You are on page 1of 29

‫محاضرات مادة النقد االدبي القديم –جامعة وهران‪-1‬‬

‫كلية اآلداب والفنون ‪ /‬قسم اللغة العربية وآدابها‬

‫جدع مشترك سنة أولى ليسانس ‪ /‬أ‪.‬د‪ .‬ف‪ .‬العزوني‬

‫مفهوم النقد األدبي‬ ‫المحاضرة األولى ‪:‬‬

‫مفهوم النقد األدبي ‪:‬‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫يستكشف النقد األدبي أصالة األدب أو عدم أصالته ‪ ،‬ويميز جيده من رديئه‪.‬‬
‫والنقد متصل باألدب ‪ ،‬منه يستمد وجوده ‪ ،‬ويسير في ظله ‪ ،‬يرصد خطاه و اتجاهاته‪.‬‬
‫وإذا كان األدب بطبيعته ينزع إلى الحرية والتجديد واكتشاف آفاق جديدة يحلق فيها‬
‫ويعبر عنها ‪ ،‬فإن النقد على العكس من ذلك ‪ ،‬إنه محافظ مقيد‪ ،‬يقف عند حدود دراسة‬
‫األعمال األدبية يقصد الكشف عما فيها‪ .‬من مواطن القوة والضعف ‪ ،‬والحسن والقبح‪،‬‬
‫تذوق النص تكون متبوعة بخطوات متسلسلة‬
‫ّ‬ ‫وإصدار األحكام عليها‪ .‬أي أن عملية‬
‫ومرتّبة‪ ،‬مثل التحليل‪ ،‬والتفسير‪ ،‬والتعليل‪ ،‬وأخيراً التقييم للخروج بصورة متكاملة عن‬
‫النص المراد نقده لبيان حسنه من عدمه‪ .‬ويختلف النقد بحسب النص‪ ،‬فهنالك نقد‬
‫األدباء والشعراء‪ ،‬والفقهاء واألصوليين فيما يتعلق بأمور الدين والفقه‪ ،‬فك ٌّل له منهجه‬
‫الخاص في النقد؛ ّ‬
‫ألن القواعد المطبّقة على النصوص تختلف باختالف أنواعها‪.‬‬

‫‪ -‬معاني النقد في اللغة‪:‬‬

‫ُ‬
‫تمييز الدراهِم‬ ‫جاء في لسان العرب البن منظور(ت‪711:‬ه) الن ْق ُد والتَّ ْنقادُ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫ْف منها؛ أَنشد سيبويه ‪:‬‬ ‫و ِإخرا ُج َّ‬
‫الزي ِ‬

‫تنفي يداها الحصى في كل هاجرة *** نفي الدنانير تنقاد الصياريف‬

‫ي الدراه ِِيم‪ ،‬وهو جمع د ِْرهم على غير قياس أَو د ِْرهام على‬ ‫ورواية سيبويه‪َ :‬ن ْف َ‬
‫القياس فيمن قاله ‪.‬وقد نَقَ َدها يَ ْنقُدُها نَ ْقداً وانتَقَ َدها وتَنَقَّ َدها ونَقَ َده إِياها نَ ْقداً‪ :‬أَعطاه‬
‫ضها‪ .‬ونَقَ ْدتُه الدراه َِم ونقَدْتُ له الدراهم أَي أَعطيته فانتَقَ َدها أَي قَ َب َ‬
‫ضها‪.‬‬ ‫فانتَقَ َدها أَي قَ َب َ‬
‫ْف ‪.1‬‬ ‫ت منها َّ‬
‫الزي َ‬ ‫ونقَدْتُ الدراهم وانتَقَ ْدتُها ِإذا أ َ ْخ َر ْج َ‬

‫ومن معانيها أيضا " النقاش" يقال ناقد فالن فالنا في األمر‪ ،‬إذا ناقشه فيه‪ ،‬ومن هذا‬
‫المعنى األصلي للكلمة تحدد معنى النقد في األدب‪ .‬ذلك ألن ما يفعله الناقد من محاولة‬
‫التمييز بين جيد الكالم ورديئه ‪ ،‬ليس إال من جنس ما‪ .‬يفعله الصيرفي في نقد الدراهم‬
‫والدنانير‪.‬‬
‫‪-‬المفهوم االصطالحي للنقد ‪:‬‬

‫نجد للنقد تعريفات في المفهوم االصطالحي ‪ ،‬كالكشف عن جوانب النضج‬


‫الفني في النتاج األدبي ‪،‬وتمييزها عما سواها عن طريق الشرح والتعليل ‪ ،‬ثم يأتي بعد‬
‫ذلك الحكم العام عليها ‪.‬‬

‫ومن أوائل النصوص النقدية القديمة التي تتضمن كلمة "نقد" نص البن سالم‬
‫الجمحي(‪139‬ه‪232-‬ه) في كتابه طبقات فحول الشعراء ‪.‬يقول ‪ ":‬وللشعر صناعة‬
‫وثقافة يعرفها أهل العلم كسائر أصناف العلم والصناعات‪ :‬منها ما تثقفه العين‪ ،‬ومنها‬
‫ما تثقفه األذن‪ ،‬منها ما تثقفه اليد و منها ما يثقفه اللسان‪ ،‬من ذلك اللؤلؤ والياقوت ال‬
‫يعرف بصفة وال وزن دون المعاينة ممن يبصره‪ ،‬ومن ذلك الجهبذة بالدينار والدرهم‬

‫‪ - 1‬ابن منظور ‪ ،‬معجم لسان العرب ‪ ،‬دار صادر بيروت الطبعة ‪ ،3:‬مادة نقد‬
‫‪2‬‬
‫ال تعرف جودتهما بلون وال مس وال طراوة وال دنس وال صفة‪ ،‬ويعرفه الناقد عند‬
‫وزائفها‪2".‬‬ ‫المعاينة فيعرف بهرجها‬

‫أما قدامة بن جعفر (‪337‬ه) في كتابه " نقد الشعر " فيعرف النقد يقول ‪... " :‬‬
‫ولم أجد أحدا وضع في نقد الشعر جيده من رديئه كتابا ‪ ،‬وكان الكالم عندي في هذا‬
‫القسم أولى بالشعر من سائر األقسام المعهودة "‪. 3‬‬

‫ونجد مصادر أخرى قد تطرقت للنقد ومفهومه في سياق تعريفها للشعرمنها ‪:‬‬
‫"الشعر والشعراء " البن قتيبة (‪213‬ه‪276-‬ه) ‪ ،‬وعيار الشعر البن‬
‫طباطبا(ت‪322:‬ه) ‪ ،‬والموازنة بين أبي تمام والبحتري لآلمدي(ت‪، )370:‬‬
‫والوساطة بين المتنبي وخصومه للقاضي الجرجاني (‪322‬ه‪392-‬ه) والذخيرة البن‬
‫بسام (‪542‬ه) ‪ .‬فالدارس لمثل هذه المصادر النقدية يقف على معرفة العرب للنقد‬
‫األدبي " معنى ال أسما ‪ ،‬أي عرفوه كما يقول األستاذ طه إبراهيم كنها وحقيقة ‪ ،‬وإن‬
‫لم يعرفوه عنوانا لطائفة من األسباب ‪.‬‬

‫ونستشف مما سبق أن المفهوم االصطالحي لكلمة نقد هو تمييز جيد الشعر من‬
‫رديئه والذي سيبقى هو المفهوم الشائع عند النقاد القدامى ‪.‬‬

‫ا بن سالم الجمحي ‪ ،‬طبقات فحول الشعراء ‪ ،‬تحقيق محمود ‪ ،‬محمد شاكر ‪ ،‬الطبعة الثانية مطبعة المدني ‪،‬‬
‫القاهرة ‪ 1974 ،‬م ‪ ،‬الجزء األول‪،‬ص‪-52 /‬‬
‫قدامة بن جعفر ‪ ،‬نقد الشعر ‪ ،‬تحقيق كمال مصطفى ‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪ ،‬مكتبة الخانجي ‪ ،‬القاهرة ‪ 1979‬م ‪ :‬ص‪7 /‬‬
‫‪3‬‬
‫‪-‬‬

‫‪3‬‬
4
‫محاضرات مادة النقد االدبي القديم –جامعة وهران‪-1‬‬

‫كلية اآلداب والفنون ‪ /‬قسم اللغة العربية وآدابها‬

‫جدع مشترك سنة أولى ليسانس ‪ /‬أ‪ .‬د‪ .‬ف‪ .‬العزوني‬

‫المحاضرة الثانية ‪:‬بيبليوغرافيا المصادر النقدية ‪.‬‬

‫تعريف المصدر ‪ :‬يحتوي المصدر على المادة العلمية األساسية األولى في علم من العلوم ‪،‬‬
‫ا‬
‫أصًل ال يمكن لباحث في ذلك العلم االستغناء عنه ‪ .‬ألنه يتيح للباحث الحصول‬ ‫بحيث يصبح‬
‫على أصل الفكرة وجذورها ‪.‬والمصادر هي أمهات الكتب العربية القديمة التي كانت في‬
‫الغالب عبارة عن مخطوطات وتم تحقيقها ‪ .‬وعلى أساس ذلك تطلق كلمة مصدر على أي‬
‫شاعر‬
‫ٍ‬ ‫ب أو‬
‫لعالم أو كات ٍ‬
‫ٍ‬ ‫صا علمية أو أدبية‪ ،‬نثرية أو شعرية‬
‫من اآلثار التي تضم نصو ا‬
‫أصي ٍل وليس ناقل‪.‬‬

‫تعريف المرجع ‪ :‬هو مصنف يستند إلى غيره ‪.‬وهو حديث في نشأته ‪.‬يتناول موضوعات‬
‫جزئية يساعدنا في فهم المصادر وإضاءتها ‪ .‬ويشمل الكتب المطبوعة والدراسات البحوث‬
‫والرسائل الجامعية و المقاالت األكاديمية ‪...‬‬

‫الفرق بين المصدر والمرجع ‪:‬‬

‫‪ -‬يحتوي المصدر على المادة األساسية التي كتبها القدماء وهو لذلك األصل ‪ ،‬أما‬
‫المراجع فتعتبر فروعا ‪.‬‬
‫‪ -‬تستعين المراجع بالمصادر لشرح مادتها وتبسيطها وإعادة تحوير أفكارها وليس‬
‫العكس ‪.‬‬
‫‪ -‬تصنف المراجع لعامة القراء للعودة إليها في فهم المسائل العلمية والمعرفية ‪ ،‬أما‬
‫المصادر فهي في الغالب للمختصين‪.‬‬
‫‪ -‬المصادر في أغلبها كانت مخطوطات ‪ ،‬أما المراجع فقد كتبت في عصر آلة الطباعة‬
‫‪.‬‬

‫بيبلوغرافيا المصادر النقدية‪:‬‬

‫‪ -‬طبقات فحول الشعراء البن سًلم الجمحي (ت‪ ، )231:‬تحقيق ‪ :‬محمد محمود شاكر‬
‫‪.‬ابن سًلم أحد أعًلم وأعمدة األدب العربي في القرن الثالث الهجري‪ ،‬أسَّس في هذا‬
‫المصدر لفن النقد ال ُمبكر‪ ،‬فكان بين طيّاته ناقداا و ُمتذوقاا وراو ايا و ُم ّ‬
‫ؤر اخا للشعر‬
‫ي في الثقافة العربية‪.‬‬
‫ي؛ لذا اعتبره البعض أول من منه َج للنقد األدب ّ‬
‫العرب ّ‬
‫‪ -‬البيان والتبيين لعمرو بن أبي عثمان الجاحظ ‪( ،‬ت‪255:‬ه) ‪ ،‬من علماء البصرة‬
‫‪،‬المصدر من تحقيق ‪ :‬عبد السًلم هارون‪ .‬ويضم مختارات من األدب العربي القديم‪،‬‬
‫يحتوي على مسائل كثيرة في البيان والبًلغة وعيوب اللسان والخطابة المقرونة‬
‫بفصاحة اللغة ‪،‬فيه حديث عن مختلف الثقافات اليونانية والهندية والفارسية التي عنها‬
‫أخذ العرب ‪.‬‬
‫‪ -‬الشعر والشعراء البن قتيبة (ت‪276:‬ه) ‪ ،‬أحد علماء الكوفة‪ .‬كتب جملة من‬
‫التصانيف األدبية واللغوية ‪ .‬ويعد مصدر "الشعر والشعراء" من مصادر األدب‬
‫األولى‪ .‬أورد فيه أخبار المشهورين من الشعراء وما أخذه عليهم العلماء من‬
‫األخطاء في األلفاظ والمعاني في أشعارهم‪.‬‬
‫‪ -‬طبقات الشعراء البن المعتز (ت‪296:‬ه)‪،‬فيه عرض لطائفة من شعر شعراء الدولة‬
‫العباسية المحدثين‪ .‬وهذا الكتاب من نوادر التراث العربي‪ ،‬وقد كتبه ابن المعتز في‬
‫أيام قصار من أخريات حياته بعد عام ‪293‬هـ‪ ،‬وعني فيه بجمع المفاكهات والنوادر‬
‫والمحاسن التي أثرت عن شعراء عاشوا في بًلط بني العباس وقصور وزرائهم‬
‫ورجاالتهم‪.‬‬
‫‪ -‬عيار الشعر البن طباطبا(ت‪ )322:‬تحقيق ‪ :‬عبد العزيز بن ناصر المانع‪ .‬و كتاب‬
‫عيار الشعر من أهم الكتب النقدية في القرن الرابع هجري‬
‫‪ -‬أخبار أبي تمام لمحمد بن يحي أبي بكر الصولي (ت‪355:‬ه) تحقيق خليل عساكر‪.‬‬
‫‪ -‬الموازنة بين الطائيين البحتري وأبي تمام لآلمدي (ت‪ 370:‬ه) كان كتاب الموازنة‬
‫نقلة نوعية في تاريخ النقد االدبي‪ ،‬ذلك ألنه ارتفع عن سذاجة النقد القائم على‬
‫المفاضلة من دون تعليل واضح‪ ،‬فجاءت موازنته معللة ومؤيدة بالتفصيًلت التي تلم‬
‫بالمعاني وااللفاظ والموضوعات الشعرية بفروعها المختلفة‪ .‬وقد أراد اآلمدي أن‬
‫يبين للناس أن االختًلف في تفضيل الشاعرين أبي تمام والبحتري أحدهما على‬
‫اآلخر أمر طبيعي لكثرة جيدهما وبدائعهما‪.‬‬
‫‪ -‬نقد الشعر لقدامة بن جعفر (ت‪ ، )337:‬تحقيق كمال مصطفى ‪ .‬يع ّد كتاب نقد الشعر‬
‫لقدامة بن جعفر من الكتب النقدية العربية المهمة ّ‬
‫ألن الكتاب تض ّمن محاولة لدرس‬
‫الشعر على أساس نظري فيه وضوح وشمول‪ .‬فضًل عن ّ‬
‫أن الكتاب كان وثيقة‬
‫تاريخية س ّجلت بدايات تأثر النقد العربي بأفكار أرسطو اليوناني‪.‬‬
‫‪ -‬الوساطة بين المتنبي وخصومه للقاضي الجرجاني (ت‪392:‬ه) ظهر هذا المؤلف‬
‫وقت أن كان الخًلف حول المتنبي شديداا‪ .‬فمن النقاد من يبجله‪ ،‬ويرتفع به‪ ،‬ومنهم‬
‫شاعرا عادياا بل ضعيفاا يقع في أخطاء‪ ،‬اليقع فيها الناشئة من الشعراء‪،‬‬
‫ا‬ ‫من يراه‬
‫فجعل القاضي الجرجاني مهمته إحقاق الحق في المتنبي والدفاع عنه‪.‬‬
‫كتاب رائدٌ في‬
‫ٌ‬ ‫‪ -‬دالئل اإلعجاز لعبد القاهر الجرجاني فارسي األصل (ت‪741:‬ه)‪،‬‬
‫إعجاز القرآن‪ ،‬قَدَّم فيه صاحبه نظريته في النظم‪ ،‬تلك النظرية التي تركز بعمق على‬
‫ا‬
‫أصوال للبًلغة في سامق درجاتها‪ .‬كما‬ ‫سياقات القرآن البًلغية‪ ،‬وتستخرج منها‬
‫ض المؤلف لمسائ َل بًلغي ٍة أخرى‪ ،‬مثل‪ :‬التقديم والتأخير‪ ،‬والفصل والوصل‪،‬‬
‫َع َر َ‬
‫والحقيقة والمجاز‪ ،‬ثم ختم الكتاب بنماذج تحليلية تبرز أهمية النظم‪.‬‬
‫‪ -‬منهاج البلغاء وسراج األدباء لحازم القرطاجني (ت‪684 :‬ه) ‪ ،‬أحد علماء األندلس‬
‫ولد بقرطاجنة ‪ ،‬هاجر إلى المغرب وتوفي به ‪ ،‬يدور الكتاب في مجمله على الشعر‬
‫وصناعته‪ ،‬أما الجانب الذي انصرف إليه حازم بعد ذلك فكان هو الحديث عن دوافع‬
‫متأثرا فيها بأرسطو‪ ،‬كما أشار إلى فضل‬
‫ا‬ ‫الكتابة الشعرية‪ ،‬التي هي األخرى كان‬
‫الشعر على سائر الفنون األدبية‪ ،‬ليختتم قسم المعاني بالحديث عن أصول النظريات‬
‫البًلغية‪.‬‬
‫‪ -‬الممتع في علم الشعر وعمله لعبد الكريم النهشلي (ت‪405:‬ه)‪ ،‬ولد بالمسيلة في‬
‫القطر الجزائري ثم انتقل إلى القيروان ‪.‬اعتمد عليه ابن رشيق في كتابه العمدة‪ .‬و‬
‫أن قيمة كتاب «الممتع» إنّما هي في الجمع و التنظيم‪.‬و عبد الكريم النهشلي‬
‫يبدو ّ‬
‫يفضّل المعنى على اللفظ ث ّم هو يؤ ّكد أثر البيئة و أثر الزمن في مرتبة الشعر ‪.‬‬
‫‪ -‬العمدة في صناعة الشعر ونقده البن رشيق القيرواني المسيلي(ت‪654:‬ه) ولد في‬
‫المسيلة بالمغرب األوسط (الجزائر)‪ .‬غلب عليه طابع الشعر والنقد‪ ،‬نقل به النقد من‬
‫المشرق إلى المغرب ‪،‬جمع مادته العلمية من شتى المصنفات والمصادر العربية‪.‬‬
‫‪ -‬المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر لضياء الدين ابن األثير(ت‪637:‬ه)‪ ،‬أورد في‬
‫كتابه الكثير من اآلثار األدبية وأظهر رأيه فيها ‪.‬‬
‫محاضرات مادة النقد االدبي القديم‬

‫جدع مشترك سنة أولى ليسانس ‪ /‬أ‪.‬د‪ .‬ف‪ .‬العزوني‬

‫المحاضرة الثالثة ‪ :‬النقد العربي القديم –النشأة والتطور‬

‫‪ -1‬البدايات األولى للنقد في العصر الجاهلي ‪ :‬مجاالت انتشار النقد وتطوره ‪:‬‬
‫نهتم في هذا الدرس باإلرهاصات األولى لظهور النقد العربي القديم وماتالها من مراحل‬
‫من خالل جملة من اإلشكاالت من قبيل ‪ :‬متى نشأ النقد العربي القديم ؟ هل مع ظهور‬
‫الشعر و األدب؟ أم مع بداية الكتابة و التدوين ؟ أم هل مع ترجمة الفلسفة اليونانية ؟ وما‬
‫مدى تأثر النقد العربي القديم بالظواهر الثقافية األخرى؟‬

‫ال نستطع أن نحدد على وجه الدقة الصورة التي ظهر عليها النقد الجاهلي‪ ،‬فذلك راجع إلى ما‬
‫نُ ِظم من شعر ومن نقد في العهد الجاهلي األول‪ .‬لكن لم يصل إلينا منه إال القليل النادر‪ ،‬خاصة إذا‬
‫علمنا أن عمر بن الخطاب قال‪ " :‬كان الشعر علم قوم لم يكن لهم علم أصح منه‪".‬‬

‫ويمكن أن نعتبر أن الصور األولى للنقد األدبي الجاهلي كانت تلي مباشرة إلقاء المقطوعات‬
‫الشعرية التي كان ينظمها الشاعر ‪ ،‬تصدر غالبا عن الرواة والحفاظ ‪ ،‬معنى ذلك أن النقد كان‬
‫مالزما للشعر‪ ،‬ونحن نعلم أن الشعر يثير بفضل خصائص صياغته أنواعا خاصة من االنفعاالت‪،‬‬
‫ومن المؤكد أن تكون هناك استجابات لهذا االنفعال في بعديها السلبي واإليجابي‪ ،‬التي عنها يصدر‬
‫النقد‪.‬‬

‫واستدل الناقد طه أحمد إبراهيم على وجود النقد في هذه المرحلة بنضج القصيدة الجاهلية ‪ ،‬فالنقد‬
‫في تصوره هو تلك المدرسة التي تعمل على إنضاج الشعر‪ ،‬وتخليصه من الشوائب التي علقت به‬
‫لحظة والدته وتكوينه ‪،‬يقول ‪ " :‬في مثل هذا العهد نعد نقدا كل ماله مساس باألدب بُنية ومعنى‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫وإن لم يتصل بالبحث في الجمال الفني‪ ،‬فذم اإلقواء نقد في الجاهلية‪ ،‬ألنه يعيب أمرا لعله من آثار‬
‫‪1‬‬
‫طفولة الشعر‪".‬‬

‫‪ -‬تثقيف الشعر(الحوليات )‪:‬‬

‫و هي عملية تنقيحية يقوم بها الشعراء تجاه شعرهم عن طريق الزيادة و النقصان أو التقديم‬
‫والتأخير ‪ .‬وقد عده طه أحمد إبراهيم مظهرا من مظاهر الحس النقدي عند شعراء الجاهلية‪ ،‬ومنهم‬
‫رواد المدرسة األوسية الذين نعتهم األصمعي ب‪ ":‬عبيد الشعر"‪ .‬وخاصة زهير صاحب‬
‫الحوليات‪ ،‬فالشعراء كثيرا ما مارسوا على أشعارهم نقدا ذاتيا يتوجهون إلى شعرهم‪ ،‬فيتدارسونه‬
‫ويراجعونه ويحذفون منه‪ ،‬ويضيفون إليه في تبصر وعمق‪ .‬وكان كل هذا ضربا من الممارسة‬
‫النقدية على نصوصهم الشعرية‪ .‬وفي هذا الصدد يقول طه أحمد إبراهيم‪ ":‬إن هذا الشعر مر‬
‫بضروب كثيرة من التهذيب حتى بلغ ذلك اإلتقان الذي نجده عليه‪ ،‬أواخر العصر الجاهلي‪ ...‬فلم‬
‫يكن طفرة أن يهتدي العربي لوحدة الروي في القصيدة‪ ،‬وال لوحدة حركة الروي‪ ،‬وال للتصريع‬
‫في أولها و ال الفتتاحها بالنسيب والوقوف باألطالل‪ ،‬لم يكن طفرة أن يعرف العرب كل تلك‬
‫األصول الشعرية في القصيدة‪ ،‬وكل تلك المواصفات في ابتداءاته مثال‪ ،‬وإنما ذلك كله بعد‬
‫‪1‬‬
‫ما يؤكد أن القدماء نقحوا‬ ‫تجارب‪ ،‬وبعد إصالح وتهذيب‪ .‬وهذا التهذيب هو النقد األدبي‪".‬‬
‫أشعارهم وتدبروها وسنوا لها القواعد وأحكموا ضبطها حتى يظفروا بأعمال قيمة‪ ،‬متكلفين‬
‫جهودا شاقة في التماس المعنى المصيب تارة‪ ،‬والتماس اللفظ المتخير تارة ثانية‪.‬‬

‫‪ -2‬مجاالت انتشار النقد في العصر الجاهلي ‪:‬‬


‫سوق عكاظ‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫كانت تضرب قبة حمراء للنابغة الذبياني فيتوافد إليها الشعراء من أجل الحكم على أشعارهم‪ .‬فقد‬
‫حضر األعشى والخنساء وحسان بن تابث إلى مجلسه فأنشده األعشى قصيدته التي مطلعها‪:‬‬

‫وسـؤا ِلي وما تَ ُ‬


‫ـر ُّد سـؤالي‬ ‫َما بُ َكـا ُء ال َكبير ِباألطـال ِل‬

‫طه أحمد إبراهيم‪ ،‬تاريخ النقد األدبي عند العرب من العصر الجاهلي إلى القرن الرابع الهجري‪ ، ،‬ط دار الحكمة‬
‫‪1‬‬
‫– بيروت‪ ،‬لبنان ‪ .‬ص ‪-11‬‬
‫‪2‬‬
‫وأنشده حسان بن ثابت قوله‪:‬‬

‫وأس َيافُنَا يقطرن من نجدةِ د َما‬ ‫لنَا ال َجفَنَات الغُ ِر يلمعن بال ُ‬
‫ض َحى‬

‫أما الخنساء فقد أنشدته قصيدتها في رثاء أخيها صخر‪:‬‬

‫أَم أقفَرت ُمذ َخلَت ِمن أه ِل َها الد ُ‬


‫َّار‬ ‫وار‬
‫ع ُ‬ ‫ى بعينك أم بالعين ُ‬
‫قذ ً‬

‫كأنَّـهُ َعلَــ ٌم في َرأ ِس ِه َ ُ‬


‫نــار‬ ‫صخ ًرا لَتَأتَ ُّم ال ُه َداة ُ بِه‬
‫وإن َ‬
‫‪2‬‬
‫فقال النابغة‪ " :‬لوال أن أبا بصير‪ -‬يعني األعشى‪ -‬أنشدني‪ ،‬لقلت‪ :‬إنك أشعر الجن واإلنس‪".‬‬

‫من هذا الخبر ندرك منزلة النابغة عند معاصريه‪ ،‬وما احتكامهم إليه دون غيره إال‬
‫اعتراف علني بشاعريته‪ ،‬وقدرته على تمييز الجيد من الرديء في الشعر‪ ،‬ودليل كذلك على ما‬
‫كان يتمتع به من علم بصناعة الشعر ومن ملكة خاصة في النقد‪.‬‬

‫‪ -‬مجالس يثرب ‪:‬‬

‫مما وصلنا عن هذه المجالس ما كان قد عيب على النابغة من ارتكابه لإلقواء ولم يستطع أحد أن‬
‫يصارحه به حتى دخل يثرب مرة فأسمعوه إياه غناء في قوله‪:‬‬

‫َعجالن ذا زادٍ‪ ،‬وغير مزو ِد‬ ‫أمن آل َميَّة رائ ٌح أو ُمغتدي‬

‫وبذلك خبَّرنا الغُ ُ‬


‫راب األسودُ‬ ‫زعم البوار ُح أن رحلتنا غدا‬
‫َ‬

‫‪ -‬مجالس مكة ‪:‬‬

‫يمكن أن نمثل له بموقف طرفة بن العبد من خاله المتلمس حين أنشده قوله المشهور‪:‬‬

‫صيعَ ِريَة ُمكد ِم‬


‫بناج عليه ال َّ‬
‫ٍ‬ ‫وقد أتناسى اله َّم عند احتضار ِه‬

‫قال طرفة‪" :‬استنوق الجمل"‪.‬ألن "الصيعرية " صفة تكون في عنق الناقة ال في عنق البعير‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫ابن قتيبة‪ ،‬الشعر و الشعراء‪ ،‬ج ‪ ،1‬تحقيق أحمد شاكر‪،‬ط‪ ، 3:‬ص‪-،11 .‬‬
‫‪3‬‬
‫فهذا نقد يدل على بصر طرفة بمعاني األلفاظ‪ ،‬ومواضع استعمالها‪ ،‬كما يدل على ذوقه النقدي‪،‬‬
‫وفطنته إلى أن مثل هذا الخطأ اللفظي مما يعيب الشعر‪.‬‬

‫‪ -3‬خصائص النقد العربي في العصر الجاهلي ‪:‬‬

‫أ‪-‬التعميم في األحكام‪:‬‬

‫النقد الجاهلي نقد انطباعي يقوم على المفاضلة بين الشعراء ‪ ،‬يستلهم أدواته من البيئة الطبيعية‬
‫واالجتماعية‪ ،‬فكان النقاد يطلقون أحكاما متنوعة على الشعر في أيامهم‪ ،‬تتناول الشاعر والقصيدة‬
‫جملة‪ ،‬وقد يكون هذا الحكم مبنيا عندهم على إعجابهم ببيت من أبيات القصيدة أو بجزء من‬
‫البيت‪ ،‬وقد يرجع هذا الحكم إلى إعجابهم بالشاعر نفسه وبشخصيته‪.‬‬

‫ب‪ -‬الذوق الفطري‪:‬‬

‫لقد صدرت األحكام النقدية الجاهلية متسمة بالذوق الفطري الذي يعتمد على إحساس الناقد‬
‫المباشر بالمعنى أو الفكرة‪ ،‬فهو يتلقاها ويحسها بذوقه ‪ ،‬وبفطرته البسيطة‪ .‬ولهذا تصدر أحكامه‬
‫مرتجلة نتيجة لهذا التذوق المباشر‪ .‬فطرفة بن العبد وهو صبي لم يستسغ وصف الجمل بوصف‬
‫الناقة فيصيح قائال في وجه خاله المتلمس‪" :‬استنوق الجمل" ‪.‬والنابغة يستنكر على حسان بن ثابت‬
‫استعمال القلة في مقام الفخر في قوله‪:‬‬

‫وأسيافنا يقطرن من نجدة دما‬ ‫الغر يلمعن بالضحى‬


‫ِ‬ ‫لَنا الجفناتُ‬

‫فعلق على هذا البيت أبو بكر الصولي بقوله‪ " :‬فانظر إلى هذا النقد الجليل الذي يدل على نقاء‬
‫كالم النابغة‪ ،‬وديباجة شعره‪ ،‬وقال له‪ :‬أقللت أسيافك‪ ،‬ألنه قال‪ :‬وأسيافنا ‪ :‬جمع ألدنى العدد‪،‬‬
‫والكثير" سيوف "‪،‬والجفنات ألدنى العدد والكثير"جفان" ‪ .3‬وقد اعتمد في ذلك على ذوقه الفطري‬
‫الذي صقلته ثقافته العربية الواسعة‪ ،‬وأحاطته بعادات قومهم وقيمهم‪.‬‬

‫ج‪ -‬االرتجال في األحكام ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫‪-15‬‬ ‫طه أحمد إبراهيم‪ ،‬تاريخ النقد األدبي عند العرب‪ ،‬ص‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫وهذه السمة تتصل اتصاال مباشرا بالذوق الفطري الذي يعد أساسا هاما في صدور األحكام‬
‫النقدية‪.‬‬

‫كان من بين الشعراء مدرسة سمي أفرادها "عبيد الشعر" وكانت تبذل عناية فائقة في تفهم الشعر‬
‫وتذوقه‪ ،‬وتجويده وتنميقه‪ ،‬ولكن على الرغم من ظهور رواد هذه المدرسة وهم أصحاب‬
‫الحوليات‪ ،‬لم يكن ذلك هو االتجاه الغالب وإنما كان اتجاها محدودا لدى أهل المدرسة‪ ،‬وطابعا‬
‫خاصا يميز المنتسبين إليها‪ ،‬أما الطابع العام فهو االتجاه والبعد عن التحليل واالرتجال في‬
‫االحكام‪. .‬‬

‫‪ -4‬مظاهر النقد في العصر العصر األموي ‪:‬‬

‫في صدر اإلسالم انشغل المسلمون بالفتوحات االسالمية ونشر الدعوة لبناء دعائم اإلسالم‪.‬‬
‫وقد وردت روايات متعارضة في النهي عن قول الشعر ومدحه‪ ،‬لكنها ضعفت لكونها ‪-‬كما يرى‬
‫بعض المتخصصين ‪-‬ال تنسجم وما ورد عن النبي الكريم من تقريبه للشعراء خدمة للدعوة مثلما‬
‫حدث مع كعب بن زهيرصاحب قصيدة "بانت سعاد" وحسان بن ثابت‪.‬‬

‫وإذا كان أغلب النقاد أو أكثرهم قد اجمعوا على أن النقد في بداية صدر اإلسالم كان‬
‫جامدا‪ ،‬وصورة وامتدادا للنقد الجاهلي ‪ ،‬فما ذلك إال ألن األحكام النقدية التي نجدها في هذه الفترة‬
‫قليلة‪ ،‬باستثناء أحكام عمر بن الخطاب‪ ،‬وبذلك نتجاوز هذه الفترة إلى الفترة التي تلتها‪ ،‬في‬
‫العصر األموي إلى آخر القرن األول الهجري تقريبا‪ ،‬فنحاول الوقوف على معالم النقد في هذه‬
‫الفترة ومدى ما أصابه من تطور‪.‬‬

‫تطور الشعر في هذا العصر تبعا للتطور الطبيعي في البيئات المختلفة كالحجاز والشام والعراق‪،‬‬
‫كما نجد النقاد قد بدأوا يوازنون بين الشعراء‪ ،‬تارة بين شعراء المذهب الواحد‪ ،‬وأخرى بين‬
‫شعراء البيئة الواحدة‪ ،‬وظهرت مصطلحات نقدية جديدة ‪ ،‬فنجدهم يقولون‪ :‬جرير أشعر عند‬
‫العامة‪ ،‬والفرزدق أشعر عند الخاصة ‪.‬‬

‫وقد كان خلفاء بني أمية يعقدون المجالس األدبية يتحدث فيها الحاضرون عن الشعر والشعراء‪،‬‬
‫ويلقي المادحون قصائدهم فتنال االستحسان أو اإلعراض واالنتقاد‪ .‬لكن عموما ظل النقد‬

‫‪5‬‬
‫االنطباعي التذوقي هو القائم في العصر األموي‪ ،‬وأقيم على الطبع والسليقة ومن ثم كان التعليل‬
‫فيه فطريا ساذجا ً بعيداً عن روح العلم والمنهج‪.‬‬

‫وقد رأينا النقد في العصر الجاهلي يحكم على البيت أو البيتين‪ ،‬ويهمل تعليل األحكام أو يورد‬
‫بعض التعليالت الجزئية‪ ،‬وسار في نفس االتجاه تقريبا في العصر اإلسالمي مع بعض التطور‬
‫الذي يتجلى في المفاضلة بين الشعراء‪ ،‬وفي غلبة طابع االهتمام اللغوي عليه‪ ،‬وهذا قد أهله‬
‫ليتقبل التطور الذي ينتظره؛ حيث يظهر نقاد اختصوا في النقد وجعلوه همهم‪ ،‬الشيء الذي لم نعثر‬
‫له على أثر في العصور السابقة ألن المذاهب والمدارس والتيارات النقدية لم تكن قد ظهرت بعد‪،‬‬
‫وإنما تظهر بعد ذلك حين تبدأ حركة التدوين في مختلف ميادين الثقافة العربية على أوسع نطاق‪.‬‬

‫وإذا كان أغلب النقاد قد اجمعوا على أن النقد في بداية صدر اإلسالم كان جامدا‪ ،‬وصورة‬
‫وامتدادا للنقد الجاهلي ‪ ،‬فما ذلك إال ألن األحكام النقدية التي نجدها في هذه الفترة قليلة‪ ،‬وبذلك‬
‫نتجاوز هذه الفترة إلى الفترة التي تلتها‪ ،‬في العصر األموي إلى أواسط القرن الثاني الهجري‬
‫تقريبا ومابعدها وهي المرحلة التي بدأ فيها االهتمام بجمع التراث وتدوينه أيام قيام الدولة العباسية‬
‫‪ ،‬فنحاول الوقوف على معالم النقد في هذه الفترة ومدى ما أصابه من تطور‪.‬‬

‫‪ -5‬النقد في العصر العباسي ‪:‬‬

‫إذا وصلنا إلى النقد في العصر العباسي رأينا إمعانًا في الحضارة وإمعانًا في الترف ورأينا‬
‫الشعر واألدب يتحوالن إلى فن وصناعة بعد أن كانا يصدران عن طبع وسليقة‪ ،‬ورأينا الثقافة‬
‫تشمل فروع المعرفة كلها دينية وأدبية‪ ،‬ورأينا الثقافات األجنبية تتدفق على المملكة اإلسالمية من‬
‫فارسية وهندية ويونانية ورأينا كل مجموعة من المعارف تتحول إلى علم حتى اللغة واألدب‬
‫والنحو والصرف‪.‬‬

‫فكان طبيعيًّا أن يتحول الذوق الفطري إلى ذوق مثقف ثقافة علمية واسعة‪ ،‬وأن يتأثر النقد‬
‫األدبي بهذه الثروة العلمية واألدبية الواسعة‪ .‬وستكون جميع نماذجنا النقدية في دروسنا المقبلة عن‬
‫هذه الفترة ‪.‬‬

‫‪ -6‬قراءة تقييمية للنقد األدبي القديم عبر مراحله التاريخية ‪:‬‬

‫‪6‬‬
‫اختلفت اآلراء النقدية وتداخلت بخصوص البداية الفعلية للنقد األدبي القديم فالعديد من‬
‫النقاد تبنوا آراء دون أخرى ولكل حجته في ذلك ‪ .‬وفيما يلي نعرض هذه التصورات ‪:‬‬

‫يبني طه أحمد إبراهيم تصوره للبداية الفعلية للنقد حين يؤكد أن أواخر القرن األول‬
‫بداية صحيحة لظهور النقد‪ ،‬فارتقى النقد األدبي ارتقاء محمودا‪ ،‬وكثر الخوض فيه‪،‬‬
‫وتعمق الناس في فهم األدب‪ ،‬ووازنوا بين شعر وشعر‪ ،‬وبين شاعر وشاعر‪ ،‬حتى‬
‫لتستطيع أن تقول‪ ":‬إن عهد النقد الصحيح يبتدئ من ذلك الوقت‪ ،‬وأن كل ما سبق لم يكن‬
‫غير نواة له أو محاوالت فيه"‪.4‬‬

‫وهناك من النقاد من انتهى برفضه للبداية األولية للنقد في المرحلة الجاهلية وماتالها ‪ ،‬لينص أن‬
‫النقد لم يظهر إال في القرن الرابع الهجري‪ ،‬وقبل هذه المرحلة ال يمكن أن يعتد به‪ .‬وبذلك يكون‬
‫قد أعاد قراءة النقد العربي القديم من خالل تصورات ومفاهيم جديدة حول النقد‪ ،‬ومن رواد هذه‬
‫الفئة د‪ .‬محمد مندور ابتداء من ‪ 1944‬سنة تأليف كتاب " النقد المنهجي عند العرب"‪.‬‬

‫انطلق محمد مندور من رفض الوقوف عند حدود ما أثير من نقد في األسواق والمنتديات‬
‫األدبية‪ ،‬وأكد منذ البدء أنه سيركز على ما جاء من نقد ممنهج مع كل من اآلمدي و القاضي‬
‫الجرجاني‪ ،‬باعتبارهما شكال المحور للطرح الذي يتبناه د‪ .‬محمد مندور ويعتد به‪ ،‬وجعله أساس‬
‫ما أسماه بالنقد المنهجي الذي تدعمه أسس نظرية أو تطبيقية عامة ‪.‬‬

‫ويقدم م حمد غنيمي هالل في ترصده للنقد العربي القديم قراءة أخرى في مصنفه النقدي‬
‫الشهير " النقد األدبي الحديث " الصادر سنة ‪ ،1958‬حيث ربط بين نضوج عملية النقد العربي‬
‫القديم باستلهامه من الفلسفة اليونانية وذلك بظهور الفكر الفلسفي على يد المعتزلة و األشاعرة‬
‫والمتكلمين‪ .‬وتوصل إلى أن في العصر العباسي استجاب األدب العربي لمطالب المجتمع الجديد‬
‫بسبب اتساع الحضارة اإلسالمية‪ ،‬و اتصال العرب بالثقافات األخرى‪ .‬و تعرفهم على حضارات‬
‫األمم األخرى القديمة منها اليونان و الفرس ‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫طه أحمد إبراهيم‪ ،‬تاريخ النقد األدبي عند العرب‪ ،‬ص‪-.34.‬‬
‫‪7‬‬
‫ويستدل غنيمي هالل على توجهه هذا بمالمح النقد العربي في هذه المرحلة التي حملت سمات‬
‫النقد اليوناني‪ ،‬بالنظر إلى الترجمة وروافدها وذلك في حدود ما استطاع نقاد العرب فهمه‪ ،‬ويعد‬
‫قدامة بن جعفر خير من مثل األثر الفلسفي في النقد العربي القديم ‪ ،‬و يعتبر غنيمي هالل هذا‬
‫الناقد البداية الفعلية لظهور النقد عند العرب باعتباره أول من ظهرت لديه القواعد اليونانية‬
‫مطبقة بشكل جلي في مؤلفه "نقد الشعر ‪ ".‬يقول‪...":‬فمن ذلك اتجاه قدامة إلى دراسة األجناس‬
‫األدبية تبعا لنظرة أرسطو في النظر إلى العمل األدبي‪ ،‬بوصفه كال ذا وحدة في حدود ما فهم‬
‫قدامة و من سايروه"‪.5‬‬

‫وتستوقف تجربة األصمعي النقدية إحسان عباس حيث اعتبرها بداية النقد المنظم‪ ،‬ذلك أنه شعر‬
‫ببعض المفارقة التي أخذت تبدو في أفق الحياة الشعرية ‪ .‬و السبب في ذلك يرجع إلى تميزه‬
‫عمن سبقه بالعديد من المميزات ‪ .‬فهو وإن شارك األوائل في كثير من النظرات الساذجة من مثل‬
‫االلتفات نحو أغزل بيت وأهجى بيت وما أشبه ذلك من أحكام‪ ،‬قد هداه بصره النافذ إلى مواقف‬
‫نقدية واضحة‪ ،‬وما مصطلح الفحولة الذي وظفه إال دليال على ذلك ‪.‬‬

‫هكذا نصل إلى أن ما قبل األصمعي يشكل مرحلة نقدية غير منظمة‪ ،‬وال يجب أن نعتد بها‪ ،‬وال‬
‫نقف عند حدودها‪ ،‬وأن النقد الحقيقي لن يظهر إال في أواخر القرن األول الهجري مع األصمعي‪،‬‬
‫فهو في نظر د‪ .‬إحسان عباس النواة األولى لظهور النقد المنظم في تاريخ األدب العربي‪.‬‬

‫فمع األصمعي توفرت الشروط التي يعتبرها د‪ .‬إحسان عباس أساسا لوجود النقد وهي التأليف‬
‫و اإلحساس بالتغير والتطور ‪ ،‬وفي غيابها ال يمكن بأي حال من األحوال البحث عن نقد منظم‪.‬‬
‫إنما نتحدث عن لوحات نقدية طابعها شفهي وميزتها الذوق الفطري الفج‪ ،‬وليس ذلك الذوق‬
‫الناضج المجرب للعملية اإلبداعية والقادر على تحليل ظواهرها وتفسيرها و الوقوف عند‬
‫جزئياتها‪.‬‬

‫– ‪.5‬محمد غنيمي هالل‪ ،‬النقد األدبي الحديث ص ‪ 11‬طبعة دار الثقافة بيروت‪،‬ص‪157.‬‬
‫‪8‬‬
9
‫كلية اآلداب والفنون ‪ /‬قسم اللغة العربية وآدابها‬

‫محاضرات مادة النقد االدبي القديم –جامعة وهران‪1‬‬

‫أ‪ .‬د‪ .‬ف‪ .‬العزوني‬ ‫جدع مشترك سنة أولى ليسانس ‪/‬‬

‫الفحولة في النقد العربي القديم‬ ‫المحاضرة الرابعة‪:‬‬

‫تمهيد ‪:‬‬

‫يستعين النقد األدبي بمجموع األدوات المناسبة التي تمكنه من تحقيق أهدافه‪،‬‬
‫واالستناد إلى وسائل علمية مختلفة‪ ،‬تؤمن له االنتهاء إلى أحكام نقدية موضوعية تقنع‬
‫المتلقي والمبدع في آن معاً‪ ، ،‬ويعتمد على لغة علمية سليمة في خطابه‪ ،‬قوامها الدقة‬
‫والتحديد‪ ،‬والموضوعية والحياد‪ ،‬ولعل تحقيق هذه المطالب ال يتم‪ ،‬وال يمكن إنجازه إال من‬
‫خالل االستعانة بالمصطلح النقدي الذي ال ينبغي أن يكون موجودا ً فحسب‪ ،‬بل عليه كذلك‬
‫أن يكون متطوراً‪ ،‬ليواكب التغيرات التي تطرأ على األدب ذاته بفنونه المختلفة‪.‬‬

‫استطاع النقاد األوائل‪-‬على الرغم من حداثة التجربة النقدية لديهم‪-‬أن يستنبطوا بعض‬
‫المصطلحات النقدية التي اعتمدوا عليها في دراستهم للشعر‪ ،‬والحكم على الشعراء‪ ،‬وإنزالهم‬
‫في المراتب التي يستحقونها‪ ،‬من حيث جودة أشعارهم أو رداءتها‪ ،‬ولعل من بين أشهر‬
‫المصطلحات النقدية القديمة التي نقع عليها في اإلرهاصات األولى للنقد العربي القديم‪،‬‬
‫مصطلح"الفحولة‪".‬‬

‫تعريف مصطلح الفحولة لغة‪:‬‬

‫جاء في لسان العرب ‪ (:‬الفحل معروف الذكر من كل حيوان ‪ ،‬جمعه أ ْف ُحل ‪ ،‬وفحول‬
‫وفحولة وفِحال وفِحالة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫قال سيبويه‪ :‬ألحقوا فيها الهاء لتأنيث الجمع ‪ ،‬ورجل فحيل ‪ :‬فحل ‪.‬وإنه لبين الفحولة‬
‫العدو إذا اشتد وقوي‪ ...‬والفحل ‪ :‬حصير تنسج من فحال النخل‬
‫ّ‬ ‫‪....‬ويقال ‪:‬استفحل أمر‬
‫والجمع فحول‪ ».‬ابن منظور ‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬مكتبة المعارف‪ ،‬مصر‪ ،1979 ،‬مادة ‪:‬فحل‪.‬‬

‫تعريفه اصطالحا‪:‬‬

‫انتقلت الفحولة إلى حقل الشعر والشعراء‪ ،‬لتوصف بها طبقة من الشعراء تميزت عن‬
‫غيرها في ميدان الموهبة الشعرية‪ .‬و الفحولة الشعرية اصطالحا ترتبط بالشعر وروايته ‪،‬‬
‫ألن كثرة رواية الشعر‪ ،‬يقوي ملكة الشعر لدى الشعراء ‪ ،‬ويجعلهم قادرين على اإلبداع‬
‫الشعري‪ ،‬يقول احسان عباس‪ « :‬الفحولة تعني طرازا رفيعا في السبك وطاقة كبيرة في‬
‫الشاعرية وسيطرة واثقة على المعاني ‪ ».‬إحسان عباس ‪،‬تاريخ النقد األدبي عند العرب‪،‬‬
‫من القرن الثاني حتى القرن الثامن الهجري ‪،‬األردن ‪ ،‬دار النشر للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪ ،2006‬ص‪. 41.‬‬

‫ما نالحظه هو أن هذا المصطلح في سياق اللغة يُ ْعلي من قيمة الذكورة لما فيها من‬
‫شدة وقوة ‪ .‬والفحل من الشعراء في نظر األصمعي إنما يتخذ قيمته الداللية ‪،‬وميزته‬
‫الشعرية من خالل معنى الذكورة الذي يفهم من خالل اختالفه عن األنثى ‪،‬أو تضاده معها‪.‬‬

‫وهي تعني الغلبة والسيطرة واالقتدار والتفوق ‪..‬ومن ثمة فالفحل يُصنَع ويُنتَج من‬
‫خالل مقومات تُسْت َمد من الشعر والشعراء ‪.‬‬

‫و تعتبر الفحولة صورة تأسيسية للنقد العربي القديم وأحد أهم موضوعات الشعرية‬
‫العربية‪ .‬وهي عبارة عن إجراءات ملموسة نحكم بها على كينونة كل شاعر ومزيته ‪ .‬وقد‬
‫أوالها النقاد القدماء أهمية كبيرة وصاغوا لها معايير صنفت في ضوئها طبقات للشعراء‬

‫مفهوم الفحولة لدى األصمعي (ت‪:)216:‬‬ ‫‪-‬‬

‫انتخب األصمعي الفحولة مقياسا للمعرفة النقدية ‪ ،‬وجعل يمايز بها بين الشعراء‬
‫وصاغ لها شروطا ومعايير كثيرة ومتنوعة‪ .‬وقد حدد األصمعي هذه الشروط وبينها بقوله‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫( ال يعتبر الشاعر في قريض الشعر فحال حتى يروي أشعار العرب ‪،‬ويسمع األخبار‬
‫ويعرف المعاني ‪ ،‬وتدور في مسامعه األلفاظ ‪،‬وأول ذلك أن يعلم العروض ليكون ميزانا‬
‫على قوله ‪،‬والنحو ليصلح به لسانه ويقيم به إعرابه والنسب وأيام العرب ‪،‬ليستعين بذلك‬
‫على معرفة المناقب وذكرهما بمذح أو ذم‪».‬ابن رشيق ‪ ،‬العمدة في محاسن الشعر وآدابه ‪،‬‬
‫تحقيق ‪ :‬محمد قرقزان ‪ ،‬دار المعرفة ‪ ،‬بيروت‪ ،1988 ،‬ج‪ ،1‬ص‪362.363.‬‬

‫إذا تأملنا هذه الشروط نجد أنها تنتمي إلى حقول معرفية كثيرة‪ :‬من رواية األشعار وسماع‬
‫األخبار‪ ،‬ومعرفة المعاني‪ ،‬إلى ضرورة اإلحاطة بعلمي العروض والنحو‪ ،‬والعلم باألنساب‬
‫وأيام العرب ومعرفة المناقب ‪ ،‬وغير ذلك من علوم ومعارف يحتاج إليها الشاعر‪ ،‬وال‬
‫يمكنه االستغناء عنها‪ .،‬ومن هنا نفهم السبب الذي حذا بالنقاد إلى أن يجعلوا الشاعر الفحل‬
‫في طليعة الشعراء‪.‬‬

‫‪ -‬معايير ترتيب الشعراء إلى فحول وغير فحول ‪:‬‬

‫اشترط النقاد القدماء وعلى رأسهم األصمعي في من يلقب بالفحل ‪:‬الجودة ‪ ،‬وكثرة الشعر‬
‫وروايته‪.‬‬

‫ا‪ -‬معيارالجودة الفنية ‪:‬‬

‫يكشف هذا المعيار حسب األصمعي براعة الشاعر في ّ‬


‫سن مذهب في القول الشعري‬
‫يحتذيه فيه باقي الشعراء‪.‬هذه الجودة تخلق التميز واالرتقاءفيصبح الشاعر ذا مذهب يقتديه‬
‫فيه غيره من الشعراء‪.‬‬

‫‪...‬وهذا المعيار هو الذي جعله يقول في امرئ القيس ‪:‬ما أرى في الدنيا ألحد مثل قول‬
‫امرئ القيس‪:‬‬

‫وباألشقين ما كان العقاب‬ ‫‪...‬‬ ‫وقادهم جدّهم ببني أبيهم‬

‫ب‪ -‬معيار الوفرة الشعرية ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫ص َعير المازني‬
‫إن الكم والوفرة الشعرية مقياس للفحولة لدى األصمعي فثعلبة بن ُ‬
‫ي (‪-‬ق‪ .‬ه)‬
‫حليف بن نمير (‪-‬؟ق‪ .‬ه) لو أت ّم خمسا أو ستا لكان فحال ‪،‬وأوس بن غَلفاء ال ُهجيِم ّ‬
‫لوكان قال عشرين قصيدة لحق بالفحول‪...‬وسالمة بن جندل (‪-‬؟ق ‪.‬ه) (لوكان زاد شيئا كان‬
‫فحال‪».‬أبو حاتم السجستناني ‪ ،‬فحولة الشعراء ‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.40.‬‬

‫أي كلما كان الشاعر مكثرا في قول الشعر ارتقى إلى مصاف الفحولة‪ ،.‬معنى ذلك‬
‫ان االصمعي ال يعتد باألبيات والمقطوعات القصيرة ‪ ،‬بل يتخذ من عدد القصائد الجيدة‬
‫أنموذجا متعاليا يطالب من خالله الشاعر أن ينتج على منواله‪.‬‬

‫ج‪ -‬معيار الزمن ‪:‬‬

‫يحتكم األصمعي للشعر الجاهلي ويعلي من مكانته ويعترف بفحولة هذه المرحلة ‪ ،‬في مقابل‬
‫الشعر الذي تالها زمنيا ‪ .‬فحينما سئل عن جرير والفرزدق واألخطل « قال‪ :‬هؤالء لو‬
‫كانوا في الجاهلية كان لهم شأن ‪.‬وال أقول فيهم شيئا ألنهم إسالميون ‪».‬األصمعي ‪ ،‬فحولة‬
‫الشعراء ‪ ،‬مصدر سابق ‪ ،‬ص‪.44.‬‬

‫معنى ذلك أن الشعراء االسالميين والمولدين ممن تأخروا يندرجون في غير مكان الفحو‬
‫‪.‬يقول األصمعي‪":‬سمعت أبا عمرو بن العالء يقول‪ :‬لو أدرك األخطل من الجاهلية يوما‬
‫واحدا ماقدمت عليه جاهليا وال إسالميا‪".‬‬

‫الفحولة و فكرة الطبقات لدى ابن سالم الجمحي (‪231‬ه)‪:‬‬

‫أصبح الفح ل مدار تمايز طبقات ابن سالم الجمحي ‪ ،‬واقتصر على الفحول‬
‫المشهورين من الشعراء‪ ،‬ولم يتجاوزهم إلى غيرهم ممن لم يكونوا من الفحول‪ ،‬أو كانوا من‬
‫الفحول ولكنهم لم يشتهروا بين الناس بأشعارهم‪.‬‬

‫يقول‪ « :‬ففصلنا الشعراء من أهل الجاهلية واإلسالم والمخضرمين الذين كانوا في الجاهلية‬
‫وأدركوا اإلسالم‪ ،‬فنزلناهم منازلهم‪ ،‬واحتججنا لكل شاعر بما وجدناه له من حجة‪ ،‬وما قال‬
‫فيه العلماء‪ ..‬فاقتصرنا من الفحول المشهورين على أربعين شاعراً‪ ،‬فألفنا من تشابه شعره‬

‫‪4‬‬
‫منهم إلى نظر ائه‪ ،‬فوجدناهم عشر طبقات‪ ،‬أربعة رهط كل طبقة‪ ،‬متكافئين معتدلين"‪ .‬ابن‬
‫سالم الجمحي ‪،‬طبقات فحول الشعراء ‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمود محمد شاكر‪ ،‬جدة‪ ،‬ج‪.24.،1‬‬

‫نالحظ ان ابن سالم أقام طبقاته على معيار تصنيفي جعل عشر طبقات للجاهليين‬
‫احتوت كل طبقة على أربعة شعراء ‪.‬كما أدرج االسالميين في طبقات عشر أخرى احتوت‬
‫كل طبقة على أربعة شعراء أيضا‪ .‬تخللت هاتين الطبقتين طبقات ثالث وهي طبقة أصحاب‬
‫المراثي ‪،‬وطبقة القرى العربية وطبقة شعراء اليهود‪ .‬وشرع في ترتيب الشعراء داخل كل‬
‫طبقة بحسب معايير منهجية قيد بها نفسه‪.‬‬

‫معايير الفحولة عند ابن سالم الجمحي‪:‬‬

‫اعتمد ابن سالم على الوفرة الشعرية في المفاضلة بين الشعراء وقدم الشاعر الواحد‬
‫على اآلخر بحسب الكثرة ‪.‬يقول في تبريره لتأخر طرفة بن العبد وعبيد بن األبرص وعلقمة‬
‫بن َع َبدة و َعدِي بن زيد إلى الطبقة الرابعة‪ « .‬وهم أربعة رهط فحول شعراء موضعهم مع‬
‫األوائل ‪،‬وإنما ق ّل شعرهم بأيدي الرواة »‪.‬ابن سالم الجمحي ‪ ،‬مصدر مذكور‪ ،‬ج‪،1:‬‬
‫ص‪137.‬‬

‫يقول ‪":‬وأوس نظير االربعة المتقدمين ‪،‬إال أننا اقتصرنا في الطبقات على أربعة‬
‫رهط ‪ ".‬فأوس بن حجر مماثل في طاقته الشعرية واالبداعية لكل شعراء الطبقة األولى من‬
‫الجاهليين مثل امرؤ القيس وزهير بن أبي سلمى ‪ ،‬والنابغة الذبياني ‪،‬واألعشى إال أن تحديده‬
‫للطبقة الواحدة بأربعة شعراء هو الذي جعله يؤخر أوس الطبقة الثانية ‪.‬‬

‫عموما يمكن تلخيص معايير الفحولة لدى ابن سالم فيمايلي‪:‬‬

‫القلة في الشعر تجعل الشاعر الفحل يتأخر عن الفحل المكثر‪.‬‬ ‫‪-‬‬


‫‪ -‬تعدد األغراض الشعرية فكلما كان الشاعر مكثرا وذهب في فنون الشعر وعدد‬
‫أغراضه من مدح وهجاء وفخر ‪..‬عد من الفحول‪.‬‬
‫‪ -‬ا عتمد ابن سالم معيار الجودة في تحديد معنى الفحولة وبه وضع حسان بن ثابت‬
‫على رأس فحول شعراء القرى العربية ‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫إن تصنيف الشعراء في طبقات ابن سالم يدلنا على أن الشعراء الفحول ليسوا جميعا ً في‬
‫مرتبة واحدة في الموهبة واألداء والبراعة الشعرية‪ ،‬بل إن بينهم من التفاوت والتباين ما‬
‫يجعل تصنيفهم في طبقات أمراً ممكنا ً ‪.‬‬

‫الفحولة عند النقاد المغاربة ‪:‬‬

‫ابن رشيق القيرواني‪(:‬ت‪ : )456 :‬نلخص مفهوم الفحولة لدى ابن رشيق في قوله ‪:‬‬
‫الشعراء أربعة ‪ :‬شاعر خنذيذ ‪ ،‬وهو الذي يجمع إلى جودة شعره رواية الجيد من شعر‬
‫غيره‪ ،‬وسئل رؤبة عن الفحولة قال‪ :‬هم الرواة ‪ .‬وشاعر مفلق ‪ ،‬وهو الذي ال رواية له إال‬
‫مجود كالخنذيذ في شعره ‪ .‬وشاعر فقط ‪،‬وهو فوق الرديئ بدرجة‪ ،‬وشعرور وهو‬
‫ّ‬ ‫أنه‬
‫الشئ‪».‬ابن رشيق‪ ،‬العمدة‪ ،‬ص‪.113 .‬‬

‫يبدو أن األساس المتحكم في هذه التراتبية الشعرية هو الخبرة والجودة ‪ ،‬فأعلى‬


‫الشعراء درجة هو الجامع بين الرواية (الخبرة) والجودة ‪ ،‬فالراوي لشعر غيره عليم بفنون‬
‫القول وضروب أغراضه مما يهيئه لقول الشعر ويسهل عليه قريضه ‪..‬يليه درجة الشاعر‬
‫المجود لشعره غير الراوي ألشعار الفحول السابقين له‪ .‬ودرجة الشاعر فقط تكاد تالمس‬
‫ّ‬
‫درجة الشويعر ‪،‬ولم يضع لها ابن رشيق المعيار الترتيبي الذي يفصلها عن الشويعر ‪،‬وربما‬
‫كانت هذه الدرجة للشاعر الذي ال رواية له ألشعار غيره بين الفحول وال تجويد لشعره‪ .‬أما‬
‫الشعرور فهو في المرتبة الدنيا ولم تحدد له أية صفة ‪.‬‬

‫ّ‬
‫األندلسيين الحازم القرطاجني(ت‪484 :‬ه)‪:‬‬ ‫الفحولة لدى‬

‫صناعة الشعر أو صناعة الفحولة عند حازم ال تتأتى إال باجتماع مجموعة من‬
‫الخصائص والمميزات يقول‪ ( :‬وال يكمل للشاعر قول على الوجه المختار إال بأن تكون له‬
‫قوة حافظة وقوة مائزة وقوة صانعة) ‪ .‬حازم القرطاجني ‪ ،‬منهاج البلغاء وسراج‬
‫األدباء‪،‬تحقيق‪ :‬محمد الحبييب‪ ،‬بيروت ‪ ،‬دار الغرب االسالمي ‪ ،‬ط‪ ،1981 ،2‬ص‪.42.‬‬

‫إن القوة الصانعة على النحو الذي عرفها القرطاجني هي التي بها تكتمل الصناعة‬
‫الشعرية والتي بها يصنع الشاعر الفحول‪ .‬أما القوة الحافظة فتكشف لنا الطريق الذي سلكه‬

‫‪6‬‬
‫الشعراء الفحول الذين لزموا الشعراء األوائل وأخذوا عنهم الشعر حفظا‪ .‬فامرؤ القيس‬
‫راوية أبي داؤد اإليادي‪ ،‬وطرفة راوية المتلمس ‪ ،‬وزهير راوية أوس بن طفيل والحطيئة‬
‫راوية زهير ‪..‬‬

‫إذن ترتبط صناعة الشعر برواية الشعر والنسج على منوال الفحول وتشرب طرائقهم‬
‫في إجادة االختيار وحسن التأليف‪ .‬دون إلغاء الخصوصية اإلبداعية التي تخلق التفاوت بين‬
‫الشعراء‪.‬فالشعراء بطبيعتهم ـ متفاوتون في إنتاجهم وفي مستواهم الفني‪ ،‬لذلك كانت مراتبهم‬
‫ـ عنده ـ متوقفة على مدى اختراعهم للمعاني أو ابتذالهم لها‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫كلية اآلداب والفنون ‪ /‬قسم اللغة العربية وآدابها‬

‫محاضرات مادة النقد األدبي القديم –جامعة وهران‪1‬‬

‫أ‪ .‬د‪ .‬ف‪ .‬العزوني‬ ‫جدع مشترك سنة أولى ليسانس ‪/‬‬

‫المحاضرة الخامسة ‪ :‬االنتحال في النقد العربي القديم‬

‫مقدمة ‪:‬‬

‫قضية االنتحال من أولى القضايا النقدية التي طرحت تبعا لتدوين التراث األدبي ‪،‬وقد‬
‫نبه النقاد القدامى إلى خطورتها بعدما الحظوا نسبة الشعر إلى غير قائليه ‪ ،‬لذلك سارعوا‬
‫لدراستها دراسة نقدية ‪.‬فأخضعوا ما تناقله الرواة من أشعار جاهلية للتمحيص والتدقيق‬
‫فالحظوا من خالل التجربة والمعاينة وجود ادعاءات من طرف بعض الرواة على الشعراء‬
‫فيما لم يقولوه من شعر ‪،‬فنبهوا إلى دلك وحاولوا البحث في أسباب وتداعيات االنتحال بغية‬
‫الحفاظ على الشعر وتنقيحه بحيث ال يترك منه إال الثابت الصحيح‪ .‬كماصنفوا رواة الشعر‬
‫بين ثقات وغير ثقات ‪ ،‬وانتشلوا الشعر من التداخل والفوضى ‪،‬وشددوا على دور العلماء‬
‫بالعودة إليهم ‪،‬نتيجة غزارة محصولهم المعرفي واستقامة ذوقهم الفني‪.‬‬

‫مصطلح االنتحال لغة ‪:‬‬

‫جاء في لسان العرب البن منظور‪« :‬ن َِحل جس ُمه‪ ،‬ونَ َحل‪ ،‬ينَ َحل‪ ،‬وينَ ُحل نُحوالً ‪،‬فهو‬
‫فالن ‪ِ :‬إذا ادّعاه أَنه قائلُه‬
‫ٍ‬ ‫ناحل‪ :‬ذهَب من مرض أَو سفَر والفتح أَفصح‪ .‬وا ْنتَ َحل فال ٌن ِش ْع َر‬
‫ِ‬
‫سبه ِإليه ‪،‬ونَ َح ْلتُه القو َل أَ ْن َحلُه ن َْحالً‬ ‫‪،‬وتَنَ َّحلَه ادَّعاه وهو لغيره‪ ،‬ونَ َحله القو َل ينَ َحله ن َْحال ‪:‬نَ َ‬
‫الشاعر قصيدة إِذا نُ ِسبَت ِإليه‬ ‫ُ‬ ‫ض ْفت ِإليه قوالً قاله غيره ‪،‬وادّعيتَه عليه‪ .‬ونُ َحل‬ ‫بالفتح‪ِ :‬إذا أ َ َ‬
‫‪،‬وهي من قِي ِل غيره »‪.‬ابن منظور ‪،‬لسان العرب‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد الصادق العبيدي وأمين‬
‫عبد الوهاب ‪،‬دار إحياء التراث‪ ،‬بيروت‪،‬ط‪ ،1:‬مادة ‪ :‬ن ح ل‪.‬‬

‫سمه نُحوالً فهو ناحل‪ ،‬إذا َّ‬


‫دق‪،‬‬ ‫وجاء في معجم مقاييس اللغة البن فارس‪« :‬نَ َحل ِج ُ‬
‫وأ ْنحلَه اله ُّم ‪..‬ويقولون‪ :‬النحل‪ :‬أن تعطي شيئا بال استعواض‪ .‬وقولهم‪ :‬انتحل كذا‪ ،‬إذا تعاطاه‬
‫وادعاه‪ .‬وقال قوم‪ :‬انتحله‪ ،‬إذا ادعاه محقا‪ ،‬وتنحله‪ ،‬إذا ادعاه مبطال‪ .‬وليس هذا عندنا بشيء‪.‬‬
‫ومعنى انتحل وتنحل عندنا سواء‪» .‬ابن فارس‪ ،‬مقاييس اللغة ‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد السالم هارون ‪،‬‬
‫دار الفكر للنشر والتوزيع ‪ ،‬بيروت ‪،1979 ،‬ص‪.403-420.‬‬

‫اصطالحا‪:‬‬

‫ورد في معجم المصطلحات ‪ :‬االنتحال «هو أن يأخذ الشاعر كالم غيره بعد علمه‬
‫بنسبته له بلفظه كله ومن غير تغيير لنظمه ‪،‬أو أن يأخذ المعنى وتبدّل الكلمات كلها أو‬
‫بعضها بما يرادفها ‪».‬مجدي وهبة وكامل المهندس‪ ،‬معجم مصطلحات العربية في اللغة‬
‫واألدب ‪ ،‬ص‪.420.‬‬

‫ويقول عبر العزيز نبوي ‪« :‬النحل ‪ :‬نسبة شعر رجل إلى رجل آخر‪.. .‬واالنتحال‪:‬‬
‫ادّعاء الشعر‪...‬و الوضع‪ :‬أن ينظم الرج ُل الشعر ثم ينسبه إلى غيره ‪ ».‬عبد العزيز بنوي ‪،‬‬
‫دراسات في الشعر الجاهلي‪ ،‬الصدر لخدمات الطباعة ‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪،‬ص‪.82.‬‬

‫مفهوم االنتحال لدى ابن سالم الجمحي‪:‬‬

‫تعرض ابن سالم لقضية االنتحال في مقدمة كتابه( طبقات فحول الشعراء) ‪ ،‬وحاول‬
‫تحليلها للوقوف على أسبابها السياسية واالجتماعية‪ .‬يقول ‪" :‬فلما راجعت العرب رواية‬
‫الشعر‪ ،‬وذكر أيامها ومآثرها‪ ،‬استقل بعض العشائر شعر شعرائهم‪ ،‬وما ذهب من ذكر‬
‫وقائعهم‪ ،‬وكان قوم قلت وقائعهم وأشعارهم‪ ،‬وأرادوا أن يلحقوا بمن له الوقائع واألشعار‬
‫فقالوا على ألسنة شعرائهم‪ ،‬ثم كان الرواة بعدُ‪ ،‬فزادوا في األشعار‪ ،‬وليس يُ ْش ِكل على أهل‬
‫العلم زيادة الرواة‪ ،‬وال ما وضعوا وال ما وضع المولّدون‪ " .‬ابن سالم الجمحي طبقات‬
‫فحول الشعراء ج‪،1‬ص‪47-46 .‬‬
‫عوامل ظهور االنتحال لدى ابن سالم هي‪:‬‬

‫‪ -1‬قلة الشعر لدى بعض القبائل‪ ،‬مما حدا بها نحو االستكثار من شعرها‪ ،‬الذي صنع‬
‫ونسب إلى غير قائليه‪ ،‬بدافع العصبية ‪ ،‬وبحسب ابن سالم من الممكن تبينه لخلوه‬
‫من نواحي الجمال في شتى األغراض الشعرية‪ ،‬وأنه لم يكن مما رواه أهل الثقة‬
‫عن مصادر موثوق بها من أهل البادية‪.‬‬
‫‪ -2‬زيادة الرواة على ما كانوا يروون من محفوظ لديهم‪ .‬مثل داود بن متمم بن نويرة‬
‫الذي عده ابن سالم من الذين نحلوا الشعر‪ ،‬و حماد الراوية (ت‪155:‬ه) وخلف‬
‫األحمر(ت‪ )180:‬غير الموثوق في روايتهما ‪.‬‬

‫سم ابن سالم الرواة إلى طائفتين‪:‬‬


‫ق ّ‬

‫‪-‬األولى تحسن نظم الشعر وصوغه وتضيف ما تنظمه إلى الجاهليين من الشعراء‪.‬ومثل‬
‫لهذه الطائفة بحماد الراوية وخلف األحمر ‪.‬‬

‫‪ -‬الثانية لم تكن تحسن النظم وال االحتذاء على أمثلة الشعر الجاهلي‪ ،‬وكانت تحمل منه كل‬
‫زيف وهم رواة األخباروالسير والقصص من مثل ابن اسحاق راوية السيرة النبوية منطقا‬
‫بالشعر العربي ما لم ينطقوه من قوم عاد وثمود‪.‬‬

‫س ّمى ابن سالم الجمحي هذا الكالم المنحول ب"كالم مؤلف عقدت أواخره بقافية"‪.‬‬

‫كما ذ ّكر بفضل أهل العلم‪ ،‬و بفطنتهم وخبرتهم في التمييز بين األصيل والدخيل‪ .‬فعلينا أن‬
‫نقبل بما قبله الثقات‪ ،‬وأن نرفض ما رفضوه‪.‬‬

‫استكماال لجهود ابن سالم ميز الجاحظ بين الشعر الصحيح والمنحول معتمدا على‬
‫شهادة الرواة وعلى مبدإ التفاوت في الشعر ‪.‬وقد أخضع العديد من األبيات الشعرية للدراسة‬
‫‪ ،‬كاشفا االنتحال فيها مع االتيان باألدلة التاريخية للتدليل على مقوالته النقدية‪.‬‬

‫وقد نبه الجاحظ عل المنحول المصنوع ‪ ،‬وهو مع الرأي القائل أن حماد الراوية كان يصنع‬
‫القصائد الطوال ويروي شعرا منقوال‪.‬‬
‫يروي الجاحظ قول األفوه األودي‬

‫فارس في كفه للحرب نار‬ ‫كشهاب القذف يرميكم‬

‫يقول ‪ ":‬فمن أين علم األفوه أن الشهب التي يراها إنما هي قذف ورجم وهو جاهلي ولم يدع‬
‫هذا أخر قط إال المسلمون‪".‬‬

‫مفهوم االنتحال لدى ابن رشيق القيرواني( ‪456‬ه) ‪:‬‬

‫عرض ابن رشيق لمسألة االنتحال لدى حديثه عن السرقات يقول ‪ (:‬واالصطراف‬
‫أن يعجب الشاعر ببيت من الشعر فيصرفه إلى نفسه ‪ ،‬فإن صرفه إليه على جهة المثل فهو‬
‫اجتالب واستلحاق ‪،‬وإن ادّعاه جملة فهو انتحال ‪ ،‬وال يقال منتحل إال لمن ادّعى شعرا لغيره‬
‫وهو يقول الشعر ‪،‬وأما إن كان ال يقول الشعر فهو مدّع غير منتحل ‪ «.‬العمدة ‪،‬مصدر‬
‫مذكور ‪ ،‬ج‪،2‬ص‪281.‬‬

‫‪ -‬االصطراف أن يصرف الشاعر إلى شعره بيتا أو أكثر من شعر غيره فيضيفه إلى‬
‫شعره ‪ .‬ويفرق ابن رشيق بين وجهين لالصطرف ‪:‬‬

‫أ‪ -‬االجتالب ‪ :‬هو أن يجتلب الشاعر بيتا من شعر غيره تمثال به ال ادعاء تأليفه‪ ،‬دون نية‬
‫االنتحال أو اإلغارة أو الغصب‪.‬‬

‫ب‪ -‬االنتحال ‪ :‬عملية نسب الشعر لشعراء آخرين ‪ .‬سواء من الرواة للشعراء أو‬
‫الشاعر لذاته‪ .‬فالقصيدة هنا تأخذ لتثبت إلى غير قائلها‪.‬‬

‫إذن يتحول االنتحال عند ابن رشيق إلى نوع من أنواع السرقات الشعرية ‪ ،‬فالقصيدة تؤخذ‬
‫لتثبت إلى غير قائلها‪.‬‬

‫النقاد االندلسيون و االنتحال‪:‬‬

‫بنى األندلسيون نظريتهم التوثيقية في الشعر على مقاييس تناولته شكال ومضمونا‪،‬‬
‫متجاوزين مسألة ربطه بروايته كما كان عليه الحال في المشرق ‪.‬‬
‫اشتغل نقاد األندلس على صحة اإلسناد في المصادر ونقضوا العديد من الروايات‬
‫واهتموا بعدد من المقاييس في الرويات الشعرية‪:‬‬

‫مثل ‪ -:‬قواعد اللغة ‪:‬استغالل النقاد قواعد النحو وأصوله الثابتة فيما يثبتونه من روايات أو‬
‫ينقضونه‪.‬‬

‫‪-‬فقه اللغة ‪:‬قد يقع فساد الرواية من جهة تشابه االلفاظ‪.‬‬

‫‪-‬اللفظ والمعنى ‪:‬يرجح األندلسيون بين الروايات في إطار أحوال اللفظ مع المعنى كأن‬
‫يكون في الرواية المختارة معنى أبلغ وأصوب ‪.‬وأن يكون المعنى مع لفظ الرواية المختارة‬
‫أوضح و أنسب‪.‬‬

‫‪-‬الموسيقى الشعرية ‪:‬دافع األندلسيون على الرواة فيما نسب إليهم من رواية فاسدة الوزن‬
‫علة أساس النغمة الشعرية‪.‬‬

‫‪-‬السياق‪ :‬وجه اللغويون بعض الروايات من خالل نظرتهم للمسألة الشعرية من حيث وحدة‬
‫أجزائها وتناسق معانيها وصحة مبانيها‬

‫حيث ر ّجحوا بين الروايات من خالل صحة هذه الخصائص ورفضوا ماخالف‬
‫قواعد اللغة وأصول النحو الثابتة ‪.‬كما نزعوا منزعا معرفيا في تحقيق الرواية استنادا إلى‬
‫الواقع التاريخي والجغرافي لبعض الكلمات التي كان ورودها في الشعر مغايرا لمقصود‬
‫الشاعر الحقيقي‪.‬‬

‫وقد تمكنوا بفضل هده المجهودات من تحقيق النص الشعري وانتشاله من‬
‫االضطراب والفوضى التي اعترته‪.‬‬

You might also like