Professional Documents
Culture Documents
وها هي الدورة الثالثة يف فقه اْلسرة ،واليت شاء اهلل عز وجل أن تُعقد عن بعد لظروف هذه اجلائحة
جائحة كورونا كوفيد تسعة عشر ،نسأل اهلل عز وجل أن يكفي املسلمني شرها ،وأن يدفع ضرها،
وأن يرفع هذا البالء ،ويدفعه عن اْلرض وأهلها.
أقول شاء اهلل عز وجل أن تعقد هذه الدورة عن بعد ،وكم كان بودي أن ألتقي بإخويت كما اعتدنا يف
الدورات السابقة ،لكن أسأل اهلل عز وجل أن جيعل لنا لقاءً قريبًا حبوله وقوته سبحانه وتعاىل.
هذه الدورة الثالثة يف :اللباس والزينة ،وال شك أن اللباس ليس جمرد ٍ
ثياب وعادات؛ بل له أثره على
ومعن بالبعد عما حرم
الفرد واْلسرة واجملتمع ،وال يزال اإلنسان خبري ما حفظ عورته حسا باللباسً ،
المجلس األول من فقه اللباس والزينة
اهلل عز وجل ،وإذا كشف اإلنسان عورته أو بعضها ،انفتح عليه باب الشر وقامت عليه سوق الفتنة،
ولذلك كان أول ما سعى إليه إبليس يف إغواء اآلدمي أن ينزع عنه لباسه ليكشف عورته ،قال تعاىل:
ٱلشيط ُن كما أخرج أب وي ُكم ِّمن ٱلجن َِّة ين ِزعُ عنهما لِباس ُهما لِيُ ِري ُهما
﴿يا بنِي ءادم ل يفتِن نَّ ُك ُم َّ
سوءتِ ِهما [اْلعراف.]27 :
والشيطان عدونا املبني ملا علم أن اآلدمي تأىب فطرته ،وتأىب أخالقه ،ومن قبل ذلك ومن بعده يأىب
َّ
خطوة خطوة فدله على أم ٍر آخر ليكشف له عورته،
تدينه أن يكشف عورته ،أتاه يف هذا الباب ً
ويأيت الناس باْلمر اليسري يف ظنهم ،فإذا كشف اإلنسان هذا اليسري قاده إىل كشف ما بعده؛ حىت
تُكشف العورات ،ويذهب اْلياء ،وتقع الفتنة -والعياذ باهلل.-
ومع أن ربنا الكرمي سبحانه وتعاىل قد جعل دائرة اْلالل يف اللباس واسعة ،ودائرة اْلرام فيه ضيقة،
حرم منه على اإلنسان ما يضره ،فإن كثريا من الناس -هداين اهلل وإياهم -قد تركوا دائرة اْلالل
وإمنا َّ
تساهال منهم متصورين
ً جهال منهم ،أو
الواسعة ،وتقحموا دائرة اْلرام الضيقة الضارة غفلةً منهم ،أو ً
أن اللباس جمرد أقمشة وعادات جمردة ال عالقة هلا باْلالل واْلرام.
ومن هنا أيها اإلخوة واْلخوات تأيت أمهية معرفة فقه اللباس والزينة ،ومن أجل هذا ولقلة الكالم يف
هذا الباب ،وكثرة ال ّداعني إىل خالف اخلري فيه رأى اإلخوة الفضالء أن تكون هذه الدورة يف:
اللباس والزينة ،وقد أحسنوا يف هذا أميا إحسان.
وَنن يف هذه الدورة سنتكلم عن املبادئ الشرعية يف اللباس والزينة ،وعن اْلحكام اليت دلت عليها
ٍ
خوض يف دقائق اخلالفات الفقهية. اْلدلة الشرعية من غري
واللباس أيها اإلخوة واْلخوات قال فيه العلماء :إنه من حيث اللغة بكسر الالم ،ومجعه لُبُس مثل
بسا بضم الالم. ِ ٍ
س الثوب لُ ً
كتاب وُكتُب .ويقال :لَب َ
واللِباس واللِحبس وال َملبَس :هو ما يُلبس ،قال الفيومي رمحه اهلل عز وجل( :لبست الثوب من باب
بسا بضم الالم .واللِبس بالكسر ،واللِباس ما يُلبس ،ومجع اللباس :لُبُس؛ مثل كتاب وُكتُب.
ب ،لُ ً
ِ
تَع َ
وامللبَس بفتح امليم والباء مثل اللباس ،ومجعه :مالبس) .انتهى كالمه رمحه اهلل.
َ
وكل ما يسرت اجلسم أو بعضه من الثياب كبريها أو صغريها فهو لباس شرعا .فاللباس شرعا هو ما
صغريا.
كبريا كان أو ً
يسرت البدن أو بعضهً ،
وقد امنت اهلل عز وجل باللباس على اإلنسان حيث ميزه بذلك عن اْليوان ،قال تعاىل﴿ :يا بنِي آدم
شا [اْلعراف ،]27 :فاإلنسان عندما يرى املخلوقات اسا يُوا ِري سوآتِ ُكم وِري ً ِ
قد أنزلنا علي ُكم لب ً
من حوله يدرك عظيم نعمة اهلل عز وجل عليه باللباس ،ولذلك امنت اهلل عز وجل عليك يا ابن آدم
وذكر اهلل عز وجل الناس مبا يف هذا اللباس من النعم العظيمة امل ِتف َقة مع تكرمي هبذه النعمة العظيمةَّ ،
اهلل لإلنسان ،ففي اللباس سرت العورة اليت يَقبُ ُح كشفها ،ويف ذلك حفظ لألعراض وصيانة للمجتمع،
وإذا مجع اإلنسان بني لباس الظاهر ولباس الباطن بالتقوى حفظ نفسه وحفظ جمتمعه من الشرور
المجلس األول من فقه اللباس والزينة
ويف اللباس من النعم إظهار ما حيبه اهلل عز وجل ،فاهلل تعاىل مجيل حيب اجلمال ،ومن اجلمال الذي
حيبه سبحانه :مجال الثياب ،ولذلك واهلل نقول:إن فيما أباحه اهلل وجل من اللباس- ،وهو اْلصل
مجاال
عظيما ،وفيما حرمه من الثياب قبح وشر عظيم ،ولكونه ً
وجالال وحياءً وخريا ً
ً مجاال
والكثريً ،-
يشا.
لإلنسان مساه اهلل عز وجل ر ً
وحيب سبحانه وتعاىل أن يظهر أثر نعمته على عبده يف لباسه ولذلك جاء عن أيب اْلحوص عن أبيه
ثوب دون)؛ أي :يف ث ٍ
وب ال يروق رضي اهلل عنه أنه قال( :أتيت النيب صلى اهلل عليه وسلم يف ٍ
للنظر ،فقال صلى اهلل عليه وسلم(( :ألك مال؟)) قال :قلت :نعم ،قال(( :من أي المال؟)) قال:
قلت :قد آتاين اهلل من اإلبل والغنم واخليل والرقيق .أي أن اهلل عز وجل أنعم علي مبال كثري ،فقال
مال فليُ رى أثر نعمة اهلل عليك وكرامته)) .واْلديث رواه
صلى اهلل عليه وسلم(( :فإذا آتاك اهلل ً
أبو داود والنسائي وصححه اْللباين رمحه اهلل عز وجل وكذلك الوادعي رحم اهلل اجلميع.
واهلل عز وجل مع امتنانه على اإلنسان باللباس ،هناه عن نزع اللباس الواجب وبني له أن ذلك فتنة،
ليعلم اإلنسان أن أول طريق الفتنة نزع اللباس عن العورة أو عن بعضها ،ليحذر من ذلك وليبتعد عن
بعدا عظيما ،قال اهلل عز وجل﴿ :يا بنِي آدم ل ي فتِن نَّ ُك ُم َّ
الشيطا ُن كما أخرج أب وي ُكم ِّمن ذلك ً
الجن َِّة ين ِزعُ عن ُهما لِباس ُهما لِيُ ِري ُهما سوآتِ ِهما [اْلعراف ،]27 :فقال سبحانه﴿ :يا بنِي آدم ل
الشيطا ُن ؛ ال يوقعنكم الشيطان يف الفتنة ،وكيف يوقعنا يف الفتنة؟ بنزع اللباس الواجب أو ي فتِن نَّ ُك ُم َّ
بعضه ،فهذا أول طريق الفتنة وأعظم طريق الفتنة ،فإذا تساهل فيه الناس أوشك أن تشتعل نريان
الفنت من حوهلم.
المجلس األول من فقه اللباس والزينة
وهذا اللباس الذي فيه من النعم ما أشرنا إليه إشارة ،منه ما جيب على اإلنسان لبسه ،ومنه ما يكون
مباحا ،والواجب منه ما يسرت العورة ،فيجب على اإلنسان ذكرا
لبسه كماال ومستحبا ،ومنه ما يكون ً
كان أو أنثى أن يلبس ما يسرت عورته ،وال جيوز له أن يكشف شيئا من العورة ولو كان ذلك شيئا
يسريا.
وهذا يدعونا إىل أن نعرف ما الذي جيب على اإلنسان أن يسرته؟ حىت ينبين على ذلك أن نعرف ما
الذي جيب علينا أن نلبسه.
والرجل منا أمام الرجال جيب عليه أن يسرت ما بني السرة والركبة؛ نص على هذا مجع من فقهاء
املذاهب اْلربعة من اْلنفية واملالكية والشافعية واْلنابلة ،ومعن هذا أن السرة ال جيب سرتها وإمنا
جيب سرت ما حتتها مباشرة ،وأن الركبة ال جيب سرتها وإمنا جيب سرت ما عالها مباشرة ،وقد دلت
على هذا اْلدلة الكثرية ،فقد أمجع العلماء على أن العورة املغلظة من جهة الدبر والقبل جيب على
الرجل أن يسرتها ،وذهب مجهور العلماء إىل أن الفخذ جيب أن يسرت أيضا؛ ملا جاء عن جره ٍد
اْلسلمي رضي اهلل عنه ،أن النيب صلى اهلل عليه وسلم مر به وهو كاشف عن فخذه فقال له صلى
اهلل عليه وسلم(( :أما علمت أن الفخذ عورة)) رواه أمحد وأبو داود والرتمذي وصححه الطحاوي
والبيهقي واْللباين.
وهذا اْلديث الصحيح نص يف أن الفخذ عورة ،فال يُ ُّرد هذا النص باحملتمالت ،فهو يدل على أن
فخذ الرجل عورة جيب عليه أن يسرته ،فالنيب صلى اهلل عليه وسلم عندما مر على ج ٍ
رهد رضي اهلل
ٍ
بأسلوب حكيم ،فقال((:أما علمت أن الفخذ عنه وقد كشف فخذه أنكر عليه صلى عليه وسلم
عورة)) فعلمنا هبذا النص الصريح الصحيح أن الفخذ عورة.
ويدل على وجوب سرت ما بني السرة والركبة ما جاء عن املسور بن ٍ
خمرمة رضي اهلل عنه أنه قال:
(أقبلت حبجر أمحله ٍ
ثقيل وعلي إزار خفيف؛-خفيف :املقصود أنه مل يشد ربطه -قال :فاَنل إزاري
ومعي اْلجر فلم أستطع أن أضعه حىت بلغت به إىل موضعه) فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم:
المجلس األول من فقه اللباس والزينة
((ارجع إلى ثوبك ف ُخذهُ ،ول تمشوا عراةً)) رواه مسلم يف الصحيح.
ووجه الداللة من أن النيب صلى اهلل عليه وسلم أمره أن يرجع إىل إزاره وأن يأخذه؛ أي يلبسه ،واإلزار
كما هو معلوم يغطي ما بني السرة والركبة.
وقال صلى اهلل عليه وسلم((:ول تمشوا عراةً)) فدل ذلك على أن الذي ميشي ومل يُغَ ِّ
ط ما بني
السرة والركبة الذي يغطيه اإلزار ،ميشي عاريا ،فدل ذلك على وجوب سرت ما بني السرة والركبة.
أما ما قدمناه من أن السرة ال جيب سرتها وإمنا جيب سرت ما حتتها ،وأن الركبة ال جيب سرتها وإمنا
جيب سرت ما عالها ،فيدل عليه ما جاء عن أيب موسى اْلشعري رضي اهلل عنه أن النيب صلى اهلل
عليه وسلم دخل حائطا وأمره رضي اهلل عنه حبفظ باب اْلائط ،فجاء رجل يستأذن ،فقال صلى اهلل
عليه وسلم(( :ائذن له وبشره بالجنة)) ،فإذا أبو بك ٍر رضي اهلل عنه ،مث جاء آخر يستأذن فقال
صلى اهلل عليه وسلم(( :ائذن له وبشره بالجنة)) فإذا عمر رضي اهلل عنه ،مث جاء آخر يستأذن
فسكت هنيهة- ،أي النيب صلى اهلل عليه وسلم -مث قال(( :ائذن له وبشره بالجنة على بلوى
ستصيبه)) فإذا عثمان بن عفان رضي اهلل عنه.
وجاء يف الرواية( :أن النيب صلى اهلل عليه وسلم كان قاعدا يف ٍ
مكان فيه ماء قد كشف ركبته فلما
دخل عثمان غطاها) متفق عليه.
فالنيب صلى اهلل عليه وسلم كان كاش ًفا ركبته ،فدخل أبو بكر الصديق رضي اهلل عنه ونبينا صلى اهلل
عليه وسلم كاشف ركبته ومل يغطها ،ودخل عمر رضي اهلل عنه ونبينا صلى اهلل عليه وسلم كان كاشفا
ركبته ومل يغطها ،فلما دخل عثمان رضي اهلل عنه استحى منه النيب صلى اهلل عليه وسلم فغطى ركبته؛
ْلن عثمان رضي اهلل عنه تستحي منه املالئكة لشدة حيائه رضي اهلل عنه وأرضاه ،فدلنا هذا اْلديث
على أمرين عظيمني:
األمر األول :أن الركبة ليست عورة ،ركبة الرجل ليست عورة وجيوز له أن يكشفها؛ ْلن النيب صلى
اهلل عليه وسلم كشفها أمام أيب بك ٍر وعمر رضي اهلل عنهما.
المجلس األول من فقه اللباس والزينة
واألمر الثاني :أن تغطية الركبة مستحبة أمام من يُستحىي منه كالوالد وَنو ذلك ،فإن النيب صلى اهلل
عليه وسلم ملا استحىي من عثمان رضي اهلل عنه غطى ركبته.
أيضا جاء عن أيب الدرداء رضي اهلل عنه أنه قال( :كنت جالسا عند النيب صلى اهلل عليه وسلم إذ
أقبل أبو بك ٍر آخذا بطرف ثوبه حىت أبدى عن ركبته ،فقال له النيب صلى اهلل عليه وسلم(( :أما
صاحبكم فقد غامر)) رواه البخاري يف الصحيح.
ووجه الداللة :أن أبا بكر الصديق رضي اهلل عنه كشف عن ركبته ومل ينكر عليه النيب صلى اهلل عليه
وسلم ،فدل ذلك على أن الركبة ليست من العورة وأن كشفها ليس مبنكر وليس حبرام.
وجاء عن عمري بن إسحاق أنه قال( :كنت مع اْلسن بن علي فلقينا أبو هريرة رضي اهلل عنه ،فقال
للحسن :أَِرين أُقَبِّ ُل منك حيث رأيت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يُ َقبِّل .قال :فقال بقميصه- ،
أي :رفع قميصه -ف َقبَّل سرته) .واْلديث رواه اإلمام أمحد وابن حبان والطرباين ،وصححه الشيخ
أمحد شاكر وحسنه الشيخ الوادعي وال شك يف ثبوته.
ودل هذا اْلديث على أن السرة ليست عورة؛ ْلن النيب صلى اهلل عليه وسلم كشفها للحسن أمام
الناس وقبلها حيث رآه أبو هريرة رضي اهلل عنه ،وأبو هريرة رضي اهلل عنه كشفها عندما لقي اْلسن
رضي اهلل عنه وقبلها ،فهذا فعل أيب هريرة رضي اهلل عنه وأقره اْلسن رضي اهلل عنه ،فدل ذلك على
أن السرة ليست عورة ،وإمنا العورة ما بني السرة والركبة.
إ ًذا جيب على الرجل أن يلبس لباسا يسرت به ما بني السرة والركبة.
وكذلك الرجل جيب عليه أن يسرت ما بني السرة والركبة أمام املرأة اْلجنبية عند مجهور الفقهاء ،فيحرم
عليه أن يكشف ما بني السرة والركبة أمام النساء اْلجنبيات .ويحرم على املرأة املسلمة أن تنظر إىل
الرجل اْلجنيب ما بني سرته وركبته ،سواء كان ذلك مباشرة أو كان يف التلفاز أو يف اليوتيوب أو غري
ذلك.
المجلس األول من فقه اللباس والزينة
وأما النصف اآلخر الذي له أثر عظيم يف حفظ اجملتمع :املرأة املسلمة اليت هلا مكانة عظيمة يف
اإلسالم وحق كبري على رجال اإلسالم ،كرمها اإلسالم ورفع قدرها وكرم من يكرمها ،املرأة جيب
عليها أن تسرت بدهنا كله أمام الرجال اْلجانب عند مجهور الفقهاء؛ نص على ذلك اْلنفية،
والشافعية يف اْلظهر من مذهبهم ،واْلنابلة يف الصحيح من مذهبهم ،ومجاعة من فقهاء املالكية،
وهذا الذي تدل عليه اْلدلة الشرعية:
أيضا يدل على مشروعية سرت ووجوب سرت املرأة مجيع بدهنا أمام الرجل ،قول اهلل عز وجل﴿ :وإِذا
وه َّن ِمن ور ِاء ِحجاب ۖ ذلِ ُكم أطه ُر لِ ُقلُوبِ ُكم وقُلُوبِ ِه َّن [اْلحزاب،]53 :
اعا فاسألُ ُ
وه َّن مت ً
سألتُ ُم ُ
وه َّن ِمن ور ِاء ِحجاب أمر ،واْلمر يقتضي الوجوب ،مب أمر ربنا فقول ربنا سبحانه وتعاىل ﴿فاسألُ ُ
سبحانه وتعاىل؟ أمر الرجل إذا احتاج أن يسأل املرأة شيئًا أو يتعامل مع املرأة ،أن يكون ذلك من
وراء سات ٍر يسرتها عنه.
أيضا يدل لوجوب سرت الزينة على املرأة ،وكل املرأة زينة ،وأعظم زينتها وجهها ،يدل لوجوب سرت
الزينة ،قول اهلل عز وجل﴿ :ول يُب ِدين ِزينت ُه َّن إَِّل ما ظهر ِمن ها ۖ وليض ِربن بِ ُخ ُم ِرِه َّن على
ُجيُوبِ ِه َّن ۖ ول يُب ِدين ِزينت ُه َّن إَِّل لِبُ عُولتِ ِه َّن أو آبائِ ِه َّن أو آب ِاء بُعُولتِ ِه َّن أو أب نائِ ِه َّن أو أب ن ِاء
بُعُولتِ ِه َّن أو إِخوانِ ِه َّن أو بنِي إِخوانِ ِه َّن أو بنِي أخواتِ ِه َّن أو نِسائِ ِه َّن أو ما ملكت أيمانُ ُه َّن أ ِو
المجلس األول من فقه اللباس والزينة
جاء أيضا عن ابن عمر رضي اهلل عنهما أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال(( :ل تنتقب المرأة
المحرمة ول تلبس القفازين)) واْلديث عند البخاري يف الصحيح ،فدل ذلك على أن غري احملرمة
كن ينتقنب فيغطني
تنتقب وتلبس القفازين ،وأنه كان من شأن الصحابيات رضوان اهلل عليهن أهنن َّ
وجوههن وكن يلبسن القفازاتْ ،لن احملرم إمنا منع مما اعتاده أو من بعض ما اعتاده من اللباس.
المجلس األول من فقه اللباس والزينة
وجاء عن أمنا عائشة رضي اهلل عنها يف حكايتها ملا حدث يف قصة اإلفك ،عندما جاء صفوان بن
املعطل رضي اهلل عنه وأرضاه ،وقد ختلفت وراء اجليش كما هو معلوم لسبب حبثها عن قالدهتا قالت:
(فأصبح عند منزيل -يعين :عند املكان الذي أنا أنتظر فيه عودة الناس إيل ،-فرأى سواد إنسان نائم
فخمرت وجهي جبلبايب) واْلديث عند البخاري
فأتاين وكان يراين قبل اْلجاب) .ويف روايةَّ ( :
ومسلم.
إ ًذا قالت :كان يراين قبل اْلجاب ،مث فسرت هذا اْلجاب بفعلها وأهنا سرتت وجهها عنه ،فدل
ذلك على أن سرت املرأة املسلمة وجهها أمام الرجال اْلجانب :من اْلجاب الذي أُِمَر به نساء
املؤمنني.
وقد دلت على ذلك آثار كثرية منها ما جاء عن عروة رضي اهلل عنه أن أمنا عائشة رضي اهلل عنها
قالت( :يرحم اهلل نساء املهاجرات اْلَُول ،ملا أنزل اهلل﴿ :وليض ِربن بِ ُخ ُم ِرِه َّن على ُجيُوبِ ِه َّن ۖ
شققن ُمروطَ ُه َّن فاختمرن هبا) رواه البخاري يف الصحيح.
وقول أمنا رضي اهلل عنها( :فاختمرن هبا)؛ أي :غطني هبا وجوههن.
وجاء عن فاطمة بنت املنذر عن أمساء بنت أيب بكر رضي اهلل عنها وعن أبيها أهنا قالت( :كنا
نغطي وجوهنا من الرجال ،وكنا منتشط قبل ذلك يف اإلحرام) رواه ابن خزمية واْلاكم وصححه
اْلاكم على شرط الشيخني ووافقه الذهيب ،وصححه اْللباين يف إرواء الغليل.
فقوهلا( :وكنا نغطي وجوهنا من الرجال)؛ فيه دليل على أن هذا كان شأن النساء املسلمات يف زمن
النيب صلى اهلل عليه وسلم ،فهذه أدلة ظاهرة بيّنة على أن املرأة جيب عليها أن تسرت مجيعا بدهنا.
وواهلل إن املرأة إذا غطت وجهها امتأل قلبها باْلياء ،وينزل اهلل يف قلبها من السعادة والطمأنينة ما اهلل
من اهلل عليها فسرتت وجهها تدرك هذا وتدرك الفرق يف
به عليم ،ومن كانت تكشف وجهها مث ّ
حاهلا ،يف قلبها ما بني ما قبل ذلك وما بعد ذلك.
وللشيخ اْلمني اإلمام احملقق املفسر صاحب أضواء البيان رمحه اهلل عز وجل حبث نفيس مجيل ،حيسن
بنا أن نسمعه وأن نقرأه ملا فيه من التحقيق ،ولعظيم اْلاجة إىل مساع ذلك.
ولعلي أبدا اجمللس التايل بقراءة ما كتبه الشيخ اْلمني رمحه اهلل عز وجل عن حجاب املؤمنة يف أضواء
البيان ،والتعليق عليه بأشياء خفيفة إن شاء اهلل عز وجل ملا فيه من اخلري العظيم.
أسأل اهلل عز وجل أن يفقهنا يف دينه وأن جيعلنا ممن يعمل الصاْلات ويسعى يف درء الفنت ويسعى
يف نشر اخلري بني املسلمني.
نسرتيح قليال إن شاء اهلل عز وجل مث نعود إىل اجمللس الثاين من جمالس هذه الدورة اليت أسأل اهلل عز
وجل أن جيعل فيها خريا كثريا ،واهلل تعاىل أعلى وأعلم وصلى اهلل على نبينا وسلم.
المجلس الثاني من فقه اللباس والزينة
احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم األمتان األكمالن على املبعوث رمحة للعاملني وعلى آله
وصحبه أمجعني ،أما بعد:
فأحبيت يف اهلل إخواين وأخوايت هذا هو اجمللس الثاين من جمالس هذه الدورة العلمية الثالثة من سلسلة
دورات فقه األسرة؛ وهي الدورة املنعقدة يف فقه اللباس والزينة.
وقد تقدم الكالم عن أن اللباس من حيث حكمه ،منه ما جيب على املسلم واملسلمة ،ومنه ما هو
كمال ومستحب ،ومنه ما هو مباح.
وقلنا :إن الواجب من اللباس هو ما يسرت العورة اليت جيب سرتها ،وتكلمنا عن عورة الرجل اليت جيب
سرتها ،وتكلمنا عن عورة املرأة مع الرجال ،وذكرنا أن الراجح من أقوال أهل العلم :أن املرأة جيب
عليها أن تسرت مجيع بدهنا أمام الرجال األجانب ،وأن وجه املرأة على الراجح من أقوال أهل العلم
جيب سرته عن الرجال األجانب.
واملعلوم أن سرت وجه املرأة حمل خالف بني فقهاء اإلسالم ،وبني العلماء املسلمني قديما وحديثما.
وذكرت يف مبتدأ اجمللس األول أنه ليس غرضنا أن نبسط خالفات الفقهاء يف هذه الدورة؛ وإمنا
املقصود أن نشري إىل األحكام الراجحة ،أو األحكام املتفق عليها مبا تدل عليها األدلة الشرعية من
غري دخول يف دقائق اخلالف الفقهي.
غري أين أشري هنا إىل أن من رجح من أقوال أهل العلم أن سرت وجه املرأة ليس بواجب ال ُيمل عليه،
وال يُتهم إذا كان من علماء املسلمني الذين ُشهد هلم بالعلم؛ بل هذه مسألة فقهية ،ومن رجح
بالدليل فال يُعاب.
وكذا املرأة املسلمة لو ظهر هلا أن الراجح أن سرت الوجه ليس بواجب؛ فإهنا ال تُعاب وال تُنبز ،وال
ُيمل عليها ،ولكن حنن نذكر الذي ترجح عندنا ،وظهر لنا من األدلة الشرعية.
اهلل عز وجل يف أضواء البيان حكم احلجاب بسرت الوجه ،وقال رمحه اهلل( :اعلم أن احلجاب واجب
بداللة القرآن على مجيع النساء).
واحلجاب من حيث هو حمل إمجاع؛ أنه واجب ،لكن الشيخ رمحه اهلل عز وجل هنا يتكلم عن
احلجاب بسرت الوجه.
قال( :واعلم أنا يف هذا املبحث نريد أن نذكر األدلة القرآنية على وجوب احلجاب على العموم ،مث
األدلة من السنة ،مث نناقش أدلة الطرفني ،ونذكر اجلواب عن أدلة من قالوا بعدم وجوب احلجاب على
غري أزواجه صلى اهلل عليه وسلم -وأُذكر أن املقصود باحلجاب هنا سرت الوجه -وقد ذكرنا آن مفا أن
َطه ُر لِ ُقلوبِ ُكم﴾ [األحزاب ]53 :قرينة على عموم حكم آية احلجاب). ِ
قوله ﴿ذل ُكم أ َ
قال رمحه اهلل( :ومن األدلة القرآنية على احتجاب املرأة وسرتها مجيع بدهنا حىت وجهها قوله تعاىل:
ن﴾ [األحزاب:دنين َعلَي ِه َّن ِمن َجالبيبِ ِه َّ ساء ِك ونِ ِ َزواج َ ِ ﴿يا أَيُّ َها النَّبِ ُّي قُل ِِل ِ
نين يُ َ
المؤم َ
ُ ك َوبَنات َ َ
.]59
دنين َعلَي ِه َّن ِمن َجالبيبِ ِه َّن﴾ أهنن يسرتن هبا مجيع
فقد قال غري واحد من أهل العلم إن معىن ﴿يُ َ
وجوههن وال يظهر منهن شيء إال عني تبصر هبا؛ وممن قال به :ابن مسعود وابن عباس وعبيدة
وغريهم.
دنين َعلَي ِه َّن ِمن َجالبيبِ ِه َّن﴾ ال يستلزم معناه سرت
فإن قيل لفظ اآلية الكرية؛ وهو قوله تعاىل﴿ :يُ َ
الوجه لغةم ،ومل يرد نص من كتاب وال سنة وال إمجاع على استلزامه ذلك ،وقول بعض املفسرين( :إنه
عارض بقول بعضهم( :إنه ال يستلزمه) ،وهبذا يسقط االستدالل باآلية على وجوب سرت
يستلزمه)ُ .م َ
الوجه.
دنين َعلَي ِه َّن ِمن َجالبيبِ ِه َّن﴾
فاجلواب :أن يف اآلية الكرية قرينةم واضحةم على أن قوله تعاىل فيها﴿ :يُ َ
يدخل يف معناه سرت وجوههن بإدناء جالبيبهن عليها ،والقرينة املذكورة هي قوله تعاىل﴿ :قُل
ك﴾ ،ووجوب احتجاب أزواجه وسرتهن وجوههن ال نزاع فيه بني املسلمني؛ فذكر األزواج مع ِِل ِ
َزواج َ
البنات ونساء املؤمنني؛ ليدل على وجوب سرت الوجوه بإدناء اجلالبيب كما ترى.
المجلس الثاني من فقه اللباس والزينة
فن﴾ فهي معرفة بالصفة ال عر َ ومعرفتهم بأهنن حرائر ال إماء ،هو معىن قوله تعاىل﴿ :ذلِ َ
ك أَدنى أَن يُ َ
دنين َعلَي ِه َّن ِمن
بالشخص ،وهذا التفسري منسجم مع ظاهر القرآن كما ترى ،فقوله سبحانه﴿ :يُ َ
َجالبيبِ ِه َّن﴾؛ ألن إدناءهن عليهن من جالبيبهن يُشعر بأهنن حرائر ،فهو أدىن وأقرب ألن يُعرفن؛
أي :يُعلم أهنن حرائر ،فال يؤذين من قبل الفساق الذين يتعرضون لإلماء.
ضوهذا هو الذي فسر به أهل العلم بالتفسري هذه اآلية ،وهو واضح ،وليس املراد منه أن تَ َعر َ
الفساق لإلماء جائز إذ هو حرام بال شك ،وال شك أن املتعرضني هلن من الذين يف قلوهبم مرض
ين فِي قُلُوبِ ِهم َّم َرض﴾ [األحزاب]60 : َّ ِ
ومن الذين يدخلون يف عموم قولهَ ﴿ :والذ َ
ومما يدل على أن املتعرض ملا ال يل من النساء من الذين يف قلوهبم مرض ،قول اهلل عز وجل﴿ :فَ َال
َّ ِ ِ ِ ِ تَ ْخ َ ِ ِ
معىن معروف يف كالم العرب.ض ْع َن بالْ َق ْول فَ يَط َْم َع الذي في قَ ْلبه َم َرض﴾ [األحزاب]32 :وذلك م
ويف اجلملة ،فال إشكال يف أمر احلرائر مبخالفة زي اإلماء ليهاهبن الفساق ،ودفع ضرر الفساق عن
اإلماء الزم ،وله أسباب أخر ليس منها إدناء اجلالبيب).
مث قال رمحه اهلل( :ومن األدلة على أن حكم آية احلجاب عام :هو ما تقرر يف األصول ،من أن
خطاب الواحد يَعُم حكمه مجيع األمة ،وال خيتص احلكم بذلك الواحد املخاطب ،وقد أوضحنا هذه
املسألة يف سورة احلج .وهذا معروف عند األصوليني.
وهبذه القاعدة األصولية اليت ذكرنا ،تعلم أن حكم آية احلجاب عام ،وإن كان لفظها خاصا بأزواجه
صلى اهلل عليه وسلم؛ ألن قوله صلى اهلل عليه وسلم المرأة واحدة من أزواجه ،أو من غريهن ،كقوله
ِّس ِاء ِ ِ
ملائة امرأة كما علم ،ومن األدلة القرآنية الدالة على احلجاب قوله تعاىلَ ﴿ :والْ َق َواع ُد م َن الن َ
ض ْع َن ثِيَابَ ُه َّن غَْي َر ُمتَبَ ِّر َجات بِ ِزينَة ۖ َوأَن
س َعلَْي ِه َّن ُجنَاح أَن يَ َ
احا فَ لَْي َ
ِ َّ ِ
الالتي َال يَ ْر ُجو َن ن َك ً
يَ ْستَ ْع ِف ْف َن َخ ْي ر لَّ ُه َّن ۖ َواللَّ هُ َس ِميع َعلِيم﴾ [النور ،]60 :ألن اهلل جل وعال بني يف هذه اآلية الكرية
أن القواعد؛ أي :العجائز الاليت ال يرجون نكاحا؛ أي :ال يطمعن يف النكاح لكرب السن وعدم
حاجة الرجال إليهن ،يَُرخص هلن برفع اجلُناح عنهن يف وضع ثياهبن ،بشرط كوهنن غري متربجات
بزينة.
مث إنه جل وعال مع هذا كله قالَ ﴿ :وأَن يَ ْستَ ْع ِف ْف َن َخ ْي ر لَّ ُه َّن﴾؛ أي :يستعففن عن وضع الثياب
المجلس الثاني من فقه اللباس والزينة
خري هلن؛ أي :واستعفافهن عن وضع ثياهبن مع كرب سنهن ،وانقطاع طمعهن يف التزوج ،وكوهنن غري
متربجات بزينة ،خري هلن.
ض ْع َن ثِيَابَ ُه َّن﴾ أنه وض ُع ما يكون فوق اخلمار والقميص من اجلالبيب وأظهر األقوال يف قوله﴿ :أَن يَ َ
اليت تكون فوق اخلمار والثياب .فقوله جل وعال يف هذه اآلية الكريةَ ﴿ :وأَن يَ ْستَ ْع ِف ْف َن َخ ْي ر لَّ ُه َّن﴾
دليل واضح على أن املرأة اليت فيها مجال وهلا طمع يف النكاح ،ال يرخص هلا يف وضع شيء من ثياهبا
وال اإلخالل بشيء من التسرت حبضرة األجانب.
ت ما ذكرنا ،أن حكم آية احلجاب عام ،وأن ما ذكرنا معها من اآليات
مث قال رمحه اهلل( :وإذا َعلم َ
فيه الداللة على احتجاب مجيع بدن املرأة عن الرجال األجانب ،علمت أن القرآن دل على
احلجاب- ،أي :على سرت الوجه ،-ولو فرضنا أن آية احلجاب خاصة بأزواجه صلى اهلل عليه وسلم،
فال شك أهنن خري أسوة لنساء املسلمني يف اآلداب الكرية املقتضية للطهارة التامة والبعد عن الريبة؛
فمن ياول منع نساء املسلمني من االقتداء هبن يف هذا األدب السماوي الكرمي املتضمن الطهارة،
غاش ألمة حممد صلى اهلل عليه وسلم.
أيضا
واعلم أنه مع داللة القرآن على احتجاب املرأة عن الرجال األجانب ،فقد دلت على ذلك م
أحاديث نبوية؛ فمن ذلك ما أخرجه الشيخان يف صحيحيهما وغريمها من حديث عقبة بن عامر
اجلهين رضي اهلل عنه :أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال(( :إياكم والدخول على النساء)) فقال
رجل من األنصار :يا رسول اهلل :أفرأيت احلمو؟ فقال صلى اهلل عليه وسلم(( :الحمو الموت)).
قال رمحه اهلل( :أخرج البخاري هذا احلديث يف كتاب النكاح ،يف باب[ :ال خيلون رجل بامرأة إال
ومعها ذو حمرم] ،ومسلم يف كتاب السالم ،يف باب[ :حترمي اخللوة باألجنبية والدخول عليها].
فهذا احلديث الصحيح صر َح فيه النيب صلى اهلل عليه وسلم بالتحذير الشديد من الدخول على
النساء؛ فهو دليل واضح على منع الدخول عليهن وسؤاهلن متاعا إال من وراء حجاب؛ ألن من سأهلا
متاعا ال من وراء حجاب ،فقد دخل عليها- ،أي :مع اخللوة -وقد حذره النيب صلى اهلل عليه وسلم
من الدخول عليها –أي :مع اخللوة -وملا سأله األنصاري عن احلمو الذي هو قريب الزوج الذي
المجلس الثاني من فقه اللباس والزينة
ليس حمرما لزوجته ،كأخيه وابن أخيه وعمه وابن عمه وحنو ذلك ،قال صلى اهلل عليه وسلم:
((الحمو الموت)) .فسمى النيب صلى اهلل عليه وسلم دخول قريب الرجل على امرأته وهو غري حمرم
هلا باسم املوت- ،أي :مع اخللوة -وال شك أن تلك العبارة هي أبلغ عبارات التحذير؛ ألن املوت
هو أفظع حادث يأيت على اإلنسان يف الدنيا ،فتحذيره صلى اهلل عليه وسلم هذا التحذير البالغ من
دخول الرجال على النساء خبلوة ،وتعبريه عن دخول القريب على زوجة قريبه خبلوة باسم املوت ،دليل
وه َّن ِمن َوَر ِاء ِح َجاب﴾ [األحزاب ]53 :عام يف مجيع النساء ،إذ لو
اسأَلُ ُ
صريح على أن قوله تعاىل﴿ :فَ ْ
خاصا بأزواجه صلى اهلل عليه وسلم ملا حذر الرجال هذا التحذير البالغ العام من كان حكمه ًّ
ديدا.
الدخول على النساء خبلوة ،وظاهر احلديث يف منع الدخول عليهن وحترمي ذلك حتريما ش م
قال ابن حجر يف فتح الباري يف شرح احلديث(( :إياكم والدخول)) بالنصب على التحذير ،وهو
تنبيه املخاطب على حمذور ليتحرز عنه ،كما قيل :إياك واألسد.
وقوله(( :إياكم)) مفعول لفعل ُمضمر تقديره :اتقوا ،وتقدير الكالم :اتقوا أنفسكم أن تدخلوا على
النساء ،والنساء أن يدخلن عليكم.
ض ِربْ َن بِ ُخ ُم ِرِه َّن َعلَى ُجيُوبِ ِه َّن﴾ [النور،]31 :
بابَ ﴿ :ولْيَ ْ
قال :وقال البخاري رمحه اهلل يف صحيحهُ :
قال ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي اهلل عنها قالت( :يرحم اهلل نساء املهاجرات األول؛ ملا
ض ِربْ َن بِ ُخ ُم ِرِه َّن َعلَى ُجيُوبِ ِه َّن﴾ شققن مروطهن فاختمرن هبا).
أنزل اهللَ ﴿ :ولْيَ ْ
ض ِربْ َن بِ ُخ ُم ِرِه َّن َعلَى
وروى بإسناده أن عائشة رضي اهلل عنها كانت تقول ملا نزلت هذه اآليةَ ﴿( :ولْيَ ْ
ُجيُوبِ ِه َّن﴾ أخذن أُُزَرُهن فشققنها من قبل احلواشي فاختمرن هبا).
قال ابن حجر يف شرح هذا احلديث يف قوله( :فاختمرن)؛ أي :غطني وجوههن؛ وصفة ذلك أن
تضع اخلمار على رأسها وترميه من اجلانب األين على العاتق األيسر وهو التقنع.
قال الفراء( :كانوا يف اجلاهلية تسدل املرأة مخارها من ورائها وتكشف ما قدامها- ،أي :تكشف
وجهها ،-فأُمرن باالستتار).
قال الشيخ رمحه اهلل( :وهذا احلديث الصحيح صريح يف أن النساء الصحابيات املذكورات فيه ،فهمن
ض ِربْ َن بِ ُخ ُم ِرِه َّن َعلَى ُجيُوبِ ِه َّن﴾ يقتضي سرت وجوههن ،وأهنن شققن أزرهن
أن قوله تعاىلَ ﴿ :ولْيَ ْ
المجلس الثاني من فقه اللباس والزينة
مث استمر الشيخ رمحه اهلل عز وجل يدلل باألحاديث من السنة على وجوب سرت النساء لوجوههن ،مث
ذكر األدلة اليت استدل هبا من قال إن سرت الوجه ليس بواجب على املرأة ،ورد عليها وبني عدم
داللتها على املقصود ،بأسلوب علمي متني ،والشيخ مفسر فقيه أصويل وهو يف الفقه على املذهب
املالكي رمحه اهلل عز وجل ،وهو كاحملققني من علماء املالكية كابن عبد الرب وغريه من علماء املالكية
الكبار الذين يرجحون حبسب الدليل ،وإذا ظهرت السنة قالوا هبا.
وإين أوصي طالب العلم بالرجوع إىل هذا املبحث النفيس الذي ذكرت طرفما منه ،مع شيء من
وخريا وهدى.
التصرف يف أضواء البيان ،فإن فيه بيانما م
إذن تبني لنا باألدلة أن املرأة املسلمة أمام الرجال األجانب كلها عورة ،وأنه جيب عليها أن تسرت
مجيع بدهنا ،هذا هو الراجح من أقوال العلماء.
وإني ِلهمس ِلخواتي الفاضالت الالتي ال يرين وجوب تغطية الوجه بأمور:
اِلمر اِلول :أنه حىت وإن قال بعض العلماء :إن املرأة ال جيب عليها أن تسرت وجهها ،فإنه مل يقل
أحد من أهل العلم إن املرأة يرم عليها أن تسرت وجهها؛ بل إن من العلماء الذين قالوا بعدم وجوب
سرت الوجه على املرأة قالوا :إنا مع قولنا هبذا القول نأمر نساءنا بسرت وجوههن ،وال سيما مع وجود
الفنت.
المجلس الثاني من فقه اللباس والزينة
اِلمر الثاني :أن الشافعية وكثري منهم يقولون بعدم وجوب سرت املرأة وجهها ،ويرون أن املرأة ال جيوز
ين وجهها
هلا أن تغطي وجهها يف احلج حال اإلحرام ،مع ذلك ماذا قالوا؟ قالوا :يستحب هلا أن ُحتَ َ
وأن تصيب وجهها باحلناء ،ملاذا؟ ليسرت لون احلناء وجهها أمام الرجال حال إحرامها.
اِلمر الثالث :احذري أيتها األخت املباركة ،يا أخية احذري من التربج بالزينة حال كشف الوجه،
فإن التربج بالزينة وإظهار الزينة حرام حىت عند القائلني بعدم وجوب سرت املرأة وجهها.
واِلمر الرابع :إياك وخطوات الشيطان؛ فإن الشيطان أتى لبعض أخواتنا ،فبعد أن كشفت وجهها
ألهنا تعتقد أنه ليس حبرام ،جاءها الشيطان فأظهرت بعض شعرها وأرخت غطاء رأسها ،وال يزال
يدفعه إىل اخللف ،فلتحذر املؤمنة خطوات الشيطان يف هذا الباب ،فإذا كانت ترى عدم وجوب سرت
املرأة وجهها ،فإياها أن متتد يدها إىل غري ذلك من شعر وحنو ذلك.
إذما فرغنا من عورة املرأة املسلمة أمام الرجال األجانب ،وبالتايل عرفنا أنه يجب عليها أن تلبس م
لباسا
يغطي بدهنا كله على الراجح من أقوال العلماء.
طيب ،إذا كان الرجال من حمارمها؛ كاالبن واألخ والعم واخلال ،فما عورهتا أمامهم؟ وما الذي جيب
لباسا يغطيه.
عليها أن تسرته؟ وبالتايل جيب أن تكون البسةم م
الراجح من أقوال أهل العلم أنه جيوز للمرأة أن تكشف أمام حمارمها ما جرت العادة بكشفه عند أهل
الفطر السليمة ،ليس عند أهل التربج والذين ال يبالون بشيء ،وإمنا عند أهل الفطر السليمة ،وهذا قد
خيتلف من بلد إىل بلد يف أشياء بسيطة.
كذلك جيوز هلا أن تكشف ما يشق عليها أن تسرته مع احلرص على سرته؛ كاملرأة اليت ترضع إذا
احتاجت أن ترضع ولدها فتخرج ثديها لرتضع ،فتحرص على أن تغطي ثديها أثناء اإلرضاع ،وال
ينبغي التساهل وال جيوز التساهل يف كشف ما يزيد على ذلك أمام احملارم ،بل هذا من أسباب الشر
وأسباب امتطاء الشيطان لبعض الناس ،إىل درجة الوقوع والعياذ باهلل يف زنا احملارم ،وقد سئلت مر مارا
عن أمور واهلل يقف هلا الشعر ،بسبب التساهل يف كشف ما ال جيوز كشفه أمام احملارم ،فبعض
المجلس الثاني من فقه اللباس والزينة
النساء يلبسن أمام حمارمهن ما يسمى بالشورت أو اهلوت شورت أو حنو ذلك مما يسمونه ،وهذا واهلل
أيضا سبب للفتنة وللوقوع يف شر عظيم يف األسر ،ولو قلنا ما نعلمه من
حمرم ال شك فيه ،وهو م
شديدا ،حىت أنه ال يكاد يصدق.
أسئلة الناس يف هذا الباب لعجب الناس عجبما م
فالشاهد أن الراجح من أقوال أهل العلم أن املرأة جيوز هلا أن تكشف أمام حمارمها من الرجال ما
يظهر غالبما ،وما جرت عادة أهل الفطر السليمة اليت مل تتلوث بكشفه أمام احملارم ،وقد مسعنا قول
ض ِربْ َن بِ ُخ ُم ِرِه َّن َعلَى ُجيُوبِ ِه َّن ۖ ين ِزينَتَ ُه َّن إَِّال َما ظَ َه َر ِم ْن َها ۖ َولْيَ ْ ِ
ربنا سبحانه وتعاىلَ ﴿ :وَال يُ ْبد َ
ين ِزينَتَ ُه َّن إَِّال لِبُ عُولَتِ ِه َّن أ َْو آبَائِ ِه َّن أ َْو آبَ ِاء بُعُولَتِ ِه َّن أ َْو أَبْ نَائِ ِه َّن أ َْو أَبْ نَ ِاء بُعُولَتِ ِه َّن أ َْو ِ
َوَال يُ ْبد َ
ين غَْي ِر أُولِي ِِ
ت أَيْ َمانُ ُه َّن أَ ِو التَّابع َ سائِ ِه َّن أ َْو َما َملَ َك ْ ِ إِ ْخوانِ ِه َّن أَو بنِي إِ ْخوانِ ِه َّن أَو بنِي أ َ ِ
َخ َوات ِه َّن أَ ْو ن َ ْ َ َ ْ َ َ
ِّس ِاء﴾ [النور ،]31 :ففي هذه اآلية ِ
ين لَ ْم يَظ َْه ُروا َعلَى َع ْوَرات الن َ
َّ ِ
الر َجال أَ ِو الطِّْف ِل الذ َ
اْل ْربَِة ِمن ِّ ِ
َ ِْ
دليل على أنه جيوز للمرأة أن تظهر زينتها لزوجها ،وجيوز هلا أن تظهر زينتها حملارمها؛ والزينة اليت
تظهرها هو ما يظهر غالبما ،وما جرت عادة أهل الفطر السليمة بكشفه أمام الرجال احملارم.
أيضا يدل لذلك من السنة أنه جاءت سهلة بنت سهيل وهي امرأة أيب حذيفة رضي اهلل عنهما
و م
فقالت :يا رسول هلل إنا كنا نرى ساملا و ملدا ،فكان يأوي معي ومع أيب حذيفة يف بيت واحد ،ويراين
م
علمت ،فكيف
َ فُض مال –أي :يراين متبذلة يف ثياب مهنيت يف بييت -وقد أنزل اهلل عز وجل فيهم ما قد
ترى فيه؟ فقال هلا النيب صلى اهلل عليه وسلم(( :فأرضعيه خمس رضعات)) ،فكان مبنزلة ولدها من
الرضاعة .واحلديث رواه أبو داود والنسائي ،وصححه مجاعة من أهل العلم منهم ابن حزم ومنهم ابن
العريب ومنهم ابن حجر ومنهم األلباين رحم اهلل اجلميع.
واحلديث موضع الشاهد منه أهنا قالت( :كان يراين فُض مال)؛ أي :يراين ُمتَبَذلَة ،أي :يف ثياب بيتها
مثال الرقبة وال تسرت األطراف
وثياب مهنتها يف بيتها ،وهذه الثياب معروف أهنا يف العادة ال تسرت م
ساترا ،وال جيوز هلا
لباسا م
وحنو ذلك ،فدل هذا على هذا األصل وهو أن املرأة جيب عليها أن تلبس م
أن تكشف أمام حمارمها الرجال إال ما يظهر غالبا وما جرت عادة أهل الفطر السليمة بكشفه أمام
احملارم.
المجلس الثاني من فقه اللباس والزينة
وأما عورة املرأة املسلمة أمام املرأة املسلمة ،وهذه مسألة مهمة جدا ،وقد ابتُلي كثري من نساء
املسلمني اليوم ،وال يزال اخلري يف أمة حممد صلى عليه وسلم ،وكثري من املسلمني الذين خيطئون إذا
ذُكروا تذكروا ورجعوا وهلل احلمد واملنة.
ابتُلي كثري من النساء بالتساهل يف اللباس أمام النساء ،بل بلغين أن األمر وصل بني بعض النساء أن
املرأة تكشف كل شيء أمام املرأة سوى العورة املغلظة ،وال شك أن هذا حمرم ،وأنه قبيح ،وأن أهل
الطهارة والعفاف يتنزهون عما هو أقل من هذه األمور ،فكيف هبذه األمور؟
والراجح من أقوال أهل العلم :أن املرأة جيوز هلا أن تكشف أمام املرأة ما يظهر منها غالبما ،وما جرت
عادة أهل الفطر السليمة بالتساهل يف كشفه أمام النساء ،وحنن نؤكد على قضية ما جرت به عادة
أهل الفطر السليمة ،ال يدخل يف ذلك عادات األقوام الذين ظهر فيهم التربج وعدم املباالة باللباس،
فهذا اليُلتفت إليه ،وإمنا الذي يُلتفت إليه أهل الفطر السليمة الذين مل يتلوثوا ،فما جرت العادة
مثال
بالتساهل يف كشفه بني النساء فال بأس أن تكشفه املرأة؛ مثل أن تكشف ثديها لرتضع صبيها م
أو حنو ذلك ،فهذا ال بأس من كشفه ،أما ما زاد على ذلك فال جيوز.
ونساء املرأة هلا أن تكشف أمامهن ما تكشفه أمام حمارمها؛ ألنه جاء اإلذن هلا بأن تُبدي زينتها أمام
نسائهاُ ،فريجع يف هذا احلد ويف بيانه إىل ما جرت به عادة أهل الفطر السليمة ،مث إن هذا هو الذي
رجاال ونساءم ،وال شك أن التساهل يف كشف
جرى به عمل نساء السلف رضوان اهلل عليهم أمجعني م
شيء من اجلسد أمام النساء يقود إىل كشف غريه ،حىت يقود األمر إىل كثري من الشر والعياذ باهلل.
طيب ،هل ختتلف املرأة الكافرة عن املرأة املسلمة بالنسبة ملا تكشفه املرأة املسلمة أمامها؟
هذا حمل خالف بني أهل العلم ،والذي يظهر يل واهلل أعلم :أن املرأة الكافرة كاملرأة املسلمة بالنسبة
ملا تكشفه املرأة املسلمة أمامها ،وإن كان ينبغي التنبه إذا كانت هذه املرأة متساهلة يف العرض أن
ُيذر منها -أعين املرأة الكافرة ،-لكن من حيث األصل ،الراجح واهلل أعلم أن املرأة الكافرة كاملرأة
سائِ ِه َّن﴾ عام يشمل ِ
املسلمة بالنسبة ملا تكشفه املرأة املسلمة أمامها؛ ألن قول اهلل عز وجل﴿ :أ َْو ن َ
مجيع النساء.
المجلس الثاني من فقه اللباس والزينة
وأيضا تأملنا سنة النيب صلى اهلل عليه وسلم فوجدنا أن نساء اليهود يف املدينة كن يدخلن على
الصحابيات ،ويدخلن على أمهات املؤمنني ،ويدخلن بيوت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،ومن
ذلك ما قالته أمنا عائشة رضي اهلل عنها قالت( :دخل علي عجوزان من يهود املدينة؛ -عجوزان
يعين :امرأتان كبريتان ،-فقالتا يل :إن أهل القبور يعذبون يف قبورهم) ،واحلديث متفق عليه.
ومل يُنقل عن أمهات املؤمنني وعن نساء الصحابة رضوان اهلل عليهن أهنن كن يتحرزن من نساء
ائدا يف بيوهتن؛ فدل ذلك على أن النساء الكافرات كالنساء املسلمات بالنسبة ملا جيوز
حترزا ز م
اليهود م
أن تكشفه املرأة أمامهن.
اِلمر اِلول :هل جيب على اإلنسان أن يسرت عورته إذا كان خاليا؟ واألمر فيه تفصيل:
محتاجا لكشف العورة فإنه يُسمي اهلل ويكشف عورته وال حرج ،وتكون تسميته س مرتا بينه
ً فإن كان
وبني اجلن.
أما إذا لم يكن ُمحتاجا فيجب عليه أن يسرت عورته ،وهذا نص عليه مجهور الفقهاء؛ ن َ
ص عليه كثري
ويض ُره
ضر اإلنسان كاتباه من املالئكةُ ،
من احلنفية والشافعية واحلنابلة وبعض املالكية؛ وذلك أنه َي ُ
اجلن فيجب عليه أن يسرت عورته إال من حاجة ،واألدلة الدالة على وجوب سرت العورة تشمل هذا.
وقد جاء عن هبز بن حكيم عن أبيه عن جده رضي اهلل عنه ،أنه قال :قلت :يا رسول اهلل ،عوراتنا،
ما نأيت منها وما نذر؟ فقال صلى اهلل عليه وسلم(( :احفظ عورتك إال من زوجتك أو ما ملكت
يمينك)) ،قال :قلت :يا رسول اهلل ،إذا كان القوم بعضهم يف بعض؟ فقال صلى اهلل عليه وسلم:
((إن استطعت َّأال يَ َريَنَّها أحد فال يَ َرينَّها)) قلت :يا رسول اهلل ،إذا كان أحدنا خاليا؟ قال صلى
اهلل عليه وسلم(( :اهلل أحق أن يُستحيا منه من الناس)) .واحلديث رواه أبو داود والرتمذي والنسائي
وابن ماجه ومن قبلهم اإلمام أمحد ،وحسنه الرتمذي وصححه ابن القطان وابن القيم وابن تيمية
واأللباين وابن باز ،فاحلديث صحيح.
المجلس الثاني من فقه اللباس والزينة
والنيب صلى اهلل عليه وسلم قال(( :اهلل أحق أن يُستحيا منه من الناس)) ،فيسرت اإلنسان عورته
حياءم من اهلل عز وجل ،ولعلمه بأنه يُرى من املخلوقني الذين يرونه وال يراهم ،إال من حاجة.
اِلمر الثاني :عورة الرجل مع زوجته وعورة املرأة مع زوجها ،ليس هناك حد لعورة الزوج مع زوجته
والزوجة مع زوجها ،بل جيوز أن تكشف الزوجة مجيع بدهنا لزوجها ،وجيوز أن يكشف الزوج مجبع
بدنه لزوجته ،وأن يراها وأن تراه؛ والنيب صلى اهلل عليه وسلم كان يغتسل مع أمهات املؤمنني ،فال
حرج يف كشف املرأة بدهنا لزوجها ويف كشف الرجل بدنه لزوجته ،وإذا كان ذلك كذلك فإن اللباس
بني الزوجني ال حد له ،فيجوز للمرأة أن تلبس ما شاءت أمام زوجها ،مامل تتشبه بكافرة معينة أو
بفاسقة.
وجيوز للرجل أن يلبس أمام امرأته ما شاء ،مع مراعاة أنه ال جيوز للرجل أن يلبس لباس املرأة -لباس
النساء اخلاص هبن -وال جيوز العكس؛ فال جيوز تشبه املرأة بالرجل وال جيوز تشبه الرجل باملرأة.
إىل هنا وننتهي من اجمللس الثاين من جمالس هذه الدورة اليت أسأل اهلل عز وجل أن جيعل فيها خريا
عرضا علميًّا ما يتعلق باللباس والزينة ،ونسأل اهلل عز وجل أن يفقهنا يف
وبركة ،واليت نعرض فيها م
دينه ،وأن ينفعنا مبا نقول ،وأن ينفع أمة حممد صلى اهلل عليه وسلم مبا ذكرنا ،ونلتقي إن شاء اهلل عز
وجل يف اجمللس الثالث ،واهلل تعاىل أعلى وأعلم ،وصلى اهلل على نبينا وسلم.
والسالم عليكم ورمحة اهلل وبركاته.
المجلس الثالث من فقه اللباس والزينة
احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم األمتان األكمالن على املبعوث رمحة للعاملني وعلى
آله صحبه أمجعني ،أما بعد:
فحيا اهلل هذه الوجوه الطيبة ،وأسأل اهلل عز وجل أن جيعلها مباركة ،وأن يتقبل منا ما نقول وما
نسمع ،وأن جيعل هذه اجملالس من ما يسرنا عند لقائه سبحانه وتعاىل ،وأن جيعل لنا فيها النفع يف
العاجل واآلجل.
معاشر اإلخوة واألخوات ،هذا هو اجمللس الثالث من جمالس هذه الدورة -دورة فقه األسرة
الثالثة عن اللباس والزينة ،-حيث نتكلم فيها عن فقه اللباس والزينة ،ونعرض األحكام حبسب
ما دلت عليه األدلة الشرعية ،وقد تقدم الكالم عن اللباس الواجب الذي جيب على املسلم وعلى
املسلمة ،ومن املعلوم أن اللباس الواجب إمنا يقصد منه سرت العورة ،فإذا حصل املقصود حصل
الواجب يف اللباس؛ وسرت العورة إمنا يكون يف حجبها؛ فال ترى بلوهنا ،وال ترى بوصفها ،وال ترى
بذاهتا؛ فيحجب ذاهتا عن العيون وحيجب لوهنا عن العيون وحيجب وصفها وحجمها عن العيون.
إذا كان ذلك كذلك؛ فما حكم اللباس الذي يشف ويظهر لون العورة من تحته ،بحيث أن
الناظر يرى لون العورة التي يجب سترها من ورائه فهو شفاف؟ فما حكم هذا اللباس؟
حيرم على املسلم واملسلمة لبس ما يشف ويبني لون ما وراءه ،وقد نص على هذا علماء اإلسالم
من املذاهب الفقهية األربعة املشهورة وغريها ،ودلت على ذلك سنة رسول اهلل صلى اهلل عليه
وسلم ،ومن ذلك ما جاء عن أيب هريرة رضي اهلل عنه أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال:
((صنفان من أهل النار لم أرهما :قوم معهم صياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ،ونساء
المجلس الثالث من فقه اللباس والزينة
كاسيات عاريات مميالت مائالت روؤسهن كأسنمة البخت المائلة ال يدخلن الجنة وال
يجدن ريحها ،وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا)) .رواه مسلم يف الصحيح.
والشاهد فيه :الصنف من النساء من أهل النار الاليت ذكر النيب صلى اهلل عليه وسلم أهنن ال
يدخلن اجلنة ،وال جيدن رحيها؛ ومن وصفهن أهنن كاسيات أي البسات ،ولكن يف نفس الوقت
عاريات ،فاللبس موجود والسرت مفقود ،وذلك إذا كان اللباس يشف ويبني لون البشرة من ورائه؛
فلباسهن املوجود كأنه معدوم؛ ألن املقصود شرعا منه ال يتحقق ،وتقدم معنا أيضا حديث هبز بن
حكيم عن أبيه عن جده رضي اهلل عنه أنه قال :قلت :يا رسول اهلل ،عوراتنا ،ما نأيت منها وما
نذر؟ فقال صلى اهلل عليه وسلم(( :احفظ عورتك إال من زوجتك أو ما ملكت يمينك))- ،
تقدم معنا أنه ال عورة بني الزوجة وزوجها ،-قال :قلت :يا رسول اهلل ،إذا كان القوم بعضهم يف
بعض؟ فقال صلى اهلل عليه وسلم(( :إن استطعت َأال يَ َريَنَها أحد فال يَ َرينَها))؛ ووجه الداللة:
أن النيب صلى اهلل عليه وسلم منع من رؤية العورة؛ واللباس الشفاف ال مينع من رؤيتها فيكون
حراما.
طيب ،ما الحكم لو لبس وزرة أو سروال يستر ما بين السرة والركبة ،ثم لبس ثوبا شفافا؟
هنا ال يكون هذا الثوب مبينا للون العورة ،فال يكون حرام ،لكن البد من النظر إىل ما يتعلق
باملروءات وعرف أهل البلد يف فعل املروءات ،هذا ما يتعلق بالثوب إذا كان يبني لون العورة أو
بعض لوهنا.
طيب ،ما الحكم في الثوب الذي يبين حجم العورة ،ويصف حجم العورة؟
الحالة األولى :أن يكون ذلك عارضا ألمر يغلب على اإلنسان؛ كما لو كان اإلنسان يسري على
الطريق فهب هواء ومجع ثوبه عليه حىت ظهر حجم عورته من شدة التصاق الثوب به ،فهذا ال
المجلس الثالث من فقه اللباس والزينة
والحالة الثانية :أن يكون ذلك بقصد ،فيلبس اللباس الضيق ،ولبس اللباس الضيق الذي حيجم
العورة اليت جيب سرتها للرجل؛ حرام ،ويكره إذا مل يكن على العورة اليت جيب سرتها؛ ألنه مما ينايف
املروءة؛ يعين لبس القميص الضيق الذي قد حيجم اجلسم ،ويظهر حجم الصدر والبطن وحنو
ذلك ،مكروه للرجل؛ ألنه ينايف املروءة ،وليس من فعل أهل املروءات ،أما اللباس الضيق الذي
حيجم العورة اليت جيب سرتها؛ كبعض البناطيل الضيقة جدا اليت يسري الرجل وكأنه بال لباس؛ من
جهة حجم عورته وحتجيمها ووصفها ،فهذا ال جيوز ،وحمرم؛ ألنه ينايف اللباس الواجب ،وال حيقق
املقصود من اللباس الواجب.
وقد قال شيخنا فقيه عصره الزاهد الورع اإلمام الشيخ ابن باز رمحه اهلل عز وجل( :ال ينبغي أن
يلبس املسلم -يعين الرجل -املالبس الضيقة اليت تبني أعضاء اجلسم ،مثل :بعض البنطلونات
ومالبس الرياضة ومالبس السباحة ،فال شك أن ذلك يتناىف مع املروءة واحلياء ،باالضافة إىل ما
قد يرتتب على لبسها من فتنة ،وقد أفتت اللجنة الدائمة -هذا من كالم شيخنا -وقد أفتت
اللجنة الدائمة بعدم جواز لبس الضيق منها الذي حيدد العورة؛ ألنه حينئذ يف حكم كشفها؛
وكشفها حرام).
ونعم قد أفتت اللجنـ ـ ـة الدائم ـ ـة :بأن لبس البنطلون الواس ـ ـع جيوز ،وهذا ليس من خصائ ـ ـص
الكفـ ـار -أعين لبس البنطال أو البنطلون ،-أما البنطلون الضيق الذي حيجم العورة ويصفها ويظهر
حجمها ،فإنه حرام ،ال جيوز ،واألمر كما قالت اللجنة الدائمة.
المجلس الثالث من فقه اللباس والزينة
فال جيوز للرجل أن يلبس البناطيل الضيقة وحنوها اليت حتجم العورة ،وكذلك حيرم على نساء
املسلمني أن يلبسن الثياب الضيقة اليت تصف اجلسم؛ ألنه كما تقدم معنا أن املرأة كلها عورة،
فيحرم عليها أن تلبس اللباس الضيق الذي يصف جسمها؛ سواء من فوق عند الكتفني ،أو عند
الصدر ،أو عند العورة املغلظة ،أو عند الفخذين ،أو عند الساقني ،فإنه ال جيوز هلا أن تلبس
اللباس الضيق حىت عند حمارمها وعند نسائها.
نعم اللباس الضيق إذا كان على ما جيوز أن يكشف عند النساء واحملارم ال بأس به ،لكن اللباس
الضيق الذي يظهر الصدر -حجم الصدر ،-أو حجم البطن ،أو حجم العورة املغلظة ،أو حجم
الفخذين ،ال جيوز للمرأة أن تلبسه؛ ال أمام حمارمها وال أمام النساء؛ ألنه يف احلقيقة يف حكم
كشف العورة؛ ألنه الواجب سرت العورة ،وهذا ال يسرت العورة ،بل يظهرها ويبديها ،ولرمبا كان
مجاعات من العلماء من املالكية وغريهم،
ٌ أعظم فتنة مما لو كشفت ذاهتا ،وقد نص على هذا
مر ظاهر ال يتوقف فيه،
ونص عليه الشيخ ابن عثيمني رمحه اهلل ،وأفتت به اللجنة الدائمة ،وهو أ ٌ
وقد جاء عن أم سلمة رضي اهلل عنها أهنا قالت :استيقظ رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ذات
ليلة .فقال(( :سبحان اهلل! ماذا أُنزل الليلة من الفتن؟ وماذا فُتح من الخزائن؟ أيقظوا
ب كاس ٍية في الدنيا عارية في اآلخرة)) .رواه البخاري يف الصحيح.
فر َ
الحجرُ ،
صواحبات ُ
رب كاس ٍية في الدنيا عارية في اآلخرة))؛ قال العلماء :ومن أسباب ذلك أن ال يكون لباسها
(( َ
ساترا لعورهتا؛ ومنه أن يكون ضيقا.
وجاء عن أيب هريرة رضي اهلل عنه كما تقدم معنا ،أنه قال :قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم:
((صنفان من أهل النَار لم أرهما :قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ،ونساء
كاسيات عاريات مميالت مائالت رؤوسهن كأسنمة البُ ْخت المائلة ،ال يدخلن الجنة ،وال
يجدن ريحها ،وإ َن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا)).
المجلس الثالث من فقه اللباس والزينة
والشاهد يف قوله صلى اهلل عليه وسلم(( :ونساء كاسيات عاريات))؛ أي :أن اللباس موجود
والسرت مفقود كما تقدم معنا؛ ومن فقد الستر أن يكون اللباس محجما لجسم المرأة مظهرا
لجسم المرأة؛ ومن هنا قال من قال من العلماء :أنه حيرم على املرأة أن تلبس العباءة اليت على
الكتفني؛ ألن العباءة اليت على الكتفني يف الغالب حتجم األكتاف ،وحتجم الصدر ،واملرأة إذا
خرجت بعبائتها جيب عليها أن تسرت بدهنا ،فهذه العباءة على الضد من املقصود ،والذي ترجح
عندي وأفيت به :أن العباءة اليت تكون على الكتفني:
-أما إذا كانت ال حتجم ،أو كانت املرأة تلبس غطاء واسعا من فوق رأسها يغطي الكتفني
والصدر فال يظهر حتجيم العباءة للكتفني والصدر ،فال بأس بذلك.
األمر األول :الزخرفة اليت استحدثت يف العباءات ،حىت أصبحت العباءة حتتاج إىل عباءة ،وهذا
ال جيوز؛ ألن املرأة ال جيوز هلا أن تبدي الزينة ،وهذه زينةٌ يف اللباس ظاهرة.
واألمر الثاني :الذي أنبه أخوايت الفاضالت إليه :ما حدث يف الفرتة األخرية من تضييق العباءات؛
تضييقها عند الصدر وعند اخلصر ،وأصبح هؤالء الفتانون يضيقوهنا حىت عند العورة املغلظة
واألرداف وحنو ذلك ،وهذا ال جيوز؛ ال جيوز للمرأة املسلمة أن تتخذ هذه العباءة أو أن خترج هبا
فالواجب احلذر العظيم من مثل ذلك.
إذا عرفنا أنه جيب على املسلم أن يلبس اللباس الذي يسرت عورته ،وأن سرت العورة يكون:
بستر الذات.
وستر اللون.
المجلس الثالث من فقه اللباس والزينة
وستر الوصف.
فال بد من حتقق هذه األمور الثالثة يف اللباس وإال مل جيز للمسلم ذكرا كان أو أنثى أن يلبسه.
ننتقل بعد هذا إىل أصول يف األلبسة واللباس وشروط وآداب نفصلها إن شاء اهلل عز وجل ،ونبدأ
بالقاعدة الكلية عند أهل العلم يف اللباس وهو :أن األصل في األلبسة اإلباحة؛ األصل والقاعدة
الكلية يف لباس الرجال والنساء اإلباحة؛ من حيث ذاهتا ،ومن حيث ألواهنا ،فال حيرم منها إال ما
قام الدليل على حترميه ومن ادعى حترمي شيء من اللباس طالبناه بالدليل ،فإن أقام الدليل وإال رددنا
قوله عليه ،فليس ألحد أن حيِّرم لباسا؛ ألنه مل يعتد عليه بل األصل يف ألبسة الناس اإلباحة حىت
دليل شرعي على التحرمي.
يقوم ٌ
يدلك لذلك أن األلبسة من العادات وقد تقرر عند أهل العلم أن األصل يف العادات املسكوت
عنها اإلباحة؛ ألن اهلل عز وجل قالُ ﴿ :ه َو الَ ِذي َخلَ َق لَ ُكم َما فِي ْاأل َْر ِ
ض َج ِميعا﴾ [البقرة،]29 :
فامنت اهلل عز وجل على بين آدم بأنه خلق هلم ما يف األرض مجيعا ،والالم هنا تقتضي التمليك،
فاهلل عز وجل خلق هلم ما يف األرض مجيعا وملكه هلم وامنت عليهم به ،وال مينت اهلل عز وجل
عليهم به إال إذا كانوا ينتفعون به ،فدل ذلك على أن األصل يف العادات واألشياء اإلباحة؛ إال
ما دل الدليل على حترميه فيكون حمرما لضرره ،كذلك قول النيب صلى اهلل عليه وسلم(( :إن أعظم
فح ِّرم من أجل مسألته)) ،واحلديث مبعناه يف ٍ
المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يُح َرم ُ
الصحيحني دل على أن األصل يف األشياء املسكوت عنها اإلباحة.
والنيب صلى اهلل عليه وسلم قال(( :الحالل ما أحل اهلل في كتابه والحرام ما حرم اهلل في كتابه
وما سكت عنه فهو عفو))؛ فدل ذلك على أن املسكوت عنه مباح.
َنزلْنَا َعلَْي ُك ْم لِبَاسا أيضا يدلك هلذا األصل يف األلبسة أن اهلل عز وجل قال﴿ :يَا بَنِي َ
آد َم قَ ْد أ َ
يُ َوا ِري َس ْوآتِ ُك ْم َوِريشا﴾ [األعراف ،]26 :فامنت اهلل عز وجل على بين آدم بأنه أنزل عليهم لباسا
المجلس الثالث من فقه اللباس والزينة
هذا اللباس ساتر وزينة ،وال مينت اهلل عز وجل عليهم هبذا اللباس؛ إال إذا كان هذا اللباس مما
ينتفعون به ويباح هلم استعماله ،فدل ذلك على أن األصل يف األلبسة اإلباحة.
كذلك يدلك هلذا األصل قول اهلل عز وجل﴿ :قُل من ح َرم ِزينَةَ اللَ ِه الَتِي أَ ْخر ِ ِ ِ
ادهِ والطَيِّب ِ
ات َ لعبَ َ َ ََ ْ َْ َ َ
الرْز ِق﴾ [األعراف ،]32 :فأنكر اهلل عز وجل على من حرم زينة اهلل اليت جعلها لعباده وحرم ِم َن ِّ
شيئا منها بال دليل ،فدل ذلك على أن األصل يف األلبسة اإلباحة ،وجاء عن عبد اهلل بن عمرو
بن العاص رضي اهلل عنه وعن أبيه أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال(( :كلوا وتصدقوا والبسوا
ٍ
إسراف وال مخيلة)) ،رواه البخاري معلقا بصيغة اجلزم ،وأخرجه موصوال النسائي وابن في غير
ماجه ،وحسنه ابن حجر ،وصححه الصنعاين.
ووجه الداللة منه :أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال(( :والبسوا)) وأطلق ،وما قيد إال بقيدين:
إسراف وال مخيلة)) ،فدل ذلك على أن األصل يف اللباس اإلباحة ،ويدلك على ذلكٍ ((في غير
أن األلبسة جاءت يف السنة متنوعة متعددة؛ فجاء لبس العمامة يف سنة النيب صلى اهلل عليه وسلم
كما جاء عن عمرو بن حريث رضي اهلل عنه أنه قال( :كأني أنظر إلى رسول اهلل صلى اهلل عليه
وسلم على المنبر وعليه عمامة سوداء قد أرخى طرفيها بين كتفيه) .رواه مسلم.
((قد أرخى طرفيها بين كتفيه)) :فهذا النيب صلى اهلل عليه وسلم لبس عمامة سوداء هلا طرفان
قد أرخى طرفيها على كتفيه الشريفتني صلى اهلل عليه وسلم.
ويف حديث جابر(( :أن النبي صلى اهلل عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح وعليه عمامة سوداء))،
كما عند مسلم يف الصحيح.
فنص العلماء على أنه جيوز لإلنسان أن يغطي رأسه مبا شاء بعمامة أو طاقية أو قبعة؛ بشرط أال
تكون خاصة -أعين القبعة -خاصة هبيئتها ببعض الكفار ،فإذا مل تكن القبعة خاصة بالكفار أو
ببعض الكفار فال بأس من لبسها ،وتغطية الرأس هبا.
المجلس الثالث من فقه اللباس والزينة
وأنبه إىل أن السنة يف العمامة أن تلبس حبسب ما جرت به العادة؛ فالسنة يف العمامة يف بالدنا
أن تلبس العمامة هكذا ،ويف البلدان اليت تلف فيها العمامة لفا ،السنة أن تلف كذلك؛ ألن النيب
صلى اهلل عليه وسلم مل حيدث يف العمامة وصفا زائدا على ما كان عند العرب ،فوافق النيب صلى
اهلل عليه وسلم العادة يف لبسها.
وأيضا جاء لبس القميص يف السنة؛ والقميص :هو ما يكون خميطا له كمان وفتحةٌ يدخل معها
الثوب؛ يدخل الرأس منها اليت تسمى باجليب ،اجليب عندنا خيتلف عن اجليب يف أصل اللغة،
فهذه الفتحة اليت تفتح ويدخل معها الثوب من جهة الرأس هذه هي اجليب.
جيب يسمى قميصا؛ سواء كان إىل أسفل اجلسم فوق الكعبني ،أو
فكل كل خميط له كمان وله ٌ
كان إىل نصف الفخذين ،أو كان إىل ما حتت السرة يسمى قميصا.
رجل إىل النيب صلى اهلل عليه وسلم فسأله عن الصالة يف الثوب الواحد ،فقال النيب صلى
وقد قام ٌ
رجل عمر رضي اهلل عنه فقال ( :إذا وسع
اهلل عليه وسلم ((:أو كلكم يجد ثوبين؟!)) ،مث سأل ٌ
اهلل فأوسعوا جمع رجل عليه ثيابه صلى رجل في إزا ٍر ورداء)؛ اإلزار ما يلف على أسفل اجلسم،
ومنه ما يسميه بعض املسلمني اليوم وزرة ،وما يسميه بعضهم فوطة ،هذا إزار ،والرداء ما يلف
على أعلى اجلسم.
(في إزا ٍر وقميص)؛ يلبس قميصا على أعلى اجلسم ،ويلبس إزارا على أسفل اجلسم ،أو يلبس
إزارة أو وزرة حتت الثوب ،ويلبس الثوب هذا كله إز ٌار وقميص.
(وفي سراويل ورداء)؛ السراويل معروفة؛ ومقصود السراويل اليت نسميها حنن اآلن السراويل الطويلة
اليت يكون هلا رجالن تدخل فيهما الرجالن.
المجلس الثالث من فقه اللباس والزينة
(وفي سراويل وقميص) :هذا مثل الذين يلبسون اآلن البنطلون ،يلبس بنطلون وقميص ،فإذا كان
واسعا فهو مثل السراويل؛ البنطال إذا كان واسعا فهو مثل السراويل ،جيوز لبسه ما فيه حرج.
(وفي تُ ٍ
بان وقباء) :التبان :هو الذي نسميه حنن اليوم السروال القصري؛ السروال الداخلي القصري
الذي يغطي إىل الركبتني ،أو فوق الركبتني إىل نصف الفخذين أو حنو ذلك.
(وفي تُبَان وقميص) :يعين يلبس القميص الطويل ويلبس حتته هذا السروال الداخلي ،واحلديث
عند الشيخني.
كذلك جاء يف السنة لبس الربنس؛ والربنس كل ثوب رأسه منه فيكون رأسه موصوال به ،وهذا
معروف عند إخواننا يف املغرب ،والربنس جاء يف حديث ابن عمر رضي اهلل عنهما أن النيب صلى
اهلل عليه وسلم سأله رجل عما يلبس احملرم ،فقال(( :ال يلبس القميص وال العمامة وال السراويل
وال البرنس)) ،فدل ذلك على أن لبس الربنس كان معروفا يف زمن النيب اهلل عليه وسلم.
الشاهد والمقصود :أن األلبسة جاءت متنوعة يف زمن النيب صلى اهلل عليه وسلم ،وأيضا كان
األقوام يردون على النيب صلى اهلل عليه وسلم بألبستهم ،ومل يرد أن النيب صلى اهلل عليه وسلم كان
يأمرهم بلباس خمصوص ،فدل ذلك على أن األصل يف األلبسة اإلباحة ،فإذا سلم اللبس من
اإلسراف واخليالء ،وتشبه الرجال بالنساء ،والعكس ،والتشبه بالكفار جاز ،وسيأيت إن شاء اهلل
الكالم على هذه الضوابط وما يضبطها.
وعليه مثال لو سألنا شخص عن لبس البنطلون للرجال ،قلنا :البنطلون ما مل خيالف الشرع ،فإن
لبسه جائز ما مل يكن ضيقا ،فإن لبسه جائز للرجال وللنساء على الراجح مع النساء وعند احملارم
ما دام أنه واسع جيوز ال حرج فيه؛ ألن األصل يف األلبسة اإلباحة ،وسنشري إن شاء اهلل فيما يأيت
إىل بعض الضوابط املتعلقة هبذا األمر.
المجلس الثالث من فقه اللباس والزينة
الشاهد أن الذي نريد أن نذكره هنا :أن تنوع األلبسة يف السنة وعدم إنكار النيب صلى اهلل عليه
وسلم على األقوام ما يلبسون ،يدل على أن األصل يف األلبسة اإلباحة ،وأن األصل أنه جيوز
للمسلم أن يلبس ما شاء من األلبسة يف وصفها ،وألواهنا ما مل ينه الشرع عن ذلك ،فيجوز للرجل
أن يلبس لباسا أبيض ولباسا أمحر؛ بشرط أن ال يكون خالصا -ال يكون أمحر خالصا قانيا،-
وإمنا يكون خملوطا مثل هذه العمامة ،أو حنو ذلك ،وجيوز للرجل أن يلبس اللباس األخضر ،واملرأة
كذلك جيوز هلا أن تلبس ما شاءت من اللباس يف ألوانه وغري ذلك؛ بشرط أال خترج بلباس ظاهره
زينة ،ما خترج إىل الشارع بلباس ظاهره الزينة؛ سواء سِّي عباءة ،سِّي قميصا ،سِّي ما سِّي ،ال
جيوز هلا أن خترج بلباس ظاهره زينة.
وضوابط اللباس املباح كما قلنا :أن ال يكون فيه تشبه من الرجال بالنساء ،وأن ال يكون فيه
تشبه من النساء بالرجال.
والمقصود بالتشبه :أن ال يلبس الرجل لباسا خاصا بالنساء ،وأن ال تلبس املرأة لباسا خاصا
بالرجال ،أما األلبسة املشرتكة اليت يلبسها هذا وهذا فال حرج ،ال حرج فيها.
وقد جاء عن أيب هريرة رضي اهلل عنه أن النيب صلى اهلل عليه وسلم(( :لعن الرجل يلبس لبسة
المرأة ،والمرأة تلبس لبسة الرجل)) رواه أمحد وأبو داوود والنسائي وصححه النووي والذهيب
واأللباين رحم اهلل اجلميع.
وهذا احلديث يدل على أن تشبه الرجال بالنساء يف اللباس كبرية من كبائر الذنوب يستوجب لعنة
اهلل ،وأن تشبه النساء بالرجال يف اللباس كبرية من كبائر الذنوب يستوجب لعنة اهلل.
فإذا تشبه الرجل باملرأة يف لباسها ارتكب كبرية من كبائر الذنوب ،وإذا تشبهت املرأة بالرجل يف
لباسه ارتكبت كبرية من كبائر الذنوب.
المجلس الثالث من فقه اللباس والزينة
وجاء يف حديث ابن عباس رضي اهلل عنهما أنه قال( :لعن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم
المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال) .رواه البخاري يف الصحيح،
وهذا دليل على أن تشبه الرجال بالنساء كبرية من كبائر الذنوب ،وأن تشبه النساء بالرجال كبرية
من كبائر الذنوب ،ومن صور التشبه :التشبه يف اللباس.
تبقى مسألة يسألين عنها الناس كثريا وهو مثال :هل يجوز للمرأة أن تلبس عباءة الصوف التي
للرجل من أجل أن تتدفأ؟
ليس لتلبسها أو تتزين هبا وإمنا من أجل أن تتدفأ؛ يعين مثال خرجت مع زوجها إىل الرب وكان اجلو
باردا والرجل معه العباءة اليت يلبسها من الصوف ،هل يجوز للمرأة أن تلبسها؟
ومنه سؤال أ ْسأل عنه كثريا جدا :هل يجوز للمرأة أن تلبس نعل زوجها أو نعل أوالدها في
البيت إذا احتاجت تريد أن تخرَ إلى الحوش أو تخرَ إلى السطح أو نحو ذلك ووجدت
هذا النعل؟
الذي يظهر يل -واهلل أعلم :-أنه إذا كان اللبس للحاجة ،أنه ال حرج فيه إن شاء اهلل عز وجل،
وإن كان إذا سلم اإلنسان من هذا أحسن ،لكن الذي يظهر يل -واهلل أعلم :-أنه ال حرج ال
سيما إذا كان تعني للحاجة ،ومل يوجد غريه أو كان يف طلب غريه مشقة.
فيظهر يل -واهلل أعلم :-أن هذا ال حرج فيه؛ ألنه ال يعد من التشبه ،لكن لو مثال بالنسبة للعباءة
للتدفؤ هبا ،إذا مل جتعلها على هيئة اللبس ،وإمنا وضعتها عليها أو حنو ذلك هذا أحسن ،لكن
الذي يظهر يل -واهلل أعلم -يف العموم :أن اللبس إذا كان للحاجة وتعني أنّه ما فيه بأس يتساهل
يف مثل هذا األمر؛ ألن التشبه إذ ذاك يندفع واهلل أعلم.
المجلس الثالث من فقه اللباس والزينة
لعلنا نقف عند هذا املوطن؛ ألن هذا هو الدرس الثالث وهو بعد العشاء ،فنكون ويكون اإلخوة
قد وصلنا إىل حالة من التعب ،فلعلنا نقف عند هذا املوقف ،ونكمل -إن شاء اهلل -يف جمالس
الغد.
أسأل اهلل عز وجل أن يفتح علي وعليكم ،وأن جيعلين وإياكم من دعاة اخلري ،وأن يدمي على بلدان
املسلمني أمنها واستقرارها ووالة أمرها ،وأن يوفق املسلمني إىل أن يقوم والة األمر حبقوق الرعية،
وأن يقوم الرعية حبقوق والة األمر ،وأن يكفي املسلمني شرور الفتنة والفرقة ،وأن يدفع عن بالد
املسلمني املستقرة مكر املاكرين الذين ميكرون الليل والنهار إلحداث الفنت فيها والتفريق بني والة
األمر والرعية.
وأسأل اهلل عز وجل أن يقر أعيننا بتمام األمن والعافية يف بالدنا ويف مجيع بلدان املسلمني ،واهلل
تعاىل أعلى وأعلم وصلى اهلل على نبينا وسلم.
احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم األمتان األكمالن على املبعوث رمحةً للعاملني وعلى آله
وصحبه أمجعني ،أما بعد:
فهذا هو اجمللس الرابع من جمالس هذه الدورة العلمية الثالثة من سلسلة دورات فقه األسرة
وقد خصصناها لفقه اللباس والزينة وما أحوجنا إىل التذكري هبذا الفقه العظيم.
وقد تقدم معنا أن األصل يف اللباس اإلباحة ،فللناس لبس ما يشاؤون ما مل ينه الشرع عن
ذلك ،ومن حرم على الناس شيئًا من اللباس طولب بالدليل وإال رد قوله.
وأما الضابط الثاني :فهو أال يكون يف اللباس تشبهٌ بالكافرين أو باملبتدعة أو بالفسقة،
خمتصا هبم ،حبيث إذا رئي اإلنسان قد لبس
وضابط التشبه يف اللباس هبؤالء أن يكون اللباس ً
هذا اللباس يظن أنه منهم أو ينسب إليهم.
أما إذا كان اللباس مشرتًكا يوجد هنا ويوجد هناك فال حرج فيه ،ومن ذلك البنطال ،فإن
اسعا كما تقدم ٍ
البنطال هو سراويل األقواب ،ولكل قوم سراويلهم ،فال حرج يف لبسه ما دام و ً
معنا.
خاصا بالكفار وال يعرف عند املسلمني ،مث عرف واشتهر وصار
بقي إذا كان اللباس يف أصله ً
يلبسه املسلم والكافر ،فهنا كثريٌ من أهل العلم يرون أنه يأخذ حكم اجلواز؛ ألن األحكام
عاما ليس
وعدما ،وهنا العلة اليت هي التشبه قد زالت وصار اللباس ً
وجودا ًتدور مع عللها ً
خمتصا به الكفار.
ً
المجلس الرابع من فقه اللباس والزينة
صحيح إال إذا كان اللباس للكفار مبنيًا على عقيدة وعلى دين ،فإنه ال جيوز فعله
ٌ وهذا القول
ولو اشتهر بني املسلمني ،ومن ذلك فيما يظهر يل واهلل أعلم ما يسمى بدبلة اخلطوبة ودبلة
الزواج ،حيث يلبس اخلطيبان خامتًا يف بنصر اليد اليمىن ،مث إذا تزوجا نقل إىل بنصر اليد
اليسرى ،وهذا مبين على عقيدتني:
العقيدة األولى :عقيدة الزواج األبدي عند النصارى وأنه ال طالق ،فال فرقة إال باملوت،
وعقيدة تربيك الكهان للزوجني بالتثليث.
وهلذا الدبلة عندهم كانت تصنع من حلقات حىت تكون ثابتة ،مث صار الناس اليوم يصنعون
الدبلة ويصنعون هلا ما يسمى باحملبس الذي يوضع بعدها فيحبسها من السقوط؛ ألهنم يعتقدون
أهنا إذا سقطت فهذا يرمز للفرقة اليت هي حرام عندهم ،ولذلك عندما تنقل ال خترج من
األصبع مث تنقل إىل األصبع اآلخر؛ بل تنقل من األصبع من بنصر اليمىن إىل بنصر اليسرى
مباشرةً.
واألصل يف وضعها عندهم أنه يقول والعياذ باهلل :باسم األب واالبن وروح القدس مث يضع
اخلامت يف البنصر يف اليد اليمىن ،مث إذا أرادوا أن ينقلوها فإهنم كذلك والعياذ باهلل يقولون :باسم
األب واالبن والروح القدس مث يضعون اإلصبع على اإلصبع البنصر على البنصر وتنقل الدبلة
من اليد اليمىن إىل اليد اليسرى.
والعقيدة الثانية :عقيدة يونانية ،وهي أن عرق احلب يكون يف اليد يف بنصر اليد اليسرى ،فإذا
وضع فيه فإهنما حيبان بعضهما ،وحيبسان على بعضهما ،وهذه عقيدة فاسدة.
وما دام ذلك كذلك فإن الذي أفيت به أنه ال جيوز لبس الدبلة للخطوبة والزواج.
أنا كنت أفيت بالتحرمي مث أصبح عندي شيء من الرتدد ،واللجنة الدائمة -وهي أعلم مين
بكثري وما أنا إال يف األرض وهم يف السماء -أفتت باجلواز جبواز لبسها ،وأما شيخنا الشيخ
ابن عثيمني رمحه اهلل فما عرفها ملا سئل عنها ،أنا كنت أفيت بتحرميها مع كوهنا اآلن منتشرة
المجلس الرابع من فقه اللباس والزينة
اسة تقول :إن الكرفتة أو ربطة العنق هي بديلبني املسلمني؛ ألين وقفت ساب ًقا على در ٍ
كبريا ،فلما متدنوا وضعوا الكرفتة
الصليب ،فكان النصارى يضعون الصليب يف أعناقهم وكان ً
أيضا الفيونكة ،-ويشرتطون أن يكون هلا شبه طرفني ،مث كالصليب ينسدل
-أو كما يقولون ً
منها.
وبناءً على هذا يكون هذا اللباس مبنيًا على العقيدة ،وأنه بديل من حبل الصليب عندهم،
فيكون حر ًاما -أعين لبسها -وإن اشتهر بني املسلمني.
لكن دخل علي الرتدد؛ ألين أيضا وقفت على در ٍ
اسة أخرى تقول :إن أصل الكرفتة أن ً
الكروات -اجلنود الكروات -كانوا يضعوهنا اتقاء الربد ،فعرفت يف أوروبا عن طريقهم ،وُسيت
الكرفتة نسبة إىل الكروات ،وإذا كان ذلك كذلك فإهنا تبقى على ما ذكرناه من األصل ،من
أن اللباس إذا كان يف األصل عند الكفار ،مث اشتهر بني املسلمني وصار املسلمون يلبسونه
حبيث ذهبت صفة االختصاص فيه ،فإنه جيوز لبسه.
هذا هو الضابط -يعين الثاين ،-وأصله ودليله ما جاء عن عبد اهلل بن عمرو بن العاص رضي
اهلل عنه وعن أبيه أنه قال(( :رأى رسول اهلل صلى اهلل عليه سلم علي ثوبين معصفرين))
صا(( ،فقال :إن
نبت يضرب إىل احلمرة ،فيكون ثوبًا أمحر خال ً
أي :مصبوغني بالعصفر وهو ٌ
هذه من ثياب الكفار فال تلبسها)) رواه مسلم.
فعلَّة النهي أهنا من ثياب الكفار ،فعلم من هذا احلديث أن املسلم ينهى عن أن يلبس من
ثياب الكفار اليت خيتصون هبا ،أما اليت ينسجوهنا ويصلحوهنا فهذا ال بأس به ،وقد كان النيب
صلى اهلل عليه وسلم والصحابة يلبسون الثياب املنسوجة من حيث جاءت.
أيضا جاء عن ابن عمر رضي اهلل عنهما أنه قال :قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم(( :من
ً
تشبه بقوم فهو منهم)) رواه أبو داود ،ومن قبله أمحد والبيهقي ومجاعة من أهل العلم ،واحلديث
قال عنه ابن حجر إنه ثابت ،وصححه األلباين وشيخنا ابن باز رحم اهلل اجلميع.
المجلس الرابع من فقه اللباس والزينة
وهذا يشمل اجلميع(( :من تشبه بقوم فهو منهم)) ،فمن تشبه بالكفار فهو منهم ،ال يعين
أنه كافر ،لكن يف هذا املنع من التشبه هبم.
باس معني أو ٍ
لون ومن تشبه بأهل البدع فهو منهم ،فإذا كان أهل البدع يتميزون يف البلد بل ٍ
معني فال جيوز ألهل السنة أو للرجل أو املرأة من أهل السنة أن يتشبه هبم وأن يلبس لباسهم،
حبيث لو رئي لنسب إليهم ،وقاعدة أهل السنة واجلماعة متييز أهل السنة عن أهل البدعة حىت
يف اللباس.
كذلك إذا كانت هناك امرأة مسلمة لكنها فاسقة شهرت بفسق ،واشتهرت ٍ
بلباس معني حىت
صار ينسب إليها؛ فإنه ال جيوز للمسلمة أن تتشبه هبا يف ذلك اللباس.
األول :جماوزة قدر احلاجة حبيث يقتين اإلنسان من اللباس ما ال حيتاج إليه غالبًا ،وال يكاد
حيتاجه ،وإمنا يكون كاملعرض عنده ،كما نسمع فالن عنده مخس مائة نعل ،هذا إسراف،
جماوزة قدر احلاجة ،حبيث يقتين اإلنسان من األلبسة ما ال يكاد حيتاج إليه ،إن مل نقل ما ال
أبدا.
أصال ،ولن حيتاج إىل لبسه ،وقد ال يلبسه ً
حيتاج إليه ً
واألمر الثاني يف اإلسراف الذي هو صفه يف الفعل :جماوزة احلد يف التنعم والرتفه ،كأن يشرتي
حمتاجا
اإلنسان نعل بثالثة آالف أو أربعة آالف ،فهذه جماوزةٌ للحد يف الرتفه ،لكن لو كان ً
المجلس الرابع من فقه اللباس والزينة
له ومل جيده إال هبذا الثمن فال حرج ،هذا للحاجة ليس إسرافًا ،مثل إنسان حيتاج إىل نعل بصفة
معينة ،ومل جيده إال بثالثة آالف أو أربعة آالف ،ال حرج يف أن يشرتيه.
وأما الصفة في الفاعل فهي :أن يتعدى اإلنسان ما يلبسه أمثاله إىل لبس من هو أغىن منه،
كأن يتعدى الفقري لبس أمثاله إىل لبس األغنياء املرتفِّهني وهو ال جيد ،وقد يقرتض من أجل
هذا ،فهذا إسراف لصفة يف الفاعل.
لصفة يف الفعل ،وقد يكون ٍ
لصفة يف إذن اإلسراف يف اللباس الذي هنينا عنه قد يكون ٍ
الفاعل ،هذا الضابط.
وأما الضابط الرابع فهوَّ :أال يكون اللباس لباس خميلة ،كما تقدم يف احلديث معنا يف الضابط
الثالث.
واملخيلة هي الكرب والفخر والرتفع على الناس ،فإذا كان لبس اإلنسان من باب الكرب والفخر
والرتفع على أمثاله ،فإنه يكون حر ًاما ومنهيًا عنه.
والضابط الخامسَّ :أال يكون اللباس لباس شهرة ،وهنا جيب أن نفهم املوضوع ،لباس الشُّهرة
مشروعا،
ً هو اللِّباس الذي يتميز به الناس حبيث يرفع الناس أبصارهم إليه من غري أن يكون
وقد يكون ذلك:
-لنفاسة اللباس حبيث أنه غري معتاد عند الناس حىت أن الناس إذا رأوه يلتفتون إىل صاحبه.
-وقد يكون ذلك لدناءة اللباس حبيث ال يلبس يف العادة ،وإذا لبسه اإلنسان نظر الناس إليه:
ما هذا اللباس؟
-وقد يكون لغرابته يف هيأته ،يف لونه ،يكون غريبًا على أهل البلد حبيث يلفت أنظار الناس.
أسفل ،أو نصف الساق من أسفل ،أو جيتنب ما شاع بني الناس من األلبسة احملرمة ،وينظر
الناس إليه ويستغربون ،هذا ليس لباس شهرة بل هذا يؤجر مرتني:
فال ينبغي اخللط بني لباس الشهرة وإحياء املشروع الذي اندثر بني الناس.
وقد جاء أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال(( :من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه اهلل
ثوب مذلة يوم القيامة ،ثم ألهب فيه نارا)) ،رواه اإلمام أمحد وأبو داود وابن ماجه ،وحسنه
مجاعةٌ من أهل العلم منهم املنذري ،ومنهم األلباين ،وصححه الشيخ أمحد شاكر.
ومبناسبة هذه الضوابط الثالثة األخرية أحب أن أنبه اإلخوة إىل أنه يستحب لإلنسان ومن
كمال إميانه أن يعود نفسه على عدم التنعم يف اللباس ولو أحيانًا ،وأن جيرب التقشف يف
لباسه من غري أن يصل إىل لباس ٍ
دون أو لباس شهرة ،فيعود نفسه على عدم اإلغراق يف الرتفه
يف اللباس ،وإن كان غنيًا ،وإن كان من كبار الناس ،فيدرب نفسه على التقشف أحيانًا.
وقد قال النيب صلى اهلل عليه وسلم(( :البذاذة من اإليمان)) ،واحلديث رواه أبو داود وابن
ماجة وصححه األلباين.
دائما.
متعودا عليه ً
متوسعا يف التنعم ً
ً والبذاذة :هي التقشف ،وأن ال يكون اإلنسان
رجل من
عامال مبصر ،فأتاه ٌ
رجل من أصحاب رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ً وقد كان ٌ
أصحابه فإذا هو شعث الرأس فقال( :ما يل أراك شعثًا وأنت أمري؟ فقال :كان النيب صلى اهلل
عليه وسلم ينهى عن كث ٍري من اإلرفاه) ،رواه النسائي وأبو داوود وصححه األلباين ،وزاد يف
رواية أيب داود قال( :فما يل ال أرى عليك حذاءً؟ فقال :كان النيب صلى اهلل عليه وسلم يأمرنا
أن حنتفي أحيانًا).
المجلس الرابع من فقه اللباس والزينة
قال ابن حجر رمحه اهلل( :اإلرفاه هو التنعم والراحة ،وقيده يف احلديث بكث ٍري من اإلرفاه إشارة
إىل أن الوسط املعتدل منه ال يذم) ،تقييده يف احلديث إشارةٌ إىل أن الوسط من التنعم ال يذم،
أيضا ال يذم التنعم مطل ًقا ما مل يصل إىل حد اإلسراف أو لباس الشهرة ،لكن يستحب
و ً
لإلنسان أنه أحيانًا يعود نفسه على التقشف.
وقال شيخنا جبل املدينة الشيخ عبد احملسن العباد حفظه اهلل عز وجل قال( :كان ينهى عن
كثريا ،ومل ينههم عن الرتجل وحتسني اهليئة، ٍ
كثريا أو التوسع ً
كثري من اإلرفاه) يعين :عن التنعم ً
وإمنا الذي هناهم عنه هو التوسع يف ذلك.
واملقصود من احلديثني واهلل أعلم أن اإلنسان يدرب نفسه على عدم اإلغراق يف التنعم ،وعلى
التقشف أحيانًا حىت تبقى فيه الصفات اليت البد منها ،وال يدري اإلنسان قد حيتاج إىل هذا
التقشف ،وقد رأينا من الناس من ال يستطيع أن ميشي حافيًا ولو مسافةً قصرية؛ ألنه عود
أبدا ،وهكذا يف سائر األلبسة ،وهذا
دائما وعدم السري حافيًا ً
نفسه على التنعم بلبس النعل ً
أيضا من أصول الرتبية أن الوالدين يعودان األبناء والبنات على التقشف أحيانًا ولو كانوا أغنياء،
ً
وهذا من األمور الشرعية ومن كمال اإلميان.
ومن اللباس احملرم اللباس الذي عليه صور ذوات األرواح برؤوسها ،فإنه حر ٌام كما نص عليه
الشافعية واحلنابلة ومجاعة من احلنفية ،واختاره مجاعة من أهل العلم منهم شيخنا الشيخ ابن
باز رمحه اهلل عز وجل ،وشيخنا الشيخ ابن عثيمني رمحه اهلل عز وجل.
وذلك أن الصور لذوات األرواح جتعل البيت غري ٍ
طيب ومتنع دخول املالئكة إىل البيت،
واملؤمن حباجة إىل دخول املالئكة إىل بيته ،وقد جاء عن زيد بن خالد اجلهين رضي اهلل عنه
أنه قال :إن أبا طلحة حدثه أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال(( :ال تدخل المالئكة بيتًا فيه
صورة)) واحلديث ٌ
متفق عليه.
وجاء عن أمنا عائشة أم املؤمنني رضي اهلل عنها وأرضاها أهنا اشرتت منرقةً فيها تصاوير ،فلما
رآها رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قام على الباب فلم يدخل صلى اهلل عليه وسلم ،وظهر
يف وجهه الكراهية ،فعرفت أمنا عائشة رضي اهلل عنها ذلك يف وجهه ،فقالت(( :يا رسول اهلل
أتوب إلى اهلل وإلى رسوله ماذا أذنبت؟ فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم :ما بال هذه
النمرقة؟ فقالت :اشتريتها لك لتقعد عليها وتوسدها)) ،والنمارق :هي الوسائد اليت تبث
ليجلس عليها أو تتوسد ،فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم(( :إن أصحاب هذه الصور
يعذبون يوم القيامة ،ويقال لهم :أحيوا ما خلقتم)) ،وقال صلى اهلل عليه وسلم(( :إن البيت
الذي فيه صورة ال تدخله المالئكة)) واحلديث ٌ
متفق عليه.
فدل ذلك على أنه ال جيوز لبس الثياب اليت عليها صور إال إذا كانت مهانة ،كأن أن تكون
الصورة يف الشراب يف أسفل الرجل أو حنو ذلك.
أما صور ذوات األرواح اليت قطعت رؤوسها أو بدون رؤوس وإمنا هي أجساد بدون رؤوس
صور لذوات األرواح بدون رؤوس.
فهذه ال متنع اللبس ،وجيوز لبس اللباس الذي فيه ٌ
وقد جاء عن أيب هريرة رضي اهلل عنه أنه قال :استأذن جربيل عليه السالم على النيب صلى
اهلل عليه وسلم ،فقال النيب صلى اهلل عليه وسلم(( :ادخل ،فقال جبريل عليه السالم :كيف
أدخل وفي بيتك ستر فيه تصاوير؟ فإما أن تقطع رؤوسها أو تجعل بساطًا يوطأ ،فإنا
المجلس الرابع من فقه اللباس والزينة
معشر المالئكة ال ندخل بيتًا فيه تصاوير)) ،رواه النسائي وصححه األلباين ،وجود إسناده
ابن باز رحم اهلل اجلميع.
هذا بيت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،ومع ذلك يقول جربيل عليه السالم إنا ال ندخل
بيتًا فيه تصاوير.
الفائدة األولى :أن تقطع الرؤوس إذا كانت الصورة من ذوات األرواح ،أن تقطع الرؤوس ،أو
وتزول أو هتان.
تطمس حبيث ختتفي ْ
ولذلك قال جربيل عليه السالم :فإما أن تقطع رؤوسها وتبقى ،وإما أن جتعل بساطا يوطأ،
يعين :تبقى على هيأهتا؛ ولكن جتعل بساطا يوطأ فيمتهن ،وتكون مهانة.
وأما صور غري ذوات األرواح :كالبحار والشمس واجلبال واألشجار ،وكذلك ما أحدثه الناس
اليوم من غري أن يكون ذا روح مثل :هذا الذي يضعونه على األطفال صورة اسفنجة وعليها
صورة عيون وحنو ذلك ،فهذه ليست من ذوات األرواح وإن صورت هبذه الصور اليت تشاهد،
فهذه الصور ال متنع من اللباس ،وجيوز لبس اللباس الذي فيه هذه الصور؛ ألن تصوير غري
ذوات األرواح ال بأس فيه وال حرج فيه.
وقد جاء رجل إىل ابن عباس رضي اهلل عنهما فقال :إين رجل أصو هذه الصور فأفتين فيها،
يعين أنا رجل أحب التصوير ،وعندي ملكة ،وأصور هذه التصاوير فأفتين فيها ،فقال له ابن
عباس :ادن مين ،فدنا منه قليال ،مث قال :ادن مين ،فدنا منه حىت وضع يده على رأسه ،وضع
ابن عباس رضي اهلل عنهما يده على رأسه ،وهذا من التحبب ،وأهل العلم ينبغي عليهم أن
يتحببوا للناس ،وأن حيببوا احلق للناس ،وأن يقربوا احلق للناس هبيئتهم ،بأسلوهبم ،ببسمتهم،
بطريقتهم ،باحرتامهم للناس ،حبسن تعاملهم مع أهلهم ،حنن طالب العلم وأهل العلم قد ننفر
أهلنا من العلم؛ ألننا نتساهل يف داخل بيوتنا ويف تعاملنا مع أهلنا ،وقد نتجرد حىت من علمنا،
المجلس الرابع من فقه اللباس والزينة
وقد نكون حىت أقل من العوام أحيانا يف تعاملنا مع أهلنا ،فينسب أهلنا عملنا إىل علمنا،
فينفرون من العلم واهلل ،كأنا ندخل يف قوله صلى اهلل عليه وسلم(( :إن منكم منفرين)) ،وهذا
أقع فيه أنا ويقع فيه غريي من طالب العلم غفلة منا.
فينبغي أن نتنبه وأن حنسن وأن حنبب احلق إىل اخللق ،ليس مطلوبا منا أن نرتك احلق أو أن
نتنازل أو نكون ما يطلبه املستمعون ،لكن املطلوب منا أن نظهر باألسلوب احلسن والطريقة
احلسنة ،وأن يظهر أثر علمنا علينا.
فابن عباس رضي اهلل عنهما وضع يده على رأس هذا الرجل ،وقال :أنبئك مبا ُسعت من
رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلمُ :سعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول(( :كل مصور
في النار ،يجعل له بكل صورة صورها نفساً فتعذبه في جهنم ،ثم قال :وإن كنت البد
فاعال فاصنع الشجر وما ال نفس له)) رواه الشيخان.
فأفتاه وبني له احلرام ودله على احلالل ،فاحلرام أن يصور ذوات األرواح سواء كان هذا من
باب التماثيل أو من باب الرقم ،أو غري ذلك كما دلت عليه النصوص ،وأرشده إىل أن املباح
باب واسع ،فيستطيع أن يصور كل ما ال روح له ،كل ما ال نفس له من الشجر
يف التصوير ٌ
واجلبال والبحار والفضاء ،بل حىت لو صور أجسادا بال رؤوس فهذا ال بأس به ،وما دام أنه ال
بأس مثل هذا التصوير فإنه ال بأس بلبس املالبس إذا كان فيها هذه الصور.
كذلك مما حيرم لبسه اللباس الذي تكون مكتوبة عليه آيات أو أُساء اهلل سبحانه وتعاىل ،إذا
كان ذلك على سبيل الدميومة ،أما إذا كان ذلك لعارض كأن كتب على الفانيلة مثال اسم اهلل
لغرض ،مث يزال هذا ،وال تلقى وال هتان فهذا ال بأس به إن شاء اهلل ،لكن أن يكتب ذلك
على فانيال أو ثوب أو حنو ذلك فهذا ال جيوز؛ ألنه يؤدي إىل امتهاهنا ،يدخل هبا احلمام،
وترمى على األرض ،وتوضع مع املالبس الوسخة ،ورمبا قاد ذلك إىل اعتقاد أهنا متيمة متنع من
العني أو متنع من الضرر ،والتميمة ال جتوز ولو كانت من القرآن ،ومن تعلق متيمة فال أمت اهلل
له ،ومن تعلق شيئا وكل إليه ،فهذا ال جيوز.
المجلس الرابع من فقه اللباس والزينة
ولذلك قال شيخنا ابن باز رمحه اهلل عز وجل( :إن الكتابة على الفانيلة بسم اهلل الرمحن
الرحيم غري جائز؛ ألهنا عرضةٌ ألن تلقى يف احملالت اليت ال يتوقى فيها القذر ،وقد تلقى يف
ٍ
حمالت ليست نظيفة ،فاحلاصل أنه ال ينبغي أن يكتب على الفانيلة وما أشبهها أُساء الرب
عز وجل ،وال بسم اهلل الرمحن الرحيم ،وال آيات القرآن؛ ألن هذا قد ميتهن وقد يداس).
وإذا كان بعض الفقهاء كبعض فقهاء احلنفية كرهوا التسمية مبا يعبد هلل عز وجل يف زماهنم؛
ألن أهل زماهنم صاروا يصغرون االسم بتصغري اسم اهلل -هكذا قالوا ،-فيقولون عن عبد
الكرميْ :كرِّْمي ،ويقولون عن عبد القادر :قْديِّ ْر وحنو ذلك ،فكيف مبثل هذا الذي تكتب فيه
األُساء املعبدة هلل عز وجل على األكياس اليت ال تكرم وترمى وتلقى ،فينبغي التنبه هلذا األمر.
أيضاً من األلبسة احملرمة للرجل أن يلبس الرجل لباسا فيه إسبال ،ولباس الرجل أربعة أقسام:
القسم الثاني :ما يغطي الكعبني وال ينزل عنهما ،وال ينبغي للمسلم أن جيعل لكعبيه حظا
ظ من اإلزار.
من قميصه ،من إزاره ،من سرواله ،من بنطاله ،فليس للكعبني ح ٌ
القسم الرابع :أن يرتفع عن الكعبني حبيث ال يتجاوز أنصاف الساقني ،وهذا سنة ومشروعٌ
للرجل أن يفعله.
المجلس الرابع من فقه اللباس والزينة
ومن ٍ
أسف أن بعض املسلمني استملحوا للمرأة أن تلبس لباسها إىل نصف ساقيها ،واستقبحوا
وجهل بالشرع.
ٌ انتكاس للفطر
ٌ للرجل أن يلبس لباسه إىل نصف ساقيه ،وهذا
الشاهد أن حظ الرجلني من لباس الرجل على هذه األقسام األربعة ،والكالم هنا عن اإلسبال،
واإلسبال :أن ينزل الثوب بقصد عن الكعبني ،فما دام أنه نزل عن الكعبني بقصد فقد حصل
اإلسبال.
وقولنا( :بقصد) هذا إلخراج ما لو كان على اإلنسان مثالً سراويل فاسرتخت فنزل السروال
عن الكعبني ،فهذا بغري قصد ،لكن إذا تنبه يرفعه ،وإذا كان يشق عليه أن يتعاهده فإنه يعفى
عنه.
الحالة األولى :أن يكون قصد صاحبه الكرب واملخيلة والرتفع وال مينعه من تركه إال الكرب،
نص على حرمته علماء اإلسالم من املذاهب األربعة وغريها.
فهذا حر ٌام َّ
وقد جاء يف حديث ابن عمر رضي اهلل عنهما أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال(( :من
جر ثوبه خيالء لم ينظر اهلل إليه يوم القيامة)) ٌ
متفق عليه. َّ
جر ثوبه)) :يعين على األرض؛ يعين من الرجال.
(( ّ
((خيالء)) :بسبب الكرب ،ومل مينعه من رفعه إال الكرب؛ ((لم ينظر اهلل إليه يوم القيامة)).
وجاء عن أيب ذ ٍر الغفاري رضي اهلل عنه عن النيب صلى اهلل عليه وسلم أنه قال(( :ثالثة ال
يكلمهم اهلل يوم القيامة وال ينظر إليهم وال يزكيهم ولهم عذاب أليم)).
(وال ينظر إليهم) ،قالوا :نظر رمحة( ،وال يزكيهم ولهم عذاب أليم).
المجلس الرابع من فقه اللباس والزينة
قال :فقرأها رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ثالث مرات ،قال أبو ذ ٍر رضي اهلل عنه :خابوا
وخسروا من هم يا رسول اهلل؟ فقال صلى اهلل عليه وسلم(( :المسبل والمنَّان والمنفق سلعته
بالحلف الكاذب)).
فاملسبل خيالء م َّتوعد هبذا الوعيد الشديد ،وهذا ُّ
يدل على أن اإلسبال خبيالء مقصود من
صاحبه كبرية من كبائر الذنوب والعياذ باهلل.
وقال الرسول صلى اهلل عليه وسلم كما يف حديث جابر بن سليم رضي اهلل عنه(( :إياك
وإسبال اإلزار فإنها من المخيلة ،وإن اهلل ال يحب المخيلة)) ،واحلديث أبو داوود والبيهقي
وله طرق ،ولذلك صححه األلباين والوادعي رحم اهلل اجلميع.
والحالة الثانية :أن يكون اإلسبال من غري قصد الكرب لكنه بقصد اإلسبال؛ يعين :هو يسبل
ٍ
خالف بني أهل العلم ،والراجح واهلل أعلم أنه وهو يعلم ،لكنه ال يقصد الكرب ،فهذا حمل
نص عليه مجاعة من أهل العلم ،مجاعة من احلنابلة وابن تيمية وابن القيم
حرام ،ال جيوز كما َّ
والشوكاين وابن باز وابن عثيمني رحم اهلل اجلميع.
وقد قال ابن العريب املالكي( :ال جيوز للرجل أن جياوز بثوبه كعبه ،ويقول ال أتكرب فيه) ،يقول
كما فيقول
متكربا؛ ألن النهي تناوله لفظًا وتناول علته ،وال جيوز أن يتناول اللفظ ح ً
أنا لست ً
يف فإهنا خمالفةٌ للشريعة ودعوى ال تسلَّم له.
املسلم إنين لست ممن ميتثله؛ ألن العلة ليست َّ
وقال ابن حجر رمحه اهلل يف هذه األحاديث :أن إسبال اإلزار للخيالء كبرية ،وأما اإلسبال لغري
اخليالء فظاهر األحاديث حترميه.
وقال الشيخ ابن باز رمحه اهلل :هذان احلديثان يبيِّنان أنه ال جيوز إسبال الثياب للرجل ،وأن
ذلك مع اخليالء يكون َّ
أشد إمثًا وأعظم جرمية.
المجلس الرابع من فقه اللباس والزينة
قلت :والنيب صلى اهلل عليه وسلم َّبني أن اإلسبال ذاته من املخيلة ولو مل يقصد اإلنسان ،واهلل
ال حيب املخيلة وال حيب الكرب ،وإذا علمت يا عبد اهلل أن ربك الذي خلقك وأنعم عليك
بالنعم ومنها اللباس ال حيب منك هذا كيف تفعله!؟ وهو واهلل ال يضرك لو تركته ،بل هو خريٌ
ومروءةٌ ونزاهةٌ ونظافةٌ وطاعةٌ ترفع هبا عند اهلل سبحانه وتعاىل.
وقد جاء يف حديث أيب هريرة رضي اهلل عنه أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال(( :ما أسفل
من الكعبين من اإلزار ففي النار)) رواه البخاري يف الصحيح.
((ما أسفل من الكعبين من اإلزار ففي النار)) مطل ًقا ،ومل يقيِّده النيب صلى اهلل عليه وسلم
باخليالء.
وال يقولن قائل إن املطلق هنا حيمل على املقيَّد هناك؛ ألن الوعيد هنا غري الوعيد هناك،
فالوعيد هناك أش ّد ،أما هنا فهو وعي ٌد بالنار والعياذ باهلل ،وهذا ُّ
يدل على أن اإلسبال ولو يكن
عن خيالء فإنه حرام ،بل إنه كبرية؛ ألنه متوع ٌد عليه بالنار والعياذ باهلل.
وأنت أيها املسلم؛ أيها الرجل؛ إن مل تستطع أن تصل إىل الكمال يف أسفل لباسك فإياك أن
تقع يف احلرام ،نعم يستحب لك أن ترفع إزارك إىل نصف الساق أو أسفل من نصف الساق،
وال حرج عليك إن أنزلته إىل ما فوق الكعبني مباشرة ،وابتعد عن أن يكون على الكعبني،
واحذر من أن يكون أسفل من الكعبني.
وقد جاء يف حديث أيب سعيد اخلدري رضي اهلل عنه أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال:
((إزرة المسلم إلى نصف الساق))؛ يعين :هذه السنّة(( ،وال حرج أو ال جناح فيما بينه
بطرا لم ينظر اهلل
جر إزاره ً
وبين الكعبين ،وما كان أسفل من الكعبين فهو في النار ،ومن َّ
إليه)) ،واحلديث رواه أبو داوود والنسائي وابن ماجه ،وصححه النووي واأللباين ومجاعة من
أهل العلم.
وانظر هذا التقسيم البديع من النيب صلى اهلل عليه وسلم (أزرة المسلم)؛ أي :الرجل.
المجلس الرابع من فقه اللباس والزينة
نعم؛ املرجو من طالب العلم أن يفعل الكمال ،لكنه ليس بالزم له.
قال صلى اهلل عليه وسلم(( :ما كان أسفل من الكعبين فهو في النار)) هذا إذا كان أسفل
الكعبني من غري بطر ،من غري خيالء من صاحبه.
وبطرا ،وجاءت بطرا لم ينظر اهلل إليه)) انظر ،جاء الثاين الذي جير إزاره ً
كربا ً ((ومن جر إزاره ً
عقوبة أخرى (لم ينظر اهلل إليه).
وأما املرأة املسلمة فاملشروع هلا أن تغطي رجليها ،هذا الواجب عليها إذا كانت عند الرجال
األجانب ،أو خترج من بيتها جيب عليها أن تغطي رجليها ،وقد قال اهلل عز وجلَ ﴿ :وَال
ين ِمن ِزينَتِ ِه َّن ۚ﴾ [النور ،]31 :إذن الزينة لن تظهر اليت تكون ِ ي ْ ِ ِ ِ
ض ِربْ َن بأ َْرجل ِه َّن لي ْعلَ َم َما ي ْخف ََ
فوق الكعب مثل :اخللخال ،هي مغطاة لكن هي تضرب برجلها حىت خيرج الصوت ،فدل
ذلك على أهنا تغطي رجليها.
وجاء عن ابن عمر رضي اهلل عنهما أنه قال :قال رسول اهلل صلى عليه وسلم(( :من جر
ثوبه خيالء لم ينظر اهلل إليه يوم القيامة)) فقالت أم سلمة رضي اهلل عنها :فكيف يصنعن
النساء بذيوهلن؟ فدل هذا على أن النساء املسلمات يف زمن النيب صلى اهلل عليه وسلم كن
شبرا))،
يرخني اللباس حبيث يكون كالذيل على األرض ،فقال صلى اهلل عليه وسلم(( :يرخين ً
شربا ،فقالت :إذا تنكشف أقدامهن ،يعين :عند السري ،سبحان اهلل!يرخينه على األرض ً
سبحان اهلل! هكذا نساء الصحابة رضوان اهلل عليهم ،فقال صلى اهلل عليه وسلم(( :فيرخينه
المجلس الرابع من فقه اللباس والزينة
ذراعا ال يزدن عليه)) ،رواه الرتمذي والنسائي ،وصححه الشيخ أمحد شاكر واأللباين رحم
اهلل اجلميع.
وقد أمجع العلماء على أن املشروع للمرأة أن ترخي لباسها ،نعم؛ ال جيب عليه ،الواجب عليها
اعا وذاك مبالغة يف السرت.
شربا أو ذر ً
أن تسرت بدهنا ورجليها ،ولكن يشرع هلا أن ترخي ً
ضرا ٍ
ومن أسف أن بعض املسلمني عكسوا القضية ،واستملحوا أن املرأة ترفع ثوهبا ويرونه حت ً
ومتدنًا وحرية شخصية ،وال شك أن التحضر والتمدن يف شرع اهلل عز وجل ،وأن احلرية بإمجاع
العقالء هلا قيودها ،فالواجب على املسلمة أن تلزم شرع اهلل عز وجل ويف ذلك حياءها وحريتها
وخريها وبركتها وسعادهتا ،ويف نفس الوقت استنكر أولئك األقوام أن يرفع الرجال بناطيلهم أو
قمصاهنم أو جالليبهم حىت ولو إىل ربع الساق ،وينكرون عليه ويستقبحون ،ورمبا سب وذم،
أين احلرية هنا؟! إمنا هي تسويالت من الشيطان.
فالواجب أن نعرف شرع اهلل ،وأن نلزم شرع اهلل سبحانه وتعاىل ،وأن نعود أنفسنا واخلري عادة،
ومن عود نفسه على اخلري استقام له ،واهلل كل أمر؛ حىت األخالق احلسنة إذا عودت نفسك
عليها صارت عادة ،صارت عادة باملقصود أن اإلنسان يفعلها وال يتكلفها حىت؛ لكن حتتاج
صبورا
حليما حيتاج أن يتحلم ويتحلم ويتحلم ،حىت يكون ً
إىل دربة ،اإلنسان حىت يصبح ً
حيتاج أن يتصرب ،ومن يتصرب يصربه اهلل.
اليوم املعاصرون يقولون :كن إجيابيًا ،تدرب على األخالق ،كن خلوقًا ،درب نفسك على
اخللق والسيما مع من ال تستحي منهم كزوجتك وأبنائك ،درب نفسك على حسن األخالق،
فاخلري عادة وستتعود واهلل.
وإذا عودت نفسك على العكس سيستجريك الشيطان ،إذا عودت نفسك على القسوة
والغلظة يف معاملتك ألهلك ،يف معاملتك ألوالدك ،سيستجريك الشيطان يف هذا الباب حىت
تقسوا وأنت ال تشعر ،وليس عيبًا أن ختطأ فرتجع إىل الصواب ،ليس عيبًا أن تكون عاملت
المجلس الرابع من فقه اللباس والزينة
أهلك بالقسوة حىت قسوت وأنت ال تشعر ،أصبحت قاسيًا صلبًا معهم ،وأنت ال تشعر ،مع
أنك مع غريهم لني هني رفيق ،ليس عيبًا أن تتنبه وترجع.
ومن الكمال أن تعتذر من أهلك ،وتبدي هلم اللني ،وتطلب منهم الصفح ،كم حطمت
األخالق السيئة بيوتًا ،وكم دمرت نفسيات ،فينبغي علينا أن نتنبه ،اخلري يف اللباس عادة ،إذا
عودت املرأة نفسها على اللباس الشرعي وألزمت نفسها ستعتاد اخلري وتراه ويطمأن قلبها وتفرح
وتسعد ،بعض النساء إذا جاءت تغطي وجهها يأتيها الشيطان يقول :ما يف نفس ،ما تستطيعني
أن تتنفسي ،أنت بالذات ما تستطيعني ،رمبا غريك يستطيع لكن أنت عندك كتمة ،فإذا عصته
وعودت نفسها ستجد أنه يصبح سهال عليها مع سعادة وبركة جتدها يف قلبها ،وهكذا يف كل
خري.
أسأل اهلل عز وجل بأُسائه احلسىن وصفاته العلى أن يتقبل منا ما تقدم ،وأن يغفر لنا ما خنطئ
فيه يف حق أهلنا وإخواننا وعموم املسلمني ،وأن يعيننا على الرجوع إىل الصواب.
اللهم يا ربنا يا حي يا قيوم يا ذا اجلالل واإلكرام نسألك بأُسائك احلسىن وصفاتك العلى أن
تزيد األمن يف بلدان اإلسالم اآلمنة ،وأن تعيد األمن إىل بلدان اإلسالم اليت فقدت أمنها
بالفنت والثورات وغريها ،ونسألك يا ربنا أن تصلح احلال بني الراعي والرعية يف كل مكان ،امأل
قلوب الرعاة حبًا للرعية ،وامأل قلوب الرعية حبًا لوالة األمر يا رب العاملني.
اللهم يا ربنا يا حي يا قيوم يا ذا اجلالل واإلكرام نسألك أن تنزل السكينة واالستقرار يف بيوت
األسر املسلمة ،اللهم يا ربنا يا حي يا قيوم اجرب قلوبًا كسرت ،اللهم اجرب كسرها ،وأطب
حاهلا ،وأسعدها يا رب العاملني.
هذا ما تيسر إراده يف هذا اجمللس ،ولنا لقاء إن شاء اهلل يف اجمللس اخلامس التايل ،واهلل تعاىل
أعلى وأعلم .والسالم عليكم ورمحة اهلل وبركاته.
المجلس الخامس من فقه اللباس والزينة
السالم عليكم ورمحة اهلل وبركاته ،احلمدهلل رب العاملني والصالة والسالم األمتان األكمالن على املبعوث
رمحة للعاملني وعلى آله وصحبه أمجعني ،أما بعد:
فإخواين وأخوايت يف كل مكان ،هذا هو اجمللس اخلامس من جمالس هذه الدورة العلمية الثالثة ،من
سلسلة دورات فقه األسرة ،واليت خصصناها للكالم عن فقه اللباس والزينة.
وقد تقدم يف آخر اجمللس املاضي أن من ضوابط الثياب املباحة واأللبسة املباحة :أال تكون حمرمة شرعا؛
وذلك أن األصل يف األلبسة اإلباحة ،إال إذا جاء دليل على التحرمي فإنه حيرم لبس ما دل الدليل على
حترميه.
وتقدم معنا الكالم عن بعض األلبسة احملرمة ،ونواصل يف هذا اجمللس الكالم عنها وعن بقية مباحث
اللباس.
فمن األلبسة المحرمة :ما كان من احلرير بالنسبة للرجال ،فيحرم على الرجال لبس املالبس من احلرير
الطبيعي ،وقد نص على ذلك علماء اإلسالم من املذاهب األربعة وغريها ،بل حكى بعض أهل العلم
اإلمجاع على هذا؛ يقول احلافظ بن عبد الرب رمحه اهلل عز وجل( :أمجع السلف واخللف من العلماء
على أنه إذا كان الثوب حريرا كله ،فإنه ال جيوز للرجال لباسه).
وقال أيضا( :أمجع العلماء على أن لباس احلرير حالل للنساء وأن الثوب إذا كان حريرا كله ،ال جيوز
لباسه للرجال).
وقال اإلمام ابن قدامة رمحه اهلل عز وجل وسائر علماء املسلمني( :ال نعلم يف حترمي لبس ذلك على
الرجال اختالفا ،إال لعارض أو عذر) وهذا سيأتينا إن شاء اهلل عز وجل.
وقال النووي رمحه اهلل عز وجل( :هذا الذي ذكرناه من حترمي احلرير على الرجال وإباحته للنساء هو
مذهبنا -أي :مذهب الشافعية -ومذهب اجلماهري ،وحكى القاضي عن قوم إباحته للرجال والنساء،
وعن ابن الزبري حترميه عليهما ،مث انعقد اإلمجاع على إباحته للنساء وحترميه على الرجال).
المجلس الخامس من فقه اللباس والزينة
وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل( :ولبس احلرير حرام على الرجال بسنة رسول اهلل صلى اهلل
عليه وسلم وإمجاع العلماء).
فالرجل ال جيوز له أن يلبس اللباس من احلرير ،سواء كان قميصا؛ وهو ما نسميه بالثوب أو اجلالبية،
أو كان ما يسمى بالقميص اليوم وهو الذي يسرت أعلى البدن ،أو كان سراويل طويلة ،أو كان
سراويل قصرية داخلية ،أو كان شَّرابات أو جوارب ،ال جيوز للرجل أن يلبس شيئا من هذا اللباس إذا
كان من احلرير ،وقد انعقد اإلمجاع على هذا ،وإن كان فيه خالف قدمي إال أن اإلمجاع قد انعقد
على حترميه ،والسنة قاضية على كل قول خيالفها ولو مل يقع إمجاع ،فكيف وقد حكى اجلهابذة
استقرار اإلمجاع على التحرمي.
وقد قال علي رضي اهلل عنه :إن نيب اهلل صلى اهلل عليه وسلم أخذ حريرا فجعلَه يف ميينِه ،وأخ َذ ذَهبا
فجعلَه يف مشالِه مثَّ قال(( :إن هذين حرام على ذُكور أمتي)) واحلديث رواه أبو داود والنسائي وابن
وجود إسناده
ماجة ،وحسنه مجاعة من أهل العلم منهم ابن املديين ،وصححه ابن العريب واأللباينَ ،
ابن باز رحم اهلل اجلميع.
فاحلديث ثابت ،وهو نص يف حترمي احلرير على الذكور من أمة حممد صلى اهلل عليه وسلم ،وجاء عن
إل حبلَّ ِة َح ِرير ،أو قالِ :سيَ َراءَ -واحللَّة
عمر رضي اهلل عنه أنه قال :أ َْر َس َل النيب صلى اهلل عليه وسلم َّ
آها عليه صلى السرياء :هي ذات اخلطوط اليت تكون من احلرير وتكون غالبا إزارا ورداء -فلبسها فَ َر َ
ت
س َها َمن ال َخ ََل َق له ،إنما َبعث ُ س َها ،إنما يَلبَ ُ قال(( :إنِّي لَم أُرسل َبها إلَي َ
ك لتَ لبَ َ اهلل عليه وسلم فَ َ
ك لتَستَمت َع َبها)) يعين :تبيعها ،متفق عليه؛ فالنيب صلى اهلل عليه وسلم َّبني أن احلرير ال يلبسه يف
إلَي َ
الدنيا من الرجال من له خالق يف اآلخرة ونصيب يف اآلخرة ودين يف اآلخرة ،فإمنا يلبس احلرير من
الرجال يف الدنيا من ال خالق له وال نصيب له يف اآلخرة.
َخ َذ ع َمر رضي اهلل عنه جبَّة ِمن ا ْستَْب َرق -من حرير-
وجاء عن ابن عمر رضي اهلل عنهما أنه قال :أ َ
سول اللَّ ِه ،اب تع ِ
هذه فقال :يا َر َ
فأخ َذها ،فأتَى هبا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلمَ ، تباع يف ُّ ِ
َْ ْ السوقَ ،
باس َمن ال َخَل َق ََت َّمل هبا لِْلعِ ِ
يد والوف ِ
فقال له رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم(( :إنما هذه ل ُ ودَ ، َ ْ
له)) متفق عليه ،أي :من الرجال ،فدل ذلك على حرمة لباس احلرير على الرجال.
المجلس الخامس من فقه اللباس والزينة
وأخرب حذيفة رضي اهلل عنه أن رسول اهلل صلى اهلل عليه قال(( :الذهب والحرير والديباج ،هي لهم
في الدنيا ولكم في اآلخرة)) متفق عليه .فدل ذلك على أن الرجل املؤمن الذي يرجو دخول اجلنة،
ال يلبس مالبس احلرير الطبيعي يف الدنيا ،وبئس النعيم يف الدنيا الذي َْحي ِرم املسلم من النعيم يف
اآلخرة ومن التنعم يف اجلنة ،هذا بالنسبة للحرير الطبيعي الذي هو من دودة القز.
أما اآلن فيوجد يف السوق أيضا حرير صناعي ،ال تنتجه القز ويسمى باحلرير الصناعي؛ واحلرير الصناعي
جيوز للرجل أن يلبسه ،وقد أفىت هبذا جهابذة علمائنا؛ كابن باز رمحه اهلل عز وجل وابن عثيمني واللجنة
الدائمة؛ ألن احملرم يف النصوص هو احلرير الطبيعي وهو املعروف باحلرير؛ وألن األصل يف األلبسة
اإلباحة حىت يقوم الدليل البني على التحرمي ،والدليل الذي قام على حترمي احلرير إمنا هو يف احلرير
الطبيعي.
كذلك يباح للرجل أن يلبس اللباس من غري احلرير إن كان فيه شيء يسري من احلرير ،فوجود العلم
أو اخلط من احلرير يف الثوب ال مينع الرجل من لبسه ،وقد نص على هذا مجهور الفقهاء ،على أن
اليسري من احلرير جيوز للرجل أن يلبس اللباس إذا كان فيه ذلك اليسري من احلرير ،حبيث ال يزيد جمموعه
على أربعة أصابع؛ ال يزيد جمموعه على حجم أربعة أصابع ،فإن زاد خرج عن حد اليسري إىل الكثري
فيصبح حراما؛ ويدل لذلك أن عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه خطب الناس وقال( :هنى نيب اهلل صلى
اهلل عليه وسلم عن لبس احلرير إال موضع إصبعني أو أصبعني أو ثالثة أو أربعة) أخرجه مسلم يف
الصحيح؛ فأخرب عمر رضي اهلل عنه أن النيب صلى اهلل عليه وسلم هنى عن لبس احلرير؛ أي :الرجال؛
هنى الرجال عن لبس احلرير إال موضع أصبعني- ،يعين مقدار موضع أصبعني يكون يف الثوب -أو
ثالثة أو أربعة وال يزيد على هذا املقدار ،وقد كان الناس يف زمن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يكفون
أطراف الثياب بشيء من احلرير ،وقد أخرجت أمساء رضي اهلل عنها جبة رسول اهلل صلى اهلل عليه
وسلم وكانت مكفوفة اجليب والكمني بالديباج ،واحلديث عند مسلم وأيب داود وابن ماجه .والديباج
هو احلرير؛ فكانت جبة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم مكفوفة األطراف خبيوط حرير ،فدل ذلك على
أنه إذا وجد شيء يسري من احلرير يف الثوب يف أي موضع منه ،فإنه ال مينع الرجل من لبسه ،ومقدار
اليسري علمناه؛ وهو أن ال يزيد على مقدار أربعة أصابع؛ أي :يف جمموعه.
المجلس الخامس من فقه اللباس والزينة
كذلك إذا احتاج الرجل لِلبس احلرير فإنه جيوز له أن يلبسه؛ كما لو كان به مرض ال تناسبه األلبسة
من املواد األخرى غري احلرير ،فإنه جيوز له أن يلبس الثوب من احلرير للحاجة ،ومن باب أوىل مثال لو
مل جيد غريه؛ مل جيد اإلنسان ما يسرت به عورته من الثياب إال ثوب حرير ،فيجوز له أن يلبسه حىت جيد
غريه ،ألن هذا أشد حاجة من حاجة املريض.
وقد نص العلماء على جواز لبس الرجل للحرير من أجل احلاجة ،ودلت على ذلك سنة رسول اهلل
صلى اهلل عليه وسلم ،وقد جاء عن أنس بن مالك رضي اهلل عنه( :أن النيب صلى اهلل عليه وسلم
رخص لعبد الرمحن بن عوف والزبري يف قميص من حرير من حكة كانت هبما) متفق عليه .فالنيب صلى
اهلل عليه وسلم رخص لعبد الرمحن بن عوف يف لبس احلرير؛ ألنه كانت به حكة ،فإذا لبس ألبسة من
غري احلرير تزداد وتتقد عليه ،فرخص له النيب صلى اهلل عليه وسلم يف لبس احلرير ،وكذلك الزبري رضي
اهلل عنه.
وهذا يدل على ما تقدم من أن لبس الرجال للحرير حرام؛ ألن الرخصة ال تكون إال من حمرم ،والنيب
صلى اهلل عليه وسلم إمنا رخص لعبد الرمحن بن عوف والزبري رضي اهلل عنهما من أجل احلاجة.
طيب ،الصيب الغالم الذكر الذي مل يبلغ ،والقاعدة عند أهل العلم يقولون :إن الصيب قبل سن التمييز
ال يكتب له وال يكتب عليه إال ما استثين :وهو احلج والعمرة وأجر الزكاة من ماله إذا أخرجها الول،
وإذا بلغ سن التمييز إىل البلوغ فإنه يكتب له وال يكتب عليه.
طيب ،إذا كان ذلك كذلك ،فهل يجوز للوالدين إلباس الصبي الذي لم يبلغ ،اللباس من الحرير؟
كفانيلة أو قميص أو بنطال أو شراب ،طبعا هو لو لبسها بنفسه ما يأمث ،لكن إذا رؤيت عليه تنزع؛
ألن هو ما يكتب عليه ،بالنسبة لفعله ما يكتب عليه ،فلو أخذ شراب أمه مثال وكان من حرير ولبسه،
ما يأمث .لكن هل جيوز لألب أو األم إلباسه من احلرير؟ فالفعل للوالد على الولد ،الذي يظهر واهلل أعلم
أنه ال جيوز إلباس الصيب لباسا من احلرير إال أن يكون يسريا كما قلنا يف الرجل ،وهذا نص عليه بعض
أهل العلم كاحلنفية ومجاعة من احلنابلة ومجاعة من املالكية ومجاعة من الشافعية؛ قالوا :إن الذي حيرم
على الرجل من احلرير حيرم على الصيب من جهة والديه ،فال جيوز للوالد أن يلبس ولده لباسا من حرير؛
وذلك ألن النصوص املتقدمة عامة ،والوالد مكلف ،فال جيوز له أن يلبس ولده احلرير.
المجلس الخامس من فقه اللباس والزينة
أيضا جاء عن جابر رضي اهلل عنه وعن أبيه أنه قال( :كنا ننزعه –أي :احلرير -عن الغلمان ونرتكه
على اجلواري)؛ يقول :كنا ننزعه عن الغلمان؛ يعين الصبيان الذكور ،ونرتكه على اجلواري؛ يعين البنات.
وهذا احلديث رواه أبو داود والطحاوي وصححه األلباين رحم اهلل اجلميع.
وقول جابر رضي اهلل عنه( :كنا)؛ يعين الصحابة ،هذا يدل على أن الصحابة فهموا حترمي إلباس الصغار
من الذكور احلرير ،وهذا هو الظاهر؛ وألن الصغري لو عود على احلرير لصعب أن يفطم عنه إذا صار
كبريا ،وكان ذلك ذريعة إىل أن يفعله إذا صار كبريا.
أما إذا خلِط احلرير بغريه حىت صار شيئا آخر ،كما هو ثوب اخلَز الذي ينسج من صوف وحرير ،وال
يظهر فيه من احلرير إال اليسري ،فهذا جيوز لبسه للرجال؛ وقد جاء عن ابن عباس رضي اهلل عنهما أنه
قال( :إمنا هنى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم عن الثوب املص َّم ِ
ت من احلرير) واحلديث رواه أمحد وأبو َ
داود والطرباين ورواه احلاكم يف املستدرك ،وصححه األلباين ،وحسنه ابن حجر رحم اهلل اجلميع.
ووجه الداللة :أن النيب صلى اهلل عليه وسلم إمنا هنى عن الثوب املصمت من احلرير؛ يعين الذي يكون
من احلرير ،أما إذا خلط احلرير بنسيج آخر وصار ال يظهر أنه حرير وإمنا يظهر من احلرير الشيء اليسري
كالعلم يف الثوب ،فإنه ال يكون داخال يف النهي ،فقد كان السلف من الصحابة ومن بعدهم يلبسون
ثياب اخلز؛ وقد قال سليمان التيمي رمحه اهلل( :رأيت على أنس رضي اهلل عنه ب ْرنسا أصفر من خز) .
وهذا عند البخاري يف الصحيح .وجاء أن احلسني بن علي رضي اهلل عنهما كان يلبس ثوب وكساء
من خز .كما عند ابن أيب شيبة بإسناد صحيح.
فالشاهد أن السلف الصاحل رضوان اهلل عليهم كانوا يلبسون الثياب من اخلز فدل ذلك على اجلواز
هذا بالنسبة للرجال.
أما بالنسبة للنساء القوارير ،فإن احلرير يناسبهن ويناسب رقتهن وتنعمهن ،ولذلك يباح للنساء أن
يلبسن احلرير ،وهذا كما تقدم معنا أثناء الكالم عن لبس الرجال للحرير حمل إمجاع ،نعم كان يف خالف
فكان بعض السلف يظنون عموم النهي ،وأن الذي يلبس احلرير يف الدنيا ال خالق له يف اآلخرة ،هذا
يشمل الرجال والنساء؛ مثل ابن الزبري كان يفهم هذا ،فكان ينهى النساء عن ذلك رضي اهلل عنه
المجلس الخامس من فقه اللباس والزينة
وأرضاه ،لكن استقر االتفاق على جواز ذلك النساء ،وقد تقدم معنا يف احلديث أن النيب صلى اهلل
عليه وسلم عندما أخذ حريرا يف ميينه وذهبا يف مشاله ،قال(( :إن هذين حرام على ذكور أمتي))
ومفهوم ذلك :أن احلرير والذهب ليسا حراما على إناث أمة حممد صلى اهلل عليه وسلم.
وقد جاء عن أنس بن مالك رضي اهلل عنه أنه رأى على أم كلثوم بنت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم
ب ْرَد حرير ِسيَ َرى .أي :م َقلَّ َمة ،واحلديث عند البخاري يف الصحيح.
وجاء إلباس السلف الصاحل رضوان اهلل عليهم لنسائهم احلرير يف آثار كثرية ،فدل ذلك على أنه ال حرج
يف أن تلبس املرأة اللباس من احلرير ،سواء كان هذا اللباس داخليا أو كان لباسا خارجيا؛ أعين يكون
مثال فستانا أو حنو ذلك ،جيوز للمرأة أن تلبس اللباس من احلرير.
أيضا مما يحرم لبسه من األلبسة :ما يكون من جلود السباع؛ فإنه حيرم لبس اللباس من جلود السباع،
سواء دبغت أو مل تدبغ ،على الراجح من أقوال أهل العلم ،وقد كان يفيت بذلك شيخنا الشيخ ابن
وبني ابن القيم رمحه اهلل أن سنة رسول اهلل صلى
عثيمني رمحه اهلل عز وجل ،وتفيت به اللجنة الدائمةَّ ،
اهلل عليه وسلم قاضية بتحرمي لبس جلود النمور والسباع ،وأن ذلك جاء يف عدة أحاديث صحاح ،ال
معارض هلا ،ومن ذلك ما جاء أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم نهى عن جلود السباع .واحلديث
رواه أمحد وأبو داود والرتمذي والنسائي ،وصححه النووي واأللباين رحم اهلل اجلميع ،وهني النيب صلى
اهلل عليه وسلم عن جلود السباع هنا مطلق ،يشمل الرجال والنساء ،ويشمل اللباس وغري اللباس،
ويشمل اجللود املدبوغة وغري املدبوغة ،وجاء عن خالد بن معدان أنه قال( :وفِ َد املقدام بن معد يكرب
على معاوية رضي اهلل عنه فقال :أنشدك باهلل ،هل تعلم أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم هنى عن
لبوس جلود السباع والركوب عليها؟ فقال معاوية رضي اهلل عنه :نعم)؛ أي أن النيب صلى اهلل عليه
وسلم هنى عن لبس جلود السباع ،واحلديث رواه أبو داود والنسائي ،وصححه األلباين رحم اهلل اجلميع.
وهنا كذلك هني النيب صلى اهلل عليه وسلم عن لبس جلود السباع مطلق ،يشمل إذا دبغت أو مل تدبغ،
ويشمل الرجال والنساء ،فهذه األلبسة احملرمة اليت دلت األدلة على أهنا حرام.
المجلس الخامس من فقه اللباس والزينة
بقي معنا قبل أن ننتقل إىل مبحث الزينة ،والتجمل وما يتعلق بذلك ،بقي معنا أن نذكر بعض اآلداب
اليت ثبتت يف اللباس ،ومن ذلك التيامن عند لبس الثياب ،فيلبس الثوب من اجلهة اليمىن أوال مث اجلهة
اليسرى ،فإذا لبس اإلنسان مثال الثوب فإنه يدخل يده اليمىن أوال مث يدخل يده اليسرى ثانيا ،وإذا
لبس السراويل فإنه يدخل أوال رجله اليمىن مث يدخل رجله اليسرى ،وإذا لبس النعل فإنه يبدأ بلبس
النعل اليمىن مث النعل اليسرى؛ وقد جاء عن أمنا عائشة رضي اهلل عنها أن النيب صلى اهلل عليه وسلم
كان يعجبه التيمن يف تنعله ،وترجله ،وطهوره ،ويف شأنه كله صلى اهلل عليه وسلم .واحلديث عند
الشيخني متفق عليه.
فدل ذلك على أن األصل أن النيب صلى اهلل عليه وسلم يعجبه التيمن ،فما كان فيه ميني ومشال فكان
النيب صلى اهلل عليه وسلم يعجبه أن يبدأ باليمني صلى اهلل عليه وسلم ،وجاء عن أيب هريرة رضي اهلل
عنه أنه قال :قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم(( :إذا لبستم ،وإذا توضأتم ،فابدؤوا بأيامنكم))
واحلديث رواه اإلمام أمحد وأبو داود ،وصححه النووي واأللباين والشيخ أمحد شاكر رحم اهلل اجلميع.
وهذا أمر نَ ْدب؛ في ْن َدب لإلنسان يف غسل األعضاء اليت هبا ميني ومشال أن يبدأ باليمني ،ويندب له يف
اللبس إذا كان فيه ميني ومشال أن يبدأ باليمني مث الشمال ،وجاء عن حارثة اخلزاعي رمحه اهلل أنه قال:
(حدثتين حفصة زوج النيب صلى اهلل عليه وسلم أن النيب صلى اهلل عليه وسلم كان جيعل ميينه لطعامه
وشرابه وثيابه ،وجيعل مشاله ملا سوى ذلك) ،واحلديث رواه أمحد وأبو داود وقال النووي :إسناده جيد.
وصححه األلباين رحم اهلل اجلميع.
فالنيب صلى اهلل عليه وسلم كان جيعل ميينه لثيابه .هذا حمل الشاهد هنا ،فهذا من آداب اللباس.
ومن آداب اللباس أيضا :الدعاء عند لبس لباس جديد ،ليس عند كل لبس وإمنا عند لبس لباس
جديد .وقد جاء عن أيب سعيد اخلدري رضي اهلل عنه أنه قال :كان رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم إذا
استجد ثوبا مساه بامسه ،إما قميصا أو عمامة مث يقول(( :اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه أسألك من
المجلس الخامس من فقه اللباس والزينة
خيره وخير ما صنع له ،وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له)) فيحمد اهلل ويدعو .واحلديث رواه
أمحد وأبو داود والرتمذي والنسائي ،وصححه ابن القيم واأللباين رحم اهلل اجلميع.
هذا من فعل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،فكان الرسول صلى اهلل عليه وسلم يقول ذلك ،وجاء
من قوله صلى اهلل عليه وسلم ما جاء يف حديث معاذ بن أنس رضي اهلل عنه أن رسول اهلل صلى اهلل
عليه وسلم قال(( :من لبس ثوبا فقال :الحمد هلل الذي كساني هذا الثوب ورزقنيه من غير حول
مني وال قوة ،غُفر له ما تقدم من ذنبه)) واحلديث رواه أمحد وأبو داود والرتمذي وابن ماجه ،وحسنه
ابن باز رمحه اهلل وحسنه واأللباين رحم اهلل.
فمن لبس ثوبا فقال(( :الحمد هلل الذي كساني هذا الثوب ورزقنيه من غير حول مني وال قوة))
غفر له ما تقدم من ذنبه؛ يعين مما ت َكفره األعمال؛ أي :الصغائر ،وأما الكبائر فالتحقيق أنه ال بد هلا
من توبة.
وهذه فضيلة عظيمة مرتبة على محد اهلل والثناء عليه سبحانه وتعاىل ،وإسناد احلول إليه وتربُّؤ اإلنسان
من حوله فال حول له وال قوة إال باهلل سبحانه وتعاىل ،عند لبس الثوب.
وإذا رأى املسلم على أخيه ثوبا جديدا فإنه يظ ِهر أن هذا الثوب حسن ،وقد جاء عن أم خالد رضي
اهلل عنها أهنا قالت :أويت النيب صلى اهلل عليه وسلم بثياب فيها مخيصة سوداء صغرية ،فقال صلى اهلل
عليه وسلم(( :من ترون نكسو هذه؟))؛ -من تصلح له هذه اخلميصة الصغرية؟ -قالت :فسكت
القوم .فقال النيب صلى اهلل عليه وسلم(( :فأتوني بأم خالد)) .فأيت هبا ْحت َمل ،فأخذ اخلميصة بيده
فألبسها وقال(( :أبلي وأَخلقي)) .وكان فيها علم أخضر أو أصفر ،فقال(( :يا أم خالد هذا َسنَاه))؛
وسناه باحلبشية يعين حسن .رواه البخاري.
األمر األول :أنه قال هلا(( :أبلي وأَخلقي)) وهذا ظاهره اخلرب ،واملقصود به الدعاء.
المجلس الخامس من فقه اللباس والزينة
واألمر الثاني :أنه أظهر استحسانه للثوب ،وقال(( :هذا َسنَاه)) ،وقاله باحلبشية من باب تلطف النيب
صلى اهلل عليه وسلم مع أصحابه ،وما ألطفه صلى اهلل عليه وسلم ،وليتنا نقتدي به ونسنت صلى اهلل
عليه وسلم.
وقال أبو نَصرة :كان أصحاب النيب صلى اهلل عليه وسلم إذا لبس أحدهم ثوبا جديدا قيل له :تبلي
وخيلف اهلل تعاىل .فهذا دعاء ،واحلديث رواه أمحد وأبو داود والرتمذي والنسائي ،وصححه ابن القيم
واأللباين رحم اهلل اجلميع.
كذلك يستحب لبس األبيض من الثياب؛ وقد جاء عن ابن عباس رضي اهلل عنهما أنه قال :قال
رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم(( :البسوا من ثيابكم البياض ،فإنها من َخير ثيابكم ،وكفنوا فيها
موتاكم)) رواه أمحد وأبو داود والرتمذي ،وروى قريبا منه ابن ماجه وصححه النووي ومجاعة ،وإن مل
أنسى فصححه األلباين أيضا رمحه اهلل.
فالبياض يف الثياب مستحب ،وهي من خري ثيابنا ،أو خري ثيابنا كما جاء يف بعض الروايات.
وجاء عن مسرة بن جندب رضي اهلل عنه أنه قال :قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم(( :البسوا
البياض فإنها أطهر وأطيب ،وكفنوا فيها موتاكم)) رواه امحد والرتمذي وابن ماجه ،وصححه األلباين،
وقال :ابن عبد الرب إنه ثابت .فأرشد النيب صلى اهلل عليه وسلم إىل لِبس البياض وبني أهنا أطهر وأطيب،
فدَّل ذلك على استحباب لبس الثياب البيضاء.
كذلك يستحب لبس الثياب الجميلة الحسنة المزينة ،فإهنا مما حيبه اهلل عز وجل.
وجاء عن عبد اهلل بن مسعود رضي اهلل عنه ،أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال(( :ال يدخل الجنة
من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر))- .نعوذ باهلل من الكرب ،نعوذ باهلل من الكرب ،-التواضع حيبه
اهلل وحيبه عباد اهلل وحيبب الناس يف املتواضع.
قال :النيب صلى اهلل عليه وسلم(( :ال يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر)) فقال له
رجل :إن الرجل حيب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا .فقال :صلى اهلل عليه وسلم ((إن اهلل جميل
المجلس الخامس من فقه اللباس والزينة
ط الناس)) رواه مسلم يف الصحيح .فدل ذلك على أن َتمل يحب الجمال ،الكبر بَطَُر الحق َوغَم ُ
اإلنسان يف ثيابه يف مالبسه من غري إسراف وال كِِرب :مما حيبه اهلل عز وجل ،فاهلل مجيل حيب اجلمال.
ولذلك كان النيب صلى اهلل عليه وسلم حيب احلَِربة ،فقد قيل ألنس بن مالك رضي اهلل عنه :أي اللباس
كان أحب إىل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم؟ فقال:احلَِربة .متفق عليه.
واحلربة كما قال العلماء :ثوب من ثياب اليمن ،من قطن يف الغالب ،يكون خمططا ،ومسيت باحلربة
ألهنا حمَبَّ َرة؛ أي مزينة ،من غري إسراف.
وقال ابن عباس رضي اهلل عنهما :لقد رأيت على رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أحسن ما يكون من
احللل .رواه أبو داود وحسنه األلباين .فيَدل ذلك على استحباب لبس الثوب اجلميل واللباس اجلميل
احلسن املزين من غري إسراف.
كذلك يستحب للرجل لبس القميص؛ والقميص هو ما نسميه اليوم بالثوب هذا أو يسمى باجلالبية؛
القميص ما يسرت كل البدن من الكتفني إىل الرجلني ،ويكون له جيب؛ أي :فتحة يدخل منها الرأس
وله كمان ،وقد جاء عن أم سلمة رضي اهلل عنها أهنا قالت :كان أحب الثياب إىل رسول اهلل صلى
اهلل عليه وسلم القميص .واحلديث رواه أبو داود والرتمذي وصححه األلباين .فكان أحب الثياب إىل
رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم القميص.
قال العلماء :ألن القميص أسرت ،فالقميص ال يسقط؛ ألنه حممول على الكتفني وم ْد َخل فيه الرأس مث
يكون على اجلسم ،فهو أسرت وأبلغ يف السرت.
أيضا من آداب اللباس- :وهذا أقل من يتفطن له -أنه يستحب لإلنسان أن يتخذ لباسه من
األقمشة اليت ال حتمل رائحة العرق كثريا ،من أجل أن تكون رائحته طيبة؛ وقد جاء عن أمنا عائشة
رضي اهلل عنها أهنا قالت :صنعت لرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بردة سوداء ،فلبسها ،فلما عرق
فيها وجد فيها ريح الصوف ،فقذفها وكان حيب الريح الطيبة .رواه أمحد وأبو داود وصححه األلباين.
المجلس الخامس من فقه اللباس والزينة
فكان صلى اهلل عليه وسلم حيب الريح الطيبة ،ولذلك ملا وجد رائحة الصوف مع رائحة العرق ملا عرق
فيها ،قذفها وتركها صلى اهلل عليه وسلم ،فكلما كان القماش الذي يكون من اللباس متحمال لرائحة
العرق ال ميتصها وال يظهرها ،وال يَظْ َهر له رائحة إذا تفاعل مع العرق كان ذلك أكمل وأمجل وأحسن.
كذلك مما يستحب للمسلم في اللباس :أن حيافظ على نظافة مالبسه وحسن مظهره؛ فقد جاء
عن جابر ابن عبد اهلل رضي اهلل عنه وعن أبيه أنه قال( :أتانا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فرأى
س ِّك ُن به شعره؟))
رجال شعثا قد تفرق شعره –-أي:؛ تطاير شعره -فقال((:أما كان يجد هذا ما يُ َ
هذا..غري مفهومة ..حسن املظهر! (،ورأى رجال آخر وعليه ثياب وسخة ،فقال(( :أما كان هذا
يجد ماءا يغسل به ثوبه؟)) واحلديث رواه أمحد وأبو داوود ،وصححه أئمة منهم النووي واأللباين
والوادعي رحم اهلل اجلميع.
فدل ذلك على استحباب أن حيرص اإلنسان على أن تكون مالبسه نظيفة وأن ال يظهر عليها الوسخ.
هذا بعض ما تيسر ل مجعه وإيراده يف الوقت املخصص للباس من هذه الدورة ،ولعلنا إن شاء اهلل
نكمل بعض األمور يف جمالس اإلجابة على األسئلة ،حيث وردتين أسئلة كثرية جدا ،وغالبا إن شاء اهلل
سأجعل اجمللسني األخريين لإلجابة علىن األسئلة ،جملس بعد املغرب وجملس بعد العشاء ،سيكون
لإلجابة عن األسئلة ،وسأبدأ باألسئلة املتعلقة مبوضوع الدورة :اللباس والزينة ،إن شاء اهلل عز وجل،
هذا هذا الغالب.
أسأل اهلل عز وجل أن جيعلنا من عباده الصاحلني الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ،ويشكرون
اهلل على نعمه ،ويلزمون دينه ويدعون الناس إىل العمل بدينه.
أنسأل اهلل عز وجل أن جيعلنا حنن ممن يعمل بدينه ،وإذا حصل منا زلل أن جيعلنا ممن يرجع ويَؤأوب،
واملؤمن إذا ذكر املؤمن تَ َذ َّكر ،املؤمن خلق م َفتَّنا توابا نسيٌا ،إذا ذكر تَ َذ َّكر ،إذا ذكر تذكر نسأل اهلل
أن جيعلنا من أولئك.
المجلس الخامس من فقه اللباس والزينة
خنتم يف هذا اجمللس على رجاء أن نلتقي يف اجمللس التال واجلميع خبري وعافية وسعادة وطمأنينة ،واهلل
تعاىل أعلى وأعلم وصلى اهلل على نبينا وسلم ،والسالم عليكم ورمحة اهلل وبركاته.
المجلس السادس من فقه اللباس والزينة
احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم األمتان األكمالن على املبعوث رمحةً للعاملني وعلى آله
وصحبه أمجعني ،أما بعد:
فهذا هو اجمللس السادس من جمالس هذه الدورة العلمية الثالثة من سلسلة دورات فقه األسرة واليت
خصصناها للكالم عن فقه اللباس والزينة ،وقد تقدم الكالم يف اجملالس املاضية عن فقه اللباس،
وحرصنا فيه على ذكر األصول الكلية اليت تُرد إليها املسائل اجلزئية ،ويف هذا اجمللس إن شاء اهلل
سنتكلم عن فقه الزينة.
والتزين األصل فيه احلل؛ ألنه من العادات ،وقد تقدم معنا يف اللباس أن األصل يف العادات احلل
واإلباحة ،فال ُُيرم منها إال ما قام الدليل على حترميه ،وقد دلت األدلة الشرعية على أن هناك
ضوابط تضبط أحكام الزينة:
وأول هذه الضوابط :أن ال يكون يف التزين تشبهٌ من النساء بالرجال ،وال من الرجال بالنساء،
عام يف العادات فما خيتص به النساء عاد ًة ال وجو
وهذا الضابط كما تدركون وتعلمون ضابط ٌ
للرجال أن يفعلوه ،وما خيتص به الرجال عادةً؛ حبيث إذا ُرئي فاعله يُعلم أنه رجل ،فإنه ال وجو
للنساء أن يفعلنه ،وما كان مشرتًكا أو يتعاون فيه الرجال والنساء فهو على األصل الذي هو احلل.
خاصا بالرجال
خاصا بالنساء يف العادة؛ فإنه ال وجو للرجل أن يفعله ،وإذا كان ً
فالتزيُّن إذا كان ً
يف العادة؛ فإنه ال وجو للنساء أن يفعلنه.
المجلس السادس من فقه اللباس والزينة
وقد تقدم معنا أن التشبه الرجال بالنساء كبرية من كبائر الذنوب تستوجب لعنة اهلل -نعوذ باهلل-
،وتشبه النساء بالرجال ،تشبه الرجال بالنساء كبرية من كبائر الذنوب ،قد تقدم معنا حديث ابن
ٍ
عباس رضي اهلل عنهما أنه قال( :لعن رسول اهلل صلى اهلل وعليه وسلم املتشبهني من الرجال
بالنساء ،واملتشبهات من النساء بالرجال) ،كما عند البخاري يف الصحيح.
وقد أُمرنا مبخالفة املشركني يف اللباس واهليئة والزينة وسيأتينا إن شاء اهلل ما يتعلق باللحى وحنو
ذلك؛ فال وجو التشبه بالكفار ،وال الفساق ،وال املبتدعة يف التزيُّن.
-كذلك املساحيق الرديئة؛ مساحيق التجميل الرديئة اليت يذكر أهل اخلربة وأهل الطب أهنا قد
تُعقب صبغات على اجللد ،أو بثور ،أو حنو ذلك؛ فإنه ال وجو استعماهلا.
ضارا؛ فالضرر يف ديننا حرام ،وال وجو لإلنسان أن فال بُد يف التزيُّن من أن ال يكون املتزين به ً
كم إِلى ٱلتهلُك ِة﴾ [البقرة]195 :؛ يضر نفسه وال أن يضر غريه ،واهلل عز وجل قال﴿ :وَل تُل ُقوا بِأ ِ
يدي ُ
ضرر أعظم من
وهذا يشمل املوت وما دونه من األضرار؛ فإذا علم املسلم أن الفعل يرتتب عليه ٌ
مصلحته ،أو يساوي مصلحته؛ فإنه ال وجو له أن يفعله ،وقد وضع لنا نبينا صلى اهلل عليه وسلم
قاعدةً عامة عظيمة حيث قالَ(( :ل ضرر وَل ضرار)) ،واحلديث رواه الدارقطين واحلاكم والبيهقي،
بعضا وصححه وصححه احلاكم ،وحسنه النووي ،وذكر اإلمام بن رجب أن له طُرقًا ُّ
يشد بعضها ً
األلباين؛ واحلديث صحيح ،وقد حرم فيه النيب صلى اهلل عليه وسلم الضرر والضرار.
-بعض أهل العلم قال :ال ضرر؛ يعين ال وجو لإلنسان أن يضر نفسه ،وال ضرار؛ يعين ال وجو
له أن يضر غريه.
المجلس السادس من فقه اللباس والزينة
-بعض العلم قالوا :ال ضرر؛ يعين ال وجو لإلنسان أن يبتدئ بالضرر ،وال ضرار ال وجو أن
يقابل الضرر بضرٍر غريه؛ يتجاو ه أو يتعداه.
وهذه قاعدةٌ عامة :فكل ضا ٍر َل تقابله مصلحةٌ أعلى منه فإنه حرام.
ومن ادعى حل شي ٍء من الضرر فإنا نطالبه بالدليل ،فإن جاء بالدليل؛ فالدليل على الرأس والعني،
وإن مل يأت بدليل رددنا عليه قوله ،ومل نرتض طرحه؛ فال ضرر وَل ضرار.
والضابط الرابع :أن ال يكون يف التزيُّن إسراف؛ فاإلسراف يف كل ٍ
شيء ال وجو ،واإلسراف كما
ذكرنا يف اللباس حده العام جماو ة احلد ،فما وجاو احلد ال وجو ؛ فيُقتصر يف التزيُّن على ما ُيقق
املقصود ،وال يُوقع يف اإلسراف.
وقوله﴿ :وَل ُمرن ُهم ف ليُ غيِّ ُرن خلق ٱلل ِه﴾؛ يشمل تغيري اخللقة الظاهرة بالتجميل ،بالوشم ،بغري
أيضا يتضمن التسخط على قدر اهلل ،وعلى أمر اهلل ،واالعرتاض
ذلك ،وهذا حر ٌام يف ذاته ،وهو ً
أيضا يتضمن تغيري الباطن -اخللقة الباطنة ،-فإن اهلل عز
على فعل اهلل سبحانه وتعاىل ،وكذلك ً
وجل خلق اخللق على الفطرة على اإلسالم على التوحيد؛ فيأيت الشيطان فيأمرهم أن يغريوا هذه
الفطرة.
وجاء عن عبد اهلل بن مسعود رضي اهلل عنه أنه قال( :لعن اهلل الوامشات ،واملستومشات،
واملتنمصات ،واملتفلجات للحسن املغريات خلق اهلل تعاىل ،ما يل ال ألعن من لعن النيب صلى اهلل
عليه وسلم ،وهو يف كتاب اهلل وما آتاكم الرسول فخذوه) ،واحلديث يف الصحيحني.
عبد اهلل بن مسعود رضي اهلل عنه قال( :لعن اهلل)؛ أي :طرد من رمحته؛ ومن ضوابط الكبائر أن
لعن.
يرد فيها ٌ
(لعن اهلل الواشمات) :اليت تشم بنفسها؛ سواء ومشت نفسها أو غريها؛ والوشم يكون حتت اجللد
بإدخال الكحل أو مادة حتت اجللد؛ سواء كان يف الوجه ،أو كان يف اليدين ،أو يف الرجلني،
الوشم.
واملستومشة :هي اليت تطلب من غريها َ
(والمتنمصات) :املتنمصة اليت تنتف شعر اجلبني ،وسيأيت الكالم عن هذه املسألة إن شاء اهلل.
(والمتفلجات للحسن) :الاليت يُفرقن أسناهنن للحسن ،وللحسن يرجع إىل اجلميع فإهنن يُغرين
خلق اهلل للحسن؛ ولذلك قال النيب صلى اهلل عليه وسلم(( :المغيرات خلق اهلل)).
ولذا قال ابن مسعود رضي اهلل عنه بعد أن قال هذا( :ما يل ال ألعن من لعن النيب صلى اهلل عليه
وسلم) ،فدل ذلك على أنه مسع هذا اللعن هلؤالء النسوة من النيب صلى اهلل عليه وسلم.
ومن الغٌ :الوصل -وصل الشعر ،-أو صبغ البياض بالسواد اخلالص ،أو أن تصبغ املرأة شعرها
مثال ،فإذا
بغري اللون املعتاد عندما ُُتطب ،وال ُُترب اخلطيب أن هذا مصبوغ؛ فيكون شعرها أسود ً
أراد اخلطيب أن يراها النظرة الشرعية صبغت بلون أشقر أو حنو ذلك وال ُترب اخلطيب؛ تومهه أن
مثال ،هذا ال وجو
هذا شعرها ،ورمبا وضعت عدسات الصقة على عينيها ،فتكون عيناها رقاويني ً
وهو غٌ ،والواجب أن تظهر املرأة للخطيب خبلقتها اليت خلقها اهلل عز وجل عليها.
والضابط السابع من ضوابط التزيُّن :أن ال يُتزين مبحرم؛ التزين باحملرم حرام؛ نعم قلنا :إن األصل
يف التزين اإلباحة ،وأنه وجو لإلنسان أن يتزين مبا شاء ،وأنه ال ُمينع إال بدليل ،فإذا قام الدليل
مثال أن يتختم بذهب؛ يتزين بالذهب؛ لقيام الدليل
على التحرمي فإنه ال وجو ؛ فال وجو للرجل ً
على حترمي الذهب على الذكور ،وال وجو له أن يتزين بالصبغ بالسواد؛ لقيام الدليل على النهي
عن السواد ،وسيأتينا -إن شاء اهلل -ذكر بعض األمور اليت حرمت يف التزين.
ٍ
بضابط تقدم معنا؛ إذا كان التزيني بالتغيري الثابت فيجو لعالج والضابط الثامن :وهذا ٌ
متعلق
العيوب األصلية والطارئة؛ يعين أن التغيري الثابت للحسن للجمال ال وجو ،أما التغيري الثابت إل الة
العيوب األصلية.
إنسان ُولد وأنفه كبري على خالف املعتاد حبيث يشوهه ،أو ُولد وأنفه ُمعوج ،أو ُولد وفيه حول
يف عينيه ،أو ُولد وأسنانه مفرقة ،فيقوم بعملية جتميل إل الة هذا العيب األصلي هذا جائز؛ ألنه مل
يغري خلق اهلل من أجل احلُسن ،وإَّنا من أجل إعادة اخللقة إىل أصلها ،ورفع التشويه.
المجلس السادس من فقه اللباس والزينة
أو ٍ
لعيب عارض؛ إنسان صار له حادث واعوج أنفه أو قُطعت شفته ،فيُجري عملية إلصالح
هذا العيب ،هذا ال بأس به ووجو .
-وقد قال اإلمام النووي رمحه اهلل عز وجل يف شرحه حلديث عبد اهلل بن مسعود رضي اهلل عنه
الذي تقدم معنا قال) :وأما قوله :املتفلجات للحسن؛ فمعناه يفعلن ذلك طلبًا للحسن ،وفيه
لعالج
إشارةٌ إىل أن احلرام هو املفعول لطلب احلسن -يعين لطلب اجلمال ،-أما لو احتاجت إليه ٍ
أو ٍ
عيب يف السن وحنوه فال بأس(.
-وقال الشوكاين رمحه اهلل) :قوله :إال من ٍ
داء :ظاهره أن التحرمي املذكور إَّنا هو فيما إذا كان
لقصد التحسني ،ال ٍ
لداء وعلة فإنه ليس مبحرم ،وظاهر قوله املغريات خلق اهلل ،أنه ال وجو تغيري
ٍ
شيء من اخللقة عن الصفة اليت عليها(.
-وقال فقيه العصر املؤدب اإلمام الشيخ ابن عثيمني رمحه اهلل عز وجل وسائر علماء املسلمني:
)القاعدة يف هذه األمور :أن العملية إل الة العيب جائزة ،والعملية للتجميل غري جائزة( ،هذا
الضابط :إن كانت العملية إل الة عيب ،وضابط العيب أن يكون خمال ًفا للعادة اليت حول اإلنسان؛
ما هو يأيت إنسان يقول :واهلل ،أنا أنفي كبري وهذا أراه عيبًا –ال.-
هل هذه خلقة قومك؟! إن كانت هذه خلقة قومك! فهذا ليس بعيب ،بل هذه اخللقة املعتادة.
فالعملية إل الة العيب جائزة ،أما للتجميل والتحسني ،وأن يغري اإلنسان منظره إىل منظ ٍر أمجل،
تغيريا ثابتًا ،فهذا ال وجو . ٍ
وهيئة أمجل بتغيري اخللقة ً
-يقول الشيخ ابن عثيمني رمحه اهلل) :القاعدة يف هذه األمور :أن العملية إل الة العيب جائزة،
والعملية للتجميل غري جائزة ،ودليل ذلك أن النيب صلى اهلل عليه وسلم لعن املتفلجات يف أسناهنن
من أجل جتميل السن ،ولكنه أذن ألحد الصحابة ملا أصيب أنفه وقُطع أن يتخذ أن ًفا من ذهب(،
المجلس السادس من فقه اللباس والزينة
اُتذ أنفا من ورق من فضة؛ ألن األصل أن الذهب حمرم على الرجال ،فاُتذ أن ًفا من ورق من
فضة؛ فأننت عليه ،فأمره النيب صلى اهلل عليه وسلم أن يتخذ أن ًفا من ذهب للضرورة.
يقول الشيخ) :فالقاعدة أن ما كان إل الة ٍ
عيب فهو جائز ،وما كان لزيادة التجميل فهو ليس
جبائز( ،ومن هذا الضابط نعرف حكم عمليات التجميل املنتشرة اليوم بني الناس ،وأصبحت املرأة
كل شهر بأنف ،بل بلغ احلال أن بعض النساء يُغرين خلقتهن إىل خلقة امرأةٍ أخرى ،وبلغين أن
تغيريا
هناك من ُوجري مائة عملية وحنو ذلك؛ هذه العمليات املنتشرة إذا كانت بالتغيري يف اخللقة ً
ثابتًا ،وكانت اخللقة على الوجه املعتاد؛ فإهنا حرام من كبائر الذنوب ،ال وجو للطبيب أن وجريها،
وال وجو للمسلم أن يطلبها ،حرام ،كبرية.
عيب يف العضو يشوه اإلنسان فتجو عملية التجميل؛ ألهنا إذ ذاك ليست أما إذا كان هناك ٌ
للحسن وإَّنا إلعادة أصل اخللقة ،وللعالج ،وهذا ال بأس به.
وقد علمنا مما تقدم أن الزينة قد تكون يف اجلسد ،وقد تكون يف امللبوس؛ فمن الزينة يف اجلسد ما
يتعلق بالشعر؛ والشعر سواءً كان شعر الرأس أو شعر اللحية ،يُسن إحسانه وجتميله وتسرُيه
ودهنه ،ويكون ذلك للرجل غبًّا؛ أي :فرتةً بعد فرتة ،بعض الفقهاء يقول :يوم بعد يوم وليس
دائما بالنسبة للرجل ،املرأة قد حتتاج
املقصود بالتحديد هذا ،وإَّنا املقصود أن ال يكون ذلك ً
للتسريح يف كل فرتة؛ يعين يف اليوم الواحد عدة مرات ،لكن الرجل ال يهتم بشعره على سبيل
االستمرار والدميومة؛ بل فرتة بعد فرتة إال إذا ُوجد سبب كأن تشعث شعر حليته فيمشطه من أجل
مثال على حليته هذا وجعله
أن يسكنه هذا مشروع ولو يف اليوم عدة مرات ،لكن أن يضع الزيت ً
غبًّا فرتة بعد فرتة ،وال يكون الرجل كاملرأة يف العناية بشعره.
المجلس السادس من فقه اللباس والزينة
شعر
-وجاء عن أيب هريرة رضي اهلل عنه أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال(( :من كان له ٌ
فليكرمه)) ،واحلديث رواه أبو داود والطحاوي والطرباين وحسنه النووي ،وقال األلباينٌ :
حسن
حسن صحيح؛ فإنه يعين أنه من هذا الطريق حسن ،ومبجموع الطرق
صحيح ،وإذا قال األلباينٌ :
صحيح؛ فإكرام الشعر ُسنة.
-وجاء عن عبد اهلل بن مغفل رضي اهلل عنه أنه قال( :هنى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم عن
الرتجل إال غبًّا) ،رواه أمحد وأبو داود والرتمذي والنسائي ،وصححه النووي واأللباين؛ فالنيب صلى
اهلل عليه وسلم هنى الرجل عن الرتجل؛ أي :العناية بالشعر تسرُيًا ودهنًا إال غبًّا؛ أي :فرتة بعد
سكن شعره. فرتة أو عند قيام السبب؛ كالتشعث فيُ ِّ
وجاء عن أحد صحابة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أنه قال( :هنى رسول اهلل صلى اهلل عليه
وسلم أن ميتشط أحدنا كل ٍ
يوم) ،واحلديث رواه اإلمام أمحد وأبو داود والنسائي ،وصححه النووي
واأللباين والوادعي رحم اهلل اجلميع؛ فالنيب صلى اهلل عليه وسلم هنى أن ميتشط الرجل كل يوم،
سبب يدعو؛
يوما بعد يومني ،أو حنو ذلك إال إذا ُوجد ٌ
يوما بعد يوم ،أو ً
وإَّنا ميتشط كما قلنا غبًّا ً
يح شعره فشعثته ،أو نام فقام شعثًا فإنه ميشط شعره لتسكني شعره.
كأن أصابت ر ٌ
ومما يتعلق بالزينة يف الشعر احللق ،فما حكم حلق الشعر؟
المجلس السادس من فقه اللباس والزينة
-وجو للرجل أن ُيلق رأسه باملوس؛ ُيلق رأسه كله ما يرتك منه شيئًا.
-ووجو له أن يكون ً
مثال التقصري من األمام أخف من التقصري من اخللف ،وهذا قد ُيتاجه من
يكون به صلع أو حنو ذلك وجو ،أما أن ُيلق البعض أو ما يشبه احللق ،ويرتك البعض ال هذا
القزع سيأتينا إن شاء اهلل عز وجل.
-وجو للرجل أن ُيلق شعره كله باملوس؛ واحللق إذا أطلق فإن املقصود به باملوس.
قصر شعره كله؛ فيأخذ بعضه ويرتك بعضه؛ يعين يأخذ بعض الشعر كله، -ووجو للرجل أن يُ ِّ
ويرتك بعض الشعر كله ما ُيلقه حل ًقا ،ولكن يقصره.
-ووجو أن يكون التقصري متفاوتًا ما مل يصل إىل احللق يف البعض ،أو يكون يف تشبه بكافر أو
فاسق أو مبتدع؛ هذه ثالث صور ،وقد نص على ذلك مجاهري العلماء.
المجلس السادس من فقه اللباس والزينة
واملعلوم أنه شرع يف احلج والعمرة للرجل أن ُيلق أو يقصر ،وقد دعا النيب صلى اهلل عليه وسلم
للمحلقني ثالثًا وللمقصرين واحدة؛ فدل ذلك على جوا احللق من حيث اإلطالق ،وعلى جوا
التقصري؛ نعم هو يف احلج والعمرة واجب ،لكن دل على جوا الفعل من حيث اإلطالق.
وقد جاء عن ابن عمر رضي اهلل عنهما :أن النيب صلى اهلل عليه وسلم رأى صبيًّا قد ُحلق بعض
شعره وتُرك بعضه فنهاهم عن ذلك .وقال :احلقوه كله أو اتركوه كله ،فالنيب صلى اهلل عليه وسلم
قال(( :احلقوه كله أو اتركوه كله)) ،فدل ذلك على جوا احللق.
تدرجا فتقصر بعضه أكثر من بعض ،ذكرنا أنه وجو حىت للرجل أن
أيضا أن تقصره ُم ً
ووجو هلا ً
خيتلف أو ُتتلف درجة التقصري يف الشعر ما مل يصل إىل حد احللق؛ بشرط أن ال يكون يف ذلك
-الضوابط ما ُيتاج أن نذكر هبا -تشبه بالكفار.
ومما ُّ
يدل على أن املرأة ال وجو هلا أن حتلق شعرها؛ أنه مل يُشرع هلا يف احلج والعمرة أن حتل،؛
فليس على النساء حلق ،وإَّنا على النساء التقصري ،فدل ذلك على أنه ال وجو للمرأة أن حتلق
لشرع هلا يف احلج والعمرة كما شرع للرجل ،ودل ذلك على أنه وجو
شعرها إذ لو كان هلا ذلك؛ ُ
هلا التقصري ،ولذلك ُشرع هلا التقصري.
بقي معنا القزع :وهو حلق بعض الشعر وترك البعض ،أن ُُيلق جزء سواء من اجلانبني أو من
اخللف أو من األمام ويُرتك جزء ،أو حتلق أجزاء وترتك أجزاء ،هذا القزع.
والقزع ال وجو للمرأة؛ ألن قدمنا أنه ال وجو للمرأة أن حتلق ،فال وجو هلا أن حتلق شعرها وال
بعضه إال حلاجة مثل احلجامة ،أو إذا احتيج طبيًا إىل كشف بعض اجللد للحاجة وجو ،أما لغري
احلاجة فال وجو للمرأة أن حتلق شعرها أو بعض شعرها ،وبالتايل فإن القزع يف حقها حرام.
ويُكره للرجل القزع باتفاق املذاهب األربعة وقد نص على ذلك العلماء؛ بل نص العلماء على أن
هذا مكروه باإلمجاع.
-قال النووي رمحه اهلل) :أمجع العلماء على كراهة القزع إال أن يكون ملداواةٍ وحنوها وهي كراهة
تنزيه(؛ يعين أن الفقهاء عندما نصوا على كراهية القزع ،قالوا إن ذلك على وجه الكراهية ال على
وجه التحرمي ،وقد ُحكي اإلمجاع على الكراهية.
ودل على ذلك كما جاء عن ابن عمر رضي اهلل عنهما :أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم هنى
فسئل نافع الراوي عن ابن عمر رضي اهلل عنهما) :ما القزع؟( فقال) :أن ُُيلق بعض
عن القزعُ .
متفق عليه.
الصيب ويرتك بعض(ٌ .
رأس ِّ
المجلس السادس من فقه اللباس والزينة
فابن عمر رضي اهلل عنهما بني أن النيب صلى اهلل عليه وسلم هنى عن القزع ،والراوي عن ابن عمر
وُيلق بعضه ،فدل ذلك على أن
الصيب ُ
رضي اهلل عنهما بني معىن القزع؛ وهو أن يُرتك بعض رأس ِّ
القزع مكروه حىت للصبيان الصغار ،ومن باب أوىل للرجال ،واحلديث عام.
وتقدم معنا أنه جاء عن ابن عمر رضي اهلل عنهما :أن النيب صلى اهلل عليه وسلم رأى صبيًّا قد
حلق بعض شعره وتُرك بعضه فنهى عن ذلك ،وقال(( :احلقوه أو اتركوه كله)) ،واحلديث رواه
اإلمام أمحد وأبو داود والنسائي وصححه األلباين رحم اهلل اجلميع.
ما دام ثبت النهي عن النيب صلى اهلل عليه وسلم فشأن املسلم أن وجتنبه ،ويبتعد عما هنى عنه نبيه
صلى اهلل عليه وسلم ويكفيه أنه علم أن نبيه صلى اهلل عليه وسلم قد هنى عن هذا الفعل ،فال
يقرتب منه؛ ألن نبيه صلى اهلل عليه وسلم هنى عنه.
واهلل تعاىل أعلى وأعلم ،وصلى اهلل على نبينا وسلم ،والسالم عليكم ورمحة اهلل وبركاته.
المجلس السابع واألخير من فقه اللباس والزينة
السالم عليكم ورمحة اهلل وبركاته ،احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم األمتان األكمالن على املبعوث
رمحة للعاملني وعلى آله وصحبه أمجعني ،أما بعد:
فأيها اإلخوة واألخوات هذا هو اجمللس السابع من جمالس هذه الدورة العلمية الثالثة من سلسلة دورات
فقه األسرة ،واليت خصصناها للكالم عن فقه اللباس والزينة ،وهبذا اجمللس إن شاء اهلل سنختم جمالس
هذه الدورة؛ أعين من حيث بيان املسائل ،وإن شاء اهلل عز وجل سنُحدد وقتا ويُعلن لإلجابة عن
األسئلة الكثرية اليت وردتين فيما يتعلق بالدورة خصوصا وبالعلم عموما ،وسيعلن عنه اإلخوة الحقا إن
شاء اهلل عز وجل.
ال زال حديثنا عن فقه الزينة املتعلقة باجلسد ،وكنا قد طرحنا بعض ما يتعلق بالزينة املتعلقة بالشعر،
ونكمل املسائل املتعلقة بالزينة املتعلقة بالشعر.
ومن املسائل املتعلقة بالزينة املتعلقة بالشعر :ما يتعلق بشعر اجلبني أو احلواجب ،هذا الشعر الذي يكون
فوق العينني ،ونتف هذا الشعر باليد أو باخليط أو بغري ذلك :حرام.
ويُلحق بالنتف اإلزالة للشعر بأي مزيل؛ مبوس وهو املسمى باحلِالقة ،أو مبعجون أو باحللوى.
وكذلك يلحق به تقصري الشعر ،فإن العلة الشرعية املانعة من النمص الذي هو النتف ،هي تغيري خلق
اهلل للحسن ،وهذا موجود بتمامه يف احللق أو اإلزالة باملزيالت ،أو يف تقصري هذا الشعر.
وقد قال ربنا سبحانه وتعاىل عن إبليس أنه قالَ ﴿ :وََل ُم َرنَّ ُهمْْفَ لَيُ غَيِّ ُر َّْنْ َخلْ َْقْاهلل﴾ [النس ِاء]119 :؛ وهذا
الذي حيصل من النمص وما أُحلِق به :تغيري خللق اهلل عز وجل ،وجاء عن عبد اهلل بن مسعود رضي
اهلل عنه كما تقدم معنا أنه قال(( :لعن ْاهلل ْالواشمات ْوالمستوشمات ْوالمتنمصات ْوالمتفلجاتْ
للحسْنْْ ،المغيرات ْخلق ْاهلل)) ووجه الداللة من هذا احلديث أنه قال(( :لعن ْاهلل ْالمتنمصات))
ُْ
وكما تقدم معنا أشار يف حديثه إىل أن هذا من رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،وأن رسول اهلل صلى
اهلل عليه وسلم هو الذي لعنهن.
والنمص األصل فيه :النتف بأي وسيلة ،على التحقيق من أقوال أهل العلم.
المجلس السابع واألخير من فقه اللباس والزينة
وهذا احلديث يدل على احلكم والعلة؛ فدل على احلكم وهو :التحرمي وأن هذا من كبائر الذنوب.
للحسن.
ودل على العلة وهي :تغيري خلق اهلل ُ
فأي تغيري ثابت يُزال به الشعر أو بعضه يف شعر احلواجب يدخل يف احلكم.
وأما تشقري احلواجب؛ بأن تضع املرأة على شعر احلاجبني لونا يشبه لون البشرة ،خيفف كثافتها من
أعلى الشعر ومن أسلفه حبيث ختف كثافة الشعر ،ويظهر كأنه خط أو حنو ذلك ،مع بقاء الشعر حتت
هذا اللون ،فهذا اختلفْفيهْالعلماءْالمعاصرون؛ فأباحه بعض أهل العلم وقالوا :إنه مباح؛ ألنه ليس
منصا واألصل يف الزينة كما قلنا اإلباحة .فمثال قال الشيخ الفقيه اإلمام ابن عثيمني رمحه اهلل عز وجل:
(جيوز تلوين شعر احلاجب بلون كلون البشرة؛ ألن الشعر باق)؛ يعين مل حيصل فيه منص وال معىن
النمص.
وقال بعض العلماء بتحرميه؛ ألنه يشبه النمص يف مقصوده؛ فمثال قالت اللجنة الدائمة( :تشقري أعلى
احلاجبني وأسفلها بالطريقة املذكورة ال جيوز ،ملا يف ذلك من تغيري خلق اهلل سبحانه وملشاهبته للنمص).
درست هذه املسألة دراسة مطولة وظهر يل واهلل أعلم أن التشقري من باب املشتبهات ،يُنصح برتكه
ُ وقد
ولكن إذا فعلته املرأة فإهنا مل تفعل حراما ،وذلك أنا إذا نظرنا إىل أنه جمرد لون للزينة ،أشبه وضع
املساحيق على باقي الوجه ،وهذا مباح.
وإذا نظرنا إىل أنه تصرف يف شعر احلاجب ،أشبه النمص ،وهذا حرام ،فيجتذبه أصالن ،وهذا من
املتشاهبات.
فاتقاء املرأة للمتشاهبات خري هلا ،لكن لو فعلته فليس حبرام ،وإذا كان ذلك حلاجة فال حرج إن شاء
اهلل عز وجل.
وأما وضع اللون األسود على احلاجبني لسقوط شعرمها كله ،أو لسقوط أكثر الشعر مع بقاء بعضه،
من غري إزالة للشعر وإمنا يوضع لون أسود يف هذا املكان للحاجة اليت ذكرنا ،فالذي يظهر يل واهلل أعلم
أن هذا جائز؛ أن تضع املرأة لونا أسود مكان شعر احلاجبني إذا سقط الشعر بالكلية كما حيصل لبعض
المجلس السابع واألخير من فقه اللباس والزينة
النساء ،إذا أصاهبا السرطان أسأل اهلل أن ُجيري املسلمني واملسلمات ،وعوجلت بالكيميائي فأحيانا
يسقط شعر احلاجبني بالكلية ويبقى اجللد ،فال حرج أن تضع لونا يف هذا املكان .أو سقط أكثره كما
حيصل لبعض النساء إذا أصيبت مبرض يف الغُدة يؤدي هذا إىل سقوط كثري من شعر احلاجبني ،فال
حرج أن تضع هذا اللون؛ ألن هذا إزالة تشوه وعالج عيب حصل ،وقد تقدم معنا أن إزالة العيب
وإزالة التشوه وإصالح األمر إىل اخللقة األصلية وإعادهتا للخلقة األصلية :ال حرج فيه .ذكرنا هذا يف
ضوابط التزين املباح كما يف اجمللس املاضي.
أيضا من التزين املتعلق بالشعر :ما يتعلق بلحية الرجل ،واهلل حكيم عليم ،خلق النساء على هيئة تصلُ ُح
هلن وتُصلِ ُح ُهن ،وخلق الرجال على هيئة تصلُ ُح هلم وتُصلِ ُح ُهم؛ فكرم الرجال باللحى ،وحلقْاللحيةْ
بالكليةْحرامْْبإجماعْأهلْالعلم ،وما حكاه بعض الشافعية املتأخرون مسبوق باإلمجاع.
يقول ابن حزم رمحه اهلل عز وجل( :واتفقوا أن حلق مجيع اللحية ُمث لة :ال جتوز) ومل يتعقبه ابن تيمية
رمحه اهلل يف نقد مراتب اإلمجاع؛ يعين أنه يوافقه على ذلك.
وقال ابن القطان رمحه اهلل عز وجل( :واتفقوا أن حلق مجيع اللحية ُمث لة :ال جتوز).
وهذا الذي رأيته يف كتب الفقهاء من املتقدمني؛ كلهم ينُصون على حرمة حلق اللحية بالكلية.
وكذلك على الراجح :الْيجوزْاألخذْمنها إال إذا طالت طوال زائدا مشوها ،فالراجح عندي واهلل أعلم
أنه ال حرج إن شاء أن يأخذ من طوهلا وعرضها إن زاد حت خرج عن احلد املعتاد ،لريدها إىل املعتاد
فقط.
وأما القبضْبالقبضة وأخذ ما زاد فهذا ثبت عن بعض الصحابة رضوان اهلل عليهم ،فمن فعله ال ينبز
وال يتنقص منه.
لكن الذي يظهر يل واهلل أعلم فقها ونظرا :أنه ال جيوز أخذ ما زاد عن القبضة ،بل الواجب إعفاء
اللحية وترك اللحية ،إال إذا طالت طوال زائدا عن املعتادُ ،فرتد إىل املعتاد فال بأس إن شاء اهلل.
-٢واألمر الثاين :تقصري اللحية أقل من القبضة؛ وهذا حمل خالف بني الفقهاء ،لكن الراجح أنه ال
جيوز ،ومل ِ
يأت دليل على اجلواز.
-٣واألمر الثالث :أخذ ما زاد عن القبضة ،وهذا ثبت عن عدد من الصحابة رضوان اهلل عليهم وهو
مينع التنقص والتفسيق وغري ذلك ،لكن الذي يظهر يل واهلل أعلم أنه جيب أن ترتك.
-٤واملرحلة الرابعة :أخذ ما زاد عن املعتاد يف طول اللحية وعرضها حت ترد إىل املعتاد وهذا يظهر يل
واهلل أعلم أنه جائز؛ ألن هذا هو األصل يف الشريعة يف مثل هذا.
وقد جاء عن ابن عمر رضي اهلل عنهما عن النيب صلى اهلل عليه وسلم أنه قال(( :أحفوا ْالشواربْ
وأعفواْاللحى)) رواه مسلم يف الصحيح .ومعىن ((أعفواْاللحى))؛ اتركوها حت تكثر وتطول.
وجاء أيضا عن ابن عمر رضي اهلل عنهما عن النيب صلى اهلل عليه وسلم أنه قال(( :خالفواْالمشركينْ
َْوفِّرواْاللحىْواحفواْالشوارب)) رواه البخاري يف الصحيح .ومعىن ((وفِّرواْاللحى))؛ اتركوها وافرة،
والتوفري يدل على الكثرة والتمام.
-١الوجه األول :أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال(( :خالفواْالمشركين)) ،خمالفة املشركني يف ستِ ِهم
ودهلِم :واجبة.
-٢واألمر الثاين :أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال(( :وفِّروا))؛ ووفروا أمر ،واألمر املطلق يقتضي
الوجوب.
أيضا جاء عن ابن عمر رضي اهلل عنهما أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال(( :أنهكواْالشواربْوأعفواْ
اللحى)) رواه البخاري يف الصحيح.
المجلس السابع واألخير من فقه اللباس والزينة
وجاء عنه أيضا عن النيب صلى اهلل عليه وسلم أنه قالُّ (( :
حفوا ْالشوارب ْوأوفوا ْاللحى))؛ ومعىن
((أوفوا)) :اتركوها وافية ،واإليفاء :اإلمتام وعدم النقصان.
جزواْالشواربْوأرخواْ
أيضا جاء عن أيب هريرة رضي اهلل عنه عن النيب صلى اهلل عليه وسلم أنه قالُّْ (( :
اللحى؛ْخالفواْالمجوس)) رواه مسلم يف الصحيح.
وجاء أيضا عند مسلم يف بعض رواياته بلفظ(( :أرج ْواْاللحى)) ويف بعضها كما ذكر احلافظ بن حجر
يف الفتح(( :أرجئوا))؛ ومعىن ((أرخوا))؛ أي :أطيلوا اللحاء ،ومعىن ((أرجوا))؛ يعين أخروها فال
متسوها واتركوها .وهذه ألفاظ متنوعة متظافرة وكلها أوامر صحيحة صرحية.
وأماْالشارب :فالشارب يُشرع األخذ منه باتفاق العلماء ،وهو من خصال الفطرة ،وأكثر العلماء على
أن ذلك سنّة.
وقد تقدم معنا قبل قليل األحاديث املتعلقة بإعفاء اللحية ،وفيها األمر جبز الشوارب وإحفاء الشوارب
وحنو ذلك.
وجاء عن أيب هريرة رضي اهلل عنه عن النيب صلى اهلل عليه وسلم أنه قال(( :الفطرةْخمسْ:الختانْ،
واالستحدادْ،وقصْالشاربْ،وتقليمْاألظفارْ،ونتفْاَلباط)) متفق عليه.
مث بعد هذا ،هل ْللمرأة ْأن ْتزيل ْشعر ْوجهها ْغير ْالحاجبين بأي مزيل؟ كأن تزيله بالليزر أو تزيله
باخليوط أو حنو ذلك من املزيالت اليت ال تقوي الشعر وتظهره ،هذاْمحلْخالفْ بني أهل العلم وهو
مبين على :هل النمص خاص بشعر احلاجبني أو يشمل الوجه كله؟
والذي يظهر يل واهلل أعلم :أنه خاص بشعر احلاجبني؛ فيجوز للمرأة أن تأخذ شعر وجهها غري
احلاجبني ،ويُستحب هلا أن تأخذ الشعر النابت مكان شارب الرجل وحلية الرجل؛ فالشعر النابت على
الشفة العليا وعلى الذقن إذا ظهر للمرأة :يُستحب هلا أن تأخذه حت ال تشبه الرجال ،وقد نص على
هذا االستحباب :احلنفية والشافعية .وهذا مشوه خللقتها وجيعلها تشبه الرجال فيُستحب هلا أن تأخذ
هذا الشعر.
المجلس السابع واألخير من فقه اللباس والزينة
والرجل أيضا جيوز له أن يأخذ شعر وجهه غري اللحية واحلاجبني ،وحد اللحية :ما نبت على العارضني
واخلدين والذقن ،فما زاد إىل جهة العيون ،وعلى الوجنتني من أعلى ،وعلى الرقبة ،جيوز للرجل أن
يأخذه.
سن للرجل واملرأة إزالة شعر العان،ة وإزالة شعر اإلبط ،واألفضل نتف شعر
وأما شعر بقية البدن :فيُ ُّْ
اإلبط ،وحلق شعر العانة ،وقد تقدم يف حديث أيب هريرة رضي اهلل عنه أهنا من خصال الفطرة.
وتؤخذ مت احتاج اإلنسان إىل أخذها؛ بعد سبعة أيام ،بعد عشرة أيام ،بعد عشرين يوما ،بعد ثالثني
يوما ،وال ينبغي أن تزيد عن أربعني ليلة؛ فعن أنس بن مالك رضي اهلل عنه قالُ ( :وقت لنا يف قص
الشارب وتقليم األظفار ونتف اإلبط وحلق العانة :أن ال نرتك أكثر من أربعني ليلة) .رواه مسلم يف
الصحيح.
وهذا التوقيت عند كثري من العلماء لإلرشاد ،وذهب بعض أهل العلم للوجوب.
وأما بقية شعور البدن؛ كشعر الصدر واليدين والرجلني فيجوز أخذها ،فإن أخذها اإلنسان رجال كان
أو امرأة ال حرج ،وإن تركها فال حرج .يقول شيخنا ابن باز رمحه اهلل عز وجل يف بيان أقسام شعر
البدن( :القسم الثالث :شعر آخر؛ مثل :شعر السيقان وشعر العضد وشعر البطن وشعر الصدر ،هذا
مل يرد فيه شيء يف ما نعلم؛ فمن تركه فال بأس ،ومن أخذه فال بأس ،من أزاله بشيء فال بأس ،ومن
تركه فال بأس ،فاألمر فيه واسع إن شاء اهلل).
ويقول شيخنا الشيخ ابن عثيمني رمحه اهلل( :الشعور الذي سكت عنها الشارع؛ كالرأس والساق والذراع
وبقية شعور اجلسد ،فيما سكت عنه الشارع فقد قال بعض العلماء إنه منهي عن أخذه ،وقال بعض
العلماء إن أخذه مباح؛ ألنه مسكوت عنه؛ ألن الشرع أمر وهنى وسكت ،فعُلم أن هذا ليس مما ِأمر
به وال مما ُهنِي عنه؛ وهذا األقرب من حيث االستدالل).
ومما يتعلق بالشعر من الزينة :صبغ الشعر ،فصبغ الشعر؛ سواء شعر الرأس أو شعر اللحية أو شعر
الصدر ،صبغه بغري السواد مستحب إذا كان هناك شيب يشوه مرأى اإلنسان ،فإذا كان الشيب ي قبُ ُح
يف النظر فيستحب تغيريه ،أما إذا كان قليال ،أو كان ال يقبح يف النظر ،فال بأس من تركه بدون صبغ.
المجلس السابع واألخير من فقه اللباس والزينة
وجيوز الصبغ بغري السواد ولو مل يكن هناك شيء؛ لو أن املرأة أرادت أن تصبغ شعرها بلون غري لون
شعرها الطبيعي ،ما دام أنه بغري السواد فال حرج.
وأما صبغ الشعر بالسواد فالراجح من أقوال أهل العلم :أنه ال ْيجوز ،ال بأس أن يُصبغ الشعر بلون
يُشبه السواد لكنه ليس بأسود ،يتبني أنه ليس بأسود؛ كاحلناء والكتم معا ،يُصبح اللون قامتا لكن يتبني
أنه ليس بأسود.
قال الشيخ ابن عثيمني رمحه اهلل( :صبغ الشعر إذا كان بالسواد فإن النيب صلى اهلل عليه وسلم هنى
عنه؛ حيث أمر بتغيري الشيب وجتنيبه السواد ،وقال(( :غيِّرواْهذاْالشيبْوجنبوهْالسواد)) ،وورد يف
ذلك أيضا وعيد على من فعل هذا ،وهو يدل على حترمي تغيري الشعر بالسواد ،أما تغيريه من األلوان
حيرم من هذه الناحية).
فاألصل اجلواز ،إال أن يكون على شكل نساء الكافرات أو الفاجرات ،فإنه ُ
أما الصبغ بالسواد يا إخوة فممنوع كما قلنا عند مجهور العلماء ،لكن اجلمهور الذين منعوا منهم من
قال هذا املنع على سبيل الكراهة ،ومنهم من قال هذا املنع على سبيل التحرمي ،والراجح عندي واهلل
أعلم أن هذا املنع على سبيل التحرمي؛ ألن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال(( :غيِّرواْهذاْبشيءْواجتنبواْ
السواد)) كما عند مسلم يف الصحيح.
يف حديث جابر بن عبد اهلل رضي اهلل عنه وعن أبيه أنه قال :أُِت بأيب قحافة -والد أيب بكر الصديق
رضي اهلل عنهما -يوم فتح مكة ،ورأسه وحليته كالث غامة بياضا؛ -أي شديد البياض قد اغرب ،-فقال
صلى اهلل عليه وسلم(( :غيِّرواْهذاْبشيءْواجتنبواْالسواد)).
وعن أيب هريرة رضي اهلل عنه قال :قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم(( :غيِّرواْالشيبْوالْتشبهواْ
باليهود)) رواه الرتمذي وصححه األلباين.
سألت أنسا رضي اهلل عنه هل خضب النيب صلى اهلل عليه
ُ وجاء عن قتادة رضي اهلل عنه أنه قال:
صدغيه .رواه البخاري يف الصحيح.
وسلم؟ قال :ال ،إمنا كان شيء يف ُ
قتادة التابعي اجلليل ،يسأل أنس رضي اهلل عنه :هل صبغ النيب صلى اهلل عليه وسلم؟ فقال أنس رضي
اهلل عنه :ال.
المجلس السابع واألخير من فقه اللباس والزينة
وجاء أيضا عن حممد بن سريين رمحه اهلل أنه قال :سألت أنسا رضي اهلل عنه :أخضب النيب صلى اهلل
عليه وسلم؟ قال :مل يبلغ الشيب إال قليال .رواه البخاري يف الصحيح.
فكان شيب النيب صلى اهلل عليه وسلم قليال ،فلم يصبغ ومل خيضب صلى اهلل عليه وسلم.
وخضب الصحابة رضوان اهلل عليهم ،فقد جاء عن أنس بن مالك رضي اهلل عنه أنه قال :قدم النيب
صلى اهلل عليه وسلم املدينة فكان أسن أصحابه أبو بكر ،فغلفها باحلناء والكتم حت ق نا لوهنا) رواه
البخاري يف الصحيح.
ويف رواية عند مسلم :خضب أبو بكر وعمر باحلناء والكتم.
وعن أيب ذر رضي اهلل عنه عن النيب صلى اهلل عليه وسلم أنه قال(( :إنْأحسنْماْغُْيِّرْبهْالشيبْ:
الحناءْوال َْكْتَم)) رواه الرتمذي والنسائي ،وصححه األلباين.
بقي معنا من الزينة اليت تتعلق بالشعر :ما يسمى بالوصل ،فوصل الشعر بغريه مما يُظن أنه شعر :حرام
ومن كبائر الذنوب.
وقولنا( :مما يظن أنه شعر) ،خيرج ما لو ُو ِضع يف الشعر ما يُعلم أنه ليس بشعر ،يظهر من مادته من
لونه يظهر أنه ليس بشعر ،هذا إذا تزينت به النساء فاألصل يف الزينة اإلباحة ،لكن أن يوضع يف الشعر
ما لو نظر الناظر إليه لظن أنه من الشعر :فهذا حرام ومن كبائر الذنوب؛ وقد جاء عن أيب هريرة رضي
اهلل عنه أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال(( :لعنْاهللْالواصلةْوالمستوصلة)) متفق عليه .فلعن اليت
تصل بنفسها واليت تطلب من غريها أن تصل شعرها.
وعن أساء بنت أيب بكر رضي اهلل عنهما :أن امرأة جاءت إىل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فقالت:
إين أنكحت ابنيت مث أصاهبا شكوى –أي :مرض -فتمرق رأسها -سقط بعض شعرها -وزوجها
يست ِحث ِين هبا -يريد النكاح والدخول -أفأ ِص ُل رأسها؟ فسب رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم الواصلة
واملستوصلة .رواه البخاري.
المجلس السابع واألخير من فقه اللباس والزينة
وعند مسلم ،عن أساء بنت أيب بكر الصديق رضي اهلل عنها وعن أبيها أهنا قالت :جاءت امرأة إىل
رسول اهلل صلى اهلل وعليه وسلم فقالت :يا رسول اهلل إن يل ابنة عُريسا أصابتها حصبة ف تمرق شعرها
فوصل الشعر حبيث يكون
ُ أفأصله؟ فقال صلى اهلل عليه وسلم(( :لعنْاهللْالواصلةْوالمستوصلة))؛
الشعر موجودا لكنه خفيف أو قصري ،فيوصل بشيء يشبه الشعر ويظن أنه شعر :حرام ومن كبائر
الذنوب.
وأما ْالزينة ْالمتعلقة ْبالوجه :فمنها وضع املساحيق على الوجه؛ أن تضع املرأة املكياج على وجهها،
فقد نص الفقهاء املتقدمون على أنه جيوز للمرأة أن ُحتمر وجهها؛ يعين أن تضع لونا يُظهر أن يف وجهها
محرة ،وهذا من اجلمال والزينة.
ونص الفقهاء املعاصرون على جواز وضع املكياجُ ،سئل الشيخ ابن باز رمحه اهلل عن املساحيق اليت
يضعها النساء على وجوههن للزينة فأجاب( :املساحيق فيها تفصيل:
-إن كان حيصل هبا مجال وهي ال تضر الوجه وال تسبب فيه شيئا :فال بأس هبا وال حرج.
-أما إن كانت تسبب فيه شيئا كبقع سوداء أو ُحتدث فيه أضرارا أخرى فإهنا ُمتنع من أجل الضرر).
وقال الشيخ ابن عثيمني رمحه اهلل( :إذا جتملت املرأة ،أو بعبارة أصح إذا مجلت وجهها هبذه املساحيق
واألدهان ،فإن ذلك ال بأس به؛ ألن مثل هذه األمور إذا مل يرد هبا منع من النيب صلى اهلل عليه وسلم،
فاألصل فيها احلل).
ومن ْالزينة ْالمتعلقة ْبالعيون :وضع املرأة للعدسات الالصقة من أجل الزينة ،ويُباح للمرأة أن تضع
العدسات الالصقة للزينة إذا مل تك ِشف عينيها أمام الرجال األجانب.
قال الشيخ ابن عثيمني رمحه اهلل عز وجل عن هذه( :إذا كان أهنا تعطي مجاال فهذا ال بأس به؛ ألن
األصل اإلباحة).
وقال بعض مشاخينا( :تركها أوىل)؛ ومعىن هذا أهنا جتوز لكن تركها أوىل.
المجلس السابع واألخير من فقه اللباس والزينة
يقول شيخنا الشيخ ابن باز رمحه اهلل( :إن كانت للزينة -يعين العدسات -فرتكها أوىل وأحرى) ،لكن
ال شك أهنا ليست حراما ،وال ُحيرم من الزينة إال ما دل الدليل على حرمته.
فيجوز للمرأة أن تضع عدسات الصقة لتظهر أن عينيها مثال زرقاوان أو حنو ذلك ،بشرط أن ال تظهر
هذه الزينة للرجال األجانب.
وقد قال شيخنا الشيخ ابن عثيمني رمحه اهلل( :الرموش الصناعية ال جتوز؛ ألهنا تشبه الوصل؛ أي :وصل
شعر الرأس ،وقد لعن النيب صلى اهلل عليه وسلم الواصلة واملستوصلة).
أيضا :وصل األظفار برتكيب أظفار صناعية وهذا أيضا حرام؛ ألنه يشبه
ومنْالزينةْالمتعلقةْبالوصلْ ً
الوصل ،بل أقبح من الوصل ،فال جتوز.
وأماْإطالةْاألظفار فقد قال بعض أهل العلم :إهنا مكروهة ،وقال بعض الفقهاء :إهنا حرام أن ترتك
أكثر من أربعني يوما بدون قلم؛ وهذا قول قوي.
وأما صبغها بلون جيملها؛ كاحلناء وال سيما إذا احتاجت إىل ذلك فجائز ،جيوز للمرأة أن تصبغ أظفارها
بلون ُجيملها ،ولكن هذا الصبغ على نوعني:
-١نوع بلون ال تكون له مادة متنع الوصول؛ وهذا جائز وال تلزم إزالته عند الوضوء وال عند الغسل،
فلو وضعت حناء على أظافرها أو على أصابعها مع أظافرها ،فإن هذا جائز ،بل أمر حسن.
وقد جاء يف بعض األحاديث -حسن ها بعض أهل العلم -ما يدل على حسن وضع احلناء على أصابع
املرأة.
المجلس السابع واألخير من فقه اللباس والزينة
-٢أما القسم الثاين فهو :الصبغ بلون له مادة ،مثل الذي يسمونه املناكري؛ فهذا جائز ،لكن إذا
جاءت املرأة تتوضأ جيب عليها أن تُزيله كله ما ترتك منه شيئا ،كذلك إذا كانت تغتسل الغسل الواجب
من حيض أو نفاس أو جنابة ،فإهنا جيب عليها أن تزيله.
قال شيخنا الشيخ ابن باز رمحه اهلل عز وجل( :طالء األظفار باحلناء أو غريه مما ُحيسنها ال بأس به إذا
كان طاهرا ليس بنجس وكان رقيقا ال مينع الوضوء والغسل ،أما إذا كان له جسم فال بُد من إزالته عند
الوضوء والغسل؛ لئال مينع وصول املاء إىل حقيقة الظفر ،فاملقصود أن استعمال ما يُزين الظفر من احلناء
وغريه أو ما يسمونه املناكري ال بأس به).
أيضا مما يتعلق بالزينة للنساء ونُسأل عنه كثريا مسألة ثقبْأذنْالبنتْالصغيرة من أجل وضع احللق
فيه للزينة؛ وهذا مباح جائز نص على ذلك فقهاء املذاهب األربعة وغريهم من العلماء ،وهذا ظاهر
فعل السلف من الصحابة يف زمن النيب صلى اهلل عليه وسلم فمن بعدهم ،فمثال يف حديث ابن عباس
رضي اهلل عنهما يف يوم العيد عندما وعظ النيب صلى اهلل عليه وسلم النساء وحثهن على الصدقة ،قال
ابن عباس رضي اهلل عنهما( :فجعلت املرأة تلقي القرط) اللي هو احللق ،فدل على أهنن كن يثقنب
آذاهنن من أجل تعليق احللق .واحلديث عند البخاري يف الصحيح.
وهذا وإن كان فيه أمل ،إال أنه للمنفعة واملصلحة فال بأس به.
طيب ما نراه من بعض نساء املسلمني من أهنن يثقبنْاألنفْلوضعْالزمام هذا ال حرج فيه ويجوز؛
ألن هذا للمنفعة فهو مثل ثقب األذن ،وإذا جرت العادة بتزين املرأة يف أنفها بالزمام فال حرج يف ثقب
األنف من أجل ذلك.
لذلك يقول شيخنا الشيخ ابن عثيمني رمحه اهلل عز وجل( :إذا كانت املرأة يف بلد يعد حتلية األنف زينة
وجتمال ،فال بأس بثقب األنف لتعليق احللية عليه).
أيضا مما يتعلق بفقه الزينة :ما يتعلق بالتحلي؛ بلبس احلُلِي ،والذي عليه مجاهري العلماء من السلف
واخللف :أن املرأة جيوز هلا أن تتحلى بالذهب حملقا أو غري حملق ،نعم خالف بعض العلماء الفضالء
يف مسألة الذهب احمللق لكن هذا القول مرجوح.
المجلس السابع واألخير من فقه اللباس والزينة
جيوز للمرأة أن تتحلى بالذهب غري احمللق إمجاعا ،وجيوز هلا أن تتحلى بالذهب احمللق عند مجاهري
العلماء من السلف واخللف ،وجيوز هلا أن تتحلى بالفضة باإلمجاع ،فصار عندنا ثالثة أمور:
-٣أن تتحلى بالذهب احمللق :مجاهري العلماء على أنه جيوز وهو الراجح ،والذي تدل عليه األحاديث.
فاملرأة من شأهنا احللية ،وقد قال اهلل عز وجل﴿ :أو من يُنشأُ ِيف احلِلي ِة﴾ [الزخرف .]18 :وهذا يشمل
احللية من الذهب وغريه.
وجاء عن علي رضي اهلل عنه كما تقدم معنا أن نبينا صلى اهلل عليه وسلم أخذ حريرا فجعله يف ميينه،
وأخذ ذهبا فجعله يف مشاله ،مث قال(( :إنْهذينْحرامْْعلىْذكورْأمتي)) وتقدم معنا من خرج هذا
احلديث وأن احلديث صحيح.
مفهوم املخالفة من هذا احلديث :أن الذهب حالل إلناث أمة حممد صلى اهلل عليه وسلم مطلقا ،مل
يقيد مبحلق أو غري حملق.
وقد جاء مصرحا بذلك عند النسائي؛ فعن أيب موسى رضي اهلل عنه أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم
وحرم ْعلى ْذكورها)) احلديث كما قلنا عند النسائي
قال(( :أحْ َّْل ْالذهب ْوالحرير ْإلناث ْأمتيِّ ْ ،
وصححه األلباين.
وجاء عن أمنا عائشة رضي اهلل عنها أهنا قالت :ق ِدمت على النيب صلى اهلل عليه وسلم حلية من عند
النجاشي أهداها له ،فيها خات من ذهب فيه فص حبشي ،قالت فأخذه رسول اهلل صلى اهلل عليه
وسلم بعود معرضا عنه ،مث دعا أمامة ابنة أيب العاص ،فقال(( :تحلي ْبهذاْياْبنية)) رواه أمحد وأبو
داود وابن ماجة ،وصححه ابن باز وحسنه األلباين رحم اهلل اجلميع.
وجاء عن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده :أن امرأة أتت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ومعها ابنة
هلا ويف يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب -املسكة هي اإلسوارة ،يعين إسوارتان غليظتان من
المجلس السابع واألخير من فقه اللباس والزينة
ووجه الداللة منه :أن النيب صلى اهلل عليه وسلم ما أنكر عليها لبس اإلسوارتني من الذهب ومها
حملقتان ،وإمنا أهنا ال تزكيهما ،فدل ذلك على جواز لبس املرأة للذهب سواء كان حملقا أو غري حملق
واألدلة كثرية جدًّا ،ال يكفي الوقت لبسطها هنا.
والرجل ْيحرم ْعليه ْأن ْيتزين ْبالذهبْ ،ويجوز ْله ْأن ْيتختم ْبخاتم ْالفضة ،وإذا احتاج إىل اخلات،
فاختاذ خات من الفضة يف حقه سنة.
يقول ابن حزم رمحه اهلل( :واتفقوا على إباحة ختتم الرجال بالفضة).
وقال ابن تيمية رمحه اهلل( :أما خات الفضة فيباح باتفاق األئمة).
وقد فعله النيب صلى اهلل عليه وسلم؛ فعن أنس بن مالك رضي اهلل عنه :أن نيب اهلل صلى اهلل عليه
وسلم أراد أن يكتب إىل رهط أو أناس من األعاجم ،فقيل له :إهنم ال يقبلون كتابا إال عليه خات،
فاختذ النيب صلى اهلل عليه وسلم خامتا من فضة ،ن ق ُشهُ :حممد رسول اهلل ،قال :فكأين بِوبِ ِ
يص اخلات يف
أصبع النيب صلى اهلل عليه وسلم أو يف كفه .متفق عليه.
فالنيب صلى اهلل عليه وسلم اختذ خامتا من فضة ،وكان يُرى ملعان اخلات يف يده صلى اهلل عليه وسلم.
أيضاْأنْيتختمْبالجواهرْالكريمة.
ويجوزْللرجلْ ً
قال ابن حزم رمحه اهلل عز وجل( :واتفقوا على إباحة حتلي النساء باجلوهر والياقوت ،واختلفوا يف ذلك
للرجال ،إال يف اخلات فإهنم اتفقوا على أن التختم هلم جبميع األحجار مباح ،من الياقوت وغريه).
وجيوز للرجال والنساء اختاذ خات من حديد ،لكن األوىل ترك هذا ،وأن يتنزه املسلم عن هذا.
المجلس السابع واألخير من فقه اللباس والزينة
قال شيخنا ابن باز رمحه اهلل( :ال بأس من لبس اخلات من احلديد للرجل واملرأة).
وقال ابن عثيمني رمحه اهلل( :اخلات من احلديد اختلف فيه أهل العلم ،فمنهم من كرهه ومنهم من أجازه
وأظن أن بعضهم حرمه؛ ألن النيب صلى اهلل عليه ذكر أنه من حلية أهل النار ،ومثل هذا الوصف
يقتضي أن يكون حراما ولكن احلديث اختلف العلماء يف صحته ،وقد جاء يف الصحيحني أن النيب
صلى اهلل عليه قال للرجل الذي أراد أن يتزوج املرأة اليت وهبت نفسها للنيب صلى اهلل عليه وسلم:
خاتماْمنْحديد)) ،وهذا يدل على أن اخلات من احلديد جائز- .قال الشيخ :-فمن
((التمسْولوْ ً
تنزه عنه فهو أوىل ،ويف غريه من املعادن كفاية).
واحلديث الذي أشار إليه الشيخ ما جاء عن سهل بن سعد رضي اهلل عنه أن امرأة عرضت نفسها على
النيب صلى اهلل عليه وسلم فقال له رجل :يا رسول اهلل ،زوجنيها .قال(( :ماْعندك؟)) قال :ما عندي
خاتماْمنْحديد)) متفق عليه.
شيء .قال(( :اذهبْفلتمسْولوْ ً
واملرأة إذا ختتمت هلا أن تضع خامتها يف أي أصبع من أصابعها باتفاق العلماء.
سن له أن يضعه يف خنصر يده اليسرى أو اليمىن ،ويكره للرجل أن يتختم يف الوسطى
أما الرجل فيُ ُّْ
والسبابة.
قال النووي رمحه اهلل( :وأمجع املسلمون على أن السنة :جعل خات الرجل يف اخلنصر ،وأما املرأة فإهنا
تتخذ خواتيم يف األصابع كلها) .وقال( :وأما احلكم يف املسألة عند الفقهاء :فأمجعوا على جواز التختم
يف اليمني ،وعلى جوازه يف اليسار ،وال كراهة يف واحد منهما ،واختلفوا أيتهما أفضل ،فتختم كثريون
من السلف ،يف اليمني وكثريون يف اليسار).
وقد جاء عن أنس رضي اهلل عنه أنه قال( :كان خات النيب صلى اهلل عليه وسلم يف هذه؛ وأشار إىل
اخلنصر من يده اليسرى) .رواه مسلم.
وجاء أيضا عن أنس بن مالك رضي اهلل عنه( :أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم لبس خات فضة يف
ميينه) .أيضا رواه مسلم يف الصحيح .فدل على جواز هذا وهذا.
المجلس السابع واألخير من فقه اللباس والزينة
وجاء عن علي رضي اهلل عنه أنه قال( :هناين رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أن أختذ يف إصبعي هذه
أو هذه ،وأومأ إىل الوسطى واليت تليها) .رواه مسلم يف الصحيح .وهذا حممول عند العلماء على
الكراهية.
وأختم ما يتعلق بالتحلي باحللي :أنه ال ْيجوز ْالتحلي ْبصور ْذوات ْاألرواح وال بالتماثيل اجملسمة؛
كصورة حيوان كفراشة أو زرافة أو غزالة أو حنو ذلك.
وقد جاء عن عائشة رضي اهلل عنها :أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال(( :إن ْأصحاب ْهذهْ
الصور ْيوم ْالقيامة ْيعذبونْ ،يقال ْلهم ْأحيوا ْما ْخلقتمْ ،إن ْالبيت ْالذي ْفيه ْالصور ْال ْتدخلهْ
المالئكة)) متفق عليه.
هذا يا إخوة ويا أخوات الفاضالت ما تيسر مجعه وإيراده ،وأكرر اعتذاري لإلخوة عما حصل باألمس
من عدم قدرت على إلقاء الدرسني مع استعدادي لذلك وحرصي عليه لكن ضعف الشبكة -ضعف
اإلنرتنت -من القدرة على ذلك.
وهلم علي حق االعتذار ألهنم من الناس من فرغ نفسه للدورة وكانوا ينتظرون ،لكن شاء اهلل عز وجل،
وسبحان اهلل كان يف خمططي أن تكون املادة العلمية للدورة يف سبعة جمالس ،ويكون اجمللسان األخريان
يف اجإبة األسئلة.
فاحلمد هلل حصل لنا سبعة جمالس ألقينا فيها املادة العلمية للدورة .وأسأل اهلل عز وجل أن يكون فيما
ذكرنا فائدة ومنفعة للمسلمني واملسلمات.
وبقيت األسئلة ،سأرتب مع اإلخوة إن شاء اهلل عز وجل وقتا حبيث إن شاء اهلل جنيب فيه عن األسئلة
اليت وصلتين ،ويعلن اإلخوة عنه قبل وقت كاف بإذن اهلل.
أسأل اهلل عز وجل أن يتقبل مين ومنكم ما قدمنا ،وأن جيزيكم خري اجلزاء على استماعكم وحرصكم،
وطلبكم للخري وأن يفقهنا مجيعا يف دينه وأن يشرح صدورنا ملا حيب ويرضى ،واهلل تعاىل أعلى وأعلم،
والسالم عليكم ورمحة اهلل وبركاته.
ــــــ
المجلس السابع واألخير من فقه اللباس والزينة