Professional Documents
Culture Documents
2341هـ 2344-هـ
الفصل األول
1
مقدمــة
الحمد هلل رب العالمين والصالة والسالم على سيد المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبة
أجمعين .
إن من الموضوعات الجليلة واألمور المهمة التي يحتاجها كل مسلم ما يتعلق بعمل المسلم
في يومه وليلته وال ريب أن ذكر اهلل ودعاءه هو خير ما أمضيت فيه األوقات وصرفت فيه
األنفاس ,وهو من أجلّ المقاصد و أنفع األعماا المقرّباة إلاى اهلل لعاالى ,وقاد أمار اهلل باه
في القرآن الكريم في مواطن كثيارة ورّّاب فياه ,وماد أهلاه وأىناى علايهم أاسان الثنااء
وأطيبه يقو اهلل لعالى (يَا أَيُهَا اَلذِينَ آمَنُوا ا ْذكُرُوا اللَهَ ِذكْرًا كَثِيرًا) األااااب 32وقاا (وَالاذَاكِرِينَ اللَاهَ كَثِيارًا
ت َأ َعدَ اللَاهُ لَهُام َمغْفِا َرةً وََأجْارًا َعيِيمًاا) األااااب ,43وهاو مفتاا لكال خيار ينالاه العباد فاي الادنيا وَالذَاكِرَا ِ
واآلخرة.
ومن يتأمل السَنة المباركة والهدي النبوي الكاريم يجاد أن النباي قاد بايّن ألمتاه أذكااراَ
للصبا والمساء واث عليها ؛ ورّب بها ؛ لما فيهاا مان الريار والنفاع والبركاة والفوا اد
الحميدة والنتا ج العييمة واريّ بالمسلمة أن لكون محافية على هذه األذكار العييمة .
وسوف نتناو في هذا الفصل الدراسي ـ بإذن اهلل ـ شر ألذكار الصبا والمساء مع بيان
ما يتيسر من اكمها وداللتها القويمة ومعانيها الجليلة .
نسـأ سبحانه ولعالى أن يوفقنا وإياكم لكل خير يحبه وبرضــاه .
سا ليــن المولى التوفيق والسداد .
*نأمل من المعلمة لحفيا الطالبات ولشجيعهن على افظ الذكر بعد شراه لهن لتتأكد الفا دة المرجوة .
*كما نأمل إجراء مسابقة في نهاية الفصل لمن افيت جميع األذكار .
2
الدرس األول
مسائل تتعلق بأذكار الصباح والمساء
}()4
قال اهلل سبحانه { ...وَالذاكِرِينَ اللَهَ كَثِيراً وَالذاكِرَاتِ أَعَدَ اللَهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيما
قال ابن الصالح :إذا واظب على األذكار المأثورة المثبتة صباحاً ومساءً في األوقات واألحوال
المختلفة ليالً ونهاراً ,كان من الذاكرين اهلل كثيراً والذاكرات ()5
_____________________________________________________
( )2حسن صحيح (الجامع الصغير ) رقم .3143 ( )1سورة األحزاب (.)12 ، 11
( )3الوابل الصيب ـ مقدمة المحقق بشير عيون ص )1( 1سورة األحزاب ()33
( )3األذكار للنووي ص .7
أهمية حضور القلب والتفكر في معاني األذكار :
قال النووي :المراد من الذكر :حضور القلب ,فينبغي أن يكون هو مقصود الذاكر ,فيحرص على
تحصيله ويتدبر ما يذكُر ,ويتعقلُ معناه ,فالتدبر في الذكر مطلوب كما هو مطلوب في القراءة
3
الشتراكهما في المعنى المقصود ,ولهذا كان المذهب الصحيح المختار استحباب مدِ الذاكر قول :ال إله
إال اهلل ,لما فيه من التدبر)1( .
وأذكار الصباح والمساء :إذا تواطأ عليها القلب واللسان ,وقالها صاحبُها بصدق ويقين وحضور
قلب وحسن ظن باهلل سبحانه ,وتفكَر في معانيها العظيمة ,ومقاصدها الجليلة فإنها تنفع قائلها ,
وتحفظه ,وتدفع عنه الشرور حتى قال ابن القيم :أفضل الذكر وأنفعه :ما واطأ فيه القلب اللسان ,
وكان من األذكار النبوية ,وشهد الذاكر معانيه و مقاصده )2(.
قوة األذكار تدفع وقوع البالء :
من البالء الذي تدفعه األذكار :العين ,وقد عرفها ابن القيم :بأنها سهام تخرج من نفس الحاسد
والعائن نحو المحسود والمعين ,تصيبه تارة وتخطئة تارة ,فإن صادفته مكشوفاً ال وقاية عليه أثرت
فيه وال بُدّ ,وإن صادفته حذراً شاكي السالح ال منفذ فيه للسهام لم تؤثر فيه ,وربما ردت السهام على
صاحبها ,وهذا بمثابة الرمي الحسي سواء ,فهذا من النفوس واألرواح ,وذاك من األجسام و األشباح
)3(.
ومن جرب هذه الدعوات والعوذ :عرف مقدار منفعتها وشدة الحاجة إليها ,وهي تمنع وصول أثر
العائن ,وتدفعه بعد وصوله بحسب قوة إيمان قائلها ,وقوة نفسه واستعداده ,وقوة توكله ,وثبات قلبه
,فإنها سالح ,والسالح بضاربه ()4
قال اإلمام العالمه ابن باز رحمه اهلل :وهذه األذكار والتعوذات من أعظم األسباب في إتقاء شر السحر
قبل وقوعه وكذا غيره من الشرور لمن حافظ عليها بصدق وإيمان وثقة باهلل واعتماد عليه وانشراح
صدر لما دلت عليه ,وهي أيضًا من أعظم السالح لدفع الشر بعد وقوعه مع اإلكثار من الدعاء (.)5
قال ابن القيم رحمه اهلل :األدعية والتعوذات كالسالح ,والسالح بضاربه ,ال بحده فقط ,فمتى كان
السالح سالحاً تاماً ال آفة به ,والساعد ساعد قوي ,والمانع مفقود ,حصلت به النكاية في العدو ,
ومتى تخلف واحد من هذه الثالثة تخلف التأثير ,فالتعوذات واألذكار - :إما أن تمنع وقوع هذه
األسباب ,وإما أن تحول بينها وبين كمال تأثيرها بحسب التعوذ وقوته وضعفه (.)6
______________________________________________________
( )3زاد المعاد 167/1 ()2الفوائد ص .272 ( )1األذكار النووي
( )1زاد المعاد )3( .174-167/1مجموع الفتاوى 63 / 26باختصار .
1
( )6زاد المعاد ،182 /1الجواب الكافي ص.22
الدرس الثاني
الدعاء يرد القضاء :
أذكار الصباح والمساء :هي جملة من األدعية والتعوذات ,والدعاء يرد القضاء ,فقد يقضي اهلل
القضاء ويجعل له سببا يمنع وقوعه ومنه الدعاء )1(.
قال النووي رحمه اهلل :الدعاء سبب لرد البالء ووجود الرحمة ,وكما أن التُرس سبب لدفع السالح ,
والماء سبب لخروج النبات من األرض ,فكما أن التُرس يدفع السهم فيتدافعان فكذلك الدعاء والبالء
,وليس من شرط االعتراف بالقضاء أن ال يحمل السالح,فقد قال اهلل تعالىَ {:ولْ َيأْخُذُوا اِذْرَهُمْ
سلِحَتَهُمْ } ( )2فقدَر اهلل األمر وقدَر سببه )3(.
وَأَ ْ
______________________________________________________
( )2سورة النساء (.)142 ( )1الباب المفتوح البن عثيمين . 13 /3
( )1مجموعة الفتاوى .72 / 26 ( )3األذكار ص .312
( )3رواه مسلم برقم ()278
3
فهذا الوقت الذي دخل فيه أبو وائل رحمه اهلل ومن معه على عبد اهلل بن مسعود رضي اهلل عنه وقت
مبارك وثمين للغاية :وهو وقت ذكر اهلل ,وجدّ ونشاط وهمة في الخير ,إال أن كثيراً من الناس
يهملونه ويفرطون فيه فهو ضائع إما في النوم ,أو في الكسل والفتور ,أو بشغله في التوافه من
األمور ,مع أن أول اليوم بمنزلة شبابه ,وآخره بمنزلة شيخوخته ..من امسك بزمام اليوم وهو أوله
,سَلِمَ له يومه كلُه بإذن اهلل وأُعين فيه على الخير وبورك له فيه ,وهذا المعنى مستفاد من أثر ابن
مسعود المتقدم ,فإنه رضي اهلل عنه لما تحقق له حفظ أول اليوم بالذكر قال ( :الحمد اهلل الذي أقالنا
))1(. يومنا ولم يهلكنا بذنوبنا
بل إن المحافظة على الذكر في هذا الوقت يعطي الذاكر همة وقوة ونشاطاً في يومه كله ,يقول ابن
القيم :حضرت شيخ اإلسالم ابن تيمية مرة صلى الفجر ,ثم جلس يذكر اهلل تعالى إلى قريب من
انتصاف النهار ,ثم التفت إلي وقال :هذه غدوتي ,ولو لم أتغذ هذا الغذاء سقطت قوتي ,أو كالماً
قريباً من هذا )2(.
ونظراً ألهمية هذا الوقت وعظم بركته ,وكثرة ما فيه من خير ,فإن السلف – رحمهم اهلل – كانوا
يكرهون النوم فيه ,قال ابن القيم :ومن المكروه عندهم -أي السلف رحمهم اهلل – النوم بين صالة
الصبح وطلوع الشمس ,فإنه وقتُ غنيمة ,وللسير عند السالكين مزيّة عظيمة ,حتى لو ساروا طول
ليلهم لم يسمحوا بالقعود عن السير ذلك الوقت حتى تطلع الشمس ,فإنه أول النهار ومفتاحه ,ووقت
نزول األرزاق ,وحصول القسم ,وحلول البركة )3(.
______________________________________________________
من قالها حين يصبح أُجير من الجن حتى يمسي ,ومن قالها حين يمسي أُجير منهم حتى فضلها :
()2 يصبح.
هذه اآلية أعظم آية في كتاب اهلل ,فقد سأل النبي صلى اهلل عليه وسلم أُبي بن كعب رضي اهلل عنه:
(أيُ آية أعظم في كتاب اهلل ؟) قال :آية الكرسي ,فضرب على صدره ,وقال :ليهنك العلم أبا المنذر )()3
أي ليكن العلم هنيئاً لك .
الشرح :هذه اآلية الكريمة إنما كانت بهذه المنزلة لعظم ما دلت عليه من توحيد اهلل وتمجيده وحسن
الثناء عليه ,وذكر نعوت جالله وكماله ,فتضمنت من أسماء اهلل خمسة أسماء ,وتضمنت من الصفات
ما يزيد على العشرين صفة للرب تبارك وتعالى.
قال ابن تيمية :وليس في القرآن آية واحدة تضمنت ما تضمنته آية الكرسي )4(.
وقد اشتملت هذه اآلية العظيمة على عشر جمل مستقلة -:
الّلهُ الَ إِلَهَ إِالَ هُوَ ُ :بدئت اآلية بذكر تفرد اهلل باأللوهية ,فهو سبحانه ال معبود بحق إال هو ,و
طلُ وَأَنَ اللَهَ
ألوهية غيره وعبادة غيره باطلة { :ذَلِكَ بِأَنَ اللَهَ هُوَ الْحَقُ َوأَنَ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَا ِ
هُوَ الْعَِليُ الْكَبِيرُ }الحج62
حيُ ا ْلقَيُومُ :جمعُ هذين االسمين في غاية المناسبة ,وذلك أنهما محتويان على جميع صفات الْ َ
الكمال ,فكمال األوصاف في الحي ,وكمال األفعال في القيوم .
حيّ :هو كامل الحياة ,وذلك يتضمن جميع الصفات الذاتية هلل كالسمع والبصر والعلم والعزة فالْ َ
والقدرة والكبرياء والعظمة وغيرها من صفات الذات المقدسة.
الْقَيُومُ :القائم على نفسه فال يحتاج إلى أحد من خلقه ,والقائمُ سبحانه على غيره فكلُ أحدٍ من خلقه
محتاجٌ إليهِ ,فهو سبحانه رازق البريات قاضي الحاجات ,مُرّج الكربات ,فهذا يرزقه وهذا يشفيه ,
وهذا يطلب منه النصر والعزّة وذاك يطلب الهداية )5( .
______________________________________________________
البقرة .233 ()1
رواه الحاكم . ()2
رواه مسلم . ()3
مجموع الفتاوى . 123 / 11 ()1
ابن عثيمين ()3
7
الَ َتأْخُ ُذهُ سِ َنةٌ وَالَ نَوْمٌ :أي ال يعتريه نعاس وال نوم ,ألن السنة والنعاس إنما يعرضان للمخلوق
الذي يعتريه الضعف والعجز ,وال يعرضان لذي العظمة والكبرياء والجالل .
ألرْضِ :إخبار بأن الجميع عبيده ,وفي ملكه وتحت قهره وسلطانه , سمَاوَاتِ َومَا فِي ا َ َلهُ مَا فِي ال َ
ويتفرع على كون الملك هلل أال نتصرف في ملكه إال بما يرضاه ,ومنها :تسليةُ اإلنسان عند المصائب
,ورضاه بقضاء اهلل وقدره ,ألنه متى علم أن الملك هلل وحده رضي بقضائه ,وسلَم.
مَن ذَا الَذِي يَشْفَعُ عِنْ َدهُ إِالَ ِبإِذْ ِنهِ :هذا من عظمته وجالله وكبريائه عز وجل أنه ال يتجاسر أحد
على أن يشفع ألحد عنده إال بإذنه في الشفاعة { وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَا مِنْ
بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى } )1(.
َيعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْ َفهُمْ :إخبار عن علمه الواسع المحيط بجميع الكائنات ماضيها وحاضرها
ومستقبلها .
شيْءٍ مِنْ عِ ْل ِمهِ إِالَ ِبمَا شَاء :لها معنيان - : وَالَ يُحِيطُونَ بِ َ
-ال يحيطون بشيء من علمه ,أي :ال يعلمون عن اهلل سبحانه من أسمائه وصفاته وأفعاله إال بما شاء
أن يعلمهم إياه فيعلمونه .
-وال يحيطون بشيء من معلومه -أي مما يعلمه في السماوات واألرض -إال بما شاء أن يعلمهم إياه
فيعلمونه .
ألرْضَ :هذا بيان لعظمة اهلل بذكر عظمة مخلوقاته ,فإذا كان الكرسي سمَاوَاتِ وَا َ وَسِعَ ُكرْسِ ُيهُ ال َ
وهو مخلوق من مخلوقاته وسع السماوات واألرض فكيف بالخالق الجليل؟! وقد شمل وأحاط الكرسي
السماوات واألرض .
والكرسي :هو موضع قدمي الرب سبحانه وهو بين يدي العرش كالمقدمة له ,والعرش فوق
المخلوقات وهو أعلى المخلوقات .
قال صلى اهلل عليه وسلم ( ما السماوات السبع واألرضون بالنسبة للكرسي إال كحلقة ألقيت في فالة من
األرض ,وإن فضل العرش على الكرسي كفضل الفالة على تلك الحلقة ) ()2
ظهُمَا :أي ال يثقله حفظ السموات واألرض لكمال عظمته واقتداره ,فالسماوات وَالَ يَؤُو ُدهُ حِ ْف ُ
واألرض تحتاج إلى حفظ ,ولوال حفظ اهلل لفسدتا لقوله {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن
زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا } ()3
______________________________________________________
النجم (. )26 ()1
رواه ابن حبان . ()2
فاطر (. )11 ()3
8
وَهُوَ ا ْلعَِليُ :له العلو المطلق :
أ -علو القدر :معناه أن اهلل ذو قدر عظيم ,ال يماثله أحد من خلقه ,وال يعتريه معه نقص.
ب -علو القهر :معناه أن اهلل قهر جميع المخلوقات ,فال يخرج أحد منهم عن سلطانه.
ج -علو الذات :معناه أن اهلل بذاته فوق عرشه .
ا ْل َعظِيم :الجامع لجميع صفات العظمة والكبرياء ,الذي تحبه القلوب وتعظمه األرواح.
وفي قوله ( وَهُوَ الْعَِليُ الْعَظِيم ) التحذير من الطغيان على الغير,ولهذا
قال تعالى { :فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَالَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَ سَبِيالً إِنَ اللّهَ كَانَ عَلِيًا كَبِيرًا })1(.
فإذا كنت متعالياً في نفسك فاذكر علو اهلل عز وجل ,وإذا كنت عظيماً في نفسك فاذكر عظمة اهلل ,وإذا
كنت كبيراً في نفسك فاذكر كبرياء اهلل ()2
____________________________________________
( )1النساء ()31
( )2تفسير القرآن العظيم البن كثير ، 343/1تيسير الكريم الرحمن البن سعدي ، 313/1تفسير البقرة البن عثيمين ، 233/3
فقه األذكار للبدر . 37/3
3
الدرس الرابع
صمَدُ*لَمْ َيلِدْ َولَمْ يُولَدْ* َولَمْ َيكُن لَهُ كُفُواً أَحَد }(سورة
ِبسْمِ اهللِ الرَحْمنِ الرَحِيمِ { ُقلْ هُوَ اللَهُ أَحَدٌ*اللَهُ ال َ
سقٍ إِذَا وَقَبَ* شرِ غَا ِ
خَلقَ*وَمِنْ َ اإلخالص) ِبسْمِ اهللِ الرَحْمنِ الرَحِيمِ { قُلْ أَعُوذُ ِبرَبِ الْ َفَلقِ*مِنْ شَرِ مَا َ
{ حسَدَ }(سورة الفلق ) ِبسْمِ اهللِ الرَحْمنِ الرَحِيمِ شرِ حَاسِدٍ إِذَا َ شرِ النَفَاثَاتِ فِي ا ْلعُقَدِ* َومِنْ َ
َومِنْ َ
شرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ*الَّذِي يُوَسْ ِوسُ فِي صُدُو ِر ُقلْ أَعُوذُ ِبرَبِّ النَّاسِ* َمِلكِ النَّاسِ*ِإلَهِ النَّاسِ*مِنْ َ -2
ثالث مرات في الصباح والمساء النَّاسِ*مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَاسِ}(سورة الناس
شيء()1فضل هذه السورة :من قالها ثالث مرات حين يصبح وحين يمسي كفته من كل
وقد كان صلى اهلل عليه وسلم يتعوذ من أعين الجان وعين اإلنسان ,فلما نزلت المعوذتان أخذ بهما
وترك ما سواهما )2(.
ي من قال الشوكاني :وفي الحديث دليل على أن تالوة هذه السور عند المساء وعند الصباح تكفي التاَِل َ
كل شيء يخشى منه كائن ًا من كان )3(.
(سبب تسمية هذه السور بالمعوذات :من باب التغليب ,كما يقال األسودان :التمر والماء,
والقمران :الشمس والقمر) .
سبب تسمية سورة (اإلخالص) بهذا االسم :قال ابن األثير :سميت بذلك ألنها خالصة في صفة اهلل
تعالى وتقدس أو أن قارئها قد أخلص التوحيد هلل عز وجل ,وقد نزلت عندما قال المشركون للرسول
صلى اهلل عليه وسلم :صف لنا ربك؟فأنزل اهلل (قل هو اهلل أحد ,اهلل الصمد ,لم يلد ولم يولد,ولم
يكن له كفواً أحد).
قُلْ :الخطاب لرسول صلى اهلل عليه وسلم وألمته أيضاً .
ُقلْ هُوَ اللَهُ أَحَدٌ :أي واحد في ربوبيته و ألوهيته وأسمائه وصفاته .
اللَهُ الصَمَدُ المقصود في جميع الحوائج ,الكامل في صفاته ,فجميع الخلق مفتقرون إليه غاية االفتقار
يسألونه حوائجهم ,ويرغبون إليه في مهماتهم .
لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ :لكمال غناه سبحانه وتعالى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1رواه أبو داود )2( .حديث صحيح رقم( 1342صحيح الجامع الصغير ) .
( )3تحفة الذاكرين ص. 78
()1 وَلَمْ يَكُن لَهُ كُفُواً أَحَد :ليس له مثيل ال في أسمائه وال في صفاته وال في أفعاله.
14
{ ُقلْ أَعُوذُ بِرَبِ الْفَلَقِ } { ُقلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ }
فضلها :قال صلى اهلل عليه وسلم ( ما تعوذ متعوذ بمثلهما ))2( .
قال ابن القيم رحمه اهلل :حاجة العبد إلى االستعاذة بهاتين السورتين أعظم من حاجته إلى ال َنفَس
والطعام والشراب واللباس )3(.
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب –رحمه اهلل تعالى : -
-سورة الفلق :استعاذة باهلل من الشرور الخارجية ,مثل كيد الجن واإلنس والحيوانات المؤذية .
-و سورة الناس :استعاذة باهلل من الشرور الداخلية ,كالوسواس واألمراض .
{ قُلْ أَعُو ُذ ِبرَبِ الْفََلقِ }:
أَعُوذ :أصل كلمة عوذ :قيل :إنها مأخوذة من لزوم المجاورة ,فالعرب تقول لَلحْ ِم إذا لصق بالعظم فلم
يتخلص منه (عوذ) ألنه اعتصم به واستمسك به ()4
فاالستعاذة :هي االلتجاء واالعتصام باهلل من الشرور ,واالستعاذة تعظيم هلل عز وجل ,ألن المستعيذ
يشعر بالخوف فيلجأ إلى المستَعاذُ به حتى يقيه ويحفظه ,وهذا هو التعظيم بعينه ,والتعظيم عبادة
()5
والحياة مليئة باآلفات والمكاره ,ولكل مخلوق أعداء من الجن واإلنس ,وال غنى ألي مخلوق من
االحتماء بجناب اهلل .
الْفَلَقِ :الفلق :الصبح ,سمي (فلق ) ألنه ينفلق عنه الظالم ,رب الفلق :هو اهلل سبحانه { فَالِقُ
اإلِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّ ْيلَ سَكَنًا })6( .
قال العلماء :كأن فيه إشارة إلى أن الذي يجلو الظلمات ويكشفها هو القادر على كشف ظلمات المرض
والكرب .
قُلْ أَعُو ُذ ِبرَبِ الْفََلقِ :أي التجأ واعتصم برب الصباح .
شرِ مَا خََلقَ :االستعاذة من كل شر :إنسيا أو جنياً أو دابة أو ريحاً أو صاعقة أو ناراً أو هواء , مِنْ َ
ومن كل شر في الدنيا واآلخرة ,وليس المراد االستعاذة من شر كل ما خلقه اهلل ,فإن الجنة وما فيها
ليس فيها شر ,وكذلك المالئكة واألنبياء فإنهم خير محض ,والخير كله حصل على أيديهم .
سقٍ إِذَا َوقَبَ -:الغاسق هو ظالم الليل ,أو القمر إذا ظهر ,وكال المعنيين صحيحان , شرِ غَا ِ َومِنْ َ
أي :يستعاذ من شر ما يكون في ظالم الليل الذي تنتشر فيه الشياطين والحيوانات المؤذية .
_______________________________________
( )1تيسير العزيز المنان البن سعدي ، 686/6تفسير جزء عم البن عثيمين ص )2( . 333رواه أبو داود .
( )1التفسير القيم البن القيم ص 338 ( )3بدائع الفوائد . 133 /2
( )6اإلنعام ()36 ( )3( )1فوائد على كتاب التوحيد البن جبرين ص .12
11
قال اإلمام ابن القيم رحمه اهلل :الليل هو محل الظالم ,وفيه تتسلط شياطين اإلنس والجن ماال
تتسلط بالنهار ,فإن النهار نور ,والشياطين إنما سلطانهم في الظلمات والمواضع المظلمة وعلى أهل
الظلمة ,ولهذا كان سلطان السحر وعظم تأثيره إنما هو بالليل دون النهار ,فالسحر الليلي عندهم هو
السحر القوي التأثير ,ولهذا كانت القلوب المظلمة هي محال الشياطين وبيوتهم ومأواهم ,والشياطين
تجول فيها وتتحكم كما يتحكم ساكن البيت فيه ,وكلما كان القلب اظلم كان للشيطان أطوع .
ومن هنا تعلم السر في االستعاذة برب الفلق في هذا الموضع ,فإن الفلق :هو الصبح الذي هو
مبدأ ظهور النور ,وهو الذي يطرد جيش الظالم وعسكر المفسدين في الليل ,فيأوي كل خبيث ومفسد
وكل لص وكل قاطع طريق إلى سرب أو كِنّ أو غار ,وتأوي الهوام إلى جحورها ,والشياطين التي
انتشرت بالليل إلى أمكنتها ومحالها ,فأمر اهلل عباده أن يستعيذوا برب النور الذي يقهر الظلمة ويزيلها ,
ولهذا ذكر اهلل في كل كتاب أنه يخرج عباده من الظلمات إلى النور ,ويدع الكفار في ظلمات كفرهم
قال تعالى { :اللّهُ وَِليُ الَذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِنَ الظُلُمَاتِ إِلَى النُوُرِ} ()1
فاإليمان كله نور ,ومآله إلى نور ,ومستقره في القلب المضيء المستنير ,والمقترن بأهل األرواح
المستنيرة المضيئة المشرقة ,والكفر و الشرك كله ظلمة ,ومآله إلى الظلمات ومستقره في القلوب
المظلمة ,والمقترن بأهله األرواح المظلمة (. )2
ن على سحرهن بالنفث في العُ َقدْ شرِ النَفَاثَاتِ فِي ا ْلعُقَدِ :أي ومن شر السواحر ,الالتي يَسْ َت ِع َ َومِنْ َ
ها على السحر () 3 التي يَعْ ِقدْ َن َ
شرِ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ :الحاسد هو الذي يتمنى زوال النعمة عن الغير ,والحسد أعظم الخصال َومِنْ َ
المذمومة ألن فيه اعتراضاً على اهلل ,وفيه إساءةٌ إلى الخلق.
قال ابن القيم :وتأمل تقييده شر الحاسد بقوله ( إِذَا حَسَدَ ) ألن الرجل قد يكون عنده حسد ولكن يخفيه ,
وال يترتب عليه أذى بوجه ما ,ال بقلبه وال بلسانه وال بيده ,بل يجد في قلبه شيئا من ذلك ,وال يعامل
أخاه ,إال بما يحب اهلل ,فهذا ال يكاد يخلو منه أحد إال من عصمة اهلل ()4
ويدخل فيه العائن الذي يصيب بنظرته ,ألن اإلصابة نوع من الحسد ,فنستعيذ باهلل من هذه الشرور .
___________________________________________________
( )1البقرة ()237
( )2التفسير القيم البن القيم ص364
( )3تيسير الكريم الرحمن البن سعدي ص 337
( )1التفسير القيم ص383
12
الدرس الخامس
{ قُلْ أَعُو ُذ ِبرَبِّ النَّاسِ مَِلكِ النَّاسِ إَِلهِ النَّاسِ}.
قُلْ أَعُوذُ :هذه السورة مشتملة على االستعاذة -:
ِبرَبِّ النَّاسِ :ذكر سبحانه ربوبيته للناس المتضمنة لتدبيرهم و تربيتهم وإصالحهم ,وجلب
مصالحهم وما يحتاجون إليه .
مَِلكِ النَّاسِ :إضافةُ المُلك :فهو ملكهم المتصرف فيهم وهم عبيده ومماليكه الذي إليه مفزعهم عند
الشدائد .
إَِلهِ النَّاسِ :إضافة األلوهية ,فهو إلههم الحق ليس لهم معبود سواه .
وهذه اآليات الثالث يمكن أن يُقال :إنها استوعبت أقسام التوحيد ( بِ َربِّ النَّاسِ ) توحيد الربوبية ( َملِكِ
النَّاسِ ) توحيد األسماء والصفات ,ألن الملك ال يستحق أن يكون ملكاً إال بتمام أسمائه وصفاته ( ,إِلَهِ
النَّاسِ ) توحيد األلوهية (.)1
شرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ* الَّذِي يُوَسْ ِوسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ :
مِنْ َ
من الشيطان الذي هو أصل الشرور كلها ومادتها ,الذي من فتنته وشره أنه يوسوس في صدور الناس
,فيحسِن لهم الشر ,ويريهم إياه في صورة حسنة ,ويُنشِط إرادتهم لفعله ,ويُقبِح لهم الخير ,و
يُثبِطهم عنه ,وهو دائماً بهذه الحال يوسوس و يخنس أي :يتأخر إذا ذكر العبد ربه واستعان به على
دفعه .
مِنَ الْجِ ّنَةِ وَالنَاسِ :والوسواس كما يكون من الجن يكون من اإلنس ()2
والرب سبحانه متصف بالقوة والعزة ,من اعتصم به لم يصله أذى احد ,وتخلف عنه الضرر ولو مع
وجود أسبابه .
(أَصْـبَحْنا وَأَصْـبَحَ المُـلْكُ هلل ,وَالحَمدُ هلل ,ال إلهَ إالّ اللّهُ وَحدَهُ ال شَريكَ لهُ ,لهُ المُـل ُ
ك -3
ولهُ الحَمْـد ,وهُوَ على كلّ شَيءٍ قدير ,رَبِ أسْـأَلُـكَ خَـيرَ ما في هـذا اليوم وَخَـيرَ ما
بَعْـدَه وَأَعـوذُ بِكَ مِنْ شَـرِ هـذا اليوم وَشَرِ ما بَعْـدَه ,رَبِ أَعـوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَـلِ
وَسـوءِ الْكِـبَر ,رَبِ أَعـوذُ بِكَ مِنْ عَـذابٍ في النّـارِ,وَعَـذابٍ في القَـبْر) رواه مسلم ,وإذا
أمسى قا :أمسينا وأمسى الملك هلل
___________________________________________________
( )1شرح رياض الصالحين البن عثيمين 318/3
( )2تيسير الكريم الرحمن البن سعدي ص33
13
أَصْـبَحْنا وَأَصْـبَحَ المُـ ْلكُ هلل ,وَالحَمدُ هلل :أي :دخلنا في الصباح متلبسين بنعمة وحفظ من اهلل
تعالى ,واستمر دوام الملك كائناً هلل ,ومختصاً به .
ال إلهَ إالّ الّلهُ وَح َدهُ ال شَريكَ لهُ :أي ال معبود بحق إال هو (وَح َدهُ) فيه تأكيد لإلثبات (ال شَريكَ لهُ
فيه تأكيد للنفي .
وهذا تأكيد من بعد تأكيد اهتماماً بمقام التوحيد وتعلية لشأنه ,ولما أقر هلل بالوحدانية أتبع ذلك باإلقرار
له بالملك والحمد والقدرة على كل شيء فقال :
حمْـد ,وهُوَ على كلّ شَيءٍ قدير :فالملك كله هلل ,وبيده سبحانه ملكوت كل شيء , لهُ المُـلكُ ولهُ ال َ
والحمد كله له ملكاً واشتقاقاً ,وهو سبحانه على كل شيء قدير ,فال يخرج عن قدرته شيء قال تعالى {:
شيْءٍ فِي السَمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا } ()1
وَمَا كَانَ اللَهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ َ
وفي اإلتيان بهذه الجملة المتقدمة بين يدي الدعاء فائدة عظيمة ,فهو أبلغ في الدعاء ,وأرجى لإلجابة
ثم بدأ بعد ذلك بذكر مسألته وحاجاته فقال :
رَبِ أسْـأَلُـكَ خَـيرَ ما في هـذا اليوم -أو هذه الليلة : -أي أسألك الخيرات التي تحصل في
هذا اليوم من خيرات الدنيا واآلخرة ,أما خيرات الدنيا :فهي حصول النعم واألمن والسالمة من طوارق
الليل وحوادثه ونحوها ,وأما خيرات اآلخرة فهي حصول التوفيق إلحياء اليوم والليلة بالصالة
والتسبيح وقراءة القرآن ونحو ذلك .
وَخَـيرَ ما َبعْـدَه -أو ما بعدها : -أي أسألك الخيرات التي تعقب هذا اليوم أو هذه الليلة.
شرِ ما َبعْـدَه :أي واعتصم بك والتجئ إليك من شر ما وَأَعـو ُذ ِبكَ مِنْ شَـرِ هـذا اليوم وَ َ
أردت وقوعه فيه من شرور ظاهرة أو باطنه .
رَبِ أَعـوذُ ِبكَ مِنَ الْكَسَـلِ :المراد بالكسل :عدم انبعاث النفس للخير مع ظهور القدرة عليه ,
ومن كان كذلك فإنه ال يكون معذوراً بخالف العاجز ,فإنه معذور لعدم قدرته .
وَسـوءِ ا ْلكِـبَر :أي ما يورثه كبر السن من ذهاب العقل واختالط الرأي وغيره ذلك مما يسوء به الحال .
ب في النّـارِ وَعَـذابٍ في القَـبْر :أي أستجير بك يا اهلل من أن ينالني
رَبِ أَعـو ُذ ِبكَ مِنْ عَـذا ٍ
عذاب النار وعذاب القبر ,وإنما خصصهما بالذكر من بين سائر عذابه يوم القيامة لشدتهما ,وعظم شأنهما ,
فالقبر أول منازل اآلخرة ,ومن سلم فيه سلم فيما بعده ,والنار ألمها عظيم وعذابها شديد ()2
_______________________________________________
( )1فاطر ()11
( )2ينظر فقه األدعية لعبد الرزاق البدر ، 21/3ما شرح حصن المسلم لمجدي أحمد ص 161
11
الدرس السادس
( اللَّهُمَّ بِكَ أَصْبَحْنَا ,وَبِكَ أَمْسَيْنَا ,وَبِكَ نَحْيَا وَبِكَ نَمُوتُ ,وَإِلَيْكَ الْنْشُورُ) رواه الترمذي.
وإذا أمسى قال :اللهم بك أمسينا. -1
هذا الذكر اشتمل على تذكير المسلم بعظيم فضل اهلل عليه وواسع كرمه ,فنوم اإلنسان ويقظته وحركته
وسكونه وقيامه وقعوده إنما هو باهلل عز وجل فما شاء كان ,وما لم يشأ لم يكن .
اللَّهُمَّ بِكَ أَصْبَحْنَا :تقديم بك على أصبحنا وما بعده يفيد االختصاص ,أي بنعمتك وإعانتك وبحفظك أصبحنا
.
وَبِكَ أَمْسَيْنَا ( :دخلنا في المساء ) أي :بنعمتك وإعانتك وبحفظك أمسينا .
وَ ِبكَ نَحْيَا وَبِكَ نَمُوتُ :أي مستجيرين ومستعيذين بك في جميع األوقات ,وسائر األحوال في اإلصباح
واإلمساء والمحيا والممات .
فإنما نحن بك ,أنت المعين وحدك ,وزمام األمور كلها بيدك ,وال غنى لنا عنك طرفة عين ,وفي هذا من
االعتماد على اهلل واللجوء إليه واالعتراف بمنه وفضله ما يحقق للمرء إيمانه ويقوي يقينه ويعظم صلته بربه
سبحانه .
وَإِلَيْكَ الْنْشُورُ :أي اإلحياء للبعث يوم القيامة .
جعَى } ()1 وفي المساء يقول (إليك المصير ) :أي المرجع والمآب كما قال تعالى { :إِنَّ إلَى رَ ّبِكَ ال ّرُ ْ
وقد جعل صلى اهلل عليه وسلم قوله ( وإليك النشور ) في الصباح ,وقوله ( وإليك المصير ) في المساء رعاية
للتناسب والتشاكل ,ألن اإلصباح يشبه النشر بعد الموت ,والنوم موتة صغرى ,والقيام منه يشبه النشر من
سكُ الَتِي قَضَى عَلَ ْيهَا بعد الموت ,قال تعالى {:اللَهُ يَتَوَفَى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْ ِتهَا وَالَتِي َلمْ َت ُمتْ فِي مَنَا ِمهَا فَ ُيمْ ِ
كرُونَ } ()2 سمًى إِنَ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَ ْومٍ يَتَ َف َ
جلٍ مُ َ
خرَى إِلَى َأ َ
سلُ الُْأ ْ
ا ْلمَ ْوتَ وَ ُيرْ ِ
واإلمساء يشبه الموت بعد الحياة ,ألن اإلنسان يصير فيه إلى النوم الذي يشبه الموت والوفاة ,فكان بذلك
خاتمة كل ذكرٍ متجانسة ً غاية َ المجانسة على المعنى الذي ذكر فيه ,ومما يوضح هذا :ما ثبت عن النبي
صلى اهلل عليه وسلم أنه كان يقول عند قيامه من النوم ( الحمد هلل الذي أحيانا بعد ما أماتنا واليه النشور ) ()3
فسمي النوم موتاً ,والقيام منه حياة من بعد الموت)4(.
___________________________________________________
( )1العلق ()8
( )2الزمر ()12
( )3رواه البخاري
( )1تحفة الذاكرين للشوكاني ص ، 84وفقه األذكار للبدر 23،/3شرح حصن المسلم لمجدي احمد .162
13
{ اللهم أنت ربي ,ال إله إال أنت خلقتني ,وأنا عبدك ,وأنا على عهدك ,ووعدك
ما استطعت ,أعوذ بك من شر ما صنعت ,أبوء لك بنعمتك علي ,وأبوء بذنبي ,
فاغفر لي ,فإنه ال يغفر الذنوب إال أنت من قالها في النهار موقناً بها فمات من -3
يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة ,ومن قالها في الليل وهو موقن بها فمات
قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة }
()1 فضلها :أن من قالها موقنا بها حين يمسي فمات من ليلته دخل الجنة وكذلك إذا أصبح
أول الحديث -:سيد االستغفار :أن يقول العبد :اللهم أنت ربي ,أي :أفضل أنواع األذكار التي تطلب
بها المغفرة هذا الذكر الجامع لمعاني التوبة ،واالستغفار :طلب المغفرة .
والمغفرة :الستر للذنوب والعفو عنها.
قال الطيبي :لما كان هذا الدعاء جامعاً لمعاني التوبة كلها استُعير له اسم السيد ,وهو في األصل
الرئيس الذي يقصد في الحوائج ,ويرجع إليه في المهمات ,قال ابن أبي جمرة :جَمَعَ الحديث من
بديع المعاني وحسن األلفاظ ما يحق له أن يسمى سيد االستغفار ,ففيه اإلقرار هلل وحده باأللوهية ,
ولنفسه بالعبودية ,واالعتراف بأنه الخالق ,واإلقرار بالعهد الذي أخذ عليه ,والرجاء بما وعد
به ,واالستعاذة مما جنى به على نفسه ,وإضافة النعم إلى موجدها ,وإضافة الذنب إلى نفسه ,ورغبته
في المغفرة ,واعترافه بأنه ال يقدر على ذلك إال هو .
ويظهر أن اللفظ المذكور إنما يكون سيد االستغفار :إذا جمع صحة النية والتوجه واألدب)2( .
اللهم :هي بمعنى يا اهلل ,حذف منها يا النداء وعوض عنها بالميم المشددة ,ولهذا ال يجوز الجمع بينهما
أنت ربي ال إله إال أنت خلقتني وأنا عبدك :فيه تذلل وخضوع ,وانكسار بين يدي اهلل ,وإيمان
بوحدانيته سبحانه في ربوبيته وألوهيته .
وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت :أي وأنا على ما عاهدتك عليه ,وواعدتك من اإليمان بك,
وإخالص الطاعة لك قدر استطاعتي ,وقيل :العهد ما أخذ عليهم في عالم الذر ( ألست بربكم )
والوعد ما جاء على لسان النبي صلى اهلل عليه وسلم أن مات ال يشرك باهلل شيئاً دخل الجنة .
أعوذ بك من شر ما صنعت :أي التجئ إليك يا اهلل ,واعتصم بك من شر الذي صنعته من شر
عاقبته وحلول عقوبته وعدم مغفرته ,أو من العود إلى مثله من شر األفعال وقبيح األعمال .
أبوء بنعمتك علي :أي اعترف بعظم إنعامك علي ,وترادف فضلك و إحسانك .وفي ضمن ذلك شكر
المنعم سبحانه والتبريّ من كفران النعم .
وأبوء بذنبي :أي أقر بذنبي من تقصير في واجب أو فعل لمحظور ,وفائدة االعتراف
بالذنب :أن االعتراف يمحو االقتراف كما قيل :
فإن اعتراف المرء يمحو اقترافه ..........كما أن إنكار الذنوب ذنوب .
فاغفر لي فإنه ال يغفر الذنوب إال أنت :أي اغفر لي يا اهلل ,فإنه ال يغفر الذنوب إال أنت ()3
______________________________________________
( )2تحفة الذاكرين للشوكاني ص ، 87فيض القدير للمناوي .113/1 ( )1رواه البخاري 6346
( )3فيض القدير للمناوي 113/1فقه األذكار للبدر 17/3
16
الدرس السابع
-6
عرْشِكَ ,ومَال ِئكَتِك,وَجَميعَ خَلْقِك,أَ َنكَ أَنْتَ حمََلةَ َ (الّلهُم إنَي أصبحتُ أُ ْ
شهِ ُدكَ,وأُشْهِدُ َ
ورَسولُك) .أربع مرات حمّداً عَبْ ُدكَ َ
اهلل ال إلهَ إالّ أَنْتَ وَحْ َدكَ ال شَريكَ لَك ,وأَنَ مُ َ
فضلها :من قالها حين يصبح أو يمسي أربع مرات أعتقه اهلل من النار ,وإذا أمسى قال :اللهم إني
أمسيت أُشهدك واشهد حملة عرشك.)1(......
عرْشِك :أي دخلت في الصباح ,وأنا أشهدك وأشهد حملة حمََلةَ َشهِدُ َ
شهِ ُدكَ,وأُ ْ
الّلهُمَ إِنِي أصبحتُ أُ ْ
عرشك:وهم المالئكة المقربون,حملة العرش األربعة قال تعالى } :الذِينَ يَحْمِلُونَ العَ ْرشَ وَمَنْ حَوْلَهُ
يُسَبِحُونَ بِحَمْدِ رَبّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بهِ )2({....
فإذا كان يوم القيامة كانوا ثمانية قال تعالى } :ويَحَ ْملُ عَ ْرشَ رَبِكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ {(.)3
َومَال ِئكَتِك :المالئكة خلق عظيم ,خلقهم اهلل من نور .
وَجَميعَ خَلْقِك :من باب عطف العام على الخاص,ألن جميع الخلق يتناول المالئكة وغيرهم.
والمراد هنا من تخصيص المالئكة من بين سائر المخلوقات :هو الداللة على أن المالئكة أفضل من
البشر,أو أن المقام مقام اإلشهاد,والمالئكة أولى بذلك من غيرهم,ألنهم عرفوا أن اهلل ال إله إال هو ,وأن
محمداً عبده ورسوله قبل سائر المخلوقات,وإما ألن األصل في الشهود العدالة وهي أتم فيهم (.)4
:أنك ال معبود بحق سواك وحدك ال شريك لك . شرِيكَ لكَ
أ َنكَ أَنْتَ اهللُ ال إلهَ إالَ أَنْتَ وَحْ َدكَ ال َ
حمّداً عَبْدُكَ ورَسُوُلكَ :وأن محمداً عبدُ لك شرفته بالرسالة على جميع الخلق . وأَنَ مُ َ
______________________________________________________
( )2سورة غافر ()3 ( )1رواه أبو داود
( )1شرح حصن المسلم لمجدي أحمد ص . 163 ( )3سورة الحاقة (.)17
17
(الّلهُمَ ما أصبح بِي مِنْ ِن ْع َمةٍ أو بأحَدٍ مِنْ خَلْقِك َ ,فمِ ْنكَ وَحْ َدكَ ال شريكَ لكَ,
-7
شكْر .وفي المساء :اللهم ما أمسى ) ....... حمْدُ وَلكَ ال ُ
فَلكَ ال َ
فضله :من قاله حين يصبح فقد أدى شكر يومه ,ومن قالها حين يمسي فقد أدى شكر
ليلته()1
قال الشوكاني :وفي الحديث فضيلة عظيمة ومنقبة كريمة حيث تكون تأدية واجب الشكر بهذه األلفاظ
اليسيرة )2( .
الّلهُمَ ما أَصبحَ بِي مِنْ ِن ْع َمةٍ أَو ِبأَحَدٍ مِنْ خَلْ ِقكَ :أي ما صار مصاحباً بي من نعمة أو بأحد من
خلقك .
َفمِ ْنكَ :أي فمن عندك ومن فضلك .
وَحْ َدكَ ال شرِيكَ لَك :تأكيداً بمعنى :كل ما أصبح بِي من نعمة فمنك وحدك ال يشاركك في إعطائها
غيرك .
شكْر :أي لك الحمد بلساني على ما أعطيت,ولك الشكر بجوارحي على ما حمْدُ وَلكَ ال ُ فََلكَ ال َ
أوليت,وإنما جمع بين الحمد والشكر ,ألن الحمد رأس للشكر,والشكر سبب للزيادة قال تعالى ( :لَئِن
شَكَرْتُمْ ألَزِيِدَنَكُمْ )( )3وشكر النعم واجب قال تعالى ( :واشْكُرُوا لِي والَ تَكْفُرُونَ) ()4
-8
(اللَ ُهمَ عَافِنِي فِي بَدَنِي,اللَ ُهمَ عَافِنِي فِي سَمْعِي,اللَ ُهمَ عَافِنِي فِي
بَصَرِي,الَ إلهَ إالَ أَنْتَ .اللَ ُهمَ إنِي أَعُوذُ َبكِ مِنْ الكٌفر ,والفَقْر,وأَعُوذ
ِبكَ مِنْ عَذَابِ القبر ,ال إلهَ إالَ أَنْتَ ) (.ثالث مرات) رواه أبو داود )3(.
الَلهُمَ عَافِنِي فِي بَدَنِي :أي سلمني من األمراض واآلفات في بدني ,وسلمني من الذنوب واآلثام .
صرِي :خصصت هاتين الحاستان وهما داخلتان في سمْعِي,الَلهُمَ عَافِنِي فِي بَ َ
الَلهُمَ عَافِنِي فِي َ
البدن ,ألنهما الطريق إلى القلب الذي بصالحه
______________________________________________________
( )2تحفة الذاكرين ص .81 ( )1رواه أبو داود
( )1البقرة (.)123 ( )3إبراهيم (. )7
( )3شرح حصن المسلم لمجدي أحمد ص . 113
18
يصلح الجسد كله ,وبفساده يفسد الجسد كله ,وقد ورد عن الرسول صلى اهلل عليه وسلم ( ومتعنا
بأسماعنا وأبصارنا و قوتنا ما أحييتنا واجعله الوارث منا ) وهذا سؤال اهلل أن يبقي السمع البصر
وسائر القوى صحيحة سليمة لما في ذلك من االستعانة بها على القيام بالطاعات .
ال إلهَ إالَ أَنْتَ :ال معبود بحق سواك .
َ
الَلهُمَ إنِي أَعُوذُ َبكِ مِنْ الكٌفر ,والفَقْر :أي التجئ واحتمي بك من الكفر – وهو غاية الضاللة –
والفقر :وهو خلو ذات اليد .
وأَعُوذ ِبكَ مِنْ عَذَابِ القبر ,ال إلهَ إالَ أَنْتَ :أي التجئ واحتمي بك من عذاب القبر ,وهو ما يكون
في البرزخ من العذاب على الروح والبدن لمن استحق ذلك ,وفي هذا إثبات أن عذاب القبر حق ,وقد
قال صلى اهلل عليه وسلم ( أيها الناس استعيذوا باهلل من عذاب القبر ,فإن عذاب القبر حق )(.)1
7 .مرات ( -3حَسْبِيَ اهللُ الذي الَ إِلهَ إالَ هو عَلَيهِ تَوكَلْتُ و ُهوَ رَبُ الْعَرشِ العَظِيِم )
واآلخرة ()2 فضلها :من قالها حين يصبح وحين يمسي سبع مرات كفاه اهلل ما أهمه من أمر الدنيا
حَس ِبيَ الُلهُ :أي اهلل يكفيني جميع ما أهمني ,فال نتوكل إال عليه كما قال تعالى { :وَمَنْ يَتَوَ َكلْ عَلَى
اللَهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} (.)3
الذي لَا إلهَ إالَ هُوَ :الذي ال معبود بحق سواه .
عَليهِ توكلت ُ :اعتمدت عليه وفوضت جميع أموري ,ووثقت به في جلب ما ينفع ,ويدفع ما يضر .
وهو رَبُ العَرشِ ال َعظِيِم :خص العرش ألنه أعظم المخلوقات ,وفي األثر (ما الكرسي في العرش
إال كحلقة من حديد ألقيت بين ظهري فالة من األرض )( )4وإذا كان هذا المخلوق بهذه العظمة والمجد
والسعة ,فكيف بخالقه ومبدعه سبحانه (.)5
______________________________________________________
( )1رواه أحمد.
( )2رواه أبو داود .
( )3الطالق (. )3
( )1رواه ابن جرير في تفسيره 23/21
( )3ينظر أحكام القران للقرطبي ،112/14تيسير الكريم المنان للسعدي. 813/3
13
الدرس الثامن
خرَةِ ,الَل ُهمَ إنِي أَسْأَُلكَ العَفْوَ والعَافِيَة فِي دِينِي ( الَل ُهمَ إنِي أسْألُكَ العَفْوَ و العَافِية فِي الدُنْيَا واآل ِ -14
ودُنْيَايَ وَأهْليِ ومَاَلِي ,الَل ُهمَ اسْ ُترْ عَ ْورَاتِي وَآمِنْ رَوْعَاتِي ,الَل ُهمَ أحْفَظْنِي مِنْ بَيْنَ َيدَيَ َومِنْ
ظمَ ِتكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ َتحْتِي ) رواه أبو داود
شمَالِي َومِنْ فَوْقِي وَأَعُوذُ بِعَ َ
خَلْفِيَ وَعَنْ َيمِينِي وَعَنْ ِ
بدأ صلى اهلل عليه وسلم هذا الدعاء العظيم بسؤال اهلل العافية في الدنيا واآلخرة ,فهي دعوة جامعة وشاملة للوقاية من
الشرور كلها في الدنيا واآلخرة ,والعافية ال يعادلها شيء ,ومن أعطي العافية في الدنيا واآلخرة فقد كمل نصيبه من
الخير .
اللَهُمَ إنِي أسْأُلكَ ال َع ْفوَ و العَافِية فِي الدُنْيَا :أي أطلب منك محو الذنوب ,والوقاية من كل أمر يضرني من
مصيبة أو بالء .
واآلخِرَةِ :أي أطلب منك الوقاية من أهوال اآلخرة وشدائدها ,وما فيها من أنواع العقوبات.
اللَهُمَ إنِي َأسْ َألُكَ ال َعفْوَ والعَافِيَة فِي دِينِي:أي أطلب الوقاية من كل أمر يشين الدين أو يخلّ به .
ودُنْيَايَ :أي أطلب الوقاية منك يا رب من كل أمر يضرني في دنياي من مصيبة أو بالء.
وأَهْليِ :أي أطلب الوقاية ألهلي من الفتن ,وحمايتهم من الباليا و المحن .
ومَ َالِي :أي :أن تحفظه مما يتلفه من غرق أو حرق أو سرقة أو نحو ذلك .
فجمع في ذلك سؤال اهلل الحفظ من جميع العوارض المؤذية واألخطار المضرة .
عوْراَتِي :أي عيوبي وتقصيري وكل ما يسوؤني كشفه ,ويدخل في ذلك الحفظ من انكشاف العورة , اللَهُمَ اسْتُرْ َ
وحري بالمرأة أن تحافظ على هذا الدعاء ,وال سيما في هذا الزمان الذي كثر فيه تهتك النساء وعدم عنايتهن بالستر .
روْعَاتِي :آمن :من األمن الذي هو ضد الخوف ,والروعات :جمع روعة ,وهو الخوف والحزن ,ففي وَآمِنْ َ
هذا سؤال اهلل أن يجنبه كل أمر يخيفه أو يحزنه أو يقلقه ,وذكر الروعات بصيغة الجمع إشارة إلى كثرتها وتعددها .
ل مِنْ
شمَالِي َومِنْ فَوْقِي وَأَعُوذُ ِبعَظَمَ ِتكَ أَنْ أُغْتَا َ
الَل ُهمَ أحْفَظْنِي مِنْ بَيْنَ يَدَيَ َومِنْ خَلْفِيَ وَعَنْ َيمِينِي وَعَنْ ِ
َتحْتِي :فيه سؤال اهلل الحفظ من المهالك والشرور التي تعرض لإلنسان من الجهات الست ,فقد يأتيه الشر والباليا من
األمام ,أو من الخلف ,أو من اليمين ,أو من الشمال ,
أو من فوقه ,أو من تحته ,وهو ال يدري من أي جهة قد يفجأة البالء أو تحل به المصيبة ,فسأل ربه أن
يحفظه من جميع جهاته ,ثم إن من الشر العظيم الذي يحتاج اإلنسان إلى الحفظ منه -:شر الشيطان الذي
تربص باإلنسان الدوائر ,ويأتيه من أمامه وخلفه وعن يمينه وعن شماله ,ليوقعه في الباليا والمهالك ,
شمَا ِئِلهِمْ وليُبعده عن سبيل الخير كما في دعواه في قوله {:ثُمَ لَآتِيَنَهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ َ
خلْفِهِمْ وَعَنْ أَ ْيمَا ِنهِمْ وَعَنْ َ
()1 َولَا تَجِدُ أَكْ َثرَهُمْ شَا ِكرِينَ}
فالعبد بحاجة إلى حصن من هذا العدو ,وواق له من كيده وشره ,وفي هذا الدعاء العظيم تحصين للعبد من
أن يصل إليه شر الشيطان من أي جهة من الجهات ,ألنه في حفظ اهلل ورعايته .
ظمَ ِتكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ َتحْتِي :فيه إشارة إلى عظم خطورة البالء الذي يحلّ باإلنسان من تحته كأن وَأَعُوذُ ِبعَ َ
تخسف به األرض ,وهو نوع من العقوبة التي يحلها اهلل عز وجل ببعض من يمشون على األرض دون قيام
خذَتْهُ
منهم بطاعة خالقها ومبدعها كما قال تعالىَ { :فكُالً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ َفمِنْهُمْ مَنْ َأرْ َسلْنَا َعلَيْهِ حَاصِبًا َومِنْهُمْ مَنْ َأ َ
همْ يَظِْلمُونَ} ()2 سُأل ْرضَ َومِ ْن ُهمْ مَنْ أَغْرَقْنَا َومَا كَانَ اللَهُ لِيَظِْل َم ُهمْ وََلكِنْ كَانُوا أَنْفُ َ
الصَ ْيحَةُ وَمِ ْن ُهمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ ا َ
()3
________________________________________________
( )2العنكبوت ( )3( . )14فقه األدعية واألذكار للبدر 34/3بشيء من االختصار . .
24
طرَ السَمَوَاتِ وَاألَرضِ ,رَبَ ُكلِ شَيْءٍ َو َملِ َيكَهَُ ,أشْهَدُ أَنْ ال إلَهَ إال أنْ َ
ت شهَادَةِ ,فَا ِ
(الَلهُمَ عَالِمَ الغَيْبِ وَال َ
جرّهُ إلى مسلمٍ ). ش ْركِهِ ,وَأنْ اقت ِرفَ على نفسي سُوءًا أو أ ُ شرِ الشَ ْيطَانِ َو ِأعُوذُ بكَ مِنْ شَرِ نَفْسِي وَمِنْ َ -11
رواد أبو داود ،يقوله المسلم إذا أصبح وإذا أمسى وإذا أخذ مضجعه .
هذا دعاء عظيم مشتمل على التعوذ باهلل من الشرور كلها ,من مصادرها وبداياتها ,ومن نتائجها ونهايتها ,
وقد بدأه بتوسالت عظيمة إلى اهلل جل وعال بذكر جملة من صفاته الكريمة الدالة على عظمته وكماله .
فتوسل إليه بأنه :
عالم الغيب والشهادة :أي :عالم ما غاب من الخلق وما شاهدوه ,ألن اهلل يعلم الحاضر والمستقبل والماضي
} ,ويعلم ما كان ,وما يكون ,وما لم يكن لو كان كيف يكون ,وال يخفى عليه شيء* .
فاطر السموات واألرض :يعني يا اهلل يا فاطر السموات واألرض ,وفاطرهما يعني :أنه خلقهما عز وجل
على غير مثال سابق.
رب كل شيء ومليكه :يعني رب كل شيء ومليكه ,والفرق بين الرب وبين المالك في هذا الحديث -:أن
الرب هو الموجد لألشياء الخالق لها ,والمليك هو الذي يتصرف فيها كيف يشاء.
أشهد أن ال إله إال أنت :اعترف بلساني وقلبي أنه ال معبود بحق إال أنت .
أعوذ بك من شر نفسي :ألن النفس لها شرور كما قال تعالى { َومَا أُ َبرِئُ نَ ْفسِي إِنَ النَفْسَ َ
ألمَارَةٌ بِالسُوءِ إِالَ مَا رَحِمَ
()1 رَبِيَ إِنَ رَبِي غَفُورٌ رَحِيمٌ}
فإذا لم يعصمك اهلل من شرور نفسك فإنها تضرك ,وتأمرك بالسوء ,ولكن اهلل إذا عصمك من شرها وفقك إلى كل خير .
ومن شر الشيطان وشركه :يعني :تسأل اهلل أن يعيذك من شر الشيطان ومن شر شِركه :أي :ما يأمرك به من
شرَكه ) والشَرَك :ما يصطاد به الحوت والطير وما أشبه ذلك ,ألن الشيطان له شرَك يصطاد به بني
الشِرك ,أو ( َ
آدم ,إما شهوات أو شبهات أو غير ذلك.
)2(. وأن اقترف على نفسي سوءً أو أجُره إلى مسلم :أي أجر على نفسي سوء أو إلى مسلم
قال ابن القيم :فذكر النبي صلى اهلل عليه وسلم مصدري الشر ,وهما -:النفس والشيطان ,
وذكر مورديه ,ونهايته وهما :عوده على النفس أو على أخيه المسلم ()3
-12
( 3مرات ) . سمِيعُ ا ْلعَلِيمُ )
سمَاءِ َوهُوَ ال َ
سمِهِ شَيْءٌ فِي األ ْرضِ وَال فِي ال َ
ضرُ َمعَ ا ْ
سمِ اهللَ اَلذِي ال يَ ُ
(بْ
فضلها :من قالها ثالثاً إذا أصبح وثالثاً إذا أمسى لم يضره شيء
()4
قال الشوكاني :وفي الحديث دليل على أن هذه الكلمات تدفع عن قائلها كل ضر كائناً ما كان ,وأنه ال يصاب بشيء
في ليله وال في نهاره ,إذا قالها في الليل والنهار .
وكان إبان بن عثمان ,وهو راوي الحديث عن عثمان – قد أصابه طرف فالج – وهو شلل يصيب احد شقي الجسم –
فجعل رجل منهم ينظر إليه – فقال له إبان :ما تنظر ؟ أما إن الحديث كما حدثتك ,ولكني لم اقله يومئذ ليمضي اهلل
علي قدره .
بسْمِ اهللَ :أي :أتحصن والتجئ واحتمي باسم اهلل .
شيْءٌ فِي األرْضِ وَال فِي السَمَاءِ :أي :من تعوذ واحتمى باسم اهلل فإنه ال تضره
الَذِي ال يَضُرُ مَعَ اسْمِهِ َ
مصيبة من جهة األرض وال من جهة السماء .
سرّهُمْ
حسَبُونَ أَنّا الَ َنسْمَعُ ِ وَهُوَ السَمِيعُ :الذي سبحانه يسمع كل صوت مهما بَعُ ْد ومهما ضَعُ ْ
ف قال تعالى { :أَمْ يَ ْ
رسُلُنَا لَدَ ْيهِمْ َيكْتُبُونَ }()5
وَنَجْوَاهُم َبلَىَ َو ُ
ومن معاني السميع :إنه سميع الدعاء :أي مجيب الدعاء كما قال إبراهيم عليه السالم{ :إِنَ رَبِي لَسَمِيعُ
الدُعَاء } ( )6الْعَلِيمُ :علم اهلل محيط بكل شيء ,قال تعالى { :وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ الَ َي ْعَل ُمهَا إِالَ هُوَ وَ َي ْعلَمُ مَا فِي الْبَرِ
()8( )7 ألرْضِ وَالَ َرطْبٍ وَالَ يَابِسٍ إِالَ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ }
ظلُمَاتِ ا َ
وَالْبَحْرِ وَمَا َتسْقُطُ مِن َورَقَةٍ إِالَ َي ْعَل ُمهَا وَالَ حَبَةٍ فِي ُ
فال يقع فيها شيء إال بقدرٍ أزلي .
______________________________________________________
( )2شرح رياض الصالحين ألبن عثيمين )3( . 311 /1بدائع الفوائد . 243 /2 ( )1سورة يوسف()33
( )8ينظر تحفة الذاكرين للشوكاني .ص 76فقه األدعية 13 / 3 ( )7األنعام (.)33 ( )6إبراهيم (. )33 ( )6الزخرف (. )84 (( )3رواه أبو داود )
21
الدرس التاسع
حيُ يا قيّومُ برَحْمَ ِتكِ اسْتَغيث ,أصْلِحْ لي شَأني كُلُه ,وَال تَكِلني ( -11يا َ
رواه الحاكم إلى نَفْسي طرْفة عَين )
:جمعُ هذين االسمين في غاية المناسبة ,وذلك أنهما محتويان على جميع صفات الكمال يا حي يا قيوم
:
فالحي :هو كامل الحياة ,وذلك يتضمن جميع الصفات الذاتية هلل كالعلم والعزة والقدرة و اإلرادة
والعظمة والكبرياء وغيرها من صفات الذات المقدسة.
والقيوم :هو كمال القيومية ,وله معنيان :هو الذي قام بنفسه وعظمت صفاته واستغنى عن جميع
مخلوقاته ,وقامت به األرض والسموات وما فيها من المخلوقات ,فهو الذي أوجدها وأمدها وأعدها لكل
ما فيه بقاؤها وصالحها وقيامها ,فهو الغني عنها من كل وجه ,وهي التي افتقرت إليه من كل وجه )3( .
قال ابن القيم :كان ابن تيمية شديد اللهج بهذين االسمين ,وقال لي يوماً :لهذين االسمين تأثير عظيم في
حياة القلب والعقل )4( .
برحمتك استغيث :أتوسل إليك بصفة الرحمة .
أصلح لي شأني كله :صالح الشأن كله يتناول جميع أمور الدنيا واآلخرة ,فيفوز قائل هذا إذا تُفضل
عليه بخير الدنيا واآلخرة )5( .
وال تكلني إلى نفسي طرفة عين :فيه شدة افتقار العبد إلى اهلل ,وأنه ال غنى له عن ربه طرفة عين
في كل شأن من شؤونه .
_____________________________________________________
( )2مدارج السالكين البن القيم ص ، 374جامع العلوم والحكم البن رجب .118/1 ( )1رواه أحمد
( )1مدارج السالكين البن القيم ص . 211 ( ) 3شر ح أسماء اهلل الحسنى لسعيد بن وهف ص . 136
( )3تحفة الذاكرين ص 86
22
سأَُلكَ خَ ْيرَ هذا اليوم ,
هلل رَبِ العالَمين ,الّلهُمَ إنِي أ ْ
( -13أصبحنَا وَأصبَح المُلكُ ِ
شرِ ما بَعْدَه ),
ص َرهُ ,وَ َب َركَ َتهُ ,وَهُداهُ ,وَأعوذُ بكَ مِنْ شَرِ ما فيهِ وَ َ
حهُ ,وَنَ ْ
فتْ َ
وإذا أمسى :أمسينا وأمسى ( ...رواه أبو داود )
أصبحنا وأصبح الملك هلل رب العالمين :أي دخلنا في الصباح متلبسين بنعمة وحفظ من اهلل تعالى ,
واستمر دوام الملك كائناً هلل ومختصاً به .
رب العالمين ,العالم :كل ما سوى اهلل ,وسموا عالماً ألنهم على علم خالقهم ورازقهم ومدبرهم ,ويُعلمُ
بخلقهم قُدرةُ من أنشأهم .
اللهم إني أسألك خير هذا اليوم :اطلب منك خيرات هذا اليوم -:
حهُ :أي الظفر على المقصود . فت َ
ونصرَهُ :النصرة على العدو .
ونورَهُ :أي بالتوفيق إلى العلم والعمل .
وبرك َتهُ :أي بتيسير الرزق الحالل الطيب .
وهداهُ :أي الثبات على متابعة الهدى ومخالفة الهوى .
وأعوذ بك من شر ما فيه وشر ما بعده :التجئ إليك واحتمي بك مما يقع في هذا اليوم وما بعده من
مصيبة في الدين والدنيا )1(.
-16
(أصبحَنا على فطرة اإلسالم ,وعلى كلمةِ اإلِخالص ,وعلى دين نبيِنا محمدٍ صلى اهلل عليه وسلم
,وعلى ملَةِ أبينا إبراهيَم حنيفاً مسلماً وما كانَ من المُشركين ) ( رواه احمد )
ما أجمل أن يفتتح المسلم يومه بهذه الكلمات العظيمة المشتملة على تجديد اإليمان ,وإعالن التوحيد ,وتأكيد
االلتزام بدين محمد صلى اهلل عليه وسلم ,واإلتباع لملة إبراهيم الخليل عليه السالم الحنيفية السمحة والبعد عن
الشرك كله صغيره وكبيره ,فهي كلمات إيمان وتوحيد ,وصدق وإخالص ,خضوع وإذعان ,ومتابعة
وانقياد.
أصبحنا على فطرة اإلسالم :أي منّ اهلل علينا باإلصباح ونحن على فطرة اإلسالم متمسكين بها ,
محافظين عليها ,غير مغيرين وال مبدلين .
فطرة اإلسالم :أي دين اإلسالم الذي فطر اهلل الناس عليه ,وذلك بان يقيم المرء وجهه لدين اهلل حنيفاً بالتوجه
بالقلب والقصد والبدن ,إلى االلتزام بشرائع الدين
____________________________________________________
( )1ينظر شرح حصن المسلم لمجدي احمد ص .177
23
عَلَيْهَا}()1
الظاهرة والباطنة كما قال تعالى { :فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَهِ الَتِي فَطَرَ النَا َ
س
وال شك أن نعمة اهلل على عبده عظيمة أن يصبح حين يصبح وهو على فطرة سليمة لم يصبها تلوث
تغير أو انحراف .
وعلى كلمة اإلخالص :أي وأصبحنا على كلمة التوحيد ال إله إال اهلل .
وعلى دين نبينا محمد صلى اهلل عليه وسلم :أي وأصبحت على ذلكم الدين العظيم الذي رضيه
اهلل لعباده ديناً ,وبعث به نبيه الكريم محمداً صلى اهلل عليه وسلم .
وعلى ملة أبينا إبراهيم حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين :أي وأصبحت على هذه الملة
المباركة ملة إبراهيم عليه السالم وهي الحنيفية السمحة والتمسك باإلسالم والبعد عن الشرك ولهذا
قال تعالى {:حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } ()3( )2
فضلها :من قالها مائة مرة حين يصبح وحين يمسي لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إال
أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه ()4
وفي حديث آخر ( :من قالها مائة مرة حطت عنه خطاياه وان كانت مثل زبد البحر) ,كناية عن
المبالغة في الكثرة )5(.
والحديث يدل على أن من زاد فال بأس ,فالتسبيح ال حدّ له ,والذكر ال حدّ له ,وهذا الذكر من
أسباب المغفرة لمن وفقه اهلل لترك الكبائر )6(.
سبحان اهلل وبحمده :قرن مع التسبيح حمد اهلل تعالى ,وذلك ألن التسبيح هو تنزيه اهلل عن النقائص
والعيوب ,والتحميد فيه إثبات كمال الصفات هلل سبحانه .
______________________________________________________
( )1الروم (. )34
( )2آل عمران (.)63
( )3فقه األدعية واألذكار للبدر 33 / 3بشيء من االختصار .
( )1رواه مسلم
( )3فتح الباري .246/ 11
( )6مجموع الفتاوى البن باز .32/26
21
الدرس العاشر
(ال إلهَ إالّ اللّهُ وحْ َدهُ ال شَريكَ لهُ ,لهُ ال ُم ْلكُ ولهُ الحَمْد,وهُوَ على كُلّ
-18
شيءٍ قدير) (144مرة ) إذا أصبح .
فضلها :من قالها مائة مرة في يوم كانت له عدل عشر رقاب ,وكتب له مائة حسنة ,ومحيت عنه
مائة سيئة ,وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ,ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به
إال أحد عمل أكثر من ذلك ()1
وورد أنها تقال عشر مرات أو مرة واحدة عند الكسل .
قال عياض في شرح الحديث :ذكر هذا العدد من المائة دليل على أنها غاية للثواب المذكور ,وأما
قوله (إال أحد عمل أكثر من ذلك) فيحتمل أن تراد الزيادة على هذا العدد فيكون لقائله من الفضل
بحسابه لئال يظن أنها من الحدود التي نهى عن اعتدائها,وأنه ال فضل في الزيادة عليها كما في
ركعات السنن المحدودة وأعداد الطهارة( المقصود بأعداد الطهارة الزيادة على ما ورد في عدد
مرات الغسل أو الوضوء ) .
وظاهر الحديث :أن األجر يحصل لمن قال هذا التهليل في اليوم متوالياً أو متفرقاً في مجلس أو في
مجالس في أول النهار أو آخره ,لكن األفضل أن يأتي به أول النهار متوالياً ليكون له حرزاً في
جميع نهاره وكذا في أول الليل ليكون له حرزاً في جميع ليله (.)2
ال إلهَ إالّ الّلهُ :هذه كلمة التوحيد :أي ال معبود بحق إال اهلل سبحانه .
وحْ َدهُ ال شَريكَ لهُ :تأكيد لوحدانيته جل وعال .
له الملك :له الملك المطلق العام الشامل الواسع ,ملك السموات واألرض وما بينهما ,كل هذه ملك
هلل عز وجل ,ما علمنا وما لم نعلم ,له الملك كله يتصرف فيه كما يشاء ,وعلى ما تقتضيه حكمته
جل وعال .
حمْد :يعني الكمال المطلق على كل حال ,فهو جل وعال محمود على كل حال في السراء ولهُ ال َ
والضراء .
أما في السراء :فيحمد اإلنسان ربه حمد شكر .
أما في الضراء :فيحمد اإلنسان ربه حمد تفويض ,ألن الشيء الذي يضر اإلنسان قد ال يتبين له
وجه مصلحته فيه ,ولكن اهلل تعالى أعلم ,فيحمد اهلل تعالى على كل حال .
وكان النبي صلى اهلل عليه وسلم إذا أتاه ما يسر قال ( :الحمد هلل الذي بنعمته تتم الصالحات ) وإذا
أتاه ما ال يسره قال ( الحمد اهلل على كل حال )()3
______________________________________________________
( )1رواه البخاري ومسلم )2( .فتح الباري )3( . 243/11صحيح الجامع 1614
23
وما يقول بعض الناس اليوم ( :الحمد هلل الذي ال يحمد على مكروه سواه ) فهو خطأ ,ألنك إذا قلت
ذلك ,فهو عنوان على أنك كاره لما قُدِر عليك ,ولكن قل كما قال النبي محمد صلى اهلل عليه وسلم
(الحمد هلل على كل حال) (.)1
وهو على كل شيء قدير :ـ القدير على كل شيء ,ال يعجزه شيء في األرض وال في السماء
( سُبحان اهلل وبحمده :عدد خَلقه ,ورضا نفسه ,وزنة عرشِهِ , -13
ومِدَادَ كَلمِاتِه ) (ثالث مرات إذا أصبح ) رواه مسلم
هذا الذكر يسمى الذكر المضاعف يزيد في الفضل واألجر على مجرد الذكر ب(سبحان اهلل) أضعافًا
مضاعفة ,ألن ما يقوم بقلب الذاكر حين يقوله من معرفة اهلل وتنزيهه وتعظيمه بهذا القدر المذكور من
العدد أعظم مما يقوم بقلب من قال ( سبحان اهلل ) فقط.
سبحان اهلل وبحمده عدد خلقه :أي أسبح اهلل وأحمده تسبيحاً عدد كل مخلوق كان أو هو كائن إلى ما
ال نهاية له .
ورضا نفسه :أي أسبح اهلل وأحمده تسبيحاً هو في العظمة والجالل مساوٍ لرضا نفسه .
وزنة عرشه :فيه إثبات العرش ,وإضافته :إلى الرب جل وعال ,وأنه أثقل المخلوقات على
اإلطالق ,إذ لو كان شيء أثقل منه لوزن به التسبيح .
فالتضعيف األول للعدد والكمية ,والثاني للصفة والكيفية ,والثالث للعظم والثقل وكبر المقدار .
ومداد كلماته :هذا يعم األقسام الثالثة ويشملها ,فإن مداد كلماته سبحانه ال نهاية لقدره ,وال لصفته ,
وال لعدده ,قال تعالى {:قُل لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِي لَنَفِدَ الْبَحْرُ َقبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِي وَلَوْ
جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا } ()2
ومعنى هذا :أنه لو فرض البحر مداداً ,وجميع أشجار األرض أقالماً ,واألقالم تستمد بذلك المداد
فتفنى البحار واألقالم ,وكلمات الرب ال تفنى وال تنفد .
والمقصود أن في هذا التسبيح من صفات الكمال ونعوت الجالل ما يوجب أن يكون أفضل من غيره .
()3
______________________________________________________
( )1شرح رياض الصالحين البن عثيمين .137’132/3
( )2الكهف (. )143
( )3ينظر فقه األدعية واألذكار للبدر 13/3باختصار.
26
الدرس الحادي عشر
(إذا أصبح ) رواه ( -24اللهُم ّ إني أسأُلكَ علماً نافعاً ,ورزِقاً طي ِباً ,وعمالً مُتَقَ َبالً )
ابن ماجه .
من يتأمل هذا الدعاء العظيم يجد أن األتيان به بعد صالة الصبح في غاية المناسبة ,ألن الصبح هو بداية اليوم
ومفتتحه ,والمسلم ليس له مطمع في يومه إال تحصيل هذه األهداف العظيمة :وهي العلم النافع ,والرزق
الطيب ,والعمل المتقبل ,وكأنه في افتتاحه ليومه بذكر هذه األمور الثالثة دون غيرها يحدد أهدافه في يومه
,وال ريب أن هذا أجمع لقلب اإلنسان وأضبط لسيره ومسلكه بخالف من يصبح دون أن يستشعر أهدافه التي
يعزم على القيام بها في يومه ,وليس المسلم في إتيانه بهذا الدعاء في مفتتح يومه يقصد تحديد أهدافه فحسب ,
بل هو يتضرع إلى ربه بأن يمنّ عليه بتحصيل هذه األهداف النبيلة ,إذ ال حول له وال قوة ,وال قدرة عنده
على جلب نفع أو دفع ضر إال بإذن ربه سبحانه ,فهو إليه يلجأ وبه يستعين ..
وتأمل كيف بدأ النبي صلى اهلل عليه وسلم هذا الدعاء بسؤال اهلل العلم النافع قبل سؤاله الرزق الطيب والعمل
المتقبل ,إشارة إلى أن العلم النافع به يستطيع المرء أن يميز بين العمل الصالح وغير الصالح ,ويستطيع أن
يميز بين الرزق الطيب وغير الطيب ,ومن لم يكن على علم ,فإن األمور قد تختلط عليه ,فيقوم بالعمل يحسبه
سعْ ُي ُهمْ فِي الْحَيَاةِ
عمَالًا اَلذِينَ ضَلَ َ
سرِينَ أَ ْ
صالحاً نافعاً ,وهو ليس كذلك ,واهلل تعالى يقول ُ {:قلْ َهلْ نُنَبِ ُئ ُكمْ بِالَْأخْ َ
همْ ُيحْسِنُونَ صُ ْنعًا }()1
الدُنْيَا َو ُهمْ َيحْسَبُونَ أَ َن ُ
وقد يكتسب رزقاً وماالً ويظنه طيباً مفيداً,وهو في حقيقته خبيث وضار ,و ليس لإلنسان سبيل إلى التمييز بين
النافع والضار والطيب والخبيث إال بالعلم النافع .
علما انتفع به وانفع به غيري ,ففيه داللة على أن العلم نوعان:علم نافع وعلم اللهم إني أسألك علماً نافعاً :
ليس نافع .
وأعظم العلم النافع هو :ما ينال به المسلم القرب من ربه ,وكان من دعاء الرسول صلى اهلل عليه وسلم
(اللهم انفعني بما علمتني ,وعلمني ما ينفعني ,وزدني علماً ) (. )2
ورزقاً طيباً :أي حالالً ,وفي هذا إشارة إلى أن الرزق نوعان :طيب وخبيث ,واهلل تعالى طيب ال يقبل إال
عمَلُوا صَالِحاً } ( )1فأكل
طيباً ,وقد أمر اهلل المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال {:يَا أَيُّهَا ال ّرُسُلُ ُكلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَا ْ
الطيب يعين على العمل الصالح .
______________________________________________________
( )2رواه الترمذي. ( )1الكهف (.) 141،143
27
ومن كانت طعمته حالالً وفقت جوارحه للطاعات ,ومن كانت طعمته حراماً عصت جوارحه شاء أم أبى ,
علم أم لم يعلم ,قال اإلمام أحمد :إذا جمع الطعام أربعاً فقد كمل :إذا ذكر اسم اهلل في أوله ,وحمد اهلل في
حلّ .
آخره ,وكثرت عليه األيدي ,وكان من ِ
وعمالً متقبالً :أي عندك :فتثيبني وتأجرني عليه أجراً حسناً ,وفي هذا إشارة إلى أنه ليس كل عمل
يتقرب العبد به إلى اهلل يكون متقبالً ,بل المتقبل من العمل هو الصالح فقط ,والصالح ما كان هلل وحده وعلى
هدي نبيه و سنته صلى اهلل عليه وسلم ()2
-21
(مائة مرة في اليوم) رواه البخاري . (أستغفرُ اهللَ وأتوبُ إليه)
كثيرا ما تأتي التوبة في النصوص مقرونة باالستغفار كقوله { :وَأَنِ اسْ َتغْ ِفرُوا رَ َب ُكمْ ثُمَ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَ ِت ْعكُم مَتَاعًا
ضلٍ فَضْلَهُ } ()2
سمًى وَيُ ْؤتِ ُكلَ ذِي فَ ْ
جلٍ مُ َ
حَسَنًا إِلَى َأ َ
وفي هذا داللة على عظم التالزم بين االستغفار والتوبة ,وشدة احتياج العبد إليهما للوقاية من شرور الذنوب ,
والذنوب نوعان :ذنب قد مضى فاالستغفار فيه :طلب وقاية شره ,وذنب يخاف وقوعه ,فالتوبة :العزم
على أن ال يفعله .
أستغفرُ اهللَ :وأتوبُ إليه :ظاهره :أنه يطلب المغفرة ,ويعزم على التوبة .
_________________________________________________
المؤمنين (. )31
( )1سورة
( )2ينظر فقه األدعية واألذكار للبدر ، 13/3شرح حصن المسلم لمجدي أحمد ص132
( )3سورة هود ()3
28
الدرس الثاني عشر
(ثالث مرات) (أعوذُ بكلماتِ اهللِ التَامات مِن شرِ ما خََلقَ ) -22
فضلها :قال :من نزل منزالً ثم قال ( :أعوذ بكلمات اهلل التامات من شر ما خلق ,لم يضره شيء حتى
يرتحل من منزله ذلك ) ()1
قال الشوكاني :وظاهره بحسب كمال التعوذ وقوته وضعفه ,قال الشيخ ابن جبرين :من استعاذ بلسانه دون
أن يتفكر بقلبه في معنى االستعاذة ,ال تنفعه تلك االستعاذة ,ولكن إذا تفكر بقلبه فيما قاله لسانه فهناك –إن
شاء اهلل – يرى أثر االستعاذة .
وقال القرطبي :هذا حديث علمنا صدقه دليالً وتجربة منذ أن سمعت به عملت به ,فلم يضرني شيء إلى أن
تركته ,فلدغتني عقرب ,فتفكرت فإذا بي قد نسيته ) انُسي ليجري القدر.
أعوذُ :أي التجئ واعتصم واحتمي .
بكلماتِ اهللِ :كالم اهلل يشمل أ -كالمه الكوني :الذي يدبر به أمر الخالئق قال تعالى { :إِ ّنَمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ ِإذَا
ن نَقُولَ لَهُ كُنْ فَ َيكُونُ}()2
َأ َردْنَاهُ أَ ْ
ب -كالمه الشرعي :وهو القرآن .
أو يقال :بكلماتِ اهلل :أي كالم اهلل ,ومنه القرآن .
عدْال الَّ مُ َب ّدِلِ ِلكَِلمَاتِهِ التَاماتِ :التي ليس فيها نقص وال عيب ,قال سبحانه { :وَلَ ّمَتْ كَِل َمتُ رَبِّكَ ِ
صدْقًا وَ َ
سَمِيعُ ا ْلعَلِيمُ} (.)3
َوهُوَ ال ّ
مِن شرِ ما خََلقَ :من شر كل مخلوق قام به الشر كاإلنس والجن والدابة والصاعقة والريح الشديدة ,ال أن
جميع المخلوقات فيها شر ,فالمالئكة واألنبياء والجنة ال شر فيهم )4(.
______________________________________________________
( )3اإلنعام (.)113 ( )2النحل (. ) 14 ( )1رواه مسلم
( )1فتح المجيد ص .134فوائد على كتاب التوحيد ص . 12
23
(عشر مرات ) (اللّ ُهمّ صَلّ وسلِم عَلَى نبينا مُحَ ّمدٍ )
-23
فضلها :قال صلى اهلل عليه وسلم ( من صل علي حين يصبح عشراً وحين يمسي عشرا أدركته شفاعتي
يوم القيامة ) (.)1
الّلهُمّ صَلّ :الصالة من اهلل :ثناؤه على عبده في المأل األعلى ,وقد اخبر اهلل سبحانه أنه أثنى عليه في
المأل األعلى ,وأمرنا بذلك ليجتمع له صلى اهلل عليه وسلم ثناء أهل السماء واألرض .
والمراد بطلب ذلك له صلى اهلل عليه وسلم من اهلل :طلب الزيادة ال طلب أصل الصالة .
حمّدٍ :دعاء له بالسالمة والبركة ورفع الدرجة ,كذلك يتضمن الدعاء بالسالمة لدينه وسلِم عَلَى نبينا مُ َ
وشريعته أن يسلمهما اهلل تعالى من األعداء فال يسطون عليها بتحريف أو تغيير إال سلط اهلل عليهم من يبين
ذلك ,وهذا هو الواقع وهلل الحمد(.)2
وفي الصالة على النبي محمد صلى اهلل عليه وسلم فوائد كثيرة :امتثال أمر اهلل ,والموافقة له
في الصالة عليه صلى اهلل عليه وسلم ,والموافقة لمالئكته أيضاً في ذلك قال تعالى { :إِنَّ اللَّهَ َومَلَا ِئكَتَهُ يُصَلُّونَ
عَلَى النَّبِيِّ يَا أَ ّيُهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَّلِمُوا تَسْلِيماً}()3
ومنها أيضاً :مضاعفة أجر المصلي عليه ,ورجاء إجابة دعائه ,وسبب لحصول البركة ,ودوام محبته صلى
اهلل عليه وسلم وزيادتها ,وسبب هداية العبد وحياة قلبه ,فكلما أكثر الصالة عليه وذكره ,استولت محبته على
قلبه حتى ال يبقى في قلبه معارضة لشيء من أوامره ,وال شك في شيء مما جاء به )4( .
______________________________________________________
_________________________________________________________
( )1صحيح الترغيب .
( )2ينظر حاشية الدرة المضيئة ص ، 12شرح رياض الصالحين ألبن عثيمين ، 171/3فقه األدعية واألذكار للبدر . 138 /3
( )1مجموع الفتاوى لسماحة الشيخ بن باز . 31 / 26 ( )3األحزاب (. ) 36
34
الفهرس
الصـفـحـة الموضــوع
7 ( اهلل ال إله إال هو الحي القيوم)....
9 ( المعوذتان )
13 (أصبحنا وأصبح الملك هلل )....
14 ( اللهم بك أصبحنا وبك أمسينا ).... ,
15 ( اللهم أنت ربي ال إله إال أنت ) ....
( اللهم أني أصبحت أشهدك ()..اللهم أصبح بين من
16
نعمة )...
17 (اللهم عافني في بدني ).... ,
18 ( حسبي اهلل الذي ال إله إال هو عليه توكلت )....
19 ( اللهم إني أسالك العفو والعافية ).....
22 ( اللهم عالم الغيب والشهادة )....
22 ( بسم اهلل الذي ال يضر مع اسمه شيء )....
23 ( رضيت باهلل رباً وباإلسالم ديناً )....
23 ( يا حي يا قيوم رحمتك استغيث )....
24 (أصبحنا وأصبح الملك هلل ).....
24 ( أصبحنا على فطرة اإلسالم ).....
25 ( سبحان اهلل وبحمده )
26 ( ال إله إال اهلل وحده ال شريك له )... ,
27 ( سبحان اهلل وبحمده :عدد خلقه )....
28 ( اللهم إني أسألك علماً نافعاً ) ....
29 ( أستغفر اهلل وأتوب إليه )
29 ( أعوذ بكلمات اهلل التامات ).....
32 ( اللهم صل وسلم على نبينا محمد )
31