You are on page 1of 218

‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.

net‬‬

‫‪1‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫جميــل حمــداوي‬
‫شعريـ ــة النــص الم ــوازي‬
‫(عتبــات الن ــص األدب ــي)‬

‫المؤلف‪ :‬جميل حمداوي‪.‬‬


‫الكتاب‪ :‬شعرية النص الموازي‪.‬‬
‫الطبعة األولى سنة ‪2014‬م‪.‬‬
‫حقوق الطبع محفوظة للمؤلف‪.‬‬
‫الطبعة الثانية سنة ‪2016‬م‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫اإله ـ ـ ــداء‬

‫أهدي هذا العمل المتواضع إلى أخي العزيز األستاذ الدكتور شعيب‬
‫حليفي الذي استفدنا منه كثيرًا‪ ،‬وال سيما عندما كنا طلبة الماجستير‬
‫والدكتوراه‪ .‬فلم أجد أمامنا سوى هذا العلم الكبير في مجال السرديات‬
‫أنهل منه‪ .‬فإليه شكري الجزيل‪ ،‬متمنيا له الصحة والعافية والعمر المديد‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫المقدمـ ــة‬
‫من املع روف أن النص األديب أن واع‪ .‬فهن اك النص ال رئيس‪ ،‬والنص احملي ط‪ ،‬والنص الف وقي‪ .‬ف النص‬
‫الرئيس هو الذي يتعلق بالنص اإلبداعي الذي يوجد بني دفيت الكتاب‪ ،‬ويتسم خباصيات داللية وفنية‬
‫ووظيفية‪ ،‬ويرتبط بلحظة اإلبداع‪ .‬يف حني‪ ،‬يتعلق النص احمليط بالعتبات اليت حتيط بالنص وتسيجه‬
‫وجتاوره‪ ،‬مث ل‪ :‬العن وان‪ ،‬واإله داء‪ ،‬واملقدم ة‪ ،‬واملقتبس‪ ،‬وحيثي ات النش ر‪ ،‬وكلم ات الغالف‪،‬‬
‫واأليق ون‪ ،‬والغالف‪...‬يف حني‪ ،‬يتعل ق النص الف وقي ب القراءات النقدي ة‪ ،‬والتعليق ات‪ ،‬والش هادات‪،‬‬
‫والرسائل‪ ،‬واحلوارات‪ ،‬واملذكرات‪...‬‬
‫والعتبات مهمة يف جمال حتليل النص األديب؛ ألهنا تسعف الباحث‪ ،‬أو الناقد‪ ،‬أو احمللل‪ ،‬يف فهم النص‬
‫األديب وتفسريه وتأويله‪ ،‬أو تفكيكه وتركيبه‪ .‬وقد ظلت العتبات ميدانا خصبا للدراسات الشعرية يف‬
‫الفرتة اليوناني ة‪ ،‬أو الفرتة العربي ة‪ ،‬أو الفرتة املعاص رة‪ ،‬والسيما مع تطور الش عرية الفرنس ية والبنيوية‬
‫اللسانية‪ .‬ويعد جريار جنيت(‪ )Gérard genette‬من أهم الدارسني الذين عمقوا شعرية العتبات‬
‫يف كثري من مؤلفاته‪ ،‬وخاصة يف كتابه (العتبات‪.) Seuils /‬‬
‫ويندرج كتابنا هذا ضمن شعرية النص املوازي‪ .‬وبالتايل‪ ،‬فهو يعرف القارىء مبجمل العتبات احمليطة‬
‫والفوقية اليت تساعده على حتليل النصوص األدبية بنية‪ ،‬وداللة‪ ،‬ومقصدية‪.‬‬
‫ومازالت الدراسات النقدية العربية املعاصرة‪ ،‬إىل يومنا هذا‪ ،‬تغفل العتبات املوازية للنص‪ ،‬على الرغم‬
‫من أمهيتها املنهجية والتطبيقية‪ .‬ومن مث‪ ،‬النتفق مع الذين يقولون‪ :‬ليست العتبات سوى عتمات‬
‫التضيء شيئا‪ ، 1‬وال تفيد يف شيء‪ ،‬بل نقول‪ :‬إن العتبات هي اليت متهد لنا الطريق‪ ،‬ومتدنا مبفاتيح‬
‫حتليل اخلطاب جزئيا أو كليا‪ .‬لذا‪ ،‬البد من االهتمام هبا تنظريا وتطبيقا يف أحباثنا ودراساتنا‪ ،‬فكل‬
‫شيء يف النص يدل‪ ،‬مهما كان هامشيا أو زائدا‪.‬‬
‫ونتمىن من اهلل عز وج ل أن يلقى هذا الكتاب املتواضع رض ا القراء‪ ،‬ويع ود عليهم ب النفع والفائدة‪،‬‬
‫داعيا لنفسي باملغفرة والتوبة من أي تقصري‪ ،‬أو ادعاء‪ ،‬أو نسيان‪ ،‬أو خطإ‪ ،‬أو سهو‪.‬‬

‫‪ -‬مصطفى سلوي‪ :‬عتبات النص‪ :‬المفهوم والموقعية والوظائف‪ ،‬منشورات كلية اآلداب وجدة‪ ،‬رقم‪ ،71‬املغرب‪ ،‬الطبعة‬ ‫‪1‬‬

‫األوىل سنة ‪2003‬م‪ ،‬ص‪.7-6:‬‬


‫‪4‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫الفصل األول‪:‬‬

‫لماذا الن ــص المـ ــوازي؟‬


‫شهدت الدراسات واألحباث السردية يف السنوات األخرية اهتماما كبريا بالعتبات ‪( -Seuils-‬كما‬
‫عن د ج نيت ‪ ،)Genette‬أو ه وامش النص(عن د ه نري مي رتان ‪ ،)H. Mitterand‬أو العن وان‬
‫بص فة عام ة (عن د ش ارل كريف ل ‪ ،)Ch. Grivel‬أو م ا يس مى اختص ارا ب النص املوازي (‪Le‬‬
‫‪.)Paratexte‬‬
‫وقد أثار مصطلح (‪ ،)Le paratexte‬أو (‪ ،)La paratextualité‬يف استعماالت وتوظيفات‬
‫ج ريار ج نيت( ‪ ،) G.Genette‬اض طرابا يف الرتمجة داخ ل الس احة الثقافي ة العربي ة بني املغارب ة‬
‫واملشارقة‪ .‬والسبب يف ذلك االعتماد على الرتمجة القاموسية احلرفية‪ ،‬أو اعتماد املعىن وروح السياق‬
‫الذي وظف فيه يف اللغة األصلية‪.‬‬
‫وهك ذا‪ ،‬جند س عيد يقطني ي رتجم مص طلح (‪ )Paratextes‬باملناصص ات‪ .‬وهي عن ده‪ ،‬يف كتاب ه‬
‫(القراءة والتجربة)‪ ،‬تلك "اليت تأيت على شكل هوامش نصية للنص األصل هبدف التوضيح أو التعليق‬
‫أو إث ارة االلتباس ال وارد‪ .‬وتبدو لنا ‪ -‬يق ول الب احث‪ -‬هذه املناصص ات خارجي ة (وميكن أن تكون‬
‫داخلية) غالبا»(‪.)2‬‬
‫أما يف كتابه (انفتاح النص الروائي)‪ ،‬يستعمل املناص بعد عملية اإلدغام الصرفية‪ ،‬وجيمعها على صيغة‬
‫املناص ات‪ .‬فاملن اص اس م فاع ل من الفع ل ن اص مناص ة معلال اختي اره مبا جيد يف ه ذا الفع ل من دالل ة‬
‫على املش اركة واجلوار‪ .‬ومن ه أخ ذ املناص ة للدالل ة على اس م الفاع ل(‪ .)3‬وبع د ذل ك‪ ،‬وظ ف ه ذا‬
‫الباحث املغريب املناص يف كتبه الالحقة‪ ،‬والسيما يف (الرواية والرتاث السردي) منها(‪.)4‬‬

‫‪ -‬سعيد يقطني‪ :‬القراءة والتجربة‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،1985‬ص ‪.208‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬سعيد يقطني‪ :‬انفتاح النص الروائي‪ ،‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األوىل ‪ ،1989‬ص ‪( 102‬اهلامش)‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬سعيد يقطني‪ :‬الرواية والتراث السردي‪ ،‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،1992‬ص ‪.50‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪5‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫وجند عند حممد بنيس مصطلح (النص املوازي)‪ .‬ويقصد به الطريقة اليت هبا "يصنع به من نفسه كتابا‪،‬‬
‫ويقرتح ذاته هبذه الصفة على قرائه‪ ،‬وعموما على اجلمهور" (‪.)5‬‬
‫ف النص املوازي عن د ب نيس عب ارة عن عتب ات ترب ط عالق ة جدلي ة م ع النص بطريق ة مباش رة أو غ ري‬
‫مباش رة‪ .‬يق ول ب نيس عن النص املوازي بأن ه تل ك "العناص ر املوج ودة على ح دود النص‪ ،‬داخل ه‬
‫وخارجه يف آن‪ ،‬تتصل به اتصاال جيعلها تتداخل معه إىل حد تبلغ فيه درجة من تعيني استقالليته‪،‬‬
‫وتنفصل عنه انفصاال يسمح للداخل النصي‪ ،‬كبنية وبناء‪ ،‬أن يشتغل وينتج دالليته"(‪.)6‬‬
‫وقد أثبت حممد بنيس أن الشعرية اليونانية األرسطية والشعرية العربية مل هتتما "بقراءة ما حييط بالنص‬
‫من عناصر أو بنيتها أو وظيفتها"(‪.)7‬‬
‫وق د قادت ه عملي ة املالحظ ة واالس تقراء إىل العث ور "فيم ا بع د على دراس ات نص ية حديث ة يف حق ل‬
‫الفلسفة والشعرية خصوصا‪ ،‬تنصت بطريقتها إىل هذه العناصر كما لعناصر أخرى تشكل معها عائلة‬
‫واحدة"(‪.)8‬‬
‫لكن إذا تصفحنا كتب النقد العريب القدمي يف املشرق واألندلس‪ ،‬فسنجد مصنفات كثرية هتتم بعتبات‬
‫النص املوازي‪ ،‬والسيما عند الكتاب الذين عاجلوا موضوع الكتابة والكتاب‪ ،‬كالصويل‪ ،‬وابن قتيبة‪،‬‬
‫والكالعي‪ ،‬وابن وهب الك اتب‪ ،‬وابن األث ري‪ ،‬وحمم د علي الته انوي‪ ،‬وغ ريهم‪ .‬فق د رك ز الص ويل ‪-‬‬
‫مثال ‪ ،-‬يف كتاب ه (أدب الك اتب)‪ ،‬على العنون ة وفض اء الكتاب ة‪ ،‬وأدوات التحب ري وال رتقيش‪ ،‬وكيفي ة‬
‫التصدير‪ ،‬والتقدمي والتختيم(‪.)9‬‬

‫‪ -‬حممد بنيس‪ :‬الشــعر العــربي الحــديث‪ :‬بنياتــه وإبــداالتها‪ ،1 ،‬التقليديــة‪ ،‬دار توبقال للنشر‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األوىل‬ ‫‪5‬‬

‫‪ ،1989‬ص ‪.77‬‬
‫‪ -‬حممد بنيس‪ :‬نفسه‪ ،‬ص ‪.76‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪ -‬حممد بنيس‪ :‬نفسه‪ ،‬ص ‪.77‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪ -‬حممد بنيس‪ :‬نفسه‪ ،‬ص ‪.77‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪ -‬الصويل‪ :‬أدب الكتاب‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬بدون تأريخ للطبعة‪ ،‬صص‪.260-163 :‬‬ ‫‪9‬‬

‫‪6‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫ويتــرجم فــريد الزاهي مصطلـح(‪ )Le paratexte‬باحمليط اخلارجي‪ ،‬أو حميط النص اخلارجي(‪.)10‬‬
‫أم ا عب د الع ايل ب وطيب‪ ،‬فيس تعمل املن اص على غ رار ترمجة س عيد يقطني(‪ .)11‬لكن عب د الفت اح‬
‫احلجمري خيتار (النص املوازي) مثل حممد بنيس(‪ .)12‬يف حني‪ ،‬يستعمل عبد الرحيم العالم مصطلح‬
‫(املوازيات)(‪.)13‬‬
‫ويرتجم الباحث التونسي حممد اهلادي املطوي مصطلح (‪ )La paratextualité‬باملوازية النصية‪،‬‬
‫أو املوازي النص ي‪ ،‬بعكس ترمجة حمم د ب نيس‪ .‬وه ذه الرتمجة حرفي ة وقاموس ية‪ .‬و‪ Para‬ترمجة‬
‫للموازي‪ ،‬مبعىن احملاذاة والتفاعل معا‪ ،‬و"يف اللغة توازى الشيئان‪ :‬حتاذيا وتقابال‪ .‬وذلك حىت يشمل‬
‫املصطلح الصنفني السابقني من املوازي النصي [أي النص الداخلي والنص الفوقي اخلارجي]‪ ،‬وفيهما‬
‫م ا ال جياور املنت يف نفس األث ر ك أن يك ون ش هادة أو تعليق ا أو توض يحا‪ ،‬إذا ج اء مت أخرا عن طبع ه‬
‫ونشره"(‪.)14‬‬
‫وقد ترجم الباحث اللبناين عبد الوهاب ترو جمموعة من املصطلحات اليت أوردها جنيت على النحو‬
‫التايل‪:‬‬
‫‪ .1‬املتعاليات النصية‪transtextualité :‬‬
‫‪ .2‬النصوصية املرادفة‪paratextualité :‬‬
‫‪ .3‬النصوصية الشمولية‪architextualité:‬‬
‫‪ .4‬النصوصية الشاملة‪hypertextualité :‬‬
‫‪ .5‬ما وراء النصوصية‪métatextualité :‬‬
‫‪ -‬فؤاد الزاهي‪ :‬الحكاية والمتخيل‪ ،‬أفريقيا الشرق‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األوىل ‪ ،1991‬ص ‪.85‬‬ ‫‪10‬‬

‫‪ -‬عبد العايل بوطيب‪( ،‬برج السعود‪ -‬وإشكالية العالقة بني الروائي والتارخيي) جملة المناهل‪ -‬مغربية‪ -‬العدد‪/55‬السنة‪،22‬‬ ‫‪11‬‬

‫يونيو ‪ ،1997‬ص‪.63 :‬‬


‫‪ -‬عبد الفتاح احلجمري‪ :‬عتبات النص‪ :‬البنية والداللة‪ ،‬شركة الرابطة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬ط‪ ،1/1996‬ص ‪.9‬‬ ‫‪12‬‬

‫‪ -‬عب د ال رحيم العالم‪( ،‬اخلط اب املق دمايت يف الرواي ة املغربي ة)‪ ،‬جمل ة عالمــات مغربيــة‪ -‬الع دد‪ ،1997 ،8‬ص ‪( 17‬انظ ر‬ ‫‪13‬‬

‫اهلامش ص ‪.)23‬‬
‫‪ -‬حمم د اهلادي املط وي‪( ،‬يف التع ايل النص ي واملتعالي ات النص ية)‪ ،‬المجلـ ــة العربي ــة للثقافـ ــة‪ ،‬ت ونس‪ ،‬الس نة ‪ ،16‬الع دد‬ ‫‪14‬‬

‫‪ ،32/1997‬ص ‪.196‬‬
‫‪7‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫ويف ه ذا الس ياق‪ ،‬يق ول عب د الوه اب ت رو‪ ":‬كم ا أن ه (ج نيت) ق د أض اف أش كاال جدي دة على‬
‫املتعالي ات النص ية‪" :‬فالتن اص أو النصوص ية املرادف ة(‪ .) Paratextualité‬تقيم عالق ة بني النص‬
‫األديب وكل ما حييط به من عناوين ومقدمات ومالحق‪ .‬أما "وراء النصوصية ‪.Métatextualité‬‬
‫فرتبط النص بنص آخر يتكلم عنه دون أن يسميه أو ينقل عبارات منه"(‪.)15‬‬
‫وجند عن د الس وري حمم د خ ري البق اعي مص طلح امللحق ات النص ية‪ .‬وهي ترمجة جي دة ودقيق ة؛ ألن‬
‫النص املوازي عبارة عن عتبات وملحقات حتيط بالنص من الداخل أو من اخلارج(‪ .)16‬أما ترمجات‬
‫عب د الوه اب ت رو‪ ،‬فرتمجات حرفي ة وغامض ة وكث رية االض طراب‪ ،‬وإال فم ا الف رق بني النصوص ية‬
‫الشمولية والنصوصية الشاملة؟!!‬
‫واستعمل املختار حسين مصطلح النصية املوازية(‪ .)17‬واستعمل املقداد قاسم مصطلح الرتافق(‪.)18‬‬
‫وعلي ه‪ ،‬إذا ع دنا إىل ق واميس اللغ ة األجنبي ة لتحدي د مفه وم مص طلح ‪،La paratextualité‬‬
‫فس نجد الس ابقة اليوناني ة‪ -Para-‬األص ل توظ ف مبع ىن جبانب‪ .‬وهي يف اللغ ة الفرنس ية تس بق ع دة‬
‫كلم ات‪ ،‬كم ا ورد يف معجم روب ري الكب ري‪ .‬وهلا مع ان أخ رى خمتلف ة ن ذكر منه ا‪ :‬اجملاورة‪ ،‬والقراب ة‬
‫واملصاحبة واملشاهبة والوقاية من‪ ...‬إىل آخره‪ .‬و‪ textualité‬تعين النصية‪ ،‬و‪ texte‬تعين النص‪.‬‬
‫ل ذا‪ ،‬أفض ل مص طلحي النص املوازي لرتمجة(‪ ،)Le paratexte‬أو امللحق ات النص ية على غ رار‬
‫ترمجيت حممد بنيس‪ ،‬وحممد خري البقاعي‪ ،‬وإن كان النص املوازي أفضل‪.‬‬

‫‪ -‬عب د اهلل ت رو‪( :‬تفس ري وتط بيق مفه وم التن اص يف اخلط اب النق دي املعاص ر)‪ ،‬مجلــة الفكــر العــربي المعاصــر ‪ -‬لبن ان‪-‬‬ ‫‪15‬‬

‫العددان ‪ ،61/1989-60‬ص ‪.80‬‬


‫‪ -‬حممد خري البقاعي‪( ،‬أزمة املصطلح يف النقد الروائي العريب)‪ ،‬مجلة الفكر العربي العمعاصـر‪ -‬بريوت‪ ،‬السنة ‪ ،17‬العدد‬ ‫‪16‬‬

‫‪ ،83‬سنة ‪ ،1996‬ص ‪.84‬‬


‫‪ -‬املخت ار حس ين‪( :‬من التن اص إىل اأاط راس)‪ ،‬مجلــة عالمــات في النقــد ‪ -‬الس عودية‪ -‬اجلزء ‪ ،25‬اجملل د ‪ ،1997/ 7‬ص‬ ‫‪17‬‬

‫‪.178‬‬
‫‪ -‬تدييه‪ ،‬جان إيف‪ :‬النقد األدبي في القرن العشرين‪ ،‬ترمجة قاسم مقداد‪ ،‬وزارة الثقافة‪ ،‬دمشق‪ ،‬سورية‪.1993 ،‬‬ ‫‪18‬‬

‫‪8‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫إذًا‪ ،‬فالنص املوازي عبارة عن عتبات مباشرة‪ ،‬وملحقات وعناصر حتيط بالنص سواء من الداخل أم‬
‫اخلارج‪ .‬وهي تتحدث مباشرة أو غري مباشرة عن النص؛ إذ تفسره وتضيء جوانبه الغامضة‪ ،‬وتبعد‬
‫عنه التباساته وما أشكل على القارئ‪.‬‬
‫وتشكل العناصر املوازية‪ ،‬يف احلقيقة‪ ،‬نصوصا مستقلة‪ .‬فاخلطاب املقدمايت ما هو يف احلقيقة إال نص‬
‫مستقل بذاته‪ ،‬له بنيته اخلاصة‪ ،‬ودالالت متعددة ووظائف‪ .‬كما يرد العنوان يف شكل صغري‪ ،‬وخيتزل‬
‫نصا كبريا عرب التكثيف‪ ،‬واإلحياء‪ ،‬والرتميز‪ ،‬والتلخيص‪.‬‬
‫وهك ذا‪ ،‬تش كل امللحق ات اجملاورة للنص (املؤل ف‪-‬اجلنس‪-‬املق دمات‪-‬العن اوين‪-‬احلوارات إخل‪)...‬‬
‫نصوصا مستقلة جماورة وموازية للنص‪ .‬وهلذا‪ ،‬فضلنا استعمال مصطلح (النص املوازي)‪ ،‬مع توظيف‬
‫مفاهيم أخرى كالعتبات وهوامش النص وامللحقات النصية لتعضيد هذا املصطلح األساسي‪.‬‬
‫ويعترب النص املوازي من أهم عناصر املتعاليات النصية‪ -Transtextualité-‬إىل جانب التناص‪،‬‬
‫والتعل ق النص ي‪ ،‬ومعماري ة النص‪ ،‬والنص الواص ف‪ .‬ويتك ون النص املوازي من ملحق ات وعتب ات‬
‫داخلي ة وخارجي ة‪ ،‬تتح دث عن النص بالش رح والتفس ري والتوض يح‪ ،‬كعتب ة املؤل ف‪ ،‬وعتب ة‬
‫اإلهداء‪...‬إخل‪.‬‬
‫ويعين هذا أن ما يهم جنيت ليس هو النص‪ ،‬لكن التعايل النصي‪ ،‬والتفاعالت املوجودة بني النصوص‬
‫عرب الوصف‪ ،‬وتداخل النصوص‪ ،‬واجملاورة النصية‪ ،‬والتعلق النصي عرب جدلية السابق والالحق‪ ،‬إىل‬
‫جانب مكونات تداخل األجناس األدبية(‪.)19‬‬
‫ويف سياق أطروحات جريار جنيت‪ ،‬أشار جان ماري شافر ‪ Chaeffer‬إىل خاصية التعددية النصية‬
‫(‪ .)hypertextualité‬فهي عن ده تع ين العالق ات القائم ة بني نص معني وع دة نص وص أخ رى‬
‫مثلت بالنسبة إليه مناذج أجناس‪ ،‬كما يتضح من فحص ما مساه الباحث باإلشارات والسمات وآثار‬
‫األجناس(‪.)20‬‬

‫‪19‬‬
‫‪- G. Genette: Introduction à l’Architexte, seuil, pp 87-88.‬‬
‫‪20‬‬
‫‪- Schaeffer (J.M): Qu’est ce qu’un genre littéraire, seuil, 1984, p 175.‬‬
‫‪9‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫هذا‪ ،‬ويعرف جنيت النص املوازي‪ ،‬يف كتابه (األطراس (‪ ،Palimpsestes‬بأنه منط ثان من التعايل‬
‫النص ي‪" .‬ويتك ون من عالق ة هي عموم ا أق ل وض وحا وأك ثر اتس اعا‪ .‬ويقيمه ا النص يف الك ل ال ذي‬
‫يش كله العم ل األديب‪ ،‬م ع م ا ميكن أن نس ميه ب النص الـموازي‪ ،‬أو امللحـقات النص ية ‪Les‬‬
‫‪ ،Paratextes‬ك العنوان‪ ،‬والعن وان الف ردي‪ ،‬والعن اوين الداخلي ة‪ ،‬واملق دمات‪ ،‬وامللحق ات‪،‬‬
‫والتنبيهات‪ ،‬والتمهيد‪ ،‬واهلوامش يف أسفل الصفحة أو يف النهاية‪ ،‬واملقتبسات والتزيينات‪ ،‬والرسوم‪،‬‬
‫وعب ارات اإله داء والتنوي ه والش كر‪ ،‬والش ريط‪ ،‬والقميص‪ ،‬وأن واع أخ رى من العالم ات الثانوي ة‬
‫واإلش ارات الكتابي ة أو غريه ا مما ت وفر للنص وس طا متنوع ا‪ .‬وق د يك ون يف بعض األحي ان ش رحا أو‬
‫تعليقا رمسيا أو شبه رمسي"(‪.)21‬‬
‫ويف كتابه (عتبات‪ ،) seuils‬يضيف جنيت أن النص املوازي هو الذي " جيعل النص كتابا ليقدم إىل‬
‫القراء بصفة خاصة‪ ،‬واجلمهور بصفة عامة‪)22(".‬‬
‫أي‪ :‬إنه عبارة عن ملحقات نصية وعتبات نطؤها قبل ولوج أي فضاء داخلي‪ ،‬كالعتبة بالنسبة إىل‬
‫الباب‪ ،‬أو كما يقول املثل املغريب‪" :‬أخبار الدار على باب الدار!"‪ .‬أو كما قال جنيت نفسه يف شكل‬
‫حكمة‪" :‬احذروا العتبات!"‪)23(.‬‬
‫إن النص املوازي " بأمناطه املتعددة ووظائفه املختلفة هو كل نصية شعرية أو نثرية تكون فيها العالقة‪،‬‬
‫مهما كانت خفية أو ظاهرة‪ ،‬بعيدة أو قريبة بني نص أصلي هو املنت ونص آخر يقدم له أو يتخلله‬
‫مث ل العن وان املزي ف والعن وان واملقدم ة‪ ،‬واإله داء‪ ،‬والتنبيه ات‪ ،‬والفاحتة‪ ،‬واملالح ق وال ذيول‪،‬‬
‫واخلالصة‪ ،‬واهلوامش‪ ،‬والصور‪ ،‬والنقوش‪ ،‬وغريها من توابع نص املنت واملتممات له مما أحلقه املؤلف‬
‫أو الناشر أو الطابع داخل الكتاب أو خارجه مثل الشهادات واحملاورات واإلعالنات وغريها‪ ،‬سواء‬
‫لبيان بواعث إبداعه وغاياته‪ ،‬أم إلرشاد القارئ وتوجيهه حىت يضمن له القراءة املنتجة"(‪.)24‬‬

‫‪21‬‬
‫‪- Genette (G): Palimpseste, p 9.‬‬
‫‪22‬‬
‫‪- Genette (G) : Seuils, p 7.‬‬
‫‪ -‬نقال عن عبد الفتاح احلجمري‪ :‬عتبات النص‪ :‬البنية والداللة (الغالف اخلارجي من الوجهة الداخلية األمامية)‪.‬‬ ‫‪23‬‬

‫‪ -‬حممد اهلادي‪ ،‬املطوي (يف التعايل النصي واملتعاليات النصية)‪ ،‬ص‪.195 :‬‬ ‫‪24‬‬

‫‪10‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫وعليه‪ ،‬فالنص املوازي عبارة عن نصوص جماورة ترافق النص يف شكل عتبات وملحقات‪ ،‬قد تكون‬
‫داخلية أو خارجية‪ .‬وهلا عدة وظائف داللية‪ ،‬ومجالية‪ ،‬وتداولية‪ .‬ويعرفه سعيد يقطني بأنه عبارة عن‬
‫تلك "البنية النصية اليت تشرتك وبنية نصية أصلية يف مقام وسياق معينني‪ ،‬وجتاورها حمافظة على بنيتها‬
‫كاملة ومستقلة‪ ،‬وهذه البنية النصية قد تكون شعرا أو نثرا‪ ،‬وقد تنتمي إىل خطابات عديدة‪ ،‬كما أهنا‬
‫قد تأيت هامشا أو تعليقا على مقطع سردي أو حوار وما شابه"(‪.)25‬‬
‫وال ميكن أن يكون النص املوازي كليا‪ ،‬فهو بنية نصية جزئية يتم توظيفها داخل النص‪ ،‬بغض النظر‬
‫عن س ياقاهتا األص لية‪ .‬ويش مل ه ذا النص عتب ات وملحق ات تس اعدنا على فهم خصوص ية النص‬
‫األديب‪ ،‬وحتديد مقاصده الداللية والتداولية‪ ،‬ودراسة العالقة املوجودة بينها وبني العمل‪ .‬وهي حمفل‬
‫نصي قادر على إنتاج املعىن‪ ،‬وتشكيل الداللة من خالل عملية التفاعل النصي‪ .‬لذا‪ ،‬فللعتبات " الدور‬
‫التواصلي اهلام الذي تلعبه يف توجيه القراءة‪ ،‬ورسم خطوطها الكربى‪ ،‬لدرجة ميكن معها اعتبار كل‬
‫قراءة للرواية بدوهنا مبثابة دراسة قيصرية اختزالية من شأهنا إحلاق ضرر كبري بالنص‪ ،‬وتشويه أبعاده‬
‫ومراميه"(‪.)26‬‬
‫وللنص املوازي وظيفت ان‪ :‬وظيف ة مجالي ة تتمث ل يف ت زيني الكت اب وتنميق ه‪ ،‬ووظيف ة تداولي ة تكمن يف‬
‫استقطاب القارئ واستغوائه‪ .‬بل إن املظهر ال وظيفي هلذا النص اجملاور يتلخص أساسا ‪ -‬كما أشار‬
‫جنيت‪ -‬يف كونه "خطابا أساسيا‪ ،‬ومساعدا‪ ،‬مسخرا خلدمة شيء آخر يثبت وجوده احلقيقي‪ ،‬وهو‬
‫النص"(‪ ،)27‬وهذا ما يكسبه ‪ -‬تداوليا‪ -‬قوة إجنازية وإخبارية باعتباره إرسالية موجهة إىل القراء أو‬
‫اجلمهور (‪.)28‬‬

‫‪ -‬سعيد يقطني‪ :‬انفتاح النص الروائي‪ ،‬ص‪.99 :‬‬ ‫‪25‬‬

‫‪ -‬عبد العايل بوطيب‪( :‬برج السعود و إشكالية العالقة بني الروائي والتارخيي)‪ ،‬جملة المناهل‪ ،‬املغرب‪ ،‬العدد ‪ ،55‬السنة‬ ‫‪26‬‬

‫‪ ،22‬يونيو‪ ،1997 ،‬ص ‪.64‬‬


‫‪27‬‬
‫‪- G. Genette : Seuils, p : 16.‬‬
‫‪28‬‬
‫‪- G. Genette: Seuils, p .p : 15.‬‬
‫‪11‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫إذًا‪ ،‬فللعتبات أمهية ك ربى يف فهم النص‪ ،‬وتفس ريه‪ ،‬وتأويله من مجي ع اجلوانب‪ ،‬واإلحاطة ب ه إحاطة‬
‫كلي ة‪ ،‬م ع اإلملام جبمي ع متفص الته البنيوي ة اجملاورة الداخلي ة واخلارجي ة ال يت تش كل عمومي ة النص‬
‫ومدلوليته اإلنتاجية والتقابلية‪.‬‬
‫وميكن تقسيم النص املوازي إىل قسمني‪:‬‬
‫‪‬النـص المــوازي الداخــلي (‪:)Péritexte‬‬
‫تعين السابقة اليونانية (‪ )Péri‬حول‪ ،‬أو كل نص مواز حييط بالنص أو املنت (النص احمليط)‪ ،‬أو النص‬
‫املوازي الداخلي أو املصاحب أو اجملاور‪.‬‬
‫والنص املوازي الداخلي عبارة عن ملحقات نصية‪ ،‬وعتبات تتصل بالنص مباشرة‪ .‬ويشمل كل ما‬
‫ورد حميطا بالكتاب من الغالف‪ ،‬واملؤلف‪ ،‬والعنوان‪ ،‬واإلهداء‪ ،‬واملقتبسات‪ ،‬واملقدمات‪ ،‬واهلوامش‪،‬‬
‫وغري ذلك مما حلله جنيت يف األحد عشر فصال األوىل من كتابه (عتبات)(‪.)29‬‬
‫‪‬النص المــوازي الخارجي (‪:)Epitexte‬‬
‫وتع ين الس ابقة اليوناني ة (‪" )Epi‬على"‪ ،‬أي‪ :‬النص املوازي اخلارجي‪ ،‬أو النص املوازي الردي ف‪ ،‬أو‬
‫النص العم ومي املص احب‪" .‬وه و ك ل نص من غ ري الن وع األول مما يك ون بين ه وبني الكت اب بع د‬
‫فض ائي ويف أحي ان كث رية زم اين أيض ا‪ ،‬وحيم ل ص بغة إعالمي ة مث ل االس تجوابات واملذكرات‪،‬‬
‫والشهادات‪ ،‬واإلعالنات‪ ،‬ويشمل الفصلني األخريين من كتاب جنيت السابق ذكره"(‪.)30‬‬
‫إذًا‪ ،‬فالنص املوازي اخلارجي هو كل نص مواز ال يوجد ماديا ملحقا بالنص ضمن الكتاب نفسه‪،‬‬
‫لكن ينتش ر يف فض اء فيزي ائي واجتم اعي غ ري حمدد ب القوة‪ .‬وب ذلك‪ ،‬يك ون موض ع (النص العم ومي‬
‫املصاحب) يف أي مكان خارج الكتاب‪ :‬كأن يكون منشورا يف اجلرائد‪ ،‬واجملالت‪ ،‬وبرامج إذاعية‪،‬‬
‫ولقاءات وندوات‪ ...‬إخل‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫‪- G. Genette: Seuils, p. p : 10-11.‬‬
‫‪ -‬انظر حممد اهلادي املطوي‪( :‬يف التعايل النصي واملتعاليات النصية)‪ ،‬ص ‪196‬؛ وجريار جنيت‪ :‬عتبات‪ ،‬ص ‪.11-10‬‬ ‫‪30‬‬

‫‪12‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫فهذان النصان (ال داخلي واخلارجي للنص املوازي) حييطان بنص مرك زي بؤري ه و النص اإلبداعي‬
‫الرئيس‪ .‬وال ميكن فهم هذا النص أو تفسريه إال باملرور عرب العتبات احمليطة‪ ،‬ومساءلة ملحقاته النصية‬
‫واخلارجية‪.‬‬
‫إن العالقة بني النصني( املوازي والرئيس) عالقة جدلية قائمة على التبنني واملساعدة يف إضاءة النص‬
‫الداخلي قصد استيعابه وتأويله‪ ،‬واإلحاطة به من مجيع اجلوانب‪.‬‬
‫ولق د أمهل النق د ال روائي الغ ريب والع ريب النص املوازي م دة طويل ة‪ ،‬واكتفى الب احثون والدارس ون‬
‫باالنكب اب على النص اإلب داعي ال داخلي‪ ،‬وأمهل وا م ا حيي ط هبذا النص من ه وامش‪ ،‬وفه ارس‪،‬‬
‫وعن اوين‪ ،‬وإه داءات‪ ،‬وص ور أيقوني ة‪ ،‬وم ا إىل ذل ك‪ ،‬على ال رغم من أن روالن ب ارت( ‪R.‬‬
‫‪ ) Barthes‬يصرح أن «كل ما يف الرواية له داللة»(‪.)31‬‬
‫وق د أع ادت الش عرية (‪ - )Poétique‬بنيوي ة ك انت أم س يموطيقية‪ -‬االعتب ار هلذا النص املوازي‬
‫املهمش‪ ،‬ب ل اعتربت ه املدخل األس اس إىل أعم اق النص اإلب داعي‪ .‬وك ل إقص اء ملا ه و خ ارجي جيع ل‬
‫هذا العمل ناقصا مليئا بالثغرات املنهجية والنواقص السلبية‪.‬‬
‫ويض م النص املوازي‪ ،‬أو ه وامش النص ‪ -‬كم ا يع رب ه نري مي رتان ‪ ،-H. Mitterand‬جمموع ة‬
‫من العتبات وامللحقات النصية الداخلية واخلارجية‪ .‬وتتمثل أمهية النص املوازي يف حتليل ما يصنع به‬
‫النص من نفس ه كتاب ا‪ ،‬ويق رتح ذات ه هبذه الص فة على قرائ ه‪ ،‬وعموم ا على اجلمه ور‪ .‬ويع ين ه ذا أن‬
‫النص املوازي ما هو إال إطار مادي فيزيائي‪ ،‬ودال معنوي تداويل يربط عالقات مباشرة وغري مباش رة‬
‫بالنص جلذب القارئ‪ ،‬والتأثري فيه على مستوى االستهالك والتقبل اجلمايل‪.‬‬
‫ه ذا‪ ،‬وإن عتب ات النص املوازي عب ارة عن ملحق ات حتي ط ب النص من الناحي ة الداخلي ة أو اخلارجي ة‪.‬‬
‫وهي تنسج خطابا ميتا روائيا عن النص اإلبداعي‪ ،‬وترسل حديثا عن النص واجملتمع والعامل‪.‬‬
‫ومهما بدت مستقلة أو حمايدة‪ ،‬فإهنا شديدة االرتباط بالنص الروائي الذي تقف يف بوابته ومداخله‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫‪- R Barthes; L’effet du réel, Ed. Seuil - Point 1982, p 833.‬‬
‫‪13‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫وعلي ه‪ ،‬مل ي ول النق د ال روائي الع ريب النص املوازي أمهي ة ك ربى إىل يومن ا ه ذا‪ ،‬على ال رغم من بعض‬
‫الدراسات اليت تعد على األصابع يف شكل مقاالت أو أحباث جزئية يف حدود علمنا(‪.)32‬‬
‫وقد أص بح ‪ -‬اآلن‪ -‬من الض روري االهتمام بعتبات النص ال روائي‪ ،‬فهي أساسية لولوج عامل النص‬
‫األديب وفتح مغالقه‪ ،‬واستكناه أعماقه لكي نسرب أغوار النص الداخلية‪ ،‬علينا أن نضع أقدامنا الثابتة‬
‫على مداخل النصوص وعتباهتا‪ ،‬مبا فيها العنوان‪ ،‬والتقدمي‪ ،‬والتصنيف‪ ،‬واإلهداء‪ ،‬ومعمارية النصوص‪،‬‬
‫والفضاء النصي بصفة عامة‪...‬‬
‫ومن مث‪ ،‬يه دف النص املوازي إىل "تق دمي تص ور أويل يس عف النظري ة النقدي ة يف التحلي ل‪ ،‬وإرس اء‬
‫قواع د جدي دة لدراس ة اخلط اب ال روائي"(‪ .)33‬وه و ك ذلك "البه و ‪ - vestibule‬بتعب ري ل وي‬
‫ب ورخيس‪ -‬ال ذي من ه ن دلف إىل ده اليز نتح اور فيه ا م ع املؤل ف احلقيقي واملتخي ل"(‪ .)34‬كم ا أن ه‬
‫"يسعى إىل تقشري جيولوجيا املعىن بوعي حيفر يف التفاصيل ويف النص األديب الذي حيمل يف نسيجه‬
‫تعددية وظالال لنصوص أخرى"(‪.)35‬‬

‫‪ -‬ومن بينها دراسات كل من ‪:‬‬ ‫‪32‬‬

‫أ‪ -‬سعيد يقطني‪( :‬النص املوازي للرواية‪ -‬اسرتاتيجية العنوان)‪ ،‬مجلة الكرمل؛ قربص‪ ،‬العدد ‪.1992 ،46‬‬
‫ب‪ -‬سعيد يقطني‪ :‬انفتاح النص الروائي‪ ،‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األوىل‪.1989 ،‬‬
‫ج‪ -‬عب د اجللي ل األزدي‪( :‬عتب ات املوت‪ -‬ق راءة يف ه وامش وليم ة ألعش اب البح ر)‪ ،‬جمل ة فض ــاءات مس ــتقبلية‪ -‬املغ رب‪-‬‬
‫العددان ‪.1996 /3-2‬‬
‫د‪ -‬عبد الفتاح احلجمري‪ :‬عتبات النص البنية والداللة‪ ،‬شركة الرابطة‪ ،‬الطبعة األوىل ‪.1996‬‬
‫هـ‪ -‬سعيد يقطني‪ :‬الرواية والتراث السردي‪ ،‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األوىل ‪.1992‬‬
‫و‪ -‬عبد الرحيم العالم ‪( :‬اخلطاب املقدمايت يف الرواية املغربية)‪ ،‬مجلة عالمات‪ ،‬املغرب‪ ،‬العدد ‪8/1997‬م‪.‬‬
‫ز‪ -‬عبد العايل بوطيب‪"( :‬برج السعود" وإشكالية العالقة بني الروائي والتارخيي)‪ ،‬مجلة المناهل‪ -‬املغرب‪ -‬العدد ‪ 55‬السنة‬
‫‪ 1997 ،22‬ص ص ‪.73-63‬‬
‫‪ -‬شعيب حليفي‪( ،‬النص املوازي للرواية‪ -‬اسرتاتيجية العنوان)‪ ،‬مجلة الكرمل‪ ،‬قربص‪ ،‬العدد‪ ،1992/ 46‬ص ‪.82‬‬ ‫‪33‬‬

‫‪-‬شعيب حليفي‪ :‬نفسه‪ ،‬ص ‪.82‬‬ ‫‪34‬‬

‫‪ -‬شعيب حليفي‪ :‬نفسه‪ ،‬ص ‪.83‬‬ ‫‪35‬‬

‫‪14‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫وبن اء على ماس بق‪ ،‬ف إن ق راءة العتب ات وحتليله ا يف عالقته ا ب النص ال روائي ومراع اة الس ياقني‪ :‬النص‬
‫والتجنيس ي‪ ،‬لعملي ة ناجح ة وهادف ة؛ ألهنا حتي ط بالعم ل ال روائي من مجي ع جوانب ه‪ ،‬ب دءا من كون ه‬
‫خمطوطا‪ ،‬مرورا بطبعه‪ ،‬وصوال إىل تلقيه‪.‬‬
‫وتبدو العتبات "موضوعا جديرا باالحتفال‪ ،‬ومادة خصبة للنقد عموما‪ ،‬والنقد اإليديولوجي بكيفية‬
‫حص رية‪ ،‬وذل ك لس ببني‪ :‬أوهلم ا‪ ،‬يرتب ط بأمهيته ا احملددة مبواقعه ا اإلس رتاتيجية وبوظائفه ا وأدواره ا‪،‬‬
‫وثانيهما‪ ،‬يعود إىل عالقتها النوعية بالعامل وبالنص الذي تنكتب على مشارفه وتشكل ختومه"(‪.)36‬‬
‫وما زال موضوع العتبات يف الثقافة العربية القدمية يف حاجة ماسة إىل من يسرب أغواره‪ ،‬ويعيد النظر‬
‫يف دراسته ويصفه‪.‬‬

‫‪ -‬عبد اجلليل األزدي‪( :‬عتبات املوت‪ -‬قراءة يف هوامش وليمة ألعشاب البحر)‪ ،‬جملة فضاءات‪ ،‬املغرب‪ ،‬العددان‪،3-2 :‬‬ ‫‪36‬‬

‫‪ ،1996‬ص ‪.37‬‬
‫‪15‬‬
www.alukah.net ‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة‬

‫ يالحظ أن ما خصت به موضوع العتبات ميثل كما‬،‫وحني متابعة الثقافة األجنبية الغربية يف تطورها‬
‫ وأنه بدا يتضح بشكل نظري أكثر مع جريارجنيت يف كتابه‬،‫ خصوصا‬،)37(‫معتربا على حد علمي‬
.)38(‫) حيث قاربه نظريا وتطبيقيا‬Seuils ‫(عتبات‬
‫ يعتين بإبراز‬،‫ وصار درسها يندرج "ضمن سياق نظري وحتليلي عام‬،‫ بدأ االهتمام بعتبات النص‬،‫لذا‬
‫ وهو‬،‫ وحتدي د ج انب أساس ي من مقاص ده الداللي ة‬،‫م ا للعتب ات من وظيف ة يف فهم خصوص ية النص‬

:‫ مراجع عامة‬- 37

1) Genette (Gérard) : Palimpsestes, Paris, seuil, 1972


2) Genette (Gérard) : « transtextualités », Magasine littéraire, 192 (1983), pp 40-
41.
3) Genette (Gérard): Seuils, Paris seuil 1987.
: ‫ خطاب العنوان‬-
4) Duchet (Jacques): L’Assommoir de Zola, société, discours, idéologie,
Paris, Larousse, 1973.
5) Duchet (Claude): La fille abandonnée et la Bête humaine », Eléments de
titrologie romanesque », Littérature, 12 (décembre 1973), p p 49-73.
6) Grivel (charles) : Production de l’Intérêt romanesque, Paris, La hage,
Mouton, 1973.
7) Hoek (Léo): Pour une sémiotique du titre, Univ. D’Urbino, 1973.
8) Hoek (Léo): La marque du titre, Paris, la Hage, Mouton, 1981.
9) Moncelet (christian), Essai sur le titre en littérature et dans les arts, la
roche Blanche, POF, 1972.
10) Vigner (Gérard): « Une unité discursive retreinte, le titre »: Le français dans
le monde, 156 (octobre 1980), pp 30-40
: ‫ خطاب المقدمات‬-
11) Charles (Michel) : Phétorique de la lecture, Paris, seuil, 1979.
12) Derrida (jacques): (Hors livre), dans ID, La dissémination, Paris, seuil 1972),
pp 7-67.
16
www.alukah.net ‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة‬

‫ مص درا لص ياغة أس ئلة دقيق ة تعي د االعتب ار هلذه احملاف ل النص ية‬،‫ يف ال وقت ال راهن‬،‫اهتم ام أض حى‬
.)39("‫ وقوفا عند ما مييزها ويعني طرائق اشتغاهلا‬،‫املتنوعة األنساق‬
‫ س ننتقل اآلن إىل‬،‫ وال ذي مه دنا ب ه كتابن ا‬،‫بع د ه ذا التق دمي الوج يز ال ذي خصص ناه للنص املوازي‬
.‫احلديث عن عتبات النص املوازي‬

:‫الفصل الثاني‬

‫عتب ــة المؤل ــف‬


‫ فاملؤلف هو‬.‫ وتعد من أهم عناصر عتباته احمليطة‬.‫تندرج عتبة املؤلف ضمن ملحقات النص املوازي‬
،‫ البيوغرافي ة‬:‫ فه و يش كل م رآة لنص ه من الناحي ة‬،‫ ومن مث‬.‫منتج النص ومبدع ه ومالك ه احلقيقي‬
.‫ والنفسية إن شعوريا وإن الشعوريا‬،‫ والتارخيية‬،‫واالجتماعية‬

13) Duchet (claude): (Lillusion historique: l’enseignement des prefaces (1815-


1932)), Revue d’histoire Littérature de la france (1975), p p 245-267.
14) Hamon (Philippe): « texte littéraire et méta-langage », Poétique, 31 (1977),
pp 261-284.
15) IDT (Geneviève) : « Fonction rituelle du métalangage dans les préfances
hétérographes", Littérature, 27 (1977), pp 65-74.
16) Le cointre (simonne), legallot (Jean): "texte et paratexte, essai sur la préface du
roman classique", dans Panorama sémiotique, la Hage- Paris, New yprk,
Mouton, 1979, pp 660-670.
17) Mitterrand (Henri): "Le discours préfaciel », dans la lecture sociologique du
texte romanesque, Toronto, Stevens et Hakkert, 1975, pp 3-13.
A regarder : Maurice de la croix et Fernand Hallyn : Méthode de texte. Duclot,
Paris 1987.
.37 ‫ نفسه ص‬،‫ عبد اجلليل األزدي‬- 38

.7 ‫ ص‬،‫ البنية والداللة‬،‫ عتبات النص‬:‫ عبد الفتاح احلجمري‬- 39

17
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫وتعد عتبة املؤلف أيضا من الوحدات الدالة املشكلة لتداولية اخلطاب‪ ،‬ومن أهم اخلطاطات التقبلية‬
‫اليت حتاور أفق انتظار القارئ‪ ،‬فتشده انتشاء ولذة‪ ،‬مث جتذبه إىل استكناه مضمون النص واستطالعه‪،‬‬
‫وتذوق بناه اجلمالية والذرائعية‪.‬‬
‫وهي ك ذلك من أهم العالم ات املكون ة للخط اب الغاليف على مس توى التش كيل املعن وي والبص ري‪،‬‬
‫وخاصة إذا كان اسم املؤلف مصحوبا بصورته الفوتوغرافية‪ .‬وترتبط صورة املؤلف بالنص اإلبداعي‬
‫ارتباطا مباشرا عرب جدلية اإلضاءة والتفاعل الداليل‪ .‬ومن مث‪ ،‬فاسم املؤلف يزكي " شرعية النص" إذا‬
‫صح التعبري‪ .‬فالنص الذي اليعلن عن صاحبه أو مؤلفه‪ ،‬أو قد يكون موقعا من لدن كاتب مغمور‪،‬‬
‫ف إن ذل ك اليس اعد الق ارئ أو املتلقي على اإلقب ال علي ه؛ ألن األمساء الالمع ة للكت اب املش هورين هلا‬
‫دوره ا ال رئيس يف اس تقطاب أذه ان الق راء‪ ،‬واس تغوائهم وج دانيا‪ .‬فهي مبثاب ة اإلعالن ال ذي يكس ب‬
‫رهانه مسبقا‪ .‬ومن مث‪ ،‬فاسم الكاتب يؤدي وظيفة تعيينية وإشهارية‪ ،‬تكمن يف نسبة العمل أو األثر‬
‫إىل اسم ذائع الصيت‪،‬معروف بأحباثه الوصفية أو اإلبداعية‪ ،‬ويدل على حضوره املكثف يف الساحة‬
‫الثقافية احمللية والوطنية والدولية ورقيا‪ ،‬ورقميا‪ ،‬وإعالميا‪.‬‬
‫وقد عرف تاريخ اسم املؤلف عدة حمطات نقدية‪ ،‬ميكن حصرها يف أربع مراحل أساسية هي‪:‬‬
‫‪ -1‬مرحلة املؤلف‪.‬‬
‫‪ -2‬مرحلة موت املؤلف‪.‬‬
‫‪ -3‬مرحلة القارئ‪ ،‬وإزاحة املؤلف‪.‬‬
‫‪ -4‬مرحلة عودة املؤلف( ‪.)le retour de l’auteur‬‬
‫وس نحدد ك ل مرحل ة على ح دة بغي ة معرف ة تص وراهتا النظري ة والفلس فية‪ ،‬وموقفه ا من الك اتب أو‬
‫املؤلف‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬مرحل ــة المؤل ـ ــف‬


‫من املعلوم أن للمؤلف أمهية كربى يف الثقافات القدمية‪ :‬العربية والغربية منها على السواء‪ .‬فقد ركز‬
‫النظر النقدي منذ عهد اإلغريق على املؤلف واإلبداع ( النص) على حد سواء‪ ،‬دون أن يويل اهتماما‬
‫حقيقيا لدور املتلقي يف فهم النص‪ ،‬وتلقي رسالة املبدع‪ ،‬على الرغم من اهتمام النقد اليوناين بوظيفة‬
‫‪18‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫اإلبداع‪ ،‬وأثرها يف القارئ أو املتلقي‪ ،‬من خالل نظرية احملاكاة عند أفالطون وأرسطو‪ ،‬وأثرمها أيضا‬
‫من الناحي ة اخللقي ة يف الته ذيب أو التعليم أو التطه ري‪ .‬بي د أن االهتم ام مل يتع د ذل ك إىل مش اركة‬
‫القارئ يف قراءة النص أو شرحه أو تفسريه‪ .‬ويذهب روالن بارت إىل أن " املؤلف شخصية حديثة‬
‫النشأة‪ .‬وهي من دون شك وليدة اجملتمع الغريب‪ .‬فقد تنبه الغرب إىل قيمة الفرد أو الشخص البشري‬
‫منذ هناية القرون الوسطى‪ ،‬وكذلك مع ظهور العقالنية الفرنسية‪ ،‬وانبثاق النزعة التجريبية اإلجنليزية‪،‬‬
‫وانتش ار اإلميان الف ردي ال ذي واكب حرك ة اإلص الح ال ديين‪ .‬كم ا أولت الرأمسالية الغربي ة أمهي ة‬
‫‪40‬‬
‫قصوى لشخصية املؤلف"‬
‫وهكذا‪ ،‬فقد أولت النزعة اإلنسية األوربية املؤلف اهتماما كبريا منذ عصر النهضة‪ .‬ويعزى ذلك إىل‬
‫عدة عوامل ذاتية وموضوعية‪ ،‬تتمثل يف ظهور الكالسيكية اليت متجد اإلنسان املتخلق‪ ،‬والرومانسية‬
‫اليت جتعل من الفرد حمورا هلا‪ .‬باإلضافة إىل ظهور البورجوازية اليت أعطت أمهية قصوى للفرد املنتج‬
‫واملبدع‪ .‬عالوة على النظرية الالتوجيهية‪ ،‬يف جمال الرتبية‪ ،‬اليت نادت حبرية املتعلم يف التعلم واالشرتاك‬
‫واخللق‪ .‬فضال عن مبادئ حقوق اإلنسان اليت عربت عنها الثورة الفرنسية‪ ،‬وهي متجد الفرد أخوة‬
‫ومساواة وعدالة‪.‬‬
‫وق د رفض ت اخلطاب ات األدبي ة والعلمي ة والنقدي ة يف أورب ا االس تغناء عن املؤل ف‪ ،‬ب أي ش كل من‬
‫األشكال‪ ،‬نظرا للدور اهلام الذي يقوم به يف عملية إثبات االنتماء‪ ،‬وتأكيد اهلوية‪ ،‬وإضفاء االنتساب‬
‫اجليني الوجي احلقيقي لإلب داع أو العم ل املنش ور‪ .‬فه ذا ميش ــيل فوك ــو(‪ ) M.Faucault‬يرج ع‬
‫أص ول املؤل ف يف أوروب ا إىل الق رن الس ابع عش ر امليالدي ليعلن أن" مب دأ املؤل ف حيد من عش وائية‬
‫اخلطاب بفعل هوية اختذت شكل الفردية واألنا"‪.41‬‬
‫ومن مث‪ ،‬ص ار األن ا مب دأ جيم ع اخلط اب‪ ،‬ويش كل وح دة معاني ه وأص لها‪ .42‬أي‪ :‬إن قيم ة‬
‫املؤلف( بكسر الالم) أعلى من قيمة املؤلف بفتح الالم‪.‬‬

‫‪ -‬روالن بارت‪ :‬درس السيميولوجيا‪ ،‬ص‪.83:‬‬ ‫‪40‬‬

‫‪41‬‬
‫‪- Foucault(M) : l’ordre du discours. Gallimard, Paris 1972.P:31.‬‬
‫‪42‬‬
‫‪- IBID .P:28.‬‬
‫‪19‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫ومن جه ة أخ رى‪ ،‬يض من " املؤل ف" للعم ل األديب اتس اقه وانس جامه ووحدت ه الداللي ة والتأليفي ة‬
‫والس ياقية‪ .‬فعن طري ق رص د بيوغرافيت ه وأعمال ه‪ ،‬يتمكن احملل ل من فهم النص وص وتأويله ا ش رحا‬
‫وتفس ريا‪ ،‬فيتم ذل ك بواس طة اس تنطاق الظ روف الس ياقية‪ ،‬واستكش اف الس رية توثيق ا وحتقيب ا‪،‬‬
‫واس تذكار م دلوالت األعم ال األخ رى تناص يا‪ ،‬وك ل ذل ك لفهم ك ل مايوج د حتت جمه ر التش ريح‬
‫والدراسة واالختبار‪ .‬واهتمت عدة مناهج نقدية باملؤلف‪ ،‬كاملنهج النفسي‪ ،‬واملنهج التارخيي‪ ،‬واملنهج‬
‫االجتماعي‪ ،‬واملنهج التكويين‪ ،‬والنقد التأويلي‪ ...‬وغالبا ما يتم التشديد يف هذه املناهج النقدية على‬
‫حي اة املب دع‪ ،‬وطفولت ه‪ ،‬وكهولت ه‪ ،‬ووس طه االجتم اعي‪ ،‬وثقافت ه‪ ،‬وعالقات ه‪ ،‬وأمراض ه‪ ،‬وعق ده‪،‬‬
‫وأسراره‪ ...‬وهكذا أصبح‪ " :‬ينظر إىل املؤلف على أنه مايسمح بتفسري وجود أحداث معينة يف نتاج‬
‫م ا‪ ،‬وم ا يفس ر حتوالهتا واحنرافاهتا وتغرياهتا املختلف ة‪ ،‬وذل ك ع رب س رية حيات ه‪ ،‬ورص د وجه ة نظ ره‬
‫الفردية‪ ،‬وحتليل انتمائه االجتماعي‪ ،‬وموقفه الطبقي‪ ،‬واستخراج مشروعه األساسي‪ .‬إنه املبدأ الذي‬
‫‪43‬‬
‫يسمح بتذليل التناقضات اليت ميكن أن تظهر يف سلسة من النصوص‪." .‬‬
‫أضف إىل ذلك فقد عمل اجملتمع الرأمسايل على تثبيت هوية املؤلف بشىت الوسائل‪ ،‬كتشريع حقوق‬
‫املؤلف‪ ،‬وحتديد العالقات بني املؤلفني والناشرين‪ ،‬وضبط حقوق إعادة الطبع‪ ...‬وال ننسى كذلك‬
‫أن جوســتاف النصــون (‪ )G.Lanson‬وتين(‪ )Taine‬رك زا على ما يسمى بدكتاتورية املؤلف‪.‬‬
‫وكان هلما تأثري كبري يف النقد العريب احلديث من بداية القرن العشرين إىل منتصفه؛ ألن املؤلف مالك‬
‫األث ر األديب‪ ،‬وص احب العم ل الف ين‪ .‬وبالت ايل‪ ،‬على علم األدب أن يتعلم كي ف حيرتم املخط وط‪،‬‬
‫وي راعي نواي ا املؤل ف‪ ،‬وعلى اجملتم ع أن يس ن ق وانني تض بط العالق ة بني املؤل ف وأعمال ه من خالل‬
‫قانون " حقوق املؤلف"‪ ،‬وهي قوانني حديثة العهد‪ ،‬حيث إنه مل تتخذ شكلها القانوين إال مع الثورة‬
‫‪44‬‬
‫الفرنسية‪.‬‬
‫وم ازال املؤل ف حاض را ‪ -‬حس ب روالن ب ــارت(‪ -)R.Barthes‬يف مط والت ت اريخ األدب‪،‬‬
‫وترمجات الكت اب‪ ،‬واس تجوابات اجملالت‪ ،‬ب ل ويتجلى ه ذا احلض ور ح ىت يف وعي األدب اء ال ذين‬
‫حيرصون على ربط أشخاصهم بأعماهلم‪ ،‬عن طريق مذكراهتم الشخصية‪.‬‬
‫‪ -‬عبد السالم بنعبد العايل‪ :‬التراث والهوية‪ ،‬دار توبقال للنشر‪،‬الدار البيضاء‪،‬الطبعة األوىل سنة ‪1987‬م‪ ،‬صص‪.83-82:‬‬ ‫‪43‬‬

‫‪ -‬عبد السالم بنعبد العايل‪ :‬التراث والهوية‪ ،‬صص‪.82:‬‬ ‫‪44‬‬

‫‪20‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫وق د اس تند النق د األوريب الكالس يكي‪ ،‬ملدة طويل ة‪ ،‬إىل م رآة املؤل ف يف تأوي ل النص وص‪ ،‬وتوثيقه ا‬
‫باالعتماد على منظور الوسط‪،‬ومقرتب الشعور والالشعور‪ .‬لذا‪ ،‬فصورة األدب اليت ميكن أن نلفيها‬
‫يف" الثقافة املتداولة تتمركز أساسا حول املؤلف‪ ،‬وشخصه‪ ،‬وتارخيه‪ ،‬وأذواقه‪ ،‬وأهوائه‪ ،‬ومازال النقد‬
‫يردد يف معظم األحوال – يقول روالن بارت‪ -‬بأن أعمال بودلير وليدة فش ل اإلنسان بودلير‪ ،‬وأن‬
‫أعم ال فــان ﮔوخ ولي دة جنون ه‪ ،‬وأعم ال تشايكوفســكي ولي دة نقائص ه‪ .‬وهك ذا يبحث دوم ا عن‬
‫تفسري للعمل جهة من أنتجه‪ ،‬كما لو أن وراء مايرمز إليه الوهم بشفافية متفاوتة‪ ،‬صوت شخص‬
‫‪45‬‬
‫وحيد بعينه هو املؤلف الذي يبوح بأسراره‪".‬‬
‫وإذا انتقلن ا إىل الثقاف ة العربي ة الكالس يكية‪ ،‬فهي ب دورها متج د الف رد‪ ،‬وحترتم امللكي ة‪ ،‬وحتارب ك ل‬
‫مظاهر النحل‪ ،‬واالنتحال‪ ،‬والسرقة‪ ،‬واالدعاء‪ ،‬واإلغارة‪ ،‬ولوكان ذلك كله تناصا‪.‬‬
‫إذًا‪ ،‬فالثقافة العربية الكالسيكية ترفض أي غياب للمؤلف‪ ،‬فال بد من هويته احلضورية‪ .‬ولكي يعد‬
‫النص نصا ينبغي أن يصدر عنه‪ ،‬أو يرقى به إىل قائل يقع اإلمجاع على أنه حجة‪ .‬حينئذ يكون النص‬
‫كالما مشروعا ينطوي على سلطة‪ ،‬وقوال مشدودا إىل مؤلف‪ -‬حجة‪ .‬و" يظل اخلطاب جمال اهتزاز‬
‫مقلق‪ ،‬واستعداد احتمايل متوحش‪ ،‬ولن يوقف هذا التساؤل احملري‪ ،‬وحيدد داللة اخلطاب العائمة‪ ،‬إال‬
‫االنتس اب إىل اسم بعين ه‪ ،‬فك أن اخلط اب‪ ،‬إن مل حيم ل اسم مؤلف ه‪ ،‬ميكون مصدر خطورة‪ ،‬ويصري‬
‫أرض ا غريب ة‪ ،‬حتار فيه ا األق دام‪ ،‬وختتل ط االجتاه ات لغي اب نقط ة مرجعي ة مض مونة‪ .‬وهك ذا‪ ،‬ي درك‬
‫اخلطاب انطالقا من االسم الذي يوقعه‪ .‬فالقطعة الشعرية تدرك انطالقا مما نعرفه سابقا عن مؤلفها‪،‬‬
‫‪46‬‬
‫والنادرة خيتلف مفعوهلا حبسب نسبتها إىل ماجن أو رجل متزمت"‪.‬‬
‫ومن املعروف أن علماء العربية وأدباءها القدماء كانوا اليتعاملون إال مع نصوص مؤلف حجة‪ .‬يقول‬
‫عبد الفتاح كيليطو‪ ":‬من بني العوامل احملددة للنص غموض الداللة ‪ -‬كما أسلفنا‪ ،-‬وكذلك نسبة‬
‫القول إىل مؤلف معرتف بقيمته‪ .‬أي‪ :‬مؤلف جيوز أن تصدر عنه نصوص‪ .‬ليس بإمكان أي واحد أن‬
‫تعترب أقواله نصوصا‪ .‬فإذا كان الكالم الحيصى‪ ،‬فإن النصوص‪ -‬كما يقول ميشيل فوكـو‪ -‬نادرة‪.‬‬

‫‪ -‬عبد السالم بنعبد العايل‪ :‬نفسه‪ ،‬صص‪.82:‬‬ ‫‪45‬‬

‫‪ -‬عبد السالم بنعبد العايل‪ ( :‬املؤلف يف تراثنا الثقايف)‪ ،‬التراث والهوية‪ ،‬دار توبقال للنشر‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األوىل‪،‬‬ ‫‪46‬‬

‫سنة ‪1987‬م‪ ،‬ص‪.83:‬‬


‫‪21‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫ومن مجل ة األس باب ال يت تفس ر ه ذه الن درة‪ ،‬وج وب حتقي ق ش روط دقيق ة الميكن ب دوهنا أن يص ري‬
‫‪47‬‬
‫شخص ما مؤلفا يعتد بكالمه‪".‬‬
‫وأهم مرحلة يف حياة املؤلف احلجة هي " لقاؤه مع شيوخه لقاء مع من هلم الصالحية‪ ،‬ومن يعول‬
‫عليهم يف تبلي غ النص وص‪ .‬وبع د ه ذا اللق اء ميكن ه‪ ،‬إذا أج ازوه‪ ،‬أن يص بح يف مس تواهم‪ ،‬وأن يبل غ‬
‫بدوره النصوص اليت تلقاها عنهم‪ ...‬فسواء كتب شعرا أو رسالة أو كتابا أو اكتفى برتديد ما حفظ‪،‬‬
‫فإنه ميتلك نفوذا كبريا؛ ألنه يصبح أحد األعمدة اليت ترتكز عليها الثقافة‪ ،‬يعين أنه يفوه بنصوص‬
‫تنضاف إىل النصوص األخرى املكونة للثقافة‪ .‬والتحول الذي حيدث لقائل عندما يصبح مؤلفا حجة‬
‫يظه ر ح ىت يف امسه ال ذي ينس ى ويب دل باس م آخ ر‪ ...‬فك أن املؤل ف عن دما يص بح حج ة‪ ،‬يول د من‬
‫‪48‬‬
‫جديد‪ ،‬ويطلق عليه اسم جديد‪.".‬‬
‫وعالوة على ذل ك‪ ،‬فق د س بب التناس خ التناص ي‪ ،‬واج رتار األق وال‪ ،‬وجتميعه ا يف مص نف واح د‪ ،‬يف‬
‫تغييب املؤلف احلقيقي‪ ،‬وإخفائه حىت صار من الصعب حتديده‪ ،‬أو متييز أسلوب مؤلف ما‪ ،‬كما هو‬
‫حال كتاب (العمدة) البن رشيق القريواين وكتاب( المقدمة) البن خلدون مثال‪ .‬ويف هذا الصدد‪،‬‬
‫يقول كيليطو‪ ":‬إن القارئ الذي يسعى ملعرفة مؤلف نص‪ ،‬يعمد إىل حتديد اخلصائص األسلوبية اليت‬
‫ينطوي عليها النص‪ ،‬فتقوده إىل اسم هذا املؤلف أو ذاك (‪ ،)...‬بيد أنه من العسري احلديث يف الثقافة‬
‫‪49.‬‬
‫العربية الكالسيكية عن أسلوب خاص مييز فردا بعينه"‬
‫ولقد استمر االهتمام باملؤلف بصفته ذاتا عليا يف اإلبداع واإلنتاج وتوثيق النصوص إىل أن ظهرت‬
‫اللس انيات والبنيوي ة املغلق ة لتعلن م وت املؤل ف‪ .‬وعلى ال رغم من ذل ك‪ ،‬فثم ة ثالث مقارب ات لفهم‬
‫شخصيته‪:‬‬

‫‪ -‬عبد الفتاج كيليطو‪ :‬األدب والغرابة‪ ،‬دار الطليعة‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة الثانية سنة ‪1983‬م‪ ،‬ص‪.15:‬‬ ‫‪47‬‬

‫‪ -‬عبد الفتاج كيليطو‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.16:‬‬ ‫‪48‬‬

‫‪ -‬عبد الفت اح كيليطو‪ :‬الكتابــة والتناســخ‪ ،‬ترمجة‪ :‬عبد السالم بنعبد الع ايل‪ ،‬املركز الثقايف الع ريب‪ ،‬ال دار البيض اء‪ ،‬الطبع ة‬ ‫‪49‬‬

‫األوىل سنة ‪1985‬م‪ ،‬صص‪.10-8:‬‬


‫‪22‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫‪‬المقاربة االقتصادية‪ :‬تسعى إىل ربط املؤلف شعوريا والشعوريا بفئته االجتماعية اليت ينتمي إليها‬
‫طبقي ا‪ :‬بروليت اري‪ ،‬وبورج وازي‪ ،‬وبورج وازي ص غري‪ .‬وهي ال يت يس تعملها النق د اإلي ديولوجي يف‬
‫كتاباته الوصفية والتحليلية‪ ،‬وخاصة النقد الواقعي اجلديل والبنيوية التكوينية‪.‬‬
‫‪‬المقاربة القانونية‪ :‬تستند إىل بنود القوانني للتشديد على حقوق املؤلف‪.‬إذ تنص االتفاقية العاملية‬
‫املوقع ة جبنيف بت اريخ ‪ 6‬أيل ول ‪1952‬م‪ ،‬واملعدل ة يف ب اريس بت اريخ‪ 24‬متوز ‪1971‬م يف مادهتا‬
‫‪50‬‬
‫األوىل على اختاذ" كل التدابري الالزمة لضمان محاية كافية وفعالة حلقوقهم"‪.‬‬
‫‪‬المقاربة األدبية‪ :‬ترى هذه املقاربة أن النص مبثابة مرآة تعكس صاحبها ذاتيا أوموضوعيا‪ .‬عالوة‬
‫على ك ون املؤل ف ل ه ص وت خ اص‪ ،‬وأس لوب معني يف الكتاب ة‪ ،‬كم ا ق ال بوف ون(‬
‫‪") Buffon‬األسلوب هو الرجل نفسه"‪.‬‬
‫وبع د ه ذا‪ ،‬ننتق ل للح ديث عن م وت املؤل ف يف مرحل ة النص املغل ق‪ ،‬أو يف ف رتة البنيوي ة اللس انية‬
‫والسيميائية‪.‬‬

‫‪ -‬عب د الباس ط الك راري‪ ( :‬م وت املؤل ف والنص من منظ ور التكويني ة النص ية)‪ ،‬الملحـ ــق الثقـ ــافي‪ ،‬جري دة االحتاد‬ ‫‪50‬‬

‫االشرتاكي‪،‬املغرب‪ ،‬العدد‪ 14 ،817:‬مارس‪ ،‬ص‪.4:‬‬


‫‪23‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬مرحلة موت المؤلف‬


‫أعلنت البنيوي ة والس يميوطيقا مع ا م وت املؤل ف واملرج ع‪ ،‬واس تبدلتهما ب النص‪ ،‬أو العالم ات اللغوي ة‬
‫والبصرية‪ .‬فإذا كانت البنيوية تقوم على التفكيك والرتكيب‪ ،‬وتركز على النص يف انغالقه النسقي‪،‬‬
‫ف إن الس يميوطيقا‪ -‬باعتباره ا علم ا للعالم ات الس معية واأليقوني ة‪ -‬التب ايل ب املؤلف‪ ،‬وال مبا يقول ه‬
‫النص‪ ،‬ومايهمه ا كي ف ق ال النص ماقال ه‪ .‬أي‪ :‬م ايهم ه و ش كل املض مون‪ .‬ومن مث‪ ،‬تس تند من اهج‬
‫احملايثة إىل ثالثة ثوابت منهجية‪:‬‬
‫أ‪ -‬التحليل البنيوي‪.‬‬
‫ب‪-‬التحليل احملايث‪.‬‬
‫ج ‪ -‬حتليل اخلطاب‪.51‬‬
‫وتس ري يف االجتاه نفس ه دراس ات الش كالنيني ال روس ال يت ت روم اس تكناه ث وابت النص‪ ،‬ورص د بن اه‬
‫العميقة يف عالقتها مبظاهرها السطحية‪ .‬وهكذا‪ ،‬أقصت البنيوية بصفة عامة اإلنسان والتاريخ‪ ،‬باسم‬
‫البني ة‪ ،‬والنظ ام‪ ،‬واللغ ة‪ ،‬والنس ق‪ ،‬والعالم ات‪ .‬وق د أثبت األن رتوبولوجيون أن احلكاي ة يف اجملتمع ات‬
‫اإلثنوغرافية اليتكفل شخص بعينه بنقلها‪ ،‬بل يوجد رواة مجاعيون‪.‬‬
‫ومن الواضح كذلك أن بعض الكتاب حاولوا خلخلة مملكة املؤلف منذ أمد طويل‪ ،‬ففي فرنسا‪ ،‬يعترب‬
‫مالرمي(‪ ،) Mallarmé‬بال ش ك‪ ،‬أول من تنب أ بض رورة إحالل اللغ ة ذاهتا حمل من ك ان ح ىت‬
‫ذلك الوقت يعد مالكا هلا‪ .‬فاللغة يف رأيه هي اليت تتكلم‪ ،‬وليس املؤلف‪ ،‬فالنقد عند ماالرمي يدور‬
‫مبجموع ه ح ول إلغ اء املؤل ف لص احل اللغ ة والكتاب ة‪ .‬وي دخل فــاليري( ‪ ) Valery‬ال ذي مل يكن‬
‫يش عر باالرتي اح داخ ل س يكولوجيا األن ا بعض التغي ري على نظري ة مالرمي‪ .‬ولكن مبا أن ميل ه إىل إىل‬
‫النزع ة الكالس يكية ك ان يش ده إىل دروس البالغ ة‪ ،‬فإن ه مل يت ورع عن وض ع املؤل ف موض ع س خرية‬
‫واس تهزاء وش ك‪ ،‬ملح ا على الطبيع ة اللغوي ة والعفوي ة لعم ل املؤل ف‪ ،‬ومؤك دا‪ ،‬من خالل كتابات ه‬
‫النثرية‪ ،‬الطبيعة اللفظية لألدب؛ تلك الطبيعة اليت كان يبدو معها أي جلوء إىل دواخل الكاتب جمرد‬

‫‪51‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Groupe‬‬ ‫‪D’entreverne:‬‬ ‫‪Analyse‬‬ ‫‪sémiotique‬‬ ‫‪des‬‬ ‫‪textes,‬‬ ‫‪ed :‬‬
‫‪Toubkal.Casablanca.1éd, 1987.p :7-8.‬‬
‫‪24‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫خرافة‪ .‬وأزال بروست عن املؤلف سلطته العظيمة‪ ،‬على الرغم من الطابع النفسي الظاهر يف حتليالته؛‬
‫‪52‬‬
‫إذ أدخل تشويشا بال هوادة على املنظور والسرد والعالقة اليت تربط الكاتب بشخصياته‪.‬‬
‫لقد أمد بروست الكتابة احلديثة مبلحمتها اليت تعتمد على انقالب جذري يف جمال الكتابة السردية‪،‬‬
‫والسيما يف روايته ( بحثــا عن الــزمن الضــائع)‪ .‬وعوض أن يضع حياته يف أعماله كما يقال عادة‪،‬‬
‫‪53‬‬
‫فإنه جعل من حياته نفسها عمال أدبيا كان كتابه منوذجا عنها‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬فقد سامهت احلركة السريالية يف نزع الطابع القدسي الذي كانت تتخذه صورة‬
‫‪54‬‬
‫املؤلف‪ ،‬مادامت تقول مببدإ الكتابة املتعددة على مستوى التأليف‪.‬‬
‫وك انت الش كالنية الروس ية الس باقة إىل إقص اء املؤل ف وعزل ه‪ ،‬والبحث عن النظ ام والبني ات الثاوي ة‬
‫وراء االختالف ف وق الس طح النص ي‪ .‬ومن أهم أس س ه ذه الش كالنية اإلنش ائية أهنا أدت باس تقالل‬
‫علم األدب عن العلوم اإلنسانية األخرى؛ ألن شعرية النص بعيدة يف نظرها " كل البعد عن أن حتتل‬
‫ال دور فيه ا املب احث النفس ية واالجتماعي ة وغريه ا مما ل ه عالق ة ب املؤلف املب دع والق ارئ املتلقي‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬طردت الشكالنية من عاملها النقدي ومنهجها التحليلي املؤلف‪ .‬فللقبض على شعرية النص‪،‬‬
‫الجمال لالعتماد على حياة املؤلف ونفسيته وصدقه أو كذبه وإهلامه‪ ،‬وال لدراسة بيئته وجنسه‪ ،‬وال‬
‫للذاتية وأحكام القيمة‪ ،‬وال لتقمص الناقد بأحكامه املعيارية حتسينا أو تقبيحا دور شخصية الرقيب‪،‬‬
‫وصاحب السلطة اجلمالية املتحكمة يف املبدع واملتلقي؛ ألن نقدا من هذا القبيل الميكنه أن حيل حمل‬
‫‪55‬‬
‫حتليل علمي موضوعي لفن اللغة ووصفها"‪.‬‬
‫وهك ذا‪ ،‬فق د حكمت اللس انيات والبنيوي ة على املؤل ف باإلع دام واملوت‪ ،‬حينم ا رك زت على ال دال‬
‫واملدلول‪ ،‬فأقص ت املرج ع‪ ،‬وك ل م اهو م ادي خ ارجي عن املعطى اللغ وي‪ .‬وق د " مكنت عملي ة‬
‫تقويض املؤلف من أداة حتليلية مثينة‪ ،‬وذلك عندما بينت أن عملية القول‪ ،‬وإصدار العبارات‪ ،‬عملية‬

‫‪ -‬روالن بارت‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.83:‬‬ ‫‪52‬‬

‫‪ -‬روالن بارت‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.83:‬‬ ‫‪53‬‬

‫‪ -‬روالن بارت‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.84-83:‬‬ ‫‪54‬‬

‫‪ -‬حمم د اهلادي املط وي‪( :‬يف التع ايل النص ي واملتعالي ات النص ية)‪ ،‬المجلــة العربيــة للثقافــة‪ ،‬ت ونس‪ ،‬الس نة ‪ ،16‬الع دد‪،32‬‬ ‫‪55‬‬

‫‪ ،1997‬ص‪.187:‬‬
‫‪25‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫فارغ ة يف حمموهلا‪ ،‬وأهنا ميكن أن ت ؤدي دوره ا على أكم ل وج ه‪ ،‬دون أن تك ون هن اك ض رورة‬
‫إلسنادها إىل املتحدثني‪ .‬فمن الناحية اللسانية‪ ،‬ليس املؤلف إال ذلك الذي يكتب‪ ،‬مثلما أن األنا ليس‬
‫إال ذلك الذي يقول أنا‪ :‬إن اللغة تعرف الفاعل‪ ،‬وال شأن هلا بالشخص‪ .‬وهذا الفاعل الذي يظل‬
‫‪56‬‬
‫فارغا خارج عملية القول اليت حتدده‪ ،‬يكفي كي تقوم اللغة‪ .‬أي‪ :‬كي تستنفذ‪.‬‬
‫ويعد روالن بارت من النقاد الذين أعلنوا إفالس املؤلف‪ ،‬فقد خاض صراعا ضد ريمــون بيكــار يف‬
‫كتاب ه( النقــد والحقيقــة)‪ ،57‬م دافعا عن النق د اجلدي د ال ذي الي ؤمن بس لطة الك اتب‪ ،‬م ادام التن اص‬
‫يتحكم يف النص وص اإلبداعي ة‪ ،‬وم ادام البحث عن املؤل ف حبث ا عن الناق د وإغالق ا لكتاب ة‪ ،‬وإعط اء‬
‫م دلول هنائي للنص‪ .‬ف النص الينش أ عن" رص ف كلم ات تول د مع ىن وحي دا‪ ،‬مع ىن الهوتي ا إذا ص ح‬
‫التعب ري (ه و رس الة" المؤلــف اإللــه")‪ ،‬وإمنا ه و فض اء متع دد األبع اد‪ ،‬تتم ازج في ه كتاب ات متع ددة‬
‫وتتعارض‪ ،‬من غري أن يكون فيها ماهو أكثر من غريه أصالة‪ :‬النص نسيج من االقتباسات‪ ،‬تنحدر‬
‫من منابع ثقافية متعددة‪ .‬إن الكاتب الميكنه إال أن يقلد فعال هو دوما متقدم عليه‪ ،‬دون أن يكون‬
‫‪58‬‬
‫ذلك الفعل أصليا على اإلطالق"‪.‬‬
‫ومن هن ا‪ ،‬ف البحث عن املؤل ف ه و قت ل للنص‪ ،‬واغتي ال للذت ه‪ ،‬ومن ع لتع دد دالالت ه‪ ،‬وحتني ط قس ري‬
‫لوظيفته اجلمالية‪ .‬فعندما يبتعد املؤلف وحيتجب‪ ،‬فإن الزعم بالتنقيب عن " أسرار النص يغدو أمرا‬
‫غري ذي جدوى‪ ،‬ذلك بأن نسبة النص إىل مؤلف معناها إيقاف النص‪ ،‬وحصره‪ ،‬وإعطاؤه مدلوال‬
‫هنائيا‪ .‬إهنا إغالق الكتابة‪ .‬وهذا التصور يالئم النقد أشد مالءمة‪ ،‬إذ إن النقد يأخذ على عاتقه حينئذ‬
‫الكش ف عن املؤل ف من وراء العم ل األديب‪ .‬وب العثور على املؤل ف‪ ،‬يك ون النص ق د وج د تفس ريه‪،‬‬
‫والناقد ضالته‪ .‬فال غرابة – إذًا‪ -‬أن تكون سيادة املؤلف من الناحية التارخيية هي سيادة الناقد‪ .‬كما‬

‫‪ -‬روالن بارت‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.84:‬‬ ‫‪56‬‬

‫‪ -‬روالن بارت‪ :‬النقد والحقيقة‪ ،‬ترمجة‪ :‬إبراهيم اخلطيب‪ ،‬الشركة املغربية للناشرين املتحدين‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األوىل‬ ‫‪57‬‬

‫سنة ‪1985‬م‪.‬‬
‫‪ -‬روالن بارت‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.85:‬‬ ‫‪58‬‬

‫‪26‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫الغرابة أن يصبح النقد اليوم‪ ،‬حىت ولو كان جديدا‪ ،‬موضع خلخلة‪ ،‬مثل‪ :‬املؤلف‪ .‬فالكتابة املتعددة‬
‫التتطلب إال الفرز والتوضيح‪ ،‬وليس فيها تنقيب عن األسرار‪.59‬‬
‫فضال عن ذلك‪ ،‬يقوم موت املؤلف عند روالن بارت بوظيفة ثالثية‪:‬‬
‫أوال‪ ،‬يسمح بإدراك النص يف تناصه‪.‬‬
‫ثانيا‪ ،‬يبتعد بالنقد عن النظر يف الصدق والكذب‪.‬‬
‫ثالثا‪ ،‬يفسح اجملال لتموضع القارئ؛ إذ إن مولد القارئ جيب أن يدفع مثنه انسحاب املؤلف‪.‬‬
‫إذًا‪ ،‬يب دو أن البنيوي ة‪ ،‬جبمي ع تياراهتا‪ :‬الش كالنية الروس ية‪ ،‬والبنيوي ة اللس انية‪ ،‬والس يميوطيقا‪،‬‬
‫واملورفولوجي ا األملاني ة‪ ،‬نزع ة متعالي ة‪ ،‬تلغي الت اريخ‪ ،‬وتس تلب اإلنس ان‪ ،‬وتقيده بإس ار النس ق والبني ة‬
‫والنظ ام والعالم ات‪ .‬ولكنن ا ق د انتقلنا م ع مرحل ة م ا بع د البنيوي ة( جــنيت‪ ،‬تــودوروف‪ ،‬كريســتيفا‪،‬‬
‫بــارت)‪ ،‬إىل مرحلة أخرى‪ ،‬وهي مرحلة القارئ‪ ،‬مادام بــارت يؤكد أن" ميالد الق ارئ رهني مبوت‬
‫‪60‬‬
‫املؤلف"‪.‬‬

‫‪ -‬روالن بارت‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.86:‬‬ ‫‪59‬‬

‫‪ -‬روالن بارت‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.87:‬‬ ‫‪60‬‬

‫‪27‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬مرحلة القارئ وإزاحة المؤلف‬


‫إذا ك انت البنيوي ة اللس انية ق د أغفلت املؤل ف والطبق ة االجتماعي ة والت اريخ‪ ،‬وك ل م اميت بص لة إىل‬
‫املرج ع‪ ،‬ف إن الب نيويني اجلدد(التفكيكي ون والش كالنيون اجلدد)‪ ،‬مث ل‪ :‬تـ ـ ــودوروف‪ ،‬ودريـ ـ ــدا‪،‬‬
‫وكرســتيفا‪ ،‬وروالن بــارت‪ ،‬قد أولوا أمهية بالغة للقارئ؛ ملا له من دور هام يف فهم النص وتفسريه‬
‫وتأويله‪ .‬وقد ظهرت نظريات كربى تركز على أمهية القارئ‪ ،‬مثل‪ :‬النظريات االجتماعية‪،‬ونظريات‬
‫التخاطب‪ ،‬ونظريات االتصال‪.‬‬
‫ومن اإلش ارات األوىل إىل دور الق راء م ا جنده يف النق د األديب اإلجنل يزي على عه د إدغــار أالن بــو(‬
‫‪ ،)Edgar Allen Poe‬وما كتبه شــارل بودلــير(‪ ،)CH.Baudlaire‬والشاعر الرمزي‬
‫‪61‬‬
‫فاليري الذي قال‪":‬ألشعاري املعىن الذي حتمله عليه"‪.‬‬
‫ولق د ب رزت العناي ة احلقيقي ة بالق ارئ م ع سوس يولوجية روب ـ ـ ــير إس ـ ـ ــكاربيت(‪Robert‬‬
‫‪ ،)Escarpit‬ال ذي ك ان ي رى أن الك اتب" إمنا يكتب لق ارئ أو جلمه ور من الق راء‪ ،‬فه و عن دما‬
‫يضع أثره األديب‪ ،‬يدخل به يف حوار مع القارئ‪ .‬وللكاتب من هذا احلوار نوايا مبيتة يريد إدراكها‪،‬‬
‫فهو يرمي إىل اإلقناع أو إىل املد باألخبار أو اإلثارة أو التشكيك أو زرع األمل أواليأس‪ .‬ومما يربهن‬
‫على أن الك اتب ي رمي باإلنش اء األديب إىل رب ط الص لة بالق ارئ أن ه يعم د إىل نش ر أعمال ه‪ .‬ومن هنا‬
‫رأى إس كاربيت أن حي اة األعم ال األدبي ة تب دأ من اللحظ ة ال يت تنش ر فيه ا‪ ،‬إذ هي‪ ،‬يف ذل ك احلني‬
‫‪62‬‬
‫تقطع صلتها بكاتبها لتبدأ رحلتها مع القراء"‪.‬‬
‫وترتكز سوسيولوجية إسكاربيت على البحث يف الشروط املادية والنفسية واملؤسسية ملباشرة الق راءة‪.‬‬
‫وهنا‪ ،‬يتفق إسكاربيت مع جان بول سارتر(‪ )Sartre‬الذي" أكد أن اجلمهور لألثر انتظار‪ ،‬وهو‬

‫‪61‬‬
‫‪- Paul Valéry : OEUVRES.ed.Pléade.Paris.‬‬
‫‪ -‬حسني الواد‪ :‬مناهج الدراسات األدبية‪ ،‬منشورات عيون املقاالت‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة الرابعة ‪1988‬م‪ ،‬ص‪:‬‬ ‫‪62‬‬

‫‪.79‬‬
‫‪28‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫يعين بذلك أن األثر حييا‪ ،‬قبل اتصاله باجلمهور‪ ،‬حياة تقديرية‪ ،‬فهو‪ ،‬قبل النشر‪ ،‬موجود بالقوة‪ ،‬وهو‬
‫‪63‬‬
‫بعد النشر‪ ،‬موجود بالفعل‪"...‬‬
‫ومن أهم نظري ات الق راءة الب د من التوق ف عن د الق راءة الفينومنولوجي ة م ع جــان بــول ســارتر ال يت‬
‫وضحها يف كتابه( ما األدب؟)‪ .‬ففيه يقدم إجابة كاملة عن القراءة‪ ،‬وماهية الكتابة‪ ،‬ووظيفتها من‬
‫خالل تفاعل الذات مع املوضوع‪.‬‬
‫ونتوقف أيضا عند القراءة التجريبية مع روبير إسكاربيت‪ ،‬وجاك لينهاردت( ‪،)J. Leenhardt‬‬
‫وبي ـ ـ ــير ج ـ ـ ــوزا( ‪ .،)Pierre Joza‬دون أن ننس ى ش عرية الق راءة م ع ميش ـ ـ ــيل ش ـ ـ ــارل(‬
‫‪ ،) M.Charles‬ونظرية التقبل مع ياوس( ‪ )Yauss‬وإيزر( ‪( )Iser‬مدرسة كونستانس)‪ ،‬أو‬
‫مايسمى أيضا جبمالية القراءة‪ ،‬وسيميولوجية القراءة مع روالن بارت وأمبرطو إيكو(‪.64)U.Eco‬‬
‫ومثة نظري ات أخ رى‪ ،‬مث ل‪ :‬نظري ة التخ اطب حيث يتوق ع املرس ل (األديب) من الق ارئ " أن يق وم‬
‫بالتأويل أثناء القراءة‪ ،‬وينتظر منه أن يثري البالغ األديب بإضافات شخصية من عنده يسلطها عليه‪.‬‬
‫وألن التخاطب األديب غامض يف أساسه‪ ،‬يعمد القارئ‪ ،‬كلما واجه نصا أدبيا‪ ،‬إىل امتحانه‪ ،‬فاخترب‬
‫قدراته على حتمل املعاين اإلضافية‪ ،‬مبوجب ماركب فيه من مواطن غامضة تتحمل التأويل‪ .‬ومن هنا‪،‬‬
‫كان األثر األديب يف نظرية التخاطب‪ ،‬أثرا مفتوحا‪ ،‬يستدعي التأويالت العديدة ويتقبلها‪ ،‬فيزداد هبا‬
‫‪65‬‬
‫ثراء على ثرائه"‪.‬‬
‫وتعترب مجالية التقبل من أهم النظريات املعاصرة اليت اهتمت بالقارئ والقراءة‪ ،‬ونشأت هذه النظرية‬
‫يف أملانيا الغربية‪ ،‬وتنسب إىل جامعة كونستانس‪ ،‬ومن ممثليها ياوس وإيزر‪ .‬وقد بلورت هذه املدرسة‬
‫جمموع ة من املف اهيم األساس ية ك أفق االنتظ ار‪ ،‬واملس افة اجلمالي ة‪ ،‬والق ارئ الض مين‪ ،‬وفع ل الق راءة‪،‬‬
‫والقطب الفين‪ ،‬والقطب اجلمايل‪ ،‬ومرحلة استجماع املعىن‪ ،‬ومرحلة الداللة‪.‬‬
‫وال ننسى كذلك سيميولوجية القراءة مع روالن بارت اليت اهتمت بالقارئ والقراءة ولذة النص‪،‬‬
‫واعت رب ب ــارت أن الناق د اجلدي د ليس س وى ق ارئ‪ ،‬فم ا علي ه إال أن يعي د إنت اج النص م رة أخ رى‪،‬‬

‫‪ -‬حسني الواد‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.71:‬‬ ‫‪63‬‬

‫‪ -‬رشيد بنحدو‪ ( :‬قراءة يف القراءة)‪ ،‬مجلة وليلي‪ ،‬املغرب‪ ،‬العدد رقم ‪،4‬صص‪.21-3:‬‬ ‫‪64‬‬

‫‪ -‬د‪ .‬حسني الواد‪ :‬نفسه‪،‬ص‪.75:‬‬ ‫‪65‬‬

‫‪29‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫وينبغي للمؤلف أن ينسحب ليحل القارئ حمله‪ .‬فالنقد ‪ -‬إذًا‪ -‬يف نظره قراءة‪ ،‬وميالد القارئ مرتبط‬
‫مبوت الك اتب‪ .‬ومن هنا‪ ،‬يت ألف النص" من كتابات متع ددة‪ ،‬تنح در من ثقاف ات عديدة‪ ،‬تدخل يف‬
‫حوار مع بعضها البعض‪ ،‬وتتحاكى وتتعارض‪ ،‬بيد أن هناك نقطة جيتمع عندها هذا التعدد‪ .‬وليست‬
‫هذه النقطة هي املؤلف‪ ،‬كما دأبنا على القول‪ ،‬وإمنا هي القارئ‪ :‬القارئ هو الفضاء الذي ترتسم فيه‬
‫ك ل االقتباس ات ال يت تت ألف منه ا الكتاب ة‪ ،‬دون أن يض يع أي منه ا‪ ،‬ويلحق ه التل ف‪ .‬فليس ت وح دة‬
‫النص يف منبع ه وأص له‪ ،‬وإمنا يف مقص ده واجتاه ه‪ .‬بي د أن ه ذا االجتاه مل يع د من املمكن أن يك ون‬
‫شخص يا‪ :‬فالق ارئ إنس ان الت اريخ ل ه‪ ،‬وال حي اة شخص ية‪ ،‬وال حي اة نفس ية‪ .‬إن ه ليس إال ذاك ال ذي‬
‫‪66‬‬
‫جيمع فيما بني اآلثار اليت تتألف منها الكتابة داخل نفس اجملال"‪.‬‬
‫هذه ‪-‬إذًا‪ -‬أهم النظريات حول القراءة والقارئ‪ ،‬وتبيان لدورها يف انبناء النص واستهالكه‪ ،‬والتلذذ‬
‫به‪ ،‬وإعادة إنتاجه‪ .‬وقد تكون القراءة منغلقة أومنفتحة‪ ،‬حسب مرجعيات القارئ الثقافية وظروفه‬
‫النفسية واالجتماعية‪.‬‬

‫المبحث الرابع‪ :‬عـ ــودة المؤلف‬


‫على ال رغم من تل ك الن داءات ال يت ت دعو إىل م وت املؤل ف‪ ،‬واس تبداله ب النص والق ارئ‪ ،‬فإهنا تظ ل‬
‫نداءات بال صدى‪ ،‬وحتمل يف طياهتا ثغرات منهجية‪ ،‬وتصورات التشفي الغليل‪ ،‬وال تشبع العقول‪،‬‬
‫وال تقنع النقاد والباحثني بأي حال من األحوال‪ .‬فالنقد األديب عملية متكاملة‪ ،‬عليها أن تلم جبميع‬
‫جوانب النص األديب‪ ،‬من مؤلف‪ ،‬ونص‪ ،‬وقارئ‪ ،‬وواقع‪ .‬وأي إقصاء لعنصر من هذه العناصر جيعل‬
‫العمل الوصفي ناقصا وخمتال‪ ،‬تعوزه املوضوعية‪ ،‬واإلحاطة الشاملة‪ ،‬واالستقصاء العلمي الدقيق‪ .‬ومن‬
‫مث‪ ،‬فإنن ا مني ل إىل اس تغالل منهج متكام ل‪ ،‬ي راعي مجي ع عناص ر النص اإلب داعي من ملحق ات موازي ة‬
‫داخلي ة وخارجي ة‪ ،‬واس تثمار الب ىن الداللي ة والرتكيبي ة والتداولي ة‪ ،‬م ع الرتك يز على الك اتب والنص‬
‫والقارئ والواقع على حد سواء‪.‬‬

‫‪ -‬روالن بارت‪ :‬نفسه‪،‬ص‪.87 :‬‬ ‫‪66‬‬

‫‪30‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫إن عودة املؤلف إىل النقد األديب ضرورة منهجية ملحة‪ ،‬ورغبة تأويلية مستوجبة‪ ،‬بعد فشل املقاربات‬
‫البنيوية‪ ،‬وعجز مناهج التقبل ونظريات التلقي عن استيعاب النص األديب استيعابا جيدا ومثمرا‪ ،‬كما‬
‫ي رى مــوريس كوتــوريي(‪ .67 )Maurice Couturier‬فك ل منهج حيم ل يف بذرت ه ن واقص‬
‫فنائه‪ .‬هلذا‪ ،‬ينبغي أن نلم جبميع مكونات النص األديب األساسية‪ ،‬ونستفيد من مجيع النظريات األدبية‬
‫والنقدية القدمية واحلديثة على السواء‪ .‬فهذا بارت نفسه يرى أن املؤلف ماتزال سلطته قائمة‪ ،‬على‬
‫‪68‬‬
‫الرغم من أنه أعلن موته‪ ،‬والنقد اجلديد مل يعمل‪ ،‬يف أغلب األحوال‪ ،‬إال على تدعيمها‪.‬‬
‫والدليل على أمهية املؤلف يف مقاربة النص اإلبداعي تلك الضجة اليت أحدثها الطلبة يف فرنسا سنة‬
‫‪1968‬م‪ ،‬بدعوهتم إىل سقوط البنيوية لكوهنا تقتل اإلنسان‪ ،‬وتقصي التاريخ حلساب النص والنسق‬
‫والنظ ام‪ .‬ناهي ك عن األوه ام ال يت وقعت فيه ا البنيوي ة ملا حص رت عمله ا يف التقعي د والوص ف‬
‫املوض وعي اجملرد للبنية الداخلية للنص‪ ،‬وما يتشابك فيها من عالقات‪ .‬فقد اعتربت البنيوية النص‪-‬‬
‫كما قلنا سالفا‪ -‬نظاما مغلقا العالقة له بالكاتب املبدع‪ ،‬وال بالتطور التارخيي‪ .‬وقد فتح عليها هذا‬
‫التصور باب النقد على مصراعيه من قبل الوجودي سـارتر‪ ،‬والتارخيي روجيه جارودي الذي كان‬
‫ي رى أن البني ة من حيث هي مس لمة أولوي ة جيب أن تك ون نقط ة بداي ة النقط ة انته اء‪ .‬ومن مث‪ ،‬ف إن‬
‫قوهلا مبوت اإلنسان هو ضد النزعة اإلنسانية‪ .‬فهناك من النقاد البنيويني أنفسهم من كان له الرأي‬
‫نفس ه‪ ،‬مث ل‪ :‬جولي ــا كريس ــتيفا‪ ،‬وت ــودوروف‪ ،‬وروالن ب ــارت‪ ،‬وج ــيرار ج ــنيت‪ ،‬وفيليب س ــولرز‪،‬‬
‫وجاك الكان‪ ،‬وجاك دريـدا‪ ،‬وفوكـو الذي أكد أنه من" العبث أن ننكر وجود الكاتب أو املبدع‪.‬‬
‫لذلك‪ ،‬دعا إىل وجوب التفريق بني الذات الفردية للمؤلف وهي اليت عد نكراهنا من العبث‪ ،‬والذات‬
‫‪69‬‬
‫املعرفية‪ ،‬وهي اليت يشرتك فيها املؤلف مع ذوات أخرى"‪.‬‬
‫وحتمل عتبة " اســم المؤلـف" داللة كبرية يف إضاءة النص وتوضيحه‪ .‬وبالتايل‪ ،‬يزكي حضور اسم‬
‫الكاتب أو الشاعر أو الروائي مشروعية العمل‪ ،‬ويعطيه األحقية القانونية يف التوثيق والرتويج‪ .‬وعربه‪،‬‬

‫‪67‬‬
‫‪- Maurice Couturier : la figure de l’auteur, paris, Seuil, 1995 .‬‬
‫‪ -‬روالن بارت‪ :‬نفسه‪،‬ص‪.82:‬‬ ‫‪68‬‬

‫‪ -‬حممد اهلادي مطوي‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.188 :‬‬ ‫‪69‬‬

‫‪31‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫يتعرف القارئ إىل املؤلف( بفتح الالم)‪ ،‬ويكون أفق انتظاره اخلاص‪ ،‬كلما أصدر ذلك املبدع كتابا‬
‫آخر‪.‬‬
‫وهك ذا‪ ،‬فوج ود املؤل ف على غالف الكت اب يع ين حض وره‪ ،‬والتعري ف بالعم ل وتوقيع ه جتنب ا لك ل‬
‫ادع اء وانتح ال وس رقة أدبي ة أو علمي ة‪ .‬وينبغي أن منيز بني مؤل ف مل يكتب إال كتاب ا واح دا‪ ،‬وه ذا‬
‫اليثري فضول القراء‪ ،‬وال يفسح أمامهم أي أفق انتظار‪ ،‬واملؤلف الذي كتب مؤلفات عدة‪ ،‬وأثبت‬
‫وج وده بأعمال ه الس ابقة‪ .‬فه ذا الك اتب ينتظ ره الق راء باس تمرار‪ ،‬وي رتقبون إص داراته اجلدي دة؛ ألهنم‬
‫كون وا حول ه تص ورا أس لوبيا وأجناس يا وداللي ا‪ .‬ويف ه ذا الس ياق‪ ،‬يق ول فيليب لوج ــون ‪PH.‬‬
‫‪ ":Lejeune‬رمبا اليص بح املرء مؤلف ا إال ابت داء من كتاب ه الث اين‪ ،‬عن دما يغ دو االس م الشخص ي‬
‫ال ذي يوج د على الغالف "العام ل املش رتك" ال ذي جيم ع على األق ل نص ني خمتلفني‪ .‬ومن مث‪ ،‬يعطي‬
‫فك رة ش خص الميكن أن ي رد على نص بعين ه من ه ذه النص وص‪ ،‬وميكن ه أن ينتج نصوص ا أخ رى‪،‬‬
‫‪70‬‬
‫فيتجاوزها مجيعا‪".‬‬
‫إن تثبيت اسم املؤلف العائلي والشخصي‪ ،‬سواء من قبل الناشر أم املبدع نفسه أم سريا على اخلطة‬
‫السائدة يف طبع الكتب واملنشورات‪ ،‬إمنا يراد منه ختليده يف ذاكرة القارئ‪ .‬وال يعدو أن يكون اسم‬
‫أي مؤلف على الغالف إال ركاما من احلروف امليتة‪« ،‬فحني يرتقي اسم املؤلف إىل مستوى النص‪،‬‬
‫فإن ه ينتعش ويتح رك‪ ،‬ويهب نفس ه حبق للق راءة‪ .‬أم ا حني يقتص ر وج وده على الغالف‪ ،‬فال يك ون‬
‫‪71‬‬
‫موضوع قراءة‪ ،‬بل عالمة على أن املؤلف مشهور أو شبه معروف أو جمهول"‪.‬‬

‫تلكم ‪ -‬إذًا‪ -‬أهم احملط ات األساس ية ال يت عرفته ا ص ورة املؤل ف ال يت ميكن اختزاهلا يف ثنائي ة احلي اة‬
‫واملوت‪ ،‬أو ثنائية اإلقصاء واإلثبات‪ ،‬أو ثنائية االعرتاف واإلنكار‪ .‬ولكن يبقى املؤلف عنصرا ضروريا‬
‫الميكن االستغناء عنه‪ ،‬بأي شكل من األشكال‪ ،‬وخاصة حني نريد مقاربة النصوص فهما وتفسريا‬
‫وتأويال‪ ،‬على الرغم من وجود ظاهرة التناص‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫‪- PH.LEJEUNE : Le pacte autobiographique.Paris.Ed/du Seuil, 1975, p :‬‬
‫‪23.‬‬
‫‪ -‬محيد حلمداين‪ :‬بنية النص السردي‪ ،‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪1991‬م‪ ،‬ص‪.60-59:‬‬ ‫‪71‬‬

‫‪32‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫الفصل الثالث‪:‬‬

‫عتبـ ــة الجنس األدبي‬

‫المبحث األول‪ :‬تعريف الجنس األدبي‬

‫يعد اجلنس األديب مبدأ تنظيميا للخطابات األدبية‪ ،‬ومعيارا تصنيفيا للنصوص اإلبداعية‪ ،‬ومؤسسة‬
‫تنظريية ثابتة‪ ،‬تسهر على ضبط النص أو اخلطاب‪ ،‬وحتديد مقوماته ومرتكزاته‪ ،‬وتقعيد بنياته الداللية‬
‫والفنية والوظيفية من خالل مبدأي‪ :‬الثبات والتغري‪ .‬ويساهم اجلنس األديب يف احلفاظ على النوع‬
‫األديب‪ ،‬ورصد تغرياته اجلمالية الناجتة عن االنزياح واخلرق النوعي‪ .‬ويعترب اجلنس األديب كذلك من‬
‫أهم مواضيع نظرية األدب‪ ،‬وأبرز القضايا اليت انشغلت هبا الشعرية الغربية والعربية على حد سواء؛‬
‫ملا للجنس األديب من أمهية معيارية وصفية وتفسريية يف حتليل النصوص‪ ،‬وتصنيفها‪ ،‬ومنذجتها‪،‬‬
‫وحتقيبها‪ ،‬وتقوميها‪ ،‬ودراستها عرب مساهتا النمطية‪ ،‬واستكشافها عرب مكوناهتا النوعية‪ ،‬وتبياهنا بواسطة‬
‫خصائصها التجنيسية‪.‬‬

‫كما تساعدنا معرفة قواعد اجلنس على إدراك التطور اجلمايل والفين والنصي‪ ،‬وتطور التاريخ األديب‪،‬‬
‫باختالف تطور األذواق‪ ،‬وتنوع مجاليات التقبل أوالتلقي‪ .‬فضال عن تطور العوامل الذاتية املرتبطة‬
‫بشخصية املبدع من ناحية اجلنس والوراثة‪ ،‬وتطور العوامل املوضوعية اليت حتيل على بيئة األديب‬
‫بكل جتلياهتا الطبيعية‪ ،‬واجلغرافية‪ ،‬واالجتماعية‪ ،‬والتارخيية‪ ،‬والدينية‪.‬وإذا كان هذا هو تعريف اجلنس‬
‫األديب‪ .‬فما تضاريسه التارخيية؟ وما خصائصه النوعية والشكلية؟ وكيف يتم رصد اجلنس األديب‬
‫ودراسته؟ وما األسئلة اليت يطرحها اجلنس األديب على القارئ والناقد معا؟ وما املنهجيات اليت‬
‫اعتمدت يف مقاربة اجلنس األديب يف الغرب والعامل العريب معا؟‬
‫‪33‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬تاريخ الجنس األدبي وخصائصه‬

‫اهتمت اإلنشائية الغربية (‪ ) POETIQUE‬منذ القدمي ‪ -‬وما تزال‪ -‬مبسألة األجناس األدبية‪.‬‬
‫وقد ميز أفالطون‪ ،‬يف مجهوريته‪ ،‬بني السرد واحلوار‪،72‬أو بني احلكي القصصي واحلكي املسرحي‪،‬‬
‫حيث يشتمل األول على السرد واحلوار‪ ،‬ويتضمن الثاين احلوار فقط‪ .‬فامللحمة متثل النمط األول‪،‬‬
‫واملسرحية املأساوية واهلزلية متثل النمط الثاين‪ ،‬على أن هناك منطا ثالثا يشتمل على السرد فقط‪ ،‬وهو‬
‫‪73‬‬
‫املدائح‪.‬‬

‫ويعد أرسطو‪ ،‬يف كتابه ) فن الشعر)‪ ،‬املنظر األول لألجناس األدبية دون منازع‪ ،‬فقد قعدها وصنفها‬
‫بطريقة علمية قائمة على الوصف‪ ،‬وحتديد السمات واملكونات‪.‬وقد قسم األدب إىل ثالثة أقسام‪:‬‬
‫األدب الغنائي‪ ،‬واألدب امللحمي‪ ،‬واألدب الدرامي‪ .74‬وتبعا لذلك‪ ،‬فقد صارت قضية التجنيس يف‬
‫العصر احلديث من أعوص القضايا اليت ناقشتها نظرية األدب والتصورات البنيوية والسيميائية وما بعد‬
‫البنيوية؛ ملا هلا من دور فعال يف فهم آليات النص األديب‪ ،‬وتفسري ميكانيزماته اإلجرائية قصد حماصرة‬
‫النوع‪،‬وتقنني اجلنس داللة‪ ،‬وبناء‪ ،‬ووظيفة‪ .‬وقد أشار تودوروف(‪)Todorov‬إىل أن مسألة‬
‫األجناس"من املشاكل األوىل للبويطيقا منذ القدمي حىت اآلن‪ ،‬فتحديد األجناس وتعدادها ورصد‬
‫العالئق املشرتكة بينها مل يتوقف عن فتح باب اجلدال‪ .‬وتعترب هذه املسألة حاليا متصلة بشكل عام‬
‫بالنمذجة البنيوية للخطابات‪ ،‬حيث اليعترب اخلطاب األديب غري حالة نوعية"‪ .75‬ويؤكد العامل الأملاين‬

‫‪ -‬أفالطون‪ :‬جمهورية أفالطون‪ ،‬ترمجة ودراسة‪ :‬فؤاد زكريا‪ ،‬اهليئة املصرية العامة للكتاب‪ ،‬طبعة ‪1974‬م‪،‬صص‪-267:‬‬ ‫‪72‬‬

‫‪.270‬‬
‫‪ -‬محيد حلمداين‪( :‬السرد واحلوار)‪ ،‬مجلة دراسات سيميائية وأدبية ولسانية‪ ،‬املغرب‪ ،‬العدد ‪ ،3‬السنة ‪،1988‬ص‪.148:‬‬ ‫‪73‬‬

‫‪ -‬جريار جنيت‪ :‬مدخل لجامع النص‪ ،‬ترمجة عبد الرمحن أيوب‪،‬دار توبقال‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األوىل‪،1985،‬ص‪.5:‬‬ ‫‪74‬‬

‫‪75‬‬
‫‪- T .TODOTOV et DUCROT : Dictionnaire encyclopédique des‬‬
‫‪sciences du langage. ED, SEUIL, PARIS 1972, p : 193 .‬‬
‫‪34‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫كارل فيتور(‪ ) KARL Viëtor‬أن " األجناس األدبية هي إنتاجات فنية؛ ألن أصلها التارخيي‬
‫من أغمض األمور‪"76.‬‬

‫وقد عرفت عملية جتنيس النص األديب امتدادات تارخيية وفنية ومجالية‪ .‬وعرفت أيضا تطورات على‬
‫مستوى التصور النظري واملمارسة التطبيقية منذ شعرية أرسطو وأفالطون‪ ،‬مرورا بتصورات‬
‫برونوتيري‪ ، 77‬وهيجل‪ ،‬وجورج لوكاش‪ ،‬وميخائيل باختني‪ ،‬وكريزينسكي‪ ،‬وفراي‪ ،‬وتودوروف‪،‬‬
‫وهامبورغر كيت‪ ،‬وأوستني وارين‪ ،‬وروين ويليك‪ ،‬وماري شايفر‪ ،‬وفيتور‪ ،‬وجريار جنيت‪،‬‬
‫وغريهم‪...‬‬

‫كما انتقل اجلنس األديب من مرحلة الصفاء والنقاء النوعي مع الشعرية اليونانية إىل مرحلة وحدة‬
‫األجناس األدبية مع الرومانسية‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬انتقل إىل مرحلة االختالط والتهجني والتالقح مع نظرية‬
‫باختني‪ .‬وبكل اختصار‪،‬انتقلت عملية التجنيس من مرحلة االنغالق والثبات واالستقرار إىل مرحلة‬
‫االنفتاح والتكون والتغري‪ .‬فهذا تزفيطان تودوروف يؤكد أن التأمالت حول األجناس األدبية قد‬
‫كثرت‪ ،‬فهي" قدمية قدم نظرية األدب‪ ،‬ومادام كتاب أرسطو يف الشعر يصف اخلصائص النوعية‬
‫للملحمة والرتاجيديا‪ .‬فقد ظهرت منذ ذلك الوقت مؤلفات ذات طبيعة متنوعة احتذت حذو‬
‫أرسطو‪ .‬لكن هذا النوع من الدراسات مل حيقق تقاليده اخلاصة إال ابتداء من عصر النهضة‪ ،‬حيث‬
‫تتابعت الكتابات حول قواعد الرتاجيديا والكوميديا وامللحمة والرواية‪ ،‬وخمتلف األجناس الغنائية‪،‬‬
‫وارتبط ازدهار هذا اخلطاب‪ ،‬بكل تأكيد‪ ،‬ببنيات إيديولوجية سائدة‪ ،‬وبالفكر املتبىن عن اجلنس‬
‫األديب يف ذلك العصر‪ .‬أعين كونه قاعدة حمددة الينبغي خرقها‪ .‬صحيح أن األجناس األدبية كانت‬
‫تنتمي إىل األدب( أو إىل القصيدة أو إىل الفنون اجلميلة)‪ ،‬ولكنها كانت تعترب وحدة من مستوى‬
‫أدىن تنتج عن تقطيع‪ ،‬بإمكاننا أن نقاربه مبوضوعات نظرية األدب السابقة‪ ،‬ولكنها مع ذلك متميزة‬

‫‪76‬‬
‫‪- G.GENETTE :( introduction à l’Architexte). IN: théorie des genres.Points,‬‬
‫‪pp : 13.‬‬
‫‪ -‬أرج ع برنوتي ري تغ ريات اجلنس األديب وحتوالت ه النوعي ة‪ ،‬يف كتاب ه(تطــور األجنــاس األدبيــة في تــاريخ األدب)‪،‬إىل عوام ل‬ ‫‪77‬‬

‫ذاتية وموضوعية‪ ،‬كالوراثة‪ ،‬واجلنس‪ ،‬وشخصية املبدع‪ ،‬ومؤثرات البيئات اجلغرافية واالجتماعية والتارخيية‪.‬‬
‫‪35‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫عنها‪ .‬ففي حني‪ ،‬إن الرمز أو التمثيل أو األسلوب اجملازي عبارة عن خصائص جمردة للخطاب األديب‬
‫(حيث يكون استيعاهبا نتيجة ذلك أكرب من األدب وحده)‪ ،‬فإن األجناس األدبية كانت تنتج عن‬
‫نوع آخر من التحليل‪ ،‬إنه األدب يف أجزائه"‪.78‬‬

‫ولقد استعري مفهوم اجلنس والنوع من العلوم الطبيعية‪ ،‬ويرجع الفضل يف ذلك إىل العامل الروسي‬
‫فالدميري بروب رائد التحليل البنيوي املورفولوجي للسرد‪ ،‬وقد استفاد كثريا من وصفات علم النبات‬
‫وعلم احليوان‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬كيفية دراسة الجنس األدبي وتحديده‬

‫لتحديد اجلنس األديب‪ ،‬نت تبع منهجية وصفية تستند إىل إبراز مواصفات اجلنس األديب ومميزاته‪،‬‬
‫باستخالص بنياته النوعية‪ ،‬واستكشاف مكوناته التجنيسية ملعرفة ماهو ثابت وجوهري‪،‬و رصد ماهو‬
‫عرضي متغري‪ ،‬أو نلتجئ إىل منهجية تفسريية للبحث عن حيثيات التطور األديب‪ ،‬واستخالص ظروف‬
‫تغري اجلنس‪ ،‬واستكناه مجالية التجنيس يف النص األديب تقوميا وتأويال‪ .‬والبد كذلك من االعتماد على‬
‫جمموعة من اخلطوات املنهجية يف ذلك‪ ،‬وهي‪ :‬املالحظة‪ ،‬والوصف‪ ،‬والتجريب‪ ،‬والفرضية‪،‬‬
‫واالستنتاج‪،‬والقانون‪ .‬أي‪ :‬ننطلق من احملسوس إىل اجملرد الكلي بطريقة استقرائية‪ ،‬أو من الكلي اجملرد‬
‫إىل اجلزئي واخلاص بطريقة استنباطية‪.‬‬

‫المبحث الرابع‪ :‬أسئلـ ـة الجنــس األدبـ ـي‬

‫يطرح اجلنس األديب جمموعة من األسئلة احملرية داخل الدراسات األجناسية املتعلقة بالنص األديب على‬
‫النحو التايل‪:‬‬

‫‪ -‬تزفيط ان ت ودوروف‪ :‬الشــعرية‪ ،‬ترمجة‪ :‬ش كري املبخ وت ورج اء بن س المة‪ ،‬دارتوبق ال للنش ر‪ ،‬ال دار البيض اء‪ ،‬الطبع ة‬ ‫‪78‬‬

‫األوىل‪،1987 ،‬ص‪.3:‬‬
‫‪36‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫‪ ‬هل من حقنا مناقشة جنس أديب ما من غري أن نكون قد درسنا‪ ،‬أو على األقل‪ ،‬قرأنا مجيع اآلثار‬
‫اليت تكونه؟‬

‫‪ ‬هل مثة أجناس أدبية معدودة فقط‪ ،‬كأن نقول‪ :‬أجناس شعرية غنائية وملحمية ودرامية‪ ،‬أو أزيد‬
‫منها بكثري؟ وهل عدد األجناس هنائي أو غري هنائي؟‬

‫وقد أجاب تودوروف عن السؤال األول قائال‪ ":‬من أوىل مسات املنحى العلمي عدم مطالبته مبالحظة‬
‫كافة متيزات الظاهرة لغرض وصفها‪ ،‬فهو باألحرى يعمل عن طريق االستنباط‪ .‬حبيث يتم يف الواقع‪،‬‬
‫مجع عدد حمدود نسبيا من الوقائع‪ ،‬فتستخلص من فرضية عامة‪ ،‬وتراجع على منت آثار أخرى‪،‬‬
‫بتصحيحها أو بطرحها‪ .‬فمهما كان عدد الظواهر املدروسة‪ ( ،‬وهي هنا آثار)‪ ،‬فإنه دائما قلما يكون‬
‫مباحا لنا أن نستنبط منها قوانني كلية‪ .‬إذ إن الرتابط املنطقي للنظرية‪ ،‬الكمية املالحظات‪ ،‬هو الذي‬
‫يكون على صلة وثيقة باملوضوع‪"79.‬‬

‫ويعضد قولة تودوروف ما قاله كارل بوبر( ‪ ) KARL POPPER‬من وجهة نظر املنطقي‪" :‬‬
‫المربر بني أيدينا الستنتاج فرضيات كلية انطالقا من قضايا جزئية‪ ،‬مهما كان عددها؛ ألن كل‬
‫استنتاج من هذا السبيل ميكن أن يتبدى كاذبا على الدوام‪ :‬مهما كان عدد البجع البيض الذي‬
‫سيكون بوسعنا مالحظته‪ ،‬فإنه اليربر استنتاج أن كل البجع أبيض‪"80.‬‬

‫أما عن السؤال الثاين‪ ،‬فقد قدم الشكالنيون الروس جمموعة من األجوبة‪ ،‬والسيما توماشفسكي الذي‬
‫قدم حال صحيحا نسبيا بقوله‪":‬تتوزع اآلثار إىل أقسام واسعة‪ ،‬وهذه بدورها تتفرع إىل صيغ‬
‫وأنواع‪"81.‬‬

‫‪ -‬تودوروف‪ :‬مدخل إلى األدب العجائبي‪ ،‬صص‪.28-27:‬‬ ‫‪79‬‬

‫‪80‬‬
‫‪- K. POPPER: The logic of scientific discovery. NEW YORK, BASIC‬‬
‫‪BOOKS 1959, p: 27.‬‬
‫‪81‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪TOMACHEVSKI‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪(thématique),‬‬ ‫‪in:‬‬ ‫‪THEORIE‬‬ ‫‪DE‬‬ ‫‪LA‬‬
‫‪LITTERATURE, PARIS.ED DU SEUIL1965, pp : 306-307.‬‬
‫‪37‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫ويف املنحى نفسه‪ ،‬طرحت جان ماري شايفر‪) )J.MARIE SCHAEFFER‬عدة‬


‫إشكاليات تتعلق بالقضية األجناسية وصعوبة التجنيس‪ ،82‬منها‪:‬‬

‫‪‬ماذا نقصد باجلنس األديب؟ واألجوبة على هذا السؤال التؤسس إال االختالف اجلذري‪ ،‬فقد‬
‫يكون‪:‬‬

‫أ‪ -‬معيارا؛‬
‫ب‪ -‬جوهرا مثاليا؛‬

‫ج‪ -‬قالبا للمقدرة األدبية؛‬

‫د‪ -‬جمرد مفهوم للتصنيف اليناسب‪ .‬أي‪ :‬إنتاجية نصية خاصة‪...‬اخل‪.‬‬

‫‪‬ما العالقة اليت تربط النصوص باألجناس األدبية؟‬

‫‪ ‬ما العالقة اليت تربط نصا معطى جبنسه األديب؟‬

‫‪‬ما العالقة املوجودة بني الظواهر التجريبية والتصورات؟‬

‫‪ ‬هل تسهم األجناس األدبية يف تطوير جوهر األدب؟‬

‫المبحث الخامس‪ :‬الثورة على الجنس األدبي‬

‫ثار موريس بالنشو(‪ ) M. BLANCHOT‬على نظرية األجناس األدبية‪ ،‬مثلما ثار عليها عامل‬
‫فن اجلمال اإليطايل كروشيه يف دعوته إىل التخلص من مفهوم اجلنس ونفيه‪ .‬وهكذا‪ ،‬كتب بالنشو‬
‫يف أواخر منتصف القرن العشرين قائال‪ ":‬مل يعد هناك كتاب ينتمي إىل جنس‪ .‬كل كتاب يرجع إىل‬
‫األدب الواحد‪ ...‬ومن مث‪ ،‬فهو بعيد عن األجناس وخارج خانات النثر والشعر والرواية والشهادة‪...‬‬

‫‪82‬‬
‫‪- A. REGARDER, J.M.SCHAEFFER : Qu’est- ce qu’un genre littéraire,‬‬
‫‪SEUIL, 1989.‬‬
‫‪38‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫يأىب أن ينتظم حتت كل هذا‪ ،‬أو يثبت له مكانه‪ ،‬وحيدد شكله‪ .83"...‬وينادي روالن بارت كذلك‬
‫إىل إلغاء احلدود املوجودة بني األجناس األدبية‪ ،‬وتعويض اجلنس األديب أو األثر األديب بالكتابة أو‬
‫النص‪ .‬ومبا أن النص يتحكم فيه مبدأ التناص‪ ،‬واستنساخ األقوال‪ ،‬وإعادة األفكار‪ ،‬وتعدد املراجع‬
‫اإلحالية اليت تعلن موت املؤلف‪ ،‬فالداعي للحديث عن اجلنس األديب ونقائه وصفائه‪ ،‬مادام النص‪،‬‬
‫من جهة أخرى‪ ،‬مجاع نصوص متداخلة‪ ،‬وملتقى خطابات متنوعة وخمتلفة من حيث التجنيس‬
‫والتصنيف‪ .‬ويعين هذا أن الكتابة األدبية ‪ -‬حسب بارت‪-‬هي خلخلة ملعيار التجنيس‪ ،‬وانتهاك‬
‫لرتتيب األنواع‪ ،‬وانزياح عن قواعد تصنيف األمناط‪ .‬ويف هذا‪ ،‬يقول روالن بارت‪":‬إن النص‬
‫الينحصر يف األدب اجليد‪ .‬إنه اليدخل ضمن تراتب‪ ،‬وال حىت ضمن جمرد تقسيم لألجناس‪ .‬ماحيدده‬
‫على العكس من ذلك هو قدرته على خلخلة التصنيفات القدمية‪"84.‬‬

‫ويالحظ اليوم أن الكتابات اإلبداعية املعاصرة‪ ،‬سواء يف الثقافة الغربية أم يف الثقافة العربية‪ ،‬قد بدأت‬
‫‪ -‬فعال‪ -‬يف خلخلة اجلنس األديب‪ ،‬وحتطيم معايريه النوعية‪ ،‬ونسف مقوماته النمطية‪ ،‬باسم احلداثة‪،‬‬
‫والتجريب‪ ،‬والتأصيل‪ ،‬والتأسيس‪ .‬فأصبحنا ‪ -‬اليوم ‪ -‬نتحدث عن القصيدة النثرية اليت يتقاطع فيها‬
‫الشعر والنثر‪ ،‬والقصيدة الشذرية اليت يتقاطع فيها الشعر مع الفلسفة‪ ،‬والقصيدة الدرامية اليت ينصهر‬
‫فيها الشعر واحلوار املسرحي معا‪ .‬كما أصبحت الرواية فضاء ختييليا لتالقح النصوص وتداخل‬
‫اخلطابات واألجناس تناصا وهتجينا‪ .‬دون أن ننسى املسرح الذي أصبح أب الفنون واألجناس األدبية‬
‫بامتياز‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫‪-BLANCHOT, M : le livre à venir, PAIS, GALLIMARD, 1959, pp : 243-‬‬
‫‪244.‬‬
‫‪ -‬روالن بارت‪ :‬درس السيميولوجيا‪ ،‬ترمجة عبد السالم بن عبد العايل‪ ،‬دار توبقال للنشر‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األوىل‪،‬‬ ‫‪84‬‬

‫‪ ،1986‬ص‪.61:‬‬
‫‪39‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫المبحث السادس‪ :‬منهجيات مقاربة الجنس األدبي‬


‫انطلق الباحثون والدارسون والنقاد يف مقاربتهم لألجناس واألنواع األدبية من زوايا منهجية متعددة‪.‬‬
‫فهناك دراسات تركز على الشكل‪ ،‬وأخرى على املضمون‪ ،‬والبعض اآلخر على الوظيفة‪ .‬وميكن‬
‫حتديد بعض املناهج املعتمدة يف تلك الدراسات فيما يلي‪:‬‬
‫أوال‪ -‬املقاربة االجتماعية‪ ( :‬لوكاش‪ -‬باختني‪ -‬ﮔولدمان‪.)...‬‬
‫ثانيا‪ -‬املقاربة الفلسفية‪( :‬هيجل‪.)....‬‬
‫ثالثا‪ -‬املقاربة البنيوية‪( :‬تودوروف‪ -‬جنيت‪ -‬فالدميري بروب‪ -‬توماشفسكي‪.)...‬‬
‫رابعا‪ -‬املقاربة التطورية التارخيية‪( :‬برونوتيري‪ ،BRUNETIERE‬أدينـﮔتون‪.)...‬‬
‫خامسا‪ -‬املقاربة الشكلية‪ ( :‬فراي‪ -‬شولز‪ -‬ويليك‪ -‬أوستني وارين‪.)...‬‬
‫سادسا‪ -‬املقاربة السيميائية‪( :‬كريزنسكي…‪.)-‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬هناك من يصنف األجناس األدبية اعتمادا على الزمن ( املاضي واحلاضر‬
‫واملستقبل)‪ ،‬أو حسب الضمائر‪ ،‬أو حسب األساليب (السرد – احلوار)‪ ،‬أو يف ضوء األفعال والصيغ‬
‫اللغوية‪ ،‬أو حسب املواضيع ( الرواية التارخيية‪ ،‬والرواية السياسية‪ ،‬والرواية االجتماعية‪.)...‬وهكذا‪،‬‬
‫يثري موضوع اجلنس األديب" أسئلة مركزية يف تاريخ األدب والنقد األديب‪ ،‬ويف العالقات الداخلية‬
‫املتبادلة بينهما‪ ،‬وهو يطرح يف سياق أديب نوعي املسائل الفلسفية املتعلقة بالصلة بني الطبقة واألفراد‬
‫الذين يؤلفوهنا‪ ،‬وبني الواحد واملتعدد‪ ،‬وطبيعة الكليات‪."85.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬يتبني لنا أن اجلنس األديب خاضع ملقاربات منهجية خمتلفة ومتنوعة‪ ،‬قد تكون داخلية أو‬
‫خارجية‪ ،‬أو نصية أو مرجعية‪.‬‬

‫المبحث السابع‪ :‬الجنس األدبي في الثقافة العربية‬

‫إذا انتقلنا إىل احلقل الثقايف العريب ملالحقة وضعية نظرية األجناس األدبية‪ ،‬فسنجد عدة دارسني قد‬
‫اهتموا بتأريخ األجناس والفنون واألنواع واألمناط األدبية‪ ،‬بتعريفها من حيث الشكل واملضمون‬
‫‪ -‬ريني ه ويلي ك وأوس تني وارين‪ :‬نظريــة األدب‪ ،‬ترمجة ‪ :‬حميي ال دين ص بحي‪ ،‬املؤسس ة العربي ة للدراس ات والنش ر‪،‬الطبع ة‬ ‫‪85‬‬

‫الثالثة‪،1985 ،‬ص‪.239 :‬‬


‫‪40‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫والوظيفة‪ ،‬وحتديد مرتكزاهتا ومكوناهتا ومساهتا‪ ،‬مع ذكر النماذج التمثيلية من الثقافتني‪ :‬الغربية‬
‫والعربية على حد سواء‪ ،‬مث االنتقال إىل دراسة بعض النصوص اليت متثل أجناسا أدبية حمددة مضمونا‬
‫وشكال‪ ،‬كما فعل حممد مندور يف كتابه( األدب وفنونه)‪ ،86‬وعز الدين إمساعيل يف كتابه (األدب‬
‫وفنونه)‪ ،87‬وعبد املنعم تليمة يف(مقدمة في نظرية األدب)‪ ،88‬وحممد غنيمي هالل يف كتابه(في‬
‫األدب المقارن)‪ ،89‬وعبد السالم املسدي يف كتابه(النقد والحداثة)‪ ،90‬وموسى حممد خري الشيخ‬
‫يف( نظرية األنواع األدبية في النقد العربي)‪ ،91‬وإحسان عباس يف كثري من دراساته اليت خصصها‬
‫جملموعة من الفنون واألجناس األدبية‪ ،‬كالنقد األديب‪ ،‬وفن الشعر‪ ،‬وفن السرية‪ ...‬وما قام به بعض‬
‫الدارسني احملدثني من مراجعة لقضية األجناس األدبية يف ضوء مناهج حديثة‪ :‬بنيوية‪ ،‬وسيميائية‪،‬‬
‫وقرائية‪ ،‬ونقدية تارخيية‪ ،‬كما فعل عبد الفتاح كليطو يف كتابه(األدب والغرابة)‪ ،92‬ورشيد حيياوي‬
‫يف كتابيه ( مقدمات في نظرية األنواع األدبية)‪ ،93‬و(شعرية النوع األدبي)‪،94‬وحممد برادة الذي‬
‫طبق مفهوم التجنيس املستوحى من ماري شيفر يف كتابه(لغة الطفولة والحلم‪ ،‬قراءة في ذاكرة‬
‫القصة المغربية‪)95.‬‬

‫‪ -‬حممد مندور‪ :‬األدب وفنونه‪ ،‬دار النهضة‪،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪.1980 ،‬‬ ‫‪86‬‬

‫‪ -‬عزالدين إمساعيل‪ :‬األدب وفنونه ‪ ،‬الطبعة السابعة‪ ،‬الفكر العريب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دون حتديد لتاريخ الطبعة‪.‬‬ ‫‪87‬‬

‫‪ -‬عبد املنعم تليمة‪ :‬مقدمة في نظرية األدب‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬القاهرة‪.1987 ،‬‬ ‫‪88‬‬

‫‪ -‬حممد غنيمي هالل‪ :‬األدب المقارن‪ ،‬دار هنضة مصر للطبع والنشر‪ ،‬القاهرة‪.‬‬ ‫‪89‬‬

‫‪ -‬عبد السالم املسدي‪ :‬النقد والحداثة‪ ،‬دار الطيعة‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪1983‬م‪ ،‬ص‪.108:‬‬ ‫‪90‬‬

‫‪ -‬موسى حممد خري الشيخ‪ :‬نظرية األنواع األدبية في النقد العربي‪ ،‬دار الرتمجة‪ ،‬الكويت‪ ،‬الطبعة األوىل‪1995 ،‬م‪.‬‬ ‫‪91‬‬

‫‪ -‬عبد الفتاح كليطو‪ :‬األدب والغرابة‪ ،‬دار الطليعة‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪،‬الطبعة الثانية‪.1983 ،‬‬ ‫‪92‬‬

‫‪ -‬رشيد حيياوي‪ :‬مقدمات في نظرية األنواع األدبية‪ ،‬أفريقيا الشرق‪ ،‬الطبعة الثانية‪.1994 ،‬‬ ‫‪93‬‬

‫‪ -‬رشيد حيياوي‪ :‬شعرية النوع األدبي‪ :‬في قراءة النقد العربي القديم‪ ،‬دار أفريقيا الشرق‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬سنة ‪1994‬م‪.‬‬ ‫‪94‬‬

‫‪ -‬حمم د ب رادة‪ :‬لغ ــة الطفول ــة والحلم‪ ،‬ق ــراءة في ذاك ــرة القص ــة المغربي ــة‪ ،‬الش ركة املغربي ة للناش رين املتح دين‪ ،‬الرب اط‪،‬‬ ‫‪95‬‬

‫املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪1986‬م‪.‬‬


‫‪41‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫وأخريا‪ ،‬الميكن فهم النص األديب وتفسريه‪ ،‬أو تفكيكه وتركيبه‪ ،‬إال بالتسلح بنظرية األدب‪،‬‬
‫واالنطالق من مكونات األجناس األدبية؛ ألهنا هي اليت يتكئ عليها الدارس أو الناقد أو املتلقي يف‬
‫حتليل النصوص وتقوميها ومعرفة طبيعتها‪ ،‬والتأكد من مدى انزياحها عن املعايري الثابتة للجنس‪،‬‬
‫والتثبت من مدى مسامهتها يف تطوير األدب‪ ،‬وخلق حداثة أجناسية أو نوعية‪.‬‬

‫الفصل الخامس‪:‬‬
‫‪96‬‬
‫السيميوطيقا والعنون ـ ــة‬

‫يعد العنوان من أهم العتبات النصية املوازية احمليطة بالنص الرئيس‪ ،‬حيث يساهم يف توضيح دالالت‬
‫النص‪ ،‬واستكشاف معانيه الظاهرة واخلفية‪ ،‬إن فهما وإن تفسريا‪ ،‬وإن تفكيكا وإن تركيبا‪ .‬ومن مث‪،‬‬
‫ف العنوان ه و املفت اح الض روري لس رب أغ وار النص‪ ،‬والتعم ق يف ش عابه التائه ة‪ ،‬والس فر يف ده اليزه‬
‫املمتدة‪ .‬كما أنه األداة اليت هبا يتحقق اتساق النص وانسجامه‪ ،‬وهبا تربز مقروئية النص‪ ،‬وتنكشف‬

‫‪ -‬نش ر ه ذا املق ال بعن وان( الس ميوطيقا والعنون ة)‪ ،‬بمجل ــة ع ــالم الفك ــر‪ ،‬الك ويت‪ ،‬اجملل د ‪ ،25‬الع دد‪ ،3:‬ين اير‪/‬م ارس‬ ‫‪96‬‬

‫‪1997‬م‪ ،‬صص‪.112-79:‬‬
‫‪42‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫مقاصده املباشرة وغري املباشرة‪ .‬وبالتايل‪ ،‬فالنص هو العنوان‪ ،‬والعنوان هو النص‪ ،‬وبينهما عالقات‬
‫جدلية وانعكاسية‪ ،‬أو عالقات تعيينية أو إحيائية‪ ،‬أو عالقات كلية أو جزئية‪...‬‬
‫وال ميكن مقارب ة العن وان مقارب ة علمي ة موض وعية إال بتمث ل املقارب ة الس يميوطيقية ال يت تتعام ل م ع‬
‫العناوين‪ ،‬على أساس أهنا عالمات وإشارات ورموز وأيقونات واستعارات‪ .‬ومن مث‪ ،‬فالبد من دراسة‬
‫ه ذه العن اوين حتليال وت أويال من خالل ثالث ة مس تويات منهجي ة س يميوطيقية‪ ،‬وميكن حص رها يف‪:‬‬
‫البنية‪ ،‬والداللة‪ ،‬والوظيفة‪.‬‬
‫إذًا‪ ،‬م ا أمهي ة العن وان؟ وماعالق ة العن وان ب النص املوازي؟ وم ا أهم الكتاب ات الغربي ة والعربي ة يف جمال‬
‫العنون ة؟ وم ا أقس ام العن وان ووظائف ه؟ وم ا جمم ل اآللي ات الس يميوطيقية ملقارب ة العن وان؟ تلكم هي‬
‫األسئلة اليت سوف حناول رصدها يف هذه املباحث التالية‪:‬‬

‫‪43‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫المبحث األول‪ :‬أهمي ــة العنـ ــوان‬


‫لق د أولت الس يميوطيقا أمهي ة ك ربى للعن وان باعتب اره مص طلحا إجرائي ا ناجح ا يف مقارب ة النص‬
‫األديب‪ ،‬ونظرا لكونه مفتاحا أساسيا بامتياز‪ ،‬يتسلح به احمللل للولوج إىل أغوار النص العميقة بغية‬
‫استنطاقها وتأويلها‪ .‬وبالتايل‪ ،‬يستطيع العنوان أن يقوم بتفكيك النص من أجل تركيبه عرب استكناه‬
‫بنياته الداللية والرمزية‪ ،‬ويضيء لنا‪ ،‬يف بداية األمر‪ ،‬ما أشكل من النص وغمض‪.‬‬
‫فالعنوان‪ -‬إذًا‪ -‬هو مفتاح تقين جيس به السيميولوجي نبض النص‪ ،‬ويقيس به جتاعيده‪ ،‬ويستكشف‬
‫ترسباته البنيوية وتضاريسه الرتكيبية على املستويني‪ :‬الداليل والرمزي‪.‬‬
‫ه ذا‪ ،‬وق د أظه ر البحث الس يميولوجي‪ ،‬بش كل من األش كال‪ ،‬أمهي ة العن وان يف دراس ة النص األديب‬
‫نظ را للوظ ائف األساس ية املرجعي ة واإلفهامي ة والتناص ية ال يت تربط ه ب النص وبالق ارئ‪ ،‬ولن نب الغ إذا‬
‫‪97‬‬
‫قلنا‪ :‬يعترب العنوان مفتاحا إجرائيا يف التعامل مع النص يف بعديه‪ :‬الداليل والرمزي‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬فإن أول عتبة يطؤها الباحث السيميولوجي هو استنطاق العنوان‪ ،‬واستقراؤه بصريا ولسانيا‬
‫أفقيا وعموديا‪ " ،‬ولعل القارئ يدرك مقدار األمهية اليت يوليها الباحثون املعاصرون لدراسة العناوين‪،‬‬
‫خاص ة وأن ه ق د ظه رت حبوث ودراس ات لس انية وس يميائية عدي دة يف اآلون ة األخ رية‪ ،‬وذل ك بغي ة‬
‫‪98‬‬
‫دراسة العنوان‪ ،‬وحتليله من نواحيه الرتكيبية والداللية والتداولية"‪.‬‬
‫ولق د أحس ج ريار ج نيت (‪ )G.Genette‬بص عوبة كب رية‪ ،‬حينم ا أراد تعري ف العن وان نظ را‬
‫لرتكيبت ه املعق دة والعويص ة عن التنظ ري‪ .‬ويف ه ذا اإلط ار‪ ،‬يق ول ج ريار ج نيت‪ ":‬رمبا ك ان التعري ف‬
‫نفس ه للعن وان يط رح أك ثر من أي عنص ر آخ ر للنص املوازي‪ ،‬بعض القض ايا‪ ،‬ويتطلب جمه ودا يف‬
‫التحليل‪ ،‬ذلك أن اجلهاز العنواين‪ ،‬كما نعرفه منذ النهضة (‪ )....‬هو يف الغالب جمموعة شبه مركبة‪،‬‬
‫‪99‬‬
‫أكثر من كوهنا عنصرا حقيقيا‪ ،‬وذات تركيبية ال متس بالضبط طوهلا"‪.‬‬
‫‪-‬عبد الرمحان طنكول‪(:‬خطاب الكتابة و كتابة اخلطاب يف رواية"جمنون األمل")‪ ،‬مجلــة كليـة اآلداب و العلــوم اإلنســانية‪،‬‬ ‫‪97‬‬

‫فاس‪ ،‬املغرب‪،‬العدد‪ ،9‬السنة ‪1987‬م‪ ،‬ص‪.135:‬‬


‫‪ -‬أب و بك ر الع زاوي‪(:‬احلج اج و الش عر‪ :‬حنو حتلي ل حج اجي لنص ش عري معاص ر)‪ ،‬دراس ــات س ــيميائية أدبي ــة لس ــانية‪،‬‬ ‫‪98‬‬

‫‪.‬‬
‫فاس‪،‬املغرب‪ ،‬العدد ‪ ،7‬السنة‪1992‬م‪ ،‬ص‪101:‬‬
‫‪99‬‬
‫‪- G. Genette:Seuils, Editions Seuils, COLL. Poétique. Paris, 1987.P :54.‬‬
‫‪44‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫وعلى أي حال‪ ،‬فالعنوان هو الذي يسم النص‪ ،‬ويعينه‪ ،‬ويصفه‪ ،‬ويثبته‪ ،‬ويؤكده‪ ،‬ويعلن مشروعيته‬
‫القرائية‪ .‬وهو الذي حيقق للنص كذلك اتساقة وانسجامه وتشاكله‪ ،‬ويزيل عنه كل غموض وإهبام‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬العنوان من أهم عتبات النص الموازي‬


‫يع د العن وان من أهم العناص ر ال يت يس تند إليه ا النص املوازي(‪ .)Paratexte‬وه و مبثاب ة عتب ة حتي ط‬
‫بالنص‪.‬فضال عن كونه يقتحم أغوار النص وفضاءه الرمزي ال داليل‪ .‬أي‪ :‬إن النص املوازي هو دراسة‬
‫للعتب ات احمليط ة ب النص‪ .‬ويقص د هبذه العتب ات" املداخل ال يت جتع ل املتلقي ميس ك ب اخليوط األولي ة‬
‫واألساس ية للعم ل املع روض‪ ،‬وه و أيض ا البه و ‪ - Vestibule -‬بتعب ري ل وي ب ورخيس(‪Louis‬‬
‫‪ ،) Bourges‬ال ذي من ه ن دلف إىل ده اليز نتح اور فيه ا م ع املؤل ف احلقيقي واملتخي ل‪ ،‬داخ ل فض اء‬
‫تكون إضاءته خافتة‪ ،‬واحلوار قائم يف شكليه العمودي واألفقي حول النص ومكوناته املتعددة اليت نربط‬
‫من خالهلا م ع احملكي عالق ات ع دة‪ ،‬باعتب ار أن الرواي ة أو القص يدة الش عرية تتض من نص ا موازي ا‪(،‬‬
‫‪، ) Paratexte‬الذي هو ما يتكون منه كتاب ما‪ ،‬ويفككه جريار جنيت (‪( G.Genette‬إىل النص‬
‫احملي ط (‪ ،)Peritexte‬والنص الف وقي ((‪ .Epitexte‬مبع ىن أن النص احملي ط حيي ل على فض اء النص‪،‬‬
‫من عن وان خ ارجي‪ ،‬ومقدم ة‪ ،‬وعن اوين فرعي ة داخلي ة للفص ول‪ ،‬باإلض افة إىل املالحظ ات ال يت ميكن‬
‫للكاتب أن يشري إليها‪ ،‬وكل ما يتعلق باملظهر اخلارجي للكتاب‪ ،‬كالصورة املصاحبة للغالف‪ ،‬أو كلمة‬
‫الناشر على ظهر الغالف اخلارجي‪ ،‬أو مقطع من احملكي‪.‬‬
‫أم ا النص الف وقي من النص املوازي‪ ،‬فتن درج حتت ه ك ل اخلطاب ات املوج ودة خ ارج الكت اب متعلق ة ب ه‪،‬‬
‫وتدور يف فلكه‪ ،‬مثل‪ :‬االستجوابات‪ ،‬واملراسالت اخلاصة‪ ،‬والشهادات‪ ،‬وكذلك التعليقات‪ ،‬والقراءات‬
‫‪100‬‬
‫اليت تصب يف هذا اجملال"‪.‬‬

‫‪ -‬شعيب حليفي‪( :‬النص املوازي للرواية(إسرتاتيجية العنوان))‪ ،‬مجلــة الكرمــل‪،‬قربص‪ ،‬العدد ‪ ،46‬السنة‪1992 :‬م‪ ،‬ص‪:‬‬
‫‪100‬‬

‫‪.82‬‬
‫‪45‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫وق د ك ان ج ريار ج نيت (‪ ،)G.Genette‬من ذ س نة ‪1977‬م‪ ،‬يعت رب موض وع (البويطيق ا‪/‬‬


‫‪ )Poétique‬ه و معماري ة النص (‪ ،)Architexte‬لكن ه ع دل املوض وع س نة ‪1987‬م‪ ،‬فأص بح‬
‫موض وع الش عرية ه و املق والت العام ة لألجن اس األدبي ة‪ ،‬أو املق والت املتعالي ة يف أمناط اخلطاب ات‬
‫واألجناس األدبية وأنواع التلفظات‪ .‬ويقصد بالتعاليات النصية (‪ )transtextualité‬كل ما جيعل‬
‫نصا يتعالق مع نصوص أخرى بطريقة مباشرة أو ضمنية‪ .‬وهكذا‪ ،‬يتجاوز التعايل النصي املعمارية‬
‫النصية‪ .‬ومن مث‪ ،‬فهناك مخسة أمناط من التعاليات النصية اليت حددها جريار جنيت هي‪:‬‬
‫‪ )1‬التنــاص ‪:( )Intertextualité‬ويقص د ب ه تالقح النص وص فيم ا بينه ا‪ ،‬ع رب جمموع ة من‬
‫الق وانني الواعي ة والض منية ال يت ميكن حص رها يف االج رتار‪ ،‬واالمتص اص‪ ،‬واالس تدعاء‪ ،‬واخللفي ة‬
‫املعرفية‪ ،‬واحلوار‪ ،‬والتفاعل‪ .‬ومن الذين نظروا للتناص ميخائيل باختني ‪ ،M.Bakhtine‬وجوليا‬
‫كريستيفا‪ ،Julia krestiva‬وروالن بارت‪...Roland Barthes‬‬
‫‪)2‬النص الموازي (‪:) Paratexte‬وهو عبارة عن عناوين‪ ،‬وعناوين فرعية‪ ،‬ومقدمات‪ ،‬وذيول‪،‬‬
‫وصور‪ ،‬وكلمات الناشر‪...‬‬
‫‪)3‬الميتــانص(‪:)Metatexte‬وه و عالق ة التعلي ق ال ذي يرب ط نص ا ب آخر‪ ،‬يتح دث عن ه دون أن‬
‫يذكره أحيانا‪.‬‬
‫‪)4‬النص الالحـ ـ ـ ــق‪:‬عب ارة عن عالق ات حتوي ل وحماك اة تتحكم يف النص"ب" (نص الح ق‪/‬‬
‫‪ )hypertexte‬بالنص "أ " (نص سابق ‪.) hypotexte/‬‬
‫‪)5‬معماريــة النص(‪:)Architexte‬تتح دد يف األن واع الفني ة واألجن اس األدبي ة‪ :‬ش عر‪ -‬رواي ة‪-‬‬
‫حبث‪...‬إخل‪ .‬إن ه مبثاب ة تنمي ط جتري دي يس تند إىل حتدي د خص ائص ش كلية وق والب بنيوي ة لألن واع‬
‫األدبية‪.‬‬
‫وهناك عالقات وطيدة بني هذه األمناط اخلمسة من التعاليات النصية‪ .‬ومن هنا‪ ،‬يعترب النص املوازي‬
‫من أك ثر املف اهيم ش يوعا وذيوع ا‪ ،‬حيث خصص ت ل ه جمل ة (بويطيق ا‪ ) Poétique‬ع ددا خاص ا‪،‬‬
‫وكتب ج ريار ج نيت عن ه كتاب ا أمساه (عتب ات ‪ .)Seuils‬عالوة على ذل ك‪ ،‬يع رف س عيد يقطني‬
‫النص املوازي بقوله‪ ":‬إن املناصة (‪ )Paratextualité‬هي عملية التفاعل ذاهتا‪ ،‬وطرفاها الرئيسان‬
‫ه و النص واملن اص(‪ .)Paratexte‬وتتح دد العالق ة بينهم ا من خالل جميء املن اص كبني ة نص ية‬
‫‪46‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫مستقلة‪ ،‬ومتكاملة بذاهتا‪ .‬وهي تأيت جماورة لبنية النص األصل كشاهد تربط بينهما نقطة التفسري‪ ،‬أو‬
‫شغلهما لفضاء واحد يف الصفحة عن طريق التجاور‪ ،‬كأن تنتهي بنية النص األصل بنقطة‪ ،‬ويكون‬
‫الرج وع إىل الس طر‪ ،‬لنج د أنفس نا أم ام بني ة نص ية جدي دة ال عالق ة هلا ب األوىل من خالل البحث‬
‫‪101‬‬
‫والتأمل"‪.‬‬
‫وت درس الش عرية‪ ،‬أو البويطيق ا ‪ -‬حس ب ج ريار ج نيت (‪ -)Genette‬التع ايل النص ي (‬
‫‪ ،)Trascendance textuelle du texte‬أو املتعاليات النص ية (‪.)Transtextualité‬‬
‫ومفهوم التعايل النصي حسب جريار جنيت" كل الذي جيعله‪ ،‬يف عالقة ظاهرة أو خمفية‪ ،‬مع باقي‬
‫النص وص‪ .‬فالتع ايل النص ي يتج اوز‪،‬إذًا‪ ،‬ويض م املعماري ة النص ية ‪ ،))L’architextualité‬وبعض‬
‫األمناط األخرى من العالقات النصية املتعالية" ‪.102‬‬
‫ويعين هذا‪ ،‬بكل بساطة‪ ،‬أن الشعرية تدرس األجناس األدبية تفكيكا وتركيبا‪.‬‬
‫إذًا‪ ،‬إن املقص ود األس اس ب النص املوازي ل دى ج ريار ج نيت (‪ )Genette‬ه و العن وان ال رئيس‪،‬‬
‫والعن وان الف رعي‪ ،‬والعن اوين الداخلي ة (‪ ،)intertitres‬واملق دمات‪ ،‬وامللحق ات‪ ،‬واهلوامش‪،‬‬
‫واإلهداء‪ ،‬واملالحظات‪ ،‬وكلمات الغالف‪ ،‬والفهرس‪ ،‬واملقتبسات‪ ،‬والتنبيهات‪ ،‬والتقدمي‪ ،‬والتوثيق‪،‬‬
‫واأليقونات‪ ،‬والعبارات التوجيهية‪ ...‬دون أن ننسى الرسائل‪ ،‬واملذكرات‪ ،‬واليوميات‪ ،‬والشهادات‪،‬‬
‫والنسخ املخطوطة‪ ،‬وتوقيعات املؤلف‪ ،‬وكتاباته اخلطية األصلية‪ ...‬وهذه املعطيات كلها حتيط بالنص‬
‫من اخلارج‪ ،‬أكثر مما حتيط به من الداخل‪ .‬وهي عبارة عن عتبات أولية‪ ،‬عربها منر إىل أعماق النص‪،‬‬
‫وتدخل إىل فضاءاته الرمزية املتشابكة‪ 103.‬إن النص املوازي‪ ،‬كما يرى جنيت (‪ ،)Genette‬هو‬
‫‪104‬‬
‫منجم من األسئلة بدون أجوبة‪.‬‬

‫‪ -‬سعيد يقطني‪:‬انفتاح النص الروائي(النص‪ -‬السياق)‪ ،‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة‬ ‫‪101‬‬

‫‪1989‬م‪،‬ص‪.111:‬‬
‫‪102‬‬
‫‪-Genette (G): Palimpsestes. Coll.Poétique Ed. Seuil, Paris, 1982, p.7.‬‬
‫‪103‬‬
‫‪- G.Genette:Introduction à l’Archetexte, ED, Seuil, Paris, 1982, p:9.‬‬
‫‪104‬‬
‫‪8- G.Genette:op.cit, p:9.‬‬
‫‪47‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫وهكذا‪ ،‬اعتربت املكونات اخلمسة للمتعاليات النصية‪ ،‬ال كأقسام للنصوص‪ ،‬لكن باعتبارها مظاهر‬
‫للنص ية‪ .‬والعن وان يف احلقيق ة جنس كب اقي األجن اس‪ ،‬ل ه مكونات ه البويطيقي ة‪ ،‬وخصائص ه البنيوي ة‪،‬‬
‫كحال التقدمي واإلهداء وباقي العتبات األخرى‪ .‬ويف هذا السياق‪ ،‬يقول جنيت ( ‪" :)Genette‬‬
‫إن التقدمي‪( ،‬كالعنوان)‪،‬هو جنس‪ ،‬وكذلك النقد (ميتاناص) هو‪ ،‬بديهيا‪ ،‬جنس"‪.105‬‬
‫أي‪ :‬يعت رب العن وان مبف رده جنس ا أدبي ا مس تقال كالنق د‪ ،‬والتق دمي‪ ،‬إخل‪ ...‬ويع ين ه ذا أن ل ه مبادئ ه‬
‫التكوينية‪ ،‬ومميزاته التجنيس ية‪ .‬وحنن‪،‬على حق وصواب‪ ،‬حينما كنا ندعو‪ ،‬ومازلنا ندعو إىل يومنا‬
‫هذا‪ ،‬إىل دراسة النصوص اإلبداعية يف ضوء العنوان‪ ،‬ضمن مقاربة نصية منهجية تسمى بــ"المقاربة‬
‫العنوانية‪" Approche Titrologique/‬؛ ألن العنوان قادر‪ ،‬مبفرده‪ ،‬على تفكيك النص‬
‫وفق بنياته الصغرى والكربى بغية إعادة تركيبه من جديد حنوا وداللة وتداوال‪ ،‬سواء أكانت القراءة‬
‫العنوانية من األسفل إىل األعلى‪ ،‬أم من األعلى إىل األسفل‪ ،‬أم من الداخل إىل اخلارج‪ ،‬أم من اخلارج‬
‫إىل الداخل‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬أقس ــام العنوان‬


‫ميكن احلديث عن أن واع ع دة من العن اوين‪ ،‬ك العنوان اخلارجي ال ذي ي رتبع ف وق ص فحة الغالف‬
‫األم امي للكت اب‪ ،‬أو العم ل‪ ،‬أو املؤل ف‪ ،‬مش بعا بتس مية ب ارزة خط ا وكتاب ة وتلوين ا ودالل ة‪ ،‬س واء‬
‫أكانت هذه الداللة حرفية تعيينية أم جمازية قائمة على التضمني واإلحياء‪.‬‬
‫وغالبا‪ ،‬ما يكون هذا العنوان جماورا لعتبة املؤلف‪ ،‬وجبانبه العنوان األيقوين البصري يف شكل لوحة‬
‫تشكيلية‪ ،‬أو صورة مشهدية‪ ،‬أو أيقونة سيميائية قائمة على الرتميز والتدليل‪.‬‬
‫وي ؤدي العن وان اخلارجي‪ ،‬إىل ج انب العن وان البص ري‪ ،‬ع دة وظ ائف س يميائية‪ ،‬كوظيف ة التع يني‬
‫والتسمية‪ ،‬ووظيفة الوصف والشرح‪ ،‬ووظيفة اإلغراء واإلغواء‪ ،‬والوظيفة اإلشهارية‪ ،‬جبذب فضول‬
‫املتلقي لشراء العمل‪ ،‬واإلقبال عليه قراءة وإنتاجا‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫‪- G.Genette: op.cit, p:15.‬‬
‫‪48‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫مث هناك الوظيفة الداللية اليت تتمثل يف أن العنوان يلخص مضمون النص أو العمل املعروض بشكل‬
‫موسع أو خمتزل‪.‬‬
‫ويوج د حتت العن وان الغاليف اخلارجي م ا يس مى ب العنوان التعيي ين‪ ،‬أو م ا يس مى أيض ا ب العنوان‬
‫التجنيسي الذي حيدد جنس العمل األديب مبجموعة من التوصيفات النقدية اليت تندرج ضمن نظرية‬
‫األدب‪ ،‬مثل‪ :‬شعر‪ ،‬رواية‪ ،‬نقد‪ ،‬قصة قصرية‪ ،‬رحلة‪...‬إخل‪.‬‬
‫وحينما ندخل إىل أغوار العمل ميكن احلديث عن عناوين أخرى كالعنوان األساس الذي يكون على‬
‫رأس قصيدة شعرية‪ ،‬أو فصل من الرواية‪ ،‬أو مشهد مسرحي‪ ،‬أو قسم من الدراسة النقدية‪...‬‬
‫وجند أيضا العنوان الداخلي الذي يتفرع عن العنوان األساس‪ .‬باإلضافة إىل العنوان املقطعي الذي مييز‬
‫املق اطع والفق رات واملتوالي ات النص ية‪ .‬ب ل ق د جند ك ذلك ض من النص وص الش عرية املعاص رة أو‬
‫النص وص الش ذرية م ا يس مى ب العنوان الش ذري‪ .‬عالوة على ذل ك‪ ،‬ق د جند عن اوين أخ رى يف جمال‬
‫األحباث والدراس ات الوص فية كعن اوين األقس ام والفص ول واملب احث‪ ،‬إىل ج انب العن وان الفهرس ي‬
‫املرتبط بفهرسة العمل بشكل منظم ومنهجي‪ ،‬حيدد حمتويات العمل‪ ،‬ويربز مضامينه الداخلية‪ .‬كما‬
‫يتم احلديث أيض ا عن العنوان املوضوعايت الذي حيدد تيم ة النص أو العم ل‪ ،‬ويرصد بنيته التشاكلية‬
‫واملعجمية‪ ،‬مبوازاة مع العنوان اإلخباري‪ ،‬وخاصة يف جمال اإلعالم والتواصل‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫المبحث الرابع‪ :‬أبحاث ودراسات حول العنوان‬


‫ينبغي التأكي د على أن البحث يف العتب ات والنص املوازي ق دمي العه د‪106‬؛ إذ ارتب ط بظه ور الكت اب‬
‫ونشره وتوزيعه‪ .107‬لذا‪ ،‬جند جمموعة من الكتب الرتاثية العربية قد اهتمت بالعتبات‪ ،‬ككتب النقد‬
‫والبالغ ة وعل وم الق رآن‪ ،‬ككت اب ( اإلتق ــان في علــوم الق ــرآن ) للس يوطي‪ ،‬وكت اب(البرهــان في‬
‫علوم القرآن) للزركشي‪ ،‬وكتاب( الخواطر السوانح في أســرار الفــواتح)‪ ،‬و(تحريــر التحبــير في‬
‫صناعة الشـعر والنـثر)‪،‬و(إعجـاز القـرآن) البن أيب أصبع‪ ،‬والالئحة طويلة من املصنفات واملؤلفات‬
‫الرتاثية اليت تناولت العتبات املوازية بالشرح‪ ،‬والدرس‪ ،‬واملعاجلة‪...‬‬
‫وبناء على املعطيات السابقة‪ ،‬وما يتعلق كذلك بتاريخ الكتاب‪ ،‬فأنا ال أتفق إطالقا مع حممد بنيس‪،‬‬
‫عندما يذهب إىل أن الشعرية اليونانية والشعرية العربية يف حقليهما الفلسفي واألديب مل هتتما بدراسة‬
‫ما حييط بالنص من مقدمات الدواوين وتصنيفها‪ ،‬ودراسة عتبات النصوص فيها‪ ،‬وحتديد العناوين‪،‬‬
‫وحتليلها بكل تفصيل وتدقيق‪ .‬ويف هذا النطاق‪ ،‬يقول حممد بنيس‪ " :‬إن الشعرية العربية القدمية مل‬
‫هتتم بقراءة ما حييط بالنص من عناصر أو بنيتها أو وظيفتها‪ ،‬وكذلك هو كتاب الشعرية ألرسطو‬
‫أيض ا‪ ،‬وعملي ة املالحظ ة واالس تقراء ال يت اجتزناه ا يف املراح ل األوىل للق راءة ع ثرت فيم ا بع د على‬
‫دراسات نصية حديثة يف حقل الفلسفة والشعرية خصوصا‪ ،‬تنصت بطريقتها إىل هذه العناصر كما‬
‫لعناص ر أخ رى تش كل معه ا عائل ة واح دة‪ ،‬ويس ميها ج ريار ج نيت ب النص املوازي( ‪Paratext‬‬
‫‪.108")e‬‬
‫ه ذا‪ ،‬ولق د درس العن وان يف ض وء مقارب ات ومن اهج نقدي ة خمتلف ة ومتنوع ة‪ ،‬فيه ا املقارب ة الش عرية‪،‬‬
‫واملقارب ة التارخيي ة‪ ،‬واملقارب ة الفني ة‪ ،‬واملقارب ة السوس يولوجية‪ ،‬واملقارب ة النفس ية‪ ،‬واملقارب ة اللس انية‪،‬‬

‫‪ -‬انظر‪ :‬مجيل محداوي‪ :‬إشـكالية العنـوان في الـدواوين والقصـائد الشـعرية في أدبنـا العـربي الحـديث والمعاصـر‪ ،‬اجلزء‬ ‫‪106‬‬

‫األول‪ ،‬رس الة لني ل دبل وم الدراس ات العلي ا‪ ،‬كلي ة اآلداب والعل وم اإلنس انية‪ ،‬جامع ة عب د املل ك الس عدي‪ ،‬تط وان‪ ،‬نوقش ت‬
‫الرسالة سنة ‪1996‬م‪.‬‬
‫‪ -‬انظر‪ :‬ألكسندر ستيبتشفينت‪ :‬تاريخ الكتـاب‪ ،‬اجلزء األول‪ ،‬ترمجة‪ :‬حممد‪.‬م‪ .‬األرناؤوط‪ ،‬سلسلة عامل املعرفة‪ ،‬الكويت‪،‬‬ ‫‪107‬‬

‫العدد‪ ،170:‬الطبعة األوىل سنة ‪1993‬م‪.‬‬


‫‪ -108‬حممد بنيس‪ :‬التقليدية‪ ،‬دار توبقال للنشر‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪1989‬م‪ ،‬ص‪.77:‬‬
‫‪50‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫واملقارب ة البنيوي ة‪ ،‬واملقارب ة الس يميولوجية‪ ،‬ومقارب ة التلقي‪ ،‬واملقارب ة التأويلي ة‪ ،‬واملقارب ة األس لوبية‪،‬‬
‫واملقاربة النصية‪ ،‬واملقاربة املوضوعاتية‪ ،‬واملقاربة الفلسفية‪ ،‬واملقاربة البالغية‪..‬‬
‫وعلي ه‪ ،‬فثم ة جمموع ة من الدراس ات ال يت اهتمت بالعنون ة يف الغ رب‪ ،‬ومنه ا دراس ة هلني (‬
‫‪ ()M.Hélin‬الكتب وعناوينه ــا)‪ ،‬س نة ‪1956‬م ‪ ،109‬ودراس ة تي ودور أدورن و( ‪)Adorno‬‬
‫( العن ــاوين) ‪1962‬م‪ ،110‬ودراس ة كريس تيان مونس ويل( ‪ ()Moncelet Christian‬بحث‬
‫حــول العنــوان في األدب والفنــون) س نة ‪1972‬م‪ ،111‬ودراس ة لي و هوي ك( ‪()Leo Hoek‬من‬
‫أجل دراسة سـيميائية للعنـوان)سنة ‪1973‬م‪112‬؛ ودراسة شارل كريفيل(‪ ( ) C.Grivel‬إنتـاج‬
‫الفائدة الروائية) سنة ‪1973‬م‪.113‬‬
‫ه ذا‪ ،‬ويع د كل ود دوش يه (‪ ) Claude Duchet‬من الدارس ني الغرب يني األوائ ل ال ذين اهتم وا‬
‫ب البحث يف جمال العن وان تنظ ريا وتص ورا‪ ،‬فق د فتح ب اب العنون ة على مص راعيه يف كتاب ه(الفت ــاة‬
‫المتخلى عنهــا والــوحش البشــري‪ ،‬عناصــر العنونــة الروائيــة) سنة ‪1973‬م‪ .114‬وبعده‪ ،‬جاء جان‬

‫‪109‬‬
‫‪- M.Hélin : les livres et leurs titres, Marche Romane, sep-déc.1956.‬‬
‫‪110‬‬
‫‪-Th.Adorno (1962) : (les titres), in : Notes sur la littérature, Flammarion,‬‬
‫‪1984.‬‬
‫‪111‬‬
‫‪- CH.Moncelet : Essai sur le titre en littérature et dans les arts, la Roche‬‬
‫; ‪Blanche, POF, 1972‬‬
‫‪112‬‬
‫‪- Leo H.Hoek :(Pour une sémiotique du titre), Document M.Hélin : les‬‬
‫‪livres et leurs titres, Marche Romane, sep-déc.1956.‬‬
‫?‬
‫‪-Th.Adorno (1962) : (les titres), in : Notes sur la littérature, Flammarion,‬‬
‫‪1984.‬‬
‫?‬
‫‪- CH.Moncelet : Essai sur le titre en littérature et dans les arts, la Roche‬‬
‫; ‪Blanche, POF, 1972‬‬
‫‪du travail, Urbino, Févr.1973.‬‬
‫‪113‬‬
‫‪- C.Grivel : Production de l’intérêt romanesque, Mouton1973, pp : 166-‬‬
‫‪18.‬‬
‫‪51‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫مولين و بدراس ته(حــول عنــاوين جــان بــروس) س نة ‪1974‬م‪ ،115‬وه اري ليفني (‪ ) H.Levin‬يف‬
‫دراسته ( العنوان باعتباره جنسا أدبيــا) سنة‪1977‬م‪ ،116‬وليفنستون( ‪ ) E.A.Levenston‬يف‬
‫(داللة العنوان في الشعر الغنائي) سنة ‪1978‬م‪ ،117‬وهنري ميرتان( ‪ ) Mitterand‬يف( عناوين‬
‫رواي ـ ــات ك ـ ــوي دي ك ـ ــار) س نة ‪1979‬م‪ ،118‬وري دوب وف ج وزيت( ‪Rey- Debove‬‬
‫‪ ) Josette‬يف ( بحث حول تصنيف سيميوطيقي لعناوين المؤلفات) سنة ‪1979‬م‪.119‬‬
‫ويكتب ليو هويك مرة أخرى دراسة قيمة بعنوان( عالمة العنوان) سنة ‪1981‬م‪ .120‬لكن دراسة‬
‫ليوهويك (‪ )Leo Hoek‬تبقى الدراسة األعمق؛ ألهنا تناولت العنوان من منظور مفتوح تؤطره‬
‫الس يميائيات‪ .‬فض ال عن اطالع ه الواس ع على ت اريخ الكتاب ة‪ .‬ولق د درس العن وان يف إط ار عالقات ه‬
‫الرتكيبية واملقطعية‪ ،‬منطلقا يف تعريفه له من منظور سيميائي‪ ،‬حيث يعتربه " جمموعة عالمات لسانية‬
‫تشري إىل احملتوى العام للنص تصورا وتعيينا"‪.121‬‬
‫ونذكر كذلك جون بارث( ‪ ) J.Barth‬يف دراسته( عنوان هـذا الكتـاب)‪ ،‬و( العنـوان الفـرعي‬
‫لهذا الكتاب) سنة ‪1984‬م‪ ،122‬وكوليت كانتوروفيزيتش يف( إيحاء العناوين) سنة ‪1986‬م‪.123‬‬

‫‪114‬‬
‫‪- Claude Duchet : la fille abandonnée et la bête humaine, éléments de‬‬
‫‪titrologie romanesque, Littérature12, 49-73.‬‬
‫‪115‬‬
‫‪- J.Molino : (Sur les titres de Jean Bruce), Langages 35,1974.‬‬
‫‪116‬‬
‫‪-H.Levin :( The title as a literary Genre), The Modern Language Review72,‬‬
‫‪1977.‬‬
‫‪- E.A.Levenston :( The significance of the Title in Lyric Poetry), The Hebrew‬‬
‫‪117‬‬

‫‪University Studies, in Literature, Spring1978.‬‬


‫‪118‬‬
‫‪-‬‬ ‫(‪H.Mitterand :‬‬ ‫‪les‬‬ ‫‪titres‬‬ ‫‪des‬‬ ‫‪romans‬‬ ‫‪de‬‬ ‫‪Guy‬‬ ‫‪des‬‬ ‫‪cars),‬‬ ‫‪in :‬‬
‫‪C.Duchet.Ed.Sociocritique, Nathan, 1979.‬‬
‫‪119‬‬
‫‪- Rey-Debove Josette : Essai de Typologie sémiotique des titres‬‬
‫‪d’œuvres, la Hague,-Paris, New York, Mouton, 1979.‬‬
‫‪120‬‬
‫‪- Leo H.Hoek : La marque du titre, Paris, la Hage, Mouton, 1981.‬‬
‫‪ -‬شعيب حليفي‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.84:‬‬ ‫‪121‬‬

‫‪52‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫ويبقى ج ريار ج نيت) (‪ G.Genette‬من كب ار املنظ رين الغرب يني ال ذين أول وا عناي ة كب رية‬
‫للعنون ة‪،‬والس يما يف كتاب ه( العتب ــات‪ ،) Seuils /‬وق د نش ره س نة ‪1987‬م ‪ .124‬ويعت رب ج نيت‬
‫العنوان نصا موازيا يندرج ضمن النص احمليط‪ .‬ومن مث‪ ،‬فالنص املوازي لديه هو" ما يصنع به النص‬
‫من نفسه كتابا‪ ،‬ويقرتح ذاته هبذه الصفة على قرائه‪ ،‬وعموما على اجلمهور‪ .‬أي‪ :‬ما حييط بالكتاب‬
‫من سياج أويل‪ ،‬وعتبات بصرية ولغوية"‪.125‬‬
‫وتطرح إشكالية العنوان أسئلة متعددة شائكة‪ ،‬اعتربها جريار جنيت مسألة تفرض نوعا من التحليل‬
‫الدقيق‪ .‬أما جريار فينييه (‪ ،)Gérard Vigner‬ف ريى " أن العنوان والنص يشكالن بنية معادلة‬
‫ك ربى‪ ،‬ف العنوان ه و النص‪ 126 ".‬ويع ين ه ذا أن العن وان عن د ج ريار فينيي ه بني ة رمحي ة‪ ،‬تول د معظم‬
‫دالالت النص‪ ،‬فإذا كان النص هو املولود‪ ،‬فان العنوان هو املولد الفعلي لتشابكات النص‪ ،‬وجممل‬
‫أبعاده الفكرية واإليديولوجية‪.‬‬
‫وهك ذا‪ ،‬ت رهتن والدة النص الش عري أو ال روائي مبا يس ميه ج ان ريك اردو (‪jean‬‬
‫‪)Ricardou‬بـ(اجلذر التولي دي)‪ .‬أي‪ :‬عن وان النص‪ ،‬وعملي ة اإلنس ال‪ .‬أي‪ :‬تش كيل النص‪.127‬‬
‫ف املركب العن واين ميث ل حبق ال رحم اخلص ب ال ذي يتمخض في ه نص القص يدة الش عرية‪ ،‬ويتخل ق‪،‬‬
‫وينمو‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫‪- J.Barth :( the Title of this Book) et (The Subtitle of this Book),in: The‬‬
‫‪Friday Book, New york,1984.‬‬
‫‪123‬‬
‫‪- C.Kantorowicz : Elequence des Titres, Thèse, New York University,‬‬
‫‪1986.‬‬
‫‪124‬‬
‫‪- Genette (Gérard): Seuils, Paris, Seuil,Collection Poétique, 1987.‬‬
‫‪125‬‬
‫‪- G. Genette:Seuils, p : 7.‬‬
‫‪126‬‬
‫‪- Gerarde Vigner :( une unité discursive restreinte : le titre),in : le français dans‬‬
‫‪le Monde,No :156,6 Octobre1980, P :31 .‬‬
‫‪127‬‬
‫‪-Jean‬‬ ‫‪Ricardou :(Naissance‬‬ ‫‪d’une‬‬ ‫‪fiction),in :Nouveau‬‬
‫‪Roman :hier,aujourd’hui.2. pratiques, Paris, V.G.E, 10-18, 1972, p : 380,‬‬
‫‪(colloque).‬‬
‫‪53‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫ومن املع روف أن مثة العدي د من الكتب والدراس ات احلديث ة واملعاص رة ال يت اهتمت ب العنوان بطريق ة‬
‫جزئي ة‪ ،‬أو بطريق ة كلي ة‪ ،‬كم ا أهنا اعتم دت يف ذل ك مقارب ات ومن اهج متنوع ة لتطوي ق العن وان‪،‬‬
‫ودراسته دراسة شاملة تتناول البنية‪ ،‬والداللة‪ ،‬والوظيفة‪.‬‬
‫ومن الدراس ات الغربي ة األخ رى ال يت نستحض رها يف جمال العنون ة‪ ،‬دراس ة ج ان بي ري كولدنش تاين(‬
‫‪ ( ) Goldenstein‬ق ــراءة العن ــاوين) س نة ‪1990‬م‪ ،128‬و(وظ ــائف العن ــوان) جلوزي ف ب يزا‬
‫كامربويب( ‪ )Josep Besa‬سنة ‪2008‬م‪...129‬إخل‬
‫أما عن الدراسات العربية حول العنوان‪ ،‬فيمكن احلديث عن كتاب حممد عويس( العنوان في األدب‬
‫الع ــربي(النش ــأة والتط ــور)) س نة ‪1988‬م‪،130‬وكت اب حمم د فك ري اجلزار( العن ــوان وس ــيميوطيقا‬
‫االتص ــال األدبي) س نة ‪1988‬م‪ ،131‬وكت اب حمم د ب نيس( التقليدي ــة) س نة ‪1989‬م‪ ،132‬وكت اب‬
‫س عيد يقطني( انفت ــاح النص ال ــروائي) س نة ‪1989‬م‪ ،133‬ودراس ة ش عيب حليفي( النص الم ــوازي‬
‫للرواي ــة‪ -‬إس ــتراتيجية العن ــوان) س نة ‪1992‬م‪ ،134‬ودراس ة عب د الفت اح احلجم ري( عتب ــات النص‬
‫البنية والداللة) سنة ‪1996‬م‪ ،135‬ودراسة عبد اجلليل األزدي( عتبات الموت‪ -‬قــراءة في هــوامش‬

‫‪128‬‬
‫‪- Goldenstein, Jean-Pierre : Lire les titres, Dans Entrées en Littérature, 67-84,‬‬
‫‪Hachette, 1990.‬‬
‫‪ -‬ج وزيب ب يزا ك امربويب‪( :‬وظ ائف العنوان)‪،‬الكشــف عن المعــنى في النص الســردي‪ ،،‬الســرديات والســيميائيات‪ ،‬دار‬ ‫‪129‬‬

‫السبيل‪ ،‬اجلزائر العاصمة‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪2008‬م‪ ،‬صص‪.302-240:‬‬


‫‪ -‬حممد عويس‪ :‬العنـوان في األدب العـربي(النشـأة والتطـور)‪ ،‬مكتبة األجنلو مصرية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬الطبعة األوىل سنة‬ ‫‪130‬‬

‫‪1988‬م‪.‬‬
‫‪ -‬حمم د فك ري اجلزار‪ :‬العن ــوان وس ــيميوطيقا االتص ــال األدبي‪ ،‬اهليئ ة املص رية العام ة للكت اب‪ ،‬الق اهرة‪ ،‬مص ر‪ ،‬طبع ة‬ ‫‪131‬‬

‫‪1988‬م‪.‬‬
‫‪ -‬حممد بنيس‪ :‬التقليدية‪ ،‬دار توبقال للنشر‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪1989‬م‪.‬‬ ‫‪132‬‬

‫‪ -‬سعيد يقطني‪ :‬انفتاح النص الروائي‪ ،‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪1989‬م‪.‬‬ ‫‪133‬‬

‫‪ -‬شعيب حليفي‪( ،‬النص املوازي للرواية‪ -‬اسرتاتيجية العنوان)‪ ،‬مجلة الكرمل‪ ،‬قربص‪ ،‬العدد‪ ،1992/ 46‬ص ‪.82‬‬ ‫‪134‬‬

‫‪ -‬عبد الفتاح احلجمري‪ :‬عتبات النص البنية والداللة‪ ،‬شركة الرابطة‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪1996‬م‪.‬‬ ‫‪135‬‬

‫‪54‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫وليمــة ألعشــاب البحــر) س نة‪1996‬م‪ ،136‬وماكتب ه مجي ل محداوي من دراس ات ومق االت وأحباث‪،‬‬
‫‪137‬‬
‫مثل‪ (:‬إشكالية العنوان في الـدواوين والقصـائد الشـعرية في أدبنـا العـربي الحـديث والمعاصـر)‬
‫سنة ‪1996‬م‪ ،‬و(السيميوطيقا والعنوان) سنة ‪1987‬م‪ ،138‬و( مقاربة النص المــوازي في روايــات‬
‫بنســالم حميش)س نة ‪2001‬م‪،139‬و( لمــاذا النص المــوازي؟) س نة ‪2006‬م‪ ،140‬ومجال ب وطيب يف‬
‫دراسته( العنوان في الرواية العربية) سنة ‪1996‬م‪ ،141‬وبسام قطوس يف دراسته( سيمياء العنــوان)‬
‫سنة‪2001‬م‪ ،142‬وعثمان بدري يف دراسته( وظيفة العنــوان في الشــعر العــربي‪ -‬قــراءة في نمــاذج‬
‫منتخبة) سنة ‪2003‬م‪ ،143‬وخالد حسني حسني يف دراسته( في نظرية العنوان) سنة ‪2007‬م‪،144‬‬
‫وعبد املالك أشهبون يف دراسته( عتبات الكتابة في الرواية العربية) سنة ‪2009‬م‪...145‬‬

‫‪ -‬عبد اجلليل األزدي‪( :‬عتبات املوت‪ -‬قراءة يف هوامش وليمة ألعشاب البحر)‪ ،‬فضاءات مستقبلية‪ ،‬املغرب‪ ،‬العددان‪:‬‬ ‫‪136‬‬

‫‪1996 /3-2‬م‪.‬‬
‫‪ -‬مجيل محداوي‪ :‬إشــكالية العنــوان في الــدواوين والقصــائد الشــعرية في أدبنــا العــربي الحــديث والمعاصــر‪ ،‬رسالة لنيل‬ ‫‪137‬‬

‫دبلوم الدراسات العليا‪ ،‬كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‪ ،‬جامعة عبد امللك السعدي‪ ،‬تطوان‪ ،‬نوقشت الرسالة سنة ‪1996‬م‪.‬‬
‫‪ -‬مجيل محداوي‪( :‬السيميوطيقا والعنونة)‪ ،‬مجلة عالم الفكر‪ ،‬اجمللد اخلامس والعشرون‪،‬العدد الثالث‪1997 ،‬م‪ ،‬الكويت‪،‬‬ ‫‪138‬‬

‫ص‪.112-79:‬‬
‫‪ -‬مجيل محداوي‪ :‬مقاربة النص الموازي في روايـات بنســالم حميش‪ ،‬أطروحة دكتوراه الدولة‪ ،‬نوقشت بكلية اآلداب‪،‬‬ ‫‪139‬‬

‫جامعة حممد األول بوجدة‪ ،‬املغرب‪ ،‬سنة ‪2001‬م‪.‬‬


‫‪ -‬مجيل محداوي‪( :‬ملاذا النص املوازي؟)‪ ،‬مجلة الكرمل‪ ،‬فلسطني‪،‬العددان‪ ،88/89:‬السنة ‪،2006‬ص‪.218:‬‬ ‫‪140‬‬

‫‪ -‬مجال بوطيب‪( :‬العنوان يف الرواية العربية)‪ ،‬الرواية المغربية(أسئلة الحداثة)‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة‬ ‫‪141‬‬

‫األوىل سنة ‪1996‬م‪.‬‬


‫‪ -‬بسام قطوس‪ :‬سيمياء العنوان‪ 2001،‬الطبعة األوىل سنة ‪2001‬م‪.‬‬ ‫‪142‬‬

‫‪ -‬عثمان بدري‪( :‬وظيفة العنوان يف الشعر العريب‪ -‬قراءة يف مناذج منتخبة)‪ ،‬المجلة العربية للعلوم اإلنسـانية‪ ،‬الكويت‪،‬‬ ‫‪143‬‬

‫العدد‪ ،81:‬سنة‪2003‬م‪.‬‬
‫‪ -‬خالد حسني حسني‪ :‬في نظرية العنوان‪ ،‬دار التكوين‪ ،‬دمشق‪ ،‬سوريا‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪2007‬م‪.‬‬ ‫‪144‬‬

‫‪ -‬عبد املالك أشهبون‪ :‬عتبات الكتابة في الرواية العربية‪ ،‬دار احلوار للنشر‪ ،‬دمشق‪ ،‬سوريا‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪2009‬م‪.‬‬ ‫‪145‬‬

‫‪55‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫المبحث الخامس‪ :‬وظائف العنوان‬


‫من املعل وم أن للعن وان وظ ائف كث رية‪ ،‬فتحدي دها يس اهم يف فهم النص وتفس ريه‪ ،‬خاص ة إذا ك ان‬
‫النص املعطى نص ا إب داعيا معاص را غامض ا‪ ،‬يفتق ر إىل االتس اق‪ ،‬واالنس جام‪ ،‬والوص ل املنطقي‪،‬‬
‫والرتاب ط اإلس نادي‪ .‬ويف ه ذا اإلط ار‪ ،‬ي رى ج ون ك وهن أن من أهم وظ ائف العن وان األساس ية‪:‬‬
‫اإلس ناد والوص ل‪ .‬كم ا يعت رب العن وان من أهم العناص ر ال يت يتم هبا حتقي ق الرب ط املنطقي‪ .‬وبالت ايل‪،‬‬
‫فالنص إذا كان بأفكاره املبعثرة مسندا‪ ،‬فان العنوان سيكون بطبيعة احلال مسندا إليه‪ .‬ويعين هذا أن‬
‫العن وان ه و املوض وع الع ام‪ .‬يف حني‪ ،‬يش كل اخلط اب النص ي أج زاء العن وان‪ ،‬حيث ي رد العن وان يف‬
‫النص باعتباره فكرة عامة‪ ،‬أو داللة حمورية أو مبثابة نص كلي‪ .‬ويؤكد جون كوهن أن النثر‪-‬علميا‬
‫كان أو أدبيا‪ -‬يتوفر دائما على العنونة‪،‬و هي من مسات النص النثري البارزة كيفما كان النوع؛ ألن‬
‫النثر قائم على الوصل والقواعد املنطقية‪ .‬يف حني‪ ،‬ميكن للشعر أن يستغين عن العنوان‪ ،‬ما دام يستند‬
‫إىل الالانسجام‪ .‬وبالتايل‪ ،‬يفتقر إىل الفكرة الرتكيبية اليت توحد شتات النص املبعثر‪ .‬ويعين هذا أن‬
‫العنوان حيقق وظيفة االتساق واالنسجام على مستوى بناء النص أو اخلطاب‪ .‬ويعد كذلك من أهم‬
‫العناص ر ال يت يتم هبا حتقي ق الوحدة العض وية واملوض وعية والش عورية‪ .‬ويف ه ذا النطاق‪ ،‬يقول جون‬
‫كوهن‪ ":‬إن الوصل‪ ،‬عندما ينظر إليه من هذه الزاوية‪،‬ال يصبح إال مظهرا لإلسناد‪ ،‬والقواعد املنطقية‬
‫ال يت تص لح لآلخ ر‪ .‬إن ط ريف الوص ل‪ ،‬ينبغي أن جيمعهم ا جمال خط ايب واح د‪ .‬جيب أن تك ون هن اك‬
‫فكرة هي اليت تشكل موضوعهما املشرتك‪ ،‬وغالبا ما قام عنوان اخلطاب هبذه الوظيفة‪.‬إنه ميثل املسند‬
‫إليه أو املوضوع العام‪ ،‬وتكون كل األفكار الواردة يف اخلطاب مسندات له‪،‬ونالحظ مباشرة أن كل‬
‫خط اب ن ثري علمي ا ك ان أم أدبي ا يت وفر دائم ا على عن وان‪ .‬يف حني‪ ،‬إن الش عر يقب ل االس تغناء‬
‫عنه‪،‬على الرغم من أننا نضطر إىل اعتبار الكلمات األوىل يف القصيدة عنوانا‪ .‬وهذا ليس إمهاال وال‬
‫تأنق ا‪ .‬وإذا ك انت القص يدة تس تغين عن العن وان‪ ،‬فألهنا تفتق ر إىل تل ك الرتكيب ة ال يت يك ون العن وان‬
‫‪146‬‬
‫تعبريا عنها"‪.‬‬

‫‪ -‬جون كوهن‪ :‬بنية اللغة الشـعرية‪ ،‬ترمجة‪ :‬حممد الويل وحممد العمري‪ ،‬دار توبقال للنشر‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األوىل‬ ‫‪146‬‬

‫سنة ‪1986‬م‪،‬ص‪.161:‬‬
‫‪56‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫هذا‪ ،‬وإن العنونة هي أوىل املراحل اليت يقف لديها الباحث السيميولوجي لتأملها واستنطاقها قصد‬
‫اكتش اف بنيته ا وتراكيبه ا ومنطوقاهتا الداللي ة ومقاص دها التداولي ة‪ .‬إن العن اوين عب ارة عن عالم ات‬
‫سيميوطيقية تقوم بوظيفة االحتواء ملدلول النص‪ .‬كما تؤدي وظيفة تناصية‪ ،‬والسيما إذا كان العنوان‬
‫حييل على نص خارجي‪ ،‬يتناسل معه ويتالقح شكال وفكرا‪ .‬وهكذا‪ ...« ،‬ميكن أن تشتغل العناوين‬
‫عالمات مزدوجة‪ ،‬حيث إهنا يف هذه احلالة حتتوي القصيدة اليت تتوجها‪ ،‬ويف الوقت نفسه حتيل على‬
‫نص آخ ر‪ ،‬ومبا أن املؤول ميث ل نص ا‪ ،‬فه و يؤك د واق ع ك ون وح دة الدالل ة يف الش عر نص ية دائم ا‪،‬‬
‫وبإحالت ه على نص آخر يوجه العن وان املزدوج انتباها حنو املوقع الذي تفس ر في ه داللي ة النص الذي‬
‫حيتويه‪ .‬إن املقارنة بالنص الذي مت استحضاره تنور القارئ؛ ألنه يدرك التماثل املوجود بني القصيدة‬
‫ومرجعه ا النص ي على املس تويني‪ :‬الوص في والس ردي‪ ،‬وميكن‪ ،‬على س بيل املث ال‪ ،‬أن يك ون للمرج ع‬
‫‪147‬‬
‫النصي نفس املولد املوجود يف القصيدة‪"...‬‬
‫وهكذا‪ ،‬فالعنوان هو الذي يسمي النصوص واخلطابات اإلبداعية‪ ،‬ويعينها‪ ،‬وخيلق أجواءها النصية‬
‫والتناصية عرب سياقها الداخلي واخلارجي‪ .‬عالوة على استيعابه لألسئلة اإلشكالية اليت تطرحها هذه‬
‫النصوص واخلطابات بواسطة عناوينها الوسيطة والبؤرية‪.‬‬
‫كم ا للعن وان وظ ائف س يميولوجية متع ددة ومتنوع ة‪ ،‬حيث ي رد عالم ة‪ ،‬ورم زا‪ ،‬وإش ارة‪ ،‬وأيقون ا‪،‬‬
‫وخمططا‪ ،‬وصورة‪ ...‬والسيما أننا نعيش‪ ،‬اليوم‪ ،‬يف عوامل العالمات‪ ،‬يف عصر يتسم بالتعقيد والتواصل‬
‫البصري‪ .‬لذلك‪ ،‬يتطلب منا ذلك كله التسلح باملشروع السيميولوجي للدخول يف مغامرة عالماتية‬
‫قص د اإلملام باحملي ط ال ذي يواجهن ا‪ ،‬واالبتع اد عن ال ثرثرة الزائ دة‪ ،‬وجتنب الكتاب ات الطويل ة اململ ة‪،‬‬
‫والرتك يز على االختص ار واإلحياء ب دال من التطوي ل والتفص يل املم ل‪ .‬ل ذا‪ ،‬تعتم د الياب ان‪ ،‬مثال‪ ،‬على‬
‫األنساق السيميولوجية يف التأثري‪ ،‬والتبادل‪ ،‬والتمدن احلضاري‪ .‬حىت أصبحت اليابان من الدول اليت‬
‫تعيش عاملا مليئا بالعالمات‪ ،‬سواء أكانت لفظية أم بصرية‪ .‬وتقوم العناوين بأدوار سيميولوجية هامة‬
‫يف إثراء إمرباطورية العالمات نظرا ملا تؤدي من وظائف كثرية يف التواصل الثقايف واحلضاري‪.‬‬
‫وهك ذا‪ ،‬ي رى روالن ب ارت (‪ )R.Barthes‬أن العن اوين عب ارة عن أنظم ة داللي ة س يميولوجية‪،‬‬
‫حتم ل‪ ،‬يف طياهتا‪ ،‬قيم ا أخالقي ة واجتماعي ة وإيديولوجي ة‪ .‬ويف ه ذا اإلط ار‪ ،‬يق ول ب ارت (‬
‫‪147‬‬
‫‪- Rifaterre, M (1983) : sémiotique de la poésie, Seuil.Paris.p.130.‬‬
‫‪57‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫‪ ":)Barthes‬يب دو اللب اس‪ ،‬والس يارة‪ ،‬والطب ق املهي أ‪ ،‬واإلمياءة‪ ،‬والفيلم‪ ،‬واملوس يقى‪ ،‬والص ور‬
‫اإلشهارية‪ ،‬واألثاث‪ ،‬وعنوان اجلريدة‪ ...‬أشياء متنافرة جدا‪.‬‬
‫م ا ال ذي ميكن أن جيم ع بينه ا؟ إن ه على األق ل‪ :‬كوهنا مجيع ا أدل ة‪ .‬فعن دما أتنق ل يف الش ارع أو يف‬
‫احلياة‪ ،‬وأصادف هذه األشياء‪ ،‬فاين أخضعها‪ ،‬بدافع احلاج ة‪ ،‬ودون أن أعي ذل ك‪ ،‬لنفس النش اط‪،‬‬
‫الذي هو نشاط قراءة‪ .‬يقضي اإلنسان املعاصر وقته يف القراءة‪.‬إنه يقرأ أوال‪ ،‬وبصورة خاصة‪ ،‬صورا‪،‬‬
‫وإمياءات وسلوكيات‪ .‬هذه السيارة تطلعين على الوضع االجتماعي لصاحبها‪ ،‬وهذا اللباس يطلعين‪،‬‬
‫بدق ة‪ ،‬على مق دار امتثالي ة البس ه أو ش ذوذه‪ ،‬وهذا املش روب الف اتح للش هية (الويس كي‪ ،‬وال ربنو أو‬
‫النبيذ األبيض املمزوج خبالص الكشمس)‪ ،‬يطلعين على أسلوب مضيفي يف احلياة‪ .‬وحىت عندما يتعلق‬
‫األمر بنص مكتوب‪ ،‬فإنه يسمح لنا بأن نقرأ‪ ،‬دائما رسالة ثانية بني سطور األوىل‪ :‬لو قرأت خبط‬
‫بارز "فزع بول (‪)Paul‬السادس "‪ ،‬فذلك معناه‪:‬إذا قرأت ما حتت العنوان ستدرك السبب‪ .‬وكلها‬
‫قراءات على قدر كبري من األمهية يف حياتنا‪ .‬إهنا تتضمن قيما جمتمعية وأخالقية وأديولوجيات كثرية‪،‬‬
‫‪148‬‬
‫البد‪ ،‬لإلحاطة هبا‪ ،‬من تفكري منظم‪ .‬هذا التفكري هو ما ندعوه هنا على األقل‪ ،‬سيميولوجيا‪".‬‬
‫إذًا‪ ،‬تعد العناوين مبثابة رسائل مسكوكة مضمنة بعالمات دالة ومعربة‪ ،‬ومشبعة برؤى للعامل يغلب‬
‫عليه ا الط ابع اإلحيائي‪ .‬ل ذا‪ ،‬فعلى الس يميولوجيا أن ت درس العن اوين اإلحيائي ة الدال ة قص د فهم‬
‫اإلي ديولوجيا والقيم ال يت تزخ ر هبا‪ .‬ويف ه ذا الص دد‪ ،‬يق ول روالن ب ارت (‪":)Barthes‬ك ان‬
‫االعتق اد يف بداي ة املش روع الس يميولوجي ب أن املهم ة الرئيس ة تكمن‪ -‬بتعب ري دو سوس ري‬
‫‪ -)F.De.Saussure‬يف دراس ة هيئ ة األدل ة داخ ل احلي اة اجملتمعي ة‪ .‬وبالنتيج ة‪ ،‬إع ادة تك وين‬
‫األنظم ة الدالئلي ة لألش ياء (ألبس ة‪ ،‬وأطعم ة‪ ،‬وص ور‪ ،‬وطق وس‪ ،‬ورمسيات‪ ،‬وموس يقى‪ ،‬إخل‪ ،)..‬وهي‬
‫مهم ة ينبغي إجنازه ا‪ .‬لكن باقتح ام الس يميولوجيا هلذا املش روع الض خم‪ ،‬س لفا‪ ،‬اعرتض تها‪ ،‬مه ام‬
‫أخرى‪ ،‬كدراسة تلك العمليات العجيبة‪ ،‬اليت يصري للرسالة مبوجبها‪ ،‬معىن ثان شائع وأيديولوجي‬
‫عموما‪ ،‬يدعى "معىن إحيائيا "‪ .‬لو قرأت يف صحيفة هذا العنوان‪ " :‬يسود بومباي جو من الورع ال‬
‫حيرم البذخ"‪ ،‬ف إنين أتلقى‪ ،‬بالتأكيد خ ربا حرفي ا ح ول اجملتم ع القرب اين‪ ،‬لك ين ألتق ط‪ ،‬ك ذلك‪ ،‬مجلة‬

‫‪.‬‬
‫‪ -‬روالن بارت ‪:‬المغامرة السيميولوجية‪ ،‬ترمجة‪ :‬عبد الرحيم حزل‪ ،‬مراكش‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪1993‬م؛ ص‪25‬‬ ‫‪148‬‬

‫‪58‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫مس كوكة بكوهنا ت وازن للمتعارض ات‪ ،‬حييل ين إىل رؤي ة للع امل‪ ،‬هذه ظ واهر دائم ة‪ ،‬وينبغي الش روع‬
‫منذ اآلن‪ ،‬بدراستها على نطاق واسع‪ ،‬وارتباطا بكل مصادر اللسانيات"‪.149‬‬
‫وعلي ه‪ ،‬فللعن وان ع دة وظ ائف س يميائية ع دة‪ ،‬ميكن حص رها يف وظيف ة التع يني ال يت تتكف ل بوظيف ة‬
‫تسمية العمل وتثبيته‪ .‬وهناك أيضا الوظيفة الوصفية اليت تعين أن العنوان يتحدث عن النص وصفا‬
‫وشرحا وتفسريا وتأويال وتوضيحا‪ .‬ونذكر كذلك الوظيفة اإلغرائية اليت تكمن يف جذب املتلقي‪،‬‬
‫وكسب فضول القارئ لشراء الكتاب‪ ،‬أو قراءة النص‪.‬‬
‫كم ا ي ؤدي العن وان وظيف ة التلميح‪ ،‬واإلحياء‪ ،‬واألدجلة‪ ،‬والتن اص‪ ،‬والتكني ة‪ ،‬واملدلولي ة‪ ،‬والتعلي ق‪،‬‬
‫والتش اكل‪ ،‬والش رح‪ ،‬واالخ تزال‪ ،‬والتك ثيف‪ ،‬وخل ق املفارق ة واالنزي اح عن طري ق إرب اك املتلقي‪.‬‬
‫فضال عن الوظيفة اإلشهارية‪...‬‬
‫كم ا حيدد ج ريار ج نيت للعنون ة أرب ع وظ ائف أساس ية هي‪ :‬اإلغ راء‪ ،‬واإلحياء‪ ،‬والوص ف‪،‬‬
‫والتعيني‪.150‬‬
‫إن العن وان ‪ -‬كم ا ه و معل وم‪ -‬عب ارة عن رس الة‪ ،‬وه ذه الرس الة يتبادهلا املرس ل واملرس ل إلي ه‪،‬‬
‫فيسامهان يف التواصل املعريف واجلمايل‪ .‬وهذه الرسالة مسننة بشفرة لغوية‪ ،‬يفككها املستقبل‪ ،‬ويؤوهلا‬
‫بلغته الواصفة‪ ،‬وترسل هذه الرسالة ذات الوظيفة الشاعرية أو اجلمالية عرب قناة وظيفتها احلفاظ على‬
‫االتص ال‪ .‬وميكن‪ ،‬يف ه ذا الس ياق‪ ،‬االس تفادة من وظ ائف اللغ ة‪ ،‬كم ا أرس اها روم ان جاكبس ون (‬
‫‪ .)R.Jackobson‬فللعنوان وظيفة مرجعية ترتكز على موضوع الرسالة‪ ،‬باعتباره مرجعا وواقعا‬
‫أساس يا تع رب عن ه الرس الة‪ .‬وه ذه الوظيف ة موض وعية ال وج ود للذاتي ة فيه ا نظ را لوج ود املالحظ ة‬
‫الواقعية‪ ،‬والنقل الصحيح‪ ،‬واالنعكاس املباشر‪ .‬وهناك الوظيفة االنفعالية التعبريية اليت حتدد العالئق‬
‫املوجودة بني املرسل والرسالة‪ .‬وحتمل هذه الوظيفة يف طياهتا انفعاالت ذاتية‪ ،‬وتتضمن قيما ومواقف‬
‫عاطفية ومشاعر وإحساسات‪ ،‬يسقطها املتكلم على موضوع الرسالة املرجعي‪.‬‬

‫‪ -‬روالن بارت ‪:‬نفسه‪ ،‬ص‪..25‬‬ ‫‪149‬‬

‫‪150‬‬
‫‪-A.Regarder : G. Genette:Seuils, Editions Seuils, COLL. Poétique. Paris :‬‬
‫‪1987.‬‬
‫‪59‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫وهناك أيضا الوظيفة التأثريية اليت تقوم على حتديد العالقات املوجودة بني املرسل واملتلقي‪ ،‬حيث‬
‫يتم حتريض املتلقي‪ ،‬وإثارة انتباهه‪ ،‬وإيقاظه عرب الرتغيب والرتهيب‪ ،‬وهذه الوظيفة ذاتية‪.‬‬
‫وهن اك الوظيف ة اجلمالي ة أو الش عرية ال يت حتدد العالئ ق املوج ودة بني الرس الة وذاهتا‪ ،‬وتتحق ق ه ذه‬
‫الوظيف ة يف أثن اء إس قاط احملور االختي اري على احملور الرتكي يب‪ ،‬وبال ذات عن دما يتحق ق االنته اك‬
‫واالنزياح املقصود‪ .‬وتتسم هذه الوظيفة بالبعد الفين واجلمايل والشاعري‪.‬‬
‫وميكن احلديث أيض ا عن الوظيف ة احلفاظي ة أو االتص الية للقن اة العنواني ة؛ إذ هتدف ه ذه الوظيف ة إىل‬
‫تأكيد التواصل‪ ،‬واستمرارية اإلبالغ‪ ،‬وتثبيته أو إيقافه‪ ،‬واحلفاظ على نربة احلديث والكالم املتبادل‬
‫بني الطرفني‪.‬‬
‫وهناك كذلك الوظيفة الوصفية املتعلقة باللغة‪ ،‬وهتدف هذه الوظيفة إىل تفكيك الشفرة اللغوية‪ ،‬بعد‬
‫تسنينها من قبل املرسل‪ ،‬واهلدف من السنن هو وصف الرسالة لغويا وتأويلها‪ ،‬مع االستعانة باملعجم‬
‫أو القواعد اللغوية والنحوية املشرتكة بني املتكلم واملرسل إليه‪.‬‬
‫ونضيف الوظيفة البصرية أو األيقونية كما عند ترنس هاوكس‪ ،151‬فهذه الوظيفة هتدف إىل تفسري‬
‫داللة األشكال البصرية واأللوان واخلطوط األيقونية بغية البحث عن املماثلة أو املشاهبة بني العالمات‬
‫البصرية ومرجعها اإلحايل‪.‬‬
‫ومن ب اب التنبي ه‪ ،‬فنحن‪ ،‬هن ا‪ ،‬حنتكم إىل القيم ة املهيمن ة (‪)La valeur dominante‬كم ا‬
‫حددها روم ان جاكبسون؛ألن العن وان يف نص ما‪ ،‬ق د تغلب علي ه وظيف ة معين ة دون أخرى‪ ،‬فك ل‬
‫الوظائف اليت حددناها سالفا متمازجة؛ إذ نعاينها خمتلطة‪ ،‬بنسب متفاوتة‪ ،‬يف رسالة واحدة‪ ،‬حيث‬
‫تكون الوظيفة الواحدة منها غالبة على الوظائف األخرى حسب منط االتصال‪.‬‬

‫‪ -‬ترنس هوكس‪( :‬مدخل إىل السيمياء)‪ ،‬مجلة بيت الحكمة‪،‬املغرب‪ ،‬العدد‪ ،5‬السنة الثانية‪ ،‬سنة ‪1987‬م‪ ،‬ص‪.120:‬‬ ‫‪151‬‬

‫‪60‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫المبحث السادس‪ :‬كي ــف نق ــارب العن ــوان سيميائيا؟‬


‫حينم ا نري د مقارب ة العن وان‪ ،‬الب د من االنطالق من أرب ع خط وات أساس ية هي‪ :‬البني ة‪ ،‬والدالل ة‪،‬‬
‫والوظيفة‪ ،‬والقراءة السياقية األفقية والعمودية‪ .‬ويعين هذا أن البنية تستوجب قراءة العنوان صوتيا‪،‬‬
‫وإيقاعيا‪ ،‬وتنغيميا‪ ،‬وصرفيا‪ ،‬وتركيبيا‪ ،‬وبالغيا‪ ،‬وأيقونيا‪.‬‬
‫يف حني‪ ،‬تستلزم الداللة دراسة العنوان يف ضوء عالقة العنوان بالداللة‪ ،‬متسائلني عن طبيعة العالقة‪:‬‬
‫ه ل هي عالق ة كلي ة أو جزئي ة؟ وه ل هي عالق ة مباش رة أو غ ري مباش رة؟ وه ل هي عالق ة تع يني أو‬
‫عالقة تضمن؟ وهل هي عالقة حرفية أو عالقة إحيائية؟‪...‬‬
‫أم ا فيم ا خيص الوظيف ة‪ ،‬فالب د من حتدي د جمم ل الوظ ائف الس ياقية ال يت يؤديه ا العن وان داخ ل النص‬
‫(الوظيف ة االنفعالي ة‪ ،‬والوظيف ة التأثريي ة‪ ،‬والوظيف ة الش عرية‪ ،‬والوظيف ة التناص ية‪ ،‬والوظيف ة التعييني ة‪،‬‬
‫والوظيف ة البص رية‪ ،)...،‬يف ض وء ق راءة فعال ة مرن ة تنطل ق من القم ة إىل األس فل‪ ،‬ومن األس فل إىل‬
‫القم ة‪ ،‬ومن ال داخل إىل اخلارج‪ ،‬ومن اخلارج إىل ال داخل‪ .‬ويف ه ذا الص دد‪ ،‬ي رى حمم د مفت اح" أن‬
‫أول احليل التاكتيكية هي الظفر مبغزى العنوان‪ ،‬واملفهوم احمللي الذي نستخدمه هلذا الغرض هو‪ :‬من‬
‫القاعدة إىل القمة (‪ ،)Top-down‬ومن القمة إىل القاعدة (‪ ،)Bottom‬ومعىن هذا‪ ،‬أنه جيب‬
‫فهم مع اين الكلم ات املعجمي ة وبني ة اجلمل ة‪ ،‬ومعناه ا املركب‪ .‬أي‪" :‬من القاع دة إىل القم ة"‪ ،‬وعلى‬
‫‪152‬‬
‫أساس هذه اجلملة نتوقع ما حيتمل أن يتلوها من مجل‪ .‬أي‪ :‬من القمة إىل القاعدة"‪.‬‬
‫والبد من مراعاة السياق احمللي يف أثناء مقاربة العنوان وتأويله‪ ،‬وإال تعسف احمللل السيميولوجي ‪-‬‬
‫مثال ‪ -‬يف التفس ري والتحلي ل‪ .‬وإذا" ك انت املش اهبة وم ا ت دعوه من توق ع وانتظ ار بن اء على معرفتن ا‬
‫املرتاكمة للعامل‪ ،‬جتعلنا نقتحم عامل القصيدة الرحب يف اطمئنان‪ ،‬اعتمادا على ما أوصى به العنوان‪،‬‬
‫فإننا مع ذلك‪ ،‬سنقيد أنفسنا مببدأ التأويل احمللي‪ ،‬لكيال نسقط على القصيدة كل ما تراكم لدينا من‬
‫جتارب‪ ،‬ونقوهلا مامل تقل‪.153 ".‬‬
‫وهكذا‪ ،‬فإن العنوان يف احلقيقة مبثابة رأس للجسد‪ ،‬والنص متطيط له وحتوير‪ ،‬إما بالزيادة واالستبدال‬
‫ت ارة‪ ،‬وإم ا بالنقص ان والتحوي ل ت ارة أخ رى‪ .‬إن العنون ة بالنس بة للس يميولوجي مبثاب ة ب ؤرة ون واة‬
‫‪ -‬حممد مفتاح‪ :‬دينامية النص‪،‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬ص‪.60:‬‬ ‫‪152‬‬

‫‪ -34‬حممد مفتاح‪ :‬دينامية النص‪ ،‬ص‪.60:‬‬ ‫‪153‬‬

‫‪61‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫للقصيدة الش عرية ميدها باحلياة وال روح واملعىن الن ابض‪.‬أي‪ " :‬ميدنا العنوان ب زاد مثني لتفكي ك النص‬
‫ودراسته‪ ،‬ونقول هنا‪:‬إنه يقدم لنا معرفة كربى لضبط انسجام النص‪ ،‬وفهم ما غمض منه‪ ،‬إذ هو‬
‫احملور ال ذي يتوال د ويتن امي ويعي د إنت اج نفس ه‪ ،‬وه و ال ذي حيدد هوي ة القص يدة‪ ،‬فه و‪ -‬إن ص حت‬
‫املشاهبة مبثابة الرأس للجسد‪ -‬واألساس الذي تبىن عليه‪ ،‬غري أنه إما أن يكون طويال‪ ،‬فيساعد على‬
‫توقع املضمون الذي يتلوه‪ .‬وإما أن يكون قصريا‪ ،‬وحينئذ‪ ،‬فإنه البد من قرائن فوق لغوية توحي مبا‬
‫‪154‬‬
‫يتبعه"‪.‬‬
‫ومن باب اإلضافة‪ ،‬البد للمحلل أن يستعني بنظرية شارل بريس‪ ،‬ويتمثل جهازه املفاهيمي التأويلي‬
‫الذي يتمثل يف الرمز‪ ،‬واإلشارة‪ ،‬واأليقون‪ .‬وعليه أن يتمثل تصورات فرديناند دي سوسري‪ ،‬ويستفيد‬
‫أيض ا من آراء ج ريار ج نيت‪ ،‬وكرمياص‪ ،‬وليوهوي ك‪ ،‬وكل ود دوش يه‪ ،‬وه نري مي رتان‪ ،‬وش ارل‬
‫كريفيل‪ ،‬وأمربطو إيكو‪ ،‬ولوسيان كولدمان‪ ،‬وجان ريكاردو‪ ،‬وآخرين‪...‬‬

‫وخالصة القول‪ ،‬ليس العنوان عنصرا زائدا كما يعتقد الكثري من الباحثني والدارسني‪ .‬وينطبق هذا‬
‫احلكم أيض ا على ك ل العتب ات اجملاورة للنص‪ ،‬من إه داء‪ ،‬واس تهالل‪ ،‬وتق دمي‪ ،‬واقتب اس‪ ،‬وفهرس ة‪،‬‬
‫وهوامش‪ ،‬وصور‪ ،‬وحيثيات النشر‪ ...‬فالنص املوازي هو عنصر ضروري يف تشكيل الداللة‪ ،‬وإثراء‬
‫املعىن‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فمن الضروري دراسة العتبات‪ ،‬وتفكيك املصاحبات املناصية‪ ،‬واستكشاف الدوال‬
‫الرمزية‪ ،‬وإيضاح اخلارج قصد إضاءة الداخل‪.‬‬
‫عالوة على ذل ك‪ ،‬ف إن عن اوين النص وص واخلطاب ات والكتب واللوح ات واألعم ال الفني ة ذات‬
‫وظائف رمزية مشفرة‪ ،‬ومسننة بنظام عالمايت دال على عامل من اإلحاالت الغنية والثرية‪ .‬ومن مث‪،‬‬
‫تشكل العناوين كلها جمموعة رمزية‪ ،‬وتربز ميزهتا االصطالحية حينما حياول املرء ترمجتها من لغة إىل‬
‫أخرى‪ ،‬أو من ثقافة إىل أخرى‪ .155‬كما ميكن " إلطار لوحة فنية أو غالف كتاب أن يوحيا بطبيعة‬

‫‪ -‬حممد مفتاح‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.72:‬‬ ‫‪154‬‬

‫‪ -‬بيري غريو‪ :‬السيمياء‪ ،‬ترمجة‪ :‬أنطوان أيب زيد‪ ،‬منشورات عويدات بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬طبعة األوىل سنة ‪1984‬م‪ ،‬ص‪.125:‬‬ ‫‪155‬‬

‫‪62‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫نظام الرموز‪ ،‬كما أن عنوان العمل الفين يشري غالبا إىل نظام الرموز أكثر من إشاراته إىل مضمون‬
‫الرسالة"‪.156‬‬
‫تلكم‪،‬إذًا‪ ،‬جمم ل التص ورات الس يميوطيقية ح ول ظ اهرة العنون ة‪ ،‬وم دى أمهيته ا الوظيفي ة يف مقارب ة‬
‫النصوص واخلطابات على مستوى البنية‪ ،‬والداللة‪ ،‬والوظيفة‪.‬‬

‫‪ -‬بيري غريو‪ :‬السيمياء‪ ،‬ص‪.14:‬‬ ‫‪156‬‬

‫‪63‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫الفصل السادس‪:‬‬

‫صورة العنوان في الرواية العربية‬

‫المبحث األول‪ :‬مفهوم العنوان‬


‫يع د العن وان من أهم عناص ر النص املوازي وملحقات ه الداخلي ة نظ را لكون ه م دخال أساس يا يف ق راءة‬
‫اإلبداع األديب والتخييلي بصفة عامة‪ ،‬والروائي بصفة خاصة‪ .‬ومن املعلوم كذلك أن العنوان هو عتبة‬
‫النص وبدايته‪ ،‬وإشارته األوىل‪ .‬وهو العالمة اليت تطبع الكتاب أو النص‪ ،‬وتسميه‪ ،‬ومتيزه عن غريه‪.‬‬
‫وهو كذلك من العناصر اجملاورة واحمليطة بالنص الرئيس إىل جانب احلواشي‪ ،‬واهلوامش‪ ،‬واملقدمات‪،‬‬
‫واملقتبسات‪ ،‬واألدلة األيقونية‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬االهتمام بالعنوان‬


‫لق د أمهل العن وان كث ريا من قب ل الدارس ني الع رب والغرب يني على ح د س واء‪ ،‬ق دميا وح ديثا؛ ألهنم‬
‫اعتربوا العنوان عنصرا هامشيا القيمة له‪ ،‬وملفوظا لغويا اليقدم شيئا إىل حتليل النص األديب‪ .‬لذلك‪،‬‬
‫جتاوزوه إىل النص‪ ،‬كما جتاوزوا باقي العتبات األخرى اليت حتيط بالنص‪ .‬وليس العنوان" الذي يتقدم‬
‫النص ويفتتح مس رية منوه‪ -‬يق ول علي جعف ـ ــر العالق‪ -‬جمرد اس م ي دل على العم ل األديب‪ :‬حيدد‬
‫هويت ه‪ ،‬ويك رس انتم اءه ألب م ا‪ .‬لق د ص ار أبع د من ذل ك بكث ري‪ .‬وأوض حت عالقت ه ب النص بالغ ة‬
‫التعقيد‪ .‬إنه مدخل إىل عمارة النص‪ ،‬وإضاءة بارعة وغامضة ألهبائه وممراته املتشابكة(‪ )...‬لقد أخذ‬
‫العنوان يتمرد على إمهاله فرتات طويلة‪ ،‬وينهض ثانية من رماده الذي حجبه عن فاعليته‪ ،‬وأقصاه إىل‬
‫‪157‬‬
‫ليل من النسيان‪ .‬ومل يلتفت إىل وظيفة العنوان إال مؤخرا‪".‬‬

‫‪ -‬علي جعفر العالق‪ ( :‬شعرية الرواية)‪ ،‬عالمات في النقد‪ ،‬اجمللد ‪ ،6‬اجلزء ‪ ،23‬السنة ‪ ،1997‬صص‪.101-100:‬‬ ‫‪157‬‬

‫‪64‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫وعلى الرغم من هذا اإلمهال‪ ،‬فقد التفت إليه بعض الدارسني يف الثقافتني‪ :‬العربية واألجنبية‪ ،‬قدميا‬
‫وحديثا‪ ،‬وتنبه إليه الباحثون يف جمال السيميوطيقا وعلم السرد واملنطق‪ ،‬وأشاروا إىل مضمونه اإلمجايل‬
‫يف األدب والسينما واإلشهار نظرا لوظائفه اللغوية‪ ،‬واملرجعية‪ ،‬والتأثريية‪ ،‬واأليقونية‪ .‬وحرصوا على‬
‫متي يزه يف دراس ات معمق ة‪ ،‬بش رت بعلم جدي د ذي اس تقاللية تام ة‪ ،‬أال وه و علم العن ـ ــوان(‬
‫‪ )TITROLOGIE‬الذي ساهم يف صياغته وتأسيسه باحثون غربيون معاصرون هم‪ :‬جيرار‬
‫ج ـ ـ ــنيت(‪ ،) G.GENETTE‬وه ـ ـ ــنري م ـ ـ ــتران(‪ ،) H.METTERAND‬ولوس ـ ـ ــيان‬
‫ﮔولدمان(‪ ،) L.GOLDMANN‬وشارل ﮔريفل(‪ ،) CH.GRIVEL‬وروجــر روفــر(‬
‫‪ ،) ROGER ROFER‬وليوهويــك(‪ ) LEO HOEK‬ال ذي ع رف العن وان بكون ه"‬
‫جمموع ة من ال دالئل اللس انية (‪ )...‬ميكنه ا أن تثبت يف بداي ة النص من أج ل تعيين ه‪ ،‬واإلش ارة إىل‬
‫مضمونه اإلمجايل‪ ،‬ومن أجل جذب اجلمهور املقصود"‪.1‬‬
‫وقد نادى لوسيان ﮔولدمان الدارسني والباحثني الغربيني إىل االهتمام بالعتبات بصفة عامة‪ ،‬والعنوان‬
‫بصفة خاصة‪ .‬وأكد يف قراءته السوسيولوجية للرواية الفرنسية اجلديدة مدى قلة النقاد" الذين تعرضوا‬
‫إىل مسألة بسيطة مثل العنوان يف رواية ( الرائي ‪ )le voyeur‬الذي يشري‪ -‬مع ذلك بوضوح‪-‬‬
‫‪158‬‬
‫إىل مضمون الكتاب‪ ،‬ليتفحصوه مبا يستحق من عناية"‪.‬‬
‫وتعت رب دراس ة( العتب ــات ‪ )SEUILS‬جلريار ج نيت( ‪ ) GERARD GENETTE‬أهم‬
‫دراسة علمية ممنهجة يف مقاربة العتبات بصفة عامة‪ ،‬والعنوان بصفة خاصة؛ ألهنا تسرتشد بعلم السرد‬
‫واملقاربة النصية يف شكل أسئلة ومسائل‪ ،‬وتفرض عنده نوعا من التحليل‪.159‬‬
‫ويبقى ليو هويك( ‪ ) LEO HOEK‬املؤسس الفعلي ( لعلم العنوان)؛ ألنه قام بدراسة العنونة‬
‫من منظ ور مفت وح‪ ،‬يس تند إىل العم ق املنهجي‪ ،‬واالطالع الكب ري على اللس انيات‪ ،‬واس تيعاب نت ائج‬
‫السيميوطيقا‪ ،‬واالستفادة من تاريخ الكتاب والكتابة‪ .‬فقد رصد العنونة رصدا سيميوطيقيا‪ ،‬بالرتكيز‬
‫على بناها‪ ،‬ودالالهتا‪ ،‬ووظائفها‪.‬‬

‫‪158‬‬
‫‪-A .Regarder LEO HOEK : La marque du titre, ed.MOUTON 1982.‬‬
‫‪159‬‬
‫‪-A. Regarder G. Genette : SEUILS, COLLECTION SEUILS, PARIS, 1987.‬‬
‫‪65‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫كم ا أن النقد ال روائي العريب مل ي ول العنوان أمهية تذكر‪ ،‬بل ظ ل مير عليه مر الك رام‪ .‬واآلن‪ ،‬بدأ‬
‫االهتمام بعتبات النص‪ ،‬وصار يندرج" ضمن سياق نظري وحتليلي عام‪ ،‬يعتين بإبراز ما للعتبات من‬
‫وظيفة يف فهم خصوصية النص‪ ،‬وحتديد جانب أساسي من مقاصده الداللية‪ ،‬وهو اهتمام أضحى يف‬
‫الوقت الراهن مصدرا لصياغة أسئلة دقيقة‪ ،‬تعيد االعتبار هلذه احملافل النصية املتنوعة األنساق‪ ،‬وقوفا‬
‫‪160‬‬
‫عندما مييزها‪ ،‬ويعني طرائق اشتغاهلا؟"‬
‫ومن أهم الدراسات العربية اليت انصبت على دراسة العنوان تعريفا وتأرخيا وحتليال وتصنيفا ما أجنزه‬
‫الباحثون املغاربة الذين كانوا سباقني إىل تعريف القارئ العريب بكيفية االشتغال على العنوان تنظريا‬
‫وتطبيقا‪ ،‬وهذه الدراسات هي على النحو التايل‪:‬‬

‫‪(‬النص الم ــوازي في الرواي ــة(إس ــتراتيجية العن ــوان))‪ ،‬مق ال لش عيب حليفي‪ ،‬منش ور يف مجل ــة‬
‫الكرمــل الفلس طينية يف إح دى وعش رين ص فحة‪ ،‬الع دد‪ ،46‬س نة ‪1996‬م‪ .‬ويع د‪ -‬يف رأيي‪ -‬أول‬
‫مقال درس العنوان دراسة تارخيية وبنيوية بشكل جيد‪ ،‬وأهم مصدر استند إليه الدارسون يف حديثهم‬
‫عن العنوان‪.‬‬
‫‪‬مقارب ــة العن ــوان في الش ــعر الع ــربي الح ــديث والمعاص ــر جلمي ل محداوي‪ ،‬رس الة لني ل دبل وم‬
‫الدراسات العليا يف األدب العريب احلديث واملعاصر‪ ،‬بإشراف الدكتور حممد الكتاين‪ ،‬نوقشت جبامعة‬
‫عبد املالك السعدي يف املغرب سنة ‪1996‬م‪ ،‬كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية (تطوان)‪ ،‬ويطرح فيها‬
‫صاحبها منهجية جديدة لدراسة العناوين مساها (المقاربة العنوانية)؛ وتعد ‪ -‬على حد علمي‪ -‬أول‬
‫دراسة حتليلية شاملة للعنوان يف الوطن العريب(‪ 562‬صفحة من احلجم الكبري)‪.‬‬
‫‪(‬العنوان في الرواية المغربية)‪ ،‬جلمال بوطيب‪ ،‬مقال منشور يف كتاب الروايــة المغربيــة‪ ،‬أســئلة‬
‫الحداثة‪ ،‬منشورات دار الثقافة‪ ،‬الدار البيضاء سنة ‪ ،1996‬ويوجد املقال يف اثنيت عشرة صفحة‪.‬‬

‫‪ -‬إدريس الناقوري‪ :‬لعبة النسيان‪ -‬دراسة تحليلية نقدية‪ ،-‬الدار العاملية للكتاب‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األوىل‪،1995 ،‬‬ ‫‪160‬‬

‫ص‪.24:‬‬
‫‪66‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫‪‬عتبات النص‪ :‬البنيـة والداللـة‪ ،‬لعبد الفتاح احلجمري‪ ،‬منشورات الرابطة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬طبعة‬
‫‪1996‬م‪ .‬وفي ه ي درس ص احبه العن وان يف ض وء رواي ة ( الض ــوء اله ــارب) حملم د ب رادة‪ ،‬يف س ت‬
‫صفحات من احلجم املتوسط‪.‬‬
‫‪ (‬الســميوطيقا والعنونــة)‪ ،‬مق ال جلمي ل محداوي يف ثالث وثالثني ص فحة‪ ،‬نش ر يف مجلــة عــالم‬
‫الفكر‪ ،‬الكويت‪ ،‬اجمللد ‪ ،25‬العدد‪ ،3‬يناير‪/‬مارس‪ ،‬سنة ‪ ،1997‬وكان مصدرا ومرجعا للكثري من‬
‫الدراسات اليت انصبت على دراسة عتبة العنوان‪.‬‬
‫‪‬مقاربة النص الموازي في روايــات بنســالم حميش‪ ،‬جلميل محداوي‪ ،‬أطروحة دكتوراه الدولة‪،‬‬
‫ناقشها الباحث يف يوليوز سنة ‪ 2001‬م جبامعة حممد األول بوجدة‪ ،‬بإشراف مصطفى رمضاين‪.‬‬
‫‪(‬صـورة العنــوان في الروايــة العربيــة) جلميل محداوي‪ ،‬مقال يف حوايل إحدى وعشرين صفحة‪،‬‬
‫نشر يف شهر يوليو سنة ‪2006‬م‪.‬‬
‫‪‬العنوان في الرواية العربية‪ :‬لعبد املالك أشهبون‪ ،‬وقد صدر هذا الكتاب عن داري النايا للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬ودار حماكاة للدراسات والنشر والتوزيع بسوريا عام ‪2011‬م‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬وظائف العنوان‬


‫يعد العنوان عالمة لسانية وس يميولوجية بامتياز‪ .‬وغالبا‪ ،‬ما تكون تل ك العالم ة يف بداي ة النص‪ ،‬هلا‬
‫وظيف ة تعييني ة ومدلولي ة‪ ،‬ووظيف ة تأش ريية يف أثن اء تلقي النص‪ ،‬والتل ذذ ب ه تقبال وتف اعال‪ .‬ويف ه ذا‬
‫الص دد‪ ،‬يق ول الب احث املغ ريب إدريس الن ـ ـ ــاقوري مؤك دا الوظيف ة اإلش هارية والقانوني ة‬
‫للعنوان‪":‬تتجاوز( داللة العنوان) دالالته الفنية واجلمالية‪ ،‬لتندرج يف إطار العالقة التبادلية االقتصادية‬
‫والتجارية حتديدا؛ وذلك ألن الكتاب اليعدو كونه من الناحية االقتصادية منتوجا جتاريا‪ ،‬يفرتض فيه‬
‫أن تكون له عالقة مميزة‪ ،‬وهبذه العالمة‪ ،‬بالضبط‪ ،‬حيول العنوان املنتوج األديب أو الفين إىل سلعة قابلة‬
‫للتداول‪ ،‬هذا باإلضافة إىل كونه وثيقة قانونية‪ ،‬وسندا شرعيا يثبت ملكية الكتاب أو النص‪ ،‬وانتماءه‬
‫‪161‬‬
‫لصاحبه‪ ،‬وجلنس معني من أجناس األدب أو الفن"‪.‬‬

‫‪ -‬إدريس الناقوري‪ :‬لعبة النسيان‪ -‬دراسة تحليلية نقدية‪ ،-‬ص‪.24:‬‬ ‫‪161‬‬

‫‪67‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫كم ا للعن وان وظ ائف أخ رى تتمث ل يف الوظ ائف التالي ة‪ :‬الوظيف ة اإليديولوجي ة‪ ،‬ووظيف ة التس مية‪،‬‬
‫ووظيف ة التع يني‪ ،‬والوظيف ة األيقوني ة‪ /‬البص رية‪ ،‬والوظيف ة املوض وعاتية‪ ،‬والوظيف ة التأثريي ة‪ ،‬والوظيف ة‬
‫اإلحيائية‪ ،‬ووظيفة االتساق واالنسجام‪ ،‬والوظيف ة التأويلية‪ ،‬والوظيفة الداللية أو املدلولية‪ ،‬والوظيفة‬
‫اللسانية والسيميائية‪...‬‬

‫المبحث الرابع‪ :‬العنوان في الرواية‬


‫من املعلوم أن العنوان هو الذي يوجه قراءة الرواية‪ ،‬ويغتين بدوره مبعان جديدة‪ ،‬مبقدار ما تتوضح‬
‫دالالت الرواية‪ .‬فهو املفتاح الذي به حتل ألغاز األحداث‪،‬وبه يستساغ إيقاع نسقها الدرامي وتوترها‬
‫الس ردي‪ .‬عالوة على م دى أمهيت ه يف اس تخالص البني ة الداللي ة للنص‪ ،‬وحتدي د تيم ات اخلط اب‬
‫القصص ي‪ ،‬وإض اءة النص وص هبا‪ .‬إن العن وان ‪ -‬كم ا كتب كل ـ ــود دوش ـ ــيه( ‪CLAUDE‬‬
‫‪ " -)DUCHET‬عنص ر من النص الكلي ال ذي يس تبقه ويس تذكره يف آن‪ ،‬مبا أن ه حاض ر يف‬
‫‪162‬‬
‫البدء‪ ،‬وخالل السرد الذي يدشنه‪ ،‬يعمل كأداة وصل وتعديل للقراءة"‪.‬‬
‫إن العنوان يف احلقيقة" مرآة مصغرة لكل ذلك النسيج النصي"‪ ،2‬واسم فارغ"‪ .‬ويعين هذا أنه عالمة‬
‫ضمن عالمات أوسع‪ .‬وبالتايل‪ ،‬فهي اليت تشكل قوام العمل الفين‪ ،‬باعتباره نظاما ونسقا‪ ،‬يقتضي أن‬
‫يعاجل معاجلة منهجية‪ ،‬أساسها أن داللة أية عالمة مرتبطة ارتباطا بنائيا التراكميا بدالالت أخرى‪.‬‬
‫ومن مث‪ ،‬قد جيسد العنوان املدخل النظري إىل العامل الذي يسميه‪ ،‬ولكنه الخيلقه؛ إذ إن العالقة بني‬
‫الط رفني ق د التك ون مباش رة [ كم ا ه و الش أن يف اآلث ار الفني ة ال يت حيي ل فيه ا العن وان على النص‪،‬‬
‫والنص على العنوان (األسطورة ومعظم حكايات ألف ليلة وليلة والرواية املوسومة بالواقعية) على حنو‬
‫مباشر]‪ .‬ويف هذا احلال‪ ،‬فإن العنوان يتحول من كونه عالمة لسانية" أو جمموعة عالمات لسانية تشري‬
‫إىل احملتوى العام للنص" إىل كونه لعبة فنية وحوارية بني التحدد والالحتدد‪ ،‬بني املرجعية احملددة وبني‬
‫‪163‬‬
‫الدالالت املتعددة‪ ،‬وذلك يف حركة دائبة بني نصني متفاعلني يف زمن القراءة"‪.‬‬

‫‪ -‬كلود دوشيه‪( :‬عناصر علم العنونة الروائي)‪ ،‬أدب‪ ،‬فرنسا‪ ،‬عدد‪ ،12‬كانون األول‪1973 ،‬م‪ ،‬ص‪.53-52:‬‬ ‫‪162‬‬

‫‪ -‬موسى أغريب‪ :‬مقاالت نقدية في الرواية العربية‪ ،‬دار النشر اجلسور‪ ،‬وجدة‪ ،‬الطبعة األوىل‪1997 ،‬م‪ ،‬ص‪.5:‬‬ ‫‪163‬‬

‫‪68‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫انطالقا من هذا كله‪ ،‬قد يكون باإلمكان تتبع عمل العنوان يف النص‪ ،‬والشروع يف منذجة تصنيفية(‬
‫‪ )Typologie‬للعن اوين وفق ا لعالقاهتا بالش رح ال روائي بال ذات‪ ،‬عن طري ق االخ تزال إىل احلد‬
‫األقص ى‪ .‬فإم ا أن الرواي ة تع رب عن عنواهنا" تش بعه وتف ك رم وزه ومتح وه‪ ،‬وإم ا أهنا تعي د إدماج ه يف‬
‫مجاع النص‪ ،‬وتبلبل السنن الدعائي عن طريق التشديد على الوظيفة الشعرية الكامنة للعنوان‪ ،‬حمولة‬
‫‪164‬‬
‫املعلومة والعالمة إىل قيمة واخلرب إىل إحياء"‬
‫وق د يك ون العن وان ال ذي يلتص ق ب ه العم ل ال روائي ص ورة كلي ة حتدد هوي ة اإلب داع وتيمت ه العام ة‪،‬‬
‫وجتمع شذراته يف بنية مقوالتية تعتمد االستعارة أوالرتميز‪ .‬وهذه الصورة العنوانية قد تكون فضائية‬
‫يتقاطع فيها املرجع مع اجملاز‪ ،‬فمثال عنوان رواية( زقاق المدق) عند جنيب حمفوظ قد يعين" احلارة‬
‫الض يقة من ح ارات الق اهرة القدمية‪ ،‬كم ا يع ين س كاهنا من البش ر خالل احلرب العاملي ة الثاني ة‪ .‬لكن‬
‫امتداد ظل هذا الزقاق كمكان‪ ،‬وقيامه بدور املركز يف احلركة القصصية‪ ،‬وحتديد مصائر من يسكنه‪،‬‬
‫جعل ه يق وم ب دور البطول ة الفعلي ة يف القص ة‪ ،‬ويف رض نفس ه على عنواهنا‪ ،‬ويبل ور رؤي ة املؤل ف‬
‫لعامله"‪.165‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬فالعنوان عبارة عن صيغة مطلقة للرواية وكليتها الفنية واجملازية‪ .‬إنه اليتم إال جبمع الصور‬
‫املشتتة‪ ،‬وجتميعها من جديد يف بؤرة ملوضوعات عامة تصف العمل األديب‪ ،‬وتسمه بالتواتر والتكرار‬
‫والتوارد‪ .‬إذًا‪ ،‬فهو الكلية الداللية‪ ،‬أو الصورة األساسية‪ ،‬أو الصورة املتكاملة اليت يستحضرها املتلقي‬
‫يف أثناء التلذذ‪ ،‬والتفاعل مع مجالية النص الروائي‪ ،‬والتعامل مع مسافاته االستيتيقية‪.‬‬
‫وق د تن درج الص ورة العنواني ة ض من عالق ات بالغي ة قائم ة على املش اهبة‪ ،‬أو اجملاورة‪ ،‬أو الرؤي ا‪،‬‬
‫فيتج اوز العن وان جمازي ا م ع دالالت الفض اء النص ي للغالف‪ ،‬وتنص هر الص ورة العنواني ة اللغوي ة يف‬
‫الصورة املكانية لونا ورمزا‪.‬‬

‫‪ -‬دليله مرسلي وأخريات‪ :‬مــدخل إلى التحليــل البــنيوي للنصــوص‪ ،‬دار احلداثة‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪،‬الطبعة األوىل‪،1985 ،‬‬ ‫‪164‬‬

‫صص‪.44:‬‬
‫‪ -‬حممد أنقار‪ :‬صــورة المغــرب في الروايــة اإلســبانية خالل عهــد الحمايــة‪،‬مكتبة اإلدريسي‪ ،‬تطوان‪ ،‬الطبعة األوىل سنة‬ ‫‪165‬‬

‫‪1994‬م‪،‬ص‪.35:‬‬
‫‪69‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫ويرتب ط فهم الص ورة العنواني ة وتفس ريها‪ ،‬وت ذوق مجاهلا‪ ،‬وتع رف ص يغ أس اليبها‪ ،‬مبعانيه ا" ض من"‬
‫خطاطة اجملموع"‪ .‬أي‪ :‬السياق الكلي للرواية"‪.166‬‬
‫وتتجلى أمهية الصورة العنوانية عندما نكون أمام عناوين رمزية ذات الشحنة االستعارية واجملازية يف‬
‫عناوين بعض الروايات‪ ،‬كما عند أندريه جيد( ‪( )ANDRE GIDE‬قوت األرض ) و( الباب‬
‫الضيق) و(السيمفونية الريفية)‪.167‬‬
‫وإذا أخ ذنا‪ ،‬على س بيل التمثي ل‪ ،‬رواي ة ( الطـ ـ ـ ــاعون‪ )LA PESTE /‬أللب ري ك امو(‬
‫‪ ،) A.CAMUS‬فسنجد العنوان عبارة عن صورة رمزية معقدة‪ ،‬يتماهى فيها البعد املرجعي مع‬
‫البع د اإلحيائي‪ .‬أي‪ :‬ختتل ط خي وط التس مية العنواني ة‪ ،‬وتتالش ى أض واء احلقيق ة لتعوض ها دالالت‬
‫التض مني الرم زي‪« .‬ف العنوان" نفس ه رم زي‪ ،‬أو هو بدق ة أكرب أليغ وري‪ .‬والطاعون حرفيا هو وباء‬
‫أصاب مدينة وهران سنة ‪1944‬م‪ ،‬ولكنه يف الوقت نفسه رمز لالحتالل النازي‪ .‬وهو على مستوى‬
‫أعلى شر ميتافيزيقي وخلقي يف هذا الكون العبثي الذي حنيا فيه‪ .‬وأكثر من ذلك‪ ،‬تثري فكرة الطاعون‬
‫نفس ها على ط ول الرواي ة‪ ،‬العدي د من الص ور ال يت تنس ج ت ارة داللته ا األدبي ة‪ ،‬وت ارة مظاهره ا‬
‫‪168‬‬
‫الرمزية‪".‬‬
‫وإذا تأملن ا النص وص الروائي ة‪ ،‬فغالب ا م ا جند على ظه ر الغالف س جل العن وان‪ ،‬وحتت ه التع يني‬
‫اجلنسي(رواية ) على شكل عنوان فرعي مكتوب بأحرف صغرية‪ ،‬على عكس العنوان األساسي ال ذي‬
‫يكتب ب أحرف ب ارزة كب رية دالل ة على أمهيت ه‪ ،‬ونظ را لبع ده األيق وين‪ ،‬ومركزيت ه يف تبئ ري دالالت‬
‫الرواية‪ .‬ومن مث‪ ،‬فالعنوان الذي حيدد التعيني اجلنسي ( رواية) هو بيان إيضاحي‪ ،‬يؤكد مدى احرتام‬
‫العمل اإلبداعي خلصائص اجلنس الروائي‪ ،‬ومراعاة مساته بطريقة مجالية وفنية‪.‬‬
‫وجند أيض ا عن اوين الفص ول ال يت تلخص مض امينها‪ ،‬وتكث ف أهم م اجرى فيه ا من أحداث ووق ائع‪،‬‬
‫وتسجل أمساء شخصياهتا‪ ،‬وتربز األدوار اليت قامت هبا والصعوبات اليت واجهتها يف حياهتا‪ ،‬واملصري‬
‫الذي آلت إليه يف هناية املطاف‪.‬‬

‫‪ -‬حممد أنقار‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.36:‬‬ ‫‪166‬‬

‫‪ -‬حممد أنقار‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.36:‬‬ ‫‪167‬‬

‫‪ -‬حممد أنقار‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.36:‬‬ ‫‪168‬‬

‫‪70‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫ويتطلب العنوان من املؤلف وقتا واسعا من التأمل والتدبر لتوليده وحتويله‪ ،‬ليصبح‪ ،‬بعد ذلك‪ ،‬بنية‬
‫داللية وإشهارية عامة للنص الروائي‪ .‬فكل عنوان يلصقه الكاتب على ظهر روايته‪ ،‬أو يعلقه كالثريا‬
‫يف رأس الصفحة‪ ،‬أو ميوقعه يف وسط كل فصل أو قسم‪" ،‬الشك أن املؤلف أفرغ فيه جهدا‪ ،‬وتطلب‬
‫من ه اختياره؛ ألن ص ياغة عن وان أي عم ل إبداعي ج زء من الكتاب ة الفني ة؛ نظ را ملا للعنوان من أمهي ة‬
‫على املس توى اإلعالمي ( اإلشهار) أوال‪ ،‬على املستوى الفكري ثانيا‪ ،‬وعلى املستوى اجلمايل ثالثا‪،‬‬
‫ونظرا إىل كل هذه االعتبارات‪ ،‬فإن العنوان ذو أمهية خاصة بالنسبة للمؤلف واملتلقي على السواء؛‬
‫ألنه مجاع النص وملخصه"‪.169‬‬
‫وميكن اعتب ار العن وان ال روائي بني ة عام ة قابل ة للتحلي ل والفهم والتفس ري والتق ومي‪ ،‬من خالل عناص ر‬
‫النص األساسية اليت تتمثل يف مشاهده‪ ،‬ومتوالياته‪ ،‬ووحداته الوظيفية‪ ،‬ومراحل تكوين بنيته العامة‪.‬‬
‫وتتمثل كذلك يف بنياته األساسية وخطابات ه ومنظوره الفين الذي يبدو يف الشخوص‪ ،‬واألحداث‪،‬‬
‫والفضاء الروائي‪ ،‬والراوي‪ ،‬ومنظور التعدد( الرواة‪ -‬اللهجات‪ -‬اللغات)‪.‬‬
‫ومن مث‪ ،‬فإن العنوان ذو موقع نصي اسرتاتيجي ومهم‪ "،‬يشتغل بوصفة دليال‪ ،signe‬به متتاز الرواية‬
‫عن غريها‪ .‬ومنه يعلن نواياه ومقاصده‪ .‬وعربه يشي النص مبحتواه دون أن يفصح عنه بكيفية كلية‪.‬‬
‫واعتم ادا على ه ذا التحدي د‪ ،‬تنهض عالق ة العن وان بالرواي ة على أس اس التض من املتب ادل‪ .‬ويف م دار‬
‫العالقة هذه‪ ،‬تتبدى الرواية جوابا‪ ...‬عن األسئلة الطافحة يف مجلة العنوان‪ .‬ويستعلن من هذا أمران‪:‬‬
‫يق ول أوهلم ا‪ :‬إن الرواي ة تنهض بوظيف ة املرج ع‪ ،‬ف العنوان نص ب دئي ميانع عن الفهم إذا مل ي رد إىل‬
‫القصة اليت تفصل ما أمجله‪ ،‬وتبسط مااختصره‪ ،‬وتطلق ما احتجزه‪ ،‬أما األمر الثاين‪ ،‬فيلهج باالشتغال‬
‫الكنائي للعنوان؛ إذ إن األخري جزء من كل‪ .‬ويسمح التحدث به باستحضار هذا الكل‪ .‬وهبذا املعىن‬
‫يفرتض يف العنوان االشتمال على عناصر اخلطاب املكىن عنه‪ ،‬وتشغيلها مبا يضمن عدم إرباك العالئق‬
‫الوظيفية بني املكىن واملكىن عنه"‪.170‬‬

‫‪ -‬إدريس الناقوري‪:‬نفسه‪ ،‬ص‪.52-51 :‬‬ ‫‪169‬‬

‫‪ -‬عبد اجلليل األزدي‪ ( :‬عتبات املوت‪ -‬قراءة يف هوامش وليمة ألعشاب البحر")‪ ،‬ص‪ .39:‬وهو يف هذه القولة‪ ،‬يرتجم‬
‫‪170‬‬

‫نظرية شارل ﮔريفل حول العنونة‪.‬‬


‫‪71‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫وال تع رب العن اوين الروائي ة دائم ا عن مض امني نصوص ها بطريق ة مباش رة‪ .‬أي‪ :‬تعكس ها بك ل جالء‬
‫وبوضوح‪ ،‬بل جند بعض العناوين غامضة ومبهمة ورمزية بتجريدها االنزياحي؛ مما يطرح صعوبة يف‬
‫إجياد صالت داللية بني العنوان والنص‪ ..‬لكن على القارئ أن يبحث عن العالقة بني العنوان والنص‪،‬‬
‫ويبحث عن املرامي واملقاصد والعالقات الرمزية واإلحيائية‪ .‬فكثري من املبدعني كتبوا نصوصا بعناوين‬
‫غامض ة وبعي دة عن مض امينها‪ ،‬مث ل‪ :‬روالن ب ارت يف ( ‪ ،)S/Z‬وس ارتر يف( ‪.)les mots‬‬
‫وهك ذا‪ ،‬ف إذا ك ان ك ل عن وان حياول أن يلم" ش تات النص املع رب عن ه‪ ،‬ويلخص ك ل م اورد في ه من‬
‫وقائع وأحداث‪ ،‬وما تفاعل فيه من شخوص وأبطال يف نطاق الزمان واملكان‪ .‬أي‪ :‬داخل فضاء معني‬
‫أو فض اءات خمتلف ة؛ ف إن املؤلفني اليفلح ون دائم ا يف اختي ار العن اوين املع ربة عن حمتوي ات كتبهم‪ ،‬أو‬
‫الدالة على كل ما أرادوا قوله فيها‪ ،‬أو دالة على ما يراه املؤلف أساسيا‪ ،‬أو ذا قيمة خاصة بالنسبة‬
‫إليه‪ .‬وهذا مايؤكد أن كل كتاب أو كل نص أديب قابل ألن حيمل عنوانا مغايرا‪ ،‬أو تسمية أخرى‬
‫غري تلك اليت اختارها املؤلف"‪.171‬‬
‫ومن هن ا‪ ،‬نؤك د أن مثة عن اوين خمادع ة ومض للة للق راء‪ ،‬التع رب عن حمتوي ات أعماهلا‪ ،‬وال تص ور هلم‬
‫الداللة احلقيقية اليت ينطلق منها النص‪ ،‬مثل‪ :‬رواية حممد برادة( لعبة النسيان)‪ ،172‬أو روايته الثانية(‬
‫الضوء الهارب)‪ ،173‬حيث يصري العنوان جمرد تسمية من " تسميات كثرية ممكنة‪ .‬وهي على الرغم‬
‫من اختي ار املؤل ف ليس ت ملزم ة للق ارئ ال ذي من حق ه أن يق رتح للكت اب املق روء عنوان ا ب ديال أو‬
‫تسمية جديدة‪ ،‬قد تكون أكثر مالءمة وأصدق تعبريا عما يرغب املؤل ف يف إبالغ ه إىل املتلقي‪ ،‬أو‬
‫‪174‬‬
‫عما يتوصل إليه القارئ نفسه من خالل قراءته"‪.‬‬
‫ويعين هذا أن العنوان عتبة مركزية هامة يف حتليل النص وفهمه وتفسريه‪ ،‬مادام يهدف إىل استجالء‬
‫دالالت النص الظاهرة والباطنة‪.‬‬

‫‪ -‬إدريس الناقوري‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.75:‬‬ ‫‪171‬‬

‫‪ -‬حممد برادة‪ :‬لعبة النسيان‪ ،‬دار األمان‪ ،‬الرباط‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة الثالثة‪.1995 ،‬‬ ‫‪172‬‬

‫‪ -‬حممد برادة‪ :‬الضوء الهارب‪ ،‬نشر الفنك‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة الثانية‪1995 ،‬م‪.‬‬ ‫‪173‬‬

‫‪ -‬إدريس الناقوري‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.75 :‬‬ ‫‪174‬‬

‫‪72‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫المبحث الخامس‪ :‬منهجية مقاربة العنوان‬


‫عند دراسة العنوان‪ ،‬البد من تأطريه ضمن النص املوازي أو العتبات‪ ،‬أو ضمن هوامش النص كما‬
‫يع رب هــنري مــتران‪ .‬وه ذه العتب ات عب ارة عن ملحق ات حتي ط ب النص من الناحي ة الداخلي ة‪ ،‬أو من‬
‫الناحي ة اخلارجي ة‪ .‬وهي تنس ج خطاب ا ميتاروائي ا عن النص اإلب داعي‪ ،‬وترس ل ح ديثا عن اجملتم ع‬
‫والعامل‪ .‬ومهما تبدت مستقلة أو حمايدة‪ ،‬فإهنا شديدة االرتباط بالنص الروائي الذي تقف يف بوابته‬
‫ومداخله‪.‬‬
‫وترتكز مقاربتنا لعناوين النصوص الروائية على منهجية مبنية على أربع خطوات أساسية هي‪:‬‬
‫‪ -1‬البنية؛‬
‫‪ -2‬الداللة؛‬
‫‪ -3‬الوظيفة؛‬
‫‪ -4‬القراءة السياقية الداخلية واخلارجية‪.‬‬
‫ولقد اخرتنا هذه املنهجية؛ ألن العنوان يعكس لنا النص يف تضاريسه السطحية والعميقة‪ .‬ومن مث‪،‬‬
‫فالعنوان هو النص‪ ،‬والعالقة بينهما عالقة تفاعلية وجدلية‪ .‬وهو كذلك بؤرة النص وتيمته الكربى‬
‫اليت يتمحور حوهلا‪ .‬وما النص إال تكملة للعنوان‪ ،‬ومتطيط له‪ ،‬بالتوسع فيه‪ ،‬وتقليبه يف صيغ خمتلفة‪.‬‬
‫يشكل العنوان‪-‬إذًا‪ -‬خطابا أو نصا مستقال يف حد ذاته‪ .‬فهو نواة معنوية أساسية‪ .‬وكل ماتاله من‬
‫ملف وظ فه و عب ارة عن ش رح‪ ،‬وتوض يح ل ه‪ .‬وهك ذا‪ ،‬ف العنوان ال ذي يوج د يف أعلى الص فحة ه و‬
‫أس اس ك ل خط اب روائي‪ ،‬علي ه يب ىن النص‪ ،‬أو املش هد‪ ،‬أو الفص ل‪ ،‬أو القس م‪ ،‬أو املقط ع ال روائي‪،‬‬
‫بالتحوير‪ ،‬والشرح‪ ،‬والتمطيط‪ ،‬واإلسهاب يف املعىن وتفصيله حىت ميكن لنا القول‪ :‬تتلخص الرواية‬
‫يف العنوان؛ ألنه املركز‪ ،‬وماعداه حميط‪ .‬أما العالقة بينهما فهي عالقة جدلية بامتياز‪ ،‬تتمثل يف تفاعل‬
‫النص مع العنوان عرب االنسجام والتغريض الداليل‪ ،‬أوختييب أفق انتظار القارئ‪.‬‬
‫وننطل ق‪ ،‬يف ه ذا كل ه‪ ،‬من العن وان إىل النص‪ ،‬ومن النص إىل العن وان‪ ،‬مبراع اة الس ياقني‪ :‬ال داخلي‬
‫واخلارجي‪ ،‬وعرب القراءة املباشرة وغري املباشرة‪ ،‬مراعني مبدأ التأويل احمللي من جهة أوىل‪ ،‬ومقاصد‬
‫النص من جهة ثانية‪ ،‬ونوايا املبدع من جهة ثالثة‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫وإذا كنا نؤكد مدى نسبية هذه املقاربة العنوانية‪ ،‬فإن هناك من حياول أن يصفها بالعلمية اعتمادا‬
‫على معطي ات اللس انيات والس يميائيات‪ .‬فق د اص طلح على االهتم ام ب العنوان واالش تغال علي ه (‬
‫‪( )TITROLOGIE‬علم العنون ة) أو ( علم العن اوين)‪ ...‬ومن مث‪ ،‬ص ار العن وان موض وعا‬
‫لعدة مقاربات سوسيولوجية‪ ،‬وسيكولوجية‪ ،‬ولسانية‪ ،‬وسيميائية‪ ،‬ونقدية‪ ،‬حسب اختالف الرؤى‬
‫اإليديولوجية واملنظورات الذاتية واملوضوعية‪.‬‬
‫وميكن تقسيم العنوان منهجيا إىل العنوان اخلارجي ( العنوان الغاليف أو املركزي)‪ ،‬والعنوان األساسي‬
‫ال داخلي ( العن وان ال رئيس)‪ ،‬والعن وان الف رعي‪ ،‬والعن وان الفهرس ي‪.‬بينم ا يقس مه ج ريار ج نيت إىل‬
‫العنوان األساس‪ ،‬والعنوان الفرعي‪ ،‬وعنوان التعيني اجلنسي‪ .‬كما حيدد للعنونة أربع وظائف أساسية‬
‫هي‪ :‬اإلغراء‪ ،‬واإلحياء‪ ،‬والوصف‪ ،‬والتعيني‪.175‬‬
‫وعليه‪ ،‬البد عند مقاربة الرواية من استحضار عتبات النص املوازي بصفة عامة‪ ،‬وهوامش اخلطاب‬
‫الغاليف من واجهتيه األمامية واخللفية بصفة خاصة‪.‬‬

‫المبحث السادس‪ :‬تحقيب الرواية العربية عنوانيا‬


‫س نحاول يف ه ذا املبحث حتقيب الرواي ة العربي ة‪ ،‬وحتدي د حمطاهتا يف ض وء المقارب ــة العنواني ــة لفهم‬
‫مكوناهتا‪ ،‬وتبي ان مشخص اهتا الفني ة قص د حتليله ا وتفس ريها‪ .‬ولق د ص دق الب احث املغ ريب ش ــعيب‬
‫حليفي حينما قال بأن" دراسة عناوين الرواية العربية كخطاب هي دراسة تبسط مشهدا كامال يغري‬
‫باملتابع ة‪ ،‬وي دعو إىل اس تفتاء خصوص ياته ومكونات ه‪ ،‬مث وظيفت ه الوص ول إىل نت ائج ت دعو إىل حتلي ل‬
‫صارم للعنوان‪ ،‬باعتباره جزءا من املشهد الروائي املتميز يف الراهن الثقايف"‪.176‬‬

‫‪175‬‬
‫‪- G ;Genette :Seuils .COLLECTION Poétique, ED, SEUIL, PARIS 1987, p :‬‬
‫‪73-97.‬‬
‫‪ -‬شعيب حليفي‪ ( :‬النص املوازي للرواية‪-‬إسرتاتيجية العنوان‪ ،)-‬مجلة الكرمل‪،‬املغرب‪،‬ص‪.84:‬‬ ‫‪176‬‬

‫‪74‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫وكم كانت رغبيت ملحة وعارمة لالستجابة للنداء الذي أطلقه أحد الباحثني املغاربة حينما قال‪ ":‬إن‬
‫حتلي ل( الض وء اهلارب ) لل روائي املغ ريب حمم د ب رادة كعن وان‪ ،‬يف رض علين ا وض عه م ع جمموع ة من‬
‫العناوين األخرى للرواية املغربية‪ .‬أي‪ :‬نقوم بدراسة نسقية هلذه العناوين‪ ،‬وذلك على الشكل التايل‪:‬‬
‫‪ -‬جرد العناوين الروائية املغربية‪.‬‬
‫‪ -‬تصنيفها حبسب صياغتها‪ ،‬وحتديد أنواعها‪ ،‬والصيغ الغالبة‪ ،‬والصيغ الغائبة‪.‬‬
‫‪ -‬استخالص العناوين احلداثية منها‪.‬‬
‫‪ -‬حتديد مميزات العناوين احلداثية‪.177"....‬‬
‫وعلي ه‪ ،‬فال ميكن أن نض ع تيبولوجي ة ( ص نافة) لعن اوين املنت ال روائي املغ ريب‪ ،‬قب ل أن نض ع تص نيفا‬
‫عنواني ا للرواي ة العربية بصفة عام ة‪ ،‬نضع فيه ا عن اوين الرواي ة املغربي ة بغي ة فهمه ا وتفسريها مناصيا‬
‫ودالليا وإي ديولوجيا‪ .‬ومن مث‪ ،‬حندد أمناط العنون ة من خالل بناه ا الداللي ة والش كلية‪ .‬وهذا ماق ام ب ه‬
‫الباحث املغريب شعيب حليفي يف مقاله القيم(النص الموازي للرواية‪-‬إستراتيجية العنوان‪.)-‬‬
‫وإذا تأملنا النصوص السردية والروائية‪ ،‬فسنالحظ قطيعة وجتاوزا على مستوى تطور البنية العنوانية‬
‫عرب املراحل اليت قطعتها الرواية العربية على مدى عمرها الطويل على النحو التايل‪:‬‬
‫المطلب األول‪ :‬مرحلة الحكي العربي القديم‬
‫تعت رب األش كال الس ردية احلكائي ة القدمية أمناط ا روائي ة تراثي ة ( أل ف ليل ة وليل ة مثال) مبقياس نا الع ريب‬
‫األصيل‪ ،‬ال مبفاهيم الرواية األوربية احلديثة (رواية القرن التاسع عشر) اليت أوقعتنا يف التقليد واالنبهار‬
‫والتلفيقي ة والتج ريب رغب ة يف العوملة واحلداث ة‪ ،‬وإن ك ان ذل ك على حس اب األص الة‪ ،‬وال رتاث‪،‬‬
‫وال ذات‪ ،‬واهلوي ة‪ ،‬والفهم احلقيقي للشخص ية العربي ة‪ ،‬وفهم التواص ل احلض اري‪ ،‬ورب ط املاض ي‬
‫باحلاضر‪ .‬فهذه األمور هي الكفيلة بتحقيق قفزة حضارية‪ ،‬قوامها التوازن بني املاديات واألخالقيات‬
‫اإلسالمية‪.‬‬

‫‪ -‬مجال بوطيب‪ ( :‬العنوان يف الرواية املغربية)‪ ،‬الرواية المغربية‪ :‬أسئلة الحداثـة‪ ،‬دار الثقافة الدار البيضاء‪،‬الطبعة األوىل‪،‬‬ ‫‪177‬‬

‫‪1996‬م‪ ،‬ص‪.204 :‬‬

‫‪75‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬مرحلة الجهود الروائية األولى‬


‫تعد هذه املرحلة امتدادا للمرحلة الرتاثية األوىل‪ ،‬كما جند ذلك يف أعمال كل من حافظ إبراهيم يف(‬
‫ليــالي ســطيح)‪ ،‬واملويلحي يف ( حــديث عيســى بن هشــام)‪ ،‬ورفاعة الطهطاوي يف( تخليص اإلبريــز‬
‫في تلخيص بـ ــاريز)‪ ،‬وحمم د بن املؤقت املراكش ي(‪ )1949-1894‬يف ( الرحلـ ــة المراكشـ ــية أو‬
‫مرآة المساوئ الوقتية)‪.‬‬
‫و تع د ه ذه اجله ود‪ ،‬يف احلقيق ة‪ ،‬امت دادا ألل ف ليل ة وليل ة‪ ،‬وس رية عن رتة‪ ،‬وس يف بن ذي ي زن‪،‬‬
‫ومقامات بديع الزمان اهلمذاين أو احلريري‪ ،‬وكتاب ابن املقفع (كليلة ودمنة)‪ ،‬وابن بطوطة( تحفـة‬
‫النظار في غرائب األمصار وعجائب األسفار)‪ ،‬والشريف اإلدريسي( نزهــة المشــتاق في اخــتراق‬
‫اآلف ــاق)‪ .‬وهي تؤك د التواص ل احلض اري والف ين‪ ،‬ورب ط املاض ي باحلاض ر‪ .‬لكن ص دمة النهض ة‬
‫واالنبهار باحلضارة الغربية‪ ،‬والتهافت على اجلديد األديب‪ -‬ال التكنولوجي‪ ،-‬وتقليد رجل الغرب يف‬
‫طقوس ه وش كلياته وعادات ه‪ -‬ال يف عقليت ه االجتهادي ة وإبداع ه العلمي‪ ،-‬س بب ذل ك كل ه القطيع ة‬
‫الفكرية‪ ،‬واالنفصام احلضاري‪ ،‬وانفصال احلاضر عن املاضي على مستوى التخييل احلكائي واإلبداع‬
‫السردي‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬مرحلة التجنيس الفني للرواية العربية‬


‫م ع بداي ة الق رن العش رين‪ ،‬س ارت الرواي ة العربي ة على هنج الرواي ة األوربي ة يف متث ل قواع دها الفني ة‬
‫والتجنيسية‪ .‬ومن مث عرفت روايتنا العربية مجيع التيارات الغربية من كالسيكية‪،‬ورومانسية‪ ،‬وواقعية‪،‬‬
‫إخل‪ ...‬وذكرتنا بروايات فلوبري‪ ،‬وإميل زوال‪ ،‬وبلزاك‪ ،‬وستندال‪ ،‬وتولوستوي‪ ،‬ودويستفسكي‪ .‬وملا‬
‫فاز جنيب حمفوظ جبائزة نوبل‪ ،‬قال أحد القراء الغربيني‪ :‬لقد عاد إلينا بلزاك مرة أخرى‪ .‬وهذا يرتجم‬
‫موقف املشارقة القدمي من األندلسيني"هذه بضاعتنا ردت إلينا"‪.‬‬
‫يالحظ‪ -‬إذًا‪ -‬على هذه املرحلة مدى تقلي د الرواي ة العربي ة للرواي ة الغربية يف مض امينها‪ ،‬وأشكاهلا‬
‫الفنية‪ ،‬وتياراهتا األدبية؛ مما أوقع الرواية العربية يف شرك االحتذاء األعمى‪ ،‬والتجريب واالستهالك‪،‬‬

‫‪76‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫واالنقط اع عن ال رتاث ال روائي ب دال من حماول ة تط ويره امت دادا وتواص ال وإب داعا‪ ،‬ش كال ومض مونا‬
‫ورؤية‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬مرحلة الرواية العربية الجديدة‬


‫س عى أص حاب ه ذه املرحل ة إم ا إىل التح ديث ال روائي على غ رار الرواي ة الفرنس ية اجلدي دة( ‪le‬‬
‫‪ )nouveau roman‬ال يت ميثله ا ك ل من‪ :‬كل ود س يمون‪ ،‬وآالن روب ﮔريي ه‪ ،‬وريك اردو‪،‬‬
‫وميش يل بوت ور‪ ،‬وم ارﮔريت دورا‪ ،...‬ومتث ل طرائ ق رواي ة مابع د احلداث ة( ‪nouveau roman‬‬
‫‪ ) modern‬ال يت ك ان ميثله ا ك ل من فيليب س ولرز وجولي ا كريس تيفا بع د تط ور النق د احلديث‪،‬‬
‫وظهور مجاعة تيل كيل(‪ ،) TEL QUEL‬ومابعد البنيوية‪ ،‬وإما أهنم سعوا إىل التأصيل والبحث‬
‫عن شكل روائي عريب‪ .‬إال أهنم عادوا إىل الرتاث قصد استلهامه معارضة وحوارا وامتصاصا‪ ،‬وإعادة‬
‫بنائ ه يف أش كال ختييلي ة تناص ية‪ ،‬مثلم ا ك ان يفع ل إمي ل حبي يب‪ ،‬والطيب ص احل‪ ،‬وواس يين األع رج‪،‬‬
‫ومجال الغيط اين‪ ،‬وبنس امل محيش‪ ،‬وم ؤنس ال رزاز يف روايت ه (متاهـ ـ ــة األعـ ـ ــراب في ناطحـ ـ ــات‬
‫السراب)‪ ،178‬وروائيون آخرون‪.‬‬
‫وإذا عدنا إىل النصوص السردية العربية القدمية‪ ،‬فسنجد العناوين منقسمة إىل قسمني‪:‬‬
‫‪‬نوع يركز على الزمن‪ ،‬مثل‪ :‬ألف ليلة وليلة‪.‬‬
‫‪‬ن وع ث ان يرك ز على األسـ ــماء البطوليـ ــة‪ :‬عن رتة‪ ،‬وس يف بن ذي ي زن‪ ،‬وبن و هالل‪ ،‬ومحزة‬
‫البهلوان‪.....‬‬
‫ويتميز العنوان قدميا بعدة خاصيات ضابطة له‪ ،‬منها‪ :‬خاصية السجع‪ ،‬والطول‪ ،‬والتوازي اإليقاعي‪،‬‬
‫والطابع الفانطاستيكي‪ ،‬وتفريع العنوان األساسي‪.‬‬
‫وإذا انتقلنا إىل مرحلة اجلهود الروائية األوىل‪ ،‬فنالحظ هيمنة العنونة الرتاثية بغية ربط احلاضر باملاضي‬
‫احلضاري‪ ،‬والسيما يف مرحلة القرن التاسع عشر‪ ،‬بل ميتد ذلك حىت حدود األربعينيات من القرن‬
‫العش رين (رواي ات حمم د بن املوقت املراكش ي مثال)؛ إذ ج اءت العن اوين امللص قة بالرواي ات على‬
‫النمط احلكائي التقليدي‪.‬‬
‫وليس هذا االحتذاء تقليدا أو اجرتارا لقوالب الرتاث العريب القدمي‪ -‬كما يعتق د شعيب حليفي‪،179-‬‬
‫بل رغبة يف استكمال مسرية تطور الرواية العربي ة منوا وامتدادا وتواصال‪ .‬لذا‪ ،‬اعتمدت الطول يف‬
‫‪ -‬مؤنس الرزاز‪ :‬متاهة األعراب في ناطحات السراب‪ ،‬املؤسسة العربية للدراسات والنشر‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪1986 ،‬م‪.‬‬ ‫‪178‬‬

‫‪ -‬شعيب حليفي‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.87 :‬‬ ‫‪179‬‬

‫‪78‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫الكتابة اجلملية‪،‬والتسجيع يف إثارة القارئ وتشويقه إيقاعيا‪ .‬عالوة على ظاهرة التناص اليت تتحكم‬
‫يف هذه العناوين حماكاة للسرد العريب القدمي‪.‬‬
‫ويالحظ أن الرواية احلديثة يف العامل العريب‪ ،‬منذ ظهور ( زينب) حملمد حسني هيكل(‪ ،)1914‬أو‬
‫(األجنحــة المتكســرة) جلربان خلي ل جربان‪ ،‬قد اعتم دت ‪ -‬منطي ا‪ -‬العنون ة الكالس يكية أوالتقليدية‬
‫اليت كانت مرآة تشخيصية للذات أو الواقع أو املرجع التارخيي‪.‬‬
‫لذا‪ ،‬كانت اهليمنة ألمناط عنوانية ثالثة‪:‬‬
‫‪‬العنونــة الفضــائية ال يت تش خص املك ان‪ ،‬وجتس د الواق ع املوض وعي والفض اء بك ل عوامله األص يلة‬
‫واملوبوءة( روايات جنيب حمفوظ وعبد الرمحن الشرقاوي الواقعية)‪.‬‬
‫‪‬العنونــة التجريديــة ال يت تش خص ال ذات‪ ،‬وجترد القيم املثالي ة‪،‬وترص د احلب الطوب اوي‪ ،‬كم ا ه و‬
‫الش أن يف الرواي ة الرومانس ية(األجنح ة املتكس رة جلربان‪ ،‬وزينب هليك ل‪ ،‬ورواي ات ك ا من‪ :‬يوس ف‬
‫الس باعي‪ ،‬وإحس ان عب د الق دوس‪ ،‬وعب د احلليم عب د اهلل‪ ،‬واملنفل وطي‪...،‬إخل)‪ .‬وينطب ق ه ذا احلكم‬
‫كذلك على جمموعة من السري الذاتية‪.‬‬
‫‪‬العنون ــة الوثائقي ــة يف الرواي ات اإلخباري ة والتارخيي ة والوطني ة والقومي ة‪ ،‬مث ل‪ :‬رواي ات ج ورجي‬
‫زيدان‪ ،‬وجنيب حمفوظ يف مرحلته األوىل‪ ،‬وخاصة يف رواية (كفاح طيبة)‪ ،‬ورواية (رادوبيس)‪.‬‬
‫و إىل ج انب ه ذه األمناط العنواني ة‪ ،‬نس جل طغي ان ظ ــاهرة األس ــماء العلمي ــة ( أنثوي ة ك انت أم‬
‫ذكورية) على املنتج الروائي الذي ظهر ما بني ‪ 1914‬و‪1960‬م‪ ،‬وشكل ما يسمى بالرواية الفنية‬
‫احلديثة‪ ،‬مثل‪ :‬رواية ( زينب) حملمد حسني هيكل‪ ،‬و( ثريا) لعيسى عبيد(‪1922‬م)‪ ،‬ورواية( رجب‬
‫أفندي) حملمود تيمور (‪ 1928‬م)‪ ،‬وسرية( أديب) لطه حسني( ‪ ،)1935‬ورواية( حواء بال آدم)‬
‫لط اهر الش ني(‪1934‬م)‪ ،‬و(ســارة) للعق اد (‪1938‬م)‪ .‬ونكتفي هبذه النم اذج‪ ،‬لنق ول ب أن "الس مة‬
‫الغالبة يف هذه املرحلة للعناوين هي سيادة األمساء بالدرجة األوىل‪ .‬وذلك راجع إىل سيادة البطولة‬
‫املطلقة‪ ،‬وروح الفردية‪ ،‬وهو مايشري إىل بداية الرواية األوربية كما حتدث عنها كوزينوف‪ ،‬ومارت‬
‫روبري‪ ،‬ومحلها ألمساء أبطاهلا( دونكيشوت‪ ،‬تيل‪ ،‬كروز‪ .)...‬فهذا النوع من العناوين اليت سادت يف‬
‫مرحل ة كامل ة ك ان من أج ل إع ادة االعتب ار للف رد‪ ،‬باإلض افة للمك ان ال ذي حفلت ب ه عن اوين‬

‫‪79‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫أخرى( عند البستاين والطهطاوي وفرح أنطون وتوفيق احلكيم‪ .)...‬فقد ساد اإلحساس بالغربة عن‬
‫الذات واملكان‪ ،‬وهو يؤكد أن احتشاد االنكسار الفادح الذي كان يتخفى حتت إهاب الكلمات‬
‫عكسته العن اوين‪ ،‬فج اءت على وترية واحدة لتخلق مس تويات متعددة املع اين‪ ،‬تفيض بآالم الذات‬
‫العربية اليت اختارت هذا اجملال كوسيلة للتعبري عن األسى‪ ،‬والرعب الذي استجمع قواه لرؤية اهنيار‬
‫العدي د من القيم‪ .‬يف حني‪ ،‬أن العن وان يف اخلط اب ال روائي احلديث يش كل إس رتاتيجية خاص ة هلا‬
‫خصوصيات ومكونات تدخل يف إطار التجريب‪ ،‬انطالقا من استفادهتا من الركام الكالسيكي من‬
‫جهة‪ ،‬مث الوعي بأمهية العنوان وتغرياته من جهة ثانية‪"180 .‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬فقد أصبح العنوان يف الرواية الفنية احلديثة يتسم بعدة خصائص‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ -1‬تشخيص الذات والواقع واملرجع التارخيي والرمزي؛‬
‫‪ -2‬االختصار والوضوح؛‬
‫‪ -3‬دقة العنوان ونفاذه؛‬
‫‪ -4‬ارتباط العنوان بالنص مباشرة؛‬
‫‪ -5‬االشتمال ملكونات العمل ودالالته ومقاصده؛‬
‫‪ -6‬تكثيف املعىن واختزاله يف كلمات معدودة؛‬
‫‪ -7‬تذييل العنوان األساسي بالعناوين الفرعية املشوقة للقارئ؛‬
‫‪ -8‬التلخيص االستباقي؛‬
‫‪ -9‬اإلحيائية اجملازية والرمزية؛‬
‫‪-10‬االستفادة من تقنيات الـﮔرافيك واللون واحليز املكاين؛‬
‫‪-11‬إثارة انتباه القارئ عرب عنونة الفصول واملقاطع النصية‪.‬‬
‫و مل تقتصر الرواية العربية احلديثة‪ ،‬يف بنيتها العنوانية‪ ،‬على الصورة اللغوية والبنية احلرفية التقريرية‬
‫املباش رة‪ ،‬ب ل جتاوزهتا إىل الص ورة البص رية‪ ،‬على غ رار العن اوين الس ينمائية ذات الوظ ائف اإلحيائي ة‬
‫والس يميولوجية‪ .‬فق د حرص ت الس ينما احلديث ة على" اختي ار عناوينه ا من كلم ة أو كلم تني أو من‬

‫‪ -‬شعيب حليفي‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.88:‬‬ ‫‪180‬‬

‫‪80‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫حرف‪ .‬أما السينما اليت اعتمدت الروايات البوليسية وأعمال اخليال العلمي‪ ،‬فإن مكوناهتا ظلت كما‬
‫هي حتتفظ بالعنوان احلدثي املؤسس لبؤرة الرواية قصد تزكية العنوان البصري( الصورة)‪ .‬كما أن‬
‫س ينما اخلي ال العلمي ظلت تنح و منحى تتخ ذ في ه الزم ان واملك ان مك ونني للعن وان‪ ،‬قص د اإلحياء‬
‫الوظيفي‪ ،‬وأداء مهمة حتيل على املستقبل‪.‬‬
‫نستنتج ‪ -‬إذًا‪ -‬أن العنوان الفين يتميز خبصائص حمددة متيل حنو ماهو بالغي يف حماولة التقاط جوهر‬
‫الش يء‪ ،‬وليس الش يء يف ذات ه‪ :‬عن اوين س ريالية متي ل حنو م اهو اس تعاري‪ ،‬وت ؤدي وظ ائف متع ددة‬
‫ومرتاكبة يف آن‪".181‬‬
‫ومتت از العن اوين يف الرواي ة الكالس يكية‪ ،‬أو الرواي ة الفني ة احلديث ة‪ ،‬خباص ية االنس جام على مس توى‬
‫مظاهر القصة( األحداث‪ -‬الشخصيات‪ -‬الفضاء) من جهة‪ ،‬وعلى مستوى مظاهر اخلطاب(الرؤية‪-‬‬
‫الصيغة‪ -‬الزمن) من جهة أخرى‪.‬‬
‫غ ري أن العن اوين يف الرواي ة العربي ة اجلدي دة ال يت ظه رت م ع الس تينيات من الق رن املاض ي تبتع د عن‬
‫العن اوين الكالس يكية على مس توى البني ة‪ ،‬والدالل ة‪ ،‬والوظيف ة‪ .‬واهلدف من ذل ك كل ه ه و حتقي ق‬
‫التجريب‪ ،‬والعصرنة‪ ،‬والعوملة‪ ،‬والتأصيل‪.‬‬
‫لذا‪ ،‬فلقد اختذت العنونة احلداثية يف الرواية اجلديدة مسلكني عنوانيني‪ :‬املسلك األول يريد الدخول‬
‫إىل العوملة اإلبداعية‪ ،‬باالستفادة من تقنيات الغرب‪ ،‬ومتثل طرائق الرواية الغربية‪ ،‬واستيحاء أمناطها‬
‫السردية‪ ،‬واستيعاب تشكيالهتا الفنية‪.‬أما املسلك الثاين‪ ،‬فريغب يف حتقيق املعاصرة‪ ،‬باالستفادة من‬
‫الرتاث‪ ،‬وحماورته معارضة وحتريفا وسخرية بارودية‪ ،‬ومتثل سروده القدمية بطريقة تناصية وتفاعلية‬
‫على النحو التايل‪:‬‬
‫أ‪-‬العنونة التجريبية رغبة يف التحديث‪.‬‬
‫ب‪-‬العنونة الرتاثية رغبة يف التأصيل‪.‬‬
‫ولقد ظهرت العنونة احلداثية مع الرواية اجلديدة منذ ستينيات القرن املاضي‪ ،‬وقبل ذلك بقليل؛ إذ‬
‫كتب املس عدي‪ ،‬يف منتص ف اخلمس ينيات بت ونس‪ ،‬رواي ة تراثي ة عنواهنا(حــدثني أبــو هريــرة فقــال)‪.‬‬

‫‪ -‬شعيب حليفي‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.89:‬‬ ‫‪181‬‬

‫‪81‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫وبذلك‪ ،‬فقد ابتعدت هذه العنونة احلداثي ة عن العناوين التقليدية املباشرة‪ ،‬وأسست لنفسها إيهاما‬
‫يوحي بالغواية والتأويل املغاير‪ .‬عالوة على شاعرية تنفلت من اجلملة ومدى اتساعها الداليل‪.182‬‬
‫وهك ذا‪ ،‬يتج اوز العن وان احلداثي ‪ -‬جتريب ا وتأص يال‪ -‬بني ة اجلمل ة العنواني ة إىل بني ة النص‪ ،‬حينم ا‬
‫يستصحب العنوان الرئيس العنوان الفرعي‪ ،‬كما يف رواية جميد طوبيا ( تغريبة بني حتحوت إلى بالد‬
‫الشـ ــمال‪ ،‬حيث المالحم العظيمـ ــة والحـ ــوادث الجسـ ــيمة وخـ ــوض األهـ ــوال وانقالب األحـ ــوال‬
‫‪183‬‬
‫وتسلط الفأر على القط وركوع األسد للقرد)‪.‬‬
‫ومل يكتف العنوان بالصورة اللغوية‪ ،‬بل اعتمد كذلك على الصورة البصرية التجريدية ذات الوظائف‬
‫السيميولوجية‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬فلقد هيمنت الصورة‪ -‬الرؤيا( الرمز‪ -‬األسطورة‪ -‬الفانطاستيك‪-‬‬
‫املفارقة) على معظم عناوين الرواية اجلديدة؛ إذ أصبحت هلذه البنية العنوانية وظائف أخرى جديدة‪،‬‬
‫تتطلب قارئا ذكيا يوظف الذهن أكثر من الوجدان‪ ،‬ملما بتقنيات الرواية احلديثة‪ ،‬ومستوعبا لطرائق‬
‫الكتابة الرتاثية‪ ،‬ومنفتحا على الرواية العاملية‪ ،‬ومطلعا على مناهج النقد احلديث‪ ،‬كالشعرية‪ ،‬والبنيوية‪،‬‬
‫والسيميوطيقا‪ ،‬ونظريات التأويل والتفكيك‪.‬‬
‫نقول بكل اختصار‪ :‬لقد عمدت عناوين الرواية اجلديدة إىل التجريب قصد حتقيق احلداثة والعاملية‪،‬‬
‫وعم دت أيض ا إىل التأصــيل قص د التواص ل م ع ال رتاث‪ ،‬واالنفت اح علي ه‪ ،‬وتطعيم ه مبف اهيم جدي دة‪،‬‬
‫وإش باعه بتص ورات معاص رة‪ ،‬بع د القطيع ة ال يت ش هدهتا الرواي ة العربي ة إب ان انفتاحه ا على الغ رب‬
‫السترياد أشكال روائية‪ ،‬واسرتفاد تقنيات حديثة تقليدا وانبهارا واقتباسا ومتصريا‪.‬‬
‫وهذا كله عن الرواية العربية مبحطاهتا الكالسيكية والتجديدية‪ .،‬فماذا عن الرواية املغربية؟‬

‫‪ -‬شعيب حليفي‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.99 :‬‬ ‫‪182‬‬

‫‪ -‬جميد طوبيا‪ :‬تغريبة بني حتحوت‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬الطبعة األوىل‪1988 ،‬م‪.‬‬ ‫‪183‬‬

‫‪82‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫المبحث السابع‪ :‬تصنيف الرواية المغربية عنوانيا‬


‫ميكن تصنيف الرواية املغربية عنوانيا على الشكل التايل‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬العنونة التراثية في األشكال الروائية األولى(‪)1956-1930‬‬


‫تتمث ل يف النم اذج ال يت تس توحي بنيته ا الس ردية من الرحل ة‪ ،‬واملقام ة‪ ،‬واملن اقب‪ ،‬كم ا يف( الرحلــة‬
‫المراكش ـ ــية أو م ـ ــرآة المس ـ ــاوئ الوقتي ـ ــة) حملم د بن املوقت(‪ ،)1960‬و( ط ـ ــه) حلم د احلس ن‬
‫السكوري(‪ ،)1941‬و(الزاوية) للتهامي الوزاين(‪.)1992‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬العنونة الكالسيكية في الرواية الفنية الحديثة(‪)1970 -1956‬‬


‫تنقسم العنونة يف الرواية الفنية املغربية إىل أنواع عدة‪:‬‬
‫‪‬العنونة التاريخية‪ :‬كما يف رواية ( وزيــر غرناطــة) لعبد اهلادي بوطالب‪ ،‬و( المعركــة الكــبرى)‬
‫حلمد أمشاعو‪...‬‬
‫‪‬العنونـ ــة الرومانسـ ــية‪ :‬كم ا يف ( ضـ ــحايا حب) حملم د بن الته امي‪ ،‬و(المـ ــرأة والـ ــوردة) حملم د‬
‫زفزاف‪...‬‬
‫‪‬العنونة الواقعية‪ :‬كما يف رواية ( دفنا الماضي) لعبد الكرمي غالب‪....‬‬

‫المطلب الث ــالث‪ :‬العنون ــة الحداثي ــة في الرواي ــة المغربي ــة الجدي ــدة(‪ -1971‬إلى يومن ــا‬
‫هذا)‬
‫ومتثل هذه العنونة جمموعة من النصوص الروائية ذات السمات واخلصائص التالية‪:‬‬
‫‪‬العنونة الرمزية‪ :‬يف روايات عديدة كما يف(رفقة السالح والقمر) ملبارك ربيع‪ ،‬و( املباءة) حملمد‬
‫عزالدين التازي‪...‬‬

‫‪83‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫‪‬العنونة المجازية ‪ :‬كما يف رواية ( رحيل البحر) حملمد عز الدين التازي‪ ،‬و( الضوء اهلارب) حملمد‬
‫برادة‪....‬‬
‫‪‬العنون ــة الش ــاعرية‪ :‬تك ثر يف رواي ات أمحد املديين‪ ،‬والس يما يف روايتي ه( وردة لل وقت املغ ريب)‬
‫و( زمن بني الوالدة واحللم)‪...‬‬
‫‪‬العنونة العجائبية ‪ :‬مثل‪( :‬مساسرة السراب) لبنسامل محيش‪ ،‬و(أحالم بقرة) حملمد اهلرادي‪...‬‬
‫‪‬العنونة األسطورية ‪ :‬كما يف رواية ( بدر زمانه) ملبارك ربيع‪...‬‬
‫‪‬العنونة التاريخية‪ /‬التراثية‪ :‬كما يف رواية ( جمنون احلكم) و(العالمة) لبنسامل محيش‪ ،‬و( جارات‬
‫أيب موسى) ألمحد توفيق‪.....‬‬
‫ويالح ظ على ه ذه العنون ة احلداثي ة أهنا جتم ع بني جتريب تقني ات الرواي ة الغربي ة‪ ،‬وتأص يل الرواي ة‬
‫املغربية عن طريق االستفادة من الرتاث‪ ،‬واستلهام قوالبه معارضة وحماورة وتعلقا‪ ،‬كما عند بنسامل‬
‫محيش‪ ،‬ومبارك ربيع‪ ،‬وشغموم امليلودي‪ ،‬وحممد اهلرادي‪ ،‬وحممد الشركي‪...‬‬

‫وخالصة القول‪ ،‬تلكم ‪ -‬إذًا‪ -‬نظرة موجزة إىل العنوان بنية‪ ،‬وداللة‪ ،‬ومقصدية‪ .‬وتلكم كذلك نظرة‬
‫مقتضبة إىل عالقة العنوان بالنص املوازي والعمل اإلبداعي‪ .‬وتلكم كذلك أهم مسات العنوان البنيوية‬
‫والداللية والوظيفية يف ضوء تطور الرواية العربية بصفة عامة‪ ،‬وتطور الرواية املغربية بصفة خاصة‪.184‬‬

‫‪ -‬لالستزادة من املعلومات حول العنوان انظر‪ :‬مجيل محداوي‪( :‬السميوطيقا والعنونة)‪ ،‬عالم الفكر‪ ،‬الكويت‪ ،‬اجمللد ‪،25‬‬ ‫‪184‬‬

‫العدد ‪ ،3‬يناير ومارس‪1997،‬م‪ ،‬صص‪.112-79:‬‬

‫‪84‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫الفصــل السابــع‪:‬‬

‫عتب ـ ـ ــة اإله ـ ـ ــداء‬

‫‪85‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫يرفق كثري من الكتاب والشعراء واملبدعني نصوصهم اإلبداعية بذكر اإلهداء‪ ،‬باعتباره‬
‫نص ا موازي ا للعم ل األديب‪ ،‬يق دم النص‪ ،‬ويعلن ه‪ ،‬وي ؤطر املع ىن‪ ،‬ويوجه ه س لفا‪ .185‬وق د‬
‫يعتقد البعض أن اإلهداء عالمة لغوية ال قيمة هلا‪ ،‬وال أمهية هلا يف فهم النص وتفسريه‪ ،‬أو‬
‫تفكيكه وتركيبه‪ ،‬بل هي إشارة شكلية جمانية أو ثانوية ال عالقة هلا بالنص‪ ،‬وال ختدمه ال‬
‫من ق ريب‪ ،‬وال من بعي د‪ .‬بي د أن الش عرية احلديث ة (‪)Poétique‬أع ادت االعتب ار لك ل‬
‫املصاحبات النصية أو العتبات احمليطة بالنص اليت تشكل ما يسمى بالنص املوازي‪.‬وأصبح‬
‫من الض روري‪ ،‬قب ل ال دخول يف النص‪ ،‬الوق وف عن د عتبات ه‪ ،‬ومس اءلتها بش كل عمي ق‬
‫ودقيق قصد حتديد بنياهتا‪ ،‬واستقراء دالالهتا‪ ،‬ورصد أبعادها الوظيفية‪ .‬ألن الشكل مهما‬
‫كان عتبة‪ ،‬أو تعبريا‪ ،‬أو صياغة‪ ،‬أو مادة مطبعية‪ ،‬حيمل دالالت معينة‪ ،‬يقصدها املبدع أو‬
‫ال يقص دها‪ .‬وتؤخ ذ ه ذه ال دالالت الش كلية بعني االعتب ار يف ق راءة النص اإلب داعي‬
‫وتأويله تشرحيا وتركيبا‪.‬‬
‫إذًا‪ ،‬م ا اإله داء لغ ة واص طالحا؟ وم ا تارخيه الغ ريب والع ريب؟ وم ا أهم الدراس ات ال يت‬
‫اهتمت باإله داء بني ة ودالل ة ووظيف ة؟ وم ا مكون ات اإله داء؟ وم ا املقارب ة املنهجي ة‬
‫الصاحلة لدراسة اإلهداء يف عالقته بالعمل من جهة‪ ،‬وارتباطه بالنص من جهة أخرى؟‬

‫‪ -‬شربل داغر‪ :‬الشعرية العربية الحديثة‪ ،‬دار توبقال للنشر‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،1988 ،‬ص‪:‬‬ ‫‪185‬‬

‫‪.22‬‬

‫‪86‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫المبحث األول‪ :‬مفه ــوم اإله ـ ــداء‬

‫يرتبط اإلهداء‪ ،‬يف اللغة العربية‪ ،‬باهلدية‪ ،‬واهلبة‪ ،‬والعطاء‪ ،‬والتربع‪ ،‬والكرم‪ ،‬واجلود‪ .‬ويف‬
‫هذا الصدد‪ ،‬يقول ابن منظور يف لسان العرب‪ ":‬أهديت اهلدي إىل بيت اهلل إهداء‪.‬وعليه‬
‫هدية‪ .‬أي‪ :‬بدنة‪.‬الليث وغريه‪ :‬ما يهدى إىل مكة من النعم وغريه من مال أو متاع‪ ،‬فهو‬
‫هدي وهدي‪ ،‬والعرب تسمى اإلبل هديا‪ ،‬ويقولون‪ :‬كم هدي بين فالن؛ يعنون اإلبل‪،‬‬
‫‪186‬‬
‫مسيت هديا ألهنا هتدى إىل البيت‪"...‬‬
‫ويقص د باإله داء م ا يرس له الك اتب أو املب دع إىل الص ديق‪ ،‬أو احلبيب‪ ،‬أو الق ريب‪ ،‬أو‬
‫الزميل‪ ،‬أو املبدع‪ ،‬أو الناقد‪ ،‬أو إىل شخصية هامة‪ ،‬أو مؤسسة خاصة أو عامة‪ ،‬يف شكل‬
‫هدية‪ ،‬أو منحة‪ ،‬أو عطية رمزية أو مادية‪ .‬واهلدف من ذلك هو تأكيد عالقات األخوة‪،‬‬
‫وخلق صالت املودة‪ ،‬وتقوية عرى احملبة‪ ،‬ومتتني وشائج القرىب‪ ،‬وعقد روابط الصداقة‪،‬‬
‫ونسج خيوط التعارف‪ ،‬مع تبادل اهلدايا الرمزية واملشاعر الرقيقة‪ ،‬سواء أكان املهدى إليه‬
‫شخصية أم مجاعة‪ ،‬واقعية أم متخيلة‪.187‬‬
‫وقد يقرتن اإلهداء باهلدية من جهة‪ ،‬أو بلحظة البيع والتوقيع من جهة أخرى‪.‬‬
‫وإذا تأملن ا اإله داء ‪ -‬وخاص ة يف اخلطاب ات التخييلي ة الس ردية أو الش عرية‪ -‬فإنن ا نلفي‬
‫انتق اال من األن ا حنو اآلخ ر‪ ،‬فتتح ول الكتاب ة اإلبداعي ة إىل ممر وس يط بني األن ا واهلو‪ ،‬يف‬
‫إط ار ميث اق تواص لي بني األن ا والغ ري‪ ،‬يق وم على احملب ة والص داقة‪ ،‬أو العالق ة احلميم ة‬
‫الوجداني ة املش رتكة‪ ،‬أو على تب ادل القيم الفني ة والرمزي ة نفس ها ال يت جيس دها العم ل‬
‫األديب‪.‬ومن مث‪ ،‬يع د اإله داء مبثاب ة كتاب ة رقيق ة‪ ،‬ق د تك ون نثري ة أو ش اعرية‪ ،‬تقريري ة أو‬

‫‪ -‬ابن منظ ور‪ :‬لســان العــرب‪ ،‬اجلزء اخلامس عش ر‪ ،‬دار ص بح‪ ،‬ب ريوت‪ ،‬لبن ان‪ ،‬أديس وفت‪ ،‬ال دار البيض اء‪،‬‬ ‫‪186‬‬

‫املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪2006‬م‪.‬ص‪.59:‬‬


‫‪- Gérard Genette : Seuils,collection poétique, éd. .Seuil, 1987, p :‬‬
‫‪187‬‬

‫‪110.‬‬

‫‪87‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫إحيائية‪ ،‬توجه إىل املهدى إليه الذي قد يكون فردا معروفا‪ ،‬أو جمهوال‪ ،‬أو مجاعة معينة أو‬
‫غري معينة‪.‬‬
‫وعلي ه‪ ،‬يع د اإله داء‪ -‬حس ب الب احث املغ ريب بنعيس ى بومحال ة‪ "-‬تقلي دا ثقافي ا ينم‪ ،‬بال‬
‫شك‪ ،‬عن لباقة أخالقية إن مل تكن واجبة فهي‪ ،‬على األقل‪ ،‬مستحبة‪.‬فهو شبيه بالتقريظ‬
‫ال ذي ك ان معم وال ب ه يف العص ور األدبي ة العربي ة القدمية‪ ،‬ولكون ه من خارجي ات النص‬
‫املهدى إىل اسم معني أو إىل جهة خمصوصة‪ ،‬فقد كان جيري هتميشه والقفز عليه‪ ،‬وذلك‬
‫اعتقادا يف الجدوى املردودية يف االستيعاب الوايف واملستدق لألعمال األدبية‪ .‬سيحظى‬
‫اإلهداء بعناية البحث األديب لريتفع بذلك من نطاق املمارسة الرمزية‪ ،‬الباذخة‪ ،‬واملزيدة‪،‬‬
‫إىل مس توى الفع ل الكت ايب ال دال واحلائز على مش روعية الت وازي م ع النص ال ذي يتم‬
‫إهداؤه‪.‬فمادام العنوان ميتلك وظائفه‪ ،‬فإن لإلهداء وظائفه‪ ،‬اليت يتكفل هبا‪ ،‬هو اآلخر‪،‬‬
‫انطالقا من موقعه وصيغته‪ ،‬وارتكازا كذلك على حمتوى وإرساليته ونوعية املرسل إليه‪.‬‬
‫وألن اإله داء ينتمي إىل خان ة املوازي ات النص ية اإلرادي ة‪.‬أي‪ :‬ال يت تق ع حتت مس ؤولية‬
‫املب دع‪ ،‬فلع ل ه ذا م ا مينح ه ط ابع مس لك رم زي مفك ر في ه‪ ،‬متقص د‪ ،‬ومتوق ع ل ه إبالغ‬
‫املهدى إليه‪،‬وضمنيا اجلمهور والقارئ الواسع‪ ،‬إشارة خاصة حول عالقة املبدع املهدي‪،‬‬
‫أو النص املهدى‪ ،‬باملهدى إليه‪ ،‬وكلما قلت فإن إهداء العمل األديب هو امللصق الصادق‬
‫أوال اخلاص بعالق ة م ا على ه ا النح و أو ذاك ترب ط بني املب دع وبني بعض األش خاص أو‬
‫اجملموعات أو الكيانات املعنوية‪"188.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فاإلهداء تقليد ثقايف وفين‪ ،‬يدخل املبدع أو املؤلف بواسطته مع املتلقي أو القارئ‬
‫يف عالق ة وجداني ة محيم ة‪ ،‬قوامه ا التواص ل العالئقي البن اء واهلادف إنس انيا‪ ،‬سواء أك ان‬
‫سياسيا أم اجتماعيا أم ثقافيا أم فنيا أم أدبيا‪.‬‬

‫‪ -‬بنعيسى بومحالة‪ :‬أيتام سومر في شعرية حسب الشيخ جعفر‪ ،‬دار توبقال للنشر‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪،‬‬ ‫‪188‬‬

‫الطبعة األوىل سنة ‪2009‬م‪ ،‬ص‪.66:‬‬

‫‪88‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬تاريـ ــخ اإلهـ ــداء‬


‫تع د ظ اهرة اإله داء ظ اهرة ثقافي ة وفكري ة قدمية ق دم الكت اب‪ ،‬فق د ارتبطت ب ه ارتباط ا‬
‫وثيقا‪ ،‬سواء أكان ذلك الكتاب مسودة أم خمطوطة أم مطبوعة أم مدونة رقمية‪ .‬وهذا ما‬
‫تؤك ده حفري ات الكت اب‪ .‬وي رى ج ريار ج نيت(‪ ) G. Genette‬أن ج ذور اإله داء‬
‫تع ود‪ ،‬على األق ل‪ ،‬إىل اإلمرباطوري ة الروماني ة القدمية‪ .‬فق د ع ثر الب احثون على نص وص‬
‫وأعم ال ش عرية مقرتن ة بإه داءات خاص ة وعام ة‪ ،‬والس يما إذا حتدثنا عن إه داء‬
‫النسخة‪ .189‬وقد ازداد إهداء النسخة غىن وانتشارا وتداوال‪ ،‬وأصبح ظاهرة الفتة لالنتباه‬
‫يف العصور الكالسيكية‪ ،‬وأصبح الغالف يف القرن السادس عشر " يتضمن باإلضافة إىل‬
‫اس م املؤل ف‪ ،‬وعن وان الكت اب‪ ،‬ومك ان الطب ع‪ ،‬وس نة الطب ع‪ ،‬بعض املعطي ات األخ رى‪،‬‬
‫كاس م م وزع الكت اب‪ ،‬وبعض اإله داءات الطويل ة‪ ،‬والتفس ريات املختلف ة‪ ،‬حتت العن وان‬
‫والرسوم اليت كانت تزداد غىن مع الوقت‪ ،‬وإشارة الطابع أو إشارة الناشر"‪.190‬‬
‫وقد أصبح اإلهداء يف الكتابات الغربية حىت القرن التاسع عشر ملفوظا إهدائيا مستقال‬
‫بنفسه‪ ،‬يف شكل عبارة عامة أو مجلة إهدائية خمتصرة ومقتضبة‪ .‬ويف الوقت نفسه‪ ،‬هناك‬
‫إه داءات ك انت ت رد يف ش كل خط اب طوي ل ومفص ل‪ .‬عالوة على ذل ك‪ ،‬ي رى ج ريار‬
‫جنيت أن اإلهداء تقليد فيودايل (إقطاعي) من ناحية‪ ،‬ورعاية بورجوازية وبروليتارية من‬
‫ناحية أخرى‪.191‬‬
‫وبع د أن ك ان اإله داء موجه ا إىل املل وك والرؤس اء والنبالء والشخص يات الكب رية يف‬
‫اجملتمع‪ ،‬أصبح اإلهداء يف العصر احلديث يوجه إما بطريقة ذاتية إىل املبدع نفسه‪ ،‬أو إىل‬
‫من حيبه الكاتب أو املبدع‪ ،‬وإما يوجهه إىل من يكرهه‪ .‬وقد أعلن بلزاك(‪ ،)Balzac‬يف‬
‫القرن التاسع عش ر امليالدي‪ ،‬هناية زمن اإلهداء‪ ،‬حينما قال‪ ":‬ســيدتي‪ ،‬لقــد انتهى زمن‬

‫‪189‬‬
‫‪- Gérard Genette : Seuils p : 110.‬‬
‫‪ -‬ألكسندر ستيبتشفيتش‪:‬تاريخ الكتاب‪ ،‬اجلزء الثاين‪ ،‬عامل املعرفة‪،‬الكويت‪ ،‬العدد ‪ ،170‬ص‪.228 :‬‬ ‫‪190‬‬

‫‪- Gérard Genette :Ibid : 112.‬‬


‫‪191‬‬

‫‪89‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫اإلهداءات"‪ ، 192‬على الرغم من كونه من أكثر الكتاب الغربيني اهتماما باإلهداء يف جل‬
‫رواياته الواقعية‪.193‬‬
‫وق د حنا مونتيس كيو (‪)Montesquieu‬منح اه ال رافض للكتاب ة اإلهدائي ة يف‬
‫كتابه( أفكار‪ ،)Pensées/‬حيث نص قائال‪ ":‬لن أكتب رسالة إهــداء‪ :‬ألن من يجعــل‬
‫مهمته قول الحقيقة‪ ،‬ال ينبغي عليه أن يلتمس حماية على األرض"‪.194‬‬

‫ويعين هذا كله أن هناك ما يسمى باإلهداء الكالسيكي واإلهداء املعاصر‪ ،‬فاألول مرتبط‬
‫بالشخص يات املتم يزة سياس يا واجتماعي ا واقتص اديا وديني ا‪ ،‬والث اين مرتب ط بالشخص يات‬
‫العادية اليت حيبها الكاتب‪ ،‬سواء أكانت واقعية أم متخيلة‪...‬وهناك من يرفض استعمال‬
‫اإلهداء يف كتاباته مجلة وتفصيال‪.‬‬
‫ومع مرور الزمان‪ ،‬صار اإلهداء تقليدا أدبيا وخلقيا ومنهجيا يف األعمال اإلبداعية إىل‬
‫يومنا هذا‪ .‬وهو أيضا تقليد عرفه الشعر العريب القدمي واحلديث‪ ،‬فكان الشعراء يهدون‬
‫القصيدة إىل هذا األمري أو ذاك طلبا للتكسب من جهة‪ ،‬أو كان مدحا خالصا من جهة‬
‫أخرى‪.‬‬
‫وحيم ل اإله داء‪ ،‬يف ش عرنا الع ريب احلديث واملعاص ر‪ ،‬دالالت مغ ايرة‪ ،‬يق دم لرم وز‬
‫سياس ية‪ ،‬أو لشخص يات اجتماعي ة‪ ،‬أو ألش خاص ع اديني أو جمه ولني أومغم ورين‪.‬‬
‫وب ذلك‪ " ،‬ب ات ي دل على عق د ض مين بني مض مون اخلط اب الش عري وحاج ة مجاع ة‬
‫‪195‬‬
‫مناضلة"‪.‬‬

‫‪192‬‬
‫‪- Gérard Genette :Ibid : 115.‬‬
‫‪193‬‬
‫‪- Gérard Genette :Ibid : 114.‬‬
‫‪194‬‬
‫‪- Gérard Genette :Ibid : 114.‬‬

‫‪ -‬شربل داغر‪ :‬الشعرية العربية الحديثة‪ ،‬ص‪.23-22 :‬‬ ‫‪195‬‬

‫‪90‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫وال يقتص ر اإله داء على م اهو س ردي ودرامي من قص ة‪ ،‬ورواي ة‪ ،‬وقص ة قص رية ج دا‪،‬‬
‫ومسرحية‪ ،‬بل يتجاوز ذلك إىل الشعر‪ ،‬وقد عرف عن الشاعر الفرنسي بودلري صاحب‬
‫ديوان( أزهــار الشــر) بأنه كان مولعا بوضع اإلهداءات التواص لية‪ .‬وأصبح هذا التقليد‬
‫املوازي س اري املفع ول يف الش عرين الغ ريب والع ريب على ح د س واء‪ .‬وازداد انتش ارا‬
‫وتداوال ومقصدية مع القصيدة املعاصرة‪ ،‬سواء أكانت قصيدة تفعيلة أم قصيدة نثرية‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬الشعريـ ــة واإله ـ ــداء‬


‫مثة جمموع ة من الدراس ات الش عرية الغربي ة ال يت اهتمت باإله داء بش كل من األش كال‪،‬‬
‫وتبقى دراسة جريار جنيت (‪)Gérard Genette‬هي الرائدة يف هذا اجملال إىل يومنا‬
‫ه ذا‪ ،‬وهي بعن وان( العتبــات) (‪1987(196)Seuils‬م)‪ ،‬حيث خص ص ج نيت اإله داء‬
‫بدراسة تربو على ثالث وعشرين صفحة من احلجم املتوسط‪ ،‬من الصفحة (‪ )110‬إىل (‬
‫‪ )133‬صفحة‪.‬‬
‫أما عن أهم الدراسات العربية اليت اهتمت بشعرية اإلهداء‪ ،‬بطريقة من الطرائق‪ ،‬فهناك‬
‫دراس ة عب د الفت اح احلجم ري ( عتبـ ــات النص‪ :‬البنيـ ــة والداللـ ــة) (‪1996‬م)‪ ،‬حيث‬
‫خصص الكاتب لإلهداء مخس صفحات‪ .197‬وهناك أيضا مقالة مجيل محداوي بعنوان(‬
‫مقاربـ ـ ــة اإلهـ ـ ــداء في شـ ـ ــعر عبـ ـ ــد الـ ـ ــرحمن بـ ـ ــوعلي)‪2007(198‬م)‪ ،‬ودراس ة نبي ل‬
‫منص ر(الخطــاب المــوازي في القصــيدة العربيــة المعاصــرة) (‪2007‬م)‪ ،‬حيث خص ص‬

‫‪- G.Genette : Seuils, collection Poétique, Seuil, 1987.PP :110-133.‬‬


‫‪196‬‬

‫‪ -‬عب د الفت اح احلجم ري‪ :‬عتبــات النص‪ :‬البنيــة والداللــة‪ ،‬ش ركة الرابط ة‪ ،‬ال دار البيض اء‪ ،‬املغ رب‪ ،‬الطبع ة‬ ‫‪197‬‬

‫األوىل سنة ‪1996‬م‪ ،‬صص‪.30-26:‬‬


‫‪ -‬مجي ل محداوي‪( :‬مقاربة اإلهداء يف شعر عبد الرمحن بوعلي)‪ ،‬مجلــة نــزوى‪ ،‬سلطنة عمان‪ ،‬اجمللد‪،51‬‬ ‫‪198‬‬

‫‪2007‬م‪ ،‬ص‪.274:‬‬

‫‪91‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫اإلهداء باملبحث الثالث ضمن الفصل اخلامس‪ ،199‬ودراسة عبد القادر الغزايل( قصيدة‬
‫الن ــثر العربي ــة) (‪2007‬م)‪ ،‬حيث درس اإله داء يف القص يدة النثري ة عن د الش اعر حمم د‬
‫املاغوط ‪ ،200‬ودراس ة بنعيس ى بومحال ة بعن وان( أيتــام ســومر" في شــعرية حســب الشــيخ‬
‫جعفر) (‪2009‬م)‪ ،‬حيث خصص الباحث اإلهداء بصفحتني‪ ،‬بعد أن درس جمموعة من‬
‫العتبات األخرى‪ ،‬كالعنوان‪ ،‬واهلامش‪ ،‬وغريها من العتبات النصية املصاحبة‪...201‬‬

‫المبحث الرابع‪ :‬بني ـ ـ ــة اإلهـ ـ ـ ــداء‬


‫يكون اإلهداء‪ ،‬على مستوى البنية الرتكيبية واملعمارية‪ ،‬كلمة‪ ،‬أو نصا قصريا‪ ،‬أقله مجلة‬
‫واحدة‪ .‬وغالبا‪ ،‬ما تكون هذه اجلملة امسية‪ ،‬أو شبه مجلة‪ ،‬أو مجلة فعلية‪ .‬وقد يكون نصا‬
‫ط ويال من جه ة‪ ،‬وق د يك ون نص ا أدبي ا قص ريا ج دا حيت وي عناص ر القص ة القص رية من‬
‫شخصية‪ ،‬وحدث‪ ،‬وفضاء‪ ،‬وإحالة على واقع مرجعي معني‪ ،‬أو موضوع متخيل‪ .‬وقد‬
‫يش كل اإله داء ملفوظ ا مس تقال بنفس ه‪ .‬وغالب ا‪ ،‬م ا يك ون يف بداي ة العم ل األديب مقرتن ا‬
‫بص فحة التق دمي‪ ،‬أو حماذي ا للعن وان اخلارجي لل ديوان‪ ،‬أو حاش ية فرعي ة للعن وان النص ي‬
‫الداخلي‪ ،‬أو يكون نفسه عنوانا‪.‬‬
‫وي رد اإله داء أيض ا يف ش كل مجل ة‪ ،‬أو نص أديب قص ري‪ ،‬يتض من عناص ر التواص ل‬
‫األساس ية‪ :‬من مرس ل‪ ،‬ومرس ل إلي ه‪ ،‬وإرس الية‪ ،‬ومرج ع‪ ،‬وقن اة‪ ،‬ولغ ة التش فري‪ ،‬وف ك‬
‫سننها‪ .‬وقد يتحول اإلهداء من نص قصري إىل نص طويل( ‪ ،)Macro texte‬حيتوي‬
‫على احلدث‪ ،‬وسياقه‪ ،‬وشخوصه‪ ،‬واإلحاالت املرجعية والرمزية‪ ،‬كما يبدو ذلك جليا يف‬

‫‪ -‬نبيل منصر‪ :‬الخطاب الموازي للقصيدة العربيـة المعاصـرة‪ ،‬دار توبقال للنشر‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪،‬‬ ‫‪199‬‬

‫الطبعة األوىل سنة ‪2007‬م‪ ،‬صص‪.55-48:‬‬


‫‪ -‬عبد القادر غزايل‪ :‬قصيدة النثر‪ :‬األسس النظرية والبنيات النصية‪ ،‬مطبعة تريفة‪ ،‬بركان‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة‬ ‫‪200‬‬

‫األوىل سنة ‪2007‬م‪ ،‬صص‪.202-201:‬‬


‫‪ -‬بنعيسى بومحالة‪ :‬أيتام سومر في شعرية حسب الشيخ جعفر‪ ،‬صص‪.68-66:‬‬ ‫‪201‬‬

‫‪92‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫دي وان الش اعر الفلس طيين عب د الفت اح حمم د(قص ــائد على الح ــدود)‪ ،202‬ودي وان(زمن‬
‫االنتظار) للشاعرة املغربية فاطمة عبد احلق‪.203‬‬
‫ويالحظ أيض ا أن اإلهداء يك ون يف بداي ة الكتاب‪ ،‬أو يف مستهل العم ل اإلبداعي‪ ،‬وبه‬
‫يتصدر الكتاب نفسه‪.‬لذا‪ ،‬حيتل اإلهداء مكانة املقدمة أو التصدير‪.‬‬
‫ومن مث‪ ،‬فلإله داء ‪ -‬كم ا قلن ا س ابقا‪ -‬وظيف ة تقدميي ة‪ ،‬حيل حمل املقدم ة أو التص دير‪،‬‬
‫ويقوم بالوظائف نفس ها اليت يق وم هبا التص دير أو املقدم ة االفتتاحي ة‪ .‬عالوة على ذلك‪،‬‬
‫ميكن أن يتحول اإلهداء إىل رسالة مهداة إىل شخص معني أو غري معني‪ ،‬وقد يتخذ هذا‬
‫اإلهداء مقطعا نصيا سرديا أو شعريا أو دراميا‪ ،‬أو يتحول إىل مقدمة مستفيضة‪ ،‬تشرح‬
‫دواعي العمل وظروفه وحيثياته الذاتية واملوضوعية‪ ،‬كما رأينا ذلك جليا عند فيلدينغ (‬
‫‪ ،)Fielding‬حيث يقول‪ ":‬في الحقيقة‪ ،‬تركت نفسي تنقاد على كتابة مقدمة‪ ،‬فيمــا‬
‫كنت أنوي إنجاز مجرد إهداء‪.‬لكن كيف يمكن تفادي ذلك؟‪"204‬‬
‫وإذا تأملن ا موق ع اإله داء‪ ،‬فق د ك ان اإله داء الكالس يكي من ذ الق رن الس ادس عش ر‬
‫امليالدي مثبتا يف الصفحة اليت تلي مباشرة صفحة العنوان‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬يلتصق اإلهداء‬
‫بتلك الصفحة نفسها‪ .‬وميكن أن يكون اإلهداء يف وسط الكتاب‪ ،‬وميكن أن يرد كذلك‬
‫يف آخره‪ ،‬وإن كانت هاتان احلالتان نادرتني جدا‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬ويتعرض اإلهداء خلاصية اإلضافة واحلذف والتغيري والتعويض‪ ،‬حينما تتعدد طبعات‬
‫الكت اب‪ ،‬فنج د الطبع ة األوىل مرفق ة بإه داء شخص ي م ا‪ ،‬مث ال جند ذل ك اإله داء يف‬
‫طبعات داخلية أخرى‪ ،‬والعكس صحيح أيضا‪ .‬وقد جند نسخة مؤشرة بإهداء شخصي‬
‫ما‪ ،‬مث يغري الكاتب إهداءه يف نسخة ثانية وأخرى‪ ،‬فيهديها إىل شخص آخر‪.‬‬
‫‪ -‬عبد الفتاح حممد‪ :‬قصائد على الحدود‪ ،‬املطبعة املركزية‪ ،‬وجدة‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪1984‬م‪،‬‬ ‫‪202‬‬

‫ص‪.7 :‬‬
‫‪ -‬فاطمة عبد احلق‪ :‬زمن االنتظار‪ ،‬املطبعة املركزية‪ ،‬وجدة‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪1995‬م‪ ،‬ص‪.3:‬‬ ‫‪203‬‬

‫‪204‬‬
‫‪- G.Genette : Seuils, PP : 116-117.‬‬

‫‪93‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫عالوة على ذلك‪ ،‬تتكون صيغة اإلهداء من جمموعة من العناصر الرئيسية‪ ،‬مثل‪ :‬املهدي‪،‬‬
‫وامله دى إلي ه‪ ،‬وص يغة اإله داء‪ ،‬وس ياق اإله داء‪ ،‬يف ش كل أس باب ودواف ع ذاتي ة‬
‫وموضوعية‪ ،‬وعقد اإلهداء‪ ،‬والعبارات الرقيقة والصيغ الشاعرية‪ ،‬وتوقيع املهدي‪ ،‬وزمان‬
‫اإله داء ومكان ه‪ .‬ويع ين ه ذا أن اإله داء ق د يك ون موقع ا أو مؤش را حبيثي ات مكاني ة أو‬
‫زمانية‪ ،‬وخاصة يف ما يسمى بإهداء النسخة‪ ،‬حيث يوقع الكاتب نسخة املتلقي بعبارات‬
‫إفصاحية وبوحية رقيقة‪ ،‬مث يرفقها بتاريخ اإلهداء ومكانه‪ .‬وقد يكون املهدي أو الذي‬
‫يرسل اإلهداء إىل شخص واقعي أو خيايل الكاتب اخلارجي للعمل‪ ،‬ويسمى باملؤلف أو‬
‫املب دع أو األديب‪ ،‬وميكن أن يك ون مرتمجه إذا ك ان العم ل ترمجة‪ ،‬وميكن أن يك ون ه و‬
‫الناشر أو الطابع أو الناسخ أو املوزع أو شخص آخر‪ ،‬كاحملقق الذي يتوىل توثيق العمل‬
‫وحتقيق ه‪ .‬أم ا امله دى إلي ه‪ ،‬فق د يك ون الك اتب نفس ه‪ ،‬أو شخص ا جمه وال أو معين ا‪ ،‬أو‬
‫شخص ا خاص ا أو عام ا أو اعتباري ا كاملؤسس ة والش ركة‪ .‬وق د تك ون هن اك جمموع ة من‬
‫العالق ات ال يت ترب ط بني امله دي وامله دى إلي ه‪ ،‬كالعالق ة العائلي ة ( امله دى إلي ه ف رد من‬
‫أف راد العائل ة الص غرية والكب رية)‪ ،‬والعالق ة االجتماعي ة( إه داء لش خص ذي مكان ة‬
‫اجتماعية)‪ ،‬والعالقة االقتصادية( إهداء للممول)‪ ،‬وعالقة احملبة والصداقة( عالقة قائمة‬
‫على احلب والصداقة والزمالة)‪ ،‬وعالقة املهنة أو احلرفة ( من مبدع إىل مبدع أو ناقد)‪،‬‬
‫وعالق ة عم ل( عالق ة املب دع بص احب العم ل)‪ ،‬أو عالق ة رمسية مؤسس اتية ( إه داء إىل‬
‫مؤسس ة أو ش ركة أو مقاول ة م ا)‪ ،‬أو عالق ة جمهول ة ( إه داء إىل شخص ية جمهول ة)‪ ،‬أو‬
‫عالقة ذاتية ( إهداء الكاتب إىل نفسه)‪...‬وقد تكون عالقة فنية‪ ،‬وثقافية‪ ،‬وسياسية‪...‬إال‬
‫أن هناك فرقا واضحا بني إهداء العمل وإهداء النسخة‪ .‬فإهداء العمل يكون ثابتا بصيغته‬
‫التعبريية‪ ،‬وبتوجيهها العام إىل مهدى معني‪ ،‬خيتاره الكاتب أو شخص آخر‪ ،‬بينما يتوجه‬
‫إهداء النسخة إىل مهدى إليه متعدد‪ ،‬خيتاره الكاتب يف أثناء التربع أو التوقيع‪.‬لذا‪ ،‬يكتب‬
‫امسه على الص فحة األوىل غالب ا‪ ،‬مث يؤش ر علي ه بتوقيع ه يف الزم ان واملك ان‪ ،‬مص حوبا‬
‫بعبارات رقيقة من املشاعر واالنفعاالت‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫ويع ين ه ذا أن توقي ع النس خة يوج ه إىل مه دى إلي ه خ اص‪ .‬ويتس م ه ذا اإله داء خباص ية‬
‫التغ ري والتن وع والتب دل‪ ،‬ويتغ ري من ش خص إىل آخ ر‪ .‬وق د يك ون امله دى إلي ه ف ردا أو‬
‫جمموعة‪ ،‬كما عند الروائي الفرنسي ستاندال(‪ .205)Stendhal‬وقد يكون املهدى إليه‬
‫متلقيا أو قارئا‪ ،‬وقد يتخذ طابعا دينيا أو الهوتيا‪ ،‬حينما يهدي الكاتب عمله إىل اهلل‪ ،‬أو‬
‫الكنيسة‪ ،‬أو القس‪ ،‬أو الكاهن‪ ،‬أو البابا‪...‬‬
‫وق د يك ون اإله داء موجه ا من املؤل ف إىل إح دى شخص ياته داخ ل عمل ه‪ ،‬ك أن يك ون‬
‫بطال أو بطلة داخل قصة‪ ،‬أو رواية‪ ،‬أو مسرحية‪ .‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬قد يكون املهدى‬
‫إلي ه شخص ية واقعي ة أو متخيل ة؛ شخص ية معروف ة أو جمهول ة أو مغم ورة‪ ،‬أو شخص ية‬
‫خاصة أو عامة‪.‬‬
‫وغالب ا‪ ،‬م ا يتض من اإله داء ( أو امله دى إلي ه) أمساء العلم الذكوري ة واألنثوي ة ال يت يق ول‬
‫عنه ا مولين و (‪ )Molino‬بأهنا" ت داعيات معق دة‪ ،‬تربطه ا بقص ص تارخيي ة وأس طورية‪،‬‬
‫وتش ري قليال أو كث ريا إىل أبط ال وأم اكن‪ ،‬تنتمي إىل ثقاف ات متباع دة يف الزم ان‬
‫واملكان"‪.206‬‬
‫وإذا انتقلنا إىل صيغة اإلهداء‪ ،‬فقد تكون صيغة ذاتية يف شكل كتابة شاعرية ذاتية‪ ،‬أو‬
‫كتاب ة عاطفي ة رقيق ة‪ .‬وق د تك ون ص يغة موض وعية‪ ،‬حتي ل على ع وامل الكتاب ة وحيثياهتا‬
‫التكوينية‪.‬ومن مث‪ ،‬فالصيغة اإلهدائية يف إهداء النسخة يكون إهداء إنسانيا حيا من جهة‪،‬‬
‫وإه داء رمزي ا ووج دانيا وانفعالي ا م ؤثرا من جه ة أخ رى‪ .‬يف حني‪ ،‬يك ون إه داء العم ل‬
‫خطابا عاما غري إنساين‪ ،‬موجه إىل متلق عام جاهز ومنمط‪.‬‬

‫‪205‬‬
‫‪-Gérard Genette :Ibid, p :124.‬‬
‫‪206‬‬
‫‪- -Gérard Genette: Ibid, p: 110-133.‬‬

‫‪95‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫المبحث الخامس‪ :‬أنـ ـ ــواع اإله ـ ــداء‬


‫ينقسم اإلهداء إىل أنواع عدة‪ ،‬فهناك من جهة اإلهداء الذايت واإلهداء الغريي‪.‬ويكون‬
‫اإله داء ذاتي ِِِا (‪،)auto dédicace‬حينم ا يوج ه الش اعر اإله داء إىل نفس ه‪ ،‬كم ا ه و‬
‫األم ر عن د جيمس ج ويس (‪ )J.Joyce‬ال ذي اس تهل بعض نصوص ه الس ردية بالعب ارة‬
‫اإلهدائية التالية" أهدي العمل األول في حيــاتي إلى روحي الخالصــة "‪ ،‬وميكن لإلهداء‬
‫أن خيصص أيضا لشخصية متخيلة‪ ،‬كما يف روايات والرت سكوت (‪)Watter Scott‬‬
‫‪.207‬‬
‫وقد يكون اإلهداء غرييا‪ ،‬حينما يوجه إىل الغري أو اآلخر‪ ،‬ويكون بدوره خاصا أو عاما‪.‬‬
‫وق د يك ون اخلاص اعتباري ا‪ ،‬مث ل‪ :‬املؤسس ة‪ ،‬والش ركة‪ ،‬واجلامع ة‪ ،‬والكلي ة‪ ،‬واملرك ز‬
‫العلمي…أو طبيعي ا مث ل‪ :‬أديب‪ ،‬أو فن ان‪ ،‬أو وط ين‪ ،‬أو من األه ل‪ ،‬واألحب اب‪،‬‬
‫واألقارب‪ ،‬أو شخصية قومية أو عاملية إخل…ويرى جريار جنيت أن اإلهداء اخلاص‪--‬‬
‫‪ privé‬موج ه إىل ش خص مع روف كث ريا أو قليال‪ ،‬فتك ون العالق ة بني املرس ل واملرس ل‬
‫إليه ذات طابع عام ورمزي‪ ،‬كأن تكون عالقة ثقافية‪ ،‬أو فنية‪ ،‬أو سياسية‪ ،‬أو غريها من‬
‫العالقات العامة‪.208‬‬
‫و من جه ة أخ رى‪ ،‬فاإله داء ك ذلك نوع ان‪ :‬إه داء العم ل ’‪La dédicace d‬‬
‫‪ ،œuvre‬وإه داء النس خة ‪La dédicace d’exemplaire‬؛ ف األول مرتب ط‬
‫بالكت اب أو العم ل املطب وع‪ ،‬وه و فع ل رم زي ذو ط ابع ع ام‪ .‬ويق رتن الث اين بالنس خة‬
‫املوقع ة‪ ،‬وحيم ل توقي ع املؤل ف املباش ر‪ ،‬س واء أك ان مرتبط ا بالكت اب أم ب املخطوط‪ .‬ومن‬
‫جهة أخرى‪ ،‬هو فعل محيم‪ ،‬متميز ذهنيا ووجدانيا وحركيا‪ ،‬وتواصل خاص مع القراء‪،‬‬
‫حيمل داللة من نوع خاص‪.‬‬
‫‪207‬‬
‫‪--Gérard Genette: Ibid, p: 126.‬‬
‫‪208‬‬
‫‪- Gérard Genette : Seuils, p : 123.‬‬

‫‪96‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫ويعت رب اإله داء‪ ،‬س واء أك ان عام ا أم خاص ا‪ ،‬عتب ة نص ية م ؤثرة‪ ،‬ال تنفص ل داللته ا عن‬
‫الس ياق الع ام لطبيع ة النص الش عري أو الس ردي أو ال درامي‪ ،‬وعن أبع اده اإلحيائي ة‬
‫واملرجعي ة‪.‬وهلذا االعتب ار‪ ،‬يتص در اإله داء النص وص‪ ،‬س واء أك انت س ردية أم ش عرية أم‬
‫درامي ة‪ ،‬باعتب اره أح د املداخل األولي ة لك ل ق راءة ممكن ة للنص‪ .‬ويع ين ه ذا أن النص وص‬
‫الشعرية قد حتمل إهداءين‪ :‬إهداء عاما موجها إىل مجيع القراء بصفة كلية‪ ،‬وإهداء خاصا‬
‫موجه ا إىل امله دى إلي ه‪.‬عالوة على ذل ك‪ ،‬إذا ك ان امله دى إلي ه يف إه داء العم ل حمدودا‬
‫وثابتا ومقيدا بشخص معني‪ ،‬أو باملتلقي العام‪ ،‬فإن إهداء النسخة متعددا ومتغريا‪ ،‬فكل‬
‫نس خة موجه ة إىل متل ق خ اص بامسه‪ ،‬ومكتوب ة بكلم ات ش اعرية رقيق ة خاص ة ب ه‪،‬‬
‫ومؤشرة بالتوقيع يف الزمان واملكان‪ ،‬ويعرب هذا اإلهداء عن فطرية العمل وعفويته وطبعه‬
‫وسجيته‪ ،‬وخاصة إذا كان اإلهداء مكتوبا بقلم أو خط املؤلف نفسه‪ .‬وإذا كان إهداء‬
‫العمل يرتبط بظهور املطبعة‪ ،‬فإن إهداء النسخة قدمي بقدم الكتاب نفسه‪.‬وهذا ما يثبته‬
‫ت اريخ الكت اب يف الثقاف ة العربي ة‪ ،‬فك ان املؤلف ون أو الناس خون يه دون كتبهم إىل‬
‫شخص يات عام ة أو خاص ة‪ ،‬حتم ل يف طياهتا ت وقيعهم واس م امله دى إلي ه‪ ،‬قب ل أن تظه ر‬
‫املطبعة بقرون عدة‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فاإلهداء عتبة نصية الختلو من قصدية‪ ،‬سواء يف اختيار املهدى إلي ه( إليهم)‪ ،‬أم يف‬
‫اختي ار عب ارات اإله داء‪...‬ويف ه ذا الس ياق‪ ،‬ميكن التمي يز بني ن وعني من امله دى إليهم‪:‬‬
‫اخلاصني والعامني‪ ،‬ويقصد باملهدى إليه اخلاص (‪ )Le dédicataire privé‬شخصية‬
‫إم ا معروف ة‪ ،‬وإما غري معروف ة ل دى العم وم‪.‬ويه دى إليه ا العم ل باسم عالق ة شخص ية‪:‬‬
‫ودية أو قرابة أو غريمها‪...‬‬
‫أما املهدى إليه العام أو العمومي (‪ ،)Le dédicataire public‬فهو شخصية أكثر‬
‫أو أقل شهرة‪ ،‬ويبدي املؤلف حنوها العمل لعالقة سياسية‪ ،‬أواجتماعية‪ ،‬أواقتصادية‪ ،،‬أو‬
‫ثقافية‪ ،‬أو مجالية‪ ،‬أو فنية‪ ...‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬ميكن احلديث‪ ،‬يف جمال الشعر خصوصا‪،‬‬

‫‪97‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫عن إه داء ال ديوان الش عري‪ ،‬وإه داء القص يدة الش عرية‪ ،‬وخاص ة يف القص يدة العربي ة‬
‫املعاصرة‪ .‬ويعين هذا أن هناك‪ ،‬على العموم‪ ،‬إهداء خارجيا وإهداء داخليا‪.‬‬

‫المبحث السادس‪ :‬دالالت اإله ـ ـ ـ ـ ــداء‬


‫مثة جمموعة من العالقات اليت تربط اإلهداء بالعمل‪ ،‬قد تكون عالقة خارجية‪ ،‬أو عالقة‬
‫داخلي ة‪ .‬وميكن أن تك ون عالق ة موازي ة‪ ،‬أو عالق ة نص ية‪ .‬وميكن أن تك ون عالق ة جماني ة‬
‫زائ دة‪ ،‬أو عالق ة نص ية بنيوي ة عض وية؛ إذ الميكن فهم النص إال باستكش اف اإله داء‬
‫واستقصائه بنية وداللة ووظيفة‪.‬‬
‫وقد تكون عالقة اإلهداء بالديوان الشعري أو نصوصه إما عالقة مباشرة‪ ،‬وإما عالقة غري‬
‫مباش رة‪ .‬ويتم الرتاب ط بني اإله داء والعم ل إم ا من خالل تراب ط اتص ال‪ ،‬وإم ا من خالل‬
‫تراب ط انفص ال‪ ،‬ع رب جمموع ة من العالق ات الداللي ة واملنطقي ة‪ ،‬كاإلحال ة‪ ،‬واالنعك اس‪،‬‬
‫والتع يني‪ ،‬والتض مني‪ ،‬واإلحياء‪ ،‬والرتم يز‪ ،‬والتن اص‪ ،‬والتفاع ل‪ ،‬والتماث ل‪ ،‬والتق دمي‪،‬‬
‫والتوجي ه الس ياقي‪ ،‬والتولي د ال داليل واملرجعي واملقص دي‪ ،‬إىل غ ري ذل ك من العالق ات‬
‫النصية واملوازية األخرى اليت جتمع بني اإلهداء والعمل املعروض‪.‬‬

‫المبحث السابع‪ :‬وظائ ـ ــف اإله ـ ــداء‬


‫ليس اإلهداء‪ ،‬يف نصوصنا الشعرية والسردية العربية املعاصرة‪ ،‬حتشية زائدة وجمانية‪ ،‬بل‬
‫هلا وظ ائف ع دة؛ إذ يس هم اإله داء يف إض اءة النص‪ ،‬وكش ف بنيات ه الص وتية والص رفية‬
‫والرتكيبي ة والبالغي ة‪ ،‬وحتلي ل آلي ات النص الداللي ة ومقص دياته‪ .‬ولإله داء عالق ة وطي دة‬
‫ب النص اإلب داعي التخ ييلي‪ ،‬وخاص ة الش عري من ه‪ ،‬حيث يلخص ه‪ ،‬ويوض حه‪ ،‬ويش رح‬
‫عالماته‪ ،‬ويوضح دالالته‪ ،‬ويلمح إىل سياقه النصي والذهين واخلارجي‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬ولإلهداء عدة ووظائف نصية وتداولية‪ ،‬خاصة الوظيفة العالئقية العامة اليت جتمع‬
‫بني امله دي وامله دى إلي ه‪ ،‬فتت وزع إىل جمموع ة من الوظ ائف الب ارزة‪ ،‬كالوظيف ة‬

‫‪98‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫االجتماعي ة( التواص ل احلميم بني األص دقاء وأف راد العائل ة)‪ ،‬والوظيف ة االقتص ادية (رعاية‬
‫العمل األديب‪ ،‬ومتويله ماديا…)‪ .‬عالوة على وظائف أخرى‪ :‬ثقافية‪ ،‬ومجالية‪ ،‬وسياسية‪،‬‬
‫وداللية‪ ،‬وتأثريية‪ ،‬ورمزية‪ .209‬فضال عن الوظائف التأويلية والسياقية اليت تساعد الناقد‬
‫والقارئ يف تذوق النص‪ ،‬وإعادة بنائه من جديد‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬يرشدنا اإلهداء إىل‬
‫س ياق اإلب داع‪ ،‬فريص د دواعي ه الذاتي ة واملوض وعية‪ ،‬مث ي بني كيفي ة انكتاب ه‪ ،‬وتكوين ه‪،‬‬
‫وطبعه‪ ،‬ونشره‪ ،‬وتوزيعه‪ ،‬وتلقيه‪...‬‬
‫كم ا يق دم اإله داء معلوم ات موثق ة عن طبيع ة العم ل مض مونا وش كال ومقص دية‪ ،‬م ع‬
‫حتديد ظروف كتابته‪ ،‬وكيفية إخراجه إىل حيز الوجود‪ .‬وقد يكون اإلهداء مبثابة تعليق‬
‫عن النص‪ ،‬وش رح لدالالت ه الظ اهرة والثاوي ة‪ ،‬وكش ف خلصائص ه الفني ة والش كلية‬
‫واجلمالي ة‪ .‬وق د ي رد اإله داء أيض ا يف ش كل تق دمي أو تص دير اس تهاليل‪ ،‬يفس ر حيثي ات‬
‫النص‪ ،‬ويستقص ي أبع اده الداللي ة والفني ة واملرجعي ة‪ .‬ومن هن ا‪ ،‬يق وم اإله داء بوظيف ة‬
‫تقدميي ة أو تص ديرية إىل ج انب الوظ ائف الس ابقة‪ ،‬كالوظيف ة الرمزي ة‪ ،‬والوظيف ة‬
‫االجتماعي ة‪ ،‬والوظيف ة االقتص ادية‪ ،‬والوظيف ة اإلحيائي ة‪ ،‬والوظيفي ة الس يميائية‪ ،‬والوظيفي ة‬
‫األيقوني ة‪ ،‬والوظيف ة التكويني ة التفس ريية‪ ،‬والوظيف ة املرجعي ة‪...‬ويف ه ذا الص دد‪ ،‬ميكن‬
‫احلديث عن إهداء رمسي‪ ،‬وإهداء شخصي‪ ،‬ولكل إهداء وظائف خاصة به‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فلإلهداء وظائف سيميائية وداللية وتداولية عدة‪ ،‬ميكن حصرها يف وظيفة التعيني‬
‫ال يت تتكف ل بوظيف ة تس مية العم ل وتثبيت ه‪ .‬وهن اك أيض ا الوظيف ة الوص فية ال يت تع ين أن‬
‫اإله داء يتح دث عن النص وص فا وش رحا وتفس ريا وت أويال وتوض يحا‪ .‬ون ذكر ك ذلك‬
‫الوظيفة اإلغرائية اليت تكمن يف جذب املتلقي‪ ،‬وكسب فضول القارئ لشراء الكتاب‪ ،‬أو‬
‫ق راءة العم ل‪ ،‬أو تلقي النص‪ .‬كم ا ي ؤدي اإله داء وظيف ة التلميح‪ ،‬واإلحياء‪ ،‬واألدجلة‪،‬‬
‫والتن اص‪ ،‬والتكني ة‪ ،‬واملدلولي ة‪ ،‬والتعلي ق‪ ،‬والتش اكل‪ ،‬والش رح‪ ،‬واالخ تزال‪ ،‬والتك ثيف‪،‬‬

‫‪209‬‬
‫‪-Gérard Genette :Ibid,p :127.‬‬

‫‪99‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫وخل ق املفارق ة واالنزي اح عن طري ق إرب اك املتلقي‪ .‬فض ال عن الوظيف ة التص ديرية أو‬
‫االفتتاحية‪...‬‬
‫عالوة على ذل ك‪ ،‬ختتل ف وظ ائف إه داء النس خة عن وظ ائف إه داء العم ل‪ ،‬فوظ ائف‬
‫اإله داء األول متع ددة‪ ،‬ذات أبع اد عالئقي ة ورمزي ة خاص ة‪ ،‬ومرتبط ة بلحظ ة التوقي ع‬
‫والتأش ري على الكت اب امله دى‪ .‬يف حني‪ ،‬جند وظيف ة اإله داء الث اين حمدودة وعام ة‪،‬‬
‫ومرتبط ة بق ارئ ع ام وث ابت‪ ،‬غ ري متغ ري‪ .210‬ويع ين ه ذا كل ه أن" الوظيف ة االقتص ادية‬
‫املباشرة لإلهداء قد اختفت اليوم‪ ،‬لكن دوره يف الرعاية أو الكفالة الفكرية أو اجلمالية قد‬
‫اقتصر على األهم‪ :‬التماس الدعم والسند املعنوي من املهدى إليه الذي يصبح بشكل ما‪،‬‬
‫مسؤوال عن العمل‪ ،‬وعن استحقاقه الثقايف داخل فضاء التبادل الرمزي‪.‬‬
‫تتصل وظيفة التماس السند بإهداء الكتاب‪ ،‬أما إهداء النسخة فتختلف حبسب الوضع‬
‫االعتباري للمهدي إليه‪ .‬فاإلهداء العام للنسخة ميكن أن يرتبط ببعض املناسبات‪ ،‬ينتهي‬
‫بتوقي ع نس خ للجمه ور ال راغب يف الظف ر بإمض اء املؤل ف‪ .‬وع ادة م ا يك ون ه ذا التوقي ع‬
‫مصاحبا بكلمة احتفاء أو بتعليق موجز على العمل‪.‬أما اإلهداء اخلاص للنسخة فال يرتبط‬
‫بالضرورة مبثل هذه املناسبات‪ ،‬وإمنا يرتبط خبصوصية العالقة القائمة بني املؤلف واملهدى‬
‫إليه‪ ،‬مث بني املهدى إليه والعمل نفسه‪.‬هلذا‪ ،‬يتجه املؤلف‪ ،‬يف نص اإلهداء‪ ،‬حنو ختصيص‬
‫هذه العالقة وتعليلها‪ ،‬من خالل تعليق ذايت على العمل‪.‬وهذا التعليق وما يفصح عنه من‬
‫معلوم ات أو تق ييم‪ ،‬ه و م ا م واز‪ .‬ويف ك ل األح وال‪ ،‬إن إح دى االفرتاض ات املس بقة‬
‫لإله داء تتمث ل يف ك ون الك اتب ينتظ ر‪ ،‬يف املقاب ل‪ ،‬من الش خص احلاص ل على النس خة‬
‫املهداة التكرم بإجناز قراءة للعمل‪.‬وبذلك‪ ،‬يصبح متلك العمل مقرتنا بقراءته‪ ،‬وليس فقط‬
‫مبجرد احلصول على نسخة منه‪"211.‬‬

‫‪-Gérard Genette :Ibid,p : 132-133.‬‬


‫‪210‬‬

‫‪ -‬نبيل منصر‪ :‬الخطاب الموازي للقصيدة العربية المعاصرة‪ ،‬ص‪.56-55:‬‬ ‫‪211‬‬

‫‪100‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫وهك ذا‪ ،‬نص ل إىل أن لإله داء وظ ائف مجة وع دة‪ ،‬ميكن رص دها ع رب التموق ع الس ياقي‪.‬‬
‫ويع ين ه ذا أن اإله داء ليس عتب ة زائ دة‪ ،‬ب ل عتب ة مهم ة يف استكش اف دالالت النص‪،‬‬
‫واستقراء بنياته‪ ،‬وحتديد مقاصده‪ ،‬سواء من خالل قراءة أفقية أو قراءة عمودية‪.‬‬

‫المبحث الثامن‪ :‬منهجيــة دراس ــة اإلهـ ــداء‬


‫تس توجب دراس ة اإله داء يف النص اإلب داعي أو التخ ييلي الرتك يز على أربع ة ث وابت‬
‫حمورية‪ :‬البنية‪ ،‬والداللة‪ ،‬والرتكيب‪ ،‬والقراءة األفقية والعمودية والسياقية‪ .‬وينبغي على‬
‫الب احث يف موض وع اإله داء أن يغرب ل بني ة اإله داء‪ ،‬ب التوقف عن د ص يغته‪ ،‬وتبي ان‬
‫مكونات ه الص وتية‪ ،‬واإليقاعي ة‪ ،‬والص رفية‪ ،‬والرتكيبي ة‪ ،‬والبالغي ة‪ ،‬والنص ية‪ .‬وبع د ذل ك‪،‬‬
‫ينتقل الدارس إىل تبيان عالقة اإلهداء بالنص املعرب عنه‪ ،‬هل العالقة كلية أو جزئية‪ ،‬أو‬
‫هي عالق ة إحالي ة أو رمزي ة أو إحيائي ة أو تض منية أو تض ادية‪ ،‬أو تك ون عالق ة تط ابق أو‬
‫عالقة انعكاسية أو عالقة مفارقة‪...‬؟ وميكن االستعانة يف جمال املقصدية بنظرية الوظائف‬
‫اللس انية‪ .‬إذ إن اإله داء‪ -‬كم ا ه و معل وم ‪ -‬عب ارة عن رس الة‪ ،‬وه ذه الرس الة يتبادهلا‬
‫املرسل واملرسل إليه‪ ،‬فيسامهان يف التواصل املعريف واجلمايل‪ .‬وهذه الرسالة مسننة بشفرة‬
‫لغوي ة‪ ،‬يفككه ا املس تقبل‪ ،‬ويؤوهلا بلغت ه الواص فة‪ ،‬وترس ل ه ذه الرس الة ذات الوظيف ة‬
‫الش اعرية أو اجلمالي ة ع رب قن اة وظيفته ا احلف اظ على االتص ال‪ .‬ويف ه ذا الس ياق‪ ،‬ميكن‬
‫االس تفادة من وظ ائف اللغ ة‪ ،‬كم ا أرس اها روم ان جاكبس ون (‪.)R.Jackobson‬‬
‫فلإلهداء وظيفة مرجعية‪ ،‬ترتكز على موضوع الرسالة‪ ،‬باعتباره مرجعا وواقعا أساسيا‪،‬‬
‫تعرب عنه الرسالة‪ .‬وهذه الوظيفة موضوعية ال وجود للذاتية فيها‪ ،‬نظرا لوجود املالحظة‬
‫الواقعي ة‪ ،‬والنق ل الص حيح‪ ،‬واالنعك اس املباش ر‪ .‬وهن اك الوظيف ة االنفعالي ة التعبريي ة ال يت‬
‫حتدد العالئ ق املوج ودة بني املرس ل والرس الة‪ .‬وحتم ل ه ذه الوظيف ة يف طياهتا انفع االت‬

‫‪101‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫ذاتي ة‪ ،‬وتتض من قيم ا‪ ،‬ومواق ف عاطفي ة‪ ،‬ومش اعر وإحساس ات‪ ،‬يس قطها املتكلم على‬
‫موضوع الرسالة املرجعي‪.‬‬
‫وهناك الوظيفة التأثريية اليت تقوم على حتديد العالقات املوجودة بني املرسل واملتلقي‪،‬‬
‫حيث يتم حتريض املتلقي‪ ،‬وإثارة انتباهه‪ ،‬وإيقاظه عرب الرتغيب والرتهيب‪ ،‬وهذه الوظيفة‬
‫ذاتية‪.‬‬
‫وهن اك الوظيف ة اجلمالي ة أو الش عرية ال يت حتدد العالئ ق املوج ودة بني الرس الة وذاهتا‪،‬‬
‫وتتحق ق ه ذه الوظيف ة بإس قاط احملور االختي اري على احملور الرتكي يب‪ ،‬وبال ذات عن دما‬
‫يتحق ق االنته اك واالنزي اح املقص ود‪ .‬وتتس م ه ذه الوظيف ة بالبع د الف ين واجلم ايل‬
‫والشاعري‪.‬‬
‫وميكن احلديث أيض ا عن الوظيف ة احلفاظي ة أو االتص الية للقن اة اإلهدائي ة؛ إذ هتدف ه ذه‬
‫الوظيف ة إىل تأكي د التواص ل‪ ،‬واس تمرارية اإلبالغ‪ ،‬وتثبيت ه أو إيقاف ه‪ ،‬واحلف اظ على ن ربة‬
‫احلديث والكالم املتبادل بني الطرفني‪.‬‬
‫فض ال عن الوظيف ة الوص فية املتعلق ة باللغ ة‪ ،‬وهتدف ه ذه الوظيف ة إىل تفكي ك الش فرة‬
‫اللغوي ة‪ ،‬بع د تس نينها من قب ل املرس ل‪ ،‬واهلدف من الس نن ه و وص ف الرس الة لغوي ا‬
‫وتأويله ا‪ ،‬م ع االس تعانة ب املعجم أو القواع د اللغوي ة والنحوي ة املش رتكة بني املتكلم‬
‫واملرسل إليه‪.‬‬
‫ونض يف الوظيف ة البص رية أو األيقوني ة كم ا عن د ت رنس ه اوكس‪ ،212‬وهتدف ه ذه‬
‫الوظيفة إىل تفسري داللة األشكال البصرية واأللوان واخلطوط األيقونية بغية البحث عن‬
‫املماثلة أو املشاهبة بني العالمات البصرية ومرجعها اإلحايل‪.‬‬
‫ومن ب اب التنبي ه‪ ،‬فنحن‪ ،‬هن ا‪ ،‬حنتكم إىل القيم ة املهيمن ة (‪La valeur‬‬
‫‪)dominante‬كما حددها رومان جاكبسون؛ ألن اإلهداء يف نص ما‪ ،‬قد تغلب عليه‬

‫‪ -‬ت رنس ه وكس‪( :‬م دخل إىل الس يمياء)‪ ،‬مجل ــة بيت الحكم ــة‪،‬املغ رب‪ ،‬الع دد‪ ،5‬الس نة الثاني ة‪ ،‬س نة‬ ‫‪212‬‬

‫‪1987‬م‪ ،‬ص‪.120:‬‬

‫‪102‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫وظيفة معينة دون أخرى‪ ،‬فكل الوظائف اليت حددناها سالفا متمازجة؛ قد نعاينها خمتلطة‬
‫بنسب متفاوتة يف رسالة واحدة‪ ،‬حيث تكون الوظيفة الواحدة منها غالبة على الوظائف‬
‫األخرى حسب منط االتصال‪.‬‬
‫وعلى وج ه العم وم‪ ،‬عن دما نري د مقارب ة اإله داء الب د من االنطالق من أرب ع خط وات‬
‫أساسية هي‪ :‬البنية‪ ،‬والداللة‪ ،‬والوظيفة‪ ،‬والقراءة السياقية األفقية والعمودية‪ .‬ويعين هذا‬
‫أن البني ة تس توجب ق راءة اإله داء ص وتيا‪ ،‬وإيقاعي ا‪ ،‬وتنغيمي ا‪ ،‬وص رفيا‪ ،‬وتركيبي ا‪،‬‬
‫وبالغي ا‪ ،‬وأيقوني ا‪ .‬يف حني‪ ،‬تس تلزم الدالل ة دراس ة اإله داء يف ض وء عالق ة اإله داء‬
‫بالدالل ة‪ ،‬متس ائلني عن طبيع ة العالق ة‪ :‬ه ل هي عالق ة كلي ة أو جزئي ة؟ وه ل هي عالق ة‬
‫مباشرة أو غري مباشرة؟ وهل هي عالقة تعيني أو عالقة تضمن؟ وهل هي عالقة حرفية‬
‫أو عالقة إحيائية؟‪...‬‬
‫أم ا فيم ا خيص الوظيف ة‪ ،‬فالب د من حتدي د جمم ل الوظ ائف الس ياقية ال يت يؤديه ا اإله داء‬
‫داخ ل النص (الوظيف ة االنفعالي ة‪ ،‬والوظيف ة التأثريي ة‪ ،‬والوظيف ة الش عرية‪ ،‬والوظيف ة‬
‫التناصية‪ ،‬والوظيفة التعيينية‪ ،‬والوظيفة البصرية‪ ،)...،‬يف ضوء قراءة فعالة مرنة‪ ،‬تنطلق‬
‫من القمة إىل األسفل‪ ،‬ومن األسفل إىل القمة‪ ،‬ومن الداخل إىل اخلارج‪ ،‬ومن اخلارج إىل‬
‫الداخل‪ .‬ويف هذا الصدد‪ ،‬فأول احليل التاكتيكية هي الظفر مبغزى اإلهداء‪ ،‬و" املفهوم‬
‫احمللي الذي نستخدمه هلذا الغرض هو‪ :‬من القاعدة إىل القمة (‪ ،)Top-down‬ومن‬
‫القم ة إىل القاع دة (‪ ،)Bottom‬ومع ىن ه ذا‪ ،‬أن ه جيب فهم مع اين الكلم ات املعجمي ة‬
‫وبنية اجلملة‪ ،‬ومعناه ا املركب‪ .‬أي‪" :‬من القاعدة إىل القمة"‪ ،‬وعلى أساس هذه اجلملة‬
‫‪213‬‬
‫نتوقع ما حيتمل أن يتلوها من مجل‪ .‬أي‪ :‬من القمة إىل القاعدة"‪.‬‬
‫والب د ك ذلك من مراع اة الس ياق احمللي يف أثن اء مقارب ة اإله داء وتأويل ه‪ ،‬وإال تعس ف‬
‫احمللل السيميولوجي ‪ -‬مثال ‪ -‬يف التفسري والتحليل‪ .‬وإذا" كانت املشاهبة وما تدعوه من‬
‫توقع وانتظار بناء على معرفتنا املرتاكمة للعامل‪ ،‬جتعلنا نقتحم عامل القصيدة الرحب يف‬

‫‪ -‬حممد مفتاح‪ :‬دينامية النص‪،‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬ص‪.60:‬‬ ‫‪213‬‬

‫‪103‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫اطمئن ان‪ ،‬اعتم ادا على م ا أوص ى ب ه [اإلهــداء ]‪ ،‬فإنن ا م ع ذل ك‪ ،‬س نقيد أنفس نا مبب دأ‬
‫التأويل احمللي‪ ،‬لكيال نسقط على القصيدة كل ما تراكم لدينا من جتارب‪ ،‬ونقوهلا مامل‬
‫تقل‪.214 ".‬‬
‫وهكذا‪ ،‬فاإلهداء‪ ،‬يف احلقيقة‪ ،‬مبثابة رأس للجسد‪ ،‬والنص متطيط له وحتوير‪ ،‬إما بالزيادة‬
‫واالس تبدال ت ارة‪ ،‬وإم ا بالنقص ان والتحوي ل ت ارة أخ رى‪ .‬يش كل اإله داء بالنس بة‬
‫للسيميولوجي بؤرة منهجية أساسية يف االستكشاف واالستقصاء النصي‪ ،‬ونواة متهيدية‬
‫لقراءة القصيدة الشعرية‪ ،‬ميدها باحلياة احلقيقية‪ ،‬والروح املتحركة‪ ،‬واملعىن النابض‪ .‬وميدنا‬
‫" [اإلهـداء ] بزاد مثني لتفكيك النص ودراسته‪ ،‬ونقول هنا‪:‬إنه يقدم لنا معرفة كربى‬
‫لض بط انس جام النص‪ ،‬وفهم م ا غمض من ه‪ ،‬إذ ه و احملور ال ذي يتوال د ويتن امي ويعي د‬
‫إنت اج نفس ه‪ ،‬وه و ال ذي حيدد هوي ة القص يدة‪ ،‬فه و‪ -‬إن ص حت املش اهبة مبثاب ة ال رأس‬
‫للجس د‪ -‬واألس اس ال ذي تب ىن علي ه‪ ،‬غ ري أن ه إم ا أن يك ون ط ويال‪ ،‬فيس اعد على توق ع‬
‫املض مون ال ذي يتل وه‪ .‬وإم ا أن يك ون قص ريا‪ ،‬وحينئ ذ‪ ،‬فإن ه الب د من ق رائن ف وق لغوي ة‬
‫‪215‬‬
‫توحي مبا يتبعه"‪.‬‬
‫ومن ب اب اإلض افة‪ ،‬الب د للمحل ل أن يس تعني بنظري ة ش ارل ب ريس‪ ،‬ويتمث ل جه ازه‬
‫املف اهيمي الت أويلي ال ذي يتمث ل يف‪ :‬الرم ز‪ ،‬واإلش ارة‪ ،‬واأليق ون‪ .‬ويس توعب أيض ا‬
‫تص ورات فردينان د دي سوس ري اللس انية والس يميائية‪ ،‬ويس تفيد أيض ا من آراء ج ريار‬
‫ج نيت‪ ،‬وروم ان جاكبس ون‪ ،‬وروالن ب ارت‪ ،‬وكرمياص‪ ،‬وليوهوي ك‪ ،‬وكل ود دوش يه‪،‬‬
‫وهنري ميرتان‪ ،‬وشارل كريفيل‪ ،‬وأمربطو إيكو‪ ،‬وآخرين‪...‬‬

‫وخالص ة الق ول‪ ،‬يت بني لن ا ‪ -‬من ه ذا كل ه‪ -‬أن اإله داء عتب ة ض رورية يف ق راءة النص‬
‫األديب بص فة عام ة‪ ،‬والنص الش عري بص فة خاص ة‪ .‬وليس اإله داء أيض ا عنص را جماني ا‬

‫‪ -34‬حممد مفتاح‪ :‬دينامية النص‪ ،‬ص‪.60:‬‬ ‫‪214‬‬

‫‪ -‬حممد مفتاح‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.72:‬‬ ‫‪215‬‬

‫‪104‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫زائدا‪ ،‬كما يعتقد الكثري من الباحثني والدارسني‪ ،‬بل هو من أهم املصاحبات النصية اليت‬
‫تس عفنا يف تفكي ك النص وتركيب ه‪ ،‬أو فهم ه وتأويل ه‪ .‬أض ف إىل ذل ك فظ اهرة اإله داء‬
‫تقليد أديب قدمي‪ ،‬يرتبط بظهور الكتاب‪ ،‬وقد انتقل من إهداء النسخة إىل إهداء الكتاب‬
‫املطبوع مع ظهور املطبعة‪ .‬ومن مث‪ ،‬فقد استفاد اإلهداء من إجيابيات الصناعة الطباعية‬
‫على مر العصور‪ .‬ومل يقتصر اإلهداء على السرد واملسرح فقط‪ ،‬بل جتاوزمها إىل الشعر‬
‫وباقي األجناس األدبية والكتابات األخرى‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬ويتكون اإلهداء من عناصر عدة‪ ،‬وهي‪ :‬املهدي‪ ،‬واملهدى إليه‪ ،‬والصيغة‪ ،‬وزمان‬
‫اإله داء‪ ،‬ومكان ه‪ .‬كم ا ينقس م اإله داء إىل إه داء ذايت وغ ريي‪ ،‬وإه داء خ اص وع ام‪،‬‬
‫وإهداء العمل والنسخة‪ ،‬وإهداء رمسي وشخصي‪ .‬ويف األخري‪ ،‬ال ميكن مقاربة اإلهداء‬
‫إال ب احرتام احملط ات األرب ع أال وهي‪ :‬البني ة‪ ،‬والدالل ة‪ ،‬والوظيف ة‪ ،‬والق راءة األفقي ة‬
‫والعمودية‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫الفصل الثامن‪:‬‬

‫سيميائية الخطاب الغالفي في الرواية العربية‬

‫المبحث األول‪ :‬الغالف عتبة ضرورية لفهم النص اإلبداعي‬

‫يعت رب اخلط اب الغاليف من أهم عناص ر النص املوازي ال يت تس اعدنا على فهم األجن اس‬
‫األدبي ة بص فة عام ة‪ ،‬والرواي ة بص فة خاص ة‪ ،‬على مس توى البن اء‪ ،‬والدالل ة‪ ،‬والتش كيل‪،‬‬
‫واملقص دية‪ .‬ومن مث‪ ،‬ف إن الغالف عتب ة ض رورية للول وج إىل أعم اق النص قص د اس تكناه‬
‫مضمونه‪ ،‬ورصد أبعاده الفنية‪ ،‬واستخالص نواحيه اإليديولوجية واجلمالية‪ .‬وبالتايل‪ ،‬فهو‬
‫أول م ا يواج ه الق ارئ قب ل عملي ة الق راءة والتل ذذ ب النص؛ ألن الغالف ه و ال ذي حيي ط‬
‫ب النص ال روائي‪ ،‬ويغلف ه‪ ،‬وحيمي ه‪ ،‬ويوض ح ب ؤره الداللي ة من خالل عن وان خ ارجي‬
‫مركزي‪ ،‬أوعرب عناوين فرعية‪ ،‬ترتجم لنا أطروحة الرواية أو مقصديتها أو تيمتها الداللية‬
‫العامة‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬مكونات الخطاب الغالفي‬

‫يتضمن الغالف اخلارجي اسم الروائي‪ ،‬وعنوان روايته‪ ،‬وجنس اإلبداع‪ ،‬وحيثيات الطبع‬
‫والنش ر‪ .‬عالوة على اللوح ات التش كيلية‪ ،‬وكلم ات الناش ر أو املب دع أو الناق د ت زكي‬
‫العم ل‪ ،‬وتثمن ه إجيابا وتق دميا وتروجيا‪ .‬وبالتايل‪ ،‬ف إن الغالف األديب والفين يش كل فضاء‬
‫نص يا وداللي ا ال ميكن االس تغناء عن ه ملدى أمهيت ه يف مقارب ة الرواي ة مب ىن‪ ،‬وفح وى‪،‬‬
‫ومنظورا‪.‬‬

‫وميكن اعتب ار العن اوين وأمساء املؤلفني وك ل اإلش ارات املوج ودة يف الغالف األم امي‪،‬‬
‫يقول محيد حلمداين‪ ،‬داخلة يف" تشكيل املظهر اخلارجي للرواية‪ ،‬كما أن ترتيب واختيار‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫مواق ع ك ل ه ذه اإلش ارات‪ ،‬الب د أن تك ون ل ه دالل ة مجالي ة أو قيمي ة‪ ،‬فوض ع االس م يف‬
‫أعلى الص فحة‪ ،‬ال يعطي االنطب اع نفس ه ال ذي يعطي ه وض عه يف األس فل‪ .‬ول ذلك غلب‬
‫تق دمي األمساء يف معظم الكتب الص ادرة ح ديثا يف األعلى‪ ،‬إال أن ه يص عب على ال دوام‬
‫ضبط التفسريات املمكنة وردود فعل القراء‪ ،‬وكذا ضبط نوعية التأثريات اخلفية اليت ميكن‬
‫أن ميارسها توزيع املواقع يف التشكيل اخلارجي للرواية إال إذا قام الباحث بدراسة ميدانيـ ــة‬
‫"‪.216‬‬

‫ويتكون الغالف اخلارجي للعمل األديب والفين واجهتني أساسيتني‪ :‬أمامية وخلفية‪ ،‬حيث‬
‫نستحضر يف الغالف األمامي اسم املبدع‪ ،‬والعنوان اخلارجي‪ ،‬والتعيني اجلنسي‪ ،‬والعنوان‬
‫الفرعي‪ ،‬وحيثيات النشر‪ ،‬والرسوم والصور التشكيلية‪ .‬أما يف ما خيص الغالف اخللفي‪،‬‬
‫فنلفي الصورة الفوتوغرافية للمبدع‪ ،‬وحيثيات الطبع والنشر‪ ،‬ومثن املطبوع‪ ،‬ومقاطع من‬
‫النص لالستشهاد‪ ،‬أو شهادات إبداعية أو نقدية‪ ،‬أو كلمات للناشر‪.‬‬

‫ويطبع الغالف الروائي هندسيا بأحجام خمتلفة ومتنوعة‪ :‬احلجم املتوسط‪ ،‬واحلجم الكب ري‪،‬‬
‫واحلجم الصغري (احلجم اجلييب)‪ .‬وغالبا‪ ،‬ما يتخذ النص الروائي حجما مستطيال‪ ،‬ويندر‬
‫وجود حجم املربع يف إخراج النص الروائ ــي‪.‬‬

‫‪ -‬محيد حلمداين‪ :‬بنية النص السردي من منظور النقد األدبي‪ ،‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة‬ ‫‪216‬‬

‫األوىل سنة ‪ 1991‬ص‪.60 :‬‬

‫‪116‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫المبحث الثالث‪:‬‬

‫الغالف بين التشكيل التجريدي والتشكيل الواقعي‬

‫حيم ل الغالف اخلارجي أيقون ات بص رية‪ ،‬وعالم ات تص ويرية وتش كيلية‪ ،‬ورس وما‬
‫كالسيكية واقعية ورومانسية‪ ،‬وأشكاال جتريدية‪ ،‬ولوحات فنية لفنانني مرموقني يف عامل‬
‫التش كيل البص ري‪ ،‬أو فن الرس م‪ ،‬للت أثري يف املتلقي والق ارئ املس تهلك‪ .‬ويع ين ه ذا أن‬
‫الغالف اخلارجي للعمل حيمل رؤية لغوية وداللة بصرية‪ .‬ومن مث‪ ،‬يتقاطع اللغوي اجملازي‬
‫م ع البص ري التش كيلي يف ت دبيج الغالف‪ ،‬وتش كيله‪ ،‬وتبئ ريه‪ ،‬وتش فريه‪ .‬ويتطلب ه ذا‬
‫الرس م التجري دي ال ذي تعج ب ه األغلف ة ال يت تتص در األعم ال الروائي ة "خ ربة فني ة عالي ة‬
‫ومتط ورة ل دى املتلقي إلدراك بعض دالالت ه‪ ،‬وك ذا للرب ط بين ه وبني النص‪ ،‬وإن ك انت‬
‫مهم ة تأوي ل ه ذه الرس وم التجريدي ة رهين ة بذاتي ة املتلقي نفس ه‪ ،‬فق د يكتش ف عالق ات‬
‫متاث ل بني العن وان أو النص‪ ،‬عن د قراءت ه ل ه‪ ،‬وبني التش كيل التجري دي‪ .‬وق د تظ ل ه ذه‬
‫العالقة قائمة يف ذهـ ـنــه‪.‬‬

‫ويف كلت ا احلالتني‪ ،‬يق وم الرس م ال واقعي والتجري دي مع ا‪ ،‬بال دور نفس ه ال ذي يق وم ب ه‬
‫اإلش هار بالنس بة للس لع‪ ،‬وتنتهي وظيف ة التش كيل اخلارجي بالنس بة للناش ر بلحظ ة اقتن اء‬
‫الكتاب من طرف القارئ‪ ،‬غري أن املؤلف يفرتض أن هذه الوظيفة حتافظ على بقائها مع‬
‫الكتاب على الدوام"‪.217‬‬

‫ويعين هذا أن الغالف اخلارجي يتأرجح‪ ،‬على مستوى التشكيل البصري واأليقوين‪ ،‬بني‬
‫ماهو تشخيصي واقعي أو رومانسي وانطباعي‪ ،‬وماهو جتريدي ورمزي‪.‬‬

‫‪ -‬محيد حلمداين‪ :‬بنية النص السردي‪ ،‬ص‪.60:‬‬ ‫‪217‬‬

‫‪117‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫المبحث الرابع‪ :‬سيمياء الخطاب الغالفي في الرواية العربية‬

‫اختذت الرواي ة العربي ة‪ ،‬يف مس ارها الطب اعي‪ ،‬أغلف ة ورقي ة وكارتوني ة عادي ة‪ ،‬وأغلف ة‬
‫متطورة من الناحية التقنية والتشكيلية والصناعة الرقمية‪ .‬كما اختذت أيضا طابعا لغويا‬
‫وطابع ا تش كيليا بص ريا‪ .‬وبتعب ري آخ ر‪ ،‬فق د اس تعملت الرواي ة العربي ة احلديث ة ن وعني من‬
‫الغ ــالف مها‪:‬‬

‫‪‬غالف يطبعه التشكيل الفن ــي‪.‬‬

‫‪ ‬غالف يطبعه الفراغ التشكيلي (رواية ( زينب) حملمد حسني هيكل مثال )‪.‬‬

‫أم ا التش كيل الغاليف‪ ،‬فق د اختذ ب دوره غالفني‪ :‬غالف ا بتش كيل واقعي‪ ،‬وغالف ا بتش كيل‬
‫جتريدي مع موجة التجريب والتجديد يف الرواية العربية املعاصرة‪.‬‬

‫ولقد حتدثنا عن التشكيل التجريدي الذي يرتبع على الغالف اخلارجي يف شكل عالمات‬
‫وأل وان وأش كال هندس ية جمردة عن احلس والواق ع‪ ،‬وحيم ل دالالت س يميائية مفتوح ة‪،‬‬
‫وهو يف حاجة ماسة إىل التفكيك والتأويل‪ .‬أما التشكيل الواقعي‪ ،‬فيشري بشكل مباشر"‬
‫إىل أح داث القص ة أو على األق ل إىل مش هد جمس د من ه ذه األح داث‪ ،‬وع ادة م ا خيت ار‬
‫الرسام موقفا أساسيا يف جمرى القصة‪ ،‬يتميز بالتأزمي الدرامي للحدث‪ ،‬وال حيتاج القارئ‬
‫إىل كبري عناء يف الربط بني النص والتشكيل بسبب داللته املباشرة على مضمون الرواية‪.‬‬
‫ويب دو أن حض ور ه ذه الرس وم الواقعي ة يق وم بوظيف ة إذك اء خي ال الق ارئ‪ ،‬لكي يتمث ل‬
‫بعض وق ائع القص ة وكأهنا جتري أمام ه‪ ،‬وق د حتت وي ص فحات الرواي ة الداخلي ة على‬
‫رس ومات مماثل ة‪ ،‬إم ا مبوازاة ك ل فص ل أو عن د فص ول بعينه ا‪ ،‬وتك ون ه ذه الرس ومات‬
‫الداخلية‪ ،‬عادة باألبيض واألسود‪ ،‬بينما تستخدم األلوان املختلفة يف التشكيل اخلارجي‪،‬‬

‫‪118‬‬
‫وتعت رب رواي ات جنيب حمف وظ مثال منوذجي ا الس تغالل الرس م ال واقعي يف تش كيل فض اء‬
‫النص بلوحات ذات طابع مشهدي"‪.218‬‬

‫ويع ين ه ذا أن التش كيل الغاليف ق د م ر مبرحل تني أساس يتني‪ :‬مرحل ة التش كيل ال واقعي‬
‫التشخيصي والفين‪ ،‬ومرحلة التجريد الرمزي مع أغلفة الرواية الطليعية وما بعد احلداثة‪.‬‬

‫المبحث الخامس‪ :‬الخطاب الغالفي وعتبة المؤلف‬

‫من املعل وم أن أهم عتب ة حيويه ا الغالف اخلارجي ه و اس م املؤل ف ال ذي يعني العم ل‬
‫األديب‪ ،‬وخيصص ه متي يزا وهوي ة‪ ،‬ومينح ه قيم ة أدبي ة وثقافي ة‪ ،‬ويس فره يف املك ان والزم ان‪،‬‬
‫ويس اعده على ال رتويج واالس تهالك‪ ،‬وجيذب الق ارئ املتلقي‪ .‬وي راد من تث بيت اس م‬
‫املؤلف العائلي والشخصي ختليده يف ذاكرة القارئ‪ .‬وإن اسم أي مؤلف على الغالف‪،‬‬
‫ال يعدو كونه ركاما من "احلروف امليتة"‪ " ،‬فحني يرتقي اسم املؤلف إىل مستوى النص‪،‬‬
‫فإن ه ينتعش ويتح رك‪ ،‬ويهب نفس ه حبق للق راءة‪ ،‬أم ا حني يقتص ر وج وده على الغالف‪،‬‬
‫فال يك ون موض وع ق راءة‪ ،‬ب ل عالم ة على أن املؤل ف مش هور أو ش به مع روف أو‬
‫جمهول"‪.219‬‬

‫وتطرح عتبة املؤلف إشكاليات منهجية ومعرفية متعددة كما يرى فيليب لوجون الذي‬
‫يقول‪" :‬أي دور تلعبه األمساء الشخصية‪ ،‬وخاصة اسم املؤلف‪ ،‬يف إدراك القارئ للجنس‬
‫ال ذي ينتمي إلي ه نص م ا‪ ،‬ومن مث يف اختي اره لكيفي ة قراءت ه؟ ه ل س أقرأ نص ا بالطريق ة‬

‫‪ -‬محيد حلمداين‪ :‬بنية النص السردي من منظور النقد األدبي‪ ،‬صص‪60-59 :‬؛‬ ‫‪218‬‬

‫‪219‬‬
‫‪- Jean Ricardou:"Quand le Texte parle de son paratexte, in:‬‬
‫;‪Poétique, n° 69, 1987‬‬
‫نفس ها إذا ك انت الشخص ية الرئيس ية حتم ل امسا خمتلف ا عن اس م املؤل ف‪ ،‬أو إذا ك انت‬
‫حتمل االسم نفسه " ‪.220‬‬

‫وهن اك ف رق كب ري ‪ -‬على مس توى الش عرية الس ردية‪ -‬بني املؤل ف على الغالف واملؤل ف‬
‫داخ ل النص؛ ألن من املؤك د أن املؤل ف مقيم ا يف الغالف اخلارجي ليس ه و ذات ه مقيم ا‬
‫يف الفض اء ال داخلي للنص‪ .‬ف املؤلف الغاليف ه و عب ارة عن ذات أوطوبيوغرافي ة ملموس ة‬
‫حسية خارجية مبدعة للكتاب والعمل والنص‪ .‬وبالتايل‪ ،‬فهو كائن من حلم ودم‪ .‬بينما‬
‫املؤلف داخل النص ماهو إال كائن ورقي خيايل وافرتاضي‪ ،‬يسبح يف عوامل جمازية وفنية‪.‬‬
‫فليس املقصود مبؤل ف النص الداخلي مايسمى بـ ـ "الذات الكاتب ة اخلارجي ة املرجعية‪ ،‬بل‬
‫املقص ود هبا م ا ت دعوه اإلنش ائية املعاص رة بـ ـ "املؤل ف الض مين‪ " ،‬أو "األن ا الروائي ة‬
‫األخ رى"‪ ،‬أو "املؤل ف اجملرد"‪ .‬أي‪ :‬ذل ك ال ذي ينحص ر وج وده داخ ل فض اء الرواي ة‪،‬‬
‫متنقال يف حمكياته بني تضاريس سردية متنوعة اإليقاع والتصوير‪.‬‬

‫وخالص ــة الق ــول‪ ،‬تلكم ‪ -‬إذًا‪ -‬نظ رة م وجزة ومبس طة إىل اخلط اب الغاليف ال ذي يع د‬
‫مبثابة جنرييك للعمل األديب‪ ،‬مبا يتضمنه من عالمات لغوية وبصرية‪ ،‬وما يشتمل عليه من‬
‫مؤشرات أيقونية‪ ،‬وإشارات سيميائية‪ ،‬وعتبات توضح طبيعة العمل‪ ،‬وتعني هويته‪ ،‬وحتدد‬
‫جنس ه األديب والف ين‪ .‬ومن مث‪ ،‬ف الغالف عتب ة أساس ية لفهم العم ل األديب وتفس ريه‪،‬‬
‫وخط وة ض رورية لتفكي ك املنت وج الف ين وال روائي‪ ،‬وتركيب ه يف مق والت ذهني ة نقدي ة أو‬
‫وصفية‪ ،‬أو جتميعه يف شكل خالصات تقوميية مكثفة دالليا وشكليا وتداوليا‪.‬‬

‫‪220‬‬
‫;‪- Philipe le jeune: Moi aussi, seuil, 1986, p: 37‬‬
‫الفصل التاسع‪:‬‬

‫شعرية الغالف الخارجي‬

‫يتض من الغالف اخلارجي للكت اب جمموع ة من العتب ات‪ ،‬من بينه ا‪ :‬عتب ة املؤل ف‪ ،‬وعتب ة‬
‫التجنيس‪ ،‬وعتبة األيقون‪ ،‬وعتبة حيثيات النشر‪ ،‬وعتبة كلمات الغالف اخلارجي‪ ،‬وعتبة‬
‫مثن النسخة‪ .‬وإليكم ‪ -‬اآلن‪ -‬دالالت كل عتبة على حدة‪:‬‬

‫المبحث األول‪ :‬عتبة األيقون‬


‫يستند الكاتب أو املبدع يف أعماله اإلبداعية‪ ،‬من شعر‪ ،‬وقصة‪ ،‬ورواية‪ ،‬ومسرحية‪ ،‬إىل‬
‫جمموع ة من العالم ات البص رية أو الفض ائية‪ .‬وتتمث ل ه ذه العالم ات األيقوني ة يف الص ور‬
‫الفوتوغرافي ة‪ ،‬واللوح ات التش كيلية‪ ،‬والفراغ ات البص رية الدال ة‪ ،‬واإلكسس وارات‬
‫السيميائية‪...‬‬

‫وغالب ا‪ ،‬م ا تتموق ع األدل ة األيقوني ة يف وس ط الغالف اخلارجي‪ ،‬حيث يش كل األيق ون‬
‫البص ري ن واة الغالف اخلارجي‪ ،‬أو بؤرت ه املركزي ة‪ ،‬من خالل تق اطع املق اس األفقي‬
‫للغالف م ع املق اس العم ودي‪ .‬ويف ه ذا الص دد‪ ،‬يق ول ميش يل بوت ور( ‪":) Butor‬إن‬
‫الكتاب‪ ،‬كما نعهده اليوم‪ ،‬هو وضع جمرى اخلطاب يف أبعاد املدى الثالثة‪ ،‬وفقا ملقياس‬
‫م زدوج‪ :‬طول الس طر‪ ،‬وعلو الص فحة‪ ،‬وهو وض ع يتيح للق ارئ حري ة كبرية يف التنق ل‬
‫بالنسبة إىل "تتابع" النص‪ ،‬ويعطيه قدرة كبرية على التحرك‪ ،‬وال غرو يف أن هذه القدرة‬
‫هي أقرب ما تكون لطريقة تقدمي أجزاء العمل األديب كلها يف آن واحد"(‪.)221‬‬

‫ويعين هذا الكالم أن الكتاب املعاصر‪ ،‬بأبعاده اهلندسية املتنوعة واملختلفة‪ ،‬يتيح للمتلقي‬
‫استكشاف عناصره‪ ،‬واستقصاء أجزاءه السيميائية بكل وضوح‪ ،‬مبا فيها أدلته األيقونية‬
‫وعالماته البصرية‪.‬‬
‫ويتش كل ال دليل األيق وين من اللوح ة‪ ،‬والص ورة‪ ،‬والكتاب ة‪ ،‬واملخط ط‪ ،‬واخلط وط‪،‬‬
‫واألل وان‪ ،‬واألض واء‪ ،‬والظالل‪ ،‬والعالم ات البص رية ال يت ت دخل يف عالق ة متاثلي ة م ع‬
‫موضوعاهتا املرجعية‪ ،‬مادامت هي أيقونات سيميائية ليس إال‪.‬‬
‫وتقوم األلوان جمتمعة بإضاءة الغالف‪ ،‬وإثارة املتلقي‪ ،‬واستفزازه ذهنيا ومعرفيا ووجدانيا‪،‬‬
‫وجتس يد لعب ة التناقض ات اجلدلي ة والس يميائية‪ ،‬وت أجيج الص راع الضدي الذي يرتجم ما‬
‫ب داخل الرواي ة ‪ -‬مثال‪ -‬من ب رامج س ردية متعارض ة يف قيمه ا وعوامله ا املنج زة‪ ،‬أو‬
‫مايوجد يف الديوان الشعري من أهواء وعواطف وانفعاالت متقابلة يف انسياهبا الشعوري‬
‫املتدفق‪ .‬وتتأرجح األلوان البصرية فوق الغالف بني ألوان باهتة وألوان ثرية وخصبة‪ ،‬أو‬
‫تتأرجح أيضا بني اإلضاءة والتعتيم‪.‬‬
‫وغالب ا‪ ،‬م ا تش خص الص ورة الغالفي ة اخلارجي ة القص د الع ام للمؤل ف‪ ،‬وختتزل دالالت‬
‫النص ومضامني العمل املعطى‪ ،‬وتستقصي مقاصدمها الذاتية واملوضوعية‪ ،‬بعد تتبع مق اطع‬
‫وفقرات ونصوص العمل املدروس‪ .‬وقد تكون العالقة بني الصورة والعمل عالقة توافقية‬
‫مباش رة‪ ،‬أو رمزي ة‪ ،‬أو موحي ة‪ .‬وق د تك ون عالق ة تن اقض ومفارق ة ونفي‪ ،‬فتص بح ه ذه‬
‫العالقة غامضة أو مبهمة‪ ،‬التوجد أي صلة بني الصورة والعنوان من جهة‪ ،‬أو مع العمل‬

‫‪ -‬ميش يل بوت ور‪ :‬بح ــوث في الرواي ــة الجدي ــدة‪ ،‬ترمجة فري د أنطوني وس‪ ،‬منش ورات عوي دات‪ ،‬ب ريوت‪،‬‬ ‫‪221‬‬

‫باريس‪ ،‬الطبعة الثالثة سنة ‪،1986‬ص ‪.112‬‬


‫كله من جهة أخرى‪.‬وهنا‪ ،‬نلتجئ إىل مسبار التأويل والتفكيك والرتكيب واالستكشاف‬
‫بغية البحث عن الدالالت العميقة الثاوية وراء ظاهر النص‪.‬‬
‫عالوة على ذلك‪ ،‬قد تكون الصورة لوحة مرافقة للعنوان‪ ،‬أو عنوانا بصريا ثانيا للعنوان‬
‫اللغ وي األول ال ذي يتمث ل يف العن وان اخلارجي؛ ألن األيق ون البص ري ي رتجم م ا ه و‬
‫لغوي‪ ،‬وحيول ه إىل لغ ة مشخص ة مرئي ة‪ ،‬يس هل على القارئ رص دها ومتثله ا وبناءها من‬
‫جدي د‪ .‬وهك ذا‪ ،‬خيتزل العن وان الغاليف‪ ،‬ببعدي ه البصـري‪-‬األيق وين‪ -‬واللغ وي‪ ،‬تض اريس‬
‫النص الوعرة‪ ،‬وشعابه املتعددة‪ ،‬ومتاهاته املوغلة‪ ،‬ويلخصه تكثيفا واختصارا‪ ،‬بينما ميطط‬
‫النص األيقون إطنابا وإسهابا وتفصيال‪ .‬وهذا ما يؤكد لنا أن العنوان ‪ -‬غالبا‪ -‬ما يتماثل‬
‫مع النص اإلبداعي إحالة وداللة‪ ،‬إن على مستوى البنية‪ ،‬أو الداللة‪ ،‬أو املقصدية‪.‬‬
‫وعلى أي ح ال‪ ،‬فك ل دال بص ري أو مسعي أو مها مع ا إال ول ه دالل ة‪ ،‬س واء أك انت‬
‫ش عورية أم ال ش عورية‪ .‬فليس ت هن اك دالل ة جماني ة أو مع ىن اعتب اطي‪ ،‬والس يما أن‬
‫السيمولوجيا قد بدأت تبحث عن دالالت كثري يف األنظمة التواصلية السمعية والبصرية‪،‬‬
‫مث ل‪:‬العالم ات الذوقي ة‪ ،‬والش مية‪ ،‬واللمس ية‪ ،‬واحلركي ة‪ ...‬ويوض ح برن ار توس ان (‪B.‬‬
‫‪ )Toussaint‬أن "الوضع على الورق من طباعة وكل عمل على مواد التعبري اللساين‬
‫املكت وب ميكن أن تغ ري من الوض ع دالل ة اإلرس الية‪ ،‬أدبي ة ك انت أم إيديولوجي ة أم‬
‫غريها"(‪.)222‬‬
‫أما العالقة بني اللوحة واإلبداع‪ ،‬فذات أمهية قصوى‪ .‬لذا‪ ،‬ينبغي رصدها‪ ،‬وسرب أغوارها‪،‬‬
‫بتفكيك الدوال‪ ،‬والبحث عن الدالالت؛ إذ "جيب أن يكون األثر الفين عالمة‪ ،‬هذا هو‬
‫الشرط األساسي‪ ،‬وباملعىن املزدوج لكلمة عالمة‪ :‬عنصر كتابة لداللة ما‪ ،‬ودعوة لآلخر‪.‬‬

‫‪ -‬برنارد توسان ‪ :‬ماهي السيميولوجيا؟ ترمجة‪ :‬حممد نظيف‪ ،‬أفريقيا الشرق‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األوىل‬ ‫‪222‬‬

‫سنة ‪ ،1994‬ص ‪.15‬‬


‫جيب أن حتم ل اللوح ة دالل ة‪ ،‬وجيب أن تش كل عالم ة يف موض وعها يف طريقته ا‪ ،‬يف‬
‫واقعتـها وقصـدها"(‪.)223‬‬
‫وهبذا كله‪ ،‬نكون قد ألقينا ولو نظرة مقتضبة إىل الشفرة األيقونية يف اخلطاب الغاليف يف‬
‫الكتاب ات اإلبداعي ة‪ ،‬وحاولن ا فهمه ا ق در املس تطاع ت أويال وتفس ريا‪ .‬وال ميكن إدع اء‬
‫ص واب احلقيق ة يف حتلي ل اللوح ات التش كيلية واألدل ة األيقوني ة‪ ،‬وإمنا يك ون طمعن ا يف‬
‫االق رتاب ق در اإلمك ان من تل ك احلقيق ة‪ ،‬وتأويله ا حس ب الس ياق النص ي ال داخلي‬
‫واخلارجي نظرا لتقاطع التشكيل مع الروائي على مستوى التعبري‪ ،‬مع مراعاة سياق مبدإ‬
‫التأويل‪ ،‬واحرتام قواعد االتساق واالنسجام‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬حيثي ــات النشــر‬


‫يقصد حبيثيات النشر (‪)le péritexte éditorial‬كل ما يتعلق بالناشر‪ ،‬وعمليات‬
‫الطبع‪ ،‬والسحب‪ ،‬والتوزيع‪ ،‬كحقوق التأليف‪ ،‬واإليداع القانوين الوطين والدويل‪ ،‬وعدد‬
‫الطبعات‪ ،‬وكمية املبيعات‪ ،‬ومكان الطبع وتارخيه‪ ،‬واللجنة اليت سهرت على طبع العمل‬
‫األديب‪ ،‬أو املؤسس ة العلمي ة ال يت ق امت بتمويل ه‪ ،‬ونش ره‪ ،‬وتوزيع ه‪ .‬أي‪ :‬ك ل م ا يتعل ق‬
‫بعملية اإلنتاج املادي والصناعي للكتاب‪ ،‬من عالمات الطبع‪ ،‬وشعارات النشر يف إطارها‬
‫الزمكاين‪ ،‬وكذا حتديد سعر املنتج‪ .‬وهنا‪ ،‬نتحدث عن سوسيولوجيا جتريبية للكتاب‪ ،‬يف‬
‫أبعادها الكمية والتجارية واإلشهارية‪ ،‬تتعلق باملؤلف والناشر واملوزع والقارئ على حد‬
‫سواء‪.‬‬
‫وتوج د حيثي ات النش ر يف معظم اإلب داعات الش عرية‪ ،‬والس ردية‪ ،‬والدرامي ة‪ .‬وتتض من‬
‫مركز الطبع أو النشر‪ ،‬وتبيان ترتيب الطبعة وتارخيها‪ ،‬وحتديد حقوق التأليف وامللكية‬
‫األدبية‪ ،‬والتشديد على املقر االجتماعي ملركز النشر‪ ،‬مع اإلشارة إىل عنوان املركز املادي‬
‫(اإلقام ة)‪ ،‬والعن وان الس لكي والالس لكي (اهلاتف‪ +‬الف اكس)‪ ،‬والتلميح إىل العن وان‬
‫‪ -‬برنارد توسان‪ :‬ماهي السيميولوجيا؟‪ ،‬ص ‪.79‬‬ ‫‪223‬‬
‫ال داخلي واخلارجي‪ ،‬وإثب ات كلم ات الناش ر‪ ،‬وع رض خمتل ف املنش ورات الص ادرة عن‬
‫املرك ز‪ ،‬م ع اإلش ارة إىل مثن النس خة الواح دة‪ .‬ويع ين ه ذا أن إحياءات حيثي ات النش ر‬
‫إحص ائية‪ ،‬وإش هارية‪ ،‬وجتاري ة‪ ،‬وقانوني ة‪ ،‬وإبداعي ة‪ ،‬وإعالني ة‪ ،‬وإداري ة‪ ،‬واقتص ادية‪،‬‬
‫وسوسيولوجية‪ .‬وهذه احليثيات ضرورية ملعرفة منتج الكتاب‪ ،‬وناشره‪ ،‬ومموله‪.‬ومن هنا‪،‬‬
‫يكون تسويق األعمال األدبية‪ -‬بال حمالة‪ -‬حمليا وعربيا ودوليا حسب قوة مراكز النشر‪،‬‬
‫وك ثرة فروعه ا من جه ة‪ ،‬ونظ را حلداث ة أعم ال املب دع وش هرهتا‪ ،‬وأص الته اإلبداعي ة من‬
‫جه ة ثاني ة‪.‬وهك ذا‪ ،‬خيض ع الكت اب‪ ،‬أو العم ل اإلب داعي‪ ،‬ملراح ل ع دة‪ :‬تقني ة‪ ،‬ومجالي ة‪،‬‬
‫وإبداعي ة‪ ،‬وجتاري ة‪ ،‬وإش هارية‪ .‬ل ذا‪ ،‬ينبغي على ال دارس أو الب احث الرتك يز دائم ا على‬
‫الشعور املؤل ف التج اري‪ ،‬ومعرف ة حوافزه املادي ة‪ ،‬مع اس تقراء حيثي ات النش ر والتوزيع‬
‫واالستهالك‪ ،‬والبحث عن أسباب جناح العمل أو فشله‪.‬‬
‫ويالحظ أن حيثيات النشر تتموقع فوق نطاق فضائي ومادي من الغالف اخلارجي من‬
‫الناحيتني‪ :‬األمامية واخللفية؛ إذ تكتفي الواجهة األمامية باسم املؤلف‪ ،‬والتعيني اجلنسي‪،‬‬
‫وال دليل األيق وين(اللوح ة والص ورة‪...)...‬بينم ا حتوي الوجه ة اخللفي ة ‪ -‬غالب ا‪ -‬كلم ات‬
‫الناش ر‪ ،‬وس رية املب دع‪ ،‬ومثن النس خة‪ .‬وتنض م إىل الواجه تني مع ا‪ :‬وجه ة داخلي ة‪ ،‬وهي‬
‫امت داد وتكمل ة للغالف اخلارجي‪ ،‬وتش مل العن وان‪ ،‬واس م املؤل ف‪ ،‬وت اريخ الطبع ة‬
‫وترتيبه ا‪ ،‬ومرك ز الطب ع والنش ر والتوزي ع‪ ،‬واإلي داع الق انوين الوط ين وال دويل‪.‬ومن مث‪،‬‬
‫فهذه املنطقة من مسؤولية الناشر أو الطابع‪ ،‬وقد يشاركه املبدع يف اختيار بعض التقنيات‬
‫الطباعي ة‪ ،‬وانتق اء ن وع الغالف أو بعض الص ور مثال‪ .‬وه ذا كل ه ي دخل يف علم‬
‫الببليولوجي ا‪ ،‬أو علم ص ناعة الكت اب(‪ .)Bibliologie‬وق د ارتبطت حيثي ات النش ر‬
‫بالكتاب مع ظهور املطبعة‪ ،‬وتطورت تقنيا وفنيا ومجاليا بتطور تقنيات الطباعة املعاصرة‪.‬‬
‫ولكن ال يع ين ه ذا أن الق دماء‪ ،‬مبا فيهم الع رب‪ ،‬مل يعرف وا ه ذه احليثي ات‪ ،‬فق د ع رف‬
‫الكتاب العريب هذه احليثيات‪ ،‬بشكل من األشكال‪ ،‬كما يدل على ذلك اهتمام املؤلفني‬
‫باملؤلف‪ ،‬واخلط‪ ،‬والعنوان‪ ،‬وتنقيح النسخة‪...‬‬
‫ويعد حجم الكتاب من أهم حيثيات النشر؛ إذ يوجد احلجم الطويل‪ ،‬واحلجم املتوسط‪،‬‬
‫واحلجم القص ري‪ .‬وك انت الكتب القيم ة واجلادة تكتب يف حجم طوي ل‪.‬يف حني‪ ،‬تطب ع‬
‫الكتب األق ل أمهي ة وجدي ة يف احلجم اجلي يب‪ ،‬كالرواي ات املس لية‪ ،‬والقص ص‬
‫القصرية‪...‬وهنا‪ ،‬تلعب املقاسات أمهية كربى يف تزيني الكتاب‪ ،‬كالطول‪ ،‬واملقاس األفقي‬
‫واملقاس العم ودي من جه ة‪ ،‬ومق اس املس احة ومقاس احمليط من جه ة ثاني ة‪ .‬وقد ينس خ‬
‫الكت اب يف ص فحة واح دة‪ ،‬حيث تبقى الص فحة املقابل ة األخ رى فارغ ة‪ ،‬أو ق د ينس خ‬
‫الكت اب ع رب ص فحات متتالي ة ومتعاقب ة‪ .‬وهن اك من يقس م الص فحة الواح دة إىل ع دة‬
‫من اطق‪ :‬املنت‪ ،‬واحلاش ية‪ ،‬وحاش ية احلاش ية‪ ،‬والتعلي ق على احلاش ية‪ ،‬وهلم ج را‪ ...‬وق د‬
‫يتعدد الكتاب إىل أجزاء‪ ،‬وحلقات‪ ،‬وجمزوءات‪ .‬وقد يتوزع الكتاب إىل مقدمة‪ ،‬وتقدمي‪،‬‬
‫ومدخل‪ ،‬وأقسام‪ ،‬وأبواب‪ ،‬وفصول‪ ،‬ومباحث‪ ،‬ومطالب‪ ،‬وخامتة‪ ،‬وملحقات‪ ،‬وفهارس‬
‫من جهة‪ ،‬أو إىل مشاهد ومناظر وفصول كما يف املسرحية من جهة أخرى‪...‬‬
‫وقد خيتلف غالف الكتاب من مطبعة إىل أخرى حسب التطور التقين والطباعي‪ .‬كما‬
‫خيتلف اخلط ومنط الكتابة من نسخة إىل أخرى‪ .‬وتتجسد قيمة الكتاب احلقيقة يف تعدد‬
‫طبعات الكتاب‪ ،‬وازدياد كمية املبيعات نشرا‪ ،‬وتوزيعا‪ ،‬واستهالكا‪ .‬عالوة على ذلك‪،‬‬
‫ميكن التمي يز بني طبع ات الكت اب التجاري ة البس يطة ال يت تطب ع يف ش كل كتب اجليب‪،‬‬
‫وطبع ات الكت اب األص لية ال يت ق د تطب ع يف أحج ام كب رية أو متوس طة‪ .‬ومن هن ا‪ ،‬ميكن‬
‫احلديث عن أن واع ع دة من الكتب‪ :‬طبع ات ص فراء تراثي ة‪ ،‬وطبع ات جامعي ة‪ ،‬وطبع ات‬
‫جيبي ة‪ ،‬وطبع ات جتاري ة تس ويقية‪ ،‬وطبع ات أكادميي ة‪ ،‬وطبع ات عادي ة‪ ،‬وطبع ات‬
‫كالسيكية‪ ،‬وطبعات صحفية‪ ،‬وطبعات مطوية‪...‬‬
‫وك انت أغلف ة الكتب تص نع‪ ،‬ع رب م رور الت اريخ‪ ،‬من ال ورق‪ ،‬أو من الك ارتون‪ ،‬أو من‬
‫اجلل د‪ ،‬أو من س عف النخي ل‪ .‬ويتض من ه ذا الغالف ‪ -‬حس ب ج ريار ج نيت‪ -‬ك ل‬
‫املعطي ات ال يت يع ىن هبا الناش ر أو الط ابع‪ ،‬كاس م املؤل ف احلقيقي أو املس تعار‪ ،‬وص ورته‪،‬‬
‫وس ريته‪ ،‬وعن وان الكت اب‪ ،‬والتع يني اجلنس ي‪ ،‬وأمساء املرتمجني أو املق دمني أو النق اد أو‬
‫املشرفني على الكتاب‪ .‬باإلضافة إىل اإلهداء‪ ،‬واملقتبس‪ ،‬وكلمة الشكر والتنويه‪ ،‬وتوقيع‬
‫الكاتب‪ ،‬واللوحات التش كيلية‪ ،‬أو الص ور الفوتوغرافية‪ ،‬ومكان الطبع وزمانه‪ ،‬وعنوان‬
‫مؤسسة الطبع‪ ،‬ووضعها القانوين‪ ،‬ومثن الطبع‪ .224‬ويعين هذا أن الغالف اخلارجي حيوي‬
‫معطيات رقمية‪ ،‬ولغوية‪ ،‬وتقنية‪ ،‬وطباعية‪ ،‬وسيميائية‪ ،‬وتشكيلية متنوعة وثرية‪.‬‬
‫عالوة على ذل ك‪ ،‬خيض ع الكت اب احلديث أو املعاص ر بص فة عام ة لل رتقيم الوط ين أو‬
‫ال دويل‪ ،‬أو م ا يس مى أيض ا باإلي داع الق انوين‪ .‬وق د ظه رت ش فرة (‪ ISBN‬أو‬
‫‪ )International Standard Book Number‬سنة ‪1975‬م‪ ،‬للتدليل على‬
‫ال رتقيم التص نيفي ال دويل للكت اب‪ .‬وبالت ايل‪ ،‬تؤش ر ه ذه الش فرة على لغ ة الطب ع أوال‪،‬‬
‫فالطابع أو الناشر ثانيا‪ ،‬مث رقم ترتيب الكتاب ثالثا‪ ،‬مث مفتاح املراقبة اإللكرتونية رابعا‪.‬‬
‫ومن ناحي ة أخ رى‪ ،‬ميكن احلديث داخ ل الكت اب عن ص فحات بيض اء فارغ ة تك ون يف‬
‫بداي ة الكت اب‪ ،‬وص فحة العن وان‪ ،‬وص فحة حيثي ات النش ر‪ ،‬وص فحة اإله داء‪ ،‬وص فحة‬
‫التق دمي‪ ،‬وص فحة املقدم ة‪ ،‬وص فحات املنت‪ ،‬وص فحة اخلامتة‪ ،‬وص فحات املالح ق‬
‫والفه ارس والببليوغرافي ات‪ ،‬وص فحة النق د‪ ،‬وص فحة املنش ورات‪ .‬وق د تك ون الص فحة‬
‫صفراء‪ ،‬أو بيضاء‪ ،‬أو ملونة‪...‬‬
‫وعلي ه‪ ،‬فحيثي ات النش ر هلا وظ ائف متع ددة‪ ،‬كالوظيف ة اإلش هارية ال يت تتمث ل يف ك ون‬
‫الكت اب س لعة جتاري ة ق ادرة على ج ذب املتلقي املس تهلك‪ .‬فض ال عن وظيف ة اإلث ارة‪،‬‬
‫فالكت اب ميكن أن يث ري املتلقي مبحت واه القض وي‪ ،‬أو جيذب ه بفنيات ه اجلمالي ة‪ ،‬أو بتقنيات ه‬
‫الطباعي ة‪ .‬دون أن ننس ى الوظ ائف األخ رى‪ ،‬كالوظيف ة اجلمالي ة‪ ،‬والوظيف ة الس يميائية‪،‬‬
‫والوظيفة األيقونية‪ ،‬والوظيفة التواصلية‪ ،‬والوظيفة السوسيولوجية‪...‬‬

‫‪224‬‬
‫‪-G.Genette : Seuils, P : 27.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬كلمــات الغالف أو كلمات الناشر‬

‫تع د كلم ات الناش ر واستش هاداته من أهم عناص ر النص املوازي‪ .‬وتعت رب أيض ا من أهم‬
‫ملحقات النص احمليط الداخلي‪ .‬فهذه الكلمات املناصية توجز لنا مضامني اإلبداع‪ ،‬وتبني‬
‫لن ا أش كاله التعبريي ة‪ ،‬وترص د لن ا خمتل ف أمناط ه الس ردية والش عرية والدرامي ة‪ .‬ومن جه ة‬
‫أخرى‪ ،‬تقوم بتبئري أهم حلظات السرد أو النص الشعري أوالدرامي‪ ،‬مع إبراز أهم مقاطع‬
‫العم ل اإلب داعي‪ ،‬وتس ييجها بإط ار داليل ووظيفي‪ .‬وهلذه الكلم ات أمهي ة كب رية؛ ألن‬
‫اختياره ا واقتباس ها خيدم أطروح ة النص‪ ،‬ويؤك د مقص ديته العام ة‪ .‬ومن مث‪ ،‬تض يء‬
‫كلمات الناشر‪ ،‬يف الغالف اخلارجي اخللفي‪ ،‬الكون اإلبداعي يف شكل عبارات منتقاة‪،‬‬
‫وشهادات مركزة‪ ،‬ومقتبسات مقطعية هادفة‪ .‬وقد تتضمن هذه الكلمات مجال أو نصا‬
‫بكامله يف بعض األحيان األخرى‪ ،‬وقد يكون هذا النص إبداعا‪ ،‬أو وصفا‪ ،‬أو تعليقا‪ ،‬أو‬
‫تقدميا‪ ،‬أو نقدا‪.‬‬
‫إذًا‪ ،‬نستنتج أن الناشر هو الذي يقوم بإثبات كلمات الغالف مبفرده‪ ،‬أو بإشراك املبدع‬
‫أو الناقد‪ ،‬أو مصمم الغالف‪ ،‬أو الفنان التشكيلي أو التقين‪.‬وغالبا‪ ،‬ما توضع الكلمات يف‬
‫الغالف اخلارجي من الناحية اخللفية‪ .‬وقد تكون هذه الكلمات يف أعلى الصفحة‪ ،‬أو يف‬
‫وسطها‪ ،‬أو يف أسفلها‪ .‬ويتبني لنا من هذا كله أن الكلمات املثبتة على الغالف اخلارجي‬
‫هي إما قراءات نقدية‪ ،‬وأحكام وصفية ذات مصدر خارجي‪ ،‬وإما مقاطع إبداعية ذات‬
‫مصدر داخلي‪ ،‬مأخوذة إما من بداية العمل األديب‪ ،‬وإما من وسطه‪ ،‬وإما من هنايته‪.‬‬
‫وترتاوح هذه الكلمات املثبتة يف الغالف اخلارجي اخللفي بني أحجام ثالثة‪ :‬حجم صغري‪،‬‬
‫وحجم متوس ط‪ ،‬وحجم ص غري‪.‬وتتن وع كلم ات أغلف ة األعم ال اإلبداعي ة من حيث‬
‫التلوين‪ .‬فهناك كلمات مكتوبة خبط أسود‪ ،‬وكلمات مكتوبة خبط ملون‪...‬‬
‫ويرى الباحث املغريب نبيل منصر أن هذا اجلنس اخلطايب" ينهض بوظيفة إشهارية وجتارية‬
‫لرتويج الكتاب‪ ،‬وتنمية مبيعاته‪.‬ومن مثة‪ ،‬اليستدعي هذا النص املوازي مسؤولية املؤلف‬
‫إال بدرج ة حمدودة‪ ،‬ب الرغم من وض عية التواف ق القائم ة أو املفرتض ة بين ه وبني ناش ر‬
‫أعماله‪.‬وتأخذ هذه النصوص هيئة ملصقات أو إعالنات إشهارية (مبثوثة أو منشورة) أو‬
‫تقارير موجهة إىل الكتبيني أو خمصصة للوكالء‪ ،‬وهي تذكر مبلفوظ االلتماس‪ ،‬اخلطاب‬
‫املنح در من التقالي د التأليفي ة للق رن التاس ع عش ر‪ ،‬وال ذي ال يكتفي ب اإلعالن عن‬
‫الصدور(وظيفة إش هارية)‪ ،‬بل يعم ل أحيانا على ش رح العنوان‪ ،‬وبسط املفتاح التيمايت‬
‫واخلطايب للنص‪ .‬وسيأخذ هذا النوع من النصوص دفقا أكرب يف زمن الثورة اإلعالمية‪،‬‬
‫حيث سيتم استثمار دعائم أخرى يف إشهار النصوص وتروجيها‪.‬وكثريا ما يشارك املؤلف‬
‫نفسه يف هذا النوع من األنشطة مبا يناسب احرتافيته وكياسته‪"225.‬‬
‫وبن اء على م ا س بق‪ ،‬تع د كلم ات الناش ر‪ ،‬أو كلم ات الغالف اخلارجي‪ ،‬عتب ة أساس ية‬
‫لرص د العم ل اإلب داعي فهم ا وتفس ريا وت أويال‪ .‬ومن جه ة أخ رى‪ ،‬تس عف الب احث أو‬
‫ال دارس أو املؤول يف إدراك دالالت ه ذا العم ل املعطى‪ ،‬واستكش اف دالالت ه املباش رة‬
‫وغري املباش رة‪ ،‬واستقص اء رؤاه املرجعي ة واإليديولوجية‪ ،‬وتذوق خمتلف فنيات ه ومجاليته‪،‬‬
‫وإدراك أسرار بناء شكله اخلطايب‪.‬‬
‫وخالص ة الق ول‪ ،‬تلكم هي نظرة م وجزة ومقتض بة إىل مكونات شعرية اخلط اب الغاليف‬
‫الذي يعد‪ ،‬حبق وحقي ق‪ ،‬جنرييك العم ل األديب‪ ،‬مبا يتضمنه من عالمات لغوية وبص رية‬
‫متنوع ة‪ ،‬وم ا يش تمل علي ه من مؤش رات أيقوني ة‪ ،‬وإش ارات س يميائية‪ ،‬وعتب ات توض ح‬
‫طبيعة العمل‪ ،‬وتعني هويته‪ ،‬وحتدد جنسه األديب والفين‪.‬‬

‫‪ -‬نبيل منصر‪ :‬الخطــاب المــوازي للقصــيدة العربيــة المعاصــرة‪ ،‬دار توبقال للنشر‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة‬ ‫‪225‬‬

‫األوىل سنة ‪2007‬م‪ ،‬ص‪.99:‬‬


‫ومن مث‪ ،‬ف الغالف عتب ة أساس ية لفهم العم ل األديب وتفس ريه وتأويل ه‪ .‬كم ا يع د خط وة‬
‫ض رورية لتفكي ك املنتج اإلب داعي والفين واجلم ايل‪ ،‬وتركيبه يف مقوالت ذهنية نقدية أو‬
‫وصفية‪ ،‬أو جتميعه يف شكل خالصات تقوميية مكثفة دالليا‪ ،‬وشكليا‪ ،‬وتداوليا‪.‬‬

‫الفصل العاشر‪:‬‬

‫المستنسخات التناصية‬

‫يع د التن اص من أهم املف اهيم النقدي ة ال يت اهتمت هبا الش عرية الغربي ة وم ا بع د البنيوي ة‬
‫والس يميائيات النص ية؛ ملا ل ه من فعالي ة إجرائي ة يف تفكي ك النص وتركيب ه‪ ،‬والتغلغ ل يف‬
‫أعماق النص وال شعوره اإلبداعي‪.‬‬
‫وإذا ك ان التن اص مص طلحا نق ديا تس لح ب ه النق اد الع رب األق دمون بتس ميات عدي دة‪،‬‬
‫مث ل‪ :‬الس رقات الش عرية‪ ،‬والتض مني‪ ،‬والنح ل‪ ،‬واالنتح ال‪ ،‬واألخ ذ‪ ،‬والت أثر‪ ،‬ف إن النق اد‬
‫والدارسني الغربيني ابتعدوا عن مفهوم السرقة ( ‪ ) Plagiat‬القدحي‪ ،‬فعوضوه مبصطلح‬
‫التن اص ب ديال من ه‪ ،‬واهتم وا باجلانب اإلجيايب في ه ال ذي يتمث ل يف البحث عن أص ول‬
‫اإلبداع‪ ،‬ومكوناته اجلننينية‪ ،‬وعالقات التفاعل والتأثر والتأثري‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬مفهوم التناص وأهميته‬


‫يعد التناص من أهم املفاتيح اإلجرائية لفهم األدب املقارن‪ ،‬ورصد عملية التثاقف واحلوار‬
‫بني احلض ارات والثقاف ات اإلنس انية يف ش ىت اجملاالت الفكري ة والفني ة واألدبي ة‪ .‬ويعت رب‬
‫كذلك أداة ناجعة ملقاربة النص األديب‪ ،‬واستنطاق سننه اللغوي وبنيته العميقة‪ ،‬والدخول‬
‫إىل أغوار النص‪ ،‬واستكناه دالالته وتفاعالته اخلارجية والداخلية‪ .‬ألن النص مهما كان‪،‬‬
‫فه و ش بكة من التف اعالت الذهني ة‪ ،‬ونس ق من املص ادر املض مرة والظ اهرة ال يت تت وارى‬
‫خل ف األس طر‪ ،‬وتتم دد يف ذاك رة املتلقي ع رب آلي ات‪ ،‬مث ل‪ :‬املعرف ة اخللفي ة‪ ،‬وترس بات‬
‫ال ذاكرة‪ ،‬واخلطاط ات النص ية‪ ،‬والس يناريوهات التص ورية‪ ،‬والت داخل النص ي‪ ،‬وتع دد‬
‫األصوات‪ ،‬واألسلبة‪ ،‬والباروديا‪ ،‬والتهجني‪...‬‬
‫ويدل التناص كذلك على أن النص األديب عصارة من التفاعالت والتعالقات النصية اليت‬
‫تتم على املستويني‪ :‬الداليل والشكلي‪ .‬والتناص أيضا جمموعة من األصوات واإلحاالت‬
‫ال يت تنص هر يف النص األديب بطريق ة واعي ة أو غ ري واعي ة‪ ،‬أو ه و الت داخل النص ي بص فة‬
‫عامة‪.‬‬
‫ومادام التناص موجودا‪ ،‬فمن الصعب احلديث عن إبداع أصيل خالص للمبدع‪ ،‬أو عن‬
‫النص األب‪ ،‬أو النص األص ل‪ -‬كم ا ي رى روالن ب ارت يف كتاب ه ( درس‬
‫الس ــيميولوجيا )‪،226‬ب ل النص وص اإلبداعي ة هي امتص اص وحماك اة للنص وص الس ابقة‪،‬‬
‫وتفاعل معها عرب عمليات احلوار‪ ،‬والنقد‪ ،‬واألسلبة‪ ،‬والباروديا‪ ،‬والتهجني‪ ،‬والسخرية‪،‬‬
‫واحلوارية‪...‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬التناص في الحقل الغربي‬


‫إذا كان التناص مصطلحا معروفا يف النقد العريب بدالالت أخرى (التضمني‪ ،‬واالقتباس‪،‬‬
‫واإلحال ة‪ ،)...‬ف إن الغ رب ق د ط ور ه ذا املفه وم‪ ،‬وأص بح تقني ة فعال ة وإجرائي ة يف فهم‬
‫النص وتفسريه‪ ،‬وآلية منهجية يف مقاربة اإلبداع وتشرحيه قصد إثرائه بالدالالت الظاهرة‬
‫أو املض مرة‪ .‬وأص بح املب دع ‪ -‬الي وم‪ -‬يك ثر من اإلح االت التناص ية‪ ،‬واملستنس خات‬
‫النصية‪ ،‬والرموز املوحية‪ ،‬واخللفيات املسكوت عنها إىل أن أصبح النص مصبا للنصوص‪،‬‬
‫وفض اء الخ تزال أفك ار الس ابقني يف إط ار عص ارة تناص ية‪ ،‬حتت اج إىل اس تنطاقها‬

‫‪ -‬روالن بارت‪ :‬درس السـيميولوجيا‪ ،،‬ترمجة عبد السالم بنعبد العايل‪ ،‬دار توبقال‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬طبعة‬ ‫‪226‬‬

‫‪1985‬م‪ ،‬ص‪.63:‬‬
‫واس تجالئها قص د حتدي د مرجعي ات الك اتب‪ ،‬وتبي ان مص ادره الثقافي ة‪ ،‬ورص د األص ول‬
‫املولدة لفكره‪ ،‬واستكشاف رؤيته للعامل‪.‬‬
‫ويعد جنس الرواية (دون أن نقصي الشعر والدراما‪ )...‬الفن األديب الوحيد الذي يزخر‬
‫بالتفاعالت التناصية‪ ،‬والتداخالت احلوارية‪ ،‬والتعالق التفاعلي‪ ،‬كما أشار إىل ذلك كثري‬
‫من الدارس ني واملنظ رين‪ ،‬والس يما ميخائي ل ب اختني‪ ،‬وجولي ا كريس تيفا‪ ،‬وگرمياس‪،‬‬
‫وروالن بارت‪ ،‬وتودوروف‪ ،‬وجريار جنيت‪ ،‬وكل الباحثني الذين درسوا النص املوازي‬
‫وعتبات ه‪ .‬وتعت رب الرواي ة أيض ا اجلنس األديب األك ثر انفتاح ا على ال ذات واملوض وع‪،‬‬
‫والنص وص الس ابقة أو الراهن ة تعالق ا وتف اعال‪ .‬وه و ك ذلك جنس أديب تنص هر في ه ك ل‬
‫األجن اس األدبي ة‪ ،‬واألس اليب‪ ،‬واخلطاب ات النص ية‪ .‬أي‪ :‬إن الرواي ة مظه ر ب ارز للتن اص‪،‬‬
‫والتداخالت املناصية‪ ،‬وتكاثر املستنسخات واإلحاالت‪ ،‬واألصوات األجناسية؛ وهذا ما‬
‫جعل باختني وجوليا كريستيفا يهتمان اهتماما شديدا هبذا اجلنس األديب‪ ،‬عندما انكب‬
‫ب اختني من جه ة على رواي ات دوستيفس كي‪ ،‬واهتمت كريس تيفا من جه ة أخ رى‬
‫بسيميائية اخلطاب الروائي‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬التناص في الحقل العربي‬


‫بدأ االهتمام بالتناص يف العامل العريب يف أواخر السبعينيات من القرن العشرين‪ ،‬مع بعض‬
‫النق اد املغ اربيني واللبن انيني‪ ،‬كمحم د مفت اح‪ ،‬وس عيد يقطني‪ ،‬وحمم د ب نيس‪ ،‬وبش ري‬
‫القم ري‪ ،‬وس امي س ويدان‪ ...‬وراح وا يفرعون ه يف ش كل أن واع وأقس ام ومف اهيم‬
‫اصطالحية‪ ،‬حيللون هبا النصوص األدبية العربية القدمية واحلديثة حتليال ونقدا حىت أصبح‬
‫ه ذا املفه وم النق دي ش ائعا يف الس احة الثقافي ة العربي ة‪ ،‬وقلم ا ختل و من ه دراس ة أدبي ة أو‬
‫نقدية‪.‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬آليات التناص‬
‫ينبغي للناقد‪ ،‬أو احمللل‪ ،‬أو القارئ‪ ،‬أن يعرف جمموعة من آليات التناص يف أثناء مقاربته‬
‫للنص األديب؛ ألهنا ستساعده على استكناه النص‪ ،‬وسرب أغواره‪ .‬ونذكر من هذه اآلليات‬
‫اإلجرائية املفاهيم التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬املستنسخات النصية ( ألفاظ وشواهد وعبارات واقتباسات بارزة‪.)...‬‬
‫‪ -2‬املقتبس ات النص ية ( تك ون يف بداي ة الرواي ة أو الفص ل أو املنت‪ ،‬يف ش كل نص وص‬
‫ومقاطع وفقرات‪ ،‬موضوعة بني عالمات التنصيص تضيء الرواية تفاعال وحوارا‪.)...‬‬
‫‪ -3‬العبارات املسكوكة ( أمثال وحكم وعبارات مسكوكة يف نسقها اللغوي والبنيوي‬
‫بطريق ة كلي ة عض وية ومتوارث ة جيال عن جي ل‪ ،‬مث ل‪:‬أكلت ي وم أك ل الث ور األبيض‪ ،‬من‬
‫جد وجد ومن زرع حصد‪ ،‬راح يصطاد اصطادوه‪.)...‬‬
‫‪ -4‬اهلوامش النص ية‪ :‬ي ورد املب دع املنت يف عمل ه اإلب داعي‪ ،‬ويذيل ه هبوامش إحالي ة‬
‫ومرجعية‪ .‬وغالبا‪ ،‬ما توضع هذه اهلوامش يف أسفل النص‪ ،‬أو يف آخر العمل‪ ،‬حيث تق وم‬
‫بوظيفة الوصف والتفسري ملا غمض من النص‪ ،‬وما حيمله من إشارات نصية‪ ،‬كما فعل‬
‫عبد اهلل العروي يف روايته(أوراق)‪.‬‬
‫‪ -5‬احلواش ي النص ية‪ :‬ق د يرف ق املب دع نص ه حبواش يف بداي ة العم ل‪ ،‬أويف هنايت ه‪ ،‬أو يف‬
‫آخره لتفسري النص‪ ،‬بتحديد سياقه‪ ،‬أوإبراز مناسبته‪ ،‬أو شرح بعض األلفاظ‪ ،‬أو تفسري‬
‫بعض أمساء األعالم‪ ،‬أو تعيني املهدى له هذا العمل‪ ،‬أو تبيان الدواعي اليت دفعته لكتابة‬
‫النص وحتبريه‪....‬‬
‫‪ -6‬االقتباس‪ :‬هو أن يأخذ املبدع القرآن والسنة‪ ،‬ويدرجهما يف كالمه بطريقة صرحية‬
‫أو غري صرحية‪...‬‬
‫‪ -7‬التضمني‪ :‬ويعين أن يضمن املبدع كالمه شيئا من مشهور الشعر أو النثر لغريه من‬
‫األدباء والشعراء‪...‬‬
‫‪ -8‬احملاكاة‪ :‬يلتجئ املبدع إىل توظيف املقتبس أو املستنسخ بطريقة حرفية دون أن يبدع‬
‫فيها‪.‬‬
‫‪ -9‬اإلحال ة‪ :‬غالب ا‪ ،‬م ا جند الك اتب يوظ ف بعض الكلم ات أو العب ارات ال يت ت وحي‬
‫بإشارات أو إحاالت مرجعية رمزية أو أسطورية‪.....‬‬
‫‪ -10‬املن اص ‪ :métatexte‬ينطل ق املب دع من عم ل أو ح دث أو فك رة أو مرج ع أو‬
‫مصدر ملبدع آخر‪ ،‬فيحاول حماكاته أو نقده وحماورته‪ ،‬كما فعل بنسامل محيش يف روايته(‬
‫العالمة)‪ ،‬حيث انطلق‪ ،‬يف حتبيك روايته ومتطيطها‪ ،‬من سرية العالمة ابن خلدون بطريقة‬
‫ختييلية فنية رائعة‪.‬‬
‫‪ -11‬االستشهاد‪ :‬يورد املبدع جمموعة من االستشهادات اليت يضعها بني قوسني‪ ،‬أو بني‬
‫عالمات التنصيص بغية االستدالل‪ ،‬واإلحالة‪ ،‬وتدعيم قوله‪.‬‬
‫‪ -12‬البارودي ا‪ :‬هي عب ارة عن حماك اة س اخرة بامتي از‪ ،‬يتق اطع فيه ا الواق ع والالواق ع‪،‬‬
‫احلقيقة والالحقيقة‪ ،‬اجلد والسخرية‪ ،‬النقد والضحك اللعيب‪.‬‬
‫‪ -13‬التهجني أو األسلبة‪ :‬املزج بني لغتني اجتماعيتني يف ملفوظ لغوي وأسلويب واحد‪.‬‬
‫وه ذا يع رب عن البولوفوني ة(التعددي ة) اللغوي ة القائم ة على تع دد األص وات‪ ،‬واللغ ات‪،‬‬
‫واألساليب‪ ،‬واخلطابات‪ ،‬واملنظورات السردية‪ .‬ويعرب هذا التعدد يف احلقيقة عن التعددية‬
‫االجتماعية‪ ،‬واختالف الشخصيات يف الوعي‪ ،‬واجلذور االجتماعية والطبقية‪.‬‬
‫‪ -14‬احلوار التف اعلي‪ :‬يع د أعلى مرتب ة يف التواص ل م ع النص وص‪ ،‬والتع الق هبا‪،‬‬
‫واستنساخها‪ .‬أي‪ :‬إن املبدع ال يقف عند حدود االمتصاص‪ ،‬واالجرتار‪ ،‬واالستفادة‪ ،‬بل‬
‫يعمد إىل ممارسة النقد واحلوار‪.‬‬
‫‪ -15‬املعرف ة اخللفي ة‪ :‬هي تل ك املعرف ة ال يت يتس لح هبا ق ارئ النص اعتم ادا على التش ابه‬
‫النصي‪ ،‬والسيناريوهات‪ ،‬واخلطاطات‪ ،‬واملدونات اليت حيلل هبا النص‪ ،‬ويفككه تشرحيا‪،‬‬
‫ويعيد تركيبه من جديد‪.‬‬
‫‪ -16‬النص املوازي‪ :‬هو عبارة عن جمموعة من العتبات احمليطة داخليا وخارجيا‪ ،‬تسهم‬
‫يف إض اءة النص وتوض يحه‪ ،‬كالعن اوين‪ ،‬واإله داء‪ ،‬واأليق ون‪ ،‬والكتاب ات‪ ،‬واحلوارات‪،‬‬
‫واملقدمات‪ ،‬والتعيني اجلنسي‪ ....‬وعلى الرغم من موقعها اهلامشي‪ ،‬فإهنا تقوم بدور كبري‬
‫يف مقاربة النص‪ ،‬ووصفه سواء من الداخل أم اخلارج‪.‬‬
‫تلكم ‪ -‬إذًا‪ -‬هي أهم آلي ات التن اص ال يت تس عفنا يف فهم النص وتفس ريه‪ ،‬وحتليل ه‬
‫وتركيب ه‪ .‬وعلين ا أن نس تبعد الس رقات الش عرية‪ ،‬وم ا يتص ل هبا من مف اهيم موروث ة عن‬
‫النق د الع ريب الق دمي؛ ألن ذل ك ال ي دخل ض من التن اص ال ذي يع د عملي ة إبداعي ة فني ة‬
‫مقص ودة عن وعي أو عن غ ري وعي‪ ،‬الغ رض من توظيف ه ه و حتقي ق الوظيف ة الش عرية‬
‫واجلمالية‪ ،‬والتفاعل مع النص والتعالق به نقدا وحوارا‪.‬‬

‫المبحث الخامس‪ :‬المستنسخات الروائية‬


‫تعترب املستنس خات من أهم املكونات اخلطابي ة يف النص األديب‪ ،‬وال سيما النوع الروائي‬
‫من ه؛ ملا هلا من إحياءات داللي ة ووظيفي ة وأبع اد فني ة ومرجعي ة‪ .‬كم ا أهنا تش كل القطب‬
‫املعريف يف اخلطاب الروائي وقطبه اجلمايل؛ مما جتعل املتلقي يف حاجة إىل املعرفة اخللفية‪،‬‬
‫وخطاطات ذهنية‪ ،‬ومدونات وسيناريوهات مفاهيمية لتفكيك الرواية وتركيبها‪.‬‬
‫إذًا‪ ،‬ما املستنس خات النص ية؟ وم ا أهم متظهراهتا النصية؟ وما أمهيته ا الوظيفية؟ وما أهم‬
‫الكتب التنظريي ة والتطبيقي ة يف ه ذا اجملال؟ وكي ف تعام ل معه ا اخلط اب ال روائي؟ وم ا‬
‫طريقة مقاربتها داخل النص الروائي؟‬
‫ميكن تعري ف املستنس خات النص ية بأهنا عتب ات نص ية خارجي ة وداخلي ة‪ ،‬ت رد يف ش كل‬
‫تيبوغرافي ة لغوي ة وبص رية ب ارزة وعادي ة بغي ة اإلحال ة والتض مني واإلحياء‪ ،‬واإلش ارة إىل‬
‫خلفيات النص وما وراء الرسالة اإلبداعية اليت الخترج عن كوهنا خطابا تناصيا قائما إما‬
‫على احملاك اة املباش رة أوغ ري املباش رة‪ ،‬وإم ا على احلوار واملستنس خ التف اعلي‪ .‬وتص اغ‬
‫المستنسـ ــخات(‪ ) Clichés‬بطريق ة فني ة ومجالي ة‪ ،‬وتس تند إىل االقتب اس والتض مني‬
‫واالمتصاص‪ .‬أي‪ :‬إن هذه الكليشيهات عبارة عن قوالب وأشكال أدبية جاهزة تستثمر‬
‫يف اإلبداع الروائي ‪ -‬على سبيل اخلصوص‪ -‬توليدا وحتويال إلثارة املتلقي‪ ،‬وتشويقه على‬
‫مستوى القراءة والتقبل اجلمايل والفين‪.‬‬
‫ويع ين ه ذا أن خط اب املستنس خات ه و خط اب املص ادر واملرجعي ات‪ ،‬والت أثري والت أثر‬
‫اإلح ايل‪ ،‬وحتدي د من ابع الق راءة‪ .‬وبتعب ري آخ ر‪ ،‬يق وم خط اب املستنس خات على تأش ري‬
‫الكالم املعاد‪ ،‬وتسوير املستنسخ‪ ،‬وتبئري بالغة التكرار‪ ،‬واالعتماد على قوالب التناص‪،‬‬
‫واحملاك اة‪ ،‬والتحوي ل النص ي‪ ،‬والتع ديل املق ويل‪ ،‬واإلجياز‪ ،‬والتلخيص‪ ،‬والتك ثيف‬
‫االقتباس ي‪ .‬فض ال عن استحض ار خطاب ات متع ددة ومتنوع ة على مس توى املعرف ة اخللفي ة‬
‫لتحفيز القارئ وإثارته وتوهيمه‪ ،‬ودفعه إىل استدعاء رصيده الفين والثقايف‪ ،‬واستحضار‬
‫املوروث يف ق راءة املعطى‪ ،‬وإع ادة إنتاج ه يف ث وب جدي د حس ب الن وع احلك ائي ال ذي‬
‫يندرج فيه‪ .‬ويعرفه سعيد علوش قائال‪ " :‬خطاب املستنسخات هو خطاب يعيد إنتاج‬
‫‪227‬‬
‫الرتاثي‪ ،‬مستحدثا‪ ،‬وخمضعا إياه‪ ،‬إىل سياق معاصر‪".‬‬
‫ويتجلى املستنس خ النص ي يف املقتبس ات‪ ،‬واحملاك اة‪ ،‬والتن اص‪ ،‬والتع ابري املس كوكة‪،‬‬
‫والرم وز‪ ،‬واإلح االت‪ ،‬والتض مني‪ ،‬واالقتب اس‪ ،‬واحلكم واألمث ال‪ ،‬والش عارات‪،‬‬
‫والقصاص ات الص حفية‪ ،‬وخط اب اإلعالم‪ ،‬واهلوامش‪ ،‬وأمساء األعالم‪ ،‬واالس تهالل‪،‬‬
‫واإله داء‪ ،‬والعن اوين‪ ،‬واألس طورة‪ ،‬واألمساء املرجعي ة‪ ،‬مث ل‪ :‬األمساء الفني ة‪ ،‬واألدبي ة‪،‬‬

‫‪ -‬سعيد علوش‪ :‬المصــطلحات األدبيـة المعاصـرة‪ ،‬منشورات املكتبة اجلامعية‪ ،‬الدار البيضاء‪،‬الطبعة األوىل‬ ‫‪227‬‬

‫سنة ‪1984‬م‪،‬ص‪.122:‬‬
‫والتارخيي ة‪ ،‬والعلمي ة‪ ،‬والفلس فية‪ ...‬واس تثمار الش اهد الش عري والن ثري‬
‫والتجنيس ي‪...‬وحماك اة الق والب اجلاهزة لألن واع الص غرى والك ربى‪ ،‬والتهجني‪،‬‬
‫والباروديا‪ ،‬واحملاكاة الساخرة‪.‬‬
‫ويتم االستنس اخ النص ي ك ذلك ب الرتكيز على ن وع من اإليه ام بإنش ائية تس تلهم أص ول‬
‫اآلي ات القرآني ة واألح اديث النبوي ة والش اهدات والرس ائل‪ ،‬باإلض افة إىل تنوي ع الق والب‬
‫التناصية‪ ،‬وتكسري اإليهام ال روائي من خالل تداخل األزمنة‪ ،‬وتنويع الضمائر‪ ،‬وتداخل‬
‫احملكيات وجتاورها‪ ،‬واستكشاف اللعب بالرموز‪ ،‬ورصد العالمات اإلحالية واملرجعية‪،‬‬
‫واستدعاء املواقف والشخصيات‪.‬‬
‫إذًا‪ ،‬فخط اب املستنس خات ه و حبث عن الكتاب ة يف الكتاب ة‪ ،‬وكش ف جلامع األن واع‪،‬‬
‫وإب راز ملكون ات التخيي ل‪ ،‬وتبي ان ملستض مرات اإلب داع وخفاي اه‪ ،‬وحتدي د ملس وداته‬
‫‪228‬‬
‫وخمطوطاته املنسية‪ ،‬بتذويب النصوص‪ ،‬وإماتتها تناصيا‪.‬‬
‫وللمستنسخات النصية أمهية كربى يف بناء النص‪ ،‬وتوليده‪ ،‬وحتويله‪ ،‬ومتطيطه‪ ،‬وحتبيكه‬
‫دراميا وحكائيا‪ ،‬باستعمال الكلمات‪ -‬املفاتيح‪ ،‬واالستعانة باملفاهيم اإلحالية‪ ،‬وتوظيف‬
‫العالم ات الس يميائية اللغوي ة والبص رية‪ ،‬والتوس ل باإلش ارات االنزياحي ة‪ ،‬واالسرتش اد‬
‫بالرموز الدالة‪ .‬عالوة على إثراء النص باملعرفة الدمسة والثقافة الذهنية اليت حتتاج إىل متلق‬
‫ذكي قادر على قراءة شفرة النص وسننه التناصي‪ .‬ويعين هذا كله أن النص مل يعد كتابة‬
‫إنشائية جمردة خالية من الفكر واألطروحات املعرفية واحلقائق الثقافية‪ ،‬بل أصبح نصا غنيا‬
‫يبين نفسه على أنقاض النصوص األخرى‪ ،‬عرب احملاكاة احلرفية‪ ،‬أو االستفادة االمتصاصية‬
‫(االستشهاد املدعم)‪ ،‬أو عن طريق النقد واحلوار (التناص التفاعلي)‪ .‬وهذا ماجعل روالن‬
‫بارت(‪ )R.BARTHES‬ينفي وجود ملكية النص‪ ،‬أو األبوة النصية؛ ألن الكتاب‬

‫‪ -‬انظر سعيد علوش‪:‬عنـف المتخيـل في أعمـال حبيـبي‪ ،‬املؤسسة احلديثة للنشر والتوزيع‪ ،‬الدار البيضاء‪،‬‬ ‫‪228‬‬

‫الطبعة األول سنة ‪1986‬م‪.‬‬


‫واملبدعني يعيدون ماقاله السابقون بصيغ خمتلفة قائمة على التأثر والتأثري‪ ،‬وهذا مايسمى‬
‫بالتناص حديثا‪ ،‬وبالسرقات الشعرية يف النقد العريب القدمي‪.‬‬
‫ومن الدراس ات ال يت ح اولت أن تس رب أغ وار املستنس خ النص ي تفكيك ا وتركيب ا كت اب(‬
‫‪ / Discours du cliché‬خط اب املستنس خ) ل روث أموص ي( ‪Ruth‬‬
‫‪ ) Amoussy‬وإليس يفا روزن( ‪ )Elisheva Rosen‬س نة ‪1982‬م‪ ،‬وكت اب‬
‫س عيد عل وش(عنــف المتخيــل في أعمــال إميــل حبيــبي) س نة ‪1986‬م ال ذي درس في ه‬
‫املستنس خ النص ي‪ ،‬وعوض ه مبص طلح آخ ر‪ ،‬وه و (الســياق الــتراثي) ال ذي أطلق ه على"‬
‫املكونات اخلطابية للمستنسخ‪ ،‬وهي مكونات تعمل وفق نظام إحايل‪ -‬مرجعي – على‬
‫‪229‬‬
‫القوالب اجلاهزة من جهة‪ ،‬واألشكال التداولية‪ ،‬من جهة ثانية‪".‬‬
‫وإذا حاولنا دراسة املستنسخ يف الرواية العربية احلديثة‪ ،‬فيمكن لنا أن خنرج بثالث قواعد‬
‫للتعامل مع املستنسخ التناصي هي‪:‬‬
‫‪ ‬قاعدة اإلعادة أواالسرتجاع( التناص عن طريق احملاكاة املباشرة)؛‬
‫‪ ‬قاعدة اإلحالة اإلحيائية ( التناص عن طريق التحوير واإلشارة اإلحالية)؛‬
‫‪‬قاعدة التناص التفاعلي أو احلوار النقدي‪.‬‬
‫كما أن هناك ثالثة استنتاجات حول املستنسخ التناصي عرب تطور الرواية العربية على‬
‫النحو التايل‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬الرواي ــة الكالسيكية وغياب المستنسخ النصي‬


‫مل تس تثمر الرواي ة الكالس يكية‪ ،‬س واء أك انت واقعي ة أم رومانس ية‪ ،‬خط اب املستنس خ‬
‫بشكل ثري وفعال بغية إثارة املتلقي‪ ،‬وحتفيزه على استخدام الذاكرة حبثا وتنقيبا من أجل‬
‫تفكي ك الش فرة املعرفي ة‪ ،‬وتف تيق املرجعي ة النص ية‪ ،‬ب ل ك انت النص وص الروائي ة العربي ة‬
‫الكالس يكية نصوص ا إنش ائية تأملي ة جمردة‪ ،‬ختاطب الوج دان والعاطف ة واخلي ال اجملنح‪،‬‬
‫‪ -‬سعيد علوش‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.11:‬‬ ‫‪229‬‬
‫ب التوقف عن د ثنائي ة ال ذات( الرومانس ية) والواق ع( الواقعي ة)‪ .‬وقلم ا جند مستنس خا نص يا‬
‫وإحال ة تناص ية‪ .‬ومن مث‪ ،‬نس جل إىل ح د م ا غي اب املستنس خ النص ي يف ه ذا الن وع من‬
‫اخلطاب الروائي‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الرواية الحداثية واالتكاء على المستنسخ التجريبي‬
‫ميكن الق ول‪ :‬إن املستنس خ النص ي ق د ب دأ م ع الرواي ة اجلدي دة‪ ،‬أو م ا يس مى ك ذلك‬
‫بالرواية احلداثية اليت أكثرت من استعمال الشواهد واملستنسخات والكليشيهات التناصية‬
‫واإلحالي ة ت أثرا بالش عر احلر م ع ب در ش اكر الس ياب‪ ،‬وخلي ل ح اوي‪ ،‬وحمم ود درويش‪،‬‬
‫ونزار قباين‪ ،‬وتأثرا كذلك بالرواية الغربية‪ ،‬ومتثال ملنجزات النقد األديب املعاصر عرب تطور‬
‫مدارس ه‪ ،‬مث ل‪:‬الش كالنية الروس ية(ميخائي ل ب اختني ص احب نظري ة التن اص والرواي ة‬
‫البوليفونية)‪ ،‬ومجاعة تيــل كيــل اليت كانت تدعو إىل االنفتاح النص ي من خالل التفاعل‬
‫اإلحايل(روالن بارت‪ ،‬وجوليا كريستيفا‪ ،‬وتودوروف‪ .)...‬وما يالحظ على هذه الرواية‬
‫أهنا اعتم دت على مستنس خ تناص ي‪ ،‬يغلب علي ه الط ــابع الح ــداثي التغري ــبي‪ ،‬من خالل‬
‫التأثر بالرواية الغربية يف البناء النصي‪ ،‬سواء على مستوى تشكيل اجلنس النصي أم على‬
‫مستوى بناء النوع‪ ،‬وصياغته تناصيا‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬الرواية التأصيلية والمستنسخ التراثي‬


‫لق د أث رت الرواي ة التأص يلية املنت ال روائي الع ريب بكث ري من املستنس خات التض مينية‬
‫واخلطاب ات التناص ية‪ ،‬ولكن يف ســياق تــراثي عــربي أصــيل‪ .‬ويع ين ه ذا‪ ،‬أن ه ذه الرواي ة‬
‫كانت تعتمد على التراث العربي‪ ،‬بكل محوالته الفكرية والدينية واألدبية والفلسفية‪ ،‬يف‬
‫تش ييد النص‪ ،‬ومتطيط ه فني ا ومجالي ا‪ .‬كم ا انفتحت على املستنس خات الغربي ة احلداثي ة يف‬
‫س ياق ت راثي ح واري‪ .‬ومن أهم النص وص يف ه ذا الص دد(الزيـ ــني بركـ ــات ) جلم ال‬
‫الغيط اين‪ ،‬و(جــارات أبي موســى) ألمحد توفي ق و( مجنــون الحكم) و(العالمــة) لبنس امل‬
‫محيش‪ ،‬و(الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس) إلميل حبييب‪...‬‬
‫وعند تعاملنا منهجيا مع خطاب املستنسخ‪ ،‬البد من اإلثبات أن املستنسخ خطاب يدرس‬
‫األن واع الك ربى والص غرى يف العم ل ال روائي( ج امع األن واع)‪ ،‬ويعم ل على حتدي د‬
‫مكوناهتا‪ ،‬ورص د روابطه ا األساس ية ال يت تس هم يف بن اء النص عض ويا‪ ،‬وتولي ده بنيوي ا‬
‫وسيميائيا ودالليا ومرجعيا‪ ،‬باستخالص شواهده الشعرية والدينية والرتاثية واألسطورية‬
‫والقصصية‪ ،‬واكتشاف القوالب اجلاهزة لألنواع الصغرى‪ ،‬وإعادة كتابة األمساء املوظفة‬
‫على املس توى الغن ائي‪ ،‬أو الش عري‪ ،‬أو ال روائي‪ ،‬أو الت ارخيي ‪ -‬مثال‪ .-‬وبالت ايل‪ ،‬بل ورة‬
‫مجيع اخلطابات التناصية األصلية والفرعية عرب االشتقاق واالستنساخ‪ .‬ويتم التعامل أيضا‬
‫م ع خط اب املستنس خات‪ ،‬بتفكي ك الرواي ة إىل وح داهتا املكون ة للنص‪،‬ومتي يز خطاب ات‬
‫االستنس اخ املتم يزة واملتنوع ة‪ ،‬وجرده ا يف ش كل أمناط وش واهد ومص احبات أدبي ة‬
‫ودراستها‪ ،‬وبعد ذلك‪ ،‬إحاليا وآنيا‪ ،‬يف سياقها املعريف واملرجعي‪ ،‬وسياقها الفين واجلمايل‬
‫واألسلويب قصد فهم كيفية بناء الرواية‪ ،‬وتنظيم قواعد اللعبة الروائية الومهية‪-‬الواقعية‪.‬‬
‫وعن د دراس ة املستنس خات‪ ،‬الب د ك ذلك من استحض ار مجي ع البني ات املكون ة للنص‬
‫ال روائي‪ ،‬كالبني ات اللغوي ة‪ ،‬والرتكيبي ة‪ ،‬والبالغي ة‪ ،‬والس ردية‪ ،‬واحلدثي ة‪ ،‬واملعرفي ة‪،‬‬
‫واس تعراض مجي ع التفاص يل واجلزئي ات ال يت ينب ين عليه ا النص املستنس خ من أج ل معرف ة‬
‫عنص ري الغراب ة واأللف ة فيهم ا‪ .‬ل ذا‪ ،‬الب د من معرف ة الس ياق ال ذهين والنص ي واخلارجي‬
‫الذي يرد فيه املستنسخ‪ ،‬هل هو سياق ت راثي حبت أم سياق حداثي جديد؟! ألن هذا‬
‫حيفز القارئ املتوهم على استذكار الرصيد الرتاثي والثقايف خلطابات املستنسخ الرتاثي‪.‬‬
‫ه ذا‪ ،‬وتع د رواي ة ( أوراق) لعب د اهلل الع روي ‪ 230‬من أغ ىن النص وص الروائي ة املغربي ة‬
‫وأثراه ا من حيث املستنس خ اإلح ايل والتناص ي إىل احلد ال ذي ميكن تس ميتها بأهنا روايــة‬
‫تناصــية بامتياز‪ ،‬أو روايــة المستنســخ النصــي؛ إذ كتبت للتثقي ف‪ ،‬وتوسيع م دارك ذهن‬
‫املتلقي‪ .‬ل ذلك‪ ،‬تن درج الرواي ة ض من الس رية الذهني ة الثقافي ة بس بب ك ثرة مستنس خاهتا‬
‫التض مينية ال يت يص عب استخالص ها‪ ،‬وحتدي دها بدق ة‪ ،‬وهي حتم ل دالالت إحيائي ة مجة‪،‬‬
‫وتتضمن أبعادا مرجعية غنية يف حاجة إىل التفسري والتأويل‪.‬‬

‫‪ -‬عبد اهلل العروي‪ :‬أوراق‪،‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬الدار البيضاء‪،‬الطبعة األوىل سنة ‪1989‬م‪.‬‬ ‫‪230‬‬
‫ومن اخلطابات التناصية اليت وظفها عبد اهلل العروي يف نصه الروائي‪ ،‬على سبيل التمثيل‬
‫والتوضيح املنهجي‪ ،‬المستنسخ األدبي (الشيخ طه‪ -‬األجنحة املتكسرة‪ -‬كان ياماكان‪-‬‬
‫روين‪ -‬زينب‪ -‬أطعم ة األرض ألندري ه جي د‪ -‬هرم ان هس ه يف ذئب الفي ايف‪ -‬مطول ة‬
‫بروس ت‪ -‬راس ني‪ -‬دي درو‪ -‬أل ف ليل ة وليل ة‪ -‬األقاص يص اآلس يوية‬
‫لغوبينو‪،)...‬والمستنســخ الــديني (فبعث اهلل غرابا يبحث يف األرض‪ -‬زرادشت‪ -‬دعوة‬
‫اإلس الم ملال ك بن ايب‪ -‬مجعي ة اإلخ وان املس لمني‪،)...‬والمستنسـ ــخ التـ ــاريخي (عالل‬
‫الفاسي‪ -‬مجال عبد الناصر‪ -‬مؤمتر إكس ليبان‪ -‬أيام العرب‪ -‬أرنولد طوينيب‪ -‬أوسفالد‬
‫ش بينغلر‪ -‬أزم ة ‪ -1955-1954‬اتف اق فرنس ا واجنل رتا ح ول املغ رب س نة ‪-1904‬‬
‫احلماية‪ -‬عودة امللك من املنفى‪ -‬أزمة ‪،)...1953‬والمستنسخ الفـني(فيلم كل صباح‬
‫أموت‪ -‬فيلم القاتلون‪ -‬كوليزي‪ -‬شريط معذرة الرقم خطأ‪ -‬املخرج جورج سادول‪-‬‬
‫أندريه بازن‪ -‬هنري آجل‪ -‬إيلي فلور‪ -‬روسلليين‪ -‬فيسكونيت‪ -‬جان رينوار‪ -‬فيلليين‪-‬‬
‫فلم سانس و‪،)...‬والمستنس ــخ السياس ــي (احلزب الش يوعي‪ -‬عالق ة الغ رب والش رق‪-‬‬
‫اإلمربيالي ة‪ -‬اليس اريون‪ -‬االس تقالل‪ -‬االس تعمار‪ -‬اليمني‪ -‬احلزب االش رتاكي‪-‬‬
‫الشيوعيون‪ -‬النقد الذايت‪،)..‬والمستنسخ التراثي (يف نفس الطبقة صفي الدين أب و العالء‬
‫إدريس بن إدريس األديب األص ويل‪،)...‬والمستنســخ الفلســفي(ش وبنهاور‪ -‬أفالط ون‪-‬‬
‫كان ط‪ -‬نيتش ه‪ -‬س ارتر‪ -‬م اركس‪-‬هيج ل‪ -‬هش ام جعي ط‪ -‬هي دغر‪ -‬س قراط‪ -‬جي ل‬
‫دول وز‪ -‬لوك اش‪ -‬ه نري ل وفيفر‪ -‬برغس ون‪،)...‬والمستنس ــخ التجنيس ــي (املقام ات‪-‬‬
‫السرية‪ -‬كناشة‪ -‬الطبقة‪ -‬أقصوصة‪ -‬رسائل‪ -‬مذكرات‪ -‬حماضرات‪ -‬نقوالت‪ -‬قراءات‬
‫نقدي ة‪ -‬احلكاي ة‪ -‬اليومي ات‪ -‬الرواي ة‪ ،)...‬والمستنس ـ ــخ المك ـ ــاني (ج امع الفن ا‪-‬‬
‫الس وربون‪ -‬دار لوس وي‪ -‬كنيس ة ش ارتر‪ -‬مومنارت‪ -‬س احة س ان الزار‪ -‬الكول يزي‪-‬‬
‫الروي ال‪ -‬هولي وود‪ -‬ب اريس‪ -‬خ ط الليمس‪،)...‬والمستنس ــخ الص ــوفي (حمم د إقب ال‪-‬‬
‫األش راف واألولي اء‪،)...‬ومستنس ــخ اله ــوامش(خص ص س بع ص فحات كامل ة لش رح‬
‫اهلوامش وتفس ري اإلح االت التناص ية)‪،‬والمستنســخ االقتصــادي(االس تعمار والتخل ف‪-‬‬
‫الغرب والعامل الثالث‪ -‬االقتصاد والثقافة‪ -‬املركز والضاحية‪ -‬التطور واخلصوصية‪،)...‬‬
‫ومستنسخ األعالم(مارية‪ -‬شعيب‪ -‬إدريس‪ -‬يوليوس‪ )...-‬إخل‪...‬‬
‫وعليه‪ ،‬فهذه هي أبرز متظهرات خطاب املستنسخات يف اخلطاب الروائي العريب‪ ،‬وأهم‬
‫جتليات ه اخلطابي ة‪ ،‬ومض مراته التناص ية ال يت ت وفر للنص اتس اقه‪ ،‬وانس جامه النص ي‪ .‬وتلكم‬
‫ك ذلك أهم تص نيفاته البنيوي ة ال يت تس اعدنا على ق راءة العالم ات التناص ية‪ ،‬واس تكناه‬
‫أبعاده ا الس يميائية واإلحالي ة يف س ياقها النص ي واخلارجي‪ ،‬م ع اح رتام خصوص ية النص‬
‫األجناسية والنوعية‪.‬‬

‫المبحث السادس‬

‫رواية (جارات أبي موسى) في ضوء المقاربة التناصية‬


‫تن درج رواي ة (جــارات أبي موســى) لل روائي املغ ريب واملؤرخ الق دير أمحد التوفي ق ض من‬
‫التخ ييلني‪ :‬الت ارخيي والص ويف؛ ألهنا تس تعرض تناص يا جترب ة لدني ة عرفاني ة‪ ،‬ذات أبع اد‬
‫مناقبية‪ ،‬وسياسية‪ ،‬واجتماعية‪ ،‬واقتصادية‪ ،‬زمنها التارخيي هو عصر بين مرين‪ ،‬وخاصة‬
‫فرتيت أيب احلسن املريين وابنه أيب عنان‪ ،‬وتسمى أيضا بالعصر املغريب الوسيط‪.‬‬
‫وتص نف ه ذه الرواي ة ك ذلك ض من خان ة الرواي ة الرتاثي ة ال يت تس تهدف تأص يل الس رد‬
‫العريب‪ ،‬باستعارة أساليبه‪ ،‬ومتثل طرائق حكيه‪ ،‬واستثمار صيغ تعبريه‪ .‬كما تتفاعل هذه‬
‫الرواية مع الرتاث واملاضي حوارا وتناصا بغية خلق كتابتها السردية اخلاصة هبا من أجل‬
‫حتقيق احلداثة األدبية يف جمال السرد الروائي‪ ،‬وربط الرواية العربية بصفة عامة‪ ،‬والرواية‬
‫املغربي ة بص فة خاص ة‪ ،‬خبصوص ياهتا احلض ارية‪ ،‬وهويته ا الثقافي ة‪ ،‬س واء يف املاض ي أم‬
‫احلاض ر‪ .‬إذًا‪ ،‬م ا جتلي ات التن اص يف ه ذا النص ال روائي س ياقا‪ ،‬وص ياغة‪ ،‬ودالل ة‪،‬‬
‫ومقصدية؟‬
‫المطلب األول‪ :‬التناص السياقي أو الخارجي‬
‫يتس م العص ر املري ين املغ ريب ب اإلحن واحلروب واهلزائم والص راعات الداخلي ة واخلارجي ة‪.‬‬
‫ويف ه ذه الف رتة بالض بط‪ ،‬اش تد باخلص وص الص راع بني املوح دين واملرين يني‪ ،‬ووقعت‬
‫معرك ة (العق اب) ال يت اهنزم فيه ا املغارب ة أم ام اإلس پان يف األن دلس‪ .‬وب دأ االض محالل‬
‫العريب يف األندلس ينذر بالسقوط املبكر‪ ،‬بتحالف اجليوش املسيحية فيما بينها السرتجاع‬
‫األندلس‪ .‬وقد فشل أبو احلسن يف توسيع إمرباطوريته املغاربية‪ ،‬بعد أن مين هبزمية نكراء‬
‫يف أثناء حماولته إلخضاع أعراب تونس‪ ،‬وضاع أسطوله غرقا يف البحر‪ ،‬وتفشى الفساد‬
‫يف بل ده املغ رب‪ ،‬وعاص مته تامس نا‪ ،‬ومدينت ه اإلس رتاتيجية ش الة (س ال) ال يت جتري فيه ا‬
‫أحداث الرواية‪.‬‬
‫وأم ام تفش ي املنك ر‪ ،‬وك ثرة احملن واإلحن‪ ،‬وانتش ار الفس اد بك ل أنواع ه يف ال رب والبح ر‪،‬‬
‫وتع اظم االس تبداد يف الدول ة املريني ة‪ ،‬ظه ر اخلط اب الص ويف أو املن اقيب‪ ،‬وتك اثرت‬
‫اجلماع ات الطرقي ة رد فع ل على ه ذا العص ر املوب وء بالتس لط‪،‬والظلم‪ ،‬واالعتس اف‪،‬‬
‫وغطرسة الس لطان وأعوانه‪ .‬وبرز رجال ص وفية وجماذيب وأولياء صاحلون على هامش‬
‫اجملتم ع‪ ،‬رافض ني الواق ع الس ائد‪ ،‬ملتج ئني إىل العزل ة واخلل وة الص وفية‪ ،‬منتق دين اجملتم ع‬
‫املرتدي‪ ،‬غري مبالني باالنصياع ملواضعاته املختلة ومقاييسه اجلائرة‪ ،‬باحثني عن واقع ممكن‬
‫يتمثل يف التغيري الذايت والنفسي؛ ألن اهلل ال يغري ما بقوم حىت يغريوا ما بأنفسهم‪.‬‬
‫وقد شكل هذا املعطى التارخيي والصويف إطارا للرواية‪ ،‬وأصبح سياقا تناصيا خارجيا هلا‪.‬‬
‫باإلض افة إىل كتاب ات أمحد توفي ق التارخيي ة عن العص ر الوس يط‪ ،‬وحتقيقات ه لكتب‬
‫التصوف‪ ،‬جعلت هذا الكاتب الروائي‪ ،‬إن بطريقة شعورية أو غري شعورية‪ ،‬خيضع هلذه‬
‫املؤثرات التناصية بشكل أو بآخر‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬التن ــاص ال ــداللي‬
‫تتفرع رواية (جـارات أبي موسـى) إىل عدة قصص فرعية‪ ،‬يتحكم فيها قانون التضمني‬
‫والتناس ل الس ردي‪ ،‬وتفري ع احلبك ة الس ردية الك ربى إىل قص ص نووي ة ك ربى وص غرى‬
‫لتعضيد احملكي‪ ،‬وتنويره توضيحا وتفسريا‪ .‬ونذكر من هذه القصص قصة شامة‪ ،‬وقصة‬
‫أيب موسى‪ ،‬وقصة ماللة‪ ،‬وقصة كبرية‪ ،‬وقصة رقوش‪ ،‬وقصة خوليا بنت بدرو‪ ،‬وقصة‬
‫مماس‪ ،‬وقصة إجا‪ ،‬وقصة بيا‪ .‬إال أن قصة أيب موسى وقصة شامة مها القصتان الرئيستان‬
‫يف الرواية‪.‬‬
‫وحتي ل القص ة األوىل على م اهو ت ارخيي‪ ،‬بينم ا حتي ل القص ة الثاني ة على م اهو ص ويف‪،‬‬
‫وتتقاطع القصتان يف آخر الرواية‪ ،‬عندما ترحل شامة إىل فندق التجار بسال مع زوجها‬
‫اإلسپاين الذي أسلم عندما قصد املغرب لتزيني معمارية املساجد‪ ،‬وتزليج املدارس املرينية‬
‫الدالة على حضارهتم الزاهية‪ .‬ويف هذا الفندق بالذات‪ ،‬يسكن أبو موسى الرجل الصويف‬
‫ال ذي ك ان ج ارا وفي ا وخملص ا وأمين ا جملموع ة من الشخص يات األنثوي ة الل وايت غدر هبن‬
‫اجملتم ع الظ امل‪ .‬وتع د ش امة شخص ية رئيس ة يف الرواي ة‪ :‬مجيل ة احلس ن‪ ،‬طيب ة األخالق‬
‫واخللقة‪ ،‬ذكية‪ ،‬وذات خربة يف احلياة والتدبري املنزيل‪ ،‬ومتتلك الكفاءة والقدرة يف التعامل‬
‫مع اآلخرين‪ .‬وتذكرنا هذه الشخصية‪ ،‬عرب امسها الشخصي‪ ،‬بشخصية مماثلة يف حكايات‬
‫(سيف بن ذي يزن)‪ ،‬كانت حسناء يف غاية احلسن والبهاء‪ ،‬هي اليت سيظفر هبا البطل‬
‫ذو يزن حسب مرويات األسطورة‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬فقد كانت شامة خادمة يف سال عند قاضي املدينة الورع؛ قاضي القضاة ابن‬
‫احلفي د ال ذي رباه ا أحس ن تربي ة‪ .‬وبع د ذل ك‪ ،‬تزوجه ا قاض ي الس لطان اجلورائي‪ .‬وق د‬
‫ارحتلت شامة مع بعلها إىل فاس‪ ،‬وكادت أن تتعرض للموت مسا بسبب مكيدة الزوجة‬
‫األوىل للجورائي‪ ،‬لوال تدخل الطبيب اليهودي الذي أنقذها من أنياب املنية احملتومة‪ .‬بيد‬
‫أن هذا القاض ي كان يع اين من العجز اجلنسي‪ .‬لذلك‪ ،‬بقيت شامة بكرا عذراء‪ .‬وبعد‬
‫وفاة زوجها غرقا يف البحر‪ ،‬اختريت خليلة لزوجة السلطان‪ ،‬وقد استصحبتها يف زيارهتا‬
‫للرب وع املقدس ة ألداء فريض ة احلج‪ .‬وملا ت وفيت زوج ة الس لطان‪ ،‬بع د اس تكمال‬
‫الفريض ة‪،‬أعي دت ش امة إىل م نزل القاض ي ابن احلفي د‪ ،‬حيث ت زوجت علي ا‪ ،‬وق د ك ان‬
‫نص رانيا‪ ،‬مث أعلن إس المه‪ .‬لكن القاض ي ابن احلفي د‪ ،‬وش امة‪ ،‬وزوجه ا علي‪ ،‬س يعانون‬
‫الكثري من جراء دسائس عامل السلطان بسال؛ ذلك هو " جرمون" املقيت الذي عاث يف‬
‫األرض جرم ا وفس ادا‪ ،‬وذل ك كل ه طمع ا يف ش امة احلس ن‪ ،‬وطمع ا يف أمواهلا‪ ،‬ورغب ة يف‬
‫االنتق ام من قاض ي القض اة ال ذي ك ان أك ثر من ه علم ا وفض ال وتقرب ا من الس لطنة‪ .‬وق د‬
‫ف رض جرم ون على أه ل س ال مكوس ا ظاملة إرض اء للس لطان‪ ،‬وب دأ يف خن ق جتاراملدين ة‬
‫بك ثرة الض رائب والتص فيات والعقوب ات الس جنية‪ ،‬وممارس ة لغ ة البص واملخ ابرات قصد‬
‫التحكم يف رقاب قاطين فندق الزيت على غرار بصاصي رواية (الزيني بركات) جلمال‬
‫الغيطاين‪.‬‬
‫وقد توالت سنوات عجاف بسبب اجلفاف‪ ،‬واالستبداد‪ ،‬وظلم الرعية واحلكام‪ ،‬وأثر هذا‬
‫كل ه يف نس اء الفن دق الل وايت دفعت هبن الظ روف املزري ة إىل الفق ر والتس ول والبغ اء‪،‬‬
‫وارتكاب الذنوب واملعاصي‪ .‬ومل ترتح شامة ألحد سوى رجل اخللوة والصمت والعزلة‬
‫أيب موس ى ال ذي ك ان يغ ادر الفندق متجه ا حنو البح ر‪ ،‬مس تطلعا الوج ه الرب اين‪ ،‬مت أمال‬
‫مجال ه الس رمدي‪ .‬وهن ا‪ ،‬إش ارة تناص ية مهم ة عن دما نستحض ر شخص ية علي‪ ،‬وه و‬
‫يصاحب أبا موسى إىل خلوته الروحية الطاهرة قرب البحر‪ ،‬لكنه مل يستطع أن يسايره‬
‫ح ىت اللحظ ات املناقبي ة األخ رية على غ رار الن يب موس ى ال ذي عج ز عن مص احبة ال ويل‬
‫الصاحل اخلضر بسبب الكرامات اخلارقة اليت مل يفهمها موسى لظاهريته‪ ،‬وباطنية اخلضر‪،‬‬
‫وقد حتدث القرآن وكتب التفسري كثريا عن هذه القصة العرفانية الشيقة‪.‬‬
‫وقد انتشرت بركات الويل أيب موسى يف مدينة سال‪ ،‬حيث عد فيها جمذوبا عند البعض‪،‬‬
‫ومن البهاليل اجملانني عند البعض اآلخر؛ إذ رآه الناس يف احلج يؤدي معهم مناس ك احلج‪،‬‬
‫وأصبح ال ينقطع عن استشراف وجه البحر‪ ،‬وصيد خرياته‪ ،‬وشكر اهلل على نعمه الكثرية‬
‫اليت ال تعد وال حتصى‪ .‬وعندما عظم البالء بالبلد بسبب الفساد‪ ،‬وكثرة املنكر‪ ،‬وتوايل‬
‫س نوات اجلف اف إىل أن أص بح املوت ين ذر مبخالب ه الرعي ة‪ ،‬ويه دد ال ذين يسوس وهنم من‬
‫الطغ اة والبغ اة والعت اة وأه ايل الش طط والغل ط‪ ،‬مل جيد عام ل الس لطان جرم ون مس لكا‬
‫آخر‪ ،‬بعد فشل األئمة يف أداء صالة االستسقاء‪ ،‬واستدرار املطر‪ ،‬واستجالب القطر‪ ،‬إال‬
‫أن يستغيث بأيب موسى الويل الصاحل الذي أجربه على اإلمامة باملصلني يوم اجلمعة‪ .‬وملا‬
‫رفض أبو موسى االنصياع ألوامره‪ ،‬زج به يف السجن‪ ،‬على الرغم من عزلته الدائمة عن‬
‫الناس‪ ،‬اليتقرب قط من احلكام والساسة وذوي النفوذ‪ .‬وملا علم الناس بأمره ذهبوا إليه‬
‫حيث كان سجينا‪ ،‬فاستعطفوه كثريا‪ ،‬مث وافقهم على فعل ما يبتغيه منه عامل السلطان‪.‬‬
‫لكن أب ا موس ى مجع ك ل بغاي ا فن دق ال زيت ونس ائه‪ ،‬وخ رج هبن ي وم اخلميس‪ -‬ال ي وم‬
‫اجلمعة‪ ،-‬فأثار فضول الناس الذين استغربوا شأنه‪ ،‬واستنكروا فعله غري املعتاد‪ .‬وعندما‬
‫وص ل أب و موس ى إىل املص لى‪ ،‬ب دأ يف التض رع والتوس ل والت ذلل إىل اهلل‪ ،‬وب دأت دم وع‬
‫التوبة واملغفرة تنساب من عيون جارات أيب موسى حارة‪ ،‬تتقد حسرة وأملا واستعطافا‪.‬‬
‫ومن مث‪ ،‬فقد دفع هذا املشهد اإلنساين احلاضرين إىل إعالن توبتهم‪ ،‬ورغبتهم يف التغيري‪،‬‬
‫والتخلص من أدران الظلم‪ ،‬واالستغفار من كثرة املنكر‪ ،‬ومل تنته صالة االستسقاء حىت‬
‫أنزل اهلل عليهم يف الليل غيثا نافعا سر به الناس كثريا‪ .‬وملا أراد جرمون وأعوانه حماسبة‬
‫ال ويل الص احل على فعلت ه‪ ،‬وأرادوا تفق ده‪ ،‬وج دوا رج ل الكرام ات أب ا موس ى ق د اف رتش‬
‫مث واه األخ ري‪ .‬فــحمل أب و موس ى" إىل اجلامع األعظم للص الة علي ه‪ ،‬وق رر مأل املدين ة أن‬
‫ينتظروا صالة العصر حىت يشيع اخلرب يف املدينة‪ ،‬ويكفي الوقت لكل من يريد أن حيضر‬
‫تلك الصالة‪ .‬غصت جنبات اجلامع األعظم وساحته واألزقة اجملاورة له باملصلني‪ ،‬وتصدر‬
‫إلمساع البعداء عشرات املسمعني‪ .‬وكانت صالة خشوع وسكون مل يسمع فيها إال ما‬
‫تس اقط من ج ري دم وع املآقي وم ا غلب رج اال أش داء ونس اء رقيق ات العواط ف من‬
‫عصي النحيب‪ ،‬وقال قائل‪ :‬سبحانه! سبحانه! بعودة الغيث عاد الدمع إىل العيون‪.‬‬
‫وبع د الص الة ت زاور الن اس من جدي د وترامحوا وتس احموا وعجب وا ملا جتلى هلم من‬
‫الكرام ات‪ ...‬وق الت ش امة‪ :‬ال ت دفنوه ب أي من املق ربتني‪ ،‬ادفن وه يف مك ان يط ل على‬
‫‪231‬‬
‫البحر"‬
‫ويف هذا السياق‪ ،‬حيضر البحر مبثابة رمز صويف للتغيري والتطهري‪ ،‬واإلحال ة ص وفيا على‬
‫احلضرة الربانية اجلليلة املخلصة للبشر من آثامهم وذنوهبم‪ .‬ويذكرنا البحر كذلك بقصة‬
‫موس ى واخلض ر ال ذي ك ان ينتظ ر ن يب اهلل عن د مش ارف البح ر‪ ،‬ومتت الص حبة بينهم ا‪،‬‬
‫والبحر حاضر بشهادته وجتلياته العرفانية‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬التن ــاص الفني والشكلي‬
‫تتم يز ه ذه الرواي ة بكوهنا ذات طبيع ة تراثي ة‪ ،‬تتق اطع تناص يا م ع رواي ات مجال الغيط اين‬
‫(الزي ــني برك ــات)‪ ،‬ورواي ات بنس امل محيش‪ ،‬وخنص بال ذكر روايتي ه (مجن ــون الحكم)‬
‫و(العالمة)‪ ،‬كما تتقاطع صوفيا مع جمموعة من النصوص الروائية العرفانية‪ ،‬كرواية جنيب‬
‫حمف وظ (اللص والكالب)‪ ،‬ونص وص ال روائي والقص اص الس وداين طيب ص احل كرواي ة‬
‫(دومة ولد حامد)‪ ،‬ونصوص مجال الغيطاين‪ ،‬وخاصة (كتاب التجليــات)‪ ،‬ونص الطاهر‬
‫وطار يف روايته األخرية(الولي الطاهر يعود إلى مقامه الزكي)‪.‬‬
‫وتأسيس ا على ماس بق‪ ،‬فلق د اش تغل أمحد توفي ق على العص ر الوس يط املغ ريب من حيث‬
‫التخييل‪ ،‬واشتغل كذلك يف إطار مناقيب صويف‪ ،‬وهذا ينطبق أيضا على الروائي املغريب‬
‫بنسامل محيش الذي اختار السياق التناص ي التارخيي نفس ه‪ ،‬إال أنه اشتغل على شخصية‬
‫تارخيية متخيلة‪ ،‬وهي شخصية ابن خلدون يف روايته( العالمــة)‪ .‬أما يف روايته (مجنــون‬
‫الحكم)‪ ،‬فق د اش تغل على شخص ية تارخيي ة وس يطية أال وهي شخص ية احلاكم ب أمر اهلل‬
‫الفاطمي‪ .‬وإذا كان محيش يركز على املتناص التارخيي الوسيطي‪ ،‬فإن أمحد توفيق‪ ،‬على‬

‫‪ -‬أمحد توفيق‪ :‬جـارات أبي موسـى‪ ،‬مطبعة النجاح اجلددية‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة الثانية سنة ‪ 2000‬م‪،‬‬ ‫‪231‬‬

‫ص‪.192:‬‬
‫العكس‪ ،‬يرتكز على املتناص الصويف الوسيطي‪ .‬ويتفق كل من أمحد توفيق وبنسامل محيش‬
‫تناص يا يف االنطالق من الس ياق املرجعي الت ارخيي نفس ه ال ذي يش كل املعرف ة اخللفي ة‬
‫التناصية هلما‪ ،‬أال وهو تاريخ الدولة املرينية بكل أحداثها اإلجيابية والسلبية‪.‬‬
‫وإذا انتقلنا إىل اللغة اليت يستعملها أمحد التوفيق‪ ،‬فهي لغة تراثية تعتمد على مستنسخات‬
‫تناصية‪ :‬كاملستنسخ الصويف ‪ /‬املناقيب (شخصية أيب موسى املماثلة للشخصيات الصوفية‬
‫القدمية ذات الكرام ات اخلارق ة‪ ،)...‬واملستنس خ ال ديين (اس تلهام الق رآن والس نة)‪،‬‬
‫واملستنس خ الت ارخيي (ت اريخ بين م رين)‪ ،‬واملستنس خ الرمسي السياس ي (الرس ائل الديواني ة‬
‫واآلداب الس لطانية‪ ،)...‬واملستنس خ األديب (االستش هاد باألبي ات الش عرية)‪ ،‬واملستنس خ‬
‫ال واقعي (متاث ل واق ع ب ين م رين م ع واقعن ا املوب وء بالفس اد)‪ ،‬واملستنس خ األس طوري‬
‫(كرامات أيب موسى ومعجزاته اخلارقة)‪ ،‬واملستنسخ السردي (توظيف تقنيات سردية‪،‬‬
‫كالتضمني‪ ،‬واالنشطار السردي‪ ،‬وتقطيع احلبكة الرئيسية إىل قصص نووية صغرى على‬
‫غرار(ألف ليلة وليلة)‪ ،‬ونصوص التيار الروائي اجلديد‪ ،‬واستعمال اللغة الرتاثية للتأصيل‬
‫والتجريب)‪ ،‬واملستنسخ اللغوي القائم على اللغة املسكوكة‪ ،‬والعبارات املناقبية‪ ،‬وألفاظ‬
‫الزه اد‪ ،‬واخلطاب ات السياس ية القدمية ال يت مل تعد تس تعمل الي وم هبذه الش اكلة‪ ،‬وتوظي ف‬
‫الديباج ة الرتاثي ة‪ .‬وحيض ر ك ذلك مستنس خ الس خرية يف ع رض الكرام ة الص وفية‪ ،‬وإجياد‬
‫احلل ول الفردي ة اخلارق ة ال يت تتخطى نط اق العق ل والواق ع احلس ي املفه وم‪ .‬وتت وارد ه ذه‬
‫املستنس خات التناص ية ك ذلك‪ ،‬بش كل من االش كال‪ ،‬يف رواي ات بنس امل محيش‪ ،‬ومجال‬
‫الغيط اين‪ ،‬ورواي ة (جنـ ــوب الـ ــروح) حملم د األش عري‪ ،‬ويف معظم النص وص الس ردية‬
‫التجريبية احلديثة‪ .‬والغرض من هذا التوظيف التناصي هو إبراز مدى انفتاح أمحد توفيق‬
‫على السرد العريب والغريب على حد سواء‪ ،‬واالطالع عليهما بشكل واع‪،‬على الرغم من‬
‫كون ه أتى الرواي ة من حق ل الت اريخ‪ ،‬كم ا أتاه ا محيش من حق ل الفلس فة‪ ،‬وأتاه ا مجال‬
‫الغيط اين من حق ل الص حافة‪ .‬كم ا ي راد من ه ذا التن اص التع القي حماورة احلاض ر على‬
‫أساس املاضي ألخذ العرب والدروس‪.‬‬
‫وق د وظ ف أمحد توفي ق التن اص ك ذلك لغاي ة مجالي ة وفني ة‪ ،‬تتمث ل يف جتاوز الرواي ة‬
‫الكالسيكية والتجريبية حنو الرواية التأصيلية ذات املنحى الرتاثي‪ .‬كما كان الغرض منها‬
‫أيضا خلق الفرادة السردية‪ ،‬والتميز الروائي بني الروائيني املغاربة‪.‬‬
‫و نس تنتج‪ ،‬من ه ذا االس تعراض املع ريف واملنهجي كل ه‪ ،‬أن رواي ة (جــارات أبي موســى)‬
‫ألمحد التوفيق رواية تراثية‪ ،‬تشتغل على التخييلني‪ :‬التارخيي والصويف( املناقيب)‪ ،‬ويتمثل‬
‫الغرض من تشغيل املستنسخات التناصية املوظفة بطريقة واعية أو غري واعية يف تأسيس‬
‫رواي ة تأص يلية جدي دة‪ ،‬قوامه ا حماورة احلاض ر من خالل املاض ي‪ ،‬وتلقيح اللغ ة املرس لة‬
‫املعاص رة باللغ ة الرتاثي ة املس كوكة‪ ،‬وهتجينه ا بالس خرية والتهكم والبارودي ا قص د تبلي غ‬
‫األطروح ة البديل ة‪ ،‬وتغي ري الواق ع‪ ،‬والتطل ع ب ه حنو آف اق يس مو فيه ا اإلنس ان واجملتم ع‬
‫البشري‪.‬‬
‫الفصل الحادي عشر‪:‬‬

‫شعرية الهوامــش في اإلبداع األدبي‬


‫(الرواية نموذجا)‬
‫المبحث األول‪ :‬الهوام ــش عتبــة نصيــة‬

‫تلح ق اهلوامش ب النص اإلب داعي بص فة عام ة‪ ،‬والنص ال روائي بص فة خاص ة‪ ،‬يف أس فل‬
‫الص فحة هتميش ا وت ذييال وإحلاق ا‪ ،‬إلض اءة املنت املرك زي‪ ،‬وتفس ريه من مجي ع جوانب ه‪:‬‬
‫اللغوية‪ ،‬والداللية‪ ،‬والتارخيية‪ ،‬واملعرفية‪ ،‬واالصطالحية‪.‬‬
‫وتشكل هذه اهلوامش كذلك نصا مستقال بذاته‪ ،‬على الرغم من موقعه يف هامش املنت‪.‬‬
‫وغالبا‪ ،‬ما يكون النص الروائي حماطا بسور فاصل بني نصني‪ :‬نص أساس‪ ،‬ونص ملحق‪.‬‬
‫ف األول يش كل مرك زا بؤري ا ونووي ا‪ ،‬والث اين ميث ل نص ا حميط ا‪ ،‬يأخ ذ وج وده احلقيقي‬
‫بوجود األول‪ .‬والعالقة بينهما جدلية وتكاملية وإشعاعية‪ ،‬تتمثل يف اإلضاءة التوضيحية‬
‫والتفسريية والتأويلية‪.‬‬
‫وعلي ه‪ ،‬يع د خط اب اهلوامش‪ ،‬أو اخلط اب اهلامش ي‪ ،‬من عناص ر النص املوازي‪ .‬ويعت رب‬
‫ك ذلك من أهم ملحقات ه الداخلي ة ال يت حتي ط ب النص األس اس‪ ،‬ومن املداخل األساس ية‬
‫لإلمساك بدالالت النص السطحية والعميقة‪ .‬فضال عن كونه من العتبات املهمة للولوج‬
‫إىل العمل اإلبداعي قصد تطويقه من مجيع النواحي النصية‪ ،‬واإلحاطة به بناء وموضوعا‬
‫ورؤية‪.‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫ويع د اهلامش – حس ب ج ريار ج نيت(‪ -)G.Genette‬حال ة نص ية طباعي ة إحالي ة‬


‫ومرجعية‪ ،‬ترتبط بكلمة‪ ،‬أو عبارة‪ ،‬أو فقرة‪ ،‬أومقطع‪ ،‬بطريقة حمددة أو غري حمددة ‪.232‬‬
‫وتوض ع اهلوامش‪ ،‬باعتباره ا مالحظ ات وتعليق ات‪ ،‬ع ادة " خ ارج جس م الص فحة‪ ،‬يف‬
‫أس فلها‪ ،‬وأحيان ا يف آخ ر الفص ل أو يف آخ ر الكت اب‪ .‬وه ذه الظ اهرة ت دعو الق ارئ إىل‬
‫مطالعة النص مرتني‪ .‬مرة أوىل بقراءته اجلملة مباشرة‪ ،‬ومرة ثانية عندما تدعوه املالحظة‬
‫إىل ذلك‪ .‬إن هذا الفصل بني منطقتني من النص‪ ،‬إحدامها اختيارية‪ ،‬والثانية إلزامية‪ ،‬يعرب‬
‫غالب ا عن فص ل بني منطق تني من اجلمه ور ال ذي يتوج ه النص إلي ه‪ .‬فعن دما نق دم‬
‫استشهادات من لغة أجنبية‪ ،‬مث نرتمجها‪ ،‬فذلك ألننا نعترب أن بعض القراء قد فهموا من‬
‫أنفسهم‪ ،‬وأن الباقني جيهلون اللغة اإلس بانية أو الفنلندي ة‪ ،‬وهم حباجة إىل هذا الدوران‪.‬‬
‫وك ذلك‪ ،‬عن دما يري د الك اتب أن يك ون يف متن اول اجلمي ع‪ ،‬وأن حيمي نفس ه يف ال وقت‬
‫ذاته من انتقاء األخصائيني‪ ،‬فإنه يعمد إىل معاجلة التقاط احلساسية يف جمال صغري خمصص‬
‫لذلك"‪.233‬‬
‫وإذا ك انت املالحظ ة تتعل ق بكلم ة واح دة من النص األس اس‪ ،‬ف إن التعلي ق ‪ -‬غالب ا‪ -‬م ا‬
‫يتعلق بكامل النص‪ .‬فال يعود هنالك مربر لوضع إشارة هلذه الكلمة أو تلك‪ ،‬إذ يكون‬
‫لدينا التفسري اهلامشي‪.234‬‬
‫ويرتجم اهلامش كذلك دالالت النص الرئيس ترمجة جزئية أو كلية‪ .235‬كما أن" وضع‬
‫التفسريات يف أسفل الصفحة هو الذي يولد فينا امليل إىل عدم مراجعتها إال بعد قراءة‬
‫النص مبجموعه‪ .‬ولكن عندما يكون الشرح‪ ،‬أو التعليق‪ ،‬موضوعا إىل جانب النص‪ ،‬فإن‬

‫‪232‬‬
‫‪- G.GENETTE : SEUILS, Collection Poétique, SEUIL, PARIS,‬‬
‫‪1987, p : 293.‬‬
‫‪ -‬ميشال بوتور‪ :‬بحوث في الرواية الجديدة‪ ،‬ص‪.123:‬‬ ‫‪233‬‬

‫‪ -‬ميشال بوتور‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪. 123:‬‬ ‫‪234‬‬

‫‪- GERARD GENETTE : SEUILS, p : 293 .‬‬


‫‪235‬‬

‫‪152‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫احلرك ة العادي ة للق راءة جتعلن ا نص ادفه فيم ا حنن نت ابع الق راءة‪ .‬ومن ذ ذاك‪ ،‬ميت د التعلي ق‪،‬‬
‫ويطغى على املقال بكامله"‪.236‬‬
‫ويعين هذا كله أن اخلطاب اهلامشي عبارة عن نص مواز ومكمل للنص اإلبداعي‪ ،‬يقوم‬
‫بدور الشرح‪ ،‬والتفسري‪ ،‬وإضاءة النص‪ ،‬سواء أكان النص املشروح أو املفسر أو املضاء‬
‫نصا شعريا أم روائيا أم دراميا‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬مفهــوم الهــامش‬


‫يع رف اهلامش بأن ه ملف وظ لغ وي ق د يك ون كلم ة‪ ،‬أو عب ارة‪ ،‬أو مجل ة‪ ،‬أو مقطع ا‪ ،‬أو‬
‫فقرة‪ ،‬أو نصا‪...‬فليس للهامش حجم نصي حمدد‪ ،‬ويتحدد بكونه مرجعا جزئيا مرتبطا‬
‫بالنص بشكل من األشكال‪ .237‬ويتقابل اهلامش مع املقدمة أو التصدير أو التقدمي (‪Préf‬‬
‫‪.)ace‬مبع ىن إذا ك انت املقدم ة توج د يف مس تهل النص‪ ،‬ف إن اهلامش يوج د يف أس فل‬
‫النص‪.‬وعلى الرغم من هذا االختالف الشكلي املوقعي‪ ،‬فبينهما عالقات تكاملية أساسها‬
‫التقدمي‪ ،‬والشرح‪ ،‬والتفسري‪ ،‬والتوضيح‪.‬‬
‫عالوة على ذل ك‪ ،‬ف اهلوامش عب ارة عن نق ط تفص يلية‪ ،‬وملحق ات توض يحية ملا ه و ع ام‬
‫وجمم ل وغ امض داخ ل النص‪ .‬وق د ي رد اهلامش يف أس فل الص فحة يف ش كل أرق ام‪،‬‬
‫وحروف‪ ،‬وأيقونات‪ ،‬وكتابات‪ ،‬ومالحظات‪ ،‬وعالمات تقنية وفنية ومجالية‪ ،‬إما بشكل‬
‫خمتصر ومقتضب‪ ،‬وإما بشكل مفصل وموضح بدقة‪.‬‬
‫وللتوضيح أكثر‪ ،‬ف اهلوامش عبارة عن إحاالت مرجعي ة‪ ،‬يراد من استعماهلا‪ ،‬واالستعانة‬
‫هبا‪ ،‬إما التوثيق الببليوغرايف والتثبت العلمي‪ ،‬وإما الشرح واإلضاءة والتوضيح‪ .‬وغالبا‪ ،‬ما‬
‫تفصل منطقة اهلامش عن منطقة املنت خبط متصل أو منفصل‪ ،‬يف شكل سور أو سياج‪،‬‬
‫يفصل بني ناحيتني من الصفحة‪ :‬ناحية املنت‪ ،‬وناحية اهلامش‪.‬‬

‫‪ -‬ميشال بوتور‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.123:‬‬ ‫‪236‬‬

‫‪237‬‬
‫‪- G.GENETTE : Ibid, p : 293.‬‬

‫‪153‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬تاريــخ ظاهــرة الهوامــش‬


‫ارتبطت ظاهرة اهلوامش بالكتاب منذ القدمي‪ -‬منسوخا وخمطوطا ومطبوعا‪ ،-‬من خالل‬
‫عمليات الشرح‪،‬والتعليق‪ ،‬والتوضيح‪ ،‬والتحشية‪ .‬فكان لكل منت نصي‪ :‬هامش‪ ،‬وحتشية‪،‬‬
‫وتعليق‪ ،‬ومالحظات تذلل صعوبات النص‪ ،‬وتسهل عملية الفهم والتفسري‪ ،‬وتبسط تلقي‬
‫العمل اإلبداعي‪ ،‬واستهالكه‪ ،‬وحفظه‪ ،‬وإعادة إنتاجه‪.‬‬
‫وميكن" اعتب ار طباع ة الرواي ات التمثيلي ة أو النص وص املس رحية حال ة خاص ة للبن اء‬
‫اهلامش ي‪ .‬فق د ك انت أمساء األش خاص أو املمثلني توض ع‪ -‬فيم ا مض ى‪ -‬يف اهلامش‪ ،‬فال‬
‫تشكل جزءا من النص املسموع؛ فذكر األمساء ضروري يف النص الذي تقرأه‪ ،‬ولكننا ال‬
‫حنتاج إىل هذه األمساء يف النصوص اليت تقرأ علينا‪ ،‬فهي تدلنا كيف أن نقرأ‪ .‬وبعد ذلك‪،‬‬
‫أخ ذوا يض عون االس م منف ردا يف نص ف الس طر‪ ،‬وه ذه طريق ة أخ رى لفص له عن جس م‬
‫النص"‪.238‬‬
‫وإىل جانب هذه املالحظات اهلامشية‪ ،‬تضاف هوامش ومالحظات خاصة بالسينوغرافيا‪،‬‬
‫والديكور‪،‬والفضاء املسرحي‪ ،‬وغريه‪.....‬‬
‫وي رى ج ريار ج نيت أن مص طلح اهلامش (‪ )Note‬مل يظه ر يف ق واميس الثقاف ة اللغوي ة‬
‫الغربي ة إال يف الق رن الس ابع عش ر(‪1636‬م)‪ ،‬كم ا يت بني ذل ك جلي ا يف ق اموس روب ري (‬
‫‪ .)Robert‬بل متتد اهلوامش إىل العصور الوسطى‪ ،‬حيث كانت النصوص تتموقع يف‬
‫وس ط الص فحة‪ ،‬وحتاط بنص وص مكتوب ة يف أس فل الص فحة‪ ،‬يف ش كل توض يحات‪،‬‬
‫‪239‬‬
‫وإضاءات‪ ،‬وتعليقات‪ ،‬وشروح‪ ،‬وتفسريات‪...‬‬
‫ومن أهم الكتب الغربي ة املعروف ة ب اهلوامش كت اب (اإلجني ل) ال ذي خض ع جملموع ة من‬
‫الش روح والتفس ريات والت أويالت‪ ،‬كم ا خض عت هلا ب اقي الكتب الس ماوية األخ رى‬
‫‪ -‬ميشيل بوتور‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.123 :‬‬ ‫‪238‬‬

‫‪239‬‬
‫‪- GERARD GENETTE : Ibid, p : 294.‬‬

‫‪154‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫كالتوراة‪ ،‬والقرآن الكرمي‪ .‬ومن مث‪ ،‬فقد اغتىن خطاب اهلوامش ثراء واهتماما وعناية مع‬
‫القرن التاسع عشر والقرن العشرين‪ ،‬بظهور الدراسات األكادميية واألحباث اجلامعية اليت‬
‫اس توجبت التوثي ق العلمي املوض وعي‪ ،‬بوض ع امللحق ات واملالحظ ات يف أس فل النص أو‬
‫املنت‪ ،‬ويس مى ه ذا ب التوثيق الببلي وغرايف‪ .‬وك انت اهلوامش تأخ ذ النص ف اآلخ ر من‬
‫الصفحة‪ ،‬بينما النصف اآلخر خمصص للنص الرئيس‪.‬‬
‫عالوة على ذلك‪ ،‬كانت توجد مالحظات فرعية‪ ،‬توضع على مالحظات املنت األصلي‪.‬‬
‫أض ف إىل ذل ك فق د ك انت اهلوامش توض ع إم ا يف أس فل النص‪ ،‬وإم ا يف آخ ر الفص ل‪،‬‬
‫وإما بني قوسني داخل املنت‪ ،‬وإما يف آخر الكتاب يف شكل مالحق‪ ،‬وذيول‪ ،‬وفهارس‬
‫مكملة‪.‬‬
‫وكانت اهلوامش أيضا توضع يف النسخة األص لية األوىل‪ ،‬أو توضع يف النسخ املتتالية أو‬
‫املتعاقبة‪ .‬وقد كانت هذه اهلوامش خمتصرة ومقتضبة يف بعض النصوص‪ ،‬ومفصلة ومسهبة‬
‫يف بعض النصوص اآلخرى‪.‬‬
‫وإذا ك ان خط اب اهلوامش ق د هيمن على اجلنس ال درامي والتخيي ل الش عري‪ ،‬ف إن‬
‫اخلطاب الروائي قد بدأ بدوره يستفيد من تقنية اهلوامش‪ ،‬والسيما مع النصوص الروائية‬
‫اجلديدة واحلداثية اليت انزاحت عن الكتابة السردية الكالسيكية اخلالية من ه وامش املعطى‬
‫الثقايف الذهين‪ ،‬واستبدلت ذلك كله بكتابة موثقة موضوعية وختييلية‪ ،‬مليئة باإلحاالت‬
‫املرجعية واملصطلحات التقنية‪ ،‬وحبلى باملعرفة اخللفية واخلطاطات التناصية واملستنسخات‬
‫النص ية‪ .‬فض ال عن املقتبس ات املس يجة ب املراجع املول دة للنص اإلب داعي ح ىت أص بحت‬
‫الرواية اجلديدة جتمع بني بعدين متقاطعني‪ :‬مجايل وثقايف‪..‬‬
‫وختتص اهلوامش‪ ،‬يف اخلطاب ات العلمي ة واألدبي ة‪ ،‬خباص ية التوجي ه‪ ،‬وإض اءة الق راءة‪،‬‬
‫واملس اعدة على الش رح والتأوي ل‪ ،‬وحتدي د س ياقات املنت الوظيفي ة‪ ،‬واستكش اف جتلياهتا‬
‫املرجعية اليت حتكمها‪ ،‬وجتعل منها متهيدا لزاوية أو زوايا التناول اليت يغتين فيها‪ .‬وإذا كان‬
‫املنت النصي مبنيا على التكثيف واالختزال والغموض يف كثري من األحيان‪ ،‬فإن اهلوامش‬

‫‪155‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫تس اعد على توض يح م اهو غ امض‪ ،‬أو تق دم إض اءات هادف ة وبن اءة للمتلقي قص د فهم‬
‫النص وتفسريه‪...‬‬
‫وحىت يف حال عدم وجود اهلوامش واملالحظات والتعليقات يف أسفل الصفحة‪ ،‬وغياب‬
‫التفس ريات يف اإلط ار اهلامش ي‪ " ،‬ف إن الناش رين يتوج ون ع ادة جس م النص يف الص فحة‬
‫ببض ع كلم ات تس مى"عن وان ج ار"‪ .‬ويف أغلب احلاالت‪ ،‬يك ون ه ذا العن وان عن وان‬
‫الكت اب نفس ه‪ .‬ي ذكر ب ه باس تمرار‪ ،‬كأن ه م رمى الس الح‪ -‬يق ول بوتور ‪MICHEL‬‬
‫‪ -BUTOR‬إال أن ه ذا العن وان‪ ،‬خالل الق رن التاس ع عش ر خاص ة‪ ،‬ك ان يتغ ري من‬
‫صفحة إىل أخرى‪ ،‬مذكرا بعناوين الفصول‪ ،‬أو مميزا كل صفحة عن مثيلتها‪ ،‬أوملخصا‬
‫إياها‪ ،‬ليسمح للقارئ بأن يطالعها بارتياح‪ .‬وهكذا‪ ،‬نرى أنه ميكن إحاطة جسم الصفحة‬
‫بسور من الكلمات حتميه‪ ،‬وتشرحه‪ ،‬وتدافع عنه‪ ،‬إال أن ترتيبات كهذه تكلف كثريا‪،‬‬
‫وال نراه ا يف أيامن ا احلاض رة إال يف املؤلف ات العلمي ة‪ :‬امللخص ات‪ ،‬واألحباث‪،‬‬
‫واألطروحات‪ ،‬تلك الكتب اليت تتحكم فيها من الناحية األدبية‪ ،‬ويا لألسف‪ ،‬الروتينية‬
‫البغيضة!"‪.240‬‬
‫وهكذا‪ ،‬نستنتج أن ظاهرة اهلوامش ظاهرة قدمية‪ ،‬ارتبطت ارتباطا وثيقا بالكتاب‪ ،‬مهما‬
‫ك انت طبيعت ه‪ ،‬وق د عرفته ا الثقاف ة العربي ة بش كل من األش كال‪ ،‬فأص بح الكت اب‪ ،‬أو‬
‫النص‪ ،‬أو اخلط اب‪ ،‬أو املص نف‪ ،‬مس يجا بنص وص ثانوي ة يف ش كل ه وامش‪ ،‬وح واش‪،‬‬
‫وتعليقات‪ ،‬وحواش فوق احلواشي‪ ،‬وهلم جرا‪.‬‬
‫ولن حتظ اهلوامش باالهتمام الكايف إال مع ظهور الكتاب املطبعي‪ ،‬وتط ور البحث العلمي‬
‫واألكادميي الذي يستوجب وضع مالحظات أو هوامش توضيحية يف أسفل النص بغية‬
‫التوثي ق‪ ،‬والتوض يح‪ ،‬والش رح‪ ،‬وتنقي ة املنت من الزوائ د‪ ،‬وتش ذيبه بوض ع امللحق ات يف‬
‫أسفل النص‪.‬ومن هنا‪ ،‬فقد استفاد اإلبداع األديب‪ ،‬وخاصة الرواية‪ ،‬من هذه التقنية الفنية‬

‫‪ -‬ميشال بوتور‪ :‬نفسه‪ ،‬صص‪.125-124:‬‬ ‫‪240‬‬

‫‪156‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫واجلمالي ة واملوازي ة‪ ،‬حينم ا حتول إىل حبث وجه د وممارس ة عملي ة قائم ة على التنقيب‪،‬‬
‫والتخطيط‪ ،‬والتدبري‪.‬‬

‫المبحث الرابع‪ :‬االهتمــام بالهوامــش‬


‫لقد أولت الشعرية السردية احلديثة عتبات النص املوازي اهتماما كبريا‪ ،‬مبا فيها املناصات‬
‫الداخلي ة اجملاورة للنص ال روائي بص فة عام ة‪ ،‬واهلوامش امللحق ة ب املنت اإلب داعي بص فة‬
‫خاص ة‪ .‬ومن أهم ال ذين اهتم وا خبط اب اهلوامش ج ريار ج نيت يف كتاب ه( العتبـ ــات‬
‫‪ ،241)SEUILS‬وميشيل بوتور( ‪ ) MICHEL BUTOR‬يف كتابه(بحــوث‬
‫في الرواية الجديدة‪...242) Essais sur le roman/‬‬
‫بي د أن االهتم ام بش عرية اهلوامش يف الثقاف ة العربي ة احلديث ة واملعاص رة م ازال ض ئيال‪،‬‬
‫باس تثناء بعض الدراس ات ال يت تع د على األص ابع‪ ،‬مث ل دراس ة مجي ل محداوي (مقارب ة‬
‫مناصية لرواية( أوراق) لعبد اهلل العروي) (‪1998‬م)‪ ،243‬ودراسة بنعيسى بومحالة ( أيتـام‬
‫سومر في شعرية حسب الشيخ جعفر) (‪2009‬م)‪ ،244‬ودراسة رشيد بنحدو (جماليــة‬
‫البين‪-‬بين في الرواية العربية) (‪2011‬م)‪...245‬‬
‫‪241‬‬
‫‪- G. GENETTE : SEUILS, collection poétique Seuils, Paris, 1987,‬‬
‫‪pp : 293-315.‬‬
‫‪ -‬ميش يل بوت ور‪ :‬بحــوث في الروايــة الجديــدة‪ ،‬ترمجة‪ :‬فري د انطوني وس‪ ،‬منش ورات عوي دات‪ ،‬ب ريوت‪،‬‬ ‫‪242‬‬

‫باريس‪،‬الطبعة الثالثة‪1986 ،‬م ؛صص‪.125-122:‬‬


‫‪ -‬مجي ل محداوي‪ :‬مقاربــة مناصــية لروايــة أوراق لعبــد اهلل العــروي‪ ،‬مطبع ة بن ع زوز بالن اظور‪ ،‬املغ رب‪،‬‬ ‫‪243‬‬

‫الطبعة األوىل سنة ‪1998‬م‪ ،‬صص‪.70-64:‬‬


‫‪ -‬بنعيس ى بومحال ة‪ :‬أيتــام ســومر في شــعرية حســب الشــيخ جعفــر‪ ،‬اجلزء الث اين‪ ،‬دار توبق ال للنش ر‪ ،‬ال دار‬ ‫‪244‬‬

‫البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪2009‬م‪،‬صص‪.85-68:‬‬


‫‪ -‬رشيد بنحدو‪ :‬جمالية البين‪ -‬بين في الرواية العربية‪ ،‬منشورات مؤسسة نادي الكتاب املغرب‪ ،‬مطبعة‬ ‫‪245‬‬

‫الكتاب بفاس‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪2011‬م‪ ،‬ص‪.196:‬‬

‫‪157‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫وميكن مقاربة اهلوامش يف أي خطاب أديب أو فين من خالل التوقف عند أربعة مرتكزات‬
‫أساسية هي‪ :‬البنية‪ ،‬والداللة‪ ،‬والوظيفة‪ ،‬والقراءة السياقية‪.‬‬

‫المبحث الخامس‪ :‬أنــواع الهوامــش‬


‫ميكن احلديث عن أنواع عدة من اهلوامش اليت ميكن حصرها يف األنواع التالية‪ :‬هوامش‬
‫التفس ري‪ ،‬وه وامش التعلي ق‪ ،‬وه وامش التوثي ق‪ ،‬وه وامش الش رح‪ ،‬وه وامش النق د‪،‬‬
‫وهوامش الرتمجة‪...‬‬
‫وميكن تصنيفها أيضا إىل مالحظات‪ ،‬وشروح‪ ،‬ومرتمجات‪ ،‬وتعليقات‪ ،‬وببليوغرافيات‪.‬‬
‫أم ا ج ريار ج نيت‪ ،‬ف ريى أن مثة أنواع ا أربع ة من اهلوامش‪ ،‬أو املالحظ ات (‪،)Notes‬‬
‫وهي‪:246‬‬

‫‪ ‬اهلوامش األصلية‪ ،‬أو اهلوامش املتعلقة بالطبعة األوىل للعمل األديب؛‬


‫‪ ‬اهلوامش الالحقة أو هوامش الطبعة الثانية؛‬
‫‪‬اهلوامش املتأخرة اليت تلتصق بالكتاب أو العمل يف آخر طبعاته؛‬
‫‪ ‬اهلوامش اليت تظهر وختتفي‪ .‬ويعين هذا أن هناك مالحظات هامشية تظهر مع نص‬
‫إثر طبعة معينة‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬ختتفي يف طبعة أخرى‪.‬‬
‫وميكن احلديث أيض ا عن ه وامش إبداعي ة ختييلي ة مرتبط ة بالنص وص اإلبداعي ة واملنج زة‬
‫فني ا‪ ،‬كالش عر‪ ،‬واملس رحية‪ ،‬والرواي ة‪ ،‬والقص ة القص رية‪...‬؛ وه وامش وص فية موض وعية‬
‫مرتبط ة باألحباث العلمي ة‪ ،‬والدراس ات األدبي ة والفني ة‪،‬والرس ائل واألط اريح اجلامعي ة‪،‬‬
‫واألعم ال األكادميي ة‪ .‬ومن جه ة أخ رى‪ ،‬توج د ه وامش أخ رى‪ ،‬كه امش الك اتب‪،‬‬

‫‪246‬‬
‫‪-G.Genette : Ibid, pp : 295-296.‬‬

‫‪158‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫وه امش الط ابع‪/‬الناش ر‪ ،‬وه امش الس ارد‪ ،‬وه امش الق ارئ‪ ،‬وه امش املرتجم‪ ،‬وه امش‬
‫احملقق‪ ،‬وهامش الناقد‪ ،‬وهامش الناسخ‪...‬‬

‫المبحث السادس‪ :‬وظائــف الهوامــش‬


‫من املع روف أن لله وامش جمموع ة من الوظ ائف املوازي ة ال يت ميكن إمجاهلا يف وظيف ة‬
‫التوثي ق( اإلش ارة إىل املص ادر واملراج ع)‪ ،‬واملالحظ ة‪ ،‬والتعلي ق‪ ،‬واإلض اءة‪ ،‬والتوض يح‪،‬‬
‫والش رح‪ ،‬والتفس ري‪ ،‬واإلخب ار‪ ،‬واإلعالم‪ ،‬والرتمجة‪ ،‬والتع ريب‪ ،‬والتحش ية‪ ،‬والتأوي ل‪،‬‬
‫والتفص يل‪ ،‬والت دقيق‪ ،‬والتوس يع‪ ،‬واألرش فة‪ ،‬والتس وير‪ ،‬واإلحال ة املرجعي ة‪ ،‬واس تكمال‬
‫البحث‪ .‬فضال عن وظيفة التأشري السيميائي‪ ،‬والتخييل‪ ،‬والتأطري‪ ،‬وتبيان السياق الذهين‬
‫والنصي‪ ،‬وتعميق معلومات النص وحقائقه ومعطياته‪.‬‬
‫وتعد اهلوامش أيضا استشهادات وإجابات ألسئلة ممكنة يطرحها املتلقي أو املتقبل‪ ،‬قد‬
‫تكون نقدية‪ ،‬أو توثيقية‪ ،‬أو معرفية‪ ،‬إخل‪ ...‬عالوة على ذلك‪ ،‬فاهلامش تركيز على نقط‬
‫معينة‪ ،‬قد تكون غامضة أو مبهمة‪ ،‬أو غري واضحة بالشكل الكايف‪ ،‬تستوجب الشرح‬
‫والتوضيح والتفصيل والتدقيق‪ ،‬وخاصة شرح املصطلحات واملفاهيم التقنية‪ ،‬مع تسليط‬
‫األضواء على نظريات وتصورات جديدة وحداثية‪.‬‬
‫ويرى الباحث املغريب بنعيسى بومحالة الرأي نفسه الذي يراه جريار جنيت أال وهو أن‬
‫اهلامش يقوم بالدور نفسه الذي تؤديه املقدمة‪ ":‬وبصدد اهلامش‪ ،‬حتديدا‪ ،‬يظهر أن الدافع‬
‫األساسي إىل تبنيه‪ ،‬يف جل التجارب اإلبداعية‪ ،‬هو رغبة املبدعني يف رسم حميط تقبلي‬
‫يرونه ناجعا إلنتاج مقروئية منصفة لتجارهبم هذه‪.‬فدرءا ألية إسقاطات‪ ،‬أميا تعسفات‬
‫تأويلي ة يعه د إىل اهلامش بتس طري جمموع ة من اإلش ارات املن ورة ملا يعتق د أن ه غ امض يف‬
‫النص‪ ،‬واملس تدركة ملا يظن أن ه ذا النص ق د س كت عن ه أوفات ه التلف ظ ب ه‪ ،‬م ع بثه ا‬
‫جملموع ة من االنت واءات ال يت يلتمس‪ ،‬ض منيا‪ ،‬ق راءة النص على ه دي منه ا‪.‬إن اهلامش‬

‫‪159‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫يلعب‪ ،‬وفقا هلذا‪ ،‬الدور نفسه الذي تلعبه املقدمة‪ ،‬ملا تكون بقلم املبدع تدقيقا‪ ،‬وذلك‬
‫من حيث اإلبانة عن خلفيات بعينها‪ ،‬ومقاصد بذاهتا‪ ،‬أو من حيث التصميم على توجيه‬
‫الق راءة وجه ة مرغوب ا فيه ا يتموض ع معه ا النص يف قلب تفك ري ص احبه أوال‪ ،‬وبع دها‬
‫الض ري يف أن تأخذه املعارف واحلساس يات واألذواق‪ ،‬على تباينه ا‪ ،‬املأخذ ال ذي تريده‪،‬‬
‫وترتئيه مالئما ألسئلتها وشواغلها وهواجسها‪"247.‬‬
‫وهك ذا‪ ،‬يت بني لن ا أن لله امش وظ ائف نص ية ع دة أمهه ا‪ :‬وظيف ة الفهم‪ ،‬والتفس ري‪،‬‬
‫والتأويل‪ ،‬والتوثيق‪ ،‬واالستكشاف‪...‬‬

‫المبحث السادس‪ :‬الهوامش في الخطاب الروائي العربي‬


‫إذا تأملنا بعض الروايات املعاصرة اليت حنت منحى التجديد والتجريب‪ ،‬فسنجدها تفاجئ‬
‫القارئ‪ ،‬من حني آلخر‪ ،‬هبوامش خارج النص متفاوتة‪ ،‬حيتكرها املؤلف لنفسه كفضاء‬
‫لتدخالته املتكررة‪ .‬وتتميز هذه التدخالت بتخلي الروائي عن حياده‪ ،‬إما للكشف عن‬
‫حيثي ات أمهله ا الس ارد‪ ،‬وإم ا لتعلي ل بعض األح داث‪ .‬وق د يت دخل املؤل ف ليفص ح عن‬
‫‪248‬‬
‫نيات السارد‪ ،‬أو ليشوق القارئ إىل قول وشيك يف احلبكة الروائية‪.‬‬
‫ولكن مثة نص وص كالس يكية‪ ،‬اس تعانت ب اهلوامش إلض اءة متوهنا‪ ،‬وتوض يحها‪ ،‬وت ذليل‬
‫غوامضها‪ ،‬مثل‪ :‬روايات جورجي زيدان‪ .‬ويف هذا الصدد‪ ،‬يقول عبد احملسن طه بدر‪":‬‬
‫ومن مظاهر حرص جورجي زيدان على الدقة التارخيية يف رواياته أنه يشري إىل املراجع‬
‫ال يت اس تمد منه ا مادت ه العلمي ة‪ .‬وكأن ه يكتب حق ا مرجع ا يف الت اريخ‪ ،‬فه و يف رواي ة‪:‬‬
‫(احلجاج بن يوسف الثقفي) يشري إىل " األغاين" مرتني يف صفحتني متتاليتني‪ .‬ويشري يف‬

‫‪ -‬بنعيس ى بومحال ة‪ :‬أيتــام ســومر في شــعرية حســب الشــيخ جعفــر‪ ،‬اجلزء الث اين‪ ،‬دار توبق ال للنش ر‪ ،‬ال دار‬ ‫‪247‬‬

‫البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪2009‬م‪ ،‬ص‪.69:‬‬


‫‪ -‬رش يد بنح دو‪( :‬حني تفك ر الرواي ة يف ال روائي)‪ ،‬مجلــة الفكــر العــربي المعاصــر‪ ،‬لبن ان‪ ،‬ع دد‪66/67‬‬ ‫‪248‬‬

‫يوليو‪ -‬غشت‪،1989 ،‬ص‪.32:‬‬

‫‪160‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫صفحتني ثانيتني إىل املرجع نفسه أكثر من مخس إشارات‪ ،‬ويشري يف صفحة واحدة إىل‬
‫املرج ع نفس ه أك ثر من س ت م رات‪ ،‬كم ا يش ري‪ ،‬وه و يتح دث عن عالق ة س كينة بنت‬
‫احلس ني بالش عراء يف الرواي ة نفس ها‪ ،‬إىل ال در املنث ور ومش كاة املص ابيح‪ ،‬وتتك رر ظ اهرة‬
‫اإلشارة إىل املراجع يف هوامش الرواية يف هذه الرواية ويف غريها من الروايات‪ .‬جورجي‬
‫زي دان ال يكتفي ب أن يش ري إىل املص ادر ال يت اس تقى منه ا مادت ه؛ ولكن ه جيع ل من بعض‬
‫روايات ه مراجع لبعض ها اآلخ ر‪ ،‬فيش ري يف رواي ة‪ ( :‬العباس ة) على أن ه س بق أن حتدث عن‬
‫مقتل أيب مسلم اخلراساين يف رواية أخرى‪"249.‬‬
‫ويشكل خطاب اهلوامش يف الرواية بنية حكائية نصية مستقلة‪ ،‬تتفاعل بنيويا ودالليا مع‬
‫البنية النصية الكربى‪ .‬ولو امتدت هذه البنية اهلامشية الصغرى نصيا لتمخضت عن حمكي‬
‫ف رعي داخل احملكي األص لي‪ .‬و" لكن هدف املؤل ف من اقتح ام النص من هوامش ه ليس‬
‫تف تيت النص إىل حمك يني اث نني‪ ،‬ب ل إيه ام الق ارئ باس تقالل الس ارد(الس راد) عن ذات ه‬
‫وإرادت ه‪.‬أي‪ :‬بانتف اء التط ابق املب دئي بني املؤل ف والس ارد‪ ،‬على أس اس أن األول‪ ،‬وه و‬
‫املس ؤول عن اهلامش‪ ،‬اليع رف مق دار م ا يعرف ه الث اين‪ ،‬وه و املس ؤول عن احملكي‪ ،‬بتعب ري‬
‫‪250‬‬
‫جريار جنيت‪".‬‬
‫وعلي ه‪ ،‬ي راد باخلط اب ال ذي يق وم على توظي ف اهلوامش تقوي ة املكت وب وتعض يده‪،‬‬
‫بتوسيع اإلشارة ودقتها‪ ،‬حيث إيراد التواريخ يف نوع من الرتكيز‪ ،‬أو استحضار الشاهد‬
‫العمي ق الدالل ة‪ .‬عالوة على إض فاء البع د ال واقعي؛ ألن بتقوي ة املكت وب وتعض يده‪ ،‬تس ري‬
‫بالنص من صفته اخليالية حنو الواقعية املوضوعية‪.‬‬
‫ويراد باهلوامش كذلك إنتاج النص الثقايف‪ ،‬وحماورة النص األصلي‪ .‬أي‪ :‬إن اهلوامش‪ ،‬يف‬
‫تنوعاهتا‪ ،‬ترسم صورة عن طبيعة النص‪ ،‬وجتسد النص الثقايف الذي يقدم معرفة متكاملة‬

‫‪ -‬عبد احملسن طه بدر‪ :‬تطور الرواية العربية الحديثة في مصر‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬ص‪:‬‬ ‫‪249‬‬

‫‪.102‬‬
‫‪ -‬رشيد بنحدو‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.197-196:‬‬ ‫‪250‬‬

‫‪161‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫متض امنة‪ ،‬وتش كل نوع ا من احلوار ال ذي تؤسس ه م ع نص وص أخ رى‪ ،‬وذل ك يف ش كل‬


‫أجناس وخطابات تتفاعل فيما بينها تعالقا وتناصا‪.251‬‬
‫وهك ذا‪ ،‬فخط اب اهلوامش بني ة مناص ية ض رورية لفهم النص ال روائي وتفس ريه وتأويل ه‪.‬‬
‫وهو خطاب ماورائي‪ ،‬يعضد النص الس ردي األساس‪ ،‬ويقويه كينونة وحضورا وتبئريا‬
‫وترك يزا‪ ،‬ويثري ه فني ا وفكري ا وذهني ا ومجالي ا‪ .‬وه و مبثاب ة ح واش للنص‪ .‬إذ ت ؤطر ه ذه‬
‫احلواشي اهلامشية املعىن‪ ،‬أو توجهه سلفا‪ .‬وحياول الروائي من خالهلا أن خيفف من درجة‬
‫الغم وض ال يت ب اتت تش تكي منه ا بعض النص وص الروائي ة احلديث ة أو املعاص رة ال يت يف‬
‫حاج ة ماس ة إىل أدوات لغوي ة عامي ة وأجنبي ة ال يعرفه ا الق ارئ الع ادي‪ .‬باإلض افة إىل‬
‫توظيف رموز وأساطري وعالمات تارخيية ومرجعية‪ ،‬تتطلب إيضاحات وشروحا‪.‬‬
‫وهن اك بعض الروائ يني ال ذين وظف وا تقني ة اهلوامش‪ ،‬مث ل‪ :‬عب د اهلل الع روي يف روايت ه‬
‫( أوراق)‪ ،‬وإميل حبييب يف روايته( الوقائع الغريبة يف اختفاء سعيد أيب النحس املتشائل)‪،‬‬
‫ومبارك ربيع يف روايته( بدر زمانه)‪ ،‬وبنسامل محيش يف ( جمنون احلكم)‪ ،‬وحممد شكري‬
‫يف(الشطار) وحممد األشعري يف( جنوب الروح)‪ ،‬وصنع اهلل إبراهيم يف( جنمة أغسطس)‬
‫ال يت جه ر فيه ا ب املراجع ال يت اعتم دها يف اس تجماع م واد التخيي ل‪ .‬دون أن ننس ى س ليم‬
‫بركات يف رواياته‪ ،‬وغالب هلسا يف روايته ( سلطان)‪.‬‬
‫ف املراجع ال يت أثبته ا عب د اهلل الع روي‪ -‬مثال‪ -‬يف روايت ه( أوراق)‪ 252‬ك انت هتدف إىل‬
‫تس هيل النص على الق ارئ‪ ،‬وإض اءة مستنس خاته النص ية‪ ،‬وتوض يح مفاهيم ه املرجعي ة‪،‬‬
‫بش رح م اغمض يف النص‪ ،‬بتوض يح إحاالت ه الديني ة‪ ،‬والفكري ة‪ ،‬والفلس فية‪ ،‬واللغوي ة‪،‬‬
‫والتارخيي ة‪ ،‬واألدبي ة‪ ،‬والفني ة‪ ،‬والسياس ية‪ ...‬وتبي ان مص ادره التخييلي ة‪ .‬وهن اك م ا ي ربر‬
‫ش رح ه ذه اهلوامش؛ ألن الرواي ة عب ارة عن نص ميتاس ردي واص ف على غ رار الكتب‬

‫‪ -‬صدوق نور الدين‪ :‬أوراق لعبد اهلل العروي‪ ،‬دراسة وحتليل‪ ،‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬الدار البيضاء‪،‬املغرب‪،‬‬ ‫‪251‬‬

‫الطبعة األوىل سنة ‪1996‬م‪ ،‬ص‪.86:‬‬


‫‪ -‬عبد اهلل العروي‪ :‬أوراق‪ ،‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة الثانية‪1996 ،‬م‪.‬‬ ‫‪252‬‬

‫‪162‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫النقدي ة الوض عية امليتالغوي ة‪ .‬ل ذلك‪ ،‬فهي تتطلب ش روحا وإح االت وتعليق ات‪ ،‬ينبغي‬
‫إيضاحها‪ ،‬وتبسيطها للقارئ‪ .‬هلذا‪ ،‬أثبتها الكاتب يف آخر الكتاب لتؤدي وظيفة تربوية‪،‬‬
‫وإيض احية‪ ،‬وتس هيلية‪ ،‬ومعرفي ة‪ ،‬وإيهامي ة‪ ،‬ت وحي باحلقيق ة املوض وعية املوثق ة على غ رار‬
‫كتاب ات إمي ل زوال‪ .‬وال ننس ى أن الكيفي ة ال يت كتبت هبا الرواي ة‪ - ،‬وهي نص على‬
‫نص‪ -‬تربر هذه العملية‪.‬‬

‫يتبني لنا‪ ،‬مما سلف ذكره‪ ،‬أن اهلوامش النصية ظاهرة مطبعية قدمية‪ ،‬عرفتها كل اخلطابات‬
‫واألجناس األدبية والوصفية‪ .‬كما أهنا عتبة أساسية من عتبات النص املوازية اليت تسعفنا‬
‫يف استيعاب النص‪ ،‬وإعادة إنتاجه من جديد‪.‬‬
‫و تع د اهلوامش أيض ا من أهم جتلي ات اخلط اب ال روائي الع ريب اجلدي د‪ ،‬على ال رغم من‬
‫وجوده ا يف بعض النص وص الروائي ة الكالس يكية‪ .‬ومن مث‪ ،‬يه دف خط اب اهلوامش‪،‬‬
‫باعتباره مظهرا للتجريب واحلداثة‪ ،‬إىل خلق نص جماور‪ ،‬يتفاعل مع املنت النصي حوارا‪،‬‬
‫وتناص ا‪ ،‬وختييال‪ ،‬وجتس يدا للمعرف ة اخللفي ة ال يت ينطل ق منه ا الك اتب إلش راك الق ارئ يف‬
‫تفكيك النص‪ ،‬وتركيبه‪ ،‬بفهم شفرة النص الثقافية واملرجعية والفنية‪.‬‬
‫كم ا يه دف ه ذا النص املوازي ك ذلك إىل خلخل ة ال ذوق الس ائد ل دى املتلقي‪ ،‬وختييب‬
‫أفق انتظاره بأنه أمام نص حداثي‪ ،‬يتطلب منه املسامهة يف خلق النص‪ ،‬وإعادة إنتاجه من‬
‫جديد‪.‬‬

‫‪163‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫الفصل الثاني عشر‪:‬‬

‫شعريــة المقتبســات في الخطاب الروائي العربي‬

‫المبحث األول‪ :‬مفهــوم المقتبس النصي‬

‫تعت رب املقتبس ات(‪ ) EPIGRAPHES‬من أهم عناص ر النص املوازي‪ ،‬وأح د‬


‫امللحقات النصية الداخلية اجملاورة للنص اإلبداعي‪ .‬وقد اهتمت هبا الشعرية السردية مع‬
‫ج ريار ج نيت (‪ ).GENETTE G‬يف كتاب ه (عتب ات ‪ )SEUILS‬و( األط راس‬
‫‪ .)PALIMPSESTES‬وي درج ج نيت املقتبس ات أو العب ارات التوجيهي ة ض من‬
‫النص املوازي( ‪ ) PARATEXTE‬ال ذي يش مل‪ :‬العن وان‪ ،‬والعن وان الف رعي‪،‬‬
‫والعن اوين الداخلي ة‪ ،‬واملق دمات‪ ،‬والت ذييالت‪ ،‬والتنبيه ات‪ ،‬والتص دير‪ ،‬واملالحظ ات‬
‫اهلامش ية‪ ،‬واحلواش ي أس فل الص فحات‪ ،‬واهلوامش يف آخ ر العم ل‪ ،‬واإله داء‪ ،‬والزخرف ة‪،‬‬
‫والرسم‪ ،‬والغالف‪ ...‬وأنواع أخرى من إشارات املالحق‪ ،‬واملخطوطات الذاتية والغريية‬
‫اليت تزود النص حبواش خمتلفة‪.253‬‬
‫وتع ين كلم ة املقتبس ات العب ارة املقتبس ة ال يت توض ع يف ص در الكت اب‪ ،‬أو يف ج زء من ه‪،‬‬
‫وتلخص فك رة املؤل ف‪ ،‬وتوض ع بني قوس ني‪ ،‬أو مزدوج تني‪ ،‬أو بني معقوف تني‪ ،‬أو بني‬
‫عالمات التنصيص‪ ،‬على أهنا تضمني واقتباس واستشهاد‪.254‬‬

‫‪253‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪G.GENETTE :‬‬ ‫‪Palimpsestes.ED,‬‬ ‫‪SEUIL,‬‬
‫‪COLL.POETIQUE.1982, p : 9.‬‬
‫‪- G.GENETTE : Seuils, collection Poétique, Seuil, 1987, p : 134.‬‬
‫‪254‬‬

‫‪164‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫وتع رف املقتبس ة ك ذلك بأهنا ش اهد يوض ع يف مس تهل عم ل أو فص ل لإلش ارة إىل روح‬
‫ه ذا العم ل أو الفص ل‪ .‬ومن مث‪ ،‬ف إن القص د الع ام للك اتب يك ون موض حا باملقتبس ة‪.255‬‬
‫ويك ون الغ رض من ه ذه املقتبس ات ه و التوض يح‪ ،‬والت دقيق‪ ،‬والتعض يد‪ ،‬وتقوي ة النص‪،‬‬
‫وإضاءته فهما وتفسريا وتأويال‪.‬‬
‫وي رى ميكائي ل ريف اتري(‪ )MICHAEL RIFFATERRE‬أن املقتبس ة هي‬
‫مبثابة مؤولة للدليل‪ ،‬وتشتغل منوذجا لالشتقاق اإلبداعي‪ .256‬ويعين هذا أن املقتبس عبارة‬
‫عن استشهاد أو اقتباس أو تضمني‪ ،‬يورده املبدع‪ ،‬أو الكاتب‪ ،‬أو أي شخص آخر لتقوية‬
‫النص تعضيدا وتوثيقا وحتقيق ا وختييال‪ ،‬وتفسريه تعليقا وشرحا ونقدا وت أويال‪ .‬مبعىن أن‬
‫املقتبس ه و ال ذي يس عف املتلقي يف تفكي ك النص تش رحيا وحتليال وتقوميا‪ ،‬وت ركيب‬
‫شفرته الداللية والتأويلية‪ ،‬إن بنية‪ ،‬وإن داللة‪ ،‬وإن وظيفة‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬تاريخ ظاهرة المقتبس النصي‬


‫ارتبطت ظاهرة املقتبسات بالكتاب املخطوط واملطبوع‪ .‬وعرفت تطورات نصية وموقعية‬
‫حسب اختالف الكتاب‪ ،‬وتطوره على املستوى التقين واملطبعي‪ .‬وقد أصبح الغالف‪ ،‬يف‬
‫الق رن الس ادس عش ر‪ "،‬يتض من باإلض افة إىل اس م املؤل ف‪ ،‬وعن وان الكت اب‪ ،‬ومك ان‬
‫الطبع‪ ،‬وسنة الطبع‪ ،‬بعض املعطيات األخرى‪ ،‬كاسم موزع الكتاب‪ ،‬وبعض اإلهداءات‬
‫الطويلة‪ ،‬والتفسريات املختلفة حتت العنوان‪ ،‬والرسوم اليت كانت تزداد غىن مع الوقت‪،‬‬
‫وإشارة الطابع‪ ،‬أو إشارة الناشر‪ .‬وسرعان ما أخذت تظهر على الغالف رسومات فخمة‬
‫على شكل مشابه لبعض أجزاء العمارة‪ ،‬وبعض لوحات البورتريه‪ ،‬وموتيفات خمتلفة من‬
‫‪255‬‬
‫‪- BERNARD DUPRIEZ : les procédés littéraires (dictionnaire),‬‬
‫‪GRADUS, 10/18,1984.‬‬
‫‪- MICHAEL RIFATERRE : sémiotique de la poésie, traduction‬‬
‫‪256‬‬

‫‪FRN, SEUIL, PARIS, 1983, p : 142.‬‬

‫‪165‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫الت وراة‪ .‬وهك ذا‪ ،‬فق د أص بح الغالف يف هناي ة الق رن الس ادس عش ر يغص بالرس ومات‬
‫واملعطيات املختلفة‪ .‬ويف ذلك الوقت‪ ،‬اكتمل أسلوب الباروك الفخم يف الغالف‪ ،‬حيث‬
‫أصبح يتضمن معطيات مفصلة عن املؤلف‪ ،‬وعن موضوع الكتاب‪ ،‬وعن راعي الكتاب‬
‫وعن الطابع أو الناشر‪ ،‬وحىت استشهادات [مقتبسات] الكتاب الكالسيكيني‪ .‬وكل هذا‬
‫إىل جانب الرسوم الفنية باألعمدة الكالسيكية والشخصيات اجملازية واملناطق النادرة اليت‬
‫‪.257‬‬
‫مل يكن هلا يف األغلب أية عالقة مبوضوع الكتاب"‬
‫وي رى ج ريار ج نيت أن املقتبس ات أق دم من عتب ة اإله داء تارخيي ا‪ ،‬حيث مل جيد الب احث‬
‫لإلهداء أي أثر يف الثقافة الغربية قبل القرن السابع عشر‪ .‬ومن مث‪ ،‬فأول كتاب يوظف‬
‫املقتبس بش كله املع روف ه و كت اب (اخلص ائص‪ )Caractères/‬ال ذي ألف ه الك اتب‬
‫الفرنس ي الس اخر البروي ري (‪ )La Bruyère‬س نة ‪1688‬م‪.‬وبع د ذل ك‪ ،‬ك ثرت‬
‫املقتبس ات يف الكتب يف الق رون الالحق ة ح ىت قرنن ا ه ذا‪ .‬وأص بح املقتبس تقلي دا يف بن اء‬
‫النص‪ ،‬وعرف ا يف ص ناعة الكت اب وطباعت ه‪ .‬ومن هن ا‪ ،‬غ دا قامسا مش رتكا بني مجي ع‬
‫األجناس األدبية‪ ،‬ومل يقتصر فقط على الدراسات العلمية واألدبية واألكادميية فقط‪ ،‬بل‬
‫جتاوزها إىل اإلبداع ليلتصق جبنس الرواية بشكل الفت لالنتباه‪ ،‬وباخلصوص عند الكتاب‬
‫اإلجنل يز أوال‪ ،‬والكت اب الفرنس يني ثاني ا‪ ،‬ومنهم‪ :‬وال رت س كوت(‪،)Walter Scott‬‬
‫وجيمس(‪ ،)James‬وفيل دينغ(‪ ،)Fielding‬وج ان أوس نت(‪ ،)Jane Austin‬وآن‬
‫رادكليف(‪ ،)Ann Radcliffe‬وستاندال(‪ ،)Stendal‬وبلزاك(‪ ،)Balzac‬وفلوبري(‬
‫‪ ،)Flaubert‬وإمي ل زوال(‪...)Zola‬ويع ين ه ذا أن املقتبس ات ق د التص قت بظه ور‬
‫املدرسة الواقعية حبال من األحوال‪.258‬‬
‫وال ننسى أن نقول أيضا‪ :‬إن الثقافة العربية بدورها قد اهتمت اهتماما كبريا باملقتبس‪،‬‬
‫واعتربت ه أس اس املوض وعية العلمي ة‪ ،‬وجعلت ه دليال على نض ج املؤل ف‪ ،‬وعالم ة على قوت ه‬

‫‪ -‬ألكسندر ستيبتشفيتش‪ :‬تاريخ الكتاب‪ ،‬القسم الثاين‪ ،‬ص‪.228 :‬‬ ‫‪257‬‬

‫‪258‬‬
‫‪-G.Genette: Ibid, p: 137-138.‬‬

‫‪166‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫اإلبداعي ة‪ ،‬ومؤش را واض حا على مسوه الفك ري‪ .‬ومن مث‪ ،‬فتعض يد النص باملقتبس ات‬
‫واالستشهادات من القرآن الكرمي‪ ،‬والسنة النبوية الش ريفة‪ ،‬واألق وال املأثورة من أمثال‪،‬‬
‫وحكم‪ ،‬وأشعار‪ ،‬وأخبار‪ ،‬ونوادر‪ ،‬وحكايات‪ ،‬وسرود‪ ،‬هذا كله يرفع من مكانة املبدع‪،‬‬
‫ويسمو به يف مساء الثقاف ة والعلم واألدب‪ .‬بل وجدنا أيض ا بعض الكتب النقدية وكتب‬
‫األدب العامة عبارة عن مقتبسات صرحية أو ضمنية‪ ،‬كما هو حال كتاب (العقد الفريد)‬
‫البن عب د رب ه‪ ،259‬وكت اب (العم دة) البن رش يق الق ريواين‪ ،260‬وكت اب (املقدم ة) البن‬
‫خلدون مثال‪.261‬‬
‫ويعين هذا أن املقتبسات تقليد أديب وثقايف عريق‪ ،‬ارتبط بعامل اإلبداع والكتابة‪ ،‬وختطيط‬
‫الكتاب وطبعه ونشره‪ ،‬يف مجيع الثقافات اليت عرفت االزدهار العلمي والثقايف‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬وظائــف المقتبس وطبيعتــه‬


‫تؤطر املقتبسات املعىن‪ ،‬وتوجهه سلفا‪ ،‬وتضيء النص وتوضحه‪ .‬وقد ختفف من درجة‬
‫الغموض اليت يلتجئ إليها الروائي يف نصه اإلبداعي‪ .‬ورمبا‪ ،‬يلتجئ الروائي إىل املقتبسات‬
‫احتفاظا منه على التقليد الذي كان سائدا يف جمال الكتابة اإلبداعية بصفة عامة‪ ،‬والرواية‬
‫منها بصفة خاصة‪ .‬وغالبا‪ ،‬ما تكون املقتبسات بني مزدوجتني صغريتني‪ ،‬أو بني قوسني‪،‬‬
‫أو معقوفتني‪ ،‬أو تتحرر من عالمات الرتقيم بشكل جذري ومطلق‪ .‬وترد املقتبسات أيضا‬
‫إما يف شكل مجلة‪ ،‬وإما يف شكل مقطع مقتطف من نص ما‪.‬‬

‫‪ -‬ابن عب د رب ه‪ :‬العقــد الفريــد‪ ،‬حتقي ق‪ :‬حمم د س عيد العري ان‪ ،‬املكتب ة التجاري ة الك ربى‪،‬مطبع ة االس تقامة‪،‬‬ ‫‪259‬‬

‫القاهرة‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬سنة ‪1953‬م‪.‬‬


‫‪ -‬ابن رشيق‪ :‬العمدة في محاسن الشـعر وآداه ونقـده‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد حميي الدين عبد احلميد‪ ،‬دار الرشاد‬ ‫‪260‬‬

‫احلديثة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬جزآن‪ ،‬بدون تاريخ للطبعة‪.‬‬


‫‪ -‬ابن خلدون‪ :‬مقدمة ابن خلدون‪ ،‬دار الرشاد احلديثة‪ ،‬بدون ذكر ملكان الطبع وزمانه‪.‬‬ ‫‪261‬‬

‫‪167‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫ويرى جريار جنيت أن للمقتبسات جمموعة من الوظائف أمهها‪ :‬وظيفة التعليق اليت تتمثل‬
‫يف إض اءة النص فهم ا وتفس ريا وت أويال‪ ،‬وخاص ة إض اءة العن وان املقاب ل بش كل من‬
‫األشكال‪.‬‬
‫والوظيفة الثانية للمقتبسات هي شرح النص وتفسريه بغية بناء املعىن بطريقة مباشرة أو‬
‫غري مباشرة‪ .‬ويعين هذا أن للمقتبسات وظيفة داللية إىل جانب الوظيفة املوازية (خدمة‬
‫العنوان)‪.‬‬
‫وتتمثل الوظيفة الثالثة يف االحتفاء باملقتبس منه‪ ،‬وتعضيد النص وتقويته مبؤلفني متميزين‬
‫ذوي شهرة واسعة‪ ،‬وصيت ذائع‪.262‬‬
‫وي ؤدي املقتبس‪ ،‬باعتب اره عب ارة تص ديرية ومقدماتي ة‪ ،‬جمموع ة من الوظ ائف‪ ،‬كالوظيف ة‬
‫التنبيهية‪ ،‬والوظيفة االستشهادية‪ ،‬والوظيفة التوثيقية‪ ،‬والوظيفة االستداللية أو احلجاجية‪،‬‬
‫والوظيفة التخييلية‪ ،‬والوظيفة التوجيهية‪ ،‬والوظيفة التناصية‪ ،‬والوظيفة الداللية‪ ،‬ويعمل من‬
‫جهة أوىل بوصفه منوذجا لالشتقاق اإلبداعي‪ .‬أما من جهة ثانية‪،‬فإنه يقود املقتبس له أو‬
‫القارئ املفرتض إىل الرتكيز على التناص‪.263‬‬
‫وتعد املقتبسات من أهم وحدات املستنسخ النصي اليت تغطي العامل التيبوغرايف( الطباعي)‬
‫للعم ل‪ ،‬م ادامت ق والب وأش كاال أدبي ة استش هادية ج اهزة ت دخل يف (خط اب‬
‫املستنسخات)‪ .‬وهو أيضا خطاب يعيد إنتاج الرتاثي مستحدثا‪ ،‬وخمضعا إياه يف سياق‬
‫معاصر‪.264‬‬

‫‪-G.GENETTE: Ibid, p: 145-149.‬‬


‫‪262‬‬

‫‪263‬‬
‫‪- G.GENETTE: Seuils, p: 147.‬‬
‫‪ -‬سعيد علوش‪ :‬المصطلحات األدبية المعاصرة‪ ،‬ص‪.122:‬‬ ‫‪264‬‬

‫‪168‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫المبحث الرابع‪ :‬مكــونات المقتبس وأنواع ــه‬


‫يتك ون املقتبس النص ي‪ ،‬يف الرواي ة‪ ،‬أو الش عر‪ ،‬أو النص ال درامي‪ ،‬من الوح دات التالي ة‪:‬‬
‫املقتبس( ‪ ،)l’épigrapheur‬واملقتبس(‪ ،)épigraphe‬واملقتبس ل ه‪ ،‬واملقتبس من ه(‬
‫‪ ،)l’épigraphé‬وص يغ االقتب اس ووظائف ه( ‪.)l’énoncé de l’épigraphe‬‬
‫ويعين هذا أن املبدع‪ ،‬أو املؤلف‪ ،‬أو الكاتب الذي يستشهد باملقتبس يسمى باملقتبس‪.‬يف‬
‫حني‪ ،‬يسمى صاحب القولة‪ ،‬أو االقتباس‪ ،‬باملقتبس منه‪ ،‬وما مت اقتباسه يسمى باملقتبس‪،‬‬
‫والغ رض من ه ذا املقتبس أن يص ل إىل الق ارئ أو املتلقي ال ذي يس مى ب املقتبس ل ه‪.265‬‬
‫وقد يكون املقتبس منه معروفا أو جمهوال‪ ،‬حقيقيا أو ختييليا‪ .‬وليس الكاتب أو املؤلف هو‬
‫دائما واضع املقتبسات‪ ،‬فقد يكون الواضع هو الطابع‪ ،‬أو الناشر‪ ،‬أو املرتجم‪ ،‬أو الناسخ‪،‬‬
‫أو احملق ق‪ ،‬أو الناق د‪ ،‬أو الق ارئ‪ ،‬أو الس ارد من الدرج ة األوىل(الس ارد اخلارجي)‪ ،‬أو‬
‫السارد من الدرجة الثانية( السارد الداخلي)‪ ...‬وحىت املقتبس له قد يكون قارئا ضمنيا‪،‬‬
‫أو قارئا حقيقيا‪ ،‬أو مبدعا‪ ،‬أو مهدى له‪ ،‬أو ناقدا‪ ،‬أو دارسا وباحثا‪...‬‬
‫وغالبا‪ ،‬ما يوضع املقتبس قريبا من النص‪ ،‬وبالضبط يف الصفحة اليت تلي صفحة اإلهداء‪،‬‬
‫وقد يكون ذلك اإلهداء خارجيا مستقال بصفحة خاصة به‪ ،‬وقد يكون داخليا مرتبط‬
‫بالنص فوق صفحة واحدة‪.‬‬
‫وميكن احلديث عن مقتبس ات أص لية ظه رت م ع النس خة األوىل‪ ،‬ومقتبس ات مت أخرة‪،‬‬
‫ومقتبسات حمذوفة‪ .‬مبعىن أن املبدع قد يضع جمموعة من املقتبسات يف أثناء طبع عمله‬
‫األول‪ ،‬لكنه حيذفها يف الطبعات الالحقة أو املتأخرة كما فعل بلزاك‪ .‬وقد يكون العكس‬
‫صحيحا‪ ،‬فقد ينشر املبدع عمله بدون مقتبسات‪ ،‬ولكن يوظفها يف الطبعات الالحقة أو‬
‫املتأخرة منها‪ .‬ومثة أعمال ‪ -‬بطبيعة احلال‪ -‬خالية من املقتبسات أصال‪ .‬وهذا إن دل على‬
‫ش يء‪ ،‬فإمنا ي دل على أن املقتبس ات أن واع‪ :‬مقتبس ات أص لية‪ ،‬ومقتبس ات الحق ة‪،‬‬

‫‪265‬‬
‫‪- G.GENETTE: Ibid, p: 140.‬‬

‫‪169‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫ومقتبس ات مت أخرة‪ ،‬ومقتبس ات تظه ر وختتفي‪ ،‬أو م ا يس مى ك ذلك باملقتبس ات‬


‫احملذوفة‪.266‬‬
‫و ينبغي حمللل املقتبسات النصية داخل الرواية‪ ،‬أو يف غريها من األجناس األدبية األخرى‪،‬‬
‫أن يرك ز منهجي ا على بني ة املقتبس ص ورة وتركيب ا وتكوين ا‪ ،‬برص د دالالت ه املختلف ة‪،‬‬
‫وحتدي د وظائف ه املقص دية املباش رة وغ ري املباش رة‪ ،‬م ع وض عه يف س ياقه النص ي وال ذهين‬
‫واملقطعي بغية الوصول إىل الداللة الكلية للنص أوال‪ ،‬واستكشاف مقاصده املباشرة وغري‬
‫املباشرة ثانيا‪.‬‬

‫المبحث الخامس‪ :‬المقتبس النصي في الرواية العربية‬


‫اس تعانت جمموع ة من النص وص الروائي ة الكالس يكية منه ا واجلدي دة مبقتبس ات نص ية‪،‬‬
‫اس تهلت هبا احلدث ال روائي‪ ،‬كعب ارات توجيهي ة وتناص ية‪ .‬بي د أن الرواي ات اجلدي دة‪،‬‬
‫ورواي ات مابع د احلداث ة‪ ،‬هي ال يت أك ثرت من اس تخدام املقتبس ات النص ية‪ ،‬وتش غيل‬
‫املستنس خات اإلحالي ة‪ ،‬باعتباره ا مظه را من مظ اهر التج ريب‪ ،‬والتح ديث‪ ،‬والتأص يل‪،‬‬
‫والتخييل‪ ،‬واالنزياح عن النصوص الروائية السابقة‪.‬‬
‫و مثة جمموع ة من النم اذج الروائي ة العربي ة ال يت انش غلت بتوظي ف املقتبس ات النص ية بغية‬
‫إث ارة املتلقي‪ ،‬وإرباك ه ذهني ا وفني ا ومجالي ا‪ ،‬وختييب أف ق انتظ اره‪ ،‬واس تفزازه معرفي ا‬
‫ووجدانيا‪ ،‬وذل ك كله من أجل ف ك رموز امللفوظ االقتباسي‪ .‬ونستحض ر من بني هذه‬
‫النم اذج جمموع ة من الرواي ات املغربي ة كرواي ة‪ ( :‬املب اءة ) حملم د ع ز ال دين الت ازي‪،‬‬
‫و(جن وب ال روح) حملم د األش عري‪ ،‬و(األمل) للع ريب باطم ا‪ ،‬و(أطي اف ) لبه وش ياس ني‪،‬‬
‫و(العشاء السفلي) حملمد الشركي‪ ،‬و(بدر زمانه ) ملبارك ربيع‪ ،‬و(جمنون احلكم والعالمة)‬
‫لبنس امل محيش‪ ،‬و(اجلن ازة) ألمحد املديين‪ ...‬وقد تكون هذه املقتبس ات الروائية املوظفة‪:‬‬

‫‪266‬‬
‫‪- G.GENETTE: Ibid, p: 140.‬‬

‫‪170‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫فلس فية‪ ،‬أو تارخيي ة‪ ،‬أو ديني ة‪ ،‬أو ص وفية‪ ،‬أو إبداعي ة‪ ،‬أو يف ش كل م أثورات وأدعي ة‪ ،‬أو‬
‫تأمالت وخواطر‪ ،‬أو تضمينات دينية‪ ،‬إخل‪...‬‬
‫وتتخذ هذه املقتبسات صيغا عدة‪ ،‬كالرتميز‪ ،‬واالستعارة‪ ،‬واألسلبة‪ ،‬واحملاكاة الساخرة‪،‬‬
‫والتضمني‪ ،‬والتفاعل النصي‪ ،‬والتعالق التناصي‪ ،‬واالشتقاق احلواري‪.‬‬
‫ويالحظ أن املقتبس (بفتح الباء)‪ ،‬يف هذه الروايات‪ ،‬يرد يف شكل ملفوظ توجيهي إحايل‬
‫مس يج‪ ،‬إم ا ب أقواس ومعقوف ات‪ ،‬وإم ا بعالم ات التنص يص‪ ،‬وإم ا خبط مسيك وب ارز‬
‫(حكمة‪ /‬قولة فلسفية‪ /‬شعر‪ /‬تأمل)‪ .‬ومن هنا‪ ،‬ميتلك املقتبس‪ ،‬يف هذه النماذج النصية‪،‬‬
‫العديد من الوظائف واألبعاد النصية والداللية واإليديولوجية تبعا للموقع الذي حتتله تلك‬
‫املقتبسات يف بناء عامل احلكاية‪ ،‬إن على مستوى توجيه مسار القراءة‪ ،‬واختزال جانب‬
‫من تص ورات املؤل ف للكتاب ة الروائي ة‪ ،‬وإن على مس توى تلخيص منط ق احلكاي ة‪،‬‬
‫واستحضاره ضمن ملفوظ له نسق خاص يف البناء والرتكيب والداللة‪.267‬‬
‫وغالب ا‪ ،‬م ا يق ع املقتبس يف بداي ة الرواي ة‪ ،‬وبالض بط يف ص فحاهتا األوىل املرقم ة وغ ري‬
‫املرقم ة‪ .‬وي أيت يف ص يغة استش هاد‪ ،‬أو يف ش كل حاش ية جماورة للنص‪ ،‬أويف ش كل عتب ة‬
‫أساسية تساهم يف إضاءة النص‪ ،‬وتوجيه القراءة‪ .‬وقد يتموقع يف كثري من األحيان بعد‬
‫اإلهداء مباشرة‪ ،‬إن وجد فعال إهداء يف الرواية‪ ،‬وقد يتموقع‪ ،‬بشكل من األشكال‪ ،‬قبل‬
‫املقدمة‪ " .‬من هنا‪ ،‬يصبح التساؤل عن متلفظ [املقتبس]‪ ،‬وعمق القضايا احملددة لوظائفه‬
‫النصية يف ارتباط بالسياق العام لتحققات احلكاية وطرائق سردها"‪.268‬‬
‫ويب دو أن تل ك املقتبس ات ال يت يعض د هبا ال روائي نص ه م اهي إال مص احبات أدبي ة(‬
‫‪ ،) paralittérature‬واستش هادات ت دخل يف عالق ات تفاعلي ة وموازي ة م ع البني ة‬
‫النصية اجملاورة‪.269‬‬

‫‪ -‬عبد الفتاح احلجمري‪ :‬عتبات النص ‪ :‬البنية والداللة‪ ،‬ص‪.31:‬‬ ‫‪267‬‬

‫‪ -‬عبد الفتاح احلجمري‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.31:‬‬ ‫‪268‬‬

‫‪171‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫المبحث السادس‪ :‬المقتبسات في روايات بنسالم حميش‬


‫لقد وظف الروائي املغريب بنسامل محيش كثريا من املقتبسات النصية‪ ،‬والعتبات اجملاورة‪،‬‬
‫يف روايتيه (جمنون احلكم) و(العالمة)‪ ،‬خبلق نصني متوازيني‪ :‬نص إخباري حقيقي‪ ،‬ونص‬
‫روائي ختييلي‪ .‬وأغلب هذه البنيات املناصية شواهد تارخيية‪ ،‬واقتباسات من الكتب‪ ،‬ميكن‬
‫إدراجها يف باب الرتاجم والسري الغريية‪ .‬وهي مقتبسات موثقة توثيقا علميا وأكادمييا‪.‬‬
‫ومن مث‪ ،‬ميكن التمي يز‪ ،‬يف رواي ة (جمن ون احلكم)‪ ،‬بني مقتبس ات داخلي ة‪ ،‬ومقتبس ات‬
‫خارجية‪ .‬فاألوىل تستثمر داخل املنت الروائي‪ ،‬وتفصل بني املقاطع السردية‪ ،‬عرب اجملاورة‬
‫النص ية‪ ،‬والتفاع ل بني النص املرجعي والنص التخ ييلي‪ .‬يف حني‪ ،‬حتض ر الثاني ة باعتباره ا‬
‫مستنس خات وش واهد‪ ،‬يس تهل هبا ال روائي روايت ه مبا فيه ا م داخلها‪ ،‬وأبواهبا‪ ،‬وفص وهلا‬
‫الرئيس ة‪ .‬فهي مبثاب ة عن اوين وح واش تض يء النص‪ ،‬وتفس ره داللي ا‪ ،‬وتس عف الق ارئ يف‬
‫أخذ تصور معني حول ما سيأيت‪.‬‬
‫وقد تعددت مقتبسات بنسامل محيش يف رواية (جمنون احلكم)‪ .‬ويتحدث أغلبها عن سرية‬
‫احلاكم ب أمر اهلل‪ ،‬وترص د ه ذه املقتبس ات نش أته‪ ،‬وس لوكه‪ ،‬وحيات ه السياس ية‪ .‬كم ا‬
‫تتح دث عن أيب رك وة معاكس ه الث ائر من جه ة‪ ،‬وعن س ت الك ل (الس لطانة) قاتلت ه‬
‫اجلميلة من جهة أخرى‪.‬ويلخص لنا هذا اجلدول حضور هذه املقتبسات يف تلك الرواية‪:‬‬

‫موضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوع‬ ‫نوعـه‬ ‫مصدر االقتباس‬ ‫المقتبس منه‬


‫االقتباس‬
‫س رية احلاكم ب أمر‬ ‫خارجي‬ ‫الوزير مجال الدين أخبار الدولة املنقطعة‬
‫اهلل‪.‬‬
‫‪269‬‬
‫‪- W.Krysinski : Carrefours de signes : essais sur le roman‬‬
‫‪moderne.Mouton 1981, p : 295.‬‬

‫‪172‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫س رية احلاكم ب أمر‬ ‫خارجي‬ ‫مرآة الزمان‬ ‫سبط ابن اجلوزي‬


‫اهلل‪.‬‬
‫س رية احلاكم ب أمر‬ ‫خارجي‬ ‫تاريخ اإلسالم‬ ‫احلافظ الذهيب‬
‫اهلل‪.‬‬
‫س رية احلاكم ب أمر‬ ‫خارجي‬ ‫اخلطط‬ ‫املقريزي‬
‫اهلل‪.‬‬
‫س رية احلاكم ب أمر‬ ‫خارجي‬ ‫وفيات األعيان‬ ‫ابن خلكان‬
‫اهلل‪.‬‬
‫العبد مسعود‪.‬‬ ‫خارجي‬ ‫البداية والنهاية‬ ‫ابن كثري‬
‫العبد مسعود‪.‬‬ ‫ب دائع الزه ور يف وق ائع خارجي‬ ‫ابن إياس‬
‫الدهور‬
‫س رية احلاكم ب أمر‬ ‫خارجي‬ ‫عيد صلة تاريخ أوتيخا‬ ‫حيىي بن س‬
‫اهلل‪.‬‬ ‫األنطاكي‬
‫س رية احلاكم ب أمر‬ ‫خارجي‬ ‫بدائع الزهور‬ ‫ابن إياس‬
‫اهلل‪.‬‬
‫س رية احلاكم ب أمر‬ ‫كت اب الت اريخ‪ ،‬تكلم ة خارجي‬ ‫ابن الصايب‬
‫اهلل‪.‬‬ ‫تاريخ ثابت بن سنان‬
‫سرية أيب ركوة‪.‬‬ ‫خارجي‬ ‫الكامل يف التاريخ‬ ‫ابن األثري‬
‫س رية احلاكم ب أمر‬ ‫خارجي‬ ‫النجوم الزاهرة‬ ‫ابن تغري بردي‬
‫اهلل‪.‬‬

‫‪173‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫س رية الس لطة‬ ‫خارجي‬ ‫ذيل تاريخ دمشق‬ ‫ابن القالنسي‬


‫ست الكل‪.‬‬
‫س رية الس لطانة‬ ‫كت اب الت اريخ املذيل ب ه خارجي‬ ‫ابن الصابئ‬
‫ست الكل‪.‬‬ ‫على تاريخ ثابت بن سنان‬
‫س رية احلاكم ب أمر‬ ‫النج وم الزاه رة يف مل وك داخلي‬ ‫ابن تغري بردي‬
‫اهلل‪.‬‬ ‫مصر والقاهرة‬
‫س رية احلاكم ب أمر‬ ‫اتعاظ احلنفا بأخبار األئمة داخلي‬ ‫املقريزي‬
‫اهلل‪.‬‬ ‫الفاطميني اخللفا‬
‫س رية احلاكم ب أمر‬ ‫داخلي‬ ‫البداية والنهاية‬ ‫ابن كثري‬
‫اهلل‪.‬‬
‫س رية احلاكم ب أمر‬ ‫احلاكم ب أمر اهلل وأس رار داخلي‬ ‫عبد اهلل عنان‬
‫اهلل‪.‬‬ ‫الدعوة الفاطمية‬
‫س رية احلاكم ب أمر‬ ‫داخلي‬ ‫كتاب العرب‬ ‫ابن خلدون‬
‫اهلل‪.‬‬
‫س رية احلاكم ب أمر‬ ‫داخلي‬ ‫صبح األعشى‬ ‫القلقشندي‬
‫اهلل‪.‬‬
‫سرية أيب ركوة‪.‬‬ ‫داخلي‬ ‫الكامل يف التاريخ‬ ‫ابن األثري‬
‫س رية احلاكم ب أمر‬ ‫رس الة "مباس م الش ارات داخلي‬ ‫الكرماين‬
‫اهلل‪.‬‬ ‫باإلمام احلاكم بأمر اهلل"‬
‫سرية الظاهر‪.‬‬ ‫داخلي‬ ‫خطط املقريزي‬ ‫املقريزي‬

‫‪174‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫سرية ست الكل‪.‬‬ ‫داخلي‬ ‫اتعاظ احلنفا‬ ‫املقريزي‬

‫إذًا‪ ،‬يغلب بنس امل محيش‪ ،‬يف روايت ه (جمن ون احلكم)‪ ،‬املقتبس ات الداخلي ة على املقتبس ات‬
‫اخلارجية‪ .‬ومن مث‪ ،‬تكسر األوىل خطية الس رد‪ ،‬ومتيز النص املرجعي عن النص التخييلي‪،‬‬
‫بينم ا الثاني ة عب ارة عن م داخل نص ية تض يء النص‪ .‬وهي ح واش اس تهاللية مس تقلة حبد‬
‫ذاهتا‪ ،‬ترد يف شكل إعالنات نصية (‪.)annonces‬‬

‫مقتبس‬
‫خارجي‬
‫"‬ ‫مقتبس‬
‫"‬
‫داخلي‬

‫وعليه‪ ،‬تؤطر املقتبسات اخلارجية النص وتعلنه ومتهد له‪ ،‬وحتدد فضاءه السياقي والداليل‬
‫واملرجعي‪ .‬وهي مستنس خات تارخيي ة ترص د س ري الشخص يات الروائي ة يف النص‪ .‬وهلا‬
‫وظيفة خربية أو مرجعية‪ ،‬بينما النص الذي يلحقه ذو وظيفة مجالية ختييلية‪ .‬فاخلرب يعضد‬
‫املتخي ل لي وهم املب دع الق ارئ بص دق احلقيق ة‪ ،‬أو اإليه ام بص دق احملكي‪ .‬أم ا املقتبس ات‬
‫الداخلية‪ ،‬فتكسر خطية السرد‪ ،‬وتقطع حبكته احلكائية لتنسج تداخال إبداعيا‪ ،‬ينصهر فيه‬
‫النص اإلخباري والنص التخييلي‪.‬‬

‫‪175‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫وأغلب املقتبسات اليت يتعامل معها بنسامل محيش‪ ،‬يف رواية ( جمنون احلكم)‪ ،‬متفاعالت‬
‫تارخيي ة قدمية‪ ،‬تتج اوز النص ‪ -‬املنت‪ .‬ومتت د ه ذه املتف اعالت النص ية التارخيي ة إىل ت اريخ‬
‫الدولة الفاطمية‪ ،‬باإلشارة إىل وقائع أو شخصيات (احلاكم ‪ -‬أبو ركوة ‪ -‬العبد مسعود‬
‫‪ -‬س ت الك ل‪ -‬الظ اهر‪ ،)...‬أو إىل أح داث معين ة‪ .‬وهك ذا‪ ،‬تش ري املقتبس ات اخلارجي ة‬
‫منه ا والتارخيي ة إىل س رية احلاكم‪ ،‬برص د تناقض ات أحكام ه وتنزهات ه وإالهيات ه‪ ،‬وفض ح‬
‫لواطية العبد مسعود‪ ،‬واستعراض الثورة املهزومة باسم الثائر باسم اهلل من ناحية‪ ،‬وذكر‬
‫س رية الس ت الك ل من ناحي ة أخ رى‪.‬وجند‪ ،‬ض من ه ذه املقتبس ات الداخلي ة‪ ،‬متف اعالت‬
‫أدبية عبارة عن أبيات شعرية‪:‬‬
‫دع اللوم عين لسـت مين مبـوثق‬
‫فال بد لــي من صـدمة املتحنق‬
‫وأسقي جيادي مـن فرات ودجـلة‬
‫وامجـع مشـل الدين بعد التفرق"(‪)270‬‬
‫ويرد هذا املتفاعل لتعضيد النص وتدعيمه‪ ،‬وتنويع سجله السردي بطريقة إبداعية رائعة‪.‬‬
‫ويالحظ أن املقتبسات املوجودة يف (جمنون احلكم) مربزة بشكل واضح؛ إذ هي مسورة‬
‫بعالم ات التنص يص‪ ،‬وهلا إح االت مرجعي ة موثق ة باألرق ام‪ ،‬وحمددة املص ادر واملراج ع‪.‬‬
‫فاملقتبس ات بني ات نص ية مس تقلة ب ذاهتا ومتكامل ة يف ش كل مق اطع ص غرية أو كب رية‪ ،‬هلا‬
‫بداية وهناية‪ ،‬وقد تنتقل من املقتبس [نص خارجي] إىل النص األصلي أو النص ‪ -‬املنت‪،‬‬
‫أو تنتق ل من النص‪ -‬املنت إىل النص املقتبس [نص داخلي]‪ .‬وبانتقالن ا من النص إىل‬
‫املقتبس ‪ -‬والعكس صحيح‪ -‬ننتقل من صيغة إىل أخرى‪ ،‬ومن زمن إىل آخر‪ ،‬ومن فضاء‬
‫إىل فضاء آخر ك ذلك‪ .‬ويتم بني املقتبس والنص عالقة بنيوية وداللية وظيفية عرب البناء‬

‫‪ -‬بنسامل محيش‪ :‬مجنون الحكم‪ ،‬دار رياض الريس‪ ،‬لندن ‪ ،1990‬ص ‪.21‬‬ ‫‪270‬‬

‫‪176‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫الروائي بأكمله‪ .‬وميكن اعتبار املقتبس الداخلي خطابا معروضا‪ ،‬أو ما يسمى عند بعض‬
‫السرديني حكيا على حكي(‪.)271‬‬
‫ومثة أنواع من املقتبسات يف الرواية منها‪ :‬املقتبس التارخيي‪ ،‬واملقتبس الشعري‪ ،‬واملقتبس‬
‫السياس ي (الس جالت السياس ية ال يت أص درها احلاكم)‪ ،‬واملقتبس الن ثري‪ ،‬واملقتبس‬
‫الس ردي‪.‬وتتع دد هذه املقتبس ات أو املناص ات‪" :‬بتع دد أنواعه ا‪ .‬وهك ذا‪ ،‬ميكنن ا احلديث‬
‫عن مقتبسات شعرية مثال أو سياسية أو ما شابه ذلك‪ .‬ويف املناص السردي ندخل كل‬
‫ما يتصل باحلكي‪ ،‬سواء أكان أسطورة أم خرافة أم حكاية شعبية"‪)272(.‬‬
‫ويعتمد الكاتب‪ ،‬يف رواية (العالمة)‪ ،‬على مقتبسات خارجية‪ ،‬ترصد سرية ابن خلدون‪،‬‬
‫وحتدد السياق اخلارجي حلياة هذا العالمة املتوترة يف مصر نتيجة كثرة الغمم واملشاكل‪،‬‬
‫وسوء التفاهم بينه وبني سالطني زمانه بسبب الوشاية والسعاية الفاسدة اليت كان وراءها‬
‫أص حاب املال واجلاه‪ ،‬والعلم اء‪ ،‬واملن افقون‪ ،‬واملس ؤولون عن الس لطة‪ .‬ويغلب على ه ذه‬
‫املقتبسات اخلارجية املناص التارخيي‪ ،‬باستحضار إحاالت تارخيية‪ ،‬مثل كتاب (اإلحاطة‬
‫يف أخبار غرناطة) للسان الدين بن اخلطيب‪ ،‬و(الضوء الالمع ألهل القرن التاسع) لشمس‬
‫الدين السخاوي‪ ،‬و(ورفع اإلصر عن قضاة مصر) البن حجر العسقالين‪ ،‬و(الذيل على‬
‫تاريخ االسالم) البن قاضي شهبة‪ ،‬و(التعريف بابن خلدون) البن خلدون‪ ،‬و(عجائب‬
‫املقدور يف أخبار تيمور) البن عربشاه‪.‬‬
‫وق د وض ع محيش ه ذه املقتبس ات التارخيي ة يف مس تهل الفص ول الثالث ة‪ ،‬بينم ا أخ ذ‬
‫املقتبسات الداخلية من كتاب ( التعريف البن خلدون) ليجعل التفاعل النصي يتمحور‬
‫حول نصني‪ :‬نص ابن خلدون املرجعي التعريف)‪ ،‬ونص ابن خلدون التخييلي (الرواية)‪.‬‬

‫‪ -‬س عيد يقطني‪ :‬انفتــاح النص الــروائي‪ ،‬املرك ز الثق ايف الع ريب‪ ،‬ال دار البيض اء‪ ،‬املغ رب‪ ،‬الطبع ة األوىل س نة‬ ‫‪271‬‬

‫‪1989‬م‪،‬ص ‪.114‬‬
‫‪ -‬سعيد يقطني‪ :‬نفسه‪ ،‬ص ‪.114‬‬ ‫‪272‬‬

‫‪177‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫العالمة‬ ‫مجنون الحكم‬


‫حتت وي ه ذه الرواي ة على مقتبس ات داخلي ة‬ ‫حتت وي ه ذه الرواي ة على مثاني ة وعش رين (‬
‫مأخوذة من كتاب التعريف البن خلدون‪.‬‬ ‫‪ )28‬مقتبس ا داخلي ا متنوع ا‪ ،‬من حيث‬
‫وق د مت تش ذيره إىل مق اطع نص ية حس ب‬ ‫البنـية املناصيـة واإلحال ة املرجعي ة‪ .‬وه ذه‬
‫سياق املنت‪.‬‬ ‫املقتبس ات م أطرة داخلي ا من قب ل النص ‪-‬‬
‫أم ا املقتبس ات النص ية اخلارجي ة‪ ،‬فهي‬ ‫املنت‪ .‬أم ا املقتبس ات اخلارجي ة‪ ،‬فهي‬
‫تارخيية‪ ،‬تستفتح هبا فصول الرواية الثالثة‪.‬‬ ‫تارخيية‪ ،‬تستهل هبا فصول أبواب الرواية‪.‬‬

‫ومن املالحظ أن هذا املقتبسات املناص ية "ال تأخذ داللته ا خارج الس ياق ال ذي وردت‬
‫فيه‪ ،‬وال جيب قراءهتا يف ذاهتا‪ ،‬وإال اعتربت حشوا وطارئا ال قيمة له" (‪.)273‬‬
‫ويالحظ أيضا أن هذه املقتبسات جاءت لتحقيق األبعاد التالية‪:‬‬
‫‪ ‬املماثلة أو لنقل التشبيه بني حالة نصية وحالة أخرى‪.‬‬
‫‪ ‬املعارضة الساخرة‪.‬‬
‫‪ ‬التفسري وإضاءة النص ‪ -‬املنت‪.‬‬
‫‪ ‬اإليهام باحلقيقة‪ ،‬والتشديد على صدق التخييل‪.‬‬
‫‪‬التناصية‪.‬‬
‫وحتقق هذه العالقات "وظيفة مجالية وبالغية‪ ،‬بكوهنا تعمق جتاوبنا‪ ،‬وفهمنا للنص‪ ،‬عن‬
‫طريق االنزياح عن التعبري املباشر يف السياقات اليت ترد فيها"(‪.)274‬‬

‫‪ -‬سعيد يقطني‪ :‬نفسه‪ ،‬ص ‪.114‬‬ ‫‪273‬‬

‫‪ -‬سعيد يقطني‪ :‬نفسه‪ ،‬ص ‪.115‬‬ ‫‪274‬‬

‫‪178‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫وعلي ه‪ ،‬فلق د لق د اتك أ بنس امل محيش على ه ذه املقتبس ات اخلارجي ة والداخلي ة إلس باغ‬
‫الص دق على احلبك ة‪ .‬أي‪ :‬ختل ق ه ذه املقتبس ات عمال ذا "ن زع ت ارخيي ي وهم بواقعي ة‬
‫أحداثه" ‪ -‬كما قال أمحد بن شريف (‪.)275‬‬
‫مث‪ ،‬تفتح هذه املقتبسات اجملال أمام النص الروائي املستحدث ليضطلع بأدوراه‪ .‬وهو يف‬
‫ذل ك إط ار ف ين‪ ،‬خيض ع في ه الت ارخيي لل وازع اجلم ايل‪ ،‬على قاع دة البن اء التخ ييلي اجملم ل‬
‫بص ور عدي دة‪ ،‬تت وازى لتولي ف مش هد متح رك ودين امي‪ ،‬تت داخل في ه العالئ ق عمودي ا‬
‫وأفقي ا‪ ،‬وف ق نظ ام احلكي ال ذي يس تدعي لق اء ذل ك تقني ات الس رد واألدوات الباني ة‬
‫والض رورية لع امل النص‪.‬ولق د مت اس تدعاء املقتبس ات املناص ية يف ه اتني الرواي تني هبدف‬
‫إضاءة جوانب كثرية من عامل شخصية احلاكم بأمر اهلل أو العالمة‪.‬ومبا أن "اإلطار الذي‬
‫تتحرك مبقتضاه األحداث –الروائية‪ -‬إطار ختييلي‪ ،‬فإن عنصر املعرفة التارخيية يرتاجع إىل‬
‫اخلل ف‪ ،‬وي رتك اجملال مفتوح ا أم ام لغ ة اخلي ال‪ ،‬باعتباره ا م ادة أساس ية يف بن اء الص ور‪،‬‬
‫وتشييد مشاهد دينامية‪ ،‬تعرب عن احلس الفين الذي جياهد النص لتأسيسه‪ ،‬وبلورة مساته‬
‫العامة"(‪.)276‬‬
‫ويالح ظ يف رواي ة (العالم ة) أن هن اك نص ني داخل يني‪ :‬ملفوظ ا س رديا موض وعا بني‬
‫مزدوج تني"‪ ،"...‬وملفوظ ا س رديا موض وعا بني معقوف تني [‪ ،]...‬ف امللفوظ ‪ -‬املقتبس‪-‬‬
‫الس ردي املوض وع بني معقوف تني البن خل دون املرجعي‪ .‬وه و م أخوذ من كتب ه‪ ،‬ومنه ا‬
‫(التعري ف)‪ ،‬وامللفوظ (املقتبس) الس ردي املوض وع بني مزدوج تني البن خلدون اخلي ايل‪.‬‬
‫وهو من صنع املؤلف‪ .‬فضال عن احلوارات اليت تتخلله أحيانا‪.‬‬

‫‪ -‬أمحد بن شريف‪( :‬مستوى التخييل يف جمنون احلكم لبنسامل محيش)‪ ،‬جريـدة القـدس‪( ،‬لندن)‪ ،‬األحد ‪9‬‬ ‫‪275‬‬

‫–‪ 10‬أكتوبر ‪.1993‬‬


‫‪ -‬أمحد بن ش ريف (مس توى التخيي ل يف جمن ون احلكم) لبنس امل محيش‪ ،‬جريـ ــدة القـ ــدس‪( ،‬لن دن) الع دد‬ ‫‪276‬‬

‫‪ ،1368‬السنة ‪.1993‬‬

‫‪179‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫وعلى أي‪ ،‬يؤكد تعامل بنسامل محيش مع املقتبسات النصية الداخلية واخلارجية‪ ،‬والسيما‬
‫يف روايتيه (جمنون احلكم) و(العالمة)‪ ،‬جدلية اخلطاب املرجعي واالبداعي داخل التخييل‬
‫التارخيي‪ .‬هلذا‪ ،‬ميكن إدراج هاتني الروايتني يف خانة الرواية الرتاثية القائمة على التأصيل‬
‫الف ين واجلم ايل‪ ،‬واس تيحاء اخلطاب ات الس ردية القدمية‪ ،‬واالنزي اح عن بنائه ا اخلطي‬
‫وتسلسها املتصل‪.‬‬
‫وميكن انتقاء بعض املقتبسات من رواية (العالمة) للتوضيح على الشكل التايل‪:277‬‬

‫رواية (العالمة) لبنسالم حميش‬


‫طبيعتها‬ ‫المقتبس منه‬ ‫المقتبسات‬ ‫الفصول‬
‫‪ "-1‬رج ــل فاض ــل‪ ،‬جم الفض ــائل‪ ،‬لس ــان ال ــدين بن مقتبس ت ارخيي‬ ‫بداية‬
‫إخب اري(ترمجة‬ ‫الفصل األول رفيــع القــدر‪ ،‬أصــيل المجــد‪ ،‬وقــور الخطيب في‬
‫المجلس‪ ،‬ع ـ ـ ـ ــالي الهم ـ ـ ـ ــة‪ ،‬ق ـ ـ ـ ــوي كتابــه‪( :‬اإلحاطــة غريية)‬
‫الج ـ ــأش‪ ،‬متق ـ ــدم في فن ـ ــون عقلي ـ ــة في أخب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــار‬
‫ونقليـ ـ ــة‪ ،‬متعـ ـ ــدد المزايـ ـ ــا‪ ،‬شـ ـ ــديد غرناطة)‬
‫البحث‪ ،‬كث ـ ـ ــير الحف ـ ـ ــظ‪ ،‬صـ ـ ــحيح‬
‫التص ـ ـ ــور‪ ،‬ب ـ ـ ــارع الح ـ ـ ــظ‪ ،‬حس ـ ـ ــن‬
‫العش ـ ـ ـ ـ ــرة‪ ،‬مفخ ـ ـ ـ ـ ــرة من مف ـ ـ ـ ـ ــاخر‬
‫المغرب‪"،‬‬
‫‪ " -2‬والزم(ابن خلــدون) كثــيرون شـ ـ ـ ــمس الـ ـ ـ ــدين مقتبس ت ارخيي‬
‫في بعض عزالت ـ ـ ــه‪،‬فحس ـ ـ ــن خلق ـ ـ ــه الس ـ ـ ـ ـ ــخاوي في إخب اري(ترمجة‬
‫معهم‪ ،‬وباسطهم ومــازحهم‪ ،‬وتــردد كتاب ــه‪ ( :‬الض ــوء غريية)‬
‫هــو لألكــابر‪ ،‬وتواضــع معهم‪ .‬ومــع الالمـ ـ ـ ــع ألهـ ـ ـ ــل‬
‫‪ -‬بنسامل محيش‪ :‬العالمة‪ ،‬دار اآلداب‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪،‬الطبعة األوىل سنة ‪1997‬م‪.‬‬ ‫‪277‬‬

‫‪180‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫ذل ــك‪ ،‬لم يغ ــير زي ــه المغ ــربي‪ ،‬ولم القرن التاسع)‬
‫يلبس ب ـ ـ ـ ــزي قض ـ ـ ـ ــاة ه ـ ـ ـ ــذه البالد‬
‫لمحبته المخالفة في كل شيء"‬
‫‪ "-1‬إنـ ــه(أي ابن خلـ ــدون) تبسـ ــط ابن حج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر مقتبس ت ارخيي‬ ‫بداية‬
‫الفصل الثاين بالس ـ ــكنى على البح ـ ــر‪ ،‬وأك ـ ــثر من العسـ ـ ـ ـ ــقالني في إخب اري (ترمجة‬
‫سـ ـ ـ ـ ــماع المطربـ ـ ـ ـ ــات‪ ،‬ومعاشـ ـ ـ ـ ــرة كتاب ـ ـ ــه‪ ( :‬رف ـ ـ ــع غريية)‬
‫األحـ ــداث‪ ،‬وتـ ــزوج امـ ــرأة لهـ ــا أخ اإلصر عن قضاة‬
‫أمـ ــرد‪ ،‬ينسـ ــب للتخليـ ــط‪ ،‬فكـ ــثرت مصر)‬
‫الشــناعة عليــه‪ .‬هكــذا‪ ،‬قــرأت بخــط‬
‫جمـ ــال الـ ــدين البشـ ــنيتي في كتابـ ــه‬
‫القضاة"‪.‬‬
‫‪ "-2‬في الق ـ ــاهرة ش ـ ــخص يحب ـ ــني رواه ابن قاض ـ ــي مقتبس شخص ي‬
‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهبة في س ريي يف ش كل‬ ‫وأنا أحبه" (ابن خلدون)‬
‫كتـ ــاب‪ (:‬الـ ــذيل اعرتاف إخباري‪.‬‬
‫على ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاريخ‬
‫اإلسالم)‬
‫‪ "-1‬وكـ ــان شـ ــيخي رحمـ ــه اهلل ابن خل ـ ــدون في مقتبس إخب اري‬ ‫بداية‬
‫إم ـ ـ ــام المعق ـ ـ ــوالت محم ـ ـ ــد بن كتاب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه‪ :‬تارخيي سريي‬ ‫الفصل الثالث‬
‫إبراهيم اآلبلي متى فاوضته في( ( التعريف)‬
‫ش ــأن الث ــائر تيم ــور)‪ ،‬أو س ــايلته‬
‫عنــه يقــول‪ :‬أمــره قــريب‪ ،‬والبــد‬
‫لك إن عشت أن تراه"‬

‫‪181‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫ارخيي‬ ‫ابن عربش اه يف مقتبس ت‬ ‫‪ " -2‬وكان من جملة اآلكلين‪:‬‬


‫كتابه‪ ( :‬عجائب إخباري‬ ‫قاضــي القضــاة ولي الــدين‪ .‬كــل‬
‫املق دور يف أخب ار‬ ‫ذلـ ــك وتيمـ ــور يـ ــرمقهم‪ .‬وعينـ ــه‬
‫تيمور)‬ ‫الخ ـ ـ ــزر تس ـ ـ ــرقهم‪ ،‬وك ـ ـ ــان ابن‬
‫خلـ ـ ــدون أيضـ ـ ــا يصـ ـ ــوب نحـ ـ ــو‬
‫تيمور الحدق‪....،‬وكــاد يــرقص‬
‫طربا(‪.")...‬‬

‫ويالح ظ‪ ،‬من خالل ه ذا اجلدول التم ثيلي‪ ،‬أن بنس امل محيش يش تغل كث ريا على املقتبس‬
‫الت ارخيي والس ريي يف كتاب ة روايت ه ( العالم ة)‪ .‬وتن درج ه ذه الرواي ة ض من التخيي ل‬
‫التارخيي‪ ،‬وتتمحور حول شخصية ابن خلدون اليت دخلت يف صراع حاد مع االستبداد‬
‫اململوكي يف مصر‪ ،‬فوقفت يف وجه تيمور املغويل الذي عاث يف األرض اإلسالمية خرابا‬
‫وفس ادا وهالك ا‪ .‬كم ا واجهت ه ذه الشخص ية املتن ورة كي د العلم اء والفقه اء والقض اة‬
‫احلاس دين‪ .‬ويب دو لن ا أن الك اتب ق د وظ ف س تة مقتبس ات نص ية يف رواي ة (العالم ة)‪،‬‬
‫حيث خصص كل فصل‪ ،‬من فصول الرواية الثالثة‪ ،‬مبقتبسني نصيني يف بداية كل فصل‬
‫روائي لتوجيه دفة األحداث‪ ،‬وتأكيد مقصدية املعىن‪ ،‬وتبيني األطروحة النصية األساسية‬
‫داخل املنت الروائي‪ .‬ويعين هذا أن بنسامل محيش يدرس التاريخ يف ضوء التخييل الفين‪،‬‬
‫وض من رؤي ة س ردية مجالي ة دال ة‪ ،‬جامع ا بني اإلخب ار املوض وعي والتص وير االحتم ايل‬
‫اخليايل خللق رواية عربية تراثية أصيلة متميزة‪ .‬لذلك‪ ،‬ال تنتمي (العالمة) قطعا إىل الرواية‬
‫التارخيية اليت يكتبها جورجي زيدان‪ ،‬بل تنتمي إىل رواية جديدة‪ ،‬تسمى برواية التخييل‬
‫التارخيي‪ ،‬كما هو الشأن لدى مجال الغيطاين يف روايته( الزيين بركات)‪ ،‬واملسعدي يف‬
‫روايته (حدث أبوهريرة قال‪ ،):‬وأمحد التوفيق يف روايته ( جارات أيب موسى)‪ ،‬ورضوى‬
‫عاشور يف روايته (ثالثية غرناطة )‪...‬‬

‫‪182‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫وبناء على ما سبق‪ ،‬مل تظهر املقتبسات النصية داخل املنت الروائي العريب إال مع الرواية‬
‫اجلديدة من جه ة‪ ،‬والرواية التأص يلية ذات املخيال الرتاثي من جهة أخرى‪ .‬واهلدف من‬
‫ذلك كله هو خلق نص حواري(بوليفوين)‪ ،‬متعدد األصوات واخلطابات واألجناس بدال‬
‫من تل ك الرواي ة العربي ة الكالس يكية األحادي ة الص وت ال يت ك ان يهيمن عليه ا اخلط اب‬
‫السردي اإلنشائي الذايت أو املوضوعي‪ ،‬وهي خالية كل اخللو من املقتبسات االستش هادية‬
‫التخييلي ة‪ ،‬واملرجعي ات اإلحالي ة‪ ،‬واملستنس خات النص ية‪ ،‬والتعالق ات اخلطابي ة احلواري ة‪،‬‬
‫واملعرفة اخللفية‪.‬‬
‫فتلك املقتبسات النصية هي اليت تؤهل القارئ يف احلقيقة لتفكيك النصوص اإلبداعية بنية‬
‫ودالل ة ووظيف ة بغي ة فهم ه ذه النص وص وتفس ريها يف ض وء تل ك املقتبس ات‪ .‬وه ذا م ا‬
‫ق امت ب ه الرواي ة العربي ة اجلدي دة أو احلداثي ة‪ ،‬حينم ا اس تهدفت خل ق نص ي م واز للنص‬
‫الس ردي احلك ائي قص د توجي ه الق ارئ توجيه ا ص حيحا يف ق راءة النص ال روائي‪،‬‬
‫ومساعدته على تفكيك شفرته من البداية حنو النهاية‪ ،‬وإشراكه يف فك مفاتيح مستهل‬
‫الرواية‪ ،‬واستكشاف مقتبسات النص البارزة لرصد التعالقات النصية املوجودة بني النص‬
‫املقتبس من ه والنص ال داخلي اإلب داعي‪ ،‬من خالل بالتش ديد على التع الق النص ي‪،‬‬
‫واالشتقاق التفاعلي التناصي‪.‬‬

‫‪183‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫الفصل الثالث عشر‪:‬‬

‫الخطــاب المقدماتــي‬
‫تعد املقدمة من أهم العتبات واملصاحبات اليت حتيط بالنص أو العمل األديب‪ ،‬إىل جانب‬
‫اإله داء‪ ،‬واملقتبس‪ ،‬والعن وان‪ ،‬واهلامش‪...‬وغالب ا‪ ،‬م ا تك ون املقدم ة يف مس تهل العم ل‬
‫اإلب داعي أو األديب أو الوص في‪ .‬وق د تك ون املقدم ة من ت دبيج الك اتب نفس ه‪ ،‬فتس مى‬
‫مقدمة‪ ،‬أو توطئة‪ ،‬أو افتتاحية‪ ،‬أو متهيدا‪ ،‬أو استهالال‪ ،‬أو تصديرا‪ ،‬أو تكون مكتوبة من‬
‫قبل اآلخرين‪ ،‬فتسمى بالتقدمي أو التقريظ‪.‬‬
‫والغرو أن تكون للمقدمة أمهية كبرية‪ ،‬ال ميكن إنكارها بأي حال من األحوال‪ ،‬تتمثل‬
‫يف إضاءة النص فهما وتفسريا‪ ،‬وتشرحيه تفكيكا وتركيبا‪ ،‬بل تتحول املقدمة إىل شهادة‪،‬‬
‫أو اع رتاف‪ ،‬أو تص ريح‪ ،‬أو تك ون وثيق ة جتاري ة وإش هارية‪ ،‬أو دراس ة نقدي ة توض ح‬
‫دالالت عمل األديب أو املبدع‪ ،‬فتبني فنياته اجلمالية‪ ،‬مث تشرح دوافع الكتابة‪ ،‬ونشأهتا‪،‬‬
‫ومراحلها املتعاقبة‪ ،‬وخمتلف أدوارها‪.‬‬
‫وق د تك ون تل ك املقدم ة مبثاب ة خط اب م واز أو مص احب‪ ،‬يش رح فيه ا املق دم إجيابي ات‬
‫العم ل دالل ة وص ياغة‪ ،‬أو يق دم فيه ا املق دم بعض التوجيه ات التقوميي ة أو النص ائح ال يت‬
‫تسعف الباحث يف تطوير كتابته يف احلاضر واملستقبل معا‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فاملقدمة هلا أمهية‬
‫كبرية يف حتليل األثر األديب‪ ،‬وتأويله‪ ،‬وتفسريه من الداخل واخلارج‪.‬‬
‫إذا‪ ،‬ما املقدمة؟ وما تارخيها الغريب والعريب؟ وما أمهيتها؟ وما أنواعها؟ وما مقوماهتا؟ وما‬
‫أهم الدراس ات ال يت تن اولت املقدم ة بالتحلي ل وال درس؟ وكي ف ميكن مقارب ة املقدم ة يف‬
‫ضوء شعرية النص األديب؟‬

‫المبحث األول‪ :‬مفه ــوم المقدم ــة‬

‫‪184‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫تع رف املقدم ة‪ ،‬يف اللغ ة‪ ،‬بأهنا أول الش يء‪ ،‬ومس تهله‪ ،‬وأهنا تق ع يف ص دارة الكالم‪ .‬ويف‬
‫هذا اإلطار‪ ،‬يقول ابن منظور يف لسان العرب‪ ":‬مقدمة الكتاب ومقدمة الكالم‪ ،‬بكسر‬
‫ال دال‪ ...،‬وق د تفتح‪.‬ومقدم ة اإلب ل واخلي ل ومق دمتهما؛‪ ...‬أول م ا ينتج منهم ا ويلقح‪،‬‬
‫وقي ل‪ :‬مقدم ة ك ل ش يء أول ه‪ ،‬ومق دم ك ل ش يء نقيض م ؤخره‪.‬ويق ال ض رب مق دم‬
‫‪278‬‬
‫وجهه‪ ...‬واملقدمة‪ :‬الناصية واجلبهة"‬
‫وهكذا‪ ،‬فاملقدمة هي اليت تقع يف بداية الكالم‪ ،‬ويستهل هبا املؤلف مصنفه‪.‬‬
‫أم ا املقدم ة‪ ،‬يف االص طالح‪ ،‬فهي ذل ك النص أو اخلط اب ال ذي يتص در ب ه الكت اب‪ ،‬أو‬
‫يفتتح به العمل األديب‪ ،‬وقد يكون يف بداية األثر األديب‪ ،‬أو بداية العمل الوصفي‪ ،‬فيسمى‬
‫فاحتة‪ ،‬أو ق د يك ون يف وس طه‪ ،‬فيس مى ش اهدا‪ ،‬أو يف آخ ره‪ ،‬فيس مى ت ذييال أو ملحق ا‪.‬‬
‫وقد تسمى املقدمة استهالال‪ ،‬أو افتتاحية‪ ،‬أو خطبة‪ ،‬أو تقدميا‪ ،‬أو حاشية‪ ،‬أو خالصة‪،‬‬
‫أو مطلع ا‪ ،‬أو م دخال‪ ،‬أو متهي دا‪ ،‬أو توطئ ة‪ ،‬أو ديباج ة‪ ،‬أو فاحتة‪ ،‬أو تص ديرا‪ ،‬أو‬
‫عتبة‪...‬إخل‪ .‬وإن كان هناك فوارق دقيقة بني هذه املصطلحات‪ ،‬حيث يشكل االستهالل‬
‫جزءا من املنت الداخلي‪.‬يف حني‪ ،‬تعد املقدمة نصا افتتاحيا مستقال بنفسه‪.‬‬
‫وإذا ك انت املقدم ة فعال إنتاجي ا ذاتي ا‪ ،‬فالتق دمي ه و إنت اج غ ريي‪.‬أم ا التمهي د واملدخل‪،‬‬
‫فعالقتهم ا ب البحوث الوص فية والعلمي ة أك ثر من عالقتهم ا باآلث ار اإلبداعي ة‪ .‬وق د حيم ل‬
‫اخلط اب املق دمايت عنوان ا هوياتي ا خاص ا ب ه أو عام ا‪ ،‬ي دل على مض امينه وأش كاله‪ ،‬أو‬
‫يكون غفال منه‪.‬‬
‫ومتتاز املقدمة أيضا بكوهنا نصا افتتاحيا نثريا وخطابيا‪ ،‬يتموقع يف بداية الكتاب‪ ،‬أو يف‬
‫وسطه كما هو حال رواية(تريسترام شاندي لشترين(‪ ،))Sterne‬أو يف هنايته‪ ،‬أو قد‬
‫يكون جزءا ال يتجزأ من املنت‪ ،‬كما هو شأن أغلب املؤلفات الكالسيكية إبان اليونان‬
‫والروم ان والعص ور الوس طى‪ ،‬أو ق د تك ون مبثاب ة فق رة استش هادية ف وق ظه ر الغالف‬

‫‪ -‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪ ،‬اجلزء احلادي عشر‪،‬ضبط وحتشية‪ :‬د‪.‬خالد رشيد القاضي‪ ،‬دار صبح بريوت‪،‬‬ ‫‪278‬‬

‫لبنان‪ ،‬أديسوفت‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪2006‬م‪ ،‬ص‪.59:‬‬

‫‪185‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫اخلارجي اخللفي‪.‬بيد أن املقدمة ال تكون دائما نثرية وصفية‪ ،‬فقد تكون مقدمة إبداعية‪:‬‬
‫إم ا ش عرية‪ ،‬وإم ا درامي ة‪ ،‬وإم ا س ردية‪ ،‬تت وافر فيه ا املقوم ات القصص ية‪ :‬من حبك ة‪،‬‬
‫وتزمني‪ ،‬وتفضية‪ ،‬وأسلبة‪.‬‬
‫وعلي ه‪ ،‬فالتق دمي ه و جنس أديب ح ديث‪ ،‬حيي ط ب النص من ال داخل‪ ،‬وه و مبثاب ة عن وان‬
‫اس تهاليل م دخلي‪ ،‬يعلن اإلب داع‪ ،‬ويعرف ه‪ ،‬وحيدد مرتكزات ه األساس ية‪ ،‬وي بني خصائص ه‬
‫البنيوية‪ ،‬ويوضح رؤية املبدع للعامل‪ ،‬فيربز تصوره الفلسفي للوجود‪ ،‬مث يستعرض مفهوم‬
‫الكاتب حول ماهية اإلبداع‪ ،‬ووظيفته‪ ،‬وعناصره‪ .‬ويعين هذا أن التقدمي خطاب فوقي‬
‫بامتي از‪ .‬وبالت ايل‪ ،‬فه و عب ارة عن ق راءة عنواني ة ملض امني النص وص اإلبداعي ة أو الوص فية‬
‫بناء وداللة ومقصدية‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬مقــومات المقدمــة‬


‫تتخ ذ املقدم ة ط ابع خط اب اس تفتاحي مس تقل يف مس تهل العم ل أو األث ر األديب‪ ،‬حيث‬
‫حيدد فيها املبدع‪ ،‬أو الكاتب‪ ،‬أو الناشر‪ ،‬دوافع الكتابة‪ ،‬وحيثيات الطبع والنشر والتوزيع‬
‫واالستهالك‪ ،‬وظروف اإلبداع‪ ،‬مع اإلشارة إىل بعض األحداث النفسية والسوسيوتارخيية‬
‫اليت حتكمت يف نصه الشعري أو النثري‪.‬‬
‫كم ا تستكش ف املقدم ة ال دوافع الذاتي ة واملوض وعية ال يت حف زت الك اتب على الكتاب ة‬
‫واإلب داع‪ ،‬م ع اإلش ارة إىل الظ روف ال يت متت فيه ا عملي ة الكتاب ة‪ ،‬واس تعراض خمتل ف‬
‫املصادر واملراجع اليت اعتمد عليها‪ ،‬وتبيان املنهجية أو الطريقة اليت ارتضاها يف مصنفه‪،‬‬
‫والتلميح إىل املش اكل والعراقي ل ال يت واجهت ه يف أثن اء ممارس ة الكتاب ة‪ .‬أي‪ :‬يعلن الكاتب‬
‫خطوات نشأة عمله الوصفي أو اإلبداعي‪ ،‬وحتديد مراحل تكونه وتفتقه‪ ،‬وخروجه إىل‬
‫ح يز الوج ود‪ ،‬بع د أن ك ان خمطوط ا أو مس ودة‪.‬ومن مث‪ ،‬حتض ر جمموع ة من العناص ر‬
‫الرئيس ة يف املقدم ة‪ ،‬كالك اتب‪ ،‬واملق دم الض مين‪ ،‬والق ارئ االفرتاض ي‪ ،‬والنص املق دم‪،‬‬

‫‪186‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫والرسالة‪ ،‬والقالب الوصفي أو اإلبداعي‪ ،‬وسياق الكتابة‪ ،‬سواء أكان زمانا أم مكانا أم‬
‫حدثا أم رهانا‪...‬‬
‫وقد يكون املقدم كاتبا حقيقيا أو مفرتضا أو جمهوال‪ ،‬أو قد يكون مبدعا‪ ،‬أو ناقدا‪ ،‬أو‬
‫ناش را‪ ،‬أو موزع ا‪ ،‬أو مش رفا‪ ،‬أو موقع ا‪ ،‬أو معلق ا‪ ،‬أو ش اهدا‪ .‬ومن ناحي ة أخ رى‪ ،‬ق د‬
‫يك ون ف ردا أو مجاع ة‪ ،‬أو يك ون تقدميا مش رتكا بني ال ذات والغ ري‪ ...‬وق د يك ون املتلقي‬
‫كاتب ا‪ ،‬أو مب دعا‪ ،‬أو ناق دا‪ ،‬أو وس يطا‪ ،‬أو قارئ ا حقيقي ا أو افرتاض يا‪ ،‬عادي ا أو منوذجي ا‪،‬‬
‫وقد يكون هو املهدى إليه‪...‬‬
‫وعلى العموم‪ ،‬تتضمن املقدمة جمموعة من البنيات األساسية‪ ،‬كبنية التعريف‪ ،‬وبنية النشأة‬
‫والتكون‪ ،‬وبنية الشهادة‪ ،‬وبنية السياق‪ ،‬وبنية النقد‪ ،‬وبنية التقريظ‪ ،‬وبنية السجال‪ ،‬وبنية‬
‫االستعراض واالستكشاف‪ .‬ويعين هذا كله أن املقدمة تستعرض القضايا الداللية والفنية‬
‫واجلمالية واملقاصد املرجعية والتداولية‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬تقدم قراءة ذاتية أو موضوعية‬
‫يف شكل شهادة‪ ،‬أو وصف نقدي أو تقريظي‪ ،‬مع تبيان ظروف الكتابة‪ ،‬وحتديد أهدافها‬
‫اخلاصة والعامة‪.‬‬

‫‪187‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬أهمي ــة المقدم ــة‬


‫من املعل وم أن للمقدم ة أمهي ة ك ربى يف استكش اف ع وامل النص الك ربى والص غرى‪،‬‬
‫واستقرائه بنية‪ ،‬وداللة‪ ،‬ووظيفة‪ ،‬وسياقا‪ .‬ويعين هذا أن املقدمة تساعد املتلقي الضمين أو‬
‫النم وذجي على فهم النص فهم ا عميق ا‪ ،‬وتفس ريه إض اءة ومرجع ا وت أويال‪.‬أي‪ :‬تس عف‬
‫املقدمة الب احث أو النقاد يف معرفة تكون العم ل األديب‪ ،‬منذ أن كان مسودة وخمطوطة‬
‫إىل أن يصري كتابا بني يدي املتلقي‪.‬‬
‫كم ا تطلعن ا املقدم ة على دواف ع العم ل الذاتي ة واملوض وعية‪ ،‬وجمم ل احليثي ات الزماني ة‬
‫واملكانية املتعلقة بإنتاج هذا العمل‪ ،‬مع تبيان القضايا الداللية والنقدية اليت يزخر هبا هذا‬
‫األثر‪ ،‬واإلشارة إىل مكوناته الفنية واجلمالية واملنهجية‪ .‬وتتمثل أمهية املقدمة كذلك يف‬
‫كوهنا شهادة توثيقية‪ ،‬تضيء مكونات العمل األديب‪ ،‬وتستعرض خمتلف تفاصيله اجلزئية‬
‫أو العامة تعليقا ومالحظة وتعقيبا وجتنيسا وسجاال‪...‬‬
‫وهك ذا‪ ،‬فللمقدم ة أمهي ة ك ربى يف اس تنطاق النص احملي ط فهم ا وش رحا‪ .‬وهي تس اعد‬
‫القارئ على استكشاف أغوار النص‪ ،‬واستقراء خلفياته املعرفية واإليديولوجية‪ .‬ومن هنا‪،‬‬
‫فللمقدمة أمهية فكرية‪ ،‬ونقدية‪ ،‬وأكادميية‪ ،‬واجتماعية‪ ،‬وأخالقية‪ ،‬وإيديولوجية‪ ،‬وتوثيقية‪،‬‬
‫وإشهارية‪ ،‬وإعالنية‪ ،‬ونصية‪...‬‬

‫‪188‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫المبحث الرابع‪ :‬وظائ ــف المقدم ــة‬


‫من املعل وم أن للتق دمي وظ ائف ع دة‪ ،‬ختتل ف من تق دمي آلخ ر‪ ،‬أو ق د تتش ابه م ع بعض ها‬
‫البعض‪ .‬دون أن ننسى أن هناك أعماال أدبية وإبداعية ووصفية ال تتوفر على مقدمات أو‬
‫عناوين تقدميية‪ .‬ويف هذا السياق‪ ،‬يقول حممد بنيس‪« :‬وهذه مناسبة لنقول مع جنيت أن‬
‫للتقدمي وظائف عديدة‪ ،‬ختتلف من تقدمي لتقدمي أو تتشابه يف بعضها‪ ،‬من غري تناس لعدم‬
‫توفر دواوين وكتب على مقدمات»‪.279‬‬
‫وهك ذا‪ ،‬ي رى ج ريار ج نيت()‪ Gérard (Genette‬أن «للتق دمي األص لي وظيف ة‬
‫مركزية تتمثل يف ضمان قراءة حسنة للنص‪ .‬هذه الوظيفة الساذجة أعقد مما ميكن ختليه‬
‫فيه ا؛ ألهنا تس مح بالتحلي ل إىل فعلني‪ :‬أول ه يش رط‪ ،‬من غ ري ض مانة‪ ،‬والث اين كش رط‬
‫أساسي‪ ،‬وليس كافيا‪:‬‬
‫‪ – 1‬الوصول إىل قراءة‪.‬‬
‫‪ – 2‬الوصول إىل أن تكون هذه القراءة حسنة»‪.280‬‬
‫ومن هن ا‪ ،‬فوظيف ة التق دمي هي ض مان الق راءة احلس نة واجلي دة لإلب داع املق رر‪ ،‬أن ه يوج ه‬
‫القراءة مسبقا‪ ،‬وميد القارئ خبيوط داللية‪ ،‬قد تسعفه يف فهم النص‪ ،‬وتقبله مجاليا وفنيا‪.‬‬
‫ويعين هذا أن للتقدمي وظيفة تكوينية‪ ،‬عندما يقدم لنا نظرة عامة مقتضبة أو موسعة حول‬
‫نشأة العمل وأصله‪ ،‬واإلشارة إىل مراحل تكونه وخلقه وانبثاقه من رحم اخليال إىل أن‬
‫يصري عمال حقيقيا جمسدا يف الواقع‪ .‬كما للتقدمي وظيفة تقوميية‪ ،‬حينما تكون املقدمة‬
‫نقدي ة‪ ،‬تنص ب على ج وانب النص أو األث ر دالل ة وش كال ووظيف ة ب القراءة‪ ،‬والتحلي ل‪،‬‬
‫والوصف‪ ،‬والتقومي‪ ،‬والتوجيه‪.‬‬

‫‪279‬‬
‫‪- Gérard Genette : Seuils. Editions Seuil, coll. Poétique, Paris 1987.‬‬
‫‪P : 183.‬‬
‫‪280‬‬
‫‪- Gérard Genette : Seuils.P : 183.‬‬

‫‪189‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫وللمقدم ة أيض ا وظيف ة توثيقي ة‪ ،‬حينم ا تتخ ذ ط ابع ش هادة‪ ،‬أو حتم ل عالم ات س ياقية‪،‬‬
‫ك أن تش ري إىل الك اتب أو املتلقي أو ت اريخ الكتاب ة ومك ان التق دمي‪ .‬وال ننس ى أيض ا‬
‫الوظ ائف األخ رى للمقدم ة‪ ،‬كالوظيف ة التفس ريية للعم ل األديب‪ ،‬يف ض وء املعطي ات‬
‫املرجعية‪ ،‬والوظيفة التأويلية‪ ،‬والوظيفة اإليديولوجية‪ ،‬والوظيفة اجلمالية اليت تبحث عن‬
‫املقومات الفنية اليت تستند إليها املقدمة اإلبداعية‪.‬‬
‫وقد تتضمن املقدمة وظيفة جتنيسية‪ ،‬عندما يكون اهلدف من املقدمة هو جتنيس النص‬
‫أو العم ل األديب‪ ،‬أو تك ون هلا وظيف ة تعريفي ة‪ ،‬هتدف إىل التعري ف بالك اتب أو العم ل‬
‫معا‪.‬‬
‫وللتق دمي أيض ا وظيف ة التعلي ق‪ ،‬واملالحظ ة‪ ،‬والتق ومي‪ ،‬واإلعالن‪ ،‬واإلش هار‪ ،‬واإلخب ار‪،‬‬
‫‪281‬‬
‫واالستفتاح‪ ،‬والتذييل‪ ،‬والتوثيق‪ ،‬والتبليغ‪ ،‬والتأثري‪...‬‬

‫المبحث الخامس‪ :‬تاري ــخ المقدمــة‬


‫من يتتبع تاريخ مسار النص املوازي يف تعاقبه املرحلي‪ ،‬فسيخرج بنتيجة أساسية أال وهي‬
‫أن عتبيت املؤل ف والعنوان ض روريتان‪ .‬يف حني‪ ،‬مل تكن عتبة املقدمة أو التقدمي ضرورية‬
‫ب املفهوم اإلل زامي؛ إذ وص لتنا جمموع ة من الكتب الكالس يكية ال توج د فيه ا مق دمات‬
‫بشكل ع ام‪ ،‬الهي مقدمات ذاتي ة‪ ،‬وال هي مق دمات غريي ة‪ .‬ويعين ه ذا أن املقدم ة فع ل‬
‫مطبعي الحق مقارنة بعتبيت العنوان واملؤلف‪.282‬‬

‫‪ -‬عبد احلق بلعايد‪ :‬عتبات‪ ،‬الدار العربية للعلوم ناشرون‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ومنشورات االختالف‪ ،‬اجلزائر‪،‬‬ ‫‪281‬‬

‫الطبعة األوىل سنة ‪2008‬م‪،‬ص‪.111:‬‬


‫‪282‬‬
‫‪-- Gérard Genette : Ibid. P. 152.‬‬

‫‪190‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫المطلب األول‪ :‬المقدمة في الثقافــة الغربيــة‬


‫يرى جريار جنيت ‪ -‬يف كتابه‪( :‬العتبات)‪ -‬أن املقدمة مل تظهر ‪ -‬حسب رأيه‪ -‬إال يف‬
‫القرن السادس عشر امليالدي‪.283‬ومن مث‪ ،‬فإن ماكتب من مقدمات قبل هذه الفرتة‪ ،‬من‬
‫هومريوس إىل رابليه‪ ،‬يشكل جزءا من املنت‪.‬لذا‪ ،‬تسمى هذه االفتتاحية الداخلية باملقدمة‬
‫املدجمة أو املقدمة املتصلة‪ .‬مبعىن أن املقدمة هي تلك األسطر األوىل‪ ،‬أو الصفحات األوىل‬
‫من املنت أو النص ال رئيس‪.‬وإذا تص فحنا بعض املالحم اليوناني ة والروماني ة‪ ،‬مث ل‪ :‬اإللي اذة‬
‫واألوديسة هلومريوس‪ ،‬واإلنيادة لفرجيل‪ ،‬فقد كانت املقدمة مدجمة داخل النص أو املنت‬
‫اإلبداعي‪ ،‬كما كانت رواية (التحوالت أو الحمار الـذهبي) ألفوالي متزج داخل املنت‬
‫بني التصدير والسرد‪.‬ويعين هذا أن مثة نوعني من املقدمة يف الثقافة الغربية‪ :‬مقدمة متصلة‬
‫ومقدم ة منفص لة‪ ،‬أو مقدم ة مدجمة ومقدم ة مس تقلة‪ .‬ويف ه ذا الس ياق‪ ،‬يق ول ش عيب‬
‫حليفي‪ ":‬ترتب ط اخلطاب ات املتص لة بظهوره ا املبك ر م ع املالحم والكتاب ات األوىل‪ ،‬ال يت‬
‫ك انت توج د فيه ا املقدم ة باعتباره ا نص ا لغوي ا مرتبط ا‪ ،‬لكن ه ذا الن وع س رعان م ا‬
‫تالشى‪ ،‬وصارت املقدمة شيئا منفصال شكال‪ ،‬كما ظلت‪ ،‬يف عمقها‪ ،‬مرتبطة بالنص‪،‬‬
‫وق د أت اح هلا ه ذا االنفص ال إمكاني ة توس يع اخلط اب‪ ،‬وفتح ك وى أخ رى يف اجتاه ات‬
‫تق رتب من املوض وع‪ ،‬وهلذين اخلط ابني ش راكة يف اهلدف ال وظيفي‪ ،‬وإن ك ان اخلط اب‬
‫‪284‬‬
‫املنفصل هو الذي سيظل مهيمنا حىت عصر الرواية الراهن‪".‬‬
‫وأك ثر من ه ذا‪ ،‬جيب أال خنلط بني املقدم ة وال ربولوج(‪ )Prologue‬يف املس رح؛ ألن‬
‫ال ربولوج ج زء ال يتج زأ من العم ل املس رحي‪ ،‬فق د ارتب ط بنيوي ا ب الراوي ال ذي يعلن‬
‫احلدث‪ ،‬ويق دم الشخص يات والفض اءات‪ .‬وبع د ذل ك‪ ،‬ي أيت احلوار أو املنول وج‪ ،‬لتنتهي‬
‫املس رحية خبامتة‪ ،‬أو م ا يس مى أيض ا ب اإليبيلوج(‪.)Epilogue‬بينم ا مل تظه ر املقدم ة يف‬

‫‪283‬‬
‫‪- Gérard Genette :Ibid,p :152.‬‬
‫‪ -‬شعيب حليفي‪ :‬هويـة العالمــات‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪2005‬م‪ ،‬ص‪:‬‬ ‫‪284‬‬

‫‪.54‬‬

‫‪191‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫أوروب ا‪ ،‬مبفهومه ا احلقيقي‪ ،‬إال م ع ظه ور الكت اب املطب وع‪ ،‬فأص بحت املقدم ة خطاب ا‬
‫مس تقال بذات ه‪ ،‬يتم يز طباع ة وموقع ا عن النص ال داخلي أو املنت ال رئيس‪ .‬وبالت ايل‪ ،‬فق د‬
‫كثرت املقدمات يف الثقافة الغربية‪ ،‬سواء أكانت ذاتية أم غريية‪ ،‬يف القرنني‪ :‬التاسع عشر‬
‫والعشرين بشكل موسع ومطرد‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬المقدمة في الثقافــة العربيــة‬


‫عرفت الثقافة العربية عتبة املقدمة منذ وقت مبكر مقارنة بالثقافة الغربية‪.‬ويف هذا الص دد‪،‬‬
‫يقول مصطفى سلوي‪ ":‬والذي يويل الرتاث التأليفي عند األمة العربية اإلسالمية ظهره‪،‬‬
‫يقطع قطعا جازما ال شك من بعده أن ما جاء به األستاذ(جنيت) فتح جديد‪ ،‬هنج مبني‬
‫يف التعرف على هذه املكونات ومجعها وترتيبها مل يسبق إليه أحد‪.‬إال أن الذي ميارس ما‬
‫ميكن أن ندعوه حبفريات الرتاث‪ ،‬فإنه يق ف على كم هائ ل من التنظري والتطبيقات اليت‬
‫خص هبا العلماء املسلمون القدامى هذا الذي ندعوه بـ(العتبات) أو(املصاحبات)‪.‬هم مل‬
‫يس تخدموا ه ذه املكون ات‪ ،‬ال يت مجع وا منه ا أك ثر م ا مجع ه ص احب كت اب(العتب ات)‪،‬‬
‫بالفهم نفسه الذي جاء به املؤلف؛ وهو أن تكون عبارة عن مفاتيح يف قراءة النصوص‪،‬‬
‫وفهم صناعة التأليف منذ انطالقتها األوىل عند املؤلف إىل غاية وصوهلا بني يدي القارئ‪،‬‬
‫م رورا مبكون ات النش ر‪ ،‬وم ا تس تلزمه ه ذه املرحل ة من طق وس وقواع د‪ .‬إال أن كتاب اهتم‬
‫التنظريي ة والتطبيقي ة يف املوض وع تق دم مس حا واس عا هلذه املكون ات‪ .‬باإلض افة إىل وعي‬
‫منظم بكيفي ة اس تخدامها وترتيبه ا ووظائفه ا‪ .‬ويف م ا ألف ه اإلم ام الص ويل واجلواليقي‬
‫والقلقشندي من تنظريات تتعلق باملوضوع ما يؤكد إحاطة القدماء هبذا املوضوع؛ على‬
‫األق ل من جه ة املؤل ف‪ ،‬إن مل يكن من جه ة الق ارئ املهتم ال ذي يعم ل على تفكي ك‬
‫عناصر التأليف انطالقا من هذه العتبات‪.‬أما املمارسة التطبيقية اليت جاءت عليها تآليف‬
‫القدماء‪ ،‬فال خيلو كتاب من الكتب اليت ألفها العلماء املسلمون القدامى يف شىت فروع‬

‫‪192‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫املعرف ة من اإلملام هبذه املكون ات فهم ا وترتيب ا وتوظيف ا‪.‬جند ه ذا يف أش كال املق دمات‬
‫ومكوناهتا‪ ،‬كما جنده يف عنوان الكتاب‪ ،‬واسم املؤلف‪ ،‬واإلهداء‪ ،‬والعناوين الداخلية‪.‬‬
‫والبد هنا من اإلشارة إىل أمر‪ ،‬وهو أن العلماء املسلمني القدامى مارسوا صنعة التأليف‬
‫يف اللغ ة والنح و والع روض والبالغ ة والفق ه واألص ول والتفس ري واألدب والنق د وشروح‬
‫الش عر وغ ري ذل ك‪ ،‬على أس اس أهنا مجيع ا من األش كال اإلبداعي ة‪.‬يف حني‪ ،‬تقتص ر ه ذه‬
‫الكلم ة يف وقتن ا احلاض ر على القص ة والرواي ة واملس رحية والش عر‪ .‬من هن ا‪ ،‬ك انت‬
‫املص احبات ج زءا ال يتج زأ من الش كل الت أليفي ال ذي ي أيت ب ه الك اتب أي ا ك ان جمال‬
‫‪285‬‬
‫اهتمامه أو نوعه أو شكله‪".‬‬
‫وعلى أي حال‪ ،‬فكثرية هي الكتب اليت كانت مصدرة مبقدمات ذاتية أو غريية‪ .‬وقد‬
‫بدأ التصدير يف الثقافة العربية مع انتشار الكتابة‪ ،‬وازدهار التأليف يف العصر العباسي منذ‬
‫الق رن الث الث اهلج ري‪ .‬وق د ك انت املقدم ة تس مى خطب ة‪ ،‬وديباج ة‪ ،‬وفاحتة‪ ،‬ومتهي دا‪،‬‬
‫واستهالال‪ ،‬وتصديرا‪...‬‬
‫ومن أهم الكتب اليت كانت تتضمن مقدمات افتتاحية كتاب (طبقات فحول الشعراء)‬
‫حملم د بن س الم اجلمحي‪ ،286‬ومقدم ة كت اب (الش عر والش عراء) البن قتيب ة‪ ،287‬ومقدم ة‬
‫كت اب (ش رح دي وان احلماس ة) أليب علي املرزوقي‪ ،288‬ومقدم ة ابن خل دون لتارخيه‬

‫‪ -‬مصطفى سلوي‪ :‬مصاحبات النص‪ :‬في عتبة المقدمـة كمـا فهمهـا العلمـاء المسـلمون القـدامى‪ ،‬عرض‬ ‫‪285‬‬

‫ألقي خالل أشغال الندوة العلمية اليت عقدهتا شعبة اللغة العربية وآداهبا بكلية اآلداب‪ ،‬جامعة السلطان موالي‬
‫سليمان‪ ،‬بين مالل‪ ،‬يف موضوع‪(:‬عتبات النص‪ :‬حنو مقاربة أولية)‪ ،‬أيام‪ 26-25-24:‬يناير‪2001‬م‪.‬ص‪.1:‬‬
‫‪ -‬حمم د بن س الم اجلمحي‪ :‬طبقــات فحــول الشــعراء‪ ،‬ش رح‪ :‬حمم ود حمم د ش اكر‪ ،‬دار املع ارف للطباع ة‬ ‫‪286‬‬

‫والنشر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪.‬‬


‫‪ -‬ابن قتيبة‪ :‬الشعر والشعراء‪،‬دار الثقافة‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة الرابعة‪1980 ،‬م‪.‬‬ ‫‪287‬‬

‫‪ -‬املرزوقي‪ :‬شــرح ديــوان الحماســة ألبي تمــام‪ ،‬حتقيق‪ :‬امحد أمني وعبد السالم حممد هارون‪ ،‬دار اجليل‪،‬‬ ‫‪288‬‬

‫بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األوىل سنة‪1991‬م‪.‬‬

‫‪193‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫املسمى بكتاب العرب‪ ،‬وديوان املبتدأ واخلرب يف أيام العرب والعجم والرببر‪ ،‬ومن عاصرهم‬
‫من ذوي السلطان األكرب‪.289‬‬
‫وعليه‪ ،‬فلقد كان اخلطاب املقدمايت "حاضرا بشكل مكثف يف املؤلفات النقدية باعتباره‬
‫سنة واجبة‪ ،‬وضرورة هلا شروطها ومواصفاهتا اليت ختتلف‪ ،‬كليا‪ ،‬عن شروط املقدمات‬
‫احلديثة‪ ،‬فيما كان اخلطاب التارخيي‪ ،‬كما عرف عند ابن خلدون والطربي واملسعودي‪،‬‬
‫وباقي املؤرخني‪ ،‬يتلبس شكل املدخل‪ ،‬كما حتدث عنه جاك دريدا‪ ،‬إذ يقدم رسالته يف‬
‫ش كل تنبي ه للق ارئ من أغالي ط املؤرخني اآلخ رين‪ ،‬مث التمهي د ببس ط منهج ه يف التعام ل‬
‫والكتاب ة‪ .‬وهي تس تند إىل البحث واالس تقراء أك ثر من الس ماع‪ .‬يف حني‪ ،‬إن املقدم ة يف‬
‫اخلط اب العلمي ت رد يف مؤلف ات الفل ك والرتمجات الفلس فية‪ ،‬وكتب الرياض يات‪ ،‬وب اقي‬
‫‪290‬‬
‫العلوم اجملردة اليت تعتمد التمهيد الدقيق واملختصر‪".‬‬
‫وعلى العم وم‪ ،‬فق د ك انت املقدم ة يف الثقاف ة العربي ة القدمية مبثاب ة خطب ة اس تهاللية‪ ،‬ق د‬
‫تك ون مقتض بة‪ ،‬أو موس عة‪ ،‬أو الحق ة‪ .‬ومن مث‪ ،‬فق د ك انت ترتك ز على ثالث ة حماور‬
‫ب ارزة‪ :‬أوهلا‪ ،‬أس باب الكتاب ة ودواعيه ا ودوافعه ا وأه دافها‪ .‬وثانيه ا‪ ،‬حتدي د املتلقي أو‬
‫املرسل إليه الذي ميكن أن يكون سلطانا أو خليفة أو أمريا أو كبري علية القوم‪ ،‬أو قارئا‬
‫متلقيا عاما أو خاصا‪ ...‬وثالثها‪ ،‬تبيان الكيفية أو الطريقة اليت ألف هبا العمل‪ .‬ويعين هذا‬
‫أن هن اك ثالث ة أس ئلة جوهري ة‪ :‬س ؤال ملاذا أل ف ه ذا الكت اب؟ وس ؤال ملن أل ف ه ذا‬
‫الكتاب؟ وسؤال كيف ألف هذا الكتاب؟‬
‫وتتض من اخلطب ة أو املقدم ة االفتتاحي ة يف الكتب واملؤلف ات الرتاثي ة البس ملة واحلمدل ة‬
‫والتص لية والتس ليم‪ ،‬واإلش ارة إىل دواعي الكتاب ة الذاتي ة منه ا واملوض وعية‪ ،‬وتبي ان جنس‬
‫املؤل ف وخطت ه املنهجي ة‪ ،‬وحتدي د املص ادر واملراج ع ال يت اعتم د عليه ا الك اتب املؤل ف‪،‬‬

‫‪ -‬ابن خلدون‪ :‬مقدمة ابن خلدون‪ ،‬املطبعة البهية‪ ،‬مصر‪ ،‬بدون تاريخ للطبعة‪.‬‬ ‫‪289‬‬

‫‪ -‬شعيب حليفي‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.53:‬‬ ‫‪290‬‬

‫‪194‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫وتقري ظ املص نف‪ ،‬ونق د املص ادر الس ابقة‪ ،‬وتع يني زم ان الكتاب ة ومكاهنا‪ ،‬واالختت ام‬
‫باحلمدلة والشكر‪.291‬‬
‫أم ا يف الثقاف ة العربي ة القدمية واحلديث ة‪ ،‬فق د «س ار ك ل من الب ارودي وش وقي على س نة‬
‫عربي ة قدمية يف تق دمي الش عراء ل دواوينهم‪ .‬ولرمبا ك ان أب و العالء املع ري من بني أوائ ل‬
‫الشعراء العرب القدماء الذين وضعوا تقدميا‪ ،‬ونذكر – هنا‪ -‬تقدميه لكل من سقط الزند‬
‫ولزوم ما ال يلزم‪ ،‬وهي السنة اليت اتبعها الشعراء اآلخرون عرب العصور املتوالية»‪.292‬‬
‫وق د ظه رت العدي د من الرواي ات العربي ة احلديث ة‪ ،‬من ذ منتص ف الق رن التاس ع عش ر‪،‬‬
‫مصدرة مبقدمات تشرح نظرية الرواية‪ ،‬مثل روايات فرح أنطون(الدين والعلم واملال أو‬
‫املدن الثالث)‪ ،‬وحممود طاهر حقي يف رواية (عذراء دنشواي)‪ ،‬وعيسى عبيد يف رواية‬
‫(إحس ان ه امن)‪ ،‬وج ورجي زي دان يف روايات ه التارخيي ة‪ ،‬والس يما روايت ه (احلج اج بن‬
‫يوسف)‪ ،‬حيث يقول يف مقدمتها ما نصه‪ " :‬قــد رأينــا باالختبــار أن نشــر التــاريخ على‬
‫أس ـ ــلوب الرواي ـ ــة أفض ـ ــل وس ـ ــيلة ل ـ ــترغيب الن ـ ــاس في مطالعت ـ ــه‪ ،‬واالس ـ ــتفادة من ـ ــه‪،‬‬
‫وخصوص ــا‪ ،‬وأنن ــا نت ــوخى جه ــدنا في أن يك ــون الت ــاريخ حاكم ــا على الرواي ــة‪ ،‬ال هي‬
‫عليــه‪ ،‬كمــا فعــل بعض كتبــة اإلفــرنج‪ ،‬ومنهم من جعــل غرضــه األول تــأليف الروايــة‪،‬‬
‫وإنما جاء بالحقائق التاريخية إللباس الرواية ثوب الحقيقة‪ ،‬فيجره ذلك إلى التساهل‬
‫في سرد الحوادث بما يضل القراء‪.‬‬

‫وأم ــا نحن‪ ،‬فالعم ــدة في روايتن ــا على الت ــاريخ‪ ،‬وإنم ــا ن ــأتي بح ــوادث الرواي ــة تش ــويقا‬
‫للمطــالعين‪ .‬فتبقى الحــوادث التاريخيــة على حالهــا‪ ،‬ونــدمج في مجالهــا قصــة غراميــة‬
‫تشوق المطالع إلى استتمام قراءتها‪ ،‬فيصبح االعتماد على ما يجيء في الروايات من‬

‫‪ -‬مصطفى سلوي‪ :‬مصاحبات النص‪ :‬في عتبة المقدمة كما فهمها العلماء المسلمون القدامى‪ ،‬ص‪.7:‬‬ ‫‪291‬‬

‫‪ -‬حمم د ب نيس‪ :‬الشــعر العــربي الحــديث‪ :‬بنياتــه وإبــداالتها‪ ،‬الجــزء األول‪ ،‬التقليديــة‪ ،‬دار توبق ال للنش ر‪،‬‬ ‫‪292‬‬

‫الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪1989‬م‪ ،‬ص ‪.85‬‬

‫‪195‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫ح ــوادث الت ــاريخ‪ :‬مث ــل االعتم ــاد على أي كت ــاب من كتب الت ــاريخ من حيث الزم ــان‬
‫والمكــان واألشــخاص إلى مــا تقتضــيه من التوســع في الوصــف‪ ،‬ممــا ال تــأثير لــه على‬
‫وصف العادات واألخالق‪.....‬إن الروائي المــؤرخ ال يكفيــه تقريــر الحقيقــة التاريخيــة‬
‫الموجودة‪ ،‬وإنما يوضحها ويزيدها رونقــا من آداب العصــر وأخالق أهلــه وعــاداتهم‪،‬‬
‫حـتى يخيـل للقـراء أنـه عاصـر أبطـال الروايـة‪ ،‬وعاشـرهم‪ ،‬وشـهد مجالسـهم ومواكبهـا‬
‫واحتفاالتهم‪ ،‬شأن المصور المتفنن في تصوير حادثة يشغل ذكرها في التاريخ ســطرا‬
‫أو سطرين‪ ،‬فيشغل هو في تصويرها عامــا أو عــامين‪ .‬فمقتــل جعفــر الــبرمكي عــبر عنــه‬
‫المــؤرخ ببعض كلمــات‪ ،‬أمــا المصــور فال يســتطيع تصــويره‪ ،‬إال إذا كــان مطلعــا على‬
‫عــادات ذلــك العصــر‪ ،‬وطبــائع أهلــه‪ ،‬وأشــكال مالبســهم وألوانهــا‪ ،‬وضــروب الفــرس‬
‫وأش ــكال األس ــلحة‪ ،‬ليمث ــل كال من القات ــل والمقت ــول بقيافت ــه وش ــكله‪ ،‬وينبغي ل ــه أن‬
‫يكـ ــون عالمـ ــا بانفعـ ــاالت النفس‪ ،‬ومـ ــا يبـ ــدو من آثاره ــا على الوجـ ــه أو في حرك ــات‬
‫الجســم‪ ،‬ليمثــل غضــب القاتــل أو شراســته‪ ،‬وخــوف المقتــول وكآبتــه‪ ،‬غــير مــا تقتضــيه‬
‫الصـ ــناعة من تصـ ــوير مكـ ــان الواقـ ــع‪ ،‬إن ك ــان غرفـ ــة أو شـ ــارعا أو باديـ ــة أو حديقـ ــة‪،‬‬
‫والزم ــان ال ــذي وقعت في ــه‪ .‬وإن ك ــان ص ــباحا أو أص ــيال أو عش ــاء‪ ،‬ولك ــل من ه ــذه‬
‫األحوال أشكال وألوان ال يتم جمال الصورة إال بإتقانها‪ .‬وذلك شأن الروائي بــالنظر‬
‫إلى التـاريخ‪ ،‬فهـو يمثـل تلـك األحـوال‪ ،‬أو يصــور أشـكالها وألوانهـا باأللفـاظ من عنـد‬
‫نفســه‪ ،‬فيوشــح الحادثــة التاريخيــة بخالصــة درســه الطويــل في آداب القــوم وعــاداتهم‬
‫وأخالقهم‪ ،‬والتفطن ألثــار العواطــف في مظــاهرهم‪ ،‬مــع بيــان مــا يحــف بتلــك الحادثــة‬
‫المعاصــرة‪ ،‬ويطــابق وضــعه نظــام االجتمــاع وأحــوال العائلــة‪ ،‬وإذا رجــع المطــالع إلى‬
‫تحقيــق الحــوادث التاريخيــة على جمالهــا وجــدها حقيقــة ثابتــة‪ ،‬وذلــك مــا توخينــاه في‬
‫سائر رواياتنا" ‪.293‬‬

‫‪ -‬جورجي زيدان‪( :‬مقدمة)‪ ،‬الحجاج بن يوسف‪ ،‬مطابع اهلالل‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪1913 ،‬م‪.‬‬ ‫‪293‬‬

‫‪196‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫ومثة كتب اهتمت جبم ع مق دمات الرواي ة‪ ،‬كم ا فع ل حمم د كام ل اخلطيب يف كتاب ه‬
‫(نظري ة الرواي ة)‪ .294‬ومن جه ة أخ رى‪ ،‬ظه رت مؤلف ات ومص نفات عدي دة يف خمتل ف‬
‫األجناس واألنواع األدبية‪ ،‬مصدرة مبقدمات ذاتية أو غريية أو مشرتكة‪ .‬يف حني‪ ،‬نلفي‬
‫مؤلفات أخرى بدون مقدمات أو افتتاحيات‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فلقد أصبح التقدمي يف الثقافة العربية‪ ،‬قدميها وحديثها‪ ،‬سنة متبعة‪ ،‬شعرا‪ ،‬وسردا‪،‬‬
‫ومس رحية‪ ،‬ونق دا‪ ،‬ب ل أص بح تقلي دا متبع ا ح ىت يف الكتب العلمي ة واألكادميي ة إىل يومن ا‬
‫ه ذا؛ إذ يش رتط يف ك ل حبث‪ ،‬أو كت اب‪ ،‬أو دراس ة‪ ،‬أو رس الة‪ ،‬أو أطروح ة جامعي ة أن‬
‫يكون يف مستهله (أو مستهلها) مقدمة افتتاحية جامعة ومفصلة‪ ،‬تبني خطوات العمل‪،‬‬
‫وتربز قضاياه الداللية واملنهجية واالصطالحية‪.‬‬
‫وعلى الرغم من هذا االهتمام الكبري بالتقدمي‪ ،‬فإنه مايزال يفتقد إىل دراسة تارخيية مفصلة‬
‫ضمن خمتلف األجناس األدبية‪ :‬شعرا‪ ،‬وسردا‪ ،‬ومسرحية‪ ،‬ونقدا‪...‬‬

‫‪ -‬حممد كامل اخلطيب‪ :‬نظرية الرواية‪ ،‬وزارة الثقافة‪ ،‬دمشق‪ ،‬سورية‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪1990‬م‪.‬‬ ‫‪294‬‬

‫‪197‬‬
www.alukah.net ‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة‬

‫ أهم الدراسات التي تناولت المقدمة‬:‫المبحث السادس‬


،‫ والدراس ة‬،‫مثة العدي د من الدراس ات النظري ة والتطبيقي ة ال يت تن اولت املقدم ة بالت أريخ‬
.‫ سواء أك ان ذل ك يف الثقاف ة الغربي ة أم يف الثقاف ة العربي ة‬،‫ والتطبيق‬،‫ والتنظري‬،‫والتحلي ل‬
G.Genett( ‫ جريار جنيت‬:‫ومن أهم الكتابات الغربية يف هذا اجملال ما كتبه كل من‬
( ‫ وميشيل‬،296 ‫ـات‬
( :‫) يف‬M. Charles‫شارل‬ ) ‫ و(العتبـ‬295)‫ (األطــراس‬:‫) يف كتابي ه‬e
C.Duche (‫ وكلود دوشيه‬،298 )J.Derrida(‫ وجاك دريدا‬،297) ‫بالغــة القــراءة‬
،301)Henri Metterand(‫ وه نري مي رتان‬،300)P.Hamon (‫ وفليب ه امون‬،299)t
‫) وج ان‬.Le Cointre S ( ‫ وس يمون لوكوان رت‬،302)Geneviève(‫وجونف ييف‬

295
-Genette (Gérard) : Palimpsestes, Paris, seuil, 1972.
296
- Genette (Gérard): Seuils, Paris seuil 1987.
297
- Charles (Michel) : Rhétorique de la lecture, Paris, seuil, 1979.
298
- Derrida (Jacques): (Hors livre, dans ID), La dissémination, Paris,
Seuil 1972, pp : 7-67.
- Duchet (Claude): « Illusion historique: l’enseignement des préfaces
299

(1815-1932), Revue :d’histoire Littérature de la France (1975), p


p : 245-267.
300
- Hamon (Philippe): « texte littéraire et méta-langage », Poétique,
31 ,(1977), pp : 261-284.
301
- Mitterrand (Henri): "Le discours préfaciel », dans la lecture
sociologique du texte romanesque, Toronto, Stevens et Hakkert,
1975, pp : 3-13.
- IDT (Geneviève) : « Fonction rituelle du métalangage dans les
302

préfaces hétérographes", Littérature, 27 (1977), pp : 65-74.

198
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫ليكالو(‪ ،303)J.Legallot‬وأورا أفين(‪ ،304)Ora Avni‬وكوالر باتريك(‪C.Patri‬‬


‫‪...،305)ck‬إخل‪.306‬‬

‫أم ا على املس توى الع ريب‪ ،‬فيمكن اإلش ارة إىل الدراس ات واألحباث ال يت كتبه ا ك ل من‪:‬‬
‫حمم د ب نيس يف كتاب ه‪( :‬التقليدي ة)‪ ،307‬وعب د الفت اح احلجم ري يف‪(:‬عتب ات النص‪ :‬البني ة‬
‫والدالل ة)‪ ،308‬وعب د ال رحيم العالم يف مقال ه‪(:‬اخلط اب املق دمايت يف الرواي ة املغربي ة)‪،309‬‬
‫وعبد احلق بلعايد يف‪ (:‬عتبات)‪ ،310‬وشعيب حليفي يف (هوية العالمات)‪ ،311‬والسعدية‬
‫الش اديل يف (مقارب ة اخلط اب املق دمايت ال روائي)‪ ،312‬ونبي ل منص ر يف (اخلط اب املوازي‬

‫‪303‬‬
‫‪- Le Cointre (Simonne), Legallot (Jean): "texte et paratexte, essai sur la‬‬
‫‪préface du roman classique", dans Panorama sémiotique, la Hague-‬‬
‫‪Paris, New York, Mouton, 1979, pp : 660-670.‬‬
‫‪304‬‬
‫‪-Avni. (Ora) : « Dico Vobis : préface, pacte, pari », Romanic‬‬
‫‪Review75, 1984, pp : 119-130.‬‬
‫‪305‬‬
‫‪- Collard (Patrick) : « le récit et son prologue dans EL siglo de las‬‬
‫‪luces d’Alejo Carpentier » dans F.Hallyn .Ed Onze études sur la mise‬‬
‫‪en abyme, Romanica Gandinsia, 17, 1980, pp : 83-100.‬‬
‫‪- A regarder : Maurice de la Croix et Fernand Hallyn : Méthode de‬‬
‫‪306‬‬

‫‪texte. Duclot, Paris 1987.‬‬


‫‪ -‬حممد بنيس‪ :‬الشعر العربي الحديث‪ :‬بنياته وإبداالتها‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬التقليدية‪ ،‬ص‪.77 :‬‬ ‫‪307‬‬

‫‪ -‬عبد الفتاح احلجمري‪ :‬عتبات النص البنية والداللة‪ ،‬شركة الرابطة‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪1996‬م‪.‬‬ ‫‪308‬‬

‫‪ -‬عبد الرحيم العالم ‪( :‬اخلطاب املقدمايت يف الرواية املغربية)‪ ،‬مجلة عالمات‪ ،‬املغرب‪ ،‬العدد ‪8/1997‬م‪.‬‬ ‫‪309‬‬

‫‪ -‬عبد احلق بلعايد‪ :‬عتبات(جيرار جنيت من النص إلى المناص)‪ ،‬الدار العربية للعلوم ناشرون ومنشورات‬ ‫‪310‬‬

‫االختالف‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪2008‬م‪.‬‬


‫‪ -‬شعيب حليفي‪ :‬نفسه‪ ،‬صص‪.90-47:‬‬ ‫‪311‬‬

‫‪ -‬السعدية الشاديل‪ :‬الخطاب المقدماتي الروائي‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪1998‬م‪.‬‬ ‫‪312‬‬

‫‪199‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫للقص يدة العربي ة املعاص رة)‪ ،313‬وعب د ال رزاق بالل يف (م دخل إىل عتب ات النص)‪،314‬‬
‫وعب د الع ايل ب وطيب يف مقال ه (ب رج الس عود‪ -‬وإش كالية العالق ة بني ال روائي‬
‫والتارخيي)‪ ،315‬ومصطفى سلوي يف كتابه (عتبات)‪...316‬‬

‫المبحث السابع‪ :‬أنــواع المقدمــات‬


‫ميكن احلديث عن أنواع عدة من املقدمات اليت يتم هبا االستفتاح‪.‬فهناك املقدمة الذاتية‪،‬‬
‫واملقدم ة الغريي ة‪ ،‬واملقدم ة املش رتكة‪ ،‬واملقدم ة األص لية‪ ،‬واملقدم ة الالحق ة‪ ،‬واملقدم ة‬
‫املت أخرة‪ ،‬واملقدم ة التقريظي ة‪ ،‬واملقدم ة النقدي ة‪ ،‬ومقدم ة الش هادة‪ ،‬واملقدم ة املوازي ة أو‬
‫املصاحبة‪ ،‬واملقدمة السجالية‪ ،‬واملقدمة املتصلة واملنفصلة‪...‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬فاملقدمة الذاتية هي اليت يكتبها الكاتب أو املبدع بنفسه‪ ،‬واملقدمة الغريية هي‬
‫اليت يكتبها اآلخر‪ .‬وغالبا‪ ،‬ما يكون ناقدا أو باحثا دارسا‪ .‬فضال عن املقدمة املشرتكة‬
‫هي اليت يشرتك فيها الكاتب مع الغري‪...‬أما املقدمة األصلية‪ ،‬فهي اليت تلتصق بالكتاب‬
‫منذ الطبعة األوىل‪.‬يف حني‪ ،‬تعترب املقدمة الالحقة هي تلك املقدمة اليت تلحق بالكتاب يف‬
‫الطبع ة الثاني ة‪ ،‬أو الثالث ة‪ ،‬أو الرابع ة‪...‬أم ا املقدم ة املت أخرة‪ ،‬فهي ال يت تك ون يف الطبع ة‬
‫األخرية‪ ،‬أو يف الطبعة النهائية‪.‬‬

‫‪ -‬نبيل منصر‪ :‬الخطاب الموازي للقصيدة العربية المعاصـرة‪ ،‬دار توبقال‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة‬ ‫‪313‬‬

‫األوىل سنة ‪2007‬م‪.‬‬


‫‪ -‬عب د ال رزاق بالل‪ :‬مــدخل إلى عتبــات النص(دراســة في مقــدمات النقــد العــربي)‪ ،‬دار أفريقي ا الش رق‪،‬‬ ‫‪314‬‬

‫الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪2000‬م‪.‬‬


‫‪ -‬عبد العايل بوطيب‪( ،‬برج السعود‪ -‬وإشكالية العالقة بني الروائي والتارخيي)‪ ،‬مجلة المناهل‪ ،‬املغرب‪،‬‬ ‫‪315‬‬

‫العدد‪/55‬السنة‪ ،22‬يونيو ‪1997‬م‪.‬‬


‫‪ -‬مصطفى سلوي‪ :‬عتبات النص‪ ،‬منشورات كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‪ ،‬جامعة حممد األول بوجدة‪،‬‬ ‫‪316‬‬

‫املغرب‪ ،‬سل‪.‬حبوث ودراسات‪،22:‬مطبعة مشس‪ ،‬وجدة‪ ،‬الطبعة األوىل ‪2003‬م‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫ومن جهة أخرى‪ ،‬قد تكون املقدمة تقريظية فيها من الثناء والشكر والصداقة والعاطفة‬
‫الشيء الكثري‪ .‬وهي مقدمة " جتارية وإشهارية‪ ،‬تتوخى توجيه القارئ مع إعطائه حكما‬
‫مسبقا على قراءته‪ ،‬هذا النوع من املقدمات‪ ،‬حيول دفة املعىن الذي قد يؤوله املتلقي إىل‬
‫اجلهة اليت يريدها املؤلف‪.‬وهو النوع الذي يكتبه الناشر يف غالب األحيان‪."317.‬‬
‫يف حني‪ ،‬تكون املقدمة النقدية خطابا وصفيا تقومييا موضوعيا‪ ،‬عبارة عن قراءة حتليلية‬
‫تركيبي ة‪ ،‬متس اجلوانب الداللي ة والش كلية والفني ة واملقص دية‪ .‬وق د تك ون املقدم ة ش هادة‬
‫إبداعي ة أو وص فية‪ ،‬يق دم فيه ا الك اتب منظ وره الشخص ي إىل الكتاب ة واإلنس ان‬
‫والع امل‪.‬وهن اك أيض ا املقدم ة املختفي ة ال يت تغيب يف طبع ات معين ة لتظه ر حين ا أو تغيب‬
‫آني ا‪.‬ومن جه ة أخ رى‪ ،‬هن اك املقدم ة املعوض ة أو املس تبدلة ال يت تع وض مقدم ة س ابقة مل‬
‫يرض عليها الكاتب‪ ،‬فيقرر استبداهلا مبقدمة أخرى‪ .‬وميكن إدراج هذه املقدمة‪ ،‬بشكل‬
‫من األشكال‪ ،‬ضمن املقدمة الالحقة أو املتأخرة‪.‬‬
‫وميكن احلديث أيضا عن املقدمة االفتتاحية‪ ،‬ومقدمة امللحق اليت تكون يف آخر الكتاب‬
‫مبثابة ملحق بالنص الرئيس‪ ،‬وتسمى بالتذييل‪ .‬وميكن احلديث أيضا عن املقدمة املقتضبة‬
‫واملقدم ة املوس عة املس هبة‪ ،‬أو املقدم ة الذاتي ة واملوض وعية‪ ،‬أو املقدم ة الوص فية‬
‫واإلبداعية‪.‬أما املقدمة املتصلة‪ ،‬فهي اليت توجد يف منت الكتاب أو يف بدايته‪ ،‬كما يتجلى‬
‫ذل ك واض حا يف املالحم اليوناني ة‪ ،‬فتك ون ج زءا من النص ال رئيس‪ .‬بينم ا تك ون املقدم ة‬
‫املستقلة منفصلة عن الكتاب‪ ،‬وتوضع خارج النص أو املنت‪ ،‬باعتبارها خطابا مستقال له‬
‫خصوص ياته الداللي ة والفني ة والوظيفي ة‪ .‬وهن اك أيض ا املقدم ة املص احبة أو املوازي ة‪ ،‬فهي‬
‫ال يت" تك ون مس تقلة ومباش رة‪ ،‬توج ه انتباهن ا للتيم ات واألس ئلة املطروح ة‪ ،‬وه ذا الن وع‬
‫األخ ري من املق دمات ه و اخلط اب ال ذي ميتل ك األدوات ال يت تق رتب بش كل مباش ر من‬

‫‪ -‬شعيب حليفي‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.64:‬‬ ‫‪317‬‬

‫‪201‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫املتلقي‪ ،‬حيث إن املقدم ة ال يت يكتبه ا ناق د م ا‪ ،‬واملفص ولة عن الرواي ة‪ ،‬التبحث عن غ ري‬
‫‪318‬‬
‫النص‪".‬‬
‫وحتمل املقدمة السجالية‪ ،‬يف طياهتا‪ ،‬سجاال نقديا‪ .‬وغالبا‪ ،‬ما يكون ذاتيا‪ ،‬ويرد يف شكل‬
‫ردود حواري ة‪ ،‬فيه ا من االنفعالي ة الش يء الكث ري‪ ،‬كم ا يظه ر ذل ك جلي ا يف كت اب‬
‫(االحتفالي ـ ــة مواق ـ ــف ومواق ـ ــف مض ـ ــادة) لعب د الك رمي برش يد‪ ،‬حيث يق ول يف فاحتة‬
‫الكتاب‪":‬إن هذا الكتاب‪ ،‬يف رده على عينة خاصة من النقد املسرحي‪ ،‬ويف نقاشه احلاد‬
‫ألمساء كثرية فيه؛ أمساء متارس املعارضة الوحشية والبدائية والفوضوية‪ ،‬سواء يف األدب أم‬
‫يف الفن أم يف الفك ر أم يف احلي اة اليومي ة‪ ،‬جيد نفس ه يف وض ع ص عب ودقي ق وس ريايل‬
‫وعبثي‪ ،‬فهو يتبىن احلوار‪ ،‬وذلك يف غياب تام‪ -‬أو شبه تام‪ -‬لكل مقومات احلوار‪ ،‬ولكل‬
‫‪319‬‬
‫شروطه األساسية واحليوية‪"...‬‬
‫إذًا‪،‬هذه هي أهم أنواع املقدمة اليت ميكن االنطالق منها لتقدمي مقاربة دقيقة للنص املعطى‬
‫أو العمل املقدم بغية تشرحيه وتركيبه‪ :‬فهما‪ ،‬وتفسريا‪ ،‬وتأويال‪.‬‬

‫المبحث الثامن‪ :‬كيف نقارب المقدم ــة؟‬


‫يستلزم حتليل اخلطاب املقدمايت منهجية معينة يف الدراسة والتقومي‪.‬لذا‪ ،‬البد من حتديد‬
‫جمموع ة من اخلط وات الرئيس ة لق راءة املقدم ة‪ ،‬وميكن حص رها يف‪ :‬البني ة‪ ،‬والدالل ة‪،‬‬
‫والوظيف ة‪ ،‬والق راءة الس ياقية‪.‬وينض اف إىل ذل ك حتدي د زمن التق دمي‪ ،‬وتبي ان مكان ه‪،‬‬
‫وحجم ه‪ ،‬وطبيعت ه‪ ،‬ومرس له‪ ،‬ومتلقي ه‪ ،‬واإلش ارة إىل ظ روف كتابت ه‪.‬ويع ين ه ذا كل ه‬
‫ض رورة حتدي د عناص ر التواص ل املق دمايت من مرس ل‪ ،‬ومرس ل إلي ه‪ ،‬وقن اة‪ ،‬ومرج ع‪،‬‬
‫ورسالة‪ ،‬وشفرة‪ ،‬وأيقون‪.‬وبعد ذلك‪ ،‬نربز خمتلف الوظائف اليت يؤديها كل عنصر على‬
‫‪ -‬شعيب حليفي‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.64:‬‬ ‫‪318‬‬

‫‪ -‬عبد الكرمي برشيد‪ :‬االحتفاليــة‪ :‬مواقــف ومواقــف مضــادة‪ ،‬منشورات نقاب ة األدباء والب احثني املغاربة‪،‬‬ ‫‪319‬‬

‫إصدارات أمنية لإلبداع والتواصل الفين واألديب‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬سنة ‪2010‬م‪ ،‬ص‪.24:‬‬

‫‪202‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫ح دة‪.‬وتع ين البني ة طبيع ة النص املق دمايت‪ ،‬وش كله‪ ،‬وص يغته‪ ،‬وجنس ه‪ ،‬وبنائ ه الرتكي يب‬
‫واخلطايب‪.‬بينما حتيل الداللة على خمتلف املعاين والقضايا اليت حتبل هبا املقدمة مباشرة أو‬
‫غ ري مباش رة‪ .‬أم ا الوظيف ة‪ ،‬فتش ري إىل خمتل ف املقاص د الظ اهرة واخلفي ة ال يت تس تهدفها‬
‫املقدمة‪.‬أما املقصود بالقراءة السياقية أن نقرأ املقدمة يف عالقة بالنص الرئيس‪ ،‬إما بطريقة‬
‫أفقية‪ ،‬وإما بطريقة عمودية‪.‬‬
‫وعلي ه‪ ،‬فاملقارب ة املناص ية (‪)paratextualité‬أنس ب منهجي ة لق راءة املقدم ة وب اقي‬
‫العتب ات األخ رى‪ .‬فهي تنص ب على مقارب ة املقدم ة يف عالقته ا م ع النص‪ .‬والنت ائج ال يت‬
‫تسعى إليها هذه املقاربة تبقى نسبية واحتمالية وتقريبية كذلك‪ ،‬ما دام اليقني غائبا حىت‬
‫يف العل وم الدقيق ة والتجريبي ة‪ .‬إن املقارب ة يف العل وم اإلنس انية‪ ،‬وخاص ة األدبي ة منه ا‪ ،‬ال‬
‫ميكن أن تصل إىل احلقيقة أو النتائج املطلقة‪ .‬لذا‪ ،‬يبقى االفرتاض أو االحتمال هو سيد‬
‫املوقف دائما نظرا لتعقد الظواهر األدبية‪ ،‬ومتيزها بطابعها الواعي واإلنساين‪.‬‬
‫ومن هن ا‪ ،‬ت درس املقارب ة املناص ية النص‪ ،‬أو العم ل األديب‪ ،‬يف تفاعل ه م ع املقدم ة‪ ،‬ع رب‬
‫العالقات النصية والتناصية‪ ،‬وكذلك عرب التشابكات البنيوية والسيميوطيقية‪ ،‬حيث تنظر‬
‫إىل املقدم ة على أهنا‪ ،‬مبفرده ا‪ ،‬خط اب أو نص مس تقل‪ ،‬مبوازاة نص آخ ر‪ ،‬والعالق ة‬
‫املوج ودة بينهم ا‪ ،‬هي عالق ة العم وم واخلص وص‪ ،‬أو عالق ة الك ل واجلزء‪ ،‬أو عالق ة‬
‫اإلمجال والتفصيل‪ .‬فال بد للمحلل أن حيلل النص أو العمل على أنه بنية مستقلة يف حد‬
‫ذاهتا‪ ،‬وينظ ر ك ذلك إىل املقدم ة على أهنا خط اب وص في مس تقل‪ ،‬يتطلب حتليال دقيق ا‬
‫بني ة‪ ،‬وتركيب ا‪ ،‬ودالل ة‪ ،‬وت داوال‪ .‬ومن مث‪ ،‬حيت اج التق دمي إىل أدوات إجرائي ة جدي دة‪،‬‬
‫ومفاتيح أكثر كفاية وجناعة الستنطاقه باعتباره نصا أو خطابا مستقال‪ ،‬حيوي دالالت‬
‫النص‪ ،‬ويفس ر نش أته‪ ،‬ويستكش ف أطروحات ه املرجعي ة‪ ،‬ويس تعرض قض اياه التخييلي ة‬
‫واحلجاجية والواقعية‪.‬‬

‫‪203‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫وخالص ة الق ول‪ ،‬يت بني لن ا‪ ،‬مما س بق ذك ره‪ ،‬أن املقدم ة خط اب مس تقل أو متص ل ب املنت‬
‫الرئيس‪ .‬وهي مبثابة متهيد للعمل‪ ،‬يشرح فيه الكاتب أو املبدع تصوراته ونظرياته وآراءه‬
‫حول قضية معينة‪ ،‬معتمدا على سؤال العلة‪ ،‬وسؤال الكيف‪ ،‬وسؤال اهلدف‪ .‬وقد تتخذ‬
‫هذه املقدمة صيغة سردية‪ ،‬أو درامية‪ ،‬أو شعرية‪.‬‬
‫ومن مث‪ ،‬فاملقدمة تقليد مع روف يف معظم الثقافات اإلنسانية‪ ،‬وخاصة الثقافتني‪ :‬الغربية‬
‫والعربي ة‪ ،‬إن تنظ ريا‪ ،‬وإن تطبيق ا‪.‬وبالت ايل‪ ،‬فاملقدم ة أن واع ع دة‪ ،‬فهن اك املقدم ة املتص لة‬
‫واملنفص لة‪ ،‬واملقدم ة الذاتي ة والغريي ة واملش رتكة‪ ،‬واملقدم ة التقريظي ة والنقدي ة واملوازي ة‪،‬‬
‫ومقدمة الشهادة والسجال‪ .‬وغالبا‪ ،‬ما تتميز املقدمة بكوهنا خطابا مستقال منفصال عن‬
‫املنت‪ ،‬حتمل يف طياهتا أسئلة الكتابة ماهية وتعليال وهدفا‪ ،‬وقد تكون مبثابة خطاب نقدي‬
‫وصفي‪ ،‬إما تنظريا وإما تطبيقا‪ .‬بيد أن املقدمة‪ ،‬باعتبارها عتبة موازية مهمة‪ ،‬يف حاجة‬
‫ماسة إىل اجلمع والتوثيق واألرشفة والتجنيس بغية دراستها‪ ،‬وحتليلها‪ ،‬وتقوميها‪ ،‬إن بنية‪،‬‬
‫وإن داللة‪ ،‬وإن مقصدية‪.‬‬

‫‪204‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫خاتمـ ــة‬
‫ويف األخري‪ ،‬نصل إىل أن النص املوازي مبثابة عتبات رئيسية الميكن االستغناء عنها؛ ألهنا‬
‫أدوات وآلي ات ومف اتيح إس رتاتيجية ملقارب ة النص وص األدبي ة وغ ري األدبي ة‪ .‬فهي ال يت‬
‫تساعد الباحث‪ ،‬أو الدارس‪ ،‬أو الناقد‪ ،‬على تفكيك النص وتركيبه‪.‬‬
‫وإذا ك ان النق دان الع ريب والغ ريب مع ا ق د أغفال ه ذه العتب ات؛ إذ كان ا يعترباهنا عناص ر‬
‫ثانوي ة وزائ دة‪ ،‬إال أن ه ذه العتب ات ق د أض حت ‪ -‬الي وم ‪ -‬آلي ات أساس ية يف تن اول‬
‫النصوص وحتليلها فهما‪ ،‬وتفسريا‪ ،‬وتأويال‪.‬‬
‫وينضاف إىل هذا أن حتليل العتبات‪ ،‬فهما وشرحا وتأويال‪ ،‬الميكن أن حيقق جدواه إال‬
‫بدراس تها يف س ياقها النص ي والت داويل‪ ،‬ب احرتام أربع ة مب ادىء منهجي ة هي‪ :‬البني ة‪،‬‬
‫والداللة‪ ،‬والوظيفة‪ ،‬والقراءة السياقية‪ ،‬سواء أكانت قراءة أفقية أم عمودية‪ .‬ومثة ‪ -‬اليوم‬
‫‪ -‬دراس ات أدبي ة ونقدي ة ع دة يف جمال العتب ات ال يت تدرس ها يف ض وء مقارب ات‬
‫ومنهجيات خمتلفة‪.‬‬
‫ه ذا‪ ،‬وق د ظف ر العن وان والغالف بدراس ات كث رية يف ه ذا املي دان‪.‬بي د أن هن اك عتب ات‬
‫م ازالت مل ت درس بش كل جي د‪ ،‬مث ل‪ :‬اإله داء‪ ،‬واملقتبس ات‪ ،‬واهلوامش‪ ،‬والرس ائل‪،‬‬
‫والقراءات‪ ،‬واملذكرات‪ ،‬واحلوارات‪...‬ونتمىن يف املستقبل أن يركز الباحثون‪ ،‬يف أحباثهم‬
‫ورسائلهم وأطروحاهتم اجلامعية واألكادميية‪ ،‬على النص الفوقي؛ ملا له من أمهية كربى يف‬

‫‪1‬‬

‫‪2‬‬

‫‪205‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫استكش اف دالالت النص‪ ،‬وتبي ان مقاص ده القريب ة والبعي دة‪ ،‬كاالهتم ام ‪ -‬كم ا قلن ا‬
‫سابقا‪ -‬بالرسائل‪ ،‬واحلوارات‪،‬واملذكرات‪ ،‬والشهادات‪ ،‬والتعليقات‪...‬‬
‫وأمتىن أن يكون كتابنا هذا قد أجاب عن بعض األسئلة اليت تؤرق الباحث‪ ،‬وقد بسطنا‬
‫في ه بعض مف اهيم النص املوازي وعتبات ه الرئيس ية بش كل من األش كال‪ .‬وق د رأين ا أن‬
‫العتب ات ليس ت عتم ات مظلم ة وزائ دة وجماني ة وعفوي ة‪ ،‬ب ل هي عتب ات مض يئة؛ إذ‬
‫تس تجلي أغ وار النص يف خمتل ف متاهات ه الش ائكة‪ ،‬وتستكش ف ظلمت ه فهم ا وتفس ريا‬
‫وتأويال‪.‬‬

‫ثبت المصادر والمراجع‬


‫المصادر اإلبداعية‪:‬‬
‫‪-1‬أمحد التوفي ق‪ :‬جــارات أبي موســى‪ ،‬مطبع ة النج اح اجلددي ة‪ ،‬ال دار البيض اء‪ ،‬املغ رب‪،‬‬
‫الطبعة الثانية سنة ‪ 2000‬م‪.‬‬
‫‪ -2‬بنسامل محيش‪ :‬مجنون الحكم‪ ،‬دار رياض الريس‪ ،‬لندن ‪1990‬م‪.‬‬
‫‪ -3‬بنسامل محيش‪ :‬العالمة‪ ،‬دار اآلداب‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪،‬الطبعة األوىل سنة ‪1997‬م‪.‬‬
‫‪-4‬عب د الفت اح حمم د‪ :‬قصــائد على الحــدود‪ ،‬املطبع ة املركزي ة‪ ،‬وج دة‪ ،‬املغ رب‪ ،‬الطبع ة‬
‫األوىل سنة ‪1984‬م‪.‬‬
‫‪-5‬عب د اهلل الع روي‪ :‬أوراق‪،‬املرك ز الثق ايف الع ريب‪ ،‬ال دار البيض اء‪،‬الطبع ة األوىل س نة‬
‫‪1989‬م‪.‬‬
‫‪ -6‬فاطمة عبد احلق‪ :‬زمن االنتظار‪ ،‬املطبعة املركزية‪ ،‬وجدة‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة‬
‫‪1995‬م‪.‬‬

‫‪206‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫‪ -7‬مؤنس الرزاز‪ :‬متاهـة األعـراب في ناطحـات السـراب‪ ،‬املؤسسة العربية للدراسات‬


‫والنشر‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪1986 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -8‬جميد طوبيا‪ :‬تغريبة بني حتحوت‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬الطبعة األوىل‪1988 ،‬م‪.‬‬
‫‪-9‬حممد برادة‪ :‬الضوء الهارب‪ ،‬نشر الفنك‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة الثانية‪1995 ،‬م‪.‬‬
‫‪-10‬حممد برادة‪ :‬لعبة النسيان‪ ،‬دار األمان‪ ،‬الرباط‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة الثالثة‪.1995 ،‬‬

‫المصادر العامة‪:‬‬
‫‪ -11‬ابن قتيبة‪ :‬الشعر والشعراء‪،‬دار الثقافة‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة الرابعة‪1980 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -12‬ابن خل دون‪ :‬مقدمــة ابن خلــدون‪ ،‬دار الرش اد احلديث ة‪ ،‬ب دون ذك ر ملك ان الطب ع‬
‫وزمانه‪.‬‬
‫‪ -13‬ابن رش يق‪ :‬العمــدة في محاســن الشــعر وآداه ونقــده‪ ،‬حتقي ق‪ :‬حمم د حميي ال دين‬
‫عبد احلميد‪ ،‬دار الرشاد احلديثة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬جزآن‪ ،‬بدون تاريخ للطبعة‪.‬‬
‫‪ -14‬ابن عب د رب ه‪ :‬العقـ ــد الفريـ ــد‪ ،‬حتقي ق‪ :‬حمم د س عيد العري ان‪ ،‬املكتب ة التجاري ة‬
‫الكربى‪،‬مطبعة االستقامة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬سنة ‪1953‬م‪.‬‬
‫‪ -15‬ابن منظ ور‪ :‬لسـ ــان العـ ــرب‪ ،‬اجلزء اخلامس عش ر‪ ،‬دار ص بح‪ ،‬ب ريوت‪ ،‬لبن ان‪،‬‬
‫أديسوفت‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪2006‬م‪.‬‬
‫‪ -16‬أفالطون‪ :‬جمهوريــة أفالطــون‪ ،‬ترمجة ودراسة‪ :‬فؤاد زكريا‪ ،‬اهليئة املصرية العامة‬
‫للكتاب‪ ،‬طبعة ‪1974‬م‬
‫‪ -17‬الصويل‪ :‬أدب الكتاب‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬بدون تأريخ للطبعة‪.‬‬
‫‪ -18‬حممد بن سالم اجلمحي‪ :‬طبقات فحول الشعراء‪ ،‬شرح‪ :‬حممود حممد شاكر‪ ،‬دار‬
‫املعارف للطباعة والنشر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪.‬‬

‫‪207‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫‪ -19‬املرزوقي‪ :‬شرح ديوان الحماسة ألبي تمام‪ ،‬حتقيق‪ :‬امحد أمني وعبد السالم حممد‬
‫هارون‪ ،‬دار اجليل‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األوىل سنة‪1991‬م‪.‬‬

‫المراجع باللغة العربية‪:‬‬


‫‪ -20‬إدريس الناقوري‪ :‬لعبة النسيان‪ -‬دراسـة تحليليـة نقديـة‪ ،-‬الدار العاملية للكتاب‪،‬‬
‫الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األوىل‪1995 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -21‬ألكسندر ستيبتشفينت‪ :‬تــاريخ الكتــاب‪ ،‬اجلزء األول‪ ،‬ترمجة‪ :‬حممد‪.‬م‪ .‬األرناؤوط‪،‬‬
‫سلسلة عامل املعرفة‪ ،‬الكويت‪ ،‬العدد‪ ،170:‬الطبعة األوىل سنة ‪1993‬م‪.‬‬
‫‪ -22‬برنارد توسان‪ :‬مـاهي السـيميولوجيا؟ ترمجة‪ :‬حممد نظيف‪ ،‬أفريقيا الشرق‪ ،‬الدار‬
‫البيضاء‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪1994‬م‪.‬‬
‫‪ -23‬بسام قطوس‪ :‬سيمياء العنوان‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪2001‬م‪.‬‬
‫‪ -24‬بنعيسى بومحالة‪ :‬أيتام سومر في شعرية حسب الشيخ جعفر‪ ،‬دار توبق ال للنش ر‪،‬‬
‫الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪2009‬م‪.‬‬
‫‪ -25‬بيري غريو‪ :‬السيمياء‪ ،‬ترمجة‪ :‬أنطوان أيب زيد‪ ،‬منشورات عويدات بريوت‪ ،‬لبنان‪،‬‬
‫طبعة األوىل سنة ‪1984‬م‪.‬‬
‫‪ -26‬ج ان إي ف تديي ه‪ :‬النقــد األدبي في القــرن العشــرين‪ ،‬ترمجة قاس م مق داد‪ ،‬وزارة‬
‫الثقافة‪ ،‬دمشق‪ ،‬سورية‪.1993 ،‬‬
‫‪ -27‬تزفيط ان ت ودوروف‪ :‬الشـ ــعرية‪ ،‬ترمجة‪ :‬ش كري املبخ وت ورج اء بن س المة‪،‬‬
‫دارتوبقال للنشر‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األوىل‪.‬‬
‫‪ -28‬مجيل محداوي‪ :‬مقاربة مناصـية لروايــة أوراق لعبــد اهلل العــروي‪ ،‬مطبعة بن عزوز‬
‫بالناظور‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪1998‬م‪.‬‬

‫‪208‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫‪ -29‬جريار جنيت‪ :‬مــدخل لجــامع النص‪ ،‬ترمجة عبد الرمحن أيوب‪،‬دار توبقال‪ ،‬الدار‬
‫البيضاء‪ ،‬الطبعة األوىل‪1985،‬م‪.‬‬
‫‪ -30‬جون كوهن‪ :‬بنية اللغة الشعرية‪ ،‬ترمجة‪ :‬حممد الويل وحممد العمري‪ ،‬دار توبقال‬
‫للنشر‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪1986‬م‪.‬‬
‫‪ -31‬محي د حلم داين‪ :‬بنيـ ــة النص السـ ــردي من منظـ ــور النقـ ــد األدبي‪ ،‬املرك ز الثق ايف‬
‫العريب‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪ 1991‬م‪.‬‬
‫‪ -32‬خال د حس ني حس ني‪ :‬في نظريــة العنــوان‪ ،‬دار التك وين‪ ،‬دمش ق‪ ،‬س وريا‪ ،‬الطبع ة‬
‫األوىل سنة ‪2007‬م‪.‬‬
‫‪ -33‬رشيد بنح دو‪ :‬جماليــة الــبين‪-‬بين في الروايــة العربيــة‪ ،‬منش ورات مؤسس ة نادي‬
‫الكتاب املغرب‪ ،‬مطبعة الكتاب بفاس‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪2011‬م‪.‬‬
‫‪ -34‬رشيد حيياوي‪ :‬مقدمات في نظرية األنواع األدبية‪ ،‬أفريقيا الشرق‪ ،‬الطبعة الثاني ة‪،‬‬
‫‪.1994‬‬
‫‪ -35‬رشيد حيياوي‪ :‬شعرية النوع األدبي‪ :‬في قـراءة النقـد العـربي القـديم‪ ،‬دار أفريقيا‬
‫الشرق‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬سنة ‪1994‬م‪.‬‬
‫‪ -36‬روالن بارت‪ :‬النقد والحقيقة‪ ،‬ترمجة‪ :‬إبراهيم اخلطيب‪ ،‬الشركة املغربية للناشرين‬
‫املتحدين‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪1985‬م‪.‬‬
‫‪ -37‬روالن بارت‪ :‬درس السيميولوجيا‪ ،‬ترمجة عبد السالم بن عبد العايل‪ ،‬دار توبقال‬
‫للنشر‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األوىل‪1986،‬م‪.‬‬
‫‪ -38‬روالن بارت‪:‬المغامرة السيميولوجية‪،‬ترمجة‪ :‬عبد الرحيم حزل‪ ،‬مراكش‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل سنة ‪1993‬م‪.‬‬
‫‪ -39‬رينيه ويليك وأوستني وارين‪ :‬نظرية األدب‪ ،‬ترمجة‪ :‬حميي الدين صبحي‪ ،‬املؤسسة‬
‫العربية للدراسات والنشر‪،‬الطبعة الثالثة‪.1985 ،‬‬

‫‪209‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫‪ -40‬السعدية الشاديل‪ :‬الخطاب المقدماتي الروائي‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األوىل سنة‬
‫‪1998‬م‪.‬‬
‫‪ -41‬س عيد يقطني‪ :‬الق ـ ــراءة والتجرب ـ ــة‪ ،‬دار الثقاف ة‪ ،‬ال دار البيض اء‪ ،‬الطبع ة األوىل‬
‫‪1985‬م‪.‬‬
‫‪ -42‬سعيد يقطني‪ :‬انفتاح النص الروائي‪ ،‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل ‪1989‬م‪.‬‬
‫‪ -43‬س عيد يقطني‪ :‬الروايــة والــتراث الســردي‪ ،‬املرك ز الثق ايف الع ريب‪ ،‬ال دار البيض اء‪،‬‬
‫الطبعة األوىل‪1992‬م‪.‬‬
‫‪ -44‬سعيد علوش‪ :‬المصــطلحات األدبيـة المعاصـرة‪،‬منشورات املكتبة اجلامعية‪ ،‬الدار‬
‫البيضاء‪،‬الطبعة األوىل سنة ‪1984‬م‪.‬‬
‫‪ -45‬سعيد علوش‪:‬عنف المتخيل في أعمال حبيبي‪ ،‬املؤسسة احلديثة للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األول سنة ‪1986‬م‪.‬‬
‫‪ -46‬شربل داغر‪ :‬الشعرية العربيـة الحديثـة‪ ،‬دار توبقال للنشر‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل‪.1988 ،‬‬
‫‪ -47‬شعيب حليفي‪ :‬هوية العالمات‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل‬
‫سنة ‪2005‬م‪.‬‬
‫‪ -48‬صدوق نور الدين‪ :‬أوراق لعبد اهلل العروي‪ ،‬دراسة وحتليل‪ ،‬املركز الثقايف العريب‪،‬‬
‫الدار البيضاء‪،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪1996‬م‪.‬‬
‫‪ -49‬عبد احلق بلعايد‪ :‬عتبات ‪ ،‬الدار العربية للعلوم ناشرون‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ومنشورات‬
‫االختالف‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪2008‬م‪.‬‬
‫‪ -50‬عبد الرزاق بالل‪ :‬مدخل إلى عتبات النص(دراســة في مقــدمات النقــد العــربي)‪،‬‬
‫دار أفريقيا الشرق‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪2000‬م‪.‬‬
‫‪ -51‬عبد املنعم تليمة‪ :‬مقدمة في نظرية األدب‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬القاهرة‪1987 ،‬م‪.‬‬

‫‪210‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫‪ -52‬عبد السالم بنعبد العايل‪ :‬التراث والهوية‪ ،‬دار توبقال للنشر‪،‬الدار البيضاء‪،‬الطبعة‬
‫األوىل سنة ‪1987‬م‪.‬‬
‫‪ -53‬عبد الس الم املسدي‪ :‬النقــد والحداثــة‪ ،‬دار الطيع ة‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبن ان‪ ،‬الطبع ة األوىل‬
‫سنة ‪1983‬م‪.‬‬
‫‪ -54‬عب د الفت اح احلجم ري‪ :‬عتب ــات النص‪ :‬البني ــة والدالل ــة‪ ،‬ش ركة الرابط ة‪ ،‬ال دار‬
‫البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪1996‬م‪.‬‬
‫‪ -55‬عبد الفتاج كيليطو‪ :‬األدب والغرابــة‪ ،‬دار الطليعة‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة الثانية‬
‫سنة ‪1983‬م‪،‬‬
‫‪ -56‬عبد الفت اح كيليطو‪ :‬الكتابــة والتناســخ‪ ،‬ترمجة‪ :‬عبد الس الم بنعبد الع ايل‪ ،‬املرك ز‬
‫الثقايف العريب‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪1985‬م‪.‬‬
‫‪ -57‬عبد القادر غزايل‪ :‬قصيدة النثر‪ :‬األسس النظرية والبنيات النصــية‪ ،‬مطبعة تريفة‪،‬‬
‫برك ان‪ ،‬املغ رب‪ ،‬الطبع ة األوىل س نة ‪2007‬م‪ -53.‬عب د ‪ -58 -58‬املال ك أش هبون‪:‬‬
‫عتبات الكتابة في الرواية العربية‪ ،‬دار احلوار للنشر‪ ،‬دمشق‪ ،‬سوريا‪ ،‬الطبعة األوىل سنة‬
‫‪2009‬م‪.‬‬
‫‪ -59‬عب د احملس ن ط ه ب در‪ :‬تط ــور الرواي ــة العربي ــة الحديث ــة في مص ــر‪ ،‬دار املع ارف‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬الطبعة الثالثة‪.‬‬
‫‪ -60‬عبد الكرمي برشيد‪ :‬االحتفالية‪ :‬مواقف ومواقف مضادة‪ ،‬منشورات نقابة األدباء‬
‫والباحثني املغاربة‪ ،‬إصدارات أمنية لإلبداع والتواصل الفين واألديب‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل‪ ،‬سنة ‪2010‬م‪.‬‬
‫‪ -61‬عزال دين إمساعيل‪ :‬األدب وفنونــه‪ ،‬الطبع ة الس ابعة‪ ،‬الفك ر الع ريب‪ ،‬الق اهرة‪ ،‬دون‬
‫حتديد لتاريخ الطبعة‪.‬‬
‫‪ -62‬ف ؤاد ال زاهي‪ :‬الحكايــة والمتخيــل‪ ،‬أفريقي ا الش رق‪ ،‬ال دار البيض اء‪ ،‬الطبع ة األوىل‬
‫‪1991‬م‪.‬‬

‫‪211‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫‪ -63‬حمم د ب رادة‪ :‬لغــة الطفولــة والحلم‪ ،‬قــراءة في ذاكــرة القصــة المغربيــة‪ ،‬الش ركة‬
‫املغربية للناشرين املتحدين‪،‬الرباط‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪1986‬م‪.‬‬
‫‪ -64‬حممد بنيس‪ :‬الشعر العربي الحديث‪ :‬بنياته وإبداالتها‪ ،1 ،‬التقليديـة‪ ،‬دار توبقال‬
‫للنشر‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1989‬م‪.‬‬
‫‪ -65‬حممد غنيمي هالل‪ :‬األدب المقارن‪ ،‬دار هنضة مصر للطبع والنشر‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -66‬حممد كامل اخلطيب‪ :‬نظرية الرواية‪ ،‬وزارة الثقافة‪ ،‬دمشق‪ ،‬سورية‪ ،‬الطبعة األوىل‬
‫سنة ‪1990‬م‪.‬‬
‫‪ -67‬حمم د مفتاح‪ :‬ديناميــة النص‪،‬املرك ز الثق ايف الع ريب‪ ،‬ال دار البيض اء‪ ،‬الطبع ة األوىل‪،‬‬
‫‪1987‬م‪.‬‬
‫‪ - 68‬حممد مندور‪ :‬األدب وفنونه‪ ،‬دار النهضة‪،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪1980 ،‬‬
‫‪ -69‬مصطفى سلوي‪ :‬عتبات النص‪ ،‬منشورات كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‪ ،‬جامعة‬
‫حمم د األول بوج دة‪ ،‬املغ رب‪ ،‬س ل‪.‬حبوث ودراس ات‪،22:‬مطبع ة مشس‪ ،‬وج دة‪ ،‬الطبع ة‬
‫األوىل ‪2003‬م‪.‬‬
‫‪ -70‬موس ى حمم د خري الش يخ‪ :‬نظريــة األنــواع األدبيــة في النقــد العــربي‪ ،‬دار الرتمجة‪،‬‬
‫الكويت‪ ،‬الطبعة األوىل‪1995 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -71‬نبيل منصر‪ :‬الخطــاب المــوازي للقصــيدة العربيــة المعاصــرة‪ ،‬دار توبقال للنشر‪،‬‬
‫الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪2007‬م‪.‬‬

‫المراجع األجنبية‪:‬‬
‫‪72-BERNARD DUPRIEZ: les procédés littéraires‬‬
‫‪(dictionnaire), GRADUS, 10/18,1984.‬‬

‫‪212‬‬
www.alukah.net ‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة‬

73-BLANCHOT, M: le livre à venir, PAIS,


GALLIMARD, 1959.
74-Foucault (M): l’ordre du discours. Gallimard, Paris
1972.
75 -Genette (G): Palimpsestes. Coll.Poétique Ed. Seuil,
Paris, 1982.
76- G.Genette:Introduction à l’Archetexte, ED,
Seuil, Paris, 1982.
77-G. Genette:Seuils, Editions Seuils, COLL. Poétique.
Paris, 1987.
78-GERARD VIGNIER:( une unité discursive
restreinte: le titre), LE MONDE, N0:156/ octobre 1980.
79-Groupe D’entreverne: Analyse sémiotique des
textes, ed: Toubkal.Casablanca.1éd, 1987.
80-J.M.SCHAEFFER: Qu’est- ce qu’un genre
littéraire, SEUIL, 1989.
81-Jean Ricardou:"Quand le Texte parle de son
paratexte, in: Poétique, n° 69. 1987;
82-K. POPPER: The logic of scientific discovery.
NEW YORK, BASIC BOOKS 1959.
83-LEO HOEK: La marque du titre, ed.MOUTON
1982.

213
www.alukah.net ‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة‬

84-Maurice Couturier: la figure de l’auteur, paris,


Seuil, 1995.
85-Paul Valéry: OEUVRES.ed.Pléade.Paris.
86-PH.LEJEUNE: Le pacte
autobiographique.Paris.Ed/du Seuil, 1975
87-Philippe le jeune: Moi aussi, seuil, 1986
88- Rifaterre, M (1983): sémiotique de la poésie,
Seuil.Paris.
89-R Barthes; L’effet du réel, Ed. Seuil - Point 1982,
90- Schaeffer (J.M): Qu’est ce qu’un genre littéraire,
seuil, 1984.
91-T.TODOTOV et DUCROT: Dictionnaire
encyclopédique des sciences du langage.ED, SEUIL,
PARIS 1972.
92- TOMACHEVSKI: (thématique), in: THEORIE
DE LA LITTERATURE, PARIS.ED DU
SEUIL1965.
93- W.Krysinski: Carrefours de signes: essais sur le
roman moderne.Mouton 1981.

:‫الرسائل واألطروحات والمخطوطات‬

214
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫‪ -94‬مجي ل محداوي‪ :‬مقاربــة عنــاوين الــدواوين والقصــائد الشــعرية في األدب العــربي‬


‫الحديث والمعاصر‪،‬رسالة نوقشت بكلية اآلداب‪ ،‬تطوان‪ ،‬سنة ‪ ،1996‬وهذه الرسالة‬
‫كتبت بالكمبيوتر‪ ،‬وهي بإشراف الدكتور حممد الكتاين‪.‬‬
‫‪ -95‬مص طفى س لوي‪ :‬مصـ ــاحبات النص‪ :‬في عتبـ ــة المقدمـ ــة كمـ ــا فهمهـ ــا العلمـ ــاء‬
‫المســلمون القــدامى‪ ،‬ع رض ألقي خالل أش غال الن دوة العلمي ة ال يت عق دهتا ش عبة اللغ ة‬
‫العربية وآداهبا بكلية اآلداب‪ ،‬جامعة السلطان موالي سليمان‪ ،‬بين مالل‪ ،‬يف موضوع‪:‬‬
‫(عتبات النص‪ :‬حنو مقاربة أولية)‪ ،‬أيام‪ 26-25-24:‬يناير‪2001‬م‪.‬‬

‫‪215‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫المق ــاالت‪:‬‬
‫‪ -96‬أب و بك ر الع زاوي‪(:‬احلج اج والش عر‪ :‬حنو حتلي ل حج اجي لنص ش عري معاص ر)‪،‬‬
‫دراسات سيميائية أدبية لسانية‪ ،‬املغرب‪ ،‬العدد ‪ ،7‬السنة‪1992‬م‪.‬‬
‫‪ -97‬أمحد بن ش ريف‪( :‬مس توى التخيي ل يف جمن ون احلكم لبنس امل محيش)‪ ،‬جري ـ ــدة‬
‫القدس‪( ،‬لندن)‪ ،‬األحد ‪ 10– 9‬أكتوبر ‪1993‬م‪.‬‬
‫‪ -98‬ت رنس ه وكس‪( :‬م دخل إىل الس يمياء)‪ ،‬مجل ــة بيت الحكم ــة‪،‬املغ رب‪ ،‬الع دد‪،5‬‬
‫السنة الثانية‪ ،‬سنة ‪1987‬م‪.‬‬
‫‪ -99‬جعفر العالق‪( :‬شعرية الرواية)‪ ،‬عالمات في النقد‪ ،‬الســعودية‪ ،‬اجلزء ‪ ،23‬اجمللد‬
‫السادس‪ ،‬مارس ‪1997‬م‪.‬‬
‫‪ -100‬مجال ب وطيب‪( :‬العن وان يف الرواي ة العربي ة)‪ ،‬الروايــة المغربيــة(أســئلة الحداثــة)‪،‬‬
‫دار الثقافة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪1996‬م‪.‬‬
‫‪ -101‬مجي ل محداوي‪( :‬الس يميوطيقا والعنون ة)‪ ،‬مجل ــة ع ــالم الفك ــر‪ ،‬الك ويت‪ ،‬اجملل د‬
‫اخلامس والعشرون‪،‬العدد الثالث‪1997 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -102‬مجي ل محداوي‪( :‬ملاذا النص املوازي؟)‪ ،‬مجلـ ـ ــة الكرمـ ـ ــل‪ ،‬فلس طني‪،‬الع ددان‪:‬‬
‫‪ ،88/89‬السنة ‪.2006‬‬
‫مجيل محداوي‪ (:‬صورة العنوان يف الرواية العربية)‪ ،‬التجديد العربي‪ ،‬جملة رقمية ‪103-‬‬
‫‪. http://www.arabrenewal.info‬الكرتونية‪ ،‬بتاريخ‪22/07/2006:‬‬
‫‪ -104‬مجي ل محداوي‪( :‬مقارب ة اإله داء يف ش عر عب د ال رمحن ب وعلي)‪ ،‬مجلــة نــزوى‪،‬‬
‫سلطنة عمان‪ ،‬اجمللد‪2007 ،51‬م‪.‬‬
‫‪ -105‬محي د حلم داين‪( :‬الس رد واحلوار)‪ ،‬مجل ــة دراس ــات س ــيميائية وأدبي ــة ولس ــانية‪،‬‬
‫املغرب‪ ،‬العدد ‪ ،3‬السنة ‪.1988‬‬

‫‪216‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫‪ -106‬جورجي زيدان‪( :‬مقدمة)‪ ،‬الحجاج بن يوسـف‪ ،‬مطابع اهلالل‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪،‬‬


‫‪1913‬م‪.‬‬
‫‪ -107‬رشيد بنحدو‪ ( :‬قراءة يف القراءة)‪ ،‬مجلة وليلي‪ ،‬املغرب‪ ،‬العدد رقم ‪.4‬‬
‫‪ -108‬رشيد بنحدو‪( :‬حني تفكر الرواية يف الروائي)‪ ،‬مجلة الفكر العــربي المعاصـر‪،‬‬
‫لبنان‪ ،‬عدد‪ 66/67‬يوليو‪ -‬غشت‪.1989 ،‬‬
‫‪ -109‬ش عيب حليفي‪( :‬النص املوازي للرواي ة(إس رتاتيجية العن وان))‪ ،‬مجلـ ـ ـ ـ ــة‬
‫الكرمل‪،‬قربص‪ ،‬العدد ‪ ،46‬السنة‪1992 :‬م‪.‬‬
‫‪ -110‬عب د ال رحيم العالم‪( ،‬اخلط اب املق دمايت يف الرواي ة املغربي ة)‪ ،‬جمل ة عالمـ ــات‬
‫مغربية‪ -‬العدد‪.1997 ،8‬‬
‫‪ -111‬عب د الباس ط الك راري‪ ( :‬م وت املؤل ف والنص من منظ ور التكويني ة النص ية)‪،‬‬
‫الملحق الثقافي‪ ،‬جريدة االحتاد االشرتاكي‪،‬املغرب‪ ،‬العدد‪.817:‬‬
‫‪ -112‬عبد الرمحان طنكول‪(:‬خطاب الكتابة وكتابة اخلطاب يف رواية‪":‬جمنون األمل")‬
‫مجلة كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‪ ،‬فاس‪ ،‬املغرب‪،‬العدد‪ ،9‬السنة ‪1987‬م‪.‬‬
‫‪ -113‬عب د ال رحيم العالم‪( :‬اخلط اب املق دمايت يف الرواي ة املغربي ة)‪ ،‬مجل ــة عالم ــات‪،‬‬
‫املغرب‪ ،‬العدد ‪8/1997‬م‪.‬‬
‫‪ -114‬عب د الس الم بنعب د الع ايل‪ ( :‬املؤل ف يف تراثن ا الثق ايف)‪ ،‬ال ــتراث والهوي ــة‪ ،‬دار‬
‫توبقال للنشر‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬سنة ‪1987‬م‪.‬‬
‫‪ -115‬عب د الع ايل ب وطيب‪( ،‬ب رج الس عود‪ -‬وإش كالية العالق ة بني ال روائي والت ارخيي)‬
‫جملة المناهل‪ -‬مغربية‪ -‬العدد‪/55‬السنة‪ ،22‬يونيو ‪.1997‬‬
‫‪ -116‬عب د الفت اح احلجم ري‪ :‬عتب ــات النص‪ :‬البني ــة والدالل ــة‪،‬ش ركة الرابط ة‪ ،‬ال دار‬
‫البيضاء‪ ،‬الطبعة األوىل ‪.1996‬‬
‫‪ -117‬عثم ان ب دري‪( :‬وظيف ة العن وان يف الش عر الع ريب‪ -‬ق راءة يف مناذج منتخب ة)‪،‬‬
‫المجلة العربية للعلوم اإلنسانية‪ ،‬الكويت‪ ،‬العدد‪ ،81:‬سنة‪2003‬م‪.‬‬

‫‪217‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫‪ -118‬عبد اهلل ترو‪( :‬تفسري وتطبيق مفهوم التناص يف اخلطاب النقدي املعاصر)‪ ،‬مجلة‬
‫الفكر العربي المعاصر ‪ -‬لبنان‪ -‬العددان ‪61/1989-60‬م‪.‬‬
‫‪ -119‬حمم د خ ري البق اعي‪( ،‬أزم ة املص طلح يف النق د ال روائي الع ريب)‪ ،‬مجل ــة الفك ــر‬
‫العربي المعاصر‪ -‬بريوت‪ ،‬السنة ‪ ،17‬العدد ‪ ،83‬سنة ‪.1996‬‬
‫‪ -120‬حمم د اهلادي املط وي‪( ،‬يف التع ايل النص ي واملتعالي ات النص ية)‪ ،‬المجلــة العربيــة‬
‫للثقافة‪ ،‬تونس‪ ،‬السنة ‪ ،16‬العدد ‪32/1997‬م‪.‬‬
‫‪ -121‬املخت ار حس ين‪( :‬من التن اص إىل اأاط راس)‪ ،‬مجل ـ ــة عالم ـ ــات في النق ـ ــد ‪-‬‬
‫السعودية‪ -‬اجلزء ‪ ،25‬اجمللد ‪1997/ 7‬م‪.‬‬
‫‪ -122‬حمم د س عيدي‪ ( :‬حيزي ة‪ :‬عاش قة من رذاذ الغاب ات قص يدة لع ز ال دين‬
‫املناصرة‪،‬مقاربة بنيوية)‪ ،‬مجلة دراسات أدبية ولسانية وسيميائية‪ ،‬املغرب‪ ،‬العدد‪.7‬‬
‫‪ -123‬ميشيل بوتور‪ :‬بحوث في الرواية الجديـدة‪ ،‬ترمجة فريد أنطونيوس‪ ،‬منشورات‬
‫عويدات‪ ،‬بريوت‪ ،‬باريس‪ ،‬الطبعة الثالثة سنة ‪1986‬م‪.‬‬

‫‪218‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫السي ــرة العل ــمية‪:‬‬

‫‪ -‬مجيل محداوي من مواليد مدينة الناظور سنة ‪1963‬م‪.‬‬


‫‪ -‬حاصل على دبلوم الدراسات العليا سنة ‪1996‬م‪.‬‬
‫‪ -‬حاصل على دكتوراه الدولة سنة ‪2001‬م‪.‬‬
‫‪ -‬حاصل على إجازتني‪:‬األوىل يف األدب العريب‪ ،‬والثانية يف الشريعة والقانون‪ .‬وكان‬
‫يعد إجازتني يف الفلسفة وعلم االجتماع‪.‬‬
‫‪ -‬أستاذ التعليم العايل باملركز اجلهوي ملهن الرتبية والتكوين بالناظور‪.‬‬
‫‪ -‬أستاذ ماسرت الكتابة النسائية بكلية اآلداب تطوان‪.‬‬
‫‪ -‬أستاذ األدب العريب‪ ،‬ومناهج البحث الرتبوي‪ ،‬وعلم النفس الرتبوي‪ ،‬واإلحصاء‬
‫الرتبوي‪ ،‬وعلوم الرتبية‪ ،‬والرتبية الفنية‪ ،‬واحلضارة األمازيغية‪ ،‬وديدكتيك التعليم األويل‪،‬‬
‫واحلياة املدرسية والتشريع الرتبوي‪ ،‬واإلدارة الرتبوية‪ ،‬والكتابة النسائية‪...‬‬
‫‪-‬أديب ومبدع وناقد وباحث‪ ،‬يشتغل ضمن رؤية أكادميية موسوعية‪.‬‬
‫‪ -‬حصل على جائزة مؤسسة املثقف العريب (سيدين‪/‬أسرتاليا) لعام ‪2011‬م يف النقد‬
‫والدراسات األدبية‪.‬‬
‫‪ -‬حصل على جائزة ناجي النعمان األدبية سنة‪2014‬م‪.‬‬
‫‪ -‬عضو االحتاد العاملي للجامعات والكليات هبولندا‪.‬‬
‫‪ -‬رئيس الرابطة العربية للقصة القصرية جدا‪.‬‬

‫‪219‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫‪ -‬رئيس املهرجان العريب للقصة القصرية جدا‪.‬‬


‫‪ -‬رئيس اهليئة العربية لنقاد القصة القصرية جدا‪.‬‬
‫‪ -‬رئيس اهليئة العربية لنقاد الكتابة الشذرية ومبدعيها‪.‬‬
‫‪ -‬رئيس مجعية اجلسور للبحث يف الثقافة والفنون‪.‬‬
‫‪ -‬رئيس خمترب املسرح األمازيغي‪.‬‬
‫‪ -‬عضو اجلمعية العربية لنقاد املسرح‪.‬‬
‫‪-‬عضو رابطة األدب اإلسالمي العاملية‪.‬‬
‫‪ -‬عضو احتاد كتاب العرب‪.‬‬
‫‪-‬عضو احتاد كتاب اإلنرتنت العرب‪.‬‬
‫‪-‬عضو احتاد كتاب املغرب‪.‬‬
‫‪ -‬له إسهامات نظرية يف الرتبية‪ ،‬وفن القصة القصرية جدا‪ ،‬وفن الكتابة الشذرية‪،‬‬
‫واألدب الرقمي‪ ،‬واملسرح‪ ،‬ومناهج النقد األديب‪ ،‬والكتابة النسوية‪ ،‬والبالغة الرحبة‪...‬‬
‫‪ -‬باحث يف الثقافة األمازيغية املغربية‪ ،‬والسيما الريفية منها‪.‬‬
‫‪ -‬مهتم بالبيداغوجيا والثقافة األمازيغية‪.‬‬
‫‪ -‬ترمجت مقاالته إىل اللغة الفرنسية واللغة الكردية‪.‬‬
‫‪ -‬نشرت كتبه باملغرب‪ ،‬واجلزائر‪ ،‬وتونس‪ ،‬وليبيا‪ ،‬واألردن‪ ،‬ولبنان‪ ،‬واململكة العربية‬
‫السعودية‪ ،‬واإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬والعراق‪.‬‬
‫‪ -‬شارك يف مهرجانات عربية عدة يف كل من‪ :‬اجلزائر‪ ،‬وتونس‪ ،‬وليبيا‪ ،‬ومصر‪،‬‬
‫واألردن‪ ،‬والسعودية‪ ،‬والبحرين‪ ،‬والعراق‪ ،‬واإلمارات العربية املتحدة‪،‬وسلطنة عمان‪...‬‬
‫‪ -‬مستشار يف جمموعة من الصحف واجملالت واجلرائد والدوريات الوطنية والعربية‪.‬‬
‫‪ -‬نشر أكثر من ألف ومخسني مقال علمي حمكم وغري حمكم‪ ،‬وعددا كثريا من املقاالت‬
‫اإللكرتونية‪ .‬وله أكثر من (‪ )131‬كتاب ورقي‪ ،‬وأكثر من مائة ومخسني كتاب‬
‫إلكرتوين منشور يف موقعي (املثقف) وموقع (األلوكة)‪ ،‬وموقع (أدب فن)‪.‬‬

‫‪220‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫‪ -‬ومن أهم كتبه‪ :‬فقه النوازل‪ ،‬ومفهوم احلقيقة يف الفكر اإلسالمي‪ ،‬وحمطات العمل‬
‫الديدكتيكي‪ ،‬وتدبري احلياة املدرسية‪ ،‬وبيداغوجيا األخطاء‪ ،‬وحنو تقومي تربوي جديد‪،‬‬
‫والشذرات بني النظرية والتطبيق‪ ،‬والقصة القصرية جدا بني التنظري والتطبيق‪ ،‬والرواية‬
‫التارخيية‪ ،‬تصورات تربوية جديدة‪ ،‬واإلسالم بني احلداثة وما بعد احلداثة‪ ،‬وجمزءات‬
‫التكوين‪ ،‬ومن سيميوطيقا الذات إىل سيميوطيقا التوتر‪ ،‬والرتبية الفنية‪ ،‬ومدخل إىل‬
‫األدب السعودي‪ ،‬واإلحصاء الرتبوي‪ ،‬ونظريات النقد األديب يف مرحلة مابعد احلداثة‪،‬‬
‫ومقومات القصة القصرية جدا عند مجال الدين اخلضريي‪ ،‬وأنواع املمثل يف التيارات‬
‫املسرحية الغربية والعربية‪ ،‬ويف نظرية الرواية‪ :‬مقاربات جديدة‪ ،‬وأنطولوجيا القصة‬
‫القصرية جدا باملغرب‪ ،‬والقصيدة الكونكريتية‪ ،‬ومن أجل تقنية جديدة لنقد القصة‬
‫القصرية جدا‪ ،‬والسيميولوجيا بني النظرية والتطبيق‪ ،‬واإلخراج املسرحي‪ ،‬ومدخل إىل‬
‫السينوغرافيا املسرحية‪ ،‬واملسرح األمازيغي‪ ،‬ومسرح الشباب باملغرب‪ ،‬واملدخل إىل‬
‫اإلخراج املسرحي‪ ،‬ومسرح الطفل بني التأليف واإلخراج‪ ،‬ومسرح األطفال باملغرب‪،‬‬
‫ونصوص مسرحية‪ ،‬ومدخل إىل السينما املغربية‪ ،‬ومناهج النقد العريب‪ ،‬واجلديد يف الرتبية‬
‫والتعليم‪ ،‬وببليوغرافيا أدب األطفال باملغرب‪ ،‬ومدخل إىل الشعر اإلسالمي‪ ،‬واملدارس‬
‫العتيقة باملغرب‪ ،‬وأدب األطفال باملغرب‪ ،‬والقصة القصرية جدا باملغرب‪،‬والقصة القصرية‬
‫جدا عند السعودي علي حسن البطران‪ ،‬وأعالم الثقافة األمازيغية‪...‬‬
‫‪ -‬عنوان الباحث‪ :‬مجيل محداوي‪ ،‬صندوق الربيد‪ ،1799‬الناظور‪ ،62000‬املغرب‪.‬‬
‫‪ -‬مجيل محداوي‪ ،‬صندوق الربيد‪ ،10372‬الربيد املركزي‪ ،‬تطوان ‪ ،93000‬املغرب‪.‬‬
‫‪ -‬اهلاتف النقال‪0672354338:‬‬
‫‪ -‬اهلاتف املنزيل‪0536333488:‬‬
‫‪ -‬اإلمييل‪Hamdaouidocteur@gmail.com:‬‬
‫‪.Jamilhamdaoui@yahoo‬‬

‫‪221‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫الغالف الخارجي‪:‬‬
‫يندرج كتابنا هذا ضمن شعرية النص املوازي‪ .‬وبالتايل‪ ،‬فهو يعرف القارىء مبجمل‬
‫العتبات احمليطة والفوقية اليت تساعده على حتليل النصوص األدبية بنية‪ ،‬وداللة‪ ،‬ومقصدية‪.‬‬
‫ومازالت الدراسات النقدية العربية املعاصرة‪ ،‬إىل يومنا هذا‪ ،‬تغفل العتبات املوازية للنص‪،‬‬
‫على الرغم من أمهيتها املنهجية والتطبيقية‪ .‬ومن مث‪ ،‬النتفق مع الذين يقولون‪ :‬ليست‬
‫العتبات سوى عتمات التضيء شيئا‪ ،‬وال تفيد يف شيء‪ ،‬بل نقول‪ :‬إن العتبات هي اليت‬
‫متهد لنا الطريق‪ ،‬ومتدنا مبفاتيح حتليل اخلطاب جزئيا أو كليا‪ .‬لذا‪ ،‬البد من االهتمام هبا‬
‫تنظريا وتطبيقا يف أحباثنا ودراساتنا‪ ،‬فكل شيء يف النص يدل‪ ،‬مهما كان هامشيا أو‬
‫زائدا‪.‬‬

‫‪222‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫الفهرس‬
‫اإله ـ ـ ــداء ‪2................................................................................‬‬
‫املقدمـ ــة ‪2..................................................................................‬‬
‫الفصل األول‪5........................................................................... :‬‬
‫ملاذا الن ــص املـ ــوازي؟ ‪5.....................................................................‬‬
‫الفصل الثاين‪17.......................................................................... :‬‬
‫عتب ــة املؤل ــف ‪17...........................................................................‬‬
‫املبحث األول‪ :‬مرحل ــة املؤل ـ ــف ‪18..........................................................‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬مرحلة موت املؤلف ‪23.......................................................‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬مرحلة القارئ وإزاحة املؤلف ‪27.............................................‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬عـ ــودة املؤلف ‪29............................................................‬‬
‫الفصل الثالث‪32......................................................................... :‬‬
‫عتبـ ــة اجلنس األديب ‪32......................................................................‬‬
‫املبحث األول‪ :‬تعريف اجلنس األديب ‪32.....................................................‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬تاريخ اجلنس األديب وخصائصه ‪33.............................................‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬كيفية دراسة اجلنس األديب وحتديده ‪35.......................................‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬أسئلـ ـة اجلنــس األدبـ ـي ‪35.....................................................‬‬
‫املبحث اخلامس‪ :‬الثورة على اجلنس األديب ‪37................................................‬‬
‫املبحث السادس‪ :‬منهجيات مقاربة اجلنس األديب ‪38..........................................‬‬
‫املبحث السابع‪ :‬اجلنس األديب يف الثقافة العربية ‪39............................................‬‬
‫الفصل اخلامس‪41........................................................................ :‬‬
‫السيميوطيقا والعنون ـ ــة ‪41...................................................................‬‬
‫املبحث األول‪ :‬أمهي ــة العنـ ــوان ‪42............................................................‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬العنوان من أهم عتبات النص املوازي ‪43.......................................‬‬

‫‪223‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫املبحث الثالث‪ :‬أقس ــام العنوان ‪46...........................................................‬‬


‫املبحث الرابع‪ :‬أحباث ودراسات حول العنوان ‪48............................................‬‬
‫املبحث اخلامس‪ :‬وظائف العنوان ‪54.........................................................‬‬
‫املبحث السادس‪ :‬كي ــف نق ــارب العن ــوان سيميائيا؟ ‪59........................................‬‬
‫الفصل السادس‪62........................................................................ :‬‬
‫صورة العنوان يف الرواية العربية ‪62..........................................................‬‬
‫املبحث األول‪ :‬مفهوم العنوان ‪62...........................................................‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬االهتمام بالعنوان ‪62.........................................................‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬وظائف العنوان ‪65..........................................................‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬العنوان يف الرواية ‪66.........................................................‬‬
‫املبحث اخلامس‪ :‬منهجية مقاربة العنوان ‪71..................................................‬‬
‫املبحث السادس‪ :‬حتقيب الرواية العربية عنوانيا ‪72............................................‬‬
‫املبحث السابع‪ :‬تصنيف الرواية املغربية عنوانيا ‪80............................................‬‬
‫الفصــل السابــع‪82........................................................................ :‬‬
‫عتب ـ ـ ــة اإله ـ ـ ــداء ‪82.........................................................................‬‬
‫املبحث األول‪ :‬مفه ــوم اإله ـ ــداء ‪83..........................................................‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬تاريـ ــخ اإلهـ ــداء ‪85...........................................................‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬الشعريـ ــة واإله ـ ــداء ‪87......................................................‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬بني ـ ـ ــة اإلهـ ـ ـ ــداء ‪88...........................................................‬‬
‫املبحث اخلامس‪ :‬أنـ ـ ــواع اإله ـ ــداء ‪92........................................................‬‬
‫املبحث السادس‪ :‬دالالت اإله ـ ـ ـ ـ ــداء ‪94......................................................‬‬
‫املبحث السابع‪ :‬وظائ ـ ــف اإله ـ ــداء ‪94.......................................................‬‬
‫املبحث الثامن‪ :‬منهجيــة دراس ــة اإلهـ ــداء ‪97..................................................‬‬
‫الفصل الثامن‪115........................................................................ :‬‬
‫سيميائية اخلطاب الغاليف يف الرواية العربية ‪115...............................................‬‬
‫املبحث األول‪ :‬الغالف عتبة ضرورية لفهم النص اإلبداعي ‪115...............................‬‬

‫‪224‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬مكونات اخلطاب الغاليف ‪115................................................‬‬


‫املبحث الثالث‪117....................................................................... :‬‬
‫الغالف بني التشكيل التجريدي والتشكيل الواقعي ‪117.......................................‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬سيمياء اخلطاب الغاليف يف الرواية العربية ‪118..................................‬‬
‫املبحث اخلامس‪ :‬اخلطاب الغاليف وعتبة املؤلف ‪119..........................................‬‬
‫الفصل التاسع‪121....................................................................... :‬‬
‫شعرية الغالف اخلارجي ‪121...............................................................‬‬
‫املبحث األول‪ :‬عتبة األيقون ‪121...........................................................‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬حيثي ــات النشــر ‪124.........................................................‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬كلمــات الغالف أو كلمات الناشر ‪128......................................‬‬
‫الفصل العاشر‪130....................................................................... :‬‬
‫املستنسخات التناصية ‪130.................................................................‬‬
‫املبحث األول‪ :‬مفهوم التناص وأمهيته ‪130...................................................‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬التناص يف احلقل الغريب ‪131..................................................‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬التناص يف احلقل العريب ‪132.................................................‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬آليات التناص ‪132..........................................................‬‬
‫املبحث اخلامس‪ :‬املستنسخات الروائية ‪135..................................................‬‬
‫املبحث السادس ‪142......................................................................‬‬
‫رواية (جارات أيب موسى) يف ضوء املقاربة التناصية ‪142......................................‬‬
‫الفصل احلادي عشر‪150.................................................................. :‬‬
‫شعرية اهلوامــش يف اإلبداع األديب ‪150......................................................‬‬
‫املبحث األول‪ :‬اهلوام ــش عتبــة نصيــة ‪150....................................................‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬مفهــوم اهلــامش ‪152.........................................................‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬تاريــخ ظاهــرة اهلوامــش ‪153.................................................‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬االهتمــام باهلوامــش ‪156.....................................................‬‬
‫املبحث اخلامس‪ :‬أنــواع اهلوامــش ‪157.......................................................‬‬

‫‪225‬‬
‫تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة ‪www.alukah.net‬‬

‫املبحث السادس‪ :‬وظائــف اهلوامــش ‪158.....................................................‬‬


‫املبحث السادس‪ :‬اهلوامش يف اخلطاب الروائي العريب ‪159.....................................‬‬
‫الفصل الثاين عشر‪163................................................................... :‬‬
‫شعريــة املقتبســات يف اخلطاب الروائي العريب ‪163............................................‬‬
‫املبحث األول‪ :‬مفهــوم املقتبس النصي ‪163..................................................‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬تاريخ ظاهرة املقتبس النصي ‪164..............................................‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬وظائــف املقتبس وطبيعتــه ‪166...............................................‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬مكــونات املقتبس وأنواع ــه ‪168...............................................‬‬
‫املبحث اخلامس‪ :‬املقتبس النصي يف الرواية العربية ‪169........................................‬‬
‫املبحث السادس‪ :‬املقتبسات يف روايات بنسامل محيش ‪171....................................‬‬
‫الفصل الثالث عشر‪183.................................................................. :‬‬
‫اخلطــاب املقدماتــي ‪183....................................................................‬‬
‫املبحث األول‪ :‬مفه ــوم املقدم ــة ‪184.........................................................‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬مقــومات املقدمــة ‪185........................................................‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬أمهي ــة املقدم ــة ‪187..........................................................‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬وظائ ــف املقدم ــة ‪188........................................................‬‬
‫املبحث اخلامس‪ :‬تاري ــخ املقدمــة ‪189........................................................‬‬
‫املبحث السادس‪ :‬أهم الدراسات اليت تناولت املقدمة ‪197.....................................‬‬
‫املبحث السابع‪ :‬أنــواع املقدمــات ‪199.......................................................‬‬
‫املبحث الثامن‪ :‬كيف نقارب املقدم ــة؟ ‪201..................................................‬‬
‫خامتـ ــة ‪204...............................................................................‬‬
‫ثبت املصادر واملراجع ‪205.................................................................‬‬

‫‪226‬‬

You might also like