Professional Documents
Culture Documents
مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماستر في ميدان اللغة العربية وآدابها مسار األدب الحديث
السنة الجامعية
2011 -2010
المقدمة :
لقد عرف تاريخ الرواية اجلزائرية منذ السبعينات زمخاً روائيا ،بفضلو أصبح النقاد يف اجلزائر وادلشرق
ينظرون جبدية إىل عناصر التفرد والتفوق اليت طبعت ىذه األعمال ،ومنذئذ مل يعد احلديث عن الرواية
اجلزائرية ادلكتوبة بالعربية ،ينطلق من موقف الشفقة أو الدعم التعاطفي ،باعتبارىا جتربة ىشة حتتاج إىل
ادلؤازرة ،ولكنها أصبحت تنتزع اإلعجا ب والتقدير ،فأصبح اإلنتاج الروائي اجلزائري يتميز بالتنوع والثراء،
ومن بني الروائيني الذين رفعوا راية الرواية اجلزائرية عالياً ومحلوا شعار التميز والتفرد جند األديب عز الدين
جالوجي الذي استطاع أن ميطر الساحة األدبية بأعمال مميزة ،ومن ىذه األعمال رواية سرادق احللم
والفجيعة ،اليت اختذىا الكاتب مطية لتمرير خطابات ذات طابع انتقادي لكثري من األوضاع خالل
العشرية السوداء ،متكئاً على الرموز ،ولعل أىم ما مييزىا ىو نزوعها حنو التجريب ،وحتطيم الشكل
التقليدي للرواية ،مع توفر عناصر السرد اليت جاءت يف جمملها منوذجاً ناضجاً لشعرية السرد.
ومن ىنا كانت رغبيت يف دراسة ىذه ادلكونات وسرب أغوارىا ،وذلك بدراسة األمكنة والزمن
والشخصيات ودالالهتا ،فجاء حبثي بعنوان << مكونات السرد يف رواية سرادق احللم والفجيعة لعز
الدين جالوجي أمنوذجاً>> ،وارتأيت تقسيمو إىل مدخل وثالثة فصول وخادتة ،أما ادلدخل فتحدثت
فيو عن مفهوم السرد وأنواعو ووسائلو ،أما الفصل األول فجاء بعنوان بناء ادلكان وداللتو ،اجلزء األول
منو نظري يتضمن مفهوم ادلكان وأمهيتو يف تشكيل اخلطاب الروائي ،واجلزء الثاين خصصتو لدراسة
أمكنة الرواية ودالالهتا ،بعد تقسيمها إىل أماكن مغلقة وأماكن مفتوحة.
والفصل الثاين كان خمصصاً لتحليل التقنيات الزمنية ،وذلك بعد إعطاء حملة عن ماىية الزمن ودوره يف
الرواية وآراء النقاد حول تقسيمو.
أما الفصل األخري فهو دراسة لبنية الشخصيات من خالل البناء ادلورفولوجي ،والبناء الداخلي ،وطبيعة
العالقات بني الشخصيات ،وذلك لتكوين نظرة شاملة عنها .وبالنسبة للخادتة فقد جاءت راصدة ألىم
النتائج ادلتوصل إليها يف الدراسة.
أما عن الدراسات وادلقاالت اليت عاجلت الرواية ،فقد الحظت أن عنصري الزمن والشخصية مل يلقيا
اىتماما كبرياً ،فأردت من خالل ىذه الدراسة التعمق يف دراستهما متبعة يف ذلك ادلنهج التحليلي
الوصفي.
أ
أما ادلصادر وادلراجع اليت استقى منها البحث مادتو فهي جمموعة من الكتب ،كان أبرزىا ،بنية النص
السردي حلميد حلميداين ،وبنية اخلطاب الروائي يف الرواية النسائية الفلسطينية حلفيظة أمحد ،ومجاليات
ادلكان لشاكر النابلسي ،جتربة الزمن يف الرواية العربية خمتار مالس ،وكذلك كتاب سلطان النص لعز
الدين جالوجي ،والذي يضم جمموعة دراسات لعدد من أعمالو ،باإلضافة إىل مدونة الدراسة ،وىي
رواية سرادق احللم والفجيعة.
أما الصعوبات اليت اعرتضت طريقي ،فهي صعوبة احلصول على ادلراجع ،باإلضافة إىل طبيعة اللغة يف
الرواية اليت بدت مشوىة مقلوبة متداخلة غري واضحة ادلعامل.
يف األخري أرفع آيات التقدير إىل أستاذي الفاضل الدكتور العلمي لراوي الذي كان لو الفضل يف أن
يرى ىذا العمل النور ،إىل كل أساتذة كلية اآلداب واللغات جبامعة العريب بن مهيدي ،إىل عمال اإلدارة
وادلكتبة ،وكل من ساعدين يف إجناز ىذا العمل ادلتواضع ،الذي آمل أن أكون قد وفقت فيو ولو بقدر
قليل ،وأن مل أكن كذلك فحسيب أنين قد حاولت وما التوفيق إال باهلل.
ب
. المدخل :
يعترب السرد من أبرز الوسائل الفنية اليت ربدد صلاح العمل الروائي أو إخفائو ،فإجادة الروائي ألساليب
السرد ادلعربة عن موضوعو تزيد من حظو يف النجاح ،ودراستنا دلكونات السرد ربتم علينا التعرؼ على
ىذا ادلصطلح.
/1مفهوم السرد :
أ -لػغة :
،1وجاي يف معجم السرد يف اللغة "تتدمة يي إإ يي تتأ بو متستاً بععو يف أأر بعع متتابعاً"
اللغة العربية ادلعاصرة "حكاية األحداث حبيث يتصل بععها ببعع مع مراعاة التسلسل الزمٍت
2
حلدوأها".
اعمل سابغات في وقد وردت لفظة السرد يف الترآف الكرمي ،يف قولو تعاإ ﴿ أن
ً ،إني بما تعملون
السرد ،واعملو ا صالحا
3
بصير﴾.
ومن ىنا ديكن التوؿ أف السرد ال خيرج عن نطاؽ نسج الكالـ يف توافق مع مراعاة التسلسل الزمٍت.
ب -اصطالحػاً :
السرد كما ىو متعارؼ عليو "متوالية من األحداث أو األفعاؿ الكالمية تربط وتًتكب مكوناهتا عرب
االنسجاـ أو عرب التفكك ،أو عرب التداخل حبسب رغبة الكاتب وما يشًتطو منطق ونظاـ اخلطاب،
وزمن األفعاؿ واألحداث" ،4ويذىب عبد ادلالك مرتاض إإ أف أصل السرد يف اللغة العربية "ىو تتابع
ادلاضي على سَتة واحدة ،مث أصبح يطلق يف األعماؿ التصصية على كل ما خالف احلوار مث مل يلبث
أف تطور مفهومو يف الغرب إإ معٌت أمشل وأىم ،حبيث أصبح يطلق على النص احلكائي ،أو الروائي أو
5
التصصي فكتنو الطريتة اليت خيتارىا الراوي ليتدـ هبا احلدث إإ ادلتلتي".
وبذلك يكوف مفهوـ السرد عند عبد ادلالك مرتاض يطابق مفهوـ السرد عند الناقد ادلغريب محيد
حلميداين "فاحلكي عنده يتوـ على دعامتُت أساسيتُت ،أوالمها أف حيتوي على قصة ما ،تعم أحداأاً
- 1ابن منظور :لساف العرب مادة (س .ر .د) ،اجمللد السابع ،دار صادر ،بَتوت ،ص.165
- 2امحد سلتار عمر دبساعدة فريق عمل :معجم اللغة العربية ادلعاصرة ،عامل الكتب ،التاىرة ،ط ،2008 ،1ص.1055
- 3سورة سبت :اآلية .11
- 4زلمد معتصم :ادلرأة والسرد ،الثتافة ،ادلغرب ،ط ،2004 ،4ص.182
- 5عبد التادر بن سامل :السرد وامتداد احلكاية ،منشورات إرباد الكتاب اجلزائريُت ،اجلزائر ،ط ،2009 ،1ص.12
4
. المدخل :
معينة وأانيهما ،أف يعُت الطريتة اليت ربكى هبا تلك التصة ،وتسمى ىذه الطريتة سرداً" ،1وال يشًتط
يف السرد أف تكوف األحداث ادلروية واقعية ،بل ديكن أف تكوف من ابتكار اخلياؿ" ،2كما أف السرد فعل
ال حدود لو "يتسع ليشمل سلتلف اخلطابات ،سواي كانت أدبية أو غَت أدبية يبدعو اإلنساف أينما وجد
وحيثما كاف" ،3ويصرح روالف بارت قائالً "ديكن أف يؤدي احلكي بواسطة اللغة ادلستعملة فاىية
كانت أو كتابية ،وبواسطة الصورة ،أابتة أو متحركة ،وبواسطة االمتزاج ادلنظم لكل ىذه ادلواد ،إنو
حاضر يف األسطورة ،واخلرافة واألمثولة ،واحلكاية والتصة وادللحمة والتاريخ ،وادلتساة والدراما وادللهاة
4
واإلدياي واللوحة ادلرسومة يف الزجاج ادلزوؽ و السينما و األنشوطات وادلنوعات وا﵀ادأات".
أي أف السرد يرتبط بتي نظاـ لساين أو غَت لساين ،وقدـ لنا العرب منذ أقدـ العصور أنواعاً و أ كاالً
سردية سلتلفة ،وتعمن السرد اخلطاب اليومي والشعر وسلتلف اخلطابات اليت أنتجوىا.
- 1محيد حلميداين :بنية ادلص السردي من منظور النتد األديب ،ادلركز الثتايف العريب ،ادلغرب ،ط2000 ،3ـ ،ص.45
- 2زلمد سامل سعد ا﵁ :أطياؼ النص ،دراسات يف النتد اإلسالمي ادلعاصر ،جدار الكتاب العادلي ،د .ط ،2007 ،ص.151
- 3سعيد يتطُت :الكالـ واخلرب ،متدمة للسرد العريب ،ادلركز الثتايف العريب ،الدار البيعاي ،ط1997 ،1ـ ،ص.19
- 4ـ .ف ،ص.ف .
5
. المدخل :
دييز الشكالين الروسي "توماتشوفسكي" بُت منطُت من السرد ،سرد موضوعي وسرد ذاأ.
وىو زمن السرد الشائع يف الرواية ،وفيو يشَت الراوي إإ أنو يروي أحداأاً "وقعت" يف ماضي بعيد أو قريب.
يعرؼ بوث زاوية الرؤية بتولو "إننا متفتوف مجيعاً على أف زاوية الرؤية ىي دبعٌت من ادلعاين مستلة تتنية
1
ووسيلة من الوسائل لبلوغ غايات طموحو".
أي أف زاوية الرؤية متعلتة بالتتنية ادلستخدمة يف احلي والذي حيدد ىذه التتنية ىو الغاية اليت يرمي إليها
الكاتب ويشًتط أف تكوف طموحة للتتأَت على ادلروي لو.
وسنتعرض فيما يلي لزاوية الرؤية كما وضعها "جاف بويوف" ،رغم أف توما تشوفسكي يعترب أوؿ من قاـ
بتحديدىا.
- 1هيام شعباى :السرد الروائي في أعوال إبراهين ًصر هللا ،دار الكٌدي ،األردى ،2004 ،ص.80
T.TODORV: LES CATEGORIES DU RECIT .IN-LANALYSE - 2
STRUCTURALE DU RECT COMMUNICATION 8.SEUIL .1981.P147-148
ًقالً عي حويد لحويداًي:بٌية الٌض السردي ،ص.47
8
. المدخل :
يعد احلوار منطاً من أمناط التعبَت الفٍت ،وعنصراً ىاماً يشرؾ مع السرد والوصف يف بناي النص الروائي
وىو حديث "يدور بُت اأنُت على األقل ويتناوؿ ىت ادلوضوعات ،أو ىو كالـ يتع بُت األديب ونفسو
أو من ينزلو متاـ نفسو ...يفرض من اإلبانة عن ادلواقف والكشف عن خبايا النفس" ،1فاحلوار نوعُت،
احلوار اخلارجي (الديالوج) واحلوار اخلارجي (ادلونولوج) ،ويرى صلم عبد ا﵁ كاظم أف "التوفيق يف كتابو
احلوار من حيث أف يكوف متنعاً أو ال ،ومناسبة للشخصيات ادلتكلمة بو أانياً ،وإسهامو يف رسم
الشخصيات أالثاً ،وتوظيفو فيما ىو غَت ذلك رابعاً ،يستند على أالث ركائز ،األوإ مدى قدرة الكاتب
ومهارتو وحرفيتو يف الكتابة اإلبداعية بشكل عاـ ،وكتابة احلوار بشكل خاص ،والثانية حس ىذا الكاتب
الفٍت بشكل عاـ ذباه ربميل احلوار ىذه الوظيفة او تلك وفتاً دلا يؤديو للعمل ضمن عالقتو بالوسائل
والعناصر الفنية األخرى والثالثة عمل الكاتب على ربتيق ادلوائمة بُت احلوار وطبيعة الشخصيات وعدـ
2
تكلفة تكلفاً يتأ معو غَت متالئم معها ،خاصة ضمن الوضع واألجواي اليت يفرضها العمل".
ويشغل احلوار حيزاً ىاماً ،ويكتسب أمهية بفعل "وظيفتو الدرامية يف السرد وقدرتو على تكسَت رتابة
،3ما جيعلو قريباً من احلكي بعمَت الغائب الذي ظل يهيمن وال يزاؿ على أساليب الكتابة الروائية"
قلوب التراي ،كما يساعد ادلؤلف على كشف األحداث بسهولة.
- 1صلم عبد ا﵁ كاظم :مشكلة احلوار يف الرواية العربية ،إربد ،عامل الكتب احلديث ،األردف ،ط ،2007 ،1ص.9
- 2ـ .ف ،ص.89
- 3حسن حبراوي :بنية الشكل الروائي (الفعاي ،الزمن ،الشخصية) ،ادلركز الثتايف العريب ،الدار البيعاي ،ط.166 ،1990 ،1
10
. المدخل :
-تتكيد واقعية الرواية وترابطها فإذا تناوؿ احلوار أحداث ادلاضي أكد صفة ىذه األحداث خلق بينها
االنسجاـ ،وإذا تناوؿ ادلستتبل منح التارئ أداة االستشراؼ واحلكم على سَت الرواية ،1كما أنو
خيفف من رتابة السرد الطويل والذي قد يكوف مبعثاً للستـ وادللل وعلى الرغم من أمهيتو يف عملية
البناي السردي ،إال أنو ديكن أف يكوف عامالً يف إخفاؽ النص الروائي ،وذلك إذا مل حيسن الكاتب
توظيفو وفق قواعد وتتنيات زلددة.
-
ب -الػوصف :
،2ويبالغ جَتار "الوصف أسلوب استثنائي يتناوؿ ذكر األ ياي يف مظهرىا احلسي ويتدمها للعُت"
جنيت يف أمهية الوصف ،فالنص السردي عنده ال يتم إال على الوصف فهو يترر بداية أنو "ال وجود
لفعل منزه كلية عن الصدى الوصفي لذا نستطيع التوؿ بتف الوصف أكثر لزوماً للنص السردي ،ذلك
3
انو أسهل علينا أف نصف دوف أف ضلكي من أف ضلكي دوف أف نصف".
وقد درس جَتار جنيت طبيعة كل من السرد والوصف ،فوجد أنو من ادلمكن أف يكوف الوصف
خالصاً لكن من الصعب أف صلد سرداً خالصاً ،فإذا كاف "السرد يتعامل مع الزمن ،والوصف مع األ ياي
فإف الواقع الروائي ال ينهع وال يستتيم إال بإدخاؿ عنصر الوصف ركناً أساسياً يف تشكيل مفرداتو" ،4
فهو كل تعبَتي أساسي يف الرواية واستعمالو ينتج عنو رؤية جديدة للعمل الروائي.
وينهع الوصف بوظائف متعددة انو يف ذلك تف احلوار.
5
* وظـائف الـوصف :
11
. المدخل :
للوصف وظائف متعددة ربدد يف كل رواية ،ولكن ىناؾ وظائف عامة ديكن إجيازىا باآلأ :
12
. المدخل :
إال أف كثرة الوصف ديكن أف تنعكس سلباً على النص وتؤدي إإ ضعفو ،والسرد والوصف عمليتاف
متشاهبتاف ،يظهراف بواسطة متاطع كالمية ،لكن الفرؽ يف الوظيفة ،السرد يعمل على إعادة التتابع الزمٍت
لألحداث ،أما الوصف فيمثل موضوعات متزامنة ومتجاورة يف ادلكاف.
13
الفصل األول
-1مفهوم المكان.
14
بناء المكان وداللته الفصل األول
إف ادلكاف عنصر أساسي يف احلياة اإلنسانية ،فهو يوثق من صالت األنا بالعادل اخلارجي ،كما انو ػلتل
أعلية خاصة يف تشكيل العادل الروائي ورسم أبعاده ويعد " من أىم احملاور الروائية ادلؤثرة يف إبراز فكرة
الكاتب ،وربليل شخصياتو النفسية ألف إدراؾ اإلنساف للمكاف مباشر وحسي ،وصراعو معو ما ىو إال
تأكيد لذاتو ،وتأصيل ذلويتو ،فبقدر إحساس االنساف بادلكاف ،تكمن أعلية وجوده ،وال صلايف احلقيقة
إذا قلنا أف ادلكاف يضيق حبياة اإلنساف مثل الزماف سباماً ،ألف وجوده يف ادلكاف يستمر معو طواؿ عمره،
فال تكتسب الذات أعليتها إال من خالؿ تفاعلها مع ادلكاف ادلوجودة فيو" ،1فطبيعة ادلكاف ىي انعكاس
لشخصية اإلنساف ،وقد أخذت قضية ربديد مفهوـ ادلكاف خَتاً كبَتاً يف حديث ادلفكرين والفالسفة.
-1مفهوم المكان:
أ -لغة:
2
لقد ورد يف لساف العرب "ادلكاف" ،ادلوضع واجلمع كقذاؿ ،وأقذلة ،وأماكن صبع اجلمع".
ب -ادلفهوـ الفلسفي:
يستحضر "حسن الربيعي" يف كتاب ادلوسوـ بنظرية ادلكاف يف فلسفة ابن سينا صبلة من التعريفات ألىم
الفالسفة الغرب منها ما يأيت:
-أفالطوف يعرؼ ادلكاف " بأنو ما ػلوي األشياء ،ويتقبلها ويشكل هبا"
-أما الفيلسوؼ الرياضي "إقليدس" فادلكاف عنده ال ينبغي أف يكوف ذا ثالثة أبعاد ىي الطوؿ
والعرض والعمق".
-يف حُت يعترب "سبينوزا" و "مالَتاش" ادلكاف امتداد غَت متناه.
-أما العادلاف الفيزيائياف نيوتن وكالرؾ فإضافة إذل اعتبارعلا ادلكاف حا ٍو لألشياء كما عده
3
أفالطوف فإهنما يضيفاف إذل ىذا التعريف خصائص :الالتناىي ،األبدية ،القدـ ،وعدـ الفناء".
من خالؿ ىذه التعريفات نالحظ أف ىناؾ تناقضاً يف اآلراء ،فبينما يرى أفالطوف ونيوتن وكالرؾ بأف
ادلكاف زلدد ،فإف إقليدس وسبيتوزا ومادلَتاش ينفوف ىذه الصفة عن ادلكاف فهو امتداد غَت متناه.
- 1صبحية عودة زعرب :غساف كنفاين ،صباليات السرد يف اخلطاب الروائي ،دار رلدالوي ،عماف ،األردف ،ط ،2006 1ص.95
- 2ابن منظور :لساف العرب ،ج ،14ط ،1دار صادر ،بَتوت ،ص.113
- 3باديس فوغارل :ادلكاف والزماف يف الشعر اجلاىلي ،عادل الكتب احلديث ،جدارا للكتاب العادلي ،األردف ،ط ،2008 ،1ص.171
15
بناء المكان وداللته الفصل األول
اكتفى النقاد الكالسيكيوف يف اللغات الثالث باستخداـ كلمة ادلكاف Lieu/placeللداللة على
كل أنواع ادلكاف حيث دل يكن معٌت الفراغ دبفهومو احلديث قد نشأ بعد ،وبينما ضاؽ الفرنسيوف
دبحدودية كلمة Lieuادلوقع فبدأو يف استخداـ كلمة فراغ ( Locationبقعة) للتعبَت عن ادلكاف
1
احملدد لوقوع احلدث".
لكن النقد العريب دل ػلفل بو كعنصر أساسي من عناصر البناء الفٍت إال يف منتصف القرف العشرين
باستثناء الناقد ادلغريب ضبيد حلميداين الذي عرفو "ادلكاف ىو احليز ادلادي احملدد ادلفًتض الوجود أو
2
ادلوجود فعالً كإطار حلدث أو لعدة أحداث أو لعدة أحداث كالبيت والشارع أو ادلقهى أو الساحة"
كما صلد الناقد اجلزائري عبد ادلالك مرتاض الذي أواله أعلية يف العديد من دراساتو فيعرفو" :ىو كل ما
يف حيزاً جغرافياً حقيقياً ،من حيث انطلق اخلَت يف حد ذاتو على كل فضاء خرايف أو أسطوري أو كل ما
يند عن ادلكاف احملسوس كاخلطوط واألبعاد واألحجاـ واألثقاؿ واألشياء اجملسمة مثل األشجار واألهنار
3
وما يقود ىذه ادلظاىر احليزية من حركة أو تغَت"
يتفق كل من ضبيد حلميداين وعبد ادلالك مرتاض يف تعريفها للمكاف على أنو إطار زلدد ذبري فيو
األحداث.
وتعترب ترصبة غالب ىلسا "صباليات ادلكاف" لكتاب غاستوف باشالر " شعرية الفضاء" أوؿ دراسة
تتحدث عن ادلكاف ،وبالرغم من أف ىذه الدراسة قد فسحت اجملاؿ للتعريف أكثر هبذا ادلصطلح إال أهنا
أوقعت خلطاً بُت ادلكاف والفضاء ،ىذا األخَت الذي يعتربه شاكر النابلسي "أىم ادلظاىر اجلمالية يف
4
الرواية العربية ادلعاصرة ،شلا يستدعي االىتماـ بو وتقصيو ودراستو"
وقد اختلف الدارسوف العرب يف رؤيتهم إذل طبيعة العالقة بُت ادلكاف والفضاء ،فنجد أف حسن
حبراوي يرى أف الفضاء "ال يعيش منعزالً عن باقي عناصر السرد ،وإظلا يدخل يف عالقات متعددة مع
ادلكونات احلكائية األخرى" 5وىو بذلك يعادؿ بُت ادلكاف والفضاء ،أما ضبيد حلميداين فقد فرؽ بينهما
- 1سيزا قاسم :بناء الرواية (دراسة مقارنة يف ثالثية صليب زلفوظ) ،ص.102
- 2ضبيد حلميداين :بنية النص السردي من منظور النقد األديب ،ص.63
- 3عبد ادلالك مرتاض :ربليل اخلطاب السردي ،د .ـ .ج ،اجلزائر ،1995 ،ص.243
- 4شاكر النابلسي :صباليات ادلكاف يف الرواية العربية ،ادلؤسسة العربية للدراسات والنشر ،بَتوت ،ط ،1994 ،1ص.10
- 5حسن حبراوي :بنية الشكل الروائي (الفضاء ،الزمن ،الشخصية) ،ص.26
16
بناء المكان وداللته الفصل األول
واعترب ادلكاف جزءاً من الفضاء "إف رلموع ىذه األمكنة ىو ما يبدو منطقياً أف يطلق عليو اسم ،فضاء
الرواية ،ألنو أمشل وأوسع من معٌت ادلكاف.
وادلكاف هبذا ادلعٌت ىو مكوف الفضاء ،وما دامت األمكنة يف الروايات غالباً ما تكوف متعددة ،ومتفاوتة
1
فإف فضاء الرواية ىو الذي يلفها ،إنو العادل الواسع الذي يشمل رلموع األحداث الروائية".
وقد قسم ضبيد حلميداين الفضاء إذل:
-1الفضاء اجلغرايف :
وىو مقابل الدالرل:مكاف ،ويتولد عن طريق احلكي ذاتو ،إنو الفضاء الذي يتحرؾ فيو األبطاؿ أو
يفًتض أهنم يتحركوف فيو.
17
بناء المكان وداللته الفصل األول
الداللة الشاملة للعمل يف كليتو حىت وإف كاف التحليل ليس دبقدوره إدعاء تفسَت صبيع أسرار النص أو
1
كشف سلتلف مظاىره".
وسواء كانت العالقة بُت ادلكاف والفضاء ىي عالقة تشابو أو اختالؼ فال أحد ينكر ماذلا من أعلية يف
بناء النص الروائي.
-2المكان الروائي وأهميته في تشكيل الخطاب الروائي:
لقد ميز النقاد البنيويوف بُت ادلكاف الروائي وادلكاف الواقعي ،فادلكاف الواقعي ىو ادلكاف احلقيقي ادلوجود
خارج العادل الروائي التخيلي ،أما ادلكاف الروائي فهو ادلكاف ادلتخيل الذي يوجد داخل العادل الروائي
وىو ال يتشكل إال باللغة وعالماهتا "فالنص الروائي ؼللق عن طريق الكلمات مكاناً خيالياً فيو مقوماتو
2
اخلاصة وأبعاده ادلميزة".
ورغم التشابو أحياناً بُت ادلكاف الروائي والواقعي يف االسم والشكل يف بعض الروايات إال أهنما ال
يتطابقاف.
واالىتماـ النقدي بالبناء الروائي بدا متأخراً ،فهو دل يكن من ادلكونات الرئيسية للرواية وكاف جل
االىتماـ منصباً على الزمن ،إذل أف جاءت الرواية الواقعية "فقد كاف ربديد ادلكاف من السمات اليت
ميزت الرواية الواقعية ،حيث حددت العادل احلسي الذي تعيش فيو شخصياهتا ،وجسدتو ذبسيداً
مفصالً" 3بُت والرواية الواقعية وظفت ادلكاف وظيفتُت إحداىم إيهامية واألخرى تفسَتية فاألوذل تنقل
ادلتلقي إذل العادل التخيلي والثانية تساعد على فهم سَت األحداث والشخصيات وبالتارل أصبح ادلكاف
واحد من أىم عناصر النص السردي ،فهو بداية مسرح األحداث واإلطار الذي تدور فيو "وإذا كاف
جَتارجينت يفصل الزماف على ادلكاف يف تكوين النص السردي فإف وجود ادلكاف يعد إشارة ذات داللة
مهمة على مستوى بنية النص السردي عموماً" ،4ويرى شارؿ غيفر أف للمكاف أعلية كبَتة "فادلكاف
- 1إبراىيم عباس :تقنيات البنية السردية يف الرواية ادلغاربية ،منشورات ادلؤسسة الوطنية لالتصاؿ والنشر واإلشهار ،اجلزائر ،د.ط ،د ت،
ص.31
- 2سيزا قاسم :بناء الرواية ،ص.100
- 3ادلرجع نفسو ،ص.79
- 4ىيثم احلاج :الزمن النوعي وإشكاليات النوع السردي ،مؤسسة االنتشار العريب ،ط ،2008 ،1ص ،140ص .141
18
بناء المكان وداللته الفصل األول
الروائي ىو الذي يكتب القصة حىت قبل أف تسطرىا يد ادلؤلف" ،1ويؤكد ىنري مًتاف ىذا القوؿ" :بأف
2
ادلكاف ىو الذي يؤسس احلكي ،ألنو غلعل القصة ادلتخيلة ذات مظهر ماثل دلظهر احلقيقة".
ويف اإلطار نفسو حوؿ التأكيد على أعلية ادلكاف يرى حسن حبراوي أف "تعيُت ادلكاف يف الرواية ىو
البؤرة الضرورية اليت تدعم احلكي وتنهض بو يف كل عمل زبيلي" ،3فادلكاف ػلدد طبيعة الشخصيات
وإحداثيات ربركها ،ىذا ما جعل غاستوف باشالر يعترب أف العمل األديب "حُت يفتقد ادلكانية ،فهو يفقد
خصوصيتو وبالتارل أصالتو".4
ومن ىنا بدأت تظهر أعلية ادلكاف الروائي وذباوز النقد البنائي نظرتو التقليدية إذل ادلكاف بوصفو إطار
لألحداث إذل مكوف فعاؿ يؤثر ويتأثر يف باقي ادلكونات كالشخصية واحلدث ،وبظهور الرواية اجلديدة
مع آالف روب غرييو دل يعد رلرد إكسسوار ،بل أصبح يعرب عن حالة سردية ،غَت أف ىذه األعلية
تتفاوت من أديب إذل آخر ومن عمل آخر ،فالرواية العاطفية والسياسية واإليديولوجية تستغل ىذه
التقنية وفق حاجة ادلتلقي ،فحاجة ادلضموف إذل شكل يؤطره ىي اليت ربدد العناية بادلكاف "فإما أف تتم
العناية بادلكاف وإما أف تتضاءؿ أو تتخذ شكالً جديداً سلالفاً لألساليب السابقة يف الكتابة الروائية" ،5
فوفقاً دلضموف النص ورؤية الكاتب تتحدد أعلية حضور ادلكاف يف العمل األديب ،وىنا نطرح السؤاؿ ىل
سبت العناية بعنصر ادلكاف يف الرواية موضوع الدراسة؟ ىذا ما سنجيب عنو فيمايلي
19
بناء المكان وداللته الفصل األول
20
بناء المكان وداللته الفصل األول
()1
" وتناىى ارل وقع اقداـ ادلدينة ،ترقص شبلة تضرب االرض بكعبها
"وأحسست باالختناؽ وتراءت رل ادلدينة قادمة من بعيد تتهادى يف ثوهبا الشفاؼ" (.)2
وادلدينة دل ترد يف الرواية كمكاف لو أبعاد ىندسية أو كخريطة جغرافية على حد تعبَت يروي لوسباف ،وإظلا
كرمز ػلتاج من القارئ إذل جهد ومرجعية لفك شفراتو والوصوؿ إذل دالالتو "فالتالعب بصورة ادلكاف
يف الرواية ؽلكن استغاللو إذل أقصى احلدود ،فإسقاط احلالة الفكرية أو النفسية لألبطاؿ على احمليط الذي
يوجدوف فيو ،غلعل للمكاف داللة تفوؽ دوره ادلألوؼ كديكور أو كوسيط يؤطر األحداث ،إنو يتحوؿ يف
ىذه احلالة إذل زلور حقيقي ويقتحم عادل السرد زلرراً نفسو ىكذا من أغالؿ الوصف" (.)3
ويرد ادلكاف يف الوضعية السردية األوذل ،ألف السارد ػلتاج يف سرد حكاية من احلكايات إذل أف يضيف
مكاناً من األمكنة إذل زمن تلك احلكاية ،ويكاد تعيُت ادلوضع يرد يف الرواية بصفة دائمة منذ سطورىا
األوذل ،بل إنو لَتد يف الغالب ،يف أوؿ صبلة فيها" ( ،.)4وىكذا ورد يف ىذه الرواية فقد جاء كعنواف ألوؿ
()5
مقطع من مقاطعها الستة والثالثُت" ،أنا وادلدينة" .وباستنطاؽ النص يبدوا لنا فضاء ادلدينة مرادفاً
للموت ،واالهنيار ،مدينة كل شيء فيها دمار واضلالؿ ،ىي مدينة مومس تبيع نفسها لكل الناس ،وقد
عرب عنها الكاتب أحسن تعبَت حُت وصفها بادلومس.
" أيتها ادلدينة ادلومس
إذل مىت تفتحُت ...ذراعيك للبلهاء ..؟؟
إذل مىت ترضعُت احلمقى واألغبياء..؟؟
إذل مىت أيتها ادلدينة سبارسُت العهر جهاراً هناراً دوف حياء..؟
إذل مىت تعرش فوقك مفاتنك الطحالب ..الفئراف ..واخلنافس ..تعلي قصوراً..؟؟
21
بناء المكان وداللته الفصل األول
1
يا أيتها ادلدينة ادلومس!..
والكاتب ال يتواىن يف تطعيم النص دبفردات تكشف عن مدى االضلطاط الذي آلة إليو ادلدينة وقد صلح
على حد كبَت يف رسم ىذه الصورة "تقهقو ادلدينة يف مسعي...تتهادى أماـ بصري يف ثوهبا الشفاؼ..
يتصافح ثدياىا ..تدندف أغنيتها ادلفضلة" .2
أما األحذية العسكرية فقد اصطفت يف طابور طويل خلف ادلدينة إهنم يضاجعوهنا بالتناوب...وكاف
الغراب يعطي لكل حذاء أكمل شهوتو موزة ،أما السيد نعل أقصد لعن ،فكاف يأتيو إذل مكاف مريح
ليناـ"" ،3وىا ىي ادلدينة تنتهي إذل مومس تضاجعها األحذية يف اخلالء ويف وضح النهار وأماـ مرأى
ومسمع ادلئات وعلى رأسهم صبيعاً الغراب والسيد لعن ،ولكن دلاذا مسح الغراب والسيد لعن هبذه اجلرؽلة
4
النكراء".
وقد جاء ذكر الكاتب للمدينة يف رواية سرادؽ احللم والفجيعة يف أكثر من مائة موضع كارىاً للمدينة
وما آلت إليو من دمار وخراب شأنو يف ذلك شأف الروائيُت العرب والغربيُت مثالً غالب ىلسا "يعتربىا
مكاناً من أمكنة اللعانات الشيطانية ،وىذا االعتبار يذكرنا باعتبار دوستويفيسكي للمدينة اليت تعترب يف
عرفو عدوة لإلنساف ،كما أهنا عدوة للرواية ،حيث يستحيل فيها اإلنساف إذل ظللة تعيش يف أكواـ ىائلة
5
من النمل"
وقد ذبسدت مظاىر العنف والدمار عرب مقاطع الرواية ،اليت ازبذت من تقنية الوصف سبيال لذلك كما
ىو موضح يف ىذه ادلقتطفات:
" -جحافل الدود ادلثبور تغزو ادلدينة أمواجا..ربتل كل شرب فيها كل درب ..كل زقاؽ،كل
6
فناء..ادلبولة.غطي كل شيء يتسلق اجلدراف ...األسوار ...يلتهم األبواب"...
" -الرياح تصفر عرب اجلدراف ادلتهاوية ،ربمل نعيق الغراب ،وىو يرقص مع أتباعو أماـ ادلبولة يف
7
حضرة ادلدينة."...
-1الرواية /ص.11
- 2ـ ،ف ،ص،ف.
- 3الرواية.64 ،
- 4الرواية ،ص ،65ص.66
- 5شاكر النابلسي :صباليات ادلكاف يف الرواية العربية ،ص.14
- 6الرواية ،ص.51
- 7الرواية ،ص.55
22
بناء المكان وداللته الفصل األول
1
" -كل ادلنازؿ بال سقوؼ"...
" -ظهر الغراب والسيد لعن وعلا ػلمالف رشاشُت كبَتين ويطلقاف وابالً من الرصاص يدوي يف
2
الفضاء ،ويربؽ شلزقاً عتمة ادلكاف"...
" -فجز رأسو وضبلو من أذنو يتقاطر دماً ،مث غرس رزلاً يف حلقومو ورفعو إذل األعلى عند قمة
3
ادلبولة ...لَتاه الناس صبيعاً.
4
" -دل يعد الغراب وأتباعو يناموف ...بل يطوفوف الشوارع مدججُت باألسلحة ادلرعبة"
-فرغم أف مقاطع الوصف جاءت مقتضبة زبلو من تفصيل األحداث ،إال أف البنايات ادلتهاوية
واألسلحة ادلرعبة ،ومشاىد القتل كلها دالة على العنف يف ىذه ادلدينة
تقوؿ سيزا قاسم "غلب أف ننظر إذل الصورة ادلكانية يف الرواية – أي ذبسيد ادلكاف -ال على أهنا تشكيل
لألشكاؿ واأللواف فحسب ولكن على أهنا تشكيل غلمع مظاىر احملسوسات من أصوات ورائح وألواف
5
وأشكاؿ وظالؿ وملموسات ...اخل"
فحاسة الشم والسمع ؽلكن من خالذلما أف ػلقق الكاتب قدراً من اجلمالية للمكاف أو العكس،
فالكاتب جلا إذل حاسة الشم يف أكثر من وصف إلظهار قرفو وكراىيتو للمدينة.
" -وكانت روائح النتانة تتعرش خيشومي مستعرضة عضالهتا...زبتار مهطعة كل إحساس
6
لدي."...
" -والدخاف وحده سيد ادلوقف يهدي لألنوؼ روائح العفن والعطن ،يتموج على إيقاع الغراب
7
شلعناً يف تكرار أغنيتو ادلفضلة".
- 1الرواية ،ص.57
- 2الرواية ،ص.60
- 3الرواية ،ص.90
4الرواية ،ص.91
-5سيزا قاسم :بناء الرواية ،ص.107
- 6الرواية ،ص ،27ص.28
- 7الرواية ،ص.57
23
بناء المكان وداللته الفصل األول
" -لقد تشاهبت علي الدروب وادلسالك تضيق أو تتسع ،تعلوا أو تنخفض ،كلها تفوح برائحة
1
الكالب ادلشردة ،ادلبللة".
" -دل أشأ أف اقطع عليو طقوسو اليت وجدتو عليها ...دل أنبس بكلمة واحدة بل جلست هبدوء
2
تاـ رغم روائح العفن اليت كانت تنبعث من ادلكاف."...
" -بعد أف شاىدت الغراب يسعى من بعيد ضلو ادلبولة ،تنفست بعمق بعد أف كنت أكتم
أنفاسي منذ الصباح خشية أف أفقد وعيي من شدة النتانة ادلركزة اليت كانت تنبعث من
3
ادلكاف".
فالكاتب بلم يلجأ للموصف فقط ليبُت قرفو من ادلدينة وكرىو ذلا ،وإظلا جلا إذل حاسة الشم يف الكثَت
من أحداث الرواية.
كاف ىذا عن ادلدينة ادلومس ،مومس تبيح نفسها ألراذؿ الناس قبل سادهتم ،جسدت صورة االضلالؿ
والعنف بكل أبعاده ،مدينة فقدت معادلها اإلنسانية ،وأظهرت التدىور يف سلم القيم ،يف رلتمع أقل ما
ؽلكن أف يقاؿ عنو أنو رلتمع حيواين.
وكلما ضاقت مدينة احلاضر وساء حاذلا تبادؿ إذل ذىن الراوي صورة ادلدنية يف ادلاضي وما كانت عليو
من رقي وازدىار إهنا ادلدينة احللم "احلبيبة ف" ىي اجلزائر قبل العشرية السوداء ،قبل أف يسطَت عليها
حكاـ أراذؿ حولوا صورهتا وطمسوا ىويتها يصفها الكاتب قائال:
حسناء يا حبيبيت يا لوف الفرح والقمح الربي...
يا طعم الطفولة واحللم والليموف...
يا قامة الصفصاؼ وكربياء السرو...
يا نسيم ...الرباءة ...يا براءة النسيم...
.يا القوزح ..اجلوىر ...السر ...اللب...العمق ...الكنو
4
يا طعم زخات ادلطر الليموف ...األريج ...الشذى. ...
- 1الرواية ،ص.65
- 2الرواية ،ص.59
- 3الرواية ،ص.101
- 4الرواية ،ص.27
24
بناء المكان وداللته الفصل األول
ىذه ىي صورة اجلزائر قبل أف تدنسها أقداـ الغرباء ويسيطر عليها العنف االضلالؿ وعلى العموـ
فادلكاف يف الرواية يتعُت دبرحلتُت ،مرحلة ادلدينة ادلومس ،مرحلة احلبيبة ف.
-2الشػارع :
عن الشارع اليوـ ليس رلرد لفض بل أنو ال يوشك على التحوؿ إذل مفهوـ معقد ما تنفك معانيو
وداللتو تتعاظم وتتسع ،ووظائفو تتعدد وتتنوع ،حىت لكأنو خالصة للمدينة أو اختزاؿ للمجتمع،
فالسياسة ذبسم فيو إرادهتا ،وتفرض أيديولوجيتها وادلصنوعات إليو تنتهي والبنية الطبقية فيو تربز القيم
1
اجلمالية ومعايَت السلوؾ عامة تصطفو معرضاً ذلا".
لكنو ربوؿ بفعل العنف من مكاف حركة وتنقل دلزاولة احلياة "إذل مكاف للقهر وادلوت استطاعت الرواية
اجلزائرية ادلعاصرة نقل ىذه الصورة عن الشارع اجلزائري وىي تسجل تفاصيل ادلأساة ربوؿ اإلمساؾ
2
خبيوطو ادلتفرعة وادلتشابكة اليت وسطاً مناسباً الحتضاف العنف"
لينضاؼ الشارع ساحة أخرى للعنف الذي ال يكتفي دبكاف واحد.
" -وتراءت من بعيد سبالً فم الشارع كلو تشكل حلمة واحدة ترتفع معاً وتضرب األرض معاً زلدثتاً
3
زلزاالً عنيفاً ػلمل دالالت شديدة".
والرواية ال ربفل هبندسية أو جبغرافية الشارع ،فالراوي ال يقف عنده ويصفو وصفاً دقيقاً مثلما ىو احلاؿ
يف الرواية الواقعية ،لكنو يأيت يف إشارات خاطفة دوف وصف لكنو ػلمل دالالت.
" -دل اكن أقدر على ادلشي إال متعرجاً ...ملتوياً ...مًتضلاً ...قافزاً ىنا وىناؾ كانت الفضالت
4
سبأل الشارع ،أقصد التجويف".
" -قطعت الزقاؽ ىرولة ...عدواً ...قفزاً ...وثباً ...دخلت زقاقاً ...ذراعاً ...مث آخر كاف
5
ضيقاً كالدىليز ...كاف مظلماً."...
فتنقل الشخصية يعٍت أهنا ربكي عن مكاف ىي جزء منو ،كما أف الفضالت (الوسخ) والضيق صفتاف
زبربنا عن صورة ادلكاف االجتماعية ،والضيق يسمح لنا برصد سلتلف العالقات بُت األفراد ،لقد غَت
- 1عبد الصمد زايد :ادلكاف يف لرواية العربية ،الصورة والداللة ،دار زلمد علي ،تونس ،ط ،2003 ،1ص.90
- 2الشريف حبيلة :الرواية والعنف ،2010ص.38
- 3الرواية ،ص.93
- 4الرواية ،ص.27
- 5الرواية ،ص.67
25
بناء المكان وداللته الفصل األول
العنف وضيفة الشارع من أماكن لالنتقاؿ والعالقات إذل وظيفة ىي ضد ىويتو كما كاف ،فأصبح
مساحة للخوؼ وادلوت.
-3اجلػدار :
إف اجلدار رمز يشَت "إذل ادلانع الذي يقف يف وجو الشخصيات لتنفيذ الرغبات والطموحات،
1
وإخراجها إذل حيز الوجود".
ويف الرواية ورد ضمن النصوص التالية:
" -وأذف فيهم مؤذف الغراب فهرعوا ملبُت ينسلوف من كل فج عميق ...من ربت األرصفة من
عمق البالوعات ...من طمي ادلبولة البوالة...من تشققات اجلدراف اخلربة نعيق الغراب دعلٍت
2
موج عاصف قاصف حىت ارتطمت باجلدار ادلتهرئ."...
3
" -والرياح تصفر عرب جدراف البنايات ادلتهاوية ربمل نعيق الغراب."...
4
" -كل اجلدراف مضعضعة متهاوية والدخاف وحده سيد ادلوقف."...
5
" -اجلدراف تتضعضع ،تتزلزؿ ...تتهادى ...تتهاوى ...إذل البحػر."...:
6
" -ادلدينة خالية إال مٍت ودخاف راح يتسلق اجلدراف ادلهدمة كأين خارج للتو من معركة."...
-4البحػر :
،1البحر ىو قررت أف أذىب إذل البحر ..الذي ما زاؿ يتلوى كحية جبارة حشرت يف قارورة"...
الفضاء الرحب الذي ػلوي مشاكل الراوي ،فهو يعتربه الرفيق الذي يقاسم علوـ احلياة ،مالذه من ادلدينة
ادلومس ،كما يعرب عن تالطم ادلشاعر داخل الراوي كما تتالطم األمواج داخل البحر..
-5الصخػرة :
" -ال شيء ىناؾ غَت الصخرة الكبَتة وقد كثرت حوذلا احلشائش وتسلقتها من كل جانب،
فبدت خضراء كمزار ورل صاحل ،ما اشد الفرؽ بُت اخلصب والنماء ،2 ."...ىي مصدر األماف
- 1صبيحة عودة زعرب :غساف كنفاين ،صباليات السرد يف اخلطاب الروائي ،ص.194
- 2الرواية ،ص .42
- 3الرواية ،ص.55
- 4الرواية ،ص.57
- 5الرواية ،ص.59
- 6الرواية ،ص.65
26
بناء المكان وداللته الفصل األول
وداللة على الصمود والثبات والصرب وكانت مرقى الرسوؿ (ص) إذل السماوات يف حادثة اإلسراء
وادلعراج.
-6الشػالؿ :
" -البد أف أغادر ادلدينة اآلف ألتطهر ،سأقف الساعات الطواؿ ربت الشالؿ الضئيل ...وسأدع
ماءه يتسرب إذل عظامي ...غلب أف أبتل غلب أف
3
أرتوي."...
ػلمل داللة البقاء واستمرارية احلياة والطهارة من األخطاء والرذائل
ب -األماكن المغلقة:
-1ادلقهػى :لو تتبعنا تاريخ الرواية سواء يف الغرب أو العادل العريب لوجدنا ذلذا ادلكاف حضوراًكبَتاً وىذا
األمر ال يقتصر على الروايات الواقعية ،ولكن أيضاً يف الروايات اجلديدة "إف الرواية مثل "موديراتو
كانتبيل" دلارغاريت دورا يتحوؿ فيها ادلقهى إذل مسرح منفرد لألحداث ،حبيث يبدوا وكاف ىذه القصة
ال ؽلكن أف تتم إال دبوجود ادلقهى" .4
كما صلد أهنا قد لعبت دور البطولة يف أغلب روايات صليب زلفوظ "باعتباره ادلقهى يرمز إذل مصر كلها
ويعترب عالمة من عالمات االنفتاح االجتماعي والثقايف ،كما يعتربىا جَتار ليمَت مراكز.
-1الرواية ،ص65
-2الرواية ،ص76
-3الرواية ،ص92
-4ضبيد حلميداين :بنية النص السردي من منظور النقد األديب ،ص63
للتعبَت" ،1أي أهنا مراكز دلناقشة األمور السياسية احملظورة ،أما غالب ىلسا فادلقهي بالنسبة لو "ىو
مكاف األلفة والطمأنينة والقادـ إليو ىو إنساف ىارب من شيء يطارده معنوياً كاف أو مادياً" ،1وادلقاىي
2
يف اليمن واجلزيرة العربية دل تنتشر كثَتاً واجللوس فيها "مذمة أخالقية ال يليق بالناس احملًتمُت".
27
بناء المكان وداللته الفصل األول
وىكذا فإف دالالت ادلقهى قد تراوحت بُت اإلغلابية والسلبية وذلك حسب اجملتمعات ومرجعياهتا
االجتماعية والسياسية والثقافية ،فإذا كانت بالنسبة لنجيب زلفوظ رمزاً لالنفتاح االجتماعي وبالنسبة
جلَتار ليمَت منرباً دلناقشة القضايا الفكرية ،فإهنا يف بعض اجملتمعات رمز لتدىور القيم واضلطاط األخالؽ.
3
أما يف الرواية فقد ربوؿ إذل فضاء مغلق ػلمل داللة الركود والضياع والعجز عن التغيَت.
"فاالنغالؽ يف ادلكاف تعبَت عن العجز وعدـ القدرة على الفعل أو التفاعل مع العادل اخلارجي".
"دخلت مقهانا الشعبية ...دخاف يتصاعد من الزاوية يغزؿ أنوؼ ادلكومُت معتقداً أهنا مداخن،
السقف سبارس فيو العناكب ىوايتها ادلفضلة ..ىنا وىناؾ كرؤوس ماشية منحورة ،دل يثر ذلك يف نفسي
4
شيئاً جديداً قد غدت ىذه ادلناظر ادلقرفة روتينية تزرع الكوابيس يف أحالـ يقظيت.
فالراوي قد ألف ىذه الصورة السلبية ،مكاف دلدخنُت عاجزين عن تقدًن شيء للمجتمع ال حوؿ وال
قوة ذلم وال أدؿ على ذلك من تشبيهو ذلم برؤوس ماشية منحورة وىي داللة واضحة عن عجزىم
التاـ.
-2البيػت :
ؽلثل البيت فضاءاً مكانياً ىاماً يف حياة اإلنساف ،ومن مث يف النص الروائي ،تعيد إنتاجو الكتابة وفق رؤية
فكرية وصبالية يتبناىا الكاتب وػلملها روايتو ،إذا كاف البيت يف الواقع ملجأ الراحة واألمن واالطمئناف،
فإف كاف كذلك ،وإذل حقبة طويلة يف النص الروائي ،حافظ الروائيوف على صورتو الرومانسية واذلادئة
والربيئة كمكاف ػلتضن ذكريات ساكنيو ،ؽلثل رمزا لكل ما ىو صبيل وضبيمي ،وقد أولت الرواية اجلزائرية
أعلية كربى للبيت كعنصر صبارل ،وحيز مؤطر للشخصية واحلدث بادلفهوـ السردي" ،5فهو مكاف لألماف
واذلدوء ،مالذ للشخصيات من تعب يومها وؼلتلف عن غَته من األمكنة ادلغلقة" فاإلنساف ؽلارس فيو
حريتو كيفما شاء وأىن شاء ،حيث يتصرؼ على سجيتو دوف تكلف أو خوؼ أو حرج خالفا لألمكنة
ادلغلقة األخرى اليت تفرض قيودىا على اإلنساف ،والبيت ؽلثل مكانا لإلقامة االختيارية ،ألنو ػلمل صفة
28
بناء المكان وداللته الفصل األول
األلفة وانبعاث الدؼء العاطفي ذلذا يسعى اإلنساف إليو بإرادتو دوف قيد أو ضغط يقع عليو" ،1إال انو
ؽلكن أف يتحوؿ بفعل الظروؼ إذل مكاف للخوؼ والعنف متلبساً بكل التحوالت اليت طرأت على
اجملتمع وكذلك ورد يف الرواية ،من مالذ للشخصية لًتتاح من تعب يومها ،إذل مكاف للخوؼ يف زمن
استبيحت فيو حرمة البيوت "تدذل قليب حىت أمعائي ىلعاً وراح يتأرجح كبندوؿ الساعة ...أعادتٍت
2
صدمة اخلوؼ إذل وعي."...
وقد دؿ وصف الكاتب للبيت داللة واضحة على احلالة ادلزرية اليت كانت عليها "فجأة توىج نور يف
ادلخدع ..هتاوى الظالـ منهزماً ؼلتفي بُت فجوات اجلدراف ..ارسبيت فوؽ حصَت باؿ قرضت الفئراف
جزءاً منو...ابتعد قليالً واتكأ على صندوؽ طلر يتهالك قرب اجلدار ...سكت حلظة يتأمل السقف
3
ادلتهرئ ،شققت الباب ادلمزؽ ...
فأثاث احلجرة كاف يف حالة يرثى ذلا حصَت باؿ قرضت الفئراف جزءاً منو ،وصندوؽ طلر يف زاويتها،
وباب شلزؽ ،باذل الفجوات والشقوؽ ادلوجودة يف اجلدار وكذلك السقف ادلتهرئ،
فكيف ال يسلب األماف واالستقرار من حجرة هبذه ادلواصفات ،مكاف كاف األحرى بو أف يكوف رمزاً
للهدوء واالستقرار.
-3السجػن :
ػلمل داللة سلبية بوصفو مكاناً مغلقاً يأسر حرية الفرد ويقيد نشاطو.
" -جاؿ الغراب بنوافذ فوؽ الرؤوس ..تأمل ادلبولة تفغر فاىا ضاحكة يف بالىة ..تأمل جدا
4
السجن يعلو شاسلاً...تتناىى من خلفو أنات مبهمات"...
5
" -جبوارىا كاف السجن يقف شامخ السرادؽ مزيناً باألسالؾ الشائكة".
6
" -بادلناسبة ىذا السجن أعلى سرادقو الغراب."...
7
" -ىل يقبعوف اآلف يف اجلن خلف ىذه اجلدراف ادلنيعة والسرادؽ ادلتعالية."...
- 1حفيظة أضبد :بنية اخلطاب يف الرواية النسائية الفلسطينية ،منشورات اوغاريث الثقايف ،راـ اهلل ،فلسطُت ،ط ،2007 ،1ص .134
- 2الرواية ،ص.23
- 3الرواية ،ص...23ص.25
- 4الرواية ،ص.15
- 5الرواية ،ص.31
- 6الرواية ،ص.32
- 7الرواية ،ص.49 ،48
29
بناء المكان وداللته الفصل األول
من خالؿ ىذه الدراسة اإلحصائية يتضح أف ادلدينة ىي ادلكاف الرئيس ػلمل داللة العنف ادلمارس
عليو يف العشرية السوداء ،كما صلد أف دالالت بعض األمكنة جاءت مغايرة ومناقضة لدالالهتا األصلية
وخالصة القوؿ أف ادلكاف يف الرواية جاء انعكاسا للواقع ادلعيش خالؿ ىذه الفًتة .
30
الفصل الثاني
بناء الزمن
-2الزمن في الرواية.
33
بناء الزمن الفصل الثاني
ويف ىذا الصدد يرى "عبد العزيز صلم (ليبيا) أف الزمن قادر على العيش يف الصَتورة ،كما صلد
1
ادلسعودي يطالب حبذفو من احلياة أنو أوجد احلركة واحلركة تولد الفناء ،وبالتايل غلب التخلص منو".
فرأي ادلسعودي وعبد العزيز صلم يعد امتداداً لرأي أفالطوف الذي يرى أف الزمن يطمس ىوية األشياء.
رغم إثارة الفالسفة ادلنظروف حوؿ سلبية الزمن إال أف ىناؾ من أكد على أعليتو وحيويتو و منهم صلد
الفيلسوؼ برغسوف Bergsonالذي يرى يف حركة األشياء وربوذلا إغلابياً ألف ذلك يساعد الفكر
على التغيَت ،فتغيَت الوجود يالزمو بالضرورة تغَت الفكر والعكس صحيح ،فإذا كاف الوجود ساكناً
فسيؤدي ذلك حتماً إىل صبود الفكر ،ولذلك يؤكد برغسوف "أف ال فكر إال ما اتصل باألشياء كعناصر
متحولة ،ففي ىذا التحوؿ زبًتع األشياء نفسها باستمرار" ،2وقد ػليلنا قوؿ برغسوف إىل قضية أخرى
ىي عالقة الفكر بالزماف ،حيث أف األشياء ال ؽلكن أف ربقق وجودىا إال عرب العملية التفكَتية ،وىذا
ما أكده رينيو ديكارت Rene Decartsحينما أكد أف "عملية التفكَت تعتمد على مبدأين أوذلما
أف الفكر ال يتم إال ضمن حدود أوىل ىي ادلطلق واألبد ،وثانيهما أف يكوف موضوع التفكَت شيئاً سللوقاً
ابتدأ يف حلظة ما ،ولو هناية يف حلظة ما ،وبذلك يربز الزمن التارؼلي أي زمن األشياء ،إال أنو ال يظهر إال
كلما سبثلو عملية التفكَت ،أي انو ال استمرار لو ،ألف حلظة التفكَت ال تدوـ إال على قدر ما يدوـ
3
التفكَت".
وبالتايل فالعالقة بُت الزماف والفكر ىي عالقة وطيدة يكمل أحدعلا اآلخر.
وىناؾ عالقة أخرى ال تقل أعلية وىي عالقة ادلكاف بالزماف فهما مرتبطاف ببعضهما ارتباطاً وثيقاً
فالزماف يدؿ على توايل إحساساتنا وإدراكاتنا يف موقع واحد من ادلكاف دبعٌت أف كالً من ادلقولتُت(الزماف
وادلكاف) ترتكز يف تصورىا ارتكازاً أساسياً على األخرى ،فتغَت الزماف يؤدي إىل تغَت ادلكاف .ويرى ماىر
عبد القادر أف الفرؽ بُت الزماف وادلكاف يكمن يف أف "العالقة األساسية للمكاف ىي التجاوز ،وأما البنية
للزماف فإف العالقة األساسية لو ىي التتابع" .4
فعالقة التجاوز تنشأ عن وضع شيء جبانب آخر ،أما التتابع فتنشأ عن تتبع الواحدة منها األخرى.
34
بناء الزمن الفصل الثاني
إف تباين مواقف الفالسفة وادلفكرين من مقولة الزمن ال ينعكس على دورىا اإلغلايب يف حياة البشر
قدؽلاً وحديثاً "فقد كاف الزمن عند بعض العرب يعبد ،وإف كاف ادلعبود عندىم ليس الزمن اجملرد ،وإظلا يتم
استمداده من قوة الشمس وسطوهتا – فقد كانت الشمس – وىي كما نعلم مظهر زماين وآلية من
آلياتو اجلوىرية مصدر عبادة لبعض القبائل العربية" ،1وإف دؿ على شيء فإنو يدؿ على قداستو
وأعليتو عند العرب قاطبة وال أدؿ على ذلك من إقسامو تبارؾ وتعاىل يف كتابو العزيز:
()3
ﻭﺍﻟﺸﻔﻊ ﻭﺍﻟﻭﺘﺭ ()2
ﻭﻟﻴﺍﻝ ﻋﺸﺭ ()1
﴿ ﻭﺍﻟﻔﺠﺭ
2
ﻭﺍﻟﻟﻴﻝ ﺇﺫﺍ ﻴﺴﺭ(.﴾)4
3
ﻭﺍﻟقمر ﺇﺫﺍ تالها(.﴾)2 ()1
﴿ ﻭﺍﻟﺸمس ﻭضحاها
4
ﺇﺫﺍ سﺠى(.﴾)2 ﻭﺍﻟلﻴل ()1
﴿ ﻭﺍﻟضحى
5
﴾. ()2
خﺴر ﺇن ﺍإلنﺴان ﻟﻔي ()1
﴿ ﻭﺍﻟﻌصر
كما أف تباين اآلراء ساعد على (فهم) ظهور دالالت سلتلفة للزمن حسب اجملاؿ الذي ينطبق عليو.
"إف مقولة الزمن متعددة اجملاالت ويعطيها كل رلاؿ داللة خاصة ويتناوذلا بأبوابو اليت يصوغها يف حقلو
الفكري والنظري" ،6فكل ميداف معريف تناوذلا بأدوات ربليلية تتناسب وطبيعتو والغة األـ "ىي أىم
اجملاالت اليت يظهر فيها الزمن بصفة جلية ،غَت أف الفهم التقليدي اختزذلا يف أقساـ الفعل ادلطابقة للزمن
7
الفيزيائي وىي ادلاضي واحلاضر وادلستقبل".
شلا جعل األدباء ادلعاصرين يتجاوزوف ىذا الفهم دبا أنو ال يستوعب اخلربات اإلنسانية صبيعاً واعتمدوا
منهج تيار الوعي لتشكيل تصورىم ،فتجزأ الزمن وتولت الشخصية احلكائية مسؤولية سبثيل وحدة النص
من خالؿ حاالهتا النفسية ،لذا ؽلكن القوؿ إف األدب الذي وسيلتو اللغة وموضوعو التجربة اإلنسانية "
8
استطاع أف يعطي للزمن إمكانيات الظهور يف صورة سلتلفة ،يشارؾ بفاعلية يف بناء األشكاؿ األدبية".
وكلما زادت ذبارب الكاتب يف احلياة زاد وعيو بالزمن وذلك ينعكس بالضرورة يف نصوصو األدبية.
-2الزمن في الرواية:
كاف الزمن وال يزاؿ حىت اآلف عنصراً ىاماً يف الرواية ،فهو زلورىا الذي يستند كامل عناصرىا ومركز
االستقطاب دبا لو من فاعلية صبالية وفنية من شأهنا أف تبلور شعرية النص األديب "فعالقتها بو عالقة
مزدوجة فهي تتشكل يف داخل الزمن ،ومن مث يصاغ الزمن يف داخلها ،ويقدمها عن طريق اللغة ادلشحونة
1
بإشعاعات فكرية وعاطفية" ،والفن الروائي فن زماين بالدرجة األوىل "إذ ال ؽلكن أف نتصور أحداثاً
2
ذبري خارج الزمن وال شخصيات متفاعلة مع زليطها خارج الزمن أيضاً".
ومن ىنا اكتسب الزمن مكاناً مهماً يف الدراسات النقدية ،نظراً لكونو بنية خطَتة يف تأسيس العمل
الروائي وبات دبثابة الروح للجسد نشعر هبا وال نراىا ،السبب الذي جعل الدكتورة سيزا قاسم "تصفو
3
كأوؿ عنصر يستحق االىتماـ ألف طبيعتو ىي األكثر فعالية يف تشكيل الرواية وبنائها".
كما أعترب دبثابة "اذليكل الذي تشيد فوقو الرواية" ،4قد أشار ىنري جيمس أيضاً إىل صعوبة تناوؿ
عنصر الزمن وأعليتو يف البناء الروائي ويرى "أف اجلانب الذي يستدعي أكرب قدر من عناية الروائي
5
(اجلانب األكثر صعوبة وخطورة) -ىو كيفية ذبسيد اإلحساس بالدؽلومة وبالزواؿ وتراكم الزمن".
وإذا كانت وقائع احلياة خاضعة دلختلف احلتميات الزمنية فإف الرواية ال زبضع دلثل ىذه الصرامة،
فالزمن يعيش نوعاً من احلرية داخل النص األديب يوظفو حسب مقتضيات البناء العاـ للرواية ،فبينما
أولت الرواية التقليدية اليت ظهرت يف القرف التاسع عشر اىتماما بالتسلسل الزمٍت الطبيعي والواقعي
للزمن ،وكذا الروايات القدؽلة اليت تركز على مغامرات بطل أو رلموعة من األبطاؿ ،فإف الرواية اجلديدة
ليست مقيدة هبذا لتسلسل ،فالروائيوف اجلدد حطموا قداسة تسلسل األحداث.
ويعلق سعيد يقطُت بأف الرواية اجلديدة حسب ما قدمو من آالف روب غربية "تقوـ على إنكار التماثل
بُت الزمن الروائي والزمن الواقعي ،فال زمن إال احلاضر زمن اخلطاب الروائي ،هبذه الطريقة ػلطم التصور
- 1صبحية عودة زعرب :غساف كنفاين صباليات السرد يف اخلطاب الروائي ص.61
- 2حلسن مزدور :مقارنة سينمائية يف الشعر والرواية ،مكتبة اآلداب ،األردف ،ط ،2005 ،1ص.90
- 3سيزا قاسم :بناء الرواية (دراسة مقارنة يف ثالثية صليب زلفوظ) ،ص.34
- 4ـ .ف ،ص .ف.
- 5ـ.ف ،ص .ف.
36
بناء الزمن الفصل الثاني
الذي ساد يف الرواية حىت القرف التاسع عشر فلم يعد تسلسل الزمن ذا أعلية يف البناء الروائي ،وأصبح
1
حاضراً مرتبطاً حبركة األشياء".
فالرواية ادلعاصرة أولت اىتماماً باحلاضر ،ازبذت من ىذه الشخصيات منطلقاً لتسًتجع ادلاضي عرب
الذاكرة ومنو تستشرؼ مستقبلها وكانت رواية تيار الوعي األكثر توظيفاً للحاضر فيعتمد تارة إىل ادلاضي
وأخرى إىل ادلستقبل.
والزمن مل يعد عنصراً من عناصر الرواية كما يف الروايات التقليدية بل أصبح
يف الروايات ادلعاصرة موضوعها الرئيس ،حىت أف ىناؾ بعض النقاد قد أطلقوا على ىذه الروايات "رواية
الزمن" مثل جَتارجينت الذي اعترب رواية مارسيل بروست ،البحث عن الزمن الضائع رواية زمن دلا ربملو
من وعي خاص بالزمن وسبثل أحسن صورة تتداخل فيها حلظات احلاضر وادلاضي وادلستقل.
وإذا كاف الروائيوف األوائل مل يولوا الزمن االىتماـ الالئق بو بوصفو عنصراً من أىم العناصر اليت تدخل
يف تشكيل البنية الروائية ،فإنو مع الروايات ادلعاصرة اليت ضبل لوائها غساف كنفاين وزلمد برادة ،وواسيٍت
األعرج ،وأحالـ مستغاظلي وغَتىم كثَتوف ،بدأت تتجلى مظاىر الزمن األديب بروعتو.
-3آراء النقاد حول الزمن الروائي وأقسامه:
انشغل النقاد بالزمن ،وتواترت الكتابات النقدية عنو لتحديد مفهومو وأقسامو ،وبسبب اختالؼ
ادلنطلقات النظرية ،تعددت ادلفاىيم واألقساـ ،وميز النقاد بُت زمنُت داخلي وخارجي.
الزمن اخلارجي يوجد خارج النص الروائي التخيلي ولكنو على عالقة معو ويرى مندوال أف الزمن
2
اخلارجي يتمثل يف ثالثة أزمنة:
-1زمن القػارئ :
ويقصد بو وضع القارئ بالنسبة للفًتة الزمنية اليت يقرأ عنها يف الرواية.
-2زمػن الكتػاب :
ويقصد بو وضع الكاتب بالنسبة للفًتة الزمنية اليت يكتب عنها يف الرواية.
-3زمػن موضػوع الػرواية :
37
بناء الزمن الفصل الثاني
وىو تاريخ وإطار زمٍت ؼلصاف موضوع الرواية الذي قد يكوف معاصراً للكاتب أو تارؼلاً أو قد يعاًف
ادلستقبل وقد يصبح تارؼلياً مع الزمن ،ويغيب يف احلاضر بعد أف كتبو الكاتب عن أحداث معاصرة لو
وقد يكوف مزغلاً من زمن تارؼلي وزمن معاصر.
ويتفق تودورؼ مع مندوال يف تقسيمو لألزمنة اخلارجية ويذكر ثالثة أزمنة ىي "زمن الكاتب أي ادلرحلة
الثقافية واألنظمة التمثيلية اليت ينتمي إىل ادلؤلف ،وزمن القارئ ،وىو ادلسئوؿ عن التغَتات اجلديدة اليت
1
تعطى ألعماؿ ادلاضي ،وأخَتا الزمن التارؼلي ،ويظهر يف عالقة التخيل بالواقع".
أما الزمن الداخلي الذي يوجد داخل اخلطاب الروائي فيتجلى يف ثالثة أنواع :2 .حسب مندوال:
-ادلدة الكرونولوجية للقراءة :
وىي مقدار الزمن زلدداً بالساعة الذي يستغرقو ادلتلقي يف قراءة الرواية.
-ادلدة الكرونولوجية للكتاب :
وىي عدد الساعات اليت يستغرقها ادلؤلف يف كتابة روايتو.
-ادلدة الكرونولوجية دلوضوع الرواية:
اليت تتعلق بالزمن الذي وقعت خاللو أحداث القصة ،لذا يفضل استعماؿ عبارة الزمن القصصي للمدة
األخَتة.
وقسم ميشاؿ بوتور الزمن الروائي الداخلي إىل زمن ادلغامرة ،وزمن الكتابة ،زمن القراءة ،ويرى أف ىناؾ
تفاوتاً بُت ىذه األزمنة ،فيمكن أف يقدـ الروائي خالصة ألحداث وقعت يف سنتُت (زمن ادلغامرة) ،وردبا
استغرؽ يف كتابتها ساعتُت (زمن الكتابة) بينما تقرأ يف دقيقتُت (زمن القراءة) ،وال ؼلتلف تودروؼ كثَتاً
عن ىذه الرؤية فهو يرى أف ىناؾ ثالثة أصناؼ من األزمنة داخل الرواية وىي زمن القصة أي الزمن
اخلاص بالعامل التخيلي ،وزمن الكتابة أو السرد وىو مرتبط بعملية التلفظ ،مث زمن القراءة أي ذلك الزمن
3
الضروري لقراءة النص الروائي".
مل ؽلنح النقاد السيما البنيويوف ،الزمن اخلارجي اىتماماً كبَتاً ،وإظلا وجهوا اهتاماهتم إىل دارسة الزمن
الداخلي ،وقد تناوؿ النقاد البنيويوف الزمن الداخلي ،يف دراساهتم للخطاب الروائي ،ضمن ثنائية
طوروىا عن أسالفهم الشكالنيُت الروس ،الذين كانوا من أوائل النقاد الذين اىتموا بدراسة الزمن يف
38
بناء الزمن الفصل الثاني
الرواية "وكاف الشكالنيوف الروس قد بدأو يف وضع أسس دراسة الزمن وربليلو يف العشرينيات من ىذا
القرف ،غَت أف البدايات وئدت عند الروس دلا لقيت مدرسة الشكليُت الروس من رفض وانتقاد
سياسي ،1"...ومل تتطور أعماؿ الشكالنُت الروس ألهنا مل تًتجم إىل لفرنسية واإلصلليزية وحىت األعماؿ
ادلًتصبة قليلة جدا استفاد منها النقد البنائي يف الستينات ،شلا أسهم يف زيادة االىتماـ بعنصر الزمن يف
الرواية.
ودرس الشكالنيوف الروس الزمن الداخلي من خالؿ ادلقابلة بُت "ادلنت احلكائي وادلبٌت احلكائي حيث
نبهوا إىل أف شبة سبايز بُت ظلطُت من الًتتيب الزمٍت يف العمل الروائي ،احدعلا يربز على مستوى ادلنت
احلكائي وؼلضع دلبدأ السببية ويدؿ على التتابع الزمٍت لألحداث ،كما يفًتض وجودىا يف الواقع و
ثانيهما يربز على مستوى ادلبٌت احلكائي ،وال يراعي أي سببية داخلية" ،2وقد أعطوا عناية
خاصة للدور الذي يقوـ بو الزمن يف تركيب العمل الروائي ،أي زماف ادلبٌت احلكائي( ،اخلطاب) ،أما
زماف ادلنت احلكائي (القصة) فلم ػلظ باىتماـ كبَت من طرفهم.
وقد اعتمد تودروؼ على جوىر الثنائية الزمنية(ادلنت احلكائي وادلبٌت احلكائي) وقسم الزمن الروائي إىل
زمن التخيل(القصة) وزمن اخلطاب(وزمن السرد) وبُت أف العالقات القائمة بُت الزمنُت تنبٍت على ثالثة
زلاور ىي:
-1النظػاـ :
وفيو تبدوا استحالة التوازي بُت زمن اخلطاب أحادي البعد ،وزمن القصة ادلتعددة األبعاد ،وىذا يؤدي
كما يرى تودروؼ إىل خلط زمٍت ػلدث مفارقات زمنية على خط السرد تتمثل يف اإلسًتجاعات أو
العودة إىل الوراء واالستقباالت أو اإلستباقات.
-2ادلػدة :
وقد تتسع أو تتقلص ،فينتج عن ذلك أربعة حركات سردية ،ليس من ادلمكن قياسها ،وىي الوقفة أو
تعليق الزمن واحلذؼ والتلخيص وادلشهد.
-3الػتواتر :
39
بناء الزمن الفصل الثاني
وؼلص طريقة احلكي اليت ؼلتارىا الكاتب لسرد الروائي وينقسم إىل ثالثة أنواع نفرد ومكرر ومؤلف
ويتفق جَتارجينيت مع تودروؼ يف مالحظاتو عن العالقات اليت تربط زمن القصة بزمن اخلطاب ولكن
1
"جينيت يستخدـ مصطلح زمن القصة وزمن احلكي".
وصفوة القوؿ أف النقاد البنيويُت يكادوف يتشاهبوف يف التنظَت ألقساـ الزمن الروائي فهم يتفقوف أف الزمن
الروائي ؽلكن تقسيمو إىل زمن القصة/زمن اخلطاب أو السرد.
- 1جَتار جينيت :خطاب احلكاية ،حبث يف ادلنهج ،ترصبة زلمد معتصم ،عبد اجلليل األزدي ،عمر احللي ،منشورات اإلختالؼ ،د،
ط ،د ،ت ،ص.45
40
بناء الزمن الفصل الثاني
42
بناء الزمن الفصل الثاني
43
بناء الزمن الفصل الثاني
زمن القصة
44
بناء الزمن الفصل الثاني
1
أ -4ب -5ج -3د-2ىػ 1وىذا يقربنا بعض التقريب من حركة عكسية بانتظاـ".
من خالؿ ادلثاؿ الذي قدمو جَتار جنيت ندرؾ أف ادلفارقة الزمنية ليست من ابتكار البنائيُت وإظلا
ليست حديثة العهد وإظلا تعد أحد ادلوارد التقليدية للسرد األديب.
ومن اإلمكانات اليت يتيحها التالعب بالنظاـ الزمٍت"إمكانية استباؽ األحداث يف السرد حبيث بتعرؼ
القارئ إىل وقائع قبل أواف حدوثها الطبيعي يف زمن القصة
وىكذا فإف ادلفارقة إما أف تكوف اسًتجاعاً ألحداث ماضية ،Rétrospectionأو تكوف استباقاً
2
ألحداث الحقة "Anticipation
وميز جَتار جنيت بُت زمن القصة وزمن اخلطاب وحبث يف ضروب التطابق االختالؼ بينهما من
خالؿ مقوليت النظاـ والدؽلومة.
-1النظػاـ :
أ /االسًتجاع ANALEPSIS – ANALEPSE :
ؽلثل االسًتجاع تقنية زمنية يستطيع السارد من خالذلا العودة إىل زمن سابق ،مرت بو ذاكرتو "وىو
،3ويشكل كل سلالفة لسَت السرد تقوـ على عودة الراوي إىل حدث سابق وىو عكس االستباؽ "
4
اسًتجاع بالقياس للحكاية اليت ينتمي إليها حكاية ثانية زمنياً تابعة لألوىل" ،أما وظيفتو فهي غالباً
تفسَتية ،تسلط الضوء على ما فات أو غمض من حياة الشخصية يف ادلاضي أو ما وقع ذلا خالؿ
5
غياهبا عن السرد ،وىو أنواع :خارجي وداخلي وجزئي وتاـ وسلتلط.
45
بناء الزمن الفصل الثاني
ىو ذاؾ الذي يستعيد أحداثاً تعود إىل ما قبل بداية احلكاية" ،1ويوشك يف أي حلظة أف يتداخل مع
احلكاية األوىل ،ألف وظيفتو الوحيدة ىي إكماؿ احلكاية األوىل عن طريق تنوير القارئ خبصوص ىذه
السابقة أو تلك" ،2كما أف الكاتب يلجا إليو دلأل فراغ زمٍت تساعد على فهم مسار األحداث ،أو
عند ظهور شخصية جديدة للتعرؼ على ماضيها وطبيعة عالقاهتا بالشخصيات األخرى" .3
لقد وجدت الرواية يف االسًتجاع اخلارجي وسيلة سبكنو من ذباوز ضيق مساحة الفًتة الزمنية ،فالزمن
الروائي الضيق يشكل عقبة كبَتة أماـ الرواية ال ؽلكن ذباوزىا إال من خالؿ اسًتجاع ادلاضي إذ "كلما
4
ضاؽ الزمن الروائي شغل االسًتجاع حيزاًكبَتاً من الرواية".
والزمن الروائي ىنا ال يتعدى أربعة أياـ بلياليها ،مل يشر إليها الراوي صراحة ،لكنها تفهم من خالؿ
اإلشارات الزمنية (الشمس ،الفجر ،النهار) ،الواردة يف النص الروائي.
5
" انطفأت الشمس الشاحبة ادلريضة ،وجاءت الثعالب من أقصى ادلدينة تسعى"...
6
" استوت الشمس على عرش الزماف"...
7
" الشمس شاحبة تكاد تنطفئ"...
8
" عدت إىل ادلدينة مع ذبشؤ الفجر"...
9
" وىا ىو النهار يأأ الىثاً"...
10
" حُت أذف النهار على االنقضاء قمنا"...
يوـ(من ص ...1ص.)35 -انطفأت الشمس الشاحبة ادلريضة(/صباح ،مساء)
يوـ( من -استوت الشمس على عرش السماء ،الشمس شاحبة تكاد تنطفئ (صباح ،مساء)
ص...49ص.)55
46
بناء الزمن الفصل الثاني
-عدت على ادلدينة مع ذبشؤ الفجر ،وىا ىو النهار يأأ على آخره الىثاً(صباح،مساء) يوـ(ص
...84ص.)101
يوـ(ص ...101ص.)118 -حُت أذف النهار على االنقضاء قمنا(صباح ،مساء)
استخدمت الرواية االسًتجاع اخلارجي إلعطاء معلومات عن الشخصيات الروائية ،وعالقاهتا ببعض
"وىل تذكرين يا حبيبيت البيضاء ثلجاً ...العذبة فراتاً ...ادللساء حجازاً ...الشاسلة سندياناً؟؟ ىل
تذكرين حُت كنا نسَت أنا وأنيت صامتُت أمسك يسراؾ حبرارة األوردة
وال شيء غَت زخات ادلطر تتناثر فوؽ جسدينا كالفرح" " ،1حدثتك طويالً وظللت صامتاً ،" ...يف
حضرتك يا درويشيت..
أمارس طقوس احللوؿ ...كنا جسداً واحداً يا أنا فصرت نصف جسد...
ِ
وضللت صامتة كاآلذلة" .2 خانٍت الكالـ
من خالؿ ىذه اإلسًتجاعات ،يبدو جلياً أف الشاىد يف حالة شوؽ حلبيبتو،فهو يتذكر أيامو اخلوايل
معها ،يف مقطع وصفي يفيض بالشعرية ،كما انو ػلس حبالة من الفراغ والوحدة ،فحاالت احلزف
والضيق تستدعي أياماً استعذب اإلنساف فيها احلياة ،إضافة إىل أف ىذا االسًتجاع قد بُت لنا العالقة
القائمة بُت الشاىد وحبيبتو ،من خالؿ ذكرياتو معها.
"وؽلكن أف يأأ االسًتجاع اخلارجي قائماً على التذكر اللفظي دوظلا اضطرار إىل ذكر أحداث بشكل
تفصيلي" ،3ومثاؿ ذلك "وتذكرهتم ...عسل النحل ونور الشمس ،وشذى الزىر وسناف الرمح واألمسر
ذو العيٍت العسليتُت" ،4 "...أين الذين كنت أراىم بل وأسامرىم يف بعض األحياف ...األمسر ذو العينُت
العسليتُت ،وعسل النحل ،ونور الشمس...؟".5
رغم أف ىذه اإلسًتجاعات اخلارجية ،قد جاءت مقتضبة ،زبلو من أي تفصيل يف األحداث إال أننا
نستطيع من خالذلا ربديد العالقة بُت الشاىد وعسل احلل وشذى الزىور ونور الشمس...
- 1الرواية ،ص.26
- 2الرواية ،ص ،46ص.47
- 3زلمد علي الشوابكة :السرد ادلطر يف رواية النهايات لعبد الرضبن منيف ،البنية والداللة ،ص.71
- 4الرواية ،ص.32
- 5الرواية ،ص.48
47
بناء الزمن الفصل الثاني
اإلسًتجاعات مل تظهر بشكل متصل ومتسلسل وإظلا جاءت موزعة على فصوؿ الرواية ،وال يشًتط يف
االسًتجاع أف يكوف طويالً ،فقد ال يتعدى الكلمتُت "تذكرت حبيبيت ف" .1
"كما يوظف االسًتجاع إلبراز معامل التغَت ومواقع التحوؿ ،كيف كانت األحواؿ يف ادلاضي وكيف
أصبحت".2
دلاذا ينفطر عقد األحالـ بيننا دائما ؟
ما الذي صَتؾ كاذلواء أعدو خلفو ...أضمو إىل صدري حبرقو مث افطن على الفجيعة
أو مل تكوين يوماً ابتسامة بريئة أرمح هبا قليب ادلتوىج؟؟
أو مل تكوين يوماً ...موجاً ...شوقاً ...يدغدغ أعماقي بأوتاره الرنانة ؟ ،3ويالحظ يف الرواية أف السرد ال
ػلدد الزمن الدقيق اإلسًتجاعات اخلارجية ،وإظلا يفهم من السياؽ الروائي أنو يعود إىل مرحلة ما قبل
4
اإلرىاب مرحلة االستقرار حيث يغدو االسًتجاع اخلارجي غَت ا﵀دد معدالً لوطن غَت زلدد ادلالمح"
وطن طمس اإلرىاب ىويتو وجعل شعاره العنف.
- 1الرواية ،ص.24
- 2سيزا قاسم :بناء الرواية ،ص.55
- 3الرواية ،ص.26
- 4حفيظة أضبد ،بنية اخلطاب يف الرواية النسائبة الفلسطينية ،ص.230
- 5لطيف زيتوين :معجم مصطلحات نقد الرواية ،ص.20
- 6جَتار جنيت :خطاب احلكاية ،حبث يف ادلنهج ،ص.61
48
بناء الزمن الفصل الثاني
وال خطر مثلو على باؿ ...ويظهر رأسو صواناً بكماء وضعت دوف مباالة على كومة من عظاـ" ،1كما
يرد االسًتجاع الداخلي للتذكَت حبدث من األحداث مر بذاكرة الراوي ضمن زمن احلكاية "تذكرت
القط الذي تناثرت أجزاءه ...زبيلت نفسي قط مثلو ،قفز القلب ىلعاً ...ضرب يف أضلعي ؽليناً
وواالً ،2"...ومن اإلسًتجاعات الداخلية الواردة يف شكل مونولوج "من ىذا اذلدىد؟ ومن أين جاء؟
أىو معروؼ ولكنو جاء متنكراً
يف زيي ىدىد فلم نتفطن إىل حقيقتو ومن أرسلو؟
واالسًتجاع الداخلي أنواع الداخلي غَت ادلنتمي للحكاية ،والداخلي ادلنتمي للحكاية.
- 1الرواية ،ص.32
- 2الرواية ،ص.60
- 3لطيف زيتوين :معجم مصطلحات نقد الرواية ،ص.20
- 4لطيف زيتوين :معجم مصطلحات نقد الرواية ،ص.20
49
بناء الزمن الفصل الثاني
يسميو البعض "جواين احلكي" وىو ذاؾ الذي غلانس موضوعو موضوع احلكاية ،كأف يتناوؿ حدثاً
ماضياً مرتبطاً حبياة إحدى الشخصيات وفاعالً يف سلوكها احلاضر ،أو حدثاً مؤثراً يف احلدث الرئيسيُت
شرط أف يكوف ىذا احلدث واقعاً ضمن زمن احلكاية ،أي الحقاً لبدايتها وىو نوعاف تكميلي ومكرر.
50
بناء الزمن الفصل الثاني
الشخصيات الروائية "ما ساعد ادلتلقي على فهم طبيعة تكوينها" " ،1كنت قد حدثتكم عن الغراب وىو
طويل وضليل...إطرافو ضعف جذعو ادلتكور ككرة مطاطية كبَتة..االمتداد فيها إىل األماـ...
،2 يرتدي يف العادة لباساً أسود صنع خصيصاً من ريش الغراباف...ويقاؿ إف أظفار قدميو سلالب"...
كما يسهم االسًتجاع يف فهم العالقات باآلخرين" ،وػلكى أف السيد نعل أقصد لعن ىو الذي صنعو
لو خصيصاً ألنو سلتص يف صناعة النعاؿ ألسياد ىذه ادلدينة وىذا ىو سر العالقة احلميمية بُت الغرب
والسيد نعل".3
االستػرجاع الػداخلي ادلكػرر Répétitive 4:أو التذكَت Rappel
ىو إشارات القصة إىل ماضيها ،قد تعود القصة على أعقاهبا عودات قصَتة غالباً قصد التذكَت وىذا
التذكَت قد يتخذ شكل ادلقارنة بُت ادلاضي واحلاضر ،أو بُت موقفُت متشاهبُت وسلتلفُت يف آف واحد ،أو
شكل معارضة موقف أو الشكل النقد الذاأ.
و من اإلسًتجاعات ادلكررة صلد "ادلدينة ادلومس اليت ظلت تتهادى أماـ بصري يف ثوهبا
الشفاؼ...يتصافح ثدياىا...شكوتاىا...تضرب األرض بكعبها العايل ...تدندف أغنيتها ادلفضلة" .5
وقد تكررت ىذه الالزمة عدداً من ادلرات يف النص الروائي كوصف أحلقو الناص بادلدينة وقد هنض
تكرارىا بوظيفتُت أساسيتُت علا "خصوصية ما تنص عليو ادلدينة دوف غَتىا من الدارجُت فيها إضافة
إىل بياف حنق الراوي على كل ما تقوـ بو ادلرأة ادلومس من شلارسات ال مشروعة جهراً هناراً دوف
6
حياء".
يالحظ من ادلقتبسات السابقة أف السرد االستذكاري يف الرواية ينبثق من الذكريات وادلونولوج الداخلي
للشخصيات الروائية ،وقد أتاح السرد بضمَت ادلتكلم استقصاء باطن الراوي ،ومنحو حرية االنتقاؿ عرب
ذاكرتو ليعطينا صورة أوضح عما ؼلتلج يف نفسو ،كما ساعد االسًتجاع على معرفة أعمق للشخصيات
فال ػلس ادلتلقي بأف ىناؾ فراغ يف الشخصيات الروائية.
51
بناء الزمن الفصل الثاني
تتشابو وظائف االسًتجاع الداخلي و االسًتجاع اخلارجي ،فكالعلا يضيئاف عامل الشخصيات
الداخلي ،ويساعلاف يف معرفة طبيعة العالقة بينهما ،لكن الفرؽ يكمن يف الزمن ،فأحداث االسًتجاع
اخلارجي تعود إىل زمن ما قبل احلكاية ،أما أحداث االسًتجاع الداخلي فتنتمي إىل زمن احلكاية ،وإذا
كاف االسًتجاع يعود على ادلاضي ،فإف االستباؽ يستبق حاضر السرد ،ليقًتب من ادلستقبل.
52
بناء الزمن الفصل الثاني
(الكاتب) ،ومن مث جاء ادلاضي أكثر وضوحاً من ادلستقبل الذي فتحو الراوي على عدة احتماالت فهو
رلهوؿ ال أحد يعلم غيبو.
ومل تعتمد عليو الرواية اعتماداً رئيسياً ،إذ مل يشكل أعلية كبَتة يف النظاـ الزمٍت ذلا ،بقدر االسًتجاع
وإظلا جاء يف بعض ادلقاطع لرسم ادلالمح النفسية لشخصيات الروائية ،وىي ربلم وتفكر وتتخيل،
ولإلعالف عن بعض األحداث الروائية اآلتية ،واستخدمت الرواية حروؼ االستقباؿ(السُت) وأدوات
(لن) للداللة على ىذا االستباؽ.
"إنسلخ قليب ىلعاً وأنا أشهد ادلدينة هتروؿ ضلوي يف ثوهبا الشفاؼ يتهادى ثدياىا...شكوتاىا...يف
عينيها تربؽ الشبقية...ىرولت متناسياً آالـ التقرح ...لن أكوف لقمة سائغة ...لن أحقق مرادىا" .1
"سأقف الساعات الطواؿ ربت الشالؿ الضئيل ...وسأدع ادلاء يتسرب إىل األحداث.غلب أف
أرتوي. 2"...
فالشاىد قرر التطهر بوقوفو ربت الشالؿ ،وذلك بعد استسالمو لغواية ادلدينة ادلومس ،كما أنو قرر
أال يبقى شاىدا متفرجا على األحداث "وأضاءت نفسي فكرة تتبع الغراب ىو حلقة الوصل بُت ادلدينة
وما فيو وبُت ىؤالء القابعُت بعيدا عن األضواء ،سأستغل عقلة منو وأتسلل خلفو ...ال بد أف أكشف
3
احلقيقة"...
"لن أبقى مراقبا شاىدا على ما غلري ...بل غلب أف أكوف فاعال يف األحداث ...لقد قررت وال راد
لقررت".4".
فالشخصية ربلم وتفكر باذلة أقصى جهدىا لكشف ادلؤامرات اليت رباؾ يف اخلفاء "غَت أف ما غلري يف
ادلدينة يوحي بشي خفي لن أبرحها حىت أعرؼ من أين كسب الغراب كل ىذه القوة" .5
6
"وأكد أف ىناؾ أمرا عظيما يطبخ يف اخلفاء سؽلكن الفئراف من اكتساح ادلدينة وتركيع كل من فيها"...
ومن األحداث اآلتية اليت أعلنت عنها اإلستباقات ،االنتخابات اليت سيتم فيها اختيار الرئيس على
الطريقة الغرابية وقرار الفاصل فيها للطائر .
- 1الرواية ،ص.92
- 2ـ .ف ،ص .ف.
- 3الرواية ،ص.73
- 4ـ ف ،ص ف.
- 5الرواية ،ص73
- 6الرواية ،ص.81
53
بناء الزمن الفصل الثاني
"سًتسل األرواح الطاىرة الزكية من عامل الغيب دبباركة اإللو قبحوف طائر الساندري شكلو ولونو وحجمو،
وسيحط على من يرى فيو الصالح.1"...
ومن خصائص االستباؽ "أف ادلعلومات اليت يقدمها ال تتصف باليقينية ،فما مل يتم فعال قياـ احلدث
بالفعل فليس ىناؾ ما يؤكد حصولو ،كما انو ؼللق حالة توقع وترقب،وانتظار لدى ادلتلقي يعيشها أثناء
قراءة النص الروائي ،دبا يتوفر لديو من أحداث وإشارات أولية توحي باآلأ ،وال تكتمل الرؤية إال بعد
االنتهاء من القراءة" ،2ومثل ىذه اإلستباقات ما جاء يف ادلونولوج التايل:
"ردبا سيحدثٍت عن نفسو ،أو عن نفسي ،أو عن الرفاؽ الذين خرجوا معو وغادروا ادلدينة...وردبا عن
نوف حبيبيت أين ىم اآلف؟ ماتوا؟".3
ومن اإلستباقات اليت ال ؽلكن اجلزـ بيقينها قصة الطوفاف اليت تكررت كثَتا حُت شارفت الرواية على
ختامها ،وقد تركها الراوي هناية مفتوحة تتعدد فيها االحتماالت والتأويالت.
حاء ...ميم أضع الفلك ،الطوفاف قادـ ...الطوفاف قادـ.
أضع الفلك ،الطوفاف قادـ
صحت دبلء فمي دوف أف أتوقف
إنو آت...
يا ...ىا ...ؤالئك ..
الطوفاف آت...آت
قد أنذرت...
أين ذاىب ألصنع الفلك
4
الطوفاف آت ...الطوفاف آت..
أعجل مع كل ضربة منشار أو مطرقة يتناىى إىل صوت اجملذوب...
5
الطوفاف قادـ ..الطوفاف قادـ"...
- 1الرواية ،ص.81
- 2حسن بحرواي :بنية الشكل الروائي( ،الفضاء ،الزمن ،الشخصية)،ص ،132ص.133
- 3الرواية ،ص.69
- 4الرواية ،ص .122
- 5الرواية ،ص.124
54
بناء الزمن الفصل الثاني
من خالؿ ما مت تقدؽلو صلد أف االستباؽ مت يف مواقع قليلة من الرواية جسدتو ادلونولوجات الداخلية
للشخصية ساىم إىل حد ما يف الكشف عن نفسية الشخصيات وبعض األحداث الروائية اآلتية
"وبصورة عامة يتمتع االستباؽ بانتشار أديب أقل من االسًتجاع" ،1وىذا ليس انتقاص من قيمة االستباؽ
كتقنية زمنية ولكن أسلوب الكاتب وحاجتو لو ىو ما يفرض وجوده يف النص الروائي ،وعموماً أصبح
صلاح الرواية يقاس دبدى انزياحها عن نظاـ قصتها الزمٍت أو اعتمادىا على ادلفارقات الزمنية على وفق
اصطالح جَتارجنيت.
55
بناء الزمن الفصل الثاني
النظام
استرجاع استباق
داخلي خارجي مختلط جزئي تام داخلي خارجي مختلط جزئي تام
منتم للحكاية
ٍ منتم للحكاية
غير ٍ منتم للحكاية
ٍ منتم للحكاية
غير ٍ
56
بناء الزمن الفصل الثاني
- 1سلتار مالس :ذبربة الزمن يف الرواية العربية ،رجاؿ يف الشمس ظلوذجاً.56 ،
- 2ضبيد حلميداين :بنية النص السردي من منظور النقد األديب ،ص.76
- 3ادلرجع نفسو ،ص.78
57
بناء الزمن الفصل الثاني
االستػراحة :
تسمى أيضاً الوقفة و "التوقف ػلمل سبب ادلرور من سرد األحداث إىل الوصف الذي ينتج عنو مقطع
من النص القصصي تقابلو دؽلومة صفر على نطاؽ احلكاية" .1
غَت أف عملية الوصف قد ال بنجر عنها أي توقف لألحداث حبيث تكوف ىذه العملية ىي عبارة عن
وقفة تأمل لدى شخصية معينة ،تبُت لنا مشاعرىا وانطباعاهتا إزاء مشهد معُت.
االسًتاحة وادلشهد علا تقنيتاف توعلاف تبطئة السرد إىل احلد الذي يوحي بتوقفو أو بتطابق زمن اخلطاب
وزمن القصة يف الرواية ،وطبيعة النص الروائي وىي اليت ربدد نسبة ظهور ىذه التقنيات.
فادلشهد يقوـ على احلوار بنوعيو اخلارجي(الديالوج) والداخلي (ادلونولوج) ،وقد أوىل الروائي اىتماما
خاصاً بادلشهد احلواري ،فجاءت مقاطع كاملة من الرواية أفردىا الكاتب للحوار متداخالً مع الوصف
وىذا ما يسمى "ادلشهد احلواري ادلوصوؼ" ،2ومن أمثلة ذلك ادلقطع الرابع الكابوس اجلميل.
إرىاؽ فضيع يقطع خاليا جسدي ...براكينو تنفجر داخل سلي دبابيس حادة صدئة تنغرز يف قدمي
ادلشققتُت ...فوؽ حصَت باؿ قرضت الفئراف جزءاً منو ...أهنضٍت غضباً
ىو :أين ىو؟ أين ذىبت؟ أين ضيعتموىا؟
تدىل قليب حىت أمعائي ىلعاً وراح يتأرجح كبندوؿ الساعة ...أردت أف أسألو
من ىو؟ وعمن يبحث؟ غَت أين مل أستطع..
ىو :ىكذا تسكتوف ...تلجموف حُت تواجهوف باحلقيقة ادلرة ..أين ىي؟
أشتد غضبو ...حلظة ضبرة شديدة يف عينيو..
أنا :من أنت يا سيدي
ىو :إين احبث عنها ...كانت ىناؾ...
أنا :من ىي ؟
ىو( :والقلب حبا من ىي؟؟ من ىي؟؟
ابتعد قليالً واتكأ على صندوؽ طلر يتهالك قرب اجلدار يف بؤبؤيو دموع حائرة براقة..
أنا :عاشق يا سيدي؟
- 1زلمد علي الشوابكة :السرد ادلؤطر يف رواية النهايات لعبد الرضبن منيف ،البنية والداللة ،ص.97
- 2حفيظة أضبد :بنية اخلطاب يف الرواية النسائية الفلسطينية ،ص.271
58
بناء الزمن الفصل الثاني
1
ىو :عاشق ..متيم ..تفطر القلب مٍت والكبد اشتعل واشتعل القلب حبا...
تراوح الفصل كلو بُت احلوار والوصف على امتداد ثالث صفحات مسح لنا برصد نفسية الشخصية
وحالة الصراع اليت تعيشها ،كما بُت لنا حالة اخلوؼ وعدـ االستقرار و استعمل الكاتب أسلوب
التشويق إلثارة القارئ ودفعو للتساؤؿ.
كما جاء الفصل الثامن(القارح بن التالف الفاين بن عقالف) كلو قائماً على احلوار باستثناء وصف
قصَت ينفتح بو الفصل وآخر ؼلتم بو ال يتعدى أربعة أسطر.
فجأة دعلٍت موج عاصف قاصف حىت ارتطمت باجلدار ادلتهرئ ..امتأل ادلكاف نوراً ..ذبلى أمامي
ىو :مازلت تنكرىا؟
أنا :عمن تبحث؟
ىو :عن حبيبيت..
أنا :أخربتك يف ادلرة السالفة أين ال أعلم عنها شيئاً..
ىو :تعاونتم على ىدمها واغتياذلا مث تدعي أنك ال تعلم عنها شيئاً.
أنا :أنا ومن غَتي؟
ىو :أنت والغراب والفئراف والثعالب اليت تسعى من أقصى ادلدينة والقارح بن التالف والغاين بن غفالف
ودخل بن دغل ...وكل أخوانكم وأتباعكم وأذنابكم
أنا :يا سيدي ردبا ىم أما أنا فال.
ىو :ودلاذا تستثٍت نفسك أيها األضبق الغيب؟
" :،أقسم بكل مقدس أنٍت ال أعرؼ شيئاً ..ىم ألهنم أشرار..
ىو :وأنت بقيت ىنا شاىداً سلبياً على كل ما وقع ..أنت شريك يف اجلرؽلة أيها النذؿ احلقَت ..2
لقد أفسح احلوار اجملاؿ للشخصيات للتعبَت عن آراءىا ووجهات نظرىا دوظلا قيود مفروضة عليها ،ورغم
أف ادلثالُت السابقُت ؼللواف من إشارات زمنية ربدد زمن ىذه األحداث لكننا نستطيع أف ندرؾ أهنا فًتة
زمنية قصَتة جداً قاـ الكاتب بإفرادىا على مقطع نصي طويل ،أما االسًتاحة أو الوقفة الوصفية ،فقد
طغت بشكل كبَت جداً على الرواية فال تكاد زبلو صفحة من مقاطع وصفية ،تراوحت بُت الطوؿ
- 1الرواية ،ص...23ص.25
- 2الرواية ،ص.43
59
بناء الزمن الفصل الثاني
والقصر ،من وصف الشخصيات "والغراب نسيت أف أحدثكم عنو ..ىو سللوؽ متميز فريد من نوعو
ضليف طويل ..صغَت الرأس معروؽ األصابع ركبت فيو كل أنواع الدمامات ..ينتعل حذاء معكوساً
وينكمش فتغوص رقبتو يف صدره ،1 "..ومقاطع أخرى تصف األحداث "من بالوعات القاذورات ؼلرج
فأر أغرب ؽلشي اخليالء ..يبصر قطاً متكوراً على نفسو ..يضحك الفأر ضحكة ىستَتية ..غلري
خلفو ..يفزع القط يندفع فاراً تتناثر أعضاؤه ىنا وىناؾ ..يهتف العجاج عاليا البطولة الفأر.2 "...
وقد أسلفنا الذكر أف الوصف قد ال ينجر عنو أي توقف للزمن إذا كانت وقفة تأمل لدى شخصية
تبدي من خالذلا رأياً إزاء موقف معُت ،مثل ما ورد يف ادلثاؿ السابق .
وإذا كاف الوصف قد جاء مطوالً يف بعض مقاطع الرواية "حسناء يا حبيبيت بالوف الفرح والقمح الربي يا
طعم الطفولة واحللم والليموف
يا قامة الصفصاؼ وكربياء الصرو
يا سنيم الرباعة ..يا براءة النسيم
يا ..القوزح ..اجلوىر ..السر ..اللب ..العمق ..الكنو
يا طعم زخات ادلطر الليموف ..األريج ..الشذا.3
فقد جاء يف مقاطع أخرى ال يتجاوز السطر الواحد.
"كانت ادلدينة عجوزاً رلعدة الشعر مغضنة الوجو ساقاىا سلكا حديد صدئ" .4
أما بالنسبة لوصف األمكنة فلم يكن وصفاً تفصيلياً ،ألف الكاتب ال يرمي إىل وصفها بقدر دالالهتا
"كل ادلنازؿ بال سقوؼ".5
وعموماً فإف وظيفة الوقفة أو االسًتاحة "تكوف تزينيو وىي وظيفة قدؽلة انتشرت يف الكتابات التقليدية،
أو ذات وظيفة تفسَتية تشرح موقفاً دوف إغفاؿ دورىا
1
األوؿ وىو تعطيل زمن القصة مقابل سبديد زمن اخلطاب".
- 1الرواية ،ص.32
- 2الرواية ،ص.27
- 3الرواية ،ص.32
- 4الرواية ،ص.31
- 5الروية ،ص.57
60
بناء الزمن الفصل الثاني
إف ادلشهد واالسًتاحة تقنيتاف ترتبطاف بصورة عكسية مع السرد حيث كلما كثر الوصف واحلوار أبطيء
السرد.
الثغرة الضمنية :وىي النوع الذي يستطيع القارئ أف يستخلصها من النص .عن
ويهدؼ القطع على تكثيف النص واالبتعاد عن التكرار ادلمل أو الرتابة اليت تصيب األحداث شلا
يؤدي إىل صبود النص ،كما انو ػلقق مظاىر السرعة يف عرض الوقائع.
مل يستخدـ الكاتب القطع إال يف أماكن قليلة جداً "مث غادر ادلدينة منذ ذلك اليوـ ومل أره بعدىا إال يف
ذاكرأ" ،5من ظل ؼلفيك متنكراً طوؿ ىذه األزمنة؟
من شوه أفكارؾ أيها ادلبتور؟
من أركسها فغدت صوانا؟ ،1ألف الكاتب قصد التكشف وإبراز األحداث فلم تظهر العملية اإلضمارية
كثَتاً.
- 1الشريف حبيلة :بنية اخلطاب الروائي ،دراسة يف روايات صليب الكيالين ،إربد ،عامل الكتب احلديث ،األردف ،ط،2010 ،1
ص.178
- 2سيزا قاسم :بناء الرواية ،ص.46
- 3ادلرجع نفسو ،ص.89
- 4ـ .ف ،ص .ف.
- 5الرواية ،ص.68
61
بناء الزمن الفصل الثاني
وكذلك بالنسبة للتلخيص فهو اآلخر مل يرد كثَتاُ "حبست نفسي أماـ ادلبولة منذ الصباح الباكر ،وىا
ىو النهار يأأ على آخره الىثاً ..باصقا ..متنخماً ..وىا ىو الليل قد تكأكأ يفتح شدقيو بشهية
كبَتة"" ،2عدت إىل ادلدينة مع ذبشؤ الفجر لقد ضقت هبا ذرعاً ،وما كنت أستطيع أف أزيد فيها ليلة
3
واحدة فوؽ ما قضيتو".
ونالحظ أف الكاتب مل ؼلتزؿ سنوات وال شهور وال حىت أياماً ،بل رلرد ساعات "وسبثل ىذه
اخلالصة حداً أدىن يف تسريع السرد ،ألهنا ذات مدى زمٍت قصَت جداً ،وقد يلجأ الراوي إىل مثل ىذا
النوع عن اخلالصات من حُت آلخر ،ؼلتزؿ مدة زمنية قصَتة ،لكن اخلالصة تؤدي دوراً نفس
5
الوظيفة"4ف وتتمثل وظائف التلخيص فيما يلي:
-ادلرور السريع على فًتات زمنية طويلة.
-تقدًن عاـ للمشاىد والربط بينها.
-تقدًن عاـ لشخصيات عديدة.
-عرض الشخصيات الثانوية اليت ال يتسع النص دلعاجلتها معاجلة تفصيلية.
-تقدًن االسًتجاع.
وقد استخدمت الرواية التلخيص ألداء بعض ىذه الوظائف ،فقد كاف الفصل األوؿ ادلعنوف ب "أنا
وادلدينة" مشهداً عاماً حلالة الشخصية الروائية الرئيسة يف العمل الروائي.
الغربة ملح أجاج..
وحدي أنا وادلدينة
ثكلت اذلوى ..ثكلت السكينة..
ال ورد ينمو ىاىنا ..ال قمر..ال حبيبة..
ال دؼء يف القلب احلزين..
ال وال شوؽ ..وال غيث ..وال حلم أمُت..
- 1الرواية ،ص.39
- 2الرواية ،ص.101
- 3الرواية ،ص.84
- 4الشريف حبيلة :بنية اخلطاب الروائي ،دراسة يف روايات صليب الكيالين ،ص.165
- 5سيزا قاسم :،بناء الرواية ،ص.46
62
بناء الزمن الفصل الثاني
- 1الرواية ،ص.11
- 2الرواية ،ص.72
63
الفصل الثالث
بنية الشخصيات
-1تمهيد.
تمهـيد:
بعد تعرضنا يف الفصلُت السابقُت إذل عنصري ادلكاف والزماف ،نتعرض يف ىذا الفصل لعنصر الشخصية
أحد أىم العناصر الفنية يف كل عمل إبداعي متكامل ،والشخصية تتحقق من التالحم العضوي بُت
عناصر العمل الروائي "وىي كل مشارؾ يف أحداث الرواية سلباً أو إجياباً ،أما من ال يشارؾ يف احلدث
فال ينتمي إذل الشخصيات ،بل يعد جزءاً من الوصف" ،1وقد خضعت مفاىيمها إذل ربوالت عميقة
منذ فجر الدراسات األدبية على يد أرسطو ،وعرب الفًتات اليت أعقبتو من تاريخ األدب ،وتعد الشخصية
مدار احلدث يف الرواية أو الواقع وقد احتفى كتاب الرواية الكالسيكية هبذا العنصر اختفاء كبَتاً ،فحاولوا
خلق شخصيات تكوف انعكاساً للشخصيات الواقعية.
ومن ىنا كانت الشخصية ىي العنصر صاحب ادلكانة األوذل ،ولعل ىذه ادلغاالة يف سبجيد الشخصية
ترجع إذل أف "التصور التقليدي للشخصية يعتمد أساساً على الصفات شلا جيعلو خيلط كثَتاً بُت
الشخصية احلكائية ( )personnageو الشخصية يف الواقع العياين ( ،2)personneإال أف ىذه
ادلكانة ادلتميزة سرعاف ما تراجعت ،إبتداءاً من احلرب العادلية الثانية اليت عرفت مراجعة بعض ادلفاىيم
وادلصطلحات ادلتداولة ،وخباصة لدى طائفة من النقاد الذين عملوا على احلد من ىيمنتها ،كعنصر رئيس
يف العمل األديب ،فنظروا إليها على أهنا واحدة من مكونات أي أثر فٍت قصصي مثلها مثل بقية العناصر
ادلشكلة لبنية النص(ادلكاف ،الزمن ،احلوار... ،اخل) ،فالتحليل البنائي ادلعاصر يصورىا على أهنا وحدة
ذات وجهُت داؿ ومدلوؿ ،زبتلف عن العالقة اللغوية من حيث أف الشخصية ليس ذلا وجود مسبق،
عكس العالقة اللغوية اليت يكوف ذلا وجود جاىز من قبل ،ولعل ىذا ما دفع فليب ىاموف إذل اعتبارىا
رلرد بياض دالرل ال ربيل إال على نفسها" ،إف القارئ يعيد بنائها ،كما يقوـ النص بدوره ببنائها ،إف
األثر الشخصية ،ردبا ال يشكل إال احد مظاىر نشاط القراءة" .3
دبعٌت أف القارئ ىو الذي يقوـ ببناء ىذه الشخصية ،وبتعدد القراء تتعدد صور الشخصية الواحدة،
انطالقا من اإلشارات ادلختلفة اليت يتلقاىا كل قارئ ،وحياوؿ تركيبها وفقاً دلرجعياتو ،من اجل صورة
متكاملة األبعاد ذلذه الشخصية.
65
بنية الشخصيات الفصل الثالث
إف التصارع حوؿ مفهوـ الشخصية دليل واضح على أمهيتها ،فلها ما دييزىا وجيعل حضورىا أكثر من
ضروري يف أي عمل قصصي ،وألف بناءىا ال يقوـ على جانب واحد بسبب تعدد مكوناهتا ،فقد
اختلف الدارسوف حوؿ تلك ادلكونات ،وغلبوا أحدىا على اآلخر ،فكانت النتيجة تنوع الدراسات،
فاىتم بعضهم باجلانب النفسي ،وعمد بعضهم إذل اجلانب اجلسمي ،واقًتح بعضهم احلوافز
(توماتشوفسكي) ،وآخروف اقًتحوا الوظيفة (بروب) ،الذي أقر بأف الشخصية ال ألمهية ذلا ،ألهنا عنصر
متحوؿ وحدد إحدى وثالثُت وظيفة ثابتة يف النص احلكائي "وعلى الرغم من اإلجراء العملي الصارـ
الذي قاـ بو (بروب) لتحليل اخلطاب احلكائي ،إال أف عدد الوظائف كاف كثَتاً وال يتالءـ مع األجناس
القصصية األكثر تعقيداً" ،1كما ركز بعضهم على العامل (غردياس) الذي كاف معو التحوؿ الكبَت يف
الدراسات السردية ،فحاوؿ أف يقدـ فهماً جديداً للشخصية يف احلكي ،فهو ال يعتمد على الشخصية
بقدر الدور الذي تؤديو ،فيمكن يف نظره أف تكوف رلرد فكرة ،كالدىر أو التاريخ ،كما ديكن أف تكوف
مجاداً أو حيواناً ...اخل" ،وىي ليست مقولة مؤنسنة دائماً فالفكر يف عمل ىيجل ديكن اعتباره
شخصية".2
وفيما يلي سأقوـ بتحليل شخصيات الرواية وفق العناصر التالية:
-البناء ادلورفولوجي للشخصيات.
-البناء الداخلي للشخصيات
-طبيعة العالقات القائمة بُت الشخصيات.
وقبل البدء يف عملية التحليل ارتأيت وضع اجلدوؿ التارل أحدد فيو الشخصيات:
شخصيات حيوانية شخصيات إنسية
الغراب ،الذئب(السيد نعل) ،الفئراف ،الثعالب، الشاىد ،الشيخ اجملذوب ،الشيخ الصاحل ،االمسر
النسور ،القط... ذو العينُت ،نور الشمس ،سناف الرمح ،احلبيبة ف،
ادلومس.
شخصيات مؤنسنة
- 1فيصل غازي النعيمي :العالمة والرواية ،دراسة مسيائية يف ثالثية أرض السواد لعبد الرمحن منيف ،دار رلدالوي ،عماف ،ط،1
،2009ص.167
- 2فليب ىاموف :سيمولوجية الشخصيات الروائية ،ص.2
66
بنية الشخصيات الفصل الثالث
ال يستطيع أي ناقد أو دارس لألدب أف يغفل دور الشخصية يف الرواية ،مهما كاف ادلوضوع الذي
يركز عليو ،وال نبالغ إف قلنا أهنا تعكس روية الكاتب وانتماءه ذلذا ادلذىب أو ذاؾ ،وىناؾ عالقة قوية
تربط بُت الشخصية يف الرواية والواقع على السواء ،ألف الواقع ىو مصدر إذلاـ الروائي ،وىذا ال يعٍت انو
ينقلها إذل عادلو الروائي صورة طبق االصل وامنا يضيف اليها من خيالو ما يريد اف يوصلو من افكار
وانتقادات وىذا ىو الروائي الناجح الذي يستطيع أف يلبس شخصياتو لباساً يعكس أفكاره ،وديكن أف
نتحدث أكثر عن ىذا العنصر باخًتاؽ عادل جالوجي الروائي ،فقد جاءت شخصياتو غَت واضحة
ادلالمح ،حاملة يف طياهتا الكثَت من الدالالت ال يستطيع إدراكها إال قارئ متمكن ،لو مرجعية ثقافية
تؤىلو لفك رموز وشفرات ىذه الشخصيات ،والغاية األساسية للروائي منها ،فالقارئ البسيط تبدو ذلا
رواية بسيطة تدور أحداثها على ألسنة حيوانات تعيش يف فضاء قمة يف القذارة ،لكن القارئ الذي ال
يكتفي دبا يقدمو الكاتب من معلومات جاىزة عن شخصياتو يف النص الروائي ،إمنا يبحث عن
الدالالت الكامنة وراءىا ،وسنحاوؿ فيما يلي ربديد أبعاد شخصيات جالوجي الروائية آملُت يف
استبطاف دواخلها ،والبناء الًتكييب للشخصية من حيث أبعادىا ثالثة أصعدة "البعد اجلسمي ،البعد
االجتماعي ،البعد النفسي" ،1فالبعد اجلسمي يتمثل يف البناء ادلورفولوجي ومن خالؿ البعدين
االجتماعي والنفسي سنحاوؿ ربديد البناء الداخلي للشخصيات:
- 1عزيزة مريرف :القصة و الرواية ،دار الفكر ،دمشق ،د .ط ،1980 ،ص.29
67
بنية الشخصيات الفصل الثالث
ص.102
" وسكت يلعق ما تلينن وتلعنب من غدده النتنة على حليتو نعل (الذئب)
ص.39 وصدره"..
"فطبق عليو احلكم ،وىو أف ذبذع أرنبة أنفو مث يسخر خادماً
ص.79 للغراب"
"وادلنطق سناف السيد نعل من ناحية أذنو يراه يف شكل قرص ديتد
أنفو إذل األماـ ،ويف جلده وجهو ورقبتو شبو كبَت جبلد عنز جاؼ
ص.98 غَت مدبوغ"
ص.39 "وما كاد زبده يذىب جفاء حىت ماؿ إذل ورفع ستائر فمو عن الفأر
68
بنية الشخصيات الفصل الثالث
من خالؿ اجلدوؿ يتضح لنا أف الغراب ىي الشخصية اليت استفادت من وصف مستفيض،فقد
ذكرت تقريباً كل أوصافها اجلسمية من الوجو(العينُت ،صغر الرأس ،الرقبة) إذل اجلسم(طويل ،ضليل،
معروؽ األصابع،وحىت الرجلُت،غَت أف بعض الشخصيات ذكرت مجلة لدوف تفصيل،حيث دل نعثر إال
على القليل من األوصاؼ مثل،الفأر،السيدنعل،الشيخ اجملذوب.
-نستنتج من رلموع ىذه األوصاؼ ادلادية ادللموسة أف الشخصية األوذل "الغراب ،على قدر كبَت من
القبح،فقد حظيت دبيزات خلقية متميزة ،متفردة ،وإف كانت يف األصل صفات بشرية،اكتفى الكاتب
بتضخيمها وكذلك بالنسبة للسيد نعل والفار فهما اآلخراف حيمالف صفات جسمية ال تقل فظاعة عن
صفات الغراب ،وقد ركز الكاتب على الوجو بوصفو بطاقة ىوية الشخص ،فهو أوؿ ما يطالعنا ،ويلفت
انتباىنا ،سواء حبسنو الفائق أو قبحو الزائد.
-أما الشيخ اجملذوب ورغم أف وصفو اخلارجي قد جاء مقتضباً "ىو كل شيء يزين احلماقة واجلبة
واللحية" ،إال أنو يرمي إذل دالالت أعمق وأبعد ،فهندامو واللحية ،يبُت أنو على قدر كبَت من التدين
ولقد اعترب اذلنداـ يف عصرنا احلارل عالمة ذات دالالت متعددة ،تدؿ على معتقد صاحبها ،ىو ذو
توجو ديٍت إسالمي على األقل ظاىرياً ،ويف مقابل الصفات القبيحة للفأر ونعل والغراب،فقد جاءت
صفات األمسر ذو العينُت العسليتُت ونور الشمس غاية يف احلسن واجلماؿ ،وردبا كاف ىدؼ الكاتب من
69
بنية الشخصيات الفصل الثالث
التناقض يف الصفات(القبيح واحلسن) ،إبراز التناقض واالختالؼ بُت زمن الضياع (الغراب ،الفأر،
نعل) ،وزمن احللم (نور الشمس ،األمسر ذو العينُت العسليتُت).
-أما باقي الشخصيات الثانوية يف الرواية (الثعالب ،عسل النحل... ،اخل) ،فقد طمست
مالزلهم اجلسمانية ،ودل تكن سوى أدوات استخدمها الروائي وسخرىا ليوصل هبا أفكاره وما
زاد يف هتميشها كوهنا ال ربمل مواصفات خارجية ،اكتفى بتقدديها يف سياؽ األحداث ويف
أضيق احلدود.
70
بنية الشخصيات الفصل الثالث
من البديهي أف ادلظهر اخلارجي ال يعرب عن حقيقة الشخصية ،فبتطور الدراسات النفسية برزت
أمهية اجلانب الداخلي يف ربليل الشخصية وكشف خباياىا ،لذا ارتأينا ربليلها وإضاءة جوانبها الداخلية
للكشف عن الدالالت احلقيقية ذلا ،وشخصيات جالوجي يف معظم أعمالو تتميز بالتنوع والدينامية،
فهو يفسح ذلا اجملاؿ للتعبَت عن وجودىا دومنا قيود ،وألف األديب احلقيقي ىو الذي يعكس الواقع من
خالؿ سلوؾ شخصياتو فقد جاءت شخصيات رواية سرادؽ احللم والفجيعة زلملة بأفكاره.
واخًتنا أربعة مناذج من ىذه الشخصيات (ادلرأة ،الشاىد ،الغراب ،الشيخ اجملذوب) واليت وجدنا أهنا
ذبسد ىذه الفكرة ،وذلك بتحليلنا ذلا من خالؿ :الطبائع والسلوؾ وادلواقف من القضايا احمللية هبا
والثقافة وادلركز االجتماعي.
-1الشاىد :
ث "فأنا شاىد ىو عاشق للجزائر إذل درجة اذلياـ ،صحيح انو بقي شاىداً سلبياً متفرجاً على األحدا
سليب على األحدا ث ال أقدر على تغيَتىا ،1 ".لكنو دل يغادر يف عز األزمة اليت مرت هبا ،وتعكس لنا
الشخصية مشاعر حادة مثل الغربة "الغربة ملح أجاج" " ،2أنا الغريب اجزع الفزع ادلرير ،3 "..والغربة ىنا
يقصد هبا الكاتب البحث عن اذلوية ،ىوية طمست يف وطن بال مالمح فالشخصية تتأرجح بُت مد
اذلوية وجزر اآلخر الذي لطادلا عمل على تشويهها والعبث هبا متجاوزاً بذلك كل األعراؼ الدينية اليت
سبجد اإلنساف" ،4ويتجسد ذلك يف قوذلا "ىناؾ أمر يقع الساعة دوف أف أدري ال بد أف أعرؼ جملرد
إشباع الفضوؿ ...وأنا قشة ال ديكن أف أصمد أماـ التيار اجلارؼ ..أدل يروا أف حكماء ىذه ادلدينة
ادلومس قد قالوا:
-إذا رأيت السيل ىادراً فقف بعيداً عنو أنعم برؤيتو.
-وسواء أنعمت أـ دل تنعم ،وسواء أبالبيت أـ دل ِل
أباؿ سباماً..ادلهم أين ال أقدر على تغيَت الواقع،
وشتاف بُت ما أحلم بو أنا وما يريده ىؤالء" ،5الواضح أف الشخصية مسلوبة اإلرادة فهي ال
سبلك احلق يف إبداء الرأي فاآلخر قد عمل على هتميشها وطمس ىويتها بالتهديد "قالوا إف
- 1الرواية ،ص.86
- 2الرواية ،ص.10
- 3الرواية ،ص.12
- 4حفيظة طعاـ :شعرية الشخصية يف روايات عز الدين جالوجي ،دراسات ،عز الدين جالوجي ،سلطاف النص ،دار ادلعرفة ،د ،ط،
،2008ص ،167ص.177
- 5الرواية ،ص.86
71
بنية الشخصيات الفصل الثالث
أردت أف تعيش بيتاً سليماً معاىف يف جسمك ..وجسدؾ ..وبدنك ..وقدمك ..وقوامك..
يأتيك رزقك ما يسد رمقك ..ويسًت عورتك ،فأسكت ،فإف نفر بركانك وخشيت أف ينفجر
ففجره على الصفحات البيضاء.1 "..
" -ىذه مدينة الفئراف ..فإما أف تكوف منا ،دل ما لنا وعليك ما علينا..
2
وإما أف تغادر ادلدينة ..هتجرىا إذل غَت رجعة".
ة ليست ورغم ىذه التهديدات إال أف الشخصية رافضة لكل ما حيدث متمسكة هبويتها "األحذي
أحذيتنا ،ال نعبد ما تعبد وال نعبد ما نعبد ،وال ىي عابدة ما نعبد وال ضلن عابدوف ما تعبد ذلا دينها
ولنا ديناً" ،3وتقرر أف تدرل بدلوىا وال تقف موقف ادلتفرج ،وذلك يكشف ما حيدث من مؤامرات.
"،قررت اليوـ أف اكشف وكر الستور جيب أف أفضح أسرارىم من ىم؟؟ وأين يسكنوف بالضبط؟؟ وما
ىي طبيعتهم؟ وما ىذا التأثَت ادلغناطيسي القوي الذي يسلطونو على الغراب والسيد لعن اقصد نعل
وأتباعها؟؟"" ،4لن أبقى مراقباً شاىداً على ما جيري..،بل جيب أف أكوف فاعالً يف األحدا ث..لقد قررت
وال راد دلا قررت" ،5وإذا تتبعنا مسار الشخصية خالؿ الرواية من خالؿ سلوكها وطبائعها ومواقفها ندرؾ
ندرؾ أهنا قوية الشخصية زلافظة على ىويتها رغم الظروؼ اليت مرت هبا.
-2الػغراب :
يعترب الغراب ثاين شخصية رئيسية يف الرواي ة فهو احملرؾ الرئيس لألحداث ،يستفز القارئ من خالؿ
سلوكو وطباعو ويف مظهره اخلارجي الذي كما ذكرنا سابقاً أنو استفاد من وصف مستفيض من قبل
الكاتب ،وادلراقب حيواف منبوذ يف الثقافة العربية ،فهو دليل الشؤـ واخلراب ،ويف الرواية جاء رلسداً
ة الطاغية ،سلطة ديكتاتورية متحكمة يف مصَت السلطة ادلتمثلة يف أنظمة احلكم الفاسدة وادلستبد
الشعب ،شعب مستعبد ال حوؿ وال قوة لو يف ظل نظاـ سياسي طاغ يرأسو الغراب" ،وكاف الغراب على
72
بنية الشخصيات الفصل الثالث
رأس اكرب حزب يف ادلقهى كلها مسات حزب مجاىَت الدديقراطيات الشعبية" ،1وقد بُت الكاتب يف عدة
مقاطع من الرواية ،سلطة الغراب و انتقاد الشعب لو "كاف الغراب يسَت يف ادلقدمة يطلق عبارات نارية
يف الفضاء وخلفو موكب اخلداف الضخم شلن كاف يف ادلقهى ،2 "...فهو رهبم األعلى اآلمر الناىي ال
يستطيعوف دونو شيئاً والويل لكل من تسوؿ لو نفسو سلالفة أوامره بيٍت وبُت رقاهبم حبل من مسد إف
ذبذبوه تتدذل أرجلكم .....أو تزفوه سَتوا يف األرض تساقط عليكم رمحايت...رضائي وىذا من مبادئ
مجهوريتنا العظيمة" ،3فحياهتم مرىونة بتقدمي فروض الطاعة والوالء ،كما انو يشل القانوف ،قانوف قد
كفل لو حق القتل وشرعيتو ،من يهدد امن ادلدينة و استقرارىا أو باألحرى من يهدد مصاحلو.
" فكف الغراب عن ثرثرتو وقصد اذلدىد فجز رأسو ومحلو من أذنو يتقاطر دماً ،مث غرز رزلاً يف حلقومو
ورفعو إذل األعلى عند قمة ادلبولة لَتاه الناس مجيعاً ،وليكوف عربة لكل من تسوؿ لو نفسو ادلس
دبقدسات األمة وثوابتها ودين رهبا قبيحوف.4"...
كاف ىذا عن الغراب أكثر شخصية رلسدة لزمن الضياع الذي عاشتو اجلزائر
خالؿ العشرية السوداء.
- 1الرواية ،ص.28
- 2الرواية ،ص.32
- 3الرواية ،ص ،30ص.31
- 4الرواية ،ص.30
- 5الرواية ،ص.19
73
بنية الشخصيات الفصل الثالث
السماء ،1"...والشيخ اجملذوب يف الرواية ديثل "اجلبهة اإلسالمية لإلنقاذ" 2وذلك من خالؿ شعاراتو
وامسك عصاه من مقدمتها أشهرىا يف وجو الصخرة وراح يضرهبا وأضرب بعصاؾ احلجر ..زيتونة ال
شرقية وال غربية ،3 "...وىي شعارات مطابقة لتلك اليت رفعها االنقاذيوف خالؿ العشرية السوداء عليها
ضليا وعليها منوت ،ويف سبيلها نقاتل ..ال شرقية وال غربية.
من خالؿ األوصاؼ اخلارجية للشيخ رلذوب (اللحية) واذلنداـ (اجلبة والعمامة) ،والشعارات اليت كاف
يرددىا واآليات القرآنية اليت تكررت أكثر من مرة نستطيع أف نقوؿ أنو ديثل تلك اجلبهة.
74
بنية الشخصيات الفصل الثالث
فالكاتب دل جيد صورة أكثر شناعة ليبُت حالة اجلزائر خالؿ احلقبة السوداء من صورة ادلرأة البغي أما
الوجو اآلخر الذي أراد الكاتب إبرازه ىو وجو اجلزائر ،زمن احللم ،زمن األمن واالستقرار قبل العشرية
السوداء ،متمثالً إياىا يف صورة احلبيبة ف ،فمنحها كل صفات األنوثة واجلماؿ يف أشعار أقل ما ديكن
أف يقاؿ عنها أهنا تفيض بالشعرية ،يف لغة تنم عن كاتب متمكن من ناصية اللغة حسناء يا حبيبيت يا
لوف الفرح والقمح الربي..
يا طعم الطفولة واحللم والليموف..
يا قامة الصفصاؼ وكربياء الصرو..
يا سنيم ..الرباءة ..يا براءة النسيم..
يا ..القوزح ..اجلوىر..السر..اللب..العمق ..الكنو..
1
يا طعم زخات ادلطر الليموف ..األريج ..الشذا.
كاف ىدؼ الكاتب من وصف الشخصيتُت ادلتناقضتُت (ادلومس ،احلبيبة )،ىو إبراز معادل التغَت
والتحوؿ اليت حدثت يف ذلك الزمن لنا.
من ربليلنا لشخصيات الغراب والشاىد و ادلومس واحلبيبة ف والشيخ اجملذوب نستنتج أف الشخصيات
قد خرجت من عباءة الزمن (زمن احللم ،زمن الضياع) حاملة مالزلو وبصمتو.
- 1الرواية ،ص.27
75
بنية الشخصيات الفصل الثالث
دبا أف الشخصيات زبتلف يف تفكَتىا وسلوكها عن بعضها البعض فمن البديهي أف تتعدد رغباهتا
وزبتلف ،وىذا االختالؼ ىو ما حيدد عالقاهتا بباقي الشخصيات األخرى يف النص الروائي ،وعلى ىذا
األساس فإنو من الواجب ربديد ىذه العالقات ،وما يطبعها من انسجاـ أو تنافر ،وىذا لتكوين نظرة
شاملة عنها ،فالبناء ادلورفولوجي والداخلي ال يكفياف ،وبتنوع الشخصيات وسلوكها تنوعت العالقات
"فالشخصية يف العادل الروائي ذات فاعلة مؤثرة ومتأثرة ،تدخل يف شبكة عالقات متعددة مع
الشخصيات األخرى" ،1ورغم تنوع العالقات فإنو باإلمكاف حصرىا يف زلاور أساسية كما أشار إليها
تودوروؼ "والذي حصرىا يف ثالثة أشكاؿ ،الرغبة و التواصل وادلشاركة ،وىناؾ عالقات أخرى ديكن
اشتقاقها من العالقات الثالث" ،2ومن خالؿ تتبعنا حلركة الشخصيات خالؿ األحداث أمكننا التوصل
إذل نوعية بعض العالقات اليت تربط الشخصيتُت الرئيسيتُت بباقي الشخصيات.
76
بنية الشخصيات الفصل الثالث
- 1الرواية ،ص.54
- 2الرواية ،ص .119
77
بنية الشخصيات الفصل الثالث
تقوـ على االحتقار فالشاىد يعاتبها سلاطبا إياىا ،على مىت تعرش فوؽ مفاتنك
الطحالب..الفئراف..واخلنافس..تعلي قصورا ..؟؟
يا ..أيتها ادلدينة ادلومس ،1 !!..فهو يتعجب من الوضع الذي آلت غليو ويصفها بالبغي رافضاً غوايتها،
لقد أصبحت أخشاىا ..أرىبها ..أنا أرى يف حلظيها شهيق الشهوة..فوار الشبقية..
ليس رل طاقة هبا.أخشى أف تبتلعٍت ..إهنا تبتلع اجلميع..
كلهم على جسدىا ادلتهدؿ ادلتهرئ..يغدوف حلزونات ال ربسن إال التلذذ يف الرؤية..وأنا أرفض ..
2
اكره..أنبذ االلتصاؽ.
لكن العالقة ربولت من احتقار إذل حب وذلك بعد صلاح ادلومس يف غواية البطل "كاف يشغلٍت أمر
آخر...كاف حب ادلدينة ينهض يف قليب شعلة متقدة..أوؿ ما صادفٍت ووقف أماـ بصري يسد عٍت
الرؤية .3"..
لكنو سقوط مؤقت فقد عاد البطل إذل سابق عهده بعد تدخل الشيخ اجملذوب الذي انتشلو من بُت
براثن ادلومس.
ج_ عالقػة الشػاىد باألمسر ذو العينُت العسليتُت وشذا الزىور سناف الرمح :
كانت يف البداية عالقة صداقة ،فهو يتذكرىم كلما عصف زلزاؿ القلق جبوارحو "وتذكرهتم ،عسل
النحل ونور الشمس وشذا الزىر وسناف الرمح واألمسر ذو العينُت العسليتُت" ،4لكن سرعاف ما ربولت
ىي األخرى بعد استسالـ البطل إذل عالقة حقد "أما أنا فقد وقفت حلظة كراىب يؤدي طقوس
الصلوات وحُت فطنت ألمري وجدت قليب ديوت باحلقد على ذو العينُت العسليتُت وعسل النحل ونور
الشمس وشذا الزىر ،أين أجد كل ىؤالء األنذاؿ؟ لقد شردىم الغراب يف الفيايف والقفار واجلباؿ
وعساىم ديوتوف ىناؾ ..ولكن ىذا ال يتناسب مع تطلعايت ألجد من القضاء عليهم قضاء مربماً" .5
- 1الرواية ،ص.11
- 2الرواية ،ص.20
- 3الرواية.113 ،
- 4الرواية ،ص.32
- 5الرواية ،ص.118
78
بنية الشخصيات الفصل الثالث
لقد سبيزت عالقة الشاىد بالشخصيات الرئيسة يف الروائية تتغَت بتغَت الظروؼ على عكس عالقتو مع
الشخصيات الثانوية مثل الثعالب والفأر فقد بقيت ثابتة على مدار الرواية.
/2عػالقات الغػراب بالشخصػيات األخػرى :
السيد لعن/نعل مصلحة
عالقات تبعية
شذا الزىر،األمسر،نور الكره
الشمس سناف الرمح ،عسل النحل الغراب
ادلومس االستغالؿ
ثابتة
الفأر خضوع
أ_ عالقة الغراب بالسيد نعل/لعن :
تقوـ على اخلضوع االمتثاؿ ألوامر الغراب فهو مالزـ لو يف كل مشاريعو فال يذكر الغراب يف أي مشهد
إال ويكوف السيد لعن/نعل جبانبو "يقف يف ادلقدمة الغراب عن ديينو كالظل السيد لعن أقصد نعل
حيدقوف على مرتفع األرض ، 1 ...مقدماً لو فروض الطاعة والوالء "صاح لعن أقصد نعل حبة ..
-عاش الغراب سيدنا يف األرض والًتاب" ،2لكن كل ىذا التقدير للغراب ظاىريا فقط فهو يبطن
لو عكس ما يظهر "ورأيت السيد لعن ينظر يف الغراب نظرة شزراء فيها حقد وبغضاء.3 "...
-ونرجع ىذه العالقة إذل زمن بعيد ،فالسيد نعل يدين للغراب حبياتو "يروي بالتواتر أف نعال
دخل ادلدينة على حُت غفلة من أىلها سارقاً...فألقى القبض عليو...فلما قدـ للمحاكمة
وحكم عليو بالقتل ..فلما التمس العفو ...طبق عليو الغراب احلكم األنف...صار خادمو.
األمُت وأمُت سره" ،4واستغل الغراب ىذه احلادثة لصاحلو فسخر السيد نعالً خادماً لو ،فهو
الذي وضح لو نعال خاصاً وىذا إلخفاء أظفار قدديو اليت ىي يف احلقيقة سلالب ولوال احلذاء
- 1الرواية ،ص.88
- 2الرواية :ص.15
- 3الرواية ،ص.95
- 4الرواية ،ص.97
79
بنية الشخصيات الفصل الثالث
،1فالغراب ألنكشف أمر الغراب "وىذا ىو سر العالقة احلميمية بُت الغراب والسيد نعل"
شخصية مستبدة ومستغلة إذل أبعد احلدود وال تفوت فرصة إلخضاع اآلخرين ذلا.
د -عػالقة الغػراب باذلدىد وشذا الزىو وسناف الرمح وعسل النحل :
ىي عالقة قائمة على الكره ادلتبادؿ ،فقد أقدـ الغراب على قتل اذلدىد فقط ألنو أراد تنبيو الشعب
وإيقاظهم من غفلتهم ،فاذلدىد بالنسبة للغرباء مؤشر اخلطر ،وىو يهدد كيانو ونظامو السياسي "فكف
،4 الغراب عن ثرثرة وقصد اذلدىد فجز رأسو ومحلو من أذنو يتقاطر دماً ،مث غرز رزلاً يف حلقومو"...
وكذلك بالنسبة لشذى الزىر وعسل النحل وسناـ الرمح ونور الشمس فالغراب يعتربىم السبب يف
دخوؿ اذلدد إذل ادلدينة وحيملهم مسؤولية الفوضى اليت حدثت "أضع جسدي كلو يف النار إف دل يكن
- 1الرواية ،ص.82
- 2الرواية ،ص.79
- 3الرواية ،ص.104
- 4الرواية ،ص.90
80
بنية الشخصيات الفصل الثالث
أؤلئك ادلارقوف ىم السبب ،ليس يف ذلك شك وال ريب ،األمسر ذو العينُت العسليتُت وعسل النحل
ونور الشمس وشذى الزىر ...ومن غَتىم بعد أف شردناىم وطردناىم يف الفيايف والصحاري...
1
األوغاد ما زالوا حيلموف بكرسي الزعامة.
فشغل الغراب الشاغل ىو احلفاظ على كرسي الزعامة بغض النظر عن الوسائل ادلستخدمة يف ذلك.
لعلنا بعد كل ىذا سبكنا من االقًتاب نوعاً من شخصيات الرواية ،واقتفاء أثرىا ،زلاولُت الوصوؿ إذل
الدالالت الكامنة يف طياهتا ،انطالقاً من النص الروائي ،الذي مهما ادعينا اإلحاطة بو فسنبقى مقصرين
يف حقو ،فهو متفرد تفرد شخصياتو واليت ىي األخرى مهما تومهنا احلصوؿ على مفاتيحها فسنبقى
قاصرين عن ذلك ،فهي تستدعي ادلزيد من التأمل الواعي والتفكَت العميق ألهنا تكشف لنا عن زمن
يعترب نقطة سوداء يف تاريخ اجلزائر.
ومن مجلة النتائج ادلتوصل إليها:
-شخصيات الرواية ليست واضحة ادلالمح.
-اعتمد الكاتب على البناء ادلورفولوجي والداخلي من اجل إخراج شخصياتو يف حلة أدبية
متناسقة األجزاء.
-دل تأت شخصيات الرواية دلعاجلة الواقع بل ىي نافذة من خالذلا نطل على الواقع.
-تتنوع الشخصيات بُت اإلنسية واحليوانية و ادلؤنسنة (احلصى ،البالوعة ،النخلة) فقد ربولت من
أشياء جامدة إذل شخصيات فاعلة يف احلدث الروائي.
-سبيزت العالقات بُت الشخصيات الروائية بالثبات تارة وبالتغَت طوراً.
-الشخصيات قائمة على التناقض يف الشكل والسلوؾ ،تناقض الزمن ،وذلك إلبراز معادل التغَت
فقد خرجت من عباءة الزمن.
-الشخصيات حاملة لرؤية الكاتب للواقع.
-الشخصيات تتميز بالدينامية فهو يفسح ذلا اجملاؿ للتعبَت عن آرائها.
81
الخاتمة:
خالل قراءتنا لألعمال األدبية للكاتب ،يتضح انو على قدر كبري من التفرد اإلبداعي فأعمالو تتصف
بالثراء والتنوع ما جعلها حمط اىتمام الدارسني على املستوى الوطين والعريب وقد خلص البحث إىل مجلة
من النتائج واملالحظات أمهها األيت:
* إن التتابع والتداخل مها البناءان املهيمنان على السرد ،حيث يعمل التتابع على احملافظة على البناء
السردي ،أما التداخل (تضمني قصة داخل قصة ،أو حدث داخل حدث)ضمن احلكاية األم فهو مجايل
مساه تودوروف بالرتصيع أو السرد املؤطر.
* ميتزج يف الرواية زمنان امتزجا عضوياً يغدو معو فصل أحدمها عن اآلخر تفكيكاً لوحداتو وىذان
الزمنان مها ،زمن الضياع الذي ميثل حاضر السرد ويهيمن على سطحو وزمن احللم املاضي الذي يقدم
بواسطة اسرتجاع يتسلل إىل البناء الروائي دون إحساس بني بأن السارد قد توقف عند حلظة من احلاضر
ليعود إىل املاضي ،ليعمل ىذا املزج بني الزمنني على انتشار حالة تتفاعل فيها املتناقضات.
إسرتاتيجية الزمن :ال يسري الزمن على وترية واحدة ،بل مثة احنراف عن خطو املنطقي ،وىذا ما
يسمى باملفارقات الزمنية وفق إصطالح جريار جنيت.
التناوب اإليقاعي :يبدو واضحاً أن مثة تناوباً إيقاعيا يف الرواية بني حالتني متثالن جمموعة من
الثنائيات (احلاضر/املاضي)( ،العنف/األمان)( ،اجلمال/القبح)( ،احللم/الفجيعة).
الشحن الفين لألمكنة :مل يعنت الكاتب بوصف األمكنة يف الرواية وصفاً تفصيلياً ،بل سعى
إىل حتميلها دالالت تعكس الواقع املعيش خالل تلك الفرتة الزمنية ،وما يالحظ أن دالالت
املكان قد تراوحت بني العنف واألمان ،وذلك إلبراز التناقض القائم بني الزمنني املاضي
واحلاضر ،كما أن بعض األمكنة املفتوحة قد عدت مغلقة بالنسبة إلحساس الشخصية هبا.
الرتميز :شخوص الرواية ذات دالالت رمزية ،رمست عاملاً متناقضاً يعج بالفوضى والتناقض فقد
استطاع عز الدين جالوجي أن سيم كل شخصية مسة خاصة لتشدنا إليها وتبحر بنا يف عامل
من الرؤية والتأويل.
إن عناصر البناء السردي ىي عناصر بنائية متكاملة ذات نسيج متوحد ال ميكن فصلها،
فدراسة الشخصية مبفردىا والزمان واملكان مبفردمها ،والسرد مبفرده يفكك البناء الفين ،ألن تلك
العناصر جمتمعة ،متثل اهليكل البنائي املتكامل للنص الروائي ،وتألفها يكسب النص شعريتو.
83
. الملحـق:
التعريف بالروائي:
عز الدين جالوجي:
86
. الملحـق:
87
. الملحـق:
88
. الملحـق:
...نالحظ أن رواية "سرادق احللم والفجيعة" جاءت طافحة بالروح الشعرية اليت جتسدت يف ىاجس
احلرية ،مع توفر عناصر السرديات جاءت يف رلملها منوذجاً ناضجاً لشعرية السرد واحلكي ،وكثًناً ما
االنفعالية الدالة على حالة التيو توسل بإنزياحات الصورة الشعرية يف نقل األحداث ادلفعمة باحلاالت
والضياع اليت كانت تعاين منها الشخصية الرئيسية...إن جالوجي هبذه الرواية العجائية الطابع ،الشعرية
احلكي سعي إىل إخراج ادلتلقى من السكونية السالبة إىل اجلمالية ادلوجبة.
89
الفهرس
رقم الصفحة الموضوع
المقدمة...................................................................................... :أ – ب
المدخل13 - 4..................................................................................... :
الفصل األول :بناء المكان ودالالته.
-1مفهوم المكان15 ............................................................................. :
أ -لغة15. ......................................................................................... .
ب -المفهوم الفلسفً16 - 15 ................................................................. .
17 - 16 ........................................ ج -مفهومه عند النقاد العرب والغرب.
-2أهمٌة المكان فً تشكٌل الخطاب الروائً20 - 19 ................................ .
-3التشكالت المكانٌة ودالالتها20 ........................................................... .
-أ األماكن المفتوحة20 ..........................................................
-1المدٌنة 26 - 21 ................................................................................
-2الشارع27 -26 .................................................................................
-3الجدار 27 .......................................................................................
-4البحر 28 .........................................................................................
-5الصخرة 28 .....................................................................................
-6الشالل 28 ........................................................................................
-ب األماكن المغلقة28 ..........................................................
-1المقهى 29 - 28 ...............................................................................
-2البٌت 30 - 29 .................................................................................
-3السجن 31-30 ..................................................................................
-4جدول إحصائً لألمكنة فً الرواٌة31 ................................................. .
الفصل الثانً :بناء الزمن.
- 1مقاربة فً ماهٌة الزمن37 -33 .................................................... .
- 2الزمن فً الرواٌة38-37................................................
-3آراء النقاد حول الزمن الروائً وأقسامه41 -39 .................................. .
-4مخطط العالقات القائمة بٌن زمن القصة وزمن الحكاٌة42 ..................... .
-5التنافر الزمنً فً الرواٌة45 -43 ....................................................... .
أ -االسترجاع 52 -45 ...........................................................................
ب -االستباق 55 -52 ............................................................................
-6دٌمومة النص الروائً57 ................................................................. .
أ -التبطًء السردي 61-57 .....................................................................
ب -التسرٌع السردي 63-61 ...................................................................
الفصل الثالث :بنٌة الشخصٌات.
-1تمهٌد67 -65 ................................................................................ .
-2البناء المورفولوجً للشخصٌات70 -67 .............................................. .
-3البناء الداخلً للشخصٌات75 -71 ...................................................... .
-4طبٌعة العالقات القائمة بٌن الشخصٌات81 -76 .................................... .
الخاتمة84 -83 ................................................................................... :
الملحق89 -86 .................................................................................... :
قائمة المصادر والمراجع93 -91 ............................................................ :
الفهرس.