You are on page 1of 92

‫الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية‬

‫وزارة التعليم العالي والبحث العلمي‬

‫كلية اآلداب واللغات‬ ‫جامعة العربي بن مهيدي‬


‫والعلوم االجتماعية واإلنسانية‬ ‫‪-‬أم البواقي‪-‬‬
‫قسم اللغة العربية وآدابها‬

‫مكونات السرد في رواية سرادق الحلم والفجيعة‬

‫لعز الدين جالوجي أنموذجا‬

‫مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماستر في ميدان اللغة العربية وآدابها مسار األدب الحديث‬

‫إشراف الدكتور‪:‬‬ ‫إعداد الطالبة ‪:‬‬


‫* لعلمي لراوي‬ ‫* شايب عينو إيمان‬

‫السنة الجامعية‬
‫‪2011 -2010‬‬
‫المقدمة ‪:‬‬
‫لقد عرف تاريخ الرواية اجلزائرية منذ السبعينات زمخاً روائيا‪ ،‬بفضلو أصبح النقاد يف اجلزائر وادلشرق‬
‫ينظرون جبدية إىل عناصر التفرد والتفوق اليت طبعت ىذه األعمال‪ ،‬ومنذئذ مل يعد احلديث عن الرواية‬
‫اجلزائرية ادلكتوبة بالعربية‪ ،‬ينطلق من موقف الشفقة أو الدعم التعاطفي‪ ،‬باعتبارىا جتربة ىشة حتتاج إىل‬
‫ادلؤازرة‪ ،‬ولكنها أصبحت تنتزع اإلعجا ب والتقدير‪ ،‬فأصبح اإلنتاج الروائي اجلزائري يتميز بالتنوع والثراء‪،‬‬
‫ومن بني الروائيني الذين رفعوا راية الرواية اجلزائرية عالياً ومحلوا شعار التميز والتفرد جند األديب عز الدين‬
‫جالوجي الذي استطاع أن ميطر الساحة األدبية بأعمال مميزة‪ ،‬ومن ىذه األعمال رواية سرادق احللم‬
‫والفجيعة‪ ،‬اليت اختذىا الكاتب مطية لتمرير خطابات ذات طابع انتقادي لكثري من األوضاع خالل‬
‫العشرية السوداء‪ ،‬متكئاً على الرموز‪ ،‬ولعل أىم ما مييزىا ىو نزوعها حنو التجريب‪ ،‬وحتطيم الشكل‬
‫التقليدي للرواية‪ ،‬مع توفر عناصر السرد اليت جاءت يف جمملها منوذجاً ناضجاً لشعرية السرد‪.‬‬
‫ومن ىنا كانت رغبيت يف دراسة ىذه ادلكونات وسرب أغوارىا‪ ،‬وذلك بدراسة األمكنة والزمن‬
‫والشخصيات ودالالهتا‪ ،‬فجاء حبثي بعنوان << مكونات السرد يف رواية سرادق احللم والفجيعة لعز‬
‫الدين جالوجي أمنوذجاً>>‪ ،‬وارتأيت تقسيمو إىل مدخل وثالثة فصول وخادتة‪ ،‬أما ادلدخل فتحدثت‬
‫فيو عن مفهوم السرد وأنواعو ووسائلو‪ ،‬أما الفصل األول فجاء بعنوان بناء ادلكان وداللتو‪ ،‬اجلزء األول‬
‫منو نظري يتضمن مفهوم ادلكان وأمهيتو يف تشكيل اخلطاب الروائي‪ ،‬واجلزء الثاين خصصتو لدراسة‬
‫أمكنة الرواية ودالالهتا‪ ،‬بعد تقسيمها إىل أماكن مغلقة وأماكن مفتوحة‪.‬‬
‫والفصل الثاين كان خمصصاً لتحليل التقنيات الزمنية‪ ،‬وذلك بعد إعطاء حملة عن ماىية الزمن ودوره يف‬
‫الرواية وآراء النقاد حول تقسيمو‪.‬‬

‫أما الفصل األخري فهو دراسة لبنية الشخصيات من خالل البناء ادلورفولوجي‪ ،‬والبناء الداخلي‪ ،‬وطبيعة‬
‫العالقات بني الشخصيات‪ ،‬وذلك لتكوين نظرة شاملة عنها‪ .‬وبالنسبة للخادتة فقد جاءت راصدة ألىم‬
‫النتائج ادلتوصل إليها يف الدراسة‪.‬‬
‫أما عن الدراسات وادلقاالت اليت عاجلت الرواية‪ ،‬فقد الحظت أن عنصري الزمن والشخصية مل يلقيا‬
‫اىتماما كبرياً‪ ،‬فأردت من خالل ىذه الدراسة التعمق يف دراستهما متبعة يف ذلك ادلنهج التحليلي‬
‫الوصفي‪.‬‬

‫‌أ‬
‫أما ادلصادر وادلراجع اليت استقى منها البحث مادتو فهي جمموعة من الكتب‪ ،‬كان أبرزىا‪ ،‬بنية النص‬
‫السردي حلميد حلميداين ‪ ،‬وبنية اخلطاب الروائي يف الرواية النسائية الفلسطينية حلفيظة أمحد‪ ،‬ومجاليات‬
‫ادلكان لشاكر النابلسي‪ ،‬جتربة الزمن يف الرواية العربية خمتار مالس‪ ،‬وكذلك كتاب سلطان النص لعز‬
‫الدين جالوجي‪ ،‬والذي يضم جمموعة دراسات لعدد من أعمالو‪ ،‬باإلضافة إىل مدونة الدراسة‪ ،‬وىي‬
‫رواية سرادق احللم والفجيعة‪.‬‬
‫أما الصعوبات اليت اعرتضت طريقي‪ ،‬فهي صعوبة احلصول على ادلراجع‪ ،‬باإلضافة إىل طبيعة اللغة يف‬
‫الرواية اليت بدت مشوىة مقلوبة متداخلة غري واضحة ادلعامل‪.‬‬
‫يف األخري أرفع آيات التقدير إىل أستاذي الفاضل الدكتور العلمي لراوي الذي كان لو الفضل يف أن‬
‫يرى ىذا العمل النور‪ ،‬إىل كل أساتذة كلية اآلداب واللغات جبامعة العريب بن مهيدي‪ ،‬إىل عمال اإلدارة‬
‫وادلكتبة‪ ،‬وكل من ساعدين يف إجناز ىذا العمل ادلتواضع‪ ،‬الذي آمل أن أكون قد وفقت فيو ولو بقدر‬
‫قليل‪ ،‬وأن مل أكن كذلك فحسيب أنين قد حاولت وما التوفيق إال باهلل‪.‬‬

‫‌ب‬
‫‪.‬‬ ‫المدخل ‪:‬‬

‫يعترب السرد من أبرز الوسائل الفنية اليت ربدد صلاح العمل الروائي أو إخفائو‪ ،‬فإجادة الروائي ألساليب‬
‫السرد ادلعربة عن موضوعو تزيد من حظو يف النجاح‪ ،‬ودراستنا دلكونات السرد ربتم علينا التعرؼ على‬
‫ىذا ادلصطلح‪.‬‬
‫‪ /1‬مفهوم السرد ‪:‬‬
‫أ‪ -‬لػغة ‪:‬‬
‫‪ ،1‬وجاي يف معجم‬ ‫السرد يف اللغة "تتدمة يي إإ يي تتأ بو متستاً بععو يف أأر بعع متتابعاً"‬
‫اللغة العربية ادلعاصرة "حكاية األحداث حبيث يتصل بععها ببعع مع مراعاة التسلسل الزمٍت‬
‫‪2‬‬
‫حلدوأها"‪.‬‬
‫اعمل سابغات في‬ ‫وقد وردت لفظة السرد يف الترآف الكرمي‪ ،‬يف قولو تعاإ ﴿ أن‬
‫ً‪ ،‬إني بما تعملون‬
‫السرد‪ ،‬واعملو ا صالحا‬
‫‪3‬‬
‫بصير﴾‪.‬‬
‫ومن ىنا ديكن التوؿ أف السرد ال خيرج عن نطاؽ نسج الكالـ يف توافق مع مراعاة التسلسل الزمٍت‪.‬‬
‫ب‪ -‬اصطالحػاً ‪:‬‬
‫السرد كما ىو متعارؼ عليو "متوالية من األحداث أو األفعاؿ الكالمية تربط وتًتكب مكوناهتا عرب‬
‫االنسجاـ أو عرب التفكك‪ ،‬أو عرب التداخل حبسب رغبة الكاتب وما يشًتطو منطق ونظاـ اخلطاب‪،‬‬
‫وزمن األفعاؿ واألحداث" ‪ ،4‬ويذىب عبد ادلالك مرتاض إإ أف أصل السرد يف اللغة العربية "ىو تتابع‬
‫ادلاضي على سَتة واحدة‪ ،‬مث أصبح يطلق يف األعماؿ التصصية على كل ما خالف احلوار مث مل يلبث‬
‫أف تطور مفهومو يف الغرب إإ معٌت أمشل وأىم‪ ،‬حبيث أصبح يطلق على النص احلكائي‪ ،‬أو الروائي أو‬
‫‪5‬‬
‫التصصي فكتنو الطريتة اليت خيتارىا الراوي ليتدـ هبا احلدث إإ ادلتلتي"‪.‬‬
‫وبذلك يكوف مفهوـ السرد عند عبد ادلالك مرتاض يطابق مفهوـ السرد عند الناقد ادلغريب محيد‬
‫حلميداين "فاحلكي عنده يتوـ على دعامتُت أساسيتُت‪ ،‬أوالمها أف حيتوي على قصة ما‪ ،‬تعم أحداأاً‬

‫‪ - 1‬ابن منظور‪ :‬لساف العرب مادة (س‪ .‬ر‪ .‬د)‪ ،‬اجمللد السابع‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بَتوت‪ ،‬ص‪.165‬‬
‫‪ - 2‬امحد سلتار عمر دبساعدة فريق عمل‪ :‬معجم اللغة العربية ادلعاصرة‪ ،‬عامل الكتب‪ ،‬التاىرة‪ ،‬ط‪ ،2008 ،1‬ص‪.1055‬‬
‫‪ - 3‬سورة سبت‪ :‬اآلية ‪.11‬‬
‫‪ - 4‬زلمد معتصم‪ :‬ادلرأة والسرد‪ ،‬الثتافة‪ ،‬ادلغرب‪ ،‬ط‪ ،2004 ،4‬ص‪.182‬‬
‫‪ - 5‬عبد التادر بن سامل‪ :‬السرد وامتداد احلكاية‪ ،‬منشورات إرباد الكتاب اجلزائريُت‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬ط‪ ،2009 ،1‬ص‪.12‬‬

‫‪4‬‬
‫‪.‬‬ ‫المدخل ‪:‬‬

‫معينة وأانيهما‪ ،‬أف يعُت الطريتة اليت ربكى هبا تلك التصة‪ ،‬وتسمى ىذه الطريتة سرداً" ‪ ،1‬وال يشًتط‬
‫يف السرد أف تكوف األحداث ادلروية واقعية‪ ،‬بل ديكن أف تكوف من ابتكار اخلياؿ" ‪ ،2‬كما أف السرد فعل‬
‫ال حدود لو "يتسع ليشمل سلتلف اخلطابات‪ ،‬سواي كانت أدبية أو غَت أدبية يبدعو اإلنساف أينما وجد‬
‫وحيثما كاف" ‪ ،3‬ويصرح روالف بارت قائالً "ديكن أف يؤدي احلكي بواسطة اللغة ادلستعملة فاىية‬
‫كانت أو كتابية‪ ،‬وبواسطة الصورة‪ ،‬أابتة أو متحركة‪ ،‬وبواسطة االمتزاج ادلنظم لكل ىذه ادلواد‪ ،‬إنو‬
‫حاضر يف األسطورة‪ ،‬واخلرافة واألمثولة‪ ،‬واحلكاية والتصة وادللحمة والتاريخ‪ ،‬وادلتساة والدراما وادللهاة‬
‫‪4‬‬
‫واإلدياي واللوحة ادلرسومة يف الزجاج ادلزوؽ و السينما و األنشوطات وادلنوعات وا﵀ادأات"‪.‬‬
‫أي أف السرد يرتبط بتي نظاـ لساين أو غَت لساين‪ ،‬وقدـ لنا العرب منذ أقدـ العصور أنواعاً و أ كاالً‬
‫سردية سلتلفة‪ ،‬وتعمن السرد اخلطاب اليومي والشعر وسلتلف اخلطابات اليت أنتجوىا‪.‬‬

‫‪ /2‬أنماط السرد ‪:‬‬

‫‪ - 1‬محيد حلميداين‪ :‬بنية ادلص السردي من منظور النتد األديب‪ ،‬ادلركز الثتايف العريب‪ ،‬ادلغرب‪ ،‬ط‪2000 ،3‬ـ‪ ،‬ص‪.45‬‬
‫‪ - 2‬زلمد سامل سعد ا﵁‪ :‬أطياؼ النص‪ ،‬دراسات يف النتد اإلسالمي ادلعاصر‪ ،‬جدار الكتاب العادلي‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،2007 ،‬ص‪.151‬‬
‫‪ - 3‬سعيد يتطُت‪ :‬الكالـ واخلرب‪ ،‬متدمة للسرد العريب‪ ،‬ادلركز الثتايف العريب‪ ،‬الدار البيعاي‪ ،‬ط‪1997 ،1‬ـ‪ ،‬ص‪.19‬‬
‫‪ - 4‬ـ‪ .‬ف‪ ،‬ص‪.‬ف ‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫‪.‬‬ ‫المدخل ‪:‬‬

‫دييز الشكالين الروسي "توماتشوفسكي" بُت منطُت من السرد‪ ،‬سرد موضوعي وسرد ذاأ‪.‬‬

‫أ‪ -‬السرد ادلوضوعي‪:‬‬


‫وىو أسلوب تتليدي استعملو التدماي يف قصصهن لكنو أكثر حعورا يف الرواية العربية‪ ،‬ويكوف الكاتب‬
‫يف ىذا النوع من السرد مطلعا على كل يي‪ ،‬يف األفكار السرية لألبطاؿ‪ ،‬وبذلك يكوف متابال للراوي‬
‫ا﵀ايد الذي ال يتدخل ليفسر األحداث‪ ،‬إمنا ليصفها وصفا زلايدا كما يراىا‪ ،‬أو كما يستنبطها يف‬
‫أذىاف األبطاؿ‪ ،‬ولذلك يسمى ىذا السرد موضوعيا ألنو يًتؾ احلرية للتارئ ليفسر ما حيكى لو ويؤولو‬
‫‪1‬‬
‫ومنوذج ىذا األسلوب الروايات الواقعية"‬

‫ب‪ -‬السرد الذاتػػي‪:‬‬


‫ال تتدـ األحداث إال من زاوية نظر الراوي‪ ،‬فهو خيرب هبا‪ ،‬ويعطيها تتويال معيناً يفرضو على التارئ‪ ،‬ويدعوه إإ‬
‫‪2‬‬
‫االعتتاد بو‪ ،‬منوذج ىذه األسلوب ىو الروايات الرومانسية أو الروايات ذات البطل اإل كايل"‪.‬‬
‫الالزـ‪،‬‬ ‫وقد كاف تتأر الرواية العربية هبذا األسلوب كثَتاً‪ ،‬فنجد مثالً صليب زلفوظ‪ ،‬اللص والكالب الطاىر وطار‪،‬‬
‫غساف كنفاين وراية ما تبتى لكم‪.‬‬
‫إال أف ىذا السرد ال يسمح للشخصية بالبوح دبا خيتلج يف داخلها‪ ،‬بل تبتى أفكاره سجينة نفسها‪ ،‬وألف بناي احلدث‬
‫والشخصية يعتمداف على طريتة الراوي والرؤية اليت يتدمها للتارئ فعالً عن عالقة الراوي بالشخصية نفسها "فهو‬
‫يستطيع أف يبٍت أحداأو و خصياتو من منظور ذاأ من خالؿ وعي خص ما أو عدة خوص‪ ،‬أو أف يعرض‬
‫ٍل ‪3‬‬
‫األحداث والشخصيات من منظور موضوعي‪ ...‬وقد يذىب إإ استخداـ الطريتتُت يف توافق وتواؿ"‪.‬‬
‫أي ال يشًتط أسلوب واحد بل ديكن ادلزاوجة بُت (الذاأ و ادلوضوعي) وذلك لعرورة فنية تتتعيها رؤية الكاتب‬
‫للكشف عن عالقات الشخوص بععها ببعع‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫وىناؾ أربعة أنواع من السرد حبسب العالقة بُت زمن الراوي وزمن احلدث‪:‬‬

‫الػسرد الالحػق للحػدث ‪:‬‬

‫‪ - 1‬محيد حلميداين‪ :‬بنية النص السردي من منظور النتد األديب‪ ،‬ص‪.47‬‬


‫‪ - 2‬ادلرجع نفسو‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬
‫‪ - 3‬سيزا قاسم‪ :‬بناي الرواية‪ ،‬دراسة متارنة يف أالأية صليب زلفوظ‪ ،‬دار التنوير للطباعة والنشر‪ ،‬بَتوت‪ ،‬ط‪ ،1985 ،1‬ص‪.140‬‬
‫‪ - 4‬لطيف زيتىًي‪ :‬هعجن هصطلحات ًقد الرواية‪ ،‬دار الٌهار للٌشر‪ ،‬لبٌاى‪ ،‬ط‪ ،2002 ،1‬ص‪.82‬‬
‫‪6‬‬
‫‪.‬‬ ‫المدخل ‪:‬‬

‫وىو زمن السرد الشائع يف الرواية‪ ،‬وفيو يشَت الراوي إإ أنو يروي أحداأاً "وقعت" يف ماضي بعيد أو قريب‪.‬‬

‫الػسرد السابػق للحػدث ‪:‬‬


‫وىو زمن احلكايات التنبؤية اليت تعتمد عموماً على صيغة ادلستتبل‪ ،‬ولكن ال يي دينعنا من اعتماد صيغة احلاضر‪،‬‬
‫واستخداـ ىذا الزمن يف الرواية يتتصر غالباً على متاطع أو أجزاي زلددة من النص‪ ،‬تروي األحالـ أو التنبؤات‪ ،‬وتستبق‬
‫األحداث‪.‬‬

‫الػسرد الػمتزامن لألحػداث ‪:‬‬


‫وىو الزمن احلي الذي يتطابق فيو الكالـ مع جرياف احلدث‪ ،‬وقد حاوؿ بعع الكتاب خلق يي من التماسك‬
‫يف ىذا السرد من خالؿ رواية حكاية كاتب يشرع يف كتابو روايتو‪.‬‬

‫الػسرد الػمتداخل ‪:‬‬


‫ىو السرد ادلتتطع الذي تتداخل فيو ادلتاطع السردية إإ أزمنة سلتلفة احلاضر و ادلاضي وادلستتبل) ويتمثل ىذا السرد‬
‫يف الروايات اليت تتخذ كل ادلذكرات احلميمية‪.‬‬

‫‪ -3‬الرؤى السردية ‪" :‬زاوية رؤية الراوي"‬


‫‪7‬‬
‫‪.‬‬ ‫المدخل ‪:‬‬

‫يعرؼ بوث زاوية الرؤية بتولو "إننا متفتوف مجيعاً على أف زاوية الرؤية ىي دبعٌت من ادلعاين مستلة تتنية‬
‫‪1‬‬
‫ووسيلة من الوسائل لبلوغ غايات طموحو"‪.‬‬
‫أي أف زاوية الرؤية متعلتة بالتتنية ادلستخدمة يف احلي والذي حيدد ىذه التتنية ىو الغاية اليت يرمي إليها‬
‫الكاتب ويشًتط أف تكوف طموحة للتتأَت على ادلروي لو‪.‬‬
‫وسنتعرض فيما يلي لزاوية الرؤية كما وضعها "جاف بويوف"‪ ،‬رغم أف توما تشوفسكي يعترب أوؿ من قاـ‬
‫بتحديدىا‪.‬‬

‫أ‪ -‬الػراوي > الشػخصية ‪ ):‬الرؤية من اخللف)‪:‬‬


‫ويكوف الراوي عارفاً أكثر شلا تعرفو الشخصية احلكائية‪ ،‬إنو يستطيع أف يصل إإ كل ادلشاىد عرب‬
‫جدراف ادلنازؿ‪ ،‬كما انو يستطيع أف يدرؾ ما يدور يف خلد األبطاؿ‪ ،‬وتتجلى سلطة الراوي ىنا يف انو‬
‫يستطيع مثالً أف يدرؾ رغبات األبطاؿ اخلفية تلك اليت ليس ذلم هبا وعي ىم أنفسهم" ‪ ،2‬ويتعح أف‬
‫العالقة السلطوية بُت الراوي والشخصية احلكائية‪ ،‬ىي ما أ ار إليو "توماتشوفسكي"بالسرد ادلوضوعي‪.‬‬

‫ب‪ -‬الػراوي (=) الشػخصية احلكػائية (الرؤية مع) ‪:‬‬


‫وتكوف معرفة الراوي ىنا على قدر معرفة الشخصية احلكائية‪ ،‬فال يتدـ لنا أي معلومات أو تفسَتات‬
‫إال بعد أف تكوف الشخصية نفسها قد توصلت إليها‪ ،‬ويستخدـ يف ىذا الشكل ضمَت ادلتكلم‪ ،‬أو‬
‫ضمَت الغائب ولكن مع االحتفاظ دائماً دبظهر الرؤية مع‪ ،‬فإذا ابتدئ بعمَت ادلتكلم ومت االنتتاؿ بعد‬
‫ذلك إإ ضمَت الغائب‪ ،‬فإف رلرى السرد‪ ،‬حيتفظ مع ذلك باالنطباع األوؿ‪ ،‬الذي يتعي بتف الشخصية‬
‫‪3‬‬
‫ليست جاىلة دبا يعرفو الراوي‪ ،‬والراوي جاىل دبا تعرفو الشخصية‪.‬‬
‫والراوي يف ىذا النوع‪ ،‬إما أف يكوف اىداً على األحداث‪ ،‬أو خصية مسامهة يف التصة‪ ،‬والعالقة‬
‫ادلتساوية بُت الراوي والشخصية ىي اليت جعلها "توماتشوفسكي" ربت عنواف السرد الذاأ‪.‬‬

‫‪ - 1‬هيام شعباى‪ :‬السرد الروائي في أعوال إبراهين ًصر هللا‪ ،‬دار الكٌدي‪ ،‬األردى‪ ،2004 ،‬ص‪.80‬‬
‫‪T.TODORV: LES CATEGORIES DU RECIT .IN-LANALYSE - 2‬‬
‫‪STRUCTURALE DU RECT COMMUNICATION 8.SEUIL .1981.P147-148‬‬
‫ًقالً عي حويد لحويداًي‪:‬بٌية الٌض السردي ‪ ،‬ص‪.47‬‬
‫‪8‬‬
‫‪.‬‬ ‫المدخل ‪:‬‬

‫ج‪ -‬الػراوي< الشػخصية ‪ :‬الػرؤية مػن اخلػارج ‪:‬‬


‫وال يعرؼ الراوي يف ىذا النوع الثالث إال التليل شلا تعرفو إحدى الشخصيات احلكائية والراوي ىنا‬
‫يعتمد كثَتاً على الوصف اخلارجي‪ ،‬أي وصف احلركة واألصوات‪ ،‬وال يعرؼ إطالقاً ما يدور خبلد‬
‫األبطاؿ ويرى "تودوروؼ" أف جهل الراوي بو التاـ ىنا‪ ،‬ليس أمراً اتفاقياً وإال فإف حكياً من ىذا النوع‬
‫‪1‬‬
‫ال ديكن فهمو"‪.‬‬
‫وتوما تشوفسكي مل يشر إطالقاً إإ ىذا النوع من زاوية الرؤية‪ ،‬إال أف األمناط احلكائية اليت تنبٍت مثل‬
‫ىذه الرؤية مل تكن قد ظهرت إال بعد نتصف الترف العشرين على يد الروائيُت اجلدد‪ ،‬ومسيت روايتهم‬
‫بالشيئية ألهنا غالباً ما زبلو من احلدث والوصف‪.‬‬

‫‪ -4‬وسائل السرد ‪:‬‬


‫أ‪ -‬الػحوار ‪:‬‬

‫‪T.TODORV: LES CATEGORIES DU RECIT .IN-LANALYSE STRUCTURALE - 1‬‬


‫‪DU RECT COMMUNICATION 8.SEUIL .1981.P147-148‬‬
‫ًقالً عي حويد لحويداًي‪:‬بٌية الٌض السردي ‪ ،‬ص‪.48‬‬
‫‪9‬‬
‫‪.‬‬ ‫المدخل ‪:‬‬

‫يعد احلوار منطاً من أمناط التعبَت الفٍت‪ ،‬وعنصراً ىاماً يشرؾ مع السرد والوصف يف بناي النص الروائي‬
‫وىو حديث "يدور بُت اأنُت على األقل ويتناوؿ ىت ادلوضوعات‪ ،‬أو ىو كالـ يتع بُت األديب ونفسو‬
‫أو من ينزلو متاـ نفسو ‪ ...‬يفرض من اإلبانة عن ادلواقف والكشف عن خبايا النفس" ‪ ،1‬فاحلوار نوعُت‪،‬‬
‫احلوار اخلارجي (الديالوج) واحلوار اخلارجي (ادلونولوج)‪ ،‬ويرى صلم عبد ا﵁ كاظم أف "التوفيق يف كتابو‬
‫احلوار من حيث أف يكوف متنعاً أو ال‪ ،‬ومناسبة للشخصيات ادلتكلمة بو أانياً‪ ،‬وإسهامو يف رسم‬
‫الشخصيات أالثاً‪ ،‬وتوظيفو فيما ىو غَت ذلك رابعاً‪ ،‬يستند على أالث ركائز‪ ،‬األوإ مدى قدرة الكاتب‬
‫ومهارتو وحرفيتو يف الكتابة اإلبداعية بشكل عاـ‪ ،‬وكتابة احلوار بشكل خاص‪ ،‬والثانية حس ىذا الكاتب‬
‫الفٍت بشكل عاـ ذباه ربميل احلوار ىذه الوظيفة او تلك وفتاً دلا يؤديو للعمل ضمن عالقتو بالوسائل‬
‫والعناصر الفنية األخرى والثالثة عمل الكاتب على ربتيق ادلوائمة بُت احلوار وطبيعة الشخصيات وعدـ‬
‫‪2‬‬
‫تكلفة تكلفاً يتأ معو غَت متالئم معها‪ ،‬خاصة ضمن الوضع واألجواي اليت يفرضها العمل"‪.‬‬
‫ويشغل احلوار حيزاً ىاماً‪ ،‬ويكتسب أمهية بفعل "وظيفتو الدرامية يف السرد وقدرتو على تكسَت رتابة‬
‫‪ ،3‬ما جيعلو قريباً من‬ ‫احلكي بعمَت الغائب الذي ظل يهيمن وال يزاؿ على أساليب الكتابة الروائية"‬
‫قلوب التراي‪ ،‬كما يساعد ادلؤلف على كشف األحداث بسهولة‪.‬‬

‫أ‪ -‬وظػائف الػحوار ‪:‬‬


‫ينهع احلوار بوظائف متعددة منها‪:‬‬
‫‪ -‬يسمح بتعبَت الشخصيات عن نفسها بصورة ال توفرىا التتنيات الروائية األخرى‪ ،‬فإذا كاف احلياي‬
‫والعيق دينعاف الشخصية من أف تتوؿ مشافهة ما ديكنها قولو كتابة يف رسالة مثالً‪ ،‬فإف تبادؿ‬
‫الكالـ‪ ،‬بسبب طابعو العفوي واالرذبايل‪ ،‬حيرؾ ادلشاعر ويفجر األفكار ويغَت احلوار الداخلي عند‬
‫ادلتحاورين‪.‬‬
‫‪ -‬كما يسمح بالتخلص من جود األسلوب األديب من خالؿ استخداـ ألفاظ وتعابَت وضع ضلوية‬
‫مستتاة من اللغة احلية‪.‬‬

‫‪ - 1‬صلم عبد ا﵁ كاظم‪ :‬مشكلة احلوار يف الرواية العربية‪ ،‬إربد‪ ،‬عامل الكتب احلديث‪ ،‬األردف‪ ،‬ط‪ ،2007 ،1‬ص‪.9‬‬
‫‪ - 2‬ـ‪ .‬ف‪ ،‬ص‪.89‬‬
‫‪ - 3‬حسن حبراوي‪ :‬بنية الشكل الروائي (الفعاي‪ ،‬الزمن‪ ،‬الشخصية)‪ ،‬ادلركز الثتايف العريب‪ ،‬الدار البيعاي‪ ،‬ط‪.166 ،1990 ،1‬‬

‫‪10‬‬
‫‪.‬‬ ‫المدخل ‪:‬‬

‫‪ -‬تتكيد واقعية الرواية وترابطها فإذا تناوؿ احلوار أحداث ادلاضي أكد صفة ىذه األحداث خلق بينها‬
‫االنسجاـ‪ ،‬وإذا تناوؿ ادلستتبل منح التارئ أداة االستشراؼ واحلكم على سَت الرواية ‪ ،1‬كما أنو‬
‫خيفف من رتابة السرد الطويل والذي قد يكوف مبعثاً للستـ وادللل وعلى الرغم من أمهيتو يف عملية‬
‫البناي السردي‪ ،‬إال أنو ديكن أف يكوف عامالً يف إخفاؽ النص الروائي‪ ،‬وذلك إذا مل حيسن الكاتب‬
‫توظيفو وفق قواعد وتتنيات زلددة‪.‬‬
‫‪-‬‬
‫ب‪ -‬الػوصف ‪:‬‬
‫‪ ،2‬ويبالغ جَتار‬ ‫"الوصف أسلوب استثنائي يتناوؿ ذكر األ ياي يف مظهرىا احلسي ويتدمها للعُت"‬
‫جنيت يف أمهية الوصف‪ ،‬فالنص السردي عنده ال يتم إال على الوصف فهو يترر بداية أنو "ال وجود‬
‫لفعل منزه كلية عن الصدى الوصفي لذا نستطيع التوؿ بتف الوصف أكثر لزوماً للنص السردي‪ ،‬ذلك‬
‫‪3‬‬
‫انو أسهل علينا أف نصف دوف أف ضلكي من أف ضلكي دوف أف نصف"‪.‬‬
‫وقد درس جَتار جنيت طبيعة كل من السرد والوصف‪ ،‬فوجد أنو من ادلمكن أف يكوف الوصف‬
‫خالصاً لكن من الصعب أف صلد سرداً خالصاً‪ ،‬فإذا كاف "السرد يتعامل مع الزمن‪ ،‬والوصف مع األ ياي‬
‫فإف الواقع الروائي ال ينهع وال يستتيم إال بإدخاؿ عنصر الوصف ركناً أساسياً يف تشكيل مفرداتو" ‪،4‬‬
‫فهو كل تعبَتي أساسي يف الرواية واستعمالو ينتج عنو رؤية جديدة للعمل الروائي‪.‬‬
‫وينهع الوصف بوظائف متعددة انو يف ذلك تف احلوار‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫* وظـائف الـوصف ‪:‬‬

‫‪ - 1‬لطيف زيتوين‪ :‬معجم مصطلحات نتد الرواية‪ ،‬ص‪.82‬‬


‫‪ - 2‬سيزا قاسم‪ :‬بناي الرواية‪ ،‬ص‪.107‬‬
‫‪ - 3‬جَتار جنيت‪ :‬خطاب احلكاية‪ ،‬حبث يف ادلنهج‪ ،‬ترمجة زلمد معتصم‪ ،‬عبد اجلليل األزدي‪ ،‬عمر احللي‪ ،‬منشورات االئتالؼ‪ ،‬د‪ .‬ط‪،‬‬
‫د‪ .‬ت‪ ،‬ص‪.76‬‬
‫‪ - 4‬زلمد علي الشوابكة‪ :‬السرد ادلؤطر يف رواية النهايات لعبد الرمحن منيف‪ ،‬البنية ولداللة‪ ،‬منشورات أمانة عماف الكربى‪ ،‬عماف‪ ،‬د‪.‬‬
‫ط‪.162 ،2006 ،‬‬
‫‪ - 5‬لطيف زيتوين‪ :‬معجم مصطلحات نتد الرواية‪ ،‬ص ‪.172‬‬

‫‪11‬‬
‫‪.‬‬ ‫المدخل ‪:‬‬

‫للوصف وظائف متعددة ربدد يف كل رواية‪ ،‬ولكن ىناؾ وظائف عامة ديكن إجيازىا باآلأ ‪:‬‬

‫‪ -1‬وظػيفة واقعػية ‪:‬‬


‫تتدمي األ ياي والشخصيات وادلدار ادلكاين و الزماين معطيات حتيتية لإليهاـ بواقعيتها‪ ،‬ولكن اإليهاـ‬
‫بالعكس‪ ،‬أي بعامل (خيايل) خرايف ال يشبو الواقع يف يي (كما يف التصص اخلرافية)‪.‬‬

‫‪ -2‬وظػيفة معػرفية ‪:‬‬


‫تتدمي معلومات جغرافية أو تارخيية أو علمية أو غَتىا‪ ،‬شلا يهدد بتحويل النص إإ نص وأائتي أو‬
‫تعليمي‪.‬‬

‫‪ -3‬وظػيفة سػردية ‪:‬‬


‫تزويد ذاكرة التارئ بادلعرفة الالزمة حوؿ األماكن‪ ،‬والشخصيات وتتدمي اإل ارات اليت ترسم اجلو‬
‫وتساعد يف تكوين احلبكة‪.‬‬

‫‪ -4‬وظػيفة مجاليػة ‪:‬‬


‫يعترب موقع الكاتب داخل نظاـ اجلمالية األدبية‪ ،‬فمحاولة إلغاي الوصف وإحالؿ الرسوـ والصور مكانة‬
‫ربيلنا إإ السريالية‪ ،‬وتوسيع مساحة الوصف إإ حد منافسة السرد حييلنا إإ الرواية اجلديدة‪ ،‬اليت‬
‫فككت الشخصية واحلبكة‪ ،‬واستخداـ صور بعينها الستعارات‪ ،‬كتابات‪ ،‬رلاز‪ ،‬حييلنا إإ الرومانسية‬
‫الواقعية‪.‬‬

‫‪ -5‬وظػيفة إيتاعػية ‪:‬‬


‫تستخدـ خللق اإليتاع يف التصة‪ :‬قطع تسلسل احلدث لوصف ا﵀يط اجلغرايف الذي يكتنفو يولد تراخياً‬
‫بعد توتر‪ ،‬وقطع تسلسل احلدث يف موضع حساس يولد التلق والتشويق‪ ،‬وبالتايل التوتر‪.‬‬
‫من خالؿ تعريفنا للوصف ووظائفو نتصل إإ أنو إحدى التتنيات اذلامة يف بناي العمل الروائي‪ ،‬إذ‬
‫يساىم إإ جانب السرد واحلوار يف تصوير احلدث وتطويره‪ ،‬فيكشف عن الشخصية ويستبطن داخلها‪،‬‬

‫‪12‬‬
‫‪.‬‬ ‫المدخل ‪:‬‬

‫إال أف كثرة الوصف ديكن أف تنعكس سلباً على النص وتؤدي إإ ضعفو‪ ،‬والسرد والوصف عمليتاف‬
‫متشاهبتاف‪ ،‬يظهراف بواسطة متاطع كالمية‪ ،‬لكن الفرؽ يف الوظيفة‪ ،‬السرد يعمل على إعادة التتابع الزمٍت‬
‫لألحداث‪ ،‬أما الوصف فيمثل موضوعات متزامنة ومتجاورة يف ادلكاف‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫الفصل األول‬

‫بناء المكان ودالالته‬

‫‪ -1‬مفهوم المكان‪.‬‬

‫‪ -2‬أهمية المكان الروائي في تشكيل الخطاب الروائي‪.‬‬

‫‪ -3‬التشكالت المكانية ودالالتها‪.‬‬

‫أ‪ -‬األماكن المفتوحة‪.‬‬

‫ب‪ -‬األماكن المغلقة‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫بناء المكان وداللته‬ ‫الفصل األول‬

‫إف ادلكاف عنصر أساسي يف احلياة اإلنسانية‪ ،‬فهو يوثق من صالت األنا بالعادل اخلارجي‪ ،‬كما انو ػلتل‬
‫أعلية خاصة يف تشكيل العادل الروائي ورسم أبعاده ويعد " من أىم احملاور الروائية ادلؤثرة يف إبراز فكرة‬
‫الكاتب‪ ،‬وربليل شخصياتو النفسية ألف إدراؾ اإلنساف للمكاف مباشر وحسي‪ ،‬وصراعو معو ما ىو إال‬
‫تأكيد لذاتو‪ ،‬وتأصيل ذلويتو‪ ،‬فبقدر إحساس االنساف بادلكاف‪ ،‬تكمن أعلية وجوده‪ ،‬وال صلايف احلقيقة‬
‫إذا قلنا أف ادلكاف يضيق حبياة اإلنساف مثل الزماف سباماً‪ ،‬ألف وجوده يف ادلكاف يستمر معو طواؿ عمره‪،‬‬
‫فال تكتسب الذات أعليتها إال من خالؿ تفاعلها مع ادلكاف ادلوجودة فيو" ‪ ،1‬فطبيعة ادلكاف ىي انعكاس‬
‫لشخصية اإلنساف‪ ،‬وقد أخذت قضية ربديد مفهوـ ادلكاف خَتاً كبَتاً يف حديث ادلفكرين والفالسفة‪.‬‬
‫‪ -1‬مفهوم المكان‪:‬‬
‫أ‪ -‬لغة‪:‬‬
‫‪2‬‬
‫لقد ورد يف لساف العرب "ادلكاف"‪ ،‬ادلوضع واجلمع كقذاؿ‪ ،‬وأقذلة‪ ،‬وأماكن صبع اجلمع"‪.‬‬
‫ب‪ -‬ادلفهوـ الفلسفي‪:‬‬
‫يستحضر "حسن الربيعي" يف كتاب ادلوسوـ بنظرية ادلكاف يف فلسفة ابن سينا صبلة من التعريفات ألىم‬
‫الفالسفة الغرب منها ما يأيت‪:‬‬
‫‪ -‬أفالطوف يعرؼ ادلكاف " بأنو ما ػلوي األشياء‪ ،‬ويتقبلها ويشكل هبا"‬
‫‪ -‬أما الفيلسوؼ الرياضي "إقليدس" فادلكاف عنده ال ينبغي أف يكوف ذا ثالثة أبعاد ىي الطوؿ‬
‫والعرض والعمق"‪.‬‬
‫‪ -‬يف حُت يعترب "سبينوزا" و "مالَتاش" ادلكاف امتداد غَت متناه‪.‬‬
‫‪ -‬أما العادلاف الفيزيائياف نيوتن وكالرؾ فإضافة إذل اعتبارعلا ادلكاف حا ٍو لألشياء كما عده‬
‫‪3‬‬
‫أفالطوف فإهنما يضيفاف إذل ىذا التعريف خصائص‪ :‬الالتناىي‪ ،‬األبدية‪ ،‬القدـ‪ ،‬وعدـ الفناء"‪.‬‬
‫من خالؿ ىذه التعريفات نالحظ أف ىناؾ تناقضاً يف اآلراء‪ ،‬فبينما يرى أفالطوف ونيوتن وكالرؾ بأف‬
‫ادلكاف زلدد‪ ،‬فإف إقليدس وسبيتوزا ومادلَتاش ينفوف ىذه الصفة عن ادلكاف فهو امتداد غَت متناه‪.‬‬

‫ج‪ -‬مفهوـ ادلكاف عند النقاد العرب والغرب ‪:‬‬

‫‪ - 1‬صبحية عودة زعرب‪ :‬غساف كنفاين‪ ،‬صباليات السرد يف اخلطاب الروائي‪ ،‬دار رلدالوي ‪ ،‬عماف‪ ،‬األردف‪ ،‬ط‪ ،2006 1‬ص‪.95‬‬
‫‪ - 2‬ابن منظور ‪ :‬لساف العرب‪ ،‬ج‪ ،14‬ط‪ ،1‬دار صادر‪ ،‬بَتوت‪ ،‬ص‪.113‬‬
‫‪ - 3‬باديس فوغارل‪ :‬ادلكاف والزماف يف الشعر اجلاىلي‪ ،‬عادل الكتب احلديث‪ ،‬جدارا للكتاب العادلي‪ ،‬األردف‪ ،‬ط‪ ،2008 ،1‬ص‪.171‬‬

‫‪15‬‬
‫بناء المكان وداللته‬ ‫الفصل األول‬

‫اكتفى النقاد الكالسيكيوف يف اللغات الثالث باستخداـ كلمة ادلكاف ‪ Lieu/place‬للداللة على‬
‫كل أنواع ادلكاف حيث دل يكن معٌت الفراغ دبفهومو احلديث قد نشأ بعد‪ ،‬وبينما ضاؽ الفرنسيوف‬
‫دبحدودية كلمة ‪ Lieu‬ادلوقع فبدأو يف استخداـ كلمة فراغ ‪( Location‬بقعة) للتعبَت عن ادلكاف‬
‫‪1‬‬
‫احملدد لوقوع احلدث"‪.‬‬
‫لكن النقد العريب دل ػلفل بو كعنصر أساسي من عناصر البناء الفٍت إال يف منتصف القرف العشرين‬
‫باستثناء الناقد ادلغريب ضبيد حلميداين الذي عرفو "ادلكاف ىو احليز ادلادي احملدد ادلفًتض الوجود أو‬
‫‪2‬‬
‫ادلوجود فعالً كإطار حلدث أو لعدة أحداث أو لعدة أحداث كالبيت والشارع أو ادلقهى أو الساحة"‬
‫كما صلد الناقد اجلزائري عبد ادلالك مرتاض الذي أواله أعلية يف العديد من دراساتو فيعرفو‪" :‬ىو كل ما‬
‫يف حيزاً جغرافياً حقيقياً‪ ،‬من حيث انطلق اخلَت يف حد ذاتو على كل فضاء خرايف أو أسطوري أو كل ما‬
‫يند عن ادلكاف احملسوس كاخلطوط واألبعاد واألحجاـ واألثقاؿ واألشياء اجملسمة مثل األشجار واألهنار‬
‫‪3‬‬
‫وما يقود ىذه ادلظاىر احليزية من حركة أو تغَت"‬
‫يتفق كل من ضبيد حلميداين وعبد ادلالك مرتاض يف تعريفها للمكاف على أنو إطار زلدد ذبري فيو‬
‫األحداث‪.‬‬
‫وتعترب ترصبة غالب ىلسا "صباليات ادلكاف" لكتاب غاستوف باشالر " شعرية الفضاء" أوؿ دراسة‬
‫تتحدث عن ادلكاف‪ ،‬وبالرغم من أف ىذه الدراسة قد فسحت اجملاؿ للتعريف أكثر هبذا ادلصطلح إال أهنا‬
‫أوقعت خلطاً بُت ادلكاف والفضاء‪ ،‬ىذا األخَت الذي يعتربه شاكر النابلسي "أىم ادلظاىر اجلمالية يف‬
‫‪4‬‬
‫الرواية العربية ادلعاصرة‪ ،‬شلا يستدعي االىتماـ بو وتقصيو ودراستو"‬
‫وقد اختلف الدارسوف العرب يف رؤيتهم إذل طبيعة العالقة بُت ادلكاف والفضاء‪ ،‬فنجد أف حسن‬
‫حبراوي يرى أف الفضاء "ال يعيش منعزالً عن باقي عناصر السرد‪ ،‬وإظلا يدخل يف عالقات متعددة مع‬
‫ادلكونات احلكائية األخرى" ‪ 5‬وىو بذلك يعادؿ بُت ادلكاف والفضاء‪ ،‬أما ضبيد حلميداين فقد فرؽ بينهما‬

‫‪ - 1‬سيزا قاسم‪ :‬بناء الرواية (دراسة مقارنة يف ثالثية صليب زلفوظ)‪ ،‬ص‪.102‬‬
‫‪ - 2‬ضبيد حلميداين‪ :‬بنية النص السردي من منظور النقد األديب ‪ ،‬ص‪.63‬‬
‫‪ - 3‬عبد ادلالك مرتاض‪ :‬ربليل اخلطاب السردي‪ ،‬د‪ .‬ـ‪ .‬ج‪ ،‬اجلزائر‪ ،1995 ،‬ص‪.243‬‬
‫‪ - 4‬شاكر النابلسي‪ :‬صباليات ادلكاف يف الرواية العربية‪ ،‬ادلؤسسة العربية للدراسات والنشر‪ ،‬بَتوت‪ ،‬ط‪ ،1994 ،1‬ص‪.10‬‬
‫‪ - 5‬حسن حبراوي‪ :‬بنية الشكل الروائي (الفضاء‪ ،‬الزمن‪ ،‬الشخصية)‪ ،‬ص‪.26‬‬

‫‪16‬‬
‫بناء المكان وداللته‬ ‫الفصل األول‬

‫واعترب ادلكاف جزءاً من الفضاء "إف رلموع ىذه األمكنة ىو ما يبدو منطقياً أف يطلق عليو اسم‪ ،‬فضاء‬
‫الرواية‪ ،‬ألنو أمشل وأوسع من معٌت ادلكاف‪.‬‬
‫وادلكاف هبذا ادلعٌت ىو مكوف الفضاء‪ ،‬وما دامت األمكنة يف الروايات غالباً ما تكوف متعددة‪ ،‬ومتفاوتة‬
‫‪1‬‬
‫فإف فضاء الرواية ىو الذي يلفها‪ ،‬إنو العادل الواسع الذي يشمل رلموع األحداث الروائية"‪.‬‬
‫وقد قسم ضبيد حلميداين الفضاء إذل‪:‬‬
‫‪ -1‬الفضاء اجلغرايف ‪:‬‬
‫وىو مقابل الدالرل‪:‬مكاف‪ ،‬ويتولد عن طريق احلكي ذاتو‪ ،‬إنو الفضاء الذي يتحرؾ فيو األبطاؿ أو‬
‫يفًتض أهنم يتحركوف فيو‪.‬‬

‫‪ -2‬فضاء النص ‪:‬‬


‫وىو فضاء مكاين أيضاً‪ ،‬غَت انو متعلق فقط بادلكاف الذي تشغلو الكتابة الروائية أو احلكائية باعتبارىا‬
‫أحرفاً طباعية‪ ،‬على مساحة من الورؽ ضمن األبعاد الثالثة للكتاب‪.‬‬

‫‪ -3‬الفضاء الدالرل ‪:‬‬


‫ويشَت إذل الصورة اليت زبلقها لغة احلكي وما ينشأ عنها من بعدما يرتبط بالداللة اجملازية بشكل عاـ‪.‬‬

‫‪ -4‬الفضاء كمنظور ‪:‬‬


‫ويشَت إذل الطريقة اليت يستطيع الراوي الكاتب بواسطتها أف يهيمن على عادلو احلكائي دبا فيو من‬
‫‪2‬‬
‫أبطاؿ يتحركوف على واجهة تشبو واجهة اخلشبة يف ادلسرح‪.‬‬
‫ورغم أف األحباث ادلتعلقة بدراسة الفضاء تعترب حديثة العهد وقليلة إال أنو ال ؽلكننا إنكار أعلية بوصفو‬
‫أحد أىم الركائز اليت يقوـ عليها اخلطاب الروائي "فتحليل الفضاء الروائي ىو الذي يسمح بإدراؾ‬

‫‪ - 1‬ضبيد حلميداين‪ :‬بنية النص السردي من منظور النقد األديب‪ ،‬ص‪.63‬‬


‫‪ - 2‬ادلرجع نفسو ‪ ،‬ص‪.62‬‬

‫‪17‬‬
‫بناء المكان وداللته‬ ‫الفصل األول‬

‫الداللة الشاملة للعمل يف كليتو حىت وإف كاف التحليل ليس دبقدوره إدعاء تفسَت صبيع أسرار النص أو‬
‫‪1‬‬
‫كشف سلتلف مظاىره"‪.‬‬
‫وسواء كانت العالقة بُت ادلكاف والفضاء ىي عالقة تشابو أو اختالؼ فال أحد ينكر ماذلا من أعلية يف‬
‫بناء النص الروائي‪.‬‬
‫‪ -2‬المكان الروائي وأهميته في تشكيل الخطاب الروائي‪:‬‬
‫لقد ميز النقاد البنيويوف بُت ادلكاف الروائي وادلكاف الواقعي‪ ،‬فادلكاف الواقعي ىو ادلكاف احلقيقي ادلوجود‬
‫خارج العادل الروائي التخيلي‪ ،‬أما ادلكاف الروائي فهو ادلكاف ادلتخيل الذي يوجد داخل العادل الروائي‬
‫وىو ال يتشكل إال باللغة وعالماهتا "فالنص الروائي ؼللق عن طريق الكلمات مكاناً خيالياً فيو مقوماتو‬
‫‪2‬‬
‫اخلاصة وأبعاده ادلميزة"‪.‬‬
‫ورغم التشابو أحياناً بُت ادلكاف الروائي والواقعي يف االسم والشكل يف بعض الروايات إال أهنما ال‬
‫يتطابقاف‪.‬‬
‫واالىتماـ النقدي بالبناء الروائي بدا متأخراً‪ ،‬فهو دل يكن من ادلكونات الرئيسية للرواية وكاف جل‬
‫االىتماـ منصباً على الزمن‪ ،‬إذل أف جاءت الرواية الواقعية "فقد كاف ربديد ادلكاف من السمات اليت‬
‫ميزت الرواية الواقعية‪ ،‬حيث حددت العادل احلسي الذي تعيش فيو شخصياهتا‪ ،‬وجسدتو ذبسيداً‬
‫مفصالً"‪ 3‬بُت والرواية الواقعية وظفت ادلكاف وظيفتُت إحداىم إيهامية واألخرى تفسَتية فاألوذل تنقل‬
‫ادلتلقي إذل العادل التخيلي والثانية تساعد على فهم سَت األحداث والشخصيات وبالتارل أصبح ادلكاف‬
‫واحد من أىم عناصر النص السردي‪ ،‬فهو بداية مسرح األحداث واإلطار الذي تدور فيو "وإذا كاف‬
‫جَتارجينت يفصل الزماف على ادلكاف يف تكوين النص السردي فإف وجود ادلكاف يعد إشارة ذات داللة‬
‫مهمة على مستوى بنية النص السردي عموماً" ‪ ،4‬ويرى شارؿ غيفر أف للمكاف أعلية كبَتة "فادلكاف‬

‫‪ - 1‬إبراىيم عباس‪ :‬تقنيات البنية السردية يف الرواية ادلغاربية‪ ،‬منشورات ادلؤسسة الوطنية لالتصاؿ والنشر واإلشهار‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د ت‪،‬‬
‫ص‪.31‬‬
‫‪ - 2‬سيزا قاسم‪ :‬بناء الرواية‪ ،‬ص‪.100‬‬
‫‪ - 3‬ادلرجع نفسو‪ ،‬ص‪.79‬‬
‫‪ - 4‬ىيثم احلاج‪ :‬الزمن النوعي وإشكاليات النوع السردي‪ ،‬مؤسسة االنتشار العريب‪ ،‬ط‪ ،2008 ،1‬ص‪ ،140‬ص ‪.141‬‬

‫‪18‬‬
‫بناء المكان وداللته‬ ‫الفصل األول‬

‫الروائي ىو الذي يكتب القصة حىت قبل أف تسطرىا يد ادلؤلف" ‪ ،1‬ويؤكد ىنري مًتاف ىذا القوؿ‪" :‬بأف‬
‫‪2‬‬
‫ادلكاف ىو الذي يؤسس احلكي‪ ،‬ألنو غلعل القصة ادلتخيلة ذات مظهر ماثل دلظهر احلقيقة"‪.‬‬
‫ويف اإلطار نفسو حوؿ التأكيد على أعلية ادلكاف يرى حسن حبراوي أف "تعيُت ادلكاف يف الرواية ىو‬
‫البؤرة الضرورية اليت تدعم احلكي وتنهض بو يف كل عمل زبيلي" ‪ ،3‬فادلكاف ػلدد طبيعة الشخصيات‬
‫وإحداثيات ربركها‪ ،‬ىذا ما جعل غاستوف باشالر يعترب أف العمل األديب "حُت يفتقد ادلكانية‪ ،‬فهو يفقد‬
‫خصوصيتو وبالتارل أصالتو"‪.4‬‬
‫ومن ىنا بدأت تظهر أعلية ادلكاف الروائي وذباوز النقد البنائي نظرتو التقليدية إذل ادلكاف بوصفو إطار‬
‫لألحداث إذل مكوف فعاؿ يؤثر ويتأثر يف باقي ادلكونات كالشخصية واحلدث‪ ،‬وبظهور الرواية اجلديدة‬
‫مع آالف روب غرييو دل يعد رلرد إكسسوار‪ ،‬بل أصبح يعرب عن حالة سردية‪ ،‬غَت أف ىذه األعلية‬
‫تتفاوت من أديب إذل آخر ومن عمل آخر‪ ،‬فالرواية العاطفية والسياسية واإليديولوجية تستغل ىذه‬
‫التقنية وفق حاجة ادلتلقي‪ ،‬فحاجة ادلضموف إذل شكل يؤطره ىي اليت ربدد العناية بادلكاف "فإما أف تتم‬
‫العناية بادلكاف وإما أف تتضاءؿ أو تتخذ شكالً جديداً سلالفاً لألساليب السابقة يف الكتابة الروائية" ‪،5‬‬
‫فوفقاً دلضموف النص ورؤية الكاتب تتحدد أعلية حضور ادلكاف يف العمل األديب‪ ،‬وىنا نطرح السؤاؿ ىل‬
‫سبت العناية بعنصر ادلكاف يف الرواية موضوع الدراسة؟ ىذا ما سنجيب عنو فيمايلي‬

‫‪ - 1‬ضبيد حلميداين‪ :‬بنية النص السردي من منظور النقد األديب‪ ،‬ص‪.65‬‬


‫‪ - 2‬ادلرجع نفسو‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬
‫‪ - 3‬حسن حبراوي‪ :‬بنية الشكل الروائي (الفضاء‪ ،‬الزمن‪ ،‬الشخصية)‪ ،‬ص‪.29‬‬
‫‪ - 4‬شاكر النابلسي‪ :‬صباليات ادلكاف يف الرواية العربية‪ ،‬ص‪.14‬‬
‫‪ - 5‬حسن حبراوي‪ :‬بنية الشكل الروائي (الفضاء‪ ،‬الزمن‪ ،‬الشخصية)‪ ،‬ص‪.30‬‬

‫‪19‬‬
‫بناء المكان وداللته‬ ‫الفصل األول‬

‫التشكالت المكانية ودالالتها‪:‬‬


‫إف األمكنة باإلضافة إذل اختالفها من حيث طابعها ونوعية األشياء اليت توجد فيها زبضع يف‬
‫‪1‬‬
‫تشكالهتا أيضاً إذل مقياس آخر مرتبط باالتساع والضيق أو االنفتاح واالنغالؽ"‪.‬‬
‫وسنتطرؽ بالدراسة والتحليل جملموع األمكنة الواردة يف الرواية ودالالهتا وارتأينا تقسيمها إذل أماكن‬
‫مفتوحة وأماكن مغلقة‪.‬‬
‫أ‪ -‬األماكن المفتوحة‪:‬‬
‫‪ -1‬ادلػدينػة ‪:‬‬
‫لقد تضمنت الرواية حضوراً قوياً لعنصر ادلكاف‪ ،‬والكاتب دل يعتمد يف نقل صورتو على الوصف الذي‬
‫يعيد تشكيل الواقع‪ ،‬وإظلا قدمو حسب تصوره اخلاص‪ ،‬فجاء ادلكاف مؤشراً على احلالة ادلزرية اليت وصلت‬
‫إليها اجلزائر خالؿ العشرية السوداء‪ ،‬فتمثلو يف صورة امرأة مومس سبارس الرذيلة جهراً وعلى أيدي‬
‫حكامها الذين كانوا سبباً دلا آلت إليو "ونشَت ىنا إذل أف صورة ادلدينة يف األدب العريب احلديث تتحد‬
‫بصورة ادلرأة البغي‪ ،‬فادلدينة يف اللغة مؤنثة‪ ،‬ويف معظم األحياف كانت حركة التاريخ ضد ادلدف فتحاً‬
‫واجتياحاً واغتصاباً ذلا ولنسائها ودلواردىا وىي ما تزاؿ إذل اليوـ" ‪.2‬‬
‫وقد جسد الكاتب حالة الشتات والضياع بكل أبعادىا‪ ،‬وبأدؽ تفاصيلها يف رواية تبدو للوىلة األوذل‬
‫مقاطع منفصلة‪ ،‬لكن القارئ ادلتمكن‪ ،‬يدرؾ أهنا مقاطع متسلسلة ذبسد صبلة من األحداث خالؿ‬
‫ادلرحلة احلرجة من تاريخ اجلزائر و" ربتل ادلدينة مساحة واسعة من الرواية اجلزائرية ادلعاصرة‪ ،‬اىتم هبا‬
‫الروائيوف الشباب منهم خاصة‪ ،‬كما فعل الرواد‪ ،‬إذ بدت يف البعض من النصوص وكأهنا النسيج‬
‫اجلغرايف الوحيد دلا تقدمو من ذبربة واقعية حية إذل جانب اجلمالية اليت توفرىا والتيمات اليت احتشدت‬
‫يف تلك الفًتة‪ ،‬فكاف الروائي اجلزائري مسكوناً باحلياة الثقافية والسياسية واجلزائرية يف فًتة معقدة من‬
‫تاريخ العالقة بُت األعراؼ السياسية يف تسعينات القرف العشرين" ‪ ،3‬ودلا كانت ادلدينة ادلكاف الرئيس يف‬
‫الرواية فال تكاد صفحة زبلو من ذكرىا‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫"اىبط ادلدينة فإف لك فيها ما سألت"‪.‬‬

‫‪ - 1‬ضبيد حلميداين‪ :‬بنية النص السردي من منظور النقد األديب‪ ،‬ص‪.72‬‬


‫‪ - 2‬عبد احلميد ىيمة‪ :‬عالمات يف اإلبداع اجلزائري‪ ،‬وزارة الثقافة‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،2007 ،‬ص‪.94‬‬
‫‪ - 3‬الشريف صبيلة‪ :‬الرواية والعنف‪ ،‬إربد‪ ،‬عادل الكتب احلديث‪ ،‬األردف‪ ،‬ط‪ ،2010 ،1‬ص‪.59‬‬
‫‪ - 4‬عز الدين جالوجي‪ :‬سرادؽ احللم والفجيعة‪ ،‬منشورات أىل القلم‪ ،‬سطيف‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،‬د‪ .‬ت‪ ،‬ص‪.55‬‬

‫‪20‬‬
‫بناء المكان وداللته‬ ‫الفصل األول‬
‫(‪)1‬‬
‫" وتناىى ارل وقع اقداـ ادلدينة‪ ،‬ترقص شبلة تضرب االرض بكعبها‬
‫"وأحسست باالختناؽ وتراءت رل ادلدينة قادمة من بعيد تتهادى يف ثوهبا الشفاؼ" (‪.)2‬‬
‫وادلدينة دل ترد يف الرواية كمكاف لو أبعاد ىندسية أو كخريطة جغرافية على حد تعبَت يروي لوسباف‪ ،‬وإظلا‬
‫كرمز ػلتاج من القارئ إذل جهد ومرجعية لفك شفراتو والوصوؿ إذل دالالتو "فالتالعب بصورة ادلكاف‬
‫يف الرواية ؽلكن استغاللو إذل أقصى احلدود‪ ،‬فإسقاط احلالة الفكرية أو النفسية لألبطاؿ على احمليط الذي‬
‫يوجدوف فيو‪ ،‬غلعل للمكاف داللة تفوؽ دوره ادلألوؼ كديكور أو كوسيط يؤطر األحداث‪ ،‬إنو يتحوؿ يف‬
‫ىذه احلالة إذل زلور حقيقي ويقتحم عادل السرد زلرراً نفسو ىكذا من أغالؿ الوصف" (‪.)3‬‬
‫ويرد ادلكاف يف الوضعية السردية األوذل‪ ،‬ألف السارد ػلتاج يف سرد حكاية من احلكايات إذل أف يضيف‬
‫مكاناً من األمكنة إذل زمن تلك احلكاية‪ ،‬ويكاد تعيُت ادلوضع يرد يف الرواية بصفة دائمة منذ سطورىا‬
‫األوذل‪ ،‬بل إنو لَتد يف الغالب‪ ،‬يف أوؿ صبلة فيها" (‪ ،.)4‬وىكذا ورد يف ىذه الرواية فقد جاء كعنواف ألوؿ‬
‫(‪)5‬‬
‫مقطع من مقاطعها الستة والثالثُت‪" ،‬أنا وادلدينة" ‪ .‬وباستنطاؽ النص يبدوا لنا فضاء ادلدينة مرادفاً‬
‫للموت‪ ،‬واالهنيار‪ ،‬مدينة كل شيء فيها دمار واضلالؿ‪ ،‬ىي مدينة مومس تبيع نفسها لكل الناس‪ ،‬وقد‬
‫عرب عنها الكاتب أحسن تعبَت حُت وصفها بادلومس‪.‬‬
‫" أيتها ادلدينة ادلومس‬
‫إذل مىت تفتحُت ‪ ...‬ذراعيك للبلهاء ‪..‬؟؟‬
‫إذل مىت ترضعُت احلمقى واألغبياء‪..‬؟؟‬
‫إذل مىت أيتها ادلدينة سبارسُت العهر جهاراً هناراً دوف حياء‪..‬؟‬
‫إذل مىت تعرش فوقك مفاتنك الطحالب‪ ..‬الفئراف‪ ..‬واخلنافس‪ ..‬تعلي قصوراً‪..‬؟؟‬

‫‪-1‬عزالدين جالوجي‪ :‬سرادؽ احللم والفجيعة‪ ،‬ص‪.57‬‬


‫‪ -2‬ادلصدر نفسو‪ ،‬ص‪.58‬‬
‫‪-3‬ضبيد احلميداين‪ :‬بنية النص السردي من منظور النقد االديب‪ ،‬ص‪.17‬‬
‫‪-4‬جَتار جينيت‪ ،‬كولدنستُت‪ ،‬راؽلوف كريفل‪ ،‬بورنوؼ‪ /‬اويلي‪ ،‬ايزنر قايك‪،‬مًتاف‪،‬ترصبة عيد الرحيم حزؿ‪ :‬الفضاء الروائي افريقيا الشرؽ‪،‬‬
‫ادلغرب‪ ،‬ص ‪.17‬‬
‫‪-5‬عزالدين جالوجي‪ :‬سرادؽ احللم والفجيعة ص‪10‬‬

‫‪21‬‬
‫بناء المكان وداللته‬ ‫الفصل األول‬
‫‪1‬‬
‫يا أيتها ادلدينة ادلومس‪!..‬‬
‫والكاتب ال يتواىن يف تطعيم النص دبفردات تكشف عن مدى االضلطاط الذي آلة إليو ادلدينة وقد صلح‬
‫على حد كبَت يف رسم ىذه الصورة "تقهقو ادلدينة يف مسعي‪...‬تتهادى أماـ بصري يف ثوهبا الشفاؼ‪..‬‬
‫يتصافح ثدياىا‪ ..‬تدندف أغنيتها ادلفضلة" ‪.2‬‬
‫أما األحذية العسكرية فقد اصطفت يف طابور طويل خلف ادلدينة إهنم يضاجعوهنا بالتناوب‪...‬وكاف‬
‫الغراب يعطي لكل حذاء أكمل شهوتو موزة‪ ،‬أما السيد نعل أقصد لعن‪ ،‬فكاف يأتيو إذل مكاف مريح‬
‫ليناـ"‪" ،3‬وىا ىي ادلدينة تنتهي إذل مومس تضاجعها األحذية يف اخلالء ويف وضح النهار وأماـ مرأى‬
‫ومسمع ادلئات وعلى رأسهم صبيعاً الغراب والسيد لعن‪ ،‬ولكن دلاذا مسح الغراب والسيد لعن هبذه اجلرؽلة‬
‫‪4‬‬
‫النكراء"‪.‬‬
‫وقد جاء ذكر الكاتب للمدينة يف رواية سرادؽ احللم والفجيعة يف أكثر من مائة موضع كارىاً للمدينة‬
‫وما آلت إليو من دمار وخراب شأنو يف ذلك شأف الروائيُت العرب والغربيُت مثالً غالب ىلسا "يعتربىا‬
‫مكاناً من أمكنة اللعانات الشيطانية‪ ،‬وىذا االعتبار يذكرنا باعتبار دوستويفيسكي للمدينة اليت تعترب يف‬
‫عرفو عدوة لإلنساف‪ ،‬كما أهنا عدوة للرواية‪ ،‬حيث يستحيل فيها اإلنساف إذل ظللة تعيش يف أكواـ ىائلة‬
‫‪5‬‬
‫من النمل"‬
‫وقد ذبسدت مظاىر العنف والدمار عرب مقاطع الرواية‪ ،‬اليت ازبذت من تقنية الوصف سبيال لذلك كما‬
‫ىو موضح يف ىذه ادلقتطفات‪:‬‬
‫‪" -‬جحافل الدود ادلثبور تغزو ادلدينة أمواجا‪..‬ربتل كل شرب فيها كل درب‪ ..‬كل زقاؽ‪،‬كل‬
‫‪6‬‬
‫فناء‪..‬ادلبولة‪.‬غطي كل شيء يتسلق اجلدراف‪ ...‬األسوار‪ ...‬يلتهم األبواب‪"...‬‬
‫‪" -‬الرياح تصفر عرب اجلدراف ادلتهاوية‪ ،‬ربمل نعيق الغراب‪ ،‬وىو يرقص مع أتباعو أماـ ادلبولة يف‬
‫‪7‬‬
‫حضرة ادلدينة‪."...‬‬

‫‪ -1‬الرواية‪ /‬ص‪.11‬‬
‫‪ - 2‬ـ‪ ،‬ف‪ ،‬ص‪،‬ف‪.‬‬
‫‪ - 3‬الرواية‪.64 ،‬‬
‫‪ - 4‬الرواية‪ ،‬ص‪ ،65‬ص‪.66‬‬
‫‪ - 5‬شاكر النابلسي‪ :‬صباليات ادلكاف يف الرواية العربية‪ ،‬ص‪.14‬‬
‫‪ - 6‬الرواية‪ ،‬ص‪.51‬‬
‫‪ - 7‬الرواية‪ ،‬ص‪.55‬‬

‫‪22‬‬
‫بناء المكان وداللته‬ ‫الفصل األول‬
‫‪1‬‬
‫‪" -‬كل ادلنازؿ بال سقوؼ‪"...‬‬
‫‪" -‬ظهر الغراب والسيد لعن وعلا ػلمالف رشاشُت كبَتين ويطلقاف وابالً من الرصاص يدوي يف‬
‫‪2‬‬
‫الفضاء‪ ،‬ويربؽ شلزقاً عتمة ادلكاف‪"...‬‬
‫‪" -‬فجز رأسو وضبلو من أذنو يتقاطر دماً‪ ،‬مث غرس رزلاً يف حلقومو ورفعو إذل األعلى عند قمة‬
‫‪3‬‬
‫ادلبولة ‪ ...‬لَتاه الناس صبيعاً‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫‪" -‬دل يعد الغراب وأتباعو يناموف‪ ...‬بل يطوفوف الشوارع مدججُت باألسلحة ادلرعبة"‬

‫‪ -‬فرغم أف مقاطع الوصف جاءت مقتضبة زبلو من تفصيل األحداث‪ ،‬إال أف البنايات ادلتهاوية‬
‫واألسلحة ادلرعبة‪ ،‬ومشاىد القتل كلها دالة على العنف يف ىذه ادلدينة‬
‫تقوؿ سيزا قاسم "غلب أف ننظر إذل الصورة ادلكانية يف الرواية – أي ذبسيد ادلكاف‪ -‬ال على أهنا تشكيل‬
‫لألشكاؿ واأللواف فحسب ولكن على أهنا تشكيل غلمع مظاىر احملسوسات من أصوات ورائح وألواف‬
‫‪5‬‬
‫وأشكاؿ وظالؿ وملموسات‪ ...‬اخل"‬
‫فحاسة الشم والسمع ؽلكن من خالذلما أف ػلقق الكاتب قدراً من اجلمالية للمكاف أو العكس‪،‬‬
‫فالكاتب جلا إذل حاسة الشم يف أكثر من وصف إلظهار قرفو وكراىيتو للمدينة‪.‬‬
‫‪" -‬وكانت روائح النتانة تتعرش خيشومي مستعرضة عضالهتا‪...‬زبتار مهطعة كل إحساس‬
‫‪6‬‬
‫لدي‪."...‬‬
‫‪" -‬والدخاف وحده سيد ادلوقف يهدي لألنوؼ روائح العفن والعطن‪ ،‬يتموج على إيقاع الغراب‬
‫‪7‬‬
‫شلعناً يف تكرار أغنيتو ادلفضلة"‪.‬‬

‫‪ - 1‬الرواية‪ ،‬ص‪.57‬‬
‫‪ - 2‬الرواية‪ ،‬ص‪.60‬‬
‫‪ - 3‬الرواية‪ ،‬ص‪.90‬‬
‫‪ 4‬الرواية‪ ،‬ص‪.91‬‬
‫‪ -5‬سيزا قاسم‪ :‬بناء الرواية‪ ،‬ص‪.107‬‬
‫‪ - 6‬الرواية‪ ،‬ص‪ ،27‬ص‪.28‬‬
‫‪ - 7‬الرواية‪ ،‬ص‪.57‬‬

‫‪23‬‬
‫بناء المكان وداللته‬ ‫الفصل األول‬

‫‪" -‬لقد تشاهبت علي الدروب وادلسالك تضيق أو تتسع‪ ،‬تعلوا أو تنخفض‪ ،‬كلها تفوح برائحة‬
‫‪1‬‬
‫الكالب ادلشردة‪ ،‬ادلبللة"‪.‬‬
‫‪" -‬دل أشأ أف اقطع عليو طقوسو اليت وجدتو عليها‪ ...‬دل أنبس بكلمة واحدة بل جلست هبدوء‬
‫‪2‬‬
‫تاـ رغم روائح العفن اليت كانت تنبعث من ادلكاف‪."...‬‬
‫‪" -‬بعد أف شاىدت الغراب يسعى من بعيد ضلو ادلبولة‪ ،‬تنفست بعمق بعد أف كنت أكتم‬
‫أنفاسي منذ الصباح خشية أف أفقد وعيي من شدة النتانة ادلركزة اليت كانت تنبعث من‬
‫‪3‬‬
‫ادلكاف"‪.‬‬
‫فالكاتب بلم يلجأ للموصف فقط ليبُت قرفو من ادلدينة وكرىو ذلا‪ ،‬وإظلا جلا إذل حاسة الشم يف الكثَت‬
‫من أحداث الرواية‪.‬‬
‫كاف ىذا عن ادلدينة ادلومس‪ ،‬مومس تبيح نفسها ألراذؿ الناس قبل سادهتم‪ ،‬جسدت صورة االضلالؿ‬
‫والعنف بكل أبعاده‪ ،‬مدينة فقدت معادلها اإلنسانية‪ ،‬وأظهرت التدىور يف سلم القيم‪ ،‬يف رلتمع أقل ما‬
‫ؽلكن أف يقاؿ عنو أنو رلتمع حيواين‪.‬‬
‫وكلما ضاقت مدينة احلاضر وساء حاذلا تبادؿ إذل ذىن الراوي صورة ادلدنية يف ادلاضي وما كانت عليو‬
‫من رقي وازدىار إهنا ادلدينة احللم "احلبيبة ف" ىي اجلزائر قبل العشرية السوداء‪ ،‬قبل أف يسطَت عليها‬
‫حكاـ أراذؿ حولوا صورهتا وطمسوا ىويتها يصفها الكاتب قائال‪:‬‬
‫حسناء يا حبيبيت يا لوف الفرح والقمح الربي‪...‬‬
‫يا طعم الطفولة واحللم والليموف‪...‬‬
‫يا قامة الصفصاؼ وكربياء السرو‪...‬‬
‫يا نسيم‪ ...‬الرباءة‪ ...‬يا براءة النسيم‪...‬‬
‫‪.‬يا القوزح‪ ..‬اجلوىر‪ ...‬السر‪ ...‬اللب‪...‬العمق ‪ ...‬الكنو‬
‫‪4‬‬
‫يا طعم زخات ادلطر الليموف‪ ...‬األريج‪ ...‬الشذى‪. ...‬‬

‫‪ - 1‬الرواية‪ ،‬ص‪.65‬‬
‫‪ - 2‬الرواية‪ ،‬ص‪.59‬‬
‫‪ - 3‬الرواية‪ ،‬ص‪.101‬‬
‫‪ - 4‬الرواية‪ ،‬ص‪.27‬‬

‫‪24‬‬
‫بناء المكان وداللته‬ ‫الفصل األول‬

‫ىذه ىي صورة اجلزائر قبل أف تدنسها أقداـ الغرباء ويسيطر عليها العنف االضلالؿ وعلى العموـ‬
‫فادلكاف يف الرواية يتعُت دبرحلتُت‪ ،‬مرحلة ادلدينة ادلومس‪ ،‬مرحلة احلبيبة ف‪.‬‬
‫‪ -2‬الشػارع ‪:‬‬
‫عن الشارع اليوـ ليس رلرد لفض بل أنو ال يوشك على التحوؿ إذل مفهوـ معقد ما تنفك معانيو‬
‫وداللتو تتعاظم وتتسع‪ ،‬ووظائفو تتعدد وتتنوع‪ ،‬حىت لكأنو خالصة للمدينة أو اختزاؿ للمجتمع‪،‬‬
‫فالسياسة ذبسم فيو إرادهتا‪ ،‬وتفرض أيديولوجيتها وادلصنوعات إليو تنتهي والبنية الطبقية فيو تربز القيم‬
‫‪1‬‬
‫اجلمالية ومعايَت السلوؾ عامة تصطفو معرضاً ذلا"‪.‬‬
‫لكنو ربوؿ بفعل العنف من مكاف حركة وتنقل دلزاولة احلياة "إذل مكاف للقهر وادلوت استطاعت الرواية‬
‫اجلزائرية ادلعاصرة نقل ىذه الصورة عن الشارع اجلزائري وىي تسجل تفاصيل ادلأساة ربوؿ اإلمساؾ‬
‫‪2‬‬
‫خبيوطو ادلتفرعة وادلتشابكة اليت وسطاً مناسباً الحتضاف العنف"‬
‫لينضاؼ الشارع ساحة أخرى للعنف الذي ال يكتفي دبكاف واحد‪.‬‬
‫‪" -‬وتراءت من بعيد سبالً فم الشارع كلو تشكل حلمة واحدة ترتفع معاً وتضرب األرض معاً زلدثتاً‬
‫‪3‬‬
‫زلزاالً عنيفاً ػلمل دالالت شديدة"‪.‬‬
‫والرواية ال ربفل هبندسية أو جبغرافية الشارع‪ ،‬فالراوي ال يقف عنده ويصفو وصفاً دقيقاً مثلما ىو احلاؿ‬
‫يف الرواية الواقعية‪ ،‬لكنو يأيت يف إشارات خاطفة دوف وصف لكنو ػلمل دالالت‪.‬‬
‫‪" -‬دل اكن أقدر على ادلشي إال متعرجاً‪ ...‬ملتوياً‪ ...‬مًتضلاً‪ ...‬قافزاً ىنا وىناؾ كانت الفضالت‬
‫‪4‬‬
‫سبأل الشارع‪ ،‬أقصد التجويف"‪.‬‬
‫‪" -‬قطعت الزقاؽ ىرولة ‪ ...‬عدواً‪ ...‬قفزاً‪ ...‬وثباً‪ ...‬دخلت زقاقاً‪ ...‬ذراعاً‪ ...‬مث آخر كاف‬
‫‪5‬‬
‫ضيقاً كالدىليز‪ ...‬كاف مظلماً‪."...‬‬
‫فتنقل الشخصية يعٍت أهنا ربكي عن مكاف ىي جزء منو‪ ،‬كما أف الفضالت (الوسخ) والضيق صفتاف‬
‫زبربنا عن صورة ادلكاف االجتماعية‪ ،‬والضيق يسمح لنا برصد سلتلف العالقات بُت األفراد‪ ،‬لقد غَت‬

‫‪ - 1‬عبد الصمد زايد‪ :‬ادلكاف يف لرواية العربية‪ ،‬الصورة والداللة‪ ،‬دار زلمد علي‪ ،‬تونس‪ ،‬ط‪ ،2003 ،1‬ص‪.90‬‬
‫‪ - 2‬الشريف حبيلة‪ :‬الرواية والعنف‪ ،2010‬ص‪.38‬‬
‫‪ - 3‬الرواية‪ ،‬ص‪.93‬‬
‫‪ - 4‬الرواية‪ ،‬ص‪.27‬‬
‫‪ - 5‬الرواية‪ ،‬ص‪.67‬‬

‫‪25‬‬
‫بناء المكان وداللته‬ ‫الفصل األول‬

‫العنف وضيفة الشارع من أماكن لالنتقاؿ والعالقات إذل وظيفة ىي ضد ىويتو كما كاف‪ ،‬فأصبح‬
‫مساحة للخوؼ وادلوت‪.‬‬
‫‪ -3‬اجلػدار ‪:‬‬
‫إف اجلدار رمز يشَت "إذل ادلانع الذي يقف يف وجو الشخصيات لتنفيذ الرغبات والطموحات‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫وإخراجها إذل حيز الوجود"‪.‬‬
‫ويف الرواية ورد ضمن النصوص التالية‪:‬‬
‫‪" -‬وأذف فيهم مؤذف الغراب فهرعوا ملبُت ينسلوف من كل فج عميق‪ ...‬من ربت األرصفة من‬
‫عمق البالوعات‪ ...‬من طمي ادلبولة البوالة‪...‬من تشققات اجلدراف اخلربة نعيق الغراب دعلٍت‬
‫‪2‬‬
‫موج عاصف قاصف حىت ارتطمت باجلدار ادلتهرئ‪."...‬‬
‫‪3‬‬
‫‪" -‬والرياح تصفر عرب جدراف البنايات ادلتهاوية ربمل نعيق الغراب‪."...‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ " -‬كل اجلدراف مضعضعة متهاوية والدخاف وحده سيد ادلوقف‪."...‬‬
‫‪5‬‬
‫‪" -‬اجلدراف تتضعضع‪ ،‬تتزلزؿ‪ ...‬تتهادى‪ ...‬تتهاوى‪ ...‬إذل البحػر‪."...:‬‬
‫‪6‬‬
‫‪" -‬ادلدينة خالية إال مٍت ودخاف راح يتسلق اجلدراف ادلهدمة كأين خارج للتو من معركة‪."...‬‬
‫‪ -4‬البحػر ‪:‬‬
‫‪ ،1‬البحر ىو‬ ‫قررت أف أذىب إذل البحر‪ ..‬الذي ما زاؿ يتلوى كحية جبارة حشرت يف قارورة‪"...‬‬
‫الفضاء الرحب الذي ػلوي مشاكل الراوي‪ ،‬فهو يعتربه الرفيق الذي يقاسم علوـ احلياة‪ ،‬مالذه من ادلدينة‬
‫ادلومس‪ ،‬كما يعرب عن تالطم ادلشاعر داخل الراوي كما تتالطم األمواج داخل البحر‪..‬‬
‫‪ -5‬الصخػرة ‪:‬‬
‫‪" -‬ال شيء ىناؾ غَت الصخرة الكبَتة وقد كثرت حوذلا احلشائش وتسلقتها من كل جانب‪،‬‬
‫فبدت خضراء كمزار ورل صاحل‪ ،‬ما اشد الفرؽ بُت اخلصب والنماء‪ ،2 ."...‬ىي مصدر األماف‬

‫‪ - 1‬صبيحة عودة زعرب‪ :‬غساف كنفاين‪ ،‬صباليات السرد يف اخلطاب الروائي‪ ،‬ص‪.194‬‬
‫‪ - 2‬الرواية‪ ،‬ص ‪.42‬‬
‫‪ - 3‬الرواية‪ ،‬ص‪.55‬‬
‫‪ - 4‬الرواية‪ ،‬ص‪.57‬‬
‫‪ - 5‬الرواية‪ ،‬ص‪.59‬‬
‫‪ - 6‬الرواية‪ ،‬ص‪.65‬‬

‫‪26‬‬
‫بناء المكان وداللته‬ ‫الفصل األول‬

‫وداللة على الصمود والثبات والصرب وكانت مرقى الرسوؿ (ص) إذل السماوات يف حادثة اإلسراء‬
‫وادلعراج‪.‬‬
‫‪ -6‬الشػالؿ ‪:‬‬
‫‪" -‬البد أف أغادر ادلدينة اآلف ألتطهر‪ ،‬سأقف الساعات الطواؿ ربت الشالؿ الضئيل‪ ...‬وسأدع‬
‫ماءه يتسرب إذل عظامي‪ ...‬غلب أف أبتل غلب أف‬
‫‪3‬‬
‫أرتوي‪."...‬‬
‫ػلمل داللة البقاء واستمرارية احلياة والطهارة من األخطاء والرذائل‬
‫ب‪ -‬األماكن المغلقة‪:‬‬
‫‪-1‬ادلقهػى‪ :‬لو تتبعنا تاريخ الرواية سواء يف الغرب أو العادل العريب لوجدنا ذلذا ادلكاف حضوراًكبَتاً وىذا‬
‫األمر ال يقتصر على الروايات الواقعية‪ ،‬ولكن أيضاً يف الروايات اجلديدة "إف الرواية مثل "موديراتو‬
‫كانتبيل" دلارغاريت دورا يتحوؿ فيها ادلقهى إذل مسرح منفرد لألحداث‪ ،‬حبيث يبدوا وكاف ىذه القصة‬
‫ال ؽلكن أف تتم إال دبوجود ادلقهى" ‪.4‬‬
‫كما صلد أهنا قد لعبت دور البطولة يف أغلب روايات صليب زلفوظ "باعتباره ادلقهى يرمز إذل مصر كلها‬
‫ويعترب عالمة من عالمات االنفتاح االجتماعي والثقايف‪ ،‬كما يعتربىا جَتار ليمَت مراكز‪.‬‬

‫‪-1‬الرواية‪ ،‬ص‪65‬‬
‫‪-2‬الرواية ‪ ،‬ص‪76‬‬
‫‪-3‬الرواية‪ ،‬ص‪92‬‬
‫‪-4‬ضبيد حلميداين‪ :‬بنية النص السردي من منظور النقد األديب‪ ،‬ص‪63‬‬

‫للتعبَت"‪ ،1‬أي أهنا مراكز دلناقشة األمور السياسية احملظورة‪ ،‬أما غالب ىلسا فادلقهي بالنسبة لو "ىو‬
‫مكاف األلفة والطمأنينة والقادـ إليو ىو إنساف ىارب من شيء يطارده معنوياً كاف أو مادياً" ‪ ،1‬وادلقاىي‬
‫‪2‬‬
‫يف اليمن واجلزيرة العربية دل تنتشر كثَتاً واجللوس فيها "مذمة أخالقية ال يليق بالناس احملًتمُت"‪.‬‬

‫‪ - 1‬شاكر النابلسي‪ :‬صباليات ادلكاف يف الرواية العربية‪ ،‬ص‪.14‬‬

‫‪27‬‬
‫بناء المكان وداللته‬ ‫الفصل األول‬

‫وىكذا فإف دالالت ادلقهى قد تراوحت بُت اإلغلابية والسلبية وذلك حسب اجملتمعات ومرجعياهتا‬
‫االجتماعية والسياسية والثقافية‪ ،‬فإذا كانت بالنسبة لنجيب زلفوظ رمزاً لالنفتاح االجتماعي وبالنسبة‬
‫جلَتار ليمَت منرباً دلناقشة القضايا الفكرية‪ ،‬فإهنا يف بعض اجملتمعات رمز لتدىور القيم واضلطاط األخالؽ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫أما يف الرواية فقد ربوؿ إذل فضاء مغلق ػلمل داللة الركود والضياع والعجز عن التغيَت‪.‬‬
‫"فاالنغالؽ يف ادلكاف تعبَت عن العجز وعدـ القدرة على الفعل أو التفاعل مع العادل اخلارجي"‪.‬‬
‫"دخلت مقهانا الشعبية‪ ...‬دخاف يتصاعد من الزاوية يغزؿ أنوؼ ادلكومُت معتقداً أهنا مداخن‪،‬‬
‫السقف سبارس فيو العناكب ىوايتها ادلفضلة‪ ..‬ىنا وىناؾ كرؤوس ماشية منحورة‪ ،‬دل يثر ذلك يف نفسي‬
‫‪4‬‬
‫شيئاً جديداً قد غدت ىذه ادلناظر ادلقرفة روتينية تزرع الكوابيس يف أحالـ يقظيت‪.‬‬
‫فالراوي قد ألف ىذه الصورة السلبية‪ ،‬مكاف دلدخنُت عاجزين عن تقدًن شيء للمجتمع ال حوؿ وال‬
‫قوة ذلم وال أدؿ على ذلك من تشبيهو ذلم برؤوس ماشية منحورة وىي داللة واضحة عن عجزىم‬
‫التاـ‪.‬‬
‫‪ -2‬البيػت ‪:‬‬
‫ؽلثل البيت فضاءاً مكانياً ىاماً يف حياة اإلنساف‪ ،‬ومن مث يف النص الروائي‪ ،‬تعيد إنتاجو الكتابة وفق رؤية‬
‫فكرية وصبالية يتبناىا الكاتب وػلملها روايتو‪ ،‬إذا كاف البيت يف الواقع ملجأ الراحة واألمن واالطمئناف‪،‬‬
‫فإف كاف كذلك‪ ،‬وإذل حقبة طويلة يف النص الروائي‪ ،‬حافظ الروائيوف على صورتو الرومانسية واذلادئة‬
‫والربيئة كمكاف ػلتضن ذكريات ساكنيو‪ ،‬ؽلثل رمزا لكل ما ىو صبيل وضبيمي‪ ،‬وقد أولت الرواية اجلزائرية‬
‫أعلية كربى للبيت كعنصر صبارل‪ ،‬وحيز مؤطر للشخصية واحلدث بادلفهوـ السردي" ‪ ،5‬فهو مكاف لألماف‬
‫واذلدوء‪ ،‬مالذ للشخصيات من تعب يومها وؼلتلف عن غَته من األمكنة ادلغلقة" فاإلنساف ؽلارس فيو‬
‫حريتو كيفما شاء وأىن شاء‪ ،‬حيث يتصرؼ على سجيتو دوف تكلف أو خوؼ أو حرج خالفا لألمكنة‬
‫ادلغلقة األخرى اليت تفرض قيودىا على اإلنساف‪ ،‬والبيت ؽلثل مكانا لإلقامة االختيارية‪ ،‬ألنو ػلمل صفة‬

‫‪ - 1‬ادلرجع نفسو‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬


‫‪ - 2‬ـ ف‪ ،‬ص‪ ،‬ف‪.‬‬
‫‪ - 3‬سيزا قاسم‪ :‬بناء الرواية‪ ،‬ص ‪.77‬‬
‫‪ - 4‬الرواية‪ ،‬ص‪.13‬‬
‫‪ - 5‬الشريف حبيلة‪ :‬الرواية والعنف‪ ،‬ص ‪.27‬‬

‫‪28‬‬
‫بناء المكان وداللته‬ ‫الفصل األول‬

‫األلفة وانبعاث الدؼء العاطفي ذلذا يسعى اإلنساف إليو بإرادتو دوف قيد أو ضغط يقع عليو" ‪ ،1‬إال انو‬
‫ؽلكن أف يتحوؿ بفعل الظروؼ إذل مكاف للخوؼ والعنف متلبساً بكل التحوالت اليت طرأت على‬
‫اجملتمع وكذلك ورد يف الرواية‪ ،‬من مالذ للشخصية لًتتاح من تعب يومها‪ ،‬إذل مكاف للخوؼ يف زمن‬
‫استبيحت فيو حرمة البيوت "تدذل قليب حىت أمعائي ىلعاً وراح يتأرجح كبندوؿ الساعة‪ ...‬أعادتٍت‬
‫‪2‬‬
‫صدمة اخلوؼ إذل وعي‪."...‬‬
‫وقد دؿ وصف الكاتب للبيت داللة واضحة على احلالة ادلزرية اليت كانت عليها "فجأة توىج نور يف‬
‫ادلخدع‪ ..‬هتاوى الظالـ منهزماً ؼلتفي بُت فجوات اجلدراف‪ ..‬ارسبيت فوؽ حصَت باؿ قرضت الفئراف‬
‫جزءاً منو‪...‬ابتعد قليالً واتكأ على صندوؽ طلر يتهالك قرب اجلدار‪ ...‬سكت حلظة يتأمل السقف‬
‫‪3‬‬
‫ادلتهرئ‪ ،‬شققت الباب ادلمزؽ ‪...‬‬
‫فأثاث احلجرة كاف يف حالة يرثى ذلا حصَت باؿ قرضت الفئراف جزءاً منو‪ ،‬وصندوؽ طلر يف زاويتها‪،‬‬
‫وباب شلزؽ‪ ،‬باذل الفجوات والشقوؽ ادلوجودة يف اجلدار وكذلك السقف ادلتهرئ‪،‬‬
‫فكيف ال يسلب األماف واالستقرار من حجرة هبذه ادلواصفات‪ ،‬مكاف كاف األحرى بو أف يكوف رمزاً‬
‫للهدوء واالستقرار‪.‬‬
‫‪ -3‬السجػن ‪:‬‬
‫ػلمل داللة سلبية بوصفو مكاناً مغلقاً يأسر حرية الفرد ويقيد نشاطو‪.‬‬
‫‪" -‬جاؿ الغراب بنوافذ فوؽ الرؤوس ‪ ..‬تأمل ادلبولة تفغر فاىا ضاحكة يف بالىة‪ ..‬تأمل جدا‬
‫‪4‬‬
‫السجن يعلو شاسلاً‪...‬تتناىى من خلفو أنات مبهمات‪"...‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ " -‬جبوارىا كاف السجن يقف شامخ السرادؽ مزيناً باألسالؾ الشائكة"‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪ " -‬بادلناسبة ىذا السجن أعلى سرادقو الغراب‪."...‬‬
‫‪7‬‬
‫‪" -‬ىل يقبعوف اآلف يف اجلن خلف ىذه اجلدراف ادلنيعة والسرادؽ ادلتعالية‪."...‬‬

‫‪ - 1‬حفيظة أضبد‪ :‬بنية اخلطاب يف الرواية النسائية الفلسطينية‪ ،‬منشورات اوغاريث الثقايف ‪ ،‬راـ اهلل‪ ،‬فلسطُت‪ ،‬ط‪ ،2007 ،1‬ص ‪.134‬‬
‫‪ - 2‬الرواية‪ ،‬ص‪.23‬‬
‫‪ - 3‬الرواية‪ ،‬ص‪...23‬ص‪.25‬‬
‫‪ - 4‬الرواية‪ ،‬ص‪.15‬‬
‫‪ - 5‬الرواية‪ ،‬ص‪.31‬‬
‫‪ - 6‬الرواية‪ ،‬ص‪.32‬‬
‫‪ - 7‬الرواية‪ ،‬ص‪.49 ،48‬‬

‫‪29‬‬
‫بناء المكان وداللته‬ ‫الفصل األول‬

‫‪ -4‬جدول إحصائي لألمكنة في الرواية ودالالتها‪:‬‬


‫الداللة في الرواية‬ ‫عدد المواقع التي ذكر فيها‬ ‫المكان‬
‫العنف واالنحالل‬ ‫‪172‬‬ ‫المدينة‬
‫العنف‬ ‫‪16‬‬ ‫الجدار‬
‫العنف‬ ‫‪9‬‬ ‫الشارع‬
‫الصمود‬ ‫‪7‬‬ ‫الصخرة‬
‫األمان‬ ‫‪7‬‬ ‫الشالل‬
‫الركود والضياع‬ ‫‪7‬‬ ‫المقهى‬
‫الخوف والعنف‬ ‫‪6‬‬ ‫البيت‬
‫أسر الحرية‬ ‫‪5‬‬ ‫السجن‬

‫من خالؿ ىذه الدراسة اإلحصائية يتضح أف ادلدينة ىي ادلكاف الرئيس ػلمل داللة العنف ادلمارس‬
‫عليو يف العشرية السوداء‪ ،‬كما صلد أف دالالت بعض األمكنة جاءت مغايرة ومناقضة لدالالهتا األصلية‬
‫وخالصة القوؿ أف ادلكاف يف الرواية جاء انعكاسا للواقع ادلعيش خالؿ ىذه الفًتة ‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫الفصل الثاني‬

‫بناء الزمن‬

‫‪ -1‬مقاربة في ماهية الزمن‪.‬‬

‫‪ -2‬الزمن في الرواية‪.‬‬

‫‪ -3‬التنافر الزمني في الرواية‪.‬‬

‫‪ -4‬ديمومة النص الروائي‪.‬‬


‫بناء الزمن‬ ‫الفصل الثاني‬

‫‪ -1‬مقاربة في ماهية الزمن‪:‬‬


‫يعد الزمن من القضايا اليت شغلت األدب والفلسفة على السواء منذ أفالطوف وأرسطو‪ ،‬فقد ظل الفكر‬
‫البشري منذ القدًن يوصل للزمن ‪ ،LEtemps‬وذلك إلدراؾ ماىيتو واستكناه حقيقتو وخالؿ حبثو‬
‫أدرؾ أنو كثَت الدالالت يدخل يف كل رلاالت ادلعرفة‪ ،‬وكانت الفلسفة السباقة لتناوؿ ىذه ادلقولة وىو‬
‫من الناحية اللغوية كما ورد يف معجم اللغة العربية ادلعاصر "زماف دلفرد‪ ،‬ج أزماف و أزمنو‬
‫‪ -1‬وقت قصَت أو طويل‪.‬‬
‫‪ -2‬مدة الدنيا كلها ويقاؿ ذلا الدىر‪.‬‬
‫‪ -3‬عمر‪ :‬فًتة من الوقت تتميز حبدوث ظواىر أو حوادث معينة‪.‬‬
‫‪ -4‬فصل‪ ،‬أزمنة السنة ىي اخلريف والشتاء والربيع والصيف‪ ،1 ".‬أما من الناحية الفلسفية "فهو امتداد‬
‫غَت مرئي‪ ،‬ػلس بو اإلنساف دوف أف ؽلر عرب حواسو ػلاربو أو يهرب منو‪ ،‬يرىبو دوف أف يعرفو‪ ،‬إنو فعل‬
‫مشوب بالغموض"‪ ،2‬من خالؿ ىذا التعريف ندرؾ اخلصائص ادلميزة للزمن‪ ،‬فهو يتميز باستقالليتو عن‬
‫الوجود ادلادي وال هنائيتو وغموضو‪.‬‬
‫وتبعاً ذلذه اخلصائص فقد وجد الدارسوف عوائق يف وضع مفهوـ دقيق لو‪ ،‬فهم يدركوف وجوده لكنهم‬
‫عاجزوف عن ربديده‪.‬‬
‫ورغم أعليتو يف حياة اإلنساف إال أف أفالطوف اعتربه "دوف الكياف ينخر معدف األشياء فيحيلها إىل‬
‫الفساد والفناء‪ ،‬ويعبث بالعامل ادلنظور فيجعلو خدعة وأوىاماً وخياالت‪ ،‬وما التخلص منو إال بالتخلص‬
‫من احلس واالرتقاء بالعقل إىل العامل ادلعقوؿ‪ ،‬عامل القرار‪ ،‬عامل ادلثل‪ ،‬عامل الزماف فيو وال ربوؿ وال‬
‫فساد‪ ،‬وال خدعة‪ ،‬وما اجلدلية األفالطونية إال زلاولة لكشف ىذه اخلدعة والتغلب عليها‪ ،‬إلدراؾ اجلوىر‬
‫األصل احلقيقة ادلماثلة ادلطهرة من داء الزماف" ‪ ،3‬فالزمن عند أفالطوف يتميز بالنقص والفساد ويشوه‬
‫األشياء ويطمس ىويتها ومالزلها‪ ،‬غلعلها تفقد أعليتها ومكانتها لتسقط يف ىوة الظلمة والنسياف‪ ،‬لذلك‬
‫مل غلعل أشياء عادلو ادلثايل خاضعة لو‪.‬‬

‫‪ - 1‬اضبد سلتار عمر‪ :‬معجم اللغة العربية ادلعاصرة‪.‬‬


‫‪ - 2‬سلتار رمالس‪ :‬ذبربة الزمن يف الرواية العربية‪ ،‬رجاؿ يف الشمس ظلوذجاً‪ ،‬موفم للنشر‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬د ط‪ ،2007 ،‬ص‪.14‬‬
‫‪ - 3‬ـ‪ .‬ف‪ ،‬ص‪.16‬‬

‫‪33‬‬
‫بناء الزمن‬ ‫الفصل الثاني‬

‫ويف ىذا الصدد يرى "عبد العزيز صلم (ليبيا) أف الزمن قادر على العيش يف الصَتورة‪ ،‬كما صلد‬
‫‪1‬‬
‫ادلسعودي يطالب حبذفو من احلياة أنو أوجد احلركة واحلركة تولد الفناء‪ ،‬وبالتايل غلب التخلص منو"‪.‬‬
‫فرأي ادلسعودي وعبد العزيز صلم يعد امتداداً لرأي أفالطوف الذي يرى أف الزمن يطمس ىوية األشياء‪.‬‬
‫رغم إثارة الفالسفة ادلنظروف حوؿ سلبية الزمن إال أف ىناؾ من أكد على أعليتو وحيويتو و منهم صلد‬
‫الفيلسوؼ برغسوف ‪ Bergson‬الذي يرى يف حركة األشياء وربوذلا إغلابياً ألف ذلك يساعد الفكر‬
‫على التغيَت‪ ،‬فتغيَت الوجود يالزمو بالضرورة تغَت الفكر والعكس صحيح‪ ،‬فإذا كاف الوجود ساكناً‬
‫فسيؤدي ذلك حتماً إىل صبود الفكر‪ ،‬ولذلك يؤكد برغسوف "أف ال فكر إال ما اتصل باألشياء كعناصر‬
‫متحولة‪ ،‬ففي ىذا التحوؿ زبًتع األشياء نفسها باستمرار" ‪ ،2‬وقد ػليلنا قوؿ برغسوف إىل قضية أخرى‬
‫ىي عالقة الفكر بالزماف‪ ،‬حيث أف األشياء ال ؽلكن أف ربقق وجودىا إال عرب العملية التفكَتية‪ ،‬وىذا‬
‫ما أكده رينيو ديكارت ‪ Rene Decarts‬حينما أكد أف "عملية التفكَت تعتمد على مبدأين أوذلما‬
‫أف الفكر ال يتم إال ضمن حدود أوىل ىي ادلطلق واألبد‪ ،‬وثانيهما أف يكوف موضوع التفكَت شيئاً سللوقاً‬
‫ابتدأ يف حلظة ما‪ ،‬ولو هناية يف حلظة ما‪ ،‬وبذلك يربز الزمن التارؼلي أي زمن األشياء‪ ،‬إال أنو ال يظهر إال‬
‫كلما سبثلو عملية التفكَت‪ ،‬أي انو ال استمرار لو‪ ،‬ألف حلظة التفكَت ال تدوـ إال على قدر ما يدوـ‬
‫‪3‬‬
‫التفكَت"‪.‬‬
‫وبالتايل فالعالقة بُت الزماف والفكر ىي عالقة وطيدة يكمل أحدعلا اآلخر‪.‬‬
‫وىناؾ عالقة أخرى ال تقل أعلية وىي عالقة ادلكاف بالزماف فهما مرتبطاف ببعضهما ارتباطاً وثيقاً‬
‫فالزماف يدؿ على توايل إحساساتنا وإدراكاتنا يف موقع واحد من ادلكاف دبعٌت أف كالً من ادلقولتُت(الزماف‬
‫وادلكاف) ترتكز يف تصورىا ارتكازاً أساسياً على األخرى‪ ،‬فتغَت الزماف يؤدي إىل تغَت ادلكاف‪ .‬ويرى ماىر‬
‫عبد القادر أف الفرؽ بُت الزماف وادلكاف يكمن يف أف "العالقة األساسية للمكاف ىي التجاوز‪ ،‬وأما البنية‬
‫للزماف فإف العالقة األساسية لو ىي التتابع" ‪.4‬‬
‫فعالقة التجاوز تنشأ عن وضع شيء جبانب آخر‪ ،‬أما التتابع فتنشأ عن تتبع الواحدة منها األخرى‪.‬‬

‫‪ - 1‬سلتاررمالس‪ :‬ذبربة الزمن يف الرواية العربية‪ ،‬رجاؿ يف الشمس ظلوذجاً‪ ،‬ص‪.14‬‬


‫‪ - 2‬ـ‪ .‬ف ‪ ،‬ص‪.17‬‬
‫‪ - 3‬ـ‪ .‬ف‪ ،‬ص‪.18‬‬
‫‪ - 4‬ـ‪ .‬ف‪ ،‬ص‪.20‬‬

‫‪34‬‬
‫بناء الزمن‬ ‫الفصل الثاني‬

‫إف تباين مواقف الفالسفة وادلفكرين من مقولة الزمن ال ينعكس على دورىا اإلغلايب يف حياة البشر‬
‫قدؽلاً وحديثاً "فقد كاف الزمن عند بعض العرب يعبد‪ ،‬وإف كاف ادلعبود عندىم ليس الزمن اجملرد‪ ،‬وإظلا يتم‬
‫استمداده من قوة الشمس وسطوهتا – فقد كانت الشمس – وىي كما نعلم مظهر زماين وآلية من‬
‫آلياتو اجلوىرية مصدر عبادة لبعض القبائل العربية" ‪ ،1‬وإف دؿ على شيء فإنو يدؿ على قداستو‬
‫وأعليتو عند العرب قاطبة وال أدؿ على ذلك من إقسامو تبارؾ وتعاىل يف كتابو العزيز‪:‬‬
‫(‪)3‬‬
‫ﻭﺍﻟﺸﻔﻊ ﻭﺍﻟﻭﺘﺭ‬ ‫(‪)2‬‬
‫ﻭﻟﻴﺍﻝ ﻋﺸﺭ‬ ‫(‪)1‬‬
‫﴿ ﻭﺍﻟﻔﺠﺭ‬
‫‪2‬‬
‫ﻭﺍﻟﻟﻴﻝ ﺇﺫﺍ ﻴﺴﺭ(‪.﴾)4‬‬
‫‪3‬‬
‫ﻭﺍﻟقمر ﺇﺫﺍ تالها(‪.﴾)2‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫﴿ ﻭﺍﻟﺸمس ﻭضحاها‬
‫‪4‬‬
‫ﺇﺫﺍ سﺠى(‪.﴾)2‬‬ ‫ﻭﺍﻟلﻴل‬ ‫(‪)1‬‬
‫﴿ ﻭﺍﻟضحى‬
‫‪5‬‬
‫﴾‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫خﺴر‬ ‫ﺇن ﺍإلنﺴان ﻟﻔي‬ ‫(‪)1‬‬
‫﴿ ﻭﺍﻟﻌصر‬
‫كما أف تباين اآلراء ساعد على (فهم) ظهور دالالت سلتلفة للزمن حسب اجملاؿ الذي ينطبق عليو‪.‬‬
‫"إف مقولة الزمن متعددة اجملاالت ويعطيها كل رلاؿ داللة خاصة ويتناوذلا بأبوابو اليت يصوغها يف حقلو‬
‫الفكري والنظري" ‪،6‬فكل ميداف معريف تناوذلا بأدوات ربليلية تتناسب وطبيعتو والغة األـ "ىي أىم‬
‫اجملاالت اليت يظهر فيها الزمن بصفة جلية‪ ،‬غَت أف الفهم التقليدي اختزذلا يف أقساـ الفعل ادلطابقة للزمن‬
‫‪7‬‬
‫الفيزيائي وىي ادلاضي واحلاضر وادلستقبل"‪.‬‬
‫شلا جعل األدباء ادلعاصرين يتجاوزوف ىذا الفهم دبا أنو ال يستوعب اخلربات اإلنسانية صبيعاً واعتمدوا‬
‫منهج تيار الوعي لتشكيل تصورىم‪ ،‬فتجزأ الزمن وتولت الشخصية احلكائية مسؤولية سبثيل وحدة النص‬
‫من خالؿ حاالهتا النفسية‪ ،‬لذا ؽلكن القوؿ إف األدب الذي وسيلتو اللغة وموضوعو التجربة اإلنسانية "‬
‫‪8‬‬
‫استطاع أف يعطي للزمن إمكانيات الظهور يف صورة سلتلفة‪ ،‬يشارؾ بفاعلية يف بناء األشكاؿ األدبية"‪.‬‬

‫‪ - 1‬باديس فوغايل‪ :‬الزماف وادلكاف يف لشعر اجلاىلي‪ ،‬ص‪.171‬‬


‫‪ - 2‬الفجر اآليات ‪.4 ،3 ،2 ،1‬‬
‫‪ - 3‬الشمس‪ ،‬اآليات ‪.2 ،1‬‬
‫‪ - 4‬الضحى‪ ،‬اآليات ‪.2 ،1‬‬
‫‪ - 5‬العصر‪ ،‬اآليات ‪.2 ،1‬‬
‫‪ - 6‬سعيد يقطُت‪ :‬ربليل خلطاب الروائي (السرد‪ ،‬الزمن‪،‬التبئَت)‪ ،‬ادلركز الثقايف الغريب للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬بَتوت‪ ،‬ط‪،1997 ،1‬‬
‫ص‪.61‬‬
‫‪ - 7‬ادلرجع نفسو‪ ،‬ص‪.61‬‬
‫‪ - 8‬الشريف حبيلة‪ :‬الرواية والعنف‪ ، ،‬ص‪.84‬‬
‫‪35‬‬
‫بناء الزمن‬ ‫الفصل الثاني‬

‫وكلما زادت ذبارب الكاتب يف احلياة زاد وعيو بالزمن وذلك ينعكس بالضرورة يف نصوصو األدبية‪.‬‬
‫‪ -2‬الزمن في الرواية‪:‬‬
‫كاف الزمن وال يزاؿ حىت اآلف عنصراً ىاماً يف الرواية‪ ،‬فهو زلورىا الذي يستند كامل عناصرىا ومركز‬
‫االستقطاب دبا لو من فاعلية صبالية وفنية من شأهنا أف تبلور شعرية النص األديب "فعالقتها بو عالقة‬
‫مزدوجة فهي تتشكل يف داخل الزمن‪ ،‬ومن مث يصاغ الزمن يف داخلها‪ ،‬ويقدمها عن طريق اللغة ادلشحونة‬
‫‪1‬‬
‫بإشعاعات فكرية وعاطفية" ‪ ،‬والفن الروائي فن زماين بالدرجة األوىل "إذ ال ؽلكن أف نتصور أحداثاً‬
‫‪2‬‬
‫ذبري خارج الزمن وال شخصيات متفاعلة مع زليطها خارج الزمن أيضاً"‪.‬‬
‫ومن ىنا اكتسب الزمن مكاناً مهماً يف الدراسات النقدية‪ ،‬نظراً لكونو بنية خطَتة يف تأسيس العمل‬
‫الروائي وبات دبثابة الروح للجسد نشعر هبا وال نراىا‪ ،‬السبب الذي جعل الدكتورة سيزا قاسم "تصفو‬
‫‪3‬‬
‫كأوؿ عنصر يستحق االىتماـ ألف طبيعتو ىي األكثر فعالية يف تشكيل الرواية وبنائها"‪.‬‬
‫كما أعترب دبثابة "اذليكل الذي تشيد فوقو الرواية" ‪ ،4‬قد أشار ىنري جيمس أيضاً إىل صعوبة تناوؿ‬
‫عنصر الزمن وأعليتو يف البناء الروائي ويرى "أف اجلانب الذي يستدعي أكرب قدر من عناية الروائي‬
‫‪5‬‬
‫(اجلانب األكثر صعوبة وخطورة)‪ -‬ىو كيفية ذبسيد اإلحساس بالدؽلومة وبالزواؿ وتراكم الزمن"‪.‬‬
‫وإذا كانت وقائع احلياة خاضعة دلختلف احلتميات الزمنية فإف الرواية ال زبضع دلثل ىذه الصرامة‪،‬‬
‫فالزمن يعيش نوعاً من احلرية داخل النص األديب يوظفو حسب مقتضيات البناء العاـ للرواية‪ ،‬فبينما‬
‫أولت الرواية التقليدية اليت ظهرت يف القرف التاسع عشر اىتماما بالتسلسل الزمٍت الطبيعي والواقعي‬
‫للزمن‪ ،‬وكذا الروايات القدؽلة اليت تركز على مغامرات بطل أو رلموعة من األبطاؿ‪ ،‬فإف الرواية اجلديدة‬
‫ليست مقيدة هبذا لتسلسل‪ ،‬فالروائيوف اجلدد حطموا قداسة تسلسل األحداث‪.‬‬
‫ويعلق سعيد يقطُت بأف الرواية اجلديدة حسب ما قدمو من آالف روب غربية "تقوـ على إنكار التماثل‬
‫بُت الزمن الروائي والزمن الواقعي‪ ،‬فال زمن إال احلاضر زمن اخلطاب الروائي‪ ،‬هبذه الطريقة ػلطم التصور‬

‫‪ - 1‬صبحية عودة زعرب‪ :‬غساف كنفاين صباليات السرد يف اخلطاب الروائي ص‪.61‬‬
‫‪ - 2‬حلسن مزدور‪ :‬مقارنة سينمائية يف الشعر والرواية‪ ،‬مكتبة اآلداب‪ ،‬األردف‪ ،‬ط‪ ،2005 ،1‬ص‪.90‬‬
‫‪ - 3‬سيزا قاسم‪ :‬بناء الرواية (دراسة مقارنة يف ثالثية صليب زلفوظ) ‪ ،‬ص‪.34‬‬
‫‪ - 4‬ـ‪ .‬ف‪ ،‬ص‪ .‬ف‪.‬‬
‫‪ - 5‬ـ‪.‬ف ‪ ،‬ص‪ .‬ف‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫بناء الزمن‬ ‫الفصل الثاني‬

‫الذي ساد يف الرواية حىت القرف التاسع عشر فلم يعد تسلسل الزمن ذا أعلية يف البناء الروائي‪ ،‬وأصبح‬
‫‪1‬‬
‫حاضراً مرتبطاً حبركة األشياء"‪.‬‬
‫فالرواية ادلعاصرة أولت اىتماماً باحلاضر‪ ،‬ازبذت من ىذه الشخصيات منطلقاً لتسًتجع ادلاضي عرب‬
‫الذاكرة ومنو تستشرؼ مستقبلها وكانت رواية تيار الوعي األكثر توظيفاً للحاضر فيعتمد تارة إىل ادلاضي‬
‫وأخرى إىل ادلستقبل‪.‬‬
‫والزمن مل يعد عنصراً من عناصر الرواية كما يف الروايات التقليدية بل أصبح‬
‫يف الروايات ادلعاصرة موضوعها الرئيس‪ ،‬حىت أف ىناؾ بعض النقاد قد أطلقوا على ىذه الروايات "رواية‬
‫الزمن" مثل جَتارجينت الذي اعترب رواية مارسيل بروست‪ ،‬البحث عن الزمن الضائع رواية زمن دلا ربملو‬
‫من وعي خاص بالزمن وسبثل أحسن صورة تتداخل فيها حلظات احلاضر وادلاضي وادلستقل‪.‬‬
‫وإذا كاف الروائيوف األوائل مل يولوا الزمن االىتماـ الالئق بو بوصفو عنصراً من أىم العناصر اليت تدخل‬
‫يف تشكيل البنية الروائية‪ ،‬فإنو مع الروايات ادلعاصرة اليت ضبل لوائها غساف كنفاين وزلمد برادة‪ ،‬وواسيٍت‬
‫األعرج‪ ،‬وأحالـ مستغاظلي وغَتىم كثَتوف‪ ،‬بدأت تتجلى مظاىر الزمن األديب بروعتو‪.‬‬
‫‪ -3‬آراء النقاد حول الزمن الروائي وأقسامه‪:‬‬
‫انشغل النقاد بالزمن‪ ،‬وتواترت الكتابات النقدية عنو لتحديد مفهومو وأقسامو‪ ،‬وبسبب اختالؼ‬
‫ادلنطلقات النظرية‪ ،‬تعددت ادلفاىيم واألقساـ‪ ،‬وميز النقاد بُت زمنُت داخلي وخارجي‪.‬‬
‫الزمن اخلارجي يوجد خارج النص الروائي التخيلي ولكنو على عالقة معو ويرى مندوال أف الزمن‬
‫‪2‬‬
‫اخلارجي يتمثل يف ثالثة أزمنة‪:‬‬
‫‪ -1‬زمن القػارئ ‪:‬‬
‫ويقصد بو وضع القارئ بالنسبة للفًتة الزمنية اليت يقرأ عنها يف الرواية‪.‬‬
‫‪ -2‬زمػن الكتػاب ‪:‬‬
‫ويقصد بو وضع الكاتب بالنسبة للفًتة الزمنية اليت يكتب عنها يف الرواية‪.‬‬
‫‪ -3‬زمػن موضػوع الػرواية ‪:‬‬

‫‪ - 1‬سعيد يقطُت‪ :‬ربليل اخلطاب الروائي‪ ،‬ص‪.66‬‬


‫‪ - 2‬أ‪ -‬أمندوال‪ :‬الزمن والرواية‪ ،‬ترصبة بكر عباس‪ ،‬مراجعة إحساف عباس‪ ،‬دار الشروؽ‪ ،‬عماف ودار صادر بَتوت‪ ،‬ط‪،1997 ،1‬‬
‫ص‪ ،101‬نقالً عن حفيظة أضبد‪ :‬بنية اخلطاب يف الرواية النسائية الفلسطينية‪ ،‬ص‪ ،190‬ص‪.191‬‬

‫‪37‬‬
‫بناء الزمن‬ ‫الفصل الثاني‬

‫وىو تاريخ وإطار زمٍت ؼلصاف موضوع الرواية الذي قد يكوف معاصراً للكاتب أو تارؼلاً أو قد يعاًف‬
‫ادلستقبل وقد يصبح تارؼلياً مع الزمن‪ ،‬ويغيب يف احلاضر بعد أف كتبو الكاتب عن أحداث معاصرة لو‬
‫وقد يكوف مزغلاً من زمن تارؼلي وزمن معاصر‪.‬‬
‫ويتفق تودورؼ مع مندوال يف تقسيمو لألزمنة اخلارجية ويذكر ثالثة أزمنة ىي "زمن الكاتب أي ادلرحلة‬
‫الثقافية واألنظمة التمثيلية اليت ينتمي إىل ادلؤلف‪ ،‬وزمن القارئ‪ ،‬وىو ادلسئوؿ عن التغَتات اجلديدة اليت‬
‫‪1‬‬
‫تعطى ألعماؿ ادلاضي‪ ،‬وأخَتا الزمن التارؼلي‪ ،‬ويظهر يف عالقة التخيل بالواقع"‪.‬‬
‫أما الزمن الداخلي الذي يوجد داخل اخلطاب الروائي فيتجلى يف ثالثة أنواع‪ :2 .‬حسب مندوال‪:‬‬
‫‪ -‬ادلدة الكرونولوجية للقراءة ‪:‬‬
‫وىي مقدار الزمن زلدداً بالساعة الذي يستغرقو ادلتلقي يف قراءة الرواية‪.‬‬
‫‪ -‬ادلدة الكرونولوجية للكتاب ‪:‬‬
‫وىي عدد الساعات اليت يستغرقها ادلؤلف يف كتابة روايتو‪.‬‬
‫‪ -‬ادلدة الكرونولوجية دلوضوع الرواية‪:‬‬
‫اليت تتعلق بالزمن الذي وقعت خاللو أحداث القصة‪ ،‬لذا يفضل استعماؿ عبارة الزمن القصصي للمدة‬
‫األخَتة‪.‬‬
‫وقسم ميشاؿ بوتور الزمن الروائي الداخلي إىل زمن ادلغامرة‪ ،‬وزمن الكتابة‪ ،‬زمن القراءة‪ ،‬ويرى أف ىناؾ‬
‫تفاوتاً بُت ىذه األزمنة‪ ،‬فيمكن أف يقدـ الروائي خالصة ألحداث وقعت يف سنتُت (زمن ادلغامرة)‪ ،‬وردبا‬
‫استغرؽ يف كتابتها ساعتُت (زمن الكتابة) بينما تقرأ يف دقيقتُت (زمن القراءة)‪ ،‬وال ؼلتلف تودروؼ كثَتاً‬
‫عن ىذه الرؤية فهو يرى أف ىناؾ ثالثة أصناؼ من األزمنة داخل الرواية وىي زمن القصة أي الزمن‬
‫اخلاص بالعامل التخيلي‪ ،‬وزمن الكتابة أو السرد وىو مرتبط بعملية التلفظ‪ ،‬مث زمن القراءة أي ذلك الزمن‬
‫‪3‬‬
‫الضروري لقراءة النص الروائي"‪.‬‬
‫مل ؽلنح النقاد السيما البنيويوف‪ ،‬الزمن اخلارجي اىتماماً كبَتاً‪ ،‬وإظلا وجهوا اهتاماهتم إىل دارسة الزمن‬
‫الداخلي‪ ،‬وقد تناوؿ النقاد البنيويوف الزمن الداخلي‪ ،‬يف دراساهتم للخطاب الروائي‪ ،‬ضمن ثنائية‬
‫طوروىا عن أسالفهم الشكالنيُت الروس‪ ،‬الذين كانوا من أوائل النقاد الذين اىتموا بدراسة الزمن يف‬

‫‪ - 1‬حسن حبراوي‪ :‬بنية الشكل الروائي(الفضاء‪ ،‬الشخصية‪ ،‬الزمن) ‪ ،‬ص‪.20‬‬


‫‪ - 2‬أمندوال‪ :‬الزمن والرواية‪ ،‬ص‪ ،77‬نقالً عن حفيظة أضبد‪ :‬بنية اخلطاب يف الرواية النسائية الفلسطينية‪ ،‬ص‪191‬‬
‫‪ - 3‬حسن حبراوي‪ :‬بنية الشكل الروائي‪( ،‬الفضاء‪ ،‬الزمن‪ ،‬الشخصية)‪ ،‬ص ‪.114‬‬

‫‪38‬‬
‫بناء الزمن‬ ‫الفصل الثاني‬

‫الرواية "وكاف الشكالنيوف الروس قد بدأو يف وضع أسس دراسة الزمن وربليلو يف العشرينيات من ىذا‬
‫القرف‪ ،‬غَت أف البدايات وئدت عند الروس دلا لقيت مدرسة الشكليُت الروس من رفض وانتقاد‬
‫سياسي‪ ،1"...‬ومل تتطور أعماؿ الشكالنُت الروس ألهنا مل تًتجم إىل لفرنسية واإلصلليزية وحىت األعماؿ‬
‫ادلًتصبة قليلة جدا استفاد منها النقد البنائي يف الستينات‪ ،‬شلا أسهم يف زيادة االىتماـ بعنصر الزمن يف‬
‫الرواية‪.‬‬
‫ودرس الشكالنيوف الروس الزمن الداخلي من خالؿ ادلقابلة بُت "ادلنت احلكائي وادلبٌت احلكائي حيث‬
‫نبهوا إىل أف شبة سبايز بُت ظلطُت من الًتتيب الزمٍت يف العمل الروائي‪ ،‬احدعلا يربز على مستوى ادلنت‬
‫احلكائي وؼلضع دلبدأ السببية ويدؿ على التتابع الزمٍت لألحداث‪ ،‬كما يفًتض وجودىا يف الواقع و‬
‫ثانيهما يربز على مستوى ادلبٌت احلكائي‪ ،‬وال يراعي أي سببية داخلية" ‪ ،2‬وقد أعطوا عناية‬
‫خاصة للدور الذي يقوـ بو الزمن يف تركيب العمل الروائي‪ ،‬أي زماف ادلبٌت احلكائي‪( ،‬اخلطاب)‪ ،‬أما‬
‫زماف ادلنت احلكائي (القصة) فلم ػلظ باىتماـ كبَت من طرفهم‪.‬‬
‫وقد اعتمد تودروؼ على جوىر الثنائية الزمنية(ادلنت احلكائي وادلبٌت احلكائي) وقسم الزمن الروائي إىل‬
‫زمن التخيل(القصة) وزمن اخلطاب(وزمن السرد) وبُت أف العالقات القائمة بُت الزمنُت تنبٍت على ثالثة‬
‫زلاور ىي‪:‬‬
‫‪ -1‬النظػاـ ‪:‬‬
‫وفيو تبدوا استحالة التوازي بُت زمن اخلطاب أحادي البعد‪ ،‬وزمن القصة ادلتعددة األبعاد‪ ،‬وىذا يؤدي‬
‫كما يرى تودروؼ إىل خلط زمٍت ػلدث مفارقات زمنية على خط السرد تتمثل يف اإلسًتجاعات أو‬
‫العودة إىل الوراء واالستقباالت أو اإلستباقات‪.‬‬
‫‪ -2‬ادلػدة ‪:‬‬
‫وقد تتسع أو تتقلص‪ ،‬فينتج عن ذلك أربعة حركات سردية‪ ،‬ليس من ادلمكن قياسها‪ ،‬وىي الوقفة أو‬
‫تعليق الزمن واحلذؼ والتلخيص وادلشهد‪.‬‬
‫‪ -3‬الػتواتر ‪:‬‬

‫‪ - 1‬سيزا قاسم‪ ،‬بناء الرواية‪ ،‬ص ‪ ،35‬ص‪.36‬‬


‫‪ - 2‬الشكالنيوف الروس‪ :‬نظرية ادلنهج الشكلي‪ ،‬ص ‪ ،179‬نقالً عن حفيظة أضبد‪ ،‬بنية اخلطاب يف الرواية النسائية الفلسطينية‪ ،‬ص ‪.192‬‬

‫‪39‬‬
‫بناء الزمن‬ ‫الفصل الثاني‬

‫وؼلص طريقة احلكي اليت ؼلتارىا الكاتب لسرد الروائي وينقسم إىل ثالثة أنواع نفرد ومكرر ومؤلف‬
‫ويتفق جَتارجينيت مع تودروؼ يف مالحظاتو عن العالقات اليت تربط زمن القصة بزمن اخلطاب ولكن‬
‫‪1‬‬
‫"جينيت يستخدـ مصطلح زمن القصة وزمن احلكي"‪.‬‬
‫وصفوة القوؿ أف النقاد البنيويُت يكادوف يتشاهبوف يف التنظَت ألقساـ الزمن الروائي فهم يتفقوف أف الزمن‬
‫الروائي ؽلكن تقسيمو إىل زمن القصة‪/‬زمن اخلطاب أو السرد‪.‬‬

‫‪ - 1‬جَتار جينيت‪ :‬خطاب احلكاية‪ ،‬حبث يف ادلنهج‪ ،‬ترصبة زلمد معتصم‪ ،‬عبد اجلليل األزدي‪ ،‬عمر احللي‪ ،‬منشورات اإلختالؼ‪ ،‬د‪،‬‬
‫ط‪ ،‬د‪ ،‬ت‪ ،‬ص‪.45‬‬

‫‪40‬‬
‫بناء الزمن‬ ‫الفصل الثاني‬

‫العالقات القائمة بين زمن القصة وزمن الخطاب‬


‫تنبني على ثالثة محاور‬

‫التواتر‬ ‫المدة‬ ‫النظام‬

‫مؤلف‬ ‫مكرر‬ ‫مفرد‬ ‫التلخيص‬ ‫المشهد‬ ‫الحذف‬ ‫الوقفة‬ ‫االستباق‬ ‫االسترجاع‬

‫‪42‬‬
‫بناء الزمن‬ ‫الفصل الثاني‬

‫‪ -4‬التنافر الزمني في الرواية‪:‬‬


‫يعد الزمن احد اإلشكاليات اليت تواجو الباحث يف البنية السردية للرواية‪ ،‬وكما أسلفنا الذكر فإنو‬
‫بإمكاننا دائماً التمييز بُت زمنُت يف كل رواية‪ :‬زمن القصة‪ ،‬زمن السرد‪ /‬احلكاية‪.‬‬
‫أ‪ -‬زمػن السػرد و احلكػاية ‪:‬‬
‫إذا كاف من ادلمكن أف نغفل مكاف احلكاية فإنو "قد يستحيل علينا أف ال ضلدد زمنها بالنسبة إىل زمن‬
‫فعل السرد‪ ،‬ألف علينا روايتها إما بزمن احلاضر وإما ادلاضي وإما ادلستقبل‪ ،‬وردبا بسبب ذلك لكن تعيُت‬
‫زمن السرد أىم من مكانو" ‪ ،1‬كما غلب التفريق بُت الزمن الطبيعي(الكرونولوجي) وزمن احلكاية‪.‬‬
‫"فالزمن الطبيعي ىو خطي متواصل يسَت كعقارب الساعة‪ ،‬أما زمن احلكاية فهو زمن وقوع احلدث‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫قياساً إىل الزمن الطبيعي ادلاضي البعيد أو القريب‪ ،‬ا﵀دد أو غَت ا﵀دد"‪.‬‬

‫ب‪ -‬زمػن القصػة ‪:‬‬


‫يعرؼ جَتالد برنس زمن القصة بأنو "ادلدى الزمٍت الذي تستغرقو الوقائع وادلواقف ادلعروضة كنقيض لزمن‬
‫اخلطاب الذي يعٍت الوقت الذي يستغرقو‬
‫عرض ادلواقف والوقائع كنقيض لزمن القصة" ‪ ،3‬وإذا (فرضنا) كاف زمن القصة ؼلضع بالضرورة للتتابع‬
‫ادلنطقي لألحداث فإف زمن السرد ال يتقيد هبذا التتابع ادلنطقي‪ ،‬فلو افًتضنا أف قصة ما ربتوي على‬
‫‪4‬‬
‫مراحل متتابعة منطقياً على الشكل التايل‪:‬‬
‫أ ػػػػػػ ب ػػػػػػ ج ػػػػ د‬
‫فاف سرد ىذه األحداث ؽلكن أف يكوف على الشكل التايل‪:‬‬
‫ج ػػػػػػ د ػػػػػػ ب ػػػػػ أ‬

‫وىكذا ػلدث ما يسمى "مفارقة زمن السرد مع زمن القصة"‪.‬‬


‫‪1‬‬
‫والشكل التايل يوضح ىذه الفارقة‪:‬‬

‫‪ - 1‬لطيف زيتوين‪ :‬معجم مصطلحات نقد الرواية‪ ،‬ص‪.103‬‬


‫‪ - 2‬ادلرجع نفسو‪ ،‬ص‪.100‬‬
‫‪ - 3‬عبد ادلنعم زكريا القاضي‪ :‬البنية السردية يف الرواية‪ ،‬عُت للدراسات والبحوث اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬ط‪ ،2009 ،1‬ص‪.106‬‬
‫‪ - 4‬ضبيد حلميداين‪ :‬بنية النص السردي من منظور النقد األديب‪ ،‬ص‪.73‬‬

‫‪43‬‬
‫بناء الزمن‬ ‫الفصل الثاني‬

‫د‬ ‫ج‬ ‫ب‬ ‫أ‬


‫زمن السرد‬

‫زمن القصة‬

‫أ‬ ‫ب‬ ‫د‬ ‫ج‬


‫يقوؿ جَتار جنيت "لن ترتكب زلة تصوير ادلفارقة الزمنية وكأهنا نادرة أو ابتكار حديث‪ ،‬إهنا على‬
‫‪2‬‬
‫العكس من ذلك أحد ادلوارد التقليدية للسرد األديب"‬
‫ويقدـ على ذلك مثاالً‪ :‬األبيات األوىل من ملحمة اإللياذة بًتصبة جوؿ مازوف‪.‬‬
‫تفٍت‪ -‬أيتها اآلذلة‪ -‬بغضب اخيلوس ابن فيال‪ ،‬ذلك الغضب البغيض الذي أورث األنائيُت آالماً بال‬
‫عدد وألقى بكثَت من نفوس األبطاؿ األبية طعاماً ذلاذس‪ ،‬يف حُت جعل ىؤالء األبطاؿ أنفسهم فريسة‬
‫الكالب وكل الطيور اجلارحة‪ -‬تنفيذاً دلشيئة زفس‪ ،‬وذلك من يوـ ما فرؽ شجار أوال بُت ابن أتريذ‪-‬‬
‫حامي شعيو وأخيليوس النبيل‪ ،‬فمن االذلة إذف زج هبما يف ذلك الشجار أو القتاؿ؟ إنو ابن ليتو وزفس‪:‬‬
‫فهو الذي أثَتت حفيظتو على ادللك فضخم باجليش كلو زلنو قاسية ‪ ،‬كاف الناس ؽلشوف منها زلتضرين‪،‬‬
‫وذلك ابن أتريذ كاف قد أىاف كاىنة فرويس‪.‬‬
‫وىكذا فإف أوؿ موضوعي سردي أشار إليو ىومَتوس ىو غضب آخيلوس والثاين ىو آالـ األخائيُت‬
‫اليت ىي نتيجة فعالً‪ ،‬لكن الثالث ىو الشجار بُت آخيلوس وأجامنوف الذي ىو سببو ادلباشر وبالتايل‬
‫فهو أسبق منو‪ ،‬مث إذا استمررنا يف الرجوع صراحة من سبب إىل سبب – الطاعوف‪ -‬الذي ىو سبب‬
‫الشجار‪ ،‬وأخَتاً إىانة خروسيس اليت ىي سبب الطاعوف‪ ،‬إف العناصر اخلمسة ادلشكلة ذلذا ادلطلع واليت‬
‫سأمسيها أ‪ ،‬ب‪ ،‬ج ‪،‬د ‪،‬ىػ‪ ،‬بناءاً على ترتيب ظهورىا يف احلكاية‪ ،‬تشغل يف القصة ادلواقع الزمنية ‪،5 ،4‬‬
‫‪1 ،2 ،3‬على التوايل األمر الذي سيتبع ىذه الصيغة الرياضية اليت سًتكب نوعاً ما صالت التتابع‪.‬‬

‫‪ - 1‬ضبيد حلميداين‪ :‬بنية النص السردي من منظور النقد األديب‪ ،‬ص‪.179‬‬


‫‪ - 2‬جَتار جنيت‪ :‬خطاب احلكاية‪ ،‬حبث يف ادلنهج‪ ،‬ص‪.47‬‬

‫‪44‬‬
‫بناء الزمن‬ ‫الفصل الثاني‬

‫‪1‬‬
‫أ‪ -4‬ب‪ -5‬ج‪ -3‬د‪-2‬ىػ‪ 1‬وىذا يقربنا بعض التقريب من حركة عكسية بانتظاـ"‪.‬‬
‫من خالؿ ادلثاؿ الذي قدمو جَتار جنيت ندرؾ أف ادلفارقة الزمنية ليست من ابتكار البنائيُت وإظلا‬
‫ليست حديثة العهد وإظلا تعد أحد ادلوارد التقليدية للسرد األديب‪.‬‬
‫ومن اإلمكانات اليت يتيحها التالعب بالنظاـ الزمٍت"إمكانية استباؽ األحداث يف السرد حبيث بتعرؼ‬
‫القارئ إىل وقائع قبل أواف حدوثها الطبيعي يف زمن القصة‬
‫وىكذا فإف ادلفارقة إما أف تكوف اسًتجاعاً ألحداث ماضية ‪ ،Rétrospection‬أو تكوف استباقاً‬
‫‪2‬‬
‫ألحداث الحقة ‪"Anticipation‬‬
‫وميز جَتار جنيت بُت زمن القصة وزمن اخلطاب وحبث يف ضروب التطابق االختالؼ بينهما من‬
‫خالؿ مقوليت النظاـ والدؽلومة‪.‬‬

‫‪ -1‬النظػاـ ‪:‬‬
‫أ‪ /‬االسًتجاع ‪ANALEPSIS – ANALEPSE :‬‬
‫ؽلثل االسًتجاع تقنية زمنية يستطيع السارد من خالذلا العودة إىل زمن سابق‪ ،‬مرت بو ذاكرتو "وىو‬
‫‪ ،3‬ويشكل كل‬ ‫سلالفة لسَت السرد تقوـ على عودة الراوي إىل حدث سابق وىو عكس االستباؽ "‬
‫‪4‬‬
‫اسًتجاع بالقياس للحكاية اليت ينتمي إليها حكاية ثانية زمنياً تابعة لألوىل" ‪ ،‬أما وظيفتو فهي غالباً‬
‫تفسَتية‪ ،‬تسلط الضوء على ما فات أو غمض من حياة الشخصية يف ادلاضي أو ما وقع ذلا خالؿ‬
‫‪5‬‬
‫غياهبا عن السرد‪ ،‬وىو أنواع‪ :‬خارجي وداخلي وجزئي وتاـ وسلتلط‪.‬‬

‫أ‪ -1-‬االستػرجاع اخلػارجي ‪EXTERNAL ANALEPSIS :‬‬

‫‪ - 1‬جَتار جنيت‪ :‬خطاب احلكاية‪ ،‬حبث يف ادلنهج‪ ،‬ص‪.19‬‬


‫‪ - 2‬ضبيد حلميداين‪ :‬بنية النص السردي من منظور النقد األديب‪ ،‬ص‪.74‬‬
‫‪ - 3‬لطيف زيتوين‪ :‬معجم مصطلحات نقد الرواية‪ ،‬ص‪.18‬‬
‫‪ - 4‬جَتار جينيت ‪:‬خطاب احلكاية‪ ،‬حبث يف ادلنهج‪ ،‬ص‪.60‬‬
‫‪ - 5‬لطيف زيتوين‪ :‬معجم مصطلحاف نقد الرواية‪ ،‬ص ‪.18‬‬

‫‪45‬‬
‫بناء الزمن‬ ‫الفصل الثاني‬

‫ىو ذاؾ الذي يستعيد أحداثاً تعود إىل ما قبل بداية احلكاية" ‪ ،1‬ويوشك يف أي حلظة أف يتداخل مع‬
‫احلكاية األوىل‪ ،‬ألف وظيفتو الوحيدة ىي إكماؿ احلكاية األوىل عن طريق تنوير القارئ خبصوص ىذه‬
‫السابقة أو تلك" ‪ ،2‬كما أف الكاتب يلجا إليو دلأل فراغ زمٍت تساعد على فهم مسار األحداث‪ ،‬أو‬
‫عند ظهور شخصية جديدة للتعرؼ على ماضيها وطبيعة عالقاهتا بالشخصيات األخرى" ‪.3‬‬
‫لقد وجدت الرواية يف االسًتجاع اخلارجي وسيلة سبكنو من ذباوز ضيق مساحة الفًتة الزمنية‪ ،‬فالزمن‬
‫الروائي الضيق يشكل عقبة كبَتة أماـ الرواية ال ؽلكن ذباوزىا إال من خالؿ اسًتجاع ادلاضي إذ "كلما‬
‫‪4‬‬
‫ضاؽ الزمن الروائي شغل االسًتجاع حيزاًكبَتاً من الرواية"‪.‬‬
‫والزمن الروائي ىنا ال يتعدى أربعة أياـ بلياليها‪ ،‬مل يشر إليها الراوي صراحة‪ ،‬لكنها تفهم من خالؿ‬
‫اإلشارات الزمنية (الشمس‪ ،‬الفجر‪ ،‬النهار)‪ ،‬الواردة يف النص الروائي‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫" انطفأت الشمس الشاحبة ادلريضة‪ ،‬وجاءت الثعالب من أقصى ادلدينة تسعى‪"...‬‬
‫‪6‬‬
‫" استوت الشمس على عرش الزماف‪"...‬‬
‫‪7‬‬
‫" الشمس شاحبة تكاد تنطفئ‪"...‬‬
‫‪8‬‬
‫" عدت إىل ادلدينة مع ذبشؤ الفجر‪"...‬‬
‫‪9‬‬
‫" وىا ىو النهار يأأ الىثاً‪"...‬‬
‫‪10‬‬
‫" حُت أذف النهار على االنقضاء قمنا‪"...‬‬
‫يوـ(من ص ‪...1‬ص‪.)35‬‬ ‫‪ -‬انطفأت الشمس الشاحبة ادلريضة‪(/‬صباح‪ ،‬مساء)‬
‫يوـ( من‬ ‫‪ -‬استوت الشمس على عرش السماء‪ ،‬الشمس شاحبة تكاد تنطفئ (صباح‪ ،‬مساء)‬
‫ص‪...49‬ص‪.)55‬‬

‫‪ - 1‬لطيف زيتوين‪ :‬معجم مصطلحاف نقد الرواية ‪ ،‬ص‪.19‬‬


‫‪ - 2‬جَتار جنيت‪ :‬خطاب احلكاية‪ ،‬حبث يف ادلنهج‪ ،‬ص‪.61‬‬
‫‪ - 3‬سيزا قاسم‪ :‬بناء الرواية‪( ،‬دراسة مقارنة يف ثالثية صليب زلفوظ)‪ ،‬ص‪.45‬‬
‫‪ - 4‬سيزا قاسم‪ :‬بناء الرواية‪ ،‬ص‪.55‬‬
‫‪ - 5‬الرواية‪ ،‬ص‪.35‬‬
‫‪ - 6‬الرواية‪.49 ،‬‬
‫‪ - 7‬الرواية‪ ،‬ص‪.55‬‬
‫‪ - 8‬الرواية‪ ،‬ص‪.84‬‬
‫‪ - 9‬الرواية‪ ،‬ص‪.101‬‬
‫‪ - 10‬الرواية‪ ،‬ص‪.118‬‬

‫‪46‬‬
‫بناء الزمن‬ ‫الفصل الثاني‬

‫‪ -‬عدت على ادلدينة مع ذبشؤ الفجر‪ ،‬وىا ىو النهار يأأ على آخره الىثاً(صباح‪،‬مساء) يوـ(ص‬
‫‪...84‬ص‪.)101‬‬
‫يوـ(ص ‪...101‬ص‪.)118‬‬ ‫‪-‬حُت أذف النهار على االنقضاء قمنا(صباح‪ ،‬مساء)‬
‫استخدمت الرواية االسًتجاع اخلارجي إلعطاء معلومات عن الشخصيات الروائية‪ ،‬وعالقاهتا ببعض‬
‫"وىل تذكرين يا حبيبيت البيضاء ثلجاً‪ ...‬العذبة فراتاً‪ ...‬ادللساء حجازاً‪ ...‬الشاسلة سندياناً؟؟ ىل‬
‫تذكرين حُت كنا نسَت أنا وأنيت صامتُت أمسك يسراؾ حبرارة األوردة‬
‫وال شيء غَت زخات ادلطر تتناثر فوؽ جسدينا كالفرح" ‪" ،1‬حدثتك طويالً وظللت صامتاً‪ ،" ...‬يف‬
‫حضرتك يا درويشيت‪..‬‬
‫أمارس طقوس احللوؿ‪ ...‬كنا جسداً واحداً يا أنا فصرت نصف جسد‪...‬‬
‫ِ‬
‫وضللت صامتة كاآلذلة" ‪.2‬‬ ‫خانٍت الكالـ‬
‫من خالؿ ىذه اإلسًتجاعات‪ ،‬يبدو جلياً أف الشاىد يف حالة شوؽ حلبيبتو‪،‬فهو يتذكر أيامو اخلوايل‬
‫معها‪ ،‬يف مقطع وصفي يفيض بالشعرية‪ ،‬كما انو ػلس حبالة من الفراغ والوحدة‪ ،‬فحاالت احلزف‬
‫والضيق تستدعي أياماً استعذب اإلنساف فيها احلياة‪ ،‬إضافة إىل أف ىذا االسًتجاع قد بُت لنا العالقة‬
‫القائمة بُت الشاىد وحبيبتو‪ ،‬من خالؿ ذكرياتو معها‪.‬‬
‫"وؽلكن أف يأأ االسًتجاع اخلارجي قائماً على التذكر اللفظي دوظلا اضطرار إىل ذكر أحداث بشكل‬
‫تفصيلي"‪ ،3‬ومثاؿ ذلك "وتذكرهتم‪ ...‬عسل النحل ونور الشمس‪ ،‬وشذى الزىر وسناف الرمح واألمسر‬
‫ذو العيٍت العسليتُت‪" ،4 "...‬أين الذين كنت أراىم بل وأسامرىم يف بعض األحياف‪ ...‬األمسر ذو العينُت‬
‫العسليتُت‪ ،‬وعسل النحل‪ ،‬ونور الشمس‪...‬؟"‪.5‬‬
‫رغم أف ىذه اإلسًتجاعات اخلارجية‪ ،‬قد جاءت مقتضبة‪ ،‬زبلو من أي تفصيل يف األحداث إال أننا‬
‫نستطيع من خالذلا ربديد العالقة بُت الشاىد وعسل احلل وشذى الزىور ونور الشمس‪...‬‬

‫‪ - 1‬الرواية‪ ،‬ص‪.26‬‬
‫‪ - 2‬الرواية‪ ،‬ص‪ ،46‬ص‪.47‬‬
‫‪ - 3‬زلمد علي الشوابكة‪ :‬السرد ادلطر يف رواية النهايات لعبد الرضبن منيف‪ ،‬البنية والداللة‪ ،‬ص‪.71‬‬
‫‪ - 4‬الرواية‪ ،‬ص‪.32‬‬
‫‪ - 5‬الرواية‪ ،‬ص‪.48‬‬

‫‪47‬‬
‫بناء الزمن‬ ‫الفصل الثاني‬

‫اإلسًتجاعات مل تظهر بشكل متصل ومتسلسل وإظلا جاءت موزعة على فصوؿ الرواية‪ ،‬وال يشًتط يف‬
‫االسًتجاع أف يكوف طويالً‪ ،‬فقد ال يتعدى الكلمتُت "تذكرت حبيبيت ف" ‪.1‬‬
‫"كما يوظف االسًتجاع إلبراز معامل التغَت ومواقع التحوؿ‪ ،‬كيف كانت األحواؿ يف ادلاضي وكيف‬
‫أصبحت"‪.2‬‬
‫دلاذا ينفطر عقد األحالـ بيننا دائما ؟‬
‫ما الذي صَتؾ كاذلواء أعدو خلفو‪ ...‬أضمو إىل صدري حبرقو مث افطن على الفجيعة‬
‫أو مل تكوين يوماً ابتسامة بريئة أرمح هبا قليب ادلتوىج؟؟‬
‫أو مل تكوين يوماً‪ ...‬موجاً‪ ...‬شوقاً‪ ...‬يدغدغ أعماقي بأوتاره الرنانة ؟ ‪ ،3‬ويالحظ يف الرواية أف السرد ال‬
‫ػلدد الزمن الدقيق اإلسًتجاعات اخلارجية‪ ،‬وإظلا يفهم من السياؽ الروائي أنو يعود إىل مرحلة ما قبل‬
‫‪4‬‬
‫اإلرىاب مرحلة االستقرار حيث يغدو االسًتجاع اخلارجي غَت ا﵀دد معدالً لوطن غَت زلدد ادلالمح"‬
‫وطن طمس اإلرىاب ىويتو وجعل شعاره العنف‪.‬‬

‫أ‪ -2-‬االسًتجاع الداخػلي ‪INTERNAL ANALEPSIS :‬‬


‫‪ ،5‬إنو‬ ‫وىو عكس االسًتجاع اخلارجي "يستعيد إحداثاً وقعت ضمن زمن احلكاية أي بعد بدايتها"‬
‫يتناوؿ بكيفية كالسيكية جداً إما شخصية يتم إدخاذلا حديثاً ويريد السارد إضاءة (سوابقها) وإما‬
‫شخصية غابت عن األنظار منذ بعض الوقت وغلب استعادة ماضيها قريب العهد" ‪ ،6‬أو للتذكَت حبدث‬
‫حبدث من األحداث يف مقابل االسًتجاع اخلارجي جلأت الرواية لالسًتجاع الداخلي للتعريف‬
‫بالشخصيات وإضاءة سوابقها‪.‬‬
‫"والغراب نسيت أف أحدثكم عنو‪ ...‬ىو سللوؽ متميز فريد من نوعو ضليف طويل صغَت الرأس معروؽ‬
‫األصابع ركبت فيو كل أشكاؿ وأنواع الدمامات‪ ،‬كل من يراه يعًتؼ أف ال عُت رأت وال أذف مسعت‬

‫‪ - 1‬الرواية‪ ،‬ص‪.24‬‬
‫‪- 2‬سيزا قاسم‪ :‬بناء الرواية‪ ،‬ص‪.55‬‬
‫‪ - 3‬الرواية‪ ،‬ص‪.26‬‬
‫‪ - 4‬حفيظة أضبد‪ ،‬بنية اخلطاب يف الرواية النسائبة الفلسطينية‪ ،‬ص‪.230‬‬
‫‪ - 5‬لطيف زيتوين‪ :‬معجم مصطلحات نقد الرواية‪ ،‬ص‪.20‬‬
‫‪ - 6‬جَتار جنيت‪ :‬خطاب احلكاية‪ ،‬حبث يف ادلنهج‪ ،‬ص‪.61‬‬

‫‪48‬‬
‫بناء الزمن‬ ‫الفصل الثاني‬

‫وال خطر مثلو على باؿ‪ ...‬ويظهر رأسو صواناً بكماء وضعت دوف مباالة على كومة من عظاـ" ‪ ،1‬كما‬
‫يرد االسًتجاع الداخلي للتذكَت حبدث من األحداث مر بذاكرة الراوي ضمن زمن احلكاية "تذكرت‬
‫القط الذي تناثرت أجزاءه‪ ...‬زبيلت نفسي قط مثلو‪ ،‬قفز القلب ىلعاً‪ ...‬ضرب يف أضلعي ؽليناً‬
‫وواالً‪ ،2"...‬ومن اإلسًتجاعات الداخلية الواردة يف شكل مونولوج "من ىذا اذلدىد؟ ومن أين جاء؟‬
‫أىو معروؼ ولكنو جاء متنكراً‬
‫يف زيي ىدىد فلم نتفطن إىل حقيقتو ومن أرسلو؟‬
‫واالسًتجاع الداخلي أنواع الداخلي غَت ادلنتمي للحكاية‪ ،‬والداخلي ادلنتمي للحكاية‪.‬‬

‫أ‪ -1-2-‬االسًتجاع الداخلي غَت ادلنتمي للحكاية ‪Hetérodiégetique 3:‬‬


‫يسميو البعض "براين احلكي" وىو ذاؾ الذي ال يشكل موضوعو جزءاً من موضوع احلكاية كأف يعرؼ‬
‫الراوي بشخصية جديدة من خالؿ إسًتجاع أحداث ماضيها وقعت بعد بداية الرواية‪ ،‬ولكن ال عالقة‬
‫ذلا باحلكاية الرئيسية‪ ،‬أو يسلط الضوء على شخصية عرفناىا يف بداية الرواية مث ذىبت عنا‪ ،‬ليكشف لنا‬
‫نشاطها وقت غياهبا‪ ،‬ففي احلالتُت تكوف األحداث ادلسًتجعة ضمن زمن احلكاية (اسًتجاع داخلي)‬
‫ولكنها ال تنتمي إىل احلكاية‪( ،‬ؼلتلف موضوعها عن موضوع احلدث الرئيس)‪.‬‬
‫ومثل ىذه اإلسًتجاعات مل ترد إال نادراً يف الرواية ويف مقاطع قليلة مثاؿ ذلك‪" :‬وروى أف الغراب إظلا‬
‫مسي كذلك لشكلو الذي ؽليل إىل الغراب بُت حُت وآخر‪ ...‬لونو األسود ومنقاره وسلالبو خاصة أثناء‬
‫عيد الغرباف‪ ،‬ولتشكلو ىكذا قصة طريفة مفادىا أف أحد الشياطُت ادلردة الذين فروا من كيس الشيخ‬
‫اجملذوب‪ ،‬وانتشروا يف شرايُت ادلدينة وتضاريسها قد تزوج أتاناً سوداء‪"...‬‬
‫رغم أف ىذه األحداث تنتمي إىل زمن احلكاية إال أهنا ال تنتمي إىل احلكاية الرئيسة‪ ،‬موضوع الرواية‪.‬‬

‫أ‪ -2-2-‬االسًتجاع الداخلي ادلنتمي للحكاية ‪Homodiégétique :4‬‬

‫‪ - 1‬الرواية‪ ،‬ص‪.32‬‬
‫‪ - 2‬الرواية‪ ،‬ص‪.60‬‬
‫‪ - 3‬لطيف زيتوين‪ :‬معجم مصطلحات نقد الرواية‪ ،‬ص‪.20‬‬
‫‪ - 4‬لطيف زيتوين‪ :‬معجم مصطلحات نقد الرواية‪ ،‬ص‪.20‬‬

‫‪49‬‬
‫بناء الزمن‬ ‫الفصل الثاني‬

‫يسميو البعض "جواين احلكي" وىو ذاؾ الذي غلانس موضوعو موضوع احلكاية‪ ،‬كأف يتناوؿ حدثاً‬
‫ماضياً مرتبطاً حبياة إحدى الشخصيات وفاعالً يف سلوكها احلاضر‪ ،‬أو حدثاً مؤثراً يف احلدث الرئيسيُت‬
‫شرط أف يكوف ىذا احلدث واقعاً ضمن زمن احلكاية‪ ،‬أي الحقاً لبدايتها وىو نوعاف تكميلي ومكرر‪.‬‬

‫االستػرجاع الػداخلي التكمػيلي ‪ Complétive :1‬أو اإلرجاع ‪Renvoi‬‬


‫ىو الذي يسد نقصاً حاصالً يف السرد‪ ،‬إنو تعويض عن حذؼ سابق‪ ،‬ىناؾ قصص تتبع طريقة احلذؼ‬
‫والتعويض‪ ،‬فيكوف السرد فيها متقطعاً‪ ،‬منتقالً بُت احلاضر وادلاضي‪ ،‬ىذا احلذؼ قد يكوف من قبيل‬
‫احلذؼ الصرؼ‪ ،‬أي يتجاىل فًتة زمنية بأحداثها‪ ،‬ولكنو قد يكوف من قبيل احلذؼ اجلزئي اجلانيب الذي‬
‫ال يغفل فًتة زمنية بل جزءاً من أحداثها‪ ،‬أي كتم معلومات‪ ،‬والكتم كاحلذؼ يعوضو الراوي‬
‫باالسًتجاع‪.‬‬
‫لقد وظفت الرواية ىذا االسًتجاع لعدة أغراض‪ ،‬أوالً لسد النقص احلاصل يف السرد كما يف ادلثاؿ ىو‪:‬‬
‫ىي أعظم ما درج على األرض‪..‬‬
‫أعظم ما سرى يف ادلاء‪..‬‬
‫أعظم من طار يف اذلواء‪..‬‬
‫ىي ابتسامة بريئة على ثغر الصغَت‪..‬‬
‫‪2‬‬
‫ىي ما ال عُت رأت‪ ،‬ال أذف مسعت‪ ،‬وال خطر على باؿ أحد‪.‬‬
‫"يا سيدي من‬ ‫وىو جواب (سؤاؿ) عن سؤاؿ طرحو الشاىد على اجملهوؿ الذي اقتحم عليو حجرتو‬
‫عشيقتك ؟" ‪ ،3‬ومل يكمل اإلجابة عليو "كل قدرات اإلنساف ومواىبو لن تصفها ‪ ..‬لن تصورىا وإف‬
‫حدثتك عنها فسأكوف خائناً‪ ..‬والًتصبة خيانة" ‪ ،4‬واستمر الراوي يف سرد األحداث إىل أف جاء ىذا‬
‫االسًتجاع الداخلي التكميلي واكمل النقص احلاصل يف السرد كما اسهم يف اعطاء معلومات أكثر عن‬

‫‪ - 1‬ـ‪ .‬ف ‪ ،‬ص‪ .‬ف‪.‬‬


‫‪ - 2‬الرواية‪ ،‬ص‪.44‬‬
‫‪ - 3‬الرواية‪ ،‬ص‪.24‬‬
‫‪ - 4‬الرواية‪.25 ،‬‬

‫‪50‬‬
‫بناء الزمن‬ ‫الفصل الثاني‬

‫الشخصيات الروائية "ما ساعد ادلتلقي على فهم طبيعة تكوينها" ‪" ،1‬كنت قد حدثتكم عن الغراب وىو‬
‫طويل وضليل‪...‬إطرافو ضعف جذعو ادلتكور ككرة مطاطية كبَتة‪..‬االمتداد فيها إىل األماـ‪...‬‬
‫‪،2‬‬ ‫يرتدي يف العادة لباساً أسود صنع خصيصاً من ريش الغراباف‪...‬ويقاؿ إف أظفار قدميو سلالب‪"...‬‬
‫كما يسهم االسًتجاع يف فهم العالقات باآلخرين‪" ،‬وػلكى أف السيد نعل أقصد لعن ىو الذي صنعو‬
‫لو خصيصاً ألنو سلتص يف صناعة النعاؿ ألسياد ىذه ادلدينة وىذا ىو سر العالقة احلميمية بُت الغرب‬
‫والسيد نعل"‪.3‬‬
‫االستػرجاع الػداخلي ادلكػرر ‪ Répétitive 4:‬أو التذكَت ‪Rappel‬‬
‫ىو إشارات القصة إىل ماضيها‪ ،‬قد تعود القصة على أعقاهبا عودات قصَتة غالباً قصد التذكَت وىذا‬
‫التذكَت قد يتخذ شكل ادلقارنة بُت ادلاضي واحلاضر‪ ،‬أو بُت موقفُت متشاهبُت وسلتلفُت يف آف واحد‪ ،‬أو‬
‫شكل معارضة موقف أو الشكل النقد الذاأ‪.‬‬
‫و من اإلسًتجاعات ادلكررة صلد "ادلدينة ادلومس اليت ظلت تتهادى أماـ بصري يف ثوهبا‬
‫الشفاؼ‪...‬يتصافح ثدياىا‪...‬شكوتاىا‪...‬تضرب األرض بكعبها العايل‪ ...‬تدندف أغنيتها ادلفضلة" ‪.5‬‬
‫وقد تكررت ىذه الالزمة عدداً من ادلرات يف النص الروائي كوصف أحلقو الناص بادلدينة وقد هنض‬
‫تكرارىا بوظيفتُت أساسيتُت علا "خصوصية ما تنص عليو ادلدينة دوف غَتىا من الدارجُت فيها إضافة‬
‫إىل بياف حنق الراوي على كل ما تقوـ بو ادلرأة ادلومس من شلارسات ال مشروعة جهراً هناراً دوف‬
‫‪6‬‬
‫حياء"‪.‬‬
‫يالحظ من ادلقتبسات السابقة أف السرد االستذكاري يف الرواية ينبثق من الذكريات وادلونولوج الداخلي‬
‫للشخصيات الروائية‪ ،‬وقد أتاح السرد بضمَت ادلتكلم استقصاء باطن الراوي‪ ،‬ومنحو حرية االنتقاؿ عرب‬
‫ذاكرتو ليعطينا صورة أوضح عما ؼلتلج يف نفسو‪ ،‬كما ساعد االسًتجاع على معرفة أعمق للشخصيات‬
‫فال ػلس ادلتلقي بأف ىناؾ فراغ يف الشخصيات الروائية‪.‬‬

‫‪ - 1‬حفيظة أضبد‪ :‬بنية اخلطاب يف الرواية النسائية الفلسطينية‪ ،‬ص‪.288‬‬


‫‪ - 2‬الرواية‪ ،‬ص‪.82‬‬
‫‪ - 3‬الرواية‪ ،‬ص‪.82‬‬
‫‪ - 4‬لطيف زيتوين‪ :‬معجم مصطلحات نقد الرواية‪ ،‬ص‪.20‬‬
‫‪ - 5‬الرواية‪ ،‬ص‪ ،19‬ص‪.20‬‬
‫‪ - 6‬اخلامسة عالوي‪ :‬شعرية الرواية وىاجس التجريب ‪ ،‬دراسات عز الدين جالوجي‪ ،‬سلطاف النص‪ ،‬دار ادلعرفة‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬د ط‪،‬‬
‫‪ ،2008‬ص‪.27‬‬

‫‪51‬‬
‫بناء الزمن‬ ‫الفصل الثاني‬

‫تتشابو وظائف االسًتجاع الداخلي و االسًتجاع اخلارجي‪ ،‬فكالعلا يضيئاف عامل الشخصيات‬
‫الداخلي‪ ،‬ويساعلاف يف معرفة طبيعة العالقة بينهما‪ ،‬لكن الفرؽ يكمن يف الزمن‪ ،‬فأحداث االسًتجاع‬
‫اخلارجي تعود إىل زمن ما قبل احلكاية‪ ،‬أما أحداث االسًتجاع الداخلي فتنتمي إىل زمن احلكاية‪ ،‬وإذا‬
‫كاف االسًتجاع يعود على ادلاضي‪ ،‬فإف االستباؽ يستبق حاضر السرد‪ ،‬ليقًتب من ادلستقبل‪.‬‬

‫ب‪ /‬االسػتباؽ ‪PROLEPISIS :‬‬


‫يعد االستباؽ ظلطاً من أظلاط السرد‪ ،‬يلجأ إليو السارد لكسر الًتتيب اخلطي للزمن فيشَت إىل حدوثها‬
‫مسبقاً " فهو كل حركة سردية تقوـ على أف يروي حدث الحق أو يذكر مقدماً" ‪ ،1‬واالستباؽ شائع يف‬
‫النصوص ادلروية بضمَت التكلم ويرى جَتار جنيت "أف احلكاية بضمَت ادلتكلم أحسن مالئمة‬
‫لالستشراؼ من أي حكاية أخرى وذلك بسبب طابعها اإلستعادي ادلصرح بو عن الذات‪ ،‬والذي‬
‫يرخص للسارد يف تلميحات إىل ادلستقبل‪ ،‬والسيما إىل وضعو الراىن‪ ،‬ألف ىذه التلميحات تشكل جزءاً‬
‫من دوره نوعاً ما" ‪ ،2‬حيث تقدـ احلكاية من منظور السارد الذي يقدـ ويؤخر فيها وفق رؤيتو‪ ،‬وىذه‬
‫الظاىرة نادرة يف الرواية الواقعية "وىي تتناىف مع فكرة التشويق اليت تكوف العمود الفقري للنصوص‬
‫القصصية اليت تسَت قدماً ضلو اإلجابة عن السؤاؿ مث ماذا؟ " ‪ ،3‬واالستباؽ أنواع‪:‬‬
‫‪ -‬استباؽ تاـ ‪COMPLETE PROLEPSIS‬‬
‫‪ -‬استباؽ جزئي ‪PARTILA PROLEPSIS‬‬
‫‪ -‬استباؽ سلتلط ‪MIXED PROLEPSIS‬‬
‫‪ -‬استباؽ خارجي ‪EXTERWAL PROLEPSIS‬‬
‫‪ -‬استباؽ داخلي ‪INTERNAL PROLEPSIS‬‬
‫يشكل االستباؽ على جانب االسًتجاع تقنية زمنية أخرى هتدؼ إىل كسر خطية الزمن‪ ،‬ويف رواية‬
‫سرادؽ احللم والفجيعة‪ ،‬مل يشغل السرد االستباقي حيزاًكبَتاً‪ ،‬مقارنة مع حجم السرد االستذكاري‪ ،‬ألف‬
‫الرواية‪ ،‬بصدد احلكي عن فًتة زمنية ماضية يف تاريخ اجلزائر‪ ،‬وتقوـ باستعادتو من خالؿ عيٍت الراوي‬

‫‪ - 1‬جَتار جنيت‪ :‬خطاب احلكاية‪ ،‬حبث يف ادلنهج‪ ،‬ص‪.61‬‬


‫‪ - 2‬ادلرجع نفسو‪ ،‬ص‪.76‬‬
‫‪ - 3‬سيزا قاسم‪ :‬بناء الرواية‪ ،‬ص‪.61‬‬

‫‪52‬‬
‫بناء الزمن‬ ‫الفصل الثاني‬

‫(الكاتب)‪ ،‬ومن مث جاء ادلاضي أكثر وضوحاً من ادلستقبل الذي فتحو الراوي على عدة احتماالت فهو‬
‫رلهوؿ ال أحد يعلم غيبو‪.‬‬
‫ومل تعتمد عليو الرواية اعتماداً رئيسياً‪ ،‬إذ مل يشكل أعلية كبَتة يف النظاـ الزمٍت ذلا‪ ،‬بقدر االسًتجاع‬
‫وإظلا جاء يف بعض ادلقاطع لرسم ادلالمح النفسية لشخصيات الروائية‪ ،‬وىي ربلم وتفكر وتتخيل‪،‬‬
‫ولإلعالف عن بعض األحداث الروائية اآلتية‪ ،‬واستخدمت الرواية حروؼ االستقباؿ(السُت) وأدوات‬
‫(لن) للداللة على ىذا االستباؽ‪.‬‬
‫"إنسلخ قليب ىلعاً وأنا أشهد ادلدينة هتروؿ ضلوي يف ثوهبا الشفاؼ يتهادى ثدياىا‪...‬شكوتاىا‪...‬يف‬
‫عينيها تربؽ الشبقية‪...‬ىرولت متناسياً آالـ التقرح‪ ...‬لن أكوف لقمة سائغة‪ ...‬لن أحقق مرادىا" ‪.1‬‬
‫"سأقف الساعات الطواؿ ربت الشالؿ الضئيل ‪...‬وسأدع ادلاء يتسرب إىل األحداث‪.‬غلب أف‬
‫أرتوي‪. 2"...‬‬
‫فالشاىد قرر التطهر بوقوفو ربت الشالؿ‪ ،‬وذلك بعد استسالمو لغواية ادلدينة ادلومس‪ ،‬كما أنو قرر‬
‫أال يبقى شاىدا متفرجا على األحداث "وأضاءت نفسي فكرة تتبع الغراب ىو حلقة الوصل بُت ادلدينة‬
‫وما فيو وبُت ىؤالء القابعُت بعيدا عن األضواء‪ ،‬سأستغل عقلة منو وأتسلل خلفو‪ ...‬ال بد أف أكشف‬
‫‪3‬‬
‫احلقيقة‪"...‬‬
‫"لن أبقى مراقبا شاىدا على ما غلري‪ ...‬بل غلب أف أكوف فاعال يف األحداث ‪ ...‬لقد قررت وال راد‬
‫لقررت"‪.4".‬‬
‫فالشخصية ربلم وتفكر باذلة أقصى جهدىا لكشف ادلؤامرات اليت رباؾ يف اخلفاء "غَت أف ما غلري يف‬
‫ادلدينة يوحي بشي خفي لن أبرحها حىت أعرؼ من أين كسب الغراب كل ىذه القوة" ‪.5‬‬
‫‪6‬‬
‫"وأكد أف ىناؾ أمرا عظيما يطبخ يف اخلفاء سؽلكن الفئراف من اكتساح ادلدينة وتركيع كل من فيها‪"...‬‬
‫ومن األحداث اآلتية اليت أعلنت عنها اإلستباقات‪ ،‬االنتخابات اليت سيتم فيها اختيار الرئيس على‬
‫الطريقة الغرابية وقرار الفاصل فيها للطائر ‪.‬‬

‫‪ - 1‬الرواية‪ ،‬ص‪.92‬‬
‫‪- 2‬ـ‪ .‬ف‪ ،‬ص‪ .‬ف‪.‬‬
‫‪ - 3‬الرواية‪ ،‬ص‪.73‬‬
‫‪ - 4‬ـ ف‪ ،‬ص ف‪.‬‬
‫‪ - 5‬الرواية‪ ،‬ص‪73‬‬
‫‪ - 6‬الرواية‪ ،‬ص‪.81‬‬
‫‪53‬‬
‫بناء الزمن‬ ‫الفصل الثاني‬

‫"سًتسل األرواح الطاىرة الزكية من عامل الغيب دبباركة اإللو قبحوف طائر الساندري شكلو ولونو وحجمو‪،‬‬
‫وسيحط على من يرى فيو الصالح‪.1"...‬‬
‫ومن خصائص االستباؽ "أف ادلعلومات اليت يقدمها ال تتصف باليقينية‪ ،‬فما مل يتم فعال قياـ احلدث‬
‫بالفعل فليس ىناؾ ما يؤكد حصولو‪ ،‬كما انو ؼللق حالة توقع وترقب‪،‬وانتظار لدى ادلتلقي يعيشها أثناء‬
‫قراءة النص الروائي‪ ،‬دبا يتوفر لديو من أحداث وإشارات أولية توحي باآلأ‪ ،‬وال تكتمل الرؤية إال بعد‬
‫االنتهاء من القراءة"‪ ،2‬ومثل ىذه اإلستباقات ما جاء يف ادلونولوج التايل‪:‬‬
‫"ردبا سيحدثٍت عن نفسو‪ ،‬أو عن نفسي‪ ،‬أو عن الرفاؽ الذين خرجوا معو وغادروا ادلدينة‪...‬وردبا عن‬
‫نوف حبيبيت أين ىم اآلف؟ ماتوا؟"‪.3‬‬
‫ومن اإلستباقات اليت ال ؽلكن اجلزـ بيقينها قصة الطوفاف اليت تكررت كثَتا حُت شارفت الرواية على‬
‫ختامها‪ ،‬وقد تركها الراوي هناية مفتوحة تتعدد فيها االحتماالت والتأويالت‪.‬‬
‫حاء‪ ...‬ميم أضع الفلك‪ ،‬الطوفاف قادـ‪ ...‬الطوفاف قادـ‪.‬‬
‫أضع الفلك‪ ،‬الطوفاف قادـ‬
‫صحت دبلء فمي دوف أف أتوقف‬
‫إنو آت‪...‬‬
‫يا‪ ...‬ىا‪ ...‬ؤالئك ‪..‬‬
‫الطوفاف آت‪...‬آت‬
‫قد أنذرت‪...‬‬
‫أين ذاىب ألصنع الفلك‬
‫‪4‬‬
‫الطوفاف آت‪ ...‬الطوفاف آت‪..‬‬
‫أعجل مع كل ضربة منشار أو مطرقة يتناىى إىل صوت اجملذوب‪...‬‬
‫‪5‬‬
‫الطوفاف قادـ‪ ..‬الطوفاف قادـ‪"...‬‬

‫‪ - 1‬الرواية‪ ،‬ص‪.81‬‬
‫‪ - 2‬حسن بحرواي‪ :‬بنية الشكل الروائي‪( ،‬الفضاء‪ ،‬الزمن‪ ،‬الشخصية)‪،‬ص ‪ ،132‬ص‪.133‬‬
‫‪ - 3‬الرواية‪ ،‬ص‪.69‬‬
‫‪ - 4‬الرواية‪ ،‬ص ‪.122‬‬
‫‪ - 5‬الرواية‪ ،‬ص‪.124‬‬

‫‪54‬‬
‫بناء الزمن‬ ‫الفصل الثاني‬

‫من خالؿ ما مت تقدؽلو صلد أف االستباؽ مت يف مواقع قليلة من الرواية جسدتو ادلونولوجات الداخلية‬
‫للشخصية ساىم إىل حد ما يف الكشف عن نفسية الشخصيات وبعض األحداث الروائية اآلتية‬
‫"وبصورة عامة يتمتع االستباؽ بانتشار أديب أقل من االسًتجاع" ‪ ،1‬وىذا ليس انتقاص من قيمة االستباؽ‬
‫كتقنية زمنية ولكن أسلوب الكاتب وحاجتو لو ىو ما يفرض وجوده يف النص الروائي‪ ،‬وعموماً أصبح‬
‫صلاح الرواية يقاس دبدى انزياحها عن نظاـ قصتها الزمٍت أو اعتمادىا على ادلفارقات الزمنية على وفق‬
‫اصطالح جَتارجنيت‪.‬‬

‫‪ - 1‬حفيظة أضبد‪ :‬بنية اخلطاب يف الرواية النسائية الفلسطينية‪ ،‬ص‪.242‬‬

‫‪55‬‬
‫بناء الزمن‬ ‫الفصل الثاني‬
‫النظام‬

‫استرجاع‬ ‫استباق‬

‫داخلي‬ ‫خارجي‬ ‫مختلط‬ ‫جزئي‬ ‫تام‬ ‫داخلي‬ ‫خارجي‬ ‫مختلط‬ ‫جزئي‬ ‫تام‬

‫منتم للحكاية‬
‫ٍ‬ ‫منتم للحكاية‬
‫غير ٍ‬ ‫منتم للحكاية‬
‫ٍ‬ ‫منتم للحكاية‬
‫غير ٍ‬

‫مكرر‬ ‫تكميلي‬ ‫مكرر‬ ‫تكميلي‬

‫‪56‬‬
‫بناء الزمن‬ ‫الفصل الثاني‬

‫‪ -4‬ديمومة النص الروائي ‪:‬‬

‫مفهػوـ الػدؽلومة ‪:‬‬


‫من الدراسات الشكلية الوصفية يف دراسة الزمن حقل يرتبط بادلقارنة بُت زمن ادلنت ومساحة ادلبٌت‬
‫احلكائي‪ ،‬ولعل ادلصطلح الشائع للداللة على ىذه العالقة ىو الدؽلومة‪ ،‬وتتمثل عملية ربليل دؽلومة‬
‫النص الروائي يف زلاولة ربديد العالقة اليت تربط بُت زمن احلكاية بوصفو زمناً زلدداً بالساعات واألياـ‬
‫‪1‬‬
‫والشهور‪ ،‬وطبيعة النص ذاتو الذي ػلدد باألسطر واجلمل والفقرات"‬
‫‪2‬‬
‫وؽليز يف ىذا اجملاؿ بُت أربعة أنساؽ من الدؽلومة كما حددىا جَتار جنيت ىي‪:‬‬
‫اخلالصة‬
‫االسًتاحة‬
‫القطع‬
‫ادلشهد‬
‫وغالباً ما ؽليل الباحثوف إىل تقسيم ىذه التقنيات إىل قسمُت‪ :‬قسم يشمل تقنيات التسريع‬
‫السردي‪،‬وآخر يتضمن تقنيات التبطيء السردي‪.‬‬

‫‪ -1-4‬التبطيء السردي‪ :‬ادلشهد واالسًتاحة ‪:‬‬


‫يقصد بادلشهد‪" :‬ادلقطع احلواري الذي يأأ يف كثَت من الروايات يف تضاعيف السرد‪ ،‬فادلشهد‬
‫‪3‬‬
‫ؽلثل بشكل عاـ اللحظة اليت يكاد يتطابق فيها زمن السرد "‪.‬بزمن القصة"‪.‬‬
‫ويأأ على شكل سرد تتواىل فيو األفعاؿ حبيث يشعر القارئ بتطور احلدث وتناميو‪ ،‬ويشعر أف النص‬
‫غطى مدة زمنية مناسبة‪.‬‬

‫‪ - 1‬سلتار مالس‪ :‬ذبربة الزمن يف الرواية العربية‪ ،‬رجاؿ يف الشمس ظلوذجاً‪.56 ،‬‬
‫‪ - 2‬ضبيد حلميداين‪ :‬بنية النص السردي من منظور النقد األديب‪ ،‬ص‪.76‬‬
‫‪ - 3‬ادلرجع نفسو‪ ،‬ص‪.78‬‬

‫‪57‬‬
‫بناء الزمن‬ ‫الفصل الثاني‬

‫االستػراحة ‪:‬‬
‫تسمى أيضاً الوقفة و "التوقف ػلمل سبب ادلرور من سرد األحداث إىل الوصف الذي ينتج عنو مقطع‬
‫من النص القصصي تقابلو دؽلومة صفر على نطاؽ احلكاية" ‪.1‬‬
‫غَت أف عملية الوصف قد ال بنجر عنها أي توقف لألحداث حبيث تكوف ىذه العملية ىي عبارة عن‬
‫وقفة تأمل لدى شخصية معينة‪ ،‬تبُت لنا مشاعرىا وانطباعاهتا إزاء مشهد معُت‪.‬‬
‫االسًتاحة وادلشهد علا تقنيتاف توعلاف تبطئة السرد إىل احلد الذي يوحي بتوقفو أو بتطابق زمن اخلطاب‬
‫وزمن القصة يف الرواية‪ ،‬وطبيعة النص الروائي وىي اليت ربدد نسبة ظهور ىذه التقنيات‪.‬‬
‫فادلشهد يقوـ على احلوار بنوعيو اخلارجي(الديالوج) والداخلي (ادلونولوج)‪ ،‬وقد أوىل الروائي اىتماما‬
‫خاصاً بادلشهد احلواري‪ ،‬فجاءت مقاطع كاملة من الرواية أفردىا الكاتب للحوار متداخالً مع الوصف‬
‫وىذا ما يسمى "ادلشهد احلواري ادلوصوؼ"‪ ،2‬ومن أمثلة ذلك ادلقطع الرابع الكابوس اجلميل‪.‬‬
‫إرىاؽ فضيع يقطع خاليا جسدي‪ ...‬براكينو تنفجر داخل سلي دبابيس حادة صدئة تنغرز يف قدمي‬
‫ادلشققتُت‪ ...‬فوؽ حصَت باؿ قرضت الفئراف جزءاً منو‪ ...‬أهنضٍت غضباً‬
‫ىو‪ :‬أين ىو؟ أين ذىبت؟ أين ضيعتموىا؟‬
‫تدىل قليب حىت أمعائي ىلعاً وراح يتأرجح كبندوؿ الساعة‪ ...‬أردت أف أسألو‬
‫من ىو؟ وعمن يبحث؟ غَت أين مل أستطع‪..‬‬
‫ىو‪ :‬ىكذا تسكتوف‪ ...‬تلجموف حُت تواجهوف باحلقيقة ادلرة‪ ..‬أين ىي؟‬
‫أشتد غضبو ‪ ...‬حلظة ضبرة شديدة يف عينيو‪..‬‬
‫أنا‪ :‬من أنت يا سيدي‬
‫ىو‪ :‬إين احبث عنها‪ ...‬كانت ىناؾ‪...‬‬
‫أنا‪ :‬من ىي ؟‬
‫ىو‪( :‬والقلب حبا من ىي؟؟ من ىي؟؟‬
‫ابتعد قليالً واتكأ على صندوؽ طلر يتهالك قرب اجلدار يف بؤبؤيو دموع حائرة براقة‪..‬‬
‫أنا‪ :‬عاشق يا سيدي؟‬

‫‪ - 1‬زلمد علي الشوابكة‪ :‬السرد ادلؤطر يف رواية النهايات لعبد الرضبن منيف‪ ،‬البنية والداللة‪ ،‬ص‪.97‬‬
‫‪ - 2‬حفيظة أضبد‪ :‬بنية اخلطاب يف الرواية النسائية الفلسطينية‪ ،‬ص‪.271‬‬

‫‪58‬‬
‫بناء الزمن‬ ‫الفصل الثاني‬

‫‪1‬‬
‫ىو‪ :‬عاشق‪ ..‬متيم‪ ..‬تفطر القلب مٍت والكبد اشتعل واشتعل القلب حبا‪...‬‬
‫تراوح الفصل كلو بُت احلوار والوصف على امتداد ثالث صفحات مسح لنا برصد نفسية الشخصية‬
‫وحالة الصراع اليت تعيشها‪ ،‬كما بُت لنا حالة اخلوؼ وعدـ االستقرار و استعمل الكاتب أسلوب‬
‫التشويق إلثارة القارئ ودفعو للتساؤؿ‪.‬‬
‫كما جاء الفصل الثامن(القارح بن التالف الفاين بن عقالف) كلو قائماً على احلوار باستثناء وصف‬
‫قصَت ينفتح بو الفصل وآخر ؼلتم بو ال يتعدى أربعة أسطر‪.‬‬
‫فجأة دعلٍت موج عاصف قاصف حىت ارتطمت باجلدار ادلتهرئ‪ ..‬امتأل ادلكاف نوراً‪ ..‬ذبلى أمامي‬
‫ىو‪ :‬مازلت تنكرىا؟‬
‫أنا‪ :‬عمن تبحث؟‬
‫ىو‪ :‬عن حبيبيت‪..‬‬
‫أنا‪ :‬أخربتك يف ادلرة السالفة أين ال أعلم عنها شيئاً‪..‬‬
‫ىو‪ :‬تعاونتم على ىدمها واغتياذلا مث تدعي أنك ال تعلم عنها شيئاً‪.‬‬
‫أنا‪ :‬أنا ومن غَتي؟‬
‫ىو‪ :‬أنت والغراب والفئراف والثعالب اليت تسعى من أقصى ادلدينة والقارح بن التالف والغاين بن غفالف‬
‫ودخل بن دغل‪ ...‬وكل أخوانكم وأتباعكم وأذنابكم‬
‫أنا‪ :‬يا سيدي ردبا ىم أما أنا فال‪.‬‬
‫ىو‪ :‬ودلاذا تستثٍت نفسك أيها األضبق الغيب؟‬
‫"‪ :،‬أقسم بكل مقدس أنٍت ال أعرؼ شيئاً‪ ..‬ىم ألهنم أشرار‪..‬‬
‫ىو‪ :‬وأنت بقيت ىنا شاىداً سلبياً على كل ما وقع‪ ..‬أنت شريك يف اجلرؽلة أيها النذؿ احلقَت ‪..2‬‬
‫لقد أفسح احلوار اجملاؿ للشخصيات للتعبَت عن آراءىا ووجهات نظرىا دوظلا قيود مفروضة عليها‪ ،‬ورغم‬
‫أف ادلثالُت السابقُت ؼللواف من إشارات زمنية ربدد زمن ىذه األحداث لكننا نستطيع أف ندرؾ أهنا فًتة‬
‫زمنية قصَتة جداً قاـ الكاتب بإفرادىا على مقطع نصي طويل‪ ،‬أما االسًتاحة أو الوقفة الوصفية‪ ،‬فقد‬
‫طغت بشكل كبَت جداً على الرواية فال تكاد زبلو صفحة من مقاطع وصفية‪ ،‬تراوحت بُت الطوؿ‬

‫‪ - 1‬الرواية‪ ،‬ص‪...23‬ص‪.25‬‬
‫‪ - 2‬الرواية‪ ،‬ص‪.43‬‬

‫‪59‬‬
‫بناء الزمن‬ ‫الفصل الثاني‬

‫والقصر‪ ،‬من وصف الشخصيات "والغراب نسيت أف أحدثكم عنو‪ ..‬ىو سللوؽ متميز فريد من نوعو‬
‫ضليف طويل‪ ..‬صغَت الرأس معروؽ األصابع ركبت فيو كل أنواع الدمامات‪ ..‬ينتعل حذاء معكوساً‬
‫وينكمش فتغوص رقبتو يف صدره‪ ،1 "..‬ومقاطع أخرى تصف األحداث "من بالوعات القاذورات ؼلرج‬
‫فأر أغرب ؽلشي اخليالء‪ ..‬يبصر قطاً متكوراً على نفسو‪ ..‬يضحك الفأر ضحكة ىستَتية ‪ ..‬غلري‬
‫خلفو‪ ..‬يفزع القط يندفع فاراً تتناثر أعضاؤه ىنا وىناؾ‪ ..‬يهتف العجاج عاليا البطولة الفأر‪.2 "...‬‬
‫وقد أسلفنا الذكر أف الوصف قد ال ينجر عنو أي توقف للزمن إذا كانت وقفة تأمل لدى شخصية‬
‫تبدي من خالذلا رأياً إزاء موقف معُت‪ ،‬مثل ما ورد يف ادلثاؿ السابق ‪.‬‬

‫وإذا كاف الوصف قد جاء مطوالً يف بعض مقاطع الرواية "حسناء يا حبيبيت بالوف الفرح والقمح الربي يا‬
‫طعم الطفولة واحللم والليموف‬
‫يا قامة الصفصاؼ وكربياء الصرو‬
‫يا سنيم الرباعة ‪ ..‬يا براءة النسيم‬
‫يا‪ ..‬القوزح‪ ..‬اجلوىر‪ ..‬السر‪ ..‬اللب‪ ..‬العمق‪ ..‬الكنو‬
‫يا طعم زخات ادلطر الليموف‪ ..‬األريج‪ ..‬الشذا‪.3‬‬
‫فقد جاء يف مقاطع أخرى ال يتجاوز السطر الواحد‪.‬‬
‫"كانت ادلدينة عجوزاً رلعدة الشعر مغضنة الوجو ساقاىا سلكا حديد صدئ" ‪.4‬‬
‫أما بالنسبة لوصف األمكنة فلم يكن وصفاً تفصيلياً‪ ،‬ألف الكاتب ال يرمي إىل وصفها بقدر دالالهتا‬
‫"كل ادلنازؿ بال سقوؼ"‪.5‬‬
‫وعموماً فإف وظيفة الوقفة أو االسًتاحة "تكوف تزينيو وىي وظيفة قدؽلة انتشرت يف الكتابات التقليدية‪،‬‬
‫أو ذات وظيفة تفسَتية تشرح موقفاً دوف إغفاؿ دورىا‬
‫‪1‬‬
‫األوؿ وىو تعطيل زمن القصة مقابل سبديد زمن اخلطاب"‪.‬‬

‫‪ - 1‬الرواية‪ ،‬ص‪.32‬‬
‫‪ - 2‬الرواية‪ ،‬ص‪.27‬‬
‫‪ - 3‬الرواية‪ ،‬ص‪.32‬‬
‫‪ - 4‬الرواية‪ ،‬ص‪.31‬‬
‫‪ - 5‬الروية‪ ،‬ص‪.57‬‬

‫‪60‬‬
‫بناء الزمن‬ ‫الفصل الثاني‬

‫إف ادلشهد واالسًتاحة تقنيتاف ترتبطاف بصورة عكسية مع السرد حيث كلما كثر الوصف واحلوار أبطيء‬
‫السرد‪.‬‬

‫‪ -2-4‬الػتسريع السػردي ‪ :‬اخلالصة والقطع ‪:‬‬


‫اخلػالصػة ‪:‬‬
‫وال ؼلتلف مصطلح اخلالصة عن النص ادللخص أو التلخيص "وىو ادلرور السريع على فًتات زمنية‬
‫ال يرى ادلؤلف أهنا جديرة باىتماـ القارئ" ‪ ،2‬حبيث تكوف ادلساحة النصية قصَتة‪.‬‬
‫القػطع‪:‬‬
‫ويسمى أيضاً الثغرة‪" ،‬والثغرة الزمنية سبثل ادلقاطع الزمنية يف القصص اليت ال يعاجلها الكاتب معاجلة‬
‫‪3‬‬
‫نصية"‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫وىناؾ نوعاف من الثغرات‪:‬‬
‫وىي الثغرة ادلميزة ادلذكورة‪ :‬وىي اليت يشَت إليها لكاتب يف عبارات موجزة جداً مثل "بعد مرور سنة"‪.‬‬

‫الثغرة الضمنية‪ :‬وىي النوع الذي يستطيع القارئ أف يستخلصها من النص‪ .‬عن‬
‫ويهدؼ القطع على تكثيف النص واالبتعاد عن التكرار ادلمل أو الرتابة اليت تصيب األحداث شلا‬
‫يؤدي إىل صبود النص‪ ،‬كما انو ػلقق مظاىر السرعة يف عرض الوقائع‪.‬‬
‫مل يستخدـ الكاتب القطع إال يف أماكن قليلة جداً "مث غادر ادلدينة منذ ذلك اليوـ ومل أره بعدىا إال يف‬
‫ذاكرأ"‪ ،5‬من ظل ؼلفيك متنكراً طوؿ ىذه األزمنة؟‬
‫من شوه أفكارؾ أيها ادلبتور؟‬
‫من أركسها فغدت صوانا؟ ‪ ،1‬ألف الكاتب قصد التكشف وإبراز األحداث فلم تظهر العملية اإلضمارية‬
‫كثَتاً‪.‬‬

‫‪ - 1‬الشريف حبيلة‪ :‬بنية اخلطاب الروائي‪ ،‬دراسة يف روايات صليب الكيالين‪ ،‬إربد‪ ،‬عامل الكتب احلديث‪ ،‬األردف‪ ،‬ط‪،2010 ،1‬‬
‫ص‪.178‬‬
‫‪ - 2‬سيزا قاسم‪ :‬بناء الرواية‪ ،‬ص‪.46‬‬
‫‪ - 3‬ادلرجع نفسو‪ ،‬ص‪.89‬‬
‫‪ - 4‬ـ‪ .‬ف‪ ،‬ص‪ .‬ف‪.‬‬
‫‪ - 5‬الرواية‪ ،‬ص‪.68‬‬

‫‪61‬‬
‫بناء الزمن‬ ‫الفصل الثاني‬

‫وكذلك بالنسبة للتلخيص فهو اآلخر مل يرد كثَتاُ "حبست نفسي أماـ ادلبولة منذ الصباح الباكر‪ ،‬وىا‬
‫ىو النهار يأأ على آخره الىثاً‪ ..‬باصقا‪ ..‬متنخماً‪ ..‬وىا ىو الليل قد تكأكأ يفتح شدقيو بشهية‬
‫كبَتة"‪" ،2‬عدت إىل ادلدينة مع ذبشؤ الفجر لقد ضقت هبا ذرعاً‪ ،‬وما كنت أستطيع أف أزيد فيها ليلة‬
‫‪3‬‬
‫واحدة فوؽ ما قضيتو"‪.‬‬
‫ونالحظ أف الكاتب مل ؼلتزؿ سنوات وال شهور وال حىت أياماً‪ ،‬بل رلرد ساعات "وسبثل ىذه‬
‫اخلالصة حداً أدىن يف تسريع السرد‪ ،‬ألهنا ذات مدى زمٍت قصَت جداً‪ ،‬وقد يلجأ الراوي إىل مثل ىذا‬
‫النوع عن اخلالصات من حُت آلخر‪ ،‬ؼلتزؿ مدة زمنية قصَتة‪ ،‬لكن اخلالصة تؤدي دوراً نفس‬
‫‪5‬‬
‫الوظيفة"‪4‬ف وتتمثل وظائف التلخيص فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬ادلرور السريع على فًتات زمنية طويلة‪.‬‬
‫‪ -‬تقدًن عاـ للمشاىد والربط بينها‪.‬‬
‫‪ -‬تقدًن عاـ لشخصيات عديدة‪.‬‬
‫‪ -‬عرض الشخصيات الثانوية اليت ال يتسع النص دلعاجلتها معاجلة تفصيلية‪.‬‬
‫‪ -‬تقدًن االسًتجاع‪.‬‬
‫وقد استخدمت الرواية التلخيص ألداء بعض ىذه الوظائف‪ ،‬فقد كاف الفصل األوؿ ادلعنوف ب "أنا‬
‫وادلدينة" مشهداً عاماً حلالة الشخصية الروائية الرئيسة يف العمل الروائي‪.‬‬
‫الغربة ملح أجاج‪..‬‬
‫وحدي أنا وادلدينة‬
‫ثكلت اذلوى‪ ..‬ثكلت السكينة‪..‬‬
‫ال ورد ينمو ىاىنا‪ ..‬ال قمر‪..‬ال حبيبة‪..‬‬
‫ال دؼء يف القلب احلزين‪..‬‬
‫ال وال شوؽ ‪ ..‬وال غيث‪ ..‬وال حلم أمُت‪..‬‬

‫‪ - 1‬الرواية‪ ،‬ص‪.39‬‬
‫‪ - 2‬الرواية‪ ،‬ص‪.101‬‬
‫‪ - 3‬الرواية‪ ،‬ص‪.84‬‬
‫‪ - 4‬الشريف حبيلة‪ :‬بنية اخلطاب الروائي‪ ،‬دراسة يف روايات صليب الكيالين‪ ،‬ص‪.165‬‬
‫‪ - 5‬سيزا قاسم‪ :،‬بناء الرواية‪ ،‬ص‪.46‬‬

‫‪62‬‬
‫بناء الزمن‬ ‫الفصل الثاني‬

‫وحدي أنا الظالـ‪..‬‬


‫‪1‬‬
‫وغبار يتثاءب يغتاؿ من جواي السالـ‪.‬‬
‫حيث جسد لنا التلخيص حالة الغربة والوحدة واحلزف واالستقرار اليت تعيشها الشخصية فتوظيف‬
‫اخلالصة مل يكن فقط لتسريع األحداث‪ ،‬بل ساىم على حد ما يف إعطاء القارئ مفاتيح للولوج يف‬
‫دواخل الشخصيات‪.‬‬
‫ومن وظائف التلخيص اليت جلأت إليها الرواية تقدًن االسًتجاع "تذكرت قولو‪ :‬حاء‪ ..‬ميم النهد رمانة‬
‫‪2‬‬
‫حامضة‪ ..‬احللمة زيتونة مرة‪ ..‬وىي ليست بغياً‪ ..‬ليست مومساً عاىراً"‬
‫من خالؿ ما مت تقدؽلو عن الزمن صلد أف االسًتجاع قد شغل حيزاً أكرب يف الرواية من االستباؽ وقد‬
‫ساعلت ىاتاف التقنيتاف الزمنيتاف يف كسر خطية الزمن‪ ،‬وكذلك بالنسبة لالسًتاحة وادلشهد فقد وظفهما‬
‫الكاتب بشكل كبَت‪ ،‬وساعلتا يف تبطئو السرد‪ ،‬أما التلخيص والقطع فلم يردا إال نادراً‪.‬‬

‫‪ - 1‬الرواية‪ ،‬ص‪.11‬‬
‫‪ - 2‬الرواية‪ ،‬ص‪.72‬‬

‫‪63‬‬
‫الفصل الثالث‬

‫بنية الشخصيات‬

‫‪ -1‬تمهيد‪.‬‬

‫‪ -2‬البناء المورفولوجي للشخصيات‪.‬‬

‫‪-3‬البناء الداخلي للشخصيات‪.‬‬

‫‪-4‬العالقات القائمة بين الشخصيات‪.‬‬


‫بنية الشخصيات‬ ‫الفصل الثالث‬

‫تمهـيد‪:‬‬
‫بعد تعرضنا يف الفصلُت السابقُت إذل عنصري ادلكاف والزماف‪ ،‬نتعرض يف ىذا الفصل لعنصر الشخصية‬
‫أحد أىم العناصر الفنية يف كل عمل إبداعي متكامل‪ ،‬والشخصية تتحقق من التالحم العضوي بُت‬
‫عناصر العمل الروائي "وىي كل مشارؾ يف أحداث الرواية سلباً أو إجياباً‪ ،‬أما من ال يشارؾ يف احلدث‬
‫فال ينتمي إذل الشخصيات‪ ،‬بل يعد جزءاً من الوصف" ‪ ،1‬وقد خضعت مفاىيمها إذل ربوالت عميقة‬
‫منذ فجر الدراسات األدبية على يد أرسطو‪ ،‬وعرب الفًتات اليت أعقبتو من تاريخ األدب‪ ،‬وتعد الشخصية‬
‫مدار احلدث يف الرواية أو الواقع وقد احتفى كتاب الرواية الكالسيكية هبذا العنصر اختفاء كبَتاً‪ ،‬فحاولوا‬
‫خلق شخصيات تكوف انعكاساً للشخصيات الواقعية‪.‬‬
‫ومن ىنا كانت الشخصية ىي العنصر صاحب ادلكانة األوذل‪ ،‬ولعل ىذه ادلغاالة يف سبجيد الشخصية‬
‫ترجع إذل أف "التصور التقليدي للشخصية يعتمد أساساً على الصفات شلا جيعلو خيلط كثَتاً بُت‬
‫الشخصية احلكائية ( ‪ )personnage‬و الشخصية يف الواقع العياين ( ‪ ،2)personne‬إال أف ىذه‬
‫ادلكانة ادلتميزة سرعاف ما تراجعت‪ ،‬إبتداءاً من احلرب العادلية الثانية اليت عرفت مراجعة بعض ادلفاىيم‬
‫وادلصطلحات ادلتداولة‪ ،‬وخباصة لدى طائفة من النقاد الذين عملوا على احلد من ىيمنتها‪ ،‬كعنصر رئيس‬
‫يف العمل األديب‪ ،‬فنظروا إليها على أهنا واحدة من مكونات أي أثر فٍت قصصي مثلها مثل بقية العناصر‬
‫ادلشكلة لبنية النص(ادلكاف‪ ،‬الزمن‪ ،‬احلوار‪... ،‬اخل)‪ ،‬فالتحليل البنائي ادلعاصر يصورىا على أهنا وحدة‬
‫ذات وجهُت داؿ ومدلوؿ‪ ،‬زبتلف عن العالقة اللغوية من حيث أف الشخصية ليس ذلا وجود مسبق‪،‬‬
‫عكس العالقة اللغوية اليت يكوف ذلا وجود جاىز من قبل‪ ،‬ولعل ىذا ما دفع فليب ىاموف إذل اعتبارىا‬
‫رلرد بياض دالرل ال ربيل إال على نفسها‪" ،‬إف القارئ يعيد بنائها‪ ،‬كما يقوـ النص بدوره ببنائها‪ ،‬إف‬
‫األثر الشخصية‪ ،‬ردبا ال يشكل إال احد مظاىر نشاط القراءة" ‪.3‬‬
‫دبعٌت أف القارئ ىو الذي يقوـ ببناء ىذه الشخصية‪ ،‬وبتعدد القراء تتعدد صور الشخصية الواحدة‪،‬‬
‫انطالقا من اإلشارات ادلختلفة اليت يتلقاىا كل قارئ‪ ،‬وحياوؿ تركيبها وفقاً دلرجعياتو‪ ،‬من اجل صورة‬
‫متكاملة األبعاد ذلذه الشخصية‪.‬‬

‫‪ - 1‬لطيف زيتوين‪ :‬معجم مصطلحات نقد الرواية‪ ،‬ص‪ ،113‬ص‪.114‬‬


‫‪ - 2‬محيد حلميداين‪ :‬بنية النص السردي من منظور النقد األديب‪ ،‬ص‪.50‬‬
‫‪ - 3‬فليب ىاموف‪ :‬سيميولوجية لشخصيات الروائية‪ ،‬ترمجة سعيد بنكراد‪ ،‬تقدمي عبد الفتاح كيليطو‪ ،‬دار الكالـ‪ ،‬د‪،‬ط‪ ،1990 ،‬ص‪.2‬‬

‫‪65‬‬
‫بنية الشخصيات‬ ‫الفصل الثالث‬

‫إف التصارع حوؿ مفهوـ الشخصية دليل واضح على أمهيتها‪ ،‬فلها ما دييزىا وجيعل حضورىا أكثر من‬
‫ضروري يف أي عمل قصصي‪ ،‬وألف بناءىا ال يقوـ على جانب واحد بسبب تعدد مكوناهتا‪ ،‬فقد‬
‫اختلف الدارسوف حوؿ تلك ادلكونات‪ ،‬وغلبوا أحدىا على اآلخر‪ ،‬فكانت النتيجة تنوع الدراسات‪،‬‬
‫فاىتم بعضهم باجلانب النفسي‪ ،‬وعمد بعضهم إذل اجلانب اجلسمي‪ ،‬واقًتح بعضهم احلوافز‬
‫(توماتشوفسكي)‪ ،‬وآخروف اقًتحوا الوظيفة (بروب)‪ ،‬الذي أقر بأف الشخصية ال ألمهية ذلا‪ ،‬ألهنا عنصر‬
‫متحوؿ وحدد إحدى وثالثُت وظيفة ثابتة يف النص احلكائي "وعلى الرغم من اإلجراء العملي الصارـ‬
‫الذي قاـ بو (بروب) لتحليل اخلطاب احلكائي‪ ،‬إال أف عدد الوظائف كاف كثَتاً وال يتالءـ مع األجناس‬
‫القصصية األكثر تعقيداً" ‪ ،1‬كما ركز بعضهم على العامل (غردياس) الذي كاف معو التحوؿ الكبَت يف‬
‫الدراسات السردية‪ ،‬فحاوؿ أف يقدـ فهماً جديداً للشخصية يف احلكي‪ ،‬فهو ال يعتمد على الشخصية‬
‫بقدر الدور الذي تؤديو‪ ،‬فيمكن يف نظره أف تكوف رلرد فكرة‪ ،‬كالدىر أو التاريخ‪ ،‬كما ديكن أف تكوف‬
‫مجاداً أو حيواناً‪ ...‬اخل‪" ،‬وىي ليست مقولة مؤنسنة دائماً فالفكر يف عمل ىيجل ديكن اعتباره‬
‫شخصية"‪.2‬‬
‫وفيما يلي سأقوـ بتحليل شخصيات الرواية وفق العناصر التالية‪:‬‬
‫‪ -‬البناء ادلورفولوجي للشخصيات‪.‬‬
‫‪ -‬البناء الداخلي للشخصيات‬
‫‪ -‬طبيعة العالقات القائمة بُت الشخصيات‪.‬‬
‫وقبل البدء يف عملية التحليل ارتأيت وضع اجلدوؿ التارل أحدد فيو الشخصيات‪:‬‬
‫شخصيات حيوانية‬ ‫شخصيات إنسية‬
‫الغراب‪ ،‬الذئب(السيد نعل)‪ ،‬الفئراف‪ ،‬الثعالب‪،‬‬ ‫الشاىد‪ ،‬الشيخ اجملذوب‪ ،‬الشيخ الصاحل‪ ،‬االمسر‬
‫النسور‪ ،‬القط‪...‬‬ ‫ذو العينُت‪ ،‬نور الشمس‪ ،‬سناف الرمح‪ ،‬احلبيبة ف‪،‬‬
‫ادلومس‪.‬‬
‫شخصيات مؤنسنة‬

‫‪ - 1‬فيصل غازي النعيمي‪ :‬العالمة والرواية‪ ،‬دراسة مسيائية يف ثالثية أرض السواد لعبد الرمحن منيف‪ ،‬دار رلدالوي‪ ،‬عماف‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪ ،2009‬ص‪.167‬‬
‫‪ - 2‬فليب ىاموف‪ :‬سيمولوجية الشخصيات الروائية‪ ،‬ص‪.2‬‬

‫‪66‬‬
‫بنية الشخصيات‬ ‫الفصل الثالث‬

‫ال يستطيع أي ناقد أو دارس لألدب أف يغفل دور الشخصية يف الرواية‪ ،‬مهما كاف ادلوضوع الذي‬
‫يركز عليو‪ ،‬وال نبالغ إف قلنا أهنا تعكس روية الكاتب وانتماءه ذلذا ادلذىب أو ذاؾ‪ ،‬وىناؾ عالقة قوية‬
‫تربط بُت الشخصية يف الرواية والواقع على السواء‪ ،‬ألف الواقع ىو مصدر إذلاـ الروائي‪ ،‬وىذا ال يعٍت انو‬
‫ينقلها إذل عادلو الروائي صورة طبق االصل وامنا يضيف اليها من خيالو ما يريد اف يوصلو من افكار‬
‫وانتقادات وىذا ىو الروائي الناجح الذي يستطيع أف يلبس شخصياتو لباساً يعكس أفكاره‪ ،‬وديكن أف‬
‫نتحدث أكثر عن ىذا العنصر باخًتاؽ عادل جالوجي الروائي‪ ،‬فقد جاءت شخصياتو غَت واضحة‬
‫ادلالمح‪ ،‬حاملة يف طياهتا الكثَت من الدالالت ال يستطيع إدراكها إال قارئ متمكن‪ ،‬لو مرجعية ثقافية‬
‫تؤىلو لفك رموز وشفرات ىذه الشخصيات‪ ،‬والغاية األساسية للروائي منها‪ ،‬فالقارئ البسيط تبدو ذلا‬
‫رواية بسيطة تدور أحداثها على ألسنة حيوانات تعيش يف فضاء قمة يف القذارة‪ ،‬لكن القارئ الذي ال‬
‫يكتفي دبا يقدمو الكاتب من معلومات جاىزة عن شخصياتو يف النص الروائي‪ ،‬إمنا يبحث عن‬
‫الدالالت الكامنة وراءىا‪ ،‬وسنحاوؿ فيما يلي ربديد أبعاد شخصيات جالوجي الروائية آملُت يف‬
‫استبطاف دواخلها‪ ،‬والبناء الًتكييب للشخصية من حيث أبعادىا ثالثة أصعدة "البعد اجلسمي‪ ،‬البعد‬
‫االجتماعي‪ ،‬البعد النفسي" ‪ ،1‬فالبعد اجلسمي يتمثل يف البناء ادلورفولوجي ومن خالؿ البعدين‬
‫االجتماعي والنفسي سنحاوؿ ربديد البناء الداخلي للشخصيات‪:‬‬

‫‪ -1‬البنػاء ادلورفولػوجي للشػخصيات ‪:‬‬


‫ويتمثل يف رسم الشخصية حيث الطوؿ والقصر‪ ،‬النحافة‪ ،‬البدانة‪ ،‬لوف البشرة‪ ،‬الوجو( العينُت‪،‬‬
‫األىداب‪ ،‬األسناف‪ ،‬الفم‪...‬اخل)‪ ،‬واجلانب الشكلي أو ادلورفولوجي من أىم اجلوانب الفنية واجلمالية‪،‬‬
‫اليت اعتربت أساسية لتحديد أبعاد الشخصية الروائية وإبراز معادلها‪ ،‬ويعترب الفيلسوؼ السويسري الفاتَت‪،‬‬
‫من بُت األوائل الذين استعملوا ادلظهر اخلارجي لتضمُت مسات الشخصية‪ ،‬والصفات اجلسمية‬
‫للشخصيات دل تأت يف تسلسل‪ ،‬حيث أف الكاتب دل يعطي الشخصية مجيع صفاهتا يف مقطع واحد‬
‫بل كانت متناثرة عرب مقاطع الرواية‪ ،‬واجتهدنا يف دللمة أوراؽ ىويتها وتوضيحها يف اجلدوؿ التارل‪:‬‬

‫‪ - 1‬عزيزة مريرف‪ :‬القصة و الرواية‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪ ،‬د‪ .‬ط‪ ،1980 ،‬ص‪.29‬‬

‫‪67‬‬
‫بنية الشخصيات‬ ‫الفصل الثالث‬

‫الصفحة‬ ‫األوصاف الخارجية‬ ‫الشخصية‬


‫ص‪.15‬‬ ‫"‪ ..‬انتشى الغراب فمد رجليو ادلعوجُت‪ ،‬ومد قامتو إذل‬ ‫الغراب‬
‫اخللف‪."...‬‬
‫"‪..‬الغراب نسيت أف أحدثكم عنو‪ ..‬ىو سللوؽ متميز فريد من‬
‫نوعو‪ ،‬ضليف طويل صغَت الرأس‪ ،‬معروؽ األصابع ركبت فيو كل‬
‫أشكاؿ وأنواع الدمامات‪ ..‬كل من يراه يعًتؼ أف ال عُت رأت‬
‫وال أذف مسعت وال خطر مثلو على باؿ"‬
‫ص‪.32‬‬ ‫"ما زاؿ الغراب يرقص على رجل واحدة يطلق البارود يف الفضاء‬
‫زلاوالً أف يتمطط فيضع لنفسو رقبة أو ليوىم الرائُت أف لو رقبة"‬
‫"أطرافو ضعف جذعو ادلتكور ككرة مطاطية كبَتة‪ ،‬اإلمتداد فيها‬
‫ص‪.33‬‬ ‫إذل األماـ واخللف أكرب بكثَت من امتداده وعرضو"‬
‫"‪ ..‬وجيوؿ بعينيو الصغَتتُت الضيقتُت خلفو‪ ،‬ديسح ادلكاف ذىاباً‬
‫وإياباً‪"...‬‬
‫ص‪.82‬‬

‫ص‪.102‬‬
‫" وسكت يلعق ما تلينن وتلعنب من غدده النتنة على حليتو‬ ‫نعل (الذئب)‬
‫ص‪.39‬‬ ‫وصدره‪"..‬‬
‫"فطبق عليو احلكم‪ ،‬وىو أف ذبذع أرنبة أنفو مث يسخر خادماً‬
‫ص‪.79‬‬ ‫للغراب"‬
‫"وادلنطق سناف السيد نعل من ناحية أذنو يراه يف شكل قرص ديتد‬
‫أنفو إذل األماـ‪ ،‬ويف جلده وجهو ورقبتو شبو كبَت جبلد عنز جاؼ‬
‫ص‪.98‬‬ ‫غَت مدبوغ"‬
‫ص‪.39‬‬ ‫"وما كاد زبده يذىب جفاء حىت ماؿ إذل ورفع ستائر فمو عن‬ ‫الفأر‬

‫‪68‬‬
‫بنية الشخصيات‬ ‫الفصل الثالث‬

‫أسناف متقيحة سوداء مبتسماً‪"..‬‬


‫ص‪.18‬‬ ‫"ىو كل شيء يزين العمامة واجلبة واللحية‪"..‬‬ ‫اجملذوب‬
‫ص‪.55‬‬ ‫"وما يعبدوف يزين العمامة واللحية‪"..‬‬
‫ص‪.105‬‬ ‫"حُت نطق سناف الرمح نطق دوف أف يغَت وضعيتو ادلنقلبة رأسو‬ ‫سناف الرمح‬
‫إذل األرض ورجاله إذل األعلى‪ ،‬ساقاه طويلتاف على الصخرة‪"..‬‬
‫ص‪.68‬‬ ‫"وكاف شعره كثا يكاد يغطي رقبتو‪"...‬‬ ‫سناف الرمح‬
‫ص‪.75‬‬ ‫" عينُت عسليتُت‪ ،‬أمسر‪.‬‬ ‫األمسر والعينُت‬
‫العسليتُت‬
‫ص‪.75‬‬ ‫عيناىا واسعتُت‪ ،‬سوداوين‪ ،‬شعرىا شالؿ من الكوثر اخلوخي‪،‬‬ ‫نور الشمس‬
‫صدر و الثقافة وادلركز‬

‫من خالؿ اجلدوؿ يتضح لنا أف الغراب ىي الشخصية اليت استفادت من وصف مستفيض‪،‬فقد‬
‫ذكرت تقريباً كل أوصافها اجلسمية من الوجو(العينُت‪ ،‬صغر الرأس‪ ،‬الرقبة) إذل اجلسم(طويل‪ ،‬ضليل‪،‬‬
‫معروؽ األصابع‪،‬وحىت الرجلُت‪،‬غَت أف بعض الشخصيات ذكرت مجلة لدوف تفصيل‪،‬حيث دل نعثر إال‬
‫على القليل من األوصاؼ مثل‪،‬الفأر‪،‬السيدنعل‪،‬الشيخ اجملذوب‪.‬‬
‫‪-‬نستنتج من رلموع ىذه األوصاؼ ادلادية ادللموسة أف الشخصية األوذل "الغراب‪ ،‬على قدر كبَت من‬
‫القبح‪،‬فقد حظيت دبيزات خلقية متميزة‪ ،‬متفردة‪ ،‬وإف كانت يف األصل صفات بشرية‪،‬اكتفى الكاتب‬
‫بتضخيمها وكذلك بالنسبة للسيد نعل والفار فهما اآلخراف حيمالف صفات جسمية ال تقل فظاعة عن‬
‫صفات الغراب‪ ،‬وقد ركز الكاتب على الوجو بوصفو بطاقة ىوية الشخص‪ ،‬فهو أوؿ ما يطالعنا‪ ،‬ويلفت‬
‫انتباىنا‪ ،‬سواء حبسنو الفائق أو قبحو الزائد‪.‬‬
‫‪-‬أما الشيخ اجملذوب ورغم أف وصفو اخلارجي قد جاء مقتضباً "ىو كل شيء يزين احلماقة واجلبة‬
‫واللحية"‪ ،‬إال أنو يرمي إذل دالالت أعمق وأبعد‪ ،‬فهندامو واللحية‪ ،‬يبُت أنو على قدر كبَت من التدين‬
‫ولقد اعترب اذلنداـ يف عصرنا احلارل عالمة ذات دالالت متعددة‪ ،‬تدؿ على معتقد صاحبها‪ ،‬ىو ذو‬
‫توجو ديٍت إسالمي على األقل ظاىرياً‪ ،‬ويف مقابل الصفات القبيحة للفأر ونعل والغراب‪،‬فقد جاءت‬
‫صفات األمسر ذو العينُت العسليتُت ونور الشمس غاية يف احلسن واجلماؿ‪ ،‬وردبا كاف ىدؼ الكاتب من‬

‫‪69‬‬
‫بنية الشخصيات‬ ‫الفصل الثالث‬

‫التناقض يف الصفات(القبيح واحلسن)‪ ،‬إبراز التناقض واالختالؼ بُت زمن الضياع (الغراب‪ ،‬الفأر‪،‬‬
‫نعل)‪ ،‬وزمن احللم (نور الشمس‪ ،‬األمسر ذو العينُت العسليتُت)‪.‬‬
‫‪ -‬أما باقي الشخصيات الثانوية يف الرواية (الثعالب‪ ،‬عسل النحل‪... ،‬اخل)‪ ،‬فقد طمست‬
‫مالزلهم اجلسمانية‪ ،‬ودل تكن سوى أدوات استخدمها الروائي وسخرىا ليوصل هبا أفكاره وما‬
‫زاد يف هتميشها كوهنا ال ربمل مواصفات خارجية‪ ،‬اكتفى بتقدديها يف سياؽ األحداث ويف‬
‫أضيق احلدود‪.‬‬

‫‪ -2‬البنـاء الـداخلي للشخصـيات ‪:‬‬

‫‪70‬‬
‫بنية الشخصيات‬ ‫الفصل الثالث‬

‫من البديهي أف ادلظهر اخلارجي ال يعرب عن حقيقة الشخصية‪ ،‬فبتطور الدراسات النفسية برزت‬
‫أمهية اجلانب الداخلي يف ربليل الشخصية وكشف خباياىا‪ ،‬لذا ارتأينا ربليلها وإضاءة جوانبها الداخلية‬
‫للكشف عن الدالالت احلقيقية ذلا‪ ،‬وشخصيات جالوجي يف معظم أعمالو تتميز بالتنوع والدينامية‪،‬‬
‫فهو يفسح ذلا اجملاؿ للتعبَت عن وجودىا دومنا قيود‪ ،‬وألف األديب احلقيقي ىو الذي يعكس الواقع من‬
‫خالؿ سلوؾ شخصياتو فقد جاءت شخصيات رواية سرادؽ احللم والفجيعة زلملة بأفكاره‪.‬‬
‫واخًتنا أربعة مناذج من ىذه الشخصيات (ادلرأة‪ ،‬الشاىد‪ ،‬الغراب‪ ،‬الشيخ اجملذوب) واليت وجدنا أهنا‬
‫ذبسد ىذه الفكرة‪ ،‬وذلك بتحليلنا ذلا من خالؿ‪ :‬الطبائع والسلوؾ وادلواقف من القضايا احمللية هبا‬
‫والثقافة وادلركز االجتماعي‪.‬‬
‫‪-1‬الشاىد ‪:‬‬
‫ث "فأنا شاىد‬ ‫ىو عاشق للجزائر إذل درجة اذلياـ‪ ،‬صحيح انو بقي شاىداً سلبياً متفرجاً على األحدا‬
‫سليب على األحدا ث ال أقدر على تغيَتىا‪ ،1 ".‬لكنو دل يغادر يف عز األزمة اليت مرت هبا‪ ،‬وتعكس لنا‬
‫الشخصية مشاعر حادة مثل الغربة "الغربة ملح أجاج" ‪" ،2‬أنا الغريب اجزع الفزع ادلرير‪ ،3 "..‬والغربة ىنا‬
‫يقصد هبا الكاتب البحث عن اذلوية‪ ،‬ىوية طمست يف وطن بال مالمح فالشخصية تتأرجح بُت مد‬
‫اذلوية وجزر اآلخر الذي لطادلا عمل على تشويهها والعبث هبا متجاوزاً بذلك كل األعراؼ الدينية اليت‬
‫سبجد اإلنساف" ‪ ،4‬ويتجسد ذلك يف قوذلا "ىناؾ أمر يقع الساعة دوف أف أدري ال بد أف أعرؼ جملرد‬
‫إشباع الفضوؿ ‪ ...‬وأنا قشة ال ديكن أف أصمد أماـ التيار اجلارؼ‪ ..‬أدل يروا أف حكماء ىذه ادلدينة‬
‫ادلومس قد قالوا‪:‬‬
‫‪ -‬إذا رأيت السيل ىادراً فقف بعيداً عنو أنعم برؤيتو‪.‬‬
‫‪ -‬وسواء أنعمت أـ دل تنعم‪ ،‬وسواء أبالبيت أـ دل ِل‬
‫أباؿ سباماً‪..‬ادلهم أين ال أقدر على تغيَت الواقع‪،‬‬
‫وشتاف بُت ما أحلم بو أنا وما يريده ىؤالء" ‪ ،5‬الواضح أف الشخصية مسلوبة اإلرادة فهي ال‬
‫سبلك احلق يف إبداء الرأي فاآلخر قد عمل على هتميشها وطمس ىويتها بالتهديد "قالوا إف‬

‫‪ - 1‬الرواية‪ ،‬ص‪.86‬‬
‫‪ - 2‬الرواية‪ ،‬ص‪.10‬‬
‫‪ - 3‬الرواية‪ ،‬ص‪.12‬‬
‫‪ - 4‬حفيظة طعاـ‪ :‬شعرية الشخصية يف روايات عز الدين جالوجي‪ ،‬دراسات‪ ،‬عز الدين جالوجي‪ ،‬سلطاف النص‪ ،‬دار ادلعرفة‪ ،‬د‪ ،‬ط‪،‬‬
‫‪ ،2008‬ص‪ ،167‬ص‪.177‬‬
‫‪ - 5‬الرواية‪ ،‬ص‪.86‬‬

‫‪71‬‬
‫بنية الشخصيات‬ ‫الفصل الثالث‬

‫أردت أف تعيش بيتاً سليماً معاىف يف جسمك‪ ..‬وجسدؾ‪ ..‬وبدنك‪ ..‬وقدمك‪ ..‬وقوامك‪..‬‬
‫يأتيك رزقك ما يسد رمقك‪ ..‬ويسًت عورتك‪ ،‬فأسكت‪ ،‬فإف نفر بركانك وخشيت أف ينفجر‬
‫ففجره على الصفحات البيضاء‪.1 "..‬‬
‫‪" -‬ىذه مدينة الفئراف ‪..‬فإما أف تكوف منا‪ ،‬دل ما لنا وعليك ما علينا‪..‬‬
‫‪2‬‬
‫وإما أف تغادر ادلدينة‪ ..‬هتجرىا إذل غَت رجعة"‪.‬‬
‫ة ليست‬ ‫ورغم ىذه التهديدات إال أف الشخصية رافضة لكل ما حيدث متمسكة هبويتها "األحذي‬
‫أحذيتنا‪ ،‬ال نعبد ما تعبد وال نعبد ما نعبد‪ ،‬وال ىي عابدة ما نعبد وال ضلن عابدوف ما تعبد ذلا دينها‬
‫ولنا ديناً"‪ ،3‬وتقرر أف تدرل بدلوىا وال تقف موقف ادلتفرج‪ ،‬وذلك يكشف ما حيدث من مؤامرات‪.‬‬
‫"‪،‬قررت اليوـ أف اكشف وكر الستور جيب أف أفضح أسرارىم من ىم؟؟ وأين يسكنوف بالضبط؟؟ وما‬
‫ىي طبيعتهم؟ وما ىذا التأثَت ادلغناطيسي القوي الذي يسلطونو على الغراب والسيد لعن اقصد نعل‬
‫وأتباعها؟؟"‪" ،4‬لن أبقى مراقباً شاىداً على ما جيري‪..،‬بل جيب أف أكوف فاعالً يف األحدا ث‪..‬لقد قررت‬
‫وال راد دلا قررت"‪ ،5‬وإذا تتبعنا مسار الشخصية خالؿ الرواية من خالؿ سلوكها وطبائعها ومواقفها ندرؾ‬
‫ندرؾ أهنا قوية الشخصية زلافظة على ىويتها رغم الظروؼ اليت مرت هبا‪.‬‬

‫‪ -2‬الػغراب ‪:‬‬
‫يعترب الغراب ثاين شخصية رئيسية يف الرواي ة فهو احملرؾ الرئيس لألحداث‪ ،‬يستفز القارئ من خالؿ‬
‫سلوكو وطباعو ويف مظهره اخلارجي الذي كما ذكرنا سابقاً أنو استفاد من وصف مستفيض من قبل‬
‫الكاتب‪ ،‬وادلراقب حيواف منبوذ يف الثقافة العربية‪ ،‬فهو دليل الشؤـ واخلراب‪ ،‬ويف الرواية جاء رلسداً‬
‫ة الطاغية‪ ،‬سلطة ديكتاتورية متحكمة يف مصَت‬ ‫السلطة ادلتمثلة يف أنظمة احلكم الفاسدة وادلستبد‬
‫الشعب‪ ،‬شعب مستعبد ال حوؿ وال قوة لو يف ظل نظاـ سياسي طاغ يرأسو الغراب‪" ،‬وكاف الغراب على‬

‫‪ - 1‬الرواية‪ ،‬ص‪ ،66‬ص‪.67‬‬


‫‪ - 2‬الرواية‪ ،‬ص ‪.73‬‬
‫‪ - 3‬الرواية‪ ،‬ص‪.66‬‬
‫‪ - 4‬الرواية‪ ،‬ص‪.72‬‬
‫‪ - 5‬الرواية‪ ،‬ص‪.73‬‬

‫‪72‬‬
‫بنية الشخصيات‬ ‫الفصل الثالث‬

‫رأس اكرب حزب يف ادلقهى كلها مسات حزب مجاىَت الدديقراطيات الشعبية" ‪ ،1‬وقد بُت الكاتب يف عدة‬
‫مقاطع من الرواية‪ ،‬سلطة الغراب و انتقاد الشعب لو "كاف الغراب يسَت يف ادلقدمة يطلق عبارات نارية‬
‫يف الفضاء وخلفو موكب اخلداف الضخم شلن كاف يف ادلقهى‪ ،2 "...‬فهو رهبم األعلى اآلمر الناىي ال‬
‫يستطيعوف دونو شيئاً والويل لكل من تسوؿ لو نفسو سلالفة أوامره بيٍت وبُت رقاهبم حبل من مسد إف‬
‫ذبذبوه تتدذل أرجلكم‪ .....‬أو تزفوه سَتوا يف األرض تساقط عليكم رمحايت‪...‬رضائي وىذا من مبادئ‬
‫مجهوريتنا العظيمة" ‪ ،3‬فحياهتم مرىونة بتقدمي فروض الطاعة والوالء‪ ،‬كما انو يشل القانوف‪ ،‬قانوف قد‬
‫كفل لو حق القتل وشرعيتو‪ ،‬من يهدد امن ادلدينة و استقرارىا أو باألحرى من يهدد مصاحلو‪.‬‬
‫" فكف الغراب عن ثرثرتو وقصد اذلدىد فجز رأسو ومحلو من أذنو يتقاطر دماً‪ ،‬مث غرز رزلاً يف حلقومو‬
‫ورفعو إذل األعلى عند قمة ادلبولة لَتاه الناس مجيعاً‪ ،‬وليكوف عربة لكل من تسوؿ لو نفسو ادلس‬
‫دبقدسات األمة وثوابتها ودين رهبا قبيحوف‪.4"...‬‬
‫كاف ىذا عن الغراب أكثر شخصية رلسدة لزمن الضياع الذي عاشتو اجلزائر‬
‫خالؿ العشرية السوداء‪.‬‬

‫‪ -3‬الشيػخ اجملػذوب ‪:‬‬


‫من الواضح أف كلمة شيخ يقصد هبا فًتة زمنية من عمر اإلنساف "الكرب" وىي الكلمة تدؿ على‬
‫احلكمة والوقار واذليبة‪ ،‬أما اجملذوب من اجلذب واالصلذاب فهو كادلغناطيس الذي جيلب األشياء إليو‬
‫دبجرد اقًتاهبا منو‪ ،‬فالشاىد يقصده كلما ضاقت بو السبل "دلاذا جئت على ىذا ادلكاف؟ دلاذا كل ما‬
‫تضيق يب السبل أقصده كالعاشق الوذلاف؟" ‪ ،5‬وىو مالذه من ادلدينة ادلومس‪ ،‬وقد ركز الكاتب عل بنائو‬
‫بنائو الداخلي من حيث الطبائع والسلوؾ وحىت الكالـ "كاف اجملذوب جيلس إذل ظل صخرة كبَتة‬
‫ديسك بعصاه ويرفع رأسو يتأمل السماء دوف أف يتحرؾ البتة ىذا ديدنو ال حيسن إال أف ينظر إذل‬

‫‪ - 1‬الرواية‪ ،‬ص‪.28‬‬
‫‪ - 2‬الرواية‪ ،‬ص‪.32‬‬
‫‪ - 3‬الرواية‪ ،‬ص‪ ،30‬ص‪.31‬‬
‫‪ - 4‬الرواية‪ ،‬ص‪.30‬‬
‫‪ - 5‬الرواية‪ ،‬ص‪.19‬‬

‫‪73‬‬
‫بنية الشخصيات‬ ‫الفصل الثالث‬

‫السماء‪ ،1"...‬والشيخ اجملذوب يف الرواية ديثل "اجلبهة اإلسالمية لإلنقاذ" ‪ 2‬وذلك من خالؿ شعاراتو‬
‫وامسك عصاه من مقدمتها أشهرىا يف وجو الصخرة وراح يضرهبا وأضرب بعصاؾ احلجر‪ ..‬زيتونة ال‬
‫شرقية وال غربية‪ ،3 "...‬وىي شعارات مطابقة لتلك اليت رفعها االنقاذيوف خالؿ العشرية السوداء عليها‬
‫ضليا وعليها منوت‪ ،‬ويف سبيلها نقاتل‪ ..‬ال شرقية وال غربية‪.‬‬
‫من خالؿ األوصاؼ اخلارجية للشيخ رلذوب (اللحية) واذلنداـ (اجلبة والعمامة)‪ ،‬والشعارات اليت كاف‬
‫يرددىا واآليات القرآنية اليت تكررت أكثر من مرة نستطيع أف نقوؿ أنو ديثل تلك اجلبهة‪.‬‬

‫‪ -4‬الشخصػية الػمرأة ‪( :‬ادلومس‪ ،‬احلبيبة ف)‪.‬‬


‫يتكرر موضوع ادلرأة يف أغلب أعماؿ جالوجي الروائية وبكل أوجها (الزوجة‪ ،‬احلبيبة‪ ...‬ادلومس‪ ...‬اخل)‪،‬‬
‫وقد قدمها يف رواية سرادؽ احللم والفجيعة يف‬
‫صورة مدينة مومس‪ ،‬وربولت بذلك من رلرد إطار مكاين إذل شخصية مسامهة يف احلدث الروائي‪،‬‬
‫مومس تبيع نفسها لكل ادلارة ال رادع أخالقي ذلا‪.‬‬
‫إذل مىت تفتحُت ذراعيك للبلهاء‪..‬؟؟‬
‫إذل مىت ترضعُت احلمقى واألغبياء‪...‬؟؟‬
‫‪4‬‬
‫إذل مىت أيتها ادلدينة سبارسُت العهر جهاراً دوف حياء؟"‬
‫"فجأة أقبلت ادلدينة ادلومس تلوؾ علكتها‪ ...‬تدندف أغنيتها ادلفضلة‪...‬تضرب األرض بكعبها العارل‪...‬‬
‫‪5‬‬
‫ترقص يف ثوهبا الشفاؼ وقد هتادى ثدياىا‪ ...‬شكوتاىا"‪.‬‬
‫فمن سلوؾ ىذه ادلومس ندرؾ اجلانب النفسي الكامن وراءه فهي امرأة منحلة أخالقيا‪ ،‬بغي سبارس العهر‬
‫جهاراً دوف حياء وسبب ما آلت إليو ىو أنظمة احلكم الفاسدة اليت حولتها إذل مومس‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫"تضاجعها األحذية يف اخلالء ويف وضح النهار وأماـ مرأى ومسمع ادلئات"‬

‫‪- 1‬الرواية‪ ،‬ص ‪.19‬‬


‫‪ - 2‬عمر سطاحيي‪ :‬رواية سرادؽ احللم والفجيعة الشاىد على اغتياؿ الوطن ‪ ،‬عز الدين جالوجي‪ ،‬سلطاف النص‪ ،‬دراسات ‪ ،‬دار‬
‫ادلعرفة‪،‬د‪ ،‬ط‪ ،2008 ،‬ص‪.399‬‬
‫‪ - 3‬الرواية‪ ،‬ص‪.49‬‬
‫‪ - 4‬الرواية‪ ،‬ص‪.11‬‬
‫‪ - 5‬الرواية‪ ،‬ص‪.60‬‬
‫‪ - 6‬الرواية‪ ،‬ص‪.66‬‬

‫‪74‬‬
‫بنية الشخصيات‬ ‫الفصل الثالث‬

‫فالكاتب دل جيد صورة أكثر شناعة ليبُت حالة اجلزائر خالؿ احلقبة السوداء من صورة ادلرأة البغي أما‬
‫الوجو اآلخر الذي أراد الكاتب إبرازه ىو وجو اجلزائر‪ ،‬زمن احللم‪ ،‬زمن األمن واالستقرار قبل العشرية‬
‫السوداء‪ ،‬متمثالً إياىا يف صورة احلبيبة ف‪ ،‬فمنحها كل صفات األنوثة واجلماؿ يف أشعار أقل ما ديكن‬
‫أف يقاؿ عنها أهنا تفيض بالشعرية‪ ،‬يف لغة تنم عن كاتب متمكن من ناصية اللغة حسناء يا حبيبيت يا‬
‫لوف الفرح والقمح الربي‪..‬‬
‫يا طعم الطفولة واحللم والليموف‪..‬‬
‫يا قامة الصفصاؼ وكربياء الصرو‪..‬‬
‫يا سنيم‪ ..‬الرباءة‪ ..‬يا براءة النسيم‪..‬‬
‫يا‪ ..‬القوزح‪ ..‬اجلوىر‪..‬السر‪..‬اللب‪..‬العمق‪ ..‬الكنو‪..‬‬
‫‪1‬‬
‫يا طعم زخات ادلطر الليموف‪ ..‬األريج‪ ..‬الشذا‪.‬‬
‫كاف ىدؼ الكاتب من وصف الشخصيتُت ادلتناقضتُت (ادلومس‪ ،‬احلبيبة ‪ )،‬ىو إبراز معادل التغَت‬
‫والتحوؿ اليت حدثت يف ذلك الزمن لنا‪.‬‬
‫من ربليلنا لشخصيات الغراب والشاىد و ادلومس واحلبيبة ف والشيخ اجملذوب نستنتج أف الشخصيات‬
‫قد خرجت من عباءة الزمن (زمن احللم‪ ،‬زمن الضياع) حاملة مالزلو وبصمتو‪.‬‬

‫‪ -4‬طبيعة العالقات التي تربط بين الشخصيات ‪:‬‬

‫‪ - 1‬الرواية‪ ،‬ص‪.27‬‬

‫‪75‬‬
‫بنية الشخصيات‬ ‫الفصل الثالث‬

‫دبا أف الشخصيات زبتلف يف تفكَتىا وسلوكها عن بعضها البعض فمن البديهي أف تتعدد رغباهتا‬
‫وزبتلف‪ ،‬وىذا االختالؼ ىو ما حيدد عالقاهتا بباقي الشخصيات األخرى يف النص الروائي‪ ،‬وعلى ىذا‬
‫األساس فإنو من الواجب ربديد ىذه العالقات‪ ،‬وما يطبعها من انسجاـ أو تنافر‪ ،‬وىذا لتكوين نظرة‬
‫شاملة عنها‪ ،‬فالبناء ادلورفولوجي والداخلي ال يكفياف‪ ،‬وبتنوع الشخصيات وسلوكها تنوعت العالقات‬
‫"فالشخصية يف العادل الروائي ذات فاعلة مؤثرة ومتأثرة‪ ،‬تدخل يف شبكة عالقات متعددة مع‬
‫الشخصيات األخرى" ‪ ،1‬ورغم تنوع العالقات فإنو باإلمكاف حصرىا يف زلاور أساسية كما أشار إليها‬
‫تودوروؼ "والذي حصرىا يف ثالثة أشكاؿ‪ ،‬الرغبة و التواصل وادلشاركة‪ ،‬وىناؾ عالقات أخرى ديكن‬
‫اشتقاقها من العالقات الثالث" ‪ ،2‬ومن خالؿ تتبعنا حلركة الشخصيات خالؿ األحداث أمكننا التوصل‬
‫إذل نوعية بعض العالقات اليت تربط الشخصيتُت الرئيسيتُت بباقي الشخصيات‪.‬‬

‫‪ /1‬عالقة الشاىد بالشخصيات األخرى ‪:‬‬

‫‪ - 1‬فيصل غازي النعيمي‪ :‬العالمة والرواية‪ ،‬ص‪.191‬‬


‫‪ - 2‬زلمد على الشوابكة‪ :‬السرد ادلؤطر يف رواية النهايات اعبد الرمحن منيف‪ ،‬البنية والداللة‪،‬ص‪.29‬‬

‫‪76‬‬
‫بنية الشخصيات‬ ‫الفصل الثالث‬

‫الشيخ اجملذوب‬ ‫االحًتاـ‬

‫عالقات‬ ‫ادلومس‬ ‫االحتقار‬ ‫الشاىد‬


‫اإلغواء‬
‫عسل النحل‪ ،‬نور الشمس‬ ‫الصداقة‬
‫شذى الزىر‪ ،‬األمسر‬ ‫استالمو‬ ‫بعد‬
‫ادلومس‬ ‫لغواية‬
‫متغَتة‬ ‫الشيخ اجملذوب‬ ‫الكره‬

‫ادلومس‬ ‫احلب‬ ‫الشاىد‬

‫عسل النحل‪ ،‬نور الشمس‬ ‫احلقد‬


‫شذى الزىر‪ ،‬األمسر‬
‫أ‪ -‬عالقػة الشػاىد بالشػيخ اجملػذوب ‪:‬‬
‫تقوـ على احملبة واالحًتاـ‪ ،‬ألف الشيخ اجملذوب بالنسبة للشاىد ىو القدوة فقد أويت احلكمة يقصده‬
‫كلما أحس بالوحدة والقلق "فكرت بادئ األمر أف ازور اجملذوب يف حضرتو لعلى أمسع منو كلمة‬
‫تنتشلٍت من الضياع والقلق‪ ،1 "..‬لكن سرعاف ما ربوؿ ذلك االحًتاـ وتلك احملبة إذل كره "ليس اخطر‬
‫على ادلدينة ومن فيها من الشيخ اجملذوب‪ ،‬لن يغمض رل جفن حىت أدفنو ربت صخرتو وإذل األبد‪،‬‬
‫وأحسست بالنار تلتهب سعَتا يف كل بدين تزرع يف أحشائي العزة والكربياء‪ ،‬ورحت أصيح كادلسعور" ‪،2‬‬
‫وىذا االنقالب سببو ديكن يف استسالـ الشاىد لغواية ادلومس‪.‬‬

‫ب‪ -‬عالقػة الشػاىد بادلػومس ‪:‬‬

‫‪ - 1‬الرواية‪ ،‬ص‪.54‬‬
‫‪ - 2‬الرواية‪ ،‬ص ‪.119‬‬

‫‪77‬‬
‫بنية الشخصيات‬ ‫الفصل الثالث‬

‫تقوـ على االحتقار فالشاىد يعاتبها سلاطبا إياىا‪ ،‬على مىت تعرش فوؽ مفاتنك‬
‫الطحالب‪..‬الفئراف‪..‬واخلنافس‪..‬تعلي قصورا‪ ..‬؟؟‬
‫يا‪ ..‬أيتها ادلدينة ادلومس‪ ،1 !!..‬فهو يتعجب من الوضع الذي آلت غليو ويصفها بالبغي رافضاً غوايتها‪،‬‬
‫لقد أصبحت أخشاىا‪ ..‬أرىبها‪ ..‬أنا أرى يف حلظيها شهيق الشهوة‪..‬فوار الشبقية‪..‬‬
‫ليس رل طاقة هبا‪.‬أخشى أف تبتلعٍت‪ ..‬إهنا تبتلع اجلميع‪..‬‬
‫كلهم على جسدىا ادلتهدؿ ادلتهرئ‪..‬يغدوف حلزونات ال ربسن إال التلذذ يف الرؤية‪..‬وأنا أرفض ‪..‬‬
‫‪2‬‬
‫اكره‪..‬أنبذ االلتصاؽ‪.‬‬
‫لكن العالقة ربولت من احتقار إذل حب وذلك بعد صلاح ادلومس يف غواية البطل "كاف يشغلٍت أمر‬
‫آخر‪...‬كاف حب ادلدينة ينهض يف قليب شعلة متقدة‪..‬أوؿ ما صادفٍت ووقف أماـ بصري يسد عٍت‬
‫الرؤية ‪.3"..‬‬
‫لكنو سقوط مؤقت فقد عاد البطل إذل سابق عهده بعد تدخل الشيخ اجملذوب الذي انتشلو من بُت‬
‫براثن ادلومس‪.‬‬

‫ج_ عالقػة الشػاىد باألمسر ذو العينُت العسليتُت وشذا الزىور سناف الرمح ‪:‬‬
‫كانت يف البداية عالقة صداقة‪ ،‬فهو يتذكرىم كلما عصف زلزاؿ القلق جبوارحو "وتذكرهتم‪ ،‬عسل‬
‫النحل ونور الشمس وشذا الزىر وسناف الرمح واألمسر ذو العينُت العسليتُت" ‪ ،4‬لكن سرعاف ما ربولت‬
‫ىي األخرى بعد استسالـ البطل إذل عالقة حقد "أما أنا فقد وقفت حلظة كراىب يؤدي طقوس‬
‫الصلوات وحُت فطنت ألمري وجدت قليب ديوت باحلقد على ذو العينُت العسليتُت وعسل النحل ونور‬
‫الشمس وشذا الزىر‪ ،‬أين أجد كل ىؤالء األنذاؿ؟ لقد شردىم الغراب يف الفيايف والقفار واجلباؿ‬
‫وعساىم ديوتوف ىناؾ‪ ..‬ولكن ىذا ال يتناسب مع تطلعايت ألجد من القضاء عليهم قضاء مربماً" ‪.5‬‬

‫‪ - 1‬الرواية‪ ،‬ص‪.11‬‬
‫‪ - 2‬الرواية‪ ،‬ص‪.20‬‬
‫‪ - 3‬الرواية‪.113 ،‬‬
‫‪ - 4‬الرواية‪ ،‬ص‪.32‬‬
‫‪ - 5‬الرواية‪ ،‬ص‪.118‬‬

‫‪78‬‬
‫بنية الشخصيات‬ ‫الفصل الثالث‬

‫لقد سبيزت عالقة الشاىد بالشخصيات الرئيسة يف الروائية تتغَت بتغَت الظروؼ على عكس عالقتو مع‬
‫الشخصيات الثانوية مثل الثعالب والفأر فقد بقيت ثابتة على مدار الرواية‪.‬‬
‫‪ /2‬عػالقات الغػراب بالشخصػيات األخػرى ‪:‬‬
‫السيد لعن‪/‬نعل‬ ‫مصلحة‬
‫عالقات‬ ‫تبعية‬
‫شذا الزىر‪،‬األمسر‪،‬نور‬ ‫الكره‬
‫الشمس سناف الرمح‪ ،‬عسل النحل‬ ‫الغراب‬
‫ادلومس‬ ‫االستغالؿ‬
‫ثابتة‬
‫الفأر‬ ‫خضوع‬
‫أ_ عالقة الغراب بالسيد نعل‪/‬لعن ‪:‬‬
‫تقوـ على اخلضوع االمتثاؿ ألوامر الغراب فهو مالزـ لو يف كل مشاريعو فال يذكر الغراب يف أي مشهد‬
‫إال ويكوف السيد لعن‪/‬نعل جبانبو "يقف يف ادلقدمة الغراب عن ديينو كالظل السيد لعن أقصد نعل‬
‫حيدقوف على مرتفع األرض‪ ، 1 ...‬مقدماً لو فروض الطاعة والوالء "صاح لعن أقصد نعل حبة ‪..‬‬
‫‪ -‬عاش الغراب سيدنا يف األرض والًتاب" ‪ ،2‬لكن كل ىذا التقدير للغراب ظاىريا فقط فهو يبطن‬
‫لو عكس ما يظهر "ورأيت السيد لعن ينظر يف الغراب نظرة شزراء فيها حقد وبغضاء‪.3 "...‬‬
‫‪ -‬ونرجع ىذه العالقة إذل زمن بعيد‪ ،‬فالسيد نعل يدين للغراب حبياتو "يروي بالتواتر أف نعال‬
‫دخل ادلدينة على حُت غفلة من أىلها سارقاً‪...‬فألقى القبض عليو‪...‬فلما قدـ للمحاكمة‬
‫وحكم عليو بالقتل‪ ..‬فلما التمس العفو‪ ...‬طبق عليو الغراب احلكم األنف‪...‬صار خادمو‪.‬‬
‫األمُت وأمُت سره" ‪ ،4‬واستغل الغراب ىذه احلادثة لصاحلو فسخر السيد نعالً خادماً لو‪ ،‬فهو‬
‫الذي وضح لو نعال خاصاً وىذا إلخفاء أظفار قدديو اليت ىي يف احلقيقة سلالب ولوال احلذاء‬

‫‪ - 1‬الرواية‪ ،‬ص‪.88‬‬
‫‪ - 2‬الرواية‪ :‬ص‪.15‬‬
‫‪ - 3‬الرواية‪ ،‬ص‪.95‬‬
‫‪ - 4‬الرواية‪ ،‬ص‪.97‬‬

‫‪79‬‬
‫بنية الشخصيات‬ ‫الفصل الثالث‬

‫‪ ،1‬فالغراب‬ ‫ألنكشف أمر الغراب "وىذا ىو سر العالقة احلميمية بُت الغراب والسيد نعل"‬
‫شخصية مستبدة ومستغلة إذل أبعد احلدود وال تفوت فرصة إلخضاع اآلخرين ذلا‪.‬‬

‫ب‪ -‬عػالقة الغػراب بادلػومس ‪:‬‬


‫ىي عالقة استغالؿ فقد اتبع كل السبل واستخدـ كل الوسائل للتفنن يف إذالذلا واستغالذلا "ادلدينة سبتد‬
‫خائرة مبعثرة اجلوارح أماـ ادلبولة وعلى صدرىا يقف الغراب إنو يستعملها مصطبة‪ ..‬منصة شرقية خيطب‬
‫من فوقها وماذا يف ذلك؟ إهنا متعددة الصالحيات بالبنية إليو يركبها‪ ..‬يضاجعها‪..‬يالعبها‪ ..‬يتدثرىا ‪..‬‬
‫يلتهم منها إذا جاع‪ ،2 "..‬فهو يعترب نفسو ولياً شرعياً ذلا‪ ،‬وازبذ منها أداة خلدمة مصاحلو‪ ،‬قرباناً قدمو‬
‫لألحذية اخلشنة يف إطار العالقات القائمة بينهما‪.‬‬

‫ج‪ -‬عػالقة الغػراب بالفػأر ‪:‬‬


‫ىي األخرى عالقة تبعية وخضوع‪ ،‬لكن ىذه ادلرة‪ ،‬الغراب ىو التابع للفأر "مث رأيت الغراب يرذبف‬
‫بشدة كقشة يف مهب الريح‪ ،‬مث يتهاوى ساجداً‪ ،‬ومكث كذلك ال يرفع رأسو ومناً حىت ساورين شك يف‬
‫موتو‪ ،‬لكن صوت احد الفئراف‪ 3 "...‬ومن ىنا يتضح لنا أف الغراب ليس ىو السلطة الرئيسية وإمنا ىناؾ‬
‫سلطة أقوى منو وىي الفئراف‪.‬‬

‫د‪ -‬عػالقة الغػراب باذلدىد وشذا الزىو وسناف الرمح وعسل النحل ‪:‬‬
‫ىي عالقة قائمة على الكره ادلتبادؿ‪ ،‬فقد أقدـ الغراب على قتل اذلدىد فقط ألنو أراد تنبيو الشعب‬
‫وإيقاظهم من غفلتهم‪ ،‬فاذلدىد بالنسبة للغرباء مؤشر اخلطر‪ ،‬وىو يهدد كيانو ونظامو السياسي "فكف‬
‫‪،4‬‬ ‫الغراب عن ثرثرة وقصد اذلدىد فجز رأسو ومحلو من أذنو يتقاطر دماً‪ ،‬مث غرز رزلاً يف حلقومو‪"...‬‬
‫وكذلك بالنسبة لشذى الزىر وعسل النحل وسناـ الرمح ونور الشمس فالغراب يعتربىم السبب يف‬
‫دخوؿ اذلدد إذل ادلدينة وحيملهم مسؤولية الفوضى اليت حدثت "أضع جسدي كلو يف النار إف دل يكن‬

‫‪ - 1‬الرواية‪ ،‬ص‪.82‬‬
‫‪ - 2‬الرواية‪ ،‬ص‪.79‬‬
‫‪ - 3‬الرواية‪ ،‬ص‪.104‬‬
‫‪ - 4‬الرواية‪ ،‬ص‪.90‬‬

‫‪80‬‬
‫بنية الشخصيات‬ ‫الفصل الثالث‬

‫أؤلئك ادلارقوف ىم السبب‪ ،‬ليس يف ذلك شك وال ريب‪ ،‬األمسر ذو العينُت العسليتُت وعسل النحل‬
‫ونور الشمس وشذى الزىر‪ ...‬ومن غَتىم بعد أف شردناىم وطردناىم يف الفيايف والصحاري‪...‬‬
‫‪1‬‬
‫األوغاد ما زالوا حيلموف بكرسي الزعامة‪.‬‬
‫فشغل الغراب الشاغل ىو احلفاظ على كرسي الزعامة بغض النظر عن الوسائل ادلستخدمة يف ذلك‪.‬‬
‫لعلنا بعد كل ىذا سبكنا من االقًتاب نوعاً من شخصيات الرواية‪ ،‬واقتفاء أثرىا‪ ،‬زلاولُت الوصوؿ إذل‬
‫الدالالت الكامنة يف طياهتا‪ ،‬انطالقاً من النص الروائي‪ ،‬الذي مهما ادعينا اإلحاطة بو فسنبقى مقصرين‬
‫يف حقو‪ ،‬فهو متفرد تفرد شخصياتو واليت ىي األخرى مهما تومهنا احلصوؿ على مفاتيحها فسنبقى‬
‫قاصرين عن ذلك‪ ،‬فهي تستدعي ادلزيد من التأمل الواعي والتفكَت العميق ألهنا تكشف لنا عن زمن‬
‫يعترب نقطة سوداء يف تاريخ اجلزائر‪.‬‬
‫ومن مجلة النتائج ادلتوصل إليها‪:‬‬
‫‪ -‬شخصيات الرواية ليست واضحة ادلالمح‪.‬‬
‫‪ -‬اعتمد الكاتب على البناء ادلورفولوجي والداخلي من اجل إخراج شخصياتو يف حلة أدبية‬
‫متناسقة األجزاء‪.‬‬
‫‪ -‬دل تأت شخصيات الرواية دلعاجلة الواقع بل ىي نافذة من خالذلا نطل على الواقع‪.‬‬
‫‪ -‬تتنوع الشخصيات بُت اإلنسية واحليوانية و ادلؤنسنة (احلصى‪ ،‬البالوعة‪ ،‬النخلة) فقد ربولت من‬
‫أشياء جامدة إذل شخصيات فاعلة يف احلدث الروائي‪.‬‬
‫‪ -‬سبيزت العالقات بُت الشخصيات الروائية بالثبات تارة وبالتغَت طوراً‪.‬‬
‫‪ -‬الشخصيات قائمة على التناقض يف الشكل والسلوؾ‪ ،‬تناقض الزمن‪ ،‬وذلك إلبراز معادل التغَت‬
‫فقد خرجت من عباءة الزمن‪.‬‬
‫‪ -‬الشخصيات حاملة لرؤية الكاتب للواقع‪.‬‬
‫‪ -‬الشخصيات تتميز بالدينامية فهو يفسح ذلا اجملاؿ للتعبَت عن آرائها‪.‬‬

‫‪ - 1‬الرواية‪ ،‬ص ‪ ،91‬ص‪.92‬‬

‫‪81‬‬
‫الخاتمة‪:‬‬
‫خالل قراءتنا لألعمال األدبية للكاتب‪ ،‬يتضح انو على قدر كبري من التفرد اإلبداعي فأعمالو تتصف‬
‫بالثراء والتنوع ما جعلها حمط اىتمام الدارسني على املستوى الوطين والعريب وقد خلص البحث إىل مجلة‬
‫من النتائج واملالحظات أمهها األيت‪:‬‬
‫* إن التتابع والتداخل مها البناءان املهيمنان على السرد‪ ،‬حيث يعمل التتابع على احملافظة على البناء‬
‫السردي‪ ،‬أما التداخل (تضمني قصة داخل قصة‪ ،‬أو حدث داخل حدث)ضمن احلكاية األم فهو مجايل‬
‫مساه تودوروف بالرتصيع أو السرد املؤطر‪.‬‬
‫* ميتزج يف الرواية زمنان امتزجا عضوياً يغدو معو فصل أحدمها عن اآلخر تفكيكاً لوحداتو وىذان‬
‫الزمنان مها‪ ،‬زمن الضياع الذي ميثل حاضر السرد ويهيمن على سطحو وزمن احللم املاضي الذي يقدم‬
‫بواسطة اسرتجاع يتسلل إىل البناء الروائي دون إحساس بني بأن السارد قد توقف عند حلظة من احلاضر‬
‫ليعود إىل املاضي‪ ،‬ليعمل ىذا املزج بني الزمنني على انتشار حالة تتفاعل فيها املتناقضات‪.‬‬
‫‪ ‬إسرتاتيجية الزمن‪ :‬ال يسري الزمن على وترية واحدة‪ ،‬بل مثة احنراف عن خطو املنطقي‪ ،‬وىذا ما‬
‫يسمى باملفارقات الزمنية وفق إصطالح جريار جنيت‪.‬‬
‫‪ ‬التناوب اإليقاعي‪ :‬يبدو واضحاً أن مثة تناوباً إيقاعيا يف الرواية بني حالتني متثالن جمموعة من‬
‫الثنائيات (احلاضر‪/‬املاضي)‪( ،‬العنف‪/‬األمان)‪( ،‬اجلمال‪/‬القبح)‪( ،‬احللم‪/‬الفجيعة)‪.‬‬
‫‪ ‬الشحن الفين لألمكنة‪ :‬مل يعنت الكاتب بوصف األمكنة يف الرواية وصفاً تفصيلياً‪ ،‬بل سعى‬
‫إىل حتميلها دالالت تعكس الواقع املعيش خالل تلك الفرتة الزمنية‪ ،‬وما يالحظ أن دالالت‬
‫املكان قد تراوحت بني العنف واألمان‪ ،‬وذلك إلبراز التناقض القائم بني الزمنني املاضي‬
‫واحلاضر‪ ،‬كما أن بعض األمكنة املفتوحة قد عدت مغلقة بالنسبة إلحساس الشخصية هبا‪.‬‬
‫‪ ‬الرتميز‪ :‬شخوص الرواية ذات دالالت رمزية‪ ،‬رمست عاملاً متناقضاً يعج بالفوضى والتناقض فقد‬
‫استطاع عز الدين جالوجي أن سيم كل شخصية مسة خاصة لتشدنا إليها وتبحر بنا يف عامل‬
‫من الرؤية والتأويل‪.‬‬
‫‪ ‬إن عناصر البناء السردي ىي عناصر بنائية متكاملة ذات نسيج متوحد ال ميكن فصلها‪،‬‬
‫فدراسة الشخصية مبفردىا والزمان واملكان مبفردمها‪ ،‬والسرد مبفرده يفكك البناء الفين‪ ،‬ألن تلك‬
‫العناصر جمتمعة‪ ،‬متثل اهليكل البنائي املتكامل للنص الروائي‪ ،‬وتألفها يكسب النص شعريتو‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫‪.‬‬ ‫الملحـق‪:‬‬

‫التعريف بالروائي‪:‬‬
‫عز الدين جالوجي‪:‬‬

‫من ومواليد ‪ ،1962‬أستاذ للغة العربية وآداهبا‪ ،‬أديب وباحث‬


‫عضو مؤسس لرابطة إبداع الثقافة الوطنية وعضو مكتبها الوطين منذ ‪1990‬‬
‫عضو مؤسس ورئيس رابطة أىل القلم الوالئية بسطيف منذ ‪2000‬‬
‫عضو احتاد الكتاب اجلزائريٌن‪..‬‬
‫عضو ادلكتب الوطين إلحتاد الكتاب اجلزائريٌن يف مؤمترهاألخًن‬
‫مؤسس ومشرف على عدد كبًن من ادللتقيات الثقافية واألدبية منها‪:‬‬
‫ملتقى أدب الشباب األول ‪ ،1996‬ملتقى أدب الشباب الثاين ‪ ،1997‬ملتقى ادلرأة واإلبداع يف‬
‫اجلزائر ‪ ،2000‬ملتقى أدب األطفال باجلزائر ‪ ،2001‬ملتقى الرواية اجلزائرية بٌن التأسيس والتجريب‬
‫‪ ،2003‬شارك يف ملتقيات ثقافية كثًنة منذ الثمانينات بداخل الوطن وخارجو وأجريت معو عشرات‬
‫اللقاءات باجلرائد والقنوات التلفزيونية واإلذاعية الوطنية والعربية قدمت عن أعمالو ودراسات نقدية كثًنة‬
‫نشرت عرب اجلرائد واجملالت الوطنية خاصة اخلرب‪ ،‬ادلساء‪ ،‬اليوم‪ ،‬النور‪ ،‬الشروق‪ ،‬صوت األحرار‪ ،‬التبٌن‬
‫اليت تصدرىا اجلاحظية‪ ،‬والعربية كبيان الكتب اإلماراتية‪ ،‬عمان األردنية‪ ،‬الفنيق األردنية‪ ،‬ادلوقف األديب‬
‫السورية‪ ،‬رللة كلمات البحرينية‪ ،‬جريدة األخبار البحرينية‪.‬‬

‫صدرت له األعمال التالية ‪:‬‬


‫يف الدراسات النقدية‪:‬‬
‫‪ -1‬النص ادلسرحي يف األدب اجلزائري‪.‬‬
‫‪ -2‬شطحات يف عرش عازف الناي‪ -‬احتاد الكتاب العرب سوريا‪.‬‬
‫‪ -3‬األمثال الشعبية اجلزائرية مبنطقة سطيف‪.‬‬
‫يف الرواية‬
‫‪ -4‬سرادق احللم والفجيعة‪.‬‬
‫الطبعة األوىل والطبعة الثانية‪.‬‬ ‫‪ -5‬الفراشات والغيالن‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫‪.‬‬ ‫الملحـق‪:‬‬

‫الطبعة األوىل والطبعة الثانية‪.‬‬ ‫‪ -6‬رأس احملنة‪.‬‬


‫الطبعة األوىل والطبعة الثانية‪.‬‬ ‫‪ -7‬الرماد الذي غسل ادلاء‪.‬‬
‫‪ -8‬األعمال الروائية الكاملة‪.‬‬
‫يف القصة‬
‫‪ -9‬دلن هتتف احلناجر؟‬
‫‪ -10‬خيوط الذاكرة‪.‬‬
‫‪ -11‬صهيل احلًنة‪.‬‬
‫يف ادلسرح‬
‫‪ -1‬النخلة وسلطان ادلدينة (مسرحيتان)‪.‬‬
‫‪ -5‬تيوكا والوحش (مسرحيتان)‪.‬‬
‫‪ -3‬األقنعة ادلثقوبة (مسرحيتان)‪.‬‬
‫‪ -4‬البحث عن الشمس (مسرحيتان)‪.‬‬
‫‪ 13 -5‬مسرحية للكبار‪.‬‬
‫يف أدب األطفال‬
‫‪ 5‬مسرحيات‪.‬‬ ‫‪ -6‬ظالل وحب‬
‫‪ -7‬احلمامة الذىبية ‪ 4‬قصص‪.‬‬
‫‪ -8‬العصفور اجلميل قصة‪.‬‬
‫‪ -9‬احلمامة الذىبية قصة‪.‬‬
‫‪ -10‬ابن رشيق قصة‪.‬‬
‫‪ 40 -11‬مسرحية لألطفال‬

‫مثلت لو رلموعة من ادلسرحيات للصغار والكبار منها‬


‫‪ -1‬البحث عن الشمس ‪1996.‬‬
‫‪ -2‬ملحمة أم الشهداء ‪2001.‬‬
‫‪ -3‬سامل والشيطان (لألطفال) ‪1997.‬‬

‫‪87‬‬
‫‪.‬‬ ‫الملحـق‪:‬‬

‫‪ -4‬غنائية أوالد عامر ‪.2007‬‬


‫درس يف رلموعة من الكتب منها‬
‫عبد احلميد ىيمة‪.‬‬ ‫‪ -1‬عالمات يف اإلبداع اجلزائري‬
‫‪ -2‬مكونات السرد يف النص القصصي اجلزائري عبد القادر بن سامل‪.‬‬
‫حسٌن فياليل‪.‬‬ ‫‪ -3‬السيما والنص السردي‬
‫‪ -4‬سيميولوجيا النص السردي – الفراشات والغيالن‪ -‬زبًن ذوييب‪.‬‬
‫‪ -5‬بٌن ضفتٌن زلمد صاحل خريف‪.‬‬
‫‪ -6‬عز الدين جالوجي دراسات يف أدبو‪.‬‬
‫ولو سيناريوىات تلفزيونية بالعامية والفصحى‬
‫‪ -‬وىو مأخوذ عن رواية الرماد الذي غسل ادلاء‪.‬‬ ‫‪ -1‬اجلثة اذلاربة‬
‫‪ -‬وىو مأخوذ من األمثال الشعبية اجلزائرية‪.‬‬ ‫‪ -2‬أمحيمٌن الفايق‬
‫_ مسلسل يف اللغة واألدب‪.‬‬ ‫‪ -3‬جىن اجلنتٌن‬
‫وقد ميز كل ىذا اإلنتاج األديب‪ ،‬رؤية عميقة لإلنسان واجملتمع‪ ،‬وقدرة على اإلبداع والتجديد حيث‬
‫كانت كل أعمالو إضافة نوعية لتجربتو وللتجارب العربية األخرى‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫‪.‬‬ ‫الملحـق‪:‬‬

‫قالوا عن رواية سرادق الحلم والفجيعة‪:‬‬

‫‪ ...‬نالحظ أن رواية "سرادق احللم والفجيعة" جاءت طافحة بالروح الشعرية اليت جتسدت يف ىاجس‬
‫احلرية‪ ،‬مع توفر عناصر السرديات جاءت يف رلملها منوذجاً ناضجاً لشعرية السرد واحلكي‪ ،‬وكثًناً ما‬
‫االنفعالية الدالة على حالة التيو‬ ‫توسل بإنزياحات الصورة الشعرية يف نقل األحداث ادلفعمة باحلاالت‬
‫والضياع اليت كانت تعاين منها الشخصية الرئيسية‪...‬إن جالوجي هبذه الرواية العجائية الطابع‪ ،‬الشعرية‬
‫احلكي سعي إىل إخراج ادلتلقى من السكونية السالبة إىل اجلمالية ادلوجبة‪.‬‬

‫األستاذ ‪ :‬عالوي الخامسة‪.‬‬


‫‪ ...‬إن ىذه الرواية اجلديدة لعز الدين جالوجي تغري بالقراء أن بنيتها مثًنة بسبب نزوعها إىل‬
‫التجريب‪ ،‬ويطال ىذا التجريب كل ادلستويات بدءاً بالشكل العام للرواية‪ ،‬إهنا جتربة بل مغامرة جديدة‬
‫يف الرواية اجلزائرية ادلعاصرة تستحق منا البحث والتأمل‪ ،‬كما أن أحداثها غريبة جداً تتقاطع مع الرمزي‬
‫واألسطوري‪...‬‬

‫الدكتور‪ :‬عبد الحميد هيمة‪.‬‬


‫وإىل جانب أشكال االغرتاب اليت قدمها النص الروائي جند اغرتاباً على ادلستوى اللغوي‪ ..‬فلن تعد‬
‫اللغة ىي اللغة اليت نعرفها ‪ ..‬بل أصبحت تتمظهر مقلوبة مشوىة متداخلة غًن واضحة ادلعامل‪ ..‬وىذا‬
‫ينسجم و يتطابق مع أشكال االغرتاب األخرى فالبطل يفقد التحكم يف اللغة واتزاهنا دلا تشتد عليو‬
‫وطأة االغرتاب‪ ،‬مث سرعان ما جنده يسرتجع وعيو ويعود إىل خط لغوي سليم‪ ،‬وكأهنا رجعة مغرتب حنو‬
‫احللم واحلنٌن‪.‬‬

‫الدكتور‪ :‬أحمد موساوي‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫الفهرس‬
‫رقم الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫المقدمة‪...................................................................................... :‬أ – ب‬
‫المدخل‪13 - 4..................................................................................... :‬‬
‫الفصل األول‪ :‬بناء المكان ودالالته‪.‬‬
‫‪ -1‬مفهوم المكان‪15 ............................................................................. :‬‬
‫أ‪ -‬لغة‪15. ......................................................................................... .‬‬
‫ب‪ -‬المفهوم الفلسفً‪16 - 15 ................................................................. .‬‬
‫‪17 - 16‬‬ ‫‪........................................‬‬ ‫ج‪ -‬مفهومه عند النقاد العرب والغرب‪.‬‬
‫‪ -2‬أهمٌة المكان فً تشكٌل الخطاب الروائً‪20 - 19 ................................ .‬‬
‫‪ -3‬التشكالت المكانٌة ودالالتها‪20 ........................................................... .‬‬
‫‪-‬أ األماكن المفتوحة‪20 ..........................................................‬‬
‫‪-1‬المدٌنة ‪26 - 21 ................................................................................‬‬
‫‪-2‬الشارع‪27 -26 .................................................................................‬‬
‫‪-3‬الجدار ‪27 .......................................................................................‬‬
‫‪-4‬البحر ‪28 .........................................................................................‬‬
‫‪-5‬الصخرة ‪28 .....................................................................................‬‬
‫‪-6‬الشالل ‪28 ........................................................................................‬‬
‫‪-‬ب األماكن المغلقة‪28 ..........................................................‬‬
‫‪-1‬المقهى ‪29 - 28 ...............................................................................‬‬
‫‪-2‬البٌت ‪30 - 29 .................................................................................‬‬
‫‪-3‬السجن ‪31-30 ..................................................................................‬‬
‫‪ -4‬جدول إحصائً لألمكنة فً الرواٌة‪31 ................................................. .‬‬
‫الفصل الثانً‪ :‬بناء الزمن‪.‬‬
‫‪- 1‬مقاربة فً ماهٌة الزمن‪37 -33 .................................................... .‬‬
‫‪- 2‬الزمن فً الرواٌة‪38-37................................................‬‬
‫‪ -3‬آراء النقاد حول الزمن الروائً وأقسامه‪41 -39 .................................. .‬‬
‫‪ -4‬مخطط العالقات القائمة بٌن زمن القصة وزمن الحكاٌة‪42 ..................... .‬‬
‫‪-5‬التنافر الزمنً فً الرواٌة‪45 -43 ....................................................... .‬‬
‫أ‪ -‬االسترجاع ‪52 -45 ...........................................................................‬‬
‫ب‪ -‬االستباق ‪55 -52 ............................................................................‬‬
‫‪ -6‬دٌمومة النص الروائً‪57 ................................................................. .‬‬
‫أ‪ -‬التبطًء السردي ‪61-57 .....................................................................‬‬
‫ب‪ -‬التسرٌع السردي ‪63-61 ...................................................................‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬بنٌة الشخصٌات‪.‬‬
‫‪ -1‬تمهٌد‪67 -65 ................................................................................ .‬‬
‫‪ -2‬البناء المورفولوجً للشخصٌات‪70 -67 .............................................. .‬‬
‫‪ -3‬البناء الداخلً للشخصٌات‪75 -71 ...................................................... .‬‬
‫‪ -4‬طبٌعة العالقات القائمة بٌن الشخصٌات‪81 -76 .................................... .‬‬
‫الخاتمة‪84 -83 ................................................................................... :‬‬
‫الملحق‪89 -86 .................................................................................... :‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‪93 -91 ............................................................ :‬‬
‫الفهرس‪.‬‬

You might also like