعددة فألف (وإسالماه) و(الثائر األحمر) و(سيرة شجاع) وانطلق من المواقف التي‬
‫تحتوي على صراعات ليدير حركتها بمهارة فائقة تعكس هذه الحركة وقد عده النقاد‬
‫االمتداد المتطور لفن أدبي جديد‪ ،‬وبعد ذلك ظهرت روايات نجيب محفوظ التاريخية‬
‫التي جسدت لمحات من التاريخ الفرعوني في ثالثة من أعماله هي (عبث األقدار‬

‫‪1‬‬
‫أحمد هيكل‪ ،‬تطور األدب الحديث في مصر‪ ،‬ص‪.194 :‬‬

‫‪7‬‬
‫مفاهيم عامة‬ ‫مدخل ‪:‬‬

‫‪ )1939‬و(رادوبيس ‪ )1943‬و(كفاح طيبة ‪ ،)1944‬وقد شكلت هذه الروايات الثالث‬


‫تقدما ملحوظا في نهضة الرواية التاريخية‪ ،‬فبعد أن كانت الرواية التاريخية عند كتاب‬
‫الجيل األول إعادة كتابة للتاريخ بصورة شائعة تهدف إلى تثبيت أحداثه من خالل‬
‫تمحورها حول قصة مبتعدة تبث التشويق في أرجاء الرواية ‪-‬ونمثل لهم بجرجي زيدان‬
‫الذي كان يتحسس في أعماله شقوق التاريخ في حقبة ما فيمألها بحكاية غرامية تكون‬
‫محو ار لألحداث حتى يتجمع حولها وال تمضي إلى أبعد مما يطفو على السطوح‪-‬‬
‫أصبحت الرواية عند كتاب الرواية التاريخية يقتصر على إبداع نص تاريخي يحمل‬
‫مسمى العصر التاريخي وأداءه وصوره وعبقه فقط‪ ،‬بل تجاوز هذا األمر إلى توظيف‬
‫المادة التاريخية توظيفا فنيا بالدرجة األولى‪ ،‬وخير ما يمثل هذا الجيل الروائي المصري‬
‫‪1‬‬
‫نجيب محفوظ الذي يعد أبرز كتاب الرواية التاريخية العربية في طبعتها الثانية‪.‬‬

‫ويمكننا أن نقترح بعض التفسيرات لبروز الرواية التاريخية وطغيانها في مطلع‬


‫ظهور الرواية العربية‪ ،‬فمثال‪ :‬انبعاث الروح القومية في سياق االحتكاك مع الغرب‬
‫الطاغي من جهة وتنامي الوعي والشعور بالمظالم العثمانية من جهة أخرى‪ ،‬وعند‬
‫نجيب محفوظ نلمس التأكيد على الشخصية الوطنية المصرية وجذورها التاريخية‬
‫استجابة لحركة االستقالل وفي الجيل الثالث تحولت الرواية التاريخية تحوال حادا نحو‬
‫إقرار مزيد من األدبية للرواية التاريخية‪ ،‬ضمن أجواء ناقدة للتاريخ يتدخل فيها المؤلف‬
‫لبث وجهة نظر تلجأ إلى الماضي برؤية رغبة استقطابة استثمارية‪ ،‬إذ غدت الرواية‬
‫التاريخية عند أصحاب هذا الجيل المتأخر أدبية خالصة‪ ،‬يستثمر التاريخ فيها لعنايات‬
‫إبداعية صرفة تسهم في نقد الذات والتوجه نحو المستقبل حتى تفيد من أخطاء الماضي‪،‬‬
‫ومن أشهر رواد هذا الجيل "جمال الغيطاني" الذي تزعم هذا اللون من الرواية فكتب‬
‫"الزيتي بركات" رواية تاريخية المعة ضمن تقنيات فنية متطورة‪ ،‬يتكئ فيها على نص‬

‫‪1‬‬
‫نضال الشمالي‪ ،‬الرواية والتاريخ‪ ،‬ص‪.121-120 :‬‬

‫‪8‬‬
‫مفاهيم عامة‬ ‫مدخل ‪:‬‬

‫تاريخي مثبتا هو نص ابن إياس "بدائع الزهور"‪ ،‬ومن مبدعي هذا الجيل "ثالثية‬
‫غرناطة" فأرخت للهزيمة بواقعها المرير فكان اإلسقاط فيما كتبت حامال‪ ،‬ومن رواد‬
‫هذا الجيل أيضا "عبد الرحمان منيف" الذي كتب روايته التاريخية "أرض السواد" وفيها‬
‫‪1‬‬
‫يعيد تشكيل مجريات تاريخ العراق في الثلث األول من القرن التاسع عشر‪.‬‬

‫من خالل ما تقدم حول نشأة الرواية التاريخية عند الغرب والعرب‪ ،‬نالحظ أن‬
‫األسبقية للغرب أما العرب فقد تأثروا بها وأنتجوا أيضا روايات تاريخية رائعة حيث نجد‬
‫جورجي زيدان الذي تأثر ببعض ممن اشتهروا بالرواية التاريخية في البيئة الغربية‪،‬‬
‫تميز جورجي زيدان باستخدام عنصرين أساسيين وهما العنصر الخيالي والعنصر‬
‫التاريخي لكي ال يمل القارئ من قراءة رواياته‪.‬‬

‫‪ .2‬الرواية العربية في مصر‬


‫تؤرخ نشأة الرواية العربية العامة والمصرية خاصة‪ ،‬نشأة وتطور البورجوازيات‬
‫العربية والمصرية‪ .‬ولقد بدأت اإلرهاصات األولى لهذه البورجوازيات في بالد الشام‬
‫ومصر في القرن الثامن عشر‪ ،‬وليس في القرن التاسع عشر كما يزعم أغلب المؤرخين‬
‫والباحثين نقال عن الدراسات االستشراقية الغربية‪ ،‬أو بتعبير آخر كانت هذه اإلرهاصات‬
‫سابقة على الحملة الفرنسية على مصر وسابقة على حكم محمد علي باشا‪ ،‬ولقد بدأت‬
‫هذه اإلرهاصات ‪-‬على خالف نشأة البورجوازيات األوروبية‪ -‬في صدام مع السيطرة‬
‫العثمانية من ناحية‪ ،‬فمع بدايات التدخل الغربي الكولونيالي من ناحية أخرى‪ ،‬ولكن‬
‫سرعان ما أجهضت هذه اإلرهاصات األولى للنشأة المستقلة للبورجوازية العربية‪ ،‬وتم‬
‫‪2‬‬
‫احتواؤها وتبعيتها البنيوية للرأسمالية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص‪.122-121 :‬‬
‫محمد أمين العالم‪ ،‬أربعون عاما من النقد التطبيقي‪ ،‬البنية والداللة في القصة والرواية العربية المعاصرة‪ ،‬دار‬ ‫‪2‬‬

‫المستقبل العربي ‪ 41‬شارع بيروت‪" ،‬مصر الجديدة"‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ص‪.32 :‬‬

‫‪9‬‬
‫مفاهيم عامة‬ ‫مدخل ‪:‬‬

‫ويحاول بعض مؤرخي األدب أن يجعل من "تلخيص اإلبريز في تلخيص باريز"‬


‫لرفاعة الطهطاوي بداية للرواية المصرية العربية‪ ،‬وهذا تعسف بغير شك "فتلخيص‬
‫اإلبريز" مجرد تقرير تفصيلي لرحلة الطهطاوي إلى فرنسا وهو تقرير خال من عنصر‬
‫‪1‬‬
‫المتخيل‪ ،‬وزاخر بتسجيالت لحقائق تاريخية وقانونية وأدبية وشرعية إلى غير ذلك‪.‬‬

‫وقد تكون رواية "علم الدين" لعلي باشا مبارك أقرب إلى روح الرواية‪ ،‬رغم أنها‬
‫ال يمكن أن تعد كذلك‪ ،‬إنها رحلة كذلك ولكنها رحلة متخيلة‪ ،‬يصطحب فيها علم الدين‬
‫رجال إنجليزيا يرغب في تعليم اللغة العربية‪ ،‬والرحلة زاخرة بمقاربات تقريرية بين‬
‫األوضاع الشرقية واألوضاع الغربية‪ ،‬فضال عن معلومات تاريخية وجغرافية وهندسية‬
‫‪2‬‬
‫وطبيعية‪ ،‬وليس هناك ربط بين أجزائها‪...‬‬

‫ي عد كتاب "الساق على الساق فيما هو الفارياق" ألحمد فارس الشدياق إرهاصا‬
‫كذلك للرواية العربية‪ ،‬والكتاب تجربة لغوية فيها طرافة وخيال وخبرة حية وروح نقدية‬
‫اجتماعية قومية ولكنها تفتقد الوحدة التي تكون عمال فنيا‪...‬‬

‫على أن العمل الذي قد يكون أقرب إلى الرواية‪ ،‬وإن اتخذ شكل المقامة فهو‬
‫"حديث عيسى بن هشام" للصويلحي‪ ،‬والكتاب رحلة متخيلة كذلك‪ ،‬باشا تركي يقوم من‬
‫قبره فيلتقي بعيسى بن هشام‪ ،‬ويتحركان وسط معالم الحياة الجديدة‪ ،‬فيصطدم الباشا‬
‫باألنظمة الجديدة التشريعية والتعليمية والعادات‪ ،‬وما فيها من تناقضات وينقسم الكتاب‬
‫إلى فصول كل فصل يتعلق بقطاع من قطاعات المجتمع‪ ،‬والحق أنه كتاب نقدي‬
‫للمجتمع ودعوة تعليمية إصالحية‪ ،‬ورفض واستهجان للتقليد األعمى للغرب وهو يقترب‬
‫‪3‬‬
‫بغير شك من الخطاب الروائي‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬
‫محمد أمين العالم‪ ،‬أربعون عاما من النقد التطبيقي‪ ،‬ص ‪.33-32‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪3‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.33‬‬

‫‪10‬‬
‫مفاهيم عامة‬ ‫مدخل ‪:‬‬

‫وعلى غرار كتاب "عيسى بن هشام' وإن كان دونة تخيال وفنية‪" ،‬ليالي سطيح"‬
‫للشاعر حافظ إبراهيم‪ ،‬فالراوي في الكتاب وهو "أحد أبناء النيل" يلتقي بسطيح أحد‬
‫‪1‬‬
‫الكهنة العرب القدامى‪ ،‬ويتحرك الكتاب في شكل المقامة‪...‬‬

‫ومع نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين نجد طائفة من الروايات‬
‫العربية التي تخرج من إطار المقامة شيئا فشيئا‪ ،‬وإن ظل يغلب عليها الطابعان التعليمي‬
‫والنقدي العامان‪ ،‬ويتمثل هذا في روايات سعيد البستاني سليم البستاني ولبيبة هاشم‬
‫وزينب فواز وآخرين‪ ،‬وهي روايات يغلب عليها السرد المباشر لألحداث وتتعدد فيها‬
‫الشخصيات‪ ،‬ويدور أغلبها حول محاور ودالالت قومية‪ ،‬على أن أبرز كتابات هذه‬
‫المرحلة في الروايات التاريخية التي أخذ ينشرها جورجي زيدان ابتداء من عام ‪1889‬‬
‫في مجلة الهالل‪ ،‬وقد تكون تقليدا لروايات ألكسندر دوماس األب ووالتر سكوت‪ ،‬ولكنها‬
‫روايات تعبر عن لحظات مشرقة في تاريخنا العربي اإلسالمي‪ ...‬وإلى جانب هذه‬
‫الروايات التاريخية‪ ،‬نجذ الروايات الفلسفية التي كان يكتبها فرح أنطوان‪ ،‬مثل رواية‬
‫"الدين والعلم والمال" ويغلب عليها المناقشات الفلسفية المجردة والدعوة الفكرة‬
‫‪2‬‬
‫واالجتماعية الجهيزة إلى العقالنية والديموقراطية والعدالة مع رؤية اشتراكية طوبوية‪.‬‬

‫ولكننا في عام ‪ 1906‬نجد رواية تعد على جانب كبير من النضج النسبي هي‬
‫رواية "عذراء دنشواي" لمحمود طاهر الشين‪ ،‬وهي تعرض للصدام الدامي في دنشواي‬
‫بين اإلنجليز وقرية مصرية في أسلوب يغلفه الحوار العامي‪ ،‬وفي بناء موحد وإن‬
‫تعددت لغاته وشخصياته وأحداثه‪ ،‬كما نجد في عام ‪ 1912‬عمال روائيا ناضجا آخر‬
‫هو "األجنحة المتكسرة" لجبران خليل جبران‪ ،‬وإن غلب عليها الطابع الغنائي الذي‬
‫تسبق بغير شك مع موضوعه‪ ،‬فهو يحكي محنة سلمى التي يعرض عليها الزواج من‬

‫محمد أمين العالم‪ ،‬أربعون عاما من النقد التطبيقي‪ ،‬ص ‪.33‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.34-33‬‬

‫‪11‬‬
‫مفاهيم عامة‬ ‫مدخل ‪:‬‬

‫رجل شرير‪ ،‬ويرغم هذا الطابع الذاتي الغنائي العاطفي للرواية فهي استمرار للتعبير‬
‫‪1‬‬
‫عن االنا المتطلعة إلى االستقالل والحرية‪.‬‬

‫إضافة إلى رواية "زينب" لمحمد حسن هيكل كما ذكرنا سابقا لعلها تكون أنضج‬
‫التعابير الروائية في هذه المرحلة‪ ،‬كتبها هيكل بين (‪ )1911-1910‬ونشرها عام‬
‫‪ 1914‬وتحتها عنوان فرعي هو "مناظر وأخالق ريفية" ويوقع هيكل باسم "مصري‬
‫فالح" ونالحظ هنا أن "مصري فالح" هو تعبير عن انتماء اجتماعي‪ ،‬والرواية تعبر‬
‫عن عالم قلق يتطلع إلى تغيير وإن يكن تغيي ار إصالحيا وتبرز في الرواية الذات‬
‫الفردية‪ ،‬وتتحدد معالم الرواية‪ ،‬وهو العالم الريفي‪ ،‬خالل رؤية وسلوك هذه الذات‬
‫الفردية‪ ،‬والرواية رغم ما فيها من تدخالت من جانب المؤلف ورغم فرضه ألفكاره وآرائه‬
‫الخاصة فهي موحدة بشكل عام في بنائها وتتكون من شخصيات متناقضة متصارعة‬
‫‪2‬‬
‫إلى حد ما‪ ،‬وذات مصرية واضحة‪.‬‬

‫وتنفجر إمكانية التغيير بثورة ‪ 1919‬في مصر وهي ثورة وطنية ديموقراطية‪ ،‬تبدأ‬
‫معادية لالحتالل البريطاني وتطالب بعودة زعيمها المنفي‪ ،‬ولكن سرعان ما تتخذ أبعادا‬
‫اجتماعية ديموقراطية تتجاوز بها قيادتها نفسيا وتجهض ثورة ‪ 1919‬وال تستطيع أن‬
‫تحقق أهدافها الوطنية والديموقراطية‪ ،‬وبرغم هذا فمع العشرينات والثالثينيات من القرن‬
‫تتفجر مرحلة فكرية جديدة في الحياة األدبية المصرية‪ ،‬بل في الحياة السياسية‬
‫واالجتماعية عامة‪ ،‬لقد أجهضت ثورة ‪ 1919‬عمليا‪ ،‬ولكن شعلتها ظلت مشتعلة أدبيا‬
‫وفكريا‪ ،‬وهكذا بدأت مرحلة جديدة من األدب الروائي في مصر تعبي ار عن األنا المصرية‬
‫المجهضة الباحثة عن طريق للتحقيق واالنتصار‪ ،‬ولعل توفيق الحكيم أن يكون أبرز‬
‫المعبرين عن هذه المرحلة في رواياته الثالثة األولى وهي عودة الروح ‪ 1932‬ويوميات‬

‫محمد أمين العالم‪ ،‬أربعون عاما من النقد التطبيقي‪ ،‬ص ‪.34‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫مفاهيم عامة‬ ‫مدخل ‪:‬‬

‫نائب في األرياف ‪ 1938‬وعصفور من الشرق ‪ ،1938‬وتعبر "عودة الروح" عن بروز‬


‫اإلحساس القومي‪ ،‬وهي تصور ثورة ‪ 1919‬المصرية تصوي ار رمزيا في إطار قصة‬
‫حب أو تسابق وتطلع إلى الحب‪ ،‬وهي تعبر عن مفهوم للوحدة القومية خال من العمق‬
‫االجتماعي‪ ،‬وفي "يوميات نائب في األرياف"‪ ،‬فضح للفساد االجتماعي واإلداري‬
‫ودعوى إلى التعبير اإلصالحي في الريف خاصة‪ ،‬أما "عصفور من الشرق" فهو رفض‬
‫وإدامة لما تطلق عليه اسم مادية الغرب‪ ،‬ودعوى إلى روحانية الشرق‪ ،‬وهي امتداد‬
‫للبحث التقليدي عن خصوصية قومية‪ ،‬وبالرغم من أن الروايات الثالث مليئة بالخطب‬
‫المطولة والدعاوى واأليديولوجية اإلصالحية الجهيزة في كثير من األحيان‪ ،‬إال أن‬
‫بنيتها الفنية أكثر تطو ار من حيث رسم الشخصيات وبناء المواقف من المرحلة الروائية‬
‫‪1‬‬
‫السابقة‪.‬‬

‫وإلى جانب الحكيم نجد ثالث قيادات أدبية‪ :‬األولى يمثلها عيسى عبيد وطاهر‬
‫الشين ومحمود تيمور‪ ،‬والثانية يمثلها المازني والعقاد والثالثة يمثلها طه حسين‪ ،‬ويشكل‬
‫التيار األول مدرسة أدبية متسقة تمتد من العشرينات حتى بداية الثالثينات‪ ،‬وهي تعبر‬
‫عن جيل ثورة ‪ 1919‬المجهضة‪ ،‬فعيسى عبيد يهدي مجموعة قصصية له باسم إحسان‬
‫هاشم عام ‪ 1920‬إلى سعد زغلول زعيم الثورة قائال‪ :‬هدية صغيرة من كاتب مبتدئ‬
‫مجهول آماله عظيمة إبان تستقل بالده ويستقل معها الفن المصري‪ ،‬وفي مقدمة رواية‬
‫"ثريا" لعيسى عبيد نجد حديثا عن ضرورة "خلق أدب مصري موسوم بطايع شخصية‬
‫األمة المصرية"‪ ...‬وتتميز روايات هذا التيار بالطابع التحليلي النفسي ال بالمعنى‬
‫الفرودي وإن أخذت ت برز فيها التناقضات االجتماعية‪ ،‬ولكن مشبعة بطايع غامض‬
‫‪2‬‬
‫حاد‪ ،‬إنها أيديولوجية فئة اجتماعية صغيرة متطلعة ولكنها مقصورة‪.‬‬

‫محمد امين العالم‪ ،‬أربعون عاما من النقد التطبيقي‪ ،‬ص ‪.35-34‬‬ ‫‪1‬‬

‫محمد أمين العالم‪ ،‬أربعون عاما من النقد التطبيقي‪ ،‬ص ‪.35‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪13‬‬
‫مفاهيم عامة‬ ‫مدخل ‪:‬‬

‫ومع المازني والعقاد نجد االتجاه نفسه الذي يدعو إليه التيار األول أي الدعوى‬
‫إلى تمصير األدب‪ ،‬ففي مقدمة رواية "إبراهيم الكاتب" يرفض المازني أن يكون النسق‬
‫الغربي للرواية هو النسق الوحيد‪ ،‬ويشير بأنه سوف يخرج عليه "من قال إن الرواية إما‬
‫أن تكون على النسق الغربي أو ال تكون"‪ ،‬وإن جاءت روايته هذه تكرار للنسق نفسه‪،‬‬
‫وهي قصة حب فاشل مع ثالث فتيات مختلفات وهي قصة فشل عام‪ ،‬ورفض للحب‬
‫والمرأة ولهذا أخشى أن يكون هذا المعنى هو الذي قصده المازني بالخروج عن النسق‬
‫الغربي ورواية العقاد اليتيمة "سارة" في قصة حب فاشل كذلك أو باألحرى هي رواية‬
‫"الشك" ويغلب عليها التحليل النفسي العقلي التجريدي‪ ،‬والغريب أن العقاد الذي يبشر‬
‫في كتاباته النقدية باألدب الحي وبالتعبير الذاتي يغلب على رواياته الطابع العقالني‬
‫التجريدي وتختلف روايات المازني والعقاد عن روايات التيار األول بعدم بروز البعد‬
‫‪1‬‬
‫االجتماعي‪...‬‬

‫مع طه حسين في رواياته األربع المبكرة‪ :‬األيام‪ ،‬أديب‪ ،‬دعاء الكروان‪ ،‬شجرة‬
‫البؤس‪ ،‬تنتقل إلى بناء روائي عليه الصوت الواحد‪ ،‬والتصور الشعري واللغة الغنائية‪،‬‬
‫وإن تميز لك بروح الصراح والتطلع المتفائل رغم العقبات‪ ،‬واأليام هي ترجمة ذاتية‬
‫لطه حسين وليس أديب إال جزءا جديدا يضاف إلى أجزاء األيام‪ ،‬بل هي الجانب‬
‫الباطني أليام طه حسين‪ ،‬وإن كانت تحرص على إخفاء نسبتها إلى شخصه‪ ،‬أما دعاء‬
‫الكروا ن فهي تعبر عن صدام بين البادية والمدينة‪ ،‬صراع بين سبقين أخالقيين‪ ،‬ولكنها‬
‫في الجوهر تعبير عن التطلع وضرب المثل في المثابرة وتخطي العقبات‪ ،‬أما شجرة‬
‫البؤس‪ ...‬وهي تصور أسرة مصرية في أواخر القرن التاسع عشر تنتقل من حياة‬

‫‪1‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.36-35‬‬

‫‪14‬‬
‫مفاهيم عامة‬ ‫مدخل ‪:‬‬

‫مستقرة إلى حياة قلقة متطلعة‪ ،‬إنها تعبير من أزمة التاجر الصغير في مواجهة‬
‫‪1‬‬
‫الرأسمالي األجنبي‪ ،‬وهي في جوهرها األيديولوجي دعوة إلى الطموح وإرادة التغيير‪.‬‬

‫أما مع عادل كمال‪ ،‬فنستشعر بداية مرحلة روائية اجتماعية جديدة‪ ،‬إذ يبرز‬
‫الصراع الطبقي بصراحة‪ ...‬ومع يحيى حقي قد نجد في الظاهر صورة أخرى من‬
‫"عصفور من الشرق" لتوفيق الحكيم في "قنديل أمرها شعر"‪ ،‬ولكن يحيى حقي ال يرفض‬
‫العلم وال يقع في أكذوبة الشرق الروحاني مثل توفيق الحكيم وإنما تبرز رواياته ضرورة‬
‫مراعاة الخصوصية االجتماعية والقومية‪ ...‬ومع نجيب محفوظ نتأمل عالما اجتماعيا‬
‫متصارعا ورؤية شبه ملحمية بل درامية لألسرة المصرية في سياق تاريخها وزمنها‬
‫اإلشكالي المتصاعد‪ ...‬في البداية توقف نجيب محفوظ عن الكتابة لبضع سنوات قائال‬
‫بأن الثورة فاجأته وحققت أهداف أبطاله‪ ،‬ولهذا فهو يفكر في كتابة أدب عن البلوريتاريا‪،‬‬
‫ثم سرعان ما يعود إلى ما يشبه الكتابات التي تمتلئ بأسئلة وإجابات فلسفية تعبر عن‬
‫توفيقة وثنائية قلقة بين العلم واإليمان‪ ،‬بين االشتراكية والتصوف بين الفكر والعمل‪،‬‬
‫بين الفرد والمجتمع‪ ...‬ومع عبد الرحمان الشرقاوي في روايته "األرض" يتضح الصراع‬
‫الطبقي في الرواية العربية ويرتفع إلى مستوى جديد من الوعي والعمق‪ ،‬ولكنه يقتصر‬
‫على الريف المصري‪ ،‬شأنه في ذلك شأن رواية "الحرام" ليوسف إدريس التي تعبر عن‬
‫محنة التراحيل‪ ،‬ومع روايات فتحي غائم تتحرك في أحداث المدينة وعالقاتهم ال تتعمق‬
‫في صراعاتها الطبقية‪ ،‬وإنما تقف عند حدود النقد االجتماعي‪.‬‬

‫وإذا كانت هزيمة ‪ 1967‬قد وقفت عند الحدود العسكرية‪ ،‬فإن الثورة الساداتية‬
‫المضادة في بداية السبعينات قد حققت األهداف السياسية واالقتصادية واالجتماعية‬
‫لهذه الهزيمة العسكرية‪ ،‬ولقد كانت هذه الهزيمة في امتدادها من ‪ 1967‬حتى اليوم‬
‫مفج ار لتيارات أدبية جديدة‪ ،‬وخاصة في مجال الخطاب الروائي‪ ،‬ترفض الهزيمة‬

‫محمد أمين العالم‪ ،‬أربعون عاما من النقد التطبيقي‪ ،‬ص ‪.36‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪15‬‬
‫مفاهيم عامة‬ ‫مدخل ‪:‬‬

‫وتخضع آلياتها وتسعى لتخطيها وتجاوزها وتتمثل في أعمال أدباء جدد مثل صنع هللا‬
‫إبراهيم وعبد الحكيم قاسم ويوسف العقيد وجمال الغيطاني ومحمود دياب ويحيى الطاهر‬
‫‪1‬‬
‫وعبده جبير وغيرهم في مصر‪.‬‬

‫من خالل ما تقدم نالحظ أن الرواية العربية في مصر شهدت تحوالت وتغيرات‬
‫جذرية في الخطاب الروائي سواء من حيث البنية الفنية أو الداللية عامة‪ ،‬حيث نجد‬
‫تنوع في الروايات‪ ،‬منها الخيالية والفلسفية واالجتماعية والواقعية والتاريخية والنفسية‬
‫وغيرها فكل مرحلة تختلف بطبيعة الحال عن األخرى مثال مرحلة الحرب العالمية‬
‫الثانية وما بعدها حيث نجد أغلب الروائيون واألدباء ينقلون ما يعيشونه في تلك الفترة‬
‫وسيخطونه في كتاباتهم الروائية وما جرى من أحداث في بالدهم من حروب وثورات‬
‫وغيرها من األحداث حيث تتميز بالبعد االجتماعي والسياسي والقومي واالقتصادي‪،‬‬
‫فاختالف الكتابات الروائية لهؤالء الروائيين العرب فهي شكل نقله وقفزة نوعية جديدة‬
‫في الخطاب الروائي من حيث المضمون والشكل فكل كاتب أيديولوجيته تميزه عن‬
‫غيره وما نالحظه أيضا هو وجود عالقة وثيقة بين الخطاب الروائي وبين واقعه‬
‫التاريخي االجتماعي وداللته‪.‬‬

‫‪ .3‬أسباب اللجوء إلى الرواية التاريخية‬


‫‪ -‬إن اللجوء إلى الماضي إلنجاز رواية قد ينطلق بادئ ذي بدء من قيمة تعليمية‬
‫محددة تكشف لنا التاريخ بطريقة قصصية شائعة تختلف لدينا وعيا سياسيا واجتماعيا‬
‫بماضينا‪ ،‬إذ يمكن للرواية التاريخية أن تعمد إلى تربية األجيال القادمة "بإعادة إنتاج‬
‫المعرفة التاريخية فنيا عند تلك األجيال‪ ،‬ليس هذا فحسب‪ ،‬بل يمكن توظيف ذلك كله‬
‫في بناء المجتمع العربي‪ ،‬بإغناء ثقافته‪ ،‬وتقويم سلوكياته‪ ،‬وتصحيح اعوجاجاته‪ ،‬وتعزيز‬
‫ملكاته‪ ،‬وتقوية أدبياته ولغته وأساليب كتابات أبنائه‪ ...‬كما يمكننا أيضا تقديم شيء‬

‫محمد أمين العالم‪ ،‬أربعون عاما من النقد التطبيقي‪ ،‬ص ‪.38-37‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪16‬‬
‫مفاهيم عامة‬ ‫مدخل ‪:‬‬

‫للعالم الذي يسمع بما كان للعرب في الماضي من أدوار وتاريخ مأثور" ومن أهم األمثلة‬
‫المراعية لهذا المنطلق جورجي زيدان صاحب أول وأضخم محاولة في إلباس التاريخ‬
‫ثوبا روائيا‪ ،‬وجورجي زيدان يحاول أن يظهر بمظهر المؤرخ عندما يكتب الرواية وليس‬
‫العكس‪ ،‬إذ انتماؤه للتاريخ سابقا على والئه للرواية‪ ،‬فأثر التاريخ في أعماله مقدم على‬
‫الفن‪ ،‬حيث أنه صب التاريخ في قوالب روائية متالحقة‪" ،‬فلم يستطع السيطرة على ميله‬
‫الشديد لتعليم التاريخ وتعميم معرفته فجعل له سيطرة كبيرة على طريقته الفنية‪ ...‬ولذا‬
‫نرى أنه كثي ار ما يستطرد إلى التعليم والنصح والوعظ فيقطع سياق القصة‪ ،‬ويخضع‬
‫العمل الفني للغاية الثقافية التي كان يتوخى بلوغها في كل ما كتب‪ ،‬وقد أدى هذا إلى‬
‫إحداث ضعف عام ساد في أعماله القصصية‪ ،‬تغلب فيه الخطاب التاريخي التعليمي‬
‫‪1‬‬
‫على الخطاب الروائي الفني‪.‬‬

‫‪ -‬بعث مجد الماضي وإحياؤه مجددا في األذهان‪ ،‬وهذا المنطلق يبدأ من الماضي‬
‫ليرفد الحاضر‪ ،‬ومنطلق يسمو على األول في هدفه‪ ،‬وعندما يختار الكاتب لمعا من‬
‫تاريخ أمية ويعرضها روائيا‪ ،‬فإنما يزيد الصلة بين الماضي والحاضر وشوقا‪ ،‬فليس‬
‫صحيحا أن الروائي يعمد إلى التاريخ بدافع فني هو سهولة العثور على مادة أو موضوع‬
‫يصلح نواة لعمل روائي‪ ،‬فالرواية أوال هي شكل وجنس أدبي يتطلب شروطا ملزمة‬
‫للك اتب‪ ،‬وإذا لم يأخذ الكاتب موضوعه من التاريخ فحتما سيأخذه من ماضيه القريب‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫فمساءلة الروائي تنحصر في أدائه قبل أن تكون فيما اختاره من حكايات‪.‬‬

‫‪ -‬استعادة الذات الضائعة باكتشاف معنى االستمرار في شيء ما أو االنتماء‬


‫إلى شيء ما يبدو قد ضاع إلى األبد‪ ،‬إن اهتزاز وجد أن أي أمة وإحساسها بأن‬
‫شخصيتها االجتماعية بدأت تضمحل بسبب أو آخر بدفعها إلى فتح سجالت الماضي‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫نضال الشمالي‪ ،‬الرواية والتاريخ‪ ،‬ص ‪.135‬‬
‫‪2‬‬
‫نضال الشمالي‪ ،‬الرواية والتاريخ‪ ،‬ص ‪.136‬‬

‫‪17‬‬
‫مفاهيم عامة‬ ‫مدخل ‪:‬‬

‫إليجاد حل لمأزقها ورفع لمعنوياتها والبحث عن مخرج لها‪ ،‬وعلى صعيد الرواية‬
‫التاريخية العربية فإن مكانة العرب الدولية المتواضعة وهدرهم إلمكاناتهم في المآزق‬
‫الطائفي ة واإلقليمية والقطرية وسواها واإلحساس بالخيبة القومية إثر الهزائم المتكررة في‬
‫مواجهة االستعمار العربي واالستيطان الصهيوني ثم تفاقم اإلحساس بهذه الخيبة إثر‬
‫الحروب العربية واالنشقاقات الداخلية‪ ،‬أدى إلى االلتفات بجد إلى الماضي بل واالندفاع‬
‫نحوه للتذكير فيه وا لدعوة إليه‪ ،‬فتحفلنا بالذكريات وبحثنا عن القيم االعتبارية فيه‬
‫واستعرنا أبطال من زمن أفل إلى زمن مهزوم‪ ،‬كل ذلك من أجل البحث عن الذات‬
‫مجددا‪ ،‬فعمد بعض الكتاب "إلى أن تكون أعمالهم مصابيح هداية في سماء أمتهم‬
‫العربية‪ ،‬متخذين من التاريخ ستا ار تنعكس عليه أحداث األمة وواقعها المرير‪ ،‬وكل ذلك‬
‫دعوة النتشال اإلنسان العربي من وحل الكوارث العالمية والهزات المحلية التي زعزعت‬
‫كيانه وهدته ‪ ،‬فالتاريخ إذا كان وسيلة يتخذها الفنان للتعبير عن رؤية معاصرة"‪ ،‬ال‬
‫‪1‬‬
‫ينفصل عنها بل هو تابع لها يتوسلها‪.‬‬

‫‪ -‬إعادة قراءة التاريخ بهدف التقصي أو اإلتمام أو التصحيح أو االختزال‪ ،‬فالتاريخ‬


‫ال ينقل كل ما حدث بل أبرز ما حدث والتاريخ موجه أصال من قبل من يكبته‪ ،‬ألنه‬
‫يكتبه بطريقة تخدم وجهة نظره وتبرهن على صحة أرائه‪ ،‬فهو غير محايد‪ ،‬مما أوقع‬
‫التاريخ في مثالب جمة تنقص منه قد ار ال يعالج إال فإعادة القراءة كأن يعاد تناوله‬
‫روائيا‪ ،‬فالكتابة الروائية هي بمثابة قوة إضافية للتعلم الراصد المتابع‪ ،‬قوة تسمح له بأن‬
‫‪2‬‬
‫يتجاوز كثي ار من الخطوط التي وقف أمامها المؤرخ مقيدا‪.‬‬

‫إن االعتماد على الحدث التاريخي ضمن هذا المنطلق يتجاوز فكرة االتكاء على‬
‫التاريخ بوصفه موضوعا روائيا سيتم ما غفل عنه التاريخ‪" ،‬إن الرواية العربية وهي‬

‫‪1‬‬
‫نضال الشمالي‪ ،‬الرواية والتاريخ‪ ،‬ص ‪.137-136‬‬
‫‪2‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.137‬‬

‫‪18‬‬
‫مفاهيم عامة‬ ‫مدخل ‪:‬‬

‫تعيد استثمار التاريخ في إنتاجها للداللة الروائية تقدم توضيحات مختلفة في الفهم‬
‫والقصد‪ ،‬ألنها تختار كيفية محددة في القول والتركيب وإنتاج التخيل‪ ،‬وألنها تعبر أيضا‬
‫عن الحاجة إلى الرواية والحاجة ألن تكون تاريخية كذلك فالخيال هو القادر على إتمام‬
‫ما لم يذكره التاريخ بناء على معطيات التاريخ نفسه‪ ،‬يقول عبد الرحمان منيف منبها‬
‫إلى تطور نظرة الرواية للتاريخ‪" :‬وإذا كانت بطولة الفرد في مراحل معينة‪ ،‬مراحل‬
‫اإلقطاع واألرستقراطية هي محور روايات المغامرات والروايات التاريخية‪ ،‬فإن ظهور‬
‫األقل ثروة واألقل قوة بدأت بالظهور‪ ،‬تلتها بطولة الناس العاديين‪ ،‬وبعض األحيان‬
‫بطولة الكتل والجموع‪ ،‬إذ أخذت هذه تحظى باهتمام متزايد وتلبي حاجات فعلية‪ ،‬األمر‬
‫الذي جعل روايات كثيرة تهجر الموضوعات القديمة‪ ،‬لتلتفت إلى النا والمجهولين والذين‬
‫يعيشون في العت مة أو العزلة‪ ،‬وأصبحت األماكن والحيوانات واألشياء‪ ،‬مادة للبطولة‬
‫الروائية" وهنا تكون إعادة القراءة بلفت األنظار إلى أشياء في الظل‪ ،‬فالتاريخ يهتم‬
‫بالنتائج والخالصات أكثر‪ ،‬أما الرواية التاريخية فهمها الكيفيات المؤدية‪ ،‬همها أسباب‬
‫الهزيمة‪ ،‬همها لماذا العودة إلى الوراء‪ ،‬إذ "عليها أن تحدد في الماضي األسباب التي‬
‫كانت وراء ما حدث بعد ذلك‪ ،‬وأيضا رسم السيرورة التي تطورت بشكل بطيء من‬
‫خاللها أو أحدثت هذا الواقع"‪ ،‬فما عاد المهم أن يعيد سرد أحداث كبيرة‪ ،‬بل تعزيز‬
‫جانب الخيال عند الناس الذين عاشوا تلك األحداث وأن نتقصى دوافعهم وحاجاتهم‬
‫ورغباتهم لنقترب منهم أكثر‪ ،‬تلك التي أدت بهم أن يتصرفوا على ذلك النحو الجذاب‪،‬‬
‫ومن الروايات التاريخية التي انطلقت من هذا المنطلق "ثالثية غرناطة" لرضوى عاشور‬
‫‪1‬‬
‫و"الزوبعة" لزياد قاسم‪.‬‬

‫وبالتالي فإن أسباب اللجوء إلى الرواية التاريخية كثيرة ومتنوعة تختلف من روائي‬
‫إلى آخر ألن لكل كاتب رؤية خاصة وخيال واسع يميزه عن غيره فمثال جورجي زيدان‬

‫‪1‬‬
‫نضال الشمالي‪ ،‬الرواية والتاريخ‪ ،‬ص ‪.138-137‬‬

‫‪19‬‬
‫مفاهيم عامة‬ ‫مدخل ‪:‬‬

‫جعل من الرواية التاريخية أعماال فنية لها أهمية ال نظير لها في البلدان العربية‪ ،‬حيث‬
‫قدم عدة روايات تاريخية عديدة بطريقة مغايرة وبتقنيات مختلفة ومشوقة للقارئ‪ ،‬ولكي‬
‫يصبح ا لتاريخ أم ار محببا يرغب الناس بقراءته واالطالع عليه وذلك بتحويله من مادة‬
‫جافة إلى أسلوب مشوق يجذب القارئ ويلفت انتباهه‪ ،‬كما تهدف إلى إحياء الماضي‬
‫وإعادة بعض الذكريات والبطوالت المجيدة في أفكارهم بطريقة خيالية متداخلة ما بين‬
‫التاريخ والتحليل‪.‬‬

‫‪ .4‬الرواية واستلهام التاريخ‬


‫إذا كانت الرواية قائمة على حد أدنى من الوضوح المفهومي المتراوح بين اعتبارها‬
‫نصا سرديا تخيليا ينهض على بنية هرمية‪ ،‬واعتبارها جنسا خالسيا آكال لألجناس كلها‬
‫مستعصيا على التحديد واالنضباط في منظومة مفهومية واضحة‪ ،‬فإن التاريخ ظل‬
‫عرضة لضروب الفهم والتأويل مختلفة بل ومتضاربة في أحيان كثيرة‪ .‬فهل التاريخ هو‬
‫حقيقة ما وقع في الماضي أم إنه الحوادث المتضمنة في رموز تدل عليها وهو ما‬
‫يصطلح عليه بالوثائق؟ هل التاريخ مادة أولية أم إنه صناعات تنم عن المؤرخ والمتلقي‬
‫‪1‬‬
‫أكثر مما تنم عن وقائع األزمنة الخوالي وأشخاصها؟‬

‫إن هذه التساؤالت كانت في تعريف "عبد الرحمان ابن خلدون" للتاريخ إذ قال‪:‬‬
‫"فن التاريخ في ظاهره ال يزيد على إخبار عن األيام والدول والسوابق من القرون األول‪،‬‬
‫تنمق لها األقوال وتصرف فيها األمثال‪ ،‬وتطرف بها األندية إذا عصها االحتفال‪،‬‬
‫وتؤدي لنا شأن الخليقة كيف تقلبت بها األحوال‪ ،‬واتسع للدول النطاق فيها والمجال‬
‫وعمرو األرض حتى نادى بهم االرتحال وحان منهم الزوال‪ ،‬وفي باطنه نظر وتحقيق‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫محمد القاضي‪ ،‬الرواية والتاريخ‪ ،‬دراسات في التخيير المرجعي‪ ،‬ط‪ ،2008 ،1‬دار المعرفة للنشر‪ ،‬تونس‪ ،‬ص‬
‫‪.65‬‬

‫‪20‬‬
‫مفاهيم عامة‬ ‫مدخل ‪:‬‬

‫وتحليل للكائنات ومبادئها دقيق‪ ،‬وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق فهو لذلك أصيل‬
‫‪1‬‬
‫في الحكمة عريق‪ ،‬وجدير بأن يعد في علومها وخليق"‪.‬‬

‫من خالل هذا التعريف نجد أن ابن خلدون زاوج بين مفهومين للتاريخ وهما‪ :‬أن‬
‫التاريخ هو اإلخبار عن الماضي وما حدث في هذه القرون‪ ،‬أما المفهوم الثاني ربطه‬
‫بالتأمل في هذه األحداث التي وقعت في الماضي ومعرفة أسبابها وآلياتها‪.‬‬

‫وهذا التعريف يلتقي جزئيا مع تعريف "أرسطو" للتاريخ‪ ،‬إذ هو يرى أن التاريخ‬
‫(إستوريا) ‪" Historia‬هو السرد المنظم لمجموعة من الظواهر الطبيعية" وعلى هذا‬
‫النحو فإن الحديث عن التاريخ ال يمكن أن ينفصل عن الحديث المؤرخ‪ ،‬ألن التاريخ‬
‫كما يقول (عبد هللا العروي) "صناعة لمجموع حوادث الماضي إذ الماضي التاريخي‬
‫هو عالم ذهني يستنبط في كل لحظة من األثار القائمة‪ ،‬أو بعبارة أخرى موضوع‬
‫‪2‬‬
‫التاريخ هو الماضي الذي هو حاضر"‪.‬‬

‫إن هذا يقودنا إلى نتيجتين تقربان الشبه بين الرواية والتاريخ‪ :‬أولهما أن التاريخ‬
‫يلتقي مع الرواية في أن كال منهما خطاب لغوي وثانيهما أن هذين الخطابين‬
‫أيدولوجيتان ضرورة فإذا كان الروائي يمثل كونه التخيلي في ضوء قناعاته ورؤيته‬
‫‪3‬‬
‫للكون فإن المؤرخ يعرض الوقائع الماضية إلبراز القيم الراهنة‪.‬‬

‫على أن هذه المقارنة بين الرواية والتاريخ تغدو مشكلية في الرواية التاريخية التي‬
‫تثير قضايا متعددة أهمها حدود الفن والواقع‪ ،‬والجمالي والمرجعي‪ ،‬والحاضر والماضي‪،‬‬
‫لقد طالما غمط النقاد جانب اإلبداع الروائي فراحوا ينقبون عن صورة التاريخ في الرواية‬

‫‪1‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.66-65‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد القاضي‪ ،‬الرواية والتاريخ‪ ،‬ص ‪.66‬‬
‫‪3‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.67‬‬

‫‪21‬‬
‫مفاهيم عامة‬ ‫مدخل ‪:‬‬

‫ومدى أمانة الروائي في نقل التاريخ‪ ،‬متناسين خصوصية العمل الروائي الذي ال يمكن‬
‫‪1‬‬
‫اختزاله في كونه مجا از خطابيا للتاريخ أو إعادة صياغة له‪.‬‬

‫وبالتالي فالروائي البد عليه يبدع كونا خياليا روائيا يتكون من آن واحد من‬
‫عناصر متخيلة وواقعية‪.‬‬

‫‪ .5‬روائية الرواية التاريخية‬


‫تتنزل كلمة الروائية في إطار إنشائي شامل هو البحث عن الخصائص األجناسية‬
‫لآلثار باعتبارها مقوما من مقومات كينونتها وطبيعتها ومقروئيتها وحركتها في التاريخ‪.‬‬
‫وعلى غرار األدبية والشعرية صيغت كلمة الروائية للداللة على ما به بكون النص‬
‫األدبي رواية‪ ،‬واعتبرت الرواية جنسا بال قانون‪ ،‬فقد توفرت جملة من الضوابط تحددها‪،‬‬
‫إذ هي نص سردي يقوم على بنية هرمية في مستوى األحداث ويركز على شخصية‬
‫أو أكثر ويتوفر بيم مكوناته حد من االنسجام والتناغم‪ .‬فكيف يمكن أن نتبين روائية‬
‫الرواية التاريخية بصفة خاصة؟‬

‫إننا نقترح هنا ثالث محددات معتقد أنها صالحة لضبط الخصائص المميزة لهذا‬
‫‪2‬‬
‫الجنس الفرعي‪:‬‬

‫أ‪ .‬المحدد المرجعي‪:‬‬

‫إن الرواية تقوم على عقد انتمائي يجعلها منتمية إلى كون متخيل‪ .‬أما الرواية‬
‫التاريخية فهي تجمع بين التخيل والواقع التاريخي النصي‪ ،‬ومن ثم فإن اجتماع المتخيل‬
‫والواقعي فيها على أساس التعاضل ينتج كونا خياليا تضمحل فيه العالقة التقابلية‬
‫القائمة على االنعكاس وتحل محلها عالقة تواشح وتنافذ تقوم على الحوار‪ ،‬ال باعتباره‬

‫‪1‬‬
‫محمد القاضي‪ ،‬الرواية والتاريخ‪ ،‬ص ‪.67‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد القاضي‪ ،‬الرواية والتاريخ‪ ،‬ص ‪.79‬‬

‫‪22‬‬
‫مفاهيم عامة‬ ‫مدخل ‪:‬‬

‫أسلوبا من أساليب القص بل باعتباره خصصية بنائية من أبرز خصائص الرواية أطلق‬
‫عليها باختين اسم الحوارية‪ ...‬وفي سائر الروايات التاريخية نجد هذا التداخل والمناورة‬
‫والمجاورة واالستضالل والتحويل حيث يخرج كل من الواقع والتخيل عن أحديته‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫ويجتمعان في وهم المرجع‪.‬‬

‫ب‪ .‬المحدد الوظيفي‪:‬‬

‫في كل رواية تاريخية جدل بين نصين‪ :‬نص قديم تستحدثه القراءة ونص جديد‬
‫نشأ من السجال بين الحاضر والماضي واألنا والغير‪ ،‬وبهذا نجد أنفسنا أمام ضروب‬
‫من العالقات بين النص الطريف والنص التالد‪ ،‬فالرواية يمكن أن تكون خادمة للتاريخ‬
‫وهو ما نجده عند (جورجي زيدان) الذي يريد أم يعلم التاريخ بالرواية‪ ،‬ويمكن للرواية‬
‫أن تستخدم التاريخ وهو ما جسده (نجيب محفوظ) في رواياته التاريخية األولى و(البشير‬
‫عريف) في "برق الليل"‪ ،‬وكالهما يهرب الخطاب التاريخي من تاريخيته وينفخ فيه من‬
‫روح العصر إعالء لقيم حد يثة وإذكاء لجذوة الوطنية‪ ،‬كما يمكن للراوية أن تحاكي‬
‫التاريخ وهو ما نجده عند (جمال الغيطاني) في "الزيتي بركات" وهو نص يسعى إلى‬
‫‪2‬‬
‫محاكاة "بدائع الزهور" لـ(ابن إياس) إغراقا في التأمل وحثا على تحسس األجوبة‪.‬‬

‫ج‪ .‬المحدد الداللي‪:‬‬

‫إن داللة الرواية التاريخية ال تتأسس على ما يقوله نصها وحسب‪ ،‬وإنما تقوم‬
‫أيضا على ما يحيل إليه النص التاريخي الثاوي في أعطافها‪ ،‬ومن هذا التاقي تنشأ‬
‫حركة النص‪ ،‬وهو تتنزل بين المقصد األصلي للنص األول والمقصد الطارئ للنص‬
‫الثاني ومدى إدراك القارئ للش اررة المنبثقة من ذلك اللقاء‪ ،‬بهذا نفهم قول (جان مولينو)‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.80‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد القاضي‪ ،‬الرواية والتاريخ‪ ،‬ص ‪.81-80‬‬

‫‪23‬‬
‫مفاهيم عامة‬ ‫مدخل ‪:‬‬

‫"ليس المحتوى الحرفي لنص ما هو الذي يسمح لنا بتصنيفه في باب الواقع أو في‬
‫باب المتخيل وإنما هو مقصد المؤلف وقرائه أو سامعيه‪ ،‬وهو ما يمكن أن نصطلح‬
‫‪1‬‬
‫عليه بالتصنيفية الحجاجية للقصص"‪.‬‬

‫ومن خالل هذه المحددات الثالثة نرى بأن الرواية والتاريخ متداخالن فيما بينهما‬
‫ويغدو كل منهما صورة ومرآة لآلخر فالرواية تجمع بين المتخيل والواقعي‪.‬‬

‫‪ .6‬عالقة الرواية بالتاريخ‬


‫إن الحديث عن صلة الرواية بالتاريخ ال يستقسم إلى إذا انطلقنا من حدين‬
‫واضحين للرواية والتاريخ معا‪ ،‬ولكل طرف من هذين الطرفين ضروبا من القضايا‬
‫الخاصة به تعتم الرؤية وتحول دون الضبط المفهومي الذي هو شرط كل عمل علمي‪،‬‬
‫فالرواية جنس أدبي ظهر في الغرب ولكنه سرعان ما غدا جنسا كونيا‪ .‬وهذا االنتشار‬
‫األفقي بقدر ما رسخ الرواية في منظومات أجناسية متعددة جعلها متفلتة مستعصية‬
‫على الحصر فإذا هي عند (باختين) "جنس حواري آكل لألجناس كلها‪ ،‬وإذا هي عند‬
‫‪2‬‬
‫غيره جنس ال قانون له"‪.‬‬

‫وإذا كانت الرواية إبداعا تخيليا فليس معنى ذلك أن صلتها بالوقائع منعدمة‪ ،‬لذلك‬
‫اتسع صدر الرواية الحتواء أبعد األحداث والشخصيات عن مشاكلة الواقع‪ ،‬وأقربها إلى‬
‫المرجع فظهرت روايات اندكت فيها الحواجز المنطقية والواقعية بين األشياء حتى‬
‫تماهى التخيلي (‪ )fictif‬بالخيالي (‪ ،)imaginaire‬وظهرت روايات أخرى قامت على‬
‫محاكاة الوقائع سواء أكانت مرتبطة بذات المبدع في الرواية السير ذاتية أم كانت‬
‫‪3‬‬
‫مرتبطة بأحداث نسبها المؤرخون إلى الماضي كما هو الحال في الرواية التاريخية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.82-81‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد القاضي‪ ،‬الرواية والتاريخ‪ ،‬ص ‪.85‬‬
‫‪3‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.85‬‬

‫‪24‬‬
‫مفاهيم عامة‬ ‫مدخل ‪:‬‬

‫أما التاريخ فهو محل يتقاطع فيه مفهومان‪ ،‬إذ هو يعني من حجة جملة االحداث‬
‫والوقائع التي جرت أزمنة ماضية وهو يعني من جهة أخرى ذلك الخطاب الذي يصوغه‬
‫شخص معين في إحداثيات زمانية ومكانية محددة ليصف بها ما وقع من أحداث كبرى‬
‫في األزمنة ا لخوالي وإذا طرحنا المعنى األول ألن الماضي في ذاته غير موجود إال‬
‫من خالل ما وصلنا عنه‪ ،‬بدا لنا أن التاريخ يشترك مع الرواية التاريخية في كون كل‬
‫منهما خطابا وهذا الخطاب في الحالتين مرتبط بالماضي يعلن فيه المؤرخ أنه مجرد‬
‫‪1‬‬
‫ناقل موضوعي ما وقع‪ ،‬ويعلن الروائي أنه راو ألحداث جرت وإن أهملها المؤرخون‪.‬‬

‫وبالتالي فالتاريخ يقدم على أنه صياغة ألحداث جرت في الماضي وفي مكان‬
‫وزمان محددين أما الروائي فيقدم أحداثا متخيلة وتكون روايته إبداعا غير متناهي من‬
‫عالمه عالم الخيال‪.‬‬

‫‪-7‬الخيال‪:‬‬

‫أ‪-‬المعنى اللغوي‪:‬‬

‫وردت كلمة الخيال في الكثير من المعاجم العربية اللغوية كلسان العرب البن‬
‫منظور‪ ،‬ومعجم الوسيط‪...‬إضافة إلى ورودها في القرآن الكريم وذلك نظ ار ألهميتها‪،‬‬
‫ونتطرق بداية إلى المفهوم الذي ورد في معجم الوسيط‪:‬‬

‫"الخيال"‪ :‬الشخصي والطيف وما تشبه لك في اليقظة والمنام من صورة وصورة تمثال‬
‫الشيء في المرآة‪ ،‬ومن كل شيء تراه كالظل‪ ،‬خشبة ينصب عليها نساء أسود في‬

‫‪1‬‬
‫محمد القاضي‪ ،‬الرواية والتاريخ‪ ،‬ص ‪.86‬‬

‫‪25‬‬
‫مفاهيم عامة‬ ‫مدخل ‪:‬‬

‫ال***** بفزع بها الطيور‪ ،‬في مرابض الغنم يفزع منها الخشاب‪ ،‬وإحدى قوى العقل‬
‫‪1‬‬
‫التي يتخيل بها األشياء ج‪ :‬أخيلة وخيالت‪.‬‬

‫أي أن الخيال بمعنى الطيف والظل وما يتشبه لإلنسان‪ ،‬سواءا في اليقظة أو المنام‪.‬‬

‫‪-‬وفي لسان العرب‪:‬‬

‫وخْيُلول ٌة‪ :‬ظنه‬


‫وم ْخَيَل ٌة َ‬
‫وم َخاَل ُة َ‬ ‫وخِي اال َ‬
‫وخ ْي َال انا‪َ ،‬‬ ‫اال َ‬
‫وخ ا‬
‫ال َخ ْي اال َ‬
‫"(خيل)‪ :‬خال الشيء َي َخ ُ‬
‫وتخيل له‪ ،‬كما تقول‪:‬‬

‫ص َوَر‪ ،‬وتبينته فتبين‪ ،‬وتحققته فتحقق‪ ،‬والخيال الخيالة‪ :‬ما تشبه لك في‬
‫تص َوْرتَ اه َفتَ َ‬
‫َ‬
‫‪2‬‬
‫اليقظة والحلم من صورة‪".‬‬

‫أي أن كلمة الخيال مشتقة من خال‪ ،‬خيال‪ ،‬يخال‪...‬بمعنى الظن وكل ما يتشبه لإلنسان‬
‫من صور في اليقظة أو الحلم‪.‬‬

‫ب‪-‬المعنى االصطالحي‪:‬‬

‫كلمة الخيال لها عدة دالالت اصطالحية‪ ،‬وحدد لها العديد من المضامين‬
‫المفهومية‪ ،‬فنجد‪:‬‬

‫"الخيال ملكة نفسية وقوة باطنية تعيد إنتاج المعطيات اإلدراكية السابقة‪ ،‬وتسهر على‬
‫تشكيل تمثيالت خصبة مشابهة لظواهر العالم الموضوعي‪ ،‬أو مغايرة لها في بنياتها‬
‫‪3‬‬
‫وعالقاتها وطرق اشتغالها"‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫إبراهيم مصطفى وآخرون‪ :‬معجم الوسيط‪ ،******* ،‬مادة******‪ ،‬المكتبة اإلسالمية‪ ،‬إسطنبول‪ ،‬تركيا‪،‬‬
‫ط ‪ ،1972 ،4‬مج ‪ ،1‬ص ‪.266‬‬
‫‪2‬‬
‫ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪ ،‬مجلد ‪ ،05‬مادة أخيل‪ ،‬دار صابر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط ‪ ،2004 ،1‬ص ‪.193‬‬
‫‪3‬‬
‫يوسف اإلدريسي‪ :‬الخيال والتخيل في الفلسفة والنقد الحديثيين‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬ط ‪ ،2005 ،1‬ص ‪.7‬‬

‫‪26‬‬
‫مفاهيم عامة‬ ‫مدخل ‪:‬‬

‫نستخلص من هذا التعريف أن‪ :‬الخيال عبارة عن ملكة نفسية وقوة داخلية‪ ،‬هذه‬
‫القوة تعمل على إعادة إنتاج المعطيات التي أدركها العقل سابقا‪ ،‬ثم تعمل على تشكيل‬
‫تمثيالت ذهنية‪ ،‬هذه الذهنيات التي قد تكون مشابهة لظواهر العالم الموضوعي أو‬
‫مختلفة عنها‪ ،‬ويكون هذا االختالف في البنية وعالقاتها وطرق اشتغالها‪.‬‬

‫وعرف أيضا بأنه‪" :‬فالخيال يبدع نمطا جديدا من الحياة‪ ،‬وينتج للذات التطلع على‬
‫آفاق جديدة‪ ،‬في محاولة الكتساح الحصار اليومي للصور واألشياء‪ ،‬التي فقدت معناها‬
‫لكثرة تداولها"‪.1‬‬

‫أي أن الخيال يبدع ويجعل من الذات مطلعة على كل ما هو جديد‪ ،‬محاوال بذلك جرف‬
‫الحصار اليومي لألشياء‪ ،‬والصور***** المعنى نتيجة التداول الكثير لهما‪.‬‬

‫وحظي الخيال أيضا بمكانة في النقد المعاصر‪ ،‬فوظف "للداللة على القدرة‬
‫‪2‬‬
‫على الجمع بين الصور‪ ،‬وتحقيق االنسجام لبن عناصر النص األدبي"‪.‬‬

‫ومن هنا فإن للخيال القدرة على الجمع بين الصور‪ ،‬إضافة لقدرته على تحقيق التكاثف‬
‫بين عناصر النص األدبي‪ ،‬محققا بذلك اإلبداع األدبي‪.‬‬

‫‪-8‬التخيل‪:‬‬

‫أ‪-‬المفهوم اللغوي‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫عبد السالم بن ميس‪ :‬الخيال ودوره في تقدم المعرفة العلمية‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬ط ‪،1‬‬
‫‪ ،2000‬ص ‪.14‬‬
‫‪2‬‬
‫جابر العصفور‪ :‬الصورة الفنية في التراث النقدي البالغي عند العرب‪ ،‬المركز الثقافي في العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‬
‫‪ ،1992 ،3‬ص ‪.14‬‬

‫‪27‬‬
‫مفاهيم عامة‬ ‫مدخل ‪:‬‬

‫حظي التخيل هو اآلخر باهتمام المعاجم اللغوية العربية‪ ،‬إضافة إلى المعاجم‬
‫األجنبية وأيضا كل من القرآن الكريم والشعر‪ ،‬وذلك لكونه أحد األنشطة واألفعال‬
‫الذهنية‪ ،‬التي يعتمدها االنسان للتواصل مع عالمه‪ ،‬وهذا النشاط تشترك فيه كل الفئات‬
‫إال أنها تختلف في طري قة توظيفه لها‪ ،‬ومن المعاجم اللغوية العربية بمفهوم التخيل‪،‬‬
‫نجد ما ودر في قاموس المحيط‪:‬‬

‫"خال الشيء يخال خيال‪ ،‬وخيلة ويكسران (‪ )...‬ومخيلة ومخالة (‪ )...‬والظن والتوهم‬
‫‪1‬‬
‫(‪ )...‬وتخيل الشيء والخيالة‪ ،‬وما تشبه لك في اليقظة والحلم في صورة أخلية‪"...‬‬

‫التخيل مصدر مشتق من يخال‪ ،‬خال‪ ،‬وخليه‪...‬والمراد منه الظن والتوهم‪ ،‬وكل ما يراود‬
‫االنسان في حلمه أو يقظته في صورة مخيلة‪.‬‬

‫ب‪-‬المفهوم االصطالحي‪:‬‬

‫تعددت المفاهيم ومنها نجد‪:‬‬

‫"التخيل هو تحريف القول الصادق عن العادة أو الحاقه بشيء تستأنس النفس به"‪.2‬‬

‫يراد بالتخيل هنا‪ :‬تحريف النفس ل لقول الحقيقي الغير وهمي الصادق‪ ،‬وهذا التحريف‬
‫يكون بما يتماشى وراحة هذه النفس‪ ،‬إضافة إلى هذا المفهوم نجد المفهوم الذي قدمه‬
‫الناقد "عبد القاهر الجرجاني"‪ ،‬في قوله‪" :‬إن الذي أريده بالتخييل ها هنا ما يثبت فيه‬

‫‪1‬‬
‫الفيروز آبادي‪ :‬قاموس المحيط‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪ ،1999 ،1‬ج ‪ ،3‬ص ‪.373‬‬
‫‪2‬‬
‫عثمان موافي‪ :‬في نظرية األدب من قضايا الشعر والنثر في النقد العرب القديم‪ ،‬ج ‪ ،1‬دار المعرفة الجامعية‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،2005 ،‬ص ‪.135‬‬

‫‪28‬‬
‫مفاهيم عامة‬ ‫مدخل ‪:‬‬

‫الشاعر أم ار غير ثابت أصال‪ ،‬ويدعي دعوى ال طريق إلى تحصيلها ويقول قوال ال‬
‫يخدع فيه نفسه ويريها ما ال ترى"‪.1‬‬

‫بقصد عبد القاهر الجرجاني بالتخييل في هذا المفهوم‪ ،‬ما يحاول الشاعر إثباته انطالقا‬
‫من أحاسيسه وأفكاره وآرائه‪ ،‬إال أنه بهذا سوف يوهم نفسه ويخدعها ويصل بها أيضا‪،‬‬
‫إلى أن تتناقض وتتنافى مع كل ما هو حقيقي‪.‬‬

‫‪-9‬المتخيل‪:‬‬

‫أ‪-‬المفهوم اللغوي‪:‬‬

‫"ورد هذا المصطلح في معجم المصطلحات األساسية في علم العالمات مقابال‬


‫للمصطلح (‪ ،) imaginary‬وقد بين أن كلمة المتخيل تشير في معناها المعتاد إلى‬
‫المنزلة الخيالية لمدلولها‪ ،‬وهو مصطلح يرتبط بما ذهب إليه "‪( "jacques lacan‬جاك‬
‫‪2‬‬
‫الكان)‪ ،‬في تحديد المجال الذي يبدأ فيه تكوين الذات كهوية"‪.‬‬

‫هذه الكلمة (المتخيل) تقابلها في الفرنسية كلمة (‪ ،)imaginary‬وهي تشير إلى المنزلة‬
‫الخيالية‪.‬‬

‫ب‪-‬المفهوم االصطالحي‪:‬‬

‫تعرفه الجزائرية آمنة بلعلي بقولها‪:‬‬

‫"عملية إلهام موجهة تهدف إلى إثارة المتلقي إثارة مقصودة سلفا‪ ،‬والعملية تبدأ بالصورة‬
‫المخيلة التي تنطوي عليها القصدية‪ ،‬والتي تنطوي في ذاتها مع معطيات بينها وبين‬

‫‪1‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.140‬‬
‫‪2‬‬
‫فضيلة بولجمر‪ :‬رواية ‪ ،2048‬حكاية العربي األخير لوسيني األعرج‪ ،‬سلطة التخييل التاريخي‪ ،‬مجلة اآلداب‪،‬‬
‫العدد ‪ ،2016 ،16‬ص ‪.52‬‬

‫‪29‬‬
‫مفاهيم عامة‬ ‫مدخل ‪:‬‬

‫اإلشارة الموجودة‪ ،‬عالقة اإلثارة الموحية وتحدث العملية فعلها عندما تستدعي خبرات‬
‫‪1‬‬
‫المتلقي المختزنة‪ ،‬المتجانسة مع معطيات الصورة المخيلة"‪.‬‬

‫أي أن المت خيل هو عملية إلهام‪ ،‬الهدف منها قصدي وهو إثارة المتلقي في وجود كل‬
‫من الصورة المخيلة‪ ،‬إضافة إلى استدعاء خبرات المتلقي المكثفة‪ ،‬مع معطيات تلك‬
‫الصورة المخيلة‪.‬‬

‫‪-10‬المتخيل السردي‪:‬‬
‫"هو الذي يعطي للرواية أحيانا خصوصية تعرف به و**** عنها أحيانا أخرى‪ ،‬ليكون‬
‫وسيلة إلثارة أشياء غير موجودة بواسطة اللغة أو محاكاة أشياء موجودة‪ ،‬أو إثارة نوع‬
‫من اإلبهامات أو التمثيالت التي تتوجه إلى أشياء‪ ،‬وتربطها باللحظة التي تمثلها في‬
‫‪2‬‬
‫الذات‪ ،‬فتصبح عمال مقصودا يجسد وعيا بغياب أو اعتقاد بإبهام"‪.‬‬

‫إذن فالمتخيل السردي هو الذي يمنح الرواية خصوصية أحيانا‪ ،‬وفي أحيان‬
‫أخرى يصبح وسيلة مثيرة ألشياء ال وجود لها في حضور اللغة‪.‬‬

‫‪-11‬الخيال والتخيل‬
‫كلمة الخيال من المفردات الغنية والمتعددة بمعانيها وهي أيضا من أكثر الكلمات‬
‫تداوال بين كل من النقاد والعلماء والفالسفة‪ ...‬هذه الكلمة التي تدل على الطيف وذلك‬
‫تبعا للسياقات التي وظفت فيها وقد كان لكل أديب وفيلسوف مفهومه الخاص بهما‬
‫وكل مفهوم ال ينفي المفهوم الذي سبقه ألن لكل وجهة نظر تخصه‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫المتخيل في الرواية الجزائرية (من المتماثل إلى المختلف)‪ ،‬آمنة بلعلي‪ ،‬دار األمل‪ ،‬تيزي وزي‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ط ‪،1‬‬
‫‪ ،2006‬ص ‪.58‬‬
‫‪2‬‬
‫المتخيل في الرواية الجزائرية (من التماثل إلة المختلف)‪ ،‬آمنة بلعلي‪ ،‬دار األمل‪ ،‬تيزي وزو‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ط ‪،1‬‬
‫‪ ،2006‬ص ‪.18‬‬

‫‪30‬‬
‫مفاهيم عامة‬ ‫مدخل ‪:‬‬

‫أ‪ -‬الخيال في نظر النقاد‬

‫• عبد القادر الجرجاني‪:‬‬

‫قام بدراسة الخيال في كل أشكاله فانتهى إلى‪:‬‬

‫"الخيال قوة ونشاط ينشأ من مجموعة قوى متشابكة تمثل وحدة واحدة هذه القوى‬
‫هي العقل والتذاكر والتوهم واإلدراك والذكاء‪ ،‬لذا فالخيال عنده قوة متميزة وتنشأ عن‬
‫‪1‬‬
‫هذه األجزاء المتشابكة مكونة قوة مبدعة يتم بها تشكيل كل عناصر التجربة الشعرية"‪.‬‬

‫أي كل من العقل والتذكر والتوهم واإلدراك والذكاء تمثل عناصر الخيال المتشابكة‬
‫وباتحادها يكتسب الخيال قوة مميزة هذه القوة التي بدورها تشكل القوة المبعدة والتي‬
‫ينتج عنها عناصر التجربة الشعرية‪.‬‬

‫• شوقي ضيف‪:‬‬

‫من النقاد المحدثين الذين اهتموا بقضية الخيال إذ يقول‪" :‬الخيال هو الملكة التي‬
‫يستطيع بها األدباء أن يؤلفوا صورهم وهم ال يؤلفونها من الهواء وإنما يؤلفونها من‬
‫إحساسات سابقة ال حصر لها تختزلها عقولهم فتظل كامنة في مخيلتهم حتى يحين‬
‫الوقت فيؤلفوا منها الصورة التي يريدونها صورة تصبح لهم من عملهم وخلقهم والخيال‬
‫‪2‬‬
‫عند األدباء يقوم على شيئين دعوة المحسوسات والمدركات ثم بناؤها من جديد"‪.‬‬

‫شوقي ضيف جعل من الخيال ملكة يعتمدها األدباء لتأليف صورهم وأن هذه‬
‫الصور ال تؤلف من عدم وإنما أساسها إحساسات مخزنة في عقول األدباء يسترجعونها‬

‫‪1‬‬
‫فاطمة سعيد أحمد حمدان‪ ،‬مفهوم الخيال ووظيفته في النقد القديم والبالغة‪ ،‬رسالة مقدمة لنيل أطروحة لنيل درجة‬
‫الدكتوراه في النقد والبالغة‪ ،‬المملكة العربية السعودية‪ ،‬جامعة أم القرى‪ ،‬كلية اللغة العربية‪ ،1989 ،‬ص ‪.245‬‬
‫‪2‬‬
‫شوقي ضيف‪ ،‬في النقد األدبي‪ ،‬ط‪ ،9‬القاهرة‪ ،2004 ،‬دار المعارف‪ ،‬ص ‪.294‬‬

‫‪31‬‬
‫مفاهيم عامة‬ ‫مدخل ‪:‬‬

‫وقت الحاجة مشكلين منها الصور التي يريدونها وأن الخيال عندهم يقوم على استرجاع‬
‫المحسوسات وإعادة تجديدها‪.‬‬

‫• محمد غنيمي هالل‪:‬‬

‫أحد النقاد والمحدثين هو اآلخر ويقول في الخيال‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫"التفكير بالصور على حسب طرق فنية تختلف من مذهب فني إلى مذهب آخر"‬
‫يقصد بالتفكير بالصور هنا الصور التي يشكلها العقل (الصور المتخيلة) وهاته الصور‬
‫في نظره يختلف شكلها من مذهب آلخر‪.‬‬

‫ب‪-‬الخيال في نظر الفالسفة‬

‫• ابن عربي‪:‬‬

‫يقول في الخيال‪" :‬ليس للقدرة اإللهية فيما أوجدته أعظم وجودا من الخيال فيه‬
‫‪2‬‬
‫ظهرت القدرة اإللهية واالقتدار اإللهي"‪.‬‬

‫يرى أن‪ :‬الخيال من أعظم ما توصلت له القدرة اإللهية وذهب أيضا أن للخيال‬
‫قسمين يقول‪" :‬إن المتصل يذهب بذهاب المتخيل والمنفصل حضرة ذاتية قابلة دائما‬
‫للمعاني واألرواح فتجسدها بخاصيتها ومن هذا الخيال المنفصل يكون الخيال‬
‫‪3‬‬
‫المتصل"‪.‬‬

‫• ابن رشد (‪520‬م‪:)595-‬‬

‫‪1‬‬
‫محمد عتمي هالل‪ ،‬النقد األدبي الحديث‪ ،‬ص ‪.389-388‬‬
‫‪2‬‬
‫علي محمد عادي الربيعي‪ ،‬الخبال في الفلسفة واألدب والمسرح‪ ،‬ص ‪.70-69‬‬
‫‪3‬‬
‫عمار حازم محمد العبيدي‪ ،‬الخيال الشعري في القصائد العشر الطوال‪ ،‬ص ‪.78‬‬

‫‪32‬‬
‫مفاهيم عامة‬ ‫مدخل ‪:‬‬

‫نظرته للخيال ال تختلف كثي ار عن نظرة ما سبقه من الفالسفة إذ يقول‪" :‬محال‬


‫أن يكون الخيال ظنا أو حسا أو علما أو عقال وعموما أيا كانت من ملكات العقالنية‬
‫فهو ليس مرتكب من الظن والحس كما يقول بعض القدماء ]‪ [...‬فجلي أن الخيال‬
‫ليس ظنا مقترنا بحس وال بملكة مركبة من الظن والحس إذن الخيال ليس إحدى تلك‬
‫‪1‬‬
‫القوى وال مركب منها"‪.‬‬

‫ابن رشيد هنا ينفي أن يكون الخيال من أحد الملكات العقالنية كما ذهب إلى‬
‫ذلك القدماء وال أن يكون مقترنا بها أو مركب منها‪.‬‬

‫• أفالطون‪:‬‬

‫"نظر إلى الخيال على أنه الجزء الوضيع من النفس (جزء دنيء خسيس) وتعود‬
‫‪2‬‬
‫خسة هذا الخيال إلى كون مواضيعه تنبني على الظنون واالعتقادات الباطلة"‪.‬‬

‫أفالطون هنا أنقص من قيمة الخيال فقد جعل منه الجزء الخسيس من النفس‬
‫وأرجع هذه الخسة إلى انبناء مواضيعه على ما هو باطل ال صحة له‪.‬‬

‫• أرسطو‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫يقول "الخيال الحركة الناشئة عن اإلحساسات في الذهن"‪.‬‬

‫ينظر أرسطو إلى الخيال على أنه حركة وجعل من مقر تواجدها (الحركة) الذهن‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫ابن رشيد‪ ،‬الكتاب ا لكبير للنفس ألرسطو‪ ،‬نقله من الالتينية إلى العربية إبراهيم العربي‪ ،‬دار الحكمة‪،1997 ،‬‬
‫ص ‪.218‬‬
‫‪2‬‬
‫يوسف اإلدريسي‪ ،‬مفهوم التخيل في النقد والبالغة العربيين األصول‪ ...‬واالمتدادات‪ ،‬ط‪ ،2015 ،1‬دار وجوه‬
‫للنشر والتوزيع‪ ،‬المملكة العربية السعودية‪ ،‬ص ‪.24‬‬
‫‪3‬‬
‫علي محمد هادي الربيعي‪ ،‬الخيال في الفلسفة واألدب والمسرح‪ ،‬ص ‪.22‬‬

‫‪33‬‬
‫مفاهيم عامة‬ ‫مدخل ‪:‬‬

‫• إيمانويل كانط‪:‬‬

‫يقول في الخيال‪" :‬الخيال أجل قوى اإلنسان وأنه ال عن ألية قوة أخرى من قوى‬
‫‪1‬‬
‫اإلنسان عن الخيال وقلما وعى الناس قدر الخيال وخطره"‪.‬‬

‫يرى كانط أن الخيال من أهم القوى المتواجدة لدى اإلنسان وأنه ال يمكن ألي قوة‬
‫مهما كانت االستغناء عنها وأن اإلنسان ناد ار ما يتفطن ألهمية هذه الملكة أو خطرها‪.‬‬

‫مصطلح التخيل هو أحد المصطلحات التي كان لها أثر في التراث النقدي العربي‬
‫وقد تعددت مسارات هذا المصطلح في مختلف الكتابات سواء البالغية منها أو النقدية‬
‫أو الفلسفية ما أدى إلى أن تنتج جذوره المختلفة في التراث العربي وأيضا تتبع مختلف‬
‫المفاهيم التي نسبت له من طرف النقاد والفالسفة فكيف كان تعريف النقاد والفالسفة‬
‫للتخيل؟‬

‫ج‪-‬التخيل في نظر النقاد‬

‫• عبد القاهر الجرجاني‪:‬‬

‫"لقد ارتبط التخيل عند عبد القاهر الجرجاني باإليهام فالصور المخيلة ال تغدو‬
‫أن تكون ضربا من التوهم‪ ،‬ويرجع هذا إلى القدرة التي يستطيع معها التخيل أن يجعل‬
‫األصل فرعا والفرع أصال ويزيد في صفة الشيء زيادة ليست فيه وأن يجعل الفرع‬
‫أصال وإن كنا إذا رجعنا إلى التحقي ق لم نجد االمر يستقيم على ظاهر ما يضع اللفظ‬
‫عليه"‪ 2 .‬فالجرجاني هنا جعل من التخيل وهما وهو يرى أن باستطاعته (أي التخيل)‬

‫‪1‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.29‬‬
‫‪2‬‬
‫حليمة شداد‪ ،‬حضور التخيل بين اإلبداع الشعري والتنظير النقدي‪ ،‬مجلة إشكاالت في اللغة واألدب‪ ،‬ع ‪ ،5‬مجلد‬
‫‪ ،10‬سيدي بلعباس‪ ،‬الجزائر‪ ،‬سنة ‪ ،2021‬ص ‪.638-623‬‬

‫‪34‬‬
‫مفاهيم عامة‬ ‫مدخل ‪:‬‬

‫تحويل ما هو فرع إلى أصل وما هو أصل إلى فرع وأنه يزيد في الشيء ما ال يتوفر‬
‫فيه موقعا بذلك المتلقي في األوهام‪.‬‬

‫ويقول الجرجاني أيضا‪" :‬أن التخيل قد يكون استعارة أو تشبيه"‪ 1‬الجرجاني هنا‬
‫ربط التخيل بالجانب البالغي فجعل منه استعارة وتشبيه‪.‬‬

‫• الزمخشري (‪538‬ه)‪:‬‬

‫"عده تمثيال للمعنى وطريقة فنية جمالية في تقديم المعنى وتصويره حتى يناله‬
‫‪2‬‬
‫الحس فيدركه الفهم أحسن إدراك"‪.‬‬

‫التخيل بالنسبة له من الطرق الفنية الجمالية المقدمة للمعنى هذا المعني الذي‬
‫سيتلقاه الحس ليستوعبه بعد ذلك العقل استيعابا صحيحا كما أنه يراه ممثال للمعنى‪.‬‬

‫• الجاحظ‪:‬‬

‫ويكون أول أديب وناقد عربي قديم قام باستخدام كلمة تخيل في كتابه "الحيوان"‬
‫والتي وردت في موضعين‪:‬‬

‫"تحدث في األول عن الماء فأكد أن ال لون له‪ )...(" :‬ويختلف منظره على قدر‬
‫اختالف إناءه وأرضه وما يقابله فدل ذلك على أنه ليس بذي لون وإنما يتعريه في‬
‫التخيل لون ما يقابله ويحيط به ولعل هذه األمور إذا تقابلت أن تصنع في العين‬
‫‪3‬‬
‫أمورا"‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.226‬‬
‫‪2‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.226‬‬
‫‪3‬‬
‫يوسف اإلدريسي‪ ،‬مفهوم التخيل في النقد والبالغة العربيين األصول واالمتدادات‪ ،‬ط‪1936 ،1‬هـ ‪2015 -‬م‪،‬‬
‫دار وجوه للنشر والتوزيع‪ ،‬المملكة العربية السعودية‪ ،‬ص ‪.47‬‬

‫‪35‬‬
‫مفاهيم عامة‬ ‫مدخل ‪:‬‬

‫بينما أشار في الموضع الثاني إلى نار الغول باعتبارها من أبرز أنواع النيران‬
‫التي عرفتها العرب‪ )...(" :‬ونار أخرى وهي النار التي تذكر األعراب أن الغول توقدها‬
‫‪1‬‬
‫بالليل للعبث والتخيل وإظالل السابلة"‪.‬‬

‫وظفت هذه الكلمة في هذين الموضعين بمعنيين اثنين‪:‬‬

‫ففي الموضع األول استخدمها الجاحظ بمعنى‪ :‬الخيال ويراد به تلك الصورة‬
‫ال ذهنية التي تتشكل في النفس نتيجة أفعال خارجية هاته األفعال التي توهم البصر‬
‫برؤية ما ليس صادقا‪.‬‬

‫في الموضع الثاني‪ :‬دلت على الخداع واإليهام وتظليل النفس‪.‬‬

‫• حازم القرطاجني‪:‬‬

‫أفاد حازم القرطاجني بما قدمه الفالسفة المسلمون من تعريفات للختيل أمثال‪:‬‬
‫ابن سينا‪ ،‬الفارابي ‪ ،‬ابن رشيد‪ ...‬إال أن التعريف الذي قدمه كان من أرقى التعريفات‬
‫فيعرفه بقوله‪" :‬والتخيل أن تتمثل للسامع من لفظ الشاعر المخيل أو معانيه أو أسلوبه‬
‫ويقوم في خياله صورة أو صور ينفعل لتخيلها وتصورها أو تصور شيء آخر بها‬
‫‪2‬‬
‫انفعاال من غير رؤية إلى جهة من االنبساط أو االنقباض"‪.‬‬

‫يوضح القرطاجني هنا‪ :‬أن كل ألفاظ ومعاني وأساليب الشاعر المخيلة تؤدي‬
‫بالسامع إلى رسم صور في مخيلته تلك الصور التي قد يراها فتثير انفعاله وتؤثر فيه‪.‬‬

‫د‪ -‬التخيل في نظر الفالسفة‬

‫‪1‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.48‬‬
‫‪2‬‬
‫علي حبيب هللا علي إبراهيم‪ ،‬الشعر عند حازم القرطاجني من خالل كتابه منهاج البلغاء وسراج األدباء‪ ،‬مجلة‬
‫الكلية اآلداب‪ ،‬جامعة أم درمان‪ ،‬ع‪ ،2‬مجلد ‪ ،02‬دار المنظومة‪ ،2018 ،‬ص ‪.106‬‬

‫‪36‬‬
‫مفاهيم عامة‬ ‫مدخل ‪:‬‬

‫كلمة التخيل وردت في سياقات متعددة منها السياق النقدي والبياني والفلسفي‬
‫وفيه نجد‪:‬‬

‫• قسطا بن لوقا‪:‬‬

‫كلمة تخيل يقابلها كلمة "فنطاسيا" في العربية وهي في تصوره‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫"حركة إدراكية للقوة الذهنية التي في آخر التجويف المقدم في الدماغ"‪.‬‬

‫وجعل منها أيضا مرادف لكلمة "تخيل" يقول‪ )...(" :‬وأفعال النفس الحساسة‬
‫‪2‬‬
‫البصر والسمع والشم والذوق والتخيل"‪.‬‬

‫وفي نصوص أخرى جعل منها مرادف لكلمة خيال‪.‬‬

‫أي أن كلمة تخيل في الفكر الفلسفي وعند قسطا بن لوقا خاصة وردت بمعاني‬
‫مرادفة لكل من‪ :‬تخيل‪ ،‬خيال‪ ،‬فنطاسيا‪.‬‬

‫• إسحاق بن حنين‪:‬‬

‫يقول في ترجمته إلحدى عبارات أرسطو‪" :‬إنه يظهر لنا تخيل عند إغماضنا‬
‫‪3‬‬
‫األعين"‪.‬‬

‫إذن فالتخ يل هنا هو كل ما يظهر لإلنسان عند إلغماضه لعينيه‪.‬‬

‫• ابن سينا‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫يوسف اإلدريسي‪ ،‬مفهوم التخيل في النقد والبالغة العربيين األصول‪ ...‬واالمتدادات‪ ،‬ط‪1436 ،1‬هـ‪2015 -‬م‪،‬‬
‫دار وجوه للنشر والتوزيع‪ ،‬المملكة العربية السعودية‪ ،‬ص ‪.87‬‬
‫‪2‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.88‬‬
‫‪3‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.88‬‬

‫‪37‬‬
‫مفاهيم عامة‬ ‫مدخل ‪:‬‬

‫عرف التخيل الشعري بقوله‪" :‬إن الشعر يتركب من كالم مخيل تذعن له النفس‬
‫فتنبسط عن أمور وتنقبض عن أمو من غير رؤية وفكر واختيار"‪ 1‬يرى أن التخيل من‬
‫العناصر المهمة في تركيب الشعر‪.‬‬

‫فهي تؤثر في النفس فتعقل معه إما تستحسنه أو تستهجنه‪.‬‬

‫• أبو بكر األصهباني (‪297‬ه)‪:‬‬

‫التخيل "بمعنى الصورة الكاذبة التي تقوم في خيال الشاعر ليال وتمثل له طيف‬
‫حبيبته"‪ 2‬أي أن التخيل هنا يتجسد في الصورة الوهمية المخادعة والتي يصنعها خيال‬
‫الشاعر في الليل ممثلة له طيف محبوبته‪.‬‬

‫• الشريف المرتضى (‪436‬ه)‪:‬‬

‫ووظفها شريف المرتضى بمعنى األوهام الكاذبة والتمثيالت الباطلة وذلك في‬
‫قوله‪ )...(" :‬الطيف (‪ )...‬إنما هو تخيل وتمثيل واعتقادات وظنون باطلة فمع اليقظة‬
‫ال يحصل في اليد شيء منه إال ذلك الظن الباطل والتخيل الفاسد" وقوله أيضا‪" :‬زيارة‬
‫‪3‬‬
‫القلب هي التخيل والتمثيل وزيارة العين هي الحقيقة الصادقة"‪.‬‬

‫فالشريف المرتضى هنا يرى في التخيل‪ :‬ظن باطل واعتقادات ال صحة منها وأنه‬
‫أثناء استفاقة اإلنسان منها تصبح مجرد أوهام باطلة فاسدة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫علي محمد هادي الربيعي‪ ،‬الخيال في الفلسفة واألدب والمسرح‪ ،‬ص ‪.70-69‬‬
‫‪2‬‬
‫يوسف اإلدريسي‪ ،‬مفهوم التخيل في النقد والبالغة العربيين األصول‪ ...‬واالمتدادات‪ ،‬ط‪1436 ،1‬هـ‪2015 -‬م‪،‬‬
‫دار وجوه للنشر والتوزيع‪ ،‬المملكة العربية السعودية‪ ،‬ص ‪.49‬‬
‫‪3‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.49‬‬

‫‪38‬‬
‫مفاهيم عامة‬ ‫مدخل ‪:‬‬

‫من خالل هذين التعريفين يتبين لنا أن التخيل عبارة عن نشاط ذهني يخدع‬
‫النفوس ألنه في ال نهاية يقوم بتصوير أشياء ال وجود لها هذه األشياء التي توهم النفس‬
‫برؤية أشخاص غير مماثلين في الحس‪.‬‬

‫في ختام هذا المدخل نصل الى ان التخييل مصطلح له جذور قديمة عند الفالسفة‬
‫والتقاد الغربيين والعرب فهو مرتبط بعملية ذهنية تجعل ذهن الكاتب او المبدع ينقل لنا‬
‫اإلحساس بالواقع بطريقة فنية جمالة تحاكي الواقع وتحتلف عنه في االن نفسه ‪.‬‬

‫فالرواية التاريخية بصفتها عمال ابداعيا ينقل لنا الوقاءع التاريخية يقوم فيها‬
‫الكاتب مستعينا بملكة التحييل عنده بنقل هذه الوقائع التاريخية بطريقة سردية ماتعة‬
‫ومشوقة مفعمة بالمزج بين الخيال والواقع ‪.‬‬

‫وهذا ما سنبحث فيه من خالل رواية اليوم الموعود ل نجيب الكيالني ‪,‬التي كانت‬
‫شاهدة على فترة تاريخية مهمة في تاريخ مصر ‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫الفصل األول‪ :‬الزمان‬
‫والمكان في رواية اليوم‬
‫الموعود "لنجيب الكيالني"‬
‫الزمان والمكان في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬ ‫الفصل األ ول‪:‬‬

‫ظل مفهوم الزمن ومازال يتصدر الدراسات األدبية وغيرها من الدراسات (فلسفية‪ ،‬فيزيائية‪،‬‬
‫تاريخية‪ )...‬وخاصة على مستوى عالقته بالنصوص الروائية فهو يشكل أحد أهم العناصر‬
‫الروائية المكونة للنص الروائي إلى جانب كل من المكان والشخصيات‪ ...‬كما أنه ذو أهمية‬
‫بالغة سواء في النصوص الروائية أو غيرها‪.‬‬

‫الزمن التاريخي يجسد الذاكرة البشرية على أرض الواقع‪ ،‬الكاتب له القدرة على توظيف‬
‫الزمن التاريخي في أعماله الفنية حيث إهتم الواقعيون بالزمن التاريخي وذلك "بإسقاط حياة‬
‫‪1‬‬
‫خاصة لشخصية تخييلية على خلفية من الخبرة العامة الحقيقية للتاريخ"‬

‫في رواية الوم الموعود كان للزمن التاريخي توظيف كبير في الرواية وعالقته بالزمن‬
‫التخييلي في المتن الروائي‪ ،‬حيث وظف الكاتب أحداثا تارخية حقيقية وغير في بعضها مع‬
‫ما يتناسب وروايته‪ ،‬فالرواية إبداعا تخييليا‪.‬‬

‫وفي شهر ماي سنة ‪ ) 647(1249‬أقلعت الحملة الصليبية من قبرص في اتجاهها إلى‬
‫دمياط‪ ،‬ولكن عاصفة لحرية فرقت سفن األسطول‪ ،‬وجعلتها تصل إلى سواحل مصر في‬
‫فترات متعاقبة فقد كانت مراكب لويز التاسع أولى السفن التي وصلت إل دمياط (سفر ‪647‬ه‬
‫جوان‪1249.‬م) وفوجئ سكان دمياط وحاميتها بهذا النزول الصليبي‪ ،‬فإضطربت أحوالهم‬
‫ودخلهم الرعب فاخلوا المدينة وفروا تاركين بها الكثير من السالح والمتاع‪ ،‬وامتلك الصليبيون‬
‫مدينة دمياط بدون مقاومة وال عناء حتى أن الملك الصالح إغتاظ لهذا الهروب وعاقب الكثير‬
‫‪2‬‬
‫من حماة المدينة بالشنق‪.‬‬

‫‪ - 1‬سيزا قاسم‪ ،‬بناء الرواية دراسة مقاربة في ثالثية نجيب محفوظ‪ ،‬ص‪.68‬‬
‫‪ - 2‬محمد لعروسي المطوي‪ ،‬الحروب الصليبية في المشرق والمغرب‪ ،‬دار الفكر العربي‪،‬دط‪ ،‬ص ‪.119-118‬‬
‫‪41‬‬
‫الزمان والمكان في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬ ‫الفصل األ ول‪:‬‬

‫أوال‪ :‬الزمن‪:‬‬

‫‪ -1‬تعريف الزمن‪:‬‬

‫أ‪-‬المعنى اللغوي‪:‬‬

‫"الزمن من زمن أزمن الشيء‪ :‬طال عليه الزمان‪ ،‬الزمان‪ :‬الوقت قليلة وكثيرة ومدة الدنيا‬
‫‪1‬‬
‫كلها"‬

‫"الزمن‪ :‬إسمان لقليل الوقت وكثيره وجمعه أزمان وأزمنة وأزمن‪ ،‬أزمن‪ :‬أتى عليه الزمان"‪،2‬‬
‫أي أن الزمن مفرد جمعه أزمان وهو الوقت قليال كان أو كثيرا‪.‬‬

‫ب‪-‬المعنى االصطالحي‪:‬‬

‫"إن الزمن روح الوجود الحقة ونسيجها الداخلي فهو ماثل فنيا بحركته الالمرئية حيث‬
‫يكون ماضي أو حاض ار أو مستقبال فهذه أزمنة يعيشها اإلنسان وتشكل وجوده باإلضافة إلى‬
‫أن الزمن خارجي أزلي النهائي يعمل عمله في الكون والمخلوقات ويمارس فعله على من‬
‫حوله"‪ 3‬أي أن الزمن متواجد في اإلنسان وجودا ال مرئيا سواء كان ماضيا‪ ،‬حاضرا‪ ،‬مستقبال‬
‫فكلها تشكل وجوده وأن الزمن خارجي دائم النهاية له ويؤدي وظيفته في كل من الكون‬
‫والمخلوقات‪.‬‬
‫إضافة لكونه‪ ":‬مجموعة العالقات الزمنية السرعة‪ ،‬التتابع‪ ،‬البعد‪ ...‬بين المواقف والمواقع‬
‫المحكية وعملية الحكي الخاصة بهما وبين الزمن والخطاب المسرود والعملية السردية"‪،4‬‬
‫ويقصد بالزمن هنا‪ :‬مجموع العالقات الزمنية التي تحقق التالحم بين المواقف والمواقع المحكية‬

‫‪1‬‬
‫معجم الوسيط‪ ،‬مجمع اللغة العربية ص ‪401‬‬
‫‪2‬‬
‫الفيروز أبادي‪ ،‬قاموس المحيط‪ ،‬ص ‪1203‬‬
‫‪3‬‬
‫مها حسن القصراوي‪ ،‬الزمن في الرواية العربية‪ ،‬المؤسسة العربية للدراسات بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،2004 ،1‬ص‪14-13‬‬
‫‪4‬‬
‫جيرالد برانس‪ ،‬المصطلح السردي‪ ،‬ت‪ /‬عابد خزندار‪ ،‬ص‪.231:‬‬
‫‪42‬‬
‫الزمان والمكان في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬ ‫الفصل األ ول‪:‬‬

‫من جهة وبين الزمن والخطاب المسرود من جهة أخرى كما أنه‪ ":‬المادة المعنوية المجردة التي‬
‫يتشكل منها إطار كل حياة وحيز كل فعل وكل حركة"‪ 1‬فالزمن هنا هو تلك المادة المعنوية‬
‫المشكلة إلطار كل حياة وحيز لكل فعل وحركة‪.‬‬
‫وهو أيضا‪ ":‬مهر نفسي ال مادي ومجرد ال محسوس ويتجسد الوعي به من خالل ما‬
‫يتسلط عليه بتأثيره الخفي غير الظاهر‪ ،‬ال من خالل مظهره في حد ذاته فهو وعي خفي‬
‫ومجرد لكنه يتمظهر في األشياء المجسدة"‪ 2‬أي أن الزمن يتعلق بما هو نفسي ال مادي ومجرد‬
‫ال محسوس وهو وعي له تأثير خفي ال ظاهر ومجرد يستجد في األشياء المجسدة‪.‬‬

‫‪-2‬تقنيات الزمن‬

‫أ‪-‬المفارقات الزمنية‬

‫" تحدث عندما يخالف زمن السرد أحداث القصة‪ ،‬سواء بتقديم حدث على آخر‪ ،‬أو‬
‫استرجاع حدث أو استباق حدث قبل وقوعه"‪ 3‬أي أن هذه المفارقات تحدث عندما يحدث زمن‬
‫السرد خلل في ترتيب األحداث سواء بتقديم أحداث أو أن يستبق أحداث قبل أن تقع وتقوم هذه‬
‫المفارقات على عنصرين‪:‬‬

‫➢ االسترجاع‪ahalépse :‬‬

‫"يروي للقارئ فيما بعد‪ ،‬ما قد وقع من قبل"‪ 4‬أي تذكير القارئ بأحداث قد وقعت وانتهت‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫أحمد حفيدي‪ ،‬جماليات الزمن في رواية فوضى األشياء للروائي رشيد بوجدرة‪.www.benhedouga.com ،‬‬
‫‪2‬‬
‫عبد المالك مرتاض‪ ،‬في نظرية الرواية‪ ،‬بحث في تقنيات السرد‪ ،‬عالم المعرفة‪ ،‬الكويت‪ ،‬سبتمبر ‪ ،1998‬ص‪.173:‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد بوعزة‪ ،‬تحليل النص السردي‪ ،‬الدار العربية للعلوم‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،2010 ،1‬ص‪.88:‬‬
‫‪4‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.88:‬‬
‫‪43‬‬
‫الزمان والمكان في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬ ‫الفصل األ ول‪:‬‬

‫➢ االستباق‪piolépse :‬‬

‫"عندما يعلن السرد مسبقا عما سيحدث قبل حدوثه"‪ 1‬أي اإلعالن عن أحداث قبل وقوعها‪.‬‬

‫المفارقة الزمنية قد تكون استرجاعا ‪ahalépse‬ألحداث مضت وانتهت أو استباقا ‪piolépse‬‬


‫ألحداث الحقة‬

‫‪-3‬تقنيات الحركة السردية‬

‫أ‪-‬تسريع السرد‬

‫" يحدث تسريع إيقاع السرد حين يلجأ السارد إلى تلخيص وقائع وأحداث فال يذكر عنها‬
‫إال القليل‪ ،‬أو حين يقوم بحذف مراحل زمنية من السرد فال يذكر ما حدث فيها مطلقا"‪ 2‬أي أن‬
‫تسريع السرد يكون نتيجة تلخيص السارد ألحداث وذكر القليل عنها فقط أن عندما يحذف‬
‫مراحل زمنية من السرد وعدم ذكره لما حدث فيها مطلقا‪.‬‬

‫ب‪-‬الخالصة‪Sommaire‬‬

‫" وهو سرد أحداث ووقائع حدثت جرت في مدة طويلة (سنوات أو أشهر) في جملة واحدة‬
‫أو كلمات قليلة‪ ...‬إنه حكي موجز وسريع وعابر لألحداث دون التعرض لتفاصيلها‪ ،‬يقوم‬
‫‪3‬‬
‫بوظيفة تلخيصها"‬

‫يقصد بهذا نقل وقائع وقعت في زمن بعيد (سنة‪ ،‬شهر‪ )...‬ويكون هذا النقل موج از (جملة‬
‫واحدة‪ ،‬كلمات قليلة) وأيضا بتجاوز أحداث دون التعرض لتفاصيلها أي تلخيص هذه األحداث‪.‬‬

‫ج‪-‬الحذف ‪ellipse‬‬

‫‪1‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.89 :‬‬
‫‪2‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.93 :‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد بوعزة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.93:‬‬
‫‪44‬‬
‫الزمان والمكان في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬ ‫الفصل األ ول‪:‬‬

‫" وهو حذف فترة طويلة أو قصيرة من زمن القصة وعدم التطرق لما جرى فيها من وقائع‬
‫وأحداث‪ ،‬فال يذكر عنها السرد شيئا‪ .‬يحدث الحذف عندما يسكت السرد عن جزء من القصة‪،‬‬
‫أو يشير إليه فقط بعبارات زمنية تدل على موضع الحذف من قبيل (ومرة أسابيع) أو (مضت‬
‫سنتان)"‪.1‬‬

‫وهنا يكون الحذف بعدم التطرف لوقائع وأحداث وقعت في زمن القصة وحذف فترة منها‬
‫(زمن القصة) سواء كانت هذه الفترة طويلة أو قصيرة‪.‬‬

‫‪-4‬تعطيل السرد‬
‫" ينتج عن توظيف تقنيات سردية تبطئ إيقاع السرد وتعطل وتيرته‪ ،‬أهمها المشهد‬
‫‪2‬‬
‫والوقفة"‬

‫أ‪-‬المشهد‪scène‬‬

‫" يقصد بتقنية المشهد المقطع الحواري‪ ،‬حيث يتوقف السرد ويسند السارد الكالم‬
‫للشخصيات‪ ،‬فتتكلم بلسانها وتتحاور فيما بينها مباشرة‪ ،‬دون تدخل السارد أو وساطته وفي‬
‫‪3‬‬
‫هذه الحالة يسمى السرد بالسرد المشهدي ‪"récit scénique‬‬

‫ويقصد بالمشهد توقف السارد عن الكالم وإسناده للشخصيات فتقوم الشخصيات بالتحاور‬
‫فيما بينها بطريقة مباشرة إال أن هذا الحوار يكون بعيدا عن تدخل السارد فيه‪.‬‬

‫ب‪ -‬الوقفة ‪pause‬‬

‫‪1‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.94 :‬‬
‫‪2‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.94 :‬‬
‫‪3‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.95 :‬‬
‫‪45‬‬
‫الزمان والمكان في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬ ‫الفصل األ ول‪:‬‬

‫" هي ما يحدث من توقفات وتعليق للسرد‪ ،‬بسبب لجوء السارد إلى الوصف والخواطر‬
‫والتأمالت‪ ...‬فالوصف يتضمن عادة انقطاع وتوقف السرد لفترة من الزمن"‪ 1‬أي تعليق السرد‬
‫جراء لجوء السارد للوصف وهذا الوصف يؤدي عادة إلى توقف السرد وانقطاعه لفترة زمنية‪.‬‬

‫‪-5‬البنية الزمنية المتخيلة في رواية الزمن الموعود‬


‫يعتبر الزمن من العناصر المعتمد عليها في المتن الروائي إلى جانب كل من‪ :‬المكان‬
‫بأنواعه (المكان المفتوح‪ ،‬المكان المغلق‪ )...‬والشخصية بأنواعها (رئيسية‪ ،‬ثانوية‪ ،)...‬ويتم‬
‫استغالل هذا العنصر في الرواية من خالل توظيف تقنياته (االستباق‪ ،‬االسترجاع‪ ،‬الحذف‪)...‬‬
‫نظر لما تكتسبه هذه التقنيات من أهمية فهي أحيانا تعود بالقارئ ألحداث وقعت وانتهت‬
‫وذلك ا‬
‫وأحيانا أخرى تطلعه على أحداث ستقع مستقبال‪ ...‬دون ان ننسى ما تضفيه على الرواية من‬
‫إثارة وتشويق‪ ،‬وإبراز للجانب المشرق منها‪.‬‬

‫أ‪-‬المفارقات الزمنية‬

‫تتشكل نتيجة تقديم المؤلف لحدث على آخر‪ ،‬او استرجاع لحدث وقع وانتهى‪ ،‬أو استباقه‬
‫ألحداث قبل حدوثها وتقوم هذه المفارقة على عنصرين مهمين هما االسترجاع واالستباق‪:‬‬

‫➢ االسترجاع‬

‫" يروى للقارئ فيما بعد ما قد وقع من قبل"‪ 2‬وقد وردت هذه التقنية في النص الروائي‬
‫في عدة مواضع‪ ":‬إن الصليبيين في حملتهم السابقة في مصر قد قتلوا أباه‪ -‬وهو من جلة‬
‫علماء مصر‪ -‬وكان عدنان آنذاك جنينا في بطن امه ومن ثم أورثوه اليتم قبل ان يرى وجه‬

‫‪1‬‬
‫محمد بوعزة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.96 :‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد بوعزة‪ ،‬تحليل النص السردي‪ ،‬الدار العربية للعلوم‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،2010 ،1‬ص‪.88:‬‬
‫‪46‬‬
‫الزمان والمكان في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬ ‫الفصل األ ول‪:‬‬

‫الحياة‪ ،‬وحرموه من نعيم األبوة فشب في كنف أمه ضعيفا خائفا وشرب كأس األحزان منذ‬
‫سنينه األولى‪ ،‬وعاش على ذكرى أب حسن السيرة اغتاله الغرباء وهو في عنفوان الشباب‪.1"...‬‬

‫ففي هذا المقطع نجد الكاتب يسترجع طفولة عدنان بن المنذر بما عاشه من حرمان‬
‫وضعف وخوف في شبابه وذلك نتيجة قتل الصليبيين ألبيه وهو جنين في بطن أمه فهم تسببوا‬
‫في يتمه قبل أن يرى نور الحياة وكذلك من خالل عيشه على ذكرى والده حسن السيرة والذي‬
‫اغتيل وهو في عنفوان شبابه‪.‬‬

‫وفي مقطع آخر‪ ":‬وأخذت شجرة الدر في جلستها تلك تستعيد ما حدث في الليلة الماضية‪.‬‬
‫وتذكرت تلك النوبة العنيفة من السعال الحاد التي دهمت الملك الصالح‪ ،‬وجعلته يطفح الدم‬
‫‪2‬‬
‫من فمه"‬

‫وفي هذ المقطع أيضا نجد شجرة الدر تسترجع ما حدث لزوجها الملك الصالح من نوبات‬
‫قاسية وسعال حاد جاعلة منه طريح الفراش طافحا للدم من فمه‪.‬‬

‫وفي شكل آخر‪ ":‬كانت جارية حسناء تعرف عددا من اللغات األجنبية وكانت ذات أدب‬
‫ووفاء وجمال‪ ،‬سمراء فاتنة طويلة أهدابها‪ ،‬عاشت مع عدنان بن المنذر سنوات عدة وأخلصت‬
‫له الحب وبادلته عاطفة قوية جارفة لن تعد جاريته المشترات بالمال بل أصبحت منه وأصبح‬
‫منها‪ ،‬وربطت بينهما وشيجة قدسية فوق المال والدنيا والمطامع‪ ،‬وأحسن عدنان إلى جوارها‬
‫‪3‬‬
‫بأحاسيس عذبة ندية‪ ،‬وفي جمالها‪"...‬‬

‫والمؤلف هنا يسترجع ما عاشه عدنان بن المنذر مع تلك الجارية الوفية والجميلة من‬
‫حب وعاطفة وإخالص‪ ،‬والتي لم تصبح بعدها جاريته المشترات وإنما أصبحت جزء منه‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫نجيب الكيالني‪ ،‬اليوم الموعود‪ ،‬ط‪2010 ،1‬م‪ ،‬الصحوة للنشر والتوزيع‪ ،‬ص‪.30:‬‬
‫‪2‬‬
‫نجيب الكيالني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.108 :‬‬
‫‪3‬‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.33 :‬‬
‫‪47‬‬
‫الزمان والمكان في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬ ‫الفصل األ ول‪:‬‬

‫➢ االستباق‬

‫سبق وأن ذكرنا بأن االستباق هو‪ ":‬عندما يعلن السارد مسبقا عما سيحدث قبل حدوثه"‪.1‬‬
‫أي إعالن السارد عن األحداث التي ستحدث فيما بعد في نصه والكشف عنها‪.‬‬

‫والكاتب في روايته اليوم الموعود وظف هذه التقنية ومن أمثلة ذلك نجد‪ ":‬ويوم ذاك لن‬
‫تعود إليه زمردة حبيبته الهاربة من الطغيان‪ ،‬ولن ينعم عدنان بالحرية‪ ،‬فمن المرجح أن يقذف‬
‫به في السجن مرة ثاني‪ ،‬ومن يدري؟ قد يأمر توران شاه بضرب عنقه انتقاما لكرامته بسبب‬
‫هروب زمردة‪ 2".‬في هذا المقطع تنبأ عدنان بن المنذر أم قذفه في السجن من قبل توران شاه‬
‫أو أمره بقتله وذلك انتقاما منه بسبب هروب زمردة إال أن هذا الحدث لم يحدث في الحقيقة‪.‬‬

‫وفي مقطع آخر‪ ":‬أترى هم القضاء‪ ،‬وحان المصير وكتب على دارتوا أن يسيل دمه‬
‫الملكي األزرق ليختلط بهذا التراب األسود‪ ،‬ويصبح أوحاال تلتصق بأحذية الجنود وحوافر‬
‫الخيل؟"‪.3‬‬

‫ففي هذا المقطع نجد أيضا تنبأ الملك دارتوا شقيق لويس التاسع بمقتله من قبل الجنود‬
‫المصريين وهو ما حدث فيما بعد فقد تم قتله ووقع واختلط دمه بالتراب‪.‬‬

‫ومن أمثلة ذلك أيضا‪ " :‬إن يومك الموعود كما فهمت من هذيانك ما هو إال حلم‬
‫‪4‬‬
‫عجيب‪ ...‬هو ذلك اليوم الذي تنتقم فيه من تران شاه على شاطئ النيل لتراها في انتظارك"‬
‫وهنا أيضا تنبأ عدنان بن المنذر بقتل توران على شاطئ النيل ليجد زمردة تنتظره وهو ما لم‬
‫يحدث ففي النهاية يلتقي مع زمردة بعد أن أوصله إليها صديقه وتركه لفكرة قتل تراه شاه‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫محمد بوعزة‪ ،‬تحليل النص السردي‪ ،‬الدار العربية للعلوم‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،2010 ،1‬ص‪.89 :‬‬
‫‪2‬‬
‫نجيب الكيالني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.127 :‬‬
‫‪3‬‬
‫نجيب الكيالني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.160 :‬‬
‫‪4‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.124 :‬‬
‫‪48‬‬
‫الزمان والمكان في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬ ‫الفصل األ ول‪:‬‬

‫‪-6‬تقنيات الحركة السردية في رواية الموعود لنجيب الكيالني‬

‫أ‪-‬تسريع السرد‬

‫ويحدث نتيجة اكتفاء السارد بذكر القليل عن الوقائع واألحداث (أي تلخيصها) أو بحذفه‬
‫تلك المراحل الزمنية من السرد وعدم تطرقه لألحداث الواقعة فيها‪.‬‬

‫ب‪ -‬الخالصة‬

‫" نتحدث عن الخالصة أو التلخيص‪ résumer‬كتقنية زمنية عندما تكون وحدة من زمن‬
‫القصة تقابل وحدة أصغر من زمن الكتابة تلخص لنا فيها الرواية مرحلة طويلة من الحياة‬
‫المعروضة"‪. 1‬‬

‫وهي تقنية زمنية يتم من خاللها تلخيص مراحل طويلة (المراحل المتواجدة في الرواية)‬
‫مع االبتعاد كل البعد عن ذكر كل التفاصيل ومن أمثلتها في الرواية نجد‪ ":‬وهكذا عاش عدنان‬
‫عاما كامال في السجن‪ ،‬يؤرقه حبه الضائع ويحنقه العسف الواقع به‪ ،‬ويثير أشجانه أمه‬
‫المسكينة التي تحيا بال سند في الحياة‪ ،‬وبهيج حنينه لزمردة التي لم يعد يعلم عنها شيئا"‪،2‬‬
‫فهنا لخص الكاتب كل ما مر به عدنان في السجن خالل عام من ألم وتعسف وحنين‪...‬‬

‫وفي مقطع آخر‪ ":‬منذ ثالثين عاما حينما تحولت األرض حول أسوار دمياط إلى بركة‬
‫من الدم وتساقط آالف الشهداء صرعى من بينهم أبوه الذي لم يره"‪ ،3‬وهنا كذلك قام الكاتب‬
‫بتلخيص ما قام به الصليبيين في دمياط قبل ثالثين عاما من قتل وتعسف‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫حسن البحراوي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.145 :‬‬
‫‪2‬‬
‫نجيب الكيالني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.39 :‬‬
‫‪3‬‬
‫نجيب الكيالني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.40 :‬‬
‫‪49‬‬
‫الزمان والمكان في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬ ‫الفصل األ ول‪:‬‬

‫وكذلك‪ ":‬هكذا كان عدنان يفكر ويستعيد أيام الطفولة وخياالتها رغم ما فيها من ذكريات‬
‫مريرة"‪ 1‬ففي هذا المقطع نجد الروائي لخص ما عاشه عدنان بن المنذر في مرحلة طفولته‬
‫وذلك باكتفائه باإلشارة إليها( طفولته) بقوله ذكريات مريرة‪.‬‬

‫ومنه فإن الخالصة والتي هي تقنية مهمة من تقنيات السرد كان لها دور في تسريع‬
‫مراحل زمنية طويلة من الرواية‪.‬‬

‫ج‪-‬الحذف ‪l’ellipse‬‬

‫" تقنية زمنية تقضي بإسقاط فترة طويلة أو قصيرة من زمن القصة وعدم التطرق لما‬
‫جرى فيها من وقائع وأحداث" ‪ 2‬والمقصود به هنا هو حذف فترة من الرواية سواء طويلة كانت‬
‫أو قصيرة وعدم عرض األحداث والوقائع التي جرت فيها( هذه الفترة)‪.‬‬

‫ومن أمثلته في الرواية نجد هذا المقطع‪ ":‬كال يا عزيزتي‪ ...‬لعلك تشيرين إلى ما تكبده‬
‫‪3‬‬
‫أسالفنا منذ ثالثين سنة في هجومهم على هذه المدينة‪".‬‬

‫في هذا المقطع نجد حذفا مدته ثالثين سنة (فالمؤلف هنا قام بحذف ما قام به الصليبيين‬
‫خالل هذه الفترة من هجمات) وفي مقطع آخر" وقصد الصديقان إلى الداخل‪ ...‬ومرت ساعة‬
‫‪4‬‬
‫أو بضع ساعة‪ ،‬ثم قال عبد األعلى‪ :‬كيف حالك أيها الصديق العزيز؟"‬

‫في المقطع السابق نجد الروائي وظف الحذف فأسقط الحديث عما حدث بين عدنان بن‬
‫المنذر وصديقه خالل هذه الساعة او أقل منها‪.‬‬

‫وفي مقطع آخر‪ ":‬لقد طفت بأغلب تجمعات المقاومة في المنصورة وما حولها‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.31 :‬‬
‫‪2‬‬
‫جيرالد برانس مرجع سابق‪ ،‬ص‪.156 :‬‬
‫‪3‬‬
‫نجيب الكيالني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.45 :‬‬
‫‪4‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.06 :‬‬
‫‪50‬‬
‫الزمان والمكان في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬ ‫الفصل األ ول‪:‬‬

‫لماذا كل ذلك؟‬

‫لماذا‪...‬؟ هذا هو السؤال لقد كنت أبحث عن شيء وأعياني البحث الطويل‪ ،‬لكني عدت‬
‫بخفي حنين"‪.1‬‬

‫هنا أيضا وظف المؤلف الحذف فقد قام بحذف الدافع وراء طواف ياقوته بتجمعات‬
‫المقاومة وأيضا الدافع إلى اختفائها لمدة ثالثة أيام‪.‬‬

‫وفي مقطع آخر‪ ":‬وعادت إلى ذهنه على الفور صورة ذلك الماضي البغيض‪ ،‬منذ ثالثين‬
‫عاما حينما تحولت األرض حول أسوار دمياط إلى بركة من الدم‪ ،‬وتساقط آالف الشهداء‬
‫‪2‬‬
‫صرعى ومن بينهم أبوه‪...‬وتصارعت في نفسه نوازع شتى‪".‬‬

‫هذا المقطع أيضا يتخلله حذف فالكاتب قام بحذف الوقائع واألحداث التي جرت خالل‬
‫ثالثين عاما‪.‬‬

‫‪-7‬تعطيل السرد‬

‫أ‪-‬المشهد‬

‫" ويشكل المشهد صيغة مهمة من صيغ بناء الخطاب حيث يعمد إلى توظيفه لخلق‬
‫توازن إيقاعي بين زمن القصة وزمن الخطاب واإليهام بواقعية القصة المحكية من خالل اطالع‬
‫القارئ مباشرة على أفكار الشخصيات وقناعاتها"‪ .3‬وبالتالي فإن المشهد يمثل أحداهم صيغ‬
‫بناء الخطاب ويلجأ الكتاب لتوظيفه من اجل خلق توازن بين زمن القصة وزمن الخطاب وكذلك‬

‫‪1‬‬
‫نجيب الكيالني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪-‬ص‪.116-115 :‬‬
‫‪2‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.40 :‬‬
‫‪3‬‬
‫رش يد سلطاني‪ ،‬الزمن في الرواية الجزائرية (دراسة بنيوية وداللية من خالل النماذج)‪ ،‬مخطوط مقدم لنيل شهادة‬
‫الدكتوراه‪ ،‬جامعة العربي بن مهيدي‪ ،‬كلية اآلداب واللغات‪ ،‬قسم اللغة واألدب العربي‪ ،‬أم البواقي‪ ،‬الجزائر‪ ،2014 ،‬ص‪:‬‬
‫‪.177‬‬
‫‪51‬‬
‫الزمان والمكان في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬ ‫الفصل األ ول‪:‬‬

‫لكي يوهم القارئ(الكاتب) بواقعية القصة‪ ،‬وهذا اإليهام يكون نتيجة االطالع المباشر للقارئ‬
‫على أفكار الشخصيات إضافة إلى قناعاتها‪.‬‬

‫ومن أمثلته في الرواية نجد‪:1‬‬

‫‪ -‬من متى؟‬
‫‪ -‬إنهم يحشدون الحشود منذ زمن بعيد‪.‬‬
‫‪ -‬وأين هم اآلن؟‬
‫‪ -‬في قبرص يا موالي منذ شهور‪.‬‬
‫‪ -‬منذ شهور ونحن نغط في نوم عميق‪.‬‬

‫في هذا المثال نستخلص هذا المشهد الحواري الخارجي الذي دار بين الملك الصالح‬
‫والرسول الذي بعث به فودريك الثاني‪ ،‬حامال معه رسالة تتضمن أنباء عن حمالت لويس‬
‫التاسع الجالب معه لجنود من مختلف أنحاء العالم‪ .‬هذا المشهد تسبب في تعطيل السرد وذلك‬
‫لتوقف السارد عن الحكي وإسناده(الحكي) للشخصيات‪.‬‬

‫وفي مقطع آخر ‪:2‬‬

‫‪ -‬قولي ما شئت‪ ،‬لو كان في آخر الدنيا النطلقت خلفه‪.‬‬


‫‪ -‬أوه يا لك من مجنون‬
‫‪ -‬بلى في تمام عقلي‬

‫وهنا أيضا نجد مشهد حواري خارجي يدور بين عدنان بن المنذر وأمه التي كانت تنصحه‬
‫بعدم االقتراب من توران شاه ابن الملك الصالح صاحب النفوذ‪ ،‬إال ان عدنان يرفض ذلك‬
‫ويسعى جاهدا وراء الثأر منه كونه تسبب في سجنه ظلما وأخذ منه جاريته زمردة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫نجيب الكيالني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.22 :‬‬
‫‪2‬‬
‫نجيب الكيالني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪-‬ص‪.30-29 :‬‬
‫‪52‬‬
‫الزمان والمكان في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬ ‫الفصل األ ول‪:‬‬

‫وفي مثال آخر‪:1‬‬

‫‪ -‬كيف حالك أيها الصديق العزيز؟‬


‫‪ -‬الحمد هلل‪ ،‬الذي ال يحمد على مكروه سواه‪...‬‬
‫‪ -‬وكيف حال زمردة معك؟‬

‫في المقطع السابق أيضا نجد مشهد حواري خارجي بين كل من عدنان بن المنذر‬
‫وصديقه الذي لجأ إليه فيقوم اآلخر بتذكيره بزمردة التي اختطفها توران شاه‪.‬‬

‫نأخذ كنموذج آخر‪ ":‬لو لم أقر من الحرب بغير هذه الغجرية السمراء كغنيمة لكفاني‬
‫ذلك‪ ،‬وعدت إلى باريس عود الظافرين‪ ،‬فليفكر الملك وقواده في الوصول إلى قاهرة المعز قلب‬
‫‪2‬‬
‫الشرق‪ ،‬أما أنا فال أفكر إال في الوصول إلى قلب هذه الغجرية"‬

‫هذا المقطع يختلف عما سبقه ففيه مشهد حواري داخلي للشخصية مارسيل فهو يحدث‬
‫نفسه عن الطريقة التي سيلجأ إليها من أجل الفوز بقلب الغجرية السمراء تاركا كل من الملك‬
‫وقواده ساعين للوصول إلى قلب القاهرة ناعتا إياها بقاهرة المعز‪.‬‬

‫ب‪-‬الوقفة‬

‫" إبطاء الحكاية بقطع مسيرة الحكي من ناحية‪ ،‬أو من خالل ما تسهم به األوصاف من‬
‫إبطاء لهذه المسيرة نفسها‪ ،‬وأحيانا قد تسهم الوقفة في تسريع الحكي إذا استخدمت لهذا الغرض‬
‫كأن يلجأ األبطال أنفسهم إلى التأمل في المحيط الذي يوجدون فيه‪ ،‬وفي هذه الحالة يأخذ‬

‫‪1‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.34 :‬‬
‫‪2‬‬
‫نجيب الكيالني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.75 :‬‬
‫‪53‬‬
‫الزمان والمكان في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬ ‫الفصل األ ول‪:‬‬

‫البطل دور الراوي في سرد الحكاية‪ ،‬ويكون الراوي محايدا يوقف األبطال على بعض المشاهد‪،‬‬
‫ويخبر عن مشاهدتهم لها‪ ،‬فالتوقف هنا ليس من فعل الراوي وحده‪ ،‬ولكنه من طبيعة القصة‬
‫‪1‬‬
‫نفسها"‬

‫فالمقصود من الوقفة هنا توقف الراوي عن السرد أو تعليقه له وذلك بسبب اشتغاله على‬
‫الوصف (وصف ال شخصيات‪ ،‬األماكن‪ )...‬وهذه األوصاف تتسبب غالبا في إبطاء حركة‬
‫السرد‪.‬‬

‫ومن أمثلته في الرواية نجد‪ ":‬وعند مدخل حلب‪ ،‬شاهد الناس فتاة وسيمة سمراء الوجه‬
‫واسعة العينين طويلة األهداب‪ ،‬تغني بصوت حنون"‪.2‬‬

‫في هذا المقطع يتوقف السارد عن السرد ليلجأ إلى وصف الغجرية فيصف وجهها األسمر‬
‫وتفاصيله من عينين واسعتين إلى أهداب طويلة ليصف أيضا صوتها الجميل ناعتا إياه‬
‫بالحنون‪.‬‬

‫وفي مقطع آخر‪ ":‬كانت المنصورة في ذلك الوقت مدينة جميلة فيها األسواق الرائجة‬
‫والحمامات الرائعة‪ ،‬والمنتديات الغاصة بالرواد‪ ،‬والمساجد الشامخة واألبنية الباذخة‪ 3".‬وفي هذا‬
‫المقطع يتوقف السارد عن السرد ليشرع في وصف المنصورة واصفا أسواقها ومنتدياتها‬
‫ومساجدها‪...‬‬

‫وفي مقطع آخر‪ ":‬وجرت دموعها عزيزة فوق خديها ثم دفنت رأسها في فراش زوجها‪،‬‬
‫وأخذت تشهق شهقات مكتومة مخافة أن يسمعها أحد"‪ 4‬وهنا أيضا نجد توقف للسرد ليأخذ‬

‫‪1‬‬
‫أم السعد بلعيد المزعوق‪ ،‬الزمن والمكان في رواية(المجوس) إلبراهيم الكوني‪ ،‬مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في‬
‫األدب والنقد‪ ،‬جامعة األسمرية للعلوم اإلنسانية‪ ،‬ليبيا‪ ،2016 ،‬ص‪.110 :‬‬
‫‪2‬‬
‫نجيب الكيالني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.92 :‬‬
‫‪3‬‬
‫نجيب الكيالني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.60 :‬‬
‫‪4‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.111 :‬‬
‫‪54‬‬
‫الزمان والمكان في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬ ‫الفصل األ ول‪:‬‬

‫الوصف محله حيث يقوم السارد بوصف حالة شجرة الدر عند وفاة زوجها الملك الصالح واصفا‬
‫غ ازرة دموعها وشهقاتها الخافتة‪...‬‬

‫وفي النهاية نصل إلى ان هذه المفارقات الزمنية بعنصريها‪ :‬االستباق واالسترجاع ساهمت‬
‫بشكل واضح في تغير مجرى وقائع وأحداث الرواية‪ ،‬فإذا قلنا االسترجاع نجد أن السارد خالله‬
‫أعاد القارئ إلى أحداث سبق وقوعها وانتهاؤها‪ .‬أما إذا قلنا االستباق وجدناه(السارد) يعلن‬
‫للقارئ المتلقي عن األحداث التي ستقع مستقبال‪.‬‬

‫أما فيما يخص تقنيات الحركة السردية بما فيها الخالصة والحذف‪ ،‬نجد بانه عن طريق‬
‫الخالصة تم سرد وقائع مطولة بشكل موجز‪ ،‬وعن طريق الحذف تم التخلص من الفترات ذات‬
‫األهمية القليلة‪.‬‬

‫كما أنه كان للمشهد والوقفة أهمية كبيرة‪ ،‬فالمشهد أظهر دوره البارز في الكشف عما‬
‫بداخل الشخصيات‪ ،‬وذلك عن طريق الحوار سواء الداخلي أو الخارجي‪ ،‬والوقفة هي األخرى‬
‫كان لها أث ار جليا برز من خالل بطيء حركة السرد ومن خاللها أيضا تم وصف الشخصيات‬
‫واألماكن التي تعيش فيها‪.‬‬

‫‪-8‬الزمن التاريخي في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬


‫المؤلف ومن أجل بناء جنسه األدبي(الرواية) نجده يلجأ إلى توظيف العديد من العناصر‬
‫المهمة منها‪ :‬الشخصيات‪ ،‬الزمان‪ ،‬المكان‪ ...‬هذه العناصر باتحادها تشكل الجنس األدبي‬
‫وهي بمثابة العمود الفقري له‪ ،‬غير أنه (الجنس األدبي) ال يتوقف عند هذه العناصر فقط بل‬
‫نجده يستثمر الكثير‪ ،‬فاألحداث في الرواية يستمدها الكاتب من مصادر مختلفة ويستعملها‬
‫في روايته من خالل التخييل السردي‪ ،‬من هذه المصادر نجد األحداث التاريخية التي اطلع‬
‫عليها الروائي وكان لها أثر في نفسه أو أنها تمكنه من تصوير واقع معين من خاللها‪ ،‬هذا‬
‫ما يصطلح عليه بالزمن التاريخي الذي تعددت مفاهيمه إذ تعرفه" سي از قاسم" بقولها‪ ":‬استخدام‬
‫الوقائع التاريخية التي تقع في الفترة الزمنية التي اختارها المؤلف إطار لروايته‪ ،‬معالم على‬
‫‪55‬‬
‫الزمان والمكان في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬ ‫الفصل األ ول‪:‬‬

‫الطريق يستطيع القارئ أن يتعرف عليها كوسيلة لعكش الواقع الخارجي في النص التخييلي‬
‫‪1‬‬
‫وهذا ما يسميه "روالن بارت" )‪ ،(effet de réel‬أي" اإليهام بما هو حقيقي"‬

‫أي أن الزمن التاريخي يتمثل في تلك األحداث التاريخية التي يوظفها المؤلف شرط أن‬
‫تكون هذه األحداث في الفترة الزمنية التي يختارها هو( الراوي) كإطار لنصه الروائي‪ ،‬وتعرفه‬
‫آمنة يوسف بقولها‪ ":‬الزمن الذي يرتبط بالسيرة الموضوعية والذاتية لحياة األبطال‪ ،‬وهو الزمن‬
‫الذي يعمد الرواي التقليدي بضمير" الهو" إلى إيهامنا بواقعية ما يرويه من أحداث وعالقات‬
‫‪2‬‬
‫روائية"‬

‫أي أن الزمن التاريخي في الرواية القديمة مرتبط بسيرة األبطال الذاتية والموضوعية‬
‫والذي كان الروائي التقليدي بواسطته يوهم القارئ بأحداث واقعية‪.‬‬

‫ومن أمثلته في نصنا الروائي نجد‪ ":‬وفي اليوم الرابع من شهر يونيو ‪ 1249‬تقاطرت‬
‫سفن الحملة على الشاطئ‪ ،‬وأسرع جنودها إلى معسكرهم الذي أقيم قبالة" دمياط" بأسوارها‬
‫‪3‬‬
‫وحصونها وقبابها"‬

‫وفي هذا المقطع وظف الروائي الزمن التاريخي وهو زمن استالء الصليبيين في حملتهم‬
‫التاسعة بقيادة "لويس التاسع" على مدينة "دمياط" بتاريخ (‪ 4‬يونيو ‪1249‬م)‪ ،‬وذلك من أجل‬
‫اتخاذها قاعدة لمواصلة زحفهم نحو القاهرة‪ ،‬ونتيجة لذلك اضطر سلطان مصر" الصالح‬
‫أيوب" إلى نقل م عسكره إلى المنصورة‪ .‬فهذا التاريخ واقعي وظفه الروائي في نصه بطريقة‬
‫تخييلية‪.‬‬

‫وفي مقطع آخر‪ ":‬لم يكن فجر الثالثاء من أم فبراير عام ‪1250‬م قد أيرق بعد‪ ،‬بل كان‬
‫الليل أسود السحنة‪ ،‬قاتم الجلباب‪ ،‬والمسلمون في الضفة الجنوبية للبحر الصغير في سكون‬

‫‪1‬‬
‫سي از قاسم‪ ،‬بناء الرواية العربية‪ ،‬ثالثية نجيب محفوظ‪ ،‬ص‪.72:‬‬
‫‪2‬‬
‫آمنة يوسف‪ ،‬تقنيات السرد في النظرية والتطبيق‪ ،‬دار الحوار للنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،2004 ،1‬ص‪.49 :‬‬
‫‪3‬‬
‫نجيب الكيالني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.144 :‬‬
‫‪56‬‬
‫الزمان والمكان في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬ ‫الفصل األ ول‪:‬‬

‫وهدوء ال يفكرون في شي ء اللهم إال قضاء وقت قصير للراحة واالستجمام بعد ذلك المجهود‬
‫‪1‬‬
‫المضنى الذي بذلوه في األيام السابقة"‬

‫وفي هذا المقطع أيضا كان للزمن التاريخي حضور‪ ،‬فالكاتب وظف زمن معركة المنصورة‬
‫التي دارت بين القوات الصليبية(الفرنج) بقيادة "لويس التاسع" ملك فرنسا والقوات األيوبية‬
‫بقيادة" فخر الدين" حيث أسفرت المعركة عن هزيمة الصليبيين ووقوع لويس التاسع أسي ار في‬
‫قبضة المسلمين فهذا التاريخ أيضا واقعي اشتغل عليه الروائي بطريقة تخييلية‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬المكان‬

‫‪ -1‬تعريف المكان‬
‫تتصف النصوص الروائية ببعدين أساسيين هما الزمان والمكان دون أن ننسى‬
‫الشخصيات ( عناصر السرد) أما المكان فهو اآلخر عنصر مهم في تشكيل النص الروائي‬
‫وإبراز جمالياته وهو يتصف بثبوته على عكس الزمان المتحرك إال أن كالهما يكمل اآلخر‬
‫فهما متالزمان ال يفترقان وبهما يأخذ النص الروائي شكله النهائي‪.‬‬

‫أ‪-‬المعنى اللغوي‬

‫وردت لفظة المكان في القرآن الكريم وبالتحديد في سورة مريم إذ يقول عز وجل" َوا ْذ ُك ْر‬
‫َهلِ َها َم َك اانا َش ْرِق ايا"(سورة مريم‪ ،‬اآلية ‪ .)16‬أي أنها اعتزلت أهلها‬ ‫ِ‬ ‫ِفي اَْل ِكتَ ِ‬
‫اب َم ْرَي َم ِإ ْذ ْانتََب َذ ْت م ْن أ ْ‬
‫في مكان شرقي‪.‬‬

‫ولسان العرب هو أحد أهم المعاجم العربية التي أولت اهتماما لهذه الكلمة فقد وردت‬
‫‪2‬‬
‫ال َوأَْق ِذَلةٌ‪ ،‬وأماكن جمع الجمع"‬ ‫ِ‬
‫ان‪ ،‬اَْل َم ْوض ُع والجمع أمكنةٌ‪ ،‬كَق َذ ٌ‬
‫بمعنى" اَْل َم َك ُ‬

‫‪1‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.137 :‬‬
‫‪2‬‬
‫ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬مادة مكن‪ ،‬المجلد ‪ ،12‬ص‪.157:‬‬
‫‪57‬‬
‫الزمان والمكان في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬ ‫الفصل األ ول‪:‬‬

‫ب‪-‬المعنى االصطالحي‬

‫أشار" غاستون شبالر" إلى مفهوم المكان في كتابه" جماليات المكان" حيث يقول‪ ":‬إن‬
‫المكان الذي ينجذب نحوه الخيال ال يمكن أن يبقى مكانا ال مباليا‪ ،‬ذا أبعاد هندسية وحسب‪.‬‬
‫فهو مكان قد عاش فيه بشر ليس بشكل موضوعي فقط‪ ،‬بل بكل ما في الخيال من تحيز‪ ،‬إننا‬
‫ننجذب نحوه ألنه يكثف الوجود في حدود تتسم بالحماية‪ .‬في مجال الصور ال تكون العالقات‬
‫متبادلة بين الخارج واأللفة متوازية‪ 1".‬أي أن المكان الخيالي ليس مكانا هندسيا فقط أو مكانا‬
‫ال مباليا كونه مكان قد عاش فيه االنسان ليس موضوعيا فحسب‪ .‬ويكون االنجذاب‬
‫نحوه(المكان) نتيجة تكثيفه للوجود إال أن هذا التكثيف هو اآلخر يكون في حدود هذه الحدود‬
‫التي تتصف بالحماية‪.‬‬

‫إضافة إال أنه" مكون محوري في بنية السرد‪ ،‬بحيث ال يمكن تصور حكاية دون مكان‬
‫‪2‬‬
‫وال وجود ألحداث خارج المكان‪ ،‬ذلك أن كل حدث يأخذ وجوده في مكان محدد وزمان معين"‬

‫إذا فالمكان أحد مكونات البنية السردية إذ ال وجود لحكاية دون وجوده وال وجود ألحداث‬
‫خارجه(المكان) ذلك أنها تأخذ وجودها في مكان وزمان محددين‪ .‬وفي تعريف آخر نجد" يشكل‬
‫المكان جانبا مهما وأساسيا في تكوين البناء القصصي حيث يتواجد في النص بشتى األنواع‬
‫‪3‬‬
‫الجغرافية والداللية‪ ،‬المفتوحة والمغلقة‪ ،‬الحقيقية والمتخيلة‪".‬‬

‫أي أن المكان أحد أهم الجوانب المساهمة في تشكيل البناء القصصي وهو يحضر في‬
‫النص بمختلف أنواعه سواء الجغرافية‪ ،‬الداللية‪ ،‬المفتوحة‪ ،‬المتخيلة‪.‬‬

‫غاستون بشالر‪ ،‬جماليات المكان‪ ،‬ترجمة غالب طسا‪ ،‬المؤسسة الجامعية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ ،1987 ،3‬ص‪.31 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫محمد بوعزة‪ ،‬تحليل النص السردي (تقنيات ومفاهيم)‪ ،‬منشورات االختالف‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ط‪ ،2010 ،1‬ص‪.99 :‬‬
‫‪3‬‬
‫حسن بحراوي‪ ،‬بنية الشكل الروائي‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬ط‪ ،1990 ،1‬ص‪.25 :‬‬
‫‪58‬‬
‫الزمان والمكان في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬ ‫الفصل األ ول‪:‬‬

‫‪-2‬أنواع المكان‬
‫" األماكن تختلف شكال وحجما ومساحة‪ ،‬منها الضيق المغلق والمتسع المفتوح‪ .‬والمرتفع‬
‫‪1‬‬
‫والمنخفض والمتصل‪ .‬إنها أشكال من الواقع انتقلت إلى القصة وصارت عنص ار من عناصرها"‬
‫أي أن األماكن أنواع منها المغلق والمفتوح والمرتفع‪ ...‬ولكل منها مميزاتها الخاصة‪.‬‬

‫وإذا سلطنا اضور على األمكنة من حيث االنفتاح واالنغالق وجدناها تنحصر بين‬
‫ثنائيتين‪:‬‬

‫أ‪-‬المكان العام(المفتوح)‬

‫"حيز مكاني خارجي ال تحده حدود ضيقة يشكل فضاء رحبا وغالبا ما يكون لوحة طبيعية‬
‫للهواء الطلق‪ .‬يسمح هذا المكان للفرد بالتردد عليه في أي وقت يشاء دون قيد أو شرط‪ ،‬مع‬
‫‪2‬‬
‫عدم اإلخالل بالعرف االجتماعي أي ممارسة سلوك غير سوي يرفضه المجتمع"‬

‫ب‪-‬المكان الخاص(المغلق)‬

‫" الحيز الذي يحوي حدود مكانية تعزله عن العالم الخارجي‪ ،‬ويكون محيطه أضيق بكثير‬
‫من المكان العام‪ ،‬قد تكون األماكن الضيقة مرفوضة ألنها صعبة الولوج‪ ،‬وقد تكون مطلوبة‬
‫ألنها تمثل الملجأ والحماية التي يؤوي إليها اإلنسان بعيدا عن صخب الحياة"‪ 3‬أي أنه هناك‬
‫اختالف واضح بين المكان العام والخاص يجعل من االنسان ح ار لكن شرط عدم ممارسة‬
‫سلوكات يرفضها المجتمع‪ ،‬في حين أن األمكنة الخاصة تجعل منه مقيدا معزوال عن عالمه‬
‫الخارجي لكنها تكون ملجأ يحميه ويحتويه وقت الحاجة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫فرحان بدري الحربي وسالم محمد خضر‪ ،‬بنية المكان في قصص (حراس المعبد للحسن عبيد عيسى)‪ ،‬مجلة التربية‬
‫األساسية للعلوم التربوية واإلنسانية‪ ،‬العدد ‪ ،93‬جامعة بابل‪ ،‬حزيران ‪ ،2018‬ص‪.988 :‬‬
‫‪2‬‬
‫فرحان بدري الحربي وسالم محمد الخضر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.988 :‬‬
‫‪3‬‬
‫فرحان بدري الحربي‪ ،‬مرجع سابق ص‪.988 :‬‬
‫‪59‬‬
‫الزمان والمكان في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬ ‫الفصل األ ول‪:‬‬

‫وإلى جانب ثنائية العام والخاص نجد ثنائية الواقعي والخيالي‪:‬‬

‫ج‪-‬المكان الواقعي‬

‫" فهو غير المكان الخيالي الذي تصنعه اللغة فهو مكان كائن وموجود وتتحرك فيه‬
‫الشخوص‪ ،‬وهو مكان حقيقي قائم على األرض وكل ما يفعله الروائي أو القاص هو استنساخه‬
‫ووضعه في روايته أو قصته وكلتاهما بحاجة إلى النوعيين( الواقعي والخيالي)‪ ،‬ليكون فضاء‬
‫لحركة الشخصيات ونمو األحداث"‪ 1‬أي أن الواقعي ليس للغة عالقة في تشكيله فهو حقيقي‬
‫تتحرك فيه الشخوص وما على الروائي سوى أن يستنسخه ويضعه في روايته‪.‬‬

‫ونجد أيضا" غالب هلسا" هو اآلخر ميز بين ثالث أنواع للمكان وذلك تبعا للعالقة‬
‫الرواية به(المكان) وهي‪:‬‬

‫د‪-‬المكان المجازي‬

‫" وهو الذي نجده في رواية األحداث وهو محض ساحة لوقوع األحداث ال يتجاوز دوره‬
‫ا لتوضيح وال يعبر عن تفاعل الشخصيات والحوادث‪.‬‬

‫ه‪-‬المكان الهندسي‬

‫وهو الذي تصوره الرواية بدقة محايدة‪ ،‬تنقل أبعاده البصرية فتعيش مسافاته وتنقل جزئياته‬
‫من غير أن تعيش فيه‪.‬‬

‫المكان بوصفه تجربة تحمل معاناة الشخصيات وأفكارها ورؤيتها للمكان تثير خيال‬
‫‪2‬‬
‫المتلقي فيستحضره بوصفه مكانا خاصا مميزا"‬

‫‪1‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.1200 :‬‬
‫‪2‬‬
‫أحمد زياد محبك‪ ،‬جماليات المكان في الرواية‪. https://www.diwanalarab.com ،‬‬
‫‪60‬‬
‫الزمان والمكان في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬ ‫الفصل األ ول‪:‬‬

‫أي أن‪ :‬المكان المجازي هو ساحة لوقوع االحداث إال انه غير معبر عن تفاعالت كل‬
‫من الشخصيات والحوادث في حين أن المكان الهندسي هو المكان الذي تصوره الرواية تصوي ار‬
‫دقيقا وتنقل جزئياته دون العيش فيه وأخي ار المكان بوصفه تجربة تحمل معاناة الشخصيات‬
‫وأفكارها مؤدية إلى إثارة خيال المتلقي ما يجعله يراه مكانا متمي از عن باقي األمكنة‪.‬‬

‫‪-3‬المكان أنواعه ومرجعياته في رواية اليوم الموعود‬


‫" يمثل المكان مكونا محوريا في بنية السرد بحيث ال يمكن تصور حكاية بدون مكان‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫فال وجود ألحداث خارج المكان‪ ،‬ذلك أن كل حدث يأخذ وجوده في مكان محدود وزمان معين"‬

‫فالمكان أحد أهم العناصر المكونة للسرد إلى جانب كل من الزمان والشخصيات‪ ،‬والمكان‬
‫نوعان‪ :‬مكان مفتوح(عام) ومكان مغلق(خاص)‪ ،‬وقد ورد المكان بنوعيه الخاص والعام بكثرة‬
‫في الرواية وذلك نظ ار لألهمية البالغة له فهو يعد الفضاء األمثل للشخصيات ألن فيه تؤدي‬
‫كل شخصية دورها بحرية وإتقان وبفضله أيضا تعبر عما بداخلها (أفراح‪ ،‬أحزان‪.)... ،‬‬

‫أ‪-‬األماكن المفتوحة‬

‫" حيز مكاني خارجي ال تحده حدود ضيقة يشكل فضاء رحبا فغالبا ما يكون لوحة‬
‫طبيعية للهواء الطلق"‪ 2‬أي أن األماك المفتوحة أماكن تبعث في النفوس الحرية وذلك نظ ار‬
‫التساعها وعدم تقييدها‪.‬‬
‫وفي الرواية نجد‪:‬‬
‫➢ مدينة دمياط ‪ :‬من أهم األماك المفتوحة في الرواية وذلك لكونها مسرح لوقوع أغلب‬
‫األحداث‪ " :‬لقد فتحت دمياط أبوابها للغزاة من الفرنجة‪ ،‬ولم يكن أحد يسمع في شوارع‬
‫أشموم طناح غير هذه العبارات‪ " :‬فرسان بني كنانة ينسحبون‪ 3"...‬كما أن الروائي وظفها‬

‫‪1‬‬
‫محمد بوعزة‪ ،‬تحليل النص السردي (تقنيات ومفاهيم)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.99 :‬‬
‫‪2‬‬
‫فرحان بدري الحربي وسالم محمد خضر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.988 :‬‬
‫‪3‬‬
‫نجيب الكيالني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.49 :‬‬
‫‪61‬‬
‫الزمان والمكان في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬ ‫الفصل األ ول‪:‬‬

‫(في الرواية) لكونها أحد أهم المدن القوية والتي يأبى شعبها االستسالم "أتستسلم دمياط‬
‫وقفت في وجه العدوان الصليبيين السابق صامدة كالجب‬ ‫بين يوم وليلة وهي التي‬
‫تتكسر لدى أسوارها موجات زحفهم العنيد؟‪...‬أكان هذا هو الرد العملي المفحم الذي أراد‬
‫‪1‬‬
‫أن يرد به على رسالة لويس؟‪"...‬‬
‫➢ مدينة باريس‪ :‬هي األخـرى من األماكن المفتوحة (العامة) المهمة في الرواية فقد مثلت‬
‫المكان الذي كانت تحس فيه الشخصية (الجندي مارسيل) بالراحة بين األمل والمتعة‬
‫"ودفعه هذا الصمت ألن يفكر في الماضي‪ ،‬يفكر في باريس الجميلة حيث‬
‫األمل‪...‬واللهو‪...‬والخمر والنساء‪ ،‬ترى أي شيطان ذلك الذي دفعه ألن يترك باريس‬
‫‪2‬‬
‫ويأتي إلى هنا"‬
‫➢ شاطئ النيل‪ :‬أحد أهم األماكن المفتوحة (العامة) في الرواية وقد لجأ الروائي لتوظيفـها‬
‫كونها كانت مرك از مهما سواء بالنسبة للشخـصية الرئيسية "الملك الصالح نجم الدين‬
‫أيوب" أو المستعمر ( لويس التاسع) "وعلى شاطئ النيل في مـقابلة قصر المماليك كان‬
‫‪3‬‬
‫يقيم ببيت متواضع من طابقين‪ ،‬تبدو عليه آثار القدم‪ ،‬ويحيط به بستان مهجور‪"...‬‬
‫➢ المسجد‪ :‬من األماكن المفتوحة في الرواية وهو مكان يبعث في نفوس الشخصيات‬
‫الراحة والطمأنينة كونه مكان ألداء العبادات" ويقيم على أنقاض المساجد كنائس تدق‬
‫‪4‬‬
‫فيها األجراس وتضاء الشموع؟‪"...‬‬
‫➢ الشارع‪ :‬من أهم األماكن المفتوحة في الروايات ووظف في الرواية ألن الملك الصالح‬
‫كان ي بعث من خالله األمان في نفوس الناس المجتمعين فيه ويعيد بعث الثقة فيهم‪:‬‬
‫""قال ذلك‪ ،‬ثم أمر بأن يحمل على محفته إلى الشارع ليهدئ من روع المفزعين من‬

‫‪1‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.50 :‬‬
‫‪2‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪68-67:‬‬
‫‪3‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪27 :‬‬

‫‪4‬‬
‫نجيب الكيالني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪68:‬‬
‫‪62‬‬
‫الزمان والمكان في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬ ‫الفصل األ ول‪:‬‬

‫الناس وليرد إليهم ثقتهم بأنفسهم ويعيد إليهم إيمانهم بقادتهم وربهم والنصر الذي وعد‬
‫‪1‬‬
‫به المتقين المثابرين"‬

‫ب‪-‬األماكن المغلقة‪:‬‬

‫وهي تلك األمكنة التي تحدها حدود هذه الحدود التي تجعل منها منعزلة عن كل ما هو‬
‫خارجي‪ .‬وهذا األخير يختلف عن المكان المفتوح كونه أضيق منه (المكان العام) إضافة إلى‬
‫أنه يشكل ملجأ وحماية للشخصيات بشتى أنواعها‪.‬‬

‫ومن األماكن المغلقة في الرواية نجد‪:‬‬

‫➢ السجن‪ :‬من األماكن المغلقة في الرواية ويعد هذا المكان من أحد األماكن التي شكلت‬
‫الرعب والخوف في نفسية الشخصية الثانوية عدنان بن المنذر ألنه أجبر على دخوله‬
‫ظلما وتعسفا من توران شاه بن الملك نجم الدين أيوب " عام كامل أقضيه في السجن‬
‫بال ذنب جنيته‪ ،‬ثم تلومين على فراري؟ ومن أدراك أنهم كانوا سيطلقون صراحي أنا‬
‫اآلخر؟ أنسيت أني غرين توران شاه ابن السلطان؟ أال تعلمين أن من عادى السالطين‬
‫أو أبنائهم إما أن يذوق الموت‪ ،‬أو أن يترك في ظالم األسر تأكله القيود ويذيبه‬
‫‪2‬‬
‫الظالم؟"‬
‫وفي مقطع أخر‪" :‬وهكذا عاش عدنان عاما كامال في السجن‪ ،‬يؤرقه حبه الضائع‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫ويحنقه العسف الواقع به‪ ،‬ويثير أشجانه أمه المسكينة التي تحيا بال سند في الحياة‪".‬‬
‫➢ البيت‪ :‬من األماكن الخاصة الحاضرة في الرواية‪ ،‬والبيت أيضا من األماكن الباعثة‬
‫للراحة والهدوء والطمأنينة كون الشخصيات تنعم بالحرية فيه وتكون بعيدة كل البعد عن‬
‫كل ما يقيدها وقد ورد في الرواية في عدة مواضع‪ ":‬كان يقيم ببيت متواضع من طابقين‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ص‪51 :‬‬
‫‪2‬‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ص‪28-29:‬‬
‫‪3‬‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ص‪39:‬‬
‫‪63‬‬
‫الزمان والمكان في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬ ‫الفصل األ ول‪:‬‬

‫تبدو عليه آثار القدم‪ ،‬ويحيط به بستان مهجور قد جفت أشجاره أو كادت‪ ،‬ونبتت على‬
‫‪1‬‬
‫أطرافه النباتات الشوكية والصبار وبضع نخالت معوجة‪"...‬‬
‫وفي موضع آخر‪ ":‬وفي حجرة خافتة الضوء من حجرات هذ البيت جلس عدنان بن‬
‫المنذر صامتا‪ ،‬لكن عينيه كانتا تتأرجحان في قلق وحيرة أما أمه فقد جلست بجواره وقد‬
‫‪2‬‬
‫انحنى ظهرها‪"...‬‬
‫وأيضا‪ " :‬وحين نظر إليها عدنان وهم يجرونه خارج البيت‪ ،‬أشاحت بوجهها في م اررة‬
‫وأطلقت العنان لدموعها كي تخط سط ار جديد في صفحة حياتها الدامية‪ ،‬و يا له من‬
‫‪3‬‬
‫سطر! "‬
‫➢ القصر‪ :‬يعد القصر من األماكن الخاصة(المغلقة) والتي تشكل فضاء رحبا تجتمع فيه‬
‫العديد من الشخصيات المهمة أمثال الملوك وأقاربهم "فأخد لويس بيدها مترفقا‪ ،‬وهو‬
‫يقول‪ :‬ال بأس‪ ...‬أنظري إلى تلك القصور الشاهقة هناك خلف الشاطئ‪ ...‬لن تمر أيام‬
‫قالئل إال وتنزلين فيها معززة مكرمة‪ ،‬وعند ذلك سوف تنسين كل ما لحق بك من‬
‫‪4‬‬
‫متاعب‪"...‬‬
‫ورد أيضا في شكل آخر‪" :‬وصرخ السلطان الصالح كاألسد الجريح صرخة اهتزت لها‬
‫جنبات القصر وأمر قواده وحراسه أن يأتوا‪ ،‬وحينما التم الجمع قال في كلمات صارمة‬
‫‪5‬‬
‫ال تقبل الجدل أو المناقشة‪( :‬لتقبضوا على زعماء بني كنانة الخمسين‪" )...‬‬

‫‪1‬‬
‫نجيب الكيالني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪27 :‬‬
‫‪2‬‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪27:‬‬
‫‪3‬‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ص‪37:‬‬
‫‪4‬‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ص‪45:‬‬
‫‪5‬‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ص‪50:‬‬
‫‪64‬‬
‫الزمان والمكان في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬ ‫الفصل األ ول‪:‬‬

‫وأيضا‪ ":‬وكنت بين أن أبقى في مكاني أنازل العدو وحدي غير عالم باألحداث الكبار‬
‫التي تتدافع في القصر الملوكي‪ ،‬أو أعود إلى أشموم طناح ألرقب التطورات‪ ،‬وأعيد‬
‫‪1‬‬
‫تنظيم الصفوف على ضوء هذه األحداث الجديدة‪".‬‬
‫➢ الخيمة‪ :‬تعتبر من األماكن المغلقة التي وظفت في الرواية وهي المكان الذي كان ينزل‬
‫فيه الحبذى مارسيل فهي بالنسبة له أكثر مكان آمن يحميه من األعداء ونجدها في‬
‫‪2‬‬
‫الرواية في‪ " :‬وقبل أن يجيبها أشار إلى رفقائه أن ينصرفوا فمضوا وهم يزومون"‬
‫وفي موضوع أخر‪" :‬وأطفأ مارسيل الشمعة وأسدل الستار على باب الخيمة رغم ح اررة‬
‫‪3‬‬
‫الجو‪"...‬‬
‫إضافة إلى‪" :‬وعند عودته إلى خيمته مهزوما كسير القلب‪ ،‬اصطدمت قدمه بالطبلة‬
‫الفخارية‪ ،‬فانحنى يقلبها في شغف‪ ،‬ثم تناولها في رفق وحملها إلى ركن الخيمة وفي‬
‫‪4‬‬
‫قلبه دموع‪"...‬‬
‫لنصل في النهاية إلى أن الروائي وظف الكثير من األماكن سواء المفتوحة منها أو‬
‫المغلقة والتي كانت موضع وقوع أحداث الرواية وقد وفق الروائي في توظيفه (لألماكن)‬
‫خاصة المفتوحة منها‪ :‬مدينة دمياط‪ ،‬باريس‪ ،‬مصر‪...‬كلها أماكن واقعية جعلت من‬
‫القارئ أكثر تقربا من الواقع‪.‬‬
‫دون أن ننسى االختيار الموفق لألماكن المغلقة والتي ساهمت في ثراء هذا النص‬
‫الروائي‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ص‪55:‬‬
‫‪2‬‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ص‪101:‬‬
‫‪3‬‬
‫نجيب الكيالني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪79:‬‬
‫‪4‬‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪78:‬‬
‫‪65‬‬
‫ِّّ‬
‫المتخيلة‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الشخصيات‬
‫والتاريخية في رواية اليوم الموعود‬
‫"لنجيب الكيالني"‬
‫ِّّ‬
‫المتخيلة والتاريخية في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الشخصيات‬

‫تتعدد الشخصية الروائية بتعدد األهواء والمذاهب واإليديولوجيات والثقافات والحضارات‬


‫‪1‬‬
‫والهواجس والطبائع البشرية التي ليس لتنوعها وال الختالفها من حدود‪"...‬‬

‫‪-1‬مفهوم الشخصية‬
‫عرف روالن بارت الشخصية الحكائية بأنها (بأنها نتاج عمل تأليفي) كان يقصد أن‬
‫هويتها موزعة في النص عبر األوصاف والخصائص التي تستند إلى اسم علم يتكرر ظهوره‬
‫في الحكي‪ 2" .‬ال يسوق الكاتب أفكاره وقضاياه منفصلة عن محيطها الحيوي واألحداث‪ ،‬وال‬
‫يمكن أن نتصور أحداثا تقع دون أن يشارك في إحداثها شخص أو أشخاص‪ ،‬والشخص‬
‫القصصي يتصف بمجموع صفات عقلية وخلقية يتصف بها اإلنسان العادي وتميزه عن غيره‬
‫من الشخصيات األخرى‪ ،‬وهذه الصفات العقلية والقيم االجتماعية والحيوية التي تتحرك فيها‬
‫الشخصيات‪ ،‬البد لها من مجال تعيش فيه‪ ،‬وتتفاعل مع موجوداته كما هو الحال في الحالة‬
‫العادية‪ ،‬لكن بتوجيه وتكثيف من هنا تتبن العالقة المتفاعلة بين األحداث والشخوص‪.3‬‬

‫‪-2‬أبعاد الشخصية‬
‫يختار الكاتب شخوصه من الحياة عادة (الحياة الحاضرة أو الماضية في التاريخ أو‬
‫المتقبلة في الخيال) كما هو الحال في األحداث‪ ،‬وقد يعيد رسم الشخصية بإضافة صفات‬
‫جديدة خيالية‪ ،‬أو يكثف سلوكه ليظهره على حقيقة معينة وهو إذ يقدم شخصيته يكون حريصا‬
‫أن يعرضها واضحة األبعاد وهذه األبعاد هي‪:4‬‬

‫‪1‬‬
‫عبد الملك مرتاض‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.73 :‬‬
‫‪2‬‬
‫حميد الحميداني‪ ،‬بنية النص السردي من منظور النقد األدبي‪ ،‬ط‪ ،1‬المركز الثقافي العربي للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫الدار البيضاء‪ ،‬ص‪-‬ص‪.52-51 :‬‬
‫‪3‬‬
‫عبد القادر أبو شريفة‪ ،‬مدخل إلى تحليل النص األدبي‪ ،‬ط‪2008 ،4‬م‪1428 ،‬هــ‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬ص‪-‬ص‪.133-132 :‬‬
‫‪4‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.133 :‬‬
‫‪67‬‬
‫ِّّ‬
‫المتخيلة والتاريخية في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الشخصيات‬

‫أ‪-‬البعد االجتماعي‪:‬‬

‫ويتمثل في انتماء الشخصية إلى الطبقة االجتماعية‪ ،‬وفي نوع العمل الذي يقوم به في المجتمع‪،‬‬
‫وثقافته ونشاطه وكل ظروفه‪ ،‬التي يمكن أن يكون لها أثر في حياته وكذلك دينه وجنسيته‬
‫وهواياته…‬

‫ب‪-‬البعد الجسمي‪:‬‬

‫ويتمثل في صفات الجسم المختلفة من طول وقصر‪ ،‬وبدانة ونحافة‪ ،‬ويرسم عيوبه وهيئته‬
‫وسنه وجنسه ‪ ...‬أثر ذلك كله في سلوك الشخصية حسب الفكرة التي يحللها‪.‬‬

‫ج‪-‬البعد النفسي‪:‬‬

‫ويكون نتيجة للبعدين السابقين في االستعداد والسلوك‪ ،‬من رغبات وآمال وعزيمة وفكر‪ ،‬وكفاية‬
‫الشخصية بالنسبة لهدفها‪ ،‬ويشمل أيضا مزاج الشخصية من انفعال وهدوء‪ ،‬وانطواء وانبساط‪.‬‬

‫وبالتالي فالشخصية الروائية تمثل الركيزة األساسية في العمل السردي من خالل الصفات‬
‫والمميزات التي تتحلى بها كل شخصية من الشخصيات الموجودة في المتن الروائي سواء‬
‫كانت شخصية مثقفة أو غير مثقفة أو سعيدة أو حزينة من خالل أبعادها الثالثة‪.‬‬

‫‪-3‬أنواع الشخصية‬
‫تختلف الشخصية الروائية حسب كل دور تؤديه وذلك الختالف أنواعها وهي كاآلتي‪:1‬‬

‫أ‪-‬الشخصية المسطحة‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫عبد القادر أبو شريفة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪-‬ص‪.135 -134 :‬‬
‫‪68‬‬
‫ِّّ‬
‫المتخيلة والتاريخية في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الشخصيات‬

‫ويسميها بعضهم الثابتة‪ ،‬أو الجامدة أو الجاهزة أو النمطية‪ ،‬وكلما تفيد كون الشخصية ال‬
‫تتطور وال تتغير نتيجة األحداث‪ ،‬وإنما تبقى ذات سلوك أو فكر واحد ذات مشاعر وتصرفات‬
‫واحدة‪ ،‬والتغيير الذي يجري هو خارجها كأن تتغير العالقات مع باقي الشخوص‪ ،‬كما هو‬
‫الحال في أبطال قصص المغامرات والقصص البولسية‪.‬‬

‫ب‪ -‬الشخصية المدورة‪:‬‬

‫بعظهم يسميها النامية أو المتطورة وهي الشخصيات التي تأخذ بالنمو والتطور والتغير ايجابا‬
‫وسلبا حسب األحداث ومعها‪ ،‬وال تتوقف هذه العملية إال في نهاية القصة ومن الجدير بالذكر‬
‫أن الذوق الحديث يفضل الشخصية النامية على الثابتة‪ ،‬ومع ذلك فقد تقتضي فنية القصة‬
‫شخصية ثابتة‪ ،‬فتؤدي دورها وتخدم القصة على خير وجه‪.‬‬

‫ج‪ -‬الشخصية الرئيسية‪:‬‬

‫هي التي تدور حولها أو بها األحداث‪ ،‬وتظهر أكثر من الشخصيات األخرى‪ ،‬ويكون حديث‬
‫الشخوص األخرى حولها‪ ،‬فال تطغى أي شخصية عليها‪ ،‬وإنما تهدف جميعا إلبراز صفاتها‬
‫ومن ثم تبرز الفكرة التي يريد الكاتب إظهارها‪ ،‬وقد تكون الشخصية رمز الجماعة أو أحداث‬
‫يمكن فهمها من القرائن الملفوظة والملحوظة‪ ...‬وحياة الشخصيات تكمن في قدرة الكاتب على‬
‫ربطها بالحدث وتفاعلها معه‪ ،‬وجعلها معبرة عن الموقف دون تصنع (أي مقنعة)‪.‬‬

‫د‪-‬الشخصية الثانوية‪:‬‬

‫فهي تضيء الجوانب الخفية أو المجهولة للشخصية الرئيسية‪ ،‬أو تكون أمينة سرها فتبيح لها‬
‫باألسرار التي يطلع عليها القارئ‪.‬‬

‫ه‪-‬الشخصية المرجعية‪:‬‬

‫‪69‬‬
‫ِّّ‬
‫المتخيلة والتاريخية في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الشخصيات‬

‫إنها تعيش في الذاكرة باعتبارها جزء من زمنية قابلة للتحديد والفصل والعزل‪ ،‬كما هي كل‬
‫شخصيات التاريخ أو شخصيات الوقائع االجتماعية‪ ،‬أو شخصيات األساطير‪ ،‬ولهذا السبب‬
‫سيكون مطلوبا على القارئ في حاالت التلقي االستعانة بكل المعارف الخاصة بهذه الكائنات‬
‫التي تعيش في الذاكرة في شكل أحكام ومآسي أو مواقف‪ ،‬تعد هذه المعارف مدخال أساسا من‬
‫أجل اإلمساك بالمضافات التي يأتي بها النص‪ ،‬أو هي نقطة مرجعية استنادا إليها يمكن‬
‫إسقاط كل االنزياحات الممكنة عما تم تثبيته من مضامين‪.1‬‬

‫و‪-‬الشخصيات اإلشارية‪:‬‬

‫يحدد تلك اآلثار المنفلتة من المؤلف‪ ،‬تلك المحافل التي تدل على وجود ذات مسربة إلى النص‬
‫في غفلة من التجلي المباشر للملفوظ الروائي‪ ،‬أو هي بعبارة أخرى‪ " ،‬شخصيات ناطقة باسمه‪،‬‬
‫جوقة التراجيديا القديمة‪ ،‬المحدثون السقراطيون‪ ،‬شخصيات عابرة‪ ،‬رواة ومن شابههم‪... ،‬‬
‫‪2‬‬
‫شخصيات رسام‪ ،‬كاتب‪ ،‬ساردون‪ ،‬فنانون إلخ"‬

‫ز‪-‬الشخصيات االستذكارية‪:‬‬

‫يكمن دورها في ربط أجزاء العمل السردي بعضها ببعض‪ ،‬ويحتاج اإلمساك بهذا النوع من‬
‫الشخصيات إلى إلمام بمرجعية السنن الخاص بالعمل األدبي‪ ".‬فهذه الشخصيات تقوم داخل‬
‫الملفوظ‪ ،‬بنسخ شبكة من التداعيات والتذكير بأجزاء ملفوظة من أحجام متفاوتة (جزء من‬
‫الجملة‪ ،‬كلمة‪ ،‬فقرة) ووظيفتها من طبيعة تنظيمية وترابطية باألساس‪ ،‬إنها عالمات تنشط ذاكرة‬

‫‪1‬‬
‫فيليب هامون‪ ،‬سيمولوجيا الشخصيات الروائية‪ ،‬ترجمة سعيد بن كراد‪ ،‬تقديم‪ :‬عبد الفتاح كيليطو‪ ،‬دار الحوار للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬ط‪ ،2013 ،1‬ص‪.14:‬‬
‫‪2‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬
‫‪70‬‬
‫ِّّ‬
‫المتخيلة والتاريخية في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الشخصيات‬

‫القارئ‪ ،‬أو هي األداة التي من خاللها يمتلك الخطاب ذاكرة‪ ،‬تتحول إلى مرجعية داخلية ال‬
‫يمكن فهم األحداث دون استحضار هذه الذاكرة‪.1‬‬

‫وبالتالي فالشخصيات الروائية هي بمثابة محور الرواية الرئيسي‪ ،‬فالمبدع أو الكاتب‬


‫يستطيع أن يوصل للقارئ ما يجول في فكره بواسطة الشخصيات الموجودة في الرواية‪.‬‬

‫من خالل قراءتنا لرواية اليوم الموعود لنجيب الكيالني تبين لنا أن هناك تنوع في‬
‫شخصيات الرواية حيث نجد الشخصية المسطحة‪ ،‬المدورة‪ ،‬اإلشارية‪ ،‬االستذكارية‪ ،‬المرجعية‪،‬‬
‫والشخصية الثانوية والرئيسية‪ .‬فلكل شخصية روائية أبعادها الخاصة التي تميزها عن غيرها‬
‫(البعد النفسي والجسمي واالجتماعي) حيث أن هذه األبعاد تضع كل نوع من الشخصية الروائية‬
‫في إطارها‪ ،‬وقد ركزنا في دراستنا لرواية اليوم الموعود على نوعين من الشخصيات وهما‬
‫الشخصيات الرئيسية والثانوية‪.‬‬

‫‪-4‬الشخصيات‪ ،‬أنواعها وأبعادها في رواية اليوم الموعود" لنجيب الكيالني"‬

‫أ‪-‬الشخصية الرئيسية وأبعادها في رواية اليوم الموعود‬

‫الشخصيات الرئيسية هي الشخصيات التي تدور حولها األحداث بشكل كبير وتظهر‬
‫أكثر من الشخصيات األخرى‪ ،‬وفي رواية اليوم الموعود تتمثل في شخصية الملك الصالح نجم‬
‫الدين أيوب‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪-‬ص‪.15-14 :‬‬
‫‪71‬‬
‫ِّّ‬
‫المتخيلة والتاريخية في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الشخصيات‬

‫الملك الصالح نجم الدين أيوب‪:‬‬

‫تعتبر شخصية الملك الصالح نجم الدين أيوب شخصية رئيسية في الرواية‪ ،‬فهي أكثر‬
‫الشخصيات حظا ألنها سيطرت على اهتمام المؤلف‪ ،‬وهذه الشخصية تقوم على ثالثة أبعاد‬
‫وهي‪:‬‬

‫• البعد االجتماعي‬

‫ويتمثل هذا البعد في حالة الملك الصالح نجم الدين أيوب االجتماعية‪ ،‬فيبرز الوضع‬
‫االجتماعي من خالل مواقفه وأفعاله‪ ،‬وهذا ما ذكره الراوي في عدة مقاطع سردية من خالل‬
‫روايته‪ " :‬كان التاجر يلهث من شدة التعب‪ ،‬وكان غبار السفر اليزال عالقا بأهدابه وشعره‬
‫ومالبسه‪ ،‬وسرعان ما أشار إليه الملك الصالح بالجلوس‪ ،‬وهو يقول متوددا‪:‬‬

‫‪ -‬أما كان من األفضل لك أن تستريح قليال في قصر الضيافة؟‬

‫فقال التاجر في نبرات متقطعة‪ ،‬يعوقها تالحق أنفاسه‪:‬‬

‫‪ -‬إن األمر أخطر من أن أجله حتى الصباح يا موالي‪ ..‬إني أحمد هللا إذ جعلني أبلغ‬
‫دمشق‪ ،‬بعد ان تجشمت المخاطر‪ ،‬وقطعت القفار‪ ،‬ولم اكف عن المسير في النهار‬
‫أو في الليل‪ ..‬وعندما نفق جوادي ولم أستطع الحصول على غيره واصلت رحلتي‬
‫على قدمي‪...‬‬

‫وأطال الملك النظر في هذا التاجر الغريب‪ ،‬ثم أطال فيه التدقيق دون أن يدري من أمره‬
‫شيئا‪ ،‬كما ال حظ الملك تغي ار في لهجته‪ ،‬وسحنة وجهه‪ ،‬فخيل إليه أن هذا الزائر الغامض أبعد‬
‫ما يكون عن الل سان العربي والجنس العربي‪ ،‬وتيقن الملك الصالح أن وراء هذا الرجل شيئا‪،‬‬
‫مما أثار مزيدا من الفضول في نفسه‪ ،‬وجعل رغبته في معرفة السر أشد اشتعاال‪ ،‬ولم يطل‬
‫انتظار الملك‪ ،‬فقد هب التاجر واقفا وانتزع مالبس التجار التي يرتديها‪ ...‬ثم أخرج منه رسالة‬

‫‪72‬‬
‫ِّّ‬
‫المتخيلة والتاريخية في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الشخصيات‬

‫ملفوفة في شريط من حرير أخضر‪ ،‬وقدمها إلى الملك الصالح الذي لم يكن الذي لم يكد يفيق‬
‫من دهشته حتى غمغم‪ :‬هذه الرسالة من موالي اإلمبراطور فريديريك الثاني‪ ..‬فقال الملك‬
‫الصالح وقد أخذته المفاجأة وعلته الدهشة‪:‬‬

‫‪ -‬أتقول من فريديريك؟‬
‫‪ -‬أجل يا موالي‪ ..‬وهو يتمنى لك حظا سعيدا وانتصا ار مؤزرا‪.‬‬

‫وكانت تربط الملكين صداقة متينة‪ ،‬وصلة قديمة‪ ،‬كما كان بينهما مواثيق ومعاهدات منذ‬
‫أيام الملك الكامل والد الملك الصالح تتعلق بأمالك المسيحيين في الشرق‪ ،‬وتأمين طريق الحج‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫ورعاية األماكن المقدسة‪ ،‬وحماية شعارها الدينية"‬

‫كما أن للكاتب ثقافة دينية برزت في روايته من خالل تجلي آيات من الذكر الحكيم في‬
‫عمله حيث يقول‪ ":‬وصل كتابك‪ ،‬وأنت تهدد في بكثرة جيوشك‪ ،‬وعدد أبطالك‪ ،‬فنحن أرباب‬
‫السيوف‪ ،‬وما قتل منا فرد إال جددناه‪ ،‬وال بغى علينا باغ إال دمرناه فلو رأت عيناك‪ -‬أيها‬
‫حد سيوفنا وعظم حروبنا‪ ،‬وفتحنا منك الحصون والسواحل‪ ،‬وإخرابنا منكم ديار‬
‫المغرور‪ّ -‬‬
‫األواخر واألوائل‪ ،‬فكان لك أن تعض على أناملك بالندم‪ ،‬وال بد أن تزل بك القدم‪ ،‬في يوم أوله‬
‫لنا وآخره عليكم فهناك تسيء بك الظنون‪ ،‬وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون فإذا قرأت‬
‫كتابي هذا فكن فيه على أول سورة النحل" أَتَى أ َْم ُر اَهلل َف َال تَ ْستَ ْع ِجُلوه" ( النحل‪ ،‬اآلية‪ ،)1‬وكن‬
‫فيه على آخر سورة ص" َوَلتَ ْعَل ُم َّن َن َبأَهُ َب ْع َد ِحين"( ص‪ ،‬اآلية ‪ ،)88‬ونعود إلى قوله تعالى وهو‬

‫أحق القائلين" َك ْم ِم ْن ِف َئ ٍة َقلِيَل ٍة َغَلَب ْت ِف َئ اة َكِث َيراة ِبِإ ْذ ِن اَهللِ َواَهللُ َم َع اَ َّ‬
‫لصاِب ِرين" ( البقرة‪ ،‬اآلية‬
‫‪ ) 249‬وإلى قول الحكماء‪ ":‬إن الباغي له مصرع" وبغيك أيها الملك مصرعك وإلى البالء‬
‫‪2‬‬
‫تقلبك‪ ،‬والسالم‪"..‬‬

‫‪1‬‬
‫نجيب الكيالني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪-‬ص‪.20-19 :‬‬
‫‪2‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.51 :‬‬
‫‪73‬‬
‫ِّّ‬
‫المتخيلة والتاريخية في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الشخصيات‬

‫رسم لنا الكاتب الصراعات والتشابكات مع المعتدين وذلك من خالل قول الكاتب‪ ":‬كال‬
‫يا موالي‪ ..‬إن العدو القادم من الغرب يريد أن يحتل بيت المقدس والشام في حقيقة األمر ومن‬
‫ثم أراد أن يضرب مصر ألنها قلعة الشرق‪ ،‬وحصن الملة الحصين‪ ،‬ومعنى ذلك يا موالي أن‬
‫الغزاة الصليبيين لم يتركوا أمي ار من امراء المسلمين فوق عرشه‪ ..‬إنه عدوان على الجميع‪..‬‬
‫وأعمل الملك الصالح الفكر في روية وتأن‪ ..‬ووقفت شجرة الدر إزاءه تنتظر ما يقول‪ ..‬وأظلهما‬
‫جو القلق والحيرة‪ ،‬ألن األحداث سريعة متالحقة‪ ،‬ال تدع فرصة كافية لالختيار أو التدقيق‪،‬‬
‫ومن ثم قال الملك الصالح نجم الدين أيوب‪:‬‬

‫‪ -‬إلى مصر غدا يا شجرة الدر‪..‬‬


‫‪ -‬على بركة هللا يا موالي‪..‬‬

‫لم يكن للناس حديث غير عودة الفرنجة لشواطئ مصر الشمالية ومجيء الملك الصالح‬
‫من دمشق ليتخذ التدابير العاجلة لمالقاة الغزاة‪ ،‬ولم يكن وقع هذه االنباء على المصريين‬

‫ِّ‬
‫بالهين اليسير‪ ،‬ألن مثل هذه الحرب المتوقعة لن تحمل في ثناياها غير الدمار والموت‬
‫‪1‬‬
‫واآلفات‪".‬‬

‫• البعد الجسمي‬

‫يتمثل هذا البعد في صفات الجسم المختلفة التي يتميز بها الملك الصالح نجم الدين‬
‫أيوب‪ ،‬وهذا ما ذكره الكاتب في عدة مقاطع في روايته‪ ":‬كان الملك الصالح نجم الدين أيوب‬
‫مضطجعا على سريره‪ ،‬محملقا بنظراته الغاضبة في سقف الحجرة‪ ،‬وكانت مالمح وجهه الصارم‬
‫تنبئ عن ألم مكبوت‪ ،‬وثورة مكظومة‪ ،‬وتفكير عميق‪ ،‬ولِ َم ال يفكر وتمتلئ نفسه حنقا وثورة؟‬
‫إنه لم يشعر بالراحة أو ينعم بالهدوء في يوم من األيام‪ ،‬وحياته كلها مزيج من الغربة والمغامرات‬
‫واآلالم‪ ،‬كان له في كل خطوة كمين‪ ،‬وفي كل طريق مؤامرة‪ ،‬فذاق م اررة األسر‪ ،‬وقسوة السجون‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫نجيب الكيالني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪-‬ص‪.27-26 :‬‬
‫‪74‬‬
‫ِّّ‬
‫المتخيلة والتاريخية في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الشخصيات‬

‫وتعرض للموت في جنح الظالم‪ ،‬حتى طعامه كان يقبل عليه في إشفاق وخوف مما قد ُي َد ُّس‬
‫له فيه من سموم‪ ...‬أهكذا تنقلب حالوة الملك إلى م اررة‪ ،‬وتتحول أضواء السلطة والمجد إلى‬
‫مخاوف ونذر شر‪ ،‬ويصير الهدوء والنعيم أرقا وشقاء مقيماَ؟!‬

‫وتململ الملك الصالح في فراشه وأرسل تنهيدة حارة‪ ،‬ثم زحف بأنامله مثوى تلك القرحة‬
‫الدامية بين الفخذ والساق من الخلف‪ ،‬وتحسسها في رقة مخافة أن يزيد في آالمها‪ ،‬ثم سعل‬
‫في عنف‪ ،‬وسرعان ما سحب يده ووضعها على صدره الذي أخذ يهتز مع كل سعلة‪ ،‬وبعد‬
‫لحظات خفت نوبة السعال‪ ،‬فارتمى الملك على فراشه في إجهاد وقد احتقن وجهه‪ ،‬ونزلت‬
‫‪1‬‬
‫قطرات من عينيه"‬

‫• البعد النفسي‬

‫يتمثل الجانب النفسي في شخصية الملك الصالح نجم الدين أيوب النفسية وما تحمله‬
‫من انفعال وهدوء وانطواء وحزن‪ ...‬هذا ما ذكره الكاتب في عدة مقاطع سردية في روايته‪":‬‬
‫وسعا في تجهيز الجنود‪ ،‬وإعداد العدة لكل طارئ‪ ،‬كان يريد‬
‫تعسا حزينا رغم أنه لم يدخر ا‬
‫كان ا‬
‫أن يقدم بنفسه‪ ،‬ويتقدم الجنود‪ ،‬ويلتقي بلويس وجها لوجه‪ ،‬ويلقنه درسا قاسيا من جراء تلك‬
‫الرسالة التي تصرخ سطورها بالتحدي‪ ،‬وتمعن في الغرور‪ ،‬وأدركت شجرة الدر بنظرتها الصائبة‬
‫‪2‬‬
‫وفكرها الثاقب ما يعتمل في ذهن الملك من خواطر‪".‬‬

‫رسم لنا الكاتب مجموعة من صفات الملك صالح نجم الدين أيوب وهو مريض طريح‬
‫الفراش تجّلى ذلك في قوله‪ " :‬وسمع الملك الصالح وهو على محفة المرض بما جرى‪ ،‬فمالت‬
‫به األرض‪ ،‬وأظلمت عليه الدنيا في عينيه وبدا له أو الموت كان أخف وطأة عليه من هذه‬
‫األنباء الرهيبة‪ ،‬يا للسخرية المريرة! أتستسلم دمياط بين يوم وليلة وهي التي وقفت في وجه‬

‫‪1‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪-‬ص‪.12-11 :‬‬
‫‪2‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.46 :‬‬
‫‪75‬‬
‫ِّّ‬
‫المتخيلة والتاريخية في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الشخصيات‬

‫العدوان الصليبي السابق صامدة كالجبل‪ ،‬تتكسر لدى أسوارها موجات زحفهم العنيد؟ أكان هذا‬
‫هو الرد العملي المفحم الذي أراد أن يرد عليه به على رسالة لويس؟ ‪ ..‬االستسالم التام؟ أين‬
‫أبطال بني كنانة بل أين مهارة فخر الدين القائد الشجاع الذي تتغنى ببطوالته وأمجاده شجرة‬
‫الدر‪ ،‬والتي ألحت في تعيينه قائدا للجيش‪ ..‬أين‪ ..‬أين؟ أشياء كثيرة كانت تدور في رأس الملك‬
‫الصالح وهو يتململ من الغيظ‪ ،‬وينقلب على أحر من الجمر‪ ،‬ويضرب بقبضته على صدره‪،‬‬
‫حقا لكأنه يريد أن يصرع ذلك الداء الخبيث الذي أعجزه عن القيام بدوره على الوجه الذي‬
‫‪1‬‬
‫يرضيه‪..‬‬

‫إضافة إلى قول الكاتب في رواية "اليوم الموعود" خاصة عندما اقتربت نهاية الملك‬
‫الصالح نجم الدين أيوب‪ ،‬وتجلت هذه المقاطع في قوله‪ ":‬أنا ال أخاف الموت يا حبيبتي‪ ..‬إنه‬
‫العدو الوحيد الذي ال يقهر‪ ،‬يجب أن نحني له الرأس ونسير خلفه طائعين‪ ..‬لكن أمر الموت‬
‫ال يخيفني إلى هذه الدرجة‪ ،‬بل إني ال أفكر إال في وضع البالد الراهن‪ ،‬األعداء يزحفون من‬
‫كل جانب‪ ،‬والناس يقفون لهم بالمرصاد من كل فج والحرب دائرة‪ ..‬لكن أليس الناس في حاجة‬
‫إلى ملك‪ ..‬إلى رجل يثقون فيه ويثق فيهم؟ أتريين إنسانا يخلفني بعد موتي ويحمل أمانة الحكم‬
‫حمال صادقا‪...‬؟ ستقولين تران شاه‪ ..‬كال يا عزيزتي إنه داعر‪ ..‬عربيد‪ ..‬بئس االبن هو‪ ،‬إني‬
‫ال أستطيع أن أتصور مصر وقد جلس على عرشها ذلك المأفون الخليع‪ ..‬كال‪..‬‬

‫قالها ثائرا‪ ،‬مما أعاد إليه نوبة السعال من جديد‪ ،‬فانحنت عليه شجرة الدر تهدئ من‬
‫روعه‪ ،‬وتخفف من حدة ثورته‪ ،‬وتقول‪:‬‬

‫‪ -‬لِ َم هذه األفكار السوداء يا موالي‪ .‬إنك لم تزل بخير والحمد هلل‪ ،‬وسوف يكتب لك هللا‬
‫الشفاء ويهبك العمر المديد"‪.2‬‬

‫‪1‬‬
‫نجيب الكيالني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.50 :‬‬
‫‪2‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.109 :‬‬
‫‪76‬‬
‫ِّّ‬
‫المتخيلة والتاريخية في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الشخصيات‬

‫وقوله أيضا‪:‬‬

‫" كال يا عزيزتي‪ ..‬كم يقلقني‪ ،‬ويؤرق علي ساعاتي األخيرة أن أترك مكاني شاغرا‪ ،‬أو‬
‫أسلمه لمجنون مستهتر مثل توران شاه‪ ،‬اسمعي يا عزيزتي يجب أن يترك أمر وراثة الملك‬
‫للخليفة في بغداد يصرفه كيف شاء‪ ..‬لم يخلق توران ولدي ليكون ملكا‪ ،‬فالصعاليك إذا ما تولوا‬
‫أحالوا بيت الحكم إلى حانة للخطايا‪ ،‬يجب أن تعديني بذلك‪.‬‬

‫وسكت لبعض اللحظات وهو يبعث أنفاسه الالهثة‪ ،‬وغمغم في صوت خفيض‪:‬‬

‫‪ -‬آه‪ ..‬كم أتمنى أن أعيش وأرى بعيني فلول األعداء وهو يولون األدبار فيكون البحر‬
‫من أمامهم وقواتنا من خلفهم‪ ..‬وأرى أبناء بالدي في مواكب النصر األغر يكبرون‬
‫ويهللون ويترنمون‪..‬‬

‫إنها لحظات حلوة يا شجرة الدر‪ ،‬أراها بعين الخيال‪ ،‬فيرقص قلبي العليل من شدة الفرح‬
‫وكأنه في عنفوان شبابه وقوته‪ ..‬باهلل عليك يا شجرة الدر إذا رأيت طالئع النصر تنطلق‬
‫في سهولنا الخضراء‪ ،‬فلـ ‪ ...‬يستطع الملك الصالح نجم الدين أيوب أن يكمل عباراته‪،‬‬
‫فقد خارت قواه‪ ،‬ووقع في غيبوبة من أثر االجهاد واالنفعال الذي سيطر عليه حينذاك‪..‬‬
‫‪1‬‬
‫وبعدها بساعات أسلم الروح"‬

‫من خالل هذه األبعاد التي ميزت الملك الصالح نجم الدين أيوب نالحظ انه ملك قوي‬
‫وصارم وشجاع‪ ،‬يريد أن ينتصر على أعدائه لكن المرض لم يدعه يحقق ما يتمناه وما‬
‫يصبو إليه من مجد ونصر وفوز على األعداء في المعارك‪ ،‬كان ملكا يحب بالده ووطنه‬
‫أشد حب ووفاء وإخالص‪ ،‬مات وهمه الوحيد الخالفة ومن سيتولى الحكم؟ ‪ ..‬أوصى‬
‫زوجته شجرة الدر أن تفعل ما أمرها لكي تكون بالده حرة أبي اة منتصرة على األعداء‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫نجيب الكيالني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪-‬ص‪.111-110 :‬‬
‫‪77‬‬
‫ِّّ‬
‫المتخيلة والتاريخية في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الشخصيات‬

‫ب‪-‬الشخصيات الثانوية وأبعادها في رواية اليوم الموعود" لنجيب الكيالني"‬

‫وهي أقل هيمنة وحضو ار من الشخصية الرئيسية‪ ،‬حيث تكون في المتن الروائي بنسبة‬
‫أقل‪ ،‬ومن بين هذه الشخصيات في رواية اليوم الموعود شخصية شجرة الدر‪ ،‬وغيرها من‬
‫الشخصيات األخرى سوف نتطرق إليها بعد حين‪.‬‬

‫شجرة الدر‪:‬‬

‫هي زوجة الملك الصالح نجم الدين أيوب‪.‬‬

‫• البعد االجتماعي‪ :‬يتمثل هذا البعد في حالة شجرة الدر االجتماعية حيث برزت في‬
‫رواية اليوم الموعود حالة شجرة الدر وأوضاعها االجتماعية‪ ،‬وهذه الشخصية كانت‬
‫زوجة مطيعة وفاضلة للملك الصالح نجم الدين أيوب‪ ،‬برز ذلك في عدة مقاطع في‬
‫الرواية نذكر مها ما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬أنا طوع أمرك يا موالي‪ ...‬لقد سمعت سعالك فهرولت إليك مذعورة‪ ،‬آه يا موالي‪ ،‬كم‬
‫‪1‬‬
‫أتمنى أن أفديك بروحي وحياتي وأتحمل عنك أعباء هذه األوجاع!‬

‫إضافة إلى مقطع آخر‪ :‬فقالت "شجرة الدر"‪ ،‬وقد ازدادت منه اقترابا‪:‬‬

‫‪ -‬ال عليك يا موالي‪ ...‬إنك أقوى من ان يطمع فيك طامع‪ ،‬أو يناوشك مغرور‪.‬‬
‫‪ -‬وماذا تقولين في صاحب حلب الذي تج أر علينا؟‬
‫‪ -‬ما أحسبه إال خائفا على عرشه‪ ،‬يظنك قادما عليه في أية لحظة لتقضي على‬
‫مؤامرته‪ ،‬وأطماعه الضيقة‪ ،‬ومن ثم بادر بالمناوشة وهذا منه جنون ورعونة ولن يجني‬
‫من وراء ذلك إال الدمار‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫نجيب الكيالني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.12 :‬‬
‫‪78‬‬
‫ِّّ‬
‫المتخيلة والتاريخية في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الشخصيات‬

‫وشعر الملك بغير قليل من الراحة‪ ،‬واستعاد هدوءه وشيئا من نشاطه‪ ،‬فنهض من رقدت‪،‬‬
‫واتّكأ على عدد من الوسائد الحريرية‪ ،‬ثم قال‪:‬‬

‫‪ -‬ما أشقى الملوك!‬


‫‪ -‬فقالت وهي تبتسم‪ :‬الملك متاعب ودم ومعارك‪ ،‬وما أظن موالي إال ندا شجاعا لكل‬
‫األهوال والصعاب‪ ،‬أتحسب يا موالي أنك ستنعم بالهدوء‪ ،‬وتخلد إلى الراحة إذا صفا‬
‫الجو‪ ،‬ووضعت السيوف في أغمادها؟‬
‫‪ -‬فقال الملك وقد ارتاح إلى لباقة حديثها وجمال ثنائها عليه‪ :‬صدقت يا شجرة الدر فأنا‬
‫أحب الحركة والنضال‪ ،‬وأمقت أشد المقت حياة الدعة والخمول‪ ،‬إنها موت قل الموت‪،‬‬
‫لكن ليس معنى ذلك ان أخلق لنفسي المتاعب‪ ،‬وأفتعل المعارك بال مبرر‪.1‬‬
‫‪ -‬حاشا يا موالي‪ ...‬ما قصدت ذلك‪.‬‬
‫‪ -‬أعرف ذلك يا حبيبتي‪ ...‬إن آمالي أوسع مما تتصورين يا شجرة الدر‪ ،‬ليس مجرد‬
‫الرغبة في المجد والبطولة هو الذي يدفعني ويحركني‪ ،‬إن أول شيء أفكر فيه هو‬
‫أن أجمع هذه الممالك الصغيرة المتنافرة‪...‬‬

‫فانحنت شجرة الدر فوقه‪ ،‬وقبلت جبهته في تقدير وإعجاب وهمست‪:‬‬

‫‪ -‬أهذا كل ما تفكر فيه يا موالي؟‬

‫فضغ ط على يدها في عاطفة جياشة وقال‪ ،‬وأغمض عينيه لحظات‪ ،‬ثم قال في نبرات‬
‫رقيقة نابضة باالنفعال‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫‪ -‬أنا واثق أنك تعرفين ما أكنه لك في قلبي‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪-‬ص‪.14-13 :‬‬
‫‪2‬‬
‫نجيب الكيالني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.14 :‬‬
‫‪79‬‬
‫ِّّ‬
‫المتخيلة والتاريخية في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الشخصيات‬

‫خالل هذا البعد االجتماعي نجد أن شجرة الدر زوجة الملك الصالح نجم الدن أيوب‪،‬‬
‫زوجة مطيعة وصديقة وفية ورفيقة دربه في األحزان واألفراح وفي الحروب والمعارك‪ ،‬فهو‬
‫يجدها دائما بجانبه خاصة أثناء مرضه حيث كانت تحرص عليه وتعتني به وبصحته‪ ،‬وكان‬
‫الملك يرتاح حينما تكلمه وتمدحه دائما وتثني عليه‪.‬‬

‫• البعد الجسمي‪ :‬وهو عبارة عن صفات الجسم المختلفة التي تتميز بها شجرة الدر برز‬
‫ذلك في هذه المقاطع‪:‬‬

‫" فمر الملك براحة يده على جبينها الناصع‪ ،‬وتحسس شعرها الناعم الذي تفوح منه رائحة‬
‫‪1‬‬
‫المسك‪ ،‬وإزارها الحريري"‬

‫" كانت شجرة الدر تجلس في حجرتها شاحبة الوجه‪ ،‬محتقنة العينين‪ ،‬وكان باب الحجرة‬
‫‪2‬‬
‫مغلقا ال يسمح ألحد باالقتراب منه إال جاريتها الخاصة"‬

‫هذه بعض صفات شجرة الدر الجسمية فهي جميلة وبيضاء البشرة ذات شعر ناعم‬
‫وجميل‪.‬‬

‫• البعد النفسي‪ :‬يشمل هذا البعد صفات شجرة الدر النفسية من حب وكره وعطف وحنان‬
‫هذا ما سنالحظه في هذه المقاطع الموجودة في رواية اليوم الموعود‪:‬‬

‫فضحكت وقال‪:‬‬

‫‪ -‬إن سداد رأيك‪ ،‬وثقتي فيك‪ ،‬وعطفك السابغ علي تمدني بالكثير من الثبات والصبر‪.‬‬
‫‪ -‬لست يا شجرة الدر مجرد زوجة وفية؟ بل أنت رفيقة كفاحي وآالمي وآمالي‪ ..‬لكن‪..‬‬

‫‪1‬‬
‫نفس المرجع‪ ،‬ص‪.12 :‬‬
‫‪2‬‬
‫نفس المرجع‪ ،‬ص‪.108 :‬‬
‫‪80‬‬
‫ِّّ‬
‫المتخيلة والتاريخية في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الشخصيات‬

‫فقالت متلهفة‪:‬‬

‫‪ -‬ما أعظم سعادتي وانا أستمع إلى هذه الكلمات‪ .‬لكن ماذا يا موالي؟‬
‫‪1‬‬
‫‪ -‬ال شيء‪...‬‬

‫وأخذت شجرة الدر في جلستها تلك تستعيد ما حدث في تلك الليلة الماضية وتذكرت تلك‬
‫النوبة العنيفة من السعال الحاد التي دهمت الملك الصالح‪ ،‬وجعلته يطفح الدم من فمه‪ ،‬وحينما‬
‫اقتربت منه في خوف واشفاق نظر إليها بعينيه الغاربتين‪ ،‬وقال‪:‬‬

‫‪ -‬إن رسول الموت يقف بالباب يا شجرة الدر‪.‬‬

‫فقالت مأخوذة‪:‬‬

‫‪ -‬ماذا يا موالي؟ ‪..‬‬


‫‪ -‬إنك تتجاهلين األمر الواقع‪ ،‬يبدو أني في لحظاتي األخيرة‪ ،‬إن نهايتي تقترب‪ ..‬ولم‬
‫يبق في العمر بقية أيتها الزوجة العزيزة‪ ..‬ليس لنا في حيلة‪.‬‬

‫فقالت شجرة الدر والدموع في عينيها‪:‬‬

‫‪ -‬إن هللا أرحم بنا من أن ينزعك من بيننا في هذه اللحظات الحرجة‪ ،‬يجب أن تثق في‬
‫‪2‬‬
‫ذلك‪.‬‬

‫وانهارت شجرة الدر‪ ،‬وجرت دموعها غزيرة فوق خديها ثم دفنت رأسها في فراش زوجها‪،‬‬
‫وأخذت تشهق شهقات مكتومة مخافة أن يسمعها أحد‪ ،‬وأحست شجرة الدر بعد فترة أن الدموع‬
‫التي ذرفتها قد خففت بعض الشيء عن قلبها الجريح وسرعان ما جففت دموعها‪ ،‬وانتصبت‬
‫واقفة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫نجيب الكيالني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪-‬ص‪.15-14 :‬‬
‫‪2‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.108 :‬‬
‫‪81‬‬
‫ِّّ‬
‫المتخيلة والتاريخية في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الشخصيات‬

‫وقد اكتسى وجهها بالصرامة والجد‪ ،‬وقالت‪:‬‬

‫‪ -‬لن يجدي البكاء األمر خطير ويحتاج إلى الحسم والكتمان‪ ،‬وإال ضعنا وضاعت‬
‫مصر‪ ،‬وضاع من خلفها بالد كثيرة‪.‬‬

‫وحدة‪ ،‬لقد كانت شجرة الدر كما قلنا من ذلك الصنف الذي تشحذ‬
‫وأخذت تفكر بسرعة ّ‬
‫عقله األزمات‪ ،‬وتكشف عن عبقريته‪ ،‬وكفايته‪ ،‬ومن ثم قررت أمرا‪ ..‬وعلى الفور أرسلت في‬
‫‪1‬‬
‫طلب فخر الدين ابن شيخ الشيوخ والطواشى جمال الدين محسن‪.‬‬

‫هذه المقاطع تدل على حزن شجرة الدر على زوجها الملك الصالح نجم الدين أيوب‬
‫وحالتها النفسية المتدهورة حيث وجدت نفسها في حيرة أمام موت الملك الصالح نجم الدين‬
‫أيوب ومن سيتولى الخالفة؟ لكنها كانت ذات دهاء وحنكة وأخفت خبر موت زوجها على‬
‫أعداءه إلى أن أتى فخر الدين بن شيخ الشيوخ لكي يساعدها في محاربة األعداء وإدارة شؤون‬
‫المملكة‪.‬‬

‫فخر الدين بن شيخ الشيوخ‪:‬‬

‫وهو قائد الجيش‬

‫• البعد االجتماعي‪ :‬تجلى ذلك في عدة مقاطع من الرواية نذكر منها ما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬نحن طوع أمرك يا موالتي‪ ،‬غير أنني أتساءل‪ ..‬إلى متى يظل كرسي السلطنة؟‬

‫فأجابت وهي ترمقه بنظرات آمرة ثابتة‪:‬‬

‫‪ -‬إلى أن يأتي توران شاه من حصن كيفا‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫نجيب الكيالني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.111 :‬‬
‫‪82‬‬
‫ِّّ‬
‫المتخيلة والتاريخية في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الشخصيات‬

‫‪ -‬فقال دهش ا‪ :‬توران شاه كيف؟‬


‫‪ -‬ألنه الوارث الوحيد يا فخر الدين‪ ،‬وألن الحالة الراهنة تقتضي ذلك‪.‬‬

‫فالذ فخر الدين بالصمت مدة قصيرة ثم استدرك قائال‪:‬‬

‫‪ -‬إن مصلحة البالد فوق كل اعتبار‪ ،‬ومادام موالنا الملك الصالح قد أوصى بذلك قبل‬
‫‪1‬‬
‫موته‪ ،‬فلتنفذ إرادته‪.‬‬

‫كان القائد فخر الدين بن شيخ الشيوخ مطيعا لزوجة الملك الصالح فخر الدين‪ ،‬حيث‬
‫كان يفعل ما تأمره وما تريده‪.‬‬

‫• البعد الجسمي‪ :‬يتمثل هذا الجانب في صفات الجسم المختلفة من طول وقصر وغيرها‪،‬‬
‫لكن في رواية اليوم الموعود لم يذكر الكاتب الصفات الجسمية لفخر الدين بن شيخ‬
‫الشيوخ وذكر الشجاعة والقوة أثناء محاربة العدوة‪.‬‬

‫تجلت في الرواية بعض من مظاهر قوة القائد فخر الدين‪ :‬بن شيخ الشيوخ وهي‪:‬‬

‫" أيها األمير فخر الدين‪ ...‬الحذر الحذر‪ ...‬إن الفرنجة قد أقبلوا تحت جنح الظالم ‪...‬‬
‫وساد االرتباك المعسكر السلطاني‪ ،‬وأخذ الجنود يجرون هنا وهناك باحثون عن خيولهم‬
‫وأسلحتهم‪ ،‬ولم يصدق فخر الدين أذنيه حينما باغتته الصيحة المشؤومة‪ ،‬وسرعان ما غادر‬
‫الحمام‪ ،‬ووثب على ظهر حصانه بال درع أو ألمة‪ ،‬وأخذ يجوب المعسكر وهو في حيرة من‬
‫أمره محاوال أن يلم الشعث ويجمع الجنود وينظم الصفوف‪ ،‬ويبث بينهم الثقة ويرفع من روحهم‬
‫المعنوية‪ ،‬وأدرك على التو أن األمر من الصعوبة بمكان‪ ...‬فماذا يفعل إذن؟؟ أينسحب هو‬
‫وجنوده إلى المنصورة حتى يأمن روعهم ويذهب عنهم أثر المباغتة‪ ،‬ويستعد لوثبة أخرى؟‬

‫‪1‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.112 :‬‬
‫‪83‬‬
‫ِّّ‬
‫المتخيلة والتاريخية في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الشخصيات‬

‫وصرخ فخر الدين تأثرا‪ :‬كال‪ ...‬لن تتكرر مأساة دمياط‪ ،‬وسأوفي بما أقسمت عليه ولن يمر‬
‫‪1‬‬
‫الكفار إال على أشالئنا‪ ...‬لن نستسلم أو نتراجع‪ ...‬إما إلى القبر وإما إلى الصدر‪"".‬‬

‫" ماذا يقول عنه الناس إذا تراجع مرة ثانية؟ وماذا تقول عنه شجرة الدر التي وثقت‬
‫بكفايته وشجاعته‪ ،‬وأسبغت عليه تقديرها وربما حبها أيضا؟ سيثبت للجميع هذه المرة أن الموت‬
‫ال يخيفه ‪ ،‬وأن حب الحياة لن يثنيه عن واجبه الوطني والديني‪ ،‬وسيثبت لألصدقاء واألعداء‬
‫‪2‬‬
‫على السواء أنه أكبر من الخوف والمطامح والحياة‪".‬‬

‫برز ف ي هذا البعد قوة وشجاعة القائد فخر الدين بن شيخ الشيوخ وتحمله المتاعب‬
‫والمصائب التي سادت القصر‪.‬‬

‫• البعد النفسي‪ :‬يشمل هذا البعد مزاج الشخصية من انفعال وهدوء وانطواء وغيرها كما‬
‫ذكرنا سابقا في تعريف البعد النفسي‪.‬‬

‫تجلى في عدة مقاطع في الرواية وهي كالتالي‪ " :‬وعندما انتهت شجرة الدر من حديثها‪،‬‬
‫أطرق فخر الدين صامتا‪ ،‬بينما أثنى الطواشى جمال الدين على قولها ثناء عاطرا‪ ،‬ودعا لها‬
‫بالتوفيق والسداد‪ ،‬وأكد لها طاعتهم وإخالصهم جميعا لما تشير به‪ ،‬ثم تبعه فخر الدين‪ ،‬وأقسما‬
‫على الوالء ألوامرها‪ .‬وعند انصرافهما كان فخر الدين يفكر (أية امرأة تلك؟!)‪ .‬لقد أحببتها من‬
‫أعماق قلبي‪ ،‬وأخلصت لها الود ولم أدع فرصة تمر دون أن ألمح لها بحقيقة مشاعري نحوها‪،‬‬
‫وكنت أدرك أنها تحمل لي في قلبها شيئا كبي ار رائعا‪ ،‬غير أنها عندما وأتت الفرصة‪ ،‬وأصبح‬
‫من الميس ور أن أصعد إلى جوارها على أريكة مصر‪ ،‬ترددت وداست عواطفها‪ ،‬ولم تلب نداء‬
‫قلبها‪ ،‬لم تتصرف كأنثى‪ ،‬بل تصرفت كملك ضليع أوتي من الشجاعة والحصافة ماال يخطر‬

‫‪1‬‬
‫نجيب الكيالني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.138 :‬‬
‫‪2‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.139 :‬‬
‫‪84‬‬
‫ِّّ‬
‫المتخيلة والتاريخية في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الشخصيات‬

‫على بال ‪ ...‬وغدا يعود توران شاه فتضيع الفرصة إلى األبد‪ ،‬وأظل كما أنا فخر الدين ابن‬
‫شيخ الشيوخ قائد الجيش‪ ،‬ويظل مليكي وآمري المفدى‪ ،‬ذلك المستهتر الملتاث توران شاه ‪...‬‬

‫ال بأس ‪ ..‬مادامت مصلحة البالد تقضي ذلك يجب أال تتكرر مأساة دمياط‪ ،‬ويجب أال‬
‫أفكر اآلن في غير إيقاف زحف الفرنجة‪ ،‬وأن أكيل لهم الصاع صاعين‪ ،‬من يدري قد يكون‬
‫‪1‬‬
‫في رأس شجرة الدر أشياء أخرى‪ ،‬وقد تأتى لنا األقدار بأشياء لم تكن تخطر لنا على بال‪.‬‬

‫إضافة إلى هذه المقاطع نجد أيضا‪ ":‬لحظات رهيبة قاتلة مرت سريعة على ذهن فخر‬
‫الدين وهو ينطلق بجواده‪ ،‬لكنه وضع حدا لهذه الخواطر حينما أخذ يصيح إص ار ار وثقة‪.‬‬

‫‪ -‬أيها المسلمون‪ ،‬البثوا في أماكنكم احملوا السيوف‪ ،‬وامتطوا الجياد واقذفوا بأنفسكم في‬
‫وجه العدو‪.‬‬
‫‪ -‬ولفتت صيحته األنظار وخاصة فرسان المعبد أو الداوية الذين كانوا على مقربة منه‪،‬‬
‫وكم كانت دهشتهم حينما أروا رجال يدع إلى الثبات والمقاومة ويرفض التسليم وهو ال‬
‫يحمي نفسه بشيء‪ ،‬ال درع وال حصن يتحصن به‪ ،‬وعندما علموا أنه القائد فخر الدين‪،‬‬
‫وتيقنوا من ذلك‪ ،‬وأحاطوا به من كل صوب‪ ،‬وأحكموا حوله الحصار‪ ،‬وناوشته سيوفهم‬
‫وهو ال يزال مستميتا في الدفاع والمقاومة‪ ،‬وأخي ار تهاوى من فوق جواده مضرجا‬
‫بدمائه‪ ...‬كان وجهه يشرق بالسعادة والثقة‪ ،‬وأخذ يلفظ أنفاسه األخيرة في أشرف ميدان‬
‫وأنبل معركة‪ ،‬ويبدو أنه أحس بأنه قد ّأدى واجبه كامال‪ ،‬وأرضى ضميره‪ ،‬ووفى بقسمه‪،‬‬
‫فغمغم وهو على أعتاب األبدية‪:‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬ليحفظك هللا أيها البلد األمين‪ ...‬الحمد هلل الذي كتب لنا هذه البداية الشريفة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫نجيب الكيالني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪-‬ص‪.114-113 :‬‬
‫‪2‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪-‬ص‪.140-139 :‬‬
‫‪85‬‬
‫ِّّ‬
‫المتخيلة والتاريخية في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الشخصيات‬

‫من خالل هذا البعد النفسي نجد أن نفسية القائد فخر الدين نفسية مضطربة‪ ،‬لكن مع‬
‫ذلك كان قائدا مغوا ار شجاعا ويفعل ما تأمره به شجرة الدر بعد وفاة زوجها الملك‪ ،‬إنه قائد‬
‫مقدام أراد التضحية في سبيل بالده وأبى إال ان يموت في ساحة المعركة منتص ار على أعداءه‪.‬‬

‫توران شاه‪:‬‬

‫هو ابن الملك الصالح نجم الدين أيوب‪.‬‬

‫• البعد االجتماعي‪ :‬ينتمي توران شاه إلى عائلة الملوك فأبوه الملك الصالح نجم الدين‬
‫أيوب كان ملكا وحين وفاته عين توران شاه ملكا ألنه هو الوريث الوحيد‪ ،‬برز هذا البعد‬
‫في مقاطع عديدة من الرواية وهي‪:‬‬

‫" بلغ توران شاه مصر عائدا من حصن كيفا‪ ،‬وفي خضم الكفاح الدامي واالنتصار الرائع‬
‫الذي حققته المنصورة في يومها األغر نودي بالسلطان توران شاه ملكا في اليوم الرابع والعشرين‬
‫من شهر فبراير عام ألف ومائتين وخمسين‪ ،‬وبايعه الممالك وأعيان القوم ووجوههم‪ ،‬وما كان‬
‫الحجاب والوزراء‪ ،‬وشجرة الدر يقدمون له‬
‫أيعده وهو يقدم من بعيد ويجد العرش شاغرا‪ ،‬ويجد ّ‬
‫فروض الطاعة والوالء‪ ،‬ومع ذلك فقد كانت في النفوس ثورة وفي الحلوق ّ‬
‫غصة‪ ،‬فتوران شاه‬
‫معروف بغروره مشهود له بالباع الطويل في مجال الخالعة والمجون والعبث واالستهتار‪ .‬لكن‬
‫ماذا يفعلون والحرب دائرة‪ ،‬والطامعون في العرش كثيرون‪ ،‬وأي خلل يصيب أداة الحكم‪ ،‬أو‬
‫يعصف بوحدة البالد ال شك سوف يمكن األعداء من تحقيق مطامعهم‪ ،‬والقضاء على حرية‬
‫مصر وكرامتها؟؟ والمصريون كثي ار ما ينسون اإلساءة ويغفرون اآلثام وخاصة في هاتك‬
‫‪1‬‬
‫األوقاف الحرجة التي تستلزم التضحية والغفران‪"..‬‬

‫‪1‬‬
‫نجيب الكيالني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.176 :‬‬
‫‪86‬‬
‫ِّّ‬
‫المتخيلة والتاريخية في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الشخصيات‬

‫وقوله أيضا‪ ":‬لم يكن امر الحاكم المستبد باألمر المهم الذي يحتل المكانة األولى بل‬
‫كان العدو المرابط حول المنصورة وفي دمياط هو الخطر المحدق الذي يتطلب الصراع والنضال‬
‫المرير كل يرد على أعقابه مدحورا‪ ..‬ثم إن الناس تعشموا ان يفيق توران شاه إلى رشده‪ ،‬ويغير‬
‫من سياسته بعد أن أصبح ملكا عليه مسؤوليات جسام يجب أن ينهش بها‪ ،‬ويضطلع بأعبائها‪،‬‬
‫فضال عن أن الحالة السياسية والحربية في مصر تدفعه دفعا ألن يعيد التفكير في خطة حياته‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫واألجواء المحيطة به‪ ،‬غير ان الناس فجعوا فيه فجيعة كبرى بعد جلوسه على العرش بأيام‪..‬‬

‫من خالل هذا البعد تبين لنا أن السلطان توران شاه حاكم مستبد ال يعرف قيمة المسؤولية‬
‫وال الحكم العادل‪ ،‬فهو شخص ظالم ال يحب شعبه وال الشعب يحبونه وال شجرة الدر زوجة‬
‫أبيه راضية عنه‪ ،‬إنه مثال للحاكم المغرور والمستهتر الذي ال يعرف كيف تسير أمور بالده‪.‬‬

‫• البعد الجسمي‪ :‬يتمثل هذا البعد في صفات السلطان توران شاه الجسمية‪.‬‬
‫برزت هذه الصفات في عدة مقاطع من رواية اليوم الموعود وهي‪:‬‬

‫"ويبدو ان توران شاه كان واثقا من نجاح خطته‪ ،‬فقد كانت مواكب النصر تذرع البالد‬
‫طوال وعرضا‪ ،‬وفي خضم هذا الضجيج وتمسحا بهذا النصر العظيم أراد توران شاه أن ينفذ ما‬
‫عقد النية عليه‪ ،‬ولكنه لم يكن بعد قد حدد الساعة الحاسمة‪ ،‬وفي فجر أول مايو من ذلك‬
‫العام‪ ،‬نهض توران شاه من فراشه الذي يثوى في السرادق العظيم المقام على شاطئ النيل‬
‫فارسكور‪ ،‬كان رأسه مصدعا من أثر السهر والخمر‪ ،‬ولكنه كان يشعر بجوع شديد‪ ،‬ومن ثم‬
‫طلب طعام اإلفطار على عجل وشعر بآالمه تزايله رويدا رويدا مع نسائم الصباح التي تالمس‬
‫جبينه‪ ،‬وحينما لجا إلى است ارحته‪ ،‬فوجئ بفارس من النافذة المطلة على النيل‪ ،‬وقد أشهر بسيفه‬
‫وقبل أن يتفوه السلطان توران شاه بكلمة كان الفارس قد رفع سيفه وأهوى به ريد ان يضرب‬
‫عنقه‪ ،‬لكن توران شاه تفادى الضربة فلم تصب عنقه‪ ،‬بل نزلت فوق يده فبترت أصابعه‪ ،‬وتدفق‬

‫‪1‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.177 :‬‬
‫‪87‬‬
‫ِّّ‬
‫المتخيلة والتاريخية في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الشخصيات‬

‫الدم منها‪ ،‬فصرخ توران شاه صرخة جعلت الضباط والمقيمين في السرادق يهرولون صوب‬
‫‪1‬‬
‫االستراحة‪ ،‬ثم أغمي عليه‪ ،‬أما الفارس فقد وّلى األدبار‪.‬‬

‫تمثلت صفات السلطان توران شاه الجسمية في مالمح وجهه من أثر الخمر واللهو‬
‫والمجون‪ ،‬فقد كان يحب مجالس الغناء والنساء وغيرها من الشهوات‪.‬‬

‫• البعد النفسي‪ :‬يدل هذا البعد على حالة السلطان النفسية من خالل مزاجه وانطوائه‬
‫وغيرها كثير‪ ،‬تجلت هذه الصفات في مقاطع من الرواية وهي كالتالي‪:‬‬
‫‪ -‬لقد أرادوا أن يفعلوها‪.‬‬
‫‪ -‬من‪...‬؟؟؟‬
‫‪ -‬المماليك البحرية‪.‬‬
‫‪ -‬لعل الجاني أحد رجال اإلسماعيلية الذين يدبرون االغتياالت‪.‬‬
‫‪ -‬كال‪ ..‬وانا أثق مما أقول‪ ،‬لقد أراد المماليك قتلي‪ ..‬سأعرف كيف أكيل لهم الصاع‬
‫صاعين‪.‬‬

‫وسرعان ما انتشر النبأ خارج سرادق السلطان‪ ،‬وعلم به جميع المماليك البحرية‪ ،‬وأفراد‬
‫الجيش المصري‪ ،‬وأصبح جليا أمر مصير المماليك قد أصبح مقررا‪ ،‬الموت وال شيء غير‬
‫الموت‪ ،‬وكأنما كانت هذه الحقيقة الرهيبة هي الصرخة التي أيقظت زعماء المماليك من سباتهم‬
‫المؤقت‪ ،‬فأسرعوا بامتطاء جيادهم‪ ،‬ولباس عدة الحرب وتجمهروا حول السرادق يريدون‬
‫السلطان‪ ،‬وسرعان ما تفرق أتباع توران شاه من حوله واختفى ندماؤه وضباطه حتى الجواري‬
‫والحاشية الذت بالفرار‪ ،‬وبقي السلطان وحيدا يتلفت حوله في رعب وعجب‪.‬‬

‫‪ -‬بمن تستنجد إذن؟؟‬


‫‪ -‬بشجرة الدر؟؟ كال‪ ..‬لقد سقاها كأس الهوان وقسا بها بندمائه ورفاقه؟؟‬

‫‪1‬‬
‫نجيب الكيالني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪-‬ص‪.214-213 :‬‬
‫‪88‬‬
‫ِّّ‬
‫المتخيلة والتاريخية في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الشخصيات‬

‫‪ -‬لقد ذهبوا بعيدا عنه خوفا على حياتهم‪..‬‬


‫‪ -‬بشعب مصر؟؟ إن الشعب بعيد عن سرادقه‪ ،‬يمضي في الحقول والقرى وفي ميدان‬

‫القتال الذي لم تنفض مواكبه بعد‪ ،‬ثم إنه أذاقهم الويل من قبل‪ ،‬وسرق نساءهم ّ‬
‫وجرد‬
‫‪1‬‬
‫أمراءهم وذوي الكلمة فيهم من رتبهم ومناصبهم‬

‫وقول الكاتب أيضا‪ ":‬وأطل توران شاه على الجموع التي تحيط بالسرادق إحاطة السوار‬
‫بالمعصم‪ ،‬وقال في ذلة ومسكنة‪:‬‬

‫‪ -‬ما أريد ملكا‪..‬‬


‫‪ -‬دعوني أرجع إلى الحصن‪.‬‬
‫‪ -‬يا مسلمين‪ ..‬اما فيكم من يصطنعني ويجيرني؟‬

‫وانتظر أثر كلماته لكنها ضاعت في خضم الهدير الذي يطلب رأسه‪ ،‬فتلفت حوله عله‬
‫يعثر على شيء ينجده‪ ،‬السماء فوقه زرقاء صافية‪ ،‬والزروع الخضراء ممتدة في بساطة رائعة‪،‬‬
‫وفئة من الجيش المصري تعسكر هناك دون أن يفكر أحدهم في إنقاذ الملك الذي يطلبه الموت‬
‫ويلح في طلبه‪ ،‬إن توران شاه غريب‪ ..‬ال يحس باأللفة مع أحد‪ ،‬وال يأنس إليه أحد‪ ..‬أهذه هي‬
‫األرض التي كان يحكمها والتي كان يعتقد انها تدين له بالوالء؟ أين مطوالت الشعراء ومدائح‬
‫المادحين؟ ‪ ..‬أكان كل ذلك وهما وسرابا‪..‬‬

‫باب واحد ظل مفتوحا أمام توران شاه‪ ..‬باب هللا‪ ..‬ولكن كيف يمد يده إلى هللا وهي ملوثة‬
‫بدماء الضحايا؟؟ وكيف يصرخ بدعواته‪ ،‬ومازالت رائحة الخمر تفوح من فيه؟؟ ما أفظعها من‬
‫ساعة!!‬

‫‪1‬‬
‫نجيب الكيالني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪-‬ص‪.215-214:‬‬
‫‪89‬‬
‫ِّّ‬
‫المتخيلة والتاريخية في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الشخصيات‬

‫وأضاءت في نفسه بارقة أمل وهو يرى نائب الخليفة يتوسط لدى الثائرين‪ ،‬ومعه األمير‬
‫سيف الدين نائب السلطان بالقاهرة لكن الثائرين رفضوا كل وساطة‪ ،‬وعاملوها بجفاء وقد قذفوا‬
‫بالنار االغريقية فوق البرج الذي آوى إليه توران شاه‪ ،‬فاشتعلت النيران‪ ،‬ولم يجد السلطان‬
‫مناصا من أن يقذف بنفسه في النهر‪ ،‬ثم يحاول اللحاق بإحدى السفن التي ترسو قريبا من‬
‫السرادق لعله يجد الحماية‪ ..‬لكن هيهات‪ ،‬فقد اندفع وراءه عديد من الثائرين ولحقوا به وسط‬
‫النهر وقضوا عليه‪ ،‬فمات قتيال غريقا محروقا‪ ،‬وبقي على شاطئ النهر بال دفن يومين كاملين‬
‫‪1‬‬
‫حتى أتى أحد الفقهاء الفقراء وكفنه وصلى عليه ثم دفنه‪.‬‬

‫لقد كان توران شاه شخص عصبي ولم يحسن معاملة المماليك‪ ،‬وعرف بسوء تدبيره‬
‫وفساد سياسته‪ ،‬وذلك بسبب تسلطه وجبروته على المماليك‪ ،‬لكنه وفي النهاية لقي حتفه في‬
‫النهر من طرف المماليك‪.‬‬

‫الملك لويس التاسع‪:‬‬

‫هو ملك فرنسا شقيقه األمير دارتوا‪.‬‬

‫• البعد االجتماعي‪ :‬ينتمي الملك لويس التاسع إلى طبقة الملوك والطبقة الحاكمة‬
‫المتسلطة برز هذا البعد في رواية اليوم الموعود حسب قول الكاتب‪:‬‬

‫" وإبان احتدام المعركة بين الشعب والفرنجة‪ ،‬ظهرت طالئع الممالك وعلى رأسهم بيبرس‬
‫وانقضوا على قوات العدو المبعثرة هنا وهناك‪ ،‬والتحموا معهم في صراع رهيب‪ ،‬وبدا على دارتوا‬
‫شقيق الملك لويس أنه مصر على النصر‪ ،‬بالغ غايته مهما أتت االمدادات والمساعدات للمدينة‬
‫المناضلة‪ ،‬ومع ذلك فقد قال مارسيل للجندي الذي بجواره‪:‬‬

‫‪ -‬إنها النهاية أيها الصديق‪..‬‬

‫‪1‬‬
‫نجيب الكيالني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.150 :‬‬
‫‪90‬‬
‫ِّّ‬
‫المتخيلة والتاريخية في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الشخصيات‬

‫‪ -‬أجل نهاية المسلمين يا مارسيل‪.‬‬


‫‪1‬‬
‫‪ -‬أيها الوغد‪ ..‬نهايتنا نحن‪ ..‬لكأني أرى بعيني رأسي فوهة القبر الكبير تنفتح أمامنا‪.‬‬
‫وقول الكاتب أيضا‪ " :‬لقد حاول التفاوض مع الجانب المصري فلم يقبلوا إال تسليم دمياط‪،‬‬
‫وأخذ الملك لويس نفسه كرهينة‪..‬‬
‫‪ -‬أو تعتقد أن صالة لويس سوف تغير مصير الحرب المحتوم؟!‬
‫‪ -‬ال أدري‪.‬‬
‫فصمت الجندي الجريح لحظة‪ ،‬يستجمع قوته‪ ،‬ويقول‪:‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬اذهب وابصق في وجه الملك‪...‬‬
‫إضافة إلى قوله‪:‬‬
‫ودارت بين مارسيل وفارس المعبد مبارزة حامية‪ ،‬وتصارع سيفاهما في حقد مجنون وأخذا‬
‫يلفان ويدوران‪ ،‬وما إن رآهما بعض الجنود حتى تقاطروا على مكان المبارزة‪ ،‬وسرعان ما‬
‫تعصب الداوية لزميلهم‪ ،‬وفي الوقت نفسه وجدا مارسيل من ينظم إليه ويحمى ظهره فاتسعت‬
‫رقعة المعركة‪ ،‬وحمى وطيسها بين الفريقين‪ ،‬وقد تناسى الفريقان أمر المصريين الذين يرابطون‬
‫على مقربة منهم ويوشكون أن ينقضوا عليهم االنقضاض األخير‪ ،‬وتساقط الصرعى‪ ،‬وتعالت‬
‫الصيحات وسرعان ما بلغ ذلك مسامع الملك لويس‪ ،‬فعاد مسرعا يصحبه البطريرك روبرت‪،‬‬
‫وما إن ظهر الملك في ميدان المعركة وهتف بهم أن يعمدوا سيوفهم حتى تراجع الجميع‪ ،‬وهدأ‬
‫‪3‬‬
‫الضجيج‪ ،‬وأخذوا يعودون من حيث جاءوا تاركين مزيدا من القتلى والضحايا‪.‬‬
‫رسم لنا الكاتب الصراعات واالشتباكات بين الفرنجة والمصريين‪ ،‬فتصاعد عدد القتلى‬
‫لكل طرف منهم وتساقط الجنود أرضا بعضمهم والبعض اآلخر بقي على قيد الحياة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪150:‬‬
‫‪2‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪197 :‬‬

‫‪3‬‬
‫نجيب الكيالني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪-‬ص‪.199-197 :‬‬
‫‪91‬‬
‫ِّّ‬
‫المتخيلة والتاريخية في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الشخصيات‬

‫• البعد الجسمي‪ :‬تمثل في صفات الملك لويس التاسع الجسمية من قوة وضعف وغيرها‬
‫ومثال ذلك قول الكاتب نجيب الكيالني في روايته "اليوم الموعود"‪" :‬وقال الملك‪:‬‬
‫‪ -‬ها أنت ترى أيها األب روبرت أن جنودنا قد فقدوا كل معنى من معاني الترابط‬
‫والثقة‪..‬‬
‫‪ -‬أمر يؤسف له يا موالي‪..‬‬
‫‪ -‬سوف نعود إذن إلى دمياط‪..‬‬
‫‪ -‬إنها الهزيمة يا موالي‪.‬‬

‫كان النصر فيما مضى معناه احتالل مصر ثم الشام‪ ،‬أما اآلن فالنصر الذي نتمناه هو‬
‫أن نعود إلى دمياط سالمين‪ ،‬أو ننسحب بأقل الخسائر الممكنة‪ ،‬من يدري؟؟ قد تسعفنا األقدار‬
‫بما يضمد جراحنا فنعيد الكرة‪ ،‬وتتحقق األحالم‪ ،‬آه يا روبرت‪..‬‬

‫أحس أن هللا غاضب علي‪ ،‬لست أدري لماذا؟؟ ألني لم انتصر؟؟ النصر ليس في يدي‬
‫لو كان مجرد التمني كفيال بأن يحقق ما أريد‪ ،‬لبلغت ما أصبو إليه في لحظات‪ ،‬ولرفعت‬
‫الصلبان في آفاق القاهرة ودمشق وبغداد ولسقت المسلمين عبيدا وأسارى ليركعوا ويمرغوا‬
‫جباههم تحت أقدام القساوسة والرهبان‪ ،‬ولحملت خيرات هذه البالد وذهبها إلى أوروبا‪ ،‬ولوضعت‬
‫‪1‬‬
‫مصيرها بين يدي البابا‪"..‬‬

‫إضافة إلى قول الكاتب‪ ":‬وعقب أن تم االنسحاب المبدئ على هذه الصورة عاد الملك‬
‫فطلب فتح باب المفاوضات مرة أخرى مع السلطان توران شاه‪ ،‬غير أن المصريين كانوا أعلم‬

‫هذه المرة بما يلقاه المعتدون من الشدائد‪ ،‬إذ نقص عدده‪ ،‬وتحطمت ّ‬
‫عدته‪ ،‬كما نفذت مؤونته‪،‬‬
‫وصار في حال من البؤس لم يرجى له من بعدها قوة وال حياة‪ ،‬فطلبوا من ذلك الجيش العاجز‬
‫ضمانة لالنسحاب من دمياط‪ ،‬وكان المنتظر أنهم سيكتفون بأحد أشقاء الملك رهينة لديهم‬

‫‪1‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪-‬ص‪.200-199 :‬‬
‫‪92‬‬
‫ِّّ‬
‫المتخيلة والتاريخية في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الشخصيات‬

‫لكنهم رفضوا أي رهينة غير الملك نفسه‪ ،‬وظلت الحال معلقة فترة من الوقت‪ ،‬والمصريون‬
‫يصرون على أخذ الملك وال يرضون بديال‪ ،‬والفرنسيون يأبون ان يسلموا ملكهم‪ ،‬حتى اشتدت‬
‫عليهم وطأة الجوع‪ ،‬وطوت بطونهم قسوته‪ ،‬وتكاثر فتك الحمى وارتفعت ضحاياها‪..‬‬

‫إنه لموقف عصيب‪ ..‬األرض مفروشة بأجساد المرضى والجرحى‪ ..‬والفضاء يرتجف‬
‫‪1‬‬
‫بأنا ت األلم‪ ،‬وحشرجة الموت‪ ،‬وقد نفقت الخيول‪ ،‬وقتل صفوة الفرسان وزهرة الشباب‪..‬‬

‫وكذلك قول الكاتب‪ " :‬ضيق المصريون الخناق على الفلول الهاربة‪ ،‬وأذاقوها مزيدا من‬
‫القتل والتنكيل‪ ،‬حتى ارتفع عدد الضحايا واألسرى‪ ،‬وأصبح الفرنجة بين شقي الرحال‪ ،‬وبات‬
‫من الحماقة أن يصروا على المقاومة‪ ،‬وعند قرية" منية أبي عبد هللا" تلفت الملك لويس حوله‬
‫فوجد الجيش المصري يزحف من كل جانب‪َّ ،‬‬
‫وتفر َس وجوه فرسانه فأيقن أن التعب قد نال منهم‬
‫كل منال‪ ،‬وأخي ار عاد إلى نفسه‪ ،‬فوجد نشاطه قد فتر والمرض قد دهمه‪ ،‬حتى أصبح غير‬
‫قادر على مواصلة الفرار‪ ،‬وقال لويس لمن حوله‪:‬‬

‫‪ -‬لقد انتهينا‪ ..‬إن المفاوض الذي أرسلته إلى المصريين لم ينجح في مهمته‪ ،‬ألن‬
‫المصريين يريدوننا جميعا أسرى‪.‬‬

‫فأطرق الفرسان ولم ينطقوا‪.‬‬

‫‪ -‬مالكم ال تجيبون؟‬

‫فتقدم منه أحد النبالء قائال‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫‪ -‬موالي‪ ..‬يحب أن تستريح إنك متعب‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫نجيب الكيالني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.201 :‬‬
‫‪2‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.203 :‬‬
‫‪93‬‬
‫ِّّ‬
‫المتخيلة والتاريخية في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الشخصيات‬

‫من خالل هذا البعد الجسمي نالحظ أن الملك ورغم قوته وتسلطه إال أنه استسلم في‬
‫األخير وأصبح أسيرا‪ ،‬وضعف في صحته وجيشه وعدته‪ ،‬فذهب سلطانه وزالت دولته‪ ،‬وانقلبت‬
‫حياته رأسا على عقب بعد أن كان هو اآلمر والناهي‪ ،‬وتهدمت قصوره وممتلكاته وذهب جيشه‬
‫هباء منثورا‪ ،‬ولم يبق له شيء‪ ،‬ال سلطان وال جاه وال قصور‪.‬‬

‫• البعد النفسي‪ :‬يشمل هذا البعد حالة الملك لويس التاسع النفسية برزت في مقاطع من‬
‫الرواية وهي ‪:‬‬

‫" وغمغم وقد غامت عيناه بالدموع‪ :‬وأسفاه‪ ..‬أحقا مات دارتوا؟ أهكذا ينتهي أمره‪ ،‬وال‬
‫نستطيع حتى الحصول على جثته؟ ما أقسى أن يموت دارتوا غريبا‪ ..‬بعيدا‪ ..‬ويتوسد التراب‪،‬‬
‫ويلقى به في حفرة قذرة دون مراسيم‪ ،‬وبغير صلوات أو تراتيل‪ ..‬يا له من ثمن غال دفعناه بال‬
‫طائل‪.‬‬

‫ماذا لو أطاع أمري وانتظر؟؟ ماذا‪...‬؟‬

‫لكن لن يجدي كل ذلك‪ ،‬لقد مات وانتهى األمر‪..‬‬

‫وجفف لويس دموعه‪ ،‬واستدرك مغمغما‬

‫‪ -‬كال‪ ..‬لن ينتهي األمر‪ ،‬بل سنثأر لدمه في عنف وغلظة‪ ،‬فما هي النجدات ترى‪،‬‬
‫وفرنجة الشام‪ ،‬واآلالف من جنود أوروبا في الطريق‪ ..‬وشعر لويس أنه قد أوشك على االنهيار‪،‬‬
‫وأن قلبه الحديدي وعزيمته الراسخة وإيمانه القوي‪ ،‬كلها في سبيلها إلى التخاذل؟؟ فحاول أن‬
‫يتماسك ويحبس دموعه من أن تنهمر‪ ،‬ويكبت مشاعره من أن تكشف عن شدة حزنه‪ ،‬وعميق‬
‫أساه‪ ،‬فالتفت إلى الجندي الذي حمل إليه نبأ مصرع أخيه قائال‪:‬‬

‫‪ -‬ولم تركه وحده؟‬

‫‪94‬‬
‫ِّّ‬
‫المتخيلة والتاريخية في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الشخصيات‬

‫‪ -‬كانت الكارثة يا موالي أقوى من أن ندفعها‪ ،‬والموت ينصب علينا من كل مكان‪ ،‬من‬
‫األسطح والنوافذ واألبواب‪ ،‬ومن أمامنا ومن خلفنا‪ ،‬وكان من الممكن يا موالي أن أبقى وألقى‬
‫منيتي‪ ،‬لكن أية حماقة كنت سأرتكبها لو فعلت ذلك !!‬

‫وفي هذه الكلمات الموجزة‪ ،‬أعطى الجندي صورة دقيقة للملحمة الهائلة‪ ،‬التي راح ضحيتها‬
‫ما يقرب من ألف وخمسمائة جندي من الفرنجة بين قتيل وأسير‪ ،‬فلم يجد الملك ما يعلّق به‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫فآثر الصمت‪.‬‬

‫لقد كان لموت دارتوا شقيق الملك لويس التاسع أثر وألم كبير في نفسية الملك‪ ،‬ألنه كان‬
‫يساعده في المعارك والحروب وإدارة المماليك‪ ،‬انهار الملك وحزن حزنا شديدا على أخيه دارتوا‬
‫وتحولت نفسيته العالية إلى ضياع وحسرة وتعاسة وشقاء‪.‬‬

‫ه‪-‬عدنان بن المنذر‪:‬‬

‫رم از للشعب الذي يتألم ويصبر‪ ،‬لكنه يهب لنجدة بالده متناسيا أحزانه الذاتية‪.2‬‬

‫• البعد االجتماعي‪ :‬تجلى هذا البعد من خالل الرواية في هذه المقاطع‪:‬‬

‫" فلم يجب عدنان‪ ،‬بل أتاح الفرصة لعبد األعلى كي يمضي في ثرثرته (وكنت تهذي‬
‫بأيام محنتك‪ ،‬وما فعلته فيها وبأبيك الذي لم تره‪ ،‬وأمك هي األخرى كان لها نصيب كبير في‬
‫هذيان)‪.‬‬

‫وحينما سمع عدنان اسم أ مه‪ ،‬شحب لونه‪ ،‬وخفق قلبه في خوف غير أنه أخفى مخاوفه‪،‬‬
‫وعاد إلى الصمت‪ ،‬محاوال أن يعلل هذه الرجفة التي انتابته‪ ،‬لكنه لم يستطع أن يجد لها ما‬
‫يبررها سوى مشاعر الغربة والشوق واللهفة إلى لقاء األحباب‪ ،‬لم يكن يدري ما حدث المه‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫نجيب الكيالني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪-‬ص‪.176-166 :‬‬
‫‪2‬‬
‫نجيب الكيالني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.06 :‬‬
‫‪95‬‬
‫ِّّ‬
‫المتخيلة والتاريخية في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الشخصيات‬

‫لقد تركها في صحة ال بأس بها‪ ،‬وأسرع إلى الميدان دون أن يدري بعد ذلك عنها شيئا‪ ،‬ولم‬
‫يصله منها أية مراسالت جواب أفاق ال يعرف له مكانا ثابتا‪ ،‬والمعركة تقتضي أن يكون اليوم‬
‫قرب دمياط‪ ،‬وغدا ما بين فارسكور وشرمساح‪ ،‬وبعد غد في المنصورة أو ما يحيط بها‪ ،‬ثم أنه‬
‫هو اآلخر لم يجد الوقت الكافي وال الوسيلة المضمونة كي يبعث إليها ليطمئنها‪ ،‬وحينما وصل‬
‫تفكيره إلى هذا الحد قال في م اررة‪:‬‬

‫ونوا ُي ْد ِرْك ُك ُم اَْل َم ْو ُت‬


‫‪ -‬كلنا وديعة عند هللا وما قدر يكون وال مفر من المكتوب‪( ،‬أ َْي َن َما تَ ُك ُ‬
‫‪1‬‬
‫َوَل ْو ُك ْنتُ ْم ِفي ُب ُرو ٍج ُم َشيَّ َد ٍة) (النساء ‪")78‬‬

‫وقول الكاتب أيضا‪" :‬وأخذا ينتقالن من موضوع إلى آخر‪ ،‬ويحلالن الموقف الحربي وما‬
‫يتوقعانه من الفرنجة في األيام المقبلة‪ ،‬ثم جاء توران شاه فاختلجت شفتا عدنان عند ذكره‪،‬‬
‫وأحس بما يشبه النار يلفح روحه‪ ،‬وعاوده اليأس من جديد‪ ،‬لقد شاءت األقدار أن يوشك عدوه‬
‫اللدود على تولي الحكم بعد موت أبيه‪ ،‬فما إن يحضر من حصن كيفا مع أقطاي حتى يصير‬
‫اآلمر الناهي ويومذاك لن تعود إليه زمردة حبيبته الهاربة من الطغيان‪ ،‬ولن ينعم عدنان‬
‫بالحرية‪ ،‬فمن المرجح إن يقذف به في السجن مرة ثانية‪ ،‬ومن يدري؟ قد يأمر توران شاه بضرب‬
‫عنقه انتقاما لكرامته بسبب هروب زمردة‪ ،‬ألم يقل له عبد األعلى أن توران شاه قد أقسم لينتقمن‬
‫منهما؟؟‬

‫إن آماله كلها يوشك أن يلفها الظالم من جديد‪ ،‬بعد أن خيل إليه أن نجمه أصبح في‬
‫صعود‪ ،‬وذلك اليوم الموعود الذي يحلم به في منامه ويهذي به تحت وطأة الحمى‪ ،‬ويصرخ‬
‫به في يقظته يبدو وكأنه رابع المستحيالت الثالثة‪...‬‬

‫‪1‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪-‬ص‪.125-124 :‬‬
‫‪96‬‬
‫ِّّ‬
‫المتخيلة والتاريخية في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الشخصيات‬

‫فكيف ينتصر شعب على رأسه رجل مثل توران شاه؟؟؟ وكيف يسعد عدنان وعدوه يمسك‬
‫بيده مقاليد األمور‪ ،‬ويحتل كل اإلمكانيات؟ وكيف تعود زمردة من رحلتها المجهولة‪ ،‬وذلك‬
‫‪1‬‬
‫الشيطان األرعن توران شاه في طريقه إلى القاهرة؟"‬

‫إن عدنان بن المنذر يمثل الشعب الذي يتألم وال يتكلم فهو ينفذ أوامر الملك المتجبر‬
‫والعنيد دون أن يتلفظ بكلمة‪ ،‬ولكنه مع ذلك كان شجاعا مقداما أراد التضحية في سبيل بالده‪.‬‬

‫• البعد الجسمي‪ :‬يشمل هذا البعد صفات الجسم المختلفة التي يتميز بها عدنان بن‬
‫المنذر‪ ،‬تمثلت في عدة مقاطع من الرواية وهي‪:‬‬

‫" فك عدنان الضمادة التي حول ذراعه ثم نظر إلى الجرح العميق الذي لم يندمل بعد‪،‬‬
‫ثم طلب من عبد األعلى أن يحضر له الماء الساخن واألربطة القماشية كي يقوم بتنظيف‬
‫الجرح وغسله وإعادة ربطه كما كان‪ ،‬وأخذ عدنان يستعيد ما قاساه في ثالثة أيام الفائتة‪ ،‬لقد‬
‫اشترك في الهجوم على معسكر الفرنجة أبلى بالء حسن ا‪ ،‬واستطاع أن يذهب بعيدا داخل‬
‫تجمعات األعداء وكان عبد األعلى يحذره ويجذبه إلى الخلف ويشير عليه بالعودة بعد ذلك‬
‫النجاح الذي أصابوه‪ ،‬لكنه أبى أن ينصاح لنصائحه وتمادى في تقدمه‪ ،‬وفوجئ بجندي صليبي‬
‫يخرج عليه من مخبأ يستره الظالم ويوجه إليه طعنة قاتلة‪ ،‬لكن عدنان تفاداها في آخر لحظة‬
‫عندما صرخ به عبد األعلى قلم تصب منه مقتال‪ ،‬لكنها أصابت ذراعه‪ ،‬وتركت فيه جرحا‬
‫غائرا‪ ،‬ومع ذلك فقد أجهز هو وصديقه على الجندي ولم يتركاه إال جثة هامدة‪ ،‬وحينما رجعا‬
‫إلى موقعيهما بعد المعركة كان الجرح قد نزف كثي ار من الدماء فبان االجهاد والشحوب على‬
‫وجهه وسقط في إغماءة طويلة‪ ،‬ثم أصابته حمى شديدة من أثر الجرح الملتهب ظل يهذي‬
‫تحت وطأتها ثالثة أيام كاملة‪ ،‬ووجد عبد األعلى نفسه مضط ار ألن يبقى إلى جوار صديقه‪،‬‬
‫كي يقوم له باإلسعافات البدائية‪ ،‬التي ال تزيد على الماء الساخن واألربطة المحكمة‪ ،‬والحقيقة‬

‫‪1‬‬
‫نجيب الكيالني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪-‬ص‪.127-126 :‬‬
‫‪97‬‬
‫ِّّ‬
‫المتخيلة والتاريخية في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الشخصيات‬

‫أن عبد األعلى كان في قمة خوفه وجزعه‪ ،‬ألنه حسب الطعنة التي تلقاها عدنان في ذراعه قد‬

‫تكون مسمومة‪ ،‬ومع ذلك فقد ّ‬


‫وكل أمره هلل‪ ،‬وأخذ يصلي ويتضرع حتى تكتب له السالمة ويمر‬
‫‪1‬‬
‫من مرحلة الخطر‪ ،‬فيعود سليما معافى‪ ،‬وماذا كان عبد األعلى يستطيع أن يفعل غير ذلك؟"‬

‫من خالل البعد الجسمي نرى بأن عدنان بن المنذر تلقى طعنات في يده مما جعلته‬
‫طريح الفراش لبضعة أيام مما أخر عليه مواجهة العدو‪ ،‬حيث كانت صحته غير جيدة وغير‬
‫مستعدة للمحاربة بالسيوف‪ ،‬لكنه ومع ذلك أراد أن يخوض المعارك إما أن يقتل العدو وإما أن‬
‫يموت شهيدا كما كان يفعل أبوه‪.‬‬

‫• البعد النفسي‪ :‬برز البعد النفسي للمحارب عدنان بن المنذر في الرواية بكثرة نذكر‬
‫بعضا منها‪:‬‬

‫" لقد جلس عد نان وحده في الحجرة بعد أن خرج عبد األعلى إلى المعركة‪ ،‬وتلفت حوله‬
‫فلم يجد غير الفراغ والوحشة‪ ،‬وتذكر على الفور ليالي الوحدة والحرمان في زنزانته‪ ،‬وخيل إليه‬
‫ان هذه الزنزانة قد انتقلت برمتها إليه في بيت صديقه‪ ،‬وتنهد في حسرة لكنه حاول أن ينأ بنفسه‬
‫عن هذه التخيالت السوداء التي ال تحمل إليه سوى م اررة الذكرى‪ ،‬وغصة األحزان‪ ،‬ولم يكد‬
‫يخلص من ذلك حتى تناهى إلى سمعه صرخات مختلفة مستغيثة‪ ،‬فغمغم‪:‬‬

‫‪ -‬يا للمساكين‪ ..‬أيتها الجماهير المظلومة‪ ..‬لك هللا‪ .‬وخيل إليه أنه يسمع صوتا يصرخ‬
‫في أعماقه‪.‬‬
‫‪ -‬ولها أنت أيضا يا عدنان‪.‬‬
‫‪ -‬ولكن كيف؟ إني عاجز عن تحريك ساعدي‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫نجيب الكيالني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪-‬ص‪.123-122 :‬‬
‫‪98‬‬
‫ِّّ‬
‫المتخيلة والتاريخية في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الشخصيات‬

‫‪ -‬لتخرج أيها الرجل المؤمن‪ ..‬إن لم تستطع أن تفعل شيئا‪ ..‬فلتقف على جانب الطريق‬
‫‪1‬‬
‫لتقول كلمة تشجيع‪ ،‬أو عبارة عزاء لتفعل أي شيء‪ ..‬حتى لو بصقت في وجه عدو‪.‬‬

‫وقول الكاتب في روايته" اليوم الموعود"‪ " :‬وسرعان ما اختفى جموده وشحوبه‪ ،‬فهب من‬
‫فراشه غاضبا ثائرا‪ ،‬وأخذ يهز ساعده الجريح فلم يحس فيه بغير ألم خفيف‪ ،‬ثم اختطف سيفه‬
‫المعلق إلى جواره‪ ،‬فلم يشعر بثقله‪ ،‬كان في يده كريشة خفيفة‪ ،‬وخيل إليه على الفور ان ينابيع‬
‫رقراقة من السعادة والثقة واإليمان تنساب بين حنياه‪ ،‬فابتسم وقال‪:‬‬

‫‪ -‬إلى المعركة‪.‬‬

‫وعندما تذكر ذلك القسم الذي آلى به على نفسه أال يغادر فراشه قهقه ساخرا‪:‬‬

‫‪ -‬أيحق لمسلم أن يقسم على أال يقرب الصالة؟ بالطبع كال‪ ..‬إنه قسم باطل من أساسه‬
‫‪2‬‬
‫وأسرع إلى جواده ليلحق بعبد األعلى‪ ،‬ويلتقي به على الصورة التي سبقت‪".‬‬

‫كانت نفسية عدنان بن المنذر مزيجا من الحزن والفرح‪ ،‬فرح ألنه فعل ما يريده وقاتل‬
‫األعداء تحققت له أمانيه‪ ،‬التي كان يحلم بها وقد أصبحت حقيقة يرى فيها بأم عينيه‪ ،‬والسعادة‬
‫تمأل قلبه الذي كان جريحا وحزينا‪ ،‬أما بالنسبة إلى حزن عدنان الذي لم يتركه ولو للحظة هو‬
‫وفاة امه‪ ،‬لقد بكى عليها كثي ار لكنه رضي بقضاء هللا وقدره ودعا لها هللا ان يرحمها ويغفر لها‬
‫ويجعل الجنة دارها‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.153 :‬‬
‫‪2‬‬
‫نجيب الكيالني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.154 :‬‬
‫‪99‬‬
‫ِّّ‬
‫المتخيلة والتاريخية في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الشخصيات‬

‫ياقوتة الغجرية‪:‬‬

‫هي آية من اآليات االبداع النسوي الذي يبدو جليا إذا ما أعطيت للمرأة حريتها المعقولة‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫وحطمت األغالل التي تغللها‪ ،‬وقذفت بها األقدار في معترك الحياة‬

‫• البعد االجتماعي‪ :‬يتمثل هذا الجانب في شخصية ياقوتة الغجرية والطبقة االجتماعية‬
‫والثقافة التي تنتمي إليها ومثال ذلك في الرواية‪:‬‬

‫" كانت ياقوتة الغجرية مطرقة صامتة في خيمتها‪ ،‬وكان من حولها من الغجر هم‬
‫اآلخرون صامتين لكنهم كانوا في لهفة إلى أخبارها‪ ،‬ثالثة أيام كاملة مرت خالل بمعكسر‬
‫المسلمين في المنصورة‪ ،‬وقابلت فخر الدين‪ ،‬وعرجت على المكان الذي ينزل فيه األعداء‪،‬‬
‫وتحدثت مع مارسيل‪ ،‬وعلمت منه بطريقتها الخاصة ما كانت تود االلمام به‬
‫ّ‬ ‫ورقصت وغنت‬
‫من خطط العدو وأس ارره‪.‬‬

‫وتحرك أحد األصدقاء الجالسين في الخيمة من مكانه عن صمته قائال‪:‬‬


‫ّ‬

‫‪ -‬ما كنت تقعلين طوال هذه األيام الثالثة؟ إن مقابلة فخر الدين ال تحتاج ألكثر من‬
‫ساعات قالئل‪.‬‬

‫فقالت ياقوتة‬

‫‪ -‬لقد طفت بأغلب تجمعات المقاومة في المنصورة وما حولها‪.‬‬


‫‪ -‬لماذا كل ذلك؟‬
‫‪ -‬لماذا‪ ...‬هذا هو السؤال‪ ،‬لقد كنت أبحث عن شيء وأعياني البحث الطويل لكني‬
‫عدت بخفي حنين‪.‬‬
‫‪ -‬أهناك أشياء أخرى تشغلك عن المعركة يا ياقوتة؟‬

‫‪1‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.07 :‬‬
‫‪100‬‬
‫ِّّ‬
‫المتخيلة والتاريخية في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الشخصيات‬

‫فتنهدت قائلة‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬من يدري؟؟ إن قلب ياقوتة مثقل بالكثير‪..‬‬

‫إضافة إلى قول ا لكاتب‪ ":‬وأخي ار آوت ياقوتة إلى فراشها‪ ،‬لم تكن تفكر في الرسالة التي‬
‫تبعث بها إلى فخر الدين ألن مضمونها معروف لديها ولم تشغل بالها بما ستفعله في معسكر‬
‫الفرنجة في الغد‪ ،‬ألنه أمر مألوف تعودت عليه‪ ،‬وأتقنت القيام به‪ ،‬ولكنها كانت تفكر في شيء‬
‫آخر‪ ،‬لم يكن يخطر على بال أحد من رفقائها ورفيقاتها‪ ،‬شيء غامض مجهول بالنسبة لهم‬
‫‪2‬‬
‫جميعا لكنه يشغل حي از كبي ار من تفكيرها‪.‬‬

‫وقول الكاتب‪ ":‬وقصدت ياقوتة معسكر األعداء‪ ،‬كما كانت تقصده كل مرة‪ ،‬لقد أصبح‬
‫مرآها مألوفا هناك ولم يعد أحد بين الفرنجة يفكر في جرح إحساسها‪ ،‬والعبث بأنوثتها‪ ،‬بعد أن‬
‫تأكد لهم حرصها على شرفها‪ ،‬وعدم تهاونها إزاء أي مساس بكرامتها‪ ،‬فظلت على حد تعبيرها‬
‫مثل الوردة التي تبعث بأريجها دون أن تلمسها يد‪ ،‬أو كالبلبل الذي يترنم فوق غصنه بعيدا‬
‫عن هدف الصائدين‪ ...‬كانت تعطيهم الفن والمتعة والمرح‪ ،‬وتأخذ منهم المال والطعام‪ ،‬وكانوا‬
‫دائما يقبلون عليها في لهفة‪ ،‬ويستمعون إلى أغانيها في شوق‪ ،‬ويتمايلون مع رقصاتها في‬
‫‪3‬‬
‫نشوة‪.‬‬

‫تميز الجانب االجتماعي للغجرية ياقوتة بالقوة والصمود في المجتمع ألنها كانت تتميز‬
‫بالذكاء والدهاء ولها القدرة على التجسس على العدو من غير علمه‪ ،‬وتأخذ كل صغيرة وكبيرة‬
‫إلى قومها أثناء محاربة وتجهيز العدو للمعارك من أجل القتل والتنكيل واحتالل البالد‪ ،‬فياقوتة‬
‫الغجرية كانت كالجبل الصامد الذي ال يهزه ريح استطاعت أن تساعد القائد فخر الدين في‬

‫‪1‬‬
‫نجيب الكيالني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪-‬ص‪.116 -115 :‬‬
‫‪2‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.121 :‬‬
‫‪3‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪-‬ص‪.130-119 :‬‬
‫‪101‬‬
‫ِّّ‬
‫المتخيلة والتاريخية في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الشخصيات‬

‫المعارك التي كان ينظم لها العدو فهي كانت بمثابة عين لفخر الدين على كل خطوة يقوم بها‬
‫األعداء‪.‬‬

‫• البعد الجسمي‪ :‬تجسد هذا الجانب في صفات ياقوتة الغجرية الجميلة برزت مالمحها‬
‫في مقاطع من الرواية وهي‪:‬‬

‫" وأطلت ياقوتة من فتحة صغيرة‪ ،‬فبدا وجهها األسمر الفاتن‪ ،‬وأهدابها السمراء الطويلة‪،‬‬
‫رغم الضوء الخافت الذي يصارع الظالم في ِاسرار‪...‬‬

‫ونظر عدنان إلى ياقوتة‪..‬‬

‫وحولت ياقوتة عينيها عن عبد األعلى إلى عدنان‪..‬‬

‫لحظات خاطفة‪ ،‬ولكنها غاصة بالمشاعر واالنفعاالت العديدة‪ ،‬وأطرقت ياقوتة الغجرية‬
‫في حياء وقد ساد وجهها حمرة الخجل‪ ،‬ثم انفطرت دموعها دفعة واحدة فعادت إلى مجلسها‬
‫خلف الستار‪ ،‬بينما ظل عدنان مشدوها ال يكاد يصدق عينيه‪ ،‬أمن المعقول ان تكون ياقوتة‬
‫الغجرية هي زمردة؟؟ أية ظروف قد جعلتها تفعل ذلك؟ وأية أقدار قد دفعتها إلى هذا المصير؟‬
‫وانتهت بها إلى ذلك المطاف؟؟ هل أتت فعال من أقاصي العراق هاربة واستطاعت أن تبلغ‬
‫‪1‬‬
‫مصر‪ ،‬ثم تقوم بذلك الدور العجيب في تلك المعركة الرهيبة؟؟‬

‫لقد كانت ياقوتة الغجرية فتاة جميلة سمراء فاتنة ذات أهداب طويلة‪ ،‬فهي تسر الناظرين‬
‫وكل من رآها‪ ،‬تشبه الورود التي تبعث بأريجها وجمالها وأناقتها‪.‬‬

‫• البعد النفسي‪ :‬يكون نتيجة لألبعاد السابقة في االستعداد والسلوك ومزاج الشخصية‬
‫وغيرها‪ ،‬تجسد هذا الجانب في مقاطع من الرواية نذكر منها قول الكاتب‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫نجيب الكيالني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪-‬ص‪.222 -212 :‬‬
‫‪102‬‬
‫ِّّ‬
‫المتخيلة والتاريخية في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الشخصيات‬

‫" وأقبلت ياقوتة الغجرية مع رفاقه وقد بلغت طالئع الفرنجة أبواب المنصورة‪ ،‬وسرى النبأ‬
‫الخطير إلى أهالي المنصورة وهو أن القائد فخر الدين قد لقي ربه‪ ،‬ولم تكد ياقوتة تسمع ذلك‬
‫النبأ حتى طارت نفسها شعاعا‪ ،‬وأصيبت بالذهول واالرتياح‪ ،‬انفجرت باكية‪ ،‬وأخذت تشد شعرها‬
‫وتعض على أناملها أسفا وحسرة وتدق رأسها بقبضتها‪ ،‬وخيل إلى رفاقها أنها قد فقدت عقلها‬
‫لهول الصدمة‪.‬‬

‫وأخذت تصرخ‪ :‬واكرباها‪ ..‬الثأر‪ ..‬الثأر‪ ..‬أقتلوني‪ ..‬مزقوني بسيوفكم‪ ..‬أنا اآلثمة‪ ..‬أنا‬
‫القاتلة ‪.‬كانت واقعة تحت وطأة الشعور بالذنب والخطيئة‪ ،‬ألنها لو أبلغت فخر الدين عما ينويه‬
‫العدو بعد اكتشافه لمخاضة سلمون لما حدثت المفاجأة الرهيبة ولما مات فخر الدين القائد‬
‫‪1‬‬
‫الهمام‪ ،‬ولما استطاع الفرنجة أن يلجوا أبواب المنصورة‪ ،‬ويهددوها بالخراب والدمار والقتل‪".‬‬

‫إضافة إلى قوله‪ ":‬كانت ياقوتة الغجرية تقف في إحدى الشرفات مع خليط من النسوة‬
‫وأخذت ترقب المعركة بعين يقظة وأعصاب هائجة متوترة‪ ،‬ومن آن آلخر تخرج سهما من‬
‫كنانتها ثم تضعه في القوس وتطلقه على أحد جنود الفرنجة في الشارع‪ ،‬وحينما رأت النسوة‬
‫يقفن دون عمل سوى الصياح والبكاء‪ ،‬وأهابت بهن جميعا أن يلجأن إلى سقف البيت الذي‬
‫يقفن به‪ ،‬ثم يحاولن هدم ذلك السياج المنخفض حول السطح وينتزعن لبناته وأحجاره‪ ،‬كي‬
‫يقذفن بها العدو‪ ،‬ويشاركن أزواجهن وأبناءهن في المعركة‪ ،‬ومع ذلك فقد كانت تعود إلى تذكر‬
‫ما فات ‪ ،‬واإلهمال الذي ارتكبته في البارحة‪ ،‬ومصرع فخر الدين‪ ،‬ومداهمة العدو للمنصورة‬
‫على هذه الصورة البشعة‪ ،‬فتنفلت الدموع من أهدابها حتى تغض بالبكاء‪ ،‬ويختلج جسدها‪،‬‬
‫لكنها تعود وتتمالك نفسها‪ ،‬وتستأنف توجيه السهام والقذف باألحجار في حقد وغيظ ضاغطة‬
‫‪2‬‬
‫على أسنانها محاولة أن تخنق صرخات اإلثم والتأنيب التي تنهش في ضميرها الحي المؤمن‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪-‬ص‪.143 -142 :‬‬
‫‪2‬‬
‫نجيب الكيالني مرجع سابق‪ ،‬ص‪.158 :‬‬
‫‪103‬‬
‫ِّّ‬
‫المتخيلة والتاريخية في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الشخصيات‬

‫وقول الكاتب في روايته‪ " :‬وفي بيت عبد األعلى بن سلمان بالمنصورة التقى االثنان‬
‫زمردة وعدنان‪ ..‬وفي ح اررة اللقاء ذابت أحقاد الليالي وآالم الحرمان الطويل‪ ،‬وبدت حماقات‬
‫تران شاه الصريع وكأنها عبث طفل صغير‪ ،‬وبدت معركة الفرنجة وكاها مغامرة شائقة لذيذة‪،‬‬
‫وأطال عدنان النظر في وجهها وقال في ذهول‪:‬‬

‫‪ -‬عندما تتحقق اآلمال يا زمردة ينسى اإلنسان إساءات الزمان‪ ،‬إن السعادة التي تمال‬
‫قلبي ال تدع فيه مكانا لغير الحب الكبير للناس قاطبة‪...‬‬

‫وبعد أيام قصدا القاهرة‪ ،‬وكانا عازمين على إتمام الزواج حسب األصول المراعية‪ ،‬وعندما‬
‫بلغا البيت‪ ،‬كان السكون يجلله وآثار القدم عليه‪ ،‬والبستان المهجور قد جّفت أغصانه وانتشرت‬
‫الصبار‪ ،‬والنخالت المعوجة ما فتئت قائمة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫فيه النباتات الشوكية واتسعت مساحة‬

‫وأمام البيت جلس ذلك الشيخ الذي يتلو القرآن وهو يردد بصوت مرتعش من أثر الهرم‪:‬‬
‫الشِّر َواَْل َخ ْي ِر ِف ْت َن اة َوإٍَل ْي َنا تُْرَج ُعون) (األنبياء‪.)35 :‬‬
‫(وَنْبلُوُكم ِب َّ‬
‫َ َ ْ‬

‫وظال برهة واقفين دون حراك وأخي ار قال‪ :‬ادخلي يا زمردة سوف نبني كل شيء من جديد‬
‫‪1‬‬
‫وهللا معنا‪..‬‬

‫تميزت ياقوتة الغجرية بالذكاء والدهاء وكيفية السيطرة على عقول الملوك وواجهة مشاكل‬
‫أثناء ممارستها الخطط من أجل الدخول إلى مكان العدو‪ ،‬لكنها نجحت وكانت بارعة في‬
‫التمثيل وفي األخير عاشت ياقوتة الغجرية حياة سعيدة يسودها الفرح والسكون والطمأنينة‬
‫واالستقرار‪.‬‬

‫عبد األعلى بن سلمان‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪-‬ص‪.225 -224 :‬‬
‫‪104‬‬
‫ِّّ‬
‫المتخيلة والتاريخية في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الشخصيات‬

‫هو صديق عدنان بن المنذر ورفيق دربه وآماله وأحزانه وأفراحه‪.‬‬

‫• البعد االجتماعي‪ :‬تمثل هذا الجانب االجتماعي في حياة عبد األعلى بن سلمان‬
‫االجتماعية وأصدقائه والمعارك التي شارك فيها يظهر ذلك جليا في مقاطع من رواية"‬
‫اليوم الموعود" وهي‪:‬‬

‫" وبلغ عبد األعلى بن سلمان بيته في المنصورة‪ ،‬وكانت المدينة على أفواه بركان ينفجر‪،‬‬
‫واالرتباك يسودها‪ ،‬والغبار المثار يتصاعد في سماءها والتوتر يرتسم على الوجوه وانتظار‬
‫النتيجة الحاسمة يبعث القلق والتوجس في النفوس‪ ،‬وغمغم عبد األعلى‪:‬‬

‫‪ -‬واآلن سوف أتركك يا عدنان‪ ..‬ليس هناك من وقت أضيعه إلى جوارك والمعركة‬
‫مشبوبة األوار‪.‬‬
‫‪ -‬أتذهب وحدك؟‬
‫‪ -‬األلوف المؤلفة تمال الشوارع‪.‬‬
‫‪ -‬يا لك من ساذج‪..‬‬

‫فقال عبد األعلى نافذ الصبر‪:‬‬

‫‪ -‬أوه‪ ..‬ال مجال للنقاش‪..‬‬


‫‪ -‬إنك ال تفهمني‪...‬‬
‫‪ -‬ماذا تريد ان تقول باختصار؟‬
‫‪ -‬ـأقول إنني سوف أخرج معك‪...‬‬

‫فأجابه عبد األعلى في دهشة‪:‬‬

‫‪ -‬هذا مستحيل‬
‫‪ -‬وما وجه االستحالة يا عزيزي؟‬

‫‪105‬‬
‫ِّّ‬
‫المتخيلة والتاريخية في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الشخصيات‬

‫‪ -‬إنك ال تستطيع ان تنتصب فوق قدميك‪ ،‬ويبدو عليك الهزال والشحوب‪ ،‬إن إصرارك‬
‫على االشتراك في المعركة بالهة وغباء‪ ..‬إنك تنتحر‪..‬‬
‫‪ -‬أنا حر‪ ،‬ولي أن أفعل ما أشاء‪.‬‬
‫‪ -‬ويحك‪ ،‬لن يضير المعركة أن تنقص واحدا‪..‬‬
‫‪ -‬المسألة حياة أو موت أيها الصديق‪ ،‬والمعركة في حاجة إلى كل فرد‪ ،‬ثم إن ذراعي‬
‫اليسرى هي المصابة‪ ،‬ويميني تستطيع أن تحرك السيف في مهارة وخفة‪ ،‬وسأذهب‬
‫رضيت أم لم ترض‪..‬‬

‫فخطف عبد األعلى حبال‪ ،‬وأقبل على عدنان وهو يقول‪:‬‬

‫‪ -‬لسوف أقيد رجليك‪ ،‬وأسجنك هنا رغم أنفك‪ ،‬لم تعد تحسن التفكير‪ ،‬ويبدو أن الحمى‬
‫‪1‬‬
‫قد أنقصت من قواك العقلية‪ ،‬معذرة أيها الصديق‪ ..‬الوقت ضيق‪..‬‬

‫إضافة إلى قول الكاتب‪ " :‬كان عبد األعلى يتكلم في حماس وأمل‪ ،‬وعيناه تبرقان في‬
‫ثقة واعتداد‪ ،‬ولفت ذلك نظر عدنان الذي ظل طول حياته يرى عبد األعلى أنموذج للتاجر‬
‫الحصيف الذي يتسم بالهدوء والنظرات العميقة الفاحصة وال يساق وراء العواطف الرعناء‪،‬‬
‫ويتحرى في تحركاته وكلماته الوقائع الواضحة‪ ،‬وال يتعلق بأذيال الخيال والشعر واالندفاع‪..‬‬
‫لكن عدنان لم يلق بال إلى ذلك فالحرب مشتعلة‪ ،‬وأثره بعيد المدى‪ ،‬والناس يتحولون من حال‬
‫إلى حال‪.‬‬

‫‪ -‬إن حماسك هذه المرة يشبه حماس األطفال السذج‪ ،‬حتى لكأنك سوف تخوض المعركة‬
‫للمرة األولى‬
‫‪ -‬ال أدري حقيقة ما هنالك‪ ،‬غير أني أشعر بمشاعر غامضة تهزني هزا‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫نجيب الكيالني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪-‬ص‪.147-146 :‬‬
‫‪106‬‬
‫ِّّ‬
‫المتخيلة والتاريخية في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الشخصيات‬

‫هذا ما قاله عبد األعلى والحقيقة أنه لم يكن يعلم ما يخفيه القدر في طياته من مفاجآت‬
‫‪1‬‬
‫ال تخطر على بال‪ ،‬ومن أين له أن يعرف ذلك؟‬

‫من خالل هذا العبد االجتماعي نرى بأن عبد األعلى بن سلمان كان له األثر الجميل‬
‫والطيب في مجتمعه عامة ومع صديقه عدنان بن المنذر خاصة‪ ،‬لقد كان عبد األعلى بن‬
‫سلمان يساعد صديقه في المعارك والحروب وساعده في مرضه حينما أصيب في يده كان‬
‫بمثابة أخ لم تنجبه أمه‪ ،‬كان وفيا له‪ ،‬صدق من قال" الصديق وقت الضيق"‪.‬‬

‫• البعد الجسمي‪ :‬تميز عبد األعلى بصفات مختلفة تجسدت في الرواية وذكرها الكاتب‬
‫في عدة مقاطع وهي‪:‬‬

‫" أما عبد األعلى بن سلمان فقد كان يعمل سيفه في رقاب الفرنجة رائحا وغاديا‪ ،‬غير‬
‫مكترث بالجراح السطحية الكثيرة التي تثوى في مختلف انحاء جسده‪ ،‬أيه قوة سحرية تلك التي‬
‫ال تجعله يحس باآلالم‪ ،‬أو يستشعر الضعف والوهن والناس يتساقطون صرعى مع ذلك فهو‬
‫ال يفكر في شيء اسمه الخوف والتراجع؟ لكان هناك خيوطا سحرية تربطه بهذه الكتل التي‬
‫تقف للغزاة بالمرصاد‪ ،‬وكان هناك تيا ار غامضا يسري في هذه الخطوط فيمد الجميع بقوة إلهية‬
‫‪2‬‬
‫خارقة‪".‬‬

‫وقول الكاتب أيضا‪:‬‬

‫" فابتسم عبد األعلى ابتسامته التقليدية‪ ،‬وقبض على ذراع عدنان وسار به جانبا‪ ،‬وهو‬
‫يقول‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪-‬ص‪.183-182 :‬‬
‫‪2‬‬
‫نجيب الكيالني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪-‬ص‪.152-151 :‬‬
‫‪107‬‬
‫ِّّ‬
‫المتخيلة والتاريخية في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الشخصيات‬

‫‪" -‬زمردة!!! قد تبدو الحقائق الدامغة في بعض األحيان وهي مجرد أوهام‪ ،‬أنا شخصيا لم‬
‫اعد أجد فاصال كبي ار بين األحالم والحقائق‪"..‬‬

‫وأخذ عبد األعلى يسرد له قصته منذ أن وقع أسي ار في يد األعداء وما ذاقه عدا ذلك من‬
‫جلد وتعذيب‪ ،‬ثم لقائه مع ياقوتة الغجرية في معسكر األسر‪ ،‬ومحادثتها وكيف انها عرفته عند‬
‫سماعها اسمه‪ ،‬ومفاجأته بالكشف عن شخصيتها الحقيقية‪ ،‬ثم ذكرها لما تعرضت له منذ ان‬
‫حملها توران شاه في ركبه إلى حصن كيفا وهروبها منه‪ ،‬وانتقالها من بلد إلى بلد حتى بلغت‬
‫مصر والحرب تجثم بظلها الرهيب على الوادي األخضر‪ ،‬وأخي ار قال عبد األعلى‪:‬‬

‫‪ -‬عندما عرفت ذلك‪ ،‬تمنيت أن يكون لي جناحان حتى أطير إليك بالنبأ‪ ،‬ولكن كيف‬
‫‪1‬‬
‫أفعل ذلك ودونه القيود واألسوار والرماح؟‬

‫من خالل هذا البعد الجسمي الذي تميز به عبد األعلى بن سلمان صديق عدنان بن‬
‫المنذر‪ ،‬نالحظ انه كان قويا شجاعا ال يستسلم أبدا مثل صديقه عدنان بن المنذر‪ ،‬لقد كان‬
‫عبد األعلى ال يهمه إذا جرح جسده بل يهمه الفوز في المعركة وتحقيق النصر واليوم الموعود‬
‫وقتل األعداء والسالطين المتجبرين والعصبيين والظالمين الذين يقتلون دون رحمة وال شفقة‬
‫وبال سبب همهم المال والثروة ال غير‪ ،‬واحتالل البالد وجعل سكانها عبيدا لهم‪.‬‬

‫• البعد النفسي‪ :‬يشمل هذا البعد شخصية عبد األعلى بن سلمان النفسية وبماذا تتميز‪،‬‬
‫سوف نرى ذلك في مقاطع من رواية "اليوم الموعود" لنجيب الكيالني وهي كالتالي‪:‬‬

‫" وآثر عدنان بن المنذر هو وصديقه عبد األعلى بن سلمان ان يلحقا بالعربان المتطوعة‪،‬‬
‫وينضويا تحت لواء القوات غير النظامية‪ ،‬ويقوما باألعمال االنتحارية التي يجدان فيها لذة‬

‫‪1‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪-‬ص‪.224-223 :‬‬
‫‪108‬‬
‫ِّّ‬
‫المتخيلة والتاريخية في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الشخصيات‬

‫كبرى‪ ،‬وحرية أكثر‪ ،‬وقد كان الملك الصالح نجم الدين أيوب يؤيد مثل هذه األعمال‪ ،‬ويرصد‬
‫المكافآت والمنح ألصحابها‪ ،‬بل ويعطيهم قطعة ذهبية مقابل كل أسير من األعداء‪..‬‬

‫وذات ليلة جلس عبد األعلى بن سلمان في كوخ مقام من األحطاب وسط الحقول‪ ،‬تحيط‬
‫به بعض األشجار التي تحجبه عن األنظار‪ ،‬أما عدنان فقد خرج في أول الليل ليقوم بعملية‬
‫حربية‪ ،‬وأصر أن يكون وحده‪ ،‬رغم أن الوقت قد تأخر‪ ،‬والفجر أوشك على الطلوع إال أنه لم‬
‫يعد‪ ،‬وهذا ما بعث القلق واإلشفاق في قلب صديقه عبد األعلى‪ ،‬فبقي يقظان يذود النوم عن‬
‫عينيه‪ ،‬وبين الحين واآلخر يخرج ليحملق في الظالم لعله يستطيع ان يرى شبح عدنان‪ ،‬قادما‬
‫من بعيد‪ ،‬فإذا ما طالت وقفته وأجهدت نظراته عاد إلى الكوخ ينتظر على مضض‪ ،‬ثم يلقي‬
‫‪1‬‬
‫اللوم على نفسه لعدم مرافقته لعدنان‪".‬‬

‫من خالل هذه الصفات التي ميزت عبد األعلى بن سلمان نرى بأنه رجل ذو نفسية‬
‫متغيرة بسبب الحروب والمعارك تارة نجده حزين وتارة سعيد‪ ،‬لقد كان حزينا ألن بالده كانت‬
‫في حرب ودمار وكذلك صديقه عدنان بن المنذر ورفيق دربه الذي كان جريحا كان عبد‬
‫األعلى يفرح لفرحه ويحزن لحزنه ويتألم أللمه وكان وفيا له في غيابه‪.‬‬

‫‪-5‬الشخصيات الواقعية والتخييلية في رواية اليوم الموعود‪.‬‬

‫أ‪-‬الشخصيات الواقعية‪:‬‬

‫من أهم هذه الشخصيات نجد‪:‬‬

‫➢ الملك الصالح نجم الدين أيوب‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫نجيب الكيالني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.84 :‬‬
‫‪109‬‬
‫ِّّ‬
‫المتخيلة والتاريخية في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الشخصيات‬

‫السلطان الكبير الملك الصالح نجم الدين أيوب أبو الفتوح بن السلطان الكامل ناصر‬
‫الدين محمد بن السلطان الملك العادل سيف الدين أبي بكر بن األمير نجم الدين أيوب بن‬
‫شادي األيوبي سلطان الديار المصرية‪ ،‬وأمه جارية سوداء اسمها" ورد المنى"‪.‬‬

‫ولد الملك الصالح نجم الدين أيوب في مدينة القاهرة سنة ‪603‬ه‪1206 /‬م‪ ،‬ونشأ‬
‫بالقاهرة‪ ،‬ولما بلغ الثانية والعشرين من عمره استتابه أبوه على سلطان مصر ولقبه بالملك‬
‫الصالح في شهر شعبان سنة ‪ 625‬خ حينما كان متجها على رأس جيش إلى بالد الشام‪،‬‬
‫لحصار الناصر داود‪ ،‬ما إن انتهى من الحصار الذي تمخض عن تسليم الناصر حتى عاد‬
‫إلى الديار المصرية وذلك ألخبار قد بلغته عن الملك‪ ،‬فقد ورد عن أم العادل زوجة أبيه أخبار‬
‫أوهمت الملك الكامل بأن ابنه الملك الصالح نجم الدين أيوب عازم على الترتيب والتجهيز‬
‫لالستالء على الحكم وإنه اشترى ألف مملوك من مماليك األتراك كي يشكل قوة تنافس جيش‬
‫السلطان‪ ،‬ويظفر بالملك وأنه أخذ ماال من التجار وبذل في اإلسراف من بيت المال وإذا لم‬
‫َخ َرَج َنا أنا و ْاب َن َك منها‪.‬‬
‫تتدارك الموقف وتعود إلى الديار أ ْ‬

‫فلما وصلت إليه األخبار أسرع بالرجوع إلى الديار واتخذ عدة أمور منها تنحية الصالح‬
‫نجم الدين عن والية العهد‪ ،‬ومال إلى ولده اآلخر العادل‪ ،‬في حين عين ابنه الملك الصالح‬
‫‪1‬‬
‫نجم الدين أيوب على البالد‪ ،‬وهي بالد سنجار وأمد وحصن كيفا‪.‬‬

‫➢ شجرة الدر‬

‫جارية من أصل أرميني أو تركي‪ ،‬اشتراها الصالح أيوب ثم اعتقها وتزوجها‪ ،‬وكانت في‬
‫صحبته وهو ببالد المشرق في حياة والده الملك الكامل‪ ،‬وسارت معه لما حبسه الملك الناصر‬

‫‪1‬‬
‫محمد يونس فلح‪ ،‬الملك الصالح نجم الدين أيوب وعالقته بالقوى السياسية‪ ،‬مجلة كلية العلوم اإلسالمية‪ ،‬العدد الثالث‬
‫عشر‪ ،‬م‪ ،7‬ص‪-‬ص‪.4-3:‬‬
‫‪110‬‬
‫ِّّ‬
‫المتخيلة والتاريخية في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الشخصيات‬

‫داوود صاحب الكرك بالكرك‪ ،‬ومعها ولدها خليل أيضا‪ ،‬ثم قدمت مع الملك الصالح لما تسلطن‬
‫‪1‬‬
‫على مصر‪.‬‬

‫➢ توران شاه‬

‫هو توران شاه ابن الملك الصالح نجم الدين أيوب‪ ،‬وحفيد الملك الكامل محمد بن الملك‬
‫العادل األيوبي‪ ،‬وكما يبدو من اسمه فهو ينتمي نسبه إلى األسرة األيوبية التي تعود بأصولها‬
‫الشخصية إلى والد السلطان صالح الدين نجم الدين أيوب‪.‬‬

‫عرف توران شاه بألقاب قليلة مقارنة بألقاب من سبقه من سالطين الدولة األيوبية‪ ،‬فمن‬
‫ألقابه التي اشتهر بها‪ :‬الملك المعظم‪ ،‬وغياث الدين‪ ،‬في حين انفرد القلقشندي بإطالق لقب‬
‫سيف الدين عليه وكني بأبي عبد هللا نسبة إلى ابنه الملك الموحد تقي الدين عبد هللا‪ ...‬اهتم‬
‫توران شاه كغيره من السالطين األيوبيين بتثقيف نفسه أوال ومن ثم االهتمام بالناحية الثقافية‬
‫بصورة عامة ثانية‪ ،‬فقد كان يميل إلى العلماء والفقهاء وأهل الصالح‪...‬‬

‫كما تميز توران شاه بسرعة البديهة والموهبة في نظم الشعر ارتجاال‪ ،‬فعندما قدم من‬
‫حصن كيفا إلى دمشق سنة (‪647‬ه‪1249 /‬م) هنأه الشعراء بسالمة الوصول ومدحه أحد‬
‫الشعراء بقصيدة شعرية‬

‫قال في مطلعها‪:‬‬

‫قل لنا كيف جئن من حصن كيفا‬

‫‪1‬‬
‫وفيقة أحمد يوسف السعيد‪ ،‬الدور السياسي لشجرة الدر في مصر من الحملة الصليبية السابعة حتى مقتل عز الدين‬
‫أيبك‪ ،‬مجلة كلية التربية‪ ،‬جامعة عين الشمس‪ ،‬العدد السابع والعشرون‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.179:‬‬
‫‪111‬‬
‫ِّّ‬
‫المتخيلة والتاريخية في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الشخصيات‬

‫‪1‬‬
‫حيث أرغمت لألعادي أنوفا‬

‫هذه أهم الشخصيات الواقعية أو باألحرى الشخصيات التاريخية التي ساهمت في بناء‬
‫الروايةـ فالشخصية التاريخية تعتمد على التاريخ بالدرجة األولى فهي تدل على ثقافة الكاتب‬
‫ومدى اطالعه الواسع والمكثف على التاريخ وشغفه به‪.‬‬

‫ب‪-‬الشخصيات التخييلية‬

‫تمثلت الشخصيات التخييلية من خالل الرواية في‪:‬‬

‫➢ عدنان بن المنذر‪ :‬رمز للشعب الذي يتألم ويصبر‪ ،‬لكنه يهب لنجدة بالده متناسيا‬
‫‪2‬‬
‫أحزانه الذاتية‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫➢ زمردة‪ :‬مأساة مجسمة للطغيان‪.‬‬
‫➢ ياقوتة‪ :‬آية أخرى من آيات اإلبداع النسوي الذي يبدو جليا إذا ما أعطيت للمرأة حريتها‬
‫‪4‬‬
‫المعقولة وحطمت األغالل التي تغللها‪ ،‬وقذفت بها االقدار في معترك الحياة‪.‬‬

‫هذه بعض الشخصيات التخييلية المهمة في رواية اليوم الموعود‪ ،‬اختارها الكاتب ونسج‬
‫من خيالها أحداث وصفات لهذه الشخصيات التخييلية تتماشى مع أحداث روايته‪ ،‬حيث دمج‬
‫بين الشخصيات الواقعية والتخييلية لما لها من عالقة مع بعضها البعض‪ ،‬فالشخصية هي أحد‬
‫أهم المكونات األساسية والعناصر الهامة في الرواية التي تقدم لنا األحداث والحوار وتبعث‬

‫‪1‬‬
‫كرفان محمد أحمد‪ ،‬السلطان توران شاه األيوبي‪ ،‬دراسة تحليلية لسيرته وعالقته بشجرة الدر‪ ،‬مجلة التربية والعلم‪ ،‬العدد‬
‫الثالث‪ ،2006 ،‬م‪ ،13‬ص‪-‬ص‪.97-85 :‬‬
‫‪2‬‬
‫نجيب الكيالني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.06:‬‬
‫‪3‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.07 :‬‬
‫‪112‬‬
‫ِّّ‬
‫المتخيلة والتاريخية في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني"‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الشخصيات‬

‫الروح في الرواية‪ ،‬كما أنها تمثل الوسيلة الوحيدة التي يرتكز عليها الكاتب أثناء كتابة عمله‬
‫األدبي رواية كان أو قصة‪.‬‬

‫فالشخصيات بمثابة المحرك الذي يدفع بالرواية إلى النهوض فهي التي تنقل أفكار‬
‫الكاتب وتصوراته ومواقفه وتوجهاته وآماله فالكاتب وظف الشخصيات لما لها من قيمة وفائدة‬
‫ومن أجل تذكر التاريخ بطريقة مشوقة مليئة بالحيوية والحركة‪ ،‬فكتب األحداث التاريخية في‬
‫شكل توثيق وتحقيق‪ ،‬في حين أن الرواية التاريخية تقدم األحداث الواقعية( التاريخية) عن‬
‫طريق بعث الحياة في الشخوص وربطها بالزمان والمكان حتى يجد القارئ نفسه منغمسا في‬
‫األحداث كأنه يعيشها‪ ،‬ويتفاعل معها‪ ،‬وكل هذا بفضل خيال كاتب الرواية ولغته األدبية‬
‫فصور‬
‫َّ‬ ‫التخييلية التي تميز القص التاريخي‪ ،‬وقد وظف الكاتب هذه األحداث التاريخية‪،‬‬
‫الشخصيات بمختلف أنواعها مثل‪ :‬الشخصية الرئيسية والثانوية وغيرها‪...‬‬

‫نجد الشخصية الرئيسية هي الفاعلة في الرواية فالملك الصالح نجم الدين أيوب كان له‬
‫الدور الكبير في سير أحداث الرواية‪ ،‬إضافة إلى زوجته شجرة الدر حيث كانت زوجة وفية‬
‫للملك وتساعده في كل المواقف‪ ،‬كما وظف الشخصيات التخييلية مثل زمردة أو ياقوتة الغجرية‬
‫التي تميزت بالذكار والدهاء حيث كانت تساعد الملك الصالح نجم الدين أيوب‪ ،‬وتذهب إلى‬
‫معسكر األعداء وتغريهم برقصها وجمالها‪ ،‬لقد كانت بمثابة جاسوسة تأتي باألخبار والمؤامرات‬
‫التي يقوم بها العدو وتخبر الملك الصالح نجم الدين أيوب والقائد فخر الدين بن شيخ الشيوخ‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫خاتمة‬
‫خاتمة‬

‫الخاتمة‬
‫نختم بحمد المولى عز وجل موض ـ ـ ـ ــوع بحثنا هذا‪ ،‬بعد رحلة معرفية طويلة وش ـ ـ ـ ــيقة من‬
‫خالل دراستنا لرواية" اليوم الموعود"‪ ،‬نختم بأهم النتائج التي توصلنا إليها‪:‬‬

‫يظهر الزمن التـاريخي في النص الروائي متمثال في الحملـة الصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــليبيـة ومالبس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاتهـا‬
‫وصراعاتها في مصر‪ ،‬والحروب التي جرت في الماضي‪ ،‬حيث استعانت الرواية بكسر خطية‬
‫الزمن والرجوع بالذاكرة إلى الوراء‪ ،‬أي االنتقال من الماضـي إلى الحاضـر‪ ،‬ومن الحاضـر إلى‬
‫الماضــي‪ ،‬باســتخدام تقنيات الزمن التخييلي المتمثلة في االســترجاع الذي كان أكثر اســتخداما‬
‫في الروايــة‪ ،‬كمــا جمع الروائي نجيــب الكيالني بين الت ـاريخي والتخييلي وذلــك لب ارعــة الكــاتــب‬
‫وتمرنـه على كتـابـة الروايـات بمختلف أنواعهـا‪ ،‬تمثـل الجـانـب التـاريخي في الحملـة الصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــليبيـة‬
‫على مصـ ــر والطغيان الداخلي المتمثل في " توران شـ ــاه ابن الملك الصـ ــالح نجم الدين أيوب"‬
‫وغيرها من األحداث الواقعية‪ ،‬أما الجانب التخييلي تمثل في قصـ ـ ـ ـ ـة زمردة وعدنان بن المنذر‬
‫وحبهما الذي توج بزواجهما حيث كانت نهاية ســعيدة‪ ،‬إضــافة إلى النزعة اإلنســانية في الرواية‬
‫التي تمثلت في الص ــداقة المتينة التي جمعت بين عدنان بن المنذر وعبد األعلى بن س ــلمان‬
‫والعالقة الجيدة والوفية بينهما زادت الرواية عمقا وثراء وشموال‪ ،‬كما عالج الكاتب قضية الدين‬
‫والحروب ومطامع المغامرين وعشـ ـ ـ ــاق المجد وعشـ ـ ـ ــاق الوطن الغالي‪ ،‬حيث اتخذ من قصـ ـ ـ ــة‬
‫الكفاح العربي الرائع مع الغرب مسرحا لذلك‪.‬‬

‫إضـ ــافة إلى أن الكاتب نجيب الكيالني أراد أن يجذب القارئ لاللتفات إلى التاريخ وذلك‬
‫بتقنيات مختلفة ومش ـ ـ ـ ــوقة للمتلقي‪ ،‬ولكي يص ـ ـ ـ ــبح التاريخ أم ار محببا للناس وذلك بتحويله من‬
‫مادة مجردة إلى أحداث مش ـ ـ ـ ـ ـ ــوقة تجذب القارئ‪ ،‬كما يهدف الكاتب إلى إعادة بعث البطوالت‬
‫المجيــدة بطريقــة جــديــدة مختلفــة ممزوجــة بين ثنــائيتين همــا التــاريخ والتخييــل لكي يكون عمال‬
‫إبداعيا بامتياز‪ ،‬كما قعل الدكتور نجيب الكيالني في رواية اليوم الموعود‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫خاتمة‬

‫إضــافة إلى أهمية الشــخصــيات الروائية التي ال يمكن ألي كاتب االســتغناء عنها ألنها‬
‫هي المحور األسـ ــاسـ ــي في العمل األدبي فهي تنقسـ ــم إلى شـ ــخصـ ــيات رئيسـ ــية وثانوية ترتبط‬
‫باألحداث وأبعادها االجتماعية واالقتص ـ ـ ـ ـ ـ ــادية والنفس ـ ـ ـ ـ ـ ــية وغيرها من األبعاد‪ ،‬لها عالقة مع‬
‫بعض ـ ــها البعض والش ـ ــخص ـ ــيات أنواع منها الش ـ ــخص ـ ــيات التاريخية والتخييلية كما فعل نجيب‬
‫الكيالني في روايتــه "اليوم الموعود" حين مزج بين التــاريخ والتخييــل أو مــا يصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــطلح عليــه‬
‫بـالتخييـل التـاريخي فـاتخـذ من التـاريخ مـادتـه في بنـاء روايتـه‪ ،‬فصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور رؤيتـه الخـاصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة وفق‬
‫مرجعيــاتــه وثقــافت ـ ه وميوالتــه‪ ،‬فــالروايــة في مفهومهــا العــام تتحــدد بــالخيــال وتقوم عليــه إذ ال‬
‫يستطيع المبدع أن يقدم عمال متمي از من دون خيال يجعله يجول في عالم خاص من المعاني‬
‫واألفكـار الالمتنـاهيـة‪ ،‬فـالروائي نجيـب الكيالني كـان من المتميزين في هـذه الروايـة حيـث مزج‬
‫بين الخي ــال والواقع وال ت ــاريخ والتخيي ــل وق ــدم لن ــا عمال إب ــداعي ــا متمي از عن غيره من األعمــال‬
‫األدبية‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫الملحق‬
‫الملحق‬

‫➢ التعريف بالروائي‬

‫ا لشاعر والروائي" نجيب بن عبد اللطيف بن إبراهيم الكيالني"‪ ،‬من مواليد عام‪1931‬م‬
‫بقرية شرشابة تحت مركز زفتى للمحافظة الغربية مصر‪ .‬يعتبر عميد األدب اإلسالمي وهو‬
‫على رأس األدباء اإل سالميين المعاصرين من حيث غ ازرة اإلنتاج والتنوع والتأليف‪ ،‬فهو ألف‬
‫أكثر من سبعين كتابا في النقد والشعر والقصة القصيرة والرواية‪.‬‬

‫حصل "الكيالني" على تعليمه االبتدائي في قريته ثم التحق بالمدرسة األمريكية االبتدائية‬
‫في قرية سنباط‪ .‬وأكمل تعليمه الثانوي في عام ‪ 1949‬بمدينة "طانطا"‪ ،‬وبعدها التحق بكلية‬
‫الطب في عام‪1951‬م ل يتم اعتقاله عندما كان في السنة النهائية بالكلية‪ ،‬وبعد إطالق سراحه‬
‫أكمل شهادته في مجال الطب عام ‪ ،1960‬وفي هذه الفترة أيضا تزوج كريمة محمود شاهين‪.‬‬

‫تعرف الدكتور "نجيب" في فترة األربعينات على جماعة اإلخوان المسلمين وتأليفاتها ما‬
‫أدى به إلى تفهم روح اإلسالم‪ ،‬عم ل الكيالني كطبيب في القسم الطبي‪ .‬كما عمل كعضو‬
‫مؤسس لرابطة األدب اإلسالمي‪ ،‬ومستشار وزير الصحة باإلمارات‪ ،‬ومدير التثقيف الصحي‬
‫بو ازرة الصحة حتى تقاعده في عام ‪.1962‬‬

‫بقي "الكيالني" خارج مصر ما يقارب ثالثين عاما ليعود إلى وطنه حيث قضى األيام‬
‫األخيرة وهو يصارع المرض حتى وفاته عام ‪1415‬ه ودفن في "مصر"‪.‬‬

‫‪118‬‬
‫الملحق‬

‫الدكتور نجيب الكيالني‬

‫➢ النتاج الروائي‬
‫‪ -‬الطريق الطويل‬
‫‪ -‬النداء الخالد‬
‫‪ -‬رأس الشيطان‬
‫‪ -‬ملكة العنب‬
‫‪ -‬نور هللا‬
‫‪ -‬قاتل حمزة‬
‫‪ -‬عمر يظهر في القدس‬
‫‪ -‬عذراء جاكرتا‬
‫➢ النتاج القصصي‬
‫‪ -‬دموع األمير‬
‫‪ -‬فارس هوازن وقصص أخرى‬
‫‪ -‬حكايات طبيب‪.‬‬
‫‪ -‬نتاجات أخرى‬
‫‪ -‬عصر الشهداء(شعر)‬
‫‪ -‬كيف ألقاك؟‬
‫‪ -‬نحو العالء‬
‫‪ -‬الشعر‬
‫‪ -‬اإلسالمية والمذاهب األدبية(النثر)‬
‫‪ -‬الدين والفن‬

‫‪119‬‬
‫الملحق‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬بين الحرية وااللتزام‬
‫➢ ملخص الرواية‬

‫رواية " اليوم الموعود" تجمع بين أحداث تاريخية حقيقية وبين خيال المؤلف‪ ،‬فالرواية‬
‫تتحدث عن قصة حدثت في أواخر عهد الدولة األيوبية‪ ،‬وأثناء الحملة الصليبية السابعة على‬
‫مصر بقيادة لويس التاسع‪ ،‬الذي َحَل َم بأن الرب يطلب منه فتح بيت المقدس‪ ،‬فأعّ جيشه وقدم‬
‫إلى مصر والتي كانت تمر بمرحلة حرجة بعد مرض الملك الصالح وتولي زوجته شجرة الدر‬
‫أمور البالد‪ ،‬وفي الوقت نفسه كان المماليك يستعدون لتنفيذ رغبتهم بتولي حكم مصر بعد‬
‫موت الملك‪.‬‬

‫والرواية تندمج فيها بعض معاني الحب والحرب‪ ،‬وذكر الكيالني في روايته ما قام به‬
‫لصد هذا العدوان الصليبي‪ ،‬بعدما أبلغه صديقه‬
‫الدر ّ‬
‫الملك الصالح نجم الدين وزوجته شجرة ّ‬
‫"فريديريك" برسالة عن تجهيزات الصليبيين لغزو مصر‪ ،‬وقد وضحت الرواية أيضا انتفاض‬
‫‪2‬‬
‫الشعب المصري للتخلص من عدوهم بعد أن تم االستالء على دمياط‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫ينظر‪ :‬محمد سيف الرحمان‪ ،‬اسهامات الدكتور نجيب الكيالني في األدب‪ ،‬مجلة القسم العربي‪ ،‬العدد ‪ ،24‬باكستان‪،‬‬
‫‪ ،2017‬ص‪-‬ص‪.294-286 :‬‬
‫‪2‬‬
‫نجيب الكيالني‪ ،‬اليوم الموعود‪ ،‬موسوعة أخضر للكتب‪ ،‬على الموقع‪ ،«a5dar.com» :‬أُطلع عليه بتاريخ ‪ 20‬ماي‬
‫مساء‪.‬‬
‫ا‬ ‫‪ ،2022‬تمام الثامنة‬
‫‪120‬‬
‫قائمةالمصادروالمراجع‬
‫قائمة المصادر والمراجع‬

‫قائمة المصادر والمراجع‬


‫القرآن الكريم رواية ورش عن نافع‬

‫➢ المصادر‬
‫‪ .1‬نجيب الكيالني‪ ،‬اليوم الموعود‪ ،‬الصحوة للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪2010 ،1‬م‪.‬‬

‫المراجع العربية‬

‫أ‪ -‬الكتب‬
‫أحمد هيكل تطور األدب الحديث في مصر من أوائل القرن التاسع عشر‬ ‫ب‪-‬‬
‫إلى قيام الحرب الكبرى الثانية‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬ط‪.1994 ،6‬‬
‫حسن بحراوي‪ ،‬بنية الشكل الروائي‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫ت‪-‬‬
‫بيروت‪ ،‬الدار البيضاء‪.1990 ،‬‬
‫حميد الحمداني‪ ،‬بنية النص السردي من منظور النقد األدبي‪ ،‬المركز‬ ‫ث‪-‬‬
‫الثقافي العربي للطباعة والنشر‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ ،‬الدار البيضاء‪.‬‬
‫شوقي ضيف‪ ،‬في النقد األدبي‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬ط‪ ،9‬القاهرة‪.2004 ،‬‬ ‫ج‪-‬‬
‫ح‪ -‬عبد القادر أبو شريفة‪ ،‬مدخل إلى تحليل النص األدبي‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬ط‪،4‬‬
‫‪.2008‬‬
‫خ‪ -‬عبد الملك مرتاض‪ ،‬في نظرية الرواية "بحث في تقنيات السرد"‪ ،‬عالم المعرفة‪،‬‬
‫الكويت‪ ،‬سبتمبر‪.1998 ،‬‬
‫د‪ -‬علي محمد هادي الربيعي‪ ،‬الخيال في الفلسفة واألدب والمسرح‪.‬‬
‫ذ‪ -‬علي محمد هادي الربيعي‪ ،‬الخيال في الفلسفة واألدب والمسرح‪.‬‬
‫ر‪ -‬عمار حازم ومحمد العبيدي‪ ،‬الخيال الشعري في القصائد العشر الطوال‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‬

‫ز‪ -‬محمد القاضي‪ ،‬الرواية والتاريخ‪ ،‬دراسات في التخييل المرجعي‪ ،‬دار المعرفة‬
‫للنشر‪ ،‬ط‪ ،1‬تونس‪.2008 ،‬‬
‫محمد امين العالم‪ ،‬أربعون عاما من النقد التطبيقي‪ ،‬البنية والداللة في‬ ‫س‪-‬‬
‫القصة والرواية العربية المعاصرة‪ ،‬دار المستقبل العربي ‪ ،41‬شارع بيروت"‬
‫مصر الجديدة"‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫محمد بوعزة‪ ،‬تحليل النص السردي‪ ،‬الدار العربية للعلوم‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪،‬‬ ‫ش‪-‬‬
‫لبنان‪.‬‬
‫محمد غنيمي هالل‪ ،‬النقد األدبي الحديث‪.‬‬ ‫ص‪-‬‬
‫مها حسن القصراوي‪ ،‬الزمن في الرواية العربية‪ ،‬المؤسسة العربية‬ ‫ض‪-‬‬
‫للدراسات‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪.2004 ،1‬‬
‫ط‪ -‬نضال الشمالي‪ ،‬الرواية والتاريخ‪ ،‬بحث في مستويات الخطاب في الرواية‬
‫التاريخية‪ ،‬عالم الكتب الحديث‪ ،‬إربد‪ ،‬األردن‪.2006 ،‬‬
‫ظ‪ -‬يوسف اإلدريسي‪ ،‬مفهوم التخييل في النقد والبالغة العربيين (األصول‬
‫واالمتدادات)‪ ،‬دار وجوه للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪ ،1‬المملكة العربية السعودية‪،‬‬
‫‪.2015‬‬

‫ب‪-‬المراجع المترجمة‬

‫‪ .1‬ابن رشد‪ ،‬الكتاب الكبير للنفس ألرسطو‪ ،‬نقلة من الالتينية إلى العربية‪ ،‬إبراهيم‬
‫العربي‪ ،‬دار الحكمة‪.1997 ،‬‬
‫‪ .2‬جيرالد برانس‪ ،‬المصطلح السردي‪ ،‬ترجمة‪ :‬عابد خزندار‪.‬‬
‫‪ .3‬غاستون بشالر‪ ،‬جماليات المكان‪ ،‬ترجمة‪ :‬غالب هلسا‪ ،‬المؤسسة الجامعية‪،‬‬
‫ط‪ ،3‬بيروت‪.1987 ،‬‬

‫‪123‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‬

‫‪ .4‬فيليب هامون‪ ،‬سيمولوجيا الشخصيات الرواية‪ ،‬ترجمة‪ :‬سعيد بنكراد‪ ،‬تقديم عبد‬
‫الفتاح كيليطو‪ ،‬دار الحوار للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪.2013/8 ،1‬‬

‫ج‪-‬الرسائل الجامعية‬

‫‪ .1‬أم السعد بلعيد المزعوقا‪ ،‬الزمن والمكان في رواية" المجوس" إلبراهيم الكوني‪،‬‬
‫مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجيستير في األدب والنقد‪ ،‬جامعة األسمرية للعلوم‬
‫اإلنسانية‪ ،‬ليبيا‪.2016 ،‬‬
‫‪ .2‬رشيد سلطاني‪ ،‬الزمن في الرواية الجزائرية‪ ،‬دراسة بنيوية وداللية من خالل‬
‫نماذج‪ ،‬مخطوط مقدم لنيل شهادة الدكتوراه‪ ،‬جامعة العربي بن مهيدي‪ ،‬كلية‬
‫اآلداب واللغات‪ ،‬قسم اللغة واألدب العربي‪ ،‬أم البواقي‪ ،‬الجزائر‪.2014 ،‬‬
‫‪ .3‬فاطمة سعيد أحمد حمدان‪ ،‬مفهوم الخيال ووظيفته في النقد القديم والبالغة‪،‬‬
‫رسالة مقدمة لنيل درجة الدكتوراه في النقد والبالغة‪ ،‬جامعة أم القرى‪ ،‬كلية اللغة‬
‫العربية‪ ،‬المملكة العربية السعودية‪.1989 ،‬‬

‫د‪-‬المجالت والمقاالت‬

‫‪ .1‬أحمد حفيدي‪ ،‬جماليات الزمن في رواية فوضى األشياء للروائي رشيد بوجدرة‪،‬‬
‫‪www.benhedouga.com‬‬ ‫على الموقع‪:‬‬
‫الرابط‪:‬‬ ‫الرواية‪ ،‬على‬ ‫المكان في‬ ‫محبك‪ ،‬جماليات‬ ‫‪ .2‬أحمد زياد‬
‫‪https://www.diwanalarab.com‬‬

‫‪ .3‬حكيمة شداد‪ ،‬حضور التخييل بين اإلبداع الشعري والتنظير النقدي‪ ،‬مجلة‬
‫إشكاالت في اللغة واألدب‪ ،‬سيدي بلعباس‪ ،‬الجزائر‪.2021 ،‬‬
‫‪ .4‬علي حبيب هللا إبراهيم‪ ،‬الشعر عند حازم القرطاجي من خالل كتابه مناهج‬
‫البلغاء وسراج األدباء‪ ،‬مجلة كلية اآلداب‪ ،‬العدد ‪ ،2‬م‪ ،2‬جامعة أم درمان‪ ،‬دار‬
‫المنظومة‪.‬‬

‫‪124‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‬

‫‪ .5‬فرحان بدري الحربي وسالم محمد حضر‪ ،‬بنية المكان في قصص" حراس‬
‫المعبد" لحسن عبيد عيسى‪ ،‬مجلة التربية األساسية للعلوم التربوية واإلنسانية‪،‬‬
‫العدد ‪ ،39‬جامعة بابل‪ ،‬حزيران‪.2018‬‬
‫‪ .6‬كرفان محمد أحمد‪ ،‬السلطان توران شاه األيوبي‪ ،‬دراسته تحليلية لسيرته وعالقته‬
‫بشجرة الدر‪ ،‬مجلة التربية والعلم‪ ،‬العدد الثالث‪.2006 ،‬‬
‫‪ .7‬محمد يونس فلح‪ ،‬الملك الصالح نجم الدين أيوب وعالقته بالقوى السياسية‪،‬‬
‫مجلة كلية العلوم اإلسالمية‪ ،‬العدد الثالث عشر‪ ،‬م‪.7‬‬
‫‪ .8‬وفيقة أحمد يوسف السعيد‪ ،‬الدور السياسي لشجرة الدر في مصر من الحملة‬
‫الصليبية السابعة حتى مقتل عز الدين أييك‪ ،‬مجلة كلية التربية‪ ،‬جامعة عين‬
‫الشمس‪ ،‬العدد السابع والعشرون‪ ،‬ج‪.1‬‬
‫د‪ -‬المعاجم والقواميس‬
‫‪ .1‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬مادة(مكن)‪ ،‬م‪.12‬‬
‫‪ .2‬الفيروز أبادي‪ ،‬قاموس المحيط‪.‬‬
‫‪ .3‬معجم الوسيط‪ ،‬مجمع اللغة العربية‪.‬‬
‫مواقع االنترنت‬ ‫ه‪-‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪www.a5dar.com‬‬ ‫‪.1‬‬
‫‪.2‬‬
‫‪https://www.diwanalarab.com‬‬

‫‪www.benhedouga.com .3‬‬

‫‪125‬‬
‫فهرس المحتويات‬
‫فهرس المحتويات‬

‫الفهرس‪:‬‬

‫شكر وعرفان ‪3..................................................................‬‬

‫إهداء ‪4.........................................................................‬‬

‫إهداء ‪5.........................................................................‬‬

‫مقدمة ‪.........................................................................‬أ‬

‫مدخل‪ :‬مفاهيم عامة‪4...........................................................‬‬

‫‪ .1‬نشأة الرواية التاريخية ‪5 ...................................................‬‬

‫أ‪ .‬عند الغرب‪5 ........................................................... :‬‬

‫ب‪ .‬عند العرب‪6 ......................................................... :‬‬

‫‪ .2‬الرواية العربية في مصر ‪9 ................................................‬‬

‫‪ .3‬أسباب اللجوء إلى الرواية التاريخية‪16 ......................................‬‬

‫‪ .4‬الرواية واستلهام التاريخ‪20 .................................................‬‬

‫‪ .5‬روائية الرواية التاريخية ‪22 .................................................‬‬

‫أ‪ .‬المحدد المرجعي‪22 ..................................................... :‬‬

‫ب‪ .‬المحدد الوظيفي‪23 .................................................... :‬‬

‫ج‪ .‬المحدد الداللي‪23 ..................................................... :‬‬

‫‪ .6‬عالقة الرواية بالتاريخ ‪24 ..................................................‬‬

‫‪-7‬الخيال‪25 ............................................................... :‬‬


‫فهرس المحتويات‬

‫أ‪-‬المعنى اللغوي‪25 ....................................................... :‬‬

‫ب‪-‬المعنى االصطالحي‪26 ............................................... :‬‬

‫‪-8‬التخيل‪27 ............................................................... :‬‬

‫أ‪-‬المفهوم اللغوي‪27 ....................................................... :‬‬

‫ب‪-‬المفهوم االصطالحي‪28 ............................................... :‬‬

‫‪-9‬المتخيل‪29 .............................................................. :‬‬

‫أ‪-‬المفهوم اللغوي‪29 ....................................................... :‬‬

‫ب‪-‬المفهوم االصطالحي‪29 ............................................... :‬‬

‫‪-10‬المتخيل السردي‪30 ..................................................... :‬‬

‫‪-11‬الخيال والتخيل ‪30 .......................................................‬‬

‫أ‪ -‬الخيال في نظر النقاد ‪31 ................................................‬‬

‫ب‪-‬الخيال في نظر الفالسفة ‪32 .............................................‬‬

‫ج‪-‬التخيل في نظر النقاد ‪34 ................................................‬‬

‫د‪ -‬التخيل في نظر الفالسفة ‪36 .............................................‬‬

‫الفصل األول‪ :‬الزمان والمكان في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني" ‪40 ........‬‬

‫أوال‪ :‬الزمن‪42 ............................................................... :‬‬

‫تعريف الزمن‪42 ................................................ :‬‬ ‫‪-1‬‬

‫أ‪-‬المعنى اللغوي‪42 ....................................................... :‬‬

‫ب‪-‬المعنى االصطالحي‪42 ............................................... :‬‬


‫فهرس المحتويات‬

‫‪-2‬تقنيات الزمن ‪43 ..........................................................‬‬

‫أ‪-‬المفارقات الزمنية ‪43 .....................................................‬‬

‫‪-3‬تقنيات الحركة السردية ‪44 .................................................‬‬

‫أ‪-‬تسريع السرد ‪44 ..........................................................‬‬

‫ب‪-‬الخالصة‪44 .............................................. Sommaire‬‬

‫ج‪-‬الحذف ‪44 ..................................................... ellipse‬‬

‫‪-4‬تعطيل السرد ‪45 ..........................................................‬‬

‫أ‪-‬المشهد‪45 ...................................................... scène‬‬

‫ب‪ -‬الوقفة ‪45 ..................................................... pause‬‬

‫‪-5‬البنية الزمنية المتخيلة في رواية الزمن الموعود ‪46 ...........................‬‬

‫أ‪-‬المفارقات الزمنية ‪46 .....................................................‬‬

‫‪ -6‬تقنيات الحركة السردية في رواية الموعود لنجيب الكيالني ‪49 ................‬‬

‫أ‪-‬تسريع السرد ‪49 ..........................................................‬‬

‫ب‪ -‬الخالصة ‪49 ..........................................................‬‬

‫ج‪-‬الحذف ‪50 ................................................... l’ellipse‬‬

‫‪-7‬تعطيل السرد ‪51 ..........................................................‬‬

‫أ‪-‬المشهد ‪51 ...............................................................‬‬

‫ب‪-‬الوقفة ‪53 ..............................................................‬‬

‫‪ -8‬الزمن التاريخي في رواية اليوم الموعود "لنجيب الكيالني" ‪55 .................‬‬


‫فهرس المحتويات‬

‫ثانيا‪ :‬المكان ‪57 ..............................................................‬‬

‫تعريف المكان‪57 ..............................................‬‬ ‫‪1-‬‬

‫أ‪-‬المعنى اللغوي ‪57 ........................................................‬‬

‫ب‪-‬المعنى االصطالحي ‪58 ................................................‬‬

‫‪-2‬أنواع المكان ‪59 ...........................................................‬‬

‫أ‪-‬المكان العام(المفتوح)‪59 ..................................................‬‬

‫ب‪-‬المكان الخاص(المغلق) ‪59 ..............................................‬‬

‫ج‪-‬المكان الواقعي ‪60 ......................................................‬‬

‫د‪-‬المكان المجازي ‪60 ......................................................‬‬

‫ه‪-‬المكان الهندسي ‪60 .....................................................‬‬

‫‪ -3‬المكان أنواعه ومرجعياته في رواية اليوم الموعود ‪61 .........................‬‬

‫أ‪-‬األماكن المفتوحة ‪61 .....................................................‬‬

‫ب‪-‬األماكن المغلقة‪63 .................................................... :‬‬

‫ِّ‬
‫المتخيلة والتاريخية في رواية اليوم الموعود "لنجيب‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الشخصية‬
‫الكيالني" ‪66 ...................................................................‬‬

‫‪-1‬مفهوم الشخصية ‪67 .......................................................‬‬

‫‪-2‬أبعاد الشخصية ‪67 ........................................................‬‬

‫أ‪-‬البعد االجتماعي‪68 ..................................................... :‬‬

‫ب‪-‬البعد الجسمي‪68 ...................................................... :‬‬


‫فهرس المحتويات‬

‫ج‪-‬البعد النفسي‪68 ........................................................ :‬‬

‫‪-3‬أنواع الشخصية ‪68 ........................................................‬‬

‫أ‪-‬الشخصية المسطحة‪68 ..................................................:‬‬

‫ب‪ -‬الشخصية المدورة‪69 ................................................. :‬‬

‫ج‪ -‬الشخصية الرئيسية‪69 ................................................. :‬‬

‫د‪-‬الشخصية الثانوية‪69 ................................................... :‬‬

‫ه‪-‬الشخصية المرجعية‪69 ................................................. :‬‬

‫و‪-‬الشخصيات اإلشارية‪70 ................................................ :‬‬

‫ز‪-‬الشخصيات االستذكارية‪70 ............................................. :‬‬

‫أ‪-‬الشخصية الرئيسية وأبعادها في رواية اليوم الموعود ‪71 .....................‬‬

‫الملك الصالح نجم الدين أيوب‪72 .......................................... :‬‬

‫ب‪ -‬الشخصيات الثانوية وأبعادها في رواية اليوم الموعود" لنجيب الكيالني" ‪78 ..‬‬

‫شجرة الدر‪78 ............................................................. :‬‬

‫فخر الدين بن شيخ الشيوخ‪82 ..............................................:‬‬

‫توران شاه‪86 ..............................................................:‬‬

‫الملك لويس التاسع‪90 ..................................................... :‬‬

‫ه‪-‬عدنان بن المنذر‪95 ................................................... :‬‬

‫ياقوتة الغجرية‪100 ....................................................... :‬‬

‫عبد األعلى بن سلمان‪104 ................................................ :‬‬


‫فهرس المحتويات‬

‫‪ -5‬الشخصيات الواقعية والتخييلية في رواية اليوم الموعود‪109 ................. .‬‬

‫أ‪-‬الشخصيات الواقعية‪109 ................................................ :‬‬

‫ب‪-‬الشخصيات التخييلية ‪112 ..............................................‬‬

‫الخاتمة ‪115 ...................................................................‬‬

‫الملحق ‪117 ...................................................................‬‬

‫قائمة المصادر والمراجع ‪122 ...................................................‬‬

‫فهرس المحتويات ‪126 .........................................................‬‬

‫الملخص‪133 ................................................................ :‬‬


‫ملخص‬

:‫الملخص‬
‫الروايـة التـاريخيـة إحـدى أنواع الروايـة التي نجـد فيهـا مزجـا بين مـا هو تـاريخي وبين مـا هو‬
‫ بأس ــلوب روائي يعتمد‬،‫ وتهدف هذه الرواية إلى تص ــوير فترة من الفترات التاريخية المهمة‬،‫تخييلي‬
‫ وقد كان هذا الغرض من األغراض التي س ــعى إليها‬،‫في األس ــاس على معطيات وحقائق تاريخية‬
‫ إذ اسـ ـ ــتطاع الروائي تصـ ـ ــوير األحداث التي‬،"‫ "نجيب الكيالني" في روايته "اليوم الموعود‬.‫الروائي‬
‫ جامعا في ذلك بين األحداث التاريخية الحقيقية وبين خيالـه‬،‫وقعت في أواخر عهد الدولة األيوبية‬
‫ فأنتج‬،‫حيث اس ـ ــتغل الروائي أحداث تلك الفترة وأعاد كتابة التاريخ األيوبي بأس ـ ــلوبه الفني الخيالي‬
‫ وقد تطرقنا في د ارس ـ ـ ـ ـ ــتنا هذه‬،‫لنا هذه الرواية الماتعة المش ـ ـ ـ ـ ــوقة وهي تزودنا بثقافة تاريخية مهمة‬
.‫ الشخصيات بأنواعها والمكان بأنواعه‬،‫ الزمن التاريخي والتخييلي‬،‫ الرواية التاريخية‬:‫إلى‬

‫ الزمن‬،‫ الزمن التـاريخي‬،‫ الخيـال‬،‫ التخييـل التـاريخي‬،‫ الروايـة التـاريخيـة‬:‫الكلمـات المفتـاحيـة‬


‫التخييلي‬

Résumé
The historical novel is one of the kinds in which we find a combination of what
is historical and what is imaginative, and this novel aims to portray a period of important
historical periods, in a fiction style based primarily on historical data and facts, which
was the purpose sought by the novelist. "Najib al-Kilani" in his novel "The Promised
Day", where the novelist was able to portray the events that occurred in the late era of
the Ayubian State, Combining real historical events with his imagination, the novelist
exploited the events of that period and rewritten Ayobi history in his fictional artistic
style. And he produced this interesting novel and it provides us with an important
historical culture, In our study, we touched on: historical narrative, historical and
imaginary times, personalities of their kind and place of their kind.

Keywords: historical novel, historical imagination, fiction, historical time,


imaginary time
‫ملخص‬

You might also like