You are on page 1of 94

‫المجلس األول من فقه اللباس والزينة‬

‫ات أَعمالِنَا‪ ،‬من ي ه ِدهِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫إن ح ِ ِ‬


‫اْلَ حم َد لله َحَن َم ُدهُ َونَ حستَعينُهُ َونَ حستَ حغف ُرهُ‪َ ،‬ونَعُوذُ بِاهلل م حن ُش ُروِر أَنح ُفسنَا َوم حن َسيِّئَ ح َ َ ح َ ح‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ض َّل لَه‪ ،‬ومن ي ح ِ‬ ‫اهلل فَالَ م ِ‬
‫ى لَهُ‪َ ،‬وأَ حش َه ُد أَ حن الَ إِلَهَ إِالَّ اهللُ َو حح َدهُ الَ َش ِر َ‬
‫يك لَهُ‪َ ،‬وأَ حش َه ُد أ َّ‬
‫َن‬ ‫ضل حل فَالَ َهاد َ‬ ‫ُ ََ ح ُ‬ ‫ُ ُ‬
‫ُُمَ َّم ًدا َعحب ُدهُ َوَر ُسولُهُ‬
‫آمنُوا اتَّ ُقوا اللَّهَ َح َّق تُ َقاتِِه َوَال ََتُوتُ َّن إَِّال َوأَنح تُ حم ُم حسلِ ُمو َن [آل عمران‪]۱٠۲ :‬‬ ‫ين َ‬
‫َّ ِ‬
‫﴿يَا أَيُّ َها الذ َ‬
‫ث ِمحن ُه َما ِر َج ًاال َكثِ ًريا‬‫اح َدةٍ َو َخلَ َق ِمحن َها َزحو َج َها َوبَ َّ‬ ‫سوِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫َّاس اتَّ ُقوا َربَّ ُك ُم الذي َخلَ َق ُك حم م حن نَ حف ٍ َ‬ ‫﴿يَا أَيُّ َها الن ُ‬
‫ام إِ َّن اللَّهَ َكا َن َعلَحي ُك حم َرقِيبًا [النساء‪]۱ :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َون َساءً َواتَّ ُقوا اللَّهَ الَّذي تَ َساءَلُو َن بِه َو حاْل حَر َح َ‬
‫ِ‬
‫صلِ حح لَ ُك حم أ حَع َمالَ ُك حم َويَ حغ ِف حر لَ ُك حم ذُنُوبَ ُك حم َوَم حن‬ ‫ين َآمنُوا اتَّ ُقوا اهللَ َوقُولُوا قَ حوالً َس ِد ً‬
‫يدا * يُ ح‬
‫َّ ِ‬
‫﴿يَا أَيُّ َها الذ َ‬
‫يما [اْلحزاب‪]٧۱-٧٠ :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يُط ِع اهللَ َوَر ُسولَهُ فَ َق حد فَ َاز فَ حوًزا َعظ ً‬
‫أ ََّما بَ حع ُد‪:‬‬
‫فإن خري اْلديث كتاب اهلل‪ ،‬وخري اهلدى هدى ٍ‬
‫ُممد صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وشر اْلمور ُمدثاهتا‪،‬‬ ‫ُ ُ‬
‫ٍ‬
‫ضاللة يف النار‪.‬‬ ‫ُمدثة بدعة‪ ،‬وكل ٍ‬
‫بدعة ضاللة‪ ،‬وكل‬ ‫وكل ٍ‬
‫مث إنين أُرحب جبميع اإلخوة واْلخوات يف مستهل هذه الدورة العلمية الثالثة؛ ويف جملسها اْلول؛‬
‫تأثريا بالغ‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫هذه الدورة عن فقه اْلسرة‪ ،‬حيث نتكلم عن موضوعات هتم اْلسرة املسلمة‪ ،‬وتؤثر فيها ً‬
‫وقد سبقت هذه الدورة دورتان‪:‬‬

‫اْلوىل‪ :‬كانت يف النكاح والعشرة‪.‬‬


‫والثانية‪ :‬كانت يف املشاكل الزوجية أحكام وحلول‪.‬‬

‫وها هي الدورة الثالثة يف فقه اْلسرة‪ ،‬واليت شاء اهلل عز وجل أن تُعقد عن بعد لظروف هذه اجلائحة‬
‫جائحة كورونا كوفيد تسعة عشر‪ ،‬نسأل اهلل عز وجل أن يكفي املسلمني شرها‪ ،‬وأن يدفع ضرها‪،‬‬
‫وأن يرفع هذا البالء‪ ،‬ويدفعه عن اْلرض وأهلها‪.‬‬

‫أقول شاء اهلل عز وجل أن تعقد هذه الدورة عن بعد‪ ،‬وكم كان بودي أن ألتقي بإخويت كما اعتدنا يف‬
‫الدورات السابقة‪ ،‬لكن أسأل اهلل عز وجل أن جيعل لنا لقاءً قريبًا حبوله وقوته سبحانه وتعاىل‪.‬‬
‫هذه الدورة الثالثة يف‪ :‬اللباس والزينة‪ ،‬وال شك أن اللباس ليس جمرد ٍ‬
‫ثياب وعادات؛ بل له أثره على‬
‫ومعن بالبعد عما حرم‬
‫الفرد واْلسرة واجملتمع‪ ،‬وال يزال اإلنسان خبري ما حفظ عورته حسا باللباس‪ً ،‬‬
‫المجلس األول من فقه اللباس والزينة‬

‫اهلل عز وجل‪ ،‬وإذا كشف اإلنسان عورته أو بعضها‪ ،‬انفتح عليه باب الشر وقامت عليه سوق الفتنة‪،‬‬
‫ولذلك كان أول ما سعى إليه إبليس يف إغواء اآلدمي أن ينزع عنه لباسه ليكشف عورته‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬
‫ٱلشيط ُن كما أخرج أب وي ُكم ِّمن ٱلجن َِّة ين ِزعُ عنهما لِباس ُهما لِيُ ِري ُهما‬
‫﴿يا بنِي ءادم ل يفتِن نَّ ُك ُم َّ‬
‫سوءتِ ِهما [اْلعراف‪.]27 :‬‬
‫والشيطان عدونا املبني ملا علم أن اآلدمي تأىب فطرته‪ ،‬وتأىب أخالقه‪ ،‬ومن قبل ذلك ومن بعده يأىب‬
‫َّ‬
‫خطوة خطوة فدله على أم ٍر آخر ليكشف له عورته‪،‬‬
‫تدينه أن يكشف عورته‪ ،‬أتاه يف هذا الباب ً‬
‫ويأيت الناس باْلمر اليسري يف ظنهم‪ ،‬فإذا كشف اإلنسان هذا اليسري قاده إىل كشف ما بعده؛ حىت‬
‫تُكشف العورات‪ ،‬ويذهب اْلياء‪ ،‬وتقع الفتنة ‪-‬والعياذ باهلل‪.-‬‬

‫َّاس ُكلُوا ِم َّما فِي‬


‫وقد حذرنا اهلل عز وجل من اتباع خطوات الشيطان‪ ،‬فقال سبحانه‪﴿ :‬يا أيُّها ٱلن ُ‬
‫ٱلس ِ‬
‫وء‬ ‫ٱلشيط ِن إِنَّهۥُ ل ُكم ع ُدو ُّمبِين ﴿‪ ﴾١٦٨‬إِنَّما ي ُأم ُرُكم بِ ُّ‬
‫ت َّ‬‫رض حلال طيِّبا ول ت تَّبِعوا ُخطُو ِ‬
‫ٱأل ِ‬
‫ُ‬
‫وٱلفحش ِاء وأن ت ُقولُوا على ٱللَّ ِه ما ل تعل ُمون [البقرة‪]169-168 :‬؛ أي أن الشيطان يقودنا إىل‬
‫خطوة خطوة حىت نطيعه يف هذا الطريق؛ ْلنه يعلم أن اإلنسان ال يطيعه لو أمره‬
‫السوء والفحشاء ً‬
‫بالسوء والفحشاء دفعةً واحدة‪ ،‬وهكذا فعل يف اللباس كما نرى من حال كث ٍري من الناس‪ ،‬فإنه أمرهم‬
‫بكشف ٍ‬
‫شيء مث ملا كشفوه زاد ذلك شيئًا فشيئا حىت ُكشفت العورات واهلل املستعان‪.‬‬

‫أمرا يتعلق مبظهر اإلنسان غري أن‬


‫واللباس أيها اْلحبة له أثره على أخالق اإلنسان‪ ،‬فاللباس وإن كان ً‬
‫له أثرا عمي ًقا يف خمربه‪ ،‬فهو يؤثر على سريته وخلقه‪ ،‬وأحواله النفسية‪ ،‬وحيائه؛ فإن من اللباس ما‬
‫يغرس يف النفوس بذور الكِرب‪ ،‬والبطر‪ ،‬واخليالء‪ ،‬ومنه ما يغرس العكس من التواضع‪ ،‬وحسن اخللق‬ ‫ُ‬
‫مع الناس‪ ،‬ومن اللباس ما يزرع حسن اخللق وال سيما اْلياء يف نفس صاحبه‪ ،‬ومنه ما يُذهب اْلياء‬
‫ويقضي عليه‪ ،‬وهكذا يف سائر اْلخالق؛ كما أن امللبس اْلرام له أثره يف حياة اإلنسان‪ ،‬بل حىت يف‬
‫الر ُجل يُ ِطي ُل َّ‬
‫السفر أشعث‬ ‫عمله‪ ،‬بل حىت يف دعائه؛ ولذلك النيب صلى اهلل عليه وسلم ذَ َكَر‪َّ (( :‬‬
‫سهُ حرام‪،‬‬
‫ب‪ ،‬ومطع ُمهُ حرام‪ ،‬ومشربُهُ حرام‪ ،‬وملب ُ‬ ‫السم ِاء‪ ،‬يا ر ِّ‬
‫ب‪ ،‬يا ر ِّ‬ ‫أغب ر‪ ،‬ي ُم ُّد يدي ِه إِلى َّ‬
‫اب لِذلِك)) كما عند مسل ٍم يف الصحيح‪.‬‬ ‫وغُذي بِالحر ِام‪ ،‬فأنَّى يُستج ُ‬
‫ِ‬
‫المجلس األول من فقه اللباس والزينة‬

‫ومع أن ربنا الكرمي سبحانه وتعاىل قد جعل دائرة اْلالل يف اللباس واسعة‪ ،‬ودائرة اْلرام فيه ضيقة‪،‬‬
‫حرم منه على اإلنسان ما يضره‪ ،‬فإن كثريا من الناس ‪-‬هداين اهلل وإياهم‪ -‬قد تركوا دائرة اْلالل‬
‫وإمنا َّ‬
‫تساهال منهم متصورين‬
‫ً‬ ‫جهال منهم‪ ،‬أو‬
‫الواسعة‪ ،‬وتقحموا دائرة اْلرام الضيقة الضارة غفلةً منهم‪ ،‬أو ً‬
‫أن اللباس جمرد أقمشة وعادات جمردة ال عالقة هلا باْلالل واْلرام‪.‬‬

‫ومن هنا أيها اإلخوة واْلخوات تأيت أمهية معرفة فقه اللباس والزينة‪ ،‬ومن أجل هذا ولقلة الكالم يف‬
‫هذا الباب‪ ،‬وكثرة ال ّداعني إىل خالف اخلري فيه رأى اإلخوة الفضالء أن تكون هذه الدورة يف‪:‬‬
‫اللباس والزينة‪ ،‬وقد أحسنوا يف هذا أميا إحسان‪.‬‬

‫وَنن يف هذه الدورة سنتكلم عن املبادئ الشرعية يف اللباس والزينة‪ ،‬وعن اْلحكام اليت دلت عليها‬
‫ٍ‬
‫خوض يف دقائق اخلالفات الفقهية‪.‬‬ ‫اْلدلة الشرعية من غري‬

‫واللباس أيها اإلخوة واْلخوات قال فيه العلماء‪ :‬إنه من حيث اللغة بكسر الالم‪ ،‬ومجعه لُبُس مثل‬
‫بسا بضم الالم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫س الثوب لُ ً‬
‫كتاب وُكتُب‪ .‬ويقال‪ :‬لَب َ‬
‫واللِباس واللِحبس وال َملبَس‪ :‬هو ما يُلبس‪ ،‬قال الفيومي رمحه اهلل عز وجل‪( :‬لبست الثوب من باب‬
‫بسا بضم الالم‪ .‬واللِبس بالكسر‪ ،‬واللِباس ما يُلبس‪ ،‬ومجع اللباس‪ :‬لُبُس؛ مثل كتاب وُكتُب‪.‬‬
‫ب‪ ،‬لُ ً‬
‫ِ‬
‫تَع َ‬
‫وامللبَس بفتح امليم والباء مثل اللباس‪ ،‬ومجعه‪ :‬مالبس)‪ .‬انتهى كالمه رمحه اهلل‪.‬‬
‫َ‬
‫وكل ما يسرت اجلسم أو بعضه من الثياب كبريها أو صغريها فهو لباس شرعا‪ .‬فاللباس شرعا هو ما‬
‫صغريا‪.‬‬
‫كبريا كان أو ً‬
‫يسرت البدن أو بعضه‪ً ،‬‬
‫وقد امنت اهلل عز وجل باللباس على اإلنسان حيث ميزه بذلك عن اْليوان‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬يا بنِي آدم‬
‫شا [اْلعراف‪ ،]27 :‬فاإلنسان عندما يرى املخلوقات‬ ‫اسا يُوا ِري سوآتِ ُكم وِري ً‬ ‫ِ‬
‫قد أنزلنا علي ُكم لب ً‬
‫من حوله يدرك عظيم نعمة اهلل عز وجل عليه باللباس‪ ،‬ولذلك امنت اهلل عز وجل عليك يا ابن آدم‬
‫وذكر اهلل عز وجل الناس مبا يف هذا اللباس من النعم العظيمة امل ِتف َقة مع تكرمي‬ ‫هبذه النعمة العظيمة‪َّ ،‬‬
‫اهلل لإلنسان‪ ،‬ففي اللباس سرت العورة اليت يَقبُ ُح كشفها‪ ،‬ويف ذلك حفظ لألعراض وصيانة للمجتمع‪،‬‬
‫وإذا مجع اإلنسان بني لباس الظاهر ولباس الباطن بالتقوى حفظ نفسه وحفظ جمتمعه من الشرور‬
‫المجلس األول من فقه اللباس والزينة‬

‫اسا يُوا ِري سوآتِ ُكم وِري ً‬


‫شا ۖ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والفنت‪ ،‬ولذلك قال اهلل عز وجل‪﴿ :‬يا بني آدم قد أنزلنا علي ُكم لب ً‬
‫ولِباس التَّقوى ذلِك خي ر ذلِك ِمن آي ِ‬
‫ات اللَّ ِه [اْلعراف‪.]26:‬‬ ‫ُ‬
‫واللباس يقي اإلنسان ما يضره من ح ٍر ضار أو برد ضار‪ ،‬قال اهلل عز وجل‪﴿ :‬واللَّهُ جعل ل ُكم ِّم َّما‬
‫خلق ِظال ًل وجعل ل ُكم ِّمن ال ِجب ِ‬
‫ال أكنانًا وجعل ل ُكم سرابِيل ت ِقي ُك ُم الح َّر وسرابِيل ت ِقي ُكم‬
‫بأس ُكم ۖ كذلِك يُتِ ُّم نِعمتهُ علي ُكم لعلَّ ُكم تُسلِ ُمون [النحل‪ ،]81 :‬فقوله سبحانه وتعاىل‪:‬‬
‫﴿وجعل ل ُكم سرابِيل ؛ أي‪ :‬ألبسة وثيابا تقيكم اْلر وتقيكم ما يقابله‪ ،‬وهو الربد‪.‬‬

‫ويف اللباس من النعم إظهار ما حيبه اهلل عز وجل‪ ،‬فاهلل تعاىل مجيل حيب اجلمال‪ ،‬ومن اجلمال الذي‬
‫حيبه سبحانه‪ :‬مجال الثياب‪ ،‬ولذلك واهلل نقول‪:‬إن فيما أباحه اهلل وجل من اللباس‪- ،‬وهو اْلصل‬
‫مجاال‬
‫عظيما‪ ،‬وفيما حرمه من الثياب قبح وشر عظيم‪ ،‬ولكونه ً‬
‫وجالال وحياءً وخريا ً‬
‫ً‬ ‫مجاال‬
‫والكثري‪ً ،-‬‬
‫يشا‪.‬‬
‫لإلنسان مساه اهلل عز وجل ر ً‬
‫وحيب سبحانه وتعاىل أن يظهر أثر نعمته على عبده يف لباسه ولذلك جاء عن أيب اْلحوص عن أبيه‬
‫ثوب دون)؛ أي‪ :‬يف ث ٍ‬
‫وب ال يروق‬ ‫رضي اهلل عنه أنه قال‪( :‬أتيت النيب صلى اهلل عليه وسلم يف ٍ‬
‫للنظر‪ ،‬فقال صلى اهلل عليه وسلم‪(( :‬ألك مال؟)) قال‪ :‬قلت‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪(( :‬من أي المال؟)) قال‪:‬‬
‫قلت‪ :‬قد آتاين اهلل من اإلبل والغنم واخليل والرقيق‪ .‬أي أن اهلل عز وجل أنعم علي مبال كثري‪ ،‬فقال‬
‫مال فليُ رى أثر نعمة اهلل عليك وكرامته))‪ .‬واْلديث رواه‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪(( :‬فإذا آتاك اهلل ً‬
‫أبو داود والنسائي وصححه اْللباين رمحه اهلل عز وجل وكذلك الوادعي رحم اهلل اجلميع‪.‬‬

‫واهلل عز وجل مع امتنانه على اإلنسان باللباس‪ ،‬هناه عن نزع اللباس الواجب وبني له أن ذلك فتنة‪،‬‬
‫ليعلم اإلنسان أن أول طريق الفتنة نزع اللباس عن العورة أو عن بعضها‪ ،‬ليحذر من ذلك وليبتعد عن‬
‫بعدا عظيما‪ ،‬قال اهلل عز وجل‪﴿ :‬يا بنِي آدم ل ي فتِن نَّ ُك ُم َّ‬
‫الشيطا ُن كما أخرج أب وي ُكم ِّمن‬ ‫ذلك ً‬
‫الجن َِّة ين ِزعُ عن ُهما لِباس ُهما لِيُ ِري ُهما سوآتِ ِهما [اْلعراف‪ ،]27 :‬فقال سبحانه‪﴿ :‬يا بنِي آدم ل‬
‫الشيطا ُن ؛ ال يوقعنكم الشيطان يف الفتنة‪ ،‬وكيف يوقعنا يف الفتنة؟ بنزع اللباس الواجب أو‬ ‫ي فتِن نَّ ُك ُم َّ‬
‫بعضه‪ ،‬فهذا أول طريق الفتنة وأعظم طريق الفتنة‪ ،‬فإذا تساهل فيه الناس أوشك أن تشتعل نريان‬
‫الفنت من حوهلم‪.‬‬
‫المجلس األول من فقه اللباس والزينة‬

‫وهذا اللباس الذي فيه من النعم ما أشرنا إليه إشارة‪ ،‬منه ما جيب على اإلنسان لبسه‪ ،‬ومنه ما يكون‬
‫مباحا‪ ،‬والواجب منه ما يسرت العورة‪ ،‬فيجب على اإلنسان ذكرا‬
‫لبسه كماال ومستحبا‪ ،‬ومنه ما يكون ً‬
‫كان أو أنثى أن يلبس ما يسرت عورته‪ ،‬وال جيوز له أن يكشف شيئا من العورة ولو كان ذلك شيئا‬
‫يسريا‪.‬‬
‫وهذا يدعونا إىل أن نعرف ما الذي جيب على اإلنسان أن يسرته؟ حىت ينبين على ذلك أن نعرف ما‬
‫الذي جيب علينا أن نلبسه‪.‬‬

‫[عورة الرجل أمام الرجل]‬

‫والرجل منا أمام الرجال جيب عليه أن يسرت ما بني السرة والركبة؛ نص على هذا مجع من فقهاء‬
‫املذاهب اْلربعة من اْلنفية واملالكية والشافعية واْلنابلة‪ ،‬ومعن هذا أن السرة ال جيب سرتها وإمنا‬
‫جيب سرت ما حتتها مباشرة‪ ،‬وأن الركبة ال جيب سرتها وإمنا جيب سرت ما عالها مباشرة‪ ،‬وقد دلت‬
‫على هذا اْلدلة الكثرية‪ ،‬فقد أمجع العلماء على أن العورة املغلظة من جهة الدبر والقبل جيب على‬
‫الرجل أن يسرتها‪ ،‬وذهب مجهور العلماء إىل أن الفخذ جيب أن يسرت أيضا؛ ملا جاء عن جره ٍد‬
‫اْلسلمي رضي اهلل عنه‪ ،‬أن النيب صلى اهلل عليه وسلم مر به وهو كاشف عن فخذه فقال له صلى‬
‫اهلل عليه وسلم‪(( :‬أما علمت أن الفخذ عورة)) رواه أمحد وأبو داود والرتمذي وصححه الطحاوي‬
‫والبيهقي واْللباين‪.‬‬

‫وهذا اْلديث الصحيح نص يف أن الفخذ عورة‪ ،‬فال يُ ُّرد هذا النص باحملتمالت‪ ،‬فهو يدل على أن‬
‫فخذ الرجل عورة جيب عليه أن يسرته‪ ،‬فالنيب صلى اهلل عليه وسلم عندما مر على ج ٍ‬
‫رهد رضي اهلل‬
‫ٍ‬
‫بأسلوب حكيم‪ ،‬فقال‪((:‬أما علمت أن الفخذ‬ ‫عنه وقد كشف فخذه أنكر عليه صلى عليه وسلم‬
‫عورة)) فعلمنا هبذا النص الصريح الصحيح أن الفخذ عورة‪.‬‬
‫ويدل على وجوب سرت ما بني السرة والركبة ما جاء عن املسور بن ٍ‬
‫خمرمة رضي اهلل عنه أنه قال‪:‬‬
‫(أقبلت حبجر أمحله ٍ‬
‫ثقيل وعلي إزار خفيف؛‪-‬خفيف‪ :‬املقصود أنه مل يشد ربطه‪ -‬قال‪ :‬فاَنل إزاري‬
‫ومعي اْلجر فلم أستطع أن أضعه حىت بلغت به إىل موضعه) فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬
‫المجلس األول من فقه اللباس والزينة‬

‫((ارجع إلى ثوبك ف ُخذهُ‪ ،‬ول تمشوا عراةً)) رواه مسلم يف الصحيح‪.‬‬
‫ووجه الداللة من أن النيب صلى اهلل عليه وسلم أمره أن يرجع إىل إزاره وأن يأخذه؛ أي يلبسه‪ ،‬واإلزار‬
‫كما هو معلوم يغطي ما بني السرة والركبة‪.‬‬
‫وقال صلى اهلل عليه وسلم‪((:‬ول تمشوا عراةً)) فدل ذلك على أن الذي ميشي ومل يُغَ ِّ‬
‫ط ما بني‬
‫السرة والركبة الذي يغطيه اإلزار‪ ،‬ميشي عاريا‪ ،‬فدل ذلك على وجوب سرت ما بني السرة والركبة‪.‬‬
‫أما ما قدمناه من أن السرة ال جيب سرتها وإمنا جيب سرت ما حتتها‪ ،‬وأن الركبة ال جيب سرتها وإمنا‬
‫جيب سرت ما عالها‪ ،‬فيدل عليه ما جاء عن أيب موسى اْلشعري رضي اهلل عنه أن النيب صلى اهلل‬
‫عليه وسلم دخل حائطا وأمره رضي اهلل عنه حبفظ باب اْلائط‪ ،‬فجاء رجل يستأذن‪ ،‬فقال صلى اهلل‬
‫عليه وسلم‪(( :‬ائذن له وبشره بالجنة))‪ ،‬فإذا أبو بك ٍر رضي اهلل عنه‪ ،‬مث جاء آخر يستأذن فقال‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪(( :‬ائذن له وبشره بالجنة)) فإذا عمر رضي اهلل عنه‪ ،‬مث جاء آخر يستأذن‬
‫فسكت هنيهة‪- ،‬أي النيب صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬مث قال‪(( :‬ائذن له وبشره بالجنة على بلوى‬
‫ستصيبه)) فإذا عثمان بن عفان رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫وجاء يف الرواية‪( :‬أن النيب صلى اهلل عليه وسلم كان قاعدا يف ٍ‬
‫مكان فيه ماء قد كشف ركبته فلما‬
‫دخل عثمان غطاها) متفق عليه‪.‬‬

‫فالنيب صلى اهلل عليه وسلم كان كاش ًفا ركبته‪ ،‬فدخل أبو بكر الصديق رضي اهلل عنه ونبينا صلى اهلل‬
‫عليه وسلم كاشف ركبته ومل يغطها‪ ،‬ودخل عمر رضي اهلل عنه ونبينا صلى اهلل عليه وسلم كان كاشفا‬
‫ركبته ومل يغطها‪ ،‬فلما دخل عثمان رضي اهلل عنه استحى منه النيب صلى اهلل عليه وسلم فغطى ركبته؛‬
‫ْلن عثمان رضي اهلل عنه تستحي منه املالئكة لشدة حيائه رضي اهلل عنه وأرضاه‪ ،‬فدلنا هذا اْلديث‬
‫على أمرين عظيمني‪:‬‬

‫األمر األول‪ :‬أن الركبة ليست عورة‪ ،‬ركبة الرجل ليست عورة وجيوز له أن يكشفها؛ ْلن النيب صلى‬
‫اهلل عليه وسلم كشفها أمام أيب بك ٍر وعمر رضي اهلل عنهما‪.‬‬
‫المجلس األول من فقه اللباس والزينة‬

‫واألمر الثاني‪ :‬أن تغطية الركبة مستحبة أمام من يُستحىي منه كالوالد وَنو ذلك‪ ،‬فإن النيب صلى اهلل‬
‫عليه وسلم ملا استحىي من عثمان رضي اهلل عنه غطى ركبته‪.‬‬

‫أيضا جاء عن أيب الدرداء رضي اهلل عنه أنه قال‪( :‬كنت جالسا عند النيب صلى اهلل عليه وسلم إذ‬
‫أقبل أبو بك ٍر آخذا بطرف ثوبه حىت أبدى عن ركبته‪ ،‬فقال له النيب صلى اهلل عليه وسلم‪(( :‬أما‬
‫صاحبكم فقد غامر)) رواه البخاري يف الصحيح‪.‬‬

‫ووجه الداللة‪ :‬أن أبا بكر الصديق رضي اهلل عنه كشف عن ركبته ومل ينكر عليه النيب صلى اهلل عليه‬
‫وسلم‪ ،‬فدل ذلك على أن الركبة ليست من العورة وأن كشفها ليس مبنكر وليس حبرام‪.‬‬

‫وجاء عن عمري بن إسحاق أنه قال‪( :‬كنت مع اْلسن بن علي فلقينا أبو هريرة رضي اهلل عنه‪ ،‬فقال‬
‫للحسن‪ :‬أَِرين أُقَبِّ ُل منك حيث رأيت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يُ َقبِّل‪ .‬قال‪ :‬فقال بقميصه‪- ،‬‬
‫أي‪ :‬رفع قميصه‪ -‬ف َقبَّل سرته)‪ .‬واْلديث رواه اإلمام أمحد وابن حبان والطرباين‪ ،‬وصححه الشيخ‬
‫أمحد شاكر وحسنه الشيخ الوادعي وال شك يف ثبوته‪.‬‬
‫ودل هذا اْلديث على أن السرة ليست عورة؛ ْلن النيب صلى اهلل عليه وسلم كشفها للحسن أمام‬
‫الناس وقبلها حيث رآه أبو هريرة رضي اهلل عنه‪ ،‬وأبو هريرة رضي اهلل عنه كشفها عندما لقي اْلسن‬
‫رضي اهلل عنه وقبلها‪ ،‬فهذا فعل أيب هريرة رضي اهلل عنه وأقره اْلسن رضي اهلل عنه‪ ،‬فدل ذلك على‬
‫أن السرة ليست عورة‪ ،‬وإمنا العورة ما بني السرة والركبة‪.‬‬
‫إ ًذا جيب على الرجل أن يلبس لباسا يسرت به ما بني السرة والركبة‪.‬‬

‫[عورة الرجل أمام المرأة]‬

‫وكذلك الرجل جيب عليه أن يسرت ما بني السرة والركبة أمام املرأة اْلجنبية عند مجهور الفقهاء‪ ،‬فيحرم‬
‫عليه أن يكشف ما بني السرة والركبة أمام النساء اْلجنبيات‪ .‬ويحرم على املرأة املسلمة أن تنظر إىل‬
‫الرجل اْلجنيب ما بني سرته وركبته‪ ،‬سواء كان ذلك مباشرة أو كان يف التلفاز أو يف اليوتيوب أو غري‬
‫ذلك‪.‬‬
‫المجلس األول من فقه اللباس والزينة‬

‫[عورة المرأة المسلمة أمام الرجال األجانب]‬

‫وأما النصف اآلخر الذي له أثر عظيم يف حفظ اجملتمع‪ :‬املرأة املسلمة اليت هلا مكانة عظيمة يف‬
‫اإلسالم وحق كبري على رجال اإلسالم‪ ،‬كرمها اإلسالم ورفع قدرها وكرم من يكرمها‪ ،‬املرأة جيب‬
‫عليها أن تسرت بدهنا كله أمام الرجال اْلجانب عند مجهور الفقهاء؛ نص على ذلك اْلنفية‪،‬‬
‫والشافعية يف اْلظهر من مذهبهم‪ ،‬واْلنابلة يف الصحيح من مذهبهم‪ ،‬ومجاعة من فقهاء املالكية‪،‬‬
‫وهذا الذي تدل عليه اْلدلة الشرعية‪:‬‬

‫اجك وب ناتِك ونِس ِاء ال ُمؤِمنِين يُدنِين علي ِه َّن ِمن‬


‫يقول اهلل عز وجل‪﴿ :‬يا أيُّها النَّبِ ُّي قُل ِّألزو ِ‬
‫يما [اْلحزاب‪ ،]59 :‬فاهلل‬ ‫جالبِيبِ ِه َّن ۖ ذلِك أدنى أن ي عرفن فال ي ؤذين ۖ وكان اللَّ ه غ ُف ِ‬
‫ورا َّرح ً‬
‫ُ ً‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫عز وجل يأمر نبيه صلى اهلل عليه وسلم أن يقول للنساء املسلمات‪ ،‬وعلى رأسهن أطهرهن‪،‬‬
‫وأشرفهن‪ ،‬وأعفهن‪ :‬أزواج وبنات النيب صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬فلو كان الشرف مانعا من هذا اْلمر‬
‫لكان اْلوىل بذلك زوجات رسول اهلل وبناته‪ ،‬لكن اهلل عز وجل أمر نبيه صلى اهلل عليه وسلم أن‬
‫يأمر أزواجه وبناته ونساء املؤمنني هبذا اْلمر العظيم الشريف ﴿يُدنِين علي ِه َّن ِمن جالبِيبِ ِه َّن ‪ ،‬فاملرأة‬
‫مأمورة بسرت شعرها وبسرت وجهها بداللة قوله سبحانه وتعاىل‪﴿ :‬يُدنِين علي ِه َّن ِمن جالبِيبِ ِه َّن ‪.‬‬

‫أيضا يدل على مشروعية سرت ووجوب سرت املرأة مجيع بدهنا أمام الرجل‪ ،‬قول اهلل عز وجل‪﴿ :‬وإِذا‬
‫وه َّن ِمن ور ِاء ِحجاب ۖ ذلِ ُكم أطه ُر لِ ُقلُوبِ ُكم وقُلُوبِ ِه َّن [اْلحزاب‪،]53 :‬‬
‫اعا فاسألُ ُ‬
‫وه َّن مت ً‬
‫سألتُ ُم ُ‬
‫وه َّن ِمن ور ِاء ِحجاب أمر‪ ،‬واْلمر يقتضي الوجوب‪ ،‬مب أمر ربنا‬ ‫فقول ربنا سبحانه وتعاىل ﴿فاسألُ ُ‬
‫سبحانه وتعاىل؟ أمر الرجل إذا احتاج أن يسأل املرأة شيئًا أو يتعامل مع املرأة‪ ،‬أن يكون ذلك من‬
‫وراء سات ٍر يسرتها عنه‪.‬‬

‫أيضا يدل لوجوب سرت الزينة على املرأة‪ ،‬وكل املرأة زينة‪ ،‬وأعظم زينتها وجهها‪ ،‬يدل لوجوب سرت‬
‫الزينة‪ ،‬قول اهلل عز وجل‪﴿ :‬ول يُب ِدين ِزينت ُه َّن إَِّل ما ظهر ِمن ها ۖ وليض ِربن بِ ُخ ُم ِرِه َّن على‬
‫ُجيُوبِ ِه َّن ۖ ول يُب ِدين ِزينت ُه َّن إَِّل لِبُ عُولتِ ِه َّن أو آبائِ ِه َّن أو آب ِاء بُعُولتِ ِه َّن أو أب نائِ ِه َّن أو أب ن ِاء‬
‫بُعُولتِ ِه َّن أو إِخوانِ ِه َّن أو بنِي إِخوانِ ِه َّن أو بنِي أخواتِ ِه َّن أو نِسائِ ِه َّن أو ما ملكت أيمانُ ُه َّن أ ِو‬
‫المجلس األول من فقه اللباس والزينة‬

‫ات النِّس ِاء ۖ ول‬


‫ال أ ِو الطِّف ِل الَّ ِذين لم يظهروا على عور ِ‬
‫ُ‬
‫الرج ِ‬ ‫التَّابِ ِعين غي ِر أُولِي ِ‬
‫اْلرب ِة ِمن ِّ‬
‫يض ِربن بِأر ُجلِ ِه َّن لِيُ علم ما يُخ ِفين ِمن ِزينتِ ِه َّن [اْلحزاب‪ ،]31 :‬اهلل أكرب ما أعظم هذه الصيانة‪،‬‬
‫املرأة هناها اهلل عز وجل عن أن تبدي زينتها إال ما ظهر منها مما غلبها‪ ،‬فما غلبها وانكشف هي‬
‫معذورة فيه ال تأمث وال تُذم‪ ،‬واهلل عز وجل ما قال‪ :‬إال ما أظهرن منها‪ .‬قال‪﴿ :‬إَِّل ما ظهر ِمن ها ‪،‬‬
‫فما غلب املرأة‪ :‬كأن جاء اهلواء فأطار جانبا من نقاهبا أو رفع شيئا من لباسها أو َنو ذلك‪ ،‬فإهنا ال‬
‫تؤاخذ بذلك وال تذم بذلك وال تأمث بذلك‪.‬‬
‫واملقصود‪ :‬ال يبدين زينتهن أمام الرجال اْلجانب؛ ْلن اهلل عز وجل قال بعد ذلك‪﴿ :‬ول يُب ِدين‬
‫ِزينت ُه َّن إَِّل لِبُ عُولتِ ِه َّن أو آبائِ ِه َّن إىل آخر ما استثناه اهلل عز وجل‪ ،‬فدل ذلك على أن النهي عن‬
‫إبداء الزينة إمنا هو أمام الرجال اْلجانب‪ ،‬مث انظر يف آخر اآلية ماذا قال ربنا سبحانه وتعاىل‪ ،‬قال‪:‬‬
‫﴿ول يض ِربن بِأر ُجلِ ِه َّن لِيُ علم ما يُخ ِفين ِمن ِزينتِ ِه َّن فإذا كانت املرأة منهية عن الضرب باْلرجل‬
‫خوفا من أن يُعلم ما يف رجلها من الزينة املستورة اليت قد تفنت؛ كخلخال يف رجلها أو َنو ذلك‪،‬‬
‫انظر‪ ،‬اخللخال هنا ال يُرى‪ ،‬فدل ذلك على أن املرأة تسرت رجلها لكنها هنيت كذلك عن أن تضرب‬
‫برجلها اْلرض حىت خيرج صوت ما يف رجلها فيعلم ما أخفته من هذه الزينة‪ ،‬إذا كانت املرأة مأمورة‬
‫ف فَ َنت‪ ،‬ال شك يف هذا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫هبذا‪ ،‬فمن باب أوىل أن تكون مأمورة بسرت ما إذا ُكش َ‬
‫أيضا جاء عن عبد اهلل بن مسعود رضي اهلل عنه أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال‪(( :‬المرأة‬
‫عورة)) واْلديث رواه الرتمذي وابن خزمية وابن حبان‪ ،‬وقوى إسناده اْلافظ ابن رجب‪ ،‬وصححه‬
‫اْللباين والوادعي‪ ،‬قال اإلمام الوادعي رمحه اهلل عز وجل وسائر علماء املسلمني‪ :‬على شرط مسلم‪.‬‬
‫وهذا اْلديث نص صحيح صريح يف كون املرأة كلها عورة؛ أي‪ :‬أمام الرجال اْلجانب‪ ،‬فيدل على‬
‫وجوب أن تسرت مجيع بدهنا‪.‬‬

‫جاء أيضا عن ابن عمر رضي اهلل عنهما أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال‪(( :‬ل تنتقب المرأة‬
‫المحرمة ول تلبس القفازين)) واْلديث عند البخاري يف الصحيح‪ ،‬فدل ذلك على أن غري احملرمة‬
‫كن ينتقنب فيغطني‬
‫تنتقب وتلبس القفازين‪ ،‬وأنه كان من شأن الصحابيات رضوان اهلل عليهن أهنن َّ‬
‫وجوههن وكن يلبسن القفازات‪ْ ،‬لن احملرم إمنا منع مما اعتاده أو من بعض ما اعتاده من اللباس‪.‬‬
‫المجلس األول من فقه اللباس والزينة‬

‫وجاء عن أمنا عائشة رضي اهلل عنها يف حكايتها ملا حدث يف قصة اإلفك‪ ،‬عندما جاء صفوان بن‬
‫املعطل رضي اهلل عنه وأرضاه‪ ،‬وقد ختلفت وراء اجليش كما هو معلوم لسبب حبثها عن قالدهتا قالت‪:‬‬
‫(فأصبح عند منزيل ‪-‬يعين‪ :‬عند املكان الذي أنا أنتظر فيه عودة الناس إيل‪ ،-‬فرأى سواد إنسان نائم‬
‫فخمرت وجهي جبلبايب) واْلديث عند البخاري‬
‫فأتاين وكان يراين قبل اْلجاب)‪ .‬ويف رواية‪َّ ( :‬‬
‫ومسلم‪.‬‬

‫وجاء يف رواية عند الطرباين (فسرتت وجهي عنه جبلبايب)‪.‬‬

‫إ ًذا قالت‪ :‬كان يراين قبل اْلجاب‪ ،‬مث فسرت هذا اْلجاب بفعلها وأهنا سرتت وجهها عنه‪ ،‬فدل‬
‫ذلك على أن سرت املرأة املسلمة وجهها أمام الرجال اْلجانب‪ :‬من اْلجاب الذي أُِمَر به نساء‬
‫املؤمنني‪.‬‬

‫وقد دلت على ذلك آثار كثرية منها ما جاء عن عروة رضي اهلل عنه أن أمنا عائشة رضي اهلل عنها‬
‫قالت‪( :‬يرحم اهلل نساء املهاجرات اْلَُول‪ ،‬ملا أنزل اهلل‪﴿ :‬وليض ِربن بِ ُخ ُم ِرِه َّن على ُجيُوبِ ِه َّن ۖ‬
‫شققن ُمروطَ ُه َّن فاختمرن هبا) رواه البخاري يف الصحيح‪.‬‬
‫وقول أمنا رضي اهلل عنها‪( :‬فاختمرن هبا)؛ أي‪ :‬غطني هبا وجوههن‪.‬‬

‫وجاء عن فاطمة بنت املنذر عن أمساء بنت أيب بكر رضي اهلل عنها وعن أبيها أهنا قالت‪( :‬كنا‬
‫نغطي وجوهنا من الرجال‪ ،‬وكنا منتشط قبل ذلك يف اإلحرام) رواه ابن خزمية واْلاكم وصححه‬
‫اْلاكم على شرط الشيخني ووافقه الذهيب‪ ،‬وصححه اْللباين يف إرواء الغليل‪.‬‬

‫فقوهلا‪( :‬وكنا نغطي وجوهنا من الرجال)؛ فيه دليل على أن هذا كان شأن النساء املسلمات يف زمن‬
‫النيب صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬فهذه أدلة ظاهرة بيّنة على أن املرأة جيب عليها أن تسرت مجيعا بدهنا‪.‬‬

‫نع أن توصف املرأة املسلمة اليت تكشف وجهها بفسق أو‬


‫نعم‪ ،‬خالف العلماء يف تغطية الوجه َمي ُ‬
‫تساهل أو َنو ذلك‪ ،‬وعموما ال أرى لإلنسان أن يتساهل يف إطالق اْلوصاف على املسلمني إال‬
‫مبقتضى شرعي ظاهر‪ ،‬لكن اْلدلة دالة على وجوب أن تسرت املرأة املسلمة وجهها‪ ،‬وما يضرها لو‬
‫سرتت وجهها بل حتفظ نفسها وحتفظ غريها‪.‬‬
‫المجلس األول من فقه اللباس والزينة‬

‫وواهلل إن املرأة إذا غطت وجهها امتأل قلبها باْلياء‪ ،‬وينزل اهلل يف قلبها من السعادة والطمأنينة ما اهلل‬
‫من اهلل عليها فسرتت وجهها تدرك هذا وتدرك الفرق يف‬
‫به عليم‪ ،‬ومن كانت تكشف وجهها مث ّ‬
‫حاهلا‪ ،‬يف قلبها ما بني ما قبل ذلك وما بعد ذلك‪.‬‬
‫وللشيخ اْلمني اإلمام احملقق املفسر صاحب أضواء البيان رمحه اهلل عز وجل حبث نفيس مجيل‪ ،‬حيسن‬
‫بنا أن نسمعه وأن نقرأه ملا فيه من التحقيق‪ ،‬ولعظيم اْلاجة إىل مساع ذلك‪.‬‬

‫ولعلي أبدا اجمللس التايل بقراءة ما كتبه الشيخ اْلمني رمحه اهلل عز وجل عن حجاب املؤمنة يف أضواء‬
‫البيان‪ ،‬والتعليق عليه بأشياء خفيفة إن شاء اهلل عز وجل ملا فيه من اخلري العظيم‪.‬‬

‫أسأل اهلل عز وجل أن يفقهنا يف دينه وأن جيعلنا ممن يعمل الصاْلات ويسعى يف درء الفنت ويسعى‬
‫يف نشر اخلري بني املسلمني‪.‬‬
‫نسرتيح قليال إن شاء اهلل عز وجل مث نعود إىل اجمللس الثاين من جمالس هذه الدورة اليت أسأل اهلل عز‬
‫وجل أن جيعل فيها خريا كثريا‪ ،‬واهلل تعاىل أعلى وأعلم وصلى اهلل على نبينا وسلم‪.‬‬
‫المجلس الثاني من فقه اللباس والزينة‬

‫احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم األمتان األكمالن على املبعوث رمحة للعاملني وعلى آله‬
‫وصحبه أمجعني‪ ،‬أما بعد‪:‬‬

‫فأحبيت يف اهلل إخواين وأخوايت هذا هو اجمللس الثاين من جمالس هذه الدورة العلمية الثالثة من سلسلة‬
‫دورات فقه األسرة؛ وهي الدورة املنعقدة يف فقه اللباس والزينة‪.‬‬
‫وقد تقدم الكالم عن أن اللباس من حيث حكمه‪ ،‬منه ما جيب على املسلم واملسلمة‪ ،‬ومنه ما هو‬
‫كمال ومستحب‪ ،‬ومنه ما هو مباح‪.‬‬

‫وقلنا‪ :‬إن الواجب من اللباس هو ما يسرت العورة اليت جيب سرتها‪ ،‬وتكلمنا عن عورة الرجل اليت جيب‬
‫سرتها‪ ،‬وتكلمنا عن عورة املرأة مع الرجال‪ ،‬وذكرنا أن الراجح من أقوال أهل العلم‪ :‬أن املرأة جيب‬
‫عليها أن تسرت مجيع بدهنا أمام الرجال األجانب‪ ،‬وأن وجه املرأة على الراجح من أقوال أهل العلم‬
‫جيب سرته عن الرجال األجانب‪.‬‬

‫واملعلوم أن سرت وجه املرأة حمل خالف بني فقهاء اإلسالم‪ ،‬وبني العلماء املسلمني قديما وحديثما‪.‬‬

‫وذكرت يف مبتدأ اجمللس األول أنه ليس غرضنا أن نبسط خالفات الفقهاء يف هذه الدورة؛ وإمنا‬
‫املقصود أن نشري إىل األحكام الراجحة‪ ،‬أو األحكام املتفق عليها مبا تدل عليها األدلة الشرعية من‬
‫غري دخول يف دقائق اخلالف الفقهي‪.‬‬

‫غري أين أشري هنا إىل أن من رجح من أقوال أهل العلم أن سرت وجه املرأة ليس بواجب ال ُيمل عليه‪،‬‬
‫وال يُتهم إذا كان من علماء املسلمني الذين ُشهد هلم بالعلم؛ بل هذه مسألة فقهية‪ ،‬ومن رجح‬
‫بالدليل فال يُعاب‪.‬‬

‫وكذا املرأة املسلمة لو ظهر هلا أن الراجح أن سرت الوجه ليس بواجب؛ فإهنا ال تُعاب وال تُنبز‪ ،‬وال‬
‫ُيمل عليها‪ ،‬ولكن حنن نذكر الذي ترجح عندنا‪ ،‬وظهر لنا من األدلة الشرعية‪.‬‬

‫كالما لإلمام املفسر الفقيه األصويل املدقق الشيخ األمني‬


‫وقد وعدت يف آخر اجمللس األول أن أنقل م‬
‫صاحب [أضواء البيان] رمحه اهلل عز وجل يف هذه املسألة؛ وذلك لنفاسة ما ذكر؛ حيث ذكر رمحه‬
‫المجلس الثاني من فقه اللباس والزينة‬

‫اهلل عز وجل يف أضواء البيان حكم احلجاب بسرت الوجه‪ ،‬وقال رمحه اهلل‪( :‬اعلم أن احلجاب واجب‬
‫بداللة القرآن على مجيع النساء)‪.‬‬

‫واحلجاب من حيث هو حمل إمجاع؛ أنه واجب‪ ،‬لكن الشيخ رمحه اهلل عز وجل هنا يتكلم عن‬
‫احلجاب بسرت الوجه‪.‬‬

‫قال‪( :‬واعلم أنا يف هذا املبحث نريد أن نذكر األدلة القرآنية على وجوب احلجاب على العموم‪ ،‬مث‬
‫األدلة من السنة‪ ،‬مث نناقش أدلة الطرفني‪ ،‬ونذكر اجلواب عن أدلة من قالوا بعدم وجوب احلجاب على‬
‫غري أزواجه صلى اهلل عليه وسلم ‪-‬وأُذكر أن املقصود باحلجاب هنا سرت الوجه‪ -‬وقد ذكرنا آن مفا أن‬
‫َطه ُر لِ ُقلوبِ ُكم﴾ [األحزاب‪ ]53 :‬قرينة على عموم حكم آية احلجاب)‪.‬‬ ‫ِ‬
‫قوله ﴿ذل ُكم أ َ‬
‫قال رمحه اهلل‪( :‬ومن األدلة القرآنية على احتجاب املرأة وسرتها مجيع بدهنا حىت وجهها قوله تعاىل‪:‬‬
‫ن﴾ [األحزاب‪:‬‬‫دنين َعلَي ِه َّن ِمن َجالبيبِ ِه َّ‬ ‫ساء ِ‬‫ك ونِ ِ‬ ‫َزواج َ ِ‬ ‫﴿يا أَيُّ َها النَّبِ ُّي قُل ِِل ِ‬
‫نين يُ َ‬
‫المؤم َ‬
‫ُ‬ ‫ك َوبَنات َ َ‬
‫‪.]59‬‬
‫دنين َعلَي ِه َّن ِمن َجالبيبِ ِه َّن﴾ أهنن يسرتن هبا مجيع‬
‫فقد قال غري واحد من أهل العلم إن معىن ﴿يُ َ‬
‫وجوههن وال يظهر منهن شيء إال عني تبصر هبا؛ وممن قال به‪ :‬ابن مسعود وابن عباس وعبيدة‬
‫وغريهم‪.‬‬
‫دنين َعلَي ِه َّن ِمن َجالبيبِ ِه َّن﴾ ال يستلزم معناه سرت‬
‫فإن قيل لفظ اآلية الكرية؛ وهو قوله تعاىل‪﴿ :‬يُ َ‬
‫الوجه لغةم‪ ،‬ومل يرد نص من كتاب وال سنة وال إمجاع على استلزامه ذلك‪ ،‬وقول بعض املفسرين‪( :‬إنه‬
‫عارض بقول بعضهم‪( :‬إنه ال يستلزمه)‪ ،‬وهبذا يسقط االستدالل باآلية على وجوب سرت‬
‫يستلزمه)‪ُ .‬م َ‬
‫الوجه‪.‬‬
‫دنين َعلَي ِه َّن ِمن َجالبيبِ ِه َّن﴾‬
‫فاجلواب‪ :‬أن يف اآلية الكرية قرينةم واضحةم على أن قوله تعاىل فيها‪﴿ :‬يُ َ‬
‫يدخل يف معناه سرت وجوههن بإدناء جالبيبهن عليها‪ ،‬والقرينة املذكورة هي قوله تعاىل‪﴿ :‬قُل‬
‫ك﴾‪ ،‬ووجوب احتجاب أزواجه وسرتهن وجوههن ال نزاع فيه بني املسلمني؛ فذكر األزواج مع‬ ‫ِِل ِ‬
‫َزواج َ‬
‫البنات ونساء املؤمنني؛ ليدل على وجوب سرت الوجوه بإدناء اجلالبيب كما ترى‪.‬‬
‫المجلس الثاني من فقه اللباس والزينة‬

‫بدين زينَتَ ُه َّن إِّال ما ظَ َه َر ِمنها﴾ [النور‪ ]31 :‬من أن‬


‫أيضا قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬وال يُ َ‬
‫ومن األدلة على ذلك م‬
‫استقراء القرآن يدل على أن معىن ﴿إِّال ما ظَ َه َر ِمنها﴾ العباءة فوق الثياب‪ ،‬وأنه ال يصح تفسري‬
‫﴿إِّال ما ظَ َه َر ِمنها﴾ بالوجه والكفني‪.‬‬
‫دنين َعلَي ِه َّن ِمن َجالبيبِ ِه َّن﴾‬
‫واعلم أن قول من قال إنه قد قامت قرينة قرآنية على أن قوله تعاىل‪﴿ :‬يُ َ‬
‫ن﴾ [األحزاب‪:‬‬ ‫عرف َ‬ ‫ال يدخل فيه سرت الوجه‪ ،‬وأن القرينة املذكورة هي قوله تعاىل‪﴿ :‬ذلِ َ‬
‫ك أَدنى أَن يُ َ‬
‫‪.]59‬‬

‫فن﴾ على أهنن سافرات كاشفات عن وجوههن؛ ألن‬


‫عر َ‬ ‫قال‪ :‬وقد دل قوله تعاىل‪﴿ :‬ذلِ َ‬
‫ك أَدنى أَن يُ َ‬
‫منعا باتًّا؛ ألن قوله‬
‫اليت تسرت وجهها ال تُعرف؛ قال‪ :‬هذا باطل وبطالنه واضح وسياق اآلية ينعه م‬
‫دنين َعلَي ِه َّن ِمن َجالبيبِ ِه َّن﴾ صريح يف منع ذلك‪ ،‬وإيضاحه أن اإلشارة يف قوله‪﴿ :‬ذلِ َ‬
‫ك أَدنى‬ ‫﴿يُ َ‬
‫وإدناؤهن عليهن من جالبيبهن ال يكن حبال‬‫فن﴾ راجعة إىل إدنائهن عليهن من جالبيبهن‪ُ ،‬‬ ‫عر َ‬
‫أَن يُ َ‬
‫أن يكون أدىن أن يُعرفن بسفورهن وكشفهن عن وجوههن كما ترى‪.‬‬
‫فإدناء اجلالبيب مناف لكون املعرفة‪ ،‬معرفةم شخصيةم بالكشف عن الوجوه كما ال خيفى‪.‬‬
‫ك﴾ دليل م‬
‫أيضا على أن املعرفة املذكورة يف اآلية ليست‬ ‫وقوله سبحانه يف اآلية الكرية‪﴿ :‬ل ِِأ ِ‬
‫َزواج َ‬
‫بكشف الوجوه؛ ألن احتجاهبن ال خالف فيه بني املسلمني‪.‬‬
‫واحلاصل‪ :‬أن القول املذكور تدل على بطالنه أدلة متعددة‪:‬‬
‫اِلول‪ :‬سياق اآلية كما أوضحناه آنفا‪.‬‬
‫ك﴾ كما أوضحناه أيضا‪.‬‬ ‫الثاني‪ :‬قوله‪ِِ ﴿ :‬ل ِ‬
‫َزواج َ‬
‫الثالث‪ :‬أن عامة املفسرين من الصحابة فمن بعدهم‪ ،‬فسروا اآلية مع بياهنم سبب نزوهلا‪ ،‬بأن نساء‬
‫أهل املدينة كن خيرجن بالليل لقضاء حاجتهن خارج البيوت‪ ،‬وكان باملدينة بعض الفساق يتعرضون‬
‫لإلماء وال يتعرضون للحرائر‪ ،‬وكان بعض نساء املؤمنني خيرجن يف زي ليس متميزا عن زي اإلماء‪،‬‬
‫فيتعرض هلن أولئك الفساق من املنافقني باألذى‪ ،‬ظنا منهم أهنن إماء‪.‬‬
‫فأمر اهلل نبيه صلى اهلل عليه وسلم أن يأمر أزواجه وبناته ونساء املؤمنني أن يتميزن يف زيهن عن زي‬
‫اإلماء‪ ،‬وذلك بأن يدنني عليهن من جالبيبهن؛ فإذا فعلن ذلك ورآهن الفساق علموا أهنن حرائر‪،‬‬
‫المجلس الثاني من فقه اللباس والزينة‬

‫فن﴾ فهي معرفة بالصفة ال‬ ‫عر َ‬ ‫ومعرفتهم بأهنن حرائر ال إماء‪ ،‬هو معىن قوله تعاىل‪﴿ :‬ذلِ َ‬
‫ك أَدنى أَن يُ َ‬
‫دنين َعلَي ِه َّن ِمن‬
‫بالشخص‪ ،‬وهذا التفسري منسجم مع ظاهر القرآن كما ترى‪ ،‬فقوله سبحانه‪﴿ :‬يُ َ‬
‫َجالبيبِ ِه َّن﴾؛ ألن إدناءهن عليهن من جالبيبهن يُشعر بأهنن حرائر‪ ،‬فهو أدىن وأقرب ألن يُعرفن؛‬
‫أي‪ :‬يُعلم أهنن حرائر‪ ،‬فال يؤذين من قبل الفساق الذين يتعرضون لإلماء‪.‬‬
‫ض‬‫وهذا هو الذي فسر به أهل العلم بالتفسري هذه اآلية‪ ،‬وهو واضح‪ ،‬وليس املراد منه أن تَ َعر َ‬
‫الفساق لإلماء جائز إذ هو حرام بال شك‪ ،‬وال شك أن املتعرضني هلن من الذين يف قلوهبم مرض‬
‫ين فِي قُلُوبِ ِهم َّم َرض﴾ [األحزاب‪]60 :‬‬ ‫َّ ِ‬
‫ومن الذين يدخلون يف عموم قوله‪َ ﴿ :‬والذ َ‬
‫ومما يدل على أن املتعرض ملا ال يل من النساء من الذين يف قلوهبم مرض‪ ،‬قول اهلل عز وجل‪﴿ :‬فَ َال‬
‫َّ ِ ِ ِ ِ‬ ‫تَ ْخ َ ِ ِ‬
‫معىن معروف يف كالم العرب‪.‬‬‫ض ْع َن بالْ َق ْول فَ يَط َْم َع الذي في قَ ْلبه َم َرض﴾ [األحزاب‪]32 :‬وذلك م‬
‫ويف اجلملة‪ ،‬فال إشكال يف أمر احلرائر مبخالفة زي اإلماء ليهاهبن الفساق‪ ،‬ودفع ضرر الفساق عن‬
‫اإلماء الزم‪ ،‬وله أسباب أخر ليس منها إدناء اجلالبيب)‪.‬‬

‫مث قال رمحه اهلل‪( :‬ومن األدلة على أن حكم آية احلجاب عام‪ :‬هو ما تقرر يف األصول‪ ،‬من أن‬
‫خطاب الواحد يَعُم حكمه مجيع األمة‪ ،‬وال خيتص احلكم بذلك الواحد املخاطب‪ ،‬وقد أوضحنا هذه‬
‫املسألة يف سورة احلج‪ .‬وهذا معروف عند األصوليني‪.‬‬

‫وهبذه القاعدة األصولية اليت ذكرنا‪ ،‬تعلم أن حكم آية احلجاب عام‪ ،‬وإن كان لفظها خاصا بأزواجه‬
‫صلى اهلل عليه وسلم؛ ألن قوله صلى اهلل عليه وسلم المرأة واحدة من أزواجه‪ ،‬أو من غريهن‪ ،‬كقوله‬
‫ِّس ِاء‬ ‫ِ ِ‬
‫ملائة امرأة كما علم‪ ،‬ومن األدلة القرآنية الدالة على احلجاب قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬والْ َق َواع ُد م َن الن َ‬
‫ض ْع َن ثِيَابَ ُه َّن غَْي َر ُمتَبَ ِّر َجات بِ ِزينَة ۖ َوأَن‬
‫س َعلَْي ِه َّن ُجنَاح أَن يَ َ‬
‫احا فَ لَْي َ‬
‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫الالتي َال يَ ْر ُجو َن ن َك ً‬
‫يَ ْستَ ْع ِف ْف َن َخ ْي ر لَّ ُه َّن ۖ َواللَّ هُ َس ِميع َعلِيم﴾ [النور‪ ،]60 :‬ألن اهلل جل وعال بني يف هذه اآلية الكرية‬
‫أن القواعد؛ أي‪ :‬العجائز الاليت ال يرجون نكاحا؛ أي‪ :‬ال يطمعن يف النكاح لكرب السن وعدم‬
‫حاجة الرجال إليهن‪ ،‬يَُرخص هلن برفع اجلُناح عنهن يف وضع ثياهبن‪ ،‬بشرط كوهنن غري متربجات‬
‫بزينة‪.‬‬
‫مث إنه جل وعال مع هذا كله قال‪َ ﴿ :‬وأَن يَ ْستَ ْع ِف ْف َن َخ ْي ر لَّ ُه َّن﴾؛ أي‪ :‬يستعففن عن وضع الثياب‬
‫المجلس الثاني من فقه اللباس والزينة‬

‫خري هلن؛ أي‪ :‬واستعفافهن عن وضع ثياهبن مع كرب سنهن‪ ،‬وانقطاع طمعهن يف التزوج‪ ،‬وكوهنن غري‬
‫متربجات بزينة‪ ،‬خري هلن‪.‬‬
‫ض ْع َن ثِيَابَ ُه َّن﴾ أنه وض ُع ما يكون فوق اخلمار والقميص من اجلالبيب‬ ‫وأظهر األقوال يف قوله‪﴿ :‬أَن يَ َ‬
‫اليت تكون فوق اخلمار والثياب‪ .‬فقوله جل وعال يف هذه اآلية الكرية‪َ ﴿ :‬وأَن يَ ْستَ ْع ِف ْف َن َخ ْي ر لَّ ُه َّن﴾‬
‫دليل واضح على أن املرأة اليت فيها مجال وهلا طمع يف النكاح‪ ،‬ال يرخص هلا يف وضع شيء من ثياهبا‬
‫وال اإلخالل بشيء من التسرت حبضرة األجانب‪.‬‬

‫ت ما ذكرنا‪ ،‬أن حكم آية احلجاب عام‪ ،‬وأن ما ذكرنا معها من اآليات‬
‫مث قال رمحه اهلل‪( :‬وإذا َعلم َ‬
‫فيه الداللة على احتجاب مجيع بدن املرأة عن الرجال األجانب‪ ،‬علمت أن القرآن دل على‬
‫احلجاب‪- ،‬أي‪ :‬على سرت الوجه‪ ،-‬ولو فرضنا أن آية احلجاب خاصة بأزواجه صلى اهلل عليه وسلم‪،‬‬
‫فال شك أهنن خري أسوة لنساء املسلمني يف اآلداب الكرية املقتضية للطهارة التامة والبعد عن الريبة؛‬
‫فمن ياول منع نساء املسلمني من االقتداء هبن يف هذا األدب السماوي الكرمي املتضمن الطهارة‪،‬‬
‫غاش ألمة حممد صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬

‫أيضا‬
‫واعلم أنه مع داللة القرآن على احتجاب املرأة عن الرجال األجانب‪ ،‬فقد دلت على ذلك م‬
‫أحاديث نبوية؛ فمن ذلك ما أخرجه الشيخان يف صحيحيهما وغريمها من حديث عقبة بن عامر‬
‫اجلهين رضي اهلل عنه‪ :‬أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال‪(( :‬إياكم والدخول على النساء)) فقال‬
‫رجل من األنصار‪ :‬يا رسول اهلل‪ :‬أفرأيت احلمو؟ فقال صلى اهلل عليه وسلم‪(( :‬الحمو الموت))‪.‬‬

‫قال رمحه اهلل‪( :‬أخرج البخاري هذا احلديث يف كتاب النكاح‪ ،‬يف باب‪[ :‬ال خيلون رجل بامرأة إال‬
‫ومعها ذو حمرم]‪ ،‬ومسلم يف كتاب السالم‪ ،‬يف باب‪[ :‬حترمي اخللوة باألجنبية والدخول عليها]‪.‬‬

‫فهذا احلديث الصحيح صر َح فيه النيب صلى اهلل عليه وسلم بالتحذير الشديد من الدخول على‬
‫النساء؛ فهو دليل واضح على منع الدخول عليهن وسؤاهلن متاعا إال من وراء حجاب؛ ألن من سأهلا‬
‫متاعا ال من وراء حجاب‪ ،‬فقد دخل عليها‪- ،‬أي‪ :‬مع اخللوة‪ -‬وقد حذره النيب صلى اهلل عليه وسلم‬
‫من الدخول عليها –أي‪ :‬مع اخللوة‪ -‬وملا سأله األنصاري عن احلمو الذي هو قريب الزوج الذي‬
‫المجلس الثاني من فقه اللباس والزينة‬

‫ليس حمرما لزوجته ‪،‬كأخيه وابن أخيه وعمه وابن عمه وحنو ذلك‪ ،‬قال صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬
‫((الحمو الموت))‪ .‬فسمى النيب صلى اهلل عليه وسلم دخول قريب الرجل على امرأته وهو غري حمرم‬
‫هلا باسم املوت‪- ،‬أي‪ :‬مع اخللوة‪ -‬وال شك أن تلك العبارة هي أبلغ عبارات التحذير؛ ألن املوت‬
‫هو أفظع حادث يأيت على اإلنسان يف الدنيا‪ ،‬فتحذيره صلى اهلل عليه وسلم هذا التحذير البالغ من‬
‫دخول الرجال على النساء خبلوة‪ ،‬وتعبريه عن دخول القريب على زوجة قريبه خبلوة باسم املوت‪ ،‬دليل‬
‫وه َّن ِمن َوَر ِاء ِح َجاب﴾ [األحزاب‪ ]53 :‬عام يف مجيع النساء‪ ،‬إذ لو‬
‫اسأَلُ ُ‬
‫صريح على أن قوله تعاىل‪﴿ :‬فَ ْ‬
‫خاصا بأزواجه صلى اهلل عليه وسلم ملا حذر الرجال هذا التحذير البالغ العام من‬ ‫كان حكمه ًّ‬
‫ديدا‪.‬‬
‫الدخول على النساء خبلوة‪ ،‬وظاهر احلديث يف منع الدخول عليهن وحترمي ذلك حتريما ش م‬
‫قال ابن حجر يف فتح الباري يف شرح احلديث‪(( :‬إياكم والدخول)) بالنصب على التحذير‪ ،‬وهو‬
‫تنبيه املخاطب على حمذور ليتحرز عنه‪ ،‬كما قيل‪ :‬إياك واألسد‪.‬‬
‫وقوله‪(( :‬إياكم)) مفعول لفعل ُمضمر تقديره‪ :‬اتقوا‪ ،‬وتقدير الكالم‪ :‬اتقوا أنفسكم أن تدخلوا على‬
‫النساء‪ ،‬والنساء أن يدخلن عليكم‪.‬‬
‫ض ِربْ َن بِ ُخ ُم ِرِه َّن َعلَى ُجيُوبِ ِه َّن﴾ [النور‪،]31 :‬‬
‫باب‪َ ﴿ :‬ولْيَ ْ‬
‫قال‪ :‬وقال البخاري رمحه اهلل يف صحيحه‪ُ :‬‬
‫قال ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي اهلل عنها قالت‪( :‬يرحم اهلل نساء املهاجرات األول؛ ملا‬
‫ض ِربْ َن بِ ُخ ُم ِرِه َّن َعلَى ُجيُوبِ ِه َّن﴾ شققن مروطهن فاختمرن هبا)‪.‬‬
‫أنزل اهلل‪َ ﴿ :‬ولْيَ ْ‬
‫ض ِربْ َن بِ ُخ ُم ِرِه َّن َعلَى‬
‫وروى بإسناده أن عائشة رضي اهلل عنها كانت تقول ملا نزلت هذه اآلية‪َ ﴿( :‬ولْيَ ْ‬
‫ُجيُوبِ ِه َّن﴾ أخذن أُُزَرُهن فشققنها من قبل احلواشي فاختمرن هبا)‪.‬‬
‫قال ابن حجر يف شرح هذا احلديث يف قوله‪( :‬فاختمرن)؛ أي‪ :‬غطني وجوههن؛ وصفة ذلك أن‬
‫تضع اخلمار على رأسها وترميه من اجلانب األين على العاتق األيسر وهو التقنع‪.‬‬
‫قال الفراء‪( :‬كانوا يف اجلاهلية تسدل املرأة مخارها من ورائها وتكشف ما قدامها‪- ،‬أي‪ :‬تكشف‬
‫وجهها‪ ،-‬فأُمرن باالستتار)‪.‬‬
‫قال الشيخ رمحه اهلل‪( :‬وهذا احلديث الصحيح صريح يف أن النساء الصحابيات املذكورات فيه‪ ،‬فهمن‬
‫ض ِربْ َن بِ ُخ ُم ِرِه َّن َعلَى ُجيُوبِ ِه َّن﴾ يقتضي سرت وجوههن‪ ،‬وأهنن شققن أزرهن‬
‫أن قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬ولْيَ ْ‬
‫المجلس الثاني من فقه اللباس والزينة‬

‫ض ِربْ َن بِ ُخ ُم ِرِه َّن َعلَى‬


‫امتثاال ألمر اهلل يف قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬ولْيَ ْ‬
‫فاختمرن؛ أي‪ :‬سرتن وجوههن هبا م‬
‫ُجيُوبِ ِه َّن﴾ املقتضي سرت وجوههن‪ ،‬وهبذا يتحقق املنصف أن احتجاب املرأة عن الرجال وسرتها‬
‫وجهها عنهم ثابت يف السنة الصحيحة املفسرة لكتاب اهلل تعاىل‪.‬‬
‫وقد أثنت عائشة رضي اهلل عنها على تلك النساء مبسارعتهن المتثال أوامر اهلل يف كتابه‪ ،‬ومعلوم أهنن‬
‫ض ِربْ َن بِ ُخ ُم ِرِه َّن َعلَى ُجيُوبِ ِه َّن﴾ إال من النيب صلى اهلل عليه‬
‫ما فهمن سرت الوجوه من قوله‪َ ﴿ :‬ولْيَ ْ‬
‫وسلم؛ ألنه موجود وهن يسألنه عما يشكل عليهن يف دينهن)‪.‬‬

‫مث استمر الشيخ رمحه اهلل عز وجل يدلل باألحاديث من السنة على وجوب سرت النساء لوجوههن‪ ،‬مث‬
‫ذكر األدلة اليت استدل هبا من قال إن سرت الوجه ليس بواجب على املرأة‪ ،‬ورد عليها وبني عدم‬
‫داللتها على املقصود‪ ،‬بأسلوب علمي متني‪ ،‬والشيخ مفسر فقيه أصويل وهو يف الفقه على املذهب‬
‫املالكي رمحه اهلل عز وجل‪ ،‬وهو كاحملققني من علماء املالكية كابن عبد الرب وغريه من علماء املالكية‬
‫الكبار الذين يرجحون حبسب الدليل‪ ،‬وإذا ظهرت السنة قالوا هبا‪.‬‬

‫وإين أوصي طالب العلم بالرجوع إىل هذا املبحث النفيس الذي ذكرت طرفما منه‪ ،‬مع شيء من‬
‫وخريا وهدى‪.‬‬
‫التصرف يف أضواء البيان‪ ،‬فإن فيه بيانما م‬
‫إذن تبني لنا باألدلة أن املرأة املسلمة أمام الرجال األجانب كلها عورة‪ ،‬وأنه جيب عليها أن تسرت‬
‫مجيع بدهنا‪ ،‬هذا هو الراجح من أقوال العلماء‪.‬‬

‫وإني ِلهمس ِلخواتي الفاضالت الالتي ال يرين وجوب تغطية الوجه بأمور‪:‬‬

‫اِلمر اِلول‪ :‬أنه حىت وإن قال بعض العلماء‪ :‬إن املرأة ال جيب عليها أن تسرت وجهها‪ ،‬فإنه مل يقل‬
‫أحد من أهل العلم إن املرأة يرم عليها أن تسرت وجهها؛ بل إن من العلماء الذين قالوا بعدم وجوب‬
‫سرت الوجه على املرأة قالوا‪ :‬إنا مع قولنا هبذا القول نأمر نساءنا بسرت وجوههن‪ ،‬وال سيما مع وجود‬
‫الفنت‪.‬‬
‫المجلس الثاني من فقه اللباس والزينة‬

‫اِلمر الثاني‪ :‬أن الشافعية وكثري منهم يقولون بعدم وجوب سرت املرأة وجهها‪ ،‬ويرون أن املرأة ال جيوز‬
‫ين وجهها‬
‫هلا أن تغطي وجهها يف احلج حال اإلحرام‪ ،‬مع ذلك ماذا قالوا؟ قالوا‪ :‬يستحب هلا أن ُحتَ َ‬
‫وأن تصيب وجهها باحلناء‪ ،‬ملاذا؟ ليسرت لون احلناء وجهها أمام الرجال حال إحرامها‪.‬‬

‫اِلمر الثالث‪ :‬احذري أيتها األخت املباركة‪ ،‬يا أخية احذري من التربج بالزينة حال كشف الوجه‪،‬‬
‫فإن التربج بالزينة وإظهار الزينة حرام حىت عند القائلني بعدم وجوب سرت املرأة وجهها‪.‬‬

‫واِلمر الرابع‪ :‬إياك وخطوات الشيطان؛ فإن الشيطان أتى لبعض أخواتنا‪ ،‬فبعد أن كشفت وجهها‬
‫ألهنا تعتقد أنه ليس حبرام‪ ،‬جاءها الشيطان فأظهرت بعض شعرها وأرخت غطاء رأسها‪ ،‬وال يزال‬
‫يدفعه إىل اخللف‪ ،‬فلتحذر املؤمنة خطوات الشيطان يف هذا الباب‪ ،‬فإذا كانت ترى عدم وجوب سرت‬
‫املرأة وجهها‪ ،‬فإياها أن متتد يدها إىل غري ذلك من شعر وحنو ذلك‪.‬‬

‫إذما فرغنا من عورة املرأة املسلمة أمام الرجال األجانب‪ ،‬وبالتايل عرفنا أنه يجب عليها أن تلبس م‬
‫لباسا‬
‫يغطي بدهنا كله على الراجح من أقوال العلماء‪.‬‬

‫[عورة المرأة المسلمة أمام محارمها]‬

‫طيب‪ ،‬إذا كان الرجال من حمارمها؛ كاالبن واألخ والعم واخلال‪ ،‬فما عورهتا أمامهم؟ وما الذي جيب‬
‫لباسا يغطيه‪.‬‬
‫عليها أن تسرته؟ وبالتايل جيب أن تكون البسةم م‬
‫الراجح من أقوال أهل العلم أنه جيوز للمرأة أن تكشف أمام حمارمها ما جرت العادة بكشفه عند أهل‬
‫الفطر السليمة‪ ،‬ليس عند أهل التربج والذين ال يبالون بشيء‪ ،‬وإمنا عند أهل الفطر السليمة‪ ،‬وهذا قد‬
‫خيتلف من بلد إىل بلد يف أشياء بسيطة‪.‬‬
‫كذلك جيوز هلا أن تكشف ما يشق عليها أن تسرته مع احلرص على سرته؛ كاملرأة اليت ترضع إذا‬
‫احتاجت أن ترضع ولدها فتخرج ثديها لرتضع‪ ،‬فتحرص على أن تغطي ثديها أثناء اإلرضاع‪ ،‬وال‬
‫ينبغي التساهل وال جيوز التساهل يف كشف ما يزيد على ذلك أمام احملارم‪ ،‬بل هذا من أسباب الشر‬
‫وأسباب امتطاء الشيطان لبعض الناس‪ ،‬إىل درجة الوقوع والعياذ باهلل يف زنا احملارم‪ ،‬وقد سئلت مر مارا‬
‫عن أمور واهلل يقف هلا الشعر‪ ،‬بسبب التساهل يف كشف ما ال جيوز كشفه أمام احملارم‪ ،‬فبعض‬
‫المجلس الثاني من فقه اللباس والزينة‬

‫النساء يلبسن أمام حمارمهن ما يسمى بالشورت أو اهلوت شورت أو حنو ذلك مما يسمونه‪ ،‬وهذا واهلل‬
‫أيضا سبب للفتنة وللوقوع يف شر عظيم يف األسر‪ ،‬ولو قلنا ما نعلمه من‬
‫حمرم ال شك فيه‪ ،‬وهو م‬
‫شديدا‪ ،‬حىت أنه ال يكاد يصدق‪.‬‬
‫أسئلة الناس يف هذا الباب لعجب الناس عجبما م‬
‫فالشاهد أن الراجح من أقوال أهل العلم أن املرأة جيوز هلا أن تكشف أمام حمارمها من الرجال ما‬
‫يظهر غالبما‪ ،‬وما جرت عادة أهل الفطر السليمة اليت مل تتلوث بكشفه أمام احملارم‪ ،‬وقد مسعنا قول‬
‫ض ِربْ َن بِ ُخ ُم ِرِه َّن َعلَى ُجيُوبِ ِه َّن ۖ‬ ‫ين ِزينَتَ ُه َّن إَِّال َما ظَ َه َر ِم ْن َها ۖ َولْيَ ْ‬ ‫ِ‬
‫ربنا سبحانه وتعاىل‪َ ﴿ :‬وَال يُ ْبد َ‬
‫ين ِزينَتَ ُه َّن إَِّال لِبُ عُولَتِ ِه َّن أ َْو آبَائِ ِه َّن أ َْو آبَ ِاء بُعُولَتِ ِه َّن أ َْو أَبْ نَائِ ِه َّن أ َْو أَبْ نَ ِاء بُعُولَتِ ِه َّن أ َْو‬ ‫ِ‬
‫َوَال يُ ْبد َ‬
‫ين غَْي ِر أُولِي‬ ‫ِِ‬
‫ت أَيْ َمانُ ُه َّن أَ ِو التَّابع َ‬ ‫سائِ ِه َّن أ َْو َما َملَ َك ْ‬ ‫ِ‬ ‫إِ ْخوانِ ِه َّن أَو بنِي إِ ْخوانِ ِه َّن أَو بنِي أ َ ِ‬
‫َخ َوات ِه َّن أَ ْو ن َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫ِّس ِاء﴾ [النور‪ ،]31 :‬ففي هذه اآلية‬ ‫ِ‬
‫ين لَ ْم يَظ َْه ُروا َعلَى َع ْوَرات الن َ‬
‫َّ ِ‬
‫الر َجال أَ ِو الطِّْف ِل الذ َ‬
‫اْل ْربَِة ِمن ِّ ِ‬
‫َ‬ ‫ِْ‬
‫دليل على أنه جيوز للمرأة أن تظهر زينتها لزوجها‪ ،‬وجيوز هلا أن تظهر زينتها حملارمها؛ والزينة اليت‬
‫تظهرها هو ما يظهر غالبما‪ ،‬وما جرت عادة أهل الفطر السليمة بكشفه أمام الرجال احملارم‪.‬‬

‫أيضا يدل لذلك من السنة أنه جاءت سهلة بنت سهيل وهي امرأة أيب حذيفة رضي اهلل عنهما‬
‫و م‬
‫فقالت‪ :‬يا رسول هلل إنا كنا نرى ساملا و ملدا‪ ،‬فكان يأوي معي ومع أيب حذيفة يف بيت واحد‪ ،‬ويراين‬
‫م‬
‫علمت‪ ،‬فكيف‬
‫َ‬ ‫فُض مال –أي‪ :‬يراين متبذلة يف ثياب مهنيت يف بييت‪ -‬وقد أنزل اهلل عز وجل فيهم ما قد‬
‫ترى فيه؟ فقال هلا النيب صلى اهلل عليه وسلم‪(( :‬فأرضعيه خمس رضعات))‪ ،‬فكان مبنزلة ولدها من‬
‫الرضاعة‪ .‬واحلديث رواه أبو داود والنسائي‪ ،‬وصححه مجاعة من أهل العلم منهم ابن حزم ومنهم ابن‬
‫العريب ومنهم ابن حجر ومنهم األلباين رحم اهلل اجلميع‪.‬‬
‫واحلديث موضع الشاهد منه أهنا قالت‪( :‬كان يراين فُض مال)؛ أي‪ :‬يراين ُمتَبَذلَة‪ ،‬أي‪ :‬يف ثياب بيتها‬
‫مثال الرقبة وال تسرت األطراف‬
‫وثياب مهنتها يف بيتها‪ ،‬وهذه الثياب معروف أهنا يف العادة ال تسرت م‬
‫ساترا‪ ،‬وال جيوز هلا‬
‫لباسا م‬
‫وحنو ذلك‪ ،‬فدل هذا على هذا األصل وهو أن املرأة جيب عليها أن تلبس م‬
‫أن تكشف أمام حمارمها الرجال إال ما يظهر غالبا وما جرت عادة أهل الفطر السليمة بكشفه أمام‬
‫احملارم‪.‬‬
‫المجلس الثاني من فقه اللباس والزينة‬

‫[عورة المرأة المسلمة أمام المرأة المسلمة]‬

‫وأما عورة املرأة املسلمة أمام املرأة املسلمة‪ ،‬وهذه مسألة مهمة جدا‪ ،‬وقد ابتُلي كثري من نساء‬
‫املسلمني اليوم‪ ،‬وال يزال اخلري يف أمة حممد صلى عليه وسلم‪ ،‬وكثري من املسلمني الذين خيطئون إذا‬
‫ذُكروا تذكروا ورجعوا وهلل احلمد واملنة‪.‬‬
‫ابتُلي كثري من النساء بالتساهل يف اللباس أمام النساء‪ ،‬بل بلغين أن األمر وصل بني بعض النساء أن‬
‫املرأة تكشف كل شيء أمام املرأة سوى العورة املغلظة‪ ،‬وال شك أن هذا حمرم‪ ،‬وأنه قبيح‪ ،‬وأن أهل‬
‫الطهارة والعفاف يتنزهون عما هو أقل من هذه األمور‪ ،‬فكيف هبذه األمور؟‬

‫والراجح من أقوال أهل العلم‪ :‬أن املرأة جيوز هلا أن تكشف أمام املرأة ما يظهر منها غالبما‪ ،‬وما جرت‬
‫عادة أهل الفطر السليمة بالتساهل يف كشفه أمام النساء‪ ،‬وحنن نؤكد على قضية ما جرت به عادة‬
‫أهل الفطر السليمة‪ ،‬ال يدخل يف ذلك عادات األقوام الذين ظهر فيهم التربج وعدم املباالة باللباس‪،‬‬
‫فهذا اليُلتفت إليه‪ ،‬وإمنا الذي يُلتفت إليه أهل الفطر السليمة الذين مل يتلوثوا‪ ،‬فما جرت العادة‬
‫مثال‬
‫بالتساهل يف كشفه بني النساء فال بأس أن تكشفه املرأة؛ مثل أن تكشف ثديها لرتضع صبيها م‬
‫أو حنو ذلك‪ ،‬فهذا ال بأس من كشفه‪ ،‬أما ما زاد على ذلك فال جيوز‪.‬‬
‫ونساء املرأة هلا أن تكشف أمامهن ما تكشفه أمام حمارمها؛ ألنه جاء اإلذن هلا بأن تُبدي زينتها أمام‬
‫نسائها‪ُ ،‬فريجع يف هذا احلد ويف بيانه إىل ما جرت به عادة أهل الفطر السليمة‪ ،‬مث إن هذا هو الذي‬
‫رجاال ونساءم‪ ،‬وال شك أن التساهل يف كشف‬
‫جرى به عمل نساء السلف رضوان اهلل عليهم أمجعني م‬
‫شيء من اجلسد أمام النساء يقود إىل كشف غريه‪ ،‬حىت يقود األمر إىل كثري من الشر والعياذ باهلل‪.‬‬

‫طيب‪ ،‬هل ختتلف املرأة الكافرة عن املرأة املسلمة بالنسبة ملا تكشفه املرأة املسلمة أمامها؟‬

‫هذا حمل خالف بني أهل العلم‪ ،‬والذي يظهر يل واهلل أعلم‪ :‬أن املرأة الكافرة كاملرأة املسلمة بالنسبة‬
‫ملا تكشفه املرأة املسلمة أمامها‪ ،‬وإن كان ينبغي التنبه إذا كانت هذه املرأة متساهلة يف العرض أن‬
‫ُيذر منها ‪-‬أعين املرأة الكافرة‪ ،-‬لكن من حيث األصل‪ ،‬الراجح واهلل أعلم أن املرأة الكافرة كاملرأة‬
‫سائِ ِه َّن﴾ عام يشمل‬ ‫ِ‬
‫املسلمة بالنسبة ملا تكشفه املرأة املسلمة أمامها؛ ألن قول اهلل عز وجل‪﴿ :‬أ َْو ن َ‬
‫مجيع النساء‪.‬‬
‫المجلس الثاني من فقه اللباس والزينة‬

‫وأيضا تأملنا سنة النيب صلى اهلل عليه وسلم فوجدنا أن نساء اليهود يف املدينة كن يدخلن على‬
‫الصحابيات‪ ،‬ويدخلن على أمهات املؤمنني‪ ،‬ويدخلن بيوت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬ومن‬
‫ذلك ما قالته أمنا عائشة رضي اهلل عنها قالت‪( :‬دخل علي عجوزان من يهود املدينة؛ ‪-‬عجوزان‬
‫يعين‪ :‬امرأتان كبريتان ‪ ،-‬فقالتا يل‪ :‬إن أهل القبور يعذبون يف قبورهم)‪ ،‬واحلديث متفق عليه‪.‬‬
‫ومل يُنقل عن أمهات املؤمنني وعن نساء الصحابة رضوان اهلل عليهن أهنن كن يتحرزن من نساء‬
‫ائدا يف بيوهتن؛ فدل ذلك على أن النساء الكافرات كالنساء املسلمات بالنسبة ملا جيوز‬
‫حترزا ز م‬
‫اليهود م‬
‫أن تكشفه املرأة أمامهن‪.‬‬

‫[كشف المسلم عورته خاليا]‬

‫بقي معنا أمران‪:‬‬

‫اِلمر اِلول‪ :‬هل جيب على اإلنسان أن يسرت عورته إذا كان خاليا؟ واألمر فيه تفصيل‪:‬‬

‫محتاجا لكشف العورة فإنه يُسمي اهلل ويكشف عورته وال حرج‪ ،‬وتكون تسميته س مرتا بينه‬
‫ً‬ ‫فإن كان‬
‫وبني اجلن‪.‬‬

‫أما إذا لم يكن ُمحتاجا فيجب عليه أن يسرت عورته‪ ،‬وهذا نص عليه مجهور الفقهاء؛ ن َ‬
‫ص عليه كثري‬
‫ويض ُره‬
‫ضر اإلنسان كاتباه من املالئكة‪ُ ،‬‬
‫من احلنفية والشافعية واحلنابلة وبعض املالكية؛ وذلك أنه َي ُ‬
‫اجلن فيجب عليه أن يسرت عورته إال من حاجة‪ ،‬واألدلة الدالة على وجوب سرت العورة تشمل هذا‪.‬‬

‫وقد جاء عن هبز بن حكيم عن أبيه عن جده رضي اهلل عنه‪ ،‬أنه قال‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬عوراتنا‪،‬‬
‫ما نأيت منها وما نذر؟ فقال صلى اهلل عليه وسلم‪(( :‬احفظ عورتك إال من زوجتك أو ما ملكت‬
‫يمينك))‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬إذا كان القوم بعضهم يف بعض؟ فقال صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬
‫((إن استطعت َّأال يَ َريَنَّها أحد فال يَ َرينَّها)) قلت‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬إذا كان أحدنا خاليا؟ قال صلى‬
‫اهلل عليه وسلم‪(( :‬اهلل أحق أن يُستحيا منه من الناس))‪ .‬واحلديث رواه أبو داود والرتمذي والنسائي‬
‫وابن ماجه ومن قبلهم اإلمام أمحد‪ ،‬وحسنه الرتمذي وصححه ابن القطان وابن القيم وابن تيمية‬
‫واأللباين وابن باز‪ ،‬فاحلديث صحيح‪.‬‬
‫المجلس الثاني من فقه اللباس والزينة‬

‫والنيب صلى اهلل عليه وسلم قال‪(( :‬اهلل أحق أن يُستحيا منه من الناس))‪ ،‬فيسرت اإلنسان عورته‬
‫حياءم من اهلل عز وجل‪ ،‬ولعلمه بأنه يُرى من املخلوقني الذين يرونه وال يراهم‪ ،‬إال من حاجة‪.‬‬

‫اِلمر الثاني‪ :‬عورة الرجل مع زوجته وعورة املرأة مع زوجها‪ ،‬ليس هناك حد لعورة الزوج مع زوجته‬
‫والزوجة مع زوجها‪ ،‬بل جيوز أن تكشف الزوجة مجيع بدهنا لزوجها‪ ،‬وجيوز أن يكشف الزوج مجبع‬
‫بدنه لزوجته‪ ،‬وأن يراها وأن تراه؛ والنيب صلى اهلل عليه وسلم كان يغتسل مع أمهات املؤمنني‪ ،‬فال‬
‫حرج يف كشف املرأة بدهنا لزوجها ويف كشف الرجل بدنه لزوجته‪ ،‬وإذا كان ذلك كذلك فإن اللباس‬
‫بني الزوجني ال حد له‪ ،‬فيجوز للمرأة أن تلبس ما شاءت أمام زوجها‪ ،‬مامل تتشبه بكافرة معينة أو‬
‫بفاسقة‪.‬‬
‫وجيوز للرجل أن يلبس أمام امرأته ما شاء‪ ،‬مع مراعاة أنه ال جيوز للرجل أن يلبس لباس املرأة ‪-‬لباس‬
‫النساء اخلاص هبن‪ -‬وال جيوز العكس؛ فال جيوز تشبه املرأة بالرجل وال جيوز تشبه الرجل باملرأة‪.‬‬

‫إىل هنا وننتهي من اجمللس الثاين من جمالس هذه الدورة اليت أسأل اهلل عز وجل أن جيعل فيها خريا‬
‫عرضا علميًّا ما يتعلق باللباس والزينة‪ ،‬ونسأل اهلل عز وجل أن يفقهنا يف‬
‫وبركة‪ ،‬واليت نعرض فيها م‬
‫دينه‪ ،‬وأن ينفعنا مبا نقول‪ ،‬وأن ينفع أمة حممد صلى اهلل عليه وسلم مبا ذكرنا‪ ،‬ونلتقي إن شاء اهلل عز‬
‫وجل يف اجمللس الثالث‪ ،‬واهلل تعاىل أعلى وأعلم‪ ،‬وصلى اهلل على نبينا وسلم‪.‬‬
‫والسالم عليكم ورمحة اهلل وبركاته‪.‬‬
‫المجلس الثالث من فقه اللباس والزينة‬

‫احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم األمتان األكمالن على املبعوث رمحة للعاملني وعلى‬
‫آله صحبه أمجعني‪ ،‬أما بعد‪:‬‬

‫فحيا اهلل هذه الوجوه الطيبة‪ ،‬وأسأل اهلل عز وجل أن جيعلها مباركة‪ ،‬وأن يتقبل منا ما نقول وما‬
‫نسمع‪ ،‬وأن جيعل هذه اجملالس من ما يسرنا عند لقائه سبحانه وتعاىل‪ ،‬وأن جيعل لنا فيها النفع يف‬
‫العاجل واآلجل‪.‬‬

‫معاشر اإلخوة واألخوات‪ ،‬هذا هو اجمللس الثالث من جمالس هذه الدورة ‪-‬دورة فقه األسرة‬
‫الثالثة عن اللباس والزينة‪ ،-‬حيث نتكلم فيها عن فقه اللباس والزينة‪ ،‬ونعرض األحكام حبسب‬
‫ما دلت عليه األدلة الشرعية‪ ،‬وقد تقدم الكالم عن اللباس الواجب الذي جيب على املسلم وعلى‬
‫املسلمة‪ ،‬ومن املعلوم أن اللباس الواجب إمنا يقصد منه سرت العورة‪ ،‬فإذا حصل املقصود حصل‬
‫الواجب يف اللباس؛ وسرت العورة إمنا يكون يف حجبها؛ فال ترى بلوهنا‪ ،‬وال ترى بوصفها‪ ،‬وال ترى‬
‫بذاهتا؛ فيحجب ذاهتا عن العيون وحيجب لوهنا عن العيون وحيجب وصفها وحجمها عن العيون‪.‬‬

‫إذا كان ذلك كذلك؛ فما حكم اللباس الذي يشف ويظهر لون العورة من تحته‪ ،‬بحيث أن‬
‫الناظر يرى لون العورة التي يجب سترها من ورائه فهو شفاف؟ فما حكم هذا اللباس؟‬

‫حيرم على املسلم واملسلمة لبس ما يشف ويبني لون ما وراءه‪ ،‬وقد نص على هذا علماء اإلسالم‬
‫من املذاهب الفقهية األربعة املشهورة وغريها‪ ،‬ودلت على ذلك سنة رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وسلم‪ ،‬ومن ذلك ما جاء عن أيب هريرة رضي اهلل عنه أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال‪:‬‬
‫((صنفان من أهل النار لم أرهما‪ :‬قوم معهم صياط كأذناب البقر يضربون بها الناس‪ ،‬ونساء‬
‫المجلس الثالث من فقه اللباس والزينة‬

‫كاسيات عاريات مميالت مائالت روؤسهن كأسنمة البخت المائلة ال يدخلن الجنة وال‬
‫يجدن ريحها‪ ،‬وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا))‪ .‬رواه مسلم يف الصحيح‪.‬‬

‫والشاهد فيه‪ :‬الصنف من النساء من أهل النار الاليت ذكر النيب صلى اهلل عليه وسلم أهنن ال‬
‫يدخلن اجلنة‪ ،‬وال جيدن رحيها؛ ومن وصفهن أهنن كاسيات أي البسات‪ ،‬ولكن يف نفس الوقت‬
‫عاريات‪ ،‬فاللبس موجود والسرت مفقود‪ ،‬وذلك إذا كان اللباس يشف ويبني لون البشرة من ورائه؛‬
‫فلباسهن املوجود كأنه معدوم؛ ألن املقصود شرعا منه ال يتحقق‪ ،‬وتقدم معنا أيضا حديث هبز بن‬
‫حكيم عن أبيه عن جده رضي اهلل عنه أنه قال‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬عوراتنا‪ ،‬ما نأيت منها وما‬
‫نذر؟ فقال صلى اهلل عليه وسلم‪(( :‬احفظ عورتك إال من زوجتك أو ما ملكت يمينك))‪- ،‬‬
‫تقدم معنا أنه ال عورة بني الزوجة وزوجها‪ ،-‬قال‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬إذا كان القوم بعضهم يف‬
‫بعض؟ فقال صلى اهلل عليه وسلم‪(( :‬إن استطعت َأال يَ َريَنَها أحد فال يَ َرينَها))؛ ووجه الداللة‪:‬‬
‫أن النيب صلى اهلل عليه وسلم منع من رؤية العورة؛ واللباس الشفاف ال مينع من رؤيتها فيكون‬
‫حراما‪.‬‬

‫طيب‪ ،‬ما الحكم لو لبس وزرة أو سروال يستر ما بين السرة والركبة‪ ،‬ثم لبس ثوبا شفافا؟‬

‫هنا ال يكون هذا الثوب مبينا للون العورة‪ ،‬فال يكون حرام‪ ،‬لكن البد من النظر إىل ما يتعلق‬
‫باملروءات وعرف أهل البلد يف فعل املروءات‪ ،‬هذا ما يتعلق بالثوب إذا كان يبني لون العورة أو‬
‫بعض لوهنا‪.‬‬

‫طيب‪ ،‬ما الحكم في الثوب الذي يبين حجم العورة‪ ،‬ويصف حجم العورة؟‬

‫نقول‪ :‬هذا ال خيلو من حالني‪:‬‬

‫الحالة األولى‪ :‬أن يكون ذلك عارضا ألمر يغلب على اإلنسان؛ كما لو كان اإلنسان يسري على‬
‫الطريق فهب هواء ومجع ثوبه عليه حىت ظهر حجم عورته من شدة التصاق الثوب به‪ ،‬فهذا ال‬
‫المجلس الثالث من فقه اللباس والزينة‬

‫ِ‬ ‫يضره؛ ﴿ َال يُ َكلِّ ُ َ‬


‫ت﴾ [البقرة‪،]286 :‬‬
‫سبَ ْ‬
‫ت َو َعلَْي َها َما ا ْكتَ َ‬ ‫ف اللهُ نَ ْفسا إ َال ُو ْس َع َها لَ َها َما َك َ‬
‫سبَ ْ‬
‫كذلك لو كانت املرأة تسري يف الطريق بعباءهتا الواسعة‪ ،‬مث جاء هواء وألصق عباءهتا جبسمها‬
‫فتحجم جسمها‪ ،‬فإن هذا ال يضرها وال تؤاخذ به‪ ،‬كذلك مثال الرجل إذا سجد والتصق الثوب‪،‬‬
‫فهذا ال يضره وال يضر صالته‪.‬‬

‫والحالة الثانية‪ :‬أن يكون ذلك بقصد‪ ،‬فيلبس اللباس الضيق‪ ،‬ولبس اللباس الضيق الذي حيجم‬
‫العورة اليت جيب سرتها للرجل؛ حرام‪ ،‬ويكره إذا مل يكن على العورة اليت جيب سرتها؛ ألنه مما ينايف‬
‫املروءة؛ يعين لبس القميص الضيق الذي قد حيجم اجلسم‪ ،‬ويظهر حجم الصدر والبطن وحنو‬
‫ذلك‪ ،‬مكروه للرجل؛ ألنه ينايف املروءة‪ ،‬وليس من فعل أهل املروءات‪ ،‬أما اللباس الضيق الذي‬
‫حيجم العورة اليت جيب سرتها؛ كبعض البناطيل الضيقة جدا اليت يسري الرجل وكأنه بال لباس؛ من‬
‫جهة حجم عورته وحتجيمها ووصفها‪ ،‬فهذا ال جيوز‪ ،‬وحمرم؛ ألنه ينايف اللباس الواجب‪ ،‬وال حيقق‬
‫املقصود من اللباس الواجب‪.‬‬

‫وقد قال شيخنا فقيه عصره الزاهد الورع اإلمام الشيخ ابن باز رمحه اهلل عز وجل‪( :‬ال ينبغي أن‬
‫يلبس املسلم ‪-‬يعين الرجل‪ -‬املالبس الضيقة اليت تبني أعضاء اجلسم‪ ،‬مثل‪ :‬بعض البنطلونات‬
‫ومالبس الرياضة ومالبس السباحة‪ ،‬فال شك أن ذلك يتناىف مع املروءة واحلياء‪ ،‬باالضافة إىل ما‬
‫قد يرتتب على لبسها من فتنة‪ ،‬وقد أفتت اللجنة الدائمة ‪-‬هذا من كالم شيخنا‪ -‬وقد أفتت‬
‫اللجنة الدائمة بعدم جواز لبس الضيق منها الذي حيدد العورة؛ ألنه حينئذ يف حكم كشفها؛‬
‫وكشفها حرام)‪.‬‬

‫ونعم قد أفتت اللجنـ ـ ـة الدائم ـ ـة‪ :‬بأن لبس البنطلون الواس ـ ـع جيوز‪ ،‬وهذا ليس من خصائ ـ ـص‬
‫الكفـ ـار ‪-‬أعين لبس البنطال أو البنطلون‪ ،-‬أما البنطلون الضيق الذي حيجم العورة ويصفها ويظهر‬
‫حجمها‪ ،‬فإنه حرام‪ ،‬ال جيوز‪ ،‬واألمر كما قالت اللجنة الدائمة‪.‬‬
‫المجلس الثالث من فقه اللباس والزينة‬

‫فال جيوز للرجل أن يلبس البناطيل الضيقة وحنوها اليت حتجم العورة‪ ،‬وكذلك حيرم على نساء‬
‫املسلمني أن يلبسن الثياب الضيقة اليت تصف اجلسم؛ ألنه كما تقدم معنا أن املرأة كلها عورة‪،‬‬
‫فيحرم عليها أن تلبس اللباس الضيق الذي يصف جسمها؛ سواء من فوق عند الكتفني‪ ،‬أو عند‬
‫الصدر‪ ،‬أو عند العورة املغلظة‪ ،‬أو عند الفخذين‪ ،‬أو عند الساقني‪ ،‬فإنه ال جيوز هلا أن تلبس‬
‫اللباس الضيق حىت عند حمارمها وعند نسائها‪.‬‬

‫نعم اللباس الضيق إذا كان على ما جيوز أن يكشف عند النساء واحملارم ال بأس به‪ ،‬لكن اللباس‬
‫الضيق الذي يظهر الصدر ‪-‬حجم الصدر‪ ،-‬أو حجم البطن‪ ،‬أو حجم العورة املغلظة‪ ،‬أو حجم‬
‫الفخذين‪ ،‬ال جيوز للمرأة أن تلبسه؛ ال أمام حمارمها وال أمام النساء؛ ألنه يف احلقيقة يف حكم‬
‫كشف العورة؛ ألنه الواجب سرت العورة‪ ،‬وهذا ال يسرت العورة‪ ،‬بل يظهرها ويبديها‪ ،‬ولرمبا كان‬
‫مجاعات من العلماء من املالكية وغريهم‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫أعظم فتنة مما لو كشفت ذاهتا‪ ،‬وقد نص على هذا‬
‫مر ظاهر ال يتوقف فيه‪،‬‬
‫ونص عليه الشيخ ابن عثيمني رمحه اهلل‪ ،‬وأفتت به اللجنة الدائمة‪ ،‬وهو أ ٌ‬
‫وقد جاء عن أم سلمة رضي اهلل عنها أهنا قالت‪ :‬استيقظ رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ذات‬
‫ليلة‪ .‬فقال‪(( :‬سبحان اهلل! ماذا أُنزل الليلة من الفتن؟ وماذا فُتح من الخزائن؟ أيقظوا‬
‫ب كاس ٍية في الدنيا عارية في اآلخرة))‪ .‬رواه البخاري يف الصحيح‪.‬‬
‫فر َ‬
‫الحجر‪ُ ،‬‬
‫صواحبات ُ‬
‫رب كاس ٍية في الدنيا عارية في اآلخرة))؛ قال العلماء‪ :‬ومن أسباب ذلك أن ال يكون لباسها‬
‫(( َ‬
‫ساترا لعورهتا؛ ومنه أن يكون ضيقا‪.‬‬

‫وجاء عن أيب هريرة رضي اهلل عنه كما تقدم معنا‪ ،‬أنه قال‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬
‫((صنفان من أهل النَار لم أرهما‪ :‬قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس‪ ،‬ونساء‬
‫كاسيات عاريات مميالت مائالت رؤوسهن كأسنمة البُ ْخت المائلة‪ ،‬ال يدخلن الجنة‪ ،‬وال‬
‫يجدن ريحها‪ ،‬وإ َن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا))‪.‬‬
‫المجلس الثالث من فقه اللباس والزينة‬

‫والشاهد يف قوله صلى اهلل عليه وسلم‪(( :‬ونساء كاسيات عاريات))؛ أي‪ :‬أن اللباس موجود‬
‫والسرت مفقود كما تقدم معنا؛ ومن فقد الستر أن يكون اللباس محجما لجسم المرأة مظهرا‬
‫لجسم المرأة؛ ومن هنا قال من قال من العلماء‪ :‬أنه حيرم على املرأة أن تلبس العباءة اليت على‬
‫الكتفني؛ ألن العباءة اليت على الكتفني يف الغالب حتجم األكتاف‪ ،‬وحتجم الصدر‪ ،‬واملرأة إذا‬
‫خرجت بعبائتها جيب عليها أن تسرت بدهنا‪ ،‬فهذه العباءة على الضد من املقصود‪ ،‬والذي ترجح‬
‫عندي وأفيت به‪ :‬أن العباءة اليت تكون على الكتفني‪:‬‬

‫‪ -‬إن كانت حتجم الكتفني وحتجم الصدر‪ ،‬فإهنا ال جتوز‪.‬‬

‫‪ -‬أما إذا كانت ال حتجم‪ ،‬أو كانت املرأة تلبس غطاء واسعا من فوق رأسها يغطي الكتفني‬
‫والصدر فال يظهر حتجيم العباءة للكتفني والصدر‪ ،‬فال بأس بذلك‪.‬‬

‫وهنا أنبه أخوايت الفاضالت إىل أمرين يتعلقان بالعباءة‪:‬‬

‫األمر األول‪ :‬الزخرفة اليت استحدثت يف العباءات‪ ،‬حىت أصبحت العباءة حتتاج إىل عباءة‪ ،‬وهذا‬
‫ال جيوز؛ ألن املرأة ال جيوز هلا أن تبدي الزينة‪ ،‬وهذه زينةٌ يف اللباس ظاهرة‪.‬‬

‫واألمر الثاني‪ :‬الذي أنبه أخوايت الفاضالت إليه‪ :‬ما حدث يف الفرتة األخرية من تضييق العباءات؛‬
‫تضييقها عند الصدر وعند اخلصر‪ ،‬وأصبح هؤالء الفتانون يضيقوهنا حىت عند العورة املغلظة‬
‫واألرداف وحنو ذلك‪ ،‬وهذا ال جيوز؛ ال جيوز للمرأة املسلمة أن تتخذ هذه العباءة أو أن خترج هبا‬
‫فالواجب احلذر العظيم من مثل ذلك‪.‬‬

‫إذا عرفنا أنه جيب على املسلم أن يلبس اللباس الذي يسرت عورته‪ ،‬وأن سرت العورة يكون‪:‬‬

‫بستر الذات‪.‬‬

‫وستر اللون‪.‬‬
‫المجلس الثالث من فقه اللباس والزينة‬

‫وستر الوصف‪.‬‬

‫فال بد من حتقق هذه األمور الثالثة يف اللباس وإال مل جيز للمسلم ذكرا كان أو أنثى أن يلبسه‪.‬‬

‫ننتقل بعد هذا إىل أصول يف األلبسة واللباس وشروط وآداب نفصلها إن شاء اهلل عز وجل‪ ،‬ونبدأ‬
‫بالقاعدة الكلية عند أهل العلم يف اللباس وهو‪ :‬أن األصل في األلبسة اإلباحة؛ األصل والقاعدة‬
‫الكلية يف لباس الرجال والنساء اإلباحة؛ من حيث ذاهتا‪ ،‬ومن حيث ألواهنا‪ ،‬فال حيرم منها إال ما‬
‫قام الدليل على حترميه ومن ادعى حترمي شيء من اللباس طالبناه بالدليل‪ ،‬فإن أقام الدليل وإال رددنا‬
‫قوله عليه‪ ،‬فليس ألحد أن حيِّرم لباسا؛ ألنه مل يعتد عليه بل األصل يف ألبسة الناس اإلباحة حىت‬
‫دليل شرعي على التحرمي‪.‬‬
‫يقوم ٌ‬
‫يدلك لذلك أن األلبسة من العادات وقد تقرر عند أهل العلم أن األصل يف العادات املسكوت‬
‫عنها اإلباحة؛ ألن اهلل عز وجل قال‪ُ ﴿ :‬ه َو الَ ِذي َخلَ َق لَ ُكم َما فِي ْاأل َْر ِ‬
‫ض َج ِميعا﴾ [البقرة‪،]29 :‬‬
‫فامنت اهلل عز وجل على بين آدم بأنه خلق هلم ما يف األرض مجيعا‪ ،‬والالم هنا تقتضي التمليك‪،‬‬
‫فاهلل عز وجل خلق هلم ما يف األرض مجيعا وملكه هلم وامنت عليهم به‪ ،‬وال مينت اهلل عز وجل‬
‫عليهم به إال إذا كانوا ينتفعون به‪ ،‬فدل ذلك على أن األصل يف العادات واألشياء اإلباحة؛ إال‬
‫ما دل الدليل على حترميه فيكون حمرما لضرره‪ ،‬كذلك قول النيب صلى اهلل عليه وسلم‪(( :‬إن أعظم‬
‫فح ِّرم من أجل مسألته))‪ ،‬واحلديث مبعناه يف‬ ‫ٍ‬
‫المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يُح َرم ُ‬
‫الصحيحني دل على أن األصل يف األشياء املسكوت عنها اإلباحة‪.‬‬

‫والنيب صلى اهلل عليه وسلم قال‪(( :‬الحالل ما أحل اهلل في كتابه والحرام ما حرم اهلل في كتابه‬
‫وما سكت عنه فهو عفو))؛ فدل ذلك على أن املسكوت عنه مباح‪.‬‬

‫َنزلْنَا َعلَْي ُك ْم لِبَاسا‬ ‫أيضا يدلك هلذا األصل يف األلبسة أن اهلل عز وجل قال‪﴿ :‬يَا بَنِي َ‬
‫آد َم قَ ْد أ َ‬
‫يُ َوا ِري َس ْوآتِ ُك ْم َوِريشا﴾ [األعراف‪ ،]26 :‬فامنت اهلل عز وجل على بين آدم بأنه أنزل عليهم لباسا‬
‫المجلس الثالث من فقه اللباس والزينة‬

‫هذا اللباس ساتر وزينة‪ ،‬وال مينت اهلل عز وجل عليهم هبذا اللباس؛ إال إذا كان هذا اللباس مما‬
‫ينتفعون به ويباح هلم استعماله‪ ،‬فدل ذلك على أن األصل يف األلبسة اإلباحة‪.‬‬
‫كذلك يدلك هلذا األصل قول اهلل عز وجل‪﴿ :‬قُل من ح َرم ِزينَةَ اللَ ِه الَتِي أَ ْخر ِ ِ ِ‬
‫ادهِ والطَيِّب ِ‬
‫ات‬ ‫َ لعبَ َ َ‬ ‫ََ‬ ‫ْ َْ َ َ‬
‫الرْز ِق﴾ [األعراف‪ ،]32 :‬فأنكر اهلل عز وجل على من حرم زينة اهلل اليت جعلها لعباده وحرم‬ ‫ِم َن ِّ‬
‫شيئا منها بال دليل‪ ،‬فدل ذلك على أن األصل يف األلبسة اإلباحة‪ ،‬وجاء عن عبد اهلل بن عمرو‬
‫بن العاص رضي اهلل عنه وعن أبيه أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال‪(( :‬كلوا وتصدقوا والبسوا‬
‫ٍ‬
‫إسراف وال مخيلة))‪ ،‬رواه البخاري معلقا بصيغة اجلزم‪ ،‬وأخرجه موصوال النسائي وابن‬ ‫في غير‬
‫ماجه‪ ،‬وحسنه ابن حجر‪ ،‬وصححه الصنعاين‪.‬‬

‫ووجه الداللة منه‪ :‬أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال‪(( :‬والبسوا)) وأطلق‪ ،‬وما قيد إال بقيدين‪:‬‬
‫إسراف وال مخيلة))‪ ،‬فدل ذلك على أن األصل يف اللباس اإلباحة‪ ،‬ويدلك على ذلك‬‫ٍ‬ ‫((في غير‬
‫أن األلبسة جاءت يف السنة متنوعة متعددة؛ فجاء لبس العمامة يف سنة النيب صلى اهلل عليه وسلم‬
‫كما جاء عن عمرو بن حريث رضي اهلل عنه أنه قال‪( :‬كأني أنظر إلى رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وسلم على المنبر وعليه عمامة سوداء قد أرخى طرفيها بين كتفيه)‪ .‬رواه مسلم‪.‬‬

‫((قد أرخى طرفيها بين كتفيه))‪ :‬فهذا النيب صلى اهلل عليه وسلم لبس عمامة سوداء هلا طرفان‬
‫قد أرخى طرفيها على كتفيه الشريفتني صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬

‫ويف حديث جابر‪(( :‬أن النبي صلى اهلل عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح وعليه عمامة سوداء))‪،‬‬
‫كما عند مسلم يف الصحيح‪.‬‬

‫فنص العلماء على أنه جيوز لإلنسان أن يغطي رأسه مبا شاء بعمامة أو طاقية أو قبعة؛ بشرط أال‬
‫تكون خاصة ‪-‬أعين القبعة‪ -‬خاصة هبيئتها ببعض الكفار‪ ،‬فإذا مل تكن القبعة خاصة بالكفار أو‬
‫ببعض الكفار فال بأس من لبسها‪ ،‬وتغطية الرأس هبا‪.‬‬
‫المجلس الثالث من فقه اللباس والزينة‬

‫وأنبه إىل أن السنة يف العمامة أن تلبس حبسب ما جرت به العادة؛ فالسنة يف العمامة يف بالدنا‬
‫أن تلبس العمامة هكذا‪ ،‬ويف البلدان اليت تلف فيها العمامة لفا‪ ،‬السنة أن تلف كذلك؛ ألن النيب‬
‫صلى اهلل عليه وسلم مل حيدث يف العمامة وصفا زائدا على ما كان عند العرب‪ ،‬فوافق النيب صلى‬
‫اهلل عليه وسلم العادة يف لبسها‪.‬‬

‫وأيضا جاء لبس القميص يف السنة؛ والقميص‪ :‬هو ما يكون خميطا له كمان وفتحةٌ يدخل معها‬
‫الثوب؛ يدخل الرأس منها اليت تسمى باجليب‪ ،‬اجليب عندنا خيتلف عن اجليب يف أصل اللغة‪،‬‬
‫فهذه الفتحة اليت تفتح ويدخل معها الثوب من جهة الرأس هذه هي اجليب‪.‬‬

‫جيب يسمى قميصا؛ سواء كان إىل أسفل اجلسم فوق الكعبني‪ ،‬أو‬
‫فكل كل خميط له كمان وله ٌ‬
‫كان إىل نصف الفخذين‪ ،‬أو كان إىل ما حتت السرة يسمى قميصا‪.‬‬

‫رجل إىل النيب صلى اهلل عليه وسلم فسأله عن الصالة يف الثوب الواحد‪ ،‬فقال النيب صلى‬
‫وقد قام ٌ‬
‫رجل عمر رضي اهلل عنه فقال‪ ( :‬إذا وسع‬
‫اهلل عليه وسلم‪ ((:‬أو كلكم يجد ثوبين؟!))‪ ،‬مث سأل ٌ‬
‫اهلل فأوسعوا جمع رجل عليه ثيابه صلى رجل في إزا ٍر ورداء)؛ اإلزار ما يلف على أسفل اجلسم‪،‬‬
‫ومنه ما يسميه بعض املسلمني اليوم وزرة‪ ،‬وما يسميه بعضهم فوطة‪ ،‬هذا إزار‪ ،‬والرداء ما يلف‬
‫على أعلى اجلسم‪.‬‬

‫(في إزا ٍر وقميص)؛ يلبس قميصا على أعلى اجلسم‪ ،‬ويلبس إزارا على أسفل اجلسم‪ ،‬أو يلبس‬
‫إزارة أو وزرة حتت الثوب‪ ،‬ويلبس الثوب هذا كله إز ٌار وقميص‪.‬‬

‫(في إزا ٍر وقباء)؛ القباء‪ :‬هو ٌ‬


‫ثوب يكون مفتوح األمام وله أزرار‪ ،‬يشد على الثياب مثل ما يسمونه‬
‫اليوم البالطو‪ ،‬يكون مفتوح من األمام‪ ،‬وله أزرار يشد طرفاه هبا‪ ،‬ويكون فوق الثياب‪.‬‬

‫(وفي سراويل ورداء)؛ السراويل معروفة؛ ومقصود السراويل اليت نسميها حنن اآلن السراويل الطويلة‬
‫اليت يكون هلا رجالن تدخل فيهما الرجالن‪.‬‬
‫المجلس الثالث من فقه اللباس والزينة‬

‫(وفي سراويل وقميص)‪ :‬هذا مثل الذين يلبسون اآلن البنطلون‪ ،‬يلبس بنطلون وقميص‪ ،‬فإذا كان‬
‫واسعا فهو مثل السراويل؛ البنطال إذا كان واسعا فهو مثل السراويل‪ ،‬جيوز لبسه ما فيه حرج‪.‬‬
‫(وفي تُ ٍ‬
‫بان وقباء)‪ :‬التبان‪ :‬هو الذي نسميه حنن اليوم السروال القصري؛ السروال الداخلي القصري‬
‫الذي يغطي إىل الركبتني‪ ،‬أو فوق الركبتني إىل نصف الفخذين أو حنو ذلك‪.‬‬

‫وقباء‪ :‬فيلبس هذا الذي يكون فوق ويزر فيكون ساترا‪.‬‬

‫(وفي تُبَان وقميص)‪ :‬يعين يلبس القميص الطويل ويلبس حتته هذا السروال الداخلي‪ ،‬واحلديث‬
‫عند الشيخني‪.‬‬

‫كذلك جاء يف السنة لبس الربنس؛ والربنس كل ثوب رأسه منه فيكون رأسه موصوال به‪ ،‬وهذا‬
‫معروف عند إخواننا يف املغرب‪ ،‬والربنس جاء يف حديث ابن عمر رضي اهلل عنهما أن النيب صلى‬
‫اهلل عليه وسلم سأله رجل عما يلبس احملرم‪ ،‬فقال‪(( :‬ال يلبس القميص وال العمامة وال السراويل‬
‫وال البرنس))‪ ،‬فدل ذلك على أن لبس الربنس كان معروفا يف زمن النيب اهلل عليه وسلم‪.‬‬

‫الشاهد والمقصود‪ :‬أن األلبسة جاءت متنوعة يف زمن النيب صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وأيضا كان‬
‫األقوام يردون على النيب صلى اهلل عليه وسلم بألبستهم‪ ،‬ومل يرد أن النيب صلى اهلل عليه وسلم كان‬
‫يأمرهم بلباس خمصوص‪ ،‬فدل ذلك على أن األصل يف األلبسة اإلباحة‪ ،‬فإذا سلم اللبس من‬
‫اإلسراف واخليالء‪ ،‬وتشبه الرجال بالنساء‪ ،‬والعكس‪ ،‬والتشبه بالكفار جاز‪ ،‬وسيأيت إن شاء اهلل‬
‫الكالم على هذه الضوابط وما يضبطها‪.‬‬

‫وعليه مثال لو سألنا شخص عن لبس البنطلون للرجال‪ ،‬قلنا‪ :‬البنطلون ما مل خيالف الشرع‪ ،‬فإن‬
‫لبسه جائز ما مل يكن ضيقا‪ ،‬فإن لبسه جائز للرجال وللنساء على الراجح مع النساء وعند احملارم‬
‫ما دام أنه واسع جيوز ال حرج فيه؛ ألن األصل يف األلبسة اإلباحة‪ ،‬وسنشري إن شاء اهلل فيما يأيت‬
‫إىل بعض الضوابط املتعلقة هبذا األمر‪.‬‬
‫المجلس الثالث من فقه اللباس والزينة‬

‫الشاهد أن الذي نريد أن نذكره هنا‪ :‬أن تنوع األلبسة يف السنة وعدم إنكار النيب صلى اهلل عليه‬
‫وسلم على األقوام ما يلبسون‪ ،‬يدل على أن األصل يف األلبسة اإلباحة‪ ،‬وأن األصل أنه جيوز‬
‫للمسلم أن يلبس ما شاء من األلبسة يف وصفها‪ ،‬وألواهنا ما مل ينه الشرع عن ذلك‪ ،‬فيجوز للرجل‬
‫أن يلبس لباسا أبيض ولباسا أمحر؛ بشرط أن ال يكون خالصا ‪-‬ال يكون أمحر خالصا قانيا‪،-‬‬
‫وإمنا يكون خملوطا مثل هذه العمامة‪ ،‬أو حنو ذلك‪ ،‬وجيوز للرجل أن يلبس اللباس األخضر‪ ،‬واملرأة‬
‫كذلك جيوز هلا أن تلبس ما شاءت من اللباس يف ألوانه وغري ذلك؛ بشرط أال خترج بلباس ظاهره‬
‫زينة‪ ،‬ما خترج إىل الشارع بلباس ظاهره الزينة؛ سواء سِّي عباءة‪ ،‬سِّي قميصا‪ ،‬سِّي ما سِّي‪ ،‬ال‬
‫جيوز هلا أن خترج بلباس ظاهره زينة‪.‬‬

‫وضوابط اللباس املباح كما قلنا‪ :‬أن ال يكون فيه تشبه من الرجال بالنساء‪ ،‬وأن ال يكون فيه‬
‫تشبه من النساء بالرجال‪.‬‬

‫والمقصود بالتشبه‪ :‬أن ال يلبس الرجل لباسا خاصا بالنساء‪ ،‬وأن ال تلبس املرأة لباسا خاصا‬
‫بالرجال‪ ،‬أما األلبسة املشرتكة اليت يلبسها هذا وهذا فال حرج‪ ،‬ال حرج فيها‪.‬‬

‫وقد جاء عن أيب هريرة رضي اهلل عنه أن النيب صلى اهلل عليه وسلم‪(( :‬لعن الرجل يلبس لبسة‬
‫المرأة‪ ،‬والمرأة تلبس لبسة الرجل)) رواه أمحد وأبو داوود والنسائي وصححه النووي والذهيب‬
‫واأللباين رحم اهلل اجلميع‪.‬‬

‫وهذا احلديث يدل على أن تشبه الرجال بالنساء يف اللباس كبرية من كبائر الذنوب يستوجب لعنة‬
‫اهلل‪ ،‬وأن تشبه النساء بالرجال يف اللباس كبرية من كبائر الذنوب يستوجب لعنة اهلل‪.‬‬

‫فإذا تشبه الرجل باملرأة يف لباسها ارتكب كبرية من كبائر الذنوب‪ ،‬وإذا تشبهت املرأة بالرجل يف‬
‫لباسه ارتكبت كبرية من كبائر الذنوب‪.‬‬
‫المجلس الثالث من فقه اللباس والزينة‬

‫وجاء يف حديث ابن عباس رضي اهلل عنهما أنه قال‪( :‬لعن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال)‪ .‬رواه البخاري يف الصحيح‪،‬‬

‫وهذا دليل على أن تشبه الرجال بالنساء كبرية من كبائر الذنوب‪ ،‬وأن تشبه النساء بالرجال كبرية‬
‫من كبائر الذنوب‪ ،‬ومن صور التشبه‪ :‬التشبه يف اللباس‪.‬‬

‫تبقى مسألة يسألين عنها الناس كثريا وهو مثال‪ :‬هل يجوز للمرأة أن تلبس عباءة الصوف التي‬
‫للرجل من أجل أن تتدفأ؟‬

‫ليس لتلبسها أو تتزين هبا وإمنا من أجل أن تتدفأ؛ يعين مثال خرجت مع زوجها إىل الرب وكان اجلو‬
‫باردا والرجل معه العباءة اليت يلبسها من الصوف‪ ،‬هل يجوز للمرأة أن تلبسها؟‬

‫ومنه سؤال أ ْسأل عنه كثريا جدا‪ :‬هل يجوز للمرأة أن تلبس نعل زوجها أو نعل أوالدها في‬
‫البيت إذا احتاجت تريد أن تخرَ إلى الحوش أو تخرَ إلى السطح أو نحو ذلك ووجدت‬
‫هذا النعل؟‬

‫الذي يظهر يل ‪-‬واهلل أعلم‪ :-‬أنه إذا كان اللبس للحاجة‪ ،‬أنه ال حرج فيه إن شاء اهلل عز وجل‪،‬‬
‫وإن كان إذا سلم اإلنسان من هذا أحسن‪ ،‬لكن الذي يظهر يل ‪-‬واهلل أعلم‪ :-‬أنه ال حرج ال‬
‫سيما إذا كان تعني للحاجة‪ ،‬ومل يوجد غريه أو كان يف طلب غريه مشقة‪.‬‬

‫فيظهر يل ‪-‬واهلل أعلم‪ :-‬أن هذا ال حرج فيه؛ ألنه ال يعد من التشبه‪ ،‬لكن لو مثال بالنسبة للعباءة‬
‫للتدفؤ هبا‪ ،‬إذا مل جتعلها على هيئة اللبس‪ ،‬وإمنا وضعتها عليها أو حنو ذلك هذا أحسن‪ ،‬لكن‬
‫الذي يظهر يل ‪-‬واهلل أعلم‪ -‬يف العموم‪ :‬أن اللبس إذا كان للحاجة وتعني أنّه ما فيه بأس يتساهل‬
‫يف مثل هذا األمر؛ ألن التشبه إذ ذاك يندفع واهلل أعلم‪.‬‬
‫المجلس الثالث من فقه اللباس والزينة‬

‫لعلنا نقف عند هذا املوطن؛ ألن هذا هو الدرس الثالث وهو بعد العشاء‪ ،‬فنكون ويكون اإلخوة‬
‫قد وصلنا إىل حالة من التعب‪ ،‬فلعلنا نقف عند هذا املوقف‪ ،‬ونكمل ‪-‬إن شاء اهلل‪ -‬يف جمالس‬
‫الغد‪.‬‬

‫أسأل اهلل عز وجل أن يفتح علي وعليكم‪ ،‬وأن جيعلين وإياكم من دعاة اخلري‪ ،‬وأن يدمي على بلدان‬
‫املسلمني أمنها واستقرارها ووالة أمرها‪ ،‬وأن يوفق املسلمني إىل أن يقوم والة األمر حبقوق الرعية‪،‬‬
‫وأن يقوم الرعية حبقوق والة األمر‪ ،‬وأن يكفي املسلمني شرور الفتنة والفرقة‪ ،‬وأن يدفع عن بالد‬
‫املسلمني املستقرة مكر املاكرين الذين ميكرون الليل والنهار إلحداث الفنت فيها والتفريق بني والة‬
‫األمر والرعية‪.‬‬

‫وأسأل اهلل عز وجل أن يقر أعيننا بتمام األمن والعافية يف بالدنا ويف مجيع بلدان املسلمني‪ ،‬واهلل‬
‫تعاىل أعلى وأعلم وصلى اهلل على نبينا وسلم‪.‬‬

‫والسالم عليكم ورمحة اهلل وبركاته‪.‬‬


‫المجلس الرابع من فقه اللباس والزينة‬

‫احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم األمتان األكمالن على املبعوث رمحةً للعاملني وعلى آله‬
‫وصحبه أمجعني‪ ،‬أما بعد‪:‬‬

‫فهذا هو اجمللس الرابع من جمالس هذه الدورة العلمية الثالثة من سلسلة دورات فقه األسرة‬
‫وقد خصصناها لفقه اللباس والزينة وما أحوجنا إىل التذكري هبذا الفقه العظيم‪.‬‬

‫وقد تقدم معنا أن األصل يف اللباس اإلباحة‪ ،‬فللناس لبس ما يشاؤون ما مل ينه الشرع عن‬
‫ذلك‪ ،‬ومن حرم على الناس شيئًا من اللباس طولب بالدليل وإال رد قوله‪.‬‬

‫مباحا فال بد من أن يسلم من أموٍر نلخصها يف الضوابط التالية‪:‬‬


‫وحىت يكون اللباس ً‬
‫أول هذه الضوابط‪ :‬أن ال يكون يف اللباس تشبه أحد اجلنسني باآلخر‪ ،‬فال تتشبه املرأة بالرجل‬
‫يف لباسه‪ ،‬وال يتشبه الرجل باملرأة يف لباسها‪ ،‬وقد تقدم الكالم عن هذا الضابط يف آخر اجمللس‬
‫الثالث‪.‬‬

‫وأما الضابط الثاني‪ :‬فهو أال يكون يف اللباس تشبهٌ بالكافرين أو باملبتدعة أو بالفسقة‪،‬‬
‫خمتصا هبم‪ ،‬حبيث إذا رئي اإلنسان قد لبس‬
‫وضابط التشبه يف اللباس هبؤالء أن يكون اللباس ً‬
‫هذا اللباس يظن أنه منهم أو ينسب إليهم‪.‬‬

‫أما إذا كان اللباس مشرتًكا يوجد هنا ويوجد هناك فال حرج فيه‪ ،‬ومن ذلك البنطال‪ ،‬فإن‬
‫اسعا كما تقدم‬ ‫ٍ‬
‫البنطال هو سراويل األقواب‪ ،‬ولكل قوم سراويلهم‪ ،‬فال حرج يف لبسه ما دام و ً‬
‫معنا‪.‬‬

‫خاصا بالكفار وال يعرف عند املسلمني‪ ،‬مث عرف واشتهر وصار‬
‫بقي إذا كان اللباس يف أصله ً‬
‫يلبسه املسلم والكافر‪ ،‬فهنا كثريٌ من أهل العلم يرون أنه يأخذ حكم اجلواز؛ ألن األحكام‬
‫عاما ليس‬
‫وعدما‪ ،‬وهنا العلة اليت هي التشبه قد زالت وصار اللباس ً‬
‫وجودا ً‬‫تدور مع عللها ً‬
‫خمتصا به الكفار‪.‬‬
‫ً‬
‫المجلس الرابع من فقه اللباس والزينة‬

‫صحيح إال إذا كان اللباس للكفار مبنيًا على عقيدة وعلى دين‪ ،‬فإنه ال جيوز فعله‬
‫ٌ‬ ‫وهذا القول‬
‫ولو اشتهر بني املسلمني‪ ،‬ومن ذلك فيما يظهر يل واهلل أعلم ما يسمى بدبلة اخلطوبة ودبلة‬
‫الزواج‪ ،‬حيث يلبس اخلطيبان خامتًا يف بنصر اليد اليمىن‪ ،‬مث إذا تزوجا نقل إىل بنصر اليد‬
‫اليسرى‪ ،‬وهذا مبين على عقيدتني‪:‬‬

‫العقيدة األولى‪ :‬عقيدة الزواج األبدي عند النصارى وأنه ال طالق‪ ،‬فال فرقة إال باملوت‪،‬‬
‫وعقيدة تربيك الكهان للزوجني بالتثليث‪.‬‬

‫وهلذا الدبلة عندهم كانت تصنع من حلقات حىت تكون ثابتة‪ ،‬مث صار الناس اليوم يصنعون‬
‫الدبلة ويصنعون هلا ما يسمى باحملبس الذي يوضع بعدها فيحبسها من السقوط؛ ألهنم يعتقدون‬
‫أهنا إذا سقطت فهذا يرمز للفرقة اليت هي حرام عندهم‪ ،‬ولذلك عندما تنقل ال خترج من‬
‫األصبع مث تنقل إىل األصبع اآلخر؛ بل تنقل من األصبع من بنصر اليمىن إىل بنصر اليسرى‬
‫مباشرةً‪.‬‬

‫واألصل يف وضعها عندهم أنه يقول والعياذ باهلل‪ :‬باسم األب واالبن وروح القدس مث يضع‬
‫اخلامت يف البنصر يف اليد اليمىن‪ ،‬مث إذا أرادوا أن ينقلوها فإهنم كذلك والعياذ باهلل يقولون‪ :‬باسم‬
‫األب واالبن والروح القدس مث يضعون اإلصبع على اإلصبع البنصر على البنصر وتنقل الدبلة‬
‫من اليد اليمىن إىل اليد اليسرى‪.‬‬

‫والعقيدة الثانية‪ :‬عقيدة يونانية‪ ،‬وهي أن عرق احلب يكون يف اليد يف بنصر اليد اليسرى‪ ،‬فإذا‬
‫وضع فيه فإهنما حيبان بعضهما‪ ،‬وحيبسان على بعضهما‪ ،‬وهذه عقيدة فاسدة‪.‬‬

‫وما دام ذلك كذلك فإن الذي أفيت به أنه ال جيوز لبس الدبلة للخطوبة والزواج‪.‬‬

‫وهل يدخل يف ذلك ربطة العنق املسمى بالكرفتة؟‬

‫أنا كنت أفيت بالتحرمي مث أصبح عندي شيء من الرتدد‪ ،‬واللجنة الدائمة ‪-‬وهي أعلم مين‬
‫بكثري وما أنا إال يف األرض وهم يف السماء‪ -‬أفتت باجلواز جبواز لبسها‪ ،‬وأما شيخنا الشيخ‬
‫ابن عثيمني رمحه اهلل فما عرفها ملا سئل عنها‪ ،‬أنا كنت أفيت بتحرميها مع كوهنا اآلن منتشرة‬
‫المجلس الرابع من فقه اللباس والزينة‬

‫اسة تقول‪ :‬إن الكرفتة أو ربطة العنق هي بديل‬‫بني املسلمني؛ ألين وقفت ساب ًقا على در ٍ‬
‫كبريا‪ ،‬فلما متدنوا وضعوا الكرفتة‬
‫الصليب‪ ،‬فكان النصارى يضعون الصليب يف أعناقهم وكان ً‬
‫أيضا الفيونكة‪ ،-‬ويشرتطون أن يكون هلا شبه طرفني‪ ،‬مث كالصليب ينسدل‬
‫‪-‬أو كما يقولون ً‬
‫منها‪.‬‬

‫وبناءً على هذا يكون هذا اللباس مبنيًا على العقيدة‪ ،‬وأنه بديل من حبل الصليب عندهم‪،‬‬
‫فيكون حر ًاما ‪-‬أعين لبسها‪ -‬وإن اشتهر بني املسلمني‪.‬‬
‫لكن دخل علي الرتدد؛ ألين أيضا وقفت على در ٍ‬
‫اسة أخرى تقول‪ :‬إن أصل الكرفتة أن‬ ‫ً‬
‫الكروات ‪-‬اجلنود الكروات‪ -‬كانوا يضعوهنا اتقاء الربد‪ ،‬فعرفت يف أوروبا عن طريقهم‪ ،‬وُسيت‬
‫الكرفتة نسبة إىل الكروات‪ ،‬وإذا كان ذلك كذلك فإهنا تبقى على ما ذكرناه من األصل‪ ،‬من‬
‫أن اللباس إذا كان يف األصل عند الكفار‪ ،‬مث اشتهر بني املسلمني وصار املسلمون يلبسونه‬
‫حبيث ذهبت صفة االختصاص فيه‪ ،‬فإنه جيوز لبسه‪.‬‬

‫هذا هو الضابط ‪-‬يعين الثاين‪ ،-‬وأصله ودليله ما جاء عن عبد اهلل بن عمرو بن العاص رضي‬
‫اهلل عنه وعن أبيه أنه قال‪(( :‬رأى رسول اهلل صلى اهلل عليه سلم علي ثوبين معصفرين))‬
‫صا‪(( ،‬فقال‪ :‬إن‬
‫نبت يضرب إىل احلمرة‪ ،‬فيكون ثوبًا أمحر خال ً‬
‫أي‪ :‬مصبوغني بالعصفر وهو ٌ‬
‫هذه من ثياب الكفار فال تلبسها)) رواه مسلم‪.‬‬

‫فعلَّة النهي أهنا من ثياب الكفار‪ ،‬فعلم من هذا احلديث أن املسلم ينهى عن أن يلبس من‬
‫ثياب الكفار اليت خيتصون هبا‪ ،‬أما اليت ينسجوهنا ويصلحوهنا فهذا ال بأس به‪ ،‬وقد كان النيب‬
‫صلى اهلل عليه وسلم والصحابة يلبسون الثياب املنسوجة من حيث جاءت‪.‬‬

‫أيضا جاء عن ابن عمر رضي اهلل عنهما أنه قال‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪(( :‬من‬
‫ً‬
‫تشبه بقوم فهو منهم)) رواه أبو داود‪ ،‬ومن قبله أمحد والبيهقي ومجاعة من أهل العلم‪ ،‬واحلديث‬
‫قال عنه ابن حجر إنه ثابت‪ ،‬وصححه األلباين وشيخنا ابن باز رحم اهلل اجلميع‪.‬‬
‫المجلس الرابع من فقه اللباس والزينة‬

‫وهذا يشمل اجلميع‪(( :‬من تشبه بقوم فهو منهم))‪ ،‬فمن تشبه بالكفار فهو منهم‪ ،‬ال يعين‬
‫أنه كافر‪ ،‬لكن يف هذا املنع من التشبه هبم‪.‬‬
‫باس معني أو ٍ‬
‫لون‬ ‫ومن تشبه بأهل البدع فهو منهم‪ ،‬فإذا كان أهل البدع يتميزون يف البلد بل ٍ‬
‫معني فال جيوز ألهل السنة أو للرجل أو املرأة من أهل السنة أن يتشبه هبم وأن يلبس لباسهم‪،‬‬
‫حبيث لو رئي لنسب إليهم‪ ،‬وقاعدة أهل السنة واجلماعة متييز أهل السنة عن أهل البدعة حىت‬
‫يف اللباس‪.‬‬
‫كذلك إذا كانت هناك امرأة مسلمة لكنها فاسقة شهرت بفسق‪ ،‬واشتهرت ٍ‬
‫بلباس معني حىت‬
‫صار ينسب إليها؛ فإنه ال جيوز للمسلمة أن تتشبه هبا يف ذلك اللباس‪.‬‬

‫الضابط الثالث‪ :‬أن ال يكون يف اللباس إسر ٌ‬


‫اف‪ ،‬فإن النيب صلى اهلل عليه وسلم هنى عن‬
‫ذلك‪ ،‬وقد تقدَّم معنا يف احلديث أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال‪(( :‬كلوا واشربوا والبسوا‬
‫في غير إسراف وال مخيلة))‪ ،‬وجاء عن ابن ٍ‬
‫عباس رضي اهلل عنهما أنه قال‪(( :‬كل ما شئت‪،‬‬
‫والبس ما شئت‪ ،‬ما أخطأتك اثنتان‪ :‬شرف أو مخيلة)) رواه البخاري تعلي ًقا جم ً‬
‫زوما به‪ ،‬وقال‬
‫ابن حجر رمحه اهلل‪ :‬وصله ابن أيب شيبة‪.‬‬

‫عموما هو جماوزة احلد‪ ،‬وهو يف اللباس صفةٌ يف الفعل‪ ،‬وصفةٌ يف الفاعل‪،‬‬


‫وضابط اإلسراف ً‬
‫هذا الذي يضبط اإلسراف يف اللباس‪ ،‬إذا علمتم هذا ستضبطونه‪ ،‬هو صفةٌ يف الفعل‪ ،‬وصفةٌ‬
‫يف الفاعل‪ ،‬أما الصفة يف الفعل فأمران‪:‬‬

‫األول‪ :‬جماوزة قدر احلاجة حبيث يقتين اإلنسان من اللباس ما ال حيتاج إليه غالبًا‪ ،‬وال يكاد‬
‫حيتاجه‪ ،‬وإمنا يكون كاملعرض عنده‪ ،‬كما نسمع فالن عنده مخس مائة نعل‪ ،‬هذا إسراف‪،‬‬
‫جماوزة قدر احلاجة‪ ،‬حبيث يقتين اإلنسان من األلبسة ما ال يكاد حيتاج إليه‪ ،‬إن مل نقل ما ال‬
‫أبدا‪.‬‬
‫أصال‪ ،‬ولن حيتاج إىل لبسه‪ ،‬وقد ال يلبسه ً‬
‫حيتاج إليه ً‬

‫واألمر الثاني يف اإلسراف الذي هو صفه يف الفعل‪ :‬جماوزة احلد يف التنعم والرتفه‪ ،‬كأن يشرتي‬
‫حمتاجا‬
‫اإلنسان نعل بثالثة آالف أو أربعة آالف‪ ،‬فهذه جماوزةٌ للحد يف الرتفه‪ ،‬لكن لو كان ً‬
‫المجلس الرابع من فقه اللباس والزينة‬

‫له ومل جيده إال هبذا الثمن فال حرج‪ ،‬هذا للحاجة ليس إسرافًا‪ ،‬مثل إنسان حيتاج إىل نعل بصفة‬
‫معينة‪ ،‬ومل جيده إال بثالثة آالف أو أربعة آالف‪ ،‬ال حرج يف أن يشرتيه‪.‬‬

‫وأما الصفة في الفاعل فهي‪ :‬أن يتعدى اإلنسان ما يلبسه أمثاله إىل لبس من هو أغىن منه‪،‬‬
‫كأن يتعدى الفقري لبس أمثاله إىل لبس األغنياء املرتفِّهني وهو ال جيد‪ ،‬وقد يقرتض من أجل‬
‫هذا‪ ،‬فهذا إسراف لصفة يف الفاعل‪.‬‬
‫لصفة يف الفعل‪ ،‬وقد يكون ٍ‬
‫لصفة يف‬ ‫إذن اإلسراف يف اللباس الذي هنينا عنه قد يكون ٍ‬
‫الفاعل‪ ،‬هذا الضابط‪.‬‬

‫وأما الضابط الرابع فهو‪َّ :‬أال يكون اللباس لباس خميلة‪ ،‬كما تقدم يف احلديث معنا يف الضابط‬
‫الثالث‪.‬‬

‫واملخيلة هي الكرب والفخر والرتفع على الناس‪ ،‬فإذا كان لبس اإلنسان من باب الكرب والفخر‬
‫والرتفع على أمثاله‪ ،‬فإنه يكون حر ًاما ومنهيًا عنه‪.‬‬

‫والضابط الخامس‪َّ :‬أال يكون اللباس لباس شهرة‪ ،‬وهنا جيب أن نفهم املوضوع‪ ،‬لباس الشُّهرة‬
‫مشروعا‪،‬‬
‫ً‬ ‫هو اللِّباس الذي يتميز به الناس حبيث يرفع الناس أبصارهم إليه من غري أن يكون‬
‫وقد يكون ذلك‪:‬‬

‫‪ -‬لنفاسة اللباس حبيث أنه غري معتاد عند الناس حىت أن الناس إذا رأوه يلتفتون إىل صاحبه‪.‬‬

‫‪ -‬وقد يكون ذلك لدناءة اللباس حبيث ال يلبس يف العادة‪ ،‬وإذا لبسه اإلنسان نظر الناس إليه‪:‬‬
‫ما هذا اللباس؟‬

‫‪ -‬وقد يكون لغرابته يف هيأته‪ ،‬يف لونه‪ ،‬يكون غريبًا على أهل البلد حبيث يلفت أنظار الناس‪.‬‬

‫فهذا لباس الشهرة‪.‬‬

‫مشروعا وقد تركه الناس فهذا ليس من لباس الشهرة‬


‫ً‬ ‫أما اللباس الذي يلفت أنظار الناس لكونه‬
‫مثال فوق الكعبني إىل ربع الساق من‬
‫مثال يقصر ثوبه ويرفعه ً‬
‫يف شيء‪ ،‬كأن طالب العلم ً‬
‫المجلس الرابع من فقه اللباس والزينة‬

‫أسفل‪ ،‬أو نصف الساق من أسفل‪ ،‬أو جيتنب ما شاع بني الناس من األلبسة احملرمة‪ ،‬وينظر‬
‫الناس إليه ويستغربون‪ ،‬هذا ليس لباس شهرة بل هذا يؤجر مرتني‪:‬‬

‫المرة األولى‪ :‬لكونه لبس املشروع‪.‬‬

‫والمرة الثانية‪ :‬لكونه أحيا املشروع حيث أماته الناس‪.‬‬

‫فال ينبغي اخللط بني لباس الشهرة وإحياء املشروع الذي اندثر بني الناس‪.‬‬

‫وقد جاء أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال‪(( :‬من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه اهلل‬
‫ثوب مذلة يوم القيامة‪ ،‬ثم ألهب فيه نارا))‪ ،‬رواه اإلمام أمحد وأبو داود وابن ماجه‪ ،‬وحسنه‬
‫مجاعةٌ من أهل العلم منهم املنذري‪ ،‬ومنهم األلباين‪ ،‬وصححه الشيخ أمحد شاكر‪.‬‬

‫ومبناسبة هذه الضوابط الثالثة األخرية أحب أن أنبه اإلخوة إىل أنه يستحب لإلنسان ومن‬
‫كمال إميانه أن يعود نفسه على عدم التنعم يف اللباس ولو أحيانًا‪ ،‬وأن جيرب التقشف يف‬
‫لباسه من غري أن يصل إىل لباس ٍ‬
‫دون أو لباس شهرة‪ ،‬فيعود نفسه على عدم اإلغراق يف الرتفه‬
‫يف اللباس‪ ،‬وإن كان غنيًا‪ ،‬وإن كان من كبار الناس‪ ،‬فيدرب نفسه على التقشف أحيانًا‪.‬‬

‫وقد قال النيب صلى اهلل عليه وسلم‪(( :‬البذاذة من اإليمان))‪ ،‬واحلديث رواه أبو داود وابن‬
‫ماجة وصححه األلباين‪.‬‬

‫دائما‪.‬‬
‫متعودا عليه ً‬
‫متوسعا يف التنعم ً‬
‫ً‬ ‫والبذاذة‪ :‬هي التقشف‪ ،‬وأن ال يكون اإلنسان‬

‫رجل من‬
‫عامال مبصر‪ ،‬فأتاه ٌ‬
‫رجل من أصحاب رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ً‬ ‫وقد كان ٌ‬
‫أصحابه فإذا هو شعث الرأس فقال‪( :‬ما يل أراك شعثًا وأنت أمري؟ فقال‪ :‬كان النيب صلى اهلل‬
‫عليه وسلم ينهى عن كث ٍري من اإلرفاه)‪ ،‬رواه النسائي وأبو داوود وصححه األلباين‪ ،‬وزاد يف‬
‫رواية أيب داود قال‪( :‬فما يل ال أرى عليك حذاءً؟ فقال‪ :‬كان النيب صلى اهلل عليه وسلم يأمرنا‬
‫أن حنتفي أحيانًا)‪.‬‬
‫المجلس الرابع من فقه اللباس والزينة‬

‫قال ابن حجر رمحه اهلل‪( :‬اإلرفاه هو التنعم والراحة‪ ،‬وقيده يف احلديث بكث ٍري من اإلرفاه إشارة‬
‫إىل أن الوسط املعتدل منه ال يذم)‪ ،‬تقييده يف احلديث إشارةٌ إىل أن الوسط من التنعم ال يذم‪،‬‬
‫أيضا ال يذم التنعم مطل ًقا ما مل يصل إىل حد اإلسراف أو لباس الشهرة‪ ،‬لكن يستحب‬
‫و ً‬
‫لإلنسان أنه أحيانًا يعود نفسه على التقشف‪.‬‬

‫وقال شيخنا جبل املدينة الشيخ عبد احملسن العباد حفظه اهلل عز وجل قال‪( :‬كان ينهى عن‬
‫كثريا‪ ،‬ومل ينههم عن الرتجل وحتسني اهليئة‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫كثريا أو التوسع ً‬
‫كثري من اإلرفاه) يعين‪ :‬عن التنعم ً‬
‫وإمنا الذي هناهم عنه هو التوسع يف ذلك‪.‬‬

‫واملقصود من احلديثني واهلل أعلم أن اإلنسان يدرب نفسه على عدم اإلغراق يف التنعم‪ ،‬وعلى‬
‫التقشف أحيانًا حىت تبقى فيه الصفات اليت البد منها‪ ،‬وال يدري اإلنسان قد حيتاج إىل هذا‬
‫التقشف‪ ،‬وقد رأينا من الناس من ال يستطيع أن ميشي حافيًا ولو مسافةً قصرية؛ ألنه عود‬
‫أبدا‪ ،‬وهكذا يف سائر األلبسة‪ ،‬وهذا‬
‫دائما وعدم السري حافيًا ً‬
‫نفسه على التنعم بلبس النعل ً‬
‫أيضا من أصول الرتبية أن الوالدين يعودان األبناء والبنات على التقشف أحيانًا ولو كانوا أغنياء‪،‬‬
‫ً‬
‫وهذا من األمور الشرعية ومن كمال اإلميان‪.‬‬

‫الضابط السادس‪ :‬أن ال يكون اللباس ً‬


‫حمرما‪ ،‬وسيأيت الكالم على لبس احلرير وما يتعلق‬
‫بذلك‪.‬‬

‫مباحا‪ ،‬ويتمسك فيه باألصل يف األلبسة‪.‬‬


‫فهذه الضوابط إذا سلم منها اللباس فإنه يكون ً‬
‫ساترا لبدهنا كله‪ ،‬وأال يكون زينةً يف‬
‫وتراعي املرأة يف لباسها عند خروجها من بيتها أن يكون ً‬
‫ظاهرها‪ ،‬وأال يصف شيئًا من بدهنا‪.‬‬

‫حمرما‪ ،‬وكما علمنا اللباس‬


‫مباحا أن ال يكون ً‬
‫تقدم معنا أن من ضوابط اللباس حىت يكون ً‬
‫احملرم هو الذي ورد النهي عنه يف الشرع‪.‬‬
‫المجلس الرابع من فقه اللباس والزينة‬

‫ومن اللباس احملرم اللباس الذي عليه صور ذوات األرواح برؤوسها‪ ،‬فإنه حر ٌام كما نص عليه‬
‫الشافعية واحلنابلة ومجاعة من احلنفية‪ ،‬واختاره مجاعة من أهل العلم منهم شيخنا الشيخ ابن‬
‫باز رمحه اهلل عز وجل‪ ،‬وشيخنا الشيخ ابن عثيمني رمحه اهلل عز وجل‪.‬‬
‫وذلك أن الصور لذوات األرواح جتعل البيت غري ٍ‬
‫طيب ومتنع دخول املالئكة إىل البيت‪،‬‬
‫واملؤمن حباجة إىل دخول املالئكة إىل بيته‪ ،‬وقد جاء عن زيد بن خالد اجلهين رضي اهلل عنه‬
‫أنه قال‪ :‬إن أبا طلحة حدثه أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال‪(( :‬ال تدخل المالئكة بيتًا فيه‬
‫صورة)) واحلديث ٌ‬
‫متفق عليه‪.‬‬

‫وجاء عن أمنا عائشة أم املؤمنني رضي اهلل عنها وأرضاها أهنا اشرتت منرقةً فيها تصاوير‪ ،‬فلما‬
‫رآها رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قام على الباب فلم يدخل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وظهر‬
‫يف وجهه الكراهية‪ ،‬فعرفت أمنا عائشة رضي اهلل عنها ذلك يف وجهه‪ ،‬فقالت‪(( :‬يا رسول اهلل‬
‫أتوب إلى اهلل وإلى رسوله ماذا أذنبت؟ فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬ما بال هذه‬
‫النمرقة؟ فقالت‪ :‬اشتريتها لك لتقعد عليها وتوسدها))‪ ،‬والنمارق‪ :‬هي الوسائد اليت تبث‬
‫ليجلس عليها أو تتوسد‪ ،‬فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪(( :‬إن أصحاب هذه الصور‬
‫يعذبون يوم القيامة‪ ،‬ويقال لهم‪ :‬أحيوا ما خلقتم))‪ ،‬وقال صلى اهلل عليه وسلم‪(( :‬إن البيت‬
‫الذي فيه صورة ال تدخله المالئكة)) واحلديث ٌ‬
‫متفق عليه‪.‬‬

‫فدل ذلك على أنه ال جيوز لبس الثياب اليت عليها صور إال إذا كانت مهانة‪ ،‬كأن أن تكون‬
‫الصورة يف الشراب يف أسفل الرجل أو حنو ذلك‪.‬‬

‫أما صور ذوات األرواح اليت قطعت رؤوسها أو بدون رؤوس وإمنا هي أجساد بدون رؤوس‬
‫صور لذوات األرواح بدون رؤوس‪.‬‬
‫فهذه ال متنع اللبس‪ ،‬وجيوز لبس اللباس الذي فيه ٌ‬
‫وقد جاء عن أيب هريرة رضي اهلل عنه أنه قال‪ :‬استأذن جربيل عليه السالم على النيب صلى‬
‫اهلل عليه وسلم‪ ،‬فقال النيب صلى اهلل عليه وسلم‪(( :‬ادخل‪ ،‬فقال جبريل عليه السالم‪ :‬كيف‬
‫أدخل وفي بيتك ستر فيه تصاوير؟ فإما أن تقطع رؤوسها أو تجعل بساطًا يوطأ‪ ،‬فإنا‬
‫المجلس الرابع من فقه اللباس والزينة‬

‫معشر المالئكة ال ندخل بيتًا فيه تصاوير))‪ ،‬رواه النسائي وصححه األلباين‪ ،‬وجود إسناده‬
‫ابن باز رحم اهلل اجلميع‪.‬‬

‫سبحان اهلل! هذا بيت من؟!‬

‫هذا بيت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬ومع ذلك يقول جربيل عليه السالم إنا ال ندخل‬
‫بيتًا فيه تصاوير‪.‬‬

‫وأفادنا احلديث فائدتني عظيمتني يف التعامل مع الصور‪:‬‬

‫الفائدة األولى‪ :‬أن تقطع الرؤوس إذا كانت الصورة من ذوات األرواح‪ ،‬أن تقطع الرؤوس‪ ،‬أو‬
‫وتزول أو هتان‪.‬‬
‫تطمس حبيث ختتفي ْ‬

‫ولذلك قال جربيل عليه السالم‪ :‬فإما أن تقطع رؤوسها وتبقى‪ ،‬وإما أن جتعل بساطا يوطأ‪،‬‬
‫يعين‪ :‬تبقى على هيأهتا؛ ولكن جتعل بساطا يوطأ فيمتهن‪ ،‬وتكون مهانة‪.‬‬

‫وأما صور غري ذوات األرواح‪ :‬كالبحار والشمس واجلبال واألشجار‪ ،‬وكذلك ما أحدثه الناس‬
‫اليوم من غري أن يكون ذا روح مثل‪ :‬هذا الذي يضعونه على األطفال صورة اسفنجة وعليها‬
‫صورة عيون وحنو ذلك‪ ،‬فهذه ليست من ذوات األرواح وإن صورت هبذه الصور اليت تشاهد‪،‬‬
‫فهذه الصور ال متنع من اللباس‪ ،‬وجيوز لبس اللباس الذي فيه هذه الصور؛ ألن تصوير غري‬
‫ذوات األرواح ال بأس فيه وال حرج فيه‪.‬‬

‫وقد جاء رجل إىل ابن عباس رضي اهلل عنهما فقال‪ :‬إين رجل أصو هذه الصور فأفتين فيها‪،‬‬
‫يعين أنا رجل أحب التصوير‪ ،‬وعندي ملكة‪ ،‬وأصور هذه التصاوير فأفتين فيها‪ ،‬فقال له ابن‬
‫عباس‪ :‬ادن مين‪ ،‬فدنا منه قليال‪ ،‬مث قال‪ :‬ادن مين‪ ،‬فدنا منه حىت وضع يده على رأسه‪ ،‬وضع‬
‫ابن عباس رضي اهلل عنهما يده على رأسه‪ ،‬وهذا من التحبب‪ ،‬وأهل العلم ينبغي عليهم أن‬
‫يتحببوا للناس‪ ،‬وأن حيببوا احلق للناس‪ ،‬وأن يقربوا احلق للناس هبيئتهم‪ ،‬بأسلوهبم‪ ،‬ببسمتهم‪،‬‬
‫بطريقتهم‪ ،‬باحرتامهم للناس‪ ،‬حبسن تعاملهم مع أهلهم‪ ،‬حنن طالب العلم وأهل العلم قد ننفر‬
‫أهلنا من العلم؛ ألننا نتساهل يف داخل بيوتنا ويف تعاملنا مع أهلنا‪ ،‬وقد نتجرد حىت من علمنا‪،‬‬
‫المجلس الرابع من فقه اللباس والزينة‬

‫وقد نكون حىت أقل من العوام أحيانا يف تعاملنا مع أهلنا‪ ،‬فينسب أهلنا عملنا إىل علمنا‪،‬‬
‫فينفرون من العلم واهلل‪ ،‬كأنا ندخل يف قوله صلى اهلل عليه وسلم‪(( :‬إن منكم منفرين))‪ ،‬وهذا‬
‫أقع فيه أنا ويقع فيه غريي من طالب العلم غفلة منا‪.‬‬

‫فينبغي أن نتنبه وأن حنسن وأن حنبب احلق إىل اخللق‪ ،‬ليس مطلوبا منا أن نرتك احلق أو أن‬
‫نتنازل أو نكون ما يطلبه املستمعون‪ ،‬لكن املطلوب منا أن نظهر باألسلوب احلسن والطريقة‬
‫احلسنة‪ ،‬وأن يظهر أثر علمنا علينا‪.‬‬

‫فابن عباس رضي اهلل عنهما وضع يده على رأس هذا الرجل‪ ،‬وقال‪ :‬أنبئك مبا ُسعت من‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ُ :‬سعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول‪(( :‬كل مصور‬
‫في النار‪ ،‬يجعل له بكل صورة صورها نفساً فتعذبه في جهنم‪ ،‬ثم قال‪ :‬وإن كنت البد‬
‫فاعال فاصنع الشجر وما ال نفس له)) رواه الشيخان‪.‬‬

‫فأفتاه وبني له احلرام ودله على احلالل‪ ،‬فاحلرام أن يصور ذوات األرواح سواء كان هذا من‬
‫باب التماثيل أو من باب الرقم‪ ،‬أو غري ذلك كما دلت عليه النصوص‪ ،‬وأرشده إىل أن املباح‬
‫باب واسع‪ ،‬فيستطيع أن يصور كل ما ال روح له‪ ،‬كل ما ال نفس له من الشجر‬
‫يف التصوير ٌ‬
‫واجلبال والبحار والفضاء‪ ،‬بل حىت لو صور أجسادا بال رؤوس فهذا ال بأس به‪ ،‬وما دام أنه ال‬
‫بأس مثل هذا التصوير فإنه ال بأس بلبس املالبس إذا كان فيها هذه الصور‪.‬‬

‫كذلك مما حيرم لبسه اللباس الذي تكون مكتوبة عليه آيات أو أُساء اهلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬إذا‬
‫كان ذلك على سبيل الدميومة‪ ،‬أما إذا كان ذلك لعارض كأن كتب على الفانيلة مثال اسم اهلل‬
‫لغرض‪ ،‬مث يزال هذا‪ ،‬وال تلقى وال هتان فهذا ال بأس به إن شاء اهلل‪ ،‬لكن أن يكتب ذلك‬
‫على فانيال أو ثوب أو حنو ذلك فهذا ال جيوز؛ ألنه يؤدي إىل امتهاهنا‪ ،‬يدخل هبا احلمام‪،‬‬
‫وترمى على األرض‪ ،‬وتوضع مع املالبس الوسخة‪ ،‬ورمبا قاد ذلك إىل اعتقاد أهنا متيمة متنع من‬
‫العني أو متنع من الضرر‪ ،‬والتميمة ال جتوز ولو كانت من القرآن‪ ،‬ومن تعلق متيمة فال أمت اهلل‬
‫له‪ ،‬ومن تعلق شيئا وكل إليه‪ ،‬فهذا ال جيوز‪.‬‬
‫المجلس الرابع من فقه اللباس والزينة‬

‫ولذلك قال شيخنا ابن باز رمحه اهلل عز وجل‪( :‬إن الكتابة على الفانيلة بسم اهلل الرمحن‬
‫الرحيم غري جائز؛ ألهنا عرضةٌ ألن تلقى يف احملالت اليت ال يتوقى فيها القذر‪ ،‬وقد تلقى يف‬
‫ٍ‬
‫حمالت ليست نظيفة‪ ،‬فاحلاصل أنه ال ينبغي أن يكتب على الفانيلة وما أشبهها أُساء الرب‬
‫عز وجل‪ ،‬وال بسم اهلل الرمحن الرحيم‪ ،‬وال آيات القرآن؛ ألن هذا قد ميتهن وقد يداس)‪.‬‬

‫أمر ينبغي التنبه إليه‪ ،‬ولعل األمر هنا يدعوين إىل‬


‫فاملقصود من هذا أن هذا ال جيوز‪ ،‬وهذا ٌ‬
‫التنبيه إىل أمر وهو كتابة اسم اهلل عز وجل عندما يكون االسم معبدا له على األكياس وحنوها‬
‫اليت ترمى يف الزباالت وحنو ذلك‪ ،‬فيكتب‪ :‬حمالت كذا لصاحبها عبد اهلل أو عبد الرمحن أو‬
‫عبد الرحيم أو عبد الرزاق أو عبد احملسن أو حنو ذلك‪ ،‬فإن هذا االسم اسم اهلل عز وجل‪،‬‬
‫وهذه األكياس ترمى وهتان‪ ،‬فينبغي احلذر من كتابتها ويستعاض عنها‪.‬‬

‫وإذا كان بعض الفقهاء كبعض فقهاء احلنفية كرهوا التسمية مبا يعبد هلل عز وجل يف زماهنم؛‬
‫ألن أهل زماهنم صاروا يصغرون االسم بتصغري اسم اهلل ‪-‬هكذا قالوا‪ ،-‬فيقولون عن عبد‬
‫الكرمي‪ْ :‬كرِّْمي‪ ،‬ويقولون عن عبد القادر‪ :‬قْديِّ ْر وحنو ذلك‪ ،‬فكيف مبثل هذا الذي تكتب فيه‬
‫األُساء املعبدة هلل عز وجل على األكياس اليت ال تكرم وترمى وتلقى‪ ،‬فينبغي التنبه هلذا األمر‪.‬‬

‫أيضاً من األلبسة احملرمة للرجل أن يلبس الرجل لباسا فيه إسبال‪ ،‬ولباس الرجل أربعة أقسام‪:‬‬

‫القسم األول‪ :‬ما أسفل من الكعبني‪ ،‬وهذا هو اإلسبال وسنتكلم عنه‪.‬‬

‫القسم الثاني‪ :‬ما يغطي الكعبني وال ينزل عنهما‪ ،‬وال ينبغي للمسلم أن جيعل لكعبيه حظا‬
‫ظ من اإلزار‪.‬‬
‫من قميصه‪ ،‬من إزاره‪ ،‬من سرواله‪ ،‬من بنطاله‪ ،‬فليس للكعبني ح ٌ‬

‫والقسم الثالث‪ :‬من فوق الكعبني مباشرة وهذا مباح‪.‬‬

‫القسم الرابع‪ :‬أن يرتفع عن الكعبني حبيث ال يتجاوز أنصاف الساقني‪ ،‬وهذا سنة ومشروعٌ‬
‫للرجل أن يفعله‪.‬‬
‫المجلس الرابع من فقه اللباس والزينة‬

‫ومن ٍ‬
‫أسف أن بعض املسلمني استملحوا للمرأة أن تلبس لباسها إىل نصف ساقيها‪ ،‬واستقبحوا‬
‫وجهل بالشرع‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫انتكاس للفطر‬
‫ٌ‬ ‫للرجل أن يلبس لباسه إىل نصف ساقيه‪ ،‬وهذا‬

‫الشاهد أن حظ الرجلني من لباس الرجل على هذه األقسام األربعة‪ ،‬والكالم هنا عن اإلسبال‪،‬‬
‫واإلسبال‪ :‬أن ينزل الثوب بقصد عن الكعبني‪ ،‬فما دام أنه نزل عن الكعبني بقصد فقد حصل‬
‫اإلسبال‪.‬‬

‫وقولنا‪( :‬بقصد) هذا إلخراج ما لو كان على اإلنسان مثالً سراويل فاسرتخت فنزل السروال‬
‫عن الكعبني‪ ،‬فهذا بغري قصد‪ ،‬لكن إذا تنبه يرفعه‪ ،‬وإذا كان يشق عليه أن يتعاهده فإنه يعفى‬
‫عنه‪.‬‬

‫واإلسبال على حالني‪:‬‬

‫الحالة األولى‪ :‬أن يكون قصد صاحبه الكرب واملخيلة والرتفع وال مينعه من تركه إال الكرب‪،‬‬
‫نص على حرمته علماء اإلسالم من املذاهب األربعة وغريها‪.‬‬
‫فهذا حر ٌام َّ‬
‫وقد جاء يف حديث ابن عمر رضي اهلل عنهما أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال‪(( :‬من‬
‫جر ثوبه خيالء لم ينظر اهلل إليه يوم القيامة)) ٌ‬
‫متفق عليه‪.‬‬ ‫َّ‬
‫جر ثوبه))‪ :‬يعين على األرض؛ يعين من الرجال‪.‬‬
‫(( ّ‬
‫((خيالء))‪ :‬بسبب الكرب‪ ،‬ومل مينعه من رفعه إال الكرب؛ ((لم ينظر اهلل إليه يوم القيامة))‪.‬‬

‫وجاء عن أيب ذ ٍر الغفاري رضي اهلل عنه عن النيب صلى اهلل عليه وسلم أنه قال‪(( :‬ثالثة ال‬
‫يكلمهم اهلل يوم القيامة وال ينظر إليهم وال يزكيهم ولهم عذاب أليم))‪.‬‬

‫(ثالثة ال يكلمهم اهلل يوم القيامة) قالوا‪ :‬تكليم رمحة‪.‬‬

‫(وال ينظر إليهم)‪ ،‬قالوا‪ :‬نظر رمحة‪( ،‬وال يزكيهم ولهم عذاب أليم)‪.‬‬
‫المجلس الرابع من فقه اللباس والزينة‬

‫قال‪ :‬فقرأها رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ثالث مرات‪ ،‬قال أبو ذ ٍر رضي اهلل عنه‪ :‬خابوا‬
‫وخسروا من هم يا رسول اهلل؟ فقال صلى اهلل عليه وسلم‪(( :‬المسبل والمنَّان والمنفق سلعته‬
‫بالحلف الكاذب))‪.‬‬
‫فاملسبل خيالء م َّتوعد هبذا الوعيد الشديد‪ ،‬وهذا ُّ‬
‫يدل على أن اإلسبال خبيالء مقصود من‬
‫صاحبه كبرية من كبائر الذنوب والعياذ باهلل‪.‬‬

‫وقال الرسول صلى اهلل عليه وسلم كما يف حديث جابر بن سليم رضي اهلل عنه‪(( :‬إياك‬
‫وإسبال اإلزار فإنها من المخيلة‪ ،‬وإن اهلل ال يحب المخيلة))‪ ،‬واحلديث أبو داوود والبيهقي‬
‫وله طرق‪ ،‬ولذلك صححه األلباين والوادعي رحم اهلل اجلميع‪.‬‬

‫وبني أن اإلسبال من املخيلة؛ أي‪ :‬من الكرب‪،‬‬


‫فالنيب صلى اهلل عليه وسلم هنى عن اإلسبال‪َّ ،‬‬
‫والكرب من كبائر الذنوب‪.‬‬

‫والحالة الثانية‪ :‬أن يكون اإلسبال من غري قصد الكرب لكنه بقصد اإلسبال؛ يعين‪ :‬هو يسبل‬
‫ٍ‬
‫خالف بني أهل العلم‪ ،‬والراجح واهلل أعلم أنه‬ ‫وهو يعلم‪ ،‬لكنه ال يقصد الكرب‪ ،‬فهذا حمل‬
‫نص عليه مجاعة من أهل العلم‪ ،‬مجاعة من احلنابلة وابن تيمية وابن القيم‬
‫حرام‪ ،‬ال جيوز كما َّ‬
‫والشوكاين وابن باز وابن عثيمني رحم اهلل اجلميع‪.‬‬

‫وقد قال ابن العريب املالكي‪( :‬ال جيوز للرجل أن جياوز بثوبه كعبه‪ ،‬ويقول ال أتكرب فيه)‪ ،‬يقول‬
‫كما فيقول‬
‫متكربا؛ ألن النهي تناوله لفظًا وتناول علته‪ ،‬وال جيوز أن يتناول اللفظ ح ً‬
‫أنا لست ً‬
‫يف فإهنا خمالفةٌ للشريعة ودعوى ال تسلَّم له‪.‬‬
‫املسلم إنين لست ممن ميتثله؛ ألن العلة ليست َّ‬
‫وقال ابن حجر رمحه اهلل يف هذه األحاديث‪ :‬أن إسبال اإلزار للخيالء كبرية‪ ،‬وأما اإلسبال لغري‬
‫اخليالء فظاهر األحاديث حترميه‪.‬‬

‫وقال الشيخ ابن باز رمحه اهلل‪ :‬هذان احلديثان يبيِّنان أنه ال جيوز إسبال الثياب للرجل‪ ،‬وأن‬
‫ذلك مع اخليالء يكون َّ‬
‫أشد إمثًا وأعظم جرمية‪.‬‬
‫المجلس الرابع من فقه اللباس والزينة‬

‫قلت‪ :‬والنيب صلى اهلل عليه وسلم َّبني أن اإلسبال ذاته من املخيلة ولو مل يقصد اإلنسان‪ ،‬واهلل‬
‫ال حيب املخيلة وال حيب الكرب‪ ،‬وإذا علمت يا عبد اهلل أن ربك الذي خلقك وأنعم عليك‬
‫بالنعم ومنها اللباس ال حيب منك هذا كيف تفعله!؟ وهو واهلل ال يضرك لو تركته‪ ،‬بل هو خريٌ‬
‫ومروءةٌ ونزاهةٌ ونظافةٌ وطاعةٌ ترفع هبا عند اهلل سبحانه وتعاىل‪.‬‬

‫وقد جاء يف حديث أيب هريرة رضي اهلل عنه أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال‪(( :‬ما أسفل‬
‫من الكعبين من اإلزار ففي النار)) رواه البخاري يف الصحيح‪.‬‬

‫((ما أسفل من الكعبين من اإلزار ففي النار)) مطل ًقا‪ ،‬ومل يقيِّده النيب صلى اهلل عليه وسلم‬
‫باخليالء‪.‬‬

‫وال يقولن قائل إن املطلق هنا حيمل على املقيَّد هناك؛ ألن الوعيد هنا غري الوعيد هناك‪،‬‬
‫فالوعيد هناك أش ّد‪ ،‬أما هنا فهو وعي ٌد بالنار والعياذ باهلل‪ ،‬وهذا ُّ‬
‫يدل على أن اإلسبال ولو يكن‬
‫عن خيالء فإنه حرام‪ ،‬بل إنه كبرية؛ ألنه متوع ٌد عليه بالنار والعياذ باهلل‪.‬‬

‫وأنت أيها املسلم؛ أيها الرجل؛ إن مل تستطع أن تصل إىل الكمال يف أسفل لباسك فإياك أن‬
‫تقع يف احلرام‪ ،‬نعم يستحب لك أن ترفع إزارك إىل نصف الساق أو أسفل من نصف الساق‪،‬‬
‫وال حرج عليك إن أنزلته إىل ما فوق الكعبني مباشرة‪ ،‬وابتعد عن أن يكون على الكعبني‪،‬‬
‫واحذر من أن يكون أسفل من الكعبني‪.‬‬

‫وقد جاء يف حديث أيب سعيد اخلدري رضي اهلل عنه أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال‪:‬‬
‫((إزرة المسلم إلى نصف الساق))؛ يعين‪ :‬هذه السنّة‪(( ،‬وال حرج أو ال جناح فيما بينه‬
‫بطرا لم ينظر اهلل‬
‫جر إزاره ً‬
‫وبين الكعبين‪ ،‬وما كان أسفل من الكعبين فهو في النار‪ ،‬ومن َّ‬
‫إليه))‪ ،‬واحلديث رواه أبو داوود والنسائي وابن ماجه‪ ،‬وصححه النووي واأللباين ومجاعة من‬
‫أهل العلم‪.‬‬

‫وانظر هذا التقسيم البديع من النيب صلى اهلل عليه وسلم (أزرة المسلم)؛ أي‪ :‬الرجل‪.‬‬
‫المجلس الرابع من فقه اللباس والزينة‬

‫(إلى نصف ساقه) هذه السنّة هذا املستحب وهذا الكمال‪.‬‬

‫(وال حرج عليه فيما بينه وبين الكعبين)؛ ال حرج ً‬


‫أبدا‪ ،‬وال ينظر إليه بتنقص ولو كان من‬
‫طالب العلم‪ ،‬وما يفعله بعض إخواننا من أنه إذا رأى طالب عل ٍم جيعل ثوبه فوق الكعبني‬
‫تنقصه وازدراه‪ ،‬ورمبا تكلم عليه‪ ،‬ورمبا قال ال يؤخذ منه العلم‪ ،‬هذا ال ينبغي؛ فالنيب صلى اهلل‬
‫عليه وسلم نفى عنه احلرج فكيف جتعل عليه حرجا؟!‬

‫نعم؛ املرجو من طالب العلم أن يفعل الكمال‪ ،‬لكنه ليس بالزم له‪.‬‬

‫قال صلى اهلل عليه وسلم‪(( :‬ما كان أسفل من الكعبين فهو في النار)) هذا إذا كان أسفل‬
‫الكعبني من غري بطر‪ ،‬من غري خيالء من صاحبه‪.‬‬

‫وبطرا‪ ،‬وجاءت‬ ‫بطرا لم ينظر اهلل إليه)) انظر‪ ،‬جاء الثاين الذي جير إزاره ً‬
‫كربا ً‬ ‫((ومن جر إزاره ً‬
‫عقوبة أخرى (لم ينظر اهلل إليه)‪.‬‬

‫وأما املرأة املسلمة فاملشروع هلا أن تغطي رجليها‪ ،‬هذا الواجب عليها إذا كانت عند الرجال‬
‫األجانب‪ ،‬أو خترج من بيتها جيب عليها أن تغطي رجليها‪ ،‬وقد قال اهلل عز وجل‪َ ﴿ :‬وَال‬
‫ين ِمن ِزينَتِ ِه َّن ۚ﴾ [النور‪ ،]31 :‬إذن الزينة لن تظهر اليت تكون‬ ‫ِ‬ ‫ي ْ ِ ِ ِ‬
‫ض ِربْ َن بأ َْرجل ِه َّن لي ْعلَ َم َما ي ْخف َ‬‫َ‬
‫فوق الكعب مثل‪ :‬اخللخال‪ ،‬هي مغطاة لكن هي تضرب برجلها حىت خيرج الصوت‪ ،‬فدل‬
‫ذلك على أهنا تغطي رجليها‪.‬‬

‫وجاء عن ابن عمر رضي اهلل عنهما أنه قال‪ :‬قال رسول اهلل صلى عليه وسلم‪(( :‬من جر‬
‫ثوبه خيالء لم ينظر اهلل إليه يوم القيامة)) فقالت أم سلمة رضي اهلل عنها‪ :‬فكيف يصنعن‬
‫النساء بذيوهلن؟ فدل هذا على أن النساء املسلمات يف زمن النيب صلى اهلل عليه وسلم كن‬
‫شبرا))‪،‬‬
‫يرخني اللباس حبيث يكون كالذيل على األرض‪ ،‬فقال صلى اهلل عليه وسلم‪(( :‬يرخين ً‬
‫شربا‪ ،‬فقالت‪ :‬إذا تنكشف أقدامهن‪ ،‬يعين‪ :‬عند السري‪ ،‬سبحان اهلل!‬‫يرخينه على األرض ً‬
‫سبحان اهلل! هكذا نساء الصحابة رضوان اهلل عليهم‪ ،‬فقال صلى اهلل عليه وسلم‪(( :‬فيرخينه‬
‫المجلس الرابع من فقه اللباس والزينة‬

‫ذراعا ال يزدن عليه))‪ ،‬رواه الرتمذي والنسائي‪ ،‬وصححه الشيخ أمحد شاكر واأللباين رحم‬
‫اهلل اجلميع‪.‬‬

‫وقد أمجع العلماء على أن املشروع للمرأة أن ترخي لباسها‪ ،‬نعم؛ ال جيب عليه‪ ،‬الواجب عليها‬
‫اعا وذاك مبالغة يف السرت‪.‬‬
‫شربا أو ذر ً‬
‫أن تسرت بدهنا ورجليها‪ ،‬ولكن يشرع هلا أن ترخي ً‬
‫ضرا‬ ‫ٍ‬
‫ومن أسف أن بعض املسلمني عكسوا القضية‪ ،‬واستملحوا أن املرأة ترفع ثوهبا ويرونه حت ً‬
‫ومتدنًا وحرية شخصية‪ ،‬وال شك أن التحضر والتمدن يف شرع اهلل عز وجل‪ ،‬وأن احلرية بإمجاع‬
‫العقالء هلا قيودها‪ ،‬فالواجب على املسلمة أن تلزم شرع اهلل عز وجل ويف ذلك حياءها وحريتها‬
‫وخريها وبركتها وسعادهتا‪ ،‬ويف نفس الوقت استنكر أولئك األقوام أن يرفع الرجال بناطيلهم أو‬
‫قمصاهنم أو جالليبهم حىت ولو إىل ربع الساق‪ ،‬وينكرون عليه ويستقبحون‪ ،‬ورمبا سب وذم‪،‬‬
‫أين احلرية هنا؟! إمنا هي تسويالت من الشيطان‪.‬‬

‫فالواجب أن نعرف شرع اهلل‪ ،‬وأن نلزم شرع اهلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬وأن نعود أنفسنا واخلري عادة‪،‬‬
‫ومن عود نفسه على اخلري استقام له‪ ،‬واهلل كل أمر؛ حىت األخالق احلسنة إذا عودت نفسك‬
‫عليها صارت عادة‪ ،‬صارت عادة باملقصود أن اإلنسان يفعلها وال يتكلفها حىت؛ لكن حتتاج‬
‫صبورا‬
‫حليما حيتاج أن يتحلم ويتحلم ويتحلم‪ ،‬حىت يكون ً‬
‫إىل دربة‪ ،‬اإلنسان حىت يصبح ً‬
‫حيتاج أن يتصرب‪ ،‬ومن يتصرب يصربه اهلل‪.‬‬

‫اليوم املعاصرون يقولون‪ :‬كن إجيابيًا‪ ،‬تدرب على األخالق‪ ،‬كن خلوقًا‪ ،‬درب نفسك على‬
‫اخللق والسيما مع من ال تستحي منهم كزوجتك وأبنائك‪ ،‬درب نفسك على حسن األخالق‪،‬‬
‫فاخلري عادة وستتعود واهلل‪.‬‬

‫وإذا عودت نفسك على العكس سيستجريك الشيطان‪ ،‬إذا عودت نفسك على القسوة‬
‫والغلظة يف معاملتك ألهلك‪ ،‬يف معاملتك ألوالدك‪ ،‬سيستجريك الشيطان يف هذا الباب حىت‬
‫تقسوا وأنت ال تشعر‪ ،‬وليس عيبًا أن ختطأ فرتجع إىل الصواب‪ ،‬ليس عيبًا أن تكون عاملت‬
‫المجلس الرابع من فقه اللباس والزينة‬

‫أهلك بالقسوة حىت قسوت وأنت ال تشعر‪ ،‬أصبحت قاسيًا صلبًا معهم‪ ،‬وأنت ال تشعر‪ ،‬مع‬
‫أنك مع غريهم لني هني رفيق‪ ،‬ليس عيبًا أن تتنبه وترجع‪.‬‬

‫ومن الكمال أن تعتذر من أهلك‪ ،‬وتبدي هلم اللني‪ ،‬وتطلب منهم الصفح‪ ،‬كم حطمت‬
‫األخالق السيئة بيوتًا‪ ،‬وكم دمرت نفسيات‪ ،‬فينبغي علينا أن نتنبه‪ ،‬اخلري يف اللباس عادة‪ ،‬إذا‬
‫عودت املرأة نفسها على اللباس الشرعي وألزمت نفسها ستعتاد اخلري وتراه ويطمأن قلبها وتفرح‬
‫وتسعد‪ ،‬بعض النساء إذا جاءت تغطي وجهها يأتيها الشيطان يقول‪ :‬ما يف نفس‪ ،‬ما تستطيعني‬
‫أن تتنفسي‪ ،‬أنت بالذات ما تستطيعني‪ ،‬رمبا غريك يستطيع لكن أنت عندك كتمة‪ ،‬فإذا عصته‬
‫وعودت نفسها ستجد أنه يصبح سهال عليها مع سعادة وبركة جتدها يف قلبها‪ ،‬وهكذا يف كل‬
‫خري‪.‬‬

‫خريا فلنلزمه‪ ،‬ولندرب أنفسنا‬


‫فوصييت لنفسي وإخواين أن نعود أنفسنا على اخلري‪ ،‬وإذا ُسعنا ً‬
‫عليه‪ ،‬وسنصبح من أهله بإذن اهلل‪ ،‬وأن يعيننا اهلل على ذلك‪.‬‬

‫أسأل اهلل عز وجل بأُسائه احلسىن وصفاته العلى أن يتقبل منا ما تقدم‪ ،‬وأن يغفر لنا ما خنطئ‬
‫فيه يف حق أهلنا وإخواننا وعموم املسلمني‪ ،‬وأن يعيننا على الرجوع إىل الصواب‪.‬‬

‫اللهم يا ربنا يا حي يا قيوم يا ذا اجلالل واإلكرام نسألك بأُسائك احلسىن وصفاتك العلى أن‬
‫تزيد األمن يف بلدان اإلسالم اآلمنة‪ ،‬وأن تعيد األمن إىل بلدان اإلسالم اليت فقدت أمنها‬
‫بالفنت والثورات وغريها‪ ،‬ونسألك يا ربنا أن تصلح احلال بني الراعي والرعية يف كل مكان‪ ،‬امأل‬
‫قلوب الرعاة حبًا للرعية‪ ،‬وامأل قلوب الرعية حبًا لوالة األمر يا رب العاملني‪.‬‬

‫اللهم يا ربنا يا حي يا قيوم يا ذا اجلالل واإلكرام نسألك أن تنزل السكينة واالستقرار يف بيوت‬
‫األسر املسلمة‪ ،‬اللهم يا ربنا يا حي يا قيوم اجرب قلوبًا كسرت‪ ،‬اللهم اجرب كسرها‪ ،‬وأطب‬
‫حاهلا‪ ،‬وأسعدها يا رب العاملني‪.‬‬

‫هذا ما تيسر إراده يف هذا اجمللس‪ ،‬ولنا لقاء إن شاء اهلل يف اجمللس اخلامس التايل‪ ،‬واهلل تعاىل‬
‫أعلى وأعلم‪ .‬والسالم عليكم ورمحة اهلل وبركاته‪.‬‬
‫المجلس الخامس من فقه اللباس والزينة‬

‫السالم عليكم ورمحة اهلل وبركاته‪ ،‬احلمدهلل رب العاملني والصالة والسالم األمتان األكمالن على املبعوث‬
‫رمحة للعاملني وعلى آله وصحبه أمجعني‪ ،‬أما بعد‪:‬‬

‫فإخواين وأخوايت يف كل مكان‪ ،‬هذا هو اجمللس اخلامس من جمالس هذه الدورة العلمية الثالثة‪ ،‬من‬
‫سلسلة دورات فقه األسرة‪ ،‬واليت خصصناها للكالم عن فقه اللباس والزينة‪.‬‬

‫وقد تقدم يف آخر اجمللس املاضي أن من ضوابط الثياب املباحة واأللبسة املباحة‪ :‬أال تكون حمرمة شرعا؛‬
‫وذلك أن األصل يف األلبسة اإلباحة‪ ،‬إال إذا جاء دليل على التحرمي فإنه حيرم لبس ما دل الدليل على‬
‫حترميه‪.‬‬

‫وتقدم معنا الكالم عن بعض األلبسة احملرمة‪ ،‬ونواصل يف هذا اجمللس الكالم عنها وعن بقية مباحث‬
‫اللباس‪.‬‬

‫فمن األلبسة المحرمة‪ :‬ما كان من احلرير بالنسبة للرجال‪ ،‬فيحرم على الرجال لبس املالبس من احلرير‬
‫الطبيعي‪ ،‬وقد نص على ذلك علماء اإلسالم من املذاهب األربعة وغريها‪ ،‬بل حكى بعض أهل العلم‬
‫اإلمجاع على هذا؛ يقول احلافظ بن عبد الرب رمحه اهلل عز وجل‪( :‬أمجع السلف واخللف من العلماء‬
‫على أنه إذا كان الثوب حريرا كله‪ ،‬فإنه ال جيوز للرجال لباسه)‪.‬‬

‫وقال أيضا‪( :‬أمجع العلماء على أن لباس احلرير حالل للنساء وأن الثوب إذا كان حريرا كله‪ ،‬ال جيوز‬
‫لباسه للرجال)‪.‬‬
‫وقال اإلمام ابن قدامة رمحه اهلل عز وجل وسائر علماء املسلمني‪( :‬ال نعلم يف حترمي لبس ذلك على‬
‫الرجال اختالفا‪ ،‬إال لعارض أو عذر) وهذا سيأتينا إن شاء اهلل عز وجل‪.‬‬

‫وقال النووي رمحه اهلل عز وجل‪( :‬هذا الذي ذكرناه من حترمي احلرير على الرجال وإباحته للنساء هو‬
‫مذهبنا ‪-‬أي‪ :‬مذهب الشافعية‪ -‬ومذهب اجلماهري‪ ،‬وحكى القاضي عن قوم إباحته للرجال والنساء‪،‬‬
‫وعن ابن الزبري حترميه عليهما‪ ،‬مث انعقد اإلمجاع على إباحته للنساء وحترميه على الرجال)‪.‬‬
‫المجلس الخامس من فقه اللباس والزينة‬

‫وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل‪( :‬ولبس احلرير حرام على الرجال بسنة رسول اهلل صلى اهلل‬
‫عليه وسلم وإمجاع العلماء)‪.‬‬

‫فالرجل ال جيوز له أن يلبس اللباس من احلرير‪ ،‬سواء كان قميصا؛ وهو ما نسميه بالثوب أو اجلالبية‪،‬‬
‫أو كان ما يسمى بالقميص اليوم وهو الذي يسرت أعلى البدن‪ ،‬أو كان سراويل طويلة‪ ،‬أو كان‬
‫سراويل قصرية داخلية‪ ،‬أو كان شَّرابات أو جوارب‪ ،‬ال جيوز للرجل أن يلبس شيئا من هذا اللباس إذا‬
‫كان من احلرير‪ ،‬وقد انعقد اإلمجاع على هذا‪ ،‬وإن كان فيه خالف قدمي إال أن اإلمجاع قد انعقد‬
‫على حترميه‪ ،‬والسنة قاضية على كل قول خيالفها ولو مل يقع إمجاع‪ ،‬فكيف وقد حكى اجلهابذة‬
‫استقرار اإلمجاع على التحرمي‪.‬‬

‫وقد قال علي رضي اهلل عنه‪ :‬إن نيب اهلل صلى اهلل عليه وسلم أخذ حريرا فجعلَه يف ميينِه‪ ،‬وأخ َذ ذَهبا‬
‫فجعلَه يف مشالِه مثَّ قال‪(( :‬إن هذين حرام على ذُكور أمتي)) واحلديث رواه أبو داود والنسائي وابن‬
‫وجود إسناده‬
‫ماجة‪ ،‬وحسنه مجاعة من أهل العلم منهم ابن املديين‪ ،‬وصححه ابن العريب واأللباين‪َ ،‬‬
‫ابن باز رحم اهلل اجلميع‪.‬‬
‫فاحلديث ثابت‪ ،‬وهو نص يف حترمي احلرير على الذكور من أمة حممد صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وجاء عن‬
‫إل حبلَّ ِة َح ِرير‪ ،‬أو قال‪ِ :‬سيَ َراءَ ‪-‬واحللَّة‬
‫عمر رضي اهلل عنه أنه قال‪ :‬أ َْر َس َل النيب صلى اهلل عليه وسلم َّ‬
‫آها عليه صلى‬ ‫السرياء‪ :‬هي ذات اخلطوط اليت تكون من احلرير وتكون غالبا إزارا ورداء‪ -‬فلبسها فَ َر َ‬
‫ت‬
‫س َها َمن ال َخ ََل َق له‪ ،‬إنما َبعث ُ‬ ‫س َها‪ ،‬إنما يَلبَ ُ‬ ‫قال‪(( :‬إنِّي لَم أُرسل َبها إلَي َ‬
‫ك لتَ لبَ َ‬ ‫اهلل عليه وسلم فَ َ‬
‫ك لتَستَمت َع َبها)) يعين‪ :‬تبيعها‪ ،‬متفق عليه؛ فالنيب صلى اهلل عليه وسلم َّبني أن احلرير ال يلبسه يف‬
‫إلَي َ‬
‫الدنيا من الرجال من له خالق يف اآلخرة ونصيب يف اآلخرة ودين يف اآلخرة‪ ،‬فإمنا يلبس احلرير من‬
‫الرجال يف الدنيا من ال خالق له وال نصيب له يف اآلخرة‪.‬‬
‫َخ َذ ع َمر رضي اهلل عنه جبَّة ِمن ا ْستَْب َرق ‪-‬من حرير‪-‬‬
‫وجاء عن ابن عمر رضي اهلل عنهما أنه قال‪ :‬أ َ‬
‫سول اللَّ ِه‪ ،‬اب تع ِ‬
‫هذه‬ ‫فقال‪ :‬يا َر َ‬
‫فأخ َذها‪ ،‬فأتَى هبا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪َ ،‬‬ ‫تباع يف ُّ ِ‬
‫َْ ْ‬ ‫السوق‪َ ،‬‬
‫باس َمن ال َخَل َق‬ ‫ََت َّمل هبا لِْلعِ ِ‬
‫يد والوف ِ‬
‫فقال له رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪(( :‬إنما هذه ل ُ‬ ‫ود‪َ ،‬‬ ‫َ ْ‬
‫له)) متفق عليه‪ ،‬أي‪ :‬من الرجال‪ ،‬فدل ذلك على حرمة لباس احلرير على الرجال‪.‬‬
‫المجلس الخامس من فقه اللباس والزينة‬

‫وأخرب حذيفة رضي اهلل عنه أن رسول اهلل صلى اهلل عليه قال‪(( :‬الذهب والحرير والديباج‪ ،‬هي لهم‬
‫في الدنيا ولكم في اآلخرة)) متفق عليه‪ .‬فدل ذلك على أن الرجل املؤمن الذي يرجو دخول اجلنة‪،‬‬
‫ال يلبس مالبس احلرير الطبيعي يف الدنيا‪ ،‬وبئس النعيم يف الدنيا الذي َْحي ِرم املسلم من النعيم يف‬
‫اآلخرة ومن التنعم يف اجلنة‪ ،‬هذا بالنسبة للحرير الطبيعي الذي هو من دودة القز‪.‬‬

‫أما اآلن فيوجد يف السوق أيضا حرير صناعي‪ ،‬ال تنتجه القز ويسمى باحلرير الصناعي؛ واحلرير الصناعي‬
‫جيوز للرجل أن يلبسه‪ ،‬وقد أفىت هبذا جهابذة علمائنا؛ كابن باز رمحه اهلل عز وجل وابن عثيمني واللجنة‬
‫الدائمة؛ ألن احملرم يف النصوص هو احلرير الطبيعي وهو املعروف باحلرير؛ وألن األصل يف األلبسة‬
‫اإلباحة حىت يقوم الدليل البني على التحرمي‪ ،‬والدليل الذي قام على حترمي احلرير إمنا هو يف احلرير‬
‫الطبيعي‪.‬‬

‫كذلك يباح للرجل أن يلبس اللباس من غري احلرير إن كان فيه شيء يسري من احلرير‪ ،‬فوجود العلم‬
‫أو اخلط من احلرير يف الثوب ال مينع الرجل من لبسه‪ ،‬وقد نص على هذا مجهور الفقهاء‪ ،‬على أن‬
‫اليسري من احلرير جيوز للرجل أن يلبس اللباس إذا كان فيه ذلك اليسري من احلرير‪ ،‬حبيث ال يزيد جمموعه‬
‫على أربعة أصابع؛ ال يزيد جمموعه على حجم أربعة أصابع‪ ،‬فإن زاد خرج عن حد اليسري إىل الكثري‬
‫فيصبح حراما؛ ويدل لذلك أن عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه خطب الناس وقال‪( :‬هنى نيب اهلل صلى‬
‫اهلل عليه وسلم عن لبس احلرير إال موضع إصبعني أو أصبعني أو ثالثة أو أربعة) أخرجه مسلم يف‬
‫الصحيح؛ فأخرب عمر رضي اهلل عنه أن النيب صلى اهلل عليه وسلم هنى عن لبس احلرير؛ أي‪ :‬الرجال؛‬
‫هنى الرجال عن لبس احلرير إال موضع أصبعني‪- ،‬يعين مقدار موضع أصبعني يكون يف الثوب‪ -‬أو‬
‫ثالثة أو أربعة وال يزيد على هذا املقدار‪ ،‬وقد كان الناس يف زمن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يكفون‬
‫أطراف الثياب بشيء من احلرير‪ ،‬وقد أخرجت أمساء رضي اهلل عنها جبة رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وسلم وكانت مكفوفة اجليب والكمني بالديباج‪ ،‬واحلديث عند مسلم وأيب داود وابن ماجه‪ .‬والديباج‬
‫هو احلرير؛ فكانت جبة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم مكفوفة األطراف خبيوط حرير‪ ،‬فدل ذلك على‬
‫أنه إذا وجد شيء يسري من احلرير يف الثوب يف أي موضع منه‪ ،‬فإنه ال مينع الرجل من لبسه‪ ،‬ومقدار‬
‫اليسري علمناه؛ وهو أن ال يزيد على مقدار أربعة أصابع؛ أي‪ :‬يف جمموعه‪.‬‬
‫المجلس الخامس من فقه اللباس والزينة‬

‫كذلك إذا احتاج الرجل لِلبس احلرير فإنه جيوز له أن يلبسه؛ كما لو كان به مرض ال تناسبه األلبسة‬
‫من املواد األخرى غري احلرير‪ ،‬فإنه جيوز له أن يلبس الثوب من احلرير للحاجة‪ ،‬ومن باب أوىل مثال لو‬
‫مل جيد غريه؛ مل جيد اإلنسان ما يسرت به عورته من الثياب إال ثوب حرير‪ ،‬فيجوز له أن يلبسه حىت جيد‬
‫غريه‪ ،‬ألن هذا أشد حاجة من حاجة املريض‪.‬‬

‫وقد نص العلماء على جواز لبس الرجل للحرير من أجل احلاجة‪ ،‬ودلت على ذلك سنة رسول اهلل‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وقد جاء عن أنس بن مالك رضي اهلل عنه‪( :‬أن النيب صلى اهلل عليه وسلم‬
‫رخص لعبد الرمحن بن عوف والزبري يف قميص من حرير من حكة كانت هبما) متفق عليه‪ .‬فالنيب صلى‬
‫اهلل عليه وسلم رخص لعبد الرمحن بن عوف يف لبس احلرير؛ ألنه كانت به حكة‪ ،‬فإذا لبس ألبسة من‬
‫غري احلرير تزداد وتتقد عليه‪ ،‬فرخص له النيب صلى اهلل عليه وسلم يف لبس احلرير‪ ،‬وكذلك الزبري رضي‬
‫اهلل عنه‪.‬‬

‫وهذا يدل على ما تقدم من أن لبس الرجال للحرير حرام؛ ألن الرخصة ال تكون إال من حمرم‪ ،‬والنيب‬
‫صلى اهلل عليه وسلم إمنا رخص لعبد الرمحن بن عوف والزبري رضي اهلل عنهما من أجل احلاجة‪.‬‬

‫طيب‪ ،‬الصيب الغالم الذكر الذي مل يبلغ‪ ،‬والقاعدة عند أهل العلم يقولون‪ :‬إن الصيب قبل سن التمييز‬
‫ال يكتب له وال يكتب عليه إال ما استثين‪ :‬وهو احلج والعمرة وأجر الزكاة من ماله إذا أخرجها الول‪،‬‬
‫وإذا بلغ سن التمييز إىل البلوغ فإنه يكتب له وال يكتب عليه‪.‬‬

‫طيب‪ ،‬إذا كان ذلك كذلك‪ ،‬فهل يجوز للوالدين إلباس الصبي الذي لم يبلغ‪ ،‬اللباس من الحرير؟‬
‫كفانيلة أو قميص أو بنطال أو شراب‪ ،‬طبعا هو لو لبسها بنفسه ما يأمث‪ ،‬لكن إذا رؤيت عليه تنزع؛‬
‫ألن هو ما يكتب عليه‪ ،‬بالنسبة لفعله ما يكتب عليه‪ ،‬فلو أخذ شراب أمه مثال وكان من حرير ولبسه‪،‬‬
‫ما يأمث‪ .‬لكن هل جيوز لألب أو األم إلباسه من احلرير؟ فالفعل للوالد على الولد‪ ،‬الذي يظهر واهلل أعلم‬
‫أنه ال جيوز إلباس الصيب لباسا من احلرير إال أن يكون يسريا كما قلنا يف الرجل‪ ،‬وهذا نص عليه بعض‬
‫أهل العلم كاحلنفية ومجاعة من احلنابلة ومجاعة من املالكية ومجاعة من الشافعية؛ قالوا‪ :‬إن الذي حيرم‬
‫على الرجل من احلرير حيرم على الصيب من جهة والديه‪ ،‬فال جيوز للوالد أن يلبس ولده لباسا من حرير؛‬
‫وذلك ألن النصوص املتقدمة عامة‪ ،‬والوالد مكلف‪ ،‬فال جيوز له أن يلبس ولده احلرير‪.‬‬
‫المجلس الخامس من فقه اللباس والزينة‬

‫أيضا جاء عن جابر رضي اهلل عنه وعن أبيه أنه قال‪( :‬كنا ننزعه –أي‪ :‬احلرير‪ -‬عن الغلمان ونرتكه‬
‫على اجلواري)؛ يقول‪ :‬كنا ننزعه عن الغلمان؛ يعين الصبيان الذكور‪ ،‬ونرتكه على اجلواري؛ يعين البنات‪.‬‬
‫وهذا احلديث رواه أبو داود والطحاوي وصححه األلباين رحم اهلل اجلميع‪.‬‬

‫وقول جابر رضي اهلل عنه‪( :‬كنا)؛ يعين الصحابة‪ ،‬هذا يدل على أن الصحابة فهموا حترمي إلباس الصغار‬
‫من الذكور احلرير‪ ،‬وهذا هو الظاهر؛ وألن الصغري لو عود على احلرير لصعب أن يفطم عنه إذا صار‬
‫كبريا‪ ،‬وكان ذلك ذريعة إىل أن يفعله إذا صار كبريا‪.‬‬

‫أما إذا خلِط احلرير بغريه حىت صار شيئا آخر‪ ،‬كما هو ثوب اخلَز الذي ينسج من صوف وحرير‪ ،‬وال‬
‫يظهر فيه من احلرير إال اليسري‪ ،‬فهذا جيوز لبسه للرجال؛ وقد جاء عن ابن عباس رضي اهلل عنهما أنه‬
‫قال‪( :‬إمنا هنى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم عن الثوب املص َّم ِ‬
‫ت من احلرير) واحلديث رواه أمحد وأبو‬ ‫َ‬
‫داود والطرباين ورواه احلاكم يف املستدرك‪ ،‬وصححه األلباين‪ ،‬وحسنه ابن حجر رحم اهلل اجلميع‪.‬‬

‫ووجه الداللة‪ :‬أن النيب صلى اهلل عليه وسلم إمنا هنى عن الثوب املصمت من احلرير؛ يعين الذي يكون‬
‫من احلرير‪ ،‬أما إذا خلط احلرير بنسيج آخر وصار ال يظهر أنه حرير وإمنا يظهر من احلرير الشيء اليسري‬
‫كالعلم يف الثوب‪ ،‬فإنه ال يكون داخال يف النهي‪ ،‬فقد كان السلف من الصحابة ومن بعدهم يلبسون‬
‫ثياب اخلز؛ وقد قال سليمان التيمي رمحه اهلل‪( :‬رأيت على أنس رضي اهلل عنه ب ْرنسا أصفر من خز) ‪.‬‬
‫وهذا عند البخاري يف الصحيح‪ .‬وجاء أن احلسني بن علي رضي اهلل عنهما كان يلبس ثوب وكساء‬
‫من خز‪ .‬كما عند ابن أيب شيبة بإسناد صحيح‪.‬‬

‫فالشاهد أن السلف الصاحل رضوان اهلل عليهم كانوا يلبسون الثياب من اخلز فدل ذلك على اجلواز‬
‫هذا بالنسبة للرجال‪.‬‬

‫أما بالنسبة للنساء القوارير‪ ،‬فإن احلرير يناسبهن ويناسب رقتهن وتنعمهن‪ ،‬ولذلك يباح للنساء أن‬
‫يلبسن احلرير‪ ،‬وهذا كما تقدم معنا أثناء الكالم عن لبس الرجال للحرير حمل إمجاع‪ ،‬نعم كان يف خالف‬
‫فكان بعض السلف يظنون عموم النهي‪ ،‬وأن الذي يلبس احلرير يف الدنيا ال خالق له يف اآلخرة‪ ،‬هذا‬
‫يشمل الرجال والنساء؛ مثل ابن الزبري كان يفهم هذا‪ ،‬فكان ينهى النساء عن ذلك رضي اهلل عنه‬
‫المجلس الخامس من فقه اللباس والزينة‬

‫وأرضاه‪ ،‬لكن استقر االتفاق على جواز ذلك النساء‪ ،‬وقد تقدم معنا يف احلديث أن النيب صلى اهلل‬
‫عليه وسلم عندما أخذ حريرا يف ميينه وذهبا يف مشاله‪ ،‬قال‪(( :‬إن هذين حرام على ذكور أمتي))‬
‫ومفهوم ذلك‪ :‬أن احلرير والذهب ليسا حراما على إناث أمة حممد صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬

‫وقد جاء عن أنس بن مالك رضي اهلل عنه أنه رأى على أم كلثوم بنت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫ب ْرَد حرير ِسيَ َرى‪ .‬أي‪ :‬م َقلَّ َمة‪ ،‬واحلديث عند البخاري يف الصحيح‪.‬‬

‫وجاء إلباس السلف الصاحل رضوان اهلل عليهم لنسائهم احلرير يف آثار كثرية‪ ،‬فدل ذلك على أنه ال حرج‬
‫يف أن تلبس املرأة اللباس من احلرير‪ ،‬سواء كان هذا اللباس داخليا أو كان لباسا خارجيا؛ أعين يكون‬
‫مثال فستانا أو حنو ذلك‪ ،‬جيوز للمرأة أن تلبس اللباس من احلرير‪.‬‬

‫أيضا مما يحرم لبسه من األلبسة‪ :‬ما يكون من جلود السباع؛ فإنه حيرم لبس اللباس من جلود السباع‪،‬‬
‫سواء دبغت أو مل تدبغ‪ ،‬على الراجح من أقوال أهل العلم‪ ،‬وقد كان يفيت بذلك شيخنا الشيخ ابن‬
‫وبني ابن القيم رمحه اهلل أن سنة رسول اهلل صلى‬
‫عثيمني رمحه اهلل عز وجل‪ ،‬وتفيت به اللجنة الدائمة‪َّ ،‬‬
‫اهلل عليه وسلم قاضية بتحرمي لبس جلود النمور والسباع‪ ،‬وأن ذلك جاء يف عدة أحاديث صحاح‪ ،‬ال‬
‫معارض هلا‪ ،‬ومن ذلك ما جاء أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم نهى عن جلود السباع‪ .‬واحلديث‬
‫رواه أمحد وأبو داود والرتمذي والنسائي‪ ،‬وصححه النووي واأللباين رحم اهلل اجلميع‪ ،‬وهني النيب صلى‬
‫اهلل عليه وسلم عن جلود السباع هنا مطلق‪ ،‬يشمل الرجال والنساء‪ ،‬ويشمل اللباس وغري اللباس‪،‬‬
‫ويشمل اجللود املدبوغة وغري املدبوغة‪ ،‬وجاء عن خالد بن معدان أنه قال‪( :‬وفِ َد املقدام بن معد يكرب‬
‫على معاوية رضي اهلل عنه فقال‪ :‬أنشدك باهلل‪ ،‬هل تعلم أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم هنى عن‬
‫لبوس جلود السباع والركوب عليها؟ فقال معاوية رضي اهلل عنه‪ :‬نعم)؛ أي أن النيب صلى اهلل عليه‬
‫وسلم هنى عن لبس جلود السباع‪ ،‬واحلديث رواه أبو داود والنسائي‪ ،‬وصححه األلباين رحم اهلل اجلميع‪.‬‬

‫وهنا كذلك هني النيب صلى اهلل عليه وسلم عن لبس جلود السباع مطلق‪ ،‬يشمل إذا دبغت أو مل تدبغ‪،‬‬
‫ويشمل الرجال والنساء‪ ،‬فهذه األلبسة احملرمة اليت دلت األدلة على أهنا حرام‪.‬‬
‫المجلس الخامس من فقه اللباس والزينة‬

‫[آداب تتعلق باللباس]‬

‫بقي معنا قبل أن ننتقل إىل مبحث الزينة‪ ،‬والتجمل وما يتعلق بذلك‪ ،‬بقي معنا أن نذكر بعض اآلداب‬
‫اليت ثبتت يف اللباس‪ ،‬ومن ذلك التيامن عند لبس الثياب‪ ،‬فيلبس الثوب من اجلهة اليمىن أوال مث اجلهة‬
‫اليسرى‪ ،‬فإذا لبس اإلنسان مثال الثوب فإنه يدخل يده اليمىن أوال مث يدخل يده اليسرى ثانيا‪ ،‬وإذا‬
‫لبس السراويل فإنه يدخل أوال رجله اليمىن مث يدخل رجله اليسرى‪ ،‬وإذا لبس النعل فإنه يبدأ بلبس‬
‫النعل اليمىن مث النعل اليسرى؛ وقد جاء عن أمنا عائشة رضي اهلل عنها أن النيب صلى اهلل عليه وسلم‬
‫كان يعجبه التيمن يف تنعله‪ ،‬وترجله‪ ،‬وطهوره‪ ،‬ويف شأنه كله صلى اهلل عليه وسلم‪ .‬واحلديث عند‬
‫الشيخني متفق عليه‪.‬‬

‫فدل ذلك على أن األصل أن النيب صلى اهلل عليه وسلم يعجبه التيمن‪ ،‬فما كان فيه ميني ومشال فكان‬
‫النيب صلى اهلل عليه وسلم يعجبه أن يبدأ باليمني صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وجاء عن أيب هريرة رضي اهلل‬
‫عنه أنه قال‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪(( :‬إذا لبستم‪ ،‬وإذا توضأتم‪ ،‬فابدؤوا بأيامنكم))‬
‫واحلديث رواه اإلمام أمحد وأبو داود‪ ،‬وصححه النووي واأللباين والشيخ أمحد شاكر رحم اهلل اجلميع‪.‬‬

‫وهذا أمر نَ ْدب؛ في ْن َدب لإلنسان يف غسل األعضاء اليت هبا ميني ومشال أن يبدأ باليمني‪ ،‬ويندب له يف‬
‫اللبس إذا كان فيه ميني ومشال أن يبدأ باليمني مث الشمال‪ ،‬وجاء عن حارثة اخلزاعي رمحه اهلل أنه قال‪:‬‬
‫(حدثتين حفصة زوج النيب صلى اهلل عليه وسلم أن النيب صلى اهلل عليه وسلم كان جيعل ميينه لطعامه‬
‫وشرابه وثيابه‪ ،‬وجيعل مشاله ملا سوى ذلك)‪ ،‬واحلديث رواه أمحد وأبو داود وقال النووي‪ :‬إسناده جيد‪.‬‬
‫وصححه األلباين رحم اهلل اجلميع‪.‬‬

‫فالنيب صلى اهلل عليه وسلم كان جيعل ميينه لثيابه‪ .‬هذا حمل الشاهد هنا‪ ،‬فهذا من آداب اللباس‪.‬‬

‫ومن آداب اللباس أيضا‪ :‬الدعاء عند لبس لباس جديد‪ ،‬ليس عند كل لبس وإمنا عند لبس لباس‬
‫جديد‪ .‬وقد جاء عن أيب سعيد اخلدري رضي اهلل عنه أنه قال‪ :‬كان رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم إذا‬
‫استجد ثوبا مساه بامسه‪ ،‬إما قميصا أو عمامة مث يقول‪(( :‬اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه أسألك من‬
‫المجلس الخامس من فقه اللباس والزينة‬

‫خيره وخير ما صنع له‪ ،‬وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له)) فيحمد اهلل ويدعو‪ .‬واحلديث رواه‬
‫أمحد وأبو داود والرتمذي والنسائي‪ ،‬وصححه ابن القيم واأللباين رحم اهلل اجلميع‪.‬‬

‫هذا من فعل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬فكان الرسول صلى اهلل عليه وسلم يقول ذلك‪ ،‬وجاء‬
‫من قوله صلى اهلل عليه وسلم ما جاء يف حديث معاذ بن أنس رضي اهلل عنه أن رسول اهلل صلى اهلل‬
‫عليه وسلم قال‪(( :‬من لبس ثوبا فقال‪ :‬الحمد هلل الذي كساني هذا الثوب ورزقنيه من غير حول‬
‫مني وال قوة‪ ،‬غُفر له ما تقدم من ذنبه)) واحلديث رواه أمحد وأبو داود والرتمذي وابن ماجه‪ ،‬وحسنه‬
‫ابن باز رمحه اهلل وحسنه واأللباين رحم اهلل‪.‬‬

‫فمن لبس ثوبا فقال‪(( :‬الحمد هلل الذي كساني هذا الثوب ورزقنيه من غير حول مني وال قوة))‬
‫غفر له ما تقدم من ذنبه؛ يعين مما ت َكفره األعمال؛ أي‪ :‬الصغائر‪ ،‬وأما الكبائر فالتحقيق أنه ال بد هلا‬
‫من توبة‪.‬‬

‫وهذه فضيلة عظيمة مرتبة على محد اهلل والثناء عليه سبحانه وتعاىل‪ ،‬وإسناد احلول إليه وتربُّؤ اإلنسان‬
‫من حوله فال حول له وال قوة إال باهلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬عند لبس الثوب‪.‬‬

‫وإذا رأى املسلم على أخيه ثوبا جديدا فإنه يظ ِهر أن هذا الثوب حسن‪ ،‬وقد جاء عن أم خالد رضي‬
‫اهلل عنها أهنا قالت‪ :‬أويت النيب صلى اهلل عليه وسلم بثياب فيها مخيصة سوداء صغرية‪ ،‬فقال صلى اهلل‬
‫عليه وسلم‪(( :‬من ترون نكسو هذه؟))؛ ‪-‬من تصلح له هذه اخلميصة الصغرية؟‪ -‬قالت‪ :‬فسكت‬
‫القوم‪ .‬فقال النيب صلى اهلل عليه وسلم‪(( :‬فأتوني بأم خالد))‪ .‬فأيت هبا ْحت َمل‪ ،‬فأخذ اخلميصة بيده‬
‫فألبسها وقال‪(( :‬أبلي وأَخلقي))‪ .‬وكان فيها علم أخضر أو أصفر‪ ،‬فقال‪(( :‬يا أم خالد هذا َسنَاه))؛‬
‫وسناه باحلبشية يعين حسن‪ .‬رواه البخاري‪.‬‬

‫فالنيب صلى اهلل عليه وسلم مجع هلا بني أمرين‪:‬‬

‫األمر األول‪ :‬أنه قال هلا‪(( :‬أبلي وأَخلقي)) وهذا ظاهره اخلرب‪ ،‬واملقصود به الدعاء‪.‬‬
‫المجلس الخامس من فقه اللباس والزينة‬

‫واألمر الثاني‪ :‬أنه أظهر استحسانه للثوب‪ ،‬وقال‪(( :‬هذا َسنَاه))‪ ،‬وقاله باحلبشية من باب تلطف النيب‬
‫صلى اهلل عليه وسلم مع أصحابه‪ ،‬وما ألطفه صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وليتنا نقتدي به ونسنت صلى اهلل‬
‫عليه وسلم‪.‬‬

‫وقال أبو نَصرة‪ :‬كان أصحاب النيب صلى اهلل عليه وسلم إذا لبس أحدهم ثوبا جديدا قيل له‪ :‬تبلي‬
‫وخيلف اهلل تعاىل‪ .‬فهذا دعاء‪ ،‬واحلديث رواه أمحد وأبو داود والرتمذي والنسائي‪ ،‬وصححه ابن القيم‬
‫واأللباين رحم اهلل اجلميع‪.‬‬

‫كذلك يستحب لبس األبيض من الثياب؛ وقد جاء عن ابن عباس رضي اهلل عنهما أنه قال‪ :‬قال‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪(( :‬البسوا من ثيابكم البياض‪ ،‬فإنها من َخير ثيابكم‪ ،‬وكفنوا فيها‬
‫موتاكم)) رواه أمحد وأبو داود والرتمذي‪ ،‬وروى قريبا منه ابن ماجه وصححه النووي ومجاعة‪ ،‬وإن مل‬
‫أنسى فصححه األلباين أيضا رمحه اهلل‪.‬‬

‫فالبياض يف الثياب مستحب‪ ،‬وهي من خري ثيابنا‪ ،‬أو خري ثيابنا كما جاء يف بعض الروايات‪.‬‬

‫وجاء عن مسرة بن جندب رضي اهلل عنه أنه قال‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪(( :‬البسوا‬
‫البياض فإنها أطهر وأطيب‪ ،‬وكفنوا فيها موتاكم)) رواه امحد والرتمذي وابن ماجه‪ ،‬وصححه األلباين‪،‬‬
‫وقال‪ :‬ابن عبد الرب إنه ثابت‪ .‬فأرشد النيب صلى اهلل عليه وسلم إىل لِبس البياض وبني أهنا أطهر وأطيب‪،‬‬
‫فدَّل ذلك على استحباب لبس الثياب البيضاء‪.‬‬

‫كذلك يستحب لبس الثياب الجميلة الحسنة المزينة‪ ،‬فإهنا مما حيبه اهلل عز وجل‪.‬‬

‫وجاء عن عبد اهلل بن مسعود رضي اهلل عنه‪ ،‬أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال‪(( :‬ال يدخل الجنة‬
‫من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر))‪- .‬نعوذ باهلل من الكرب‪ ،‬نعوذ باهلل من الكرب‪ ،-‬التواضع حيبه‬
‫اهلل وحيبه عباد اهلل وحيبب الناس يف املتواضع‪.‬‬

‫قال‪ :‬النيب صلى اهلل عليه وسلم‪(( :‬ال يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر)) فقال له‬
‫رجل‪ :‬إن الرجل حيب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا‪ .‬فقال‪ :‬صلى اهلل عليه وسلم ((إن اهلل جميل‬
‫المجلس الخامس من فقه اللباس والزينة‬

‫ط الناس)) رواه مسلم يف الصحيح‪ .‬فدل ذلك على أن َتمل‬ ‫يحب الجمال‪ ،‬الكبر بَطَُر الحق َوغَم ُ‬
‫اإلنسان يف ثيابه يف مالبسه من غري إسراف وال كِِرب‪ :‬مما حيبه اهلل عز وجل‪ ،‬فاهلل مجيل حيب اجلمال‪.‬‬

‫ولذلك كان النيب صلى اهلل عليه وسلم حيب احلَِربة‪ ،‬فقد قيل ألنس بن مالك رضي اهلل عنه‪ :‬أي اللباس‬
‫كان أحب إىل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم؟ فقال‪:‬احلَِربة‪ .‬متفق عليه‪.‬‬

‫واحلربة كما قال العلماء‪ :‬ثوب من ثياب اليمن‪ ،‬من قطن يف الغالب‪ ،‬يكون خمططا‪ ،‬ومسيت باحلربة‬
‫ألهنا حمَبَّ َرة؛ أي مزينة‪ ،‬من غري إسراف‪.‬‬

‫وقال ابن عباس رضي اهلل عنهما‪ :‬لقد رأيت على رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أحسن ما يكون من‬
‫احللل‪ .‬رواه أبو داود وحسنه األلباين‪ .‬فيَدل ذلك على استحباب لبس الثوب اجلميل واللباس اجلميل‬
‫احلسن املزين من غري إسراف‪.‬‬

‫كذلك يستحب للرجل لبس القميص؛ والقميص هو ما نسميه اليوم بالثوب هذا أو يسمى باجلالبية؛‬
‫القميص ما يسرت كل البدن من الكتفني إىل الرجلني‪ ،‬ويكون له جيب؛ أي‪ :‬فتحة يدخل منها الرأس‬
‫وله كمان‪ ،‬وقد جاء عن أم سلمة رضي اهلل عنها أهنا قالت‪ :‬كان أحب الثياب إىل رسول اهلل صلى‬
‫اهلل عليه وسلم القميص‪ .‬واحلديث رواه أبو داود والرتمذي وصححه األلباين‪ .‬فكان أحب الثياب إىل‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم القميص‪.‬‬

‫قال العلماء‪ :‬ألن القميص أسرت‪ ،‬فالقميص ال يسقط؛ ألنه حممول على الكتفني وم ْد َخل فيه الرأس مث‬
‫يكون على اجلسم‪ ،‬فهو أسرت وأبلغ يف السرت‪.‬‬

‫أيضا من آداب اللباس‪- :‬وهذا أقل من يتفطن له‪ -‬أنه يستحب لإلنسان أن يتخذ لباسه من‬
‫األقمشة اليت ال حتمل رائحة العرق كثريا‪ ،‬من أجل أن تكون رائحته طيبة؛ وقد جاء عن أمنا عائشة‬
‫رضي اهلل عنها أهنا قالت‪ :‬صنعت لرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بردة سوداء‪ ،‬فلبسها‪ ،‬فلما عرق‬
‫فيها وجد فيها ريح الصوف‪ ،‬فقذفها وكان حيب الريح الطيبة‪ .‬رواه أمحد وأبو داود وصححه األلباين‪.‬‬
‫المجلس الخامس من فقه اللباس والزينة‬

‫فكان صلى اهلل عليه وسلم حيب الريح الطيبة‪ ،‬ولذلك ملا وجد رائحة الصوف مع رائحة العرق ملا عرق‬
‫فيها‪ ،‬قذفها وتركها صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬فكلما كان القماش الذي يكون من اللباس متحمال لرائحة‬
‫العرق ال ميتصها وال يظهرها‪ ،‬وال يَظْ َهر له رائحة إذا تفاعل مع العرق كان ذلك أكمل وأمجل وأحسن‪.‬‬

‫وكان النيب صلى اهلل عليه وسلم حيي الريح الطيبة‪.‬‬

‫كذلك مما يستحب للمسلم في اللباس‪ :‬أن حيافظ على نظافة مالبسه وحسن مظهره؛ فقد جاء‬
‫عن جابر ابن عبد اهلل رضي اهلل عنه وعن أبيه أنه قال‪( :‬أتانا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فرأى‬
‫س ِّك ُن به شعره؟))‬
‫رجال شعثا قد تفرق شعره ‪–-‬أي‪:‬؛ تطاير شعره‪ -‬فقال‪((:‬أما كان يجد هذا ما يُ َ‬
‫هذا‪..‬غري مفهومة‪ ..‬حسن املظهر!‪ (،‬ورأى رجال آخر وعليه ثياب وسخة‪ ،‬فقال‪(( :‬أما كان هذا‬
‫يجد ماءا يغسل به ثوبه؟)) واحلديث رواه أمحد وأبو داوود‪ ،‬وصححه أئمة منهم النووي واأللباين‬
‫والوادعي رحم اهلل اجلميع‪.‬‬

‫فدل ذلك على استحباب أن حيرص اإلنسان على أن تكون مالبسه نظيفة وأن ال يظهر عليها الوسخ‪.‬‬

‫هذا بعض ما تيسر ل مجعه وإيراده يف الوقت املخصص للباس من هذه الدورة‪ ،‬ولعلنا إن شاء اهلل‬
‫نكمل بعض األمور يف جمالس اإلجابة على األسئلة‪ ،‬حيث وردتين أسئلة كثرية جدا‪ ،‬وغالبا إن شاء اهلل‬
‫سأجعل اجمللسني األخريين لإلجابة علىن األسئلة‪ ،‬جملس بعد املغرب وجملس بعد العشاء‪ ،‬سيكون‬
‫لإلجابة عن األسئلة‪ ،‬وسأبدأ باألسئلة املتعلقة مبوضوع الدورة‪ :‬اللباس والزينة‪ ،‬إن شاء اهلل عز وجل‪،‬‬
‫هذا هذا الغالب‪.‬‬

‫أسأل اهلل عز وجل أن جيعلنا من عباده الصاحلني الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه‪ ،‬ويشكرون‬
‫اهلل على نعمه‪ ،‬ويلزمون دينه ويدعون الناس إىل العمل بدينه‪.‬‬

‫أنسأل اهلل عز وجل أن جيعلنا حنن ممن يعمل بدينه‪ ،‬وإذا حصل منا زلل أن جيعلنا ممن يرجع ويَؤأوب‪،‬‬
‫واملؤمن إذا ذكر املؤمن تَ َذ َّكر‪ ،‬املؤمن خلق م َفتَّنا توابا نسيٌا‪ ،‬إذا ذكر تَ َذ َّكر‪ ،‬إذا ذكر تذكر نسأل اهلل‬
‫أن جيعلنا من أولئك‪.‬‬
‫المجلس الخامس من فقه اللباس والزينة‬

‫خنتم يف هذا اجمللس على رجاء أن نلتقي يف اجمللس التال واجلميع خبري وعافية وسعادة وطمأنينة‪ ،‬واهلل‬
‫تعاىل أعلى وأعلم وصلى اهلل على نبينا وسلم‪ ،‬والسالم عليكم ورمحة اهلل وبركاته‪.‬‬
‫المجلس السادس من فقه اللباس والزينة‬

‫احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم األمتان األكمالن على املبعوث رمحةً للعاملني وعلى آله‬
‫وصحبه أمجعني‪ ،‬أما بعد‪:‬‬

‫فهذا هو اجمللس السادس من جمالس هذه الدورة العلمية الثالثة من سلسلة دورات فقه األسرة واليت‬
‫خصصناها للكالم عن فقه اللباس والزينة‪ ،‬وقد تقدم الكالم يف اجملالس املاضية عن فقه اللباس‪،‬‬
‫وحرصنا فيه على ذكر األصول الكلية اليت تُرد إليها املسائل اجلزئية‪ ،‬ويف هذا اجمللس إن شاء اهلل‬
‫سنتكلم عن فقه الزينة‪.‬‬

‫ين هو اجلمال وهو نقيض الشني‪ ،‬والزينة يف اللغة‪ :‬طلب‬


‫والزينة بكسر الزاي هي‪ :‬ما يُتزين به‪ ،‬والز ُ‬
‫ٍ‬
‫مبلبوس أو يف‬ ‫جمل يف اللباس أو اجلسد؛ يعين التجمل‬
‫احلسن‪ ،‬واملقصود بالزينة عند الفقهاء التَ ُّ‬
‫اجلسد‪.‬‬

‫والتزين األصل فيه احلل؛ ألنه من العادات‪ ،‬وقد تقدم معنا يف اللباس أن األصل يف العادات احلل‬
‫واإلباحة‪ ،‬فال ُُيرم منها إال ما قام الدليل على حترميه‪ ،‬وقد دلت األدلة الشرعية على أن هناك‬
‫ضوابط تضبط أحكام الزينة‪:‬‬

‫وأول هذه الضوابط‪ :‬أن ال يكون يف التزين تشبهٌ من النساء بالرجال‪ ،‬وال من الرجال بالنساء‪،‬‬
‫عام يف العادات فما خيتص به النساء عاد ًة ال وجو‬
‫وهذا الضابط كما تدركون وتعلمون ضابط ٌ‬
‫للرجال أن يفعلوه‪ ،‬وما خيتص به الرجال عادةً؛ حبيث إذا ُرئي فاعله يُعلم أنه رجل‪ ،‬فإنه ال وجو‬
‫للنساء أن يفعلنه‪ ،‬وما كان مشرتًكا أو يتعاون فيه الرجال والنساء فهو على األصل الذي هو احلل‪.‬‬
‫خاصا بالرجال‬
‫خاصا بالنساء يف العادة؛ فإنه ال وجو للرجل أن يفعله‪ ،‬وإذا كان ً‬
‫فالتزيُّن إذا كان ً‬
‫يف العادة؛ فإنه ال وجو للنساء أن يفعلنه‪.‬‬
‫المجلس السادس من فقه اللباس والزينة‬

‫خاصا بالنساء يف‬


‫مثال‪ :‬اخلضاب؛ اخلضاب باحلناء يف اليدين والرجلني إذا كان ً‬
‫وعلى سبيل املثال ً‬
‫العادة وهذا األصل الغالب عند الناس؛ فإنه ال وجو للرجل أن َخيضب يديه ورجليه باحلناء‪ ،‬وهكذا‬
‫يف سائر األمور املتعلقة بالزينة‪.‬‬

‫وقد تقدم معنا أن التشبه الرجال بالنساء كبرية من كبائر الذنوب تستوجب لعنة اهلل ‪-‬نعوذ باهلل‪-‬‬
‫‪ ،‬وتشبه النساء بالرجال‪ ،‬تشبه الرجال بالنساء كبرية من كبائر الذنوب‪ ،‬قد تقدم معنا حديث ابن‬
‫ٍ‬
‫عباس رضي اهلل عنهما أنه قال‪( :‬لعن رسول اهلل صلى اهلل وعليه وسلم املتشبهني من الرجال‬
‫بالنساء‪ ،‬واملتشبهات من النساء بالرجال)‪ ،‬كما عند البخاري يف الصحيح‪.‬‬

‫والضابط الثاني ‪-‬وهو ً‬


‫أيضا قد تقدم معنا يف اللباس‪ :-‬أن ال يكون يف التزين تشبهٌ بالكفار‪ ،‬وال‬
‫ني يقصده‬‫بأهل البدع‪ ،‬وال بالفساق؛ ال يكون فيه تشبهٌ بالكفار على وجه العموم‪ ،‬وال بكاف ٍر مع ٍ‬
‫بفاسق مع ٍ‬
‫ني يقصده اإلنسان‪ ،‬وال بأهل البدع على‬ ‫ٍ‬ ‫اإلنسان‪ ،‬وال بالفساق على وجه العموم‪ ،‬وال‬
‫مببتدع مع ٍ‬
‫ني يقصده اإلنسان؛ واملقصود ما خيتص به هؤالء كما تقدم معنا يف‬ ‫وجه العموم‪ ،‬وال ٍ‬
‫اللباس؛ فما خيتص به الكفار ال وجو للمسلم أن يتزين به‪ ،‬وضابط ما خيتص به‪ :‬أنه لو ُرئي لظُن‬
‫أنه منهم‪ ،‬وما خيتص به الفساق من املسلمني ال وجو للعدل أن يتزين به؛ فلو عُرف الفساق حبل ٍي‬
‫مع ٍ‬
‫ني؛ عرف الفاسقات يف البلد حبل ٍي معني؛ حبيث إذا ُرئيَت البسةً له فإن الناس يظنوهنا من أهل‬
‫الفسق؛ فإنه ال وجو للمرأة الطيبة أن تلبسه‪ ،‬كذلك لو عُرفت فاسقة معروفة ومشهورة بالفسق‬
‫حبلي معني فال وجو للمسلمة أن تلبس ذلك احللي بعينه‪ ،‬وكذلك إذا عُرف أهل البدع بالتحلي‬
‫بفص معني أو يف أُصب ٍع معني؛ فإنه ال وجو للرجل من أهل‬
‫بطريقة معينة؛ كأن عرفوا بوضع اخلامت ٍّ‬
‫السنة أن يتزين مبثل يهم‪ ،‬ويتزين مبثل ينتهم‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫ُّ‬
‫وقد تقدم معنا أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال‪(( :‬من تشبه ٍ‬
‫بقوم فهو منهم))‪ ،‬فهذا يشمل‬
‫كل من تشبه ٍ‬
‫بقوم ما فهو منهم؛ هذا يشمل الكفار‪ ،‬يشمل الفساق‪ ،‬ويشمل أهل البدع؛ فمن‬
‫تشبه ٍ‬
‫بقوم فهو منهم‪.‬‬
‫المجلس السادس من فقه اللباس والزينة‬

‫وقد أُمرنا مبخالفة املشركني يف اللباس واهليئة والزينة وسيأتينا إن شاء اهلل ما يتعلق باللحى وحنو‬
‫ذلك؛ فال وجو التشبه بالكفار‪ ،‬وال الفساق‪ ،‬وال املبتدعة يف التزيُّن‪.‬‬

‫مهم ج ًدا ويجب مراعاته في التزين‪ :-‬أن ال يرتتب على التزيُّن ٌ‬


‫ضرر‪،‬‬ ‫والضابط الثالث ‪-‬وهو ٌ‬
‫ضررا يف الغالب حبكم التجربة والعادة واملعرفة الطبية؛ فإنه ال وجو ‪.‬‬
‫ضارا ويعقب ً‬
‫فإذا كان التزيُّن ً‬
‫‪ -‬فوضع املساحيق املبيضة اليت يقول األطباء‪ :‬إهنا غالبًا تُسبب السرطان ‪-‬سرطان اجللد‪ ،-‬هذه‬
‫ُ‬
‫اليت ينص األطباء على أهنا تسبب السرطان غالبًا ال وجو استعماهلا‪.‬‬

‫‪ -‬كذلك املساحيق الرديئة؛ مساحيق التجميل الرديئة اليت يذكر أهل اخلربة وأهل الطب أهنا قد‬
‫تُعقب صبغات على اجللد‪ ،‬أو بثور‪ ،‬أو حنو ذلك؛ فإنه ال وجو استعماهلا‪.‬‬

‫ضررا للعني‪ ،‬تسبب التهابات للعني؛‬ ‫‪ -‬وكذلك ً‬


‫مثال‪ :‬العدسات الالصقة إذا كان فيها أنواع تسبب ً‬
‫فإنه ال وجو استعماهلا‪.‬‬

‫ضارا؛ فالضرر يف ديننا حرام‪ ،‬وال وجو لإلنسان أن‬ ‫فال بُد يف التزيُّن من أن ال يكون املتزين به ً‬
‫كم إِلى ٱلتهلُك ِة﴾ [البقرة‪]195 :‬؛‬ ‫يضر نفسه وال أن يضر غريه‪ ،‬واهلل عز وجل قال‪﴿ :‬وَل تُل ُقوا بِأ ِ‬
‫يدي ُ‬
‫ضرر أعظم من‬
‫وهذا يشمل املوت وما دونه من األضرار؛ فإذا علم املسلم أن الفعل يرتتب عليه ٌ‬
‫مصلحته‪ ،‬أو يساوي مصلحته؛ فإنه ال وجو له أن يفعله‪ ،‬وقد وضع لنا نبينا صلى اهلل عليه وسلم‬
‫قاعدةً عامة عظيمة حيث قال‪َ(( :‬ل ضرر وَل ضرار))‪ ،‬واحلديث رواه الدارقطين واحلاكم والبيهقي‪،‬‬
‫بعضا وصححه‬ ‫وصححه احلاكم‪ ،‬وحسنه النووي‪ ،‬وذكر اإلمام بن رجب أن له طُرقًا ُّ‬
‫يشد بعضها ً‬
‫األلباين؛ واحلديث صحيح‪ ،‬وقد حرم فيه النيب صلى اهلل عليه وسلم الضرر والضرار‪.‬‬

‫‪ -‬بعض أهل العلم قال‪ :‬ال ضرر؛ يعين ال وجو لإلنسان أن يضر نفسه‪ ،‬وال ضرار؛ يعين ال وجو‬
‫له أن يضر غريه‪.‬‬
‫المجلس السادس من فقه اللباس والزينة‬

‫‪ -‬بعض العلم قالوا‪ :‬ال ضرر؛ يعين ال وجو لإلنسان أن يبتدئ بالضرر‪ ،‬وال ضرار ال وجو أن‬
‫يقابل الضرر بضرٍر غريه؛ يتجاو ه أو يتعداه‪.‬‬

‫وهذه قاعدةٌ عامة‪ :‬فكل ضا ٍر َل تقابله مصلحةٌ أعلى منه فإنه حرام‪.‬‬

‫ومن ادعى حل شي ٍء من الضرر فإنا نطالبه بالدليل‪ ،‬فإن جاء بالدليل؛ فالدليل على الرأس والعني‪،‬‬
‫وإن مل يأت بدليل رددنا عليه قوله‪ ،‬ومل نرتض طرحه؛ فال ضرر وَل ضرار‪.‬‬
‫والضابط الرابع‪ :‬أن ال يكون يف التزيُّن إسراف؛ فاإلسراف يف كل ٍ‬
‫شيء ال وجو ‪ ،‬واإلسراف كما‬
‫ذكرنا يف اللباس حده العام جماو ة احلد‪ ،‬فما وجاو احلد ال وجو ؛ فيُقتصر يف التزيُّن على ما ُيقق‬
‫املقصود‪ ،‬وال يُوقع يف اإلسراف‪.‬‬

‫يني من باب تغيري‬


‫تغيريا ثابتًا‪ ،‬أن ال يكون التز ُ‬ ‫والضابط الخامس للتزيُّن‪ :‬أال يكون ُم ً‬
‫غريا خللق اهلل ً‬
‫تغيريا ثابتًا؛ ألن تغيري خلق اهلل للحسن على نوعني‪:‬‬
‫خلق اهلل ً‬
‫تغيير مؤقت‪ُ :‬يصل به اجلمال وال يتغري أصل اخللقة؛ ألهنا تعود‪ ،‬مثل‪ :‬وضع املرأة املساحيق ً‬
‫مثال‬ ‫ٌ‬
‫تغيريا ثابتًا‪ ،‬وإَّنا مؤقت ما دامت املساحيق موجودة‪.‬‬
‫يغري اللون‪ ،‬ولكنه ليس ً‬
‫مثال‪ ،‬ولكنه‬
‫احلقن اليت ُحتقن يف بعض املواطن تُغري املكان وما ُخلق عليه مثل ما خلقت عليه املرأة ً‬
‫ضارا‪.‬‬
‫ليس ثابتًا؛ بل يتغري بعد مدة سواء كانت أيام أو أشهر‪ ،‬هذا األصل فيه اجلوا ما مل يكن ً‬
‫دائما؛‬ ‫والنوع الثاني‪ :‬التغيير الدائم؛ فيُغري خلق اهلل عز وجل من أجل احلسن واجلمال ً‬
‫تغيريا ً‬
‫فيولد اإلنسان بأنف هو أنف قومه‪ ،‬لكنه ُوجري له عملية ليصغره أو حنو ذلك؛ فهذا التغيري الثابت‬
‫للخلقة املعتادة حر ٌام ال وجو ‪ ،‬وهو من كبائر الذنوب‪ ،‬وقد قال اهلل عز وجل عن إبليس أنه قال‪:‬‬
‫نع ِم وَل ُمرن ُهم ف ليُ غيِّ ُرن خلق ٱلل ِه﴾ [النساء‪:‬‬ ‫﴿وَل ِ‬
‫ُضلن ُهم وَلُمنِّي ن ُهم وَل ُمرن ُهم ف ليُبتِّ ُكن ءاذان ٱَل َٰ‬
‫‪ ،]119‬فمما تعهد به إبليس إلغواء بين آدم أن يأمرهم ليغريوا خلق اهلل والعياذ باهلل‪.‬‬
‫المجلس السادس من فقه اللباس والزينة‬

‫وقوله‪﴿ :‬وَل ُمرن ُهم ف ليُ غيِّ ُرن خلق ٱلل ِه﴾؛ يشمل تغيري اخللقة الظاهرة بالتجميل‪ ،‬بالوشم‪ ،‬بغري‬
‫أيضا يتضمن التسخط على قدر اهلل‪ ،‬وعلى أمر اهلل‪ ،‬واالعرتاض‬
‫ذلك‪ ،‬وهذا حر ٌام يف ذاته‪ ،‬وهو ً‬
‫أيضا يتضمن تغيري الباطن ‪-‬اخللقة الباطنة‪ ،-‬فإن اهلل عز‬
‫على فعل اهلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬وكذلك ً‬
‫وجل خلق اخللق على الفطرة على اإلسالم على التوحيد؛ فيأيت الشيطان فيأمرهم أن يغريوا هذه‬
‫الفطرة‪.‬‬

‫وجاء عن عبد اهلل بن مسعود رضي اهلل عنه أنه قال‪( :‬لعن اهلل الوامشات‪ ،‬واملستومشات‪،‬‬
‫واملتنمصات‪ ،‬واملتفلجات للحسن املغريات خلق اهلل تعاىل‪ ،‬ما يل ال ألعن من لعن النيب صلى اهلل‬
‫عليه وسلم‪ ،‬وهو يف كتاب اهلل وما آتاكم الرسول فخذوه)‪ ،‬واحلديث يف الصحيحني‪.‬‬

‫عبد اهلل بن مسعود رضي اهلل عنه قال‪( :‬لعن اهلل)؛ أي‪ :‬طرد من رمحته؛ ومن ضوابط الكبائر أن‬
‫لعن‪.‬‬
‫يرد فيها ٌ‬
‫(لعن اهلل الواشمات)‪ :‬اليت تشم بنفسها؛ سواء ومشت نفسها أو غريها؛ والوشم يكون حتت اجللد‬
‫بإدخال الكحل أو مادة حتت اجللد؛ سواء كان يف الوجه‪ ،‬أو كان يف اليدين‪ ،‬أو يف الرجلني‪،‬‬
‫الوشم‪.‬‬
‫واملستومشة‪ :‬هي اليت تطلب من غريها َ‬
‫(والمتنمصات)‪ :‬املتنمصة اليت تنتف شعر اجلبني‪ ،‬وسيأيت الكالم عن هذه املسألة إن شاء اهلل‪.‬‬

‫(والمتفلجات للحسن)‪ :‬الاليت يُفرقن أسناهنن للحسن‪ ،‬وللحسن يرجع إىل اجلميع فإهنن يُغرين‬
‫خلق اهلل للحسن؛ ولذلك قال النيب صلى اهلل عليه وسلم‪(( :‬المغيرات خلق اهلل))‪.‬‬

‫لماذا يغيرن خلق اهلل؟‬

‫للحسن‪ ،‬من أجل احلسن بزعمهن‪ ،‬فهذا من كبائر الذنوب‪.‬‬


‫المجلس السادس من فقه اللباس والزينة‬

‫ولذا قال ابن مسعود رضي اهلل عنه بعد أن قال هذا‪( :‬ما يل ال ألعن من لعن النيب صلى اهلل عليه‬
‫وسلم)‪ ،‬فدل ذلك على أنه مسع هذا اللعن هلؤالء النسوة من النيب صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬

‫الضابط السادس للتزيُّن المباح‪ :‬أال يكون فيه ٌ‬


‫غٌ وتدليس؛ فالغٌ حرام‪ ،‬وقد قال النيب صلى‬
‫اهلل عليه وسلم‪(( :‬من غش فليس مني))‪ ،‬كما عند مسل ٍم يف الصحيح‪.‬‬

‫ومن الغٌ‪ :‬الوصل ‪-‬وصل الشعر‪ ،-‬أو صبغ البياض بالسواد اخلالص‪ ،‬أو أن تصبغ املرأة شعرها‬
‫مثال‪ ،‬فإذا‬
‫بغري اللون املعتاد عندما ُُتطب‪ ،‬وال ُُترب اخلطيب أن هذا مصبوغ؛ فيكون شعرها أسود ً‬
‫أراد اخلطيب أن يراها النظرة الشرعية صبغت بلون أشقر أو حنو ذلك وال ُترب اخلطيب؛ تومهه أن‬
‫مثال‪ ،‬هذا ال وجو‬
‫هذا شعرها‪ ،‬ورمبا وضعت عدسات الصقة على عينيها‪ ،‬فتكون عيناها رقاويني ً‬
‫وهو غٌ‪ ،‬والواجب أن تظهر املرأة للخطيب خبلقتها اليت خلقها اهلل عز وجل عليها‪.‬‬

‫والضابط السابع من ضوابط التزيُّن‪ :‬أن ال يُتزين مبحرم؛ التزين باحملرم حرام؛ نعم قلنا‪ :‬إن األصل‬
‫يف التزين اإلباحة‪ ،‬وأنه وجو لإلنسان أن يتزين مبا شاء‪ ،‬وأنه ال ُمينع إال بدليل‪ ،‬فإذا قام الدليل‬
‫مثال أن يتختم بذهب؛ يتزين بالذهب؛ لقيام الدليل‬
‫على التحرمي فإنه ال وجو ؛ فال وجو للرجل ً‬
‫على حترمي الذهب على الذكور‪ ،‬وال وجو له أن يتزين بالصبغ بالسواد؛ لقيام الدليل على النهي‬
‫عن السواد‪ ،‬وسيأتينا ‪-‬إن شاء اهلل‪ -‬ذكر بعض األمور اليت حرمت يف التزين‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بضابط تقدم معنا؛ إذا كان التزيني بالتغيري الثابت فيجو لعالج‬ ‫والضابط الثامن‪ :‬وهذا ٌ‬
‫متعلق‬
‫العيوب األصلية والطارئة؛ يعين أن التغيري الثابت للحسن للجمال ال وجو ‪ ،‬أما التغيري الثابت إل الة‬
‫العيوب األصلية‪.‬‬

‫إنسان ُولد وأنفه كبري على خالف املعتاد حبيث يشوهه‪ ،‬أو ُولد وأنفه ُمعوج‪ ،‬أو ُولد وفيه حول‬
‫يف عينيه‪ ،‬أو ُولد وأسنانه مفرقة‪ ،‬فيقوم بعملية جتميل إل الة هذا العيب األصلي هذا جائز؛ ألنه مل‬
‫يغري خلق اهلل من أجل احلُسن‪ ،‬وإَّنا من أجل إعادة اخللقة إىل أصلها‪ ،‬ورفع التشويه‪.‬‬
‫المجلس السادس من فقه اللباس والزينة‬

‫أو ٍ‬
‫لعيب عارض؛ إنسان صار له حادث واعوج أنفه أو قُطعت شفته‪ ،‬فيُجري عملية إلصالح‬
‫هذا العيب‪ ،‬هذا ال بأس به ووجو ‪.‬‬

‫‪ -‬وقد قال اإلمام النووي رمحه اهلل عز وجل يف شرحه حلديث عبد اهلل بن مسعود رضي اهلل عنه‬
‫الذي تقدم معنا قال‪) :‬وأما قوله‪ :‬املتفلجات للحسن؛ فمعناه يفعلن ذلك طلبًا للحسن‪ ،‬وفيه‬
‫لعالج‬
‫إشارةٌ إىل أن احلرام هو املفعول لطلب احلسن ‪-‬يعين لطلب اجلمال‪ ،-‬أما لو احتاجت إليه ٍ‬
‫أو ٍ‬
‫عيب يف السن وحنوه فال بأس(‪.‬‬
‫‪ -‬وقال الشوكاين رمحه اهلل‪) :‬قوله‪ :‬إال من ٍ‬
‫داء‪ :‬ظاهره أن التحرمي املذكور إَّنا هو فيما إذا كان‬
‫لقصد التحسني‪ ،‬ال ٍ‬
‫لداء وعلة فإنه ليس مبحرم‪ ،‬وظاهر قوله املغريات خلق اهلل‪ ،‬أنه ال وجو تغيري‬
‫ٍ‬
‫شيء من اخللقة عن الصفة اليت عليها(‪.‬‬

‫‪ -‬وقال فقيه العصر املؤدب اإلمام الشيخ ابن عثيمني رمحه اهلل عز وجل وسائر علماء املسلمني‪:‬‬
‫)القاعدة يف هذه األمور‪ :‬أن العملية إل الة العيب جائزة‪ ،‬والعملية للتجميل غري جائزة(‪ ،‬هذا‬
‫الضابط‪ :‬إن كانت العملية إل الة عيب‪ ،‬وضابط العيب أن يكون خمال ًفا للعادة اليت حول اإلنسان؛‬
‫ما هو يأيت إنسان يقول‪ :‬واهلل‪ ،‬أنا أنفي كبري وهذا أراه عيبًا –ال‪.-‬‬

‫هل هذه خلقة قومك؟! إن كانت هذه خلقة قومك! فهذا ليس بعيب‪ ،‬بل هذه اخللقة املعتادة‪.‬‬
‫فالعملية إل الة العيب جائزة‪ ،‬أما للتجميل والتحسني‪ ،‬وأن يغري اإلنسان منظره إىل منظ ٍر أمجل‪،‬‬
‫تغيريا ثابتًا‪ ،‬فهذا ال وجو ‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫وهيئة أمجل بتغيري اخللقة ً‬
‫‪ -‬يقول الشيخ ابن عثيمني رمحه اهلل‪) :‬القاعدة يف هذه األمور‪ :‬أن العملية إل الة العيب جائزة‪،‬‬
‫والعملية للتجميل غري جائزة‪ ،‬ودليل ذلك أن النيب صلى اهلل عليه وسلم لعن املتفلجات يف أسناهنن‬
‫من أجل جتميل السن‪ ،‬ولكنه أذن ألحد الصحابة ملا أصيب أنفه وقُطع أن يتخذ أن ًفا من ذهب(‪،‬‬
‫المجلس السادس من فقه اللباس والزينة‬

‫اُتذ أنفا من ورق من فضة؛ ألن األصل أن الذهب حمرم على الرجال‪ ،‬فاُتذ أن ًفا من ورق من‬
‫فضة؛ فأننت عليه‪ ،‬فأمره النيب صلى اهلل عليه وسلم أن يتخذ أن ًفا من ذهب للضرورة‪.‬‬
‫يقول الشيخ‪) :‬فالقاعدة أن ما كان إل الة ٍ‬
‫عيب فهو جائز‪ ،‬وما كان لزيادة التجميل فهو ليس‬
‫جبائز(‪ ،‬ومن هذا الضابط نعرف حكم عمليات التجميل املنتشرة اليوم بني الناس‪ ،‬وأصبحت املرأة‬
‫كل شهر بأنف‪ ،‬بل بلغ احلال أن بعض النساء يُغرين خلقتهن إىل خلقة امرأةٍ أخرى‪ ،‬وبلغين أن‬
‫تغيريا‬
‫هناك من ُوجري مائة عملية وحنو ذلك؛ هذه العمليات املنتشرة إذا كانت بالتغيري يف اخللقة ً‬
‫ثابتًا‪ ،‬وكانت اخللقة على الوجه املعتاد؛ فإهنا حرام من كبائر الذنوب‪ ،‬ال وجو للطبيب أن وجريها‪،‬‬
‫وال وجو للمسلم أن يطلبها‪ ،‬حرام‪ ،‬كبرية‪.‬‬

‫عيب يف العضو يشوه اإلنسان فتجو عملية التجميل؛ ألهنا إذ ذاك ليست‬ ‫أما إذا كان هناك ٌ‬
‫للحسن وإَّنا إلعادة أصل اخللقة‪ ،‬وللعالج‪ ،‬وهذا ال بأس به‪.‬‬

‫وقد علمنا مما تقدم أن الزينة قد تكون يف اجلسد‪ ،‬وقد تكون يف امللبوس؛ فمن الزينة يف اجلسد ما‬
‫يتعلق بالشعر؛ والشعر سواءً كان شعر الرأس أو شعر اللحية‪ ،‬يُسن إحسانه وجتميله وتسرُيه‬
‫ودهنه‪ ،‬ويكون ذلك للرجل غبًّا؛ أي‪ :‬فرتةً بعد فرتة‪ ،‬بعض الفقهاء يقول‪ :‬يوم بعد يوم وليس‬
‫دائما بالنسبة للرجل‪ ،‬املرأة قد حتتاج‬
‫املقصود بالتحديد هذا‪ ،‬وإَّنا املقصود أن ال يكون ذلك ً‬
‫للتسريح يف كل فرتة؛ يعين يف اليوم الواحد عدة مرات‪ ،‬لكن الرجل ال يهتم بشعره على سبيل‬
‫االستمرار والدميومة؛ بل فرتة بعد فرتة إال إذا ُوجد سبب كأن تشعث شعر حليته فيمشطه من أجل‬
‫مثال على حليته هذا وجعله‬
‫أن يسكنه هذا مشروع ولو يف اليوم عدة مرات‪ ،‬لكن أن يضع الزيت ً‬
‫غبًّا فرتة بعد فرتة‪ ،‬وال يكون الرجل كاملرأة يف العناية بشعره‪.‬‬
‫المجلس السادس من فقه اللباس والزينة‬

‫سرح شعره حىت وهو معتكف يف املسجد صلى‬


‫وقد كان النيب صلى اهلل عليه وسلم يعتين بشعره ويُ ِّ‬
‫اهلل عليه وسلم‪ ،‬تقول أمنا عائشة رضي اهلل عنها‪( :‬كان النيب صلى اهلل عليه وسلم يصغي إيل‬
‫متفق عليه‪.‬‬
‫جماور يف املسجد فأرجله)‪ٌ .‬‬
‫رأسه وهو ٌ‬
‫كان النيب صلى اهلل عليه وسلم يكون معتك ًفا‪ ،‬وكان بيت عائشة رضي اهلل عنها على حد املسجد؛‬
‫سرح شعره وهو‬
‫فكان ُمييل رأسه الشريف صلى اهلل عليه وسلم إىل أمنا عائشة رضي اهلل عنها فتُ ِّ‬
‫معتكف يف املسجد صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬

‫شعر‬
‫‪ -‬وجاء عن أيب هريرة رضي اهلل عنه أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال‪(( :‬من كان له ٌ‬
‫فليكرمه))‪ ،‬واحلديث رواه أبو داود والطحاوي والطرباين وحسنه النووي‪ ،‬وقال األلباين‪ٌ :‬‬
‫حسن‬
‫حسن صحيح؛ فإنه يعين أنه من هذا الطريق حسن‪ ،‬ومبجموع الطرق‬
‫صحيح‪ ،‬وإذا قال األلباين‪ٌ :‬‬
‫صحيح؛ فإكرام الشعر ُسنة‪.‬‬

‫‪ -‬وجاء عن عبد اهلل بن مغفل رضي اهلل عنه أنه قال‪( :‬هنى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم عن‬
‫الرتجل إال غبًّا)‪ ،‬رواه أمحد وأبو داود والرتمذي والنسائي‪ ،‬وصححه النووي واأللباين؛ فالنيب صلى‬
‫اهلل عليه وسلم هنى الرجل عن الرتجل؛ أي‪ :‬العناية بالشعر تسرُيًا ودهنًا إال غبًّا؛ أي‪ :‬فرتة بعد‬
‫سكن شعره‪.‬‬ ‫فرتة أو عند قيام السبب؛ كالتشعث فيُ ِّ‬

‫وجاء عن أحد صحابة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أنه قال‪( :‬هنى رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وسلم أن ميتشط أحدنا كل ٍ‬
‫يوم)‪ ،‬واحلديث رواه اإلمام أمحد وأبو داود والنسائي‪ ،‬وصححه النووي‬
‫واأللباين والوادعي رحم اهلل اجلميع؛ فالنيب صلى اهلل عليه وسلم هنى أن ميتشط الرجل كل يوم‪،‬‬
‫سبب يدعو؛‬
‫يوما بعد يومني‪ ،‬أو حنو ذلك إال إذا ُوجد ٌ‬
‫يوما بعد يوم‪ ،‬أو ً‬
‫وإَّنا ميتشط كما قلنا غبًّا ً‬
‫يح شعره فشعثته‪ ،‬أو نام فقام شعثًا فإنه ميشط شعره لتسكني شعره‪.‬‬
‫كأن أصابت ر ٌ‬
‫ومما يتعلق بالزينة يف الشعر احللق‪ ،‬فما حكم حلق الشعر؟‬
‫المجلس السادس من فقه اللباس والزينة‬

‫واجلواب يف املسائل التالية‪:‬‬

‫‪ -‬وجو للرجل أن ُيلق مجيع رأسه‪.‬‬

‫‪ -‬ووجو له أن يقصر مجيع رأسه‪.‬‬


‫‪ -‬ووجو له أن وجعل تقصري ٍ‬
‫جزء أكثر من اآلخر؛ بشرط أن ال يصل إىل احللق وأن ال يكون فيه‬
‫تشبهٌ بكاف ٍر أو فاسق‪ ،‬وهذه الضوابط تقدمت معنا مسألة التشبه‪.‬‬

‫‪ -‬وجو للرجل أن ُيلق رأسه باملوس؛ ُيلق رأسه كله ما يرتك منه شيئًا‪.‬‬

‫‪ -‬ووجو للرجل أن يُ ِّ‬


‫قصر مجيع شعره باملقص أو باملاكينة‪.‬‬

‫‪ -‬ووجو له أن يكون ً‬
‫مثال التقصري من األمام أخف من التقصري من اخللف‪ ،‬وهذا قد ُيتاجه من‬
‫يكون به صلع أو حنو ذلك وجو ‪ ،‬أما أن ُيلق البعض أو ما يشبه احللق‪ ،‬ويرتك البعض ال هذا‬
‫القزع سيأتينا إن شاء اهلل عز وجل‪.‬‬

‫إذًا هي ثالث صور‪:‬‬

‫‪ -‬وجو للرجل أن ُيلق شعره كله باملوس؛ واحللق إذا أطلق فإن املقصود به باملوس‪.‬‬

‫قصر شعره كله؛ فيأخذ بعضه ويرتك بعضه؛ يعين يأخذ بعض الشعر كله‪،‬‬ ‫‪ -‬ووجو للرجل أن يُ ِّ‬
‫ويرتك بعض الشعر كله ما ُيلقه حل ًقا‪ ،‬ولكن يقصره‪.‬‬

‫‪ -‬ووجو أن يكون التقصري متفاوتًا ما مل يصل إىل احللق يف البعض‪ ،‬أو يكون يف تشبه بكافر أو‬
‫فاسق أو مبتدع؛ هذه ثالث صور‪ ،‬وقد نص على ذلك مجاهري العلماء‪.‬‬
‫المجلس السادس من فقه اللباس والزينة‬

‫واملعلوم أنه شرع يف احلج والعمرة للرجل أن ُيلق أو يقصر‪ ،‬وقد دعا النيب صلى اهلل عليه وسلم‬
‫للمحلقني ثالثًا وللمقصرين واحدة؛ فدل ذلك على جوا احللق من حيث اإلطالق‪ ،‬وعلى جوا‬
‫التقصري؛ نعم هو يف احلج والعمرة واجب‪ ،‬لكن دل على جوا الفعل من حيث اإلطالق‪.‬‬

‫وقد جاء عن ابن عمر رضي اهلل عنهما‪ :‬أن النيب صلى اهلل عليه وسلم رأى صبيًّا قد ُحلق بعض‬
‫شعره وتُرك بعضه فنهاهم عن ذلك‪ .‬وقال‪ :‬احلقوه كله أو اتركوه كله‪ ،‬فالنيب صلى اهلل عليه وسلم‬
‫قال‪(( :‬احلقوه كله أو اتركوه كله))‪ ،‬فدل ذلك على جوا احللق‪.‬‬

‫تشبها بالرجال‪ ،‬ال وجو هلا أن حتلق‬


‫وأما املرأة فال وجو هلا أن حتلق رأسها بالكلية؛ ألن يف ذلك ً‬
‫رأسها بالكلية؛ حتلق باملوس كما نسمع اآلن أن بعض النساء ُيلقن رؤوسهن باملوس‪ ،‬وال وجو هلا‬
‫أيضا أن تقصره إىل احلد الذي يُشبه شعور الرجال؛ بل هلا أن تقصره من غري أن تصل إىل احلد‬
‫ً‬
‫الذي يشبه شعور الرجال‪ ،‬بعض أهل العلم أجا هلا أن تقصره من األمام ال من اخللف‪ ،‬لكن‬
‫الذي يظهر واهلل أعلم أنه وجو هلا أن تقصر شعرها سواء من األمام أو من اخللف‪ ،‬لكن حبيث ال‬
‫تصل إىل احلد الذي يشبهشعور الرجال‪.‬‬

‫تدرجا فتقصر بعضه أكثر من بعض‪ ،‬ذكرنا أنه وجو حىت للرجل أن‬
‫أيضا أن تقصره ُم ً‬
‫ووجو هلا ً‬
‫خيتلف أو ُتتلف درجة التقصري يف الشعر ما مل يصل إىل حد احللق؛ بشرط أن ال يكون يف ذلك‬
‫‪-‬الضوابط ما ُيتاج أن نذكر هبا‪ -‬تشبه بالكفار‪.‬‬
‫ومما ُّ‬
‫يدل على أن املرأة ال وجو هلا أن حتلق شعرها؛ أنه مل يُشرع هلا يف احلج والعمرة أن حتل‪،‬؛‬
‫فليس على النساء حلق‪ ،‬وإَّنا على النساء التقصري‪ ،‬فدل ذلك على أنه ال وجو للمرأة أن حتلق‬
‫لشرع هلا يف احلج والعمرة كما شرع للرجل‪ ،‬ودل ذلك على أنه وجو‬
‫شعرها إذ لو كان هلا ذلك؛ ُ‬
‫هلا التقصري‪ ،‬ولذلك ُشرع هلا التقصري‪.‬‬

‫إ ًذا املرأة ُيرم عليها يف شعر رأسها من حيث األخذ أمران‪:‬‬


‫المجلس السادس من فقه اللباس والزينة‬

‫اَلمر اَلول‪ :‬أن حتلق رأسها باملوس‪.‬‬


‫واَلمر الثاني‪ :‬أن تقصر شعر رأسها على ٍ‬
‫هيئة تشبه شعور الرجال فهذا ال وجو ؛ ال وجو هلا أن‬
‫تقصر من غري ٍ‬
‫تشبه بالرجال‪ ،‬فالراجح أنه وجو هلا ذلك من قُدام ومن‬ ‫تتشبه بالرجال‪ ،‬أما أن ِّ‬
‫اضح على املنع‪ ،‬وفعل نساء الصحابة‬
‫خلف ومن مجيع الشعر؛ ألن األصل اإلباحة‪ ،‬ومل يرد دليل و ٌ‬
‫ال ُّ‬
‫يدل على املنع‪.‬‬

‫بقي معنا القزع‪ :‬وهو حلق بعض الشعر وترك البعض‪ ،‬أن ُُيلق جزء سواء من اجلانبني أو من‬
‫اخللف أو من األمام ويُرتك جزء‪ ،‬أو حتلق أجزاء وترتك أجزاء‪ ،‬هذا القزع‪.‬‬

‫والقزع ال وجو للمرأة؛ ألن قدمنا أنه ال وجو للمرأة أن حتلق‪ ،‬فال وجو هلا أن حتلق شعرها وال‬
‫بعضه إال حلاجة مثل احلجامة‪ ،‬أو إذا احتيج طبيًا إىل كشف بعض اجللد للحاجة وجو ‪ ،‬أما لغري‬
‫احلاجة فال وجو للمرأة أن حتلق شعرها أو بعض شعرها‪ ،‬وبالتايل فإن القزع يف حقها حرام‪.‬‬

‫ويُكره للرجل القزع باتفاق املذاهب األربعة وقد نص على ذلك العلماء؛ بل نص العلماء على أن‬
‫هذا مكروه باإلمجاع‪.‬‬

‫‪ -‬قال النووي رمحه اهلل‪) :‬أمجع العلماء على كراهة القزع إال أن يكون ملداواةٍ وحنوها وهي كراهة‬
‫تنزيه(؛ يعين أن الفقهاء عندما نصوا على كراهية القزع‪ ،‬قالوا إن ذلك على وجه الكراهية ال على‬
‫وجه التحرمي‪ ،‬وقد ُحكي اإلمجاع على الكراهية‪.‬‬

‫ودل على ذلك كما جاء عن ابن عمر رضي اهلل عنهما‪ :‬أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم هنى‬
‫فسئل نافع الراوي عن ابن عمر رضي اهلل عنهما‪) :‬ما القزع؟( فقال‪) :‬أن ُُيلق بعض‬
‫عن القزع‪ُ .‬‬
‫متفق عليه‪.‬‬
‫الصيب ويرتك بعض(‪ٌ .‬‬
‫رأس ِّ‬
‫المجلس السادس من فقه اللباس والزينة‬

‫فابن عمر رضي اهلل عنهما بني أن النيب صلى اهلل عليه وسلم هنى عن القزع‪ ،‬والراوي عن ابن عمر‬
‫وُيلق بعضه‪ ،‬فدل ذلك على أن‬
‫الصيب ُ‬
‫رضي اهلل عنهما بني معىن القزع؛ وهو أن يُرتك بعض رأس ِّ‬
‫القزع مكروه حىت للصبيان الصغار‪ ،‬ومن باب أوىل للرجال‪ ،‬واحلديث عام‪.‬‬

‫وتقدم معنا أنه جاء عن ابن عمر رضي اهلل عنهما‪ :‬أن النيب صلى اهلل عليه وسلم رأى صبيًّا قد‬
‫حلق بعض شعره وتُرك بعضه فنهى عن ذلك‪ ،‬وقال‪(( :‬احلقوه أو اتركوه كله))‪ ،‬واحلديث رواه‬
‫اإلمام أمحد وأبو داود والنسائي وصححه األلباين رحم اهلل اجلميع‪.‬‬

‫فحلق بعض رأسه وتُرك بعض رأسه فقال‬


‫فالنيب صلى اهلل عليه وسلم رأى صبيًّا قد فُعل به القزع ُ‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪(( :‬احلقوه كله أو اتركوه كله))‪ ،‬ونص كثريٌ من الفقهاء على أن النهي هنا‬
‫منهي عنه‪ ،‬ال شك أن النيب صلى اهلل عليه وسلم هنى عنه‪ ،‬والالئق‬
‫للكراهة باإلمجاع‪ ،‬وال شك أنه ٌ‬
‫باملسلم إذا مسع النهي من النيب صلى اهلل عليه وسلم أن وجتنب‪ ،‬والنيب صلى اهلل عليه وسلم قال‪:‬‬
‫((ما نهيتكم عنه فاجتنبوه))‪ ،‬وأن ال يبحث اإلنسان هل هذا النهي للكراهة والنهي للتحرمي؟‬

‫ما دام ثبت النهي عن النيب صلى اهلل عليه وسلم فشأن املسلم أن وجتنبه‪ ،‬ويبتعد عما هنى عنه نبيه‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ويكفيه أنه علم أن نبيه صلى اهلل عليه وسلم قد هنى عن هذا الفعل‪ ،‬فال‬
‫يقرتب منه؛ ألن نبيه صلى اهلل عليه وسلم هنى عنه‪.‬‬

‫واهلل تعاىل أعلى وأعلم‪ ،‬وصلى اهلل على نبينا وسلم‪ ،‬والسالم عليكم ورمحة اهلل وبركاته‪.‬‬
‫المجلس السابع واألخير من فقه اللباس والزينة‬

‫السالم عليكم ورمحة اهلل وبركاته‪ ،‬احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم األمتان األكمالن على املبعوث‬
‫رمحة للعاملني وعلى آله وصحبه أمجعني‪ ،‬أما بعد‪:‬‬

‫فأيها اإلخوة واألخوات هذا هو اجمللس السابع من جمالس هذه الدورة العلمية الثالثة من سلسلة دورات‬
‫فقه األسرة‪ ،‬واليت خصصناها للكالم عن فقه اللباس والزينة‪ ،‬وهبذا اجمللس إن شاء اهلل سنختم جمالس‬
‫هذه الدورة؛ أعين من حيث بيان املسائل‪ ،‬وإن شاء اهلل عز وجل سنُحدد وقتا ويُعلن لإلجابة عن‬
‫األسئلة الكثرية اليت وردتين فيما يتعلق بالدورة خصوصا وبالعلم عموما‪ ،‬وسيعلن عنه اإلخوة الحقا إن‬
‫شاء اهلل عز وجل‪.‬‬

‫ال زال حديثنا عن فقه الزينة املتعلقة باجلسد‪ ،‬وكنا قد طرحنا بعض ما يتعلق بالزينة املتعلقة بالشعر‪،‬‬
‫ونكمل املسائل املتعلقة بالزينة املتعلقة بالشعر‪.‬‬

‫ومن املسائل املتعلقة بالزينة املتعلقة بالشعر‪ :‬ما يتعلق بشعر اجلبني أو احلواجب‪ ،‬هذا الشعر الذي يكون‬
‫فوق العينني‪ ،‬ونتف هذا الشعر باليد أو باخليط أو بغري ذلك‪ :‬حرام‪.‬‬

‫ويُلحق بالنتف اإلزالة للشعر بأي مزيل؛ مبوس وهو املسمى باحلِالقة‪ ،‬أو مبعجون أو باحللوى‪.‬‬

‫وكذلك يلحق به تقصري الشعر‪ ،‬فإن العلة الشرعية املانعة من النمص الذي هو النتف‪ ،‬هي تغيري خلق‬
‫اهلل للحسن‪ ،‬وهذا موجود بتمامه يف احللق أو اإلزالة باملزيالت‪ ،‬أو يف تقصري هذا الشعر‪.‬‬

‫وقد قال ربنا سبحانه وتعاىل عن إبليس أنه قال‪َ ﴿ :‬وََل ُم َرنَّ ُهمْْفَ لَيُ غَيِّ ُر َّْنْ َخلْ َْقْاهلل﴾ [النس ِاء‪]119 :‬؛ وهذا‬
‫الذي حيصل من النمص وما أُحلِق به‪ :‬تغيري خللق اهلل عز وجل‪ ،‬وجاء عن عبد اهلل بن مسعود رضي‬
‫اهلل عنه كما تقدم معنا أنه قال‪(( :‬لعن ْاهلل ْالواشمات ْوالمستوشمات ْوالمتنمصات ْوالمتفلجاتْ‬
‫للحسْنْ‪ْ ،‬المغيرات ْخلق ْاهلل)) ووجه الداللة من هذا احلديث أنه قال‪(( :‬لعن ْاهلل ْالمتنمصات))‬
‫ُْ‬
‫وكما تقدم معنا أشار يف حديثه إىل أن هذا من رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وأن رسول اهلل صلى‬
‫اهلل عليه وسلم هو الذي لعنهن‪.‬‬

‫والنمص األصل فيه‪ :‬النتف بأي وسيلة‪ ،‬على التحقيق من أقوال أهل العلم‪.‬‬
‫المجلس السابع واألخير من فقه اللباس والزينة‬

‫وهذا احلديث يدل على احلكم والعلة؛ فدل على احلكم وهو‪ :‬التحرمي وأن هذا من كبائر الذنوب‪.‬‬

‫للحسن‪.‬‬
‫ودل على العلة وهي‪ :‬تغيري خلق اهلل ُ‬
‫فأي تغيري ثابت يُزال به الشعر أو بعضه يف شعر احلواجب يدخل يف احلكم‪.‬‬

‫وأما تشقري احلواجب؛ بأن تضع املرأة على شعر احلاجبني لونا يشبه لون البشرة‪ ،‬خيفف كثافتها من‬
‫أعلى الشعر ومن أسلفه حبيث ختف كثافة الشعر‪ ،‬ويظهر كأنه خط أو حنو ذلك‪ ،‬مع بقاء الشعر حتت‬
‫هذا اللون‪ ،‬فهذا اختلفْفيهْالعلماءْالمعاصرون؛ فأباحه بعض أهل العلم وقالوا‪ :‬إنه مباح؛ ألنه ليس‬
‫منصا واألصل يف الزينة كما قلنا اإلباحة‪ .‬فمثال قال الشيخ الفقيه اإلمام ابن عثيمني رمحه اهلل عز وجل‪:‬‬
‫(جيوز تلوين شعر احلاجب بلون كلون البشرة؛ ألن الشعر باق)؛ يعين مل حيصل فيه منص وال معىن‬
‫النمص‪.‬‬

‫وقال بعض العلماء بتحرميه؛ ألنه يشبه النمص يف مقصوده؛ فمثال قالت اللجنة الدائمة‪( :‬تشقري أعلى‬
‫احلاجبني وأسفلها بالطريقة املذكورة ال جيوز‪ ،‬ملا يف ذلك من تغيري خلق اهلل سبحانه وملشاهبته للنمص)‪.‬‬

‫درست هذه املسألة دراسة مطولة وظهر يل واهلل أعلم أن التشقري من باب املشتبهات‪ ،‬يُنصح برتكه‬
‫ُ‬ ‫وقد‬
‫ولكن إذا فعلته املرأة فإهنا مل تفعل حراما‪ ،‬وذلك أنا إذا نظرنا إىل أنه جمرد لون للزينة‪ ،‬أشبه وضع‬
‫املساحيق على باقي الوجه‪ ،‬وهذا مباح‪.‬‬

‫وإذا نظرنا إىل أنه تصرف يف شعر احلاجب‪ ،‬أشبه النمص‪ ،‬وهذا حرام‪ ،‬فيجتذبه أصالن‪ ،‬وهذا من‬
‫املتشاهبات‪.‬‬

‫فاتقاء املرأة للمتشاهبات خري هلا‪ ،‬لكن لو فعلته فليس حبرام‪ ،‬وإذا كان ذلك حلاجة فال حرج إن شاء‬
‫اهلل عز وجل‪.‬‬

‫وأما وضع اللون األسود على احلاجبني لسقوط شعرمها كله‪ ،‬أو لسقوط أكثر الشعر مع بقاء بعضه‪،‬‬
‫من غري إزالة للشعر وإمنا يوضع لون أسود يف هذا املكان للحاجة اليت ذكرنا‪ ،‬فالذي يظهر يل واهلل أعلم‬
‫أن هذا جائز؛ أن تضع املرأة لونا أسود مكان شعر احلاجبني إذا سقط الشعر بالكلية كما حيصل لبعض‬
‫المجلس السابع واألخير من فقه اللباس والزينة‬

‫النساء‪ ،‬إذا أصاهبا السرطان أسأل اهلل أن ُجيري املسلمني واملسلمات‪ ،‬وعوجلت بالكيميائي فأحيانا‬
‫يسقط شعر احلاجبني بالكلية ويبقى اجللد‪ ،‬فال حرج أن تضع لونا يف هذا املكان‪ .‬أو سقط أكثره كما‬
‫حيصل لبعض النساء إذا أصيبت مبرض يف الغُدة يؤدي هذا إىل سقوط كثري من شعر احلاجبني‪ ،‬فال‬
‫حرج أن تضع هذا اللون؛ ألن هذا إزالة تشوه وعالج عيب حصل‪ ،‬وقد تقدم معنا أن إزالة العيب‬
‫وإزالة التشوه وإصالح األمر إىل اخللقة األصلية وإعادهتا للخلقة األصلية‪ :‬ال حرج فيه‪ .‬ذكرنا هذا يف‬
‫ضوابط التزين املباح كما يف اجمللس املاضي‪.‬‬

‫أيضا من التزين املتعلق بالشعر‪ :‬ما يتعلق بلحية الرجل‪ ،‬واهلل حكيم عليم‪ ،‬خلق النساء على هيئة تصلُ ُح‬
‫هلن وتُصلِ ُح ُهن‪ ،‬وخلق الرجال على هيئة تصلُ ُح هلم وتُصلِ ُح ُهم؛ فكرم الرجال باللحى‪ ،‬وحلقْاللحيةْ‬
‫بالكليةْحرامْْبإجماعْأهلْالعلم‪ ،‬وما حكاه بعض الشافعية املتأخرون مسبوق باإلمجاع‪.‬‬

‫يقول ابن حزم رمحه اهلل عز وجل‪( :‬واتفقوا أن حلق مجيع اللحية ُمث لة‪ :‬ال جتوز) ومل يتعقبه ابن تيمية‬
‫رمحه اهلل يف نقد مراتب اإلمجاع؛ يعين أنه يوافقه على ذلك‪.‬‬

‫وقال ابن القطان رمحه اهلل عز وجل‪( :‬واتفقوا أن حلق مجيع اللحية ُمث لة‪ :‬ال جتوز)‪.‬‬

‫وهذا الذي رأيته يف كتب الفقهاء من املتقدمني؛ كلهم ينُصون على حرمة حلق اللحية بالكلية‪.‬‬

‫وكذلك على الراجح‪ :‬الْيجوزْاألخذْمنها إال إذا طالت طوال زائدا مشوها‪ ،‬فالراجح عندي واهلل أعلم‬
‫أنه ال حرج إن شاء أن يأخذ من طوهلا وعرضها إن زاد حت خرج عن احلد املعتاد‪ ،‬لريدها إىل املعتاد‬
‫فقط‪.‬‬

‫وأما القبضْبالقبضة وأخذ ما زاد فهذا ثبت عن بعض الصحابة رضوان اهلل عليهم‪ ،‬فمن فعله ال ينبز‬
‫وال يتنقص منه‪.‬‬

‫لكن الذي يظهر يل واهلل أعلم فقها ونظرا‪ :‬أنه ال جيوز أخذ ما زاد عن القبضة‪ ،‬بل الواجب إعفاء‬
‫اللحية وترك اللحية‪ ،‬إال إذا طالت طوال زائدا عن املعتاد‪ُ ،‬فرتد إىل املعتاد فال بأس إن شاء اهلل‪.‬‬

‫إذن عندنا أمور يف اللحية‪:‬‬


‫المجلس السابع واألخير من فقه اللباس والزينة‬

‫اطلعت عليه من كتب الفقهاء‬


‫ُ‬ ‫‪ -١‬األمر األول‪ :‬احللق بالكلية؛ وهذا ال جيوز وحرام باالتفاق فيما‬
‫املتقدمني‪ ،‬ونقله ونص عليه بعض العلماء املهتمني باإلمجاع‪.‬‬

‫‪ -٢‬واألمر الثاين‪ :‬تقصري اللحية أقل من القبضة؛ وهذا حمل خالف بني الفقهاء‪ ،‬لكن الراجح أنه ال‬
‫جيوز‪ ،‬ومل ِ‬
‫يأت دليل على اجلواز‪.‬‬

‫‪ -٣‬واألمر الثالث‪ :‬أخذ ما زاد عن القبضة‪ ،‬وهذا ثبت عن عدد من الصحابة رضوان اهلل عليهم وهو‬
‫مينع التنقص والتفسيق وغري ذلك‪ ،‬لكن الذي يظهر يل واهلل أعلم أنه جيب أن ترتك‪.‬‬

‫‪ -٤‬واملرحلة الرابعة‪ :‬أخذ ما زاد عن املعتاد يف طول اللحية وعرضها حت ترد إىل املعتاد وهذا يظهر يل‬
‫واهلل أعلم أنه جائز؛ ألن هذا هو األصل يف الشريعة يف مثل هذا‪.‬‬

‫وقد جاء عن ابن عمر رضي اهلل عنهما عن النيب صلى اهلل عليه وسلم أنه قال‪(( :‬أحفوا ْالشواربْ‬
‫وأعفواْاللحى)) رواه مسلم يف الصحيح‪ .‬ومعىن ((أعفواْاللحى))؛ اتركوها حت تكثر وتطول‪.‬‬

‫وجاء أيضا عن ابن عمر رضي اهلل عنهما عن النيب صلى اهلل عليه وسلم أنه قال‪(( :‬خالفواْالمشركينْ‬
‫َْوفِّرواْاللحىْواحفواْالشوارب)) رواه البخاري يف الصحيح‪ .‬ومعىن ((وفِّرواْاللحى))؛ اتركوها وافرة‪،‬‬
‫والتوفري يدل على الكثرة والتمام‪.‬‬

‫وهذا احلديث يدل على الوجوب من وجهني‪:‬‬

‫‪ -١‬الوجه األول‪ :‬أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال‪(( :‬خالفواْالمشركين))‪ ،‬خمالفة املشركني يف ستِ ِهم‬
‫ودهلِم‪ :‬واجبة‪.‬‬

‫‪ -٢‬واألمر الثاين‪ :‬أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال‪(( :‬وفِّروا))؛ ووفروا أمر‪ ،‬واألمر املطلق يقتضي‬
‫الوجوب‪.‬‬

‫أيضا جاء عن ابن عمر رضي اهلل عنهما أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال‪(( :‬أنهكواْالشواربْوأعفواْ‬
‫اللحى)) رواه البخاري يف الصحيح‪.‬‬
‫المجلس السابع واألخير من فقه اللباس والزينة‬

‫وجاء عنه أيضا عن النيب صلى اهلل عليه وسلم أنه قال‪ُّ (( :‬‬
‫حفوا ْالشوارب ْوأوفوا ْاللحى))؛ ومعىن‬
‫((أوفوا))‪ :‬اتركوها وافية‪ ،‬واإليفاء‪ :‬اإلمتام وعدم النقصان‪.‬‬

‫جزواْالشواربْوأرخواْ‬
‫أيضا جاء عن أيب هريرة رضي اهلل عنه عن النيب صلى اهلل عليه وسلم أنه قال‪ُّْ (( :‬‬
‫اللحى؛ْخالفواْالمجوس)) رواه مسلم يف الصحيح‪.‬‬

‫وجاء أيضا عند مسلم يف بعض رواياته بلفظ‪(( :‬أرج ْواْاللحى)) ويف بعضها كما ذكر احلافظ بن حجر‬
‫يف الفتح‪(( :‬أرجئوا))؛ ومعىن ((أرخوا))؛ أي‪ :‬أطيلوا اللحاء‪ ،‬ومعىن ((أرجوا))؛ يعين أخروها فال‬
‫متسوها واتركوها‪ .‬وهذه ألفاظ متنوعة متظافرة وكلها أوامر صحيحة صرحية‪.‬‬

‫وأماْالشارب‪ :‬فالشارب يُشرع األخذ منه باتفاق العلماء‪ ،‬وهو من خصال الفطرة‪ ،‬وأكثر العلماء على‬
‫أن ذلك سنّة‪.‬‬

‫وقد تقدم معنا قبل قليل األحاديث املتعلقة بإعفاء اللحية‪ ،‬وفيها األمر جبز الشوارب وإحفاء الشوارب‬
‫وحنو ذلك‪.‬‬

‫وجاء عن أيب هريرة رضي اهلل عنه عن النيب صلى اهلل عليه وسلم أنه قال‪(( :‬الفطرةْخمس‪ْ:‬الختان‪ْ،‬‬
‫واالستحداد‪ْ،‬وقصْالشارب‪ْ،‬وتقليمْاألظفار‪ْ،‬ونتفْاَلباط)) متفق عليه‪.‬‬

‫مث بعد هذا‪ ،‬هل ْللمرأة ْأن ْتزيل ْشعر ْوجهها ْغير ْالحاجبين بأي مزيل؟ كأن تزيله بالليزر أو تزيله‬
‫باخليوط أو حنو ذلك من املزيالت اليت ال تقوي الشعر وتظهره‪ ،‬هذاْمحلْخالفْ بني أهل العلم وهو‬
‫مبين على‪ :‬هل النمص خاص بشعر احلاجبني أو يشمل الوجه كله؟‬

‫والذي يظهر يل واهلل أعلم‪ :‬أنه خاص بشعر احلاجبني؛ فيجوز للمرأة أن تأخذ شعر وجهها غري‬
‫احلاجبني‪ ،‬ويُستحب هلا أن تأخذ الشعر النابت مكان شارب الرجل وحلية الرجل؛ فالشعر النابت على‬
‫الشفة العليا وعلى الذقن إذا ظهر للمرأة‪ :‬يُستحب هلا أن تأخذه حت ال تشبه الرجال‪ ،‬وقد نص على‬
‫هذا االستحباب‪ :‬احلنفية والشافعية‪ .‬وهذا مشوه خللقتها وجيعلها تشبه الرجال فيُستحب هلا أن تأخذ‬
‫هذا الشعر‪.‬‬
‫المجلس السابع واألخير من فقه اللباس والزينة‬

‫والرجل أيضا جيوز له أن يأخذ شعر وجهه غري اللحية واحلاجبني‪ ،‬وحد اللحية‪ :‬ما نبت على العارضني‬
‫واخلدين والذقن‪ ،‬فما زاد إىل جهة العيون‪ ،‬وعلى الوجنتني من أعلى‪ ،‬وعلى الرقبة‪ ،‬جيوز للرجل أن‬
‫يأخذه‪.‬‬

‫سن للرجل واملرأة إزالة شعر العان‪،‬ة وإزالة شعر اإلبط‪ ،‬واألفضل نتف شعر‬
‫وأما شعر بقية البدن‪ :‬فيُ ُّْ‬
‫اإلبط‪ ،‬وحلق شعر العانة‪ ،‬وقد تقدم يف حديث أيب هريرة رضي اهلل عنه أهنا من خصال الفطرة‪.‬‬

‫وتؤخذ مت احتاج اإلنسان إىل أخذها؛ بعد سبعة أيام‪ ،‬بعد عشرة أيام‪ ،‬بعد عشرين يوما‪ ،‬بعد ثالثني‬
‫يوما‪ ،‬وال ينبغي أن تزيد عن أربعني ليلة؛ فعن أنس بن مالك رضي اهلل عنه قال‪ُ ( :‬وقت لنا يف قص‬
‫الشارب وتقليم األظفار ونتف اإلبط وحلق العانة‪ :‬أن ال نرتك أكثر من أربعني ليلة)‪ .‬رواه مسلم يف‬
‫الصحيح‪.‬‬

‫وهذا التوقيت عند كثري من العلماء لإلرشاد‪ ،‬وذهب بعض أهل العلم للوجوب‪.‬‬

‫وأما بقية شعور البدن؛ كشعر الصدر واليدين والرجلني فيجوز أخذها‪ ،‬فإن أخذها اإلنسان رجال كان‬
‫أو امرأة ال حرج‪ ،‬وإن تركها فال حرج‪ .‬يقول شيخنا ابن باز رمحه اهلل عز وجل يف بيان أقسام شعر‬
‫البدن‪( :‬القسم الثالث‪ :‬شعر آخر؛ مثل‪ :‬شعر السيقان وشعر العضد وشعر البطن وشعر الصدر‪ ،‬هذا‬
‫مل يرد فيه شيء يف ما نعلم؛ فمن تركه فال بأس‪ ،‬ومن أخذه فال بأس‪ ،‬من أزاله بشيء فال بأس‪ ،‬ومن‬
‫تركه فال بأس‪ ،‬فاألمر فيه واسع إن شاء اهلل)‪.‬‬

‫ويقول شيخنا الشيخ ابن عثيمني رمحه اهلل‪( :‬الشعور الذي سكت عنها الشارع؛ كالرأس والساق والذراع‬
‫وبقية شعور اجلسد‪ ،‬فيما سكت عنه الشارع فقد قال بعض العلماء إنه منهي عن أخذه‪ ،‬وقال بعض‬
‫العلماء إن أخذه مباح؛ ألنه مسكوت عنه؛ ألن الشرع أمر وهنى وسكت‪ ،‬فعُلم أن هذا ليس مما ِأمر‬
‫به وال مما ُهنِي عنه؛ وهذا األقرب من حيث االستدالل)‪.‬‬

‫ومما يتعلق بالشعر من الزينة‪ :‬صبغ الشعر‪ ،‬فصبغ الشعر؛ سواء شعر الرأس أو شعر اللحية أو شعر‬
‫الصدر‪ ،‬صبغه بغري السواد مستحب إذا كان هناك شيب يشوه مرأى اإلنسان‪ ،‬فإذا كان الشيب ي قبُ ُح‬
‫يف النظر فيستحب تغيريه‪ ،‬أما إذا كان قليال‪ ،‬أو كان ال يقبح يف النظر‪ ،‬فال بأس من تركه بدون صبغ‪.‬‬
‫المجلس السابع واألخير من فقه اللباس والزينة‬

‫وجيوز الصبغ بغري السواد ولو مل يكن هناك شيء؛ لو أن املرأة أرادت أن تصبغ شعرها بلون غري لون‬
‫شعرها الطبيعي‪ ،‬ما دام أنه بغري السواد فال حرج‪.‬‬

‫وأما صبغ الشعر بالسواد فالراجح من أقوال أهل العلم‪ :‬أنه ال ْيجوز‪ ،‬ال بأس أن يُصبغ الشعر بلون‬
‫يُشبه السواد لكنه ليس بأسود‪ ،‬يتبني أنه ليس بأسود؛ كاحلناء والكتم معا‪ ،‬يُصبح اللون قامتا لكن يتبني‬
‫أنه ليس بأسود‪.‬‬

‫قال الشيخ ابن عثيمني رمحه اهلل‪( :‬صبغ الشعر إذا كان بالسواد فإن النيب صلى اهلل عليه وسلم هنى‬
‫عنه؛ حيث أمر بتغيري الشيب وجتنيبه السواد‪ ،‬وقال‪(( :‬غيِّرواْهذاْالشيبْوجنبوهْالسواد))‪ ،‬وورد يف‬
‫ذلك أيضا وعيد على من فعل هذا‪ ،‬وهو يدل على حترمي تغيري الشعر بالسواد‪ ،‬أما تغيريه من األلوان‬
‫حيرم من هذه الناحية)‪.‬‬
‫فاألصل اجلواز‪ ،‬إال أن يكون على شكل نساء الكافرات أو الفاجرات‪ ،‬فإنه ُ‬
‫أما الصبغ بالسواد يا إخوة فممنوع كما قلنا عند مجهور العلماء‪ ،‬لكن اجلمهور الذين منعوا منهم من‬
‫قال هذا املنع على سبيل الكراهة‪ ،‬ومنهم من قال هذا املنع على سبيل التحرمي‪ ،‬والراجح عندي واهلل‬
‫أعلم أن هذا املنع على سبيل التحرمي؛ ألن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال‪(( :‬غيِّرواْهذاْبشيءْواجتنبواْ‬
‫السواد)) كما عند مسلم يف الصحيح‪.‬‬

‫يف حديث جابر بن عبد اهلل رضي اهلل عنه وعن أبيه أنه قال‪ :‬أُِت بأيب قحافة ‪-‬والد أيب بكر الصديق‬
‫رضي اهلل عنهما‪ -‬يوم فتح مكة‪ ،‬ورأسه وحليته كالث غامة بياضا؛ ‪-‬أي شديد البياض قد اغرب‪ ،-‬فقال‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪(( :‬غيِّرواْهذاْبشيءْواجتنبواْالسواد))‪.‬‬

‫وعن أيب هريرة رضي اهلل عنه قال‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪(( :‬غيِّرواْالشيبْوالْتشبهواْ‬
‫باليهود)) رواه الرتمذي وصححه األلباين‪.‬‬

‫سألت أنسا رضي اهلل عنه هل خضب النيب صلى اهلل عليه‬
‫ُ‬ ‫وجاء عن قتادة رضي اهلل عنه أنه قال‪:‬‬
‫صدغيه‪ .‬رواه البخاري يف الصحيح‪.‬‬
‫وسلم؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬إمنا كان شيء يف ُ‬
‫قتادة التابعي اجلليل‪ ،‬يسأل أنس رضي اهلل عنه‪ :‬هل صبغ النيب صلى اهلل عليه وسلم؟ فقال أنس رضي‬
‫اهلل عنه‪ :‬ال‪.‬‬
‫المجلس السابع واألخير من فقه اللباس والزينة‬

‫ملاذا؟ ألنه كان قليال‪ .‬فكان ال يقبُح يف املرأى‪.‬‬

‫وجاء أيضا عن حممد بن سريين رمحه اهلل أنه قال‪ :‬سألت أنسا رضي اهلل عنه‪ :‬أخضب النيب صلى اهلل‬
‫عليه وسلم؟ قال‪ :‬مل يبلغ الشيب إال قليال‪ .‬رواه البخاري يف الصحيح‪.‬‬

‫فكان شيب النيب صلى اهلل عليه وسلم قليال‪ ،‬فلم يصبغ ومل خيضب صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬

‫وخضب الصحابة رضوان اهلل عليهم‪ ،‬فقد جاء عن أنس بن مالك رضي اهلل عنه أنه قال‪ :‬قدم النيب‬
‫صلى اهلل عليه وسلم املدينة فكان أسن أصحابه أبو بكر‪ ،‬فغلفها باحلناء والكتم حت ق نا لوهنا) رواه‬
‫البخاري يف الصحيح‪.‬‬

‫ويف رواية عند مسلم‪ :‬خضب أبو بكر وعمر باحلناء والكتم‪.‬‬

‫وعن أيب ذر رضي اهلل عنه عن النيب صلى اهلل عليه وسلم أنه قال‪(( :‬إنْأحسنْماْغُْيِّرْبهْالشيب‪ْ:‬‬
‫الحناءْوال َْكْتَم)) رواه الرتمذي والنسائي‪ ،‬وصححه األلباين‪.‬‬

‫بقي معنا من الزينة اليت تتعلق بالشعر‪ :‬ما يسمى بالوصل‪ ،‬فوصل الشعر بغريه مما يُظن أنه شعر‪ :‬حرام‬
‫ومن كبائر الذنوب‪.‬‬

‫وقولنا‪( :‬مما يظن أنه شعر)‪ ،‬خيرج ما لو ُو ِضع يف الشعر ما يُعلم أنه ليس بشعر‪ ،‬يظهر من مادته من‬
‫لونه يظهر أنه ليس بشعر‪ ،‬هذا إذا تزينت به النساء فاألصل يف الزينة اإلباحة‪ ،‬لكن أن يوضع يف الشعر‬
‫ما لو نظر الناظر إليه لظن أنه من الشعر‪ :‬فهذا حرام ومن كبائر الذنوب؛ وقد جاء عن أيب هريرة رضي‬
‫اهلل عنه أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال‪(( :‬لعنْاهللْالواصلةْوالمستوصلة)) متفق عليه‪ .‬فلعن اليت‬
‫تصل بنفسها واليت تطلب من غريها أن تصل شعرها‪.‬‬

‫وعن أساء بنت أيب بكر رضي اهلل عنهما‪ :‬أن امرأة جاءت إىل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فقالت‪:‬‬
‫إين أنكحت ابنيت مث أصاهبا شكوى –أي‪ :‬مرض‪ -‬فتمرق رأسها ‪-‬سقط بعض شعرها‪ -‬وزوجها‬
‫يست ِحث ِين هبا ‪-‬يريد النكاح والدخول‪ -‬أفأ ِص ُل رأسها؟ فسب رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم الواصلة‬
‫واملستوصلة‪ .‬رواه البخاري‪.‬‬
‫المجلس السابع واألخير من فقه اللباس والزينة‬

‫وعند مسلم‪ ،‬عن أساء بنت أيب بكر الصديق رضي اهلل عنها وعن أبيها أهنا قالت‪ :‬جاءت امرأة إىل‬
‫رسول اهلل صلى اهلل وعليه وسلم فقالت‪ :‬يا رسول اهلل إن يل ابنة عُريسا أصابتها حصبة ف تمرق شعرها‬
‫فوصل الشعر حبيث يكون‬
‫ُ‬ ‫أفأصله؟ فقال صلى اهلل عليه وسلم‪(( :‬لعنْاهللْالواصلةْوالمستوصلة))؛‬
‫الشعر موجودا لكنه خفيف أو قصري‪ ،‬فيوصل بشيء يشبه الشعر ويظن أنه شعر‪ :‬حرام ومن كبائر‬
‫الذنوب‪.‬‬

‫وأما ْالزينة ْالمتعلقة ْبالوجه‪ :‬فمنها وضع املساحيق على الوجه؛ أن تضع املرأة املكياج على وجهها‪،‬‬
‫فقد نص الفقهاء املتقدمون على أنه جيوز للمرأة أن ُحتمر وجهها؛ يعين أن تضع لونا يُظهر أن يف وجهها‬
‫محرة‪ ،‬وهذا من اجلمال والزينة‪.‬‬

‫ونص الفقهاء املعاصرون على جواز وضع املكياج‪ُ ،‬سئل الشيخ ابن باز رمحه اهلل عن املساحيق اليت‬
‫يضعها النساء على وجوههن للزينة فأجاب‪( :‬املساحيق فيها تفصيل‪:‬‬

‫‪ -‬إن كان حيصل هبا مجال وهي ال تضر الوجه وال تسبب فيه شيئا‪ :‬فال بأس هبا وال حرج‪.‬‬

‫‪ -‬أما إن كانت تسبب فيه شيئا كبقع سوداء أو ُحتدث فيه أضرارا أخرى فإهنا ُمتنع من أجل الضرر)‪.‬‬

‫وهذا تقدم معنا يف ضوابط الزينة يف الدرس املاضي‪.‬‬

‫وقال الشيخ ابن عثيمني رمحه اهلل‪( :‬إذا جتملت املرأة‪ ،‬أو بعبارة أصح إذا مجلت وجهها هبذه املساحيق‬
‫واألدهان‪ ،‬فإن ذلك ال بأس به؛ ألن مثل هذه األمور إذا مل يرد هبا منع من النيب صلى اهلل عليه وسلم‪،‬‬
‫فاألصل فيها احلل)‪.‬‬

‫ومن ْالزينة ْالمتعلقة ْبالعيون‪ :‬وضع املرأة للعدسات الالصقة من أجل الزينة‪ ،‬ويُباح للمرأة أن تضع‬
‫العدسات الالصقة للزينة إذا مل تك ِشف عينيها أمام الرجال األجانب‪.‬‬

‫قال الشيخ ابن عثيمني رمحه اهلل عز وجل عن هذه‪( :‬إذا كان أهنا تعطي مجاال فهذا ال بأس به؛ ألن‬
‫األصل اإلباحة)‪.‬‬

‫وقال بعض مشاخينا‪( :‬تركها أوىل)؛ ومعىن هذا أهنا جتوز لكن تركها أوىل‪.‬‬
‫المجلس السابع واألخير من فقه اللباس والزينة‬

‫يقول شيخنا الشيخ ابن باز رمحه اهلل‪( :‬إن كانت للزينة ‪-‬يعين العدسات‪ -‬فرتكها أوىل وأحرى)‪ ،‬لكن‬
‫ال شك أهنا ليست حراما‪ ،‬وال ُحيرم من الزينة إال ما دل الدليل على حرمته‪.‬‬

‫فيجوز للمرأة أن تضع عدسات الصقة لتظهر أن عينيها مثال زرقاوان أو حنو ذلك‪ ،‬بشرط أن ال تظهر‬
‫هذه الزينة للرجال األجانب‪.‬‬

‫وهلْيجوزْللمرأةْأنْتضعْرمو ًشاْصناعيةْفوقْرموشهاْحتىْيظهرْأنهاْطويلة؟ ال جيوز للمرأة أن‬


‫تضع الرموش على رموش عينيها من أجل الزينة؛ ألهنا تُشبِه وصل شعر الرأس‪ ،‬وقد لعن النيب صلى اهلل‬
‫عليه وسلم الواصلة واملستوصلة كما تقدم معنا‪ ،‬والرموش الصناعية وصل‪ ،‬فتأخذ حكم وصل الشعر‪.‬‬

‫وقد قال شيخنا الشيخ ابن عثيمني رمحه اهلل‪( :‬الرموش الصناعية ال جتوز؛ ألهنا تشبه الوصل؛ أي‪ :‬وصل‬
‫شعر الرأس‪ ،‬وقد لعن النيب صلى اهلل عليه وسلم الواصلة واملستوصلة)‪.‬‬

‫أيضا‪ :‬وصل األظفار برتكيب أظفار صناعية وهذا أيضا حرام؛ ألنه يشبه‬
‫ومنْالزينةْالمتعلقةْبالوصلْ ً‬
‫الوصل‪ ،‬بل أقبح من الوصل‪ ،‬فال جتوز‪.‬‬

‫وأماْإطالةْاألظفار فقد قال بعض أهل العلم‪ :‬إهنا مكروهة‪ ،‬وقال بعض الفقهاء‪ :‬إهنا حرام أن ترتك‬
‫أكثر من أربعني يوما بدون قلم؛ وهذا قول قوي‪.‬‬

‫وأما صبغها بلون جيملها؛ كاحلناء وال سيما إذا احتاجت إىل ذلك فجائز‪ ،‬جيوز للمرأة أن تصبغ أظفارها‬
‫بلون ُجيملها‪ ،‬ولكن هذا الصبغ على نوعني‪:‬‬

‫‪ -١‬نوع بلون ال تكون له مادة متنع الوصول؛ وهذا جائز وال تلزم إزالته عند الوضوء وال عند الغسل‪،‬‬
‫فلو وضعت حناء على أظافرها أو على أصابعها مع أظافرها‪ ،‬فإن هذا جائز‪ ،‬بل أمر حسن‪.‬‬

‫وقد جاء يف بعض األحاديث ‪-‬حسن ها بعض أهل العلم‪ -‬ما يدل على حسن وضع احلناء على أصابع‬
‫املرأة‪.‬‬
‫المجلس السابع واألخير من فقه اللباس والزينة‬

‫‪ -٢‬أما القسم الثاين فهو‪ :‬الصبغ بلون له مادة‪ ،‬مثل الذي يسمونه املناكري؛ فهذا جائز‪ ،‬لكن إذا‬
‫جاءت املرأة تتوضأ جيب عليها أن تُزيله كله ما ترتك منه شيئا‪ ،‬كذلك إذا كانت تغتسل الغسل الواجب‬
‫من حيض أو نفاس أو جنابة‪ ،‬فإهنا جيب عليها أن تزيله‪.‬‬

‫قال شيخنا الشيخ ابن باز رمحه اهلل عز وجل‪( :‬طالء األظفار باحلناء أو غريه مما ُحيسنها ال بأس به إذا‬
‫كان طاهرا ليس بنجس وكان رقيقا ال مينع الوضوء والغسل‪ ،‬أما إذا كان له جسم فال بُد من إزالته عند‬
‫الوضوء والغسل؛ لئال مينع وصول املاء إىل حقيقة الظفر‪ ،‬فاملقصود أن استعمال ما يُزين الظفر من احلناء‬
‫وغريه أو ما يسمونه املناكري ال بأس به)‪.‬‬

‫أيضا مما يتعلق بالزينة للنساء ونُسأل عنه كثريا مسألة ثقبْأذنْالبنتْالصغيرة من أجل وضع احللق‬
‫فيه للزينة؛ وهذا مباح جائز نص على ذلك فقهاء املذاهب األربعة وغريهم من العلماء‪ ،‬وهذا ظاهر‬
‫فعل السلف من الصحابة يف زمن النيب صلى اهلل عليه وسلم فمن بعدهم‪ ،‬فمثال يف حديث ابن عباس‬
‫رضي اهلل عنهما يف يوم العيد عندما وعظ النيب صلى اهلل عليه وسلم النساء وحثهن على الصدقة‪ ،‬قال‬
‫ابن عباس رضي اهلل عنهما‪( :‬فجعلت املرأة تلقي القرط) اللي هو احللق‪ ،‬فدل على أهنن كن يثقنب‬
‫آذاهنن من أجل تعليق احللق‪ .‬واحلديث عند البخاري يف الصحيح‪.‬‬

‫وهذا وإن كان فيه أمل‪ ،‬إال أنه للمنفعة واملصلحة فال بأس به‪.‬‬

‫طيب ما نراه من بعض نساء املسلمني من أهنن يثقبنْاألنفْلوضعْالزمام هذا ال حرج فيه ويجوز؛‬
‫ألن هذا للمنفعة فهو مثل ثقب األذن‪ ،‬وإذا جرت العادة بتزين املرأة يف أنفها بالزمام فال حرج يف ثقب‬
‫األنف من أجل ذلك‪.‬‬

‫لذلك يقول شيخنا الشيخ ابن عثيمني رمحه اهلل عز وجل‪( :‬إذا كانت املرأة يف بلد يعد حتلية األنف زينة‬
‫وجتمال‪ ،‬فال بأس بثقب األنف لتعليق احللية عليه)‪.‬‬

‫أيضا مما يتعلق بفقه الزينة‪ :‬ما يتعلق بالتحلي؛ بلبس احلُلِي‪ ،‬والذي عليه مجاهري العلماء من السلف‬
‫واخللف‪ :‬أن املرأة جيوز هلا أن تتحلى بالذهب حملقا أو غري حملق‪ ،‬نعم خالف بعض العلماء الفضالء‬
‫يف مسألة الذهب احمللق لكن هذا القول مرجوح‪.‬‬
‫المجلس السابع واألخير من فقه اللباس والزينة‬

‫جيوز للمرأة أن تتحلى بالذهب غري احمللق إمجاعا‪ ،‬وجيوز هلا أن تتحلى بالذهب احمللق عند مجاهري‬
‫العلماء من السلف واخللف‪ ،‬وجيوز هلا أن تتحلى بالفضة باإلمجاع‪ ،‬فصار عندنا ثالثة أمور‪:‬‬

‫‪ -١‬أن تتحلى بالفضة‪ :‬هذا حمل إمجاع‪ ،‬حملق أو غري حملق‪.‬‬

‫‪ -٢‬أن تتحلى بالذهب غري احمللق‪ :‬حمل إمجاع‪ ،‬جيوز‪.‬‬

‫‪ -٣‬أن تتحلى بالذهب احمللق‪ :‬مجاهري العلماء على أنه جيوز وهو الراجح‪ ،‬والذي تدل عليه األحاديث‪.‬‬

‫فاملرأة من شأهنا احللية‪ ،‬وقد قال اهلل عز وجل‪﴿ :‬أو من يُنشأُ ِيف احلِلي ِة﴾ [الزخرف‪ .]18 :‬وهذا يشمل‬
‫احللية من الذهب وغريه‪.‬‬

‫وجاء عن علي رضي اهلل عنه كما تقدم معنا أن نبينا صلى اهلل عليه وسلم أخذ حريرا فجعله يف ميينه‪،‬‬
‫وأخذ ذهبا فجعله يف مشاله‪ ،‬مث قال‪(( :‬إنْهذينْحرامْْعلىْذكورْأمتي)) وتقدم معنا من خرج هذا‬
‫احلديث وأن احلديث صحيح‪.‬‬

‫مفهوم املخالفة من هذا احلديث‪ :‬أن الذهب حالل إلناث أمة حممد صلى اهلل عليه وسلم مطلقا‪ ،‬مل‬
‫يقيد مبحلق أو غري حملق‪.‬‬

‫وقد جاء مصرحا بذلك عند النسائي؛ فعن أيب موسى رضي اهلل عنه أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫وحرم ْعلى ْذكورها)) احلديث كما قلنا عند النسائي‬
‫قال‪(( :‬أحْ َّْل ْالذهب ْوالحرير ْإلناث ْأمتي‪ِّ ْ ،‬‬
‫وصححه األلباين‪.‬‬

‫وجاء عن أمنا عائشة رضي اهلل عنها أهنا قالت‪ :‬ق ِدمت على النيب صلى اهلل عليه وسلم حلية من عند‬
‫النجاشي أهداها له‪ ،‬فيها خات من ذهب فيه فص حبشي‪ ،‬قالت فأخذه رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وسلم بعود معرضا عنه‪ ،‬مث دعا أمامة ابنة أيب العاص‪ ،‬فقال‪(( :‬تحلي ْبهذاْياْبنية)) رواه أمحد وأبو‬
‫داود وابن ماجة‪ ،‬وصححه ابن باز وحسنه األلباين رحم اهلل اجلميع‪.‬‬

‫وجاء عن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده‪ :‬أن امرأة أتت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ومعها ابنة‬
‫هلا ويف يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب ‪-‬املسكة هي اإلسوارة‪ ،‬يعين إسوارتان غليظتان من‬
‫المجلس السابع واألخير من فقه اللباس والزينة‬

‫ذهب‪ -‬فقال هلا‪(( :‬أتعطينْزكاةْهذا؟)) قالت‪ :‬ال‪ .‬قال‪(( :‬أيسركْأنْيسوركْاهللْبهماْي ْومْالقيامةْ‬


‫بسوارينْمنْنار)) فخلعتهما فألقتهما إىل النيب صلى اهلل عليه وسلم وقالت‪ :‬مها هلل عز وجل ولرسوله‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪ .‬روى احلديث أبو داود والنسائي‪ ،‬وحسنه النووي وحسنه األلباين رحم اهلل اجلميع‪.‬‬

‫ووجه الداللة منه‪ :‬أن النيب صلى اهلل عليه وسلم ما أنكر عليها لبس اإلسوارتني من الذهب ومها‬
‫حملقتان‪ ،‬وإمنا أهنا ال تزكيهما‪ ،‬فدل ذلك على جواز لبس املرأة للذهب سواء كان حملقا أو غري حملق‬
‫واألدلة كثرية جدًّا‪ ،‬ال يكفي الوقت لبسطها هنا‪.‬‬

‫أيضاْيجوزْللمرأةْأنْتتحلىْباأللماسْواألحجارْالكريمة؛ قال ابن حزم رمحه اهلل عز وجل‪( :‬واتفقوا‬


‫ً‬
‫على إباحة حتلي النساء باجلوهر والياقوت)‪.‬‬

‫والرجل ْيحرم ْعليه ْأن ْيتزين ْبالذهب‪ْ ،‬ويجوز ْله ْأن ْيتختم ْبخاتم ْالفضة‪ ،‬وإذا احتاج إىل اخلات‪،‬‬
‫فاختاذ خات من الفضة يف حقه سنة‪.‬‬

‫يقول ابن حزم رمحه اهلل‪( :‬واتفقوا على إباحة ختتم الرجال بالفضة)‪.‬‬

‫وقال ابن تيمية رمحه اهلل‪( :‬أما خات الفضة فيباح باتفاق األئمة)‪.‬‬

‫وقد فعله النيب صلى اهلل عليه وسلم؛ فعن أنس بن مالك رضي اهلل عنه‪ :‬أن نيب اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وسلم أراد أن يكتب إىل رهط أو أناس من األعاجم‪ ،‬فقيل له‪ :‬إهنم ال يقبلون كتابا إال عليه خات‪،‬‬
‫فاختذ النيب صلى اهلل عليه وسلم خامتا من فضة‪ ،‬ن ق ُشهُ‪ :‬حممد رسول اهلل‪ ،‬قال‪ :‬فكأين بِوبِ ِ‬
‫يص اخلات يف‬
‫أصبع النيب صلى اهلل عليه وسلم أو يف كفه‪ .‬متفق عليه‪.‬‬

‫فالنيب صلى اهلل عليه وسلم اختذ خامتا من فضة‪ ،‬وكان يُرى ملعان اخلات يف يده صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬

‫أيضاْأنْيتختمْبالجواهرْالكريمة‪.‬‬
‫ويجوزْللرجلْ ً‬
‫قال ابن حزم رمحه اهلل عز وجل‪( :‬واتفقوا على إباحة حتلي النساء باجلوهر والياقوت‪ ،‬واختلفوا يف ذلك‬
‫للرجال‪ ،‬إال يف اخلات فإهنم اتفقوا على أن التختم هلم جبميع األحجار مباح‪ ،‬من الياقوت وغريه)‪.‬‬

‫وجيوز للرجال والنساء اختاذ خات من حديد‪ ،‬لكن األوىل ترك هذا‪ ،‬وأن يتنزه املسلم عن هذا‪.‬‬
‫المجلس السابع واألخير من فقه اللباس والزينة‬

‫قال شيخنا ابن باز رمحه اهلل‪( :‬ال بأس من لبس اخلات من احلديد للرجل واملرأة)‪.‬‬

‫وقال ابن عثيمني رمحه اهلل‪( :‬اخلات من احلديد اختلف فيه أهل العلم‪ ،‬فمنهم من كرهه ومنهم من أجازه‬
‫وأظن أن بعضهم حرمه؛ ألن النيب صلى اهلل عليه ذكر أنه من حلية أهل النار‪ ،‬ومثل هذا الوصف‬
‫يقتضي أن يكون حراما ولكن احلديث اختلف العلماء يف صحته‪ ،‬وقد جاء يف الصحيحني أن النيب‬
‫صلى اهلل عليه قال للرجل الذي أراد أن يتزوج املرأة اليت وهبت نفسها للنيب صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬
‫خاتماْمنْحديد))‪ ،‬وهذا يدل على أن اخلات من احلديد جائز‪- .‬قال الشيخ‪ :-‬فمن‬
‫((التمسْولوْ ً‬
‫تنزه عنه فهو أوىل‪ ،‬ويف غريه من املعادن كفاية)‪.‬‬

‫واحلديث الذي أشار إليه الشيخ ما جاء عن سهل بن سعد رضي اهلل عنه أن امرأة عرضت نفسها على‬
‫النيب صلى اهلل عليه وسلم فقال له رجل‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬زوجنيها‪ .‬قال‪(( :‬ماْعندك؟)) قال‪ :‬ما عندي‬
‫خاتماْمنْحديد)) متفق عليه‪.‬‬
‫شيء‪ .‬قال‪(( :‬اذهبْفلتمسْولوْ ً‬
‫واملرأة إذا ختتمت هلا أن تضع خامتها يف أي أصبع من أصابعها باتفاق العلماء‪.‬‬

‫سن له أن يضعه يف خنصر يده اليسرى أو اليمىن‪ ،‬ويكره للرجل أن يتختم يف الوسطى‬
‫أما الرجل فيُ ُّْ‬
‫والسبابة‪.‬‬

‫قال النووي رمحه اهلل‪( :‬وأمجع املسلمون على أن السنة‪ :‬جعل خات الرجل يف اخلنصر‪ ،‬وأما املرأة فإهنا‬
‫تتخذ خواتيم يف األصابع كلها)‪ .‬وقال‪( :‬وأما احلكم يف املسألة عند الفقهاء‪ :‬فأمجعوا على جواز التختم‬
‫يف اليمني‪ ،‬وعلى جوازه يف اليسار‪ ،‬وال كراهة يف واحد منهما‪ ،‬واختلفوا أيتهما أفضل‪ ،‬فتختم كثريون‬
‫من السلف‪ ،‬يف اليمني وكثريون يف اليسار)‪.‬‬

‫وقد جاء عن أنس رضي اهلل عنه أنه قال‪( :‬كان خات النيب صلى اهلل عليه وسلم يف هذه؛ وأشار إىل‬
‫اخلنصر من يده اليسرى)‪ .‬رواه مسلم‪.‬‬

‫وجاء أيضا عن أنس بن مالك رضي اهلل عنه‪( :‬أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم لبس خات فضة يف‬
‫ميينه)‪ .‬أيضا رواه مسلم يف الصحيح‪ .‬فدل على جواز هذا وهذا‪.‬‬
‫المجلس السابع واألخير من فقه اللباس والزينة‬

‫وجاء عن علي رضي اهلل عنه أنه قال‪( :‬هناين رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أن أختذ يف إصبعي هذه‬
‫أو هذه‪ ،‬وأومأ إىل الوسطى واليت تليها)‪ .‬رواه مسلم يف الصحيح‪ .‬وهذا حممول عند العلماء على‬
‫الكراهية‪.‬‬

‫وأختم ما يتعلق بالتحلي باحللي‪ :‬أنه ال ْيجوز ْالتحلي ْبصور ْذوات ْاألرواح وال بالتماثيل اجملسمة؛‬
‫كصورة حيوان كفراشة أو زرافة أو غزالة أو حنو ذلك‪.‬‬

‫وقد جاء عن عائشة رضي اهلل عنها‪ :‬أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال‪(( :‬إن ْأصحاب ْهذهْ‬
‫الصور ْيوم ْالقيامة ْيعذبون‪ْ ،‬يقال ْلهم ْأحيوا ْما ْخلقتم‪ْ ،‬إن ْالبيت ْالذي ْفيه ْالصور ْال ْتدخلهْ‬
‫المالئكة)) متفق عليه‪.‬‬

‫هذا يا إخوة ويا أخوات الفاضالت ما تيسر مجعه وإيراده‪ ،‬وأكرر اعتذاري لإلخوة عما حصل باألمس‬
‫من عدم قدرت على إلقاء الدرسني مع استعدادي لذلك وحرصي عليه لكن ضعف الشبكة ‪-‬ضعف‬
‫اإلنرتنت‪ -‬من القدرة على ذلك‪.‬‬

‫وهلم علي حق االعتذار ألهنم من الناس من فرغ نفسه للدورة وكانوا ينتظرون‪ ،‬لكن شاء اهلل عز وجل‪،‬‬
‫وسبحان اهلل كان يف خمططي أن تكون املادة العلمية للدورة يف سبعة جمالس‪ ،‬ويكون اجمللسان األخريان‬
‫يف اجإبة األسئلة‪.‬‬

‫فاحلمد هلل حصل لنا سبعة جمالس ألقينا فيها املادة العلمية للدورة‪ .‬وأسأل اهلل عز وجل أن يكون فيما‬
‫ذكرنا فائدة ومنفعة للمسلمني واملسلمات‪.‬‬

‫وبقيت األسئلة‪ ،‬سأرتب مع اإلخوة إن شاء اهلل عز وجل وقتا حبيث إن شاء اهلل جنيب فيه عن األسئلة‬
‫اليت وصلتين‪ ،‬ويعلن اإلخوة عنه قبل وقت كاف بإذن اهلل‪.‬‬

‫أسأل اهلل عز وجل أن يتقبل مين ومنكم ما قدمنا‪ ،‬وأن جيزيكم خري اجلزاء على استماعكم وحرصكم‪،‬‬
‫وطلبكم للخري وأن يفقهنا مجيعا يف دينه وأن يشرح صدورنا ملا حيب ويرضى‪ ،‬واهلل تعاىل أعلى وأعلم‪،‬‬
‫والسالم عليكم ورمحة اهلل وبركاته‪.‬‬
‫ـــ‪‬ـــ‬
‫المجلس السابع واألخير من فقه اللباس والزينة‬

You might also like