Professional Documents
Culture Documents
مقدمة
خاتمة.
قائمة المراجع.
مقدمة
نظري ة المحاك اة في األدب تش كل إح دى المف اهيم المث يرة وال تي تفتح أفًق ا جدي ًد ا لفهم ت أثير
األدب على الوعي والتجربة اإلنسانية .يعكس هذا المفهوم تفاعاًل ديناميكًي ا بين النصوص
األدبي ة والقارئ ،حيث يتمث ل األدب كوس يلة لنقل تج ارب ومش اعر وفهم بين المؤل ف
والقارئ.
في مقدمة تفسر نظرية المحاكاة ،يمكننا أن نستعرض كيف يتمثل الكاتب في خلق عوالم
خيالية ُتشبه أو ُتحاكي الواقع .يستخدم الكّتاب لغة فنية وصوًر ا ذهنية إلعادة إنتاج تجارب
ومواقف يمكن للقارئ أن يتفاعل معها على مستوى شخصي .تعتبر هذه المحاكاة أداة لنقل
القارئ إلى عوالم مختلفة ،حيث يمكنه تجربة وفهم واقع جديد من خالل النص األدبي.
في ظ ل ه ذا الس ياق ،يك ون للقارئ دور فّع ال في عملي ة المحاك اة ،حيث يقوم بتص وير
األحداث والشخصيات في خياله الشخصي ،ويعيش تلك التجارب بطريقة تتيح له التفاعل
العاطفي والفهم العميق .يكون األدب وسيلة لتوسيع آفاق الفهم والتجربة ،حيث يفتح القارئ
نافذة إلى عوالم متعددة يمكنه استكشافها وتحليلها.
في ه ذا الس ياق ،تكمن أهمي ة نظري ة المحاك اة في إب راز األدب كوس يلة للت أثير العمي ق
والشخص ي على الف رد .تجعلن ا ه ذه النظري ة ن درك ق درة األدب على نقل الثقاف ة والفهم
واإلحساس ،مما يخلق تواصاًل فريًد ا بين الكاتب والقارئ عبر عوالم الخيال والواقع.
ومن هنا يمكن طرح التساؤل التالي :ما هي نظرية المحاكات وكيف نشأت؟
المبحث األول :تعريف نظرية المحاكات ونشأتها.
نظرية المحاكاة في األدب هي نظرية فلسفية وفنية ترى أن الفن هو محاكاة للواقع .تستند
1
هذه النظرية إلى فكرة أن الفن يهدف إلى تمثيل العالم الحقيقي أو إعادة إنتاجه بطريقة ما.
المحاكاة هي تصوير للعالم الخارجي ،وتمثيل له؛ ألن محصول األقاويل الشعرية تصوير
األش ياء الحاص لة في الوج ود وتمثيله ا في األذه ان على م ا هي علي ه خ ارج األذه ان من
حسن أو قبح حقيقة ،أو على غير ما هي عليه تمويها وإ يهام ًا وكان سقراط قد تحدث عن
المحاك اة وق ال :إن الرس م والش عر ،والموس يقى ،وال رقص والنحت ،أن واع من التقلي د،
واتضح معناها عند أفالطون.
وأخ ذ الفالس فة المس لمون مص طلح "المحاك اة ،بع د أن ت رجم كت اب الش عر ألرس طو إلى
العربية وأداروه في كتبهم ،وقسمها ابن سينا إلى محاكاة تشبيه ،ومحاكاة استعارة ،ومحاكاة
تركيب ،أو محاكاة من باب الذرائع ،وهي التي تقوم لكثرة االستعمال مقام ذات المحاكاة.
وتلقف ح ازم القرط اجني الفك رة من أرس طو والفالس فة المس لمين وتح دث عن المحاك اة
2
وقسمها إلى ثالث أقسام وهي:
المحاكاة الواقعية :هي نوع من المحاكاة يسعى إلى تمثيل العالم الحقيقي بدقة قدر اإلمكان.
تتميز هذه المحاكاة باهتمامها بالتفاصيل الواقعية ،مثل المالبس والديكورات والحوار.
المحاك..اة الرمزي..ة :هي ن وع من المحاك اة يس عى إلى اس تخدام الواق ع كرم ز أو اس تعارة
لش يء آخ ر .تتم يز ه ذه المحاك اة باس تخدامها للص ور واإلش ارات الرمزي ة لتمثي ل األفك ار
والمشاعر والقيم.
-1أحمد أمين ،فجر اإلسالم ،دار الكتاب العربي ،الطبعة األولى ،القاهرة ،1951 ،ص1/38
-2طه حسين ،في الشعر الجاهلي ،دار المعارف ،الطبعة األولى ،القاهرة ،1926 ،ص125
المحاكاة الذاتية :هي ن وع من المحاك اة يس عى إلى تمثي ل تجرب ة الفن ان أو الك اتب الذاتي ة.
تتميز هذه المحاكاة باستخدامها للذات الشاعرة أو الراوية لتمثيل أفكار ومشاعر وتجارب
الفنان أو الكاتب.
نش أت نظري ة المحاك اة في األدب في اليون ان القديم ة ،حيث ك انت تعت بر الفن ش كاًل من
أشكال التعليم .كان يعتقد أن الفن يمكن أن يساعد الناس على فهم العالم من حولهم بشكل
أفضل.
تط ورت نظري ة المحاك اة في األدب على م ر الس نين .في عص ر النهض ة ،أص بح االهتم ام
بالواقعية أكثر أهمية ،مما أدى إلى ظهور فًنا أكثر واقعية .في القرن التاسع عشر ،أصبح
االهتمام بالرمزية أكثر أهمية ،مما أدى إلى ظهور فًنا أكثر تجريدية.
ال ت زال نظري ة المحاك اة في األدب مهم ة ح تى الي وم .فهي ت ؤثر على الطريقة ال تي ننظ ر
3
بها إلى الفن واألدب.
نش أت نظري ة المحاك اة في األدب في اليون ان القديم ة ،حيث ك انت تعت بر الفن ش كاًل من
أشكال التعليم .كان يعتقد أن الفن يمكن أن يساعد الناس على فهم العالم من حولهم بشكل
أفضل.
يرج ع الفض ل في تط وير نظري ة المحاك اة إلى أفالط ون وأرس طو ،الل ذان كان ا من أهم
الفالس فة اليون انيين .ك ان أفالط ون يعتقد أن الفن ه و محاك اة للع الم المث الي ،بينم ا ك ان
4
أرسطو يعتقد أن الفن هو محاكاة للعالم الحقيقي.
القاهرة ،1969 ،ص125-116 -محمد مندور دراسات في األدب والفن ،دار المعارف ،الطبعة األولى، 3
في كتاب ه "فن الش عر" أرس طو ،ين اقش أرس طو طبيع ة الفن واألدب .يعتقد أرس طو أن الفن
يس عى إلى تمثي ل الع الم الحقيقي بطريقة م ا .يعتقد أرس طو أن الفن يمكن أن يك ون وس يلة
لفهم العالم من حولنا والتعبير عن أفكارنا ومشاعرنا.
تط ورت نظري ة المحاك اة في األدب على م ر الس نين .في عص ر النهض ة ،أص بح االهتم ام
بالواقعية أكثر أهمية ،مما أدى إلى ظهور فًنا أكثر واقعية .في القرن التاسع عشر ،أصبح
5
االهتمام بالرمزية أكثر أهمية ،مما أدى إلى ظهور فًنا أكثر تجريدية.
يرى أفالطون أن الفن هو محاكاة للعالم المثالي ،وليس للعالم الحقيقي .يعتقد أفالطون أن
6
العالم الحقيقي مليء بالنقص والفساد ،بينما العالم المثالي هو عالم كامل ومثالي.
في كتابه "جمهورية" أفالطون ،يناقش أفالطون دور الفن في المجتمع .يعتقد أفالطون أن
الفن يمكن أن يك ون أداة قوي ة للتعليم ،لكن ه يمكن أن يك ون أيًض ا أداة قوي ة للخ داع .يعتقد
أفالطون أن الفن يجب أن يستخدم لتعزيز الفضيلة ،وليس لتشجيع الرذيلة.
7
يقسم أفالطون الفن إلى ثالثة أنواع رئيسية:
الشعر الغنائي :يشمل القصائد واألغاني التي تعبر عن المشاعر واألحاسيس.
-أفالطون ،الجمهورية ،دار المعرفة ،الطبعة األولى ،القاهرة ،1990 ،ص.364-356 6
ي رى أفالط ون أن الش عر الغن ائي ه و أق ل أن واع الفن فائ دة ،ألن ه يرك ز على المش اعر
واألحاس يس ،وليس على العقل .ي رى أفالط ون أن الش عر الس ردي أك ثر فائ دة من الش عر
الغنائي ،ألنه يمكن استخدامه لرواية القصص التعليمية .يرى أفالطون أن الشعر الدرامي
هو أكثر أنواع الفن فائدة ،ألنه يمكن استخدامه لتوضيح القضايا األخالقية والفلسفية.
يقدم أفالط ون مث اًال على نظري ة المحاك اة في األدب في روايت ه "الجمهوري ة" .في ه ذه
الرواية ،يقارن أفالطون بين عالم المثل وعالم الحواس .يعتقد أفالطون أن عالم المثل هو
8
عالم مثالي ،بينما عالم الحواس هو عالم مليء بالنقص والفساد.
يستخدم أفالطون هذا المثل لشرح نظرية المحاكاة في األدب .يعتقد أفالطون أن الفن هو
محاك اة للع الم الحس ي ،وه و ع الم مليء ب النقص والفس اد .ل ذلك ،يجب أن يك ون الفن مقي ًد ا
9
بالمعايير األخالقية ،حتى ال يعزز الرذيلة.
انتقادات نظرية المحاكاة في األدب عند أفالطون :تعرضت نظرية المحاكاة في األدب عند
أفالط ون لبعض االنتقادات .أح د االنتقادات ه و أن ه ذه النظري ة تقص ر الفن على كون ه
مج رد محاك اة للواق ع .ي رى بعض النقاد أن الفن يمكن أن يك ون أك ثر من مج رد محاك اة،
10
ويمكن أن يكون أداة لإلبداع واالبتكار.
انتقاد آخر لنظرية المحاكاة في األدب عند أفالطون هو أنها تستند إلى افتراض أن العالم
المث الي ه و موج ود .ي رى بعض النقاد أن ه ذا االف تراض غ ير قاب ل للتحقق ،وال يمكن
استخدامه كأساس لنظرية فنية.
ُتع د نظري ة المحاك اة من أهم النظري ات ال تي تحكم الش عر الع ربي من ذ بدايات ه .ت رى ه ذه
النظرية أن الشعر هو محاكاة للواقع ،سواء كان هذا الواقع مادًيا أو معنوًيا.
11
تجلت هذه النظرية في الشعر العربي في عدة جوانب ،منها:
الموضوع :اهتم الشعراء العرب منذ القدم بتناول موضوعات واقعية ،مثل وصف
12
من األمثلة على تجلي نظرية المحاكاة في الشعر العربي ما يلي:
وصف الطبيعة :وصف الشعراء العرب الطبيعة بدقة وجمال ،كما في شعر
المتنبي:
طلوع الفجر أقرب من ُأِّم جَّلي أال أيها الليل الطويل أال انجلي
كأنه شفق حمرة من طلعة الَّس َّجي والصبح الح فجرًا من مطلعه
-عبد الرحمن البرقوقي ،نظرية المحاكاة في الشعر العربي ،دار النهضة العربية ،الطبعة األولى ،بيروت،1960 ، 11
ص12-1
-محمد غنيمي هالل ،النقد األدبي الحديث دار المعارف ،الطبعة األولى ،القاهرة ،1963 ،ص1/102 12
وصف الحياة االجتماعية :وصف الشعراء العرب الحياة االجتماعية بدقة وواقعية،
وصف األحداث التاريخية :وصف الشعراء العرب األحداث التاريخية بدقة
واُهلل على ما أقسمنا لُم نجُز وَن نحُن قوٌم إذا نحُن أقسمنا
ضاجعي الخيِل في كل معترٍك ُم صَطِر ُع وَن إذا نحُن ركبنا الحرَب مشمرين
ُتعد نظرية المحاكاة من أهم النظريات التي تحكم الشعر العربي ،ألنها تساهم في الحفاظ
على العالقة بين الشعر والواقع .كما تساهم هذه النظرية في إبراز الخصائص الفنية للشعر
13
العربي ،مثل دقة الوصف وقوة الخيال.
تظهر نظرية المحاكاة كمفتاح لفهم كيف يمكن للكّتاب إحياء الواقع بطرق ملهمة وإ يجابية،
مم ا يمكن القّر اء من الغ وص في تفاص يل الحي اة والش عور بالمش اعر والتج ارب ع بر
ص فحات النص وص األدبي ة .ين دمج الفن والواق ع في تجرب ة مم يزة تعكس غ نى اإلنس انية
وتعزز التواصل الثقافي.
في نهاي ة المط اف ،يظه ر األدب بوص فه لغ ة تح اكي الحي اة وتجس د قصًص ا وشخص يات
تس تحق التأم ل والتأم ل .يبقى ه ذا الع الم الس حري ال ذي يخلقه الكّت اب يعكس التعقي دات
والجمالي ات البش رية ،مم ا ي دفعنا إلى االس تمرار في استكش اف أعم اق األدب والمحاك اة
كآليتين تعمالن مًع ا إلثراء تجربتنا الثقافية واإلنسانية.
قائمة المراجع.
أحمد أمين ،فجر اإلسالم ،دار الكتاب العربي ،الطبعة األولى ،القاهرة.1951 ، .1
طه حسين ،في الشعر الجاهلي ،دار المعارف ،الطبعة األولى ،القاهرة.1926 ، .2
محم د من دور ،دراس ات في األدب والفن ،دار المع ارف ،الطبع ة األولى ،القاهرة، .3
.1969
أفالطون ،الجمهورية ،دار المعرفة ،الطبعة األولى ،القاهرة.1990 ، .4
عب د ال رحمن ال برقوقي ،نظري ة المحاك اة في الش عر الع ربي ،دار النهض ة العربي ة، .5
الطبعة األولى ،بيروت.1960 ،
محم د غ نيمي هالل ،النقد األدبي الح ديث ،دار المع ارف ،الطبع ة األولى ،القاهرة، .6
.1963