You are on page 1of 31

‫المملكة العربية السعودية‬

‫وزارة التربية والتعليم‬


‫إدارة التوعية اإلسالمية‬

‫‪2341‬هـ ‪2344-‬هـ‬
‫الفصل األول‬

‫‪1‬‬
‫مقدمــة‬

‫الحمد هلل رب العالمين والصالة والسالم على سيد المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبة‬
‫أجمعين ‪.‬‬
‫إن من الموضوعات الجليلة واألمور المهمة التي يحتاجها كل مسلم ما يتعلق بعمل المسلم‬
‫في يومه وليلته وال ريب أن ذكر اهلل ودعاءه هو خير ما أمضيت فيه األوقات وصرفت فيه‬
‫األنفاس ‪,‬وهو من أجلّ المقاصد و أنفع األعماا المقرّباة إلاى اهلل لعاالى ‪ ,‬وقاد أمار اهلل باه‬
‫في القرآن الكريم في مواطن كثيارة ورّّاب فياه ‪ ,‬وماد أهلاه وأىناى علايهم أاسان الثنااء‬
‫وأطيبه يقو اهلل لعالى (يَا أَيُهَا اَلذِينَ آمَنُوا ا ْذكُرُوا اللَهَ ِذكْرًا كَثِيرًا) األااااب ‪ 32‬وقاا (وَالاذَاكِرِينَ اللَاهَ كَثِيارًا‬
‫ت َأ َعدَ اللَاهُ لَهُام َمغْفِا َرةً وََأجْارًا َعيِيمًاا) األااااب ‪ ,43‬وهاو مفتاا لكال خيار ينالاه العباد فاي الادنيا‬ ‫وَالذَاكِرَا ِ‬
‫واآلخرة‪.‬‬
‫ومن يتأمل السَنة المباركة والهدي النبوي الكاريم يجاد أن النباي ‪ ‬قاد بايّن ألمتاه أذكااراَ‬
‫للصبا والمساء واث عليها ؛ ورّب بها ؛ لما فيهاا مان الريار والنفاع والبركاة والفوا اد‬
‫الحميدة والنتا ج العييمة واريّ بالمسلمة أن لكون محافية على هذه األذكار العييمة ‪.‬‬
‫وسوف نتناو في هذا الفصل الدراسي ـ بإذن اهلل ـ شر ألذكار الصبا والمساء مع بيان‬
‫ما يتيسر من اكمها وداللتها القويمة ومعانيها الجليلة ‪.‬‬
‫نسـأ سبحانه ولعالى أن يوفقنا وإياكم لكل خير يحبه وبرضــاه ‪.‬‬
‫سا ليــن المولى التوفيق والسداد ‪.‬‬

‫*نأمل من المعلمة لحفيا الطالبات ولشجيعهن على افظ الذكر بعد شراه لهن لتتأكد الفا دة المرجوة ‪.‬‬
‫*كما نأمل إجراء مسابقة في نهاية الفصل لمن افيت جميع األذكار ‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫الدرس األول‬
‫مسائل تتعلق بأذكار الصباح والمساء‬

‫قال اهلل تعالى ‪:‬‬


‫{ يا أيُها الذيـن آمَـنـُوا اذكُـروا اهللَ ذِكْـرًا كـَثِـيـرًا * وسَــبِـحُـوهُ بُـكْـرَةً وأصِـيـالً }(‪)1‬‬

‫فضل أذكار الصباح والمساء ‪:‬‬


‫إن أذكار الصباح والمساء تحوي من الخير العميم ‪ ,‬والنفع العظيم ‪ ,‬والبركة لقائلها ‪ ,‬ما ال يمكن أن‬
‫يحيط بها إنسان أو يعبر عنها لسان ‪,‬ومن ذلك ‪-:‬‬
‫‪-1‬أذكار الصباح والمساء قوت للقلوب و األرواح ‪ ,‬تورث في القلب السكينة والطمأنينة والراحة‬
‫والسرور ‪.‬‬
‫‪ -2‬من أسباب الحفظ واألمن والسالمة من شرور الدنيا واآلخرة ‪.‬‬
‫‪ -3‬من أسباب فتح باب الخيرات والبركات ‪.‬‬
‫‪ -4‬من أسباب تحصيل األجور العظيمة من اهلل سبحانه ‪.‬‬
‫‪ -5‬أعظم سالح لدفع الشر قبل وقوعه ‪ ,‬وبعد وقوعه‪,‬قال النبي صلى اهلل عليه وسلم (الدعاء ينفع‬
‫مما نزل ‪ ,‬ومما لم ينزل ‪ ,‬فعليكم عباد اهلل بالدعاء ) (‪)2‬‬
‫‪ -6‬تقوية لصلة العبد بربه ‪ ,‬واعتراف بنعمه المتوالية ‪ ,‬وشكر له على تفضله وإحسانه ‪.‬‬
‫‪ُ -7‬تشعر العبد بأنه مفتقر إلى ربه ‪ ,‬ومحتاج إليه ‪ ,‬ال يستغني عنه طرفة عين ‪.‬‬
‫‪ -8‬من أسباب صالح العبد ‪ ,‬فصالح المؤمن متوقف على صالح جوارحه ‪ ,‬وصالح جوارحه‬
‫متوقف على صالح قلبه ‪ ,‬وصالح قلبه ال يتم إال بالمحبة هلل والتعظيم له ‪ ,‬وهذان ال يتحققان إال‬
‫بذكر اهلل والمثابرة عليه ‪)3(.‬‬

‫ما القدر الذي يكون به العبد من الذاكرين اهلل كثيراً والذاكرات ؟‬

‫}(‪)4‬‬
‫قال اهلل سبحانه {‪ ...‬وَالذاكِرِينَ اللَهَ كَثِيراً وَالذاكِرَاتِ أَعَدَ اللَهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيما‬
‫قال ابن الصالح ‪ :‬إذا واظب على األذكار المأثورة المثبتة صباحاً ومساءً في األوقات واألحوال‬
‫المختلفة ليالً ونهاراً ‪ ,‬كان من الذاكرين اهلل كثيراً والذاكرات (‪)5‬‬

‫_____________________________________________________‬

‫(‪ )2‬حسن صحيح (الجامع الصغير ) رقم ‪.3143‬‬ ‫(‪ )1‬سورة األحزاب (‪.)12 ، 11‬‬
‫(‪ )3‬الوابل الصيب ـ مقدمة المحقق بشير عيون ص ‪ )1( 1‬سورة األحزاب (‪)33‬‬
‫(‪ )3‬األذكار للنووي ص ‪.7‬‬
‫أهمية حضور القلب والتفكر في معاني األذكار ‪:‬‬
‫قال النووي ‪ :‬المراد من الذكر‪ :‬حضور القلب ‪ ,‬فينبغي أن يكون هو مقصود الذاكر ‪ ,‬فيحرص على‬
‫تحصيله ويتدبر ما يذكُر ‪ ,‬ويتعقلُ معناه ‪ ,‬فالتدبر في الذكر مطلوب كما هو مطلوب في القراءة‬
‫‪3‬‬
‫الشتراكهما في المعنى المقصود ‪ ,‬ولهذا كان المذهب الصحيح المختار استحباب مدِ الذاكر قول ‪ :‬ال إله‬
‫إال اهلل ‪ ,‬لما فيه من التدبر‪)1( .‬‬
‫وأذكار الصباح والمساء ‪ :‬إذا تواطأ عليها القلب واللسان ‪ ,‬وقالها صاحبُها بصدق ويقين وحضور‬
‫قلب وحسن ظن باهلل سبحانه ‪ ,‬وتفكَر في معانيها العظيمة ‪ ,‬ومقاصدها الجليلة فإنها تنفع قائلها ‪,‬‬
‫وتحفظه ‪ ,‬وتدفع عنه الشرور حتى قال ابن القيم ‪ :‬أفضل الذكر وأنفعه ‪ :‬ما واطأ فيه القلب اللسان ‪,‬‬
‫وكان من األذكار النبوية ‪ ,‬وشهد الذاكر معانيه و مقاصده ‪)2(.‬‬
‫قوة األذكار تدفع وقوع البالء ‪:‬‬
‫من البالء الذي تدفعه األذكار ‪ :‬العين ‪ ,‬وقد عرفها ابن القيم ‪ :‬بأنها سهام تخرج من نفس الحاسد‬
‫والعائن نحو المحسود والمعين ‪ ,‬تصيبه تارة وتخطئة تارة ‪,‬فإن صادفته مكشوفاً ال وقاية عليه أثرت‬
‫فيه وال بُدّ ‪ ,‬وإن صادفته حذراً شاكي السالح ال منفذ فيه للسهام لم تؤثر فيه ‪ ,‬وربما ردت السهام على‬
‫صاحبها ‪ ,‬وهذا بمثابة الرمي الحسي سواء ‪ ,‬فهذا من النفوس واألرواح ‪ ,‬وذاك من األجسام و األشباح‬
‫‪)3(.‬‬
‫ومن جرب هذه الدعوات والعوذ ‪ :‬عرف مقدار منفعتها وشدة الحاجة إليها ‪ ,‬وهي تمنع وصول أثر‬
‫العائن ‪ ,‬وتدفعه بعد وصوله بحسب قوة إيمان قائلها ‪ ,‬وقوة نفسه واستعداده ‪ ,‬وقوة توكله ‪ ,‬وثبات قلبه‬
‫‪ ,‬فإنها سالح ‪ ,‬والسالح بضاربه (‪)4‬‬
‫قال اإلمام العالمه ابن باز رحمه اهلل ‪ :‬وهذه األذكار والتعوذات من أعظم األسباب في إتقاء شر السحر‬
‫قبل وقوعه وكذا غيره من الشرور لمن حافظ عليها بصدق وإيمان وثقة باهلل واعتماد عليه وانشراح‬
‫صدر لما دلت عليه ‪ ,‬وهي أيضًا من أعظم السالح لدفع الشر بعد وقوعه مع اإلكثار من الدعاء (‪.)5‬‬

‫األدعية والتعوذات كالسالح ‪:‬‬

‫قال ابن القيم رحمه اهلل ‪ :‬األدعية والتعوذات كالسالح ‪ ,‬والسالح بضاربه ‪ ,‬ال بحده فقط ‪ ,‬فمتى كان‬
‫السالح سالحاً تاماً ال آفة به ‪ ,‬والساعد ساعد قوي ‪ ,‬والمانع مفقود ‪ ,‬حصلت به النكاية في العدو ‪,‬‬
‫ومتى تخلف واحد من هذه الثالثة تخلف التأثير ‪ ,‬فالتعوذات واألذكار ‪ - :‬إما أن تمنع وقوع هذه‬
‫األسباب ‪ ,‬وإما أن تحول بينها وبين كمال تأثيرها بحسب التعوذ وقوته وضعفه (‪.)6‬‬

‫______________________________________________________‬
‫(‪ )3‬زاد المعاد ‪167/1‬‬ ‫(‪)2‬الفوائد ص ‪.272‬‬ ‫(‪ )1‬األذكار النووي‬
‫(‪ )1‬زاد المعاد ‪ )3( .174-167/1‬مجموع الفتاوى ‪ 63 / 26‬باختصار ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫(‪ )6‬زاد المعاد ‪،182 /1‬الجواب الكافي ص‪.22‬‬

‫الدرس الثاني‬
‫الدعاء يرد القضاء ‪:‬‬
‫أذكار الصباح والمساء ‪ :‬هي جملة من األدعية والتعوذات ‪ ,‬والدعاء يرد القضاء‪ ,‬فقد يقضي اهلل‬
‫القضاء ويجعل له سببا يمنع وقوعه ومنه الدعاء ‪)1(.‬‬
‫قال النووي رحمه اهلل ‪ :‬الدعاء سبب لرد البالء ووجود الرحمة ‪ ,‬وكما أن التُرس سبب لدفع السالح ‪,‬‬
‫والماء سبب لخروج النبات من األرض ‪ ,‬فكما أن التُرس يدفع السهم فيتدافعان فكذلك الدعاء والبالء‬
‫‪ ,‬وليس من شرط االعتراف بالقضاء أن ال يحمل السالح‪,‬فقد قال اهلل تعالى‪َ {:‬ولْ َيأْخُذُوا اِذْرَهُمْ‬
‫سلِحَتَهُمْ } (‪ )2‬فقدَر اهلل األمر وقدَر سببه ‪)3(.‬‬
‫وَأَ ْ‬

‫متى يبدأ وقت أذكار الصباح والمساء ؟ ‪:‬‬


‫يبدأ وقت أذكار الصباح ‪ -:‬من طلوع الفجر إلى قبل طلوع الشمس‪.‬‬
‫وأذكار المساء ‪ -:‬من بعد العصر إلى أول الليل (بعد المغرب )‪.‬‬
‫فإن فات المؤمن هذان الوقتان الفاضالن كما لو نسي أو عرض له عارض فال بأس أن يأتي بأذكار‬
‫الصباح إلى نهاية وقت الضحى ‪ ,‬وأذكار المساء إلى ثلث الليل ‪.‬‬
‫قال اإلمام ابن باز –رحمه اهلل ‪ : -‬والسنةُ المحافظةُ على األذكار والدعوات الصباحية والمسائية في‬
‫أوقاتها ‪ ,‬وإذا ذهب وقتها ذهب ثوابها المتعلق بوقتها‪)4( .‬‬

‫فضل الصباح وبركته ‪:‬‬


‫روى مسلم في صحيحة عن أبي وائل شقيق ابن سلمه قال‪ :‬غدونا على عبد اهلل بن مسعود يوماً بعد ما‬
‫صلينا الغداة ‪ ,‬فسلمنا بالباب ‪ ,‬فأَ ِذن لنا ‪ : ,‬فمكثنا بالباب هُنَيةً (أي انتظرنا وتريثنا قليالً) ‪ ,‬فخرجت‬
‫الجارية فقالت ‪ :‬أال تدخلون ؟ فدخلنا ‪ ,‬فإذا هو جالس يُسبِح ‪ ,‬فقال ‪ :‬ما منعكم أن تدخلوا وقد أذن لكم‬
‫؟ فقلنا ‪ :‬ال ‪ ,‬إال أنا ظننا أن بعض أهل البيت نائم ‪ ,‬قال ‪ :‬ظننتم بآل ابن أم عبد غفلة ؟ يعني نفسه فإن‬
‫أم عبد الهذلية أمُه ‪ ,‬ثم أقبل يُسبِح حتى إذا ظن أن الشمس قد طلعت ‪ ,‬قال ‪ :‬يا جارية ‪ :‬انظري هل‬
‫طلعت ؟ ‪ ,‬فنظرت فإذا هي لم تطلع ‪ ,‬فاقبل يُسبِح ‪ ,‬حتى إذا ظن أن الشمس قد طلعت ‪ ,‬قال ‪ :‬يا‬
‫جارية ! انظري ‪ ,‬هل طلعت ؟ فقال ‪ :‬فنظرت فإذا هي قد طلعت ‪ ,‬قال ‪ :‬الحمد اهلل الذي أقالنا يومنا‬
‫هذا ولم يهلكنا بذنوبنا )‪)5(.‬‬
‫إن هذا األثر يعطي المتأمل صورة واضحة على تلك الحياة الجادة والهمة العالية واالستثمار للوقت‬
‫عند السلف والسيما الصحابة رضي اهلل عنهم مع فقهٍ منهم باألوقات ومعرف ٍة ألقدارها والفاضل منها ‪,‬‬
‫وإعطاء كلّ ذي حق حقه ‪.‬‬

‫______________________________________________________‬
‫(‪ )2‬سورة النساء (‪.)142‬‬ ‫(‪ )1‬الباب المفتوح البن عثيمين ‪. 13 /3‬‬
‫(‪ )1‬مجموعة الفتاوى ‪.72 / 26‬‬ ‫(‪ )3‬األذكار ص ‪.312‬‬
‫(‪ )3‬رواه مسلم برقم (‪)278‬‬

‫‪3‬‬
‫فهذا الوقت الذي دخل فيه أبو وائل رحمه اهلل ومن معه على عبد اهلل بن مسعود رضي اهلل عنه وقت‬
‫مبارك وثمين للغاية ‪ :‬وهو وقت ذكر اهلل ‪ ,‬وجدّ ونشاط وهمة في الخير‪ ,‬إال أن كثيراً من الناس‬
‫يهملونه ويفرطون فيه فهو ضائع إما في النوم ‪ ,‬أو في الكسل والفتور ‪ ,‬أو بشغله في التوافه من‬
‫األمور ‪ ,‬مع أن أول اليوم بمنزلة شبابه ‪ ,‬وآخره بمنزلة شيخوخته ‪ ..‬من امسك بزمام اليوم وهو أوله‬
‫‪ ,‬سَلِمَ له يومه كلُه بإذن اهلل وأُعين فيه على الخير وبورك له فيه ‪,‬وهذا المعنى مستفاد من أثر ابن‬
‫مسعود المتقدم ‪ ,‬فإنه رضي اهلل عنه لما تحقق له حفظ أول اليوم بالذكر قال ‪( :‬الحمد اهلل الذي أقالنا‬
‫)‪)1(.‬‬ ‫يومنا ولم يهلكنا بذنوبنا‬

‫بل إن المحافظة على الذكر في هذا الوقت يعطي الذاكر همة وقوة ونشاطاً في يومه كله ‪ ,‬يقول ابن‬
‫القيم ‪:‬حضرت شيخ اإلسالم ابن تيمية مرة صلى الفجر ‪ ,‬ثم جلس يذكر اهلل تعالى إلى قريب من‬
‫انتصاف النهار ‪ ,‬ثم التفت إلي وقال ‪ :‬هذه غدوتي ‪ ,‬ولو لم أتغذ هذا الغذاء سقطت قوتي ‪ ,‬أو كالماً‬
‫قريباً من هذا ‪)2(.‬‬

‫ونظراً ألهمية هذا الوقت وعظم بركته ‪ ,‬وكثرة ما فيه من خير ‪ ,‬فإن السلف – رحمهم اهلل – كانوا‬
‫يكرهون النوم فيه ‪ ,‬قال ابن القيم ‪ :‬ومن المكروه عندهم ‪ -‬أي السلف رحمهم اهلل – النوم بين صالة‬
‫الصبح وطلوع الشمس ‪ ,‬فإنه وقتُ غنيمة ‪ ,‬وللسير عند السالكين مزيّة عظيمة ‪ ,‬حتى لو ساروا طول‬
‫ليلهم لم يسمحوا بالقعود عن السير ذلك الوقت حتى تطلع الشمس ‪ ,‬فإنه أول النهار ومفتاحه ‪ ,‬ووقت‬
‫نزول األرزاق ‪ ,‬وحصول القسم ‪ ,‬وحلول البركة ‪)3(.‬‬

‫الجمع بين أذكار الصباح والمساء والرقية ‪:‬‬


‫‪ -‬ال بأس بالجمع بين قراءة األذكار والرقية بها( يقرأ وينفث ويمسح على جسده) ‪.‬‬
‫‪ -‬ال ينبغي أن يكون دين المسلم دوماً (في كل مرة ) المسح على جسده بعد قراءة األذكار في غير الرقية‬
‫‪ ,‬لعدم ثبوت ذلك عن النبي ‪. ‬‬

‫______________________________________________________‬

‫(‪ )1‬فقه األدعية واألذكار للبدر ‪.18 /3‬‬


‫(‪ )2‬الوابل الصيب ص‪.83‬‬
‫(‪ )3‬مدارج السالكين ‪.133 / 1‬‬
‫‪6‬‬
‫الدرس الثالث‬

‫أذكار الصباح والمساء‬


‫الحمد هلل وحده ‪ ,‬والصالة والسالم على من ال نبي بعده ‪.‬‬
‫ألرْ ِ‬
‫ض‬ ‫سمَاوَاتِ َومَا فِي ا َ‬ ‫خ ُذهُ سِنَةٌ وَالَ نَ ْومٌ لَهُ مَا فِي ال َ‬ ‫{ اللّهُ الَ إِلَهَ إِالَ هُوَ ا ْلحَيُ الْقَيُومُ الَ تَ ْأ ُ‬
‫مَن ذَا اَلذِي يَشْ َفعُ عِ ْن َدهُ إِالَ بِِإذْنِهِ َيعَْلمُ مَا بَيْنَ أَ ْيدِي ِهمْ َومَا خَلْ َف ُهمْ وَالَ ُيحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِ ْلمِهِ‬
‫وهُوَ ا ْلعَلِيُ ا ْلعَظِيمُ }(‪)1‬‬
‫ظ ُهمَا َ‬
‫أل ْرضَ وَالَ يَؤُو ُدهُ حِفْ ُ‬ ‫سمَاوَاتِ وَا َ‬ ‫سعَ ُكرْسِيُهُ ال َ‬ ‫إِالَ ِبمَا شَاء وَ ِ‬ ‫‪-1‬‬
‫البقرة ‪255:‬‬

‫من قالها حين يصبح أُجير من الجن حتى يمسي ‪ ,‬ومن قالها حين يمسي أُجير منهم حتى‬ ‫فضلها ‪:‬‬
‫(‪)2‬‬ ‫يصبح‪.‬‬
‫هذه اآلية أعظم آية في كتاب اهلل ‪ ,‬فقد سأل النبي صلى اهلل عليه وسلم أُبي بن كعب رضي اهلل عنه‪:‬‬
‫(أيُ آية أعظم في كتاب اهلل ؟) قال‪ :‬آية الكرسي‪ ,‬فضرب على صدره‪ ,‬وقال‪ :‬ليهنك العلم أبا المنذر )(‪)3‬‬
‫أي ليكن العلم هنيئاً لك ‪.‬‬
‫الشرح ‪ :‬هذه اآلية الكريمة إنما كانت بهذه المنزلة لعظم ما دلت عليه من توحيد اهلل وتمجيده وحسن‬
‫الثناء عليه ‪ ,‬وذكر نعوت جالله وكماله ‪ ,‬فتضمنت من أسماء اهلل خمسة أسماء‪ ,‬وتضمنت من الصفات‬
‫ما يزيد على العشرين صفة للرب تبارك وتعالى‪.‬‬
‫قال ابن تيمية ‪ :‬وليس في القرآن آية واحدة تضمنت ما تضمنته آية الكرسي ‪)4(.‬‬
‫وقد اشتملت هذه اآلية العظيمة على عشر جمل مستقلة ‪-:‬‬
‫الّلهُ الَ إِلَهَ إِالَ هُوَ ‪ُ :‬بدئت اآلية بذكر تفرد اهلل باأللوهية ‪ ,‬فهو سبحانه ال معبود بحق إال هو ‪ ,‬و‬
‫طلُ وَأَنَ اللَهَ‬
‫ألوهية غيره وعبادة غيره باطلة‪ { :‬ذَلِكَ بِأَنَ اللَهَ هُوَ الْحَقُ َوأَنَ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَا ِ‬
‫هُوَ الْعَِليُ الْكَبِيرُ }الحج‪62‬‬
‫حيُ ا ْلقَيُومُ ‪ :‬جمعُ هذين االسمين في غاية المناسبة ‪ ,‬وذلك أنهما محتويان على جميع صفات‬ ‫الْ َ‬
‫الكمال ‪ ,‬فكمال األوصاف في الحي ‪ ,‬وكمال األفعال في القيوم ‪.‬‬
‫حيّ ‪ :‬هو كامل الحياة ‪ ,‬وذلك يتضمن جميع الصفات الذاتية هلل كالسمع والبصر والعلم والعزة‬ ‫فالْ َ‬
‫والقدرة والكبرياء والعظمة وغيرها من صفات الذات المقدسة‪.‬‬
‫الْقَيُومُ ‪ :‬القائم على نفسه فال يحتاج إلى أحد من خلقه ‪ ,‬والقائمُ سبحانه على غيره فكلُ أحدٍ من خلقه‬
‫محتاجٌ إليهِ ‪ ,‬فهو سبحانه رازق البريات قاضي الحاجات ‪ ,‬مُرّج الكربات ‪ ,‬فهذا يرزقه وهذا يشفيه ‪,‬‬
‫وهذا يطلب منه النصر والعزّة وذاك يطلب الهداية ‪)5( .‬‬

‫______________________________________________________‬
‫البقرة ‪.233‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫رواه الحاكم ‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫رواه مسلم ‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫مجموع الفتاوى ‪. 123 / 11‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫ابن عثيمين‬ ‫(‪)3‬‬

‫‪7‬‬
‫الَ َتأْخُ ُذهُ سِ َنةٌ وَالَ نَوْمٌ ‪ :‬أي ال يعتريه نعاس وال نوم ‪ ,‬ألن السنة والنعاس إنما يعرضان للمخلوق‬
‫الذي يعتريه الضعف والعجز ‪ ,‬وال يعرضان لذي العظمة والكبرياء والجالل ‪.‬‬
‫ألرْضِ ‪ :‬إخبار بأن الجميع عبيده ‪ ,‬وفي ملكه وتحت قهره وسلطانه ‪,‬‬ ‫سمَاوَاتِ َومَا فِي ا َ‬ ‫َلهُ مَا فِي ال َ‬
‫ويتفرع على كون الملك هلل أال نتصرف في ملكه إال بما يرضاه ‪ ,‬ومنها ‪ :‬تسليةُ اإلنسان عند المصائب‬
‫‪ ,‬ورضاه بقضاء اهلل وقدره ‪ ,‬ألنه متى علم أن الملك هلل وحده رضي بقضائه ‪ ,‬وسلَم‪.‬‬
‫مَن ذَا الَذِي يَشْفَعُ عِنْ َدهُ إِالَ ِبإِذْ ِنهِ ‪ :‬هذا من عظمته وجالله وكبريائه عز وجل أنه ال يتجاسر أحد‬
‫على أن يشفع ألحد عنده إال بإذنه في الشفاعة { وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَا مِنْ‬
‫بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى } ‪)1(.‬‬
‫َيعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْ َفهُمْ ‪ :‬إخبار عن علمه الواسع المحيط بجميع الكائنات ماضيها وحاضرها‬
‫ومستقبلها ‪.‬‬
‫شيْءٍ مِنْ عِ ْل ِمهِ إِالَ ِبمَا شَاء ‪ :‬لها معنيان ‪- :‬‬ ‫وَالَ يُحِيطُونَ بِ َ‬
‫‪ -‬ال يحيطون بشيء من علمه ‪ ,‬أي ‪ :‬ال يعلمون عن اهلل سبحانه من أسمائه وصفاته وأفعاله إال بما شاء‬
‫أن يعلمهم إياه فيعلمونه ‪.‬‬
‫‪ -‬وال يحيطون بشيء من معلومه ‪ -‬أي مما يعلمه في السماوات واألرض ‪ -‬إال بما شاء أن يعلمهم إياه‬
‫فيعلمونه ‪.‬‬
‫ألرْضَ ‪ :‬هذا بيان لعظمة اهلل بذكر عظمة مخلوقاته ‪ ,‬فإذا كان الكرسي‬ ‫سمَاوَاتِ وَا َ‬ ‫وَسِعَ ُكرْسِ ُيهُ ال َ‬
‫وهو مخلوق من مخلوقاته وسع السماوات واألرض فكيف بالخالق الجليل؟! وقد شمل وأحاط الكرسي‬
‫السماوات واألرض ‪.‬‬
‫والكرسي ‪ :‬هو موضع قدمي الرب سبحانه وهو بين يدي العرش كالمقدمة له ‪ ,‬والعرش فوق‬
‫المخلوقات وهو أعلى المخلوقات ‪.‬‬
‫قال صلى اهلل عليه وسلم ( ما السماوات السبع واألرضون بالنسبة للكرسي إال كحلقة ألقيت في فالة من‬
‫األرض ‪ ,‬وإن فضل العرش على الكرسي كفضل الفالة على تلك الحلقة ) (‪)2‬‬
‫ظهُمَا ‪ :‬أي ال يثقله حفظ السموات واألرض لكمال عظمته واقتداره ‪ ,‬فالسماوات‬ ‫وَالَ يَؤُو ُدهُ حِ ْف ُ‬
‫واألرض تحتاج إلى حفظ ‪,‬ولوال حفظ اهلل لفسدتا لقوله {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن‬
‫زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا } (‪)3‬‬

‫______________________________________________________‬
‫النجم (‪. )26‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫رواه ابن حبان ‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫فاطر (‪. )11‬‬ ‫(‪)3‬‬

‫‪8‬‬
‫وَهُوَ ا ْلعَِليُ ‪ :‬له العلو المطلق ‪:‬‬
‫أ‪ -‬علو القدر ‪ :‬معناه أن اهلل ذو قدر عظيم ‪ ,‬ال يماثله أحد من خلقه ‪ ,‬وال يعتريه معه نقص‪.‬‬
‫ب‪ -‬علو القهر ‪ :‬معناه أن اهلل قهر جميع المخلوقات ‪ ,‬فال يخرج أحد منهم عن سلطانه‪.‬‬
‫ج‪ -‬علو الذات ‪ :‬معناه أن اهلل بذاته فوق عرشه ‪.‬‬
‫ا ْل َعظِيم ‪ :‬الجامع لجميع صفات العظمة والكبرياء ‪ ,‬الذي تحبه القلوب وتعظمه األرواح‪.‬‬
‫وفي قوله ( وَهُوَ الْعَِليُ الْعَظِيم ) التحذير من الطغيان على الغير‪,‬ولهذا‬
‫قال تعالى ‪ { :‬فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَالَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَ سَبِيالً إِنَ اللّهَ كَانَ عَلِيًا كَبِيرًا }‪)1(.‬‬
‫فإذا كنت متعالياً في نفسك فاذكر علو اهلل عز وجل ‪ ,‬وإذا كنت عظيماً في نفسك فاذكر عظمة اهلل ‪ ,‬وإذا‬
‫كنت كبيراً في نفسك فاذكر كبرياء اهلل (‪)2‬‬

‫____________________________________________‬
‫(‪ )1‬النساء (‪)31‬‬
‫(‪ )2‬تفسير القرآن العظيم البن كثير ‪ ، 343/1‬تيسير الكريم الرحمن البن سعدي ‪ ، 313/1‬تفسير البقرة البن عثيمين ‪، 233/3‬‬
‫فقه األذكار للبدر ‪. 37/3‬‬

‫‪3‬‬
‫الدرس الرابع‬

‫صمَدُ*لَمْ َيلِدْ َولَمْ يُولَدْ* َولَمْ َيكُن لَهُ كُفُواً أَحَد }(سورة‬
‫ِبسْمِ اهللِ الرَحْمنِ الرَحِيمِ { ُقلْ هُوَ اللَهُ أَحَدٌ*اللَهُ ال َ‬
‫سقٍ إِذَا وَقَبَ*‬ ‫شرِ غَا ِ‬
‫خَلقَ*وَمِنْ َ‬ ‫اإلخالص) ِبسْمِ اهللِ الرَحْمنِ الرَحِيمِ { قُلْ أَعُوذُ ِبرَبِ الْ َفَلقِ*مِنْ شَرِ مَا َ‬
‫{‬ ‫حسَدَ }(سورة الفلق ) ِبسْمِ اهللِ الرَحْمنِ الرَحِيمِ‬ ‫شرِ حَاسِدٍ إِذَا َ‬ ‫شرِ النَفَاثَاتِ فِي ا ْلعُقَدِ* َومِنْ َ‬
‫َومِنْ َ‬
‫شرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ*الَّذِي يُوَسْ ِوسُ فِي صُدُو ِر‬ ‫ُقلْ أَعُوذُ ِبرَبِّ النَّاسِ* َمِلكِ النَّاسِ*ِإلَهِ النَّاسِ*مِنْ َ‬ ‫‪-2‬‬
‫ثالث مرات في الصباح والمساء‬ ‫النَّاسِ*مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَاسِ}(سورة الناس‬

‫شيء(‪)1‬‬‫فضل هذه السورة ‪ :‬من قالها ثالث مرات حين يصبح وحين يمسي كفته من كل‬
‫وقد كان صلى اهلل عليه وسلم يتعوذ من أعين الجان وعين اإلنسان ‪ ,‬فلما نزلت المعوذتان أخذ بهما‬
‫وترك ما سواهما ‪)2(.‬‬
‫ي من‬ ‫قال الشوكاني ‪ :‬وفي الحديث دليل على أن تالوة هذه السور عند المساء وعند الصباح تكفي التاَِل َ‬
‫كل شيء يخشى منه كائن ًا من كان ‪)3(.‬‬
‫(سبب تسمية هذه السور بالمعوذات ‪ :‬من باب التغليب‪ ,‬كما يقال األسودان ‪ :‬التمر والماء‪,‬‬
‫والقمران ‪:‬الشمس والقمر) ‪.‬‬
‫سبب تسمية سورة (اإلخالص) بهذا االسم ‪ :‬قال ابن األثير ‪ :‬سميت بذلك ألنها خالصة في صفة اهلل‬
‫تعالى وتقدس أو أن قارئها قد أخلص التوحيد هلل عز وجل ‪ ,‬وقد نزلت عندما قال المشركون للرسول‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬صف لنا ربك؟فأنزل اهلل (قل هو اهلل أحد ‪ ,‬اهلل الصمد ‪ ,‬لم يلد ولم يولد‪,‬ولم‬
‫يكن له كفواً أحد)‪.‬‬
‫قُلْ‪ :‬الخطاب لرسول صلى اهلل عليه وسلم وألمته أيضاً ‪.‬‬
‫ُقلْ هُوَ اللَهُ أَحَدٌ ‪ :‬أي واحد في ربوبيته و ألوهيته وأسمائه وصفاته ‪.‬‬
‫اللَهُ الصَمَدُ المقصود في جميع الحوائج ‪ ,‬الكامل في صفاته ‪ ,‬فجميع الخلق مفتقرون إليه غاية االفتقار‬
‫يسألونه حوائجهم ‪ ,‬ويرغبون إليه في مهماتهم ‪.‬‬
‫لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ‪ :‬لكمال غناه سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬رواه أبو داود ‪)2( .‬حديث صحيح رقم‪( 1342‬صحيح الجامع الصغير ) ‪.‬‬
‫(‪ )3‬تحفة الذاكرين ص‪. 78‬‬

‫(‪)1‬‬ ‫وَلَمْ يَكُن لَهُ كُفُواً أَحَد ‪ :‬ليس له مثيل ال في أسمائه وال في صفاته وال في أفعاله‪.‬‬
‫‪14‬‬
‫{ ُقلْ أَعُوذُ بِرَبِ الْفَلَقِ } { ُقلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ }‬
‫فضلها ‪ :‬قال صلى اهلل عليه وسلم ( ما تعوذ متعوذ بمثلهما )‪)2( .‬‬
‫قال ابن القيم رحمه اهلل ‪ :‬حاجة العبد إلى االستعاذة بهاتين السورتين أعظم من حاجته إلى ال َنفَس‬
‫والطعام والشراب واللباس ‪)3(.‬‬
‫قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب –رحمه اهلل تعالى ‪: -‬‬
‫‪ -‬سورة الفلق ‪ :‬استعاذة باهلل من الشرور الخارجية ‪ ,‬مثل كيد الجن واإلنس والحيوانات المؤذية ‪.‬‬
‫‪ -‬و سورة الناس ‪ :‬استعاذة باهلل من الشرور الداخلية ‪ ,‬كالوسواس واألمراض ‪.‬‬
‫{ قُلْ أَعُو ُذ ِبرَبِ الْفََلقِ }‪:‬‬
‫أَعُوذ‪ :‬أصل كلمة عوذ ‪ :‬قيل ‪:‬إنها مأخوذة من لزوم المجاورة ‪ ,‬فالعرب تقول لَلحْ ِم إذا لصق بالعظم فلم‬
‫يتخلص منه (عوذ) ألنه اعتصم به واستمسك به (‪)4‬‬
‫فاالستعاذة ‪:‬هي االلتجاء واالعتصام باهلل من الشرور ‪ ,‬واالستعاذة تعظيم هلل عز وجل‪ ,‬ألن المستعيذ‬
‫يشعر بالخوف فيلجأ إلى المستَعاذُ به حتى يقيه ويحفظه ‪ ,‬وهذا هو التعظيم بعينه ‪ ,‬والتعظيم عبادة‬
‫(‪)5‬‬
‫والحياة مليئة باآلفات والمكاره ‪ ,‬ولكل مخلوق أعداء من الجن واإلنس ‪ ,‬وال غنى ألي مخلوق من‬
‫االحتماء بجناب اهلل ‪.‬‬
‫الْفَلَقِ ‪ :‬الفلق‪ :‬الصبح ‪,‬سمي (فلق ) ألنه ينفلق عنه الظالم ‪ ,‬رب الفلق ‪ :‬هو اهلل سبحانه { فَالِقُ‬
‫اإلِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّ ْيلَ سَكَنًا }‪)6( .‬‬
‫قال العلماء ‪ :‬كأن فيه إشارة إلى أن الذي يجلو الظلمات ويكشفها هو القادر على كشف ظلمات المرض‬
‫والكرب ‪.‬‬
‫قُلْ أَعُو ُذ ِبرَبِ الْفََلقِ ‪ :‬أي التجأ واعتصم برب الصباح ‪.‬‬
‫شرِ مَا خََلقَ ‪ :‬االستعاذة من كل شر‪ :‬إنسيا أو جنياً أو دابة أو ريحاً أو صاعقة أو ناراً أو هواء ‪,‬‬ ‫مِنْ َ‬
‫ومن كل شر في الدنيا واآلخرة ‪ ,‬وليس المراد االستعاذة من شر كل ما خلقه اهلل ‪,‬فإن الجنة وما فيها‬
‫ليس فيها شر ‪ ,‬وكذلك المالئكة واألنبياء فإنهم خير محض‪ ,‬والخير كله حصل على أيديهم ‪.‬‬
‫سقٍ إِذَا َوقَبَ ‪-:‬الغاسق هو ظالم الليل ‪ ,‬أو القمر إذا ظهر ‪ ,‬وكال المعنيين صحيحان ‪,‬‬ ‫شرِ غَا ِ‬ ‫َومِنْ َ‬
‫أي ‪ :‬يستعاذ من شر ما يكون في ظالم الليل الذي تنتشر فيه الشياطين والحيوانات المؤذية ‪.‬‬

‫_______________________________________‬

‫(‪ )1‬تيسير العزيز المنان البن سعدي ‪ ، 686/6‬تفسير جزء عم البن عثيمين ص ‪)2( . 333‬رواه أبو داود ‪.‬‬
‫(‪ )1‬التفسير القيم البن القيم ص ‪338‬‬ ‫(‪ )3‬بدائع الفوائد ‪. 133 /2‬‬
‫(‪ )6‬اإلنعام (‪)36‬‬ ‫(‪ )3( )1‬فوائد على كتاب التوحيد البن جبرين ص ‪.12‬‬

‫‪11‬‬
‫قال اإلمام ابن القيم رحمه اهلل ‪ :‬الليل هو محل الظالم ‪ ,‬وفيه تتسلط شياطين اإلنس والجن ماال‬
‫تتسلط بالنهار ‪ ,‬فإن النهار نور ‪ ,‬والشياطين إنما سلطانهم في الظلمات والمواضع المظلمة وعلى أهل‬
‫الظلمة‪ ,‬ولهذا كان سلطان السحر وعظم تأثيره إنما هو بالليل دون النهار ‪ ,‬فالسحر الليلي عندهم هو‬
‫السحر القوي التأثير ‪ ,‬ولهذا كانت القلوب المظلمة هي محال الشياطين وبيوتهم ومأواهم ‪ ,‬والشياطين‬
‫تجول فيها وتتحكم كما يتحكم ساكن البيت فيه ‪ ,‬وكلما كان القلب اظلم كان للشيطان أطوع ‪.‬‬
‫ومن هنا تعلم السر في االستعاذة برب الفلق في هذا الموضع ‪ ,‬فإن الفلق ‪ :‬هو الصبح الذي هو‬
‫مبدأ ظهور النور‪ ,‬وهو الذي يطرد جيش الظالم وعسكر المفسدين في الليل ‪ ,‬فيأوي كل خبيث ومفسد‬
‫وكل لص وكل قاطع طريق إلى سرب أو كِنّ أو غار ‪ ,‬وتأوي الهوام إلى جحورها ‪ ,‬والشياطين التي‬
‫انتشرت بالليل إلى أمكنتها ومحالها ‪,‬فأمر اهلل عباده أن يستعيذوا برب النور الذي يقهر الظلمة ويزيلها ‪,‬‬
‫ولهذا ذكر اهلل في كل كتاب أنه يخرج عباده من الظلمات إلى النور ‪ ,‬ويدع الكفار في ظلمات كفرهم‬
‫قال تعالى ‪{ :‬اللّهُ وَِليُ الَذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِنَ الظُلُمَاتِ إِلَى النُوُرِ} (‪)1‬‬
‫فاإليمان كله نور ‪ ,‬ومآله إلى نور ‪ ,‬ومستقره في القلب المضيء المستنير ‪ ,‬والمقترن بأهل األرواح‬
‫المستنيرة المضيئة المشرقة ‪ ,‬والكفر و الشرك كله ظلمة ‪ ,‬ومآله إلى الظلمات ومستقره في القلوب‬
‫المظلمة ‪ ,‬والمقترن بأهله األرواح المظلمة (‪. )2‬‬

‫ن على سحرهن بالنفث في العُ َقدْ‬ ‫شرِ النَفَاثَاتِ فِي ا ْلعُقَدِ ‪ :‬أي ومن شر السواحر‪ ,‬الالتي يَسْ َت ِع َ‬ ‫َومِنْ َ‬
‫ها على السحر (‪) 3‬‬ ‫التي يَعْ ِقدْ َن َ‬
‫شرِ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ‪ :‬الحاسد هو الذي يتمنى زوال النعمة عن الغير ‪ ,‬والحسد أعظم الخصال‬ ‫َومِنْ َ‬
‫المذمومة ألن فيه اعتراضاً على اهلل ‪ ,‬وفيه إساءةٌ إلى الخلق‪.‬‬
‫قال ابن القيم ‪ :‬وتأمل تقييده شر الحاسد بقوله ( إِذَا حَسَدَ ) ألن الرجل قد يكون عنده حسد ولكن يخفيه ‪,‬‬
‫وال يترتب عليه أذى بوجه ما ‪ ,‬ال بقلبه وال بلسانه وال بيده ‪ ,‬بل يجد في قلبه شيئا من ذلك ‪ ,‬وال يعامل‬
‫أخاه ‪ ,‬إال بما يحب اهلل ‪ ,‬فهذا ال يكاد يخلو منه أحد إال من عصمة اهلل (‪)4‬‬
‫ويدخل فيه العائن الذي يصيب بنظرته ‪ ,‬ألن اإلصابة نوع من الحسد ‪ ,‬فنستعيذ باهلل من هذه الشرور ‪.‬‬

‫___________________________________________________‬
‫(‪ )1‬البقرة (‪)237‬‬
‫(‪ )2‬التفسير القيم البن القيم ص‪364‬‬
‫(‪ )3‬تيسير الكريم الرحمن البن سعدي ص ‪337‬‬
‫(‪ )1‬التفسير القيم ص‪383‬‬
‫‪12‬‬
‫الدرس الخامس‬
‫{ قُلْ أَعُو ُذ ِبرَبِّ النَّاسِ مَِلكِ النَّاسِ إَِلهِ النَّاسِ}‪.‬‬
‫قُلْ أَعُوذُ ‪ :‬هذه السورة مشتملة على االستعاذة ‪-:‬‬
‫ِبرَبِّ النَّاسِ ‪ :‬ذكر سبحانه ربوبيته للناس المتضمنة لتدبيرهم و تربيتهم وإصالحهم ‪ ,‬وجلب‬
‫مصالحهم وما يحتاجون إليه ‪.‬‬
‫مَِلكِ النَّاسِ ‪ :‬إضافةُ المُلك ‪ :‬فهو ملكهم المتصرف فيهم وهم عبيده ومماليكه الذي إليه مفزعهم عند‬
‫الشدائد ‪.‬‬
‫إَِلهِ النَّاسِ ‪ :‬إضافة األلوهية‪ ,‬فهو إلههم الحق ليس لهم معبود سواه ‪.‬‬
‫وهذه اآليات الثالث يمكن أن يُقال ‪:‬إنها استوعبت أقسام التوحيد ( بِ َربِّ النَّاسِ ) توحيد الربوبية ( َملِكِ‬
‫النَّاسِ ) توحيد األسماء والصفات ‪ ,‬ألن الملك ال يستحق أن يكون ملكاً إال بتمام أسمائه وصفاته‪ ( ,‬إِلَهِ‬
‫النَّاسِ ) توحيد األلوهية (‪.)1‬‬
‫شرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ* الَّذِي يُوَسْ ِوسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ ‪:‬‬
‫مِنْ َ‬
‫من الشيطان الذي هو أصل الشرور كلها ومادتها ‪ ,‬الذي من فتنته وشره أنه يوسوس في صدور الناس‬
‫‪ ,‬فيحسِن لهم الشر ‪ ,‬ويريهم إياه في صورة حسنة ‪ ,‬ويُنشِط إرادتهم لفعله ‪ ,‬ويُقبِح لهم الخير ‪ ,‬و‬
‫يُثبِطهم عنه ‪ ,‬وهو دائماً بهذه الحال يوسوس و يخنس أي‪ :‬يتأخر إذا ذكر العبد ربه واستعان به على‬
‫دفعه ‪.‬‬
‫مِنَ الْجِ ّنَةِ وَالنَاسِ ‪ :‬والوسواس كما يكون من الجن يكون من اإلنس (‪)2‬‬
‫والرب سبحانه متصف بالقوة والعزة ‪ ,‬من اعتصم به لم يصله أذى احد ‪ ,‬وتخلف عنه الضرر ولو مع‬
‫وجود أسبابه ‪.‬‬

‫(أَصْـبَحْنا وَأَصْـبَحَ المُـلْكُ هلل ‪ ,‬وَالحَمدُ هلل‪ ,‬ال إلهَ إالّ اللّهُ وَحدَهُ ال شَريكَ لهُ ‪ ,‬لهُ المُـل ُ‬
‫ك‬ ‫‪-3‬‬
‫ولهُ الحَمْـد‪ ,‬وهُوَ على كلّ شَيءٍ قدير‪ ,‬رَبِ أسْـأَلُـكَ خَـيرَ ما في هـذا اليوم وَخَـيرَ ما‬
‫بَعْـدَه وَأَعـوذُ بِكَ مِنْ شَـرِ هـذا اليوم وَشَرِ ما بَعْـدَه ‪ ,‬رَبِ أَعـوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَـلِ‬
‫وَسـوءِ الْكِـبَر‪ ,‬رَبِ أَعـوذُ بِكَ مِنْ عَـذابٍ في النّـارِ‪,‬وَعَـذابٍ في القَـبْر) رواه مسلم ‪ ,‬وإذا‬
‫أمسى قا ‪ :‬أمسينا وأمسى الملك هلل‬

‫___________________________________________________‬
‫(‪ )1‬شرح رياض الصالحين البن عثيمين ‪318/3‬‬
‫(‪ )2‬تيسير الكريم الرحمن البن سعدي ص‪33‬‬

‫‪13‬‬
‫أَصْـبَحْنا وَأَصْـبَحَ المُـ ْلكُ هلل ‪ ,‬وَالحَمدُ هلل ‪ :‬أي ‪:‬دخلنا في الصباح متلبسين بنعمة وحفظ من اهلل‬
‫تعالى‪ ,‬واستمر دوام الملك كائناً هلل ‪ ,‬ومختصاً به ‪.‬‬
‫ال إلهَ إالّ الّلهُ وَح َدهُ ال شَريكَ لهُ ‪ :‬أي ال معبود بحق إال هو (وَح َدهُ) فيه تأكيد لإلثبات (ال شَريكَ لهُ‬
‫فيه تأكيد للنفي ‪.‬‬
‫وهذا تأكيد من بعد تأكيد اهتماماً بمقام التوحيد وتعلية لشأنه ‪ ,‬ولما أقر هلل بالوحدانية أتبع ذلك باإلقرار‬
‫له بالملك والحمد والقدرة على كل شيء فقال ‪:‬‬
‫حمْـد‪ ,‬وهُوَ على كلّ شَيءٍ قدير ‪ :‬فالملك كله هلل ‪ ,‬وبيده سبحانه ملكوت كل شيء ‪,‬‬ ‫لهُ المُـلكُ ولهُ ال َ‬
‫والحمد كله له ملكاً واشتقاقاً ‪,‬وهو سبحانه على كل شيء قدير ‪ ,‬فال يخرج عن قدرته شيء قال تعالى ‪{:‬‬
‫شيْءٍ فِي السَمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا } (‪)1‬‬
‫وَمَا كَانَ اللَهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ َ‬
‫وفي اإلتيان بهذه الجملة المتقدمة بين يدي الدعاء فائدة عظيمة ‪ ,‬فهو أبلغ في الدعاء ‪ ,‬وأرجى لإلجابة‬
‫ثم بدأ بعد ذلك بذكر مسألته وحاجاته فقال ‪:‬‬
‫رَبِ أسْـأَلُـكَ خَـيرَ ما في هـذا اليوم ‪ -‬أو هذه الليلة ‪ : -‬أي أسألك الخيرات التي تحصل في‬
‫هذا اليوم من خيرات الدنيا واآلخرة ‪ ,‬أما خيرات الدنيا ‪ :‬فهي حصول النعم واألمن والسالمة من طوارق‬
‫الليل وحوادثه ونحوها ‪ ,‬وأما خيرات اآلخرة فهي حصول التوفيق إلحياء اليوم والليلة بالصالة‬
‫والتسبيح وقراءة القرآن ونحو ذلك ‪.‬‬
‫وَخَـيرَ ما َبعْـدَه ‪ -‬أو ما بعدها ‪ : -‬أي أسألك الخيرات التي تعقب هذا اليوم أو هذه الليلة‪.‬‬
‫شرِ ما َبعْـدَه ‪ :‬أي واعتصم بك والتجئ إليك من شر ما‬ ‫وَأَعـو ُذ ِبكَ مِنْ شَـرِ هـذا اليوم وَ َ‬
‫أردت وقوعه فيه من شرور ظاهرة أو باطنه ‪.‬‬
‫رَبِ أَعـوذُ ِبكَ مِنَ الْكَسَـلِ ‪ :‬المراد بالكسل ‪:‬عدم انبعاث النفس للخير مع ظهور القدرة عليه ‪,‬‬
‫ومن كان كذلك فإنه ال يكون معذوراً بخالف العاجز ‪ ,‬فإنه معذور لعدم قدرته ‪.‬‬
‫وَسـوءِ ا ْلكِـبَر‪ :‬أي ما يورثه كبر السن من ذهاب العقل واختالط الرأي وغيره ذلك مما يسوء به الحال ‪.‬‬
‫ب في النّـارِ وَعَـذابٍ في القَـبْر ‪ :‬أي أستجير بك يا اهلل من أن ينالني‬
‫رَبِ أَعـو ُذ ِبكَ مِنْ عَـذا ٍ‬
‫عذاب النار وعذاب القبر ‪ ,‬وإنما خصصهما بالذكر من بين سائر عذابه يوم القيامة لشدتهما ‪ ,‬وعظم شأنهما ‪,‬‬
‫فالقبر أول منازل اآلخرة ‪ ,‬ومن سلم فيه سلم فيما بعده‪ ,‬والنار ألمها عظيم وعذابها شديد (‪)2‬‬

‫_______________________________________________‬
‫(‪ )1‬فاطر (‪)11‬‬
‫(‪ )2‬ينظر فقه األدعية لعبد الرزاق البدر ‪ ، 21/3‬ما شرح حصن المسلم لمجدي أحمد ص ‪161‬‬

‫‪11‬‬
‫الدرس السادس‬
‫( اللَّهُمَّ بِكَ أَصْبَحْنَا ‪ ,‬وَبِكَ أَمْسَيْنَا ‪ ,‬وَبِكَ نَحْيَا وَبِكَ نَمُوتُ ‪ ,‬وَإِلَيْكَ الْنْشُورُ) رواه الترمذي‪.‬‬
‫وإذا أمسى قال‪ :‬اللهم بك أمسينا‪.‬‬ ‫‪-1‬‬

‫هذا الذكر اشتمل على تذكير المسلم بعظيم فضل اهلل عليه وواسع كرمه ‪ ,‬فنوم اإلنسان ويقظته وحركته‬
‫وسكونه وقيامه وقعوده إنما هو باهلل عز وجل فما شاء كان ‪ ,‬وما لم يشأ لم يكن ‪.‬‬
‫اللَّهُمَّ بِكَ أَصْبَحْنَا ‪ :‬تقديم بك على أصبحنا وما بعده يفيد االختصاص ‪ ,‬أي بنعمتك وإعانتك وبحفظك أصبحنا‬
‫‪.‬‬
‫وَبِكَ أَمْسَيْنَا ‪( :‬دخلنا في المساء ) أي ‪ :‬بنعمتك وإعانتك وبحفظك أمسينا ‪.‬‬
‫وَ ِبكَ نَحْيَا وَبِكَ نَمُوتُ ‪ :‬أي مستجيرين ومستعيذين بك في جميع األوقات ‪ ,‬وسائر األحوال في اإلصباح‬
‫واإلمساء والمحيا والممات ‪.‬‬
‫فإنما نحن بك ‪ ,‬أنت المعين وحدك ‪ ,‬وزمام األمور كلها بيدك ‪ ,‬وال غنى لنا عنك طرفة عين ‪ ,‬وفي هذا من‬
‫االعتماد على اهلل واللجوء إليه واالعتراف بمنه وفضله ما يحقق للمرء إيمانه ويقوي يقينه ويعظم صلته بربه‬
‫سبحانه ‪.‬‬
‫وَإِلَيْكَ الْنْشُورُ ‪ :‬أي اإلحياء للبعث يوم القيامة ‪.‬‬
‫جعَى } (‪)1‬‬ ‫وفي المساء يقول (إليك المصير ) ‪ :‬أي المرجع والمآب كما قال تعالى ‪ { :‬إِنَّ إلَى رَ ّبِكَ ال ّرُ ْ‬
‫وقد جعل صلى اهلل عليه وسلم قوله ( وإليك النشور ) في الصباح ‪ ,‬وقوله ( وإليك المصير ) في المساء رعاية‬
‫للتناسب والتشاكل ‪ ,‬ألن اإلصباح يشبه النشر بعد الموت ‪ ,‬والنوم موتة صغرى ‪ ,‬والقيام منه يشبه النشر من‬
‫سكُ الَتِي قَضَى عَلَ ْيهَا‬ ‫بعد الموت‪ ,‬قال تعالى ‪{:‬اللَهُ يَتَوَفَى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْ ِتهَا وَالَتِي َلمْ َت ُمتْ فِي مَنَا ِمهَا فَ ُيمْ ِ‬
‫كرُونَ } (‪)2‬‬ ‫سمًى إِنَ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَ ْومٍ يَتَ َف َ‬
‫جلٍ مُ َ‬
‫خرَى إِلَى َأ َ‬
‫سلُ الُْأ ْ‬
‫ا ْلمَ ْوتَ وَ ُيرْ ِ‬
‫واإلمساء يشبه الموت بعد الحياة ‪ ,‬ألن اإلنسان يصير فيه إلى النوم الذي يشبه الموت والوفاة ‪ ,‬فكان بذلك‬
‫خاتمة كل ذكرٍ متجانسة ً غاية َ المجانسة على المعنى الذي ذكر فيه‪ ,‬ومما يوضح هذا‪ :‬ما ثبت عن النبي‬
‫صلى اهلل عليه وسلم أنه كان يقول عند قيامه من النوم ( الحمد هلل الذي أحيانا بعد ما أماتنا واليه النشور ) (‪)3‬‬
‫فسمي النوم موتاً ‪ ,‬والقيام منه حياة من بعد الموت‪)4(.‬‬

‫___________________________________________________‬
‫(‪ )1‬العلق (‪)8‬‬
‫(‪ )2‬الزمر (‪)12‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري‬
‫(‪ )1‬تحفة الذاكرين للشوكاني ص ‪، 84‬وفقه األذكار للبدر ‪ 23،/3‬شرح حصن المسلم لمجدي احمد ‪.162‬‬

‫‪13‬‬
‫{ اللهم أنت ربي ‪ ,‬ال إله إال أنت خلقتني ‪ ,‬وأنا عبدك ‪ ,‬وأنا على عهدك ‪ ,‬ووعدك‬
‫ما استطعت ‪ ,‬أعوذ بك من شر ما صنعت ‪ ,‬أبوء لك بنعمتك علي ‪ ,‬وأبوء بذنبي ‪,‬‬
‫فاغفر لي ‪ ,‬فإنه ال يغفر الذنوب إال أنت من قالها في النهار موقناً بها فمات من‬ ‫‪-3‬‬
‫يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة ‪ ,‬ومن قالها في الليل وهو موقن بها فمات‬
‫قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة }‬

‫(‪)1‬‬ ‫فضلها ‪ :‬أن من قالها موقنا بها حين يمسي فمات من ليلته دخل الجنة وكذلك إذا أصبح‬
‫أول الحديث‪ -:‬سيد االستغفار ‪ :‬أن يقول العبد ‪ :‬اللهم أنت ربي ‪ ,‬أي ‪:‬أفضل أنواع األذكار التي تطلب‬
‫بها المغفرة هذا الذكر الجامع لمعاني التوبة ‪،‬واالستغفار ‪ :‬طلب المغفرة ‪.‬‬
‫والمغفرة ‪ :‬الستر للذنوب والعفو عنها‪.‬‬
‫قال الطيبي ‪ :‬لما كان هذا الدعاء جامعاً لمعاني التوبة كلها استُعير له اسم السيد ‪ ,‬وهو في األصل‬
‫الرئيس الذي يقصد في الحوائج ‪ ,‬ويرجع إليه في المهمات ‪ ,‬قال ابن أبي جمرة ‪ :‬جَمَعَ الحديث من‬
‫بديع المعاني وحسن األلفاظ ما يحق له أن يسمى سيد االستغفار ‪ ,‬ففيه اإلقرار هلل وحده باأللوهية ‪,‬‬
‫ولنفسه بالعبودية ‪ ,‬واالعتراف بأنه الخالق ‪ ,‬واإلقرار بالعهد الذي أخذ عليه ‪ ,‬والرجاء بما وعد‬
‫به‪ ,‬واالستعاذة مما جنى به على نفسه ‪ ,‬وإضافة النعم إلى موجدها‪ ,‬وإضافة الذنب إلى نفسه ‪ ,‬ورغبته‬
‫في المغفرة ‪ ,‬واعترافه بأنه ال يقدر على ذلك إال هو ‪.‬‬
‫ويظهر أن اللفظ المذكور إنما يكون سيد االستغفار ‪ :‬إذا جمع صحة النية والتوجه واألدب‪)2( .‬‬
‫اللهم ‪ :‬هي بمعنى يا اهلل ‪ ,‬حذف منها يا النداء وعوض عنها بالميم المشددة ‪ ,‬ولهذا ال يجوز الجمع بينهما‬
‫أنت ربي ال إله إال أنت خلقتني وأنا عبدك ‪ :‬فيه تذلل وخضوع ‪ ,‬وانكسار بين يدي اهلل ‪ ,‬وإيمان‬
‫بوحدانيته سبحانه في ربوبيته وألوهيته ‪.‬‬
‫وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت‪ :‬أي وأنا على ما عاهدتك عليه ‪ ,‬وواعدتك من اإليمان بك‪,‬‬
‫وإخالص الطاعة لك قدر استطاعتي ‪ ,‬وقيل ‪ :‬العهد ما أخذ عليهم في عالم الذر ( ألست بربكم )‬
‫والوعد ما جاء على لسان النبي صلى اهلل عليه وسلم أن مات ال يشرك باهلل شيئاً دخل الجنة ‪.‬‬
‫أعوذ بك من شر ما صنعت ‪:‬أي التجئ إليك يا اهلل ‪ ,‬واعتصم بك من شر الذي صنعته من شر‬
‫عاقبته وحلول عقوبته وعدم مغفرته ‪ ,‬أو من العود إلى مثله من شر األفعال وقبيح األعمال ‪.‬‬
‫أبوء بنعمتك علي ‪ :‬أي اعترف بعظم إنعامك علي ‪ ,‬وترادف فضلك و إحسانك ‪ .‬وفي ضمن ذلك شكر‬
‫المنعم سبحانه والتبريّ من كفران النعم ‪.‬‬
‫وأبوء بذنبي ‪ :‬أي أقر بذنبي من تقصير في واجب أو فعل لمحظور ‪ ,‬وفائدة االعتراف‬
‫بالذنب ‪:‬أن االعتراف يمحو االقتراف كما قيل ‪:‬‬
‫فإن اعتراف المرء يمحو اقترافه ‪ ..........‬كما أن إنكار الذنوب ذنوب ‪.‬‬
‫فاغفر لي فإنه ال يغفر الذنوب إال أنت ‪ :‬أي اغفر لي يا اهلل ‪ ,‬فإنه ال يغفر الذنوب إال أنت (‪)3‬‬

‫______________________________________________‬
‫(‪ )2‬تحفة الذاكرين للشوكاني ص ‪ ، 87‬فيض القدير للمناوي ‪.113/1‬‬ ‫(‪ )1‬رواه البخاري ‪6346‬‬
‫(‪ )3‬فيض القدير للمناوي ‪ 113/1‬فقه األذكار للبدر ‪17/3‬‬

‫‪16‬‬
‫الدرس السابع‬
‫‪-6‬‬
‫عرْشِك‪َ ,‬ومَال ِئكَتِك‪,‬وَجَميعَ خَلْقِك‪,‬أَ َنكَ أَنْتَ‬ ‫حمََلةَ َ‬ ‫(الّلهُم إنَي أصبحتُ أُ ْ‬
‫شهِ ُدكَ‪,‬وأُشْهِدُ َ‬
‫ورَسولُك)‪ .‬أربع مرات‬ ‫حمّداً عَبْ ُدكَ َ‬
‫اهلل ال إلهَ إالّ أَنْتَ وَحْ َدكَ ال شَريكَ لَك ‪ ,‬وأَنَ مُ َ‬

‫فضلها ‪ :‬من قالها حين يصبح أو يمسي أربع مرات أعتقه اهلل من النار‪ ,‬وإذا أمسى قال ‪ :‬اللهم إني‬
‫أمسيت أُشهدك واشهد حملة عرشك‪.)1(......‬‬
‫عرْشِك‪ :‬أي دخلت في الصباح ‪,‬وأنا أشهدك وأشهد حملة‬ ‫حمََلةَ َ‬‫شهِدُ َ‬
‫شهِ ُدكَ‪,‬وأُ ْ‬
‫الّلهُمَ إِنِي أصبحتُ أُ ْ‬
‫عرشك‪:‬وهم المالئكة المقربون‪,‬حملة العرش األربعة قال تعالى ‪ } :‬الذِينَ يَحْمِلُونَ العَ ْرشَ وَمَنْ حَوْلَهُ‬
‫يُسَبِحُونَ بِحَمْدِ رَبّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بهِ ‪)2({....‬‬
‫فإذا كان يوم القيامة كانوا ثمانية قال تعالى ‪} :‬ويَحَ ْملُ عَ ْرشَ رَبِكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ {(‪.)3‬‬
‫َومَال ِئكَتِك ‪ :‬المالئكة خلق عظيم‪ ,‬خلقهم اهلل من نور ‪.‬‬
‫وَجَميعَ خَلْقِك ‪ :‬من باب عطف العام على الخاص‪,‬ألن جميع الخلق يتناول المالئكة وغيرهم‪.‬‬
‫والمراد هنا من تخصيص المالئكة من بين سائر المخلوقات ‪ :‬هو الداللة على أن المالئكة أفضل من‬
‫البشر‪,‬أو أن المقام مقام اإلشهاد‪,‬والمالئكة أولى بذلك من غيرهم‪,‬ألنهم عرفوا أن اهلل ال إله إال هو‪ ,‬وأن‬
‫محمداً عبده ورسوله قبل سائر المخلوقات‪,‬وإما ألن األصل في الشهود العدالة وهي أتم فيهم (‪.)4‬‬
‫‪ :‬أنك ال معبود بحق سواك وحدك ال شريك لك ‪.‬‬ ‫شرِيكَ لكَ‬
‫أ َنكَ أَنْتَ اهللُ ال إلهَ إالَ أَنْتَ وَحْ َدكَ ال َ‬
‫حمّداً عَبْدُكَ ورَسُوُلكَ‪ :‬وأن محمداً عبدُ لك شرفته بالرسالة على جميع الخلق ‪.‬‬ ‫وأَنَ مُ َ‬

‫______________________________________________________‬
‫(‪ )2‬سورة غافر (‪)3‬‬ ‫(‪ )1‬رواه أبو داود‬
‫(‪ )1‬شرح حصن المسلم لمجدي أحمد ص ‪. 163‬‬ ‫(‪ )3‬سورة الحاقة (‪.)17‬‬

‫‪17‬‬
‫(الّلهُمَ ما أصبح بِي مِنْ ِن ْع َمةٍ أو بأحَدٍ مِنْ خَلْقِك ‪َ ,‬فمِ ْنكَ وَحْ َدكَ ال شريكَ لكَ‪,‬‬
‫‪-7‬‬
‫شكْر ‪ .‬وفي المساء ‪ :‬اللهم ما أمسى ‪) .......‬‬ ‫حمْدُ وَلكَ ال ُ‬
‫فَلكَ ال َ‬

‫فضله ‪ :‬من قاله حين يصبح فقد أدى شكر يومه ‪ ,‬ومن قالها حين يمسي فقد أدى شكر‬
‫ليلته(‪)1‬‬
‫قال الشوكاني ‪ :‬وفي الحديث فضيلة عظيمة ومنقبة كريمة حيث تكون تأدية واجب الشكر بهذه األلفاظ‬
‫اليسيرة ‪)2( .‬‬
‫الّلهُمَ ما أَصبحَ بِي مِنْ ِن ْع َمةٍ أَو ِبأَحَدٍ مِنْ خَلْ ِقكَ ‪ :‬أي ما صار مصاحباً بي من نعمة أو بأحد من‬
‫خلقك ‪.‬‬
‫َفمِ ْنكَ ‪ :‬أي فمن عندك ومن فضلك ‪.‬‬
‫وَحْ َدكَ ال شرِيكَ لَك ‪ :‬تأكيداً بمعنى‪ :‬كل ما أصبح بِي من نعمة فمنك وحدك ال يشاركك في إعطائها‬
‫غيرك ‪.‬‬
‫شكْر ‪ :‬أي لك الحمد بلساني على ما أعطيت‪,‬ولك الشكر بجوارحي على ما‬ ‫حمْدُ وَلكَ ال ُ‬ ‫فََلكَ ال َ‬
‫أوليت‪,‬وإنما جمع بين الحمد والشكر ‪,‬ألن الحمد رأس للشكر‪,‬والشكر سبب للزيادة قال تعالى ‪ ( :‬لَئِن‬
‫شَكَرْتُمْ ألَزِيِدَنَكُمْ )(‪ )3‬وشكر النعم واجب قال تعالى ‪( :‬واشْكُرُوا لِي والَ تَكْفُرُونَ) (‪)4‬‬

‫‪-8‬‬
‫(اللَ ُهمَ عَافِنِي فِي بَدَنِي‪,‬اللَ ُهمَ عَافِنِي فِي سَمْعِي‪,‬اللَ ُهمَ عَافِنِي فِي‬
‫بَصَرِي‪,‬الَ إلهَ إالَ أَنْتَ‪ .‬اللَ ُهمَ إنِي أَعُوذُ َبكِ مِنْ الكٌفر‪ ,‬والفَقْر‪,‬وأَعُوذ‬
‫ِبكَ مِنْ عَذَابِ القبر‪ ,‬ال إلهَ إالَ أَنْتَ ) ‪ (.‬ثالث مرات) رواه أبو داود ‪)3(.‬‬

‫الَلهُمَ عَافِنِي فِي بَدَنِي ‪ :‬أي سلمني من األمراض واآلفات في بدني ‪ ,‬وسلمني من الذنوب واآلثام ‪.‬‬
‫صرِي ‪ :‬خصصت هاتين الحاستان وهما داخلتان في‬ ‫سمْعِي‪,‬الَلهُمَ عَافِنِي فِي بَ َ‬
‫الَلهُمَ عَافِنِي فِي َ‬
‫البدن ‪ ,‬ألنهما الطريق إلى القلب الذي بصالحه‬

‫______________________________________________________‬
‫(‪ )2‬تحفة الذاكرين ص ‪.81‬‬ ‫(‪ )1‬رواه أبو داود‬
‫(‪ )1‬البقرة (‪.)123‬‬ ‫(‪ )3‬إبراهيم (‪. )7‬‬
‫(‪ )3‬شرح حصن المسلم لمجدي أحمد ص ‪. 113‬‬

‫‪18‬‬
‫يصلح الجسد كله ‪ ,‬وبفساده يفسد الجسد كله ‪ ,‬وقد ورد عن الرسول صلى اهلل عليه وسلم ( ومتعنا‬
‫بأسماعنا وأبصارنا و قوتنا ما أحييتنا واجعله الوارث منا ) وهذا سؤال اهلل أن يبقي السمع البصر‬
‫وسائر القوى صحيحة سليمة لما في ذلك من االستعانة بها على القيام بالطاعات ‪.‬‬
‫ال إلهَ إالَ أَنْتَ ‪ :‬ال معبود بحق سواك ‪.‬‬
‫َ‬
‫الَلهُمَ إنِي أَعُوذُ َبكِ مِنْ الكٌفر‪ ,‬والفَقْر ‪ :‬أي التجئ واحتمي بك من الكفر – وهو غاية الضاللة –‬
‫والفقر ‪ :‬وهو خلو ذات اليد ‪.‬‬
‫وأَعُوذ ِبكَ مِنْ عَذَابِ القبر‪ ,‬ال إلهَ إالَ أَنْتَ ‪ :‬أي التجئ واحتمي بك من عذاب القبر‪ ,‬وهو ما يكون‬
‫في البرزخ من العذاب على الروح والبدن لمن استحق ذلك ‪ ,‬وفي هذا إثبات أن عذاب القبر حق ‪ ,‬وقد‬
‫قال صلى اهلل عليه وسلم ( أيها الناس استعيذوا باهلل من عذاب القبر ‪ ,‬فإن عذاب القبر حق )(‪.)1‬‬

‫‪ 7 .‬مرات‬ ‫‪( -3‬حَسْبِيَ اهللُ الذي الَ إِلهَ إالَ هو عَلَيهِ تَوكَلْتُ و ُهوَ رَبُ الْعَرشِ العَظِيِم )‬

‫واآلخرة (‪)2‬‬ ‫فضلها ‪ :‬من قالها حين يصبح وحين يمسي سبع مرات كفاه اهلل ما أهمه من أمر الدنيا‬
‫حَس ِبيَ الُلهُ ‪ :‬أي اهلل يكفيني جميع ما أهمني ‪ ,‬فال نتوكل إال عليه كما قال تعالى ‪{ :‬وَمَنْ يَتَوَ َكلْ عَلَى‬
‫اللَهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} (‪.)3‬‬
‫الذي لَا إلهَ إالَ هُوَ ‪ :‬الذي ال معبود بحق سواه ‪.‬‬
‫عَليهِ توكلت ُ ‪ :‬اعتمدت عليه وفوضت جميع أموري ‪ ,‬ووثقت به في جلب ما ينفع ‪ ,‬ويدفع ما يضر ‪.‬‬
‫وهو رَبُ العَرشِ ال َعظِيِم ‪ :‬خص العرش ألنه أعظم المخلوقات ‪ ,‬وفي األثر (ما الكرسي في العرش‬
‫إال كحلقة من حديد ألقيت بين ظهري فالة من األرض )(‪ )4‬وإذا كان هذا المخلوق بهذه العظمة والمجد‬
‫والسعة ‪ ,‬فكيف بخالقه ومبدعه سبحانه (‪.)5‬‬

‫______________________________________________________‬
‫(‪ )1‬رواه أحمد‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه أبو داود ‪.‬‬
‫(‪ )3‬الطالق (‪. )3‬‬
‫(‪ )1‬رواه ابن جرير في تفسيره ‪23/21‬‬
‫(‪ )3‬ينظر أحكام القران للقرطبي ‪ ،112/14‬تيسير الكريم المنان للسعدي‪. 813/3‬‬

‫‪13‬‬
‫الدرس الثامن‬

‫خرَةِ ‪ ,‬الَل ُهمَ إنِي أَسْأَُلكَ العَفْوَ والعَافِيَة فِي دِينِي‬ ‫( الَل ُهمَ إنِي أسْألُكَ العَفْوَ و العَافِية فِي الدُنْيَا واآل ِ‬ ‫‪-14‬‬
‫ودُنْيَايَ وَأهْليِ ومَاَلِي ‪ ,‬الَل ُهمَ اسْ ُترْ عَ ْورَاتِي وَآمِنْ رَوْعَاتِي‪ ,‬الَل ُهمَ أحْفَظْنِي مِنْ بَيْنَ َيدَيَ َومِنْ‬
‫ظمَ ِتكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ َتحْتِي ) رواه أبو داود‬
‫شمَالِي َومِنْ فَوْقِي وَأَعُوذُ بِعَ َ‬
‫خَلْفِيَ وَعَنْ َيمِينِي وَعَنْ ِ‬

‫بدأ صلى اهلل عليه وسلم هذا الدعاء العظيم بسؤال اهلل العافية في الدنيا واآلخرة ‪ ,‬فهي دعوة جامعة وشاملة للوقاية من‬
‫الشرور كلها في الدنيا واآلخرة ‪ ,‬والعافية ال يعادلها شيء ‪ ,‬ومن أعطي العافية في الدنيا واآلخرة فقد كمل نصيبه من‬
‫الخير ‪.‬‬
‫اللَهُمَ إنِي أسْأُلكَ ال َع ْفوَ و العَافِية فِي الدُنْيَا ‪ :‬أي أطلب منك محو الذنوب ‪ ,‬والوقاية من كل أمر يضرني من‬
‫مصيبة أو بالء ‪.‬‬
‫واآلخِرَةِ‪ :‬أي أطلب منك الوقاية من أهوال اآلخرة وشدائدها ‪ ,‬وما فيها من أنواع العقوبات‪.‬‬
‫اللَهُمَ إنِي َأسْ َألُكَ ال َعفْوَ والعَافِيَة فِي دِينِي‪:‬أي أطلب الوقاية من كل أمر يشين الدين أو يخلّ به ‪.‬‬
‫ودُنْيَايَ‪ :‬أي أطلب الوقاية منك يا رب من كل أمر يضرني في دنياي من مصيبة أو بالء‪.‬‬
‫وأَهْليِ ‪ :‬أي أطلب الوقاية ألهلي من الفتن ‪ ,‬وحمايتهم من الباليا و المحن ‪.‬‬
‫ومَ َالِي ‪ :‬أي ‪ :‬أن تحفظه مما يتلفه من غرق أو حرق أو سرقة أو نحو ذلك ‪.‬‬
‫فجمع في ذلك سؤال اهلل الحفظ من جميع العوارض المؤذية واألخطار المضرة ‪.‬‬
‫عوْراَتِي‪ :‬أي عيوبي وتقصيري وكل ما يسوؤني كشفه ‪ ,‬ويدخل في ذلك الحفظ من انكشاف العورة ‪,‬‬ ‫اللَهُمَ اسْتُرْ َ‬
‫وحري بالمرأة أن تحافظ على هذا الدعاء ‪ ,‬وال سيما في هذا الزمان الذي كثر فيه تهتك النساء وعدم عنايتهن بالستر ‪.‬‬
‫روْعَاتِي‪ :‬آمن ‪ :‬من األمن الذي هو ضد الخوف ‪ ,‬والروعات ‪ :‬جمع روعة ‪ ,‬وهو الخوف والحزن ‪ ,‬ففي‬ ‫وَآمِنْ َ‬
‫هذا سؤال اهلل أن يجنبه كل أمر يخيفه أو يحزنه أو يقلقه ‪ ,‬وذكر الروعات بصيغة الجمع إشارة إلى كثرتها وتعددها ‪.‬‬
‫ل مِنْ‬
‫شمَالِي َومِنْ فَوْقِي وَأَعُوذُ ِبعَظَمَ ِتكَ أَنْ أُغْتَا َ‬
‫الَل ُهمَ أحْفَظْنِي مِنْ بَيْنَ يَدَيَ َومِنْ خَلْفِيَ وَعَنْ َيمِينِي وَعَنْ ِ‬
‫َتحْتِي‪ :‬فيه سؤال اهلل الحفظ من المهالك والشرور التي تعرض لإلنسان من الجهات الست ‪ ,‬فقد يأتيه الشر والباليا من‬
‫األمام ‪ ,‬أو من الخلف ‪ ,‬أو من اليمين ‪ ,‬أو من الشمال ‪,‬‬
‫أو من فوقه ‪,‬أو من تحته ‪ ,‬وهو ال يدري من أي جهة قد يفجأة البالء أو تحل به المصيبة ‪ ,‬فسأل ربه أن‬
‫يحفظه من جميع جهاته ‪ ,‬ثم إن من الشر العظيم الذي يحتاج اإلنسان إلى الحفظ منه ‪ -:‬شر الشيطان الذي‬
‫تربص باإلنسان الدوائر ‪ ,‬ويأتيه من أمامه وخلفه وعن يمينه وعن شماله ‪ ,‬ليوقعه في الباليا والمهالك ‪,‬‬
‫شمَا ِئِلهِمْ‬ ‫وليُبعده عن سبيل الخير كما في دعواه في قوله ‪ {:‬ثُمَ لَآتِيَنَهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ َ‬
‫خلْفِهِمْ وَعَنْ أَ ْيمَا ِنهِمْ وَعَنْ َ‬
‫(‪)1‬‬ ‫َولَا تَجِدُ أَكْ َثرَهُمْ شَا ِكرِينَ}‬
‫فالعبد بحاجة إلى حصن من هذا العدو ‪ ,‬وواق له من كيده وشره ‪ ,‬وفي هذا الدعاء العظيم تحصين للعبد من‬
‫أن يصل إليه شر الشيطان من أي جهة من الجهات ‪ ,‬ألنه في حفظ اهلل ورعايته ‪.‬‬
‫ظمَ ِتكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ َتحْتِي‪ :‬فيه إشارة إلى عظم خطورة البالء الذي يحلّ باإلنسان من تحته كأن‬ ‫وَأَعُوذُ ِبعَ َ‬
‫تخسف به األرض ‪ ,‬وهو نوع من العقوبة التي يحلها اهلل عز وجل ببعض من يمشون على األرض دون قيام‬
‫خذَتْهُ‬
‫منهم بطاعة خالقها ومبدعها كما قال تعالى‪َ { :‬فكُالً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ َفمِنْهُمْ مَنْ َأرْ َسلْنَا َعلَيْهِ حَاصِبًا َومِنْهُمْ مَنْ َأ َ‬
‫همْ يَظِْلمُونَ} (‪)2‬‬ ‫سُ‬‫أل ْرضَ َومِ ْن ُهمْ مَنْ أَغْرَقْنَا َومَا كَانَ اللَهُ لِيَظِْل َم ُهمْ وََلكِنْ كَانُوا أَنْفُ َ‬
‫الصَ ْيحَةُ وَمِ ْن ُهمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ ا َ‬
‫(‪)3‬‬

‫________________________________________________‬
‫(‪ )2‬العنكبوت (‪ )3( . )14‬فقه األدعية واألذكار للبدر ‪ 34/3‬بشيء من االختصار ‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫طرَ السَمَوَاتِ وَاألَرضِ‪ ,‬رَبَ ُكلِ شَيْءٍ َو َملِ َيكَهُ‪َ ,‬أشْهَدُ أَنْ ال إلَهَ إال أنْ َ‬
‫ت‬ ‫شهَادَةِ‪ ,‬فَا ِ‬
‫(الَلهُمَ عَالِمَ الغَيْبِ وَال َ‬
‫جرّهُ إلى مسلمٍ )‪.‬‬ ‫ش ْركِهِ‪ ,‬وَأنْ اقت ِرفَ على نفسي سُوءًا أو أ ُ‬ ‫شرِ الشَ ْيطَانِ َو ِ‬‫أعُوذُ بكَ مِنْ شَرِ نَفْسِي وَمِنْ َ‬ ‫‪-11‬‬
‫رواد أبو داود ‪ ،‬يقوله المسلم إذا أصبح وإذا أمسى وإذا أخذ مضجعه ‪.‬‬

‫هذا دعاء عظيم مشتمل على التعوذ باهلل من الشرور كلها ‪ ,‬من مصادرها وبداياتها ‪ ,‬ومن نتائجها ونهايتها ‪,‬‬
‫وقد بدأه بتوسالت عظيمة إلى اهلل جل وعال بذكر جملة من صفاته الكريمة الدالة على عظمته وكماله ‪.‬‬
‫فتوسل إليه بأنه ‪:‬‬
‫عالم الغيب والشهادة ‪ :‬أي ‪ :‬عالم ما غاب من الخلق وما شاهدوه ‪ ,‬ألن اهلل يعلم الحاضر والمستقبل والماضي‬
‫‪} ,‬ويعلم ما كان ‪ ,‬وما يكون ‪ ,‬وما لم يكن لو كان كيف يكون ‪ ,‬وال يخفى عليه شيء* ‪.‬‬
‫فاطر السموات واألرض ‪ :‬يعني يا اهلل يا فاطر السموات واألرض ‪ ,‬وفاطرهما يعني ‪ :‬أنه خلقهما عز وجل‬
‫على غير مثال سابق‪.‬‬
‫رب كل شيء ومليكه ‪ :‬يعني رب كل شيء ومليكه ‪ ,‬والفرق بين الرب وبين المالك في هذا الحديث ‪ -:‬أن‬
‫الرب هو الموجد لألشياء الخالق لها ‪ ,‬والمليك هو الذي يتصرف فيها كيف يشاء‪.‬‬
‫أشهد أن ال إله إال أنت ‪ :‬اعترف بلساني وقلبي أنه ال معبود بحق إال أنت ‪.‬‬
‫أعوذ بك من شر نفسي ‪ :‬ألن النفس لها شرور كما قال تعالى { َومَا أُ َبرِئُ نَ ْفسِي إِنَ النَفْسَ َ‬
‫ألمَارَةٌ بِالسُوءِ إِالَ مَا رَحِمَ‬
‫(‪)1‬‬ ‫رَبِيَ إِنَ رَبِي غَفُورٌ رَحِيمٌ}‬
‫فإذا لم يعصمك اهلل من شرور نفسك فإنها تضرك ‪ ,‬وتأمرك بالسوء ‪ ,‬ولكن اهلل إذا عصمك من شرها وفقك إلى كل خير ‪.‬‬
‫ومن شر الشيطان وشركه ‪ :‬يعني ‪ :‬تسأل اهلل أن يعيذك من شر الشيطان ومن شر شِركه ‪ :‬أي ‪ :‬ما يأمرك به من‬
‫شرَكه ) والشَرَك ‪ :‬ما يصطاد به الحوت والطير وما أشبه ذلك ‪ ,‬ألن الشيطان له شرَك يصطاد به بني‬
‫الشِرك ‪,‬أو ( َ‬
‫آدم ‪ ,‬إما شهوات أو شبهات أو غير ذلك‪.‬‬
‫‪)2(.‬‬ ‫وأن اقترف على نفسي سوءً أو أجُره إلى مسلم ‪ :‬أي أجر على نفسي سوء أو إلى مسلم‬
‫قال ابن القيم ‪ :‬فذكر النبي صلى اهلل عليه وسلم مصدري الشر ‪,‬وهما ‪ -:‬النفس والشيطان ‪,‬‬
‫وذكر مورديه ‪ ,‬ونهايته وهما ‪:‬عوده على النفس أو على أخيه المسلم (‪)3‬‬
‫‪-12‬‬
‫(‪ 3‬مرات ) ‪.‬‬ ‫سمِيعُ ا ْلعَلِيمُ )‬
‫سمَاءِ َوهُوَ ال َ‬
‫سمِهِ شَيْءٌ فِي األ ْرضِ وَال فِي ال َ‬
‫ضرُ َمعَ ا ْ‬
‫سمِ اهللَ اَلذِي ال يَ ُ‬
‫(بْ‬
‫فضلها ‪ :‬من قالها ثالثاً إذا أصبح وثالثاً إذا أمسى لم يضره شيء‬
‫(‪)4‬‬
‫قال الشوكاني‪ :‬وفي الحديث دليل على أن هذه الكلمات تدفع عن قائلها كل ضر كائناً ما كان‪ ,‬وأنه ال يصاب بشيء‬
‫في ليله وال في نهاره ‪ ,‬إذا قالها في الليل والنهار ‪.‬‬
‫وكان إبان بن عثمان ‪ ,‬وهو راوي الحديث عن عثمان – قد أصابه طرف فالج – وهو شلل يصيب احد شقي الجسم –‬
‫فجعل رجل منهم ينظر إليه – فقال له إبان ‪ :‬ما تنظر ؟ أما إن الحديث كما حدثتك ‪ ,‬ولكني لم اقله يومئذ ليمضي اهلل‬
‫علي قدره ‪.‬‬
‫بسْمِ اهللَ ‪ :‬أي ‪ :‬أتحصن والتجئ واحتمي باسم اهلل ‪.‬‬
‫شيْءٌ فِي األرْضِ وَال فِي السَمَاءِ ‪ :‬أي ‪ :‬من تعوذ واحتمى باسم اهلل فإنه ال تضره‬
‫الَذِي ال يَضُرُ مَعَ اسْمِهِ َ‬
‫مصيبة من جهة األرض وال من جهة السماء ‪.‬‬
‫سرّهُمْ‬
‫حسَبُونَ أَنّا الَ َنسْمَعُ ِ‬ ‫وَهُوَ السَمِيعُ ‪ :‬الذي سبحانه يسمع كل صوت مهما بَعُ ْد ومهما ضَعُ ْ‬
‫ف قال تعالى ‪ { :‬أَمْ يَ ْ‬
‫رسُلُنَا لَدَ ْيهِمْ َيكْتُبُونَ }(‪)5‬‬
‫وَنَجْوَاهُم َبلَىَ َو ُ‬
‫ومن معاني السميع ‪ :‬إنه سميع الدعاء ‪ :‬أي مجيب الدعاء كما قال إبراهيم عليه السالم‪{ :‬إِنَ رَبِي لَسَمِيعُ‬
‫الدُعَاء } (‪ )6‬الْعَلِيمُ ‪ :‬علم اهلل محيط بكل شيء ‪ ,‬قال تعالى ‪ { :‬وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ الَ َي ْعَل ُمهَا إِالَ هُوَ وَ َي ْعلَمُ مَا فِي الْبَرِ‬
‫(‪)8( )7‬‬ ‫ألرْضِ وَالَ َرطْبٍ وَالَ يَابِسٍ إِالَ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ }‬
‫ظلُمَاتِ ا َ‬
‫وَالْبَحْرِ وَمَا َتسْقُطُ مِن َورَقَةٍ إِالَ َي ْعَل ُمهَا وَالَ حَبَةٍ فِي ُ‬
‫فال يقع فيها شيء إال بقدرٍ أزلي ‪.‬‬

‫______________________________________________________‬
‫(‪ )2‬شرح رياض الصالحين ألبن عثيمين ‪ )3( . 311 /1‬بدائع الفوائد ‪. 243 /2‬‬ ‫(‪ )1‬سورة يوسف(‪)33‬‬
‫(‪ )8‬ينظر تحفة الذاكرين للشوكاني ‪ .‬ص ‪ 76‬فقه األدعية ‪13 / 3‬‬ ‫(‪ )7‬األنعام (‪.)33‬‬ ‫(‪ )6‬إبراهيم (‪. )33‬‬ ‫(‪ )6‬الزخرف (‪. )84‬‬ ‫(‪( )3‬رواه أبو داود )‬

‫‪21‬‬
‫الدرس التاسع‬

‫المِ دِيناً وَبِمُح َمدٍ صَلَى اهللُ عَلَيهِ وَسَلَم نَبِيّاً)‬


‫سً‬ ‫( َرضِيتُ بِاهللِ رَ َباً وَبِاإل ْ‬ ‫‪-13‬‬
‫(ثالث مرات )‬ ‫‪.‬‬
‫‪)1( .‬‬ ‫فضلها‬
‫‪ :‬من قالها ثالثاً حين يصبح وثالثاً حين يمسي كان حقاً على اهلل أن يرضيه يوم القيامة‬
‫رضيت باهلل رباً ‪ :‬الرضا بربوبية اهلل ‪ :‬يتضمن الرضا بعبادته وحده ال شريك له ‪ ,‬والرضا‬
‫بتدبيره للعبد واختياره له ‪.‬‬
‫قال ابن القيم ‪ :‬من رضي باهلل رباً‪ ,‬رضيه اهلل له عبداً‪.‬‬
‫وباإلسالم ديناً ‪ :‬الرضا باإلسالم ديناً‪ :‬يقتضي اختياره له على سائر األديان‪.‬‬
‫وبمحمد صلى اهلل عليه وسلم نبياً ‪ :‬يقتضي الرضا بجميع ما جاء به صلى اهلل عليه وسلم من‬
‫عند اهلل‪ ,‬وقبول ذلك بالتسليم واالنشراح ‪)2( .‬‬

‫حيُ يا قيّومُ برَحْمَ ِتكِ اسْتَغيث ‪ ,‬أصْلِحْ لي شَأني كُلُه ‪ ,‬وَال تَكِلني‬ ‫‪( -11‬يا َ‬
‫رواه الحاكم‬ ‫إلى نَفْسي طرْفة عَين )‬
‫‪ :‬جمعُ هذين االسمين في غاية المناسبة ‪ ,‬وذلك أنهما محتويان على جميع صفات الكمال‬ ‫يا حي يا قيوم‬
‫‪:‬‬
‫فالحي ‪ :‬هو كامل الحياة ‪ ,‬وذلك يتضمن جميع الصفات الذاتية هلل كالعلم والعزة والقدرة و اإلرادة‬
‫والعظمة والكبرياء وغيرها من صفات الذات المقدسة‪.‬‬
‫والقيوم ‪ :‬هو كمال القيومية ‪ ,‬وله معنيان ‪ :‬هو الذي قام بنفسه وعظمت صفاته واستغنى عن جميع‬
‫مخلوقاته ‪ ,‬وقامت به األرض والسموات وما فيها من المخلوقات ‪ ,‬فهو الذي أوجدها وأمدها وأعدها لكل‬
‫ما فيه بقاؤها وصالحها وقيامها ‪ ,‬فهو الغني عنها من كل وجه ‪ ,‬وهي التي افتقرت إليه من كل وجه ‪)3( .‬‬
‫قال ابن القيم ‪:‬كان ابن تيمية شديد اللهج بهذين االسمين ‪ ,‬وقال لي يوماً ‪ :‬لهذين االسمين تأثير عظيم في‬
‫حياة القلب والعقل ‪)4( .‬‬
‫برحمتك استغيث ‪ :‬أتوسل إليك بصفة الرحمة ‪.‬‬
‫أصلح لي شأني كله ‪ :‬صالح الشأن كله يتناول جميع أمور الدنيا واآلخرة ‪ ,‬فيفوز قائل هذا إذا تُفضل‬
‫عليه بخير الدنيا واآلخرة ‪)5( .‬‬
‫وال تكلني إلى نفسي طرفة عين ‪ :‬فيه شدة افتقار العبد إلى اهلل ‪ ,‬وأنه ال غنى له عن ربه طرفة عين‬
‫في كل شأن من شؤونه ‪.‬‬

‫_____________________________________________________‬

‫(‪ )2‬مدارج السالكين البن القيم ص ‪ ، 374‬جامع العلوم والحكم البن رجب ‪.118/1‬‬ ‫(‪ )1‬رواه أحمد‬
‫(‪ )1‬مدارج السالكين البن القيم ص ‪. 211‬‬ ‫(‪ ) 3‬شر ح أسماء اهلل الحسنى لسعيد بن وهف ص ‪. 136‬‬
‫(‪ )3‬تحفة الذاكرين ص ‪86‬‬

‫‪22‬‬
‫سأَُلكَ خَ ْيرَ هذا اليوم ‪,‬‬
‫هلل رَبِ العالَمين ‪ ,‬الّلهُمَ إنِي أ ْ‬
‫‪ ( -13‬أصبحنَا وَأصبَح المُلكُ ِ‬
‫شرِ ما بَعْدَه ‪),‬‬
‫ص َرهُ ‪ ,‬وَ َب َركَ َتهُ ‪ ,‬وَهُداهُ ‪ ,‬وَأعوذُ بكَ مِنْ شَرِ ما فيهِ وَ َ‬
‫حهُ ‪ ,‬وَنَ ْ‬
‫فتْ َ‬
‫وإذا أمسى ‪ :‬أمسينا وأمسى ‪ ( ...‬رواه أبو داود )‬

‫أصبحنا وأصبح الملك هلل رب العالمين ‪ :‬أي دخلنا في الصباح متلبسين بنعمة وحفظ من اهلل تعالى ‪,‬‬
‫واستمر دوام الملك كائناً هلل ومختصاً به ‪.‬‬
‫رب العالمين ‪ ,‬العالم ‪ :‬كل ما سوى اهلل ‪ ,‬وسموا عالماً ألنهم على علم خالقهم ورازقهم ومدبرهم ‪ ,‬ويُعلمُ‬
‫بخلقهم قُدرةُ من أنشأهم ‪.‬‬
‫اللهم إني أسألك خير هذا اليوم ‪ :‬اطلب منك خيرات هذا اليوم ‪-:‬‬
‫حهُ ‪ :‬أي الظفر على المقصود ‪.‬‬ ‫فت َ‬
‫ونصرَهُ ‪ :‬النصرة على العدو ‪.‬‬
‫ونورَهُ ‪ :‬أي بالتوفيق إلى العلم والعمل ‪.‬‬
‫وبرك َتهُ ‪ :‬أي بتيسير الرزق الحالل الطيب ‪.‬‬
‫وهداهُ ‪ :‬أي الثبات على متابعة الهدى ومخالفة الهوى ‪.‬‬
‫وأعوذ بك من شر ما فيه وشر ما بعده ‪ :‬التجئ إليك واحتمي بك مما يقع في هذا اليوم وما بعده من‬
‫مصيبة في الدين والدنيا ‪)1(.‬‬
‫‪-16‬‬
‫(أصبحَنا على فطرة اإلسالم ‪ ,‬وعلى كلمةِ اإلِخالص ‪ ,‬وعلى دين نبيِنا محمدٍ صلى اهلل عليه وسلم‬
‫‪ ,‬وعلى ملَةِ أبينا إبراهيَم حنيفاً مسلماً وما كانَ من المُشركين ) ( رواه احمد )‬

‫ما أجمل أن يفتتح المسلم يومه بهذه الكلمات العظيمة المشتملة على تجديد اإليمان ‪,‬وإعالن التوحيد‪ ,‬وتأكيد‬
‫االلتزام بدين محمد صلى اهلل عليه وسلم ‪ ,‬واإلتباع لملة إبراهيم الخليل عليه السالم الحنيفية السمحة والبعد عن‬
‫الشرك كله صغيره وكبيره ‪ ,‬فهي كلمات إيمان وتوحيد ‪ ,‬وصدق وإخالص ‪ ,‬خضوع وإذعان ‪ ,‬ومتابعة‬
‫وانقياد‪.‬‬
‫أصبحنا على فطرة اإلسالم ‪ :‬أي منّ اهلل علينا باإلصباح ونحن على فطرة اإلسالم متمسكين بها ‪,‬‬
‫محافظين عليها ‪ ,‬غير مغيرين وال مبدلين ‪.‬‬
‫فطرة اإلسالم ‪ :‬أي دين اإلسالم الذي فطر اهلل الناس عليه‪ ,‬وذلك بان يقيم المرء وجهه لدين اهلل حنيفاً بالتوجه‬
‫بالقلب والقصد والبدن ‪ ,‬إلى االلتزام بشرائع الدين‬

‫____________________________________________________‬
‫(‪ )1‬ينظر شرح حصن المسلم لمجدي احمد ص ‪.177‬‬

‫‪23‬‬
‫عَلَيْهَا}(‪)1‬‬
‫الظاهرة والباطنة كما قال تعالى ‪{ :‬فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَهِ الَتِي فَطَرَ النَا َ‬
‫س‬
‫وال شك أن نعمة اهلل على عبده عظيمة أن يصبح حين يصبح وهو على فطرة سليمة لم يصبها تلوث‬
‫تغير أو انحراف ‪.‬‬
‫وعلى كلمة اإلخالص ‪ :‬أي وأصبحنا على كلمة التوحيد ال إله إال اهلل ‪.‬‬
‫وعلى دين نبينا محمد صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬أي وأصبحت على ذلكم الدين العظيم الذي رضيه‬
‫اهلل لعباده ديناً ‪ ,‬وبعث به نبيه الكريم محمداً صلى اهلل عليه وسلم ‪.‬‬
‫وعلى ملة أبينا إبراهيم حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين ‪ :‬أي وأصبحت على هذه الملة‬
‫المباركة ملة إبراهيم عليه السالم وهي الحنيفية السمحة والتمسك باإلسالم والبعد عن الشرك ولهذا‬
‫قال تعالى ‪ {:‬حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } (‪)3( )2‬‬

‫(‪)144‬‬ ‫(سُبحانَ اهللِ وبحم ِدهِ )‬ ‫‪-17‬‬


‫مرة‬

‫فضلها ‪ :‬من قالها مائة مرة حين يصبح وحين يمسي لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إال‬
‫أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه (‪)4‬‬
‫وفي حديث آخر ‪( :‬من قالها مائة مرة حطت عنه خطاياه وان كانت مثل زبد البحر) ‪ ,‬كناية عن‬
‫المبالغة في الكثرة ‪)5(.‬‬
‫والحديث يدل على أن من زاد فال بأس ‪ ,‬فالتسبيح ال حدّ له ‪,‬والذكر ال حدّ له ‪ ,‬وهذا الذكر من‬
‫أسباب المغفرة لمن وفقه اهلل لترك الكبائر ‪)6(.‬‬
‫سبحان اهلل وبحمده ‪ :‬قرن مع التسبيح حمد اهلل تعالى ‪ ,‬وذلك ألن التسبيح هو تنزيه اهلل عن النقائص‬
‫والعيوب ‪ ,‬والتحميد فيه إثبات كمال الصفات هلل سبحانه ‪.‬‬

‫______________________________________________________‬
‫(‪ )1‬الروم (‪. )34‬‬
‫(‪ )2‬آل عمران (‪.)63‬‬
‫(‪ )3‬فقه األدعية واألذكار للبدر ‪ 33 / 3‬بشيء من االختصار ‪.‬‬
‫(‪ )1‬رواه مسلم‬
‫(‪ )3‬فتح الباري ‪.246/ 11‬‬
‫(‪ )6‬مجموع الفتاوى البن باز ‪.32/26‬‬

‫‪21‬‬
‫الدرس العاشر‬

‫(ال إلهَ إالّ اللّهُ وحْ َدهُ ال شَريكَ لهُ ‪ ,‬لهُ ال ُم ْلكُ ولهُ الحَمْد‪,‬وهُوَ على كُلّ‬
‫‪-18‬‬
‫شيءٍ قدير) (‪144‬مرة ) إذا أصبح ‪.‬‬

‫فضلها‪ :‬من قالها مائة مرة في يوم كانت له عدل عشر رقاب ‪ ,‬وكتب له مائة حسنة‪ ,‬ومحيت عنه‬
‫مائة سيئة ‪ ,‬وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ‪,‬ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به‬
‫إال أحد عمل أكثر من ذلك (‪)1‬‬
‫وورد أنها تقال عشر مرات أو مرة واحدة عند الكسل ‪.‬‬
‫قال عياض في شرح الحديث ‪ :‬ذكر هذا العدد من المائة دليل على أنها غاية للثواب المذكور ‪ ,‬وأما‬
‫قوله (إال أحد عمل أكثر من ذلك) فيحتمل أن تراد الزيادة على هذا العدد فيكون لقائله من الفضل‬
‫بحسابه لئال يظن أنها من الحدود التي نهى عن اعتدائها‪,‬وأنه ال فضل في الزيادة عليها كما في‬
‫ركعات السنن المحدودة وأعداد الطهارة( المقصود بأعداد الطهارة الزيادة على ما ورد في عدد‬
‫مرات الغسل أو الوضوء ) ‪.‬‬
‫وظاهر الحديث ‪:‬أن األجر يحصل لمن قال هذا التهليل في اليوم متوالياً أو متفرقاً في مجلس أو في‬
‫مجالس في أول النهار أو آخره ‪,‬لكن األفضل أن يأتي به أول النهار متوالياً ليكون له حرزاً في‬
‫جميع نهاره وكذا في أول الليل ليكون له حرزاً في جميع ليله (‪.)2‬‬
‫ال إلهَ إالّ الّلهُ ‪ :‬هذه كلمة التوحيد ‪:‬أي ال معبود بحق إال اهلل سبحانه ‪.‬‬
‫وحْ َدهُ ال شَريكَ لهُ ‪ :‬تأكيد لوحدانيته جل وعال ‪.‬‬
‫له الملك‪ :‬له الملك المطلق العام الشامل الواسع ‪ ,‬ملك السموات واألرض وما بينهما‪ ,‬كل هذه ملك‬
‫هلل عز وجل ‪ ,‬ما علمنا وما لم نعلم ‪ ,‬له الملك كله يتصرف فيه كما يشاء ‪ ,‬وعلى ما تقتضيه حكمته‬
‫جل وعال ‪.‬‬
‫حمْد ‪ :‬يعني الكمال المطلق على كل حال ‪ ,‬فهو جل وعال محمود على كل حال في السراء‬ ‫ولهُ ال َ‬
‫والضراء ‪.‬‬
‫أما في السراء ‪ :‬فيحمد اإلنسان ربه حمد شكر ‪.‬‬
‫أما في الضراء ‪ :‬فيحمد اإلنسان ربه حمد تفويض ‪ ,‬ألن الشيء الذي يضر اإلنسان قد ال يتبين له‬
‫وجه مصلحته فيه ‪ ,‬ولكن اهلل تعالى أعلم ‪ ,‬فيحمد اهلل تعالى على كل حال ‪.‬‬
‫وكان النبي صلى اهلل عليه وسلم إذا أتاه ما يسر قال ‪( :‬الحمد هلل الذي بنعمته تتم الصالحات ) وإذا‬
‫أتاه ما ال يسره قال ( الحمد اهلل على كل حال )(‪)3‬‬

‫______________________________________________________‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري ومسلم ‪ )2( .‬فتح الباري ‪ )3( . 243/11‬صحيح الجامع ‪1614‬‬

‫‪23‬‬
‫وما يقول بعض الناس اليوم ‪( :‬الحمد هلل الذي ال يحمد على مكروه سواه ) فهو خطأ ‪ ,‬ألنك إذا قلت‬
‫ذلك ‪ ,‬فهو عنوان على أنك كاره لما قُدِر عليك ‪ ,‬ولكن قل كما قال النبي محمد صلى اهلل عليه وسلم‬
‫(الحمد هلل على كل حال) (‪.)1‬‬

‫وهو على كل شيء قدير ‪:‬ـ القدير على كل شيء ‪ ,‬ال يعجزه شيء في األرض وال في السماء‬

‫( سُبحان اهلل وبحمده ‪:‬عدد خَلقه ‪ ,‬ورضا نفسه ‪ ,‬وزنة عرشِهِ ‪,‬‬ ‫‪-13‬‬
‫ومِدَادَ كَلمِاتِه ) (ثالث مرات إذا أصبح ) رواه مسلم‬

‫هذا الذكر يسمى الذكر المضاعف يزيد في الفضل واألجر على مجرد الذكر ب(سبحان اهلل) أضعافًا‬
‫مضاعفة ‪ ,‬ألن ما يقوم بقلب الذاكر حين يقوله من معرفة اهلل وتنزيهه وتعظيمه بهذا القدر المذكور من‬
‫العدد أعظم مما يقوم بقلب من قال ( سبحان اهلل ) فقط‪.‬‬
‫سبحان اهلل وبحمده عدد خلقه ‪ :‬أي أسبح اهلل وأحمده تسبيحاً عدد كل مخلوق كان أو هو كائن إلى ما‬
‫ال نهاية له ‪.‬‬
‫ورضا نفسه ‪ :‬أي أسبح اهلل وأحمده تسبيحاً هو في العظمة والجالل مساوٍ لرضا نفسه ‪.‬‬
‫وزنة عرشه ‪ :‬فيه إثبات العرش ‪ ,‬وإضافته ‪ :‬إلى الرب جل وعال ‪ ,‬وأنه أثقل المخلوقات على‬
‫اإلطالق ‪ ,‬إذ لو كان شيء أثقل منه لوزن به التسبيح ‪.‬‬
‫فالتضعيف األول للعدد والكمية ‪ ,‬والثاني للصفة والكيفية ‪ ,‬والثالث للعظم والثقل وكبر المقدار ‪.‬‬
‫ومداد كلماته ‪ :‬هذا يعم األقسام الثالثة ويشملها ‪ ,‬فإن مداد كلماته سبحانه ال نهاية لقدره‪ ,‬وال لصفته ‪,‬‬
‫وال لعدده ‪ ,‬قال تعالى ‪{:‬قُل لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِي لَنَفِدَ الْبَحْرُ َقبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِي وَلَوْ‬
‫جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا } (‪)2‬‬
‫ومعنى هذا ‪ :‬أنه لو فرض البحر مداداً ‪ ,‬وجميع أشجار األرض أقالماً ‪ ,‬واألقالم تستمد بذلك المداد‬
‫فتفنى البحار واألقالم ‪ ,‬وكلمات الرب ال تفنى وال تنفد ‪.‬‬
‫والمقصود أن في هذا التسبيح من صفات الكمال ونعوت الجالل ما يوجب أن يكون أفضل من غيره ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬

‫______________________________________________________‬
‫(‪ )1‬شرح رياض الصالحين البن عثيمين ‪.137’132/3‬‬
‫(‪ )2‬الكهف (‪. )143‬‬
‫(‪ )3‬ينظر فقه األدعية واألذكار للبدر ‪ 13/3‬باختصار‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫الدرس الحادي عشر‬

‫(إذا أصبح ) رواه‬ ‫‪ ( -24‬اللهُم ّ إني أسأُلكَ علماً نافعاً ‪,‬ورزِقاً طي ِباً ‪ ,‬وعمالً مُتَقَ َبالً )‬
‫ابن ماجه ‪.‬‬

‫من يتأمل هذا الدعاء العظيم يجد أن األتيان به بعد صالة الصبح في غاية المناسبة ‪ ,‬ألن الصبح هو بداية اليوم‬
‫ومفتتحه ‪ ,‬والمسلم ليس له مطمع في يومه إال تحصيل هذه األهداف العظيمة ‪ :‬وهي العلم النافع ‪ ,‬والرزق‬
‫الطيب ‪ ,‬والعمل المتقبل ‪ ,‬وكأنه في افتتاحه ليومه بذكر هذه األمور الثالثة دون غيرها يحدد أهدافه في يومه‬
‫‪ ,‬وال ريب أن هذا أجمع لقلب اإلنسان وأضبط لسيره ومسلكه بخالف من يصبح دون أن يستشعر أهدافه التي‬
‫يعزم على القيام بها في يومه‪ ,‬وليس المسلم في إتيانه بهذا الدعاء في مفتتح يومه يقصد تحديد أهدافه فحسب ‪,‬‬
‫بل هو يتضرع إلى ربه بأن يمنّ عليه بتحصيل هذه األهداف النبيلة ‪,‬إذ ال حول له وال قوة ‪ ,‬وال قدرة عنده‬
‫على جلب نفع أو دفع ضر إال بإذن ربه سبحانه ‪ ,‬فهو إليه يلجأ وبه يستعين ‪..‬‬
‫وتأمل كيف بدأ النبي صلى اهلل عليه وسلم هذا الدعاء بسؤال اهلل العلم النافع قبل سؤاله الرزق الطيب والعمل‬
‫المتقبل ‪ ,‬إشارة إلى أن العلم النافع به يستطيع المرء أن يميز بين العمل الصالح وغير الصالح ‪ ,‬ويستطيع أن‬
‫يميز بين الرزق الطيب وغير الطيب ‪,‬ومن لم يكن على علم ‪ ,‬فإن األمور قد تختلط عليه ‪,‬فيقوم بالعمل يحسبه‬
‫سعْ ُي ُهمْ فِي الْحَيَاةِ‬
‫عمَالًا اَلذِينَ ضَلَ َ‬
‫سرِينَ أَ ْ‬
‫صالحاً نافعاً ‪ ,‬وهو ليس كذلك ‪,‬واهلل تعالى يقول ‪ُ {:‬قلْ َهلْ نُنَبِ ُئ ُكمْ بِالَْأخْ َ‬
‫همْ ُيحْسِنُونَ صُ ْنعًا }(‪)1‬‬
‫الدُنْيَا َو ُهمْ َيحْسَبُونَ أَ َن ُ‬
‫وقد يكتسب رزقاً وماالً ويظنه طيباً مفيداً‪,‬وهو في حقيقته خبيث وضار‪ ,‬و ليس لإلنسان سبيل إلى التمييز بين‬
‫النافع والضار والطيب والخبيث إال بالعلم النافع ‪.‬‬
‫علما انتفع به وانفع به غيري ‪ ,‬ففيه داللة على أن العلم نوعان‪:‬علم نافع وعلم‬ ‫اللهم إني أسألك علماً نافعاً ‪:‬‬
‫ليس نافع ‪.‬‬
‫وأعظم العلم النافع هو ‪ :‬ما ينال به المسلم القرب من ربه ‪ ,‬وكان من دعاء الرسول صلى اهلل عليه وسلم‬
‫(اللهم انفعني بما علمتني ‪,‬وعلمني ما ينفعني ‪ ,‬وزدني علماً ) (‪. )2‬‬

‫ورزقاً طيباً ‪ :‬أي حالالً ‪,‬وفي هذا إشارة إلى أن الرزق نوعان ‪ :‬طيب وخبيث ‪ ,‬واهلل تعالى طيب ال يقبل إال‬
‫عمَلُوا صَالِحاً } (‪ )1‬فأكل‬
‫طيباً ‪ ,‬وقد أمر اهلل المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال ‪{:‬يَا أَيُّهَا ال ّرُسُلُ ُكلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَا ْ‬
‫الطيب يعين على العمل الصالح ‪.‬‬

‫______________________________________________________‬
‫(‪ )2‬رواه الترمذي‪.‬‬ ‫(‪ )1‬الكهف (‪.) 141،143‬‬

‫‪27‬‬
‫ومن كانت طعمته حالالً وفقت جوارحه للطاعات ‪ ,‬ومن كانت طعمته حراماً عصت جوارحه شاء أم أبى ‪,‬‬
‫علم أم لم يعلم ‪ ,‬قال اإلمام أحمد ‪:‬إذا جمع الطعام أربعاً فقد كمل ‪ :‬إذا ذكر اسم اهلل في أوله ‪ ,‬وحمد اهلل في‬
‫حلّ ‪.‬‬
‫آخره ‪,‬وكثرت عليه األيدي ‪ ,‬وكان من ِ‬
‫وعمالً متقبالً ‪ :‬أي عندك ‪ :‬فتثيبني وتأجرني عليه أجراً حسناً ‪ ,‬وفي هذا إشارة إلى أنه ليس كل عمل‬
‫يتقرب العبد به إلى اهلل يكون متقبالً ‪ ,‬بل المتقبل من العمل هو الصالح فقط‪ ,‬والصالح ما كان هلل وحده وعلى‬
‫هدي نبيه و سنته صلى اهلل عليه وسلم (‪)2‬‬
‫‪-21‬‬
‫(مائة مرة في اليوم) رواه البخاري ‪.‬‬ ‫(أستغفرُ اهللَ وأتوبُ إليه)‬
‫كثيرا ما تأتي التوبة في النصوص مقرونة باالستغفار كقوله ‪ { :‬وَأَنِ اسْ َتغْ ِفرُوا رَ َب ُكمْ ثُمَ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَ ِت ْعكُم مَتَاعًا‬
‫ضلٍ فَضْلَهُ } (‪)2‬‬
‫سمًى وَيُ ْؤتِ ُكلَ ذِي فَ ْ‬
‫جلٍ مُ َ‬
‫حَسَنًا إِلَى َأ َ‬
‫وفي هذا داللة على عظم التالزم بين االستغفار والتوبة ‪ ,‬وشدة احتياج العبد إليهما للوقاية من شرور الذنوب ‪,‬‬
‫والذنوب نوعان ‪ :‬ذنب قد مضى فاالستغفار فيه ‪ :‬طلب وقاية شره ‪ ,‬وذنب يخاف وقوعه ‪ ,‬فالتوبة ‪ :‬العزم‬
‫على أن ال يفعله ‪.‬‬
‫أستغفرُ اهللَ ‪ :‬وأتوبُ إليه ‪ :‬ظاهره ‪ :‬أنه يطلب المغفرة ‪ ,‬ويعزم على التوبة ‪.‬‬

‫_________________________________________________‬
‫المؤمنين (‪. )31‬‬
‫(‪ )1‬سورة‬
‫(‪ )2‬ينظر فقه األدعية واألذكار للبدر ‪ ، 13/3‬شرح حصن المسلم لمجدي أحمد ص‪132‬‬
‫(‪ )3‬سورة هود (‪)3‬‬

‫‪28‬‬
‫الدرس الثاني عشر‬
‫(ثالث مرات)‬ ‫(أعوذُ بكلماتِ اهللِ التَامات مِن شرِ ما خََلقَ )‬ ‫‪-22‬‬
‫فضلها ‪ :‬قال ‪ :‬من نزل منزالً ثم قال ‪( :‬أعوذ بكلمات اهلل التامات من شر ما خلق ‪ ,‬لم يضره شيء حتى‬
‫يرتحل من منزله ذلك ) (‪)1‬‬
‫قال الشوكاني ‪ :‬وظاهره بحسب كمال التعوذ وقوته وضعفه ‪ ,‬قال الشيخ ابن جبرين ‪ :‬من استعاذ بلسانه دون‬
‫أن يتفكر بقلبه في معنى االستعاذة ‪,‬ال تنفعه تلك االستعاذة ‪ ,‬ولكن إذا تفكر بقلبه فيما قاله لسانه فهناك –إن‬
‫شاء اهلل – يرى أثر االستعاذة ‪.‬‬
‫وقال القرطبي ‪ :‬هذا حديث علمنا صدقه دليالً وتجربة منذ أن سمعت به عملت به ‪ ,‬فلم يضرني شيء إلى أن‬
‫تركته ‪ ,‬فلدغتني عقرب ‪ ,‬فتفكرت فإذا بي قد نسيته ) انُسي ليجري القدر‪.‬‬
‫أعوذُ‪ :‬أي التجئ واعتصم واحتمي ‪.‬‬
‫بكلماتِ اهللِ ‪ :‬كالم اهلل يشمل أ‪ -‬كالمه الكوني ‪ :‬الذي يدبر به أمر الخالئق قال تعالى ‪{ :‬إِ ّنَمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ ِإذَا‬
‫ن نَقُولَ لَهُ كُنْ فَ َيكُونُ}(‪)2‬‬
‫َأ َردْنَاهُ أَ ْ‬
‫ب ‪ -‬كالمه الشرعي ‪ :‬وهو القرآن ‪.‬‬
‫أو يقال ‪ :‬بكلماتِ اهلل ‪ :‬أي كالم اهلل ‪ ,‬ومنه القرآن ‪.‬‬
‫عدْال الَّ مُ َب ّدِلِ ِلكَِلمَاتِهِ‬ ‫التَاماتِ ‪ :‬التي ليس فيها نقص وال عيب ‪ ,‬قال سبحانه‪ { :‬وَلَ ّمَتْ كَِل َمتُ رَبِّكَ ِ‬
‫صدْقًا وَ َ‬
‫سَمِيعُ ا ْلعَلِيمُ} (‪.)3‬‬
‫َوهُوَ ال ّ‬
‫مِن شرِ ما خََلقَ ‪ :‬من شر كل مخلوق قام به الشر كاإلنس والجن والدابة والصاعقة والريح الشديدة ‪ ,‬ال أن‬
‫جميع المخلوقات فيها شر ‪ ,‬فالمالئكة واألنبياء والجنة ال شر فيهم ‪)4(.‬‬

‫______________________________________________________‬
‫(‪ )3‬اإلنعام (‪.)113‬‬ ‫(‪ )2‬النحل (‪. ) 14‬‬ ‫(‪ )1‬رواه مسلم‬
‫(‪ )1‬فتح المجيد ص ‪ .134‬فوائد على كتاب التوحيد ص ‪. 12‬‬

‫‪23‬‬
‫(عشر مرات )‬ ‫(اللّ ُهمّ صَلّ وسلِم عَلَى نبينا مُحَ ّمدٍ )‬
‫‪-23‬‬

‫فضلها ‪ :‬قال صلى اهلل عليه وسلم ( من صل علي حين يصبح عشراً وحين يمسي عشرا أدركته شفاعتي‬
‫يوم القيامة ) (‪.)1‬‬
‫الّلهُمّ صَلّ ‪ :‬الصالة من اهلل ‪ :‬ثناؤه على عبده في المأل األعلى ‪ ,‬وقد اخبر اهلل سبحانه أنه أثنى عليه في‬
‫المأل األعلى ‪ ,‬وأمرنا بذلك ليجتمع له صلى اهلل عليه وسلم ثناء أهل السماء واألرض ‪.‬‬
‫والمراد بطلب ذلك له صلى اهلل عليه وسلم من اهلل ‪:‬طلب الزيادة ال طلب أصل الصالة ‪.‬‬
‫حمّدٍ ‪ :‬دعاء له بالسالمة والبركة ورفع الدرجة ‪ ,‬كذلك يتضمن الدعاء بالسالمة لدينه‬ ‫وسلِم عَلَى نبينا مُ َ‬
‫وشريعته أن يسلمهما اهلل تعالى من األعداء فال يسطون عليها بتحريف أو تغيير إال سلط اهلل عليهم من يبين‬
‫ذلك ‪ ,‬وهذا هو الواقع وهلل الحمد(‪.)2‬‬
‫وفي الصالة على النبي محمد صلى اهلل عليه وسلم فوائد كثيرة ‪ :‬امتثال أمر اهلل ‪ ,‬والموافقة له‬
‫في الصالة عليه صلى اهلل عليه وسلم ‪ ,‬والموافقة لمالئكته أيضاً في ذلك قال تعالى ‪{ :‬إِنَّ اللَّهَ َومَلَا ِئكَتَهُ يُصَلُّونَ‬
‫عَلَى النَّبِيِّ يَا أَ ّيُهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَّلِمُوا تَسْلِيماً}(‪)3‬‬
‫ومنها أيضاً ‪ :‬مضاعفة أجر المصلي عليه ‪ ,‬ورجاء إجابة دعائه‪ ,‬وسبب لحصول البركة ‪ ,‬ودوام محبته صلى‬
‫اهلل عليه وسلم وزيادتها ‪ ,‬وسبب هداية العبد وحياة قلبه ‪ ,‬فكلما أكثر الصالة عليه وذكره ‪ ,‬استولت محبته على‬
‫قلبه حتى ال يبقى في قلبه معارضة لشيء من أوامره ‪ ,‬وال شك في شيء مما جاء به ‪)4( .‬‬

‫______________________________________________________‬

‫تم شرح أذكار الصباح والمساء‬


‫والحمد هلل الذي بنعمته تتم الصالحات ‪.‬‬
‫وصلى اهلل وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين ‪.‬‬

‫_________________________________________________________‬
‫(‪ )1‬صحيح الترغيب ‪.‬‬
‫(‪ )2‬ينظر حاشية الدرة المضيئة ص ‪ ، 12‬شرح رياض الصالحين ألبن عثيمين ‪ ، 171/3‬فقه األدعية واألذكار للبدر ‪. 138 /3‬‬
‫(‪ )1‬مجموع الفتاوى لسماحة الشيخ بن باز ‪. 31 / 26‬‬ ‫(‪ )3‬األحزاب (‪. ) 36‬‬

‫‪34‬‬
‫الفهرس‬

‫الصـفـحـة‬ ‫الموضــوع‬
‫‪7‬‬ ‫( اهلل ال إله إال هو الحي القيوم‪)....‬‬
‫‪9‬‬ ‫( المعوذتان )‬
‫‪13‬‬ ‫(أصبحنا وأصبح الملك هلل ‪)....‬‬
‫‪14‬‬ ‫( اللهم بك أصبحنا وبك أمسينا ‪).... ,‬‬
‫‪15‬‬ ‫( اللهم أنت ربي ال إله إال أنت ‪) ....‬‬
‫( اللهم أني أصبحت أشهدك ‪()..‬اللهم أصبح بين من‬
‫‪16‬‬
‫نعمة ‪)...‬‬
‫‪17‬‬ ‫(اللهم عافني في بدني ‪).... ,‬‬
‫‪18‬‬ ‫( حسبي اهلل الذي ال إله إال هو عليه توكلت ‪)....‬‬
‫‪19‬‬ ‫( اللهم إني أسالك العفو والعافية ‪).....‬‬
‫‪22‬‬ ‫( اللهم عالم الغيب والشهادة ‪)....‬‬
‫‪22‬‬ ‫( بسم اهلل الذي ال يضر مع اسمه شيء ‪)....‬‬
‫‪23‬‬ ‫( رضيت باهلل رباً وباإلسالم ديناً ‪)....‬‬
‫‪23‬‬ ‫( يا حي يا قيوم رحمتك استغيث ‪)....‬‬
‫‪24‬‬ ‫(أصبحنا وأصبح الملك هلل ‪).....‬‬
‫‪24‬‬ ‫( أصبحنا على فطرة اإلسالم ‪).....‬‬
‫‪25‬‬ ‫( سبحان اهلل وبحمده )‬
‫‪26‬‬ ‫( ال إله إال اهلل وحده ال شريك له ‪)... ,‬‬
‫‪27‬‬ ‫( سبحان اهلل وبحمده ‪ :‬عدد خلقه ‪)....‬‬
‫‪28‬‬ ‫( اللهم إني أسألك علماً نافعاً ‪) ....‬‬
‫‪29‬‬ ‫( أستغفر اهلل وأتوب إليه )‬
‫‪29‬‬ ‫( أعوذ بكلمات اهلل التامات ‪).....‬‬
‫‪32‬‬ ‫( اللهم صل وسلم على نبينا محمد )‬

‫‪31‬‬

You might also like