You are on page 1of 13

‫خطة البحث‬

‫مقدمة‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬نبذة تاريخية عن العالم تالكوت بارسونز وأهم مؤلفاته‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬نبذة تاريخية عن العالم تالكوت بارسونز‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬أهم مؤلفات العالم تالكوت بارسونز‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬إسهامات بارسونز في علم االجتماع واالنتقادات الموجهة له‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬إسهامات تالكوت بارسونز‪ 0‬في علم االجتماع‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬االنتقادات الموجهة لتالكوت بارسونز‪0.‬‬

‫خاتمة‪.‬‬
‫مقدمة‪.‬‬

‫تالكوت بارسونز (‪ 13‬ديسمبر ‪ 8- 1902‬مايو ‪ )1979‬كان عالم إجتماع أميريكي الذي‬


‫عمل في هيئة التدريس في جامعة هارفارد منذ عام ‪ 1927‬حتى عام ‪.1973‬‬

‫وض ع بارس ونز نظري ة عام ة لدراس ة المجتم ع تس مى بـنظرية الس لوك‪ ،‬اس تنادا إلى المب دأ‬
‫المنهجي التطوعي ومبدأ المعرفية من الواقعية التحليلية‪ .‬حاولت النظرية إنشاء توازن بين‬
‫اثنين من التقاليد المنهجية الرئيسية‪ :‬التقاليد النفعية‪-‬الوضعية والتقاليد التفسيرية‪-‬المثالية‪.‬‬
‫بالنس بة لبارس ونز‪ ،‬أنش أ المنهج التط وعي ب ديالً ثالثً ا بين ه ذين االث نين‪ .‬ق دم بارس ونز‬
‫نظري ات أخ رى غ ير نظري ة المجتم ع‪ ،‬مث ل نظري ة التط ور االجتم اعي وتفس ير ملم وس لـ‬
‫"محركات" واتجاهات تاريخ العالم‪.‬‬

‫حل ل بارس ونز عم ل إمي ل دوركه ايم وفيلفري دو ب اريتو وقيم مس اهماتهما من خالل نم وذج‬
‫أيضا إلى حد كبير عن إدخال وتفسير عمل ماكس‬
‫العمل التطوعي‪ .‬كان بارسونز مسؤوالً ً‬
‫وظيفي ا‪،‬‬
‫ً‬ ‫بنيوي ا‬
‫ً‬ ‫عالم ا‬
‫ويبر إلى الجمهور األمريكي‪ .‬على الرغم من أنه كان يعتبر عموما ً‬
‫كتب بارسونز بشكل صريح في مقال له في أواخر حياته أن مصطلح "الوظيفية البنيوية"‬
‫أو "الوظيفية" لم تكن مصطلحات مالئمة لوصف طابع نظريته ‪.‬‬

‫بالنس بة لبارس ونز‪ ،‬تعت بر "الهيكلي ة الوظيفي ة" مرحل ة معين ة في تط وير المنهجي ة للعل وم‬
‫االجتماعي ة‪ ،‬وتعت بر "الوظائفي ة" طريق ة عالمي ة؛ لم يكن أي من المص طلحين اس ما مح ددا‬
‫ألي مدرسة‪ .‬بنفس الطريقة‪ ،‬مفهوم "النظرية الكبرى" هو مصطلح ازدرائي‪ ،‬ولم يستخدمه‬
‫بارسونز بنفسه قط‪ ،‬ومن هنا يمكن طرح التساؤل التالي‪ :‬كيف ساهم تالكوت بارسونز في‬
‫علم االجتماع؟‬
‫المبحث األول‪ :‬نبذة تاريخية عن العالم تالكوت بارسونز وأهم مؤلفاته‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬نبذة تاريخية عن العالم تالكوت بارسونز‪.‬‬

‫ولد عالم االجتماع األمريكي تالكوت بارسونز عام ‪ ،1902‬في والية كولورادو األمريكية‬
‫في مدينة سبرنغ‪ ،‬ينحدر بارسونز من عائلة متدينة ذات ثقافة رفيعة‪ ،‬كان والده قسيسا و‬
‫بروفس ورا بروتس تانتيا في كنيس ة و رئيس ا لع دة كلي ات جامعي ة ص غيرة ‪ ،‬ولق د تلقى‬
‫بارس ونز تعليم ه الج امعي في كلي ة أمهرس ت ‪ ،‬حيث ك انت البيولوجي ا مح ور اهتمام ه‬
‫األساسي‪ ،‬وبعد حصوله على دعم مالي من عمه‪ ،‬ذهب للدراسة بمدرسة االقتصاد بلندن‬
‫لم دة ع ام حيث درس على ي د ع المي االجتم اع "هوبه اوس" و"جي نزبرج" واألن ثربولوجي‬
‫مالينوفس كي والذي أثار في ه االهتم ام باالتج اه الوظيفي‪ .‬ولقد حص ل بارس ونز على درج ة‬
‫ال دكتوراه في الفلس فة من جامع ة هي ديلبرج وك ان موض وعها مفه وم الرأس مالية في األدب‬
‫األلماني الحديث‪ ،‬وبعد عودته من لندن عين بارسونز محاضراً لالقتصاد بكلية أمهرست‬
‫ثم انتق ل إلى جامع ة هارف ارد ع ام ‪ 1927‬حيث اس تمر محاض راً له ا لم دة تس ع س نوات‬
‫األرب ع األولى منه ا قض اها في قس م االقتص اد والخمس س نوات األخ يرة في قس م االجتم اع‬
‫حيث أص بح عض واً في هيئ ة الت دريس بقس م االجتم اع تحت رئاس ة س وروكين ولق د رأس‬

‫فرع العالقات االجتماعية بجامعة هارفارد عام ‪1946‬م‪ ،‬ولقد عمل بارسونز أستاذاً زائراً‬
‫للنظري ة االجتماعي ة بمدرس ة االقتص اد بلن دن جامع ة كم بردج‪ ،‬كم ا عم ل عض واً ورئيس اً‬
‫‪1‬‬
‫لألكاديمية األمريكية للعلوم والفنون‪.‬‬

‫يع د بارس ونز من المناص رين الس تخدام المنهج العلمي المس تخدم في العل وم الطبيعي ة في‬
‫الدراسات االجتماعية للوصول إلى قوانين ونظريات اجتماعية دقيقة ومحددة ‪.‬‬

‫‪ -‬الحسن ‪ ,‬إحسان محمد‪ ،‬رواد الفكر االجتماعي ‪ :‬دراسة تحليلية في تاريخ الفكر االجتماعي‪ ،‬بغداد ‪ ،1991 ،‬ص‬ ‫‪1‬‬

‫‪.7‬‬
‫تأثر بنظرية فيبر في الفعل االجتماعي كما درس وتأثر بكل من مارشال صاحب نظرية‬
‫المنفعة الحدية ودوركايم الذي كان له الفضل في تأكيد اعتقاد بارسونز بأن علم االجتماع‬
‫ينبغي أن يتطور إلى نسق من الفكر واقعه موجود في عمليات الحياة االجتماعية‪.‬‬

‫هذا وتأثر بارسونز بكل من فرويج صاحب مدرسة التحليل النفسي ‪ ،‬وباريتو كما شترك‬
‫مع علم النفس هندرسون في مناقشة محاولة باريتو وضع نظرية علم االجتماع على نمط‬
‫ميكانيكي ‪.‬‬

‫ويؤمن بارسونز بأهمية التعاون والترابط بيم االجتماع والعلوم األخرى ‪ ،‬ولهذا أنشأ قسماً‬
‫للعالق ات االجتماعي ة في جامع ة هارف ارد يض م علم اء االجتم اع وعلم اء النفس‬
‫والفسيولوجيين واألثنولوجيين وعلماء البيولوجيا ‪.‬‬

‫وقد كتب بارسونز العديد من الكتب والمؤلفات العلمية الهامة ويعتبر مؤلفة الرئيسي األول‬
‫" بناء الفعل االجتماعي " ‪ 1937‬م بمثابة نقد لنظريات مارشال وباريتو ودوركايم وفيبر ‪،‬‬
‫وهو يرى أنه برغم االختالفات بين هؤالء العلم اء إال أنهم جمعيا بدءوا من نقطة واحدة‬
‫‪2‬‬
‫هي في رأيه " الفعل االجتماعي التطوعي أو االختياري " ‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬أهم مؤلفات العالم تالكوت بارسونز‪.‬‬

‫بناء الفعل االجتماعي ‪1937‬‬ ‫‪‬‬


‫نحو نظرية عامة في العقل ‪1951‬‬ ‫‪‬‬
‫النسق االجتماعي ‪1952‬‬ ‫‪‬‬
‫على الطريق نحو نظرية للفعل االجتماعي ‪1954‬‬ ‫‪‬‬
‫المجتمعات‪ :‬تطورها ومقارناتها ‪1966‬‬ ‫‪‬‬

‫‪ -‬الغريب ‪ ,‬عبد العزيز علي‪ ،‬نظريات علم االجتماع ‪ :‬تصنيفاتها‪ ,‬اتجاهاتها‪ ,‬وبعض نماذجها التطبيقية ‪ ,‬الطبعة‬ ‫‪2‬‬

‫األولى ‪ .‬الرياض ‪ ،2009 .‬ص‪.25‬‬


‫‪3‬‬
‫أنساق المجتمعات الحديثة ‪.1971‬‬ ‫‪‬‬

‫بع د أن ذكرن ا أهم أعمال ه س وف ننتق ل لإلط ار البن ائي والفك ري ال ذي ول دت في ه ه ذه‬
‫األعمال‪.‬‬

‫ظه رت أول أعم ال بارس ونز المهم ة " بن اء الفع ل االجتم اعي" في ع ام ‪ ،1937‬في العق د‬
‫الرابع من القرن العشرين‪ ،‬حث كان المجتمع األمريكي يعاني مجموعة من االضطرابات‬
‫االقتصادية الناتجة عن أزمة عام ‪ .*1930‬وقد أثر هذا البناء الفوقي بما فيها من أفكار‪,‬‬
‫وأي دلوجيات فأص ابها االض طراب هي األخ رى‪ ،‬فكث يراً م ا توص ف بداي ة العق د الراب ع من‬
‫أمريك ا " باالنهي ار العظيم" ‪ ،Great Crash‬ذل ك ألن ه أص اب النس ق االقتص ادي تدهـور‬
‫كـبير‪ ،‬كم ا تعط ل رب ع العم ال األمريك يين‪ ،‬وعاش وا في فق ر م دقع‪ ،‬وتحكم ع دد قلي ل من‬
‫الرأسماليين في سوق اإلنتاج‪ ،‬فاتسعت الهوة بين الطبقات‪ ،‬واضطراب النسق الصناعي‪.‬‬

‫أدى تفك ك البن اء التح تي إلى تفك ك مس توى الفك ر‪ -‬كم ا أس لفنا – إذ لم تكن هن اك نظري ة‬
‫عام ة في المجتم ع األم ريكي تس تطيع أن تعي د للمجتم ع توازن ه أو يتعل ق به ا من أض يروا‬
‫به ذه األزم ة‪ .‬وفي ه ذه الظ روف القت الماركس ية انتش اراً واس عاً في المجتم ع األم ريكي‪،‬‬
‫وخاص ة بع د النج اح الكب ير ال ذي حققت ه في روس يا في ه ذه الف ترة‪ ،‬فق د ظه رت أم ام‬
‫األمريك يين على أنه ا مجتم ع تغلَب على مش كلة األزم ات االقتص ادية عن طري ق التخطي ط‬
‫‪4‬‬
‫الرشيد وأنها تقدم للجماهير مستوى أعلى من الخدمات التي تقدم في األقطار الرأسمالية‪.‬‬

‫تفش ى الم د الش يوعي إلى الوالي ات المتح دة في العق د الراب ع من الق رن العش رين‪ ،‬وك انت‬
‫الطبقات الوسطى سواء في أمريكا أم سائر أوروبا كانت تخشى االمتداد الشيوعي وتعتبره‬
‫خطراً عالمياً في الوقت الذي تواجه فيه بأزمة اقتصادية‪ .‬هنا ظهر اتجاهات متعارضان‪:‬‬

‫‪ -‬عبد الرحمن ‪ ,‬عبداهلل محمد‪ ،‬النظرية في علم االجتماع ‪ ,‬الجزء الثاني ‪ ,‬النظرية السوسيولوجية المعاصرة ‪ .‬دار‬ ‫‪3‬‬

‫المعرفة الجامعية ‪ ،2006 ،‬ص‪.28‬‬


‫‪ -‬زايد ‪ ,‬أحمد ‪ ،‬علم االجتماع بين االتجاهات الكالسيكية والنقدية ‪ .‬الطبعة الثانية ‪ ,‬دار المعارف ‪ ،1984 .‬ص‪.45‬‬ ‫‪4‬‬
‫رؤي ة راديكالي ة مت أثرة بالماركس ية ت رى أن ال وقت مناس ب للقي ام بث ورة‪ ،‬ورؤي ة محافظ ة‬
‫ت رى أن ك ل ه ذه األح داث ته دد النظ ام الع ام ال ذي يجب المحافظ ة علي ه مهم ا ك انت‬
‫الظروف‪.‬‬

‫وفي هذه الظروف اتجه علم االجتماع في أمريكا وجهة إمبريقية تستهدف مسح المشكالت‬
‫االجتماعي ة والتع رف على خص ائص المجتمع ات المحلي ة‪ .‬وظه ر االتج اه قوي اً داخ ل م ا‬
‫يع رف بمدرس ة ش يكاغو حيث ك انت جامع ة ش يكاغو تض طلع ب دور كب ير في ت دريس علم‬
‫االجتم اع وفي البحث االجتم اعي‪ ،‬واس تطاعت في ف ترة م ا بين الح ربين أن ت راكم م ادة‬
‫إمبريقية هائلة حول المشكالت الحضرية دون أن تستطيع تطوير إطار نظري عام يجمع‬
‫هذه المادة وينظمها في رؤية نظرية عامة‪ .‬وبجانب بحوث مدرسة شيكاغو ظهرت بحوث‬
‫إمبريقية أخرى كان موضوعها األساسي دراسة المجتمعات المحلية دراسة مسحية وصفية‬
‫دون االلتزام بأطر نظرية واضحة‪.‬‬

‫وإ زاء هذا االهتمام المبالغ فيه بالدراسات اإلمبريقية لم يستطع علم االجتم اع في فترة ما‬
‫بين الحربين أن يطور لنفسه نظرية عامة يمـكن من خاللها تصوير الخطوط العـامة للبنـاء‬
‫االجتماعي الرأسمالي الذي يصيبه التفكك تحت وطأة األزمة االقتصادية‪ .‬وكن من نتيجة‬
‫ذل ك أن ح دث ض رب من االنقط اع بين ال تراث الكالس يكي لعلم االجتم اع كم ا تمث ل في‬
‫أعم ال دور ك ايم وم اكس في بر وم اركس‪ ،‬وبين ال تراث الس ائد للبح وث اإلمبريقي ة ذات‬
‫الطبيع ة المتج زأة‪ .‬ومن ثم فإن ه ب الرغم من الجه د الكب ير ال ذي ب ذل في جم ع مادي ة واقعية‬
‫وتحليله ا وفق اً لألس س العلمي ة‪ ،‬إال أن ه ذه الم ادة ظلت متن اثرة ال يرب ط بينه ا راب ط وال‬
‫ينتظمه ا نس ق فك ري واح د‪ .‬فلم يع رف علم االجتم اع األم ريكي في ه ذه الف ترة أي ة أنس اق‬
‫نظري ة س وى تل ك ال تي ظه رت داخ ل نط اق علم النفس االجتم اعي من خالل جه ود ولي ام‬
‫‪5‬‬
‫وكولي وجورج وهربرت ميد والتي تبلورت فيما عرف بعد بنظرية التفاعل الرمزي‪.‬‬

‫‪ -‬الغريب ‪ ,‬عبد العزيز علي‪ ،‬نظريات علم االجتماع ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.27‬‬ ‫‪5‬‬
‫هذه هي الظروف البنائية والفكرية التي واجهها بارسونز عندما بدأ عمله في قسم االجتماع‬
‫بجامعة هارفارد عام ‪ .1931‬ولقد فرضت عليه هذه الظـروف فضـالً عن ظـروف تكوينه‬

‫الفكري أن يتجه اتجاهاً مغايراً لما هو سائد في أألوساط السسيولوجية في هذا الوقت‪ .‬كان‬
‫بارس ونز ق د ع اد من رحل ة في أوروب ا اس توعب فيه ا ال تراث األلم اني المث الي‪ ،‬وال تراث‬
‫الوضعي الفرنسي‪ ،‬وتراث األنثربولوجيا اإلنجليزي‪ .‬إزاء هذا التكوين الفكري ذي االتجاه‬
‫النظ ري الواض ح لم يقتن ع بارس ونز باالتج اه اإلم بريقي ال ذي ك ان يس يطر على المدرس ة‬
‫المريكي ة في علم االجتم اع‪ .‬فق د ك ان بارس ونز على يقين من أن جم ع الحق ائق اإلمبريقي ة‬
‫ليس كافي اً إلقام ة ص رح العلم‪ ،‬فالبد من تجميع الحق ائق في إط ار نظري يمكن من خالل ه‬
‫تفسيرها وإ يجاد العالقات المنطقية بينها‪ .‬وربما في إطار نظري يمكن من خالله تفسيرها‬
‫وإ يجاد العالقات المنطقية بينها‪ .‬وربما كان بارسونز يدرك – بوعي منه أو بغير وعي –‬
‫أن مثل هذه البحوث اإلمبريقية لن تسهم في حل مشكالت المجتمع الذي يعاني من األزمة‬
‫االقتص ادية‪ ،‬وأن ه ذا الح ل يمكن أن يت اح فق ط إذا م ا انص هرت العناص ر المكون ة للبن اء‬
‫االجتماعي في " كل " واحد يوفق بين حرية الفرد ومصلحة المجتمع‪ ،‬وبناء على ذلك فإن‬
‫الب ديل النظ ري ال ذي طرح ه بارس ونز يمكن النظ ر إلي ه من ناحي ة رد فع ل تج اه " مش كلة‬
‫المجتمع " التي حاول أن يضعها في سياق نظري عام رافض اً بذلك الرؤى الجزئية النابعة‬
‫من البحوث اإلمبريقية‪.‬‬

‫يبدو أن الظروف التي كان يمر بها المجتمع األمريكي فض الً عن ظروف تكوين بارسونز‬
‫الفك ري ق د دفعت ه إلى ع دم اللج وء إلى الماركس ية ليس تمد منه ا عناص ر فكري ة لص ياغة‬
‫نظريته‪ .‬وفي مقابل ذلك اتجه بارسونز إلى المثالية األلمانية‪ ،‬والوضعية الفرنسية‪ ،‬والنفعية‬
‫محاوالً أن يخلق من امتزاجهم جميعاً موقف اً نظري اً جديداً‪ .‬ولقد ظهر هذا الموقف النظري‬
‫الجدي د في كت اب بارس ونز األول " بن اء الفع ل االجتم اعي" وال ذي ح اول في ه أن يوض ح‬
‫ج وهر االتف اق بين أفك ار م اكس في بر ومارش ال وب اريتو ودور ك ايم فيم ا أس ماه بارس ونز‬
‫بالنظري ة الطوعي ة في الفع ل‪ .‬ولق د وض ع بارس ونز في ه ذا الكت اب المب ادئ األساس ية‬
‫بالنظري ة العام ة للفع ل ال تي ك ان يعتبره ا قاس ماً مش تركاً بين عل وم عدي دة كعلم االقتص اد‬
‫وعلم النفس وعلم االجتماع واألنثربولوجيا وجاءت كل أعمال بارسونز التالية كمحاوالت‬
‫لح ل المش كالت النظري ة ال تي أثارته ا النظري ة العام ة في الفع ل‪ ،‬وإلحك ام الف روض ال تي‬
‫طرحته ا وإ كس ابها ق دراً من الدق ة والتنظيم‪ .‬وك انت النتيج ة ع دداً من النم اذج النظري ة‬
‫التحليلي ة ال تي تفس ر أنس اق المجتم ع والعالق ات فيم ا بينهم ا‪ ،‬وطبيع ة التب اين في التغ ير في‬
‫ه ذه األنس اق‪ ،‬والط ابع الع ام للتط ور‪ .‬ك انت النتيج ة على م ا ي ذهب البعض رؤي ة نظري ة‬
‫عام ة على أعلى مس توى من التجري د حيث تك اد تخ رج بن ا خ ارج نط اق ه ذا الع الم ال ذي‬
‫نعيش فيه‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬إسهامات بارسونز في علم اإلجتماع واإلنتقادات الموجهة له‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬إسهامات تالكوت بارسونز‪ 0‬في علم اإلجتماع‪.‬‬

‫اهتم بارس ونز في دراس ة المجتم ع ووض ع مجموع ة من النظري ات منه ا نظري ة الس لوك‪،‬‬
‫وترجع إلى مبدأ المعرفة الواقعية التحليلية و المبدأ المنهجي التطوعي‪ .‬حاول بارسونز في‬
‫نظريته إيجاد التوازن بين اثنين من التقاليد المتعارف عليها مثل‪ :‬التقاليد النفعية الوضعية‬
‫والتقالي د التفس يرية المثالي ة‪ .‬وي رى بارس ونز َّ‬
‫أن العلم ال ذي يه دف إلى بن اء نظري ة تحليلي ة‬
‫لنظري ة وأنم اط الفع ل االجتم اعي‪ ،‬ومن وجه ة نظ ره َّ‬
‫أن علم االجتم اع إذن ه و الدراس ة‬
‫‪6‬‬
‫العلمية للفعل االجتماعي‪.‬‬

‫األنس‪00‬اق االجتماعي‪00‬ة‪ :‬من وجه ة نظ ر بارسـونز ي رى َّ‬


‫أن هن اك نسـق اجتم اعي یقـوم فیـه‬
‫األفـراد بأفعـال تجـاه بعضـهم‪ ،‬وهـذه األفعـال في العـادة تكـون مرتب ة؛ َّ‬
‫ألن األف راد في ه ذا‬
‫النس ق یش تركون مع اً في المعتق دات والقيم فهي بالع ادة تك ون مش تركة وهن اك أس الیب‬

‫‪ -‬محمد عاطف غيث‪ ،‬الموقف النظري في علم االجتماع‪ ،‬ال يوجد طبعة‪ ،‬مصر‪ -‬اإلسكندرية ‪ :‬اإلسكندرية‪،1980 ،‬‬ ‫‪6‬‬

‫ص‪.53‬‬
‫للسلوك متناسبة معه‪ .‬ومن الممكن أن تكون هذه القیم هي نفسها المعاییر‪ ،‬والذیـن یتبعون‬
‫هـذه المعاییـر یتصــرفون بشـكل متشـابه فـي المواقـف المتشـابهة‪ .‬وه ذا في الع ادة يحق ق‬
‫النظ ام داخ ل المجتمـع أو من الممكن تس ميته ب التوازن االجتم اعي‪ ،‬وفي الع ادة يك ون ه ذا‬
‫التوازن في غایة األهمیة بالنسبة للمجتمـع‪ ،‬وی ــتم المحافظ ــة علی ــه من خالل أس ــلوبین همـــا‪:‬‬
‫التنش ــئة االجتماعی ــة‪ ،‬والض ــبط االجتماعي‪.‬‬

‫كمالن بعضهما البعض ولهما هدف واضح ومحدد وهو جعـل األشـخاص فـي‬
‫واألسـلوبین ُي ّ‬
‫المجتمـع یتبع ون المعـاییر التـي توجـد داخ ل النسـق االجتمـاعي‪ .‬واإلنسـان في الع ادة غیـر‬
‫قـادر علـى التغییـر أو التبديل في هـذه األنسـاق القیمیـة ولكـن يجب علیـه أن یخضـع ويتبع‬
‫له ا ویتكیف معه ا‪ ،‬وإ ذا ح اول الف رد داخ ل النس ق التغییر في ه ذه األنس اق ف َّ‬
‫إن المجتم ع‬
‫سیصل إلى حالة مـن الالتوازن‪.‬‬

‫وتوجه تالكوت بارسـونز فـي نظریتـه عـن النسـق االجتمـاعي َّ‬


‫أن كل مستوى من مستویات‬
‫األنسـاق االجتماعیـة ل ه مشـكالته التـي تمیـزه عـن غیـره من األنس اق‪ .‬فنج د بارس ونز من‬
‫خالل دراسته آللية عمل النسق االجتماعي وجد َّ‬
‫أن كل نسـق يجب أن یجد حالً لعدد من‬
‫المش كالت الموج ودة في النس ق لكي یس تمر في البق اء‪ .‬وس ّمى بارســـونز هـــذه المشـــكالت‬
‫‪7‬‬
‫اس ــم الملزم ــات الوظیفی ــة وهي‪:‬‬

‫التكیف‪ :‬التكیـــف داخل النســـق االجتماع ـــي يقوم على إيجاد التســـهیالت والوسائل‬ ‫‪-1‬‬
‫االقتصادیة المهمة لحیاة أعضاء المجتمع‪ ،‬وتوزیعها داخل النسق‪.‬‬
‫تحقیق اله ‪00‬دف‪ :‬وذل ك من خالل تحدید أولویات وأهـداف المجتمـع واالسـتخدام‬ ‫‪-2‬‬
‫األفضل لموارد النسـق‪.‬‬

‫‪ -‬جراهام كينلوتش ‪ ،‬تمهيد في النظرية االجتماعية‪-‬تطورها و نماذجها الكبرى ‪ ،‬ترجمة محمد سعيد فرح ‪ ،‬دار‬ ‫‪7‬‬

‫المعرفة الجامعية ‪ ،1990،‬ص‪.32‬‬


‫التكامـل‪ :‬وه و التنسـیق بـین أج زاء النس ق االجتم اعي والمحافظ ة على العالق ات‬ ‫‪-3‬‬
‫الداخلیة بین هذه األجزاء‪.‬‬
‫المحافظة على بقاء النمط وإ دارة التوتر‪ :‬وهو أن یتأك ــد المجتمع من أن أعضاءه‬ ‫‪-4‬‬
‫تت وافر فیهم الخص ائص والص فات المناس بة لتحقیق األه داف الض رورية داخ ل‬
‫النسق‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬االنتقادات الموجهة لتالكوت بارسونز‪0.‬‬

‫‪ – 1‬لم يقم بارس ونز بتط وير نظريت ه في األنس اق االجتماعي ة وإ نم ا ح اول تأكي د فائ دتها‬
‫التحليلية ‪ ،‬وكان هذا التأكيد بمثابة تكرار لدراسات سابقة أجراها علماء اجتماع آخرون‬
‫جاءوا قبله ‪.‬‬

‫‪ – 2‬ترتكز نظرية بارسونز االجتماعية على فرضية خاطئة هي إن النظرية االجتماعية‬


‫تمثل جانباً جزئياً من نظرية عامة في السلوك اإلنساني ‪.‬‬

‫‪ – 3‬يح اول بارس ونز أن ي دمج نظريت ه االجتماعي ة بالنظري ة النفس ية دون علم ه ب ذلك ‪.‬‬
‫وهنا لم يفصل بارسونز بين ما هو اجتماعي وما هو نفسي ‪.‬‬

‫‪ – 4‬يق ع بارس ونز في تناول ه للثقاف ة في نفس األخط اء والتناقض ات ال تي يق ع فيه ا علم اء‬
‫االنثروبولوجيا الثقافية ‪ .‬فهو يعتبر الثقافة انساقاً نمطية من الرموز ‪ ،‬وتمثل هذه الرموز‬
‫موض وعات التوقي ه عن د الف اعلين ‪ .‬ولكن ل و رددن ا الثقاف ة إلى رموزه ا لم ا تبقى للرم وز‬
‫الثقافي ة ش يء ترم ز إلي ه ‪ .‬وهن ا يق ع بارس ونز في ص عوبات ال يس تطيع اآلفالت منه ا عن د‬
‫دراسته للثقافة وعناصرها ‪.‬‬

‫‪ – 5‬أن نظريته عن الفعل تكشف عن أبعاد ومقومات غامضة ‪.‬‬


‫‪ – 6‬أن تحول بارسونز من الطوع في بناء السلوك البشري إلى االهتمام بالجوانب النفعية‬
‫أو م ا ش به ذل ك يع بر اص دق م ا يك ون التعب ير عن ت أثير االي ديولوجيا في تفك يره وتقيي دها‬
‫لكثير مما يقدمه من تصورات وتمييزه بين الفعل والسلوك ليس له ما يبرره إال التبريرات‬
‫الفلسفية‪.‬‬

‫‪ – 7‬أن أفك ار بارس ونز عن الت وازن واالس تقرار في النس ق تكش ف عن تس تره الفك ري‬
‫‪8‬‬
‫وراء األيديولوجية الرأسمالية في مواجهة فلسفة الصراع ‪.‬‬

‫‪ – 8‬ينط وي موق ف بارس ونز من مش كلة االنح راف عن النس ق على أفك ار متناقض ة بم ا‬
‫يعق د األم ر ويجع ل من الص عوبة بمك ان التمي يز بين دخ ول االنح راف إط ار النس ق أو‬
‫خروجه كلية عنه ‪.‬‬

‫‪ – 9‬قامت نظريات مناهضة لنظرية النسق تقول بالصراع االجتماعي الذي يختلف عما‬
‫يسميه بارسونز بالصراع الطبقي ‪.‬‬

‫‪ – 10‬أن موق ف بارس ونز من مش كلة التغي ير االجتم اعي خاص ة التغ ير في البن اء‬
‫االجتماعي يتجاهل كثيرا من الحقائق السوسيولوجية ‪.‬‬

‫‪ – 11‬أن متغيرات النمط أو البدائل النمطية لم تصادف إال نجاحا محدودا في فترة معينة‬
‫من تط ور النظري ة في علم االجتم اع فحس ب ألنه ا تقس يمات قاص رة ومح دودة ويش وبها‬
‫‪9‬‬
‫الخلط بين األبعاد و الحدود ‪.‬‬

‫‪ -‬نيقوال تيماشيف ‪ ،‬نظرية علم االجتماع طبيعتها وتطورها‪ ،‬ترجمة كل من‪ :‬محمد عودة‪ ،‬محمد الجوهري‪ ،‬محمد‬ ‫‪8‬‬

‫علي محمد‪ ،‬السيد محمد الحسيني‪ ،‬مصر‪ :‬االسكندرية‪ :‬دار المعرفة الجامعية‪ ،1993 ،‬ص‪.56‬‬
‫‪ -‬أحمد زايد‪ ،‬علم االجتماع النظريات الكالسيكية والنقدية‪،‬الطبعة األولى‪ ،‬مصر‪ -‬القاهرة ‪:‬نهضة مصر‪ ،2006،‬ص‬ ‫‪9‬‬

‫‪.73‬‬
‫خاتمة‪.‬‬

‫وفي الخت ام ن رى أن ت الكوت بارس ونز ق دم لعلم اإلجتم اع قف زة تاريخي ة وه ذا ب الرغم من‬
‫االنتقادات التي وجهت له إال أنه يبقى من مؤسسي علم االجتماع الحديث ومن رواد علم‬
‫اإلجتماع وهذا بالنظريات التي تم التطرق اليها في هذا البحث‪.‬‬
‫قائمة المراجع‪.‬‬

‫الحسن ‪ ,‬إحسان محمد‪ ،‬رواد الفكر االجتماعي ‪ :‬دراسة تحليلية في تاريخ الفكر االجتماعي‪،‬‬ ‫‪.1‬‬
‫بغداد ‪.1991 ،‬‬
‫الغريب ‪ ,‬عبد العزيز علي‪ ،‬نظريات علم االجتماع ‪ :‬تصنيفاتها‪ ,‬اتجاهاتها‪ ,‬وبعض نماذجها‬ ‫‪.2‬‬
‫التطبيقية ‪ ,‬الطبعة األولى ‪ .‬الرياض ‪.2009 .‬‬
‫عبد الرحمن ‪ ,‬عبداهلل محمد‪ ،‬النظرية في علم االجتماع ‪ ,‬الجزء الثاني ‪ ,‬النظرية‬ ‫‪.3‬‬
‫السوسيولوجية المعاصرة ‪ .‬دار المعرفة الجامعية ‪.2006 ،‬‬
‫زايد ‪ ,‬أحمد ‪ ،‬علم االجتماع بين االتجاهات الكالسيكية والنقدية ‪ .‬الطبعة الثانية ‪ ,‬دار المعارف‬ ‫‪.4‬‬
‫‪ ،1984 .‬ص‪.45‬‬
‫محمد عاطف غيث‪ ،‬الموقف النظري في علم االجتماع‪ ،‬ال يوجد طبعة‪ ،‬مصر‪ -‬اإلسكندرية ‪:‬‬ ‫‪.5‬‬
‫اإلسكندرية‪.1980 ،‬‬
‫جراهام كينلوتش ‪ ،‬تمهيد في النظرية االجتماعية‪-‬تطورها و نماذجها الكبرى ‪ ،‬ترجمة محمد‬ ‫‪.6‬‬
‫سعيد فرح ‪ ،‬دار المعرفة الجامعية ‪.1990،‬‬
‫نيقوال تيماشيف ‪ ،‬نظرية علم االجتماع طبيعتها وتطورها‪ ،‬ترجمة كل من‪ :‬محمد عودة‪ ،‬محمد‬ ‫‪.7‬‬
‫الجوهري‪ ،‬محمد علي محمد‪ ،‬السيد محمد الحسيني‪ ،‬مصر‪ :‬االسكندرية‪ :‬دار المعرفة الجامعية‪،‬‬
‫‪.1993‬‬
‫أحمد زايد‪ ،‬علم االجتماع النظريات الكالسيكية والنقدية‪،‬الطبعة األولى‪ ،‬مصر‪ -‬القاهرة ‪:‬نهضة‬ ‫‪.8‬‬
‫مصر‪.2006،‬‬

You might also like