Professional Documents
Culture Documents
net
1
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
جميــل حمــداوي
شعريـ ــة النــص الم ــوازي
(عتبــات الن ــص األدب ــي)
2
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
اإله ـ ـ ــداء
أهدي هذا العمل المتواضع إلى أخي العزيز األستاذ الدكتور شعيب
حليفي الذي استفدنا منه كثيرًا ،وال سيما عندما كنا طلبة الماجستير
والدكتوراه .فلم أجد أمامنا سوى هذا العلم الكبير في مجال السرديات
أنهل منه .فإليه شكري الجزيل ،متمنيا له الصحة والعافية والعمر المديد.
3
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
المقدمـ ــة
من املع روف أن النص األديب أن واع .فهن اك النص ال رئيس ،والنص احملي ط ،والنص الف وقي .ف النص
الرئيس هو الذي يتعلق بالنص اإلبداعي الذي يوجد بني دفيت الكتاب ،ويتسم خباصيات داللية وفنية
ووظيفية ،ويرتبط بلحظة اإلبداع .يف حني ،يتعلق النص احمليط بالعتبات اليت حتيط بالنص وتسيجه
وجتاوره ،مث ل :العن وان ،واإله داء ،واملقدم ة ،واملقتبس ،وحيثي ات النش ر ،وكلم ات الغالف،
واأليق ون ،والغالف...يف حني ،يتعل ق النص الف وقي ب القراءات النقدي ة ،والتعليق ات ،والش هادات،
والرسائل ،واحلوارات ،واملذكرات...
والعتبات مهمة يف جمال حتليل النص األديب؛ ألهنا تسعف الباحث ،أو الناقد ،أو احمللل ،يف فهم النص
األديب وتفسريه وتأويله ،أو تفكيكه وتركيبه .وقد ظلت العتبات ميدانا خصبا للدراسات الشعرية يف
الفرتة اليوناني ة ،أو الفرتة العربي ة ،أو الفرتة املعاص رة ،والسيما مع تطور الش عرية الفرنس ية والبنيوية
اللسانية .ويعد جريار جنيت( )Gérard genetteمن أهم الدارسني الذين عمقوا شعرية العتبات
يف كثري من مؤلفاته ،وخاصة يف كتابه (العتبات.) Seuils /
ويندرج كتابنا هذا ضمن شعرية النص املوازي .وبالتايل ،فهو يعرف القارىء مبجمل العتبات احمليطة
والفوقية اليت تساعده على حتليل النصوص األدبية بنية ،وداللة ،ومقصدية.
ومازالت الدراسات النقدية العربية املعاصرة ،إىل يومنا هذا ،تغفل العتبات املوازية للنص ،على الرغم
من أمهيتها املنهجية والتطبيقية .ومن مث ،النتفق مع الذين يقولون :ليست العتبات سوى عتمات
التضيء شيئا ، 1وال تفيد يف شيء ،بل نقول :إن العتبات هي اليت متهد لنا الطريق ،ومتدنا مبفاتيح
حتليل اخلطاب جزئيا أو كليا .لذا ،البد من االهتمام هبا تنظريا وتطبيقا يف أحباثنا ودراساتنا ،فكل
شيء يف النص يدل ،مهما كان هامشيا أو زائدا.
ونتمىن من اهلل عز وج ل أن يلقى هذا الكتاب املتواضع رض ا القراء ،ويع ود عليهم ب النفع والفائدة،
داعيا لنفسي باملغفرة والتوبة من أي تقصري ،أو ادعاء ،أو نسيان ،أو خطإ ،أو سهو.
-مصطفى سلوي :عتبات النص :المفهوم والموقعية والوظائف ،منشورات كلية اآلداب وجدة ،رقم ،71املغرب ،الطبعة 1
الفصل األول:
-سعيد يقطني :القراءة والتجربة ،دار الثقافة ،الدار البيضاء ،الطبعة األوىل ،1985ص .208 2
-سعيد يقطني :انفتاح النص الروائي ،املركز الثقايف العريب ،الدار البيضاء ،الطبعة األوىل ،1989ص ( 102اهلامش). 3
-سعيد يقطني :الرواية والتراث السردي ،املركز الثقايف العريب ،الدار البيضاء ،الطبعة األوىل ،1992ص .50 4
5
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
وجند عند حممد بنيس مصطلح (النص املوازي) .ويقصد به الطريقة اليت هبا "يصنع به من نفسه كتابا،
ويقرتح ذاته هبذه الصفة على قرائه ،وعموما على اجلمهور" (.)5
ف النص املوازي عن د ب نيس عب ارة عن عتب ات ترب ط عالق ة جدلي ة م ع النص بطريق ة مباش رة أو غ ري
مباش رة .يق ول ب نيس عن النص املوازي بأن ه تل ك "العناص ر املوج ودة على ح دود النص ،داخل ه
وخارجه يف آن ،تتصل به اتصاال جيعلها تتداخل معه إىل حد تبلغ فيه درجة من تعيني استقالليته،
وتنفصل عنه انفصاال يسمح للداخل النصي ،كبنية وبناء ،أن يشتغل وينتج دالليته"(.)6
وقد أثبت حممد بنيس أن الشعرية اليونانية األرسطية والشعرية العربية مل هتتما "بقراءة ما حييط بالنص
من عناصر أو بنيتها أو وظيفتها"(.)7
وق د قادت ه عملي ة املالحظ ة واالس تقراء إىل العث ور "فيم ا بع د على دراس ات نص ية حديث ة يف حق ل
الفلسفة والشعرية خصوصا ،تنصت بطريقتها إىل هذه العناصر كما لعناصر أخرى تشكل معها عائلة
واحدة"(.)8
لكن إذا تصفحنا كتب النقد العريب القدمي يف املشرق واألندلس ،فسنجد مصنفات كثرية هتتم بعتبات
النص املوازي ،والسيما عند الكتاب الذين عاجلوا موضوع الكتابة والكتاب ،كالصويل ،وابن قتيبة،
والكالعي ،وابن وهب الك اتب ،وابن األث ري ،وحمم د علي الته انوي ،وغ ريهم .فق د رك ز الص ويل -
مثال ،-يف كتاب ه (أدب الك اتب) ،على العنون ة وفض اء الكتاب ة ،وأدوات التحب ري وال رتقيش ،وكيفي ة
التصدير ،والتقدمي والتختيم(.)9
-حممد بنيس :الشــعر العــربي الحــديث :بنياتــه وإبــداالتها ،1 ،التقليديــة ،دار توبقال للنشر ،الدار البيضاء ،الطبعة األوىل 5
،1989ص .77
-حممد بنيس :نفسه ،ص .76 6
-الصويل :أدب الكتاب ،دار الكتب العلمية ،بريوت ،لبنان ،بدون تأريخ للطبعة ،صص.260-163 : 9
6
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
ويتــرجم فــريد الزاهي مصطلـح( )Le paratexteباحمليط اخلارجي ،أو حميط النص اخلارجي(.)10
أم ا عب د الع ايل ب وطيب ،فيس تعمل املن اص على غ رار ترمجة س عيد يقطني( .)11لكن عب د الفت اح
احلجمري خيتار (النص املوازي) مثل حممد بنيس( .)12يف حني ،يستعمل عبد الرحيم العالم مصطلح
(املوازيات)(.)13
ويرتجم الباحث التونسي حممد اهلادي املطوي مصطلح ( )La paratextualitéباملوازية النصية،
أو املوازي النص ي ،بعكس ترمجة حمم د ب نيس .وه ذه الرتمجة حرفي ة وقاموس ية .و Paraترمجة
للموازي ،مبعىن احملاذاة والتفاعل معا ،و"يف اللغة توازى الشيئان :حتاذيا وتقابال .وذلك حىت يشمل
املصطلح الصنفني السابقني من املوازي النصي [أي النص الداخلي والنص الفوقي اخلارجي] ،وفيهما
م ا ال جياور املنت يف نفس األث ر ك أن يك ون ش هادة أو تعليق ا أو توض يحا ،إذا ج اء مت أخرا عن طبع ه
ونشره"(.)14
وقد ترجم الباحث اللبناين عبد الوهاب ترو جمموعة من املصطلحات اليت أوردها جنيت على النحو
التايل:
.1املتعاليات النصيةtranstextualité :
.2النصوصية املرادفةparatextualité :
.3النصوصية الشموليةarchitextualité:
.4النصوصية الشاملةhypertextualité :
.5ما وراء النصوصيةmétatextualité :
-فؤاد الزاهي :الحكاية والمتخيل ،أفريقيا الشرق ،الدار البيضاء ،الطبعة األوىل ،1991ص .85 10
-عبد العايل بوطيب( ،برج السعود -وإشكالية العالقة بني الروائي والتارخيي) جملة المناهل -مغربية -العدد/55السنة،22 11
-عب د ال رحيم العالم( ،اخلط اب املق دمايت يف الرواي ة املغربي ة) ،جمل ة عالمــات مغربيــة -الع دد ،1997 ،8ص ( 17انظ ر 13
اهلامش ص .)23
-حمم د اهلادي املط وي( ،يف التع ايل النص ي واملتعالي ات النص ية) ،المجلـ ــة العربي ــة للثقافـ ــة ،ت ونس ،الس نة ،16الع دد 14
،32/1997ص .196
7
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
ويف ه ذا الس ياق ،يق ول عب د الوه اب ت رو ":كم ا أن ه (ج نيت) ق د أض اف أش كاال جدي دة على
املتعالي ات النص ية" :فالتن اص أو النصوص ية املرادف ة( .) Paratextualitéتقيم عالق ة بني النص
األديب وكل ما حييط به من عناوين ومقدمات ومالحق .أما "وراء النصوصية .Métatextualité
فرتبط النص بنص آخر يتكلم عنه دون أن يسميه أو ينقل عبارات منه"(.)15
وجند عن د الس وري حمم د خ ري البق اعي مص طلح امللحق ات النص ية .وهي ترمجة جي دة ودقيق ة؛ ألن
النص املوازي عبارة عن عتبات وملحقات حتيط بالنص من الداخل أو من اخلارج( .)16أما ترمجات
عب د الوه اب ت رو ،فرتمجات حرفي ة وغامض ة وكث رية االض طراب ،وإال فم ا الف رق بني النصوص ية
الشمولية والنصوصية الشاملة؟!!
واستعمل املختار حسين مصطلح النصية املوازية( .)17واستعمل املقداد قاسم مصطلح الرتافق(.)18
وعلي ه ،إذا ع دنا إىل ق واميس اللغ ة األجنبي ة لتحدي د مفه وم مص طلح ،La paratextualité
فس نجد الس ابقة اليوناني ة -Para-األص ل توظ ف مبع ىن جبانب .وهي يف اللغ ة الفرنس ية تس بق ع دة
كلم ات ،كم ا ورد يف معجم روب ري الكب ري .وهلا مع ان أخ رى خمتلف ة ن ذكر منه ا :اجملاورة ،والقراب ة
واملصاحبة واملشاهبة والوقاية من ...إىل آخره .و textualitéتعين النصية ،و texteتعين النص.
ل ذا ،أفض ل مص طلحي النص املوازي لرتمجة( ،)Le paratexteأو امللحق ات النص ية على غ رار
ترمجيت حممد بنيس ،وحممد خري البقاعي ،وإن كان النص املوازي أفضل.
-عب د اهلل ت رو( :تفس ري وتط بيق مفه وم التن اص يف اخلط اب النق دي املعاص ر) ،مجلــة الفكــر العــربي المعاصــر -لبن ان- 15
.178
-تدييه ،جان إيف :النقد األدبي في القرن العشرين ،ترمجة قاسم مقداد ،وزارة الثقافة ،دمشق ،سورية.1993 ، 18
8
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
إذًا ،فالنص املوازي عبارة عن عتبات مباشرة ،وملحقات وعناصر حتيط بالنص سواء من الداخل أم
اخلارج .وهي تتحدث مباشرة أو غري مباشرة عن النص؛ إذ تفسره وتضيء جوانبه الغامضة ،وتبعد
عنه التباساته وما أشكل على القارئ.
وتشكل العناصر املوازية ،يف احلقيقة ،نصوصا مستقلة .فاخلطاب املقدمايت ما هو يف احلقيقة إال نص
مستقل بذاته ،له بنيته اخلاصة ،ودالالت متعددة ووظائف .كما يرد العنوان يف شكل صغري ،وخيتزل
نصا كبريا عرب التكثيف ،واإلحياء ،والرتميز ،والتلخيص.
وهك ذا ،تش كل امللحق ات اجملاورة للنص (املؤل ف-اجلنس-املق دمات-العن اوين-احلوارات إخل)...
نصوصا مستقلة جماورة وموازية للنص .وهلذا ،فضلنا استعمال مصطلح (النص املوازي) ،مع توظيف
مفاهيم أخرى كالعتبات وهوامش النص وامللحقات النصية لتعضيد هذا املصطلح األساسي.
ويعترب النص املوازي من أهم عناصر املتعاليات النصية -Transtextualité-إىل جانب التناص،
والتعل ق النص ي ،ومعماري ة النص ،والنص الواص ف .ويتك ون النص املوازي من ملحق ات وعتب ات
داخلي ة وخارجي ة ،تتح دث عن النص بالش رح والتفس ري والتوض يح ،كعتب ة املؤل ف ،وعتب ة
اإلهداء...إخل.
ويعين هذا أن ما يهم جنيت ليس هو النص ،لكن التعايل النصي ،والتفاعالت املوجودة بني النصوص
عرب الوصف ،وتداخل النصوص ،واجملاورة النصية ،والتعلق النصي عرب جدلية السابق والالحق ،إىل
جانب مكونات تداخل األجناس األدبية(.)19
ويف سياق أطروحات جريار جنيت ،أشار جان ماري شافر Chaefferإىل خاصية التعددية النصية
( .)hypertextualitéفهي عن ده تع ين العالق ات القائم ة بني نص معني وع دة نص وص أخ رى
مثلت بالنسبة إليه مناذج أجناس ،كما يتضح من فحص ما مساه الباحث باإلشارات والسمات وآثار
األجناس(.)20
19
- G. Genette: Introduction à l’Architexte, seuil, pp 87-88.
20
- Schaeffer (J.M): Qu’est ce qu’un genre littéraire, seuil, 1984, p 175.
9
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
هذا ،ويعرف جنيت النص املوازي ،يف كتابه (األطراس ( ،Palimpsestesبأنه منط ثان من التعايل
النص ي" .ويتك ون من عالق ة هي عموم ا أق ل وض وحا وأك ثر اتس اعا .ويقيمه ا النص يف الك ل ال ذي
يش كله العم ل األديب ،م ع م ا ميكن أن نس ميه ب النص الـموازي ،أو امللحـقات النص ية Les
،Paratextesك العنوان ،والعن وان الف ردي ،والعن اوين الداخلي ة ،واملق دمات ،وامللحق ات،
والتنبيهات ،والتمهيد ،واهلوامش يف أسفل الصفحة أو يف النهاية ،واملقتبسات والتزيينات ،والرسوم،
وعب ارات اإله داء والتنوي ه والش كر ،والش ريط ،والقميص ،وأن واع أخ رى من العالم ات الثانوي ة
واإلش ارات الكتابي ة أو غريه ا مما ت وفر للنص وس طا متنوع ا .وق د يك ون يف بعض األحي ان ش رحا أو
تعليقا رمسيا أو شبه رمسي"(.)21
ويف كتابه (عتبات ،) seuilsيضيف جنيت أن النص املوازي هو الذي " جيعل النص كتابا ليقدم إىل
القراء بصفة خاصة ،واجلمهور بصفة عامة)22(".
أي :إنه عبارة عن ملحقات نصية وعتبات نطؤها قبل ولوج أي فضاء داخلي ،كالعتبة بالنسبة إىل
الباب ،أو كما يقول املثل املغريب" :أخبار الدار على باب الدار!" .أو كما قال جنيت نفسه يف شكل
حكمة" :احذروا العتبات!")23(.
إن النص املوازي " بأمناطه املتعددة ووظائفه املختلفة هو كل نصية شعرية أو نثرية تكون فيها العالقة،
مهما كانت خفية أو ظاهرة ،بعيدة أو قريبة بني نص أصلي هو املنت ونص آخر يقدم له أو يتخلله
مث ل العن وان املزي ف والعن وان واملقدم ة ،واإله داء ،والتنبيه ات ،والفاحتة ،واملالح ق وال ذيول،
واخلالصة ،واهلوامش ،والصور ،والنقوش ،وغريها من توابع نص املنت واملتممات له مما أحلقه املؤلف
أو الناشر أو الطابع داخل الكتاب أو خارجه مثل الشهادات واحملاورات واإلعالنات وغريها ،سواء
لبيان بواعث إبداعه وغاياته ،أم إلرشاد القارئ وتوجيهه حىت يضمن له القراءة املنتجة"(.)24
21
- Genette (G): Palimpseste, p 9.
22
- Genette (G) : Seuils, p 7.
-نقال عن عبد الفتاح احلجمري :عتبات النص :البنية والداللة (الغالف اخلارجي من الوجهة الداخلية األمامية). 23
-حممد اهلادي ،املطوي (يف التعايل النصي واملتعاليات النصية) ،ص.195 : 24
10
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
وعليه ،فالنص املوازي عبارة عن نصوص جماورة ترافق النص يف شكل عتبات وملحقات ،قد تكون
داخلية أو خارجية .وهلا عدة وظائف داللية ،ومجالية ،وتداولية .ويعرفه سعيد يقطني بأنه عبارة عن
تلك "البنية النصية اليت تشرتك وبنية نصية أصلية يف مقام وسياق معينني ،وجتاورها حمافظة على بنيتها
كاملة ومستقلة ،وهذه البنية النصية قد تكون شعرا أو نثرا ،وقد تنتمي إىل خطابات عديدة ،كما أهنا
قد تأيت هامشا أو تعليقا على مقطع سردي أو حوار وما شابه"(.)25
وال ميكن أن يكون النص املوازي كليا ،فهو بنية نصية جزئية يتم توظيفها داخل النص ،بغض النظر
عن س ياقاهتا األص لية .ويش مل ه ذا النص عتب ات وملحق ات تس اعدنا على فهم خصوص ية النص
األديب ،وحتديد مقاصده الداللية والتداولية ،ودراسة العالقة املوجودة بينها وبني العمل .وهي حمفل
نصي قادر على إنتاج املعىن ،وتشكيل الداللة من خالل عملية التفاعل النصي .لذا ،فللعتبات " الدور
التواصلي اهلام الذي تلعبه يف توجيه القراءة ،ورسم خطوطها الكربى ،لدرجة ميكن معها اعتبار كل
قراءة للرواية بدوهنا مبثابة دراسة قيصرية اختزالية من شأهنا إحلاق ضرر كبري بالنص ،وتشويه أبعاده
ومراميه"(.)26
وللنص املوازي وظيفت ان :وظيف ة مجالي ة تتمث ل يف ت زيني الكت اب وتنميق ه ،ووظيف ة تداولي ة تكمن يف
استقطاب القارئ واستغوائه .بل إن املظهر ال وظيفي هلذا النص اجملاور يتلخص أساسا -كما أشار
جنيت -يف كونه "خطابا أساسيا ،ومساعدا ،مسخرا خلدمة شيء آخر يثبت وجوده احلقيقي ،وهو
النص"( ،)27وهذا ما يكسبه -تداوليا -قوة إجنازية وإخبارية باعتباره إرسالية موجهة إىل القراء أو
اجلمهور (.)28
-عبد العايل بوطيب( :برج السعود و إشكالية العالقة بني الروائي والتارخيي) ،جملة المناهل ،املغرب ،العدد ،55السنة 26
إذًا ،فللعتبات أمهية ك ربى يف فهم النص ،وتفس ريه ،وتأويله من مجي ع اجلوانب ،واإلحاطة ب ه إحاطة
كلي ة ،م ع اإلملام جبمي ع متفص الته البنيوي ة اجملاورة الداخلي ة واخلارجي ة ال يت تش كل عمومي ة النص
ومدلوليته اإلنتاجية والتقابلية.
وميكن تقسيم النص املوازي إىل قسمني:
النـص المــوازي الداخــلي (:)Péritexte
تعين السابقة اليونانية ( )Périحول ،أو كل نص مواز حييط بالنص أو املنت (النص احمليط) ،أو النص
املوازي الداخلي أو املصاحب أو اجملاور.
والنص املوازي الداخلي عبارة عن ملحقات نصية ،وعتبات تتصل بالنص مباشرة .ويشمل كل ما
ورد حميطا بالكتاب من الغالف ،واملؤلف ،والعنوان ،واإلهداء ،واملقتبسات ،واملقدمات ،واهلوامش،
وغري ذلك مما حلله جنيت يف األحد عشر فصال األوىل من كتابه (عتبات)(.)29
النص المــوازي الخارجي (:)Epitexte
وتع ين الس ابقة اليوناني ة (" )Epiعلى" ،أي :النص املوازي اخلارجي ،أو النص املوازي الردي ف ،أو
النص العم ومي املص احب" .وه و ك ل نص من غ ري الن وع األول مما يك ون بين ه وبني الكت اب بع د
فض ائي ويف أحي ان كث رية زم اين أيض ا ،وحيم ل ص بغة إعالمي ة مث ل االس تجوابات واملذكرات،
والشهادات ،واإلعالنات ،ويشمل الفصلني األخريين من كتاب جنيت السابق ذكره"(.)30
إذًا ،فالنص املوازي اخلارجي هو كل نص مواز ال يوجد ماديا ملحقا بالنص ضمن الكتاب نفسه،
لكن ينتش ر يف فض اء فيزي ائي واجتم اعي غ ري حمدد ب القوة .وب ذلك ،يك ون موض ع (النص العم ومي
املصاحب) يف أي مكان خارج الكتاب :كأن يكون منشورا يف اجلرائد ،واجملالت ،وبرامج إذاعية،
ولقاءات وندوات ...إخل.
29
- G. Genette: Seuils, p. p : 10-11.
-انظر حممد اهلادي املطوي( :يف التعايل النصي واملتعاليات النصية) ،ص 196؛ وجريار جنيت :عتبات ،ص .11-10 30
12
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
فهذان النصان (ال داخلي واخلارجي للنص املوازي) حييطان بنص مرك زي بؤري ه و النص اإلبداعي
الرئيس .وال ميكن فهم هذا النص أو تفسريه إال باملرور عرب العتبات احمليطة ،ومساءلة ملحقاته النصية
واخلارجية.
إن العالقة بني النصني( املوازي والرئيس) عالقة جدلية قائمة على التبنني واملساعدة يف إضاءة النص
الداخلي قصد استيعابه وتأويله ،واإلحاطة به من مجيع اجلوانب.
ولق د أمهل النق د ال روائي الغ ريب والع ريب النص املوازي م دة طويل ة ،واكتفى الب احثون والدارس ون
باالنكب اب على النص اإلب داعي ال داخلي ،وأمهل وا م ا حيي ط هبذا النص من ه وامش ،وفه ارس،
وعن اوين ،وإه داءات ،وص ور أيقوني ة ،وم ا إىل ذل ك ،على ال رغم من أن روالن ب ارت( R.
) Barthesيصرح أن «كل ما يف الرواية له داللة»(.)31
وق د أع ادت الش عرية ( - )Poétiqueبنيوي ة ك انت أم س يموطيقية -االعتب ار هلذا النص املوازي
املهمش ،ب ل اعتربت ه املدخل األس اس إىل أعم اق النص اإلب داعي .وك ل إقص اء ملا ه و خ ارجي جيع ل
هذا العمل ناقصا مليئا بالثغرات املنهجية والنواقص السلبية.
ويض م النص املوازي ،أو ه وامش النص -كم ا يع رب ه نري مي رتان ،-H. Mitterandجمموع ة
من العتبات وامللحقات النصية الداخلية واخلارجية .وتتمثل أمهية النص املوازي يف حتليل ما يصنع به
النص من نفس ه كتاب ا ،ويق رتح ذات ه هبذه الص فة على قرائ ه ،وعموم ا على اجلمه ور .ويع ين ه ذا أن
النص املوازي ما هو إال إطار مادي فيزيائي ،ودال معنوي تداويل يربط عالقات مباشرة وغري مباش رة
بالنص جلذب القارئ ،والتأثري فيه على مستوى االستهالك والتقبل اجلمايل.
ه ذا ،وإن عتب ات النص املوازي عب ارة عن ملحق ات حتي ط ب النص من الناحي ة الداخلي ة أو اخلارجي ة.
وهي تنسج خطابا ميتا روائيا عن النص اإلبداعي ،وترسل حديثا عن النص واجملتمع والعامل.
ومهما بدت مستقلة أو حمايدة ،فإهنا شديدة االرتباط بالنص الروائي الذي تقف يف بوابته ومداخله.
31
- R Barthes; L’effet du réel, Ed. Seuil - Point 1982, p 833.
13
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
وعلي ه ،مل ي ول النق د ال روائي الع ريب النص املوازي أمهي ة ك ربى إىل يومن ا ه ذا ،على ال رغم من بعض
الدراسات اليت تعد على األصابع يف شكل مقاالت أو أحباث جزئية يف حدود علمنا(.)32
وقد أص بح -اآلن -من الض روري االهتمام بعتبات النص ال روائي ،فهي أساسية لولوج عامل النص
األديب وفتح مغالقه ،واستكناه أعماقه لكي نسرب أغوار النص الداخلية ،علينا أن نضع أقدامنا الثابتة
على مداخل النصوص وعتباهتا ،مبا فيها العنوان ،والتقدمي ،والتصنيف ،واإلهداء ،ومعمارية النصوص،
والفضاء النصي بصفة عامة...
ومن مث ،يه دف النص املوازي إىل "تق دمي تص ور أويل يس عف النظري ة النقدي ة يف التحلي ل ،وإرس اء
قواع د جدي دة لدراس ة اخلط اب ال روائي"( .)33وه و ك ذلك "البه و - vestibuleبتعب ري ل وي
ب ورخيس -ال ذي من ه ن دلف إىل ده اليز نتح اور فيه ا م ع املؤل ف احلقيقي واملتخي ل"( .)34كم ا أن ه
"يسعى إىل تقشري جيولوجيا املعىن بوعي حيفر يف التفاصيل ويف النص األديب الذي حيمل يف نسيجه
تعددية وظالال لنصوص أخرى"(.)35
أ -سعيد يقطني( :النص املوازي للرواية -اسرتاتيجية العنوان) ،مجلة الكرمل؛ قربص ،العدد .1992 ،46
ب -سعيد يقطني :انفتاح النص الروائي ،املركز الثقايف العريب ،الدار البيضاء ،الطبعة األوىل.1989 ،
ج -عب د اجللي ل األزدي( :عتب ات املوت -ق راءة يف ه وامش وليم ة ألعش اب البح ر) ،جمل ة فض ــاءات مس ــتقبلية -املغ رب-
العددان .1996 /3-2
د -عبد الفتاح احلجمري :عتبات النص البنية والداللة ،شركة الرابطة ،الطبعة األوىل .1996
هـ -سعيد يقطني :الرواية والتراث السردي ،املركز الثقايف العريب ،الدار البيضاء ،الطبعة األوىل .1992
و -عبد الرحيم العالم ( :اخلطاب املقدمايت يف الرواية املغربية) ،مجلة عالمات ،املغرب ،العدد 8/1997م.
ز -عبد العايل بوطيب"( :برج السعود" وإشكالية العالقة بني الروائي والتارخيي) ،مجلة المناهل -املغرب -العدد 55السنة
1997 ،22ص ص .73-63
-شعيب حليفي( ،النص املوازي للرواية -اسرتاتيجية العنوان) ،مجلة الكرمل ،قربص ،العدد ،1992/ 46ص .82 33
14
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
وبن اء على ماس بق ،ف إن ق راءة العتب ات وحتليله ا يف عالقته ا ب النص ال روائي ومراع اة الس ياقني :النص
والتجنيس ي ،لعملي ة ناجح ة وهادف ة؛ ألهنا حتي ط بالعم ل ال روائي من مجي ع جوانب ه ،ب دءا من كون ه
خمطوطا ،مرورا بطبعه ،وصوال إىل تلقيه.
وتبدو العتبات "موضوعا جديرا باالحتفال ،ومادة خصبة للنقد عموما ،والنقد اإليديولوجي بكيفية
حص رية ،وذل ك لس ببني :أوهلم ا ،يرتب ط بأمهيته ا احملددة مبواقعه ا اإلس رتاتيجية وبوظائفه ا وأدواره ا،
وثانيهما ،يعود إىل عالقتها النوعية بالعامل وبالنص الذي تنكتب على مشارفه وتشكل ختومه"(.)36
وما زال موضوع العتبات يف الثقافة العربية القدمية يف حاجة ماسة إىل من يسرب أغواره ،ويعيد النظر
يف دراسته ويصفه.
-عبد اجلليل األزدي( :عتبات املوت -قراءة يف هوامش وليمة ألعشاب البحر) ،جملة فضاءات ،املغرب ،العددان،3-2 : 36
،1996ص .37
15
www.alukah.net تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة
يالحظ أن ما خصت به موضوع العتبات ميثل كما،وحني متابعة الثقافة األجنبية الغربية يف تطورها
وأنه بدا يتضح بشكل نظري أكثر مع جريارجنيت يف كتابه، خصوصا،)37(معتربا على حد علمي
.)38() حيث قاربه نظريا وتطبيقياSeuils (عتبات
يعتين بإبراز، وصار درسها يندرج "ضمن سياق نظري وحتليلي عام، بدأ االهتمام بعتبات النص،لذا
وهو، وحتدي د ج انب أساس ي من مقاص ده الداللي ة،م ا للعتب ات من وظيف ة يف فهم خصوص ية النص
: مراجع عامة- 37
مص درا لص ياغة أس ئلة دقيق ة تعي د االعتب ار هلذه احملاف ل النص ية، يف ال وقت ال راهن،اهتم ام أض حى
.)39(" وقوفا عند ما مييزها ويعني طرائق اشتغاهلا،املتنوعة األنساق
س ننتقل اآلن إىل، وال ذي مه دنا ب ه كتابن ا،بع د ه ذا التق دمي الوج يز ال ذي خصص ناه للنص املوازي
.احلديث عن عتبات النص املوازي
:الفصل الثاني
17
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
وتعد عتبة املؤلف أيضا من الوحدات الدالة املشكلة لتداولية اخلطاب ،ومن أهم اخلطاطات التقبلية
اليت حتاور أفق انتظار القارئ ،فتشده انتشاء ولذة ،مث جتذبه إىل استكناه مضمون النص واستطالعه،
وتذوق بناه اجلمالية والذرائعية.
وهي ك ذلك من أهم العالم ات املكون ة للخط اب الغاليف على مس توى التش كيل املعن وي والبص ري،
وخاصة إذا كان اسم املؤلف مصحوبا بصورته الفوتوغرافية .وترتبط صورة املؤلف بالنص اإلبداعي
ارتباطا مباشرا عرب جدلية اإلضاءة والتفاعل الداليل .ومن مث ،فاسم املؤلف يزكي " شرعية النص" إذا
صح التعبري .فالنص الذي اليعلن عن صاحبه أو مؤلفه ،أو قد يكون موقعا من لدن كاتب مغمور،
ف إن ذل ك اليس اعد الق ارئ أو املتلقي على اإلقب ال علي ه؛ ألن األمساء الالمع ة للكت اب املش هورين هلا
دوره ا ال رئيس يف اس تقطاب أذه ان الق راء ،واس تغوائهم وج دانيا .فهي مبثاب ة اإلعالن ال ذي يكس ب
رهانه مسبقا .ومن مث ،فاسم الكاتب يؤدي وظيفة تعيينية وإشهارية ،تكمن يف نسبة العمل أو األثر
إىل اسم ذائع الصيت،معروف بأحباثه الوصفية أو اإلبداعية ،ويدل على حضوره املكثف يف الساحة
الثقافية احمللية والوطنية والدولية ورقيا ،ورقميا ،وإعالميا.
وقد عرف تاريخ اسم املؤلف عدة حمطات نقدية ،ميكن حصرها يف أربع مراحل أساسية هي:
-1مرحلة املؤلف.
-2مرحلة موت املؤلف.
-3مرحلة القارئ ،وإزاحة املؤلف.
-4مرحلة عودة املؤلف( .)le retour de l’auteur
وس نحدد ك ل مرحل ة على ح دة بغي ة معرف ة تص وراهتا النظري ة والفلس فية ،وموقفه ا من الك اتب أو
املؤلف.
اإلبداع ،وأثرها يف القارئ أو املتلقي ،من خالل نظرية احملاكاة عند أفالطون وأرسطو ،وأثرمها أيضا
من الناحي ة اخللقي ة يف الته ذيب أو التعليم أو التطه ري .بي د أن االهتم ام مل يتع د ذل ك إىل مش اركة
القارئ يف قراءة النص أو شرحه أو تفسريه .ويذهب روالن بارت إىل أن " املؤلف شخصية حديثة
النشأة .وهي من دون شك وليدة اجملتمع الغريب .فقد تنبه الغرب إىل قيمة الفرد أو الشخص البشري
منذ هناية القرون الوسطى ،وكذلك مع ظهور العقالنية الفرنسية ،وانبثاق النزعة التجريبية اإلجنليزية،
وانتش ار اإلميان الف ردي ال ذي واكب حرك ة اإلص الح ال ديين .كم ا أولت الرأمسالية الغربي ة أمهي ة
40
قصوى لشخصية املؤلف"
وهكذا ،فقد أولت النزعة اإلنسية األوربية املؤلف اهتماما كبريا منذ عصر النهضة .ويعزى ذلك إىل
عدة عوامل ذاتية وموضوعية ،تتمثل يف ظهور الكالسيكية اليت متجد اإلنسان املتخلق ،والرومانسية
اليت جتعل من الفرد حمورا هلا .باإلضافة إىل ظهور البورجوازية اليت أعطت أمهية قصوى للفرد املنتج
واملبدع .عالوة على النظرية الالتوجيهية ،يف جمال الرتبية ،اليت نادت حبرية املتعلم يف التعلم واالشرتاك
واخللق .فضال عن مبادئ حقوق اإلنسان اليت عربت عنها الثورة الفرنسية ،وهي متجد الفرد أخوة
ومساواة وعدالة.
وق د رفض ت اخلطاب ات األدبي ة والعلمي ة والنقدي ة يف أورب ا االس تغناء عن املؤل ف ،ب أي ش كل من
األشكال ،نظرا للدور اهلام الذي يقوم به يف عملية إثبات االنتماء ،وتأكيد اهلوية ،وإضفاء االنتساب
اجليني الوجي احلقيقي لإلب داع أو العم ل املنش ور .فه ذا ميش ــيل فوك ــو( ) M.Faucaultيرج ع
أص ول املؤل ف يف أوروب ا إىل الق رن الس ابع عش ر امليالدي ليعلن أن" مب دأ املؤل ف حيد من عش وائية
اخلطاب بفعل هوية اختذت شكل الفردية واألنا".41
ومن مث ،ص ار األن ا مب دأ جيم ع اخلط اب ،ويش كل وح دة معاني ه وأص لها .42أي :إن قيم ة
املؤلف( بكسر الالم) أعلى من قيمة املؤلف بفتح الالم.
41
- Foucault(M) : l’ordre du discours. Gallimard, Paris 1972.P:31.
42
- IBID .P:28.
19
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
ومن جه ة أخ رى ،يض من " املؤل ف" للعم ل األديب اتس اقه وانس جامه ووحدت ه الداللي ة والتأليفي ة
والس ياقية .فعن طري ق رص د بيوغرافيت ه وأعمال ه ،يتمكن احملل ل من فهم النص وص وتأويله ا ش رحا
وتفس ريا ،فيتم ذل ك بواس طة اس تنطاق الظ روف الس ياقية ،واستكش اف الس رية توثيق ا وحتقيب ا،
واس تذكار م دلوالت األعم ال األخ رى تناص يا ،وك ل ذل ك لفهم ك ل مايوج د حتت جمه ر التش ريح
والدراسة واالختبار .واهتمت عدة مناهج نقدية باملؤلف ،كاملنهج النفسي ،واملنهج التارخيي ،واملنهج
االجتماعي ،واملنهج التكويين ،والنقد التأويلي ...وغالبا ما يتم التشديد يف هذه املناهج النقدية على
حي اة املب دع ،وطفولت ه ،وكهولت ه ،ووس طه االجتم اعي ،وثقافت ه ،وعالقات ه ،وأمراض ه ،وعق ده،
وأسراره ...وهكذا أصبح " :ينظر إىل املؤلف على أنه مايسمح بتفسري وجود أحداث معينة يف نتاج
م ا ،وم ا يفس ر حتوالهتا واحنرافاهتا وتغرياهتا املختلف ة ،وذل ك ع رب س رية حيات ه ،ورص د وجه ة نظ ره
الفردية ،وحتليل انتمائه االجتماعي ،وموقفه الطبقي ،واستخراج مشروعه األساسي .إنه املبدأ الذي
43
يسمح بتذليل التناقضات اليت ميكن أن تظهر يف سلسة من النصوص." .
أضف إىل ذلك فقد عمل اجملتمع الرأمسايل على تثبيت هوية املؤلف بشىت الوسائل ،كتشريع حقوق
املؤلف ،وحتديد العالقات بني املؤلفني والناشرين ،وضبط حقوق إعادة الطبع ...وال ننسى كذلك
أن جوســتاف النصــون ( )G.Lansonوتين( )Taineرك زا على ما يسمى بدكتاتورية املؤلف.
وكان هلما تأثري كبري يف النقد العريب احلديث من بداية القرن العشرين إىل منتصفه؛ ألن املؤلف مالك
األث ر األديب ،وص احب العم ل الف ين .وبالت ايل ،على علم األدب أن يتعلم كي ف حيرتم املخط وط،
وي راعي نواي ا املؤل ف ،وعلى اجملتم ع أن يس ن ق وانني تض بط العالق ة بني املؤل ف وأعمال ه من خالل
قانون " حقوق املؤلف" ،وهي قوانني حديثة العهد ،حيث إنه مل تتخذ شكلها القانوين إال مع الثورة
44
الفرنسية.
وم ازال املؤل ف حاض را -حس ب روالن ب ــارت( -)R.Barthesيف مط والت ت اريخ األدب،
وترمجات الكت اب ،واس تجوابات اجملالت ،ب ل ويتجلى ه ذا احلض ور ح ىت يف وعي األدب اء ال ذين
حيرصون على ربط أشخاصهم بأعماهلم ،عن طريق مذكراهتم الشخصية.
-عبد السالم بنعبد العايل :التراث والهوية ،دار توبقال للنشر،الدار البيضاء،الطبعة األوىل سنة 1987م ،صص.83-82: 43
20
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
وق د اس تند النق د األوريب الكالس يكي ،ملدة طويل ة ،إىل م رآة املؤل ف يف تأوي ل النص وص ،وتوثيقه ا
باالعتماد على منظور الوسط،ومقرتب الشعور والالشعور .لذا ،فصورة األدب اليت ميكن أن نلفيها
يف" الثقافة املتداولة تتمركز أساسا حول املؤلف ،وشخصه ،وتارخيه ،وأذواقه ،وأهوائه ،ومازال النقد
يردد يف معظم األحوال – يقول روالن بارت -بأن أعمال بودلير وليدة فش ل اإلنسان بودلير ،وأن
أعم ال فــان ﮔوخ ولي دة جنون ه ،وأعم ال تشايكوفســكي ولي دة نقائص ه .وهك ذا يبحث دوم ا عن
تفسري للعمل جهة من أنتجه ،كما لو أن وراء مايرمز إليه الوهم بشفافية متفاوتة ،صوت شخص
45
وحيد بعينه هو املؤلف الذي يبوح بأسراره".
وإذا انتقلن ا إىل الثقاف ة العربي ة الكالس يكية ،فهي ب دورها متج د الف رد ،وحترتم امللكي ة ،وحتارب ك ل
مظاهر النحل ،واالنتحال ،والسرقة ،واالدعاء ،واإلغارة ،ولوكان ذلك كله تناصا.
إذًا ،فالثقافة العربية الكالسيكية ترفض أي غياب للمؤلف ،فال بد من هويته احلضورية .ولكي يعد
النص نصا ينبغي أن يصدر عنه ،أو يرقى به إىل قائل يقع اإلمجاع على أنه حجة .حينئذ يكون النص
كالما مشروعا ينطوي على سلطة ،وقوال مشدودا إىل مؤلف -حجة .و" يظل اخلطاب جمال اهتزاز
مقلق ،واستعداد احتمايل متوحش ،ولن يوقف هذا التساؤل احملري ،وحيدد داللة اخلطاب العائمة ،إال
االنتس اب إىل اسم بعين ه ،فك أن اخلط اب ،إن مل حيم ل اسم مؤلف ه ،ميكون مصدر خطورة ،ويصري
أرض ا غريب ة ،حتار فيه ا األق دام ،وختتل ط االجتاه ات لغي اب نقط ة مرجعي ة مض مونة .وهك ذا ،ي درك
اخلطاب انطالقا من االسم الذي يوقعه .فالقطعة الشعرية تدرك انطالقا مما نعرفه سابقا عن مؤلفها،
46
والنادرة خيتلف مفعوهلا حبسب نسبتها إىل ماجن أو رجل متزمت".
ومن املعروف أن علماء العربية وأدباءها القدماء كانوا اليتعاملون إال مع نصوص مؤلف حجة .يقول
عبد الفتاح كيليطو ":من بني العوامل احملددة للنص غموض الداللة -كما أسلفنا ،-وكذلك نسبة
القول إىل مؤلف معرتف بقيمته .أي :مؤلف جيوز أن تصدر عنه نصوص .ليس بإمكان أي واحد أن
تعترب أقواله نصوصا .فإذا كان الكالم الحيصى ،فإن النصوص -كما يقول ميشيل فوكـو -نادرة.
-عبد السالم بنعبد العايل ( :املؤلف يف تراثنا الثقايف) ،التراث والهوية ،دار توبقال للنشر ،الدار البيضاء ،الطبعة األوىل، 46
ومن مجل ة األس باب ال يت تفس ر ه ذه الن درة ،وج وب حتقي ق ش روط دقيق ة الميكن ب دوهنا أن يص ري
47
شخص ما مؤلفا يعتد بكالمه".
وأهم مرحلة يف حياة املؤلف احلجة هي " لقاؤه مع شيوخه لقاء مع من هلم الصالحية ،ومن يعول
عليهم يف تبلي غ النص وص .وبع د ه ذا اللق اء ميكن ه ،إذا أج ازوه ،أن يص بح يف مس تواهم ،وأن يبل غ
بدوره النصوص اليت تلقاها عنهم ...فسواء كتب شعرا أو رسالة أو كتابا أو اكتفى برتديد ما حفظ،
فإنه ميتلك نفوذا كبريا؛ ألنه يصبح أحد األعمدة اليت ترتكز عليها الثقافة ،يعين أنه يفوه بنصوص
تنضاف إىل النصوص األخرى املكونة للثقافة .والتحول الذي حيدث لقائل عندما يصبح مؤلفا حجة
يظه ر ح ىت يف امسه ال ذي ينس ى ويب دل باس م آخ ر ...فك أن املؤل ف عن دما يص بح حج ة ،يول د من
48
جديد ،ويطلق عليه اسم جديد.".
وعالوة على ذل ك ،فق د س بب التناس خ التناص ي ،واج رتار األق وال ،وجتميعه ا يف مص نف واح د ،يف
تغييب املؤلف احلقيقي ،وإخفائه حىت صار من الصعب حتديده ،أو متييز أسلوب مؤلف ما ،كما هو
حال كتاب (العمدة) البن رشيق القريواين وكتاب( المقدمة) البن خلدون مثال .ويف هذا الصدد،
يقول كيليطو ":إن القارئ الذي يسعى ملعرفة مؤلف نص ،يعمد إىل حتديد اخلصائص األسلوبية اليت
ينطوي عليها النص ،فتقوده إىل اسم هذا املؤلف أو ذاك ( ،)...بيد أنه من العسري احلديث يف الثقافة
49.
العربية الكالسيكية عن أسلوب خاص مييز فردا بعينه"
ولقد استمر االهتمام باملؤلف بصفته ذاتا عليا يف اإلبداع واإلنتاج وتوثيق النصوص إىل أن ظهرت
اللس انيات والبنيوي ة املغلق ة لتعلن م وت املؤل ف .وعلى ال رغم من ذل ك ،فثم ة ثالث مقارب ات لفهم
شخصيته:
-عبد الفتاج كيليطو :األدب والغرابة ،دار الطليعة ،بريوت ،لبنان ،الطبعة الثانية سنة 1983م ،ص.15: 47
-عبد الفت اح كيليطو :الكتابــة والتناســخ ،ترمجة :عبد السالم بنعبد الع ايل ،املركز الثقايف الع ريب ،ال دار البيض اء ،الطبع ة 49
المقاربة االقتصادية :تسعى إىل ربط املؤلف شعوريا والشعوريا بفئته االجتماعية اليت ينتمي إليها
طبقي ا :بروليت اري ،وبورج وازي ،وبورج وازي ص غري .وهي ال يت يس تعملها النق د اإلي ديولوجي يف
كتاباته الوصفية والتحليلية ،وخاصة النقد الواقعي اجلديل والبنيوية التكوينية.
المقاربة القانونية :تستند إىل بنود القوانني للتشديد على حقوق املؤلف.إذ تنص االتفاقية العاملية
املوقع ة جبنيف بت اريخ 6أيل ول 1952م ،واملعدل ة يف ب اريس بت اريخ 24متوز 1971م يف مادهتا
50
األوىل على اختاذ" كل التدابري الالزمة لضمان محاية كافية وفعالة حلقوقهم".
المقاربة األدبية :ترى هذه املقاربة أن النص مبثابة مرآة تعكس صاحبها ذاتيا أوموضوعيا .عالوة
على ك ون املؤل ف ل ه ص وت خ اص ،وأس لوب معني يف الكتاب ة ،كم ا ق ال بوف ون(
") Buffonاألسلوب هو الرجل نفسه".
وبع د ه ذا ،ننتق ل للح ديث عن م وت املؤل ف يف مرحل ة النص املغل ق ،أو يف ف رتة البنيوي ة اللس انية
والسيميائية.
-عب د الباس ط الك راري ( :م وت املؤل ف والنص من منظ ور التكويني ة النص ية) ،الملحـ ــق الثقـ ــافي ،جري دة االحتاد 50
51
- Groupe D’entreverne: Analyse sémiotique des textes, ed :
Toubkal.Casablanca.1éd, 1987.p :7-8.
24
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
خرافة .وأزال بروست عن املؤلف سلطته العظيمة ،على الرغم من الطابع النفسي الظاهر يف حتليالته؛
52
إذ أدخل تشويشا بال هوادة على املنظور والسرد والعالقة اليت تربط الكاتب بشخصياته.
لقد أمد بروست الكتابة احلديثة مبلحمتها اليت تعتمد على انقالب جذري يف جمال الكتابة السردية،
والسيما يف روايته ( بحثــا عن الــزمن الضــائع) .وعوض أن يضع حياته يف أعماله كما يقال عادة،
53
فإنه جعل من حياته نفسها عمال أدبيا كان كتابه منوذجا عنها.
ومن جهة أخرى ،فقد سامهت احلركة السريالية يف نزع الطابع القدسي الذي كانت تتخذه صورة
54
املؤلف ،مادامت تقول مببدإ الكتابة املتعددة على مستوى التأليف.
وك انت الش كالنية الروس ية الس باقة إىل إقص اء املؤل ف وعزل ه ،والبحث عن النظ ام والبني ات الثاوي ة
وراء االختالف ف وق الس طح النص ي .ومن أهم أس س ه ذه الش كالنية اإلنش ائية أهنا أدت باس تقالل
علم األدب عن العلوم اإلنسانية األخرى؛ ألن شعرية النص بعيدة يف نظرها " كل البعد عن أن حتتل
ال دور فيه ا املب احث النفس ية واالجتماعي ة وغريه ا مما ل ه عالق ة ب املؤلف املب دع والق ارئ املتلقي.
وهكذا ،طردت الشكالنية من عاملها النقدي ومنهجها التحليلي املؤلف .فللقبض على شعرية النص،
الجمال لالعتماد على حياة املؤلف ونفسيته وصدقه أو كذبه وإهلامه ،وال لدراسة بيئته وجنسه ،وال
للذاتية وأحكام القيمة ،وال لتقمص الناقد بأحكامه املعيارية حتسينا أو تقبيحا دور شخصية الرقيب،
وصاحب السلطة اجلمالية املتحكمة يف املبدع واملتلقي؛ ألن نقدا من هذا القبيل الميكنه أن حيل حمل
55
حتليل علمي موضوعي لفن اللغة ووصفها".
وهك ذا ،فق د حكمت اللس انيات والبنيوي ة على املؤل ف باإلع دام واملوت ،حينم ا رك زت على ال دال
واملدلول ،فأقص ت املرج ع ،وك ل م اهو م ادي خ ارجي عن املعطى اللغ وي .وق د " مكنت عملي ة
تقويض املؤلف من أداة حتليلية مثينة ،وذلك عندما بينت أن عملية القول ،وإصدار العبارات ،عملية
-حمم د اهلادي املط وي( :يف التع ايل النص ي واملتعالي ات النص ية) ،المجلــة العربيــة للثقافــة ،ت ونس ،الس نة ،16الع دد،32 55
،1997ص.187:
25
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
فارغ ة يف حمموهلا ،وأهنا ميكن أن ت ؤدي دوره ا على أكم ل وج ه ،دون أن تك ون هن اك ض رورة
إلسنادها إىل املتحدثني .فمن الناحية اللسانية ،ليس املؤلف إال ذلك الذي يكتب ،مثلما أن األنا ليس
إال ذلك الذي يقول أنا :إن اللغة تعرف الفاعل ،وال شأن هلا بالشخص .وهذا الفاعل الذي يظل
56
فارغا خارج عملية القول اليت حتدده ،يكفي كي تقوم اللغة .أي :كي تستنفذ.
ويعد روالن بارت من النقاد الذين أعلنوا إفالس املؤلف ،فقد خاض صراعا ضد ريمــون بيكــار يف
كتاب ه( النقــد والحقيقــة) ،57م دافعا عن النق د اجلدي د ال ذي الي ؤمن بس لطة الك اتب ،م ادام التن اص
يتحكم يف النص وص اإلبداعي ة ،وم ادام البحث عن املؤل ف حبث ا عن الناق د وإغالق ا لكتاب ة ،وإعط اء
م دلول هنائي للنص .ف النص الينش أ عن" رص ف كلم ات تول د مع ىن وحي دا ،مع ىن الهوتي ا إذا ص ح
التعب ري (ه و رس الة" المؤلــف اإللــه") ،وإمنا ه و فض اء متع دد األبع اد ،تتم ازج في ه كتاب ات متع ددة
وتتعارض ،من غري أن يكون فيها ماهو أكثر من غريه أصالة :النص نسيج من االقتباسات ،تنحدر
من منابع ثقافية متعددة .إن الكاتب الميكنه إال أن يقلد فعال هو دوما متقدم عليه ،دون أن يكون
58
ذلك الفعل أصليا على اإلطالق".
ومن هن ا ،ف البحث عن املؤل ف ه و قت ل للنص ،واغتي ال للذت ه ،ومن ع لتع دد دالالت ه ،وحتني ط قس ري
لوظيفته اجلمالية .فعندما يبتعد املؤلف وحيتجب ،فإن الزعم بالتنقيب عن " أسرار النص يغدو أمرا
غري ذي جدوى ،ذلك بأن نسبة النص إىل مؤلف معناها إيقاف النص ،وحصره ،وإعطاؤه مدلوال
هنائيا .إهنا إغالق الكتابة .وهذا التصور يالئم النقد أشد مالءمة ،إذ إن النقد يأخذ على عاتقه حينئذ
الكش ف عن املؤل ف من وراء العم ل األديب .وب العثور على املؤل ف ،يك ون النص ق د وج د تفس ريه،
والناقد ضالته .فال غرابة – إذًا -أن تكون سيادة املؤلف من الناحية التارخيية هي سيادة الناقد .كما
-روالن بارت :النقد والحقيقة ،ترمجة :إبراهيم اخلطيب ،الشركة املغربية للناشرين املتحدين ،الدار البيضاء ،الطبعة األوىل 57
سنة 1985م.
-روالن بارت :نفسه ،ص.85: 58
26
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
الغرابة أن يصبح النقد اليوم ،حىت ولو كان جديدا ،موضع خلخلة ،مثل :املؤلف .فالكتابة املتعددة
التتطلب إال الفرز والتوضيح ،وليس فيها تنقيب عن األسرار.59
فضال عن ذلك ،يقوم موت املؤلف عند روالن بارت بوظيفة ثالثية:
أوال ،يسمح بإدراك النص يف تناصه.
ثانيا ،يبتعد بالنقد عن النظر يف الصدق والكذب.
ثالثا ،يفسح اجملال لتموضع القارئ؛ إذ إن مولد القارئ جيب أن يدفع مثنه انسحاب املؤلف.
إذًا ،يب دو أن البنيوي ة ،جبمي ع تياراهتا :الش كالنية الروس ية ،والبنيوي ة اللس انية ،والس يميوطيقا،
واملورفولوجي ا األملاني ة ،نزع ة متعالي ة ،تلغي الت اريخ ،وتس تلب اإلنس ان ،وتقيده بإس ار النس ق والبني ة
والنظ ام والعالم ات .ولكنن ا ق د انتقلنا م ع مرحل ة م ا بع د البنيوي ة( جــنيت ،تــودوروف ،كريســتيفا،
بــارت) ،إىل مرحلة أخرى ،وهي مرحلة القارئ ،مادام بــارت يؤكد أن" ميالد الق ارئ رهني مبوت
60
املؤلف".
27
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
61
- Paul Valéry : OEUVRES.ed.Pléade.Paris.
-حسني الواد :مناهج الدراسات األدبية ،منشورات عيون املقاالت ،الدار البيضاء ،املغرب ،الطبعة الرابعة 1988م ،ص: 62
.79
28
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
يعين بذلك أن األثر حييا ،قبل اتصاله باجلمهور ،حياة تقديرية ،فهو ،قبل النشر ،موجود بالقوة ،وهو
63
بعد النشر ،موجود بالفعل"...
ومن أهم نظري ات الق راءة الب د من التوق ف عن د الق راءة الفينومنولوجي ة م ع جــان بــول ســارتر ال يت
وضحها يف كتابه( ما األدب؟) .ففيه يقدم إجابة كاملة عن القراءة ،وماهية الكتابة ،ووظيفتها من
خالل تفاعل الذات مع املوضوع.
ونتوقف أيضا عند القراءة التجريبية مع روبير إسكاربيت ،وجاك لينهاردت( ،)J. Leenhardt
وبي ـ ـ ــير ج ـ ـ ــوزا( .،)Pierre Jozaدون أن ننس ى ش عرية الق راءة م ع ميش ـ ـ ــيل ش ـ ـ ــارل(
،) M.Charlesونظرية التقبل مع ياوس( )Yaussوإيزر( ( )Iserمدرسة كونستانس) ،أو
مايسمى أيضا جبمالية القراءة ،وسيميولوجية القراءة مع روالن بارت وأمبرطو إيكو(.64)U.Eco
ومثة نظري ات أخ رى ،مث ل :نظري ة التخ اطب حيث يتوق ع املرس ل (األديب) من الق ارئ " أن يق وم
بالتأويل أثناء القراءة ،وينتظر منه أن يثري البالغ األديب بإضافات شخصية من عنده يسلطها عليه.
وألن التخاطب األديب غامض يف أساسه ،يعمد القارئ ،كلما واجه نصا أدبيا ،إىل امتحانه ،فاخترب
قدراته على حتمل املعاين اإلضافية ،مبوجب ماركب فيه من مواطن غامضة تتحمل التأويل .ومن هنا،
كان األثر األديب يف نظرية التخاطب ،أثرا مفتوحا ،يستدعي التأويالت العديدة ويتقبلها ،فيزداد هبا
65
ثراء على ثرائه".
وتعترب مجالية التقبل من أهم النظريات املعاصرة اليت اهتمت بالقارئ والقراءة ،ونشأت هذه النظرية
يف أملانيا الغربية ،وتنسب إىل جامعة كونستانس ،ومن ممثليها ياوس وإيزر .وقد بلورت هذه املدرسة
جمموع ة من املف اهيم األساس ية ك أفق االنتظ ار ،واملس افة اجلمالي ة ،والق ارئ الض مين ،وفع ل الق راءة،
والقطب الفين ،والقطب اجلمايل ،ومرحلة استجماع املعىن ،ومرحلة الداللة.
وال ننسى كذلك سيميولوجية القراءة مع روالن بارت اليت اهتمت بالقارئ والقراءة ولذة النص،
واعت رب ب ــارت أن الناق د اجلدي د ليس س وى ق ارئ ،فم ا علي ه إال أن يعي د إنت اج النص م رة أخ رى،
-رشيد بنحدو ( :قراءة يف القراءة) ،مجلة وليلي ،املغرب ،العدد رقم ،4صص.21-3: 64
29
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
وينبغي للمؤلف أن ينسحب ليحل القارئ حمله .فالنقد -إذًا -يف نظره قراءة ،وميالد القارئ مرتبط
مبوت الك اتب .ومن هنا ،يت ألف النص" من كتابات متع ددة ،تنح در من ثقاف ات عديدة ،تدخل يف
حوار مع بعضها البعض ،وتتحاكى وتتعارض ،بيد أن هناك نقطة جيتمع عندها هذا التعدد .وليست
هذه النقطة هي املؤلف ،كما دأبنا على القول ،وإمنا هي القارئ :القارئ هو الفضاء الذي ترتسم فيه
ك ل االقتباس ات ال يت تت ألف منه ا الكتاب ة ،دون أن يض يع أي منه ا ،ويلحق ه التل ف .فليس ت وح دة
النص يف منبع ه وأص له ،وإمنا يف مقص ده واجتاه ه .بي د أن ه ذا االجتاه مل يع د من املمكن أن يك ون
شخص يا :فالق ارئ إنس ان الت اريخ ل ه ،وال حي اة شخص ية ،وال حي اة نفس ية .إن ه ليس إال ذاك ال ذي
66
جيمع فيما بني اآلثار اليت تتألف منها الكتابة داخل نفس اجملال".
هذه -إذًا -أهم النظريات حول القراءة والقارئ ،وتبيان لدورها يف انبناء النص واستهالكه ،والتلذذ
به ،وإعادة إنتاجه .وقد تكون القراءة منغلقة أومنفتحة ،حسب مرجعيات القارئ الثقافية وظروفه
النفسية واالجتماعية.
30
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
إن عودة املؤلف إىل النقد األديب ضرورة منهجية ملحة ،ورغبة تأويلية مستوجبة ،بعد فشل املقاربات
البنيوية ،وعجز مناهج التقبل ونظريات التلقي عن استيعاب النص األديب استيعابا جيدا ومثمرا ،كما
ي رى مــوريس كوتــوريي( .67 )Maurice Couturierفك ل منهج حيم ل يف بذرت ه ن واقص
فنائه .هلذا ،ينبغي أن نلم جبميع مكونات النص األديب األساسية ،ونستفيد من مجيع النظريات األدبية
والنقدية القدمية واحلديثة على السواء .فهذا بارت نفسه يرى أن املؤلف ماتزال سلطته قائمة ،على
68
الرغم من أنه أعلن موته ،والنقد اجلديد مل يعمل ،يف أغلب األحوال ،إال على تدعيمها.
والدليل على أمهية املؤلف يف مقاربة النص اإلبداعي تلك الضجة اليت أحدثها الطلبة يف فرنسا سنة
1968م ،بدعوهتم إىل سقوط البنيوية لكوهنا تقتل اإلنسان ،وتقصي التاريخ حلساب النص والنسق
والنظ ام .ناهي ك عن األوه ام ال يت وقعت فيه ا البنيوي ة ملا حص رت عمله ا يف التقعي د والوص ف
املوض وعي اجملرد للبنية الداخلية للنص ،وما يتشابك فيها من عالقات .فقد اعتربت البنيوية النص-
كما قلنا سالفا -نظاما مغلقا العالقة له بالكاتب املبدع ،وال بالتطور التارخيي .وقد فتح عليها هذا
التصور باب النقد على مصراعيه من قبل الوجودي سـارتر ،والتارخيي روجيه جارودي الذي كان
ي رى أن البني ة من حيث هي مس لمة أولوي ة جيب أن تك ون نقط ة بداي ة النقط ة انته اء .ومن مث ،ف إن
قوهلا مبوت اإلنسان هو ضد النزعة اإلنسانية .فهناك من النقاد البنيويني أنفسهم من كان له الرأي
نفس ه ،مث ل :جولي ــا كريس ــتيفا ،وت ــودوروف ،وروالن ب ــارت ،وج ــيرار ج ــنيت ،وفيليب س ــولرز،
وجاك الكان ،وجاك دريـدا ،وفوكـو الذي أكد أنه من" العبث أن ننكر وجود الكاتب أو املبدع.
لذلك ،دعا إىل وجوب التفريق بني الذات الفردية للمؤلف وهي اليت عد نكراهنا من العبث ،والذات
69
املعرفية ،وهي اليت يشرتك فيها املؤلف مع ذوات أخرى".
وحتمل عتبة " اســم المؤلـف" داللة كبرية يف إضاءة النص وتوضيحه .وبالتايل ،يزكي حضور اسم
الكاتب أو الشاعر أو الروائي مشروعية العمل ،ويعطيه األحقية القانونية يف التوثيق والرتويج .وعربه،
67
- Maurice Couturier : la figure de l’auteur, paris, Seuil, 1995 .
-روالن بارت :نفسه،ص.82: 68
31
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
يتعرف القارئ إىل املؤلف( بفتح الالم) ،ويكون أفق انتظاره اخلاص ،كلما أصدر ذلك املبدع كتابا
آخر.
وهك ذا ،فوج ود املؤل ف على غالف الكت اب يع ين حض وره ،والتعري ف بالعم ل وتوقيع ه جتنب ا لك ل
ادع اء وانتح ال وس رقة أدبي ة أو علمي ة .وينبغي أن منيز بني مؤل ف مل يكتب إال كتاب ا واح دا ،وه ذا
اليثري فضول القراء ،وال يفسح أمامهم أي أفق انتظار ،واملؤلف الذي كتب مؤلفات عدة ،وأثبت
وج وده بأعمال ه الس ابقة .فه ذا الك اتب ينتظ ره الق راء باس تمرار ،وي رتقبون إص داراته اجلدي دة؛ ألهنم
كون وا حول ه تص ورا أس لوبيا وأجناس يا وداللي ا .ويف ه ذا الس ياق ،يق ول فيليب لوج ــون PH.
":Lejeuneرمبا اليص بح املرء مؤلف ا إال ابت داء من كتاب ه الث اين ،عن دما يغ دو االس م الشخص ي
ال ذي يوج د على الغالف "العام ل املش رتك" ال ذي جيم ع على األق ل نص ني خمتلفني .ومن مث ،يعطي
فك رة ش خص الميكن أن ي رد على نص بعين ه من ه ذه النص وص ،وميكن ه أن ينتج نصوص ا أخ رى،
70
فيتجاوزها مجيعا".
إن تثبيت اسم املؤلف العائلي والشخصي ،سواء من قبل الناشر أم املبدع نفسه أم سريا على اخلطة
السائدة يف طبع الكتب واملنشورات ،إمنا يراد منه ختليده يف ذاكرة القارئ .وال يعدو أن يكون اسم
أي مؤلف على الغالف إال ركاما من احلروف امليتة« ،فحني يرتقي اسم املؤلف إىل مستوى النص،
فإن ه ينتعش ويتح رك ،ويهب نفس ه حبق للق راءة .أم ا حني يقتص ر وج وده على الغالف ،فال يك ون
71
موضوع قراءة ،بل عالمة على أن املؤلف مشهور أو شبه معروف أو جمهول".
تلكم -إذًا -أهم احملط ات األساس ية ال يت عرفته ا ص ورة املؤل ف ال يت ميكن اختزاهلا يف ثنائي ة احلي اة
واملوت ،أو ثنائية اإلقصاء واإلثبات ،أو ثنائية االعرتاف واإلنكار .ولكن يبقى املؤلف عنصرا ضروريا
الميكن االستغناء عنه ،بأي شكل من األشكال ،وخاصة حني نريد مقاربة النصوص فهما وتفسريا
وتأويال ،على الرغم من وجود ظاهرة التناص.
70
- PH.LEJEUNE : Le pacte autobiographique.Paris.Ed/du Seuil, 1975, p :
23.
-محيد حلمداين :بنية النص السردي ،املركز الثقايف العريب ،الدار البيضاء ،الطبعة األوىل سنة 1991م ،ص.60-59: 71
32
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
الفصل الثالث:
يعد اجلنس األديب مبدأ تنظيميا للخطابات األدبية ،ومعيارا تصنيفيا للنصوص اإلبداعية ،ومؤسسة
تنظريية ثابتة ،تسهر على ضبط النص أو اخلطاب ،وحتديد مقوماته ومرتكزاته ،وتقعيد بنياته الداللية
والفنية والوظيفية من خالل مبدأي :الثبات والتغري .ويساهم اجلنس األديب يف احلفاظ على النوع
األديب ،ورصد تغرياته اجلمالية الناجتة عن االنزياح واخلرق النوعي .ويعترب اجلنس األديب كذلك من
أهم مواضيع نظرية األدب ،وأبرز القضايا اليت انشغلت هبا الشعرية الغربية والعربية على حد سواء؛
ملا للجنس األديب من أمهية معيارية وصفية وتفسريية يف حتليل النصوص ،وتصنيفها ،ومنذجتها،
وحتقيبها ،وتقوميها ،ودراستها عرب مساهتا النمطية ،واستكشافها عرب مكوناهتا النوعية ،وتبياهنا بواسطة
خصائصها التجنيسية.
كما تساعدنا معرفة قواعد اجلنس على إدراك التطور اجلمايل والفين والنصي ،وتطور التاريخ األديب،
باختالف تطور األذواق ،وتنوع مجاليات التقبل أوالتلقي .فضال عن تطور العوامل الذاتية املرتبطة
بشخصية املبدع من ناحية اجلنس والوراثة ،وتطور العوامل املوضوعية اليت حتيل على بيئة األديب
بكل جتلياهتا الطبيعية ،واجلغرافية ،واالجتماعية ،والتارخيية ،والدينية.وإذا كان هذا هو تعريف اجلنس
األديب .فما تضاريسه التارخيية؟ وما خصائصه النوعية والشكلية؟ وكيف يتم رصد اجلنس األديب
ودراسته؟ وما األسئلة اليت يطرحها اجلنس األديب على القارئ والناقد معا؟ وما املنهجيات اليت
اعتمدت يف مقاربة اجلنس األديب يف الغرب والعامل العريب معا؟
33
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
اهتمت اإلنشائية الغربية ( ) POETIQUEمنذ القدمي -وما تزال -مبسألة األجناس األدبية.
وقد ميز أفالطون ،يف مجهوريته ،بني السرد واحلوار،72أو بني احلكي القصصي واحلكي املسرحي،
حيث يشتمل األول على السرد واحلوار ،ويتضمن الثاين احلوار فقط .فامللحمة متثل النمط األول،
واملسرحية املأساوية واهلزلية متثل النمط الثاين ،على أن هناك منطا ثالثا يشتمل على السرد فقط ،وهو
73
املدائح.
ويعد أرسطو ،يف كتابه ) فن الشعر) ،املنظر األول لألجناس األدبية دون منازع ،فقد قعدها وصنفها
بطريقة علمية قائمة على الوصف ،وحتديد السمات واملكونات.وقد قسم األدب إىل ثالثة أقسام:
األدب الغنائي ،واألدب امللحمي ،واألدب الدرامي .74وتبعا لذلك ،فقد صارت قضية التجنيس يف
العصر احلديث من أعوص القضايا اليت ناقشتها نظرية األدب والتصورات البنيوية والسيميائية وما بعد
البنيوية؛ ملا هلا من دور فعال يف فهم آليات النص األديب ،وتفسري ميكانيزماته اإلجرائية قصد حماصرة
النوع،وتقنني اجلنس داللة ،وبناء ،ووظيفة .وقد أشار تودوروف()Todorovإىل أن مسألة
األجناس"من املشاكل األوىل للبويطيقا منذ القدمي حىت اآلن ،فتحديد األجناس وتعدادها ورصد
العالئق املشرتكة بينها مل يتوقف عن فتح باب اجلدال .وتعترب هذه املسألة حاليا متصلة بشكل عام
بالنمذجة البنيوية للخطابات ،حيث اليعترب اخلطاب األديب غري حالة نوعية" .75ويؤكد العامل الأملاين
-أفالطون :جمهورية أفالطون ،ترمجة ودراسة :فؤاد زكريا ،اهليئة املصرية العامة للكتاب ،طبعة 1974م،صص-267: 72
.270
-محيد حلمداين( :السرد واحلوار) ،مجلة دراسات سيميائية وأدبية ولسانية ،املغرب ،العدد ،3السنة ،1988ص.148: 73
-جريار جنيت :مدخل لجامع النص ،ترمجة عبد الرمحن أيوب،دار توبقال ،الدار البيضاء ،الطبعة األوىل،1985،ص.5: 74
75
- T .TODOTOV et DUCROT : Dictionnaire encyclopédique des
sciences du langage. ED, SEUIL, PARIS 1972, p : 193 .
34
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
كارل فيتور( ) KARL Viëtorأن " األجناس األدبية هي إنتاجات فنية؛ ألن أصلها التارخيي
من أغمض األمور"76.
وقد عرفت عملية جتنيس النص األديب امتدادات تارخيية وفنية ومجالية .وعرفت أيضا تطورات على
مستوى التصور النظري واملمارسة التطبيقية منذ شعرية أرسطو وأفالطون ،مرورا بتصورات
برونوتيري ، 77وهيجل ،وجورج لوكاش ،وميخائيل باختني ،وكريزينسكي ،وفراي ،وتودوروف،
وهامبورغر كيت ،وأوستني وارين ،وروين ويليك ،وماري شايفر ،وفيتور ،وجريار جنيت،
وغريهم...
كما انتقل اجلنس األديب من مرحلة الصفاء والنقاء النوعي مع الشعرية اليونانية إىل مرحلة وحدة
األجناس األدبية مع الرومانسية .وبعد ذلك ،انتقل إىل مرحلة االختالط والتهجني والتالقح مع نظرية
باختني .وبكل اختصار،انتقلت عملية التجنيس من مرحلة االنغالق والثبات واالستقرار إىل مرحلة
االنفتاح والتكون والتغري .فهذا تزفيطان تودوروف يؤكد أن التأمالت حول األجناس األدبية قد
كثرت ،فهي" قدمية قدم نظرية األدب ،ومادام كتاب أرسطو يف الشعر يصف اخلصائص النوعية
للملحمة والرتاجيديا .فقد ظهرت منذ ذلك الوقت مؤلفات ذات طبيعة متنوعة احتذت حذو
أرسطو .لكن هذا النوع من الدراسات مل حيقق تقاليده اخلاصة إال ابتداء من عصر النهضة ،حيث
تتابعت الكتابات حول قواعد الرتاجيديا والكوميديا وامللحمة والرواية ،وخمتلف األجناس الغنائية،
وارتبط ازدهار هذا اخلطاب ،بكل تأكيد ،ببنيات إيديولوجية سائدة ،وبالفكر املتبىن عن اجلنس
األديب يف ذلك العصر .أعين كونه قاعدة حمددة الينبغي خرقها .صحيح أن األجناس األدبية كانت
تنتمي إىل األدب( أو إىل القصيدة أو إىل الفنون اجلميلة) ،ولكنها كانت تعترب وحدة من مستوى
أدىن تنتج عن تقطيع ،بإمكاننا أن نقاربه مبوضوعات نظرية األدب السابقة ،ولكنها مع ذلك متميزة
76
- G.GENETTE :( introduction à l’Architexte). IN: théorie des genres.Points,
pp : 13.
-أرج ع برنوتي ري تغ ريات اجلنس األديب وحتوالت ه النوعي ة ،يف كتاب ه(تطــور األجنــاس األدبيــة في تــاريخ األدب)،إىل عوام ل 77
ذاتية وموضوعية ،كالوراثة ،واجلنس ،وشخصية املبدع ،ومؤثرات البيئات اجلغرافية واالجتماعية والتارخيية.
35
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
عنها .ففي حني ،إن الرمز أو التمثيل أو األسلوب اجملازي عبارة عن خصائص جمردة للخطاب األديب
(حيث يكون استيعاهبا نتيجة ذلك أكرب من األدب وحده) ،فإن األجناس األدبية كانت تنتج عن
نوع آخر من التحليل ،إنه األدب يف أجزائه".78
ولقد استعري مفهوم اجلنس والنوع من العلوم الطبيعية ،ويرجع الفضل يف ذلك إىل العامل الروسي
فالدميري بروب رائد التحليل البنيوي املورفولوجي للسرد ،وقد استفاد كثريا من وصفات علم النبات
وعلم احليوان.
لتحديد اجلنس األديب ،نت تبع منهجية وصفية تستند إىل إبراز مواصفات اجلنس األديب ومميزاته،
باستخالص بنياته النوعية ،واستكشاف مكوناته التجنيسية ملعرفة ماهو ثابت وجوهري،و رصد ماهو
عرضي متغري ،أو نلتجئ إىل منهجية تفسريية للبحث عن حيثيات التطور األديب ،واستخالص ظروف
تغري اجلنس ،واستكناه مجالية التجنيس يف النص األديب تقوميا وتأويال .والبد كذلك من االعتماد على
جمموعة من اخلطوات املنهجية يف ذلك ،وهي :املالحظة ،والوصف ،والتجريب ،والفرضية،
واالستنتاج،والقانون .أي :ننطلق من احملسوس إىل اجملرد الكلي بطريقة استقرائية ،أو من الكلي اجملرد
إىل اجلزئي واخلاص بطريقة استنباطية.
يطرح اجلنس األديب جمموعة من األسئلة احملرية داخل الدراسات األجناسية املتعلقة بالنص األديب على
النحو التايل:
-تزفيط ان ت ودوروف :الشــعرية ،ترمجة :ش كري املبخ وت ورج اء بن س المة ،دارتوبق ال للنش ر ،ال دار البيض اء ،الطبع ة 78
األوىل،1987 ،ص.3:
36
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
هل من حقنا مناقشة جنس أديب ما من غري أن نكون قد درسنا ،أو على األقل ،قرأنا مجيع اآلثار
اليت تكونه؟
هل مثة أجناس أدبية معدودة فقط ،كأن نقول :أجناس شعرية غنائية وملحمية ودرامية ،أو أزيد
منها بكثري؟ وهل عدد األجناس هنائي أو غري هنائي؟
وقد أجاب تودوروف عن السؤال األول قائال ":من أوىل مسات املنحى العلمي عدم مطالبته مبالحظة
كافة متيزات الظاهرة لغرض وصفها ،فهو باألحرى يعمل عن طريق االستنباط .حبيث يتم يف الواقع،
مجع عدد حمدود نسبيا من الوقائع ،فتستخلص من فرضية عامة ،وتراجع على منت آثار أخرى،
بتصحيحها أو بطرحها .فمهما كان عدد الظواهر املدروسة ( ،وهي هنا آثار) ،فإنه دائما قلما يكون
مباحا لنا أن نستنبط منها قوانني كلية .إذ إن الرتابط املنطقي للنظرية ،الكمية املالحظات ،هو الذي
يكون على صلة وثيقة باملوضوع"79.
ويعضد قولة تودوروف ما قاله كارل بوبر( ) KARL POPPERمن وجهة نظر املنطقي" :
المربر بني أيدينا الستنتاج فرضيات كلية انطالقا من قضايا جزئية ،مهما كان عددها؛ ألن كل
استنتاج من هذا السبيل ميكن أن يتبدى كاذبا على الدوام :مهما كان عدد البجع البيض الذي
سيكون بوسعنا مالحظته ،فإنه اليربر استنتاج أن كل البجع أبيض"80.
أما عن السؤال الثاين ،فقد قدم الشكالنيون الروس جمموعة من األجوبة ،والسيما توماشفسكي الذي
قدم حال صحيحا نسبيا بقوله":تتوزع اآلثار إىل أقسام واسعة ،وهذه بدورها تتفرع إىل صيغ
وأنواع"81.
80
- K. POPPER: The logic of scientific discovery. NEW YORK, BASIC
BOOKS 1959, p: 27.
81
- TOMACHEVSKI : (thématique), in: THEORIE DE LA
LITTERATURE, PARIS.ED DU SEUIL1965, pp : 306-307.
37
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
ماذا نقصد باجلنس األديب؟ واألجوبة على هذا السؤال التؤسس إال االختالف اجلذري ،فقد
يكون:
أ -معيارا؛
ب -جوهرا مثاليا؛
ثار موريس بالنشو( ) M. BLANCHOTعلى نظرية األجناس األدبية ،مثلما ثار عليها عامل
فن اجلمال اإليطايل كروشيه يف دعوته إىل التخلص من مفهوم اجلنس ونفيه .وهكذا ،كتب بالنشو
يف أواخر منتصف القرن العشرين قائال ":مل يعد هناك كتاب ينتمي إىل جنس .كل كتاب يرجع إىل
األدب الواحد ...ومن مث ،فهو بعيد عن األجناس وخارج خانات النثر والشعر والرواية والشهادة...
82
- A. REGARDER, J.M.SCHAEFFER : Qu’est- ce qu’un genre littéraire,
SEUIL, 1989.
38
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
يأىب أن ينتظم حتت كل هذا ،أو يثبت له مكانه ،وحيدد شكله .83"...وينادي روالن بارت كذلك
إىل إلغاء احلدود املوجودة بني األجناس األدبية ،وتعويض اجلنس األديب أو األثر األديب بالكتابة أو
النص .ومبا أن النص يتحكم فيه مبدأ التناص ،واستنساخ األقوال ،وإعادة األفكار ،وتعدد املراجع
اإلحالية اليت تعلن موت املؤلف ،فالداعي للحديث عن اجلنس األديب ونقائه وصفائه ،مادام النص،
من جهة أخرى ،مجاع نصوص متداخلة ،وملتقى خطابات متنوعة وخمتلفة من حيث التجنيس
والتصنيف .ويعين هذا أن الكتابة األدبية -حسب بارت-هي خلخلة ملعيار التجنيس ،وانتهاك
لرتتيب األنواع ،وانزياح عن قواعد تصنيف األمناط .ويف هذا ،يقول روالن بارت":إن النص
الينحصر يف األدب اجليد .إنه اليدخل ضمن تراتب ،وال حىت ضمن جمرد تقسيم لألجناس .ماحيدده
على العكس من ذلك هو قدرته على خلخلة التصنيفات القدمية"84.
ويالحظ اليوم أن الكتابات اإلبداعية املعاصرة ،سواء يف الثقافة الغربية أم يف الثقافة العربية ،قد بدأت
-فعال -يف خلخلة اجلنس األديب ،وحتطيم معايريه النوعية ،ونسف مقوماته النمطية ،باسم احلداثة،
والتجريب ،والتأصيل ،والتأسيس .فأصبحنا -اليوم -نتحدث عن القصيدة النثرية اليت يتقاطع فيها
الشعر والنثر ،والقصيدة الشذرية اليت يتقاطع فيها الشعر مع الفلسفة ،والقصيدة الدرامية اليت ينصهر
فيها الشعر واحلوار املسرحي معا .كما أصبحت الرواية فضاء ختييليا لتالقح النصوص وتداخل
اخلطابات واألجناس تناصا وهتجينا .دون أن ننسى املسرح الذي أصبح أب الفنون واألجناس األدبية
بامتياز.
83
-BLANCHOT, M : le livre à venir, PAIS, GALLIMARD, 1959, pp : 243-
244.
-روالن بارت :درس السيميولوجيا ،ترمجة عبد السالم بن عبد العايل ،دار توبقال للنشر ،الدار البيضاء ،الطبعة األوىل، 84
،1986ص.61:
39
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
إذا انتقلنا إىل احلقل الثقايف العريب ملالحقة وضعية نظرية األجناس األدبية ،فسنجد عدة دارسني قد
اهتموا بتأريخ األجناس والفنون واألنواع واألمناط األدبية ،بتعريفها من حيث الشكل واملضمون
-ريني ه ويلي ك وأوس تني وارين :نظريــة األدب ،ترمجة :حميي ال دين ص بحي ،املؤسس ة العربي ة للدراس ات والنش ر،الطبع ة 85
والوظيفة ،وحتديد مرتكزاهتا ومكوناهتا ومساهتا ،مع ذكر النماذج التمثيلية من الثقافتني :الغربية
والعربية على حد سواء ،مث االنتقال إىل دراسة بعض النصوص اليت متثل أجناسا أدبية حمددة مضمونا
وشكال ،كما فعل حممد مندور يف كتابه( األدب وفنونه) ،86وعز الدين إمساعيل يف كتابه (األدب
وفنونه) ،87وعبد املنعم تليمة يف(مقدمة في نظرية األدب) ،88وحممد غنيمي هالل يف كتابه(في
األدب المقارن) ،89وعبد السالم املسدي يف كتابه(النقد والحداثة) ،90وموسى حممد خري الشيخ
يف( نظرية األنواع األدبية في النقد العربي) ،91وإحسان عباس يف كثري من دراساته اليت خصصها
جملموعة من الفنون واألجناس األدبية ،كالنقد األديب ،وفن الشعر ،وفن السرية ...وما قام به بعض
الدارسني احملدثني من مراجعة لقضية األجناس األدبية يف ضوء مناهج حديثة :بنيوية ،وسيميائية،
وقرائية ،ونقدية تارخيية ،كما فعل عبد الفتاح كليطو يف كتابه(األدب والغرابة) ،92ورشيد حيياوي
يف كتابيه ( مقدمات في نظرية األنواع األدبية) ،93و(شعرية النوع األدبي)،94وحممد برادة الذي
طبق مفهوم التجنيس املستوحى من ماري شيفر يف كتابه(لغة الطفولة والحلم ،قراءة في ذاكرة
القصة المغربية)95.
-عزالدين إمساعيل :األدب وفنونه ،الطبعة السابعة ،الفكر العريب ،القاهرة ،دون حتديد لتاريخ الطبعة. 87
-عبد املنعم تليمة :مقدمة في نظرية األدب ،دار الثقافة ،القاهرة.1987 ، 88
-حممد غنيمي هالل :األدب المقارن ،دار هنضة مصر للطبع والنشر ،القاهرة. 89
-عبد السالم املسدي :النقد والحداثة ،دار الطيعة ،بريوت ،لبنان ،الطبعة األوىل سنة 1983م ،ص.108: 90
-موسى حممد خري الشيخ :نظرية األنواع األدبية في النقد العربي ،دار الرتمجة ،الكويت ،الطبعة األوىل1995 ،م. 91
-عبد الفتاح كليطو :األدب والغرابة ،دار الطليعة ،بريوت ،لبنان،الطبعة الثانية.1983 ، 92
-رشيد حيياوي :مقدمات في نظرية األنواع األدبية ،أفريقيا الشرق ،الطبعة الثانية.1994 ، 93
-رشيد حيياوي :شعرية النوع األدبي :في قراءة النقد العربي القديم ،دار أفريقيا الشرق ،الطبعة األوىل ،سنة 1994م. 94
-حمم د ب رادة :لغ ــة الطفول ــة والحلم ،ق ــراءة في ذاك ــرة القص ــة المغربي ــة ،الش ركة املغربي ة للناش رين املتح دين ،الرب اط، 95
وأخريا ،الميكن فهم النص األديب وتفسريه ،أو تفكيكه وتركيبه ،إال بالتسلح بنظرية األدب،
واالنطالق من مكونات األجناس األدبية؛ ألهنا هي اليت يتكئ عليها الدارس أو الناقد أو املتلقي يف
حتليل النصوص وتقوميها ومعرفة طبيعتها ،والتأكد من مدى انزياحها عن املعايري الثابتة للجنس،
والتثبت من مدى مسامهتها يف تطوير األدب ،وخلق حداثة أجناسية أو نوعية.
الفصل الخامس:
96
السيميوطيقا والعنون ـ ــة
يعد العنوان من أهم العتبات النصية املوازية احمليطة بالنص الرئيس ،حيث يساهم يف توضيح دالالت
النص ،واستكشاف معانيه الظاهرة واخلفية ،إن فهما وإن تفسريا ،وإن تفكيكا وإن تركيبا .ومن مث،
ف العنوان ه و املفت اح الض روري لس رب أغ وار النص ،والتعم ق يف ش عابه التائه ة ،والس فر يف ده اليزه
املمتدة .كما أنه األداة اليت هبا يتحقق اتساق النص وانسجامه ،وهبا تربز مقروئية النص ،وتنكشف
-نش ر ه ذا املق ال بعن وان( الس ميوطيقا والعنون ة) ،بمجل ــة ع ــالم الفك ــر ،الك ويت ،اجملل د ،25الع دد ،3:ين اير/م ارس 96
1997م ،صص.112-79:
42
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
مقاصده املباشرة وغري املباشرة .وبالتايل ،فالنص هو العنوان ،والعنوان هو النص ،وبينهما عالقات
جدلية وانعكاسية ،أو عالقات تعيينية أو إحيائية ،أو عالقات كلية أو جزئية...
وال ميكن مقارب ة العن وان مقارب ة علمي ة موض وعية إال بتمث ل املقارب ة الس يميوطيقية ال يت تتعام ل م ع
العناوين ،على أساس أهنا عالمات وإشارات ورموز وأيقونات واستعارات .ومن مث ،فالبد من دراسة
ه ذه العن اوين حتليال وت أويال من خالل ثالث ة مس تويات منهجي ة س يميوطيقية ،وميكن حص رها يف:
البنية ،والداللة ،والوظيفة.
إذًا ،م ا أمهي ة العن وان؟ وماعالق ة العن وان ب النص املوازي؟ وم ا أهم الكتاب ات الغربي ة والعربي ة يف جمال
العنون ة؟ وم ا أقس ام العن وان ووظائف ه؟ وم ا جمم ل اآللي ات الس يميوطيقية ملقارب ة العن وان؟ تلكم هي
األسئلة اليت سوف حناول رصدها يف هذه املباحث التالية:
43
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
.
فاس،املغرب ،العدد ،7السنة1992م ،ص101:
99
- G. Genette:Seuils, Editions Seuils, COLL. Poétique. Paris, 1987.P :54.
44
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
وعلى أي حال ،فالعنوان هو الذي يسم النص ،ويعينه ،ويصفه ،ويثبته ،ويؤكده ،ويعلن مشروعيته
القرائية .وهو الذي حيقق للنص كذلك اتساقة وانسجامه وتشاكله ،ويزيل عنه كل غموض وإهبام.
-شعيب حليفي( :النص املوازي للرواية(إسرتاتيجية العنوان)) ،مجلــة الكرمــل،قربص ،العدد ،46السنة1992 :م ،ص:
100
.82
45
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
مستقلة ،ومتكاملة بذاهتا .وهي تأيت جماورة لبنية النص األصل كشاهد تربط بينهما نقطة التفسري ،أو
شغلهما لفضاء واحد يف الصفحة عن طريق التجاور ،كأن تنتهي بنية النص األصل بنقطة ،ويكون
الرج وع إىل الس طر ،لنج د أنفس نا أم ام بني ة نص ية جدي دة ال عالق ة هلا ب األوىل من خالل البحث
101
والتأمل".
وت درس الش عرية ،أو البويطيق ا -حس ب ج ريار ج نيت ( -)Genetteالتع ايل النص ي (
،)Trascendance textuelle du texteأو املتعاليات النص ية (.)Transtextualité
ومفهوم التعايل النصي حسب جريار جنيت" كل الذي جيعله ،يف عالقة ظاهرة أو خمفية ،مع باقي
النص وص .فالتع ايل النص ي يتج اوز،إذًا ،ويض م املعماري ة النص ية ،))L’architextualitéوبعض
األمناط األخرى من العالقات النصية املتعالية" .102
ويعين هذا ،بكل بساطة ،أن الشعرية تدرس األجناس األدبية تفكيكا وتركيبا.
إذًا ،إن املقص ود األس اس ب النص املوازي ل دى ج ريار ج نيت ( )Genetteه و العن وان ال رئيس،
والعن وان الف رعي ،والعن اوين الداخلي ة ( ،)intertitresواملق دمات ،وامللحق ات ،واهلوامش،
واإلهداء ،واملالحظات ،وكلمات الغالف ،والفهرس ،واملقتبسات ،والتنبيهات ،والتقدمي ،والتوثيق،
واأليقونات ،والعبارات التوجيهية ...دون أن ننسى الرسائل ،واملذكرات ،واليوميات ،والشهادات،
والنسخ املخطوطة ،وتوقيعات املؤلف ،وكتاباته اخلطية األصلية ...وهذه املعطيات كلها حتيط بالنص
من اخلارج ،أكثر مما حتيط به من الداخل .وهي عبارة عن عتبات أولية ،عربها منر إىل أعماق النص،
وتدخل إىل فضاءاته الرمزية املتشابكة 103.إن النص املوازي ،كما يرى جنيت ( ،)Genetteهو
104
منجم من األسئلة بدون أجوبة.
-سعيد يقطني:انفتاح النص الروائي(النص -السياق) ،املركز الثقايف العريب ،الدار البيضاء ،املغرب ،الطبعة األوىل سنة 101
1989م،ص.111:
102
-Genette (G): Palimpsestes. Coll.Poétique Ed. Seuil, Paris, 1982, p.7.
103
- G.Genette:Introduction à l’Archetexte, ED, Seuil, Paris, 1982, p:9.
104
8- G.Genette:op.cit, p:9.
47
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
وهكذا ،اعتربت املكونات اخلمسة للمتعاليات النصية ،ال كأقسام للنصوص ،لكن باعتبارها مظاهر
للنص ية .والعن وان يف احلقيق ة جنس كب اقي األجن اس ،ل ه مكونات ه البويطيقي ة ،وخصائص ه البنيوي ة،
كحال التقدمي واإلهداء وباقي العتبات األخرى .ويف هذا السياق ،يقول جنيت ( " :)Genette
إن التقدمي( ،كالعنوان)،هو جنس ،وكذلك النقد (ميتاناص) هو ،بديهيا ،جنس".105
أي :يعت رب العن وان مبف رده جنس ا أدبي ا مس تقال كالنق د ،والتق دمي ،إخل ...ويع ين ه ذا أن ل ه مبادئ ه
التكوينية ،ومميزاته التجنيس ية .وحنن،على حق وصواب ،حينما كنا ندعو ،ومازلنا ندعو إىل يومنا
هذا ،إىل دراسة النصوص اإلبداعية يف ضوء العنوان ،ضمن مقاربة نصية منهجية تسمى بــ"المقاربة
العنوانية" Approche Titrologique/؛ ألن العنوان قادر ،مبفرده ،على تفكيك النص
وفق بنياته الصغرى والكربى بغية إعادة تركيبه من جديد حنوا وداللة وتداوال ،سواء أكانت القراءة
العنوانية من األسفل إىل األعلى ،أم من األعلى إىل األسفل ،أم من الداخل إىل اخلارج ،أم من اخلارج
إىل الداخل.
105
- G.Genette: op.cit, p:15.
48
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
مث هناك الوظيفة الداللية اليت تتمثل يف أن العنوان يلخص مضمون النص أو العمل املعروض بشكل
موسع أو خمتزل.
ويوج د حتت العن وان الغاليف اخلارجي م ا يس مى ب العنوان التعيي ين ،أو م ا يس مى أيض ا ب العنوان
التجنيسي الذي حيدد جنس العمل األديب مبجموعة من التوصيفات النقدية اليت تندرج ضمن نظرية
األدب ،مثل :شعر ،رواية ،نقد ،قصة قصرية ،رحلة...إخل.
وحينما ندخل إىل أغوار العمل ميكن احلديث عن عناوين أخرى كالعنوان األساس الذي يكون على
رأس قصيدة شعرية ،أو فصل من الرواية ،أو مشهد مسرحي ،أو قسم من الدراسة النقدية...
وجند أيضا العنوان الداخلي الذي يتفرع عن العنوان األساس .باإلضافة إىل العنوان املقطعي الذي مييز
املق اطع والفق رات واملتوالي ات النص ية .ب ل ق د جند ك ذلك ض من النص وص الش عرية املعاص رة أو
النص وص الش ذرية م ا يس مى ب العنوان الش ذري .عالوة على ذل ك ،ق د جند عن اوين أخ رى يف جمال
األحباث والدراس ات الوص فية كعن اوين األقس ام والفص ول واملب احث ،إىل ج انب العن وان الفهرس ي
املرتبط بفهرسة العمل بشكل منظم ومنهجي ،حيدد حمتويات العمل ،ويربز مضامينه الداخلية .كما
يتم احلديث أيض ا عن العنوان املوضوعايت الذي حيدد تيم ة النص أو العم ل ،ويرصد بنيته التشاكلية
واملعجمية ،مبوازاة مع العنوان اإلخباري ،وخاصة يف جمال اإلعالم والتواصل.
49
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
-انظر :مجيل محداوي :إشـكالية العنـوان في الـدواوين والقصـائد الشـعرية في أدبنـا العـربي الحـديث والمعاصـر ،اجلزء 106
األول ،رس الة لني ل دبل وم الدراس ات العلي ا ،كلي ة اآلداب والعل وم اإلنس انية ،جامع ة عب د املل ك الس عدي ،تط وان ،نوقش ت
الرسالة سنة 1996م.
-انظر :ألكسندر ستيبتشفينت :تاريخ الكتـاب ،اجلزء األول ،ترمجة :حممد.م .األرناؤوط ،سلسلة عامل املعرفة ،الكويت، 107
واملقارب ة البنيوي ة ،واملقارب ة الس يميولوجية ،ومقارب ة التلقي ،واملقارب ة التأويلي ة ،واملقارب ة األس لوبية،
واملقاربة النصية ،واملقاربة املوضوعاتية ،واملقاربة الفلسفية ،واملقاربة البالغية..
وعلي ه ،فثم ة جمموع ة من الدراس ات ال يت اهتمت بالعنون ة يف الغ رب ،ومنه ا دراس ة هلني (
()M.Hélinالكتب وعناوينه ــا) ،س نة 1956م ،109ودراس ة تي ودور أدورن و( )Adorno
( العن ــاوين) 1962م ،110ودراس ة كريس تيان مونس ويل( ()Moncelet Christianبحث
حــول العنــوان في األدب والفنــون) س نة 1972م ،111ودراس ة لي و هوي ك( ()Leo Hoekمن
أجل دراسة سـيميائية للعنـوان)سنة 1973م112؛ ودراسة شارل كريفيل( ( ) C.Grivelإنتـاج
الفائدة الروائية) سنة 1973م.113
ه ذا ،ويع د كل ود دوش يه ( ) Claude Duchetمن الدارس ني الغرب يني األوائ ل ال ذين اهتم وا
ب البحث يف جمال العن وان تنظ ريا وتص ورا ،فق د فتح ب اب العنون ة على مص راعيه يف كتاب ه(الفت ــاة
المتخلى عنهــا والــوحش البشــري ،عناصــر العنونــة الروائيــة) سنة 1973م .114وبعده ،جاء جان
109
- M.Hélin : les livres et leurs titres, Marche Romane, sep-déc.1956.
110
-Th.Adorno (1962) : (les titres), in : Notes sur la littérature, Flammarion,
1984.
111
- CH.Moncelet : Essai sur le titre en littérature et dans les arts, la Roche
; Blanche, POF, 1972
112
- Leo H.Hoek :(Pour une sémiotique du titre), Document M.Hélin : les
livres et leurs titres, Marche Romane, sep-déc.1956.
?
-Th.Adorno (1962) : (les titres), in : Notes sur la littérature, Flammarion,
1984.
?
- CH.Moncelet : Essai sur le titre en littérature et dans les arts, la Roche
; Blanche, POF, 1972
du travail, Urbino, Févr.1973.
113
- C.Grivel : Production de l’intérêt romanesque, Mouton1973, pp : 166-
18.
51
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
مولين و بدراس ته(حــول عنــاوين جــان بــروس) س نة 1974م ،115وه اري ليفني ( ) H.Levinيف
دراسته ( العنوان باعتباره جنسا أدبيــا) سنة1977م ،116وليفنستون( ) E.A.Levenstonيف
(داللة العنوان في الشعر الغنائي) سنة 1978م ،117وهنري ميرتان( ) Mitterandيف( عناوين
رواي ـ ــات ك ـ ــوي دي ك ـ ــار) س نة 1979م ،118وري دوب وف ج وزيت( Rey- Debove
) Josetteيف ( بحث حول تصنيف سيميوطيقي لعناوين المؤلفات) سنة 1979م.119
ويكتب ليو هويك مرة أخرى دراسة قيمة بعنوان( عالمة العنوان) سنة 1981م .120لكن دراسة
ليوهويك ( )Leo Hoekتبقى الدراسة األعمق؛ ألهنا تناولت العنوان من منظور مفتوح تؤطره
الس يميائيات .فض ال عن اطالع ه الواس ع على ت اريخ الكتاب ة .ولق د درس العن وان يف إط ار عالقات ه
الرتكيبية واملقطعية ،منطلقا يف تعريفه له من منظور سيميائي ،حيث يعتربه " جمموعة عالمات لسانية
تشري إىل احملتوى العام للنص تصورا وتعيينا".121
ونذكر كذلك جون بارث( ) J.Barthيف دراسته( عنوان هـذا الكتـاب) ،و( العنـوان الفـرعي
لهذا الكتاب) سنة 1984م ،122وكوليت كانتوروفيزيتش يف( إيحاء العناوين) سنة 1986م.123
114
- Claude Duchet : la fille abandonnée et la bête humaine, éléments de
titrologie romanesque, Littérature12, 49-73.
115
- J.Molino : (Sur les titres de Jean Bruce), Langages 35,1974.
116
-H.Levin :( The title as a literary Genre), The Modern Language Review72,
1977.
- E.A.Levenston :( The significance of the Title in Lyric Poetry), The Hebrew
117
52
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
ويبقى ج ريار ج نيت) ( G.Genetteمن كب ار املنظ رين الغرب يني ال ذين أول وا عناي ة كب رية
للعنون ة،والس يما يف كتاب ه( العتب ــات ،) Seuils /وق د نش ره س نة 1987م .124ويعت رب ج نيت
العنوان نصا موازيا يندرج ضمن النص احمليط .ومن مث ،فالنص املوازي لديه هو" ما يصنع به النص
من نفسه كتابا ،ويقرتح ذاته هبذه الصفة على قرائه ،وعموما على اجلمهور .أي :ما حييط بالكتاب
من سياج أويل ،وعتبات بصرية ولغوية".125
وتطرح إشكالية العنوان أسئلة متعددة شائكة ،اعتربها جريار جنيت مسألة تفرض نوعا من التحليل
الدقيق .أما جريار فينييه ( ،)Gérard Vignerف ريى " أن العنوان والنص يشكالن بنية معادلة
ك ربى ،ف العنوان ه و النص 126 ".ويع ين ه ذا أن العن وان عن د ج ريار فينيي ه بني ة رمحي ة ،تول د معظم
دالالت النص ،فإذا كان النص هو املولود ،فان العنوان هو املولد الفعلي لتشابكات النص ،وجممل
أبعاده الفكرية واإليديولوجية.
وهك ذا ،ت رهتن والدة النص الش عري أو ال روائي مبا يس ميه ج ان ريك اردو (jean
)Ricardouبـ(اجلذر التولي دي) .أي :عن وان النص ،وعملي ة اإلنس ال .أي :تش كيل النص.127
ف املركب العن واين ميث ل حبق ال رحم اخلص ب ال ذي يتمخض في ه نص القص يدة الش عرية ،ويتخل ق،
وينمو.
122
- J.Barth :( the Title of this Book) et (The Subtitle of this Book),in: The
Friday Book, New york,1984.
123
- C.Kantorowicz : Elequence des Titres, Thèse, New York University,
1986.
124
- Genette (Gérard): Seuils, Paris, Seuil,Collection Poétique, 1987.
125
- G. Genette:Seuils, p : 7.
126
- Gerarde Vigner :( une unité discursive restreinte : le titre),in : le français dans
le Monde,No :156,6 Octobre1980, P :31 .
127
-Jean Ricardou :(Naissance d’une fiction),in :Nouveau
Roman :hier,aujourd’hui.2. pratiques, Paris, V.G.E, 10-18, 1972, p : 380,
(colloque).
53
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
ومن املع روف أن مثة العدي د من الكتب والدراس ات احلديث ة واملعاص رة ال يت اهتمت ب العنوان بطريق ة
جزئي ة ،أو بطريق ة كلي ة ،كم ا أهنا اعتم دت يف ذل ك مقارب ات ومن اهج متنوع ة لتطوي ق العن وان،
ودراسته دراسة شاملة تتناول البنية ،والداللة ،والوظيفة.
ومن الدراس ات الغربي ة األخ رى ال يت نستحض رها يف جمال العنون ة ،دراس ة ج ان بي ري كولدنش تاين(
( ) Goldensteinق ــراءة العن ــاوين) س نة 1990م ،128و(وظ ــائف العن ــوان) جلوزي ف ب يزا
كامربويب( )Josep Besaسنة 2008م...129إخل
أما عن الدراسات العربية حول العنوان ،فيمكن احلديث عن كتاب حممد عويس( العنوان في األدب
الع ــربي(النش ــأة والتط ــور)) س نة 1988م،130وكت اب حمم د فك ري اجلزار( العن ــوان وس ــيميوطيقا
االتص ــال األدبي) س نة 1988م ،131وكت اب حمم د ب نيس( التقليدي ــة) س نة 1989م ،132وكت اب
س عيد يقطني( انفت ــاح النص ال ــروائي) س نة 1989م ،133ودراس ة ش عيب حليفي( النص الم ــوازي
للرواي ــة -إس ــتراتيجية العن ــوان) س نة 1992م ،134ودراس ة عب د الفت اح احلجم ري( عتب ــات النص
البنية والداللة) سنة 1996م ،135ودراسة عبد اجلليل األزدي( عتبات الموت -قــراءة في هــوامش
128
- Goldenstein, Jean-Pierre : Lire les titres, Dans Entrées en Littérature, 67-84,
Hachette, 1990.
-ج وزيب ب يزا ك امربويب( :وظ ائف العنوان)،الكشــف عن المعــنى في النص الســردي ،،الســرديات والســيميائيات ،دار 129
1988م.
-حمم د فك ري اجلزار :العن ــوان وس ــيميوطيقا االتص ــال األدبي ،اهليئ ة املص رية العام ة للكت اب ،الق اهرة ،مص ر ،طبع ة 131
1988م.
-حممد بنيس :التقليدية ،دار توبقال للنشر ،الدار البيضاء ،املغرب ،الطبعة األوىل سنة 1989م. 132
-سعيد يقطني :انفتاح النص الروائي ،املركز الثقايف العريب ،الدار البيضاء ،الطبعة األوىل سنة 1989م. 133
-شعيب حليفي( ،النص املوازي للرواية -اسرتاتيجية العنوان) ،مجلة الكرمل ،قربص ،العدد ،1992/ 46ص .82 134
-عبد الفتاح احلجمري :عتبات النص البنية والداللة ،شركة الرابطة ،الطبعة األوىل سنة 1996م. 135
54
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
وليمــة ألعشــاب البحــر) س نة1996م ،136وماكتب ه مجي ل محداوي من دراس ات ومق االت وأحباث،
137
مثل (:إشكالية العنوان في الـدواوين والقصـائد الشـعرية في أدبنـا العـربي الحـديث والمعاصـر)
سنة 1996م ،و(السيميوطيقا والعنوان) سنة 1987م ،138و( مقاربة النص المــوازي في روايــات
بنســالم حميش)س نة 2001م،139و( لمــاذا النص المــوازي؟) س نة 2006م ،140ومجال ب وطيب يف
دراسته( العنوان في الرواية العربية) سنة 1996م ،141وبسام قطوس يف دراسته( سيمياء العنــوان)
سنة2001م ،142وعثمان بدري يف دراسته( وظيفة العنــوان في الشــعر العــربي -قــراءة في نمــاذج
منتخبة) سنة 2003م ،143وخالد حسني حسني يف دراسته( في نظرية العنوان) سنة 2007م،144
وعبد املالك أشهبون يف دراسته( عتبات الكتابة في الرواية العربية) سنة 2009م...145
-عبد اجلليل األزدي( :عتبات املوت -قراءة يف هوامش وليمة ألعشاب البحر) ،فضاءات مستقبلية ،املغرب ،العددان: 136
1996 /3-2م.
-مجيل محداوي :إشــكالية العنــوان في الــدواوين والقصــائد الشــعرية في أدبنــا العــربي الحــديث والمعاصــر ،رسالة لنيل 137
دبلوم الدراسات العليا ،كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية ،جامعة عبد امللك السعدي ،تطوان ،نوقشت الرسالة سنة 1996م.
-مجيل محداوي( :السيميوطيقا والعنونة) ،مجلة عالم الفكر ،اجمللد اخلامس والعشرون،العدد الثالث1997 ،م ،الكويت، 138
ص.112-79:
-مجيل محداوي :مقاربة النص الموازي في روايـات بنســالم حميش ،أطروحة دكتوراه الدولة ،نوقشت بكلية اآلداب، 139
-مجال بوطيب( :العنوان يف الرواية العربية) ،الرواية المغربية(أسئلة الحداثة) ،دار الثقافة ،الدار البيضاء ،املغرب ،الطبعة 141
-عثمان بدري( :وظيفة العنوان يف الشعر العريب -قراءة يف مناذج منتخبة) ،المجلة العربية للعلوم اإلنسـانية ،الكويت، 143
العدد ،81:سنة2003م.
-خالد حسني حسني :في نظرية العنوان ،دار التكوين ،دمشق ،سوريا ،الطبعة األوىل سنة 2007م. 144
-عبد املالك أشهبون :عتبات الكتابة في الرواية العربية ،دار احلوار للنشر ،دمشق ،سوريا ،الطبعة األوىل سنة 2009م. 145
55
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
-جون كوهن :بنية اللغة الشـعرية ،ترمجة :حممد الويل وحممد العمري ،دار توبقال للنشر ،الدار البيضاء ،الطبعة األوىل 146
سنة 1986م،ص.161:
56
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
هذا ،وإن العنونة هي أوىل املراحل اليت يقف لديها الباحث السيميولوجي لتأملها واستنطاقها قصد
اكتش اف بنيته ا وتراكيبه ا ومنطوقاهتا الداللي ة ومقاص دها التداولي ة .إن العن اوين عب ارة عن عالم ات
سيميوطيقية تقوم بوظيفة االحتواء ملدلول النص .كما تؤدي وظيفة تناصية ،والسيما إذا كان العنوان
حييل على نص خارجي ،يتناسل معه ويتالقح شكال وفكرا .وهكذا ...« ،ميكن أن تشتغل العناوين
عالمات مزدوجة ،حيث إهنا يف هذه احلالة حتتوي القصيدة اليت تتوجها ،ويف الوقت نفسه حتيل على
نص آخ ر ،ومبا أن املؤول ميث ل نص ا ،فه و يؤك د واق ع ك ون وح دة الدالل ة يف الش عر نص ية دائم ا،
وبإحالت ه على نص آخر يوجه العن وان املزدوج انتباها حنو املوقع الذي تفس ر في ه داللي ة النص الذي
حيتويه .إن املقارنة بالنص الذي مت استحضاره تنور القارئ؛ ألنه يدرك التماثل املوجود بني القصيدة
ومرجعه ا النص ي على املس تويني :الوص في والس ردي ،وميكن ،على س بيل املث ال ،أن يك ون للمرج ع
147
النصي نفس املولد املوجود يف القصيدة"...
وهكذا ،فالعنوان هو الذي يسمي النصوص واخلطابات اإلبداعية ،ويعينها ،وخيلق أجواءها النصية
والتناصية عرب سياقها الداخلي واخلارجي .عالوة على استيعابه لألسئلة اإلشكالية اليت تطرحها هذه
النصوص واخلطابات بواسطة عناوينها الوسيطة والبؤرية.
كم ا للعن وان وظ ائف س يميولوجية متع ددة ومتنوع ة ،حيث ي رد عالم ة ،ورم زا ،وإش ارة ،وأيقون ا،
وخمططا ،وصورة ...والسيما أننا نعيش ،اليوم ،يف عوامل العالمات ،يف عصر يتسم بالتعقيد والتواصل
البصري .لذلك ،يتطلب منا ذلك كله التسلح باملشروع السيميولوجي للدخول يف مغامرة عالماتية
قص د اإلملام باحملي ط ال ذي يواجهن ا ،واالبتع اد عن ال ثرثرة الزائ دة ،وجتنب الكتاب ات الطويل ة اململ ة،
والرتك يز على االختص ار واإلحياء ب دال من التطوي ل والتفص يل املم ل .ل ذا ،تعتم د الياب ان ،مثال ،على
األنساق السيميولوجية يف التأثري ،والتبادل ،والتمدن احلضاري .حىت أصبحت اليابان من الدول اليت
تعيش عاملا مليئا بالعالمات ،سواء أكانت لفظية أم بصرية .وتقوم العناوين بأدوار سيميولوجية هامة
يف إثراء إمرباطورية العالمات نظرا ملا تؤدي من وظائف كثرية يف التواصل الثقايف واحلضاري.
وهك ذا ،ي رى روالن ب ارت ( )R.Barthesأن العن اوين عب ارة عن أنظم ة داللي ة س يميولوجية،
حتم ل ،يف طياهتا ،قيم ا أخالقي ة واجتماعي ة وإيديولوجي ة .ويف ه ذا اإلط ار ،يق ول ب ارت (
147
- Rifaterre, M (1983) : sémiotique de la poésie, Seuil.Paris.p.130.
57
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
":)Barthesيب دو اللب اس ،والس يارة ،والطب ق املهي أ ،واإلمياءة ،والفيلم ،واملوس يقى ،والص ور
اإلشهارية ،واألثاث ،وعنوان اجلريدة ...أشياء متنافرة جدا.
م ا ال ذي ميكن أن جيم ع بينه ا؟ إن ه على األق ل :كوهنا مجيع ا أدل ة .فعن دما أتنق ل يف الش ارع أو يف
احلياة ،وأصادف هذه األشياء ،فاين أخضعها ،بدافع احلاج ة ،ودون أن أعي ذل ك ،لنفس النش اط،
الذي هو نشاط قراءة .يقضي اإلنسان املعاصر وقته يف القراءة.إنه يقرأ أوال ،وبصورة خاصة ،صورا،
وإمياءات وسلوكيات .هذه السيارة تطلعين على الوضع االجتماعي لصاحبها ،وهذا اللباس يطلعين،
بدق ة ،على مق دار امتثالي ة البس ه أو ش ذوذه ،وهذا املش روب الف اتح للش هية (الويس كي ،وال ربنو أو
النبيذ األبيض املمزوج خبالص الكشمس) ،يطلعين على أسلوب مضيفي يف احلياة .وحىت عندما يتعلق
األمر بنص مكتوب ،فإنه يسمح لنا بأن نقرأ ،دائما رسالة ثانية بني سطور األوىل :لو قرأت خبط
بارز "فزع بول ()Paulالسادس " ،فذلك معناه:إذا قرأت ما حتت العنوان ستدرك السبب .وكلها
قراءات على قدر كبري من األمهية يف حياتنا .إهنا تتضمن قيما جمتمعية وأخالقية وأديولوجيات كثرية،
148
البد ،لإلحاطة هبا ،من تفكري منظم .هذا التفكري هو ما ندعوه هنا على األقل ،سيميولوجيا".
إذًا ،تعد العناوين مبثابة رسائل مسكوكة مضمنة بعالمات دالة ومعربة ،ومشبعة برؤى للعامل يغلب
عليه ا الط ابع اإلحيائي .ل ذا ،فعلى الس يميولوجيا أن ت درس العن اوين اإلحيائي ة الدال ة قص د فهم
اإلي ديولوجيا والقيم ال يت تزخ ر هبا .ويف ه ذا الص دد ،يق ول روالن ب ارت (":)Barthesك ان
االعتق اد يف بداي ة املش روع الس يميولوجي ب أن املهم ة الرئيس ة تكمن -بتعب ري دو سوس ري
-)F.De.Saussureيف دراس ة هيئ ة األدل ة داخ ل احلي اة اجملتمعي ة .وبالنتيج ة ،إع ادة تك وين
األنظم ة الدالئلي ة لألش ياء (ألبس ة ،وأطعم ة ،وص ور ،وطق وس ،ورمسيات ،وموس يقى ،إخل ،)..وهي
مهم ة ينبغي إجنازه ا .لكن باقتح ام الس يميولوجيا هلذا املش روع الض خم ،س لفا ،اعرتض تها ،مه ام
أخرى ،كدراسة تلك العمليات العجيبة ،اليت يصري للرسالة مبوجبها ،معىن ثان شائع وأيديولوجي
عموما ،يدعى "معىن إحيائيا " .لو قرأت يف صحيفة هذا العنوان " :يسود بومباي جو من الورع ال
حيرم البذخ" ،ف إنين أتلقى ،بالتأكيد خ ربا حرفي ا ح ول اجملتم ع القرب اين ،لك ين ألتق ط ،ك ذلك ،مجلة
.
-روالن بارت :المغامرة السيميولوجية ،ترمجة :عبد الرحيم حزل ،مراكش ،الطبعة األوىل سنة 1993م؛ ص25 148
58
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
مس كوكة بكوهنا ت وازن للمتعارض ات ،حييل ين إىل رؤي ة للع امل ،هذه ظ واهر دائم ة ،وينبغي الش روع
منذ اآلن ،بدراستها على نطاق واسع ،وارتباطا بكل مصادر اللسانيات".149
وعلي ه ،فللعن وان ع دة وظ ائف س يميائية ع دة ،ميكن حص رها يف وظيف ة التع يني ال يت تتكف ل بوظيف ة
تسمية العمل وتثبيته .وهناك أيضا الوظيفة الوصفية اليت تعين أن العنوان يتحدث عن النص وصفا
وشرحا وتفسريا وتأويال وتوضيحا .ونذكر كذلك الوظيفة اإلغرائية اليت تكمن يف جذب املتلقي،
وكسب فضول القارئ لشراء الكتاب ،أو قراءة النص.
كم ا ي ؤدي العن وان وظيف ة التلميح ،واإلحياء ،واألدجلة ،والتن اص ،والتكني ة ،واملدلولي ة ،والتعلي ق،
والتش اكل ،والش رح ،واالخ تزال ،والتك ثيف ،وخل ق املفارق ة واالنزي اح عن طري ق إرب اك املتلقي.
فضال عن الوظيفة اإلشهارية...
كم ا حيدد ج ريار ج نيت للعنون ة أرب ع وظ ائف أساس ية هي :اإلغ راء ،واإلحياء ،والوص ف،
والتعيني.150
إن العن وان -كم ا ه و معل وم -عب ارة عن رس الة ،وه ذه الرس الة يتبادهلا املرس ل واملرس ل إلي ه،
فيسامهان يف التواصل املعريف واجلمايل .وهذه الرسالة مسننة بشفرة لغوية ،يفككها املستقبل ،ويؤوهلا
بلغته الواصفة ،وترسل هذه الرسالة ذات الوظيفة الشاعرية أو اجلمالية عرب قناة وظيفتها احلفاظ على
االتص ال .وميكن ،يف ه ذا الس ياق ،االس تفادة من وظ ائف اللغ ة ،كم ا أرس اها روم ان جاكبس ون (
.)R.Jackobsonفللعنوان وظيفة مرجعية ترتكز على موضوع الرسالة ،باعتباره مرجعا وواقعا
أساس يا تع رب عن ه الرس الة .وه ذه الوظيف ة موض وعية ال وج ود للذاتي ة فيه ا نظ را لوج ود املالحظ ة
الواقعية ،والنقل الصحيح ،واالنعكاس املباشر .وهناك الوظيفة االنفعالية التعبريية اليت حتدد العالئق
املوجودة بني املرسل والرسالة .وحتمل هذه الوظيفة يف طياهتا انفعاالت ذاتية ،وتتضمن قيما ومواقف
عاطفية ومشاعر وإحساسات ،يسقطها املتكلم على موضوع الرسالة املرجعي.
150
-A.Regarder : G. Genette:Seuils, Editions Seuils, COLL. Poétique. Paris :
1987.
59
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
وهناك أيضا الوظيفة التأثريية اليت تقوم على حتديد العالقات املوجودة بني املرسل واملتلقي ،حيث
يتم حتريض املتلقي ،وإثارة انتباهه ،وإيقاظه عرب الرتغيب والرتهيب ،وهذه الوظيفة ذاتية.
وهن اك الوظيف ة اجلمالي ة أو الش عرية ال يت حتدد العالئ ق املوج ودة بني الرس الة وذاهتا ،وتتحق ق ه ذه
الوظيف ة يف أثن اء إس قاط احملور االختي اري على احملور الرتكي يب ،وبال ذات عن دما يتحق ق االنته اك
واالنزياح املقصود .وتتسم هذه الوظيفة بالبعد الفين واجلمايل والشاعري.
وميكن احلديث أيض ا عن الوظيف ة احلفاظي ة أو االتص الية للقن اة العنواني ة؛ إذ هتدف ه ذه الوظيف ة إىل
تأكيد التواصل ،واستمرارية اإلبالغ ،وتثبيته أو إيقافه ،واحلفاظ على نربة احلديث والكالم املتبادل
بني الطرفني.
وهناك كذلك الوظيفة الوصفية املتعلقة باللغة ،وهتدف هذه الوظيفة إىل تفكيك الشفرة اللغوية ،بعد
تسنينها من قبل املرسل ،واهلدف من السنن هو وصف الرسالة لغويا وتأويلها ،مع االستعانة باملعجم
أو القواعد اللغوية والنحوية املشرتكة بني املتكلم واملرسل إليه.
ونضيف الوظيفة البصرية أو األيقونية كما عند ترنس هاوكس ،151فهذه الوظيفة هتدف إىل تفسري
داللة األشكال البصرية واأللوان واخلطوط األيقونية بغية البحث عن املماثلة أو املشاهبة بني العالمات
البصرية ومرجعها اإلحايل.
ومن ب اب التنبي ه ،فنحن ،هن ا ،حنتكم إىل القيم ة املهيمن ة ()La valeur dominanteكم ا
حددها روم ان جاكبسون؛ألن العن وان يف نص ما ،ق د تغلب علي ه وظيف ة معين ة دون أخرى ،فك ل
الوظائف اليت حددناها سالفا متمازجة؛ إذ نعاينها خمتلطة ،بنسب متفاوتة ،يف رسالة واحدة ،حيث
تكون الوظيفة الواحدة منها غالبة على الوظائف األخرى حسب منط االتصال.
-ترنس هوكس( :مدخل إىل السيمياء) ،مجلة بيت الحكمة،املغرب ،العدد ،5السنة الثانية ،سنة 1987م ،ص.120: 151
60
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
61
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
للقصيدة الش عرية ميدها باحلياة وال روح واملعىن الن ابض.أي " :ميدنا العنوان ب زاد مثني لتفكي ك النص
ودراسته ،ونقول هنا:إنه يقدم لنا معرفة كربى لضبط انسجام النص ،وفهم ما غمض منه ،إذ هو
احملور ال ذي يتوال د ويتن امي ويعي د إنت اج نفس ه ،وه و ال ذي حيدد هوي ة القص يدة ،فه و -إن ص حت
املشاهبة مبثابة الرأس للجسد -واألساس الذي تبىن عليه ،غري أنه إما أن يكون طويال ،فيساعد على
توقع املضمون الذي يتلوه .وإما أن يكون قصريا ،وحينئذ ،فإنه البد من قرائن فوق لغوية توحي مبا
154
يتبعه".
ومن باب اإلضافة ،البد للمحلل أن يستعني بنظرية شارل بريس ،ويتمثل جهازه املفاهيمي التأويلي
الذي يتمثل يف الرمز ،واإلشارة ،واأليقون .وعليه أن يتمثل تصورات فرديناند دي سوسري ،ويستفيد
أيض ا من آراء ج ريار ج نيت ،وكرمياص ،وليوهوي ك ،وكل ود دوش يه ،وه نري مي رتان ،وش ارل
كريفيل ،وأمربطو إيكو ،ولوسيان كولدمان ،وجان ريكاردو ،وآخرين...
وخالصة القول ،ليس العنوان عنصرا زائدا كما يعتقد الكثري من الباحثني والدارسني .وينطبق هذا
احلكم أيض ا على ك ل العتب ات اجملاورة للنص ،من إه داء ،واس تهالل ،وتق دمي ،واقتب اس ،وفهرس ة،
وهوامش ،وصور ،وحيثيات النشر ...فالنص املوازي هو عنصر ضروري يف تشكيل الداللة ،وإثراء
املعىن .ومن هنا ،فمن الضروري دراسة العتبات ،وتفكيك املصاحبات املناصية ،واستكشاف الدوال
الرمزية ،وإيضاح اخلارج قصد إضاءة الداخل.
عالوة على ذل ك ،ف إن عن اوين النص وص واخلطاب ات والكتب واللوح ات واألعم ال الفني ة ذات
وظائف رمزية مشفرة ،ومسننة بنظام عالمايت دال على عامل من اإلحاالت الغنية والثرية .ومن مث،
تشكل العناوين كلها جمموعة رمزية ،وتربز ميزهتا االصطالحية حينما حياول املرء ترمجتها من لغة إىل
أخرى ،أو من ثقافة إىل أخرى .155كما ميكن " إلطار لوحة فنية أو غالف كتاب أن يوحيا بطبيعة
-بيري غريو :السيمياء ،ترمجة :أنطوان أيب زيد ،منشورات عويدات بريوت ،لبنان ،طبعة األوىل سنة 1984م ،ص.125: 155
62
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
نظام الرموز ،كما أن عنوان العمل الفين يشري غالبا إىل نظام الرموز أكثر من إشاراته إىل مضمون
الرسالة".156
تلكم،إذًا ،جمم ل التص ورات الس يميوطيقية ح ول ظ اهرة العنون ة ،وم دى أمهيته ا الوظيفي ة يف مقارب ة
النصوص واخلطابات على مستوى البنية ،والداللة ،والوظيفة.
63
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
الفصل السادس:
-علي جعفر العالق ( :شعرية الرواية) ،عالمات في النقد ،اجمللد ،6اجلزء ،23السنة ،1997صص.101-100: 157
64
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
وعلى الرغم من هذا اإلمهال ،فقد التفت إليه بعض الدارسني يف الثقافتني :العربية واألجنبية ،قدميا
وحديثا ،وتنبه إليه الباحثون يف جمال السيميوطيقا وعلم السرد واملنطق ،وأشاروا إىل مضمونه اإلمجايل
يف األدب والسينما واإلشهار نظرا لوظائفه اللغوية ،واملرجعية ،والتأثريية ،واأليقونية .وحرصوا على
متي يزه يف دراس ات معمق ة ،بش رت بعلم جدي د ذي اس تقاللية تام ة ،أال وه و علم العن ـ ــوان(
)TITROLOGIEالذي ساهم يف صياغته وتأسيسه باحثون غربيون معاصرون هم :جيرار
ج ـ ـ ــنيت( ،) G.GENETTEوه ـ ـ ــنري م ـ ـ ــتران( ،) H.METTERANDولوس ـ ـ ــيان
ﮔولدمان( ،) L.GOLDMANNوشارل ﮔريفل( ،) CH.GRIVELوروجــر روفــر(
،) ROGER ROFERوليوهويــك( ) LEO HOEKال ذي ع رف العن وان بكون ه"
جمموع ة من ال دالئل اللس انية ( )...ميكنه ا أن تثبت يف بداي ة النص من أج ل تعيين ه ،واإلش ارة إىل
مضمونه اإلمجايل ،ومن أجل جذب اجلمهور املقصود".1
وقد نادى لوسيان ﮔولدمان الدارسني والباحثني الغربيني إىل االهتمام بالعتبات بصفة عامة ،والعنوان
بصفة خاصة .وأكد يف قراءته السوسيولوجية للرواية الفرنسية اجلديدة مدى قلة النقاد" الذين تعرضوا
إىل مسألة بسيطة مثل العنوان يف رواية ( الرائي )le voyeurالذي يشري -مع ذلك بوضوح-
158
إىل مضمون الكتاب ،ليتفحصوه مبا يستحق من عناية".
وتعت رب دراس ة( العتب ــات )SEUILSجلريار ج نيت( ) GERARD GENETTEأهم
دراسة علمية ممنهجة يف مقاربة العتبات بصفة عامة ،والعنوان بصفة خاصة؛ ألهنا تسرتشد بعلم السرد
واملقاربة النصية يف شكل أسئلة ومسائل ،وتفرض عنده نوعا من التحليل.159
ويبقى ليو هويك( ) LEO HOEKاملؤسس الفعلي ( لعلم العنوان)؛ ألنه قام بدراسة العنونة
من منظ ور مفت وح ،يس تند إىل العم ق املنهجي ،واالطالع الكب ري على اللس انيات ،واس تيعاب نت ائج
السيميوطيقا ،واالستفادة من تاريخ الكتاب والكتابة .فقد رصد العنونة رصدا سيميوطيقيا ،بالرتكيز
على بناها ،ودالالهتا ،ووظائفها.
158
-A .Regarder LEO HOEK : La marque du titre, ed.MOUTON 1982.
159
-A. Regarder G. Genette : SEUILS, COLLECTION SEUILS, PARIS, 1987.
65
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
كم ا أن النقد ال روائي العريب مل ي ول العنوان أمهية تذكر ،بل ظ ل مير عليه مر الك رام .واآلن ،بدأ
االهتمام بعتبات النص ،وصار يندرج" ضمن سياق نظري وحتليلي عام ،يعتين بإبراز ما للعتبات من
وظيفة يف فهم خصوصية النص ،وحتديد جانب أساسي من مقاصده الداللية ،وهو اهتمام أضحى يف
الوقت الراهن مصدرا لصياغة أسئلة دقيقة ،تعيد االعتبار هلذه احملافل النصية املتنوعة األنساق ،وقوفا
160
عندما مييزها ،ويعني طرائق اشتغاهلا؟"
ومن أهم الدراسات العربية اليت انصبت على دراسة العنوان تعريفا وتأرخيا وحتليال وتصنيفا ما أجنزه
الباحثون املغاربة الذين كانوا سباقني إىل تعريف القارئ العريب بكيفية االشتغال على العنوان تنظريا
وتطبيقا ،وهذه الدراسات هي على النحو التايل:
(النص الم ــوازي في الرواي ــة(إس ــتراتيجية العن ــوان)) ،مق ال لش عيب حليفي ،منش ور يف مجل ــة
الكرمــل الفلس طينية يف إح دى وعش رين ص فحة ،الع دد ،46س نة 1996م .ويع د -يف رأيي -أول
مقال درس العنوان دراسة تارخيية وبنيوية بشكل جيد ،وأهم مصدر استند إليه الدارسون يف حديثهم
عن العنوان.
مقارب ــة العن ــوان في الش ــعر الع ــربي الح ــديث والمعاص ــر جلمي ل محداوي ،رس الة لني ل دبل وم
الدراسات العليا يف األدب العريب احلديث واملعاصر ،بإشراف الدكتور حممد الكتاين ،نوقشت جبامعة
عبد املالك السعدي يف املغرب سنة 1996م ،كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية (تطوان) ،ويطرح فيها
صاحبها منهجية جديدة لدراسة العناوين مساها (المقاربة العنوانية)؛ وتعد -على حد علمي -أول
دراسة حتليلية شاملة للعنوان يف الوطن العريب( 562صفحة من احلجم الكبري).
(العنوان في الرواية المغربية) ،جلمال بوطيب ،مقال منشور يف كتاب الروايــة المغربيــة ،أســئلة
الحداثة ،منشورات دار الثقافة ،الدار البيضاء سنة ،1996ويوجد املقال يف اثنيت عشرة صفحة.
-إدريس الناقوري :لعبة النسيان -دراسة تحليلية نقدية ،-الدار العاملية للكتاب ،الدار البيضاء ،الطبعة األوىل،1995 ، 160
ص.24:
66
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
عتبات النص :البنيـة والداللـة ،لعبد الفتاح احلجمري ،منشورات الرابطة ،الدار البيضاء ،طبعة
1996م .وفي ه ي درس ص احبه العن وان يف ض وء رواي ة ( الض ــوء اله ــارب) حملم د ب رادة ،يف س ت
صفحات من احلجم املتوسط.
(الســميوطيقا والعنونــة) ،مق ال جلمي ل محداوي يف ثالث وثالثني ص فحة ،نش ر يف مجلــة عــالم
الفكر ،الكويت ،اجمللد ،25العدد ،3يناير/مارس ،سنة ،1997وكان مصدرا ومرجعا للكثري من
الدراسات اليت انصبت على دراسة عتبة العنوان.
مقاربة النص الموازي في روايــات بنســالم حميش ،جلميل محداوي ،أطروحة دكتوراه الدولة،
ناقشها الباحث يف يوليوز سنة 2001م جبامعة حممد األول بوجدة ،بإشراف مصطفى رمضاين.
(صـورة العنــوان في الروايــة العربيــة) جلميل محداوي ،مقال يف حوايل إحدى وعشرين صفحة،
نشر يف شهر يوليو سنة 2006م.
العنوان في الرواية العربية :لعبد املالك أشهبون ،وقد صدر هذا الكتاب عن داري النايا للنشر
والتوزيع ،ودار حماكاة للدراسات والنشر والتوزيع بسوريا عام 2011م.
67
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
كم ا للعن وان وظ ائف أخ رى تتمث ل يف الوظ ائف التالي ة :الوظيف ة اإليديولوجي ة ،ووظيف ة التس مية،
ووظيف ة التع يني ،والوظيف ة األيقوني ة /البص رية ،والوظيف ة املوض وعاتية ،والوظيف ة التأثريي ة ،والوظيف ة
اإلحيائية ،ووظيفة االتساق واالنسجام ،والوظيف ة التأويلية ،والوظيفة الداللية أو املدلولية ،والوظيفة
اللسانية والسيميائية...
-كلود دوشيه( :عناصر علم العنونة الروائي) ،أدب ،فرنسا ،عدد ،12كانون األول1973 ،م ،ص.53-52: 162
-موسى أغريب :مقاالت نقدية في الرواية العربية ،دار النشر اجلسور ،وجدة ،الطبعة األوىل1997 ،م ،ص.5: 163
68
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
انطالقا من هذا كله ،قد يكون باإلمكان تتبع عمل العنوان يف النص ،والشروع يف منذجة تصنيفية(
)Typologieللعن اوين وفق ا لعالقاهتا بالش رح ال روائي بال ذات ،عن طري ق االخ تزال إىل احلد
األقص ى .فإم ا أن الرواي ة تع رب عن عنواهنا" تش بعه وتف ك رم وزه ومتح وه ،وإم ا أهنا تعي د إدماج ه يف
مجاع النص ،وتبلبل السنن الدعائي عن طريق التشديد على الوظيفة الشعرية الكامنة للعنوان ،حمولة
164
املعلومة والعالمة إىل قيمة واخلرب إىل إحياء"
وق د يك ون العن وان ال ذي يلتص ق ب ه العم ل ال روائي ص ورة كلي ة حتدد هوي ة اإلب داع وتيمت ه العام ة،
وجتمع شذراته يف بنية مقوالتية تعتمد االستعارة أوالرتميز .وهذه الصورة العنوانية قد تكون فضائية
يتقاطع فيها املرجع مع اجملاز ،فمثال عنوان رواية( زقاق المدق) عند جنيب حمفوظ قد يعين" احلارة
الض يقة من ح ارات الق اهرة القدمية ،كم ا يع ين س كاهنا من البش ر خالل احلرب العاملي ة الثاني ة .لكن
امتداد ظل هذا الزقاق كمكان ،وقيامه بدور املركز يف احلركة القصصية ،وحتديد مصائر من يسكنه،
جعل ه يق وم ب دور البطول ة الفعلي ة يف القص ة ،ويف رض نفس ه على عنواهنا ،ويبل ور رؤي ة املؤل ف
لعامله".165
ومن هنا ،فالعنوان عبارة عن صيغة مطلقة للرواية وكليتها الفنية واجملازية .إنه اليتم إال جبمع الصور
املشتتة ،وجتميعها من جديد يف بؤرة ملوضوعات عامة تصف العمل األديب ،وتسمه بالتواتر والتكرار
والتوارد .إذًا ،فهو الكلية الداللية ،أو الصورة األساسية ،أو الصورة املتكاملة اليت يستحضرها املتلقي
يف أثناء التلذذ ،والتفاعل مع مجالية النص الروائي ،والتعامل مع مسافاته االستيتيقية.
وق د تن درج الص ورة العنواني ة ض من عالق ات بالغي ة قائم ة على املش اهبة ،أو اجملاورة ،أو الرؤي ا،
فيتج اوز العن وان جمازي ا م ع دالالت الفض اء النص ي للغالف ،وتنص هر الص ورة العنواني ة اللغوي ة يف
الصورة املكانية لونا ورمزا.
-دليله مرسلي وأخريات :مــدخل إلى التحليــل البــنيوي للنصــوص ،دار احلداثة ،بريوت ،لبنان،الطبعة األوىل،1985 ، 164
صص.44:
-حممد أنقار :صــورة المغــرب في الروايــة اإلســبانية خالل عهــد الحمايــة،مكتبة اإلدريسي ،تطوان ،الطبعة األوىل سنة 165
1994م،ص.35:
69
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
ويرتب ط فهم الص ورة العنواني ة وتفس ريها ،وت ذوق مجاهلا ،وتع رف ص يغ أس اليبها ،مبعانيه ا" ض من"
خطاطة اجملموع" .أي :السياق الكلي للرواية".166
وتتجلى أمهية الصورة العنوانية عندما نكون أمام عناوين رمزية ذات الشحنة االستعارية واجملازية يف
عناوين بعض الروايات ،كما عند أندريه جيد( ( )ANDRE GIDEقوت األرض ) و( الباب
الضيق) و(السيمفونية الريفية).167
وإذا أخ ذنا ،على س بيل التمثي ل ،رواي ة ( الطـ ـ ـ ــاعون )LA PESTE /أللب ري ك امو(
،) A.CAMUSفسنجد العنوان عبارة عن صورة رمزية معقدة ،يتماهى فيها البعد املرجعي مع
البع د اإلحيائي .أي :ختتل ط خي وط التس مية العنواني ة ،وتتالش ى أض واء احلقيق ة لتعوض ها دالالت
التض مني الرم زي« .ف العنوان" نفس ه رم زي ،أو هو بدق ة أكرب أليغ وري .والطاعون حرفيا هو وباء
أصاب مدينة وهران سنة 1944م ،ولكنه يف الوقت نفسه رمز لالحتالل النازي .وهو على مستوى
أعلى شر ميتافيزيقي وخلقي يف هذا الكون العبثي الذي حنيا فيه .وأكثر من ذلك ،تثري فكرة الطاعون
نفس ها على ط ول الرواي ة ،العدي د من الص ور ال يت تنس ج ت ارة داللته ا األدبي ة ،وت ارة مظاهره ا
168
الرمزية".
وإذا تأملن ا النص وص الروائي ة ،فغالب ا م ا جند على ظه ر الغالف س جل العن وان ،وحتت ه التع يني
اجلنسي(رواية ) على شكل عنوان فرعي مكتوب بأحرف صغرية ،على عكس العنوان األساسي ال ذي
يكتب ب أحرف ب ارزة كب رية دالل ة على أمهيت ه ،ونظ را لبع ده األيق وين ،ومركزيت ه يف تبئ ري دالالت
الرواية .ومن مث ،فالعنوان الذي حيدد التعيني اجلنسي ( رواية) هو بيان إيضاحي ،يؤكد مدى احرتام
العمل اإلبداعي خلصائص اجلنس الروائي ،ومراعاة مساته بطريقة مجالية وفنية.
وجند أيض ا عن اوين الفص ول ال يت تلخص مض امينها ،وتكث ف أهم م اجرى فيه ا من أحداث ووق ائع،
وتسجل أمساء شخصياهتا ،وتربز األدوار اليت قامت هبا والصعوبات اليت واجهتها يف حياهتا ،واملصري
الذي آلت إليه يف هناية املطاف.
70
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
ويتطلب العنوان من املؤلف وقتا واسعا من التأمل والتدبر لتوليده وحتويله ،ليصبح ،بعد ذلك ،بنية
داللية وإشهارية عامة للنص الروائي .فكل عنوان يلصقه الكاتب على ظهر روايته ،أو يعلقه كالثريا
يف رأس الصفحة ،أو ميوقعه يف وسط كل فصل أو قسم" ،الشك أن املؤلف أفرغ فيه جهدا ،وتطلب
من ه اختياره؛ ألن ص ياغة عن وان أي عم ل إبداعي ج زء من الكتاب ة الفني ة؛ نظ را ملا للعنوان من أمهي ة
على املس توى اإلعالمي ( اإلشهار) أوال ،على املستوى الفكري ثانيا ،وعلى املستوى اجلمايل ثالثا،
ونظرا إىل كل هذه االعتبارات ،فإن العنوان ذو أمهية خاصة بالنسبة للمؤلف واملتلقي على السواء؛
ألنه مجاع النص وملخصه".169
وميكن اعتب ار العن وان ال روائي بني ة عام ة قابل ة للتحلي ل والفهم والتفس ري والتق ومي ،من خالل عناص ر
النص األساسية اليت تتمثل يف مشاهده ،ومتوالياته ،ووحداته الوظيفية ،ومراحل تكوين بنيته العامة.
وتتمثل كذلك يف بنياته األساسية وخطابات ه ومنظوره الفين الذي يبدو يف الشخوص ،واألحداث،
والفضاء الروائي ،والراوي ،ومنظور التعدد( الرواة -اللهجات -اللغات).
ومن مث ،فإن العنوان ذو موقع نصي اسرتاتيجي ومهم "،يشتغل بوصفة دليال ،signeبه متتاز الرواية
عن غريها .ومنه يعلن نواياه ومقاصده .وعربه يشي النص مبحتواه دون أن يفصح عنه بكيفية كلية.
واعتم ادا على ه ذا التحدي د ،تنهض عالق ة العن وان بالرواي ة على أس اس التض من املتب ادل .ويف م دار
العالقة هذه ،تتبدى الرواية جوابا ...عن األسئلة الطافحة يف مجلة العنوان .ويستعلن من هذا أمران:
يق ول أوهلم ا :إن الرواي ة تنهض بوظيف ة املرج ع ،ف العنوان نص ب دئي ميانع عن الفهم إذا مل ي رد إىل
القصة اليت تفصل ما أمجله ،وتبسط مااختصره ،وتطلق ما احتجزه ،أما األمر الثاين ،فيلهج باالشتغال
الكنائي للعنوان؛ إذ إن األخري جزء من كل .ويسمح التحدث به باستحضار هذا الكل .وهبذا املعىن
يفرتض يف العنوان االشتمال على عناصر اخلطاب املكىن عنه ،وتشغيلها مبا يضمن عدم إرباك العالئق
الوظيفية بني املكىن واملكىن عنه".170
-عبد اجلليل األزدي ( :عتبات املوت -قراءة يف هوامش وليمة ألعشاب البحر") ،ص .39:وهو يف هذه القولة ،يرتجم
170
وال تع رب العن اوين الروائي ة دائم ا عن مض امني نصوص ها بطريق ة مباش رة .أي :تعكس ها بك ل جالء
وبوضوح ،بل جند بعض العناوين غامضة ومبهمة ورمزية بتجريدها االنزياحي؛ مما يطرح صعوبة يف
إجياد صالت داللية بني العنوان والنص ..لكن على القارئ أن يبحث عن العالقة بني العنوان والنص،
ويبحث عن املرامي واملقاصد والعالقات الرمزية واإلحيائية .فكثري من املبدعني كتبوا نصوصا بعناوين
غامض ة وبعي دة عن مض امينها ،مث ل :روالن ب ارت يف ( ،)S/Zوس ارتر يف( .)les mots
وهك ذا ،ف إذا ك ان ك ل عن وان حياول أن يلم" ش تات النص املع رب عن ه ،ويلخص ك ل م اورد في ه من
وقائع وأحداث ،وما تفاعل فيه من شخوص وأبطال يف نطاق الزمان واملكان .أي :داخل فضاء معني
أو فض اءات خمتلف ة؛ ف إن املؤلفني اليفلح ون دائم ا يف اختي ار العن اوين املع ربة عن حمتوي ات كتبهم ،أو
الدالة على كل ما أرادوا قوله فيها ،أو دالة على ما يراه املؤلف أساسيا ،أو ذا قيمة خاصة بالنسبة
إليه .وهذا مايؤكد أن كل كتاب أو كل نص أديب قابل ألن حيمل عنوانا مغايرا ،أو تسمية أخرى
غري تلك اليت اختارها املؤلف".171
ومن هن ا ،نؤك د أن مثة عن اوين خمادع ة ومض للة للق راء ،التع رب عن حمتوي ات أعماهلا ،وال تص ور هلم
الداللة احلقيقية اليت ينطلق منها النص ،مثل :رواية حممد برادة( لعبة النسيان) ،172أو روايته الثانية(
الضوء الهارب) ،173حيث يصري العنوان جمرد تسمية من " تسميات كثرية ممكنة .وهي على الرغم
من اختي ار املؤل ف ليس ت ملزم ة للق ارئ ال ذي من حق ه أن يق رتح للكت اب املق روء عنوان ا ب ديال أو
تسمية جديدة ،قد تكون أكثر مالءمة وأصدق تعبريا عما يرغب املؤل ف يف إبالغ ه إىل املتلقي ،أو
174
عما يتوصل إليه القارئ نفسه من خالل قراءته".
ويعين هذا أن العنوان عتبة مركزية هامة يف حتليل النص وفهمه وتفسريه ،مادام يهدف إىل استجالء
دالالت النص الظاهرة والباطنة.
-حممد برادة :لعبة النسيان ،دار األمان ،الرباط ،املغرب ،الطبعة الثالثة.1995 ، 172
-حممد برادة :الضوء الهارب ،نشر الفنك ،املغرب ،الطبعة الثانية1995 ،م. 173
72
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
73
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
وإذا كنا نؤكد مدى نسبية هذه املقاربة العنوانية ،فإن هناك من حياول أن يصفها بالعلمية اعتمادا
على معطي ات اللس انيات والس يميائيات .فق د اص طلح على االهتم ام ب العنوان واالش تغال علي ه (
( )TITROLOGIEعلم العنون ة) أو ( علم العن اوين) ...ومن مث ،ص ار العن وان موض وعا
لعدة مقاربات سوسيولوجية ،وسيكولوجية ،ولسانية ،وسيميائية ،ونقدية ،حسب اختالف الرؤى
اإليديولوجية واملنظورات الذاتية واملوضوعية.
وميكن تقسيم العنوان منهجيا إىل العنوان اخلارجي ( العنوان الغاليف أو املركزي) ،والعنوان األساسي
ال داخلي ( العن وان ال رئيس) ،والعن وان الف رعي ،والعن وان الفهرس ي.بينم ا يقس مه ج ريار ج نيت إىل
العنوان األساس ،والعنوان الفرعي ،وعنوان التعيني اجلنسي .كما حيدد للعنونة أربع وظائف أساسية
هي :اإلغراء ،واإلحياء ،والوصف ،والتعيني.175
وعليه ،البد عند مقاربة الرواية من استحضار عتبات النص املوازي بصفة عامة ،وهوامش اخلطاب
الغاليف من واجهتيه األمامية واخللفية بصفة خاصة.
175
- G ;Genette :Seuils .COLLECTION Poétique, ED, SEUIL, PARIS 1987, p :
73-97.
-شعيب حليفي ( :النص املوازي للرواية-إسرتاتيجية العنوان ،)-مجلة الكرمل،املغرب،ص.84: 176
74
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
وكم كانت رغبيت ملحة وعارمة لالستجابة للنداء الذي أطلقه أحد الباحثني املغاربة حينما قال ":إن
حتلي ل( الض وء اهلارب ) لل روائي املغ ريب حمم د ب رادة كعن وان ،يف رض علين ا وض عه م ع جمموع ة من
العناوين األخرى للرواية املغربية .أي :نقوم بدراسة نسقية هلذه العناوين ،وذلك على الشكل التايل:
-جرد العناوين الروائية املغربية.
-تصنيفها حبسب صياغتها ،وحتديد أنواعها ،والصيغ الغالبة ،والصيغ الغائبة.
-استخالص العناوين احلداثية منها.
-حتديد مميزات العناوين احلداثية.177"....
وعلي ه ،فال ميكن أن نض ع تيبولوجي ة ( ص نافة) لعن اوين املنت ال روائي املغ ريب ،قب ل أن نض ع تص نيفا
عنواني ا للرواي ة العربية بصفة عام ة ،نضع فيه ا عن اوين الرواي ة املغربي ة بغي ة فهمه ا وتفسريها مناصيا
ودالليا وإي ديولوجيا .ومن مث ،حندد أمناط العنون ة من خالل بناه ا الداللي ة والش كلية .وهذا ماق ام ب ه
الباحث املغريب شعيب حليفي يف مقاله القيم(النص الموازي للرواية-إستراتيجية العنوان.)-
وإذا تأملنا النصوص السردية والروائية ،فسنالحظ قطيعة وجتاوزا على مستوى تطور البنية العنوانية
عرب املراحل اليت قطعتها الرواية العربية على مدى عمرها الطويل على النحو التايل:
المطلب األول :مرحلة الحكي العربي القديم
تعت رب األش كال الس ردية احلكائي ة القدمية أمناط ا روائي ة تراثي ة ( أل ف ليل ة وليل ة مثال) مبقياس نا الع ريب
األصيل ،ال مبفاهيم الرواية األوربية احلديثة (رواية القرن التاسع عشر) اليت أوقعتنا يف التقليد واالنبهار
والتلفيقي ة والتج ريب رغب ة يف العوملة واحلداث ة ،وإن ك ان ذل ك على حس اب األص الة ،وال رتاث،
وال ذات ،واهلوي ة ،والفهم احلقيقي للشخص ية العربي ة ،وفهم التواص ل احلض اري ،ورب ط املاض ي
باحلاضر .فهذه األمور هي الكفيلة بتحقيق قفزة حضارية ،قوامها التوازن بني املاديات واألخالقيات
اإلسالمية.
-مجال بوطيب ( :العنوان يف الرواية املغربية) ،الرواية المغربية :أسئلة الحداثـة ،دار الثقافة الدار البيضاء،الطبعة األوىل، 177
75
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
76
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
واالنقط اع عن ال رتاث ال روائي ب دال من حماول ة تط ويره امت دادا وتواص ال وإب داعا ،ش كال ومض مونا
ورؤية.
77
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
78
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
الكتابة اجلملية،والتسجيع يف إثارة القارئ وتشويقه إيقاعيا .عالوة على ظاهرة التناص اليت تتحكم
يف هذه العناوين حماكاة للسرد العريب القدمي.
ويالحظ أن الرواية احلديثة يف العامل العريب ،منذ ظهور ( زينب) حملمد حسني هيكل( ،)1914أو
(األجنحــة المتكســرة) جلربان خلي ل جربان ،قد اعتم دت -منطي ا -العنون ة الكالس يكية أوالتقليدية
اليت كانت مرآة تشخيصية للذات أو الواقع أو املرجع التارخيي.
لذا ،كانت اهليمنة ألمناط عنوانية ثالثة:
العنونــة الفضــائية ال يت تش خص املك ان ،وجتس د الواق ع املوض وعي والفض اء بك ل عوامله األص يلة
واملوبوءة( روايات جنيب حمفوظ وعبد الرمحن الشرقاوي الواقعية).
العنونــة التجريديــة ال يت تش خص ال ذات ،وجترد القيم املثالي ة،وترص د احلب الطوب اوي ،كم ا ه و
الش أن يف الرواي ة الرومانس ية(األجنح ة املتكس رة جلربان ،وزينب هليك ل ،ورواي ات ك ا من :يوس ف
الس باعي ،وإحس ان عب د الق دوس ،وعب د احلليم عب د اهلل ،واملنفل وطي...،إخل) .وينطب ق ه ذا احلكم
كذلك على جمموعة من السري الذاتية.
العنون ــة الوثائقي ــة يف الرواي ات اإلخباري ة والتارخيي ة والوطني ة والقومي ة ،مث ل :رواي ات ج ورجي
زيدان ،وجنيب حمفوظ يف مرحلته األوىل ،وخاصة يف رواية (كفاح طيبة) ،ورواية (رادوبيس).
و إىل ج انب ه ذه األمناط العنواني ة ،نس جل طغي ان ظ ــاهرة األس ــماء العلمي ــة ( أنثوي ة ك انت أم
ذكورية) على املنتج الروائي الذي ظهر ما بني 1914و1960م ،وشكل ما يسمى بالرواية الفنية
احلديثة ،مثل :رواية ( زينب) حملمد حسني هيكل ،و( ثريا) لعيسى عبيد(1922م) ،ورواية( رجب
أفندي) حملمود تيمور ( 1928م) ،وسرية( أديب) لطه حسني( ،)1935ورواية( حواء بال آدم)
لط اهر الش ني(1934م) ،و(ســارة) للعق اد (1938م) .ونكتفي هبذه النم اذج ،لنق ول ب أن "الس مة
الغالبة يف هذه املرحلة للعناوين هي سيادة األمساء بالدرجة األوىل .وذلك راجع إىل سيادة البطولة
املطلقة ،وروح الفردية ،وهو مايشري إىل بداية الرواية األوربية كما حتدث عنها كوزينوف ،ومارت
روبري ،ومحلها ألمساء أبطاهلا( دونكيشوت ،تيل ،كروز .)...فهذا النوع من العناوين اليت سادت يف
مرحل ة كامل ة ك ان من أج ل إع ادة االعتب ار للف رد ،باإلض افة للمك ان ال ذي حفلت ب ه عن اوين
79
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
أخرى( عند البستاين والطهطاوي وفرح أنطون وتوفيق احلكيم .)...فقد ساد اإلحساس بالغربة عن
الذات واملكان ،وهو يؤكد أن احتشاد االنكسار الفادح الذي كان يتخفى حتت إهاب الكلمات
عكسته العن اوين ،فج اءت على وترية واحدة لتخلق مس تويات متعددة املع اين ،تفيض بآالم الذات
العربية اليت اختارت هذا اجملال كوسيلة للتعبري عن األسى ،والرعب الذي استجمع قواه لرؤية اهنيار
العدي د من القيم .يف حني ،أن العن وان يف اخلط اب ال روائي احلديث يش كل إس رتاتيجية خاص ة هلا
خصوصيات ومكونات تدخل يف إطار التجريب ،انطالقا من استفادهتا من الركام الكالسيكي من
جهة ،مث الوعي بأمهية العنوان وتغرياته من جهة ثانية"180 .
ومن هنا ،فقد أصبح العنوان يف الرواية الفنية احلديثة يتسم بعدة خصائص ،منها:
-1تشخيص الذات والواقع واملرجع التارخيي والرمزي؛
-2االختصار والوضوح؛
-3دقة العنوان ونفاذه؛
-4ارتباط العنوان بالنص مباشرة؛
-5االشتمال ملكونات العمل ودالالته ومقاصده؛
-6تكثيف املعىن واختزاله يف كلمات معدودة؛
-7تذييل العنوان األساسي بالعناوين الفرعية املشوقة للقارئ؛
-8التلخيص االستباقي؛
-9اإلحيائية اجملازية والرمزية؛
-10االستفادة من تقنيات الـﮔرافيك واللون واحليز املكاين؛
-11إثارة انتباه القارئ عرب عنونة الفصول واملقاطع النصية.
و مل تقتصر الرواية العربية احلديثة ،يف بنيتها العنوانية ،على الصورة اللغوية والبنية احلرفية التقريرية
املباش رة ،ب ل جتاوزهتا إىل الص ورة البص رية ،على غ رار العن اوين الس ينمائية ذات الوظ ائف اإلحيائي ة
والس يميولوجية .فق د حرص ت الس ينما احلديث ة على" اختي ار عناوينه ا من كلم ة أو كلم تني أو من
80
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
حرف .أما السينما اليت اعتمدت الروايات البوليسية وأعمال اخليال العلمي ،فإن مكوناهتا ظلت كما
هي حتتفظ بالعنوان احلدثي املؤسس لبؤرة الرواية قصد تزكية العنوان البصري( الصورة) .كما أن
س ينما اخلي ال العلمي ظلت تنح و منحى تتخ ذ في ه الزم ان واملك ان مك ونني للعن وان ،قص د اإلحياء
الوظيفي ،وأداء مهمة حتيل على املستقبل.
نستنتج -إذًا -أن العنوان الفين يتميز خبصائص حمددة متيل حنو ماهو بالغي يف حماولة التقاط جوهر
الش يء ،وليس الش يء يف ذات ه :عن اوين س ريالية متي ل حنو م اهو اس تعاري ،وت ؤدي وظ ائف متع ددة
ومرتاكبة يف آن".181
ومتت از العن اوين يف الرواي ة الكالس يكية ،أو الرواي ة الفني ة احلديث ة ،خباص ية االنس جام على مس توى
مظاهر القصة( األحداث -الشخصيات -الفضاء) من جهة ،وعلى مستوى مظاهر اخلطاب(الرؤية-
الصيغة -الزمن) من جهة أخرى.
غ ري أن العن اوين يف الرواي ة العربي ة اجلدي دة ال يت ظه رت م ع الس تينيات من الق رن املاض ي تبتع د عن
العن اوين الكالس يكية على مس توى البني ة ،والدالل ة ،والوظيف ة .واهلدف من ذل ك كل ه ه و حتقي ق
التجريب ،والعصرنة ،والعوملة ،والتأصيل.
لذا ،فلقد اختذت العنونة احلداثية يف الرواية اجلديدة مسلكني عنوانيني :املسلك األول يريد الدخول
إىل العوملة اإلبداعية ،باالستفادة من تقنيات الغرب ،ومتثل طرائق الرواية الغربية ،واستيحاء أمناطها
السردية ،واستيعاب تشكيالهتا الفنية.أما املسلك الثاين ،فريغب يف حتقيق املعاصرة ،باالستفادة من
الرتاث ،وحماورته معارضة وحتريفا وسخرية بارودية ،ومتثل سروده القدمية بطريقة تناصية وتفاعلية
على النحو التايل:
أ-العنونة التجريبية رغبة يف التحديث.
ب-العنونة الرتاثية رغبة يف التأصيل.
ولقد ظهرت العنونة احلداثية مع الرواية اجلديدة منذ ستينيات القرن املاضي ،وقبل ذلك بقليل؛ إذ
كتب املس عدي ،يف منتص ف اخلمس ينيات بت ونس ،رواي ة تراثي ة عنواهنا(حــدثني أبــو هريــرة فقــال).
81
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
وبذلك ،فقد ابتعدت هذه العنونة احلداثي ة عن العناوين التقليدية املباشرة ،وأسست لنفسها إيهاما
يوحي بالغواية والتأويل املغاير .عالوة على شاعرية تنفلت من اجلملة ومدى اتساعها الداليل.182
وهك ذا ،يتج اوز العن وان احلداثي -جتريب ا وتأص يال -بني ة اجلمل ة العنواني ة إىل بني ة النص ،حينم ا
يستصحب العنوان الرئيس العنوان الفرعي ،كما يف رواية جميد طوبيا ( تغريبة بني حتحوت إلى بالد
الشـ ــمال ،حيث المالحم العظيمـ ــة والحـ ــوادث الجسـ ــيمة وخـ ــوض األهـ ــوال وانقالب األحـ ــوال
183
وتسلط الفأر على القط وركوع األسد للقرد).
ومل يكتف العنوان بالصورة اللغوية ،بل اعتمد كذلك على الصورة البصرية التجريدية ذات الوظائف
السيميولوجية .عالوة على ذلك ،فلقد هيمنت الصورة -الرؤيا( الرمز -األسطورة -الفانطاستيك-
املفارقة) على معظم عناوين الرواية اجلديدة؛ إذ أصبحت هلذه البنية العنوانية وظائف أخرى جديدة،
تتطلب قارئا ذكيا يوظف الذهن أكثر من الوجدان ،ملما بتقنيات الرواية احلديثة ،ومستوعبا لطرائق
الكتابة الرتاثية ،ومنفتحا على الرواية العاملية ،ومطلعا على مناهج النقد احلديث ،كالشعرية ،والبنيوية،
والسيميوطيقا ،ونظريات التأويل والتفكيك.
نقول بكل اختصار :لقد عمدت عناوين الرواية اجلديدة إىل التجريب قصد حتقيق احلداثة والعاملية،
وعم دت أيض ا إىل التأصــيل قص د التواص ل م ع ال رتاث ،واالنفت اح علي ه ،وتطعيم ه مبف اهيم جدي دة،
وإش باعه بتص ورات معاص رة ،بع د القطيع ة ال يت ش هدهتا الرواي ة العربي ة إب ان انفتاحه ا على الغ رب
السترياد أشكال روائية ،واسرتفاد تقنيات حديثة تقليدا وانبهارا واقتباسا ومتصريا.
وهذا كله عن الرواية العربية مبحطاهتا الكالسيكية والتجديدية .،فماذا عن الرواية املغربية؟
-جميد طوبيا :تغريبة بني حتحوت ،بريوت ،دار الشروق ،الطبعة األوىل1988 ،م. 183
82
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
المطلب الث ــالث :العنون ــة الحداثي ــة في الرواي ــة المغربي ــة الجدي ــدة( -1971إلى يومن ــا
هذا)
ومتثل هذه العنونة جمموعة من النصوص الروائية ذات السمات واخلصائص التالية:
العنونة الرمزية :يف روايات عديدة كما يف(رفقة السالح والقمر) ملبارك ربيع ،و( املباءة) حملمد
عزالدين التازي...
83
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
العنونة المجازية :كما يف رواية ( رحيل البحر) حملمد عز الدين التازي ،و( الضوء اهلارب) حملمد
برادة....
العنون ــة الش ــاعرية :تك ثر يف رواي ات أمحد املديين ،والس يما يف روايتي ه( وردة لل وقت املغ ريب)
و( زمن بني الوالدة واحللم)...
العنونة العجائبية :مثل( :مساسرة السراب) لبنسامل محيش ،و(أحالم بقرة) حملمد اهلرادي...
العنونة األسطورية :كما يف رواية ( بدر زمانه) ملبارك ربيع...
العنونة التاريخية /التراثية :كما يف رواية ( جمنون احلكم) و(العالمة) لبنسامل محيش ،و( جارات
أيب موسى) ألمحد توفيق.....
ويالح ظ على ه ذه العنون ة احلداثي ة أهنا جتم ع بني جتريب تقني ات الرواي ة الغربي ة ،وتأص يل الرواي ة
املغربية عن طريق االستفادة من الرتاث ،واستلهام قوالبه معارضة وحماورة وتعلقا ،كما عند بنسامل
محيش ،ومبارك ربيع ،وشغموم امليلودي ،وحممد اهلرادي ،وحممد الشركي...
وخالصة القول ،تلكم -إذًا -نظرة موجزة إىل العنوان بنية ،وداللة ،ومقصدية .وتلكم كذلك نظرة
مقتضبة إىل عالقة العنوان بالنص املوازي والعمل اإلبداعي .وتلكم كذلك أهم مسات العنوان البنيوية
والداللية والوظيفية يف ضوء تطور الرواية العربية بصفة عامة ،وتطور الرواية املغربية بصفة خاصة.184
-لالستزادة من املعلومات حول العنوان انظر :مجيل محداوي( :السميوطيقا والعنونة) ،عالم الفكر ،الكويت ،اجمللد ،25 184
84
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
الفصــل السابــع:
85
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
يرفق كثري من الكتاب والشعراء واملبدعني نصوصهم اإلبداعية بذكر اإلهداء ،باعتباره
نص ا موازي ا للعم ل األديب ،يق دم النص ،ويعلن ه ،وي ؤطر املع ىن ،ويوجه ه س لفا .185وق د
يعتقد البعض أن اإلهداء عالمة لغوية ال قيمة هلا ،وال أمهية هلا يف فهم النص وتفسريه ،أو
تفكيكه وتركيبه ،بل هي إشارة شكلية جمانية أو ثانوية ال عالقة هلا بالنص ،وال ختدمه ال
من ق ريب ،وال من بعي د .بي د أن الش عرية احلديث ة ()Poétiqueأع ادت االعتب ار لك ل
املصاحبات النصية أو العتبات احمليطة بالنص اليت تشكل ما يسمى بالنص املوازي.وأصبح
من الض روري ،قب ل ال دخول يف النص ،الوق وف عن د عتبات ه ،ومس اءلتها بش كل عمي ق
ودقيق قصد حتديد بنياهتا ،واستقراء دالالهتا ،ورصد أبعادها الوظيفية .ألن الشكل مهما
كان عتبة ،أو تعبريا ،أو صياغة ،أو مادة مطبعية ،حيمل دالالت معينة ،يقصدها املبدع أو
ال يقص دها .وتؤخ ذ ه ذه ال دالالت الش كلية بعني االعتب ار يف ق راءة النص اإلب داعي
وتأويله تشرحيا وتركيبا.
إذًا ،م ا اإله داء لغ ة واص طالحا؟ وم ا تارخيه الغ ريب والع ريب؟ وم ا أهم الدراس ات ال يت
اهتمت باإله داء بني ة ودالل ة ووظيف ة؟ وم ا مكون ات اإله داء؟ وم ا املقارب ة املنهجي ة
الصاحلة لدراسة اإلهداء يف عالقته بالعمل من جهة ،وارتباطه بالنص من جهة أخرى؟
-شربل داغر :الشعرية العربية الحديثة ،دار توبقال للنشر ،الدار البيضاء ،الطبعة األوىل ،1988 ،ص: 185
.22
86
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
يرتبط اإلهداء ،يف اللغة العربية ،باهلدية ،واهلبة ،والعطاء ،والتربع ،والكرم ،واجلود .ويف
هذا الصدد ،يقول ابن منظور يف لسان العرب ":أهديت اهلدي إىل بيت اهلل إهداء.وعليه
هدية .أي :بدنة.الليث وغريه :ما يهدى إىل مكة من النعم وغريه من مال أو متاع ،فهو
هدي وهدي ،والعرب تسمى اإلبل هديا ،ويقولون :كم هدي بين فالن؛ يعنون اإلبل،
186
مسيت هديا ألهنا هتدى إىل البيت"...
ويقص د باإله داء م ا يرس له الك اتب أو املب دع إىل الص ديق ،أو احلبيب ،أو الق ريب ،أو
الزميل ،أو املبدع ،أو الناقد ،أو إىل شخصية هامة ،أو مؤسسة خاصة أو عامة ،يف شكل
هدية ،أو منحة ،أو عطية رمزية أو مادية .واهلدف من ذلك هو تأكيد عالقات األخوة،
وخلق صالت املودة ،وتقوية عرى احملبة ،ومتتني وشائج القرىب ،وعقد روابط الصداقة،
ونسج خيوط التعارف ،مع تبادل اهلدايا الرمزية واملشاعر الرقيقة ،سواء أكان املهدى إليه
شخصية أم مجاعة ،واقعية أم متخيلة.187
وقد يقرتن اإلهداء باهلدية من جهة ،أو بلحظة البيع والتوقيع من جهة أخرى.
وإذا تأملن ا اإله داء -وخاص ة يف اخلطاب ات التخييلي ة الس ردية أو الش عرية -فإنن ا نلفي
انتق اال من األن ا حنو اآلخ ر ،فتتح ول الكتاب ة اإلبداعي ة إىل ممر وس يط بني األن ا واهلو ،يف
إط ار ميث اق تواص لي بني األن ا والغ ري ،يق وم على احملب ة والص داقة ،أو العالق ة احلميم ة
الوجداني ة املش رتكة ،أو على تب ادل القيم الفني ة والرمزي ة نفس ها ال يت جيس دها العم ل
األديب.ومن مث ،يع د اإله داء مبثاب ة كتاب ة رقيق ة ،ق د تك ون نثري ة أو ش اعرية ،تقريري ة أو
-ابن منظ ور :لســان العــرب ،اجلزء اخلامس عش ر ،دار ص بح ،ب ريوت ،لبن ان ،أديس وفت ،ال دار البيض اء، 186
110.
87
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
إحيائية ،توجه إىل املهدى إليه الذي قد يكون فردا معروفا ،أو جمهوال ،أو مجاعة معينة أو
غري معينة.
وعلي ه ،يع د اإله داء -حس ب الب احث املغ ريب بنعيس ى بومحال ة "-تقلي دا ثقافي ا ينم ،بال
شك ،عن لباقة أخالقية إن مل تكن واجبة فهي ،على األقل ،مستحبة.فهو شبيه بالتقريظ
ال ذي ك ان معم وال ب ه يف العص ور األدبي ة العربي ة القدمية ،ولكون ه من خارجي ات النص
املهدى إىل اسم معني أو إىل جهة خمصوصة ،فقد كان جيري هتميشه والقفز عليه ،وذلك
اعتقادا يف الجدوى املردودية يف االستيعاب الوايف واملستدق لألعمال األدبية .سيحظى
اإلهداء بعناية البحث األديب لريتفع بذلك من نطاق املمارسة الرمزية ،الباذخة ،واملزيدة،
إىل مس توى الفع ل الكت ايب ال دال واحلائز على مش روعية الت وازي م ع النص ال ذي يتم
إهداؤه.فمادام العنوان ميتلك وظائفه ،فإن لإلهداء وظائفه ،اليت يتكفل هبا ،هو اآلخر،
انطالقا من موقعه وصيغته ،وارتكازا كذلك على حمتوى وإرساليته ونوعية املرسل إليه.
وألن اإله داء ينتمي إىل خان ة املوازي ات النص ية اإلرادي ة.أي :ال يت تق ع حتت مس ؤولية
املب دع ،فلع ل ه ذا م ا مينح ه ط ابع مس لك رم زي مفك ر في ه ،متقص د ،ومتوق ع ل ه إبالغ
املهدى إليه،وضمنيا اجلمهور والقارئ الواسع ،إشارة خاصة حول عالقة املبدع املهدي،
أو النص املهدى ،باملهدى إليه ،وكلما قلت فإن إهداء العمل األديب هو امللصق الصادق
أوال اخلاص بعالق ة م ا على ه ا النح و أو ذاك ترب ط بني املب دع وبني بعض األش خاص أو
اجملموعات أو الكيانات املعنوية"188.
وعليه ،فاإلهداء تقليد ثقايف وفين ،يدخل املبدع أو املؤلف بواسطته مع املتلقي أو القارئ
يف عالق ة وجداني ة محيم ة ،قوامه ا التواص ل العالئقي البن اء واهلادف إنس انيا ،سواء أك ان
سياسيا أم اجتماعيا أم ثقافيا أم فنيا أم أدبيا.
-بنعيسى بومحالة :أيتام سومر في شعرية حسب الشيخ جعفر ،دار توبقال للنشر ،الدار البيضاء ،املغرب، 188
88
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
189
- Gérard Genette : Seuils p : 110.
-ألكسندر ستيبتشفيتش:تاريخ الكتاب ،اجلزء الثاين ،عامل املعرفة،الكويت ،العدد ،170ص.228 : 190
89
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
اإلهداءات" ، 192على الرغم من كونه من أكثر الكتاب الغربيني اهتماما باإلهداء يف جل
رواياته الواقعية.193
وق د حنا مونتيس كيو ()Montesquieuمنح اه ال رافض للكتاب ة اإلهدائي ة يف
كتابه( أفكار ،)Pensées/حيث نص قائال ":لن أكتب رسالة إهــداء :ألن من يجعــل
مهمته قول الحقيقة ،ال ينبغي عليه أن يلتمس حماية على األرض".194
ويعين هذا كله أن هناك ما يسمى باإلهداء الكالسيكي واإلهداء املعاصر ،فاألول مرتبط
بالشخص يات املتم يزة سياس يا واجتماعي ا واقتص اديا وديني ا ،والث اين مرتب ط بالشخص يات
العادية اليت حيبها الكاتب ،سواء أكانت واقعية أم متخيلة...وهناك من يرفض استعمال
اإلهداء يف كتاباته مجلة وتفصيال.
ومع مرور الزمان ،صار اإلهداء تقليدا أدبيا وخلقيا ومنهجيا يف األعمال اإلبداعية إىل
يومنا هذا .وهو أيضا تقليد عرفه الشعر العريب القدمي واحلديث ،فكان الشعراء يهدون
القصيدة إىل هذا األمري أو ذاك طلبا للتكسب من جهة ،أو كان مدحا خالصا من جهة
أخرى.
وحيم ل اإله داء ،يف ش عرنا الع ريب احلديث واملعاص ر ،دالالت مغ ايرة ،يق دم لرم وز
سياس ية ،أو لشخص يات اجتماعي ة ،أو ألش خاص ع اديني أو جمه ولني أومغم ورين.
وب ذلك " ،ب ات ي دل على عق د ض مين بني مض مون اخلط اب الش عري وحاج ة مجاع ة
195
مناضلة".
192
- Gérard Genette :Ibid : 115.
193
- Gérard Genette :Ibid : 114.
194
- Gérard Genette :Ibid : 114.
90
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
وال يقتص ر اإله داء على م اهو س ردي ودرامي من قص ة ،ورواي ة ،وقص ة قص رية ج دا،
ومسرحية ،بل يتجاوز ذلك إىل الشعر ،وقد عرف عن الشاعر الفرنسي بودلري صاحب
ديوان( أزهــار الشــر) بأنه كان مولعا بوضع اإلهداءات التواص لية .وأصبح هذا التقليد
املوازي س اري املفع ول يف الش عرين الغ ريب والع ريب على ح د س واء .وازداد انتش ارا
وتداوال ومقصدية مع القصيدة املعاصرة ،سواء أكانت قصيدة تفعيلة أم قصيدة نثرية.
-عب د الفت اح احلجم ري :عتبــات النص :البنيــة والداللــة ،ش ركة الرابط ة ،ال دار البيض اء ،املغ رب ،الطبع ة 197
2007م ،ص.274:
91
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
اإلهداء باملبحث الثالث ضمن الفصل اخلامس ،199ودراسة عبد القادر الغزايل( قصيدة
الن ــثر العربي ــة) (2007م) ،حيث درس اإله داء يف القص يدة النثري ة عن د الش اعر حمم د
املاغوط ،200ودراس ة بنعيس ى بومحال ة بعن وان( أيتــام ســومر" في شــعرية حســب الشــيخ
جعفر) (2009م) ،حيث خصص الباحث اإلهداء بصفحتني ،بعد أن درس جمموعة من
العتبات األخرى ،كالعنوان ،واهلامش ،وغريها من العتبات النصية املصاحبة...201
-نبيل منصر :الخطاب الموازي للقصيدة العربيـة المعاصـرة ،دار توبقال للنشر ،الدار البيضاء ،املغرب، 199
92
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
دي وان الش اعر الفلس طيين عب د الفت اح حمم د(قص ــائد على الح ــدود) ،202ودي وان(زمن
االنتظار) للشاعرة املغربية فاطمة عبد احلق.203
ويالحظ أيض ا أن اإلهداء يك ون يف بداي ة الكتاب ،أو يف مستهل العم ل اإلبداعي ،وبه
يتصدر الكتاب نفسه.لذا ،حيتل اإلهداء مكانة املقدمة أو التصدير.
ومن مث ،فلإله داء -كم ا قلن ا س ابقا -وظيف ة تقدميي ة ،حيل حمل املقدم ة أو التص دير،
ويقوم بالوظائف نفس ها اليت يق وم هبا التص دير أو املقدم ة االفتتاحي ة .عالوة على ذلك،
ميكن أن يتحول اإلهداء إىل رسالة مهداة إىل شخص معني أو غري معني ،وقد يتخذ هذا
اإلهداء مقطعا نصيا سرديا أو شعريا أو دراميا ،أو يتحول إىل مقدمة مستفيضة ،تشرح
دواعي العمل وظروفه وحيثياته الذاتية واملوضوعية ،كما رأينا ذلك جليا عند فيلدينغ (
،)Fieldingحيث يقول ":في الحقيقة ،تركت نفسي تنقاد على كتابة مقدمة ،فيمــا
كنت أنوي إنجاز مجرد إهداء.لكن كيف يمكن تفادي ذلك؟"204
وإذا تأملن ا موق ع اإله داء ،فق د ك ان اإله داء الكالس يكي من ذ الق رن الس ادس عش ر
امليالدي مثبتا يف الصفحة اليت تلي مباشرة صفحة العنوان .وبعد ذلك ،يلتصق اإلهداء
بتلك الصفحة نفسها .وميكن أن يكون اإلهداء يف وسط الكتاب ،وميكن أن يرد كذلك
يف آخره ،وإن كانت هاتان احلالتان نادرتني جدا.
هذا ،ويتعرض اإلهداء خلاصية اإلضافة واحلذف والتغيري والتعويض ،حينما تتعدد طبعات
الكت اب ،فنج د الطبع ة األوىل مرفق ة بإه داء شخص ي م ا ،مث ال جند ذل ك اإله داء يف
طبعات داخلية أخرى ،والعكس صحيح أيضا .وقد جند نسخة مؤشرة بإهداء شخصي
ما ،مث يغري الكاتب إهداءه يف نسخة ثانية وأخرى ،فيهديها إىل شخص آخر.
-عبد الفتاح حممد :قصائد على الحدود ،املطبعة املركزية ،وجدة ،املغرب ،الطبعة األوىل سنة 1984م، 202
ص.7 :
-فاطمة عبد احلق :زمن االنتظار ،املطبعة املركزية ،وجدة ،املغرب ،الطبعة األوىل سنة 1995م ،ص.3: 203
204
- G.Genette : Seuils, PP : 116-117.
93
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
عالوة على ذلك ،تتكون صيغة اإلهداء من جمموعة من العناصر الرئيسية ،مثل :املهدي،
وامله دى إلي ه ،وص يغة اإله داء ،وس ياق اإله داء ،يف ش كل أس باب ودواف ع ذاتي ة
وموضوعية ،وعقد اإلهداء ،والعبارات الرقيقة والصيغ الشاعرية ،وتوقيع املهدي ،وزمان
اإله داء ومكان ه .ويع ين ه ذا أن اإله داء ق د يك ون موقع ا أو مؤش را حبيثي ات مكاني ة أو
زمانية ،وخاصة يف ما يسمى بإهداء النسخة ،حيث يوقع الكاتب نسخة املتلقي بعبارات
إفصاحية وبوحية رقيقة ،مث يرفقها بتاريخ اإلهداء ومكانه .وقد يكون املهدي أو الذي
يرسل اإلهداء إىل شخص واقعي أو خيايل الكاتب اخلارجي للعمل ،ويسمى باملؤلف أو
املب دع أو األديب ،وميكن أن يك ون مرتمجه إذا ك ان العم ل ترمجة ،وميكن أن يك ون ه و
الناشر أو الطابع أو الناسخ أو املوزع أو شخص آخر ،كاحملقق الذي يتوىل توثيق العمل
وحتقيق ه .أم ا امله دى إلي ه ،فق د يك ون الك اتب نفس ه ،أو شخص ا جمه وال أو معين ا ،أو
شخص ا خاص ا أو عام ا أو اعتباري ا كاملؤسس ة والش ركة .وق د تك ون هن اك جمموع ة من
العالق ات ال يت ترب ط بني امله دي وامله دى إلي ه ،كالعالق ة العائلي ة ( امله دى إلي ه ف رد من
أف راد العائل ة الص غرية والكب رية) ،والعالق ة االجتماعي ة( إه داء لش خص ذي مكان ة
اجتماعية) ،والعالقة االقتصادية( إهداء للممول) ،وعالقة احملبة والصداقة( عالقة قائمة
على احلب والصداقة والزمالة) ،وعالقة املهنة أو احلرفة ( من مبدع إىل مبدع أو ناقد)،
وعالق ة عم ل( عالق ة املب دع بص احب العم ل) ،أو عالق ة رمسية مؤسس اتية ( إه داء إىل
مؤسس ة أو ش ركة أو مقاول ة م ا) ،أو عالق ة جمهول ة ( إه داء إىل شخص ية جمهول ة) ،أو
عالقة ذاتية ( إهداء الكاتب إىل نفسه)...وقد تكون عالقة فنية ،وثقافية ،وسياسية...إال
أن هناك فرقا واضحا بني إهداء العمل وإهداء النسخة .فإهداء العمل يكون ثابتا بصيغته
التعبريية ،وبتوجيهها العام إىل مهدى معني ،خيتاره الكاتب أو شخص آخر ،بينما يتوجه
إهداء النسخة إىل مهدى إليه متعدد ،خيتاره الكاتب يف أثناء التربع أو التوقيع.لذا ،يكتب
امسه على الص فحة األوىل غالب ا ،مث يؤش ر علي ه بتوقيع ه يف الزم ان واملك ان ،مص حوبا
بعبارات رقيقة من املشاعر واالنفعاالت.
94
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
ويع ين ه ذا أن توقي ع النس خة يوج ه إىل مه دى إلي ه خ اص .ويتس م ه ذا اإله داء خباص ية
التغ ري والتن وع والتب دل ،ويتغ ري من ش خص إىل آخ ر .وق د يك ون امله دى إلي ه ف ردا أو
جمموعة ،كما عند الروائي الفرنسي ستاندال( .205)Stendhalوقد يكون املهدى إليه
متلقيا أو قارئا ،وقد يتخذ طابعا دينيا أو الهوتيا ،حينما يهدي الكاتب عمله إىل اهلل ،أو
الكنيسة ،أو القس ،أو الكاهن ،أو البابا...
وق د يك ون اإله داء موجه ا من املؤل ف إىل إح دى شخص ياته داخ ل عمل ه ،ك أن يك ون
بطال أو بطلة داخل قصة ،أو رواية ،أو مسرحية .ومن ناحية أخرى ،قد يكون املهدى
إلي ه شخص ية واقعي ة أو متخيل ة؛ شخص ية معروف ة أو جمهول ة أو مغم ورة ،أو شخص ية
خاصة أو عامة.
وغالب ا ،م ا يتض من اإله داء ( أو امله دى إلي ه) أمساء العلم الذكوري ة واألنثوي ة ال يت يق ول
عنه ا مولين و ( )Molinoبأهنا" ت داعيات معق دة ،تربطه ا بقص ص تارخيي ة وأس طورية،
وتش ري قليال أو كث ريا إىل أبط ال وأم اكن ،تنتمي إىل ثقاف ات متباع دة يف الزم ان
واملكان".206
وإذا انتقلنا إىل صيغة اإلهداء ،فقد تكون صيغة ذاتية يف شكل كتابة شاعرية ذاتية ،أو
كتاب ة عاطفي ة رقيق ة .وق د تك ون ص يغة موض وعية ،حتي ل على ع وامل الكتاب ة وحيثياهتا
التكوينية.ومن مث ،فالصيغة اإلهدائية يف إهداء النسخة يكون إهداء إنسانيا حيا من جهة،
وإه داء رمزي ا ووج دانيا وانفعالي ا م ؤثرا من جه ة أخ رى .يف حني ،يك ون إه داء العم ل
خطابا عاما غري إنساين ،موجه إىل متلق عام جاهز ومنمط.
205
-Gérard Genette :Ibid, p :124.
206
- -Gérard Genette: Ibid, p: 110-133.
95
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
96
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
ويعت رب اإله داء ،س واء أك ان عام ا أم خاص ا ،عتب ة نص ية م ؤثرة ،ال تنفص ل داللته ا عن
الس ياق الع ام لطبيع ة النص الش عري أو الس ردي أو ال درامي ،وعن أبع اده اإلحيائي ة
واملرجعي ة.وهلذا االعتب ار ،يتص در اإله داء النص وص ،س واء أك انت س ردية أم ش عرية أم
درامي ة ،باعتب اره أح د املداخل األولي ة لك ل ق راءة ممكن ة للنص .ويع ين ه ذا أن النص وص
الشعرية قد حتمل إهداءين :إهداء عاما موجها إىل مجيع القراء بصفة كلية ،وإهداء خاصا
موجه ا إىل امله دى إلي ه.عالوة على ذل ك ،إذا ك ان امله دى إلي ه يف إه داء العم ل حمدودا
وثابتا ومقيدا بشخص معني ،أو باملتلقي العام ،فإن إهداء النسخة متعددا ومتغريا ،فكل
نس خة موجه ة إىل متل ق خ اص بامسه ،ومكتوب ة بكلم ات ش اعرية رقيق ة خاص ة ب ه،
ومؤشرة بالتوقيع يف الزمان واملكان ،ويعرب هذا اإلهداء عن فطرية العمل وعفويته وطبعه
وسجيته ،وخاصة إذا كان اإلهداء مكتوبا بقلم أو خط املؤلف نفسه .وإذا كان إهداء
العمل يرتبط بظهور املطبعة ،فإن إهداء النسخة قدمي بقدم الكتاب نفسه.وهذا ما يثبته
ت اريخ الكت اب يف الثقاف ة العربي ة ،فك ان املؤلف ون أو الناس خون يه دون كتبهم إىل
شخص يات عام ة أو خاص ة ،حتم ل يف طياهتا ت وقيعهم واس م امله دى إلي ه ،قب ل أن تظه ر
املطبعة بقرون عدة.
وعليه ،فاإلهداء عتبة نصية الختلو من قصدية ،سواء يف اختيار املهدى إلي ه( إليهم) ،أم يف
اختي ار عب ارات اإله داء...ويف ه ذا الس ياق ،ميكن التمي يز بني ن وعني من امله دى إليهم:
اخلاصني والعامني ،ويقصد باملهدى إليه اخلاص ( )Le dédicataire privéشخصية
إم ا معروف ة ،وإما غري معروف ة ل دى العم وم.ويه دى إليه ا العم ل باسم عالق ة شخص ية:
ودية أو قرابة أو غريمها...
أما املهدى إليه العام أو العمومي ( ،)Le dédicataire publicفهو شخصية أكثر
أو أقل شهرة ،ويبدي املؤلف حنوها العمل لعالقة سياسية ،أواجتماعية ،أواقتصادية ،،أو
ثقافية ،أو مجالية ،أو فنية ...ومن ناحية أخرى ،ميكن احلديث ،يف جمال الشعر خصوصا،
97
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
عن إه داء ال ديوان الش عري ،وإه داء القص يدة الش عرية ،وخاص ة يف القص يدة العربي ة
املعاصرة .ويعين هذا أن هناك ،على العموم ،إهداء خارجيا وإهداء داخليا.
98
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
االجتماعي ة( التواص ل احلميم بني األص دقاء وأف راد العائل ة) ،والوظيف ة االقتص ادية (رعاية
العمل األديب ،ومتويله ماديا…) .عالوة على وظائف أخرى :ثقافية ،ومجالية ،وسياسية،
وداللية ،وتأثريية ،ورمزية .209فضال عن الوظائف التأويلية والسياقية اليت تساعد الناقد
والقارئ يف تذوق النص ،وإعادة بنائه من جديد .عالوة على ذلك ،يرشدنا اإلهداء إىل
س ياق اإلب داع ،فريص د دواعي ه الذاتي ة واملوض وعية ،مث ي بني كيفي ة انكتاب ه ،وتكوين ه،
وطبعه ،ونشره ،وتوزيعه ،وتلقيه...
كم ا يق دم اإله داء معلوم ات موثق ة عن طبيع ة العم ل مض مونا وش كال ومقص دية ،م ع
حتديد ظروف كتابته ،وكيفية إخراجه إىل حيز الوجود .وقد يكون اإلهداء مبثابة تعليق
عن النص ،وش رح لدالالت ه الظ اهرة والثاوي ة ،وكش ف خلصائص ه الفني ة والش كلية
واجلمالي ة .وق د ي رد اإله داء أيض ا يف ش كل تق دمي أو تص دير اس تهاليل ،يفس ر حيثي ات
النص ،ويستقص ي أبع اده الداللي ة والفني ة واملرجعي ة .ومن هن ا ،يق وم اإله داء بوظيف ة
تقدميي ة أو تص ديرية إىل ج انب الوظ ائف الس ابقة ،كالوظيف ة الرمزي ة ،والوظيف ة
االجتماعي ة ،والوظيف ة االقتص ادية ،والوظيف ة اإلحيائي ة ،والوظيفي ة الس يميائية ،والوظيفي ة
األيقوني ة ،والوظيف ة التكويني ة التفس ريية ،والوظيف ة املرجعي ة...ويف ه ذا الص دد ،ميكن
احلديث عن إهداء رمسي ،وإهداء شخصي ،ولكل إهداء وظائف خاصة به.
وعليه ،فلإلهداء وظائف سيميائية وداللية وتداولية عدة ،ميكن حصرها يف وظيفة التعيني
ال يت تتكف ل بوظيف ة تس مية العم ل وتثبيت ه .وهن اك أيض ا الوظيف ة الوص فية ال يت تع ين أن
اإله داء يتح دث عن النص وص فا وش رحا وتفس ريا وت أويال وتوض يحا .ون ذكر ك ذلك
الوظيفة اإلغرائية اليت تكمن يف جذب املتلقي ،وكسب فضول القارئ لشراء الكتاب ،أو
ق راءة العم ل ،أو تلقي النص .كم ا ي ؤدي اإله داء وظيف ة التلميح ،واإلحياء ،واألدجلة،
والتن اص ،والتكني ة ،واملدلولي ة ،والتعلي ق ،والتش اكل ،والش رح ،واالخ تزال ،والتك ثيف،
209
-Gérard Genette :Ibid,p :127.
99
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
وخل ق املفارق ة واالنزي اح عن طري ق إرب اك املتلقي .فض ال عن الوظيف ة التص ديرية أو
االفتتاحية...
عالوة على ذل ك ،ختتل ف وظ ائف إه داء النس خة عن وظ ائف إه داء العم ل ،فوظ ائف
اإله داء األول متع ددة ،ذات أبع اد عالئقي ة ورمزي ة خاص ة ،ومرتبط ة بلحظ ة التوقي ع
والتأش ري على الكت اب امله دى .يف حني ،جند وظيف ة اإله داء الث اين حمدودة وعام ة،
ومرتبط ة بق ارئ ع ام وث ابت ،غ ري متغ ري .210ويع ين ه ذا كل ه أن" الوظيف ة االقتص ادية
املباشرة لإلهداء قد اختفت اليوم ،لكن دوره يف الرعاية أو الكفالة الفكرية أو اجلمالية قد
اقتصر على األهم :التماس الدعم والسند املعنوي من املهدى إليه الذي يصبح بشكل ما،
مسؤوال عن العمل ،وعن استحقاقه الثقايف داخل فضاء التبادل الرمزي.
تتصل وظيفة التماس السند بإهداء الكتاب ،أما إهداء النسخة فتختلف حبسب الوضع
االعتباري للمهدي إليه .فاإلهداء العام للنسخة ميكن أن يرتبط ببعض املناسبات ،ينتهي
بتوقي ع نس خ للجمه ور ال راغب يف الظف ر بإمض اء املؤل ف .وع ادة م ا يك ون ه ذا التوقي ع
مصاحبا بكلمة احتفاء أو بتعليق موجز على العمل.أما اإلهداء اخلاص للنسخة فال يرتبط
بالضرورة مبثل هذه املناسبات ،وإمنا يرتبط خبصوصية العالقة القائمة بني املؤلف واملهدى
إليه ،مث بني املهدى إليه والعمل نفسه.هلذا ،يتجه املؤلف ،يف نص اإلهداء ،حنو ختصيص
هذه العالقة وتعليلها ،من خالل تعليق ذايت على العمل.وهذا التعليق وما يفصح عنه من
معلوم ات أو تق ييم ،ه و م ا م واز .ويف ك ل األح وال ،إن إح دى االفرتاض ات املس بقة
لإله داء تتمث ل يف ك ون الك اتب ينتظ ر ،يف املقاب ل ،من الش خص احلاص ل على النس خة
املهداة التكرم بإجناز قراءة للعمل.وبذلك ،يصبح متلك العمل مقرتنا بقراءته ،وليس فقط
مبجرد احلصول على نسخة منه"211.
100
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
وهك ذا ،نص ل إىل أن لإله داء وظ ائف مجة وع دة ،ميكن رص دها ع رب التموق ع الس ياقي.
ويع ين ه ذا أن اإله داء ليس عتب ة زائ دة ،ب ل عتب ة مهم ة يف استكش اف دالالت النص،
واستقراء بنياته ،وحتديد مقاصده ،سواء من خالل قراءة أفقية أو قراءة عمودية.
101
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
ذاتي ة ،وتتض من قيم ا ،ومواق ف عاطفي ة ،ومش اعر وإحساس ات ،يس قطها املتكلم على
موضوع الرسالة املرجعي.
وهناك الوظيفة التأثريية اليت تقوم على حتديد العالقات املوجودة بني املرسل واملتلقي،
حيث يتم حتريض املتلقي ،وإثارة انتباهه ،وإيقاظه عرب الرتغيب والرتهيب ،وهذه الوظيفة
ذاتية.
وهن اك الوظيف ة اجلمالي ة أو الش عرية ال يت حتدد العالئ ق املوج ودة بني الرس الة وذاهتا،
وتتحق ق ه ذه الوظيف ة بإس قاط احملور االختي اري على احملور الرتكي يب ،وبال ذات عن دما
يتحق ق االنته اك واالنزي اح املقص ود .وتتس م ه ذه الوظيف ة بالبع د الف ين واجلم ايل
والشاعري.
وميكن احلديث أيض ا عن الوظيف ة احلفاظي ة أو االتص الية للقن اة اإلهدائي ة؛ إذ هتدف ه ذه
الوظيف ة إىل تأكي د التواص ل ،واس تمرارية اإلبالغ ،وتثبيت ه أو إيقاف ه ،واحلف اظ على ن ربة
احلديث والكالم املتبادل بني الطرفني.
فض ال عن الوظيف ة الوص فية املتعلق ة باللغ ة ،وهتدف ه ذه الوظيف ة إىل تفكي ك الش فرة
اللغوي ة ،بع د تس نينها من قب ل املرس ل ،واهلدف من الس نن ه و وص ف الرس الة لغوي ا
وتأويله ا ،م ع االس تعانة ب املعجم أو القواع د اللغوي ة والنحوي ة املش رتكة بني املتكلم
واملرسل إليه.
ونض يف الوظيف ة البص رية أو األيقوني ة كم ا عن د ت رنس ه اوكس ،212وهتدف ه ذه
الوظيفة إىل تفسري داللة األشكال البصرية واأللوان واخلطوط األيقونية بغية البحث عن
املماثلة أو املشاهبة بني العالمات البصرية ومرجعها اإلحايل.
ومن ب اب التنبي ه ،فنحن ،هن ا ،حنتكم إىل القيم ة املهيمن ة (La valeur
)dominanteكما حددها رومان جاكبسون؛ ألن اإلهداء يف نص ما ،قد تغلب عليه
-ت رنس ه وكس( :م دخل إىل الس يمياء) ،مجل ــة بيت الحكم ــة،املغ رب ،الع دد ،5الس نة الثاني ة ،س نة 212
1987م ،ص.120:
102
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
وظيفة معينة دون أخرى ،فكل الوظائف اليت حددناها سالفا متمازجة؛ قد نعاينها خمتلطة
بنسب متفاوتة يف رسالة واحدة ،حيث تكون الوظيفة الواحدة منها غالبة على الوظائف
األخرى حسب منط االتصال.
وعلى وج ه العم وم ،عن دما نري د مقارب ة اإله داء الب د من االنطالق من أرب ع خط وات
أساسية هي :البنية ،والداللة ،والوظيفة ،والقراءة السياقية األفقية والعمودية .ويعين هذا
أن البني ة تس توجب ق راءة اإله داء ص وتيا ،وإيقاعي ا ،وتنغيمي ا ،وص رفيا ،وتركيبي ا،
وبالغي ا ،وأيقوني ا .يف حني ،تس تلزم الدالل ة دراس ة اإله داء يف ض وء عالق ة اإله داء
بالدالل ة ،متس ائلني عن طبيع ة العالق ة :ه ل هي عالق ة كلي ة أو جزئي ة؟ وه ل هي عالق ة
مباشرة أو غري مباشرة؟ وهل هي عالقة تعيني أو عالقة تضمن؟ وهل هي عالقة حرفية
أو عالقة إحيائية؟...
أم ا فيم ا خيص الوظيف ة ،فالب د من حتدي د جمم ل الوظ ائف الس ياقية ال يت يؤديه ا اإله داء
داخ ل النص (الوظيف ة االنفعالي ة ،والوظيف ة التأثريي ة ،والوظيف ة الش عرية ،والوظيف ة
التناصية ،والوظيفة التعيينية ،والوظيفة البصرية ،)...،يف ضوء قراءة فعالة مرنة ،تنطلق
من القمة إىل األسفل ،ومن األسفل إىل القمة ،ومن الداخل إىل اخلارج ،ومن اخلارج إىل
الداخل .ويف هذا الصدد ،فأول احليل التاكتيكية هي الظفر مبغزى اإلهداء ،و" املفهوم
احمللي الذي نستخدمه هلذا الغرض هو :من القاعدة إىل القمة ( ،)Top-downومن
القم ة إىل القاع دة ( ،)Bottomومع ىن ه ذا ،أن ه جيب فهم مع اين الكلم ات املعجمي ة
وبنية اجلملة ،ومعناه ا املركب .أي" :من القاعدة إىل القمة" ،وعلى أساس هذه اجلملة
213
نتوقع ما حيتمل أن يتلوها من مجل .أي :من القمة إىل القاعدة".
والب د ك ذلك من مراع اة الس ياق احمللي يف أثن اء مقارب ة اإله داء وتأويل ه ،وإال تعس ف
احمللل السيميولوجي -مثال -يف التفسري والتحليل .وإذا" كانت املشاهبة وما تدعوه من
توقع وانتظار بناء على معرفتنا املرتاكمة للعامل ،جتعلنا نقتحم عامل القصيدة الرحب يف
-حممد مفتاح :دينامية النص،املركز الثقايف العريب ،الدار البيضاء ،املغرب ،الطبعة األوىل ،ص.60: 213
103
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
اطمئن ان ،اعتم ادا على م ا أوص ى ب ه [اإلهــداء ] ،فإنن ا م ع ذل ك ،س نقيد أنفس نا مبب دأ
التأويل احمللي ،لكيال نسقط على القصيدة كل ما تراكم لدينا من جتارب ،ونقوهلا مامل
تقل.214 ".
وهكذا ،فاإلهداء ،يف احلقيقة ،مبثابة رأس للجسد ،والنص متطيط له وحتوير ،إما بالزيادة
واالس تبدال ت ارة ،وإم ا بالنقص ان والتحوي ل ت ارة أخ رى .يش كل اإله داء بالنس بة
للسيميولوجي بؤرة منهجية أساسية يف االستكشاف واالستقصاء النصي ،ونواة متهيدية
لقراءة القصيدة الشعرية ،ميدها باحلياة احلقيقية ،والروح املتحركة ،واملعىن النابض .وميدنا
" [اإلهـداء ] بزاد مثني لتفكيك النص ودراسته ،ونقول هنا:إنه يقدم لنا معرفة كربى
لض بط انس جام النص ،وفهم م ا غمض من ه ،إذ ه و احملور ال ذي يتوال د ويتن امي ويعي د
إنت اج نفس ه ،وه و ال ذي حيدد هوي ة القص يدة ،فه و -إن ص حت املش اهبة مبثاب ة ال رأس
للجس د -واألس اس ال ذي تب ىن علي ه ،غ ري أن ه إم ا أن يك ون ط ويال ،فيس اعد على توق ع
املض مون ال ذي يتل وه .وإم ا أن يك ون قص ريا ،وحينئ ذ ،فإن ه الب د من ق رائن ف وق لغوي ة
215
توحي مبا يتبعه".
ومن ب اب اإلض افة ،الب د للمحل ل أن يس تعني بنظري ة ش ارل ب ريس ،ويتمث ل جه ازه
املف اهيمي الت أويلي ال ذي يتمث ل يف :الرم ز ،واإلش ارة ،واأليق ون .ويس توعب أيض ا
تص ورات فردينان د دي سوس ري اللس انية والس يميائية ،ويس تفيد أيض ا من آراء ج ريار
ج نيت ،وروم ان جاكبس ون ،وروالن ب ارت ،وكرمياص ،وليوهوي ك ،وكل ود دوش يه،
وهنري ميرتان ،وشارل كريفيل ،وأمربطو إيكو ،وآخرين...
وخالص ة الق ول ،يت بني لن ا -من ه ذا كل ه -أن اإله داء عتب ة ض رورية يف ق راءة النص
األديب بص فة عام ة ،والنص الش عري بص فة خاص ة .وليس اإله داء أيض ا عنص را جماني ا
104
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
زائدا ،كما يعتقد الكثري من الباحثني والدارسني ،بل هو من أهم املصاحبات النصية اليت
تس عفنا يف تفكي ك النص وتركيب ه ،أو فهم ه وتأويل ه .أض ف إىل ذل ك فظ اهرة اإله داء
تقليد أديب قدمي ،يرتبط بظهور الكتاب ،وقد انتقل من إهداء النسخة إىل إهداء الكتاب
املطبوع مع ظهور املطبعة .ومن مث ،فقد استفاد اإلهداء من إجيابيات الصناعة الطباعية
على مر العصور .ومل يقتصر اإلهداء على السرد واملسرح فقط ،بل جتاوزمها إىل الشعر
وباقي األجناس األدبية والكتابات األخرى.
هذا ،ويتكون اإلهداء من عناصر عدة ،وهي :املهدي ،واملهدى إليه ،والصيغة ،وزمان
اإله داء ،ومكان ه .كم ا ينقس م اإله داء إىل إه داء ذايت وغ ريي ،وإه داء خ اص وع ام،
وإهداء العمل والنسخة ،وإهداء رمسي وشخصي .ويف األخري ،ال ميكن مقاربة اإلهداء
إال ب احرتام احملط ات األرب ع أال وهي :البني ة ،والدالل ة ،والوظيف ة ،والق راءة األفقي ة
والعمودية.
105
الفصل الثامن:
يعت رب اخلط اب الغاليف من أهم عناص ر النص املوازي ال يت تس اعدنا على فهم األجن اس
األدبي ة بص فة عام ة ،والرواي ة بص فة خاص ة ،على مس توى البن اء ،والدالل ة ،والتش كيل،
واملقص دية .ومن مث ،ف إن الغالف عتب ة ض رورية للول وج إىل أعم اق النص قص د اس تكناه
مضمونه ،ورصد أبعاده الفنية ،واستخالص نواحيه اإليديولوجية واجلمالية .وبالتايل ،فهو
أول م ا يواج ه الق ارئ قب ل عملي ة الق راءة والتل ذذ ب النص؛ ألن الغالف ه و ال ذي حيي ط
ب النص ال روائي ،ويغلف ه ،وحيمي ه ،ويوض ح ب ؤره الداللي ة من خالل عن وان خ ارجي
مركزي ،أوعرب عناوين فرعية ،ترتجم لنا أطروحة الرواية أو مقصديتها أو تيمتها الداللية
العامة.
يتضمن الغالف اخلارجي اسم الروائي ،وعنوان روايته ،وجنس اإلبداع ،وحيثيات الطبع
والنش ر .عالوة على اللوح ات التش كيلية ،وكلم ات الناش ر أو املب دع أو الناق د ت زكي
العم ل ،وتثمن ه إجيابا وتق دميا وتروجيا .وبالتايل ،ف إن الغالف األديب والفين يش كل فضاء
نص يا وداللي ا ال ميكن االس تغناء عن ه ملدى أمهيت ه يف مقارب ة الرواي ة مب ىن ،وفح وى،
ومنظورا.
وميكن اعتب ار العن اوين وأمساء املؤلفني وك ل اإلش ارات املوج ودة يف الغالف األم امي،
يقول محيد حلمداين ،داخلة يف" تشكيل املظهر اخلارجي للرواية ،كما أن ترتيب واختيار
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
مواق ع ك ل ه ذه اإلش ارات ،الب د أن تك ون ل ه دالل ة مجالي ة أو قيمي ة ،فوض ع االس م يف
أعلى الص فحة ،ال يعطي االنطب اع نفس ه ال ذي يعطي ه وض عه يف األس فل .ول ذلك غلب
تق دمي األمساء يف معظم الكتب الص ادرة ح ديثا يف األعلى ،إال أن ه يص عب على ال دوام
ضبط التفسريات املمكنة وردود فعل القراء ،وكذا ضبط نوعية التأثريات اخلفية اليت ميكن
أن ميارسها توزيع املواقع يف التشكيل اخلارجي للرواية إال إذا قام الباحث بدراسة ميدانيـ ــة
".216
ويتكون الغالف اخلارجي للعمل األديب والفين واجهتني أساسيتني :أمامية وخلفية ،حيث
نستحضر يف الغالف األمامي اسم املبدع ،والعنوان اخلارجي ،والتعيني اجلنسي ،والعنوان
الفرعي ،وحيثيات النشر ،والرسوم والصور التشكيلية .أما يف ما خيص الغالف اخللفي،
فنلفي الصورة الفوتوغرافية للمبدع ،وحيثيات الطبع والنشر ،ومثن املطبوع ،ومقاطع من
النص لالستشهاد ،أو شهادات إبداعية أو نقدية ،أو كلمات للناشر.
ويطبع الغالف الروائي هندسيا بأحجام خمتلفة ومتنوعة :احلجم املتوسط ،واحلجم الكب ري،
واحلجم الصغري (احلجم اجلييب) .وغالبا ،ما يتخذ النص الروائي حجما مستطيال ،ويندر
وجود حجم املربع يف إخراج النص الروائ ــي.
-محيد حلمداين :بنية النص السردي من منظور النقد األدبي ،املركز الثقايف العريب ،الدار البيضاء ،الطبعة 216
116
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
المبحث الثالث:
حيم ل الغالف اخلارجي أيقون ات بص رية ،وعالم ات تص ويرية وتش كيلية ،ورس وما
كالسيكية واقعية ورومانسية ،وأشكاال جتريدية ،ولوحات فنية لفنانني مرموقني يف عامل
التش كيل البص ري ،أو فن الرس م ،للت أثري يف املتلقي والق ارئ املس تهلك .ويع ين ه ذا أن
الغالف اخلارجي للعمل حيمل رؤية لغوية وداللة بصرية .ومن مث ،يتقاطع اللغوي اجملازي
م ع البص ري التش كيلي يف ت دبيج الغالف ،وتش كيله ،وتبئ ريه ،وتش فريه .ويتطلب ه ذا
الرس م التجري دي ال ذي تعج ب ه األغلف ة ال يت تتص در األعم ال الروائي ة "خ ربة فني ة عالي ة
ومتط ورة ل دى املتلقي إلدراك بعض دالالت ه ،وك ذا للرب ط بين ه وبني النص ،وإن ك انت
مهم ة تأوي ل ه ذه الرس وم التجريدي ة رهين ة بذاتي ة املتلقي نفس ه ،فق د يكتش ف عالق ات
متاث ل بني العن وان أو النص ،عن د قراءت ه ل ه ،وبني التش كيل التجري دي .وق د تظ ل ه ذه
العالقة قائمة يف ذهـ ـنــه.
ويف كلت ا احلالتني ،يق وم الرس م ال واقعي والتجري دي مع ا ،بال دور نفس ه ال ذي يق وم ب ه
اإلش هار بالنس بة للس لع ،وتنتهي وظيف ة التش كيل اخلارجي بالنس بة للناش ر بلحظ ة اقتن اء
الكتاب من طرف القارئ ،غري أن املؤلف يفرتض أن هذه الوظيفة حتافظ على بقائها مع
الكتاب على الدوام".217
ويعين هذا أن الغالف اخلارجي يتأرجح ،على مستوى التشكيل البصري واأليقوين ،بني
ماهو تشخيصي واقعي أو رومانسي وانطباعي ،وماهو جتريدي ورمزي.
117
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
اختذت الرواي ة العربي ة ،يف مس ارها الطب اعي ،أغلف ة ورقي ة وكارتوني ة عادي ة ،وأغلف ة
متطورة من الناحية التقنية والتشكيلية والصناعة الرقمية .كما اختذت أيضا طابعا لغويا
وطابع ا تش كيليا بص ريا .وبتعب ري آخ ر ،فق د اس تعملت الرواي ة العربي ة احلديث ة ن وعني من
الغ ــالف مها:
غالف يطبعه الفراغ التشكيلي (رواية ( زينب) حملمد حسني هيكل مثال ).
أم ا التش كيل الغاليف ،فق د اختذ ب دوره غالفني :غالف ا بتش كيل واقعي ،وغالف ا بتش كيل
جتريدي مع موجة التجريب والتجديد يف الرواية العربية املعاصرة.
ولقد حتدثنا عن التشكيل التجريدي الذي يرتبع على الغالف اخلارجي يف شكل عالمات
وأل وان وأش كال هندس ية جمردة عن احلس والواق ع ،وحيم ل دالالت س يميائية مفتوح ة،
وهو يف حاجة ماسة إىل التفكيك والتأويل .أما التشكيل الواقعي ،فيشري بشكل مباشر"
إىل أح داث القص ة أو على األق ل إىل مش هد جمس د من ه ذه األح داث ،وع ادة م ا خيت ار
الرسام موقفا أساسيا يف جمرى القصة ،يتميز بالتأزمي الدرامي للحدث ،وال حيتاج القارئ
إىل كبري عناء يف الربط بني النص والتشكيل بسبب داللته املباشرة على مضمون الرواية.
ويب دو أن حض ور ه ذه الرس وم الواقعي ة يق وم بوظيف ة إذك اء خي ال الق ارئ ،لكي يتمث ل
بعض وق ائع القص ة وكأهنا جتري أمام ه ،وق د حتت وي ص فحات الرواي ة الداخلي ة على
رس ومات مماثل ة ،إم ا مبوازاة ك ل فص ل أو عن د فص ول بعينه ا ،وتك ون ه ذه الرس ومات
الداخلية ،عادة باألبيض واألسود ،بينما تستخدم األلوان املختلفة يف التشكيل اخلارجي،
118
وتعت رب رواي ات جنيب حمف وظ مثال منوذجي ا الس تغالل الرس م ال واقعي يف تش كيل فض اء
النص بلوحات ذات طابع مشهدي".218
ويع ين ه ذا أن التش كيل الغاليف ق د م ر مبرحل تني أساس يتني :مرحل ة التش كيل ال واقعي
التشخيصي والفين ،ومرحلة التجريد الرمزي مع أغلفة الرواية الطليعية وما بعد احلداثة.
من املعل وم أن أهم عتب ة حيويه ا الغالف اخلارجي ه و اس م املؤل ف ال ذي يعني العم ل
األديب ،وخيصص ه متي يزا وهوي ة ،ومينح ه قيم ة أدبي ة وثقافي ة ،ويس فره يف املك ان والزم ان،
ويس اعده على ال رتويج واالس تهالك ،وجيذب الق ارئ املتلقي .وي راد من تث بيت اس م
املؤلف العائلي والشخصي ختليده يف ذاكرة القارئ .وإن اسم أي مؤلف على الغالف،
ال يعدو كونه ركاما من "احلروف امليتة" " ،فحني يرتقي اسم املؤلف إىل مستوى النص،
فإن ه ينتعش ويتح رك ،ويهب نفس ه حبق للق راءة ،أم ا حني يقتص ر وج وده على الغالف،
فال يك ون موض وع ق راءة ،ب ل عالم ة على أن املؤل ف مش هور أو ش به مع روف أو
جمهول".219
وتطرح عتبة املؤلف إشكاليات منهجية ومعرفية متعددة كما يرى فيليب لوجون الذي
يقول" :أي دور تلعبه األمساء الشخصية ،وخاصة اسم املؤلف ،يف إدراك القارئ للجنس
ال ذي ينتمي إلي ه نص م ا ،ومن مث يف اختي اره لكيفي ة قراءت ه؟ ه ل س أقرأ نص ا بالطريق ة
-محيد حلمداين :بنية النص السردي من منظور النقد األدبي ،صص60-59 :؛ 218
219
- Jean Ricardou:"Quand le Texte parle de son paratexte, in:
;Poétique, n° 69, 1987
نفس ها إذا ك انت الشخص ية الرئيس ية حتم ل امسا خمتلف ا عن اس م املؤل ف ،أو إذا ك انت
حتمل االسم نفسه " .220
وهن اك ف رق كب ري -على مس توى الش عرية الس ردية -بني املؤل ف على الغالف واملؤل ف
داخ ل النص؛ ألن من املؤك د أن املؤل ف مقيم ا يف الغالف اخلارجي ليس ه و ذات ه مقيم ا
يف الفض اء ال داخلي للنص .ف املؤلف الغاليف ه و عب ارة عن ذات أوطوبيوغرافي ة ملموس ة
حسية خارجية مبدعة للكتاب والعمل والنص .وبالتايل ،فهو كائن من حلم ودم .بينما
املؤلف داخل النص ماهو إال كائن ورقي خيايل وافرتاضي ،يسبح يف عوامل جمازية وفنية.
فليس املقصود مبؤل ف النص الداخلي مايسمى بـ ـ "الذات الكاتب ة اخلارجي ة املرجعية ،بل
املقص ود هبا م ا ت دعوه اإلنش ائية املعاص رة بـ ـ "املؤل ف الض مين " ،أو "األن ا الروائي ة
األخ رى" ،أو "املؤل ف اجملرد" .أي :ذل ك ال ذي ينحص ر وج وده داخ ل فض اء الرواي ة،
متنقال يف حمكياته بني تضاريس سردية متنوعة اإليقاع والتصوير.
وخالص ــة الق ــول ،تلكم -إذًا -نظ رة م وجزة ومبس طة إىل اخلط اب الغاليف ال ذي يع د
مبثابة جنرييك للعمل األديب ،مبا يتضمنه من عالمات لغوية وبصرية ،وما يشتمل عليه من
مؤشرات أيقونية ،وإشارات سيميائية ،وعتبات توضح طبيعة العمل ،وتعني هويته ،وحتدد
جنس ه األديب والف ين .ومن مث ،ف الغالف عتب ة أساس ية لفهم العم ل األديب وتفس ريه،
وخط وة ض رورية لتفكي ك املنت وج الف ين وال روائي ،وتركيب ه يف مق والت ذهني ة نقدي ة أو
وصفية ،أو جتميعه يف شكل خالصات تقوميية مكثفة دالليا وشكليا وتداوليا.
220
;- Philipe le jeune: Moi aussi, seuil, 1986, p: 37
الفصل التاسع:
يتض من الغالف اخلارجي للكت اب جمموع ة من العتب ات ،من بينه ا :عتب ة املؤل ف ،وعتب ة
التجنيس ،وعتبة األيقون ،وعتبة حيثيات النشر ،وعتبة كلمات الغالف اخلارجي ،وعتبة
مثن النسخة .وإليكم -اآلن -دالالت كل عتبة على حدة:
وغالب ا ،م ا تتموق ع األدل ة األيقوني ة يف وس ط الغالف اخلارجي ،حيث يش كل األيق ون
البص ري ن واة الغالف اخلارجي ،أو بؤرت ه املركزي ة ،من خالل تق اطع املق اس األفقي
للغالف م ع املق اس العم ودي .ويف ه ذا الص دد ،يق ول ميش يل بوت ور( ":) Butorإن
الكتاب ،كما نعهده اليوم ،هو وضع جمرى اخلطاب يف أبعاد املدى الثالثة ،وفقا ملقياس
م زدوج :طول الس طر ،وعلو الص فحة ،وهو وض ع يتيح للق ارئ حري ة كبرية يف التنق ل
بالنسبة إىل "تتابع" النص ،ويعطيه قدرة كبرية على التحرك ،وال غرو يف أن هذه القدرة
هي أقرب ما تكون لطريقة تقدمي أجزاء العمل األديب كلها يف آن واحد"(.)221
ويعين هذا الكالم أن الكتاب املعاصر ،بأبعاده اهلندسية املتنوعة واملختلفة ،يتيح للمتلقي
استكشاف عناصره ،واستقصاء أجزاءه السيميائية بكل وضوح ،مبا فيها أدلته األيقونية
وعالماته البصرية.
ويتش كل ال دليل األيق وين من اللوح ة ،والص ورة ،والكتاب ة ،واملخط ط ،واخلط وط،
واألل وان ،واألض واء ،والظالل ،والعالم ات البص رية ال يت ت دخل يف عالق ة متاثلي ة م ع
موضوعاهتا املرجعية ،مادامت هي أيقونات سيميائية ليس إال.
وتقوم األلوان جمتمعة بإضاءة الغالف ،وإثارة املتلقي ،واستفزازه ذهنيا ومعرفيا ووجدانيا،
وجتس يد لعب ة التناقض ات اجلدلي ة والس يميائية ،وت أجيج الص راع الضدي الذي يرتجم ما
ب داخل الرواي ة -مثال -من ب رامج س ردية متعارض ة يف قيمه ا وعوامله ا املنج زة ،أو
مايوجد يف الديوان الشعري من أهواء وعواطف وانفعاالت متقابلة يف انسياهبا الشعوري
املتدفق .وتتأرجح األلوان البصرية فوق الغالف بني ألوان باهتة وألوان ثرية وخصبة ،أو
تتأرجح أيضا بني اإلضاءة والتعتيم.
وغالب ا ،م ا تش خص الص ورة الغالفي ة اخلارجي ة القص د الع ام للمؤل ف ،وختتزل دالالت
النص ومضامني العمل املعطى ،وتستقصي مقاصدمها الذاتية واملوضوعية ،بعد تتبع مق اطع
وفقرات ونصوص العمل املدروس .وقد تكون العالقة بني الصورة والعمل عالقة توافقية
مباش رة ،أو رمزي ة ،أو موحي ة .وق د تك ون عالق ة تن اقض ومفارق ة ونفي ،فتص بح ه ذه
العالقة غامضة أو مبهمة ،التوجد أي صلة بني الصورة والعنوان من جهة ،أو مع العمل
-ميش يل بوت ور :بح ــوث في الرواي ــة الجدي ــدة ،ترمجة فري د أنطوني وس ،منش ورات عوي دات ،ب ريوت، 221
-برنارد توسان :ماهي السيميولوجيا؟ ترمجة :حممد نظيف ،أفريقيا الشرق ،الدار البيضاء ،الطبعة األوىل 222
224
-G.Genette : Seuils, P : 27.
المبحث الثالث :كلمــات الغالف أو كلمات الناشر
تع د كلم ات الناش ر واستش هاداته من أهم عناص ر النص املوازي .وتعت رب أيض ا من أهم
ملحقات النص احمليط الداخلي .فهذه الكلمات املناصية توجز لنا مضامني اإلبداع ،وتبني
لن ا أش كاله التعبريي ة ،وترص د لن ا خمتل ف أمناط ه الس ردية والش عرية والدرامي ة .ومن جه ة
أخرى ،تقوم بتبئري أهم حلظات السرد أو النص الشعري أوالدرامي ،مع إبراز أهم مقاطع
العم ل اإلب داعي ،وتس ييجها بإط ار داليل ووظيفي .وهلذه الكلم ات أمهي ة كب رية؛ ألن
اختياره ا واقتباس ها خيدم أطروح ة النص ،ويؤك د مقص ديته العام ة .ومن مث ،تض يء
كلمات الناشر ،يف الغالف اخلارجي اخللفي ،الكون اإلبداعي يف شكل عبارات منتقاة،
وشهادات مركزة ،ومقتبسات مقطعية هادفة .وقد تتضمن هذه الكلمات مجال أو نصا
بكامله يف بعض األحيان األخرى ،وقد يكون هذا النص إبداعا ،أو وصفا ،أو تعليقا ،أو
تقدميا ،أو نقدا.
إذًا ،نستنتج أن الناشر هو الذي يقوم بإثبات كلمات الغالف مبفرده ،أو بإشراك املبدع
أو الناقد ،أو مصمم الغالف ،أو الفنان التشكيلي أو التقين.وغالبا ،ما توضع الكلمات يف
الغالف اخلارجي من الناحية اخللفية .وقد تكون هذه الكلمات يف أعلى الصفحة ،أو يف
وسطها ،أو يف أسفلها .ويتبني لنا من هذا كله أن الكلمات املثبتة على الغالف اخلارجي
هي إما قراءات نقدية ،وأحكام وصفية ذات مصدر خارجي ،وإما مقاطع إبداعية ذات
مصدر داخلي ،مأخوذة إما من بداية العمل األديب ،وإما من وسطه ،وإما من هنايته.
وترتاوح هذه الكلمات املثبتة يف الغالف اخلارجي اخللفي بني أحجام ثالثة :حجم صغري،
وحجم متوس ط ،وحجم ص غري.وتتن وع كلم ات أغلف ة األعم ال اإلبداعي ة من حيث
التلوين .فهناك كلمات مكتوبة خبط أسود ،وكلمات مكتوبة خبط ملون...
ويرى الباحث املغريب نبيل منصر أن هذا اجلنس اخلطايب" ينهض بوظيفة إشهارية وجتارية
لرتويج الكتاب ،وتنمية مبيعاته.ومن مثة ،اليستدعي هذا النص املوازي مسؤولية املؤلف
إال بدرج ة حمدودة ،ب الرغم من وض عية التواف ق القائم ة أو املفرتض ة بين ه وبني ناش ر
أعماله.وتأخذ هذه النصوص هيئة ملصقات أو إعالنات إشهارية (مبثوثة أو منشورة) أو
تقارير موجهة إىل الكتبيني أو خمصصة للوكالء ،وهي تذكر مبلفوظ االلتماس ،اخلطاب
املنح در من التقالي د التأليفي ة للق رن التاس ع عش ر ،وال ذي ال يكتفي ب اإلعالن عن
الصدور(وظيفة إش هارية) ،بل يعم ل أحيانا على ش رح العنوان ،وبسط املفتاح التيمايت
واخلطايب للنص .وسيأخذ هذا النوع من النصوص دفقا أكرب يف زمن الثورة اإلعالمية،
حيث سيتم استثمار دعائم أخرى يف إشهار النصوص وتروجيها.وكثريا ما يشارك املؤلف
نفسه يف هذا النوع من األنشطة مبا يناسب احرتافيته وكياسته"225.
وبن اء على م ا س بق ،تع د كلم ات الناش ر ،أو كلم ات الغالف اخلارجي ،عتب ة أساس ية
لرص د العم ل اإلب داعي فهم ا وتفس ريا وت أويال .ومن جه ة أخ رى ،تس عف الب احث أو
ال دارس أو املؤول يف إدراك دالالت ه ذا العم ل املعطى ،واستكش اف دالالت ه املباش رة
وغري املباش رة ،واستقص اء رؤاه املرجعي ة واإليديولوجية ،وتذوق خمتلف فنيات ه ومجاليته،
وإدراك أسرار بناء شكله اخلطايب.
وخالص ة الق ول ،تلكم هي نظرة م وجزة ومقتض بة إىل مكونات شعرية اخلط اب الغاليف
الذي يعد ،حبق وحقي ق ،جنرييك العم ل األديب ،مبا يتضمنه من عالمات لغوية وبص رية
متنوع ة ،وم ا يش تمل علي ه من مؤش رات أيقوني ة ،وإش ارات س يميائية ،وعتب ات توض ح
طبيعة العمل ،وتعني هويته ،وحتدد جنسه األديب والفين.
-نبيل منصر :الخطــاب المــوازي للقصــيدة العربيــة المعاصــرة ،دار توبقال للنشر ،الدار البيضاء ،الطبعة 225
الفصل العاشر:
المستنسخات التناصية
يع د التن اص من أهم املف اهيم النقدي ة ال يت اهتمت هبا الش عرية الغربي ة وم ا بع د البنيوي ة
والس يميائيات النص ية؛ ملا ل ه من فعالي ة إجرائي ة يف تفكي ك النص وتركيب ه ،والتغلغ ل يف
أعماق النص وال شعوره اإلبداعي.
وإذا ك ان التن اص مص طلحا نق ديا تس لح ب ه النق اد الع رب األق دمون بتس ميات عدي دة،
مث ل :الس رقات الش عرية ،والتض مني ،والنح ل ،واالنتح ال ،واألخ ذ ،والت أثر ،ف إن النق اد
والدارسني الغربيني ابتعدوا عن مفهوم السرقة ( ) Plagiatالقدحي ،فعوضوه مبصطلح
التن اص ب ديال من ه ،واهتم وا باجلانب اإلجيايب في ه ال ذي يتمث ل يف البحث عن أص ول
اإلبداع ،ومكوناته اجلننينية ،وعالقات التفاعل والتأثر والتأثري.
-روالن بارت :درس السـيميولوجيا ،،ترمجة عبد السالم بنعبد العايل ،دار توبقال ،الدار البيضاء ،طبعة 226
1985م ،ص.63:
واس تجالئها قص د حتدي د مرجعي ات الك اتب ،وتبي ان مص ادره الثقافي ة ،ورص د األص ول
املولدة لفكره ،واستكشاف رؤيته للعامل.
ويعد جنس الرواية (دون أن نقصي الشعر والدراما )...الفن األديب الوحيد الذي يزخر
بالتفاعالت التناصية ،والتداخالت احلوارية ،والتعالق التفاعلي ،كما أشار إىل ذلك كثري
من الدارس ني واملنظ رين ،والس يما ميخائي ل ب اختني ،وجولي ا كريس تيفا ،وگرمياس،
وروالن بارت ،وتودوروف ،وجريار جنيت ،وكل الباحثني الذين درسوا النص املوازي
وعتبات ه .وتعت رب الرواي ة أيض ا اجلنس األديب األك ثر انفتاح ا على ال ذات واملوض وع،
والنص وص الس ابقة أو الراهن ة تعالق ا وتف اعال .وه و ك ذلك جنس أديب تنص هر في ه ك ل
األجن اس األدبي ة ،واألس اليب ،واخلطاب ات النص ية .أي :إن الرواي ة مظه ر ب ارز للتن اص،
والتداخالت املناصية ،وتكاثر املستنسخات واإلحاالت ،واألصوات األجناسية؛ وهذا ما
جعل باختني وجوليا كريستيفا يهتمان اهتماما شديدا هبذا اجلنس األديب ،عندما انكب
ب اختني من جه ة على رواي ات دوستيفس كي ،واهتمت كريس تيفا من جه ة أخ رى
بسيميائية اخلطاب الروائي.
-سعيد علوش :المصــطلحات األدبيـة المعاصـرة ،منشورات املكتبة اجلامعية ،الدار البيضاء،الطبعة األوىل 227
سنة 1984م،ص.122:
والتارخيي ة ،والعلمي ة ،والفلس فية ...واس تثمار الش اهد الش عري والن ثري
والتجنيس ي...وحماك اة الق والب اجلاهزة لألن واع الص غرى والك ربى ،والتهجني،
والباروديا ،واحملاكاة الساخرة.
ويتم االستنس اخ النص ي ك ذلك ب الرتكيز على ن وع من اإليه ام بإنش ائية تس تلهم أص ول
اآلي ات القرآني ة واألح اديث النبوي ة والش اهدات والرس ائل ،باإلض افة إىل تنوي ع الق والب
التناصية ،وتكسري اإليهام ال روائي من خالل تداخل األزمنة ،وتنويع الضمائر ،وتداخل
احملكيات وجتاورها ،واستكشاف اللعب بالرموز ،ورصد العالمات اإلحالية واملرجعية،
واستدعاء املواقف والشخصيات.
إذًا ،فخط اب املستنس خات ه و حبث عن الكتاب ة يف الكتاب ة ،وكش ف جلامع األن واع،
وإب راز ملكون ات التخيي ل ،وتبي ان ملستض مرات اإلب داع وخفاي اه ،وحتدي د ملس وداته
228
وخمطوطاته املنسية ،بتذويب النصوص ،وإماتتها تناصيا.
وللمستنسخات النصية أمهية كربى يف بناء النص ،وتوليده ،وحتويله ،ومتطيطه ،وحتبيكه
دراميا وحكائيا ،باستعمال الكلمات -املفاتيح ،واالستعانة باملفاهيم اإلحالية ،وتوظيف
العالم ات الس يميائية اللغوي ة والبص رية ،والتوس ل باإلش ارات االنزياحي ة ،واالسرتش اد
بالرموز الدالة .عالوة على إثراء النص باملعرفة الدمسة والثقافة الذهنية اليت حتتاج إىل متلق
ذكي قادر على قراءة شفرة النص وسننه التناصي .ويعين هذا كله أن النص مل يعد كتابة
إنشائية جمردة خالية من الفكر واألطروحات املعرفية واحلقائق الثقافية ،بل أصبح نصا غنيا
يبين نفسه على أنقاض النصوص األخرى ،عرب احملاكاة احلرفية ،أو االستفادة االمتصاصية
(االستشهاد املدعم) ،أو عن طريق النقد واحلوار (التناص التفاعلي) .وهذا ماجعل روالن
بارت( )R.BARTHESينفي وجود ملكية النص ،أو األبوة النصية؛ ألن الكتاب
-انظر سعيد علوش:عنـف المتخيـل في أعمـال حبيـبي ،املؤسسة احلديثة للنشر والتوزيع ،الدار البيضاء، 228
-عبد اهلل العروي :أوراق،املركز الثقايف العريب ،الدار البيضاء،الطبعة األوىل سنة 1989م. 230
ومن اخلطابات التناصية اليت وظفها عبد اهلل العروي يف نصه الروائي ،على سبيل التمثيل
والتوضيح املنهجي ،المستنسخ األدبي (الشيخ طه -األجنحة املتكسرة -كان ياماكان-
روين -زينب -أطعم ة األرض ألندري ه جي د -هرم ان هس ه يف ذئب الفي ايف -مطول ة
بروس ت -راس ني -دي درو -أل ف ليل ة وليل ة -األقاص يص اآلس يوية
لغوبينو،)...والمستنســخ الــديني (فبعث اهلل غرابا يبحث يف األرض -زرادشت -دعوة
اإلس الم ملال ك بن ايب -مجعي ة اإلخ وان املس لمني،)...والمستنسـ ــخ التـ ــاريخي (عالل
الفاسي -مجال عبد الناصر -مؤمتر إكس ليبان -أيام العرب -أرنولد طوينيب -أوسفالد
ش بينغلر -أزم ة -1955-1954اتف اق فرنس ا واجنل رتا ح ول املغ رب س نة -1904
احلماية -عودة امللك من املنفى -أزمة ،)...1953والمستنسخ الفـني(فيلم كل صباح
أموت -فيلم القاتلون -كوليزي -شريط معذرة الرقم خطأ -املخرج جورج سادول-
أندريه بازن -هنري آجل -إيلي فلور -روسلليين -فيسكونيت -جان رينوار -فيلليين-
فلم سانس و،)...والمستنس ــخ السياس ــي (احلزب الش يوعي -عالق ة الغ رب والش رق-
اإلمربيالي ة -اليس اريون -االس تقالل -االس تعمار -اليمني -احلزب االش رتاكي-
الشيوعيون -النقد الذايت،)..والمستنسخ التراثي (يف نفس الطبقة صفي الدين أب و العالء
إدريس بن إدريس األديب األص ويل،)...والمستنســخ الفلســفي(ش وبنهاور -أفالط ون-
كان ط -نيتش ه -س ارتر -م اركس-هيج ل -هش ام جعي ط -هي دغر -س قراط -جي ل
دول وز -لوك اش -ه نري ل وفيفر -برغس ون،)...والمستنس ــخ التجنيس ــي (املقام ات-
السرية -كناشة -الطبقة -أقصوصة -رسائل -مذكرات -حماضرات -نقوالت -قراءات
نقدي ة -احلكاي ة -اليومي ات -الرواي ة ،)...والمستنس ـ ــخ المك ـ ــاني (ج امع الفن ا-
الس وربون -دار لوس وي -كنيس ة ش ارتر -مومنارت -س احة س ان الزار -الكول يزي-
الروي ال -هولي وود -ب اريس -خ ط الليمس،)...والمستنس ــخ الص ــوفي (حمم د إقب ال-
األش راف واألولي اء،)...ومستنس ــخ اله ــوامش(خص ص س بع ص فحات كامل ة لش رح
اهلوامش وتفس ري اإلح االت التناص ية)،والمستنســخ االقتصــادي(االس تعمار والتخل ف-
الغرب والعامل الثالث -االقتصاد والثقافة -املركز والضاحية -التطور واخلصوصية،)...
ومستنسخ األعالم(مارية -شعيب -إدريس -يوليوس )...-إخل...
وعليه ،فهذه هي أبرز متظهرات خطاب املستنسخات يف اخلطاب الروائي العريب ،وأهم
جتليات ه اخلطابي ة ،ومض مراته التناص ية ال يت ت وفر للنص اتس اقه ،وانس جامه النص ي .وتلكم
ك ذلك أهم تص نيفاته البنيوي ة ال يت تس اعدنا على ق راءة العالم ات التناص ية ،واس تكناه
أبعاده ا الس يميائية واإلحالي ة يف س ياقها النص ي واخلارجي ،م ع اح رتام خصوص ية النص
األجناسية والنوعية.
المبحث السادس
-أمحد توفيق :جـارات أبي موسـى ،مطبعة النجاح اجلددية ،الدار البيضاء ،الطبعة الثانية سنة 2000م، 231
ص.192:
العكس ،يرتكز على املتناص الصويف الوسيطي .ويتفق كل من أمحد توفيق وبنسامل محيش
تناص يا يف االنطالق من الس ياق املرجعي الت ارخيي نفس ه ال ذي يش كل املعرف ة اخللفي ة
التناصية هلما ،أال وهو تاريخ الدولة املرينية بكل أحداثها اإلجيابية والسلبية.
وإذا انتقلنا إىل اللغة اليت يستعملها أمحد التوفيق ،فهي لغة تراثية تعتمد على مستنسخات
تناصية :كاملستنسخ الصويف /املناقيب (شخصية أيب موسى املماثلة للشخصيات الصوفية
القدمية ذات الكرام ات اخلارق ة ،)...واملستنس خ ال ديين (اس تلهام الق رآن والس نة)،
واملستنس خ الت ارخيي (ت اريخ بين م رين) ،واملستنس خ الرمسي السياس ي (الرس ائل الديواني ة
واآلداب الس لطانية ،)...واملستنس خ األديب (االستش هاد باألبي ات الش عرية) ،واملستنس خ
ال واقعي (متاث ل واق ع ب ين م رين م ع واقعن ا املوب وء بالفس اد) ،واملستنس خ األس طوري
(كرامات أيب موسى ومعجزاته اخلارقة) ،واملستنسخ السردي (توظيف تقنيات سردية،
كالتضمني ،واالنشطار السردي ،وتقطيع احلبكة الرئيسية إىل قصص نووية صغرى على
غرار(ألف ليلة وليلة) ،ونصوص التيار الروائي اجلديد ،واستعمال اللغة الرتاثية للتأصيل
والتجريب) ،واملستنسخ اللغوي القائم على اللغة املسكوكة ،والعبارات املناقبية ،وألفاظ
الزه اد ،واخلطاب ات السياس ية القدمية ال يت مل تعد تس تعمل الي وم هبذه الش اكلة ،وتوظي ف
الديباج ة الرتاثي ة .وحيض ر ك ذلك مستنس خ الس خرية يف ع رض الكرام ة الص وفية ،وإجياد
احلل ول الفردي ة اخلارق ة ال يت تتخطى نط اق العق ل والواق ع احلس ي املفه وم .وتت وارد ه ذه
املستنس خات التناص ية ك ذلك ،بش كل من االش كال ،يف رواي ات بنس امل محيش ،ومجال
الغيط اين ،ورواي ة (جنـ ــوب الـ ــروح) حملم د األش عري ،ويف معظم النص وص الس ردية
التجريبية احلديثة .والغرض من هذا التوظيف التناصي هو إبراز مدى انفتاح أمحد توفيق
على السرد العريب والغريب على حد سواء ،واالطالع عليهما بشكل واع،على الرغم من
كون ه أتى الرواي ة من حق ل الت اريخ ،كم ا أتاه ا محيش من حق ل الفلس فة ،وأتاه ا مجال
الغيط اين من حق ل الص حافة .كم ا ي راد من ه ذا التن اص التع القي حماورة احلاض ر على
أساس املاضي ألخذ العرب والدروس.
وق د وظ ف أمحد توفي ق التن اص ك ذلك لغاي ة مجالي ة وفني ة ،تتمث ل يف جتاوز الرواي ة
الكالسيكية والتجريبية حنو الرواية التأصيلية ذات املنحى الرتاثي .كما كان الغرض منها
أيضا خلق الفرادة السردية ،والتميز الروائي بني الروائيني املغاربة.
و نس تنتج ،من ه ذا االس تعراض املع ريف واملنهجي كل ه ،أن رواي ة (جــارات أبي موســى)
ألمحد التوفيق رواية تراثية ،تشتغل على التخييلني :التارخيي والصويف( املناقيب) ،ويتمثل
الغرض من تشغيل املستنسخات التناصية املوظفة بطريقة واعية أو غري واعية يف تأسيس
رواي ة تأص يلية جدي دة ،قوامه ا حماورة احلاض ر من خالل املاض ي ،وتلقيح اللغ ة املرس لة
املعاص رة باللغ ة الرتاثي ة املس كوكة ،وهتجينه ا بالس خرية والتهكم والبارودي ا قص د تبلي غ
األطروح ة البديل ة ،وتغي ري الواق ع ،والتطل ع ب ه حنو آف اق يس مو فيه ا اإلنس ان واجملتم ع
البشري.
الفصل الحادي عشر:
تلح ق اهلوامش ب النص اإلب داعي بص فة عام ة ،والنص ال روائي بص فة خاص ة ،يف أس فل
الص فحة هتميش ا وت ذييال وإحلاق ا ،إلض اءة املنت املرك زي ،وتفس ريه من مجي ع جوانب ه:
اللغوية ،والداللية ،والتارخيية ،واملعرفية ،واالصطالحية.
وتشكل هذه اهلوامش كذلك نصا مستقال بذاته ،على الرغم من موقعه يف هامش املنت.
وغالبا ،ما يكون النص الروائي حماطا بسور فاصل بني نصني :نص أساس ،ونص ملحق.
ف األول يش كل مرك زا بؤري ا ونووي ا ،والث اين ميث ل نص ا حميط ا ،يأخ ذ وج وده احلقيقي
بوجود األول .والعالقة بينهما جدلية وتكاملية وإشعاعية ،تتمثل يف اإلضاءة التوضيحية
والتفسريية والتأويلية.
وعلي ه ،يع د خط اب اهلوامش ،أو اخلط اب اهلامش ي ،من عناص ر النص املوازي .ويعت رب
ك ذلك من أهم ملحقات ه الداخلي ة ال يت حتي ط ب النص األس اس ،ومن املداخل األساس ية
لإلمساك بدالالت النص السطحية والعميقة .فضال عن كونه من العتبات املهمة للولوج
إىل العمل اإلبداعي قصد تطويقه من مجيع النواحي النصية ،واإلحاطة به بناء وموضوعا
ورؤية.
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
232
- G.GENETTE : SEUILS, Collection Poétique, SEUIL, PARIS,
1987, p : 293.
-ميشال بوتور :بحوث في الرواية الجديدة ،ص.123: 233
152
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
احلرك ة العادي ة للق راءة جتعلن ا نص ادفه فيم ا حنن نت ابع الق راءة .ومن ذ ذاك ،ميت د التعلي ق،
ويطغى على املقال بكامله".236
ويعين هذا كله أن اخلطاب اهلامشي عبارة عن نص مواز ومكمل للنص اإلبداعي ،يقوم
بدور الشرح ،والتفسري ،وإضاءة النص ،سواء أكان النص املشروح أو املفسر أو املضاء
نصا شعريا أم روائيا أم دراميا.
237
- G.GENETTE : Ibid, p : 293.
153
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
239
- GERARD GENETTE : Ibid, p : 294.
154
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
كالتوراة ،والقرآن الكرمي .ومن مث ،فقد اغتىن خطاب اهلوامش ثراء واهتماما وعناية مع
القرن التاسع عشر والقرن العشرين ،بظهور الدراسات األكادميية واألحباث اجلامعية اليت
اس توجبت التوثي ق العلمي املوض وعي ،بوض ع امللحق ات واملالحظ ات يف أس فل النص أو
املنت ،ويس مى ه ذا ب التوثيق الببلي وغرايف .وك انت اهلوامش تأخ ذ النص ف اآلخ ر من
الصفحة ،بينما النصف اآلخر خمصص للنص الرئيس.
عالوة على ذلك ،كانت توجد مالحظات فرعية ،توضع على مالحظات املنت األصلي.
أض ف إىل ذل ك فق د ك انت اهلوامش توض ع إم ا يف أس فل النص ،وإم ا يف آخ ر الفص ل،
وإما بني قوسني داخل املنت ،وإما يف آخر الكتاب يف شكل مالحق ،وذيول ،وفهارس
مكملة.
وكانت اهلوامش أيضا توضع يف النسخة األص لية األوىل ،أو توضع يف النسخ املتتالية أو
املتعاقبة .وقد كانت هذه اهلوامش خمتصرة ومقتضبة يف بعض النصوص ،ومفصلة ومسهبة
يف بعض النصوص اآلخرى.
وإذا ك ان خط اب اهلوامش ق د هيمن على اجلنس ال درامي والتخيي ل الش عري ،ف إن
اخلطاب الروائي قد بدأ بدوره يستفيد من تقنية اهلوامش ،والسيما مع النصوص الروائية
اجلديدة واحلداثية اليت انزاحت عن الكتابة السردية الكالسيكية اخلالية من ه وامش املعطى
الثقايف الذهين ،واستبدلت ذلك كله بكتابة موثقة موضوعية وختييلية ،مليئة باإلحاالت
املرجعية واملصطلحات التقنية ،وحبلى باملعرفة اخللفية واخلطاطات التناصية واملستنسخات
النص ية .فض ال عن املقتبس ات املس يجة ب املراجع املول دة للنص اإلب داعي ح ىت أص بحت
الرواية اجلديدة جتمع بني بعدين متقاطعني :مجايل وثقايف..
وختتص اهلوامش ،يف اخلطاب ات العلمي ة واألدبي ة ،خباص ية التوجي ه ،وإض اءة الق راءة،
واملس اعدة على الش رح والتأوي ل ،وحتدي د س ياقات املنت الوظيفي ة ،واستكش اف جتلياهتا
املرجعية اليت حتكمها ،وجتعل منها متهيدا لزاوية أو زوايا التناول اليت يغتين فيها .وإذا كان
املنت النصي مبنيا على التكثيف واالختزال والغموض يف كثري من األحيان ،فإن اهلوامش
155
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
تس اعد على توض يح م اهو غ امض ،أو تق دم إض اءات هادف ة وبن اءة للمتلقي قص د فهم
النص وتفسريه...
وحىت يف حال عدم وجود اهلوامش واملالحظات والتعليقات يف أسفل الصفحة ،وغياب
التفس ريات يف اإلط ار اهلامش ي " ،ف إن الناش رين يتوج ون ع ادة جس م النص يف الص فحة
ببض ع كلم ات تس مى"عن وان ج ار" .ويف أغلب احلاالت ،يك ون ه ذا العن وان عن وان
الكت اب نفس ه .ي ذكر ب ه باس تمرار ،كأن ه م رمى الس الح -يق ول بوتور MICHEL
-BUTORإال أن ه ذا العن وان ،خالل الق رن التاس ع عش ر خاص ة ،ك ان يتغ ري من
صفحة إىل أخرى ،مذكرا بعناوين الفصول ،أو مميزا كل صفحة عن مثيلتها ،أوملخصا
إياها ،ليسمح للقارئ بأن يطالعها بارتياح .وهكذا ،نرى أنه ميكن إحاطة جسم الصفحة
بسور من الكلمات حتميه ،وتشرحه ،وتدافع عنه ،إال أن ترتيبات كهذه تكلف كثريا،
وال نراه ا يف أيامن ا احلاض رة إال يف املؤلف ات العلمي ة :امللخص ات ،واألحباث،
واألطروحات ،تلك الكتب اليت تتحكم فيها من الناحية األدبية ،ويا لألسف ،الروتينية
البغيضة!".240
وهكذا ،نستنتج أن ظاهرة اهلوامش ظاهرة قدمية ،ارتبطت ارتباطا وثيقا بالكتاب ،مهما
ك انت طبيعت ه ،وق د عرفته ا الثقاف ة العربي ة بش كل من األش كال ،فأص بح الكت اب ،أو
النص ،أو اخلط اب ،أو املص نف ،مس يجا بنص وص ثانوي ة يف ش كل ه وامش ،وح واش،
وتعليقات ،وحواش فوق احلواشي ،وهلم جرا.
ولن حتظ اهلوامش باالهتمام الكايف إال مع ظهور الكتاب املطبعي ،وتط ور البحث العلمي
واألكادميي الذي يستوجب وضع مالحظات أو هوامش توضيحية يف أسفل النص بغية
التوثي ق ،والتوض يح ،والش رح ،وتنقي ة املنت من الزوائ د ،وتش ذيبه بوض ع امللحق ات يف
أسفل النص.ومن هنا ،فقد استفاد اإلبداع األديب ،وخاصة الرواية ،من هذه التقنية الفنية
156
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
واجلمالي ة واملوازي ة ،حينم ا حتول إىل حبث وجه د وممارس ة عملي ة قائم ة على التنقيب،
والتخطيط ،والتدبري.
157
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
وميكن مقاربة اهلوامش يف أي خطاب أديب أو فين من خالل التوقف عند أربعة مرتكزات
أساسية هي :البنية ،والداللة ،والوظيفة ،والقراءة السياقية.
246
-G.Genette : Ibid, pp : 295-296.
158
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
وه امش الط ابع/الناش ر ،وه امش الس ارد ،وه امش الق ارئ ،وه امش املرتجم ،وه امش
احملقق ،وهامش الناقد ،وهامش الناسخ...
159
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
يلعب ،وفقا هلذا ،الدور نفسه الذي تلعبه املقدمة ،ملا تكون بقلم املبدع تدقيقا ،وذلك
من حيث اإلبانة عن خلفيات بعينها ،ومقاصد بذاهتا ،أو من حيث التصميم على توجيه
الق راءة وجه ة مرغوب ا فيه ا يتموض ع معه ا النص يف قلب تفك ري ص احبه أوال ،وبع دها
الض ري يف أن تأخذه املعارف واحلساس يات واألذواق ،على تباينه ا ،املأخذ ال ذي تريده،
وترتئيه مالئما ألسئلتها وشواغلها وهواجسها"247.
وهك ذا ،يت بني لن ا أن لله امش وظ ائف نص ية ع دة أمهه ا :وظيف ة الفهم ،والتفس ري،
والتأويل ،والتوثيق ،واالستكشاف...
-بنعيس ى بومحال ة :أيتــام ســومر في شــعرية حســب الشــيخ جعفــر ،اجلزء الث اين ،دار توبق ال للنش ر ،ال دار 247
160
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
صفحتني ثانيتني إىل املرجع نفسه أكثر من مخس إشارات ،ويشري يف صفحة واحدة إىل
املرج ع نفس ه أك ثر من س ت م رات ،كم ا يش ري ،وه و يتح دث عن عالق ة س كينة بنت
احلس ني بالش عراء يف الرواي ة نفس ها ،إىل ال در املنث ور ومش كاة املص ابيح ،وتتك رر ظ اهرة
اإلشارة إىل املراجع يف هوامش الرواية يف هذه الرواية ويف غريها من الروايات .جورجي
زي دان ال يكتفي ب أن يش ري إىل املص ادر ال يت اس تقى منه ا مادت ه؛ ولكن ه جيع ل من بعض
روايات ه مراجع لبعض ها اآلخ ر ،فيش ري يف رواي ة ( :العباس ة) على أن ه س بق أن حتدث عن
مقتل أيب مسلم اخلراساين يف رواية أخرى"249.
ويشكل خطاب اهلوامش يف الرواية بنية حكائية نصية مستقلة ،تتفاعل بنيويا ودالليا مع
البنية النصية الكربى .ولو امتدت هذه البنية اهلامشية الصغرى نصيا لتمخضت عن حمكي
ف رعي داخل احملكي األص لي .و" لكن هدف املؤل ف من اقتح ام النص من هوامش ه ليس
تف تيت النص إىل حمك يني اث نني ،ب ل إيه ام الق ارئ باس تقالل الس ارد(الس راد) عن ذات ه
وإرادت ه.أي :بانتف اء التط ابق املب دئي بني املؤل ف والس ارد ،على أس اس أن األول ،وه و
املس ؤول عن اهلامش ،اليع رف مق دار م ا يعرف ه الث اين ،وه و املس ؤول عن احملكي ،بتعب ري
250
جريار جنيت".
وعلي ه ،ي راد باخلط اب ال ذي يق وم على توظي ف اهلوامش تقوي ة املكت وب وتعض يده،
بتوسيع اإلشارة ودقتها ،حيث إيراد التواريخ يف نوع من الرتكيز ،أو استحضار الشاهد
العمي ق الدالل ة .عالوة على إض فاء البع د ال واقعي؛ ألن بتقوي ة املكت وب وتعض يده ،تس ري
بالنص من صفته اخليالية حنو الواقعية املوضوعية.
ويراد باهلوامش كذلك إنتاج النص الثقايف ،وحماورة النص األصلي .أي :إن اهلوامش ،يف
تنوعاهتا ،ترسم صورة عن طبيعة النص ،وجتسد النص الثقايف الذي يقدم معرفة متكاملة
-عبد احملسن طه بدر :تطور الرواية العربية الحديثة في مصر ،دار املعارف ،القاهرة ،الطبعة الثالثة ،ص: 249
.102
-رشيد بنحدو :نفسه ،ص.197-196: 250
161
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
-صدوق نور الدين :أوراق لعبد اهلل العروي ،دراسة وحتليل ،املركز الثقايف العريب ،الدار البيضاء،املغرب، 251
162
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
النقدي ة الوض عية امليتالغوي ة .ل ذلك ،فهي تتطلب ش روحا وإح االت وتعليق ات ،ينبغي
إيضاحها ،وتبسيطها للقارئ .هلذا ،أثبتها الكاتب يف آخر الكتاب لتؤدي وظيفة تربوية،
وإيض احية ،وتس هيلية ،ومعرفي ة ،وإيهامي ة ،ت وحي باحلقيق ة املوض وعية املوثق ة على غ رار
كتاب ات إمي ل زوال .وال ننس ى أن الكيفي ة ال يت كتبت هبا الرواي ة - ،وهي نص على
نص -تربر هذه العملية.
يتبني لنا ،مما سلف ذكره ،أن اهلوامش النصية ظاهرة مطبعية قدمية ،عرفتها كل اخلطابات
واألجناس األدبية والوصفية .كما أهنا عتبة أساسية من عتبات النص املوازية اليت تسعفنا
يف استيعاب النص ،وإعادة إنتاجه من جديد.
و تع د اهلوامش أيض ا من أهم جتلي ات اخلط اب ال روائي الع ريب اجلدي د ،على ال رغم من
وجوده ا يف بعض النص وص الروائي ة الكالس يكية .ومن مث ،يه دف خط اب اهلوامش،
باعتباره مظهرا للتجريب واحلداثة ،إىل خلق نص جماور ،يتفاعل مع املنت النصي حوارا،
وتناص ا ،وختييال ،وجتس يدا للمعرف ة اخللفي ة ال يت ينطل ق منه ا الك اتب إلش راك الق ارئ يف
تفكيك النص ،وتركيبه ،بفهم شفرة النص الثقافية واملرجعية والفنية.
كم ا يه دف ه ذا النص املوازي ك ذلك إىل خلخل ة ال ذوق الس ائد ل دى املتلقي ،وختييب
أفق انتظاره بأنه أمام نص حداثي ،يتطلب منه املسامهة يف خلق النص ،وإعادة إنتاجه من
جديد.
163
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
253
- G.GENETTE : Palimpsestes.ED, SEUIL,
COLL.POETIQUE.1982, p : 9.
- G.GENETTE : Seuils, collection Poétique, Seuil, 1987, p : 134.
254
164
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
وتع رف املقتبس ة ك ذلك بأهنا ش اهد يوض ع يف مس تهل عم ل أو فص ل لإلش ارة إىل روح
ه ذا العم ل أو الفص ل .ومن مث ،ف إن القص د الع ام للك اتب يك ون موض حا باملقتبس ة.255
ويك ون الغ رض من ه ذه املقتبس ات ه و التوض يح ،والت دقيق ،والتعض يد ،وتقوي ة النص،
وإضاءته فهما وتفسريا وتأويال.
وي رى ميكائي ل ريف اتري( )MICHAEL RIFFATERREأن املقتبس ة هي
مبثابة مؤولة للدليل ،وتشتغل منوذجا لالشتقاق اإلبداعي .256ويعين هذا أن املقتبس عبارة
عن استشهاد أو اقتباس أو تضمني ،يورده املبدع ،أو الكاتب ،أو أي شخص آخر لتقوية
النص تعضيدا وتوثيقا وحتقيق ا وختييال ،وتفسريه تعليقا وشرحا ونقدا وت أويال .مبعىن أن
املقتبس ه و ال ذي يس عف املتلقي يف تفكي ك النص تش رحيا وحتليال وتقوميا ،وت ركيب
شفرته الداللية والتأويلية ،إن بنية ،وإن داللة ،وإن وظيفة.
165
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
الت وراة .وهك ذا ،فق د أص بح الغالف يف هناي ة الق رن الس ادس عش ر يغص بالرس ومات
واملعطيات املختلفة .ويف ذلك الوقت ،اكتمل أسلوب الباروك الفخم يف الغالف ،حيث
أصبح يتضمن معطيات مفصلة عن املؤلف ،وعن موضوع الكتاب ،وعن راعي الكتاب
وعن الطابع أو الناشر ،وحىت استشهادات [مقتبسات] الكتاب الكالسيكيني .وكل هذا
إىل جانب الرسوم الفنية باألعمدة الكالسيكية والشخصيات اجملازية واملناطق النادرة اليت
.257
مل يكن هلا يف األغلب أية عالقة مبوضوع الكتاب"
وي رى ج ريار ج نيت أن املقتبس ات أق دم من عتب ة اإله داء تارخيي ا ،حيث مل جيد الب احث
لإلهداء أي أثر يف الثقافة الغربية قبل القرن السابع عشر .ومن مث ،فأول كتاب يوظف
املقتبس بش كله املع روف ه و كت اب (اخلص ائص )Caractères/ال ذي ألف ه الك اتب
الفرنس ي الس اخر البروي ري ( )La Bruyèreس نة 1688م.وبع د ذل ك ،ك ثرت
املقتبس ات يف الكتب يف الق رون الالحق ة ح ىت قرنن ا ه ذا .وأص بح املقتبس تقلي دا يف بن اء
النص ،وعرف ا يف ص ناعة الكت اب وطباعت ه .ومن هن ا ،غ دا قامسا مش رتكا بني مجي ع
األجناس األدبية ،ومل يقتصر فقط على الدراسات العلمية واألدبية واألكادميية فقط ،بل
جتاوزها إىل اإلبداع ليلتصق جبنس الرواية بشكل الفت لالنتباه ،وباخلصوص عند الكتاب
اإلجنل يز أوال ،والكت اب الفرنس يني ثاني ا ،ومنهم :وال رت س كوت(،)Walter Scott
وجيمس( ،)Jamesوفيل دينغ( ،)Fieldingوج ان أوس نت( ،)Jane Austinوآن
رادكليف( ،)Ann Radcliffeوستاندال( ،)Stendalوبلزاك( ،)Balzacوفلوبري(
،)Flaubertوإمي ل زوال(...)Zolaويع ين ه ذا أن املقتبس ات ق د التص قت بظه ور
املدرسة الواقعية حبال من األحوال.258
وال ننسى أن نقول أيضا :إن الثقافة العربية بدورها قد اهتمت اهتماما كبريا باملقتبس،
واعتربت ه أس اس املوض وعية العلمي ة ،وجعلت ه دليال على نض ج املؤل ف ،وعالم ة على قوت ه
258
-G.Genette: Ibid, p: 137-138.
166
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
اإلبداعي ة ،ومؤش را واض حا على مسوه الفك ري .ومن مث ،فتعض يد النص باملقتبس ات
واالستشهادات من القرآن الكرمي ،والسنة النبوية الش ريفة ،واألق وال املأثورة من أمثال،
وحكم ،وأشعار ،وأخبار ،ونوادر ،وحكايات ،وسرود ،هذا كله يرفع من مكانة املبدع،
ويسمو به يف مساء الثقاف ة والعلم واألدب .بل وجدنا أيض ا بعض الكتب النقدية وكتب
األدب العامة عبارة عن مقتبسات صرحية أو ضمنية ،كما هو حال كتاب (العقد الفريد)
البن عب د رب ه ،259وكت اب (العم دة) البن رش يق الق ريواين ،260وكت اب (املقدم ة) البن
خلدون مثال.261
ويعين هذا أن املقتبسات تقليد أديب وثقايف عريق ،ارتبط بعامل اإلبداع والكتابة ،وختطيط
الكتاب وطبعه ونشره ،يف مجيع الثقافات اليت عرفت االزدهار العلمي والثقايف.
-ابن عب د رب ه :العقــد الفريــد ،حتقي ق :حمم د س عيد العري ان ،املكتب ة التجاري ة الك ربى،مطبع ة االس تقامة، 259
167
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
ويرى جريار جنيت أن للمقتبسات جمموعة من الوظائف أمهها :وظيفة التعليق اليت تتمثل
يف إض اءة النص فهم ا وتفس ريا وت أويال ،وخاص ة إض اءة العن وان املقاب ل بش كل من
األشكال.
والوظيفة الثانية للمقتبسات هي شرح النص وتفسريه بغية بناء املعىن بطريقة مباشرة أو
غري مباشرة .ويعين هذا أن للمقتبسات وظيفة داللية إىل جانب الوظيفة املوازية (خدمة
العنوان).
وتتمثل الوظيفة الثالثة يف االحتفاء باملقتبس منه ،وتعضيد النص وتقويته مبؤلفني متميزين
ذوي شهرة واسعة ،وصيت ذائع.262
وي ؤدي املقتبس ،باعتب اره عب ارة تص ديرية ومقدماتي ة ،جمموع ة من الوظ ائف ،كالوظيف ة
التنبيهية ،والوظيفة االستشهادية ،والوظيفة التوثيقية ،والوظيفة االستداللية أو احلجاجية،
والوظيفة التخييلية ،والوظيفة التوجيهية ،والوظيفة التناصية ،والوظيفة الداللية ،ويعمل من
جهة أوىل بوصفه منوذجا لالشتقاق اإلبداعي .أما من جهة ثانية،فإنه يقود املقتبس له أو
القارئ املفرتض إىل الرتكيز على التناص.263
وتعد املقتبسات من أهم وحدات املستنسخ النصي اليت تغطي العامل التيبوغرايف( الطباعي)
للعم ل ،م ادامت ق والب وأش كاال أدبي ة استش هادية ج اهزة ت دخل يف (خط اب
املستنسخات) .وهو أيضا خطاب يعيد إنتاج الرتاثي مستحدثا ،وخمضعا إياه يف سياق
معاصر.264
263
- G.GENETTE: Seuils, p: 147.
-سعيد علوش :المصطلحات األدبية المعاصرة ،ص.122: 264
168
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
265
- G.GENETTE: Ibid, p: 140.
169
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
266
- G.GENETTE: Ibid, p: 140.
170
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
فلس فية ،أو تارخيي ة ،أو ديني ة ،أو ص وفية ،أو إبداعي ة ،أو يف ش كل م أثورات وأدعي ة ،أو
تأمالت وخواطر ،أو تضمينات دينية ،إخل...
وتتخذ هذه املقتبسات صيغا عدة ،كالرتميز ،واالستعارة ،واألسلبة ،واحملاكاة الساخرة،
والتضمني ،والتفاعل النصي ،والتعالق التناصي ،واالشتقاق احلواري.
ويالحظ أن املقتبس (بفتح الباء) ،يف هذه الروايات ،يرد يف شكل ملفوظ توجيهي إحايل
مس يج ،إم ا ب أقواس ومعقوف ات ،وإم ا بعالم ات التنص يص ،وإم ا خبط مسيك وب ارز
(حكمة /قولة فلسفية /شعر /تأمل) .ومن هنا ،ميتلك املقتبس ،يف هذه النماذج النصية،
العديد من الوظائف واألبعاد النصية والداللية واإليديولوجية تبعا للموقع الذي حتتله تلك
املقتبسات يف بناء عامل احلكاية ،إن على مستوى توجيه مسار القراءة ،واختزال جانب
من تص ورات املؤل ف للكتاب ة الروائي ة ،وإن على مس توى تلخيص منط ق احلكاي ة،
واستحضاره ضمن ملفوظ له نسق خاص يف البناء والرتكيب والداللة.267
وغالب ا ،م ا يق ع املقتبس يف بداي ة الرواي ة ،وبالض بط يف ص فحاهتا األوىل املرقم ة وغ ري
املرقم ة .وي أيت يف ص يغة استش هاد ،أو يف ش كل حاش ية جماورة للنص ،أويف ش كل عتب ة
أساسية تساهم يف إضاءة النص ،وتوجيه القراءة .وقد يتموقع يف كثري من األحيان بعد
اإلهداء مباشرة ،إن وجد فعال إهداء يف الرواية ،وقد يتموقع ،بشكل من األشكال ،قبل
املقدمة " .من هنا ،يصبح التساؤل عن متلفظ [املقتبس] ،وعمق القضايا احملددة لوظائفه
النصية يف ارتباط بالسياق العام لتحققات احلكاية وطرائق سردها".268
ويب دو أن تل ك املقتبس ات ال يت يعض د هبا ال روائي نص ه م اهي إال مص احبات أدبي ة(
،) paralittératureواستش هادات ت دخل يف عالق ات تفاعلي ة وموازي ة م ع البني ة
النصية اجملاورة.269
171
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
172
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
173
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
174
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
إذًا ،يغلب بنس امل محيش ،يف روايت ه (جمن ون احلكم) ،املقتبس ات الداخلي ة على املقتبس ات
اخلارجية .ومن مث ،تكسر األوىل خطية الس رد ،ومتيز النص املرجعي عن النص التخييلي،
بينم ا الثاني ة عب ارة عن م داخل نص ية تض يء النص .وهي ح واش اس تهاللية مس تقلة حبد
ذاهتا ،ترد يف شكل إعالنات نصية (.)annonces
مقتبس
خارجي
" مقتبس
"
داخلي
وعليه ،تؤطر املقتبسات اخلارجية النص وتعلنه ومتهد له ،وحتدد فضاءه السياقي والداليل
واملرجعي .وهي مستنس خات تارخيي ة ترص د س ري الشخص يات الروائي ة يف النص .وهلا
وظيفة خربية أو مرجعية ،بينما النص الذي يلحقه ذو وظيفة مجالية ختييلية .فاخلرب يعضد
املتخي ل لي وهم املب دع الق ارئ بص دق احلقيق ة ،أو اإليه ام بص دق احملكي .أم ا املقتبس ات
الداخلية ،فتكسر خطية السرد ،وتقطع حبكته احلكائية لتنسج تداخال إبداعيا ،ينصهر فيه
النص اإلخباري والنص التخييلي.
175
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
وأغلب املقتبسات اليت يتعامل معها بنسامل محيش ،يف رواية ( جمنون احلكم) ،متفاعالت
تارخيي ة قدمية ،تتج اوز النص -املنت .ومتت د ه ذه املتف اعالت النص ية التارخيي ة إىل ت اريخ
الدولة الفاطمية ،باإلشارة إىل وقائع أو شخصيات (احلاكم -أبو ركوة -العبد مسعود
-س ت الك ل -الظ اهر ،)...أو إىل أح داث معين ة .وهك ذا ،تش ري املقتبس ات اخلارجي ة
منه ا والتارخيي ة إىل س رية احلاكم ،برص د تناقض ات أحكام ه وتنزهات ه وإالهيات ه ،وفض ح
لواطية العبد مسعود ،واستعراض الثورة املهزومة باسم الثائر باسم اهلل من ناحية ،وذكر
س رية الس ت الك ل من ناحي ة أخ رى.وجند ،ض من ه ذه املقتبس ات الداخلي ة ،متف اعالت
أدبية عبارة عن أبيات شعرية:
دع اللوم عين لسـت مين مبـوثق
فال بد لــي من صـدمة املتحنق
وأسقي جيادي مـن فرات ودجـلة
وامجـع مشـل الدين بعد التفرق"()270
ويرد هذا املتفاعل لتعضيد النص وتدعيمه ،وتنويع سجله السردي بطريقة إبداعية رائعة.
ويالحظ أن املقتبسات املوجودة يف (جمنون احلكم) مربزة بشكل واضح؛ إذ هي مسورة
بعالم ات التنص يص ،وهلا إح االت مرجعي ة موثق ة باألرق ام ،وحمددة املص ادر واملراج ع.
فاملقتبس ات بني ات نص ية مس تقلة ب ذاهتا ومتكامل ة يف ش كل مق اطع ص غرية أو كب رية ،هلا
بداية وهناية ،وقد تنتقل من املقتبس [نص خارجي] إىل النص األصلي أو النص -املنت،
أو تنتق ل من النص -املنت إىل النص املقتبس [نص داخلي] .وبانتقالن ا من النص إىل
املقتبس -والعكس صحيح -ننتقل من صيغة إىل أخرى ،ومن زمن إىل آخر ،ومن فضاء
إىل فضاء آخر ك ذلك .ويتم بني املقتبس والنص عالقة بنيوية وداللية وظيفية عرب البناء
-بنسامل محيش :مجنون الحكم ،دار رياض الريس ،لندن ،1990ص .21 270
176
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
الروائي بأكمله .وميكن اعتبار املقتبس الداخلي خطابا معروضا ،أو ما يسمى عند بعض
السرديني حكيا على حكي(.)271
ومثة أنواع من املقتبسات يف الرواية منها :املقتبس التارخيي ،واملقتبس الشعري ،واملقتبس
السياس ي (الس جالت السياس ية ال يت أص درها احلاكم) ،واملقتبس الن ثري ،واملقتبس
الس ردي.وتتع دد هذه املقتبس ات أو املناص ات" :بتع دد أنواعه ا .وهك ذا ،ميكنن ا احلديث
عن مقتبسات شعرية مثال أو سياسية أو ما شابه ذلك .ويف املناص السردي ندخل كل
ما يتصل باحلكي ،سواء أكان أسطورة أم خرافة أم حكاية شعبية")272(.
ويعتمد الكاتب ،يف رواية (العالمة) ،على مقتبسات خارجية ،ترصد سرية ابن خلدون،
وحتدد السياق اخلارجي حلياة هذا العالمة املتوترة يف مصر نتيجة كثرة الغمم واملشاكل،
وسوء التفاهم بينه وبني سالطني زمانه بسبب الوشاية والسعاية الفاسدة اليت كان وراءها
أص حاب املال واجلاه ،والعلم اء ،واملن افقون ،واملس ؤولون عن الس لطة .ويغلب على ه ذه
املقتبسات اخلارجية املناص التارخيي ،باستحضار إحاالت تارخيية ،مثل كتاب (اإلحاطة
يف أخبار غرناطة) للسان الدين بن اخلطيب ،و(الضوء الالمع ألهل القرن التاسع) لشمس
الدين السخاوي ،و(ورفع اإلصر عن قضاة مصر) البن حجر العسقالين ،و(الذيل على
تاريخ االسالم) البن قاضي شهبة ،و(التعريف بابن خلدون) البن خلدون ،و(عجائب
املقدور يف أخبار تيمور) البن عربشاه.
وق د وض ع محيش ه ذه املقتبس ات التارخيي ة يف مس تهل الفص ول الثالث ة ،بينم ا أخ ذ
املقتبسات الداخلية من كتاب ( التعريف البن خلدون) ليجعل التفاعل النصي يتمحور
حول نصني :نص ابن خلدون املرجعي التعريف) ،ونص ابن خلدون التخييلي (الرواية).
-س عيد يقطني :انفتــاح النص الــروائي ،املرك ز الثق ايف الع ريب ،ال دار البيض اء ،املغ رب ،الطبع ة األوىل س نة 271
1989م،ص .114
-سعيد يقطني :نفسه ،ص .114 272
177
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
ومن املالحظ أن هذا املقتبسات املناص ية "ال تأخذ داللته ا خارج الس ياق ال ذي وردت
فيه ،وال جيب قراءهتا يف ذاهتا ،وإال اعتربت حشوا وطارئا ال قيمة له" (.)273
ويالحظ أيضا أن هذه املقتبسات جاءت لتحقيق األبعاد التالية:
املماثلة أو لنقل التشبيه بني حالة نصية وحالة أخرى.
املعارضة الساخرة.
التفسري وإضاءة النص -املنت.
اإليهام باحلقيقة ،والتشديد على صدق التخييل.
التناصية.
وحتقق هذه العالقات "وظيفة مجالية وبالغية ،بكوهنا تعمق جتاوبنا ،وفهمنا للنص ،عن
طريق االنزياح عن التعبري املباشر يف السياقات اليت ترد فيها"(.)274
178
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
وعلي ه ،فلق د لق د اتك أ بنس امل محيش على ه ذه املقتبس ات اخلارجي ة والداخلي ة إلس باغ
الص دق على احلبك ة .أي :ختل ق ه ذه املقتبس ات عمال ذا "ن زع ت ارخيي ي وهم بواقعي ة
أحداثه" -كما قال أمحد بن شريف (.)275
مث ،تفتح هذه املقتبسات اجملال أمام النص الروائي املستحدث ليضطلع بأدوراه .وهو يف
ذل ك إط ار ف ين ،خيض ع في ه الت ارخيي لل وازع اجلم ايل ،على قاع دة البن اء التخ ييلي اجملم ل
بص ور عدي دة ،تت وازى لتولي ف مش هد متح رك ودين امي ،تت داخل في ه العالئ ق عمودي ا
وأفقي ا ،وف ق نظ ام احلكي ال ذي يس تدعي لق اء ذل ك تقني ات الس رد واألدوات الباني ة
والض رورية لع امل النص.ولق د مت اس تدعاء املقتبس ات املناص ية يف ه اتني الرواي تني هبدف
إضاءة جوانب كثرية من عامل شخصية احلاكم بأمر اهلل أو العالمة.ومبا أن "اإلطار الذي
تتحرك مبقتضاه األحداث –الروائية -إطار ختييلي ،فإن عنصر املعرفة التارخيية يرتاجع إىل
اخلل ف ،وي رتك اجملال مفتوح ا أم ام لغ ة اخلي ال ،باعتباره ا م ادة أساس ية يف بن اء الص ور،
وتشييد مشاهد دينامية ،تعرب عن احلس الفين الذي جياهد النص لتأسيسه ،وبلورة مساته
العامة"(.)276
ويالح ظ يف رواي ة (العالم ة) أن هن اك نص ني داخل يني :ملفوظ ا س رديا موض وعا بني
مزدوج تني" ،"...وملفوظ ا س رديا موض وعا بني معقوف تني [ ،]...ف امللفوظ -املقتبس-
الس ردي املوض وع بني معقوف تني البن خل دون املرجعي .وه و م أخوذ من كتب ه ،ومنه ا
(التعري ف) ،وامللفوظ (املقتبس) الس ردي املوض وع بني مزدوج تني البن خلدون اخلي ايل.
وهو من صنع املؤلف .فضال عن احلوارات اليت تتخلله أحيانا.
-أمحد بن شريف( :مستوى التخييل يف جمنون احلكم لبنسامل محيش) ،جريـدة القـدس( ،لندن) ،األحد 9 275
،1368السنة .1993
179
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
وعلى أي ،يؤكد تعامل بنسامل محيش مع املقتبسات النصية الداخلية واخلارجية ،والسيما
يف روايتيه (جمنون احلكم) و(العالمة) ،جدلية اخلطاب املرجعي واالبداعي داخل التخييل
التارخيي .هلذا ،ميكن إدراج هاتني الروايتني يف خانة الرواية الرتاثية القائمة على التأصيل
الف ين واجلم ايل ،واس تيحاء اخلطاب ات الس ردية القدمية ،واالنزي اح عن بنائه ا اخلطي
وتسلسها املتصل.
وميكن انتقاء بعض املقتبسات من رواية (العالمة) للتوضيح على الشكل التايل:277
180
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
ذل ــك ،لم يغ ــير زي ــه المغ ــربي ،ولم القرن التاسع)
يلبس ب ـ ـ ـ ــزي قض ـ ـ ـ ــاة ه ـ ـ ـ ــذه البالد
لمحبته المخالفة في كل شيء"
"-1إنـ ــه(أي ابن خلـ ــدون) تبسـ ــط ابن حج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر مقتبس ت ارخيي بداية
الفصل الثاين بالس ـ ــكنى على البح ـ ــر ،وأك ـ ــثر من العسـ ـ ـ ـ ــقالني في إخب اري (ترمجة
سـ ـ ـ ـ ــماع المطربـ ـ ـ ـ ــات ،ومعاشـ ـ ـ ـ ــرة كتاب ـ ـ ــه ( :رف ـ ـ ــع غريية)
األحـ ــداث ،وتـ ــزوج امـ ــرأة لهـ ــا أخ اإلصر عن قضاة
أمـ ــرد ،ينسـ ــب للتخليـ ــط ،فكـ ــثرت مصر)
الشــناعة عليــه .هكــذا ،قــرأت بخــط
جمـ ــال الـ ــدين البشـ ــنيتي في كتابـ ــه
القضاة".
"-2في الق ـ ــاهرة ش ـ ــخص يحب ـ ــني رواه ابن قاض ـ ــي مقتبس شخص ي
شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهبة في س ريي يف ش كل وأنا أحبه" (ابن خلدون)
كتـ ــاب (:الـ ــذيل اعرتاف إخباري.
على ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاريخ
اإلسالم)
"-1وكـ ــان شـ ــيخي رحمـ ــه اهلل ابن خل ـ ــدون في مقتبس إخب اري بداية
إم ـ ـ ــام المعق ـ ـ ــوالت محم ـ ـ ــد بن كتاب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه :تارخيي سريي الفصل الثالث
إبراهيم اآلبلي متى فاوضته في( ( التعريف)
ش ــأن الث ــائر تيم ــور) ،أو س ــايلته
عنــه يقــول :أمــره قــريب ،والبــد
لك إن عشت أن تراه"
181
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
ويالح ظ ،من خالل ه ذا اجلدول التم ثيلي ،أن بنس امل محيش يش تغل كث ريا على املقتبس
الت ارخيي والس ريي يف كتاب ة روايت ه ( العالم ة) .وتن درج ه ذه الرواي ة ض من التخيي ل
التارخيي ،وتتمحور حول شخصية ابن خلدون اليت دخلت يف صراع حاد مع االستبداد
اململوكي يف مصر ،فوقفت يف وجه تيمور املغويل الذي عاث يف األرض اإلسالمية خرابا
وفس ادا وهالك ا .كم ا واجهت ه ذه الشخص ية املتن ورة كي د العلم اء والفقه اء والقض اة
احلاس دين .ويب دو لن ا أن الك اتب ق د وظ ف س تة مقتبس ات نص ية يف رواي ة (العالم ة)،
حيث خصص كل فصل ،من فصول الرواية الثالثة ،مبقتبسني نصيني يف بداية كل فصل
روائي لتوجيه دفة األحداث ،وتأكيد مقصدية املعىن ،وتبيني األطروحة النصية األساسية
داخل املنت الروائي .ويعين هذا أن بنسامل محيش يدرس التاريخ يف ضوء التخييل الفين،
وض من رؤي ة س ردية مجالي ة دال ة ،جامع ا بني اإلخب ار املوض وعي والتص وير االحتم ايل
اخليايل خللق رواية عربية تراثية أصيلة متميزة .لذلك ،ال تنتمي (العالمة) قطعا إىل الرواية
التارخيية اليت يكتبها جورجي زيدان ،بل تنتمي إىل رواية جديدة ،تسمى برواية التخييل
التارخيي ،كما هو الشأن لدى مجال الغيطاين يف روايته( الزيين بركات) ،واملسعدي يف
روايته (حدث أبوهريرة قال ،):وأمحد التوفيق يف روايته ( جارات أيب موسى) ،ورضوى
عاشور يف روايته (ثالثية غرناطة )...
182
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
وبناء على ما سبق ،مل تظهر املقتبسات النصية داخل املنت الروائي العريب إال مع الرواية
اجلديدة من جه ة ،والرواية التأص يلية ذات املخيال الرتاثي من جهة أخرى .واهلدف من
ذلك كله هو خلق نص حواري(بوليفوين) ،متعدد األصوات واخلطابات واألجناس بدال
من تل ك الرواي ة العربي ة الكالس يكية األحادي ة الص وت ال يت ك ان يهيمن عليه ا اخلط اب
السردي اإلنشائي الذايت أو املوضوعي ،وهي خالية كل اخللو من املقتبسات االستش هادية
التخييلي ة ،واملرجعي ات اإلحالي ة ،واملستنس خات النص ية ،والتعالق ات اخلطابي ة احلواري ة،
واملعرفة اخللفية.
فتلك املقتبسات النصية هي اليت تؤهل القارئ يف احلقيقة لتفكيك النصوص اإلبداعية بنية
ودالل ة ووظيف ة بغي ة فهم ه ذه النص وص وتفس ريها يف ض وء تل ك املقتبس ات .وه ذا م ا
ق امت ب ه الرواي ة العربي ة اجلدي دة أو احلداثي ة ،حينم ا اس تهدفت خل ق نص ي م واز للنص
الس ردي احلك ائي قص د توجي ه الق ارئ توجيه ا ص حيحا يف ق راءة النص ال روائي،
ومساعدته على تفكيك شفرته من البداية حنو النهاية ،وإشراكه يف فك مفاتيح مستهل
الرواية ،واستكشاف مقتبسات النص البارزة لرصد التعالقات النصية املوجودة بني النص
املقتبس من ه والنص ال داخلي اإلب داعي ،من خالل بالتش ديد على التع الق النص ي،
واالشتقاق التفاعلي التناصي.
183
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
الخطــاب المقدماتــي
تعد املقدمة من أهم العتبات واملصاحبات اليت حتيط بالنص أو العمل األديب ،إىل جانب
اإله داء ،واملقتبس ،والعن وان ،واهلامش...وغالب ا ،م ا تك ون املقدم ة يف مس تهل العم ل
اإلب داعي أو األديب أو الوص في .وق د تك ون املقدم ة من ت دبيج الك اتب نفس ه ،فتس مى
مقدمة ،أو توطئة ،أو افتتاحية ،أو متهيدا ،أو استهالال ،أو تصديرا ،أو تكون مكتوبة من
قبل اآلخرين ،فتسمى بالتقدمي أو التقريظ.
والغرو أن تكون للمقدمة أمهية كبرية ،ال ميكن إنكارها بأي حال من األحوال ،تتمثل
يف إضاءة النص فهما وتفسريا ،وتشرحيه تفكيكا وتركيبا ،بل تتحول املقدمة إىل شهادة،
أو اع رتاف ،أو تص ريح ،أو تك ون وثيق ة جتاري ة وإش هارية ،أو دراس ة نقدي ة توض ح
دالالت عمل األديب أو املبدع ،فتبني فنياته اجلمالية ،مث تشرح دوافع الكتابة ،ونشأهتا،
ومراحلها املتعاقبة ،وخمتلف أدوارها.
وق د تك ون تل ك املقدم ة مبثاب ة خط اب م واز أو مص احب ،يش رح فيه ا املق دم إجيابي ات
العم ل دالل ة وص ياغة ،أو يق دم فيه ا املق دم بعض التوجيه ات التقوميي ة أو النص ائح ال يت
تسعف الباحث يف تطوير كتابته يف احلاضر واملستقبل معا .ومن هنا ،فاملقدمة هلا أمهية
كبرية يف حتليل األثر األديب ،وتأويله ،وتفسريه من الداخل واخلارج.
إذا ،ما املقدمة؟ وما تارخيها الغريب والعريب؟ وما أمهيتها؟ وما أنواعها؟ وما مقوماهتا؟ وما
أهم الدراس ات ال يت تن اولت املقدم ة بالتحلي ل وال درس؟ وكي ف ميكن مقارب ة املقدم ة يف
ضوء شعرية النص األديب؟
184
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
تع رف املقدم ة ،يف اللغ ة ،بأهنا أول الش يء ،ومس تهله ،وأهنا تق ع يف ص دارة الكالم .ويف
هذا اإلطار ،يقول ابن منظور يف لسان العرب ":مقدمة الكتاب ومقدمة الكالم ،بكسر
ال دال ...،وق د تفتح.ومقدم ة اإلب ل واخلي ل ومق دمتهما؛ ...أول م ا ينتج منهم ا ويلقح،
وقي ل :مقدم ة ك ل ش يء أول ه ،ومق دم ك ل ش يء نقيض م ؤخره.ويق ال ض رب مق دم
278
وجهه ...واملقدمة :الناصية واجلبهة"
وهكذا ،فاملقدمة هي اليت تقع يف بداية الكالم ،ويستهل هبا املؤلف مصنفه.
أم ا املقدم ة ،يف االص طالح ،فهي ذل ك النص أو اخلط اب ال ذي يتص در ب ه الكت اب ،أو
يفتتح به العمل األديب ،وقد يكون يف بداية األثر األديب ،أو بداية العمل الوصفي ،فيسمى
فاحتة ،أو ق د يك ون يف وس طه ،فيس مى ش اهدا ،أو يف آخ ره ،فيس مى ت ذييال أو ملحق ا.
وقد تسمى املقدمة استهالال ،أو افتتاحية ،أو خطبة ،أو تقدميا ،أو حاشية ،أو خالصة،
أو مطلع ا ،أو م دخال ،أو متهي دا ،أو توطئ ة ،أو ديباج ة ،أو فاحتة ،أو تص ديرا ،أو
عتبة...إخل .وإن كان هناك فوارق دقيقة بني هذه املصطلحات ،حيث يشكل االستهالل
جزءا من املنت الداخلي.يف حني ،تعد املقدمة نصا افتتاحيا مستقال بنفسه.
وإذا ك انت املقدم ة فعال إنتاجي ا ذاتي ا ،فالتق دمي ه و إنت اج غ ريي.أم ا التمهي د واملدخل،
فعالقتهم ا ب البحوث الوص فية والعلمي ة أك ثر من عالقتهم ا باآلث ار اإلبداعي ة .وق د حيم ل
اخلط اب املق دمايت عنوان ا هوياتي ا خاص ا ب ه أو عام ا ،ي دل على مض امينه وأش كاله ،أو
يكون غفال منه.
ومتتاز املقدمة أيضا بكوهنا نصا افتتاحيا نثريا وخطابيا ،يتموقع يف بداية الكتاب ،أو يف
وسطه كما هو حال رواية(تريسترام شاندي لشترين( ،))Sterneأو يف هنايته ،أو قد
يكون جزءا ال يتجزأ من املنت ،كما هو شأن أغلب املؤلفات الكالسيكية إبان اليونان
والروم ان والعص ور الوس طى ،أو ق د تك ون مبثاب ة فق رة استش هادية ف وق ظه ر الغالف
-ابن منظور :لسان العرب ،اجلزء احلادي عشر،ضبط وحتشية :د.خالد رشيد القاضي ،دار صبح بريوت، 278
لبنان ،أديسوفت ،الدار البيضاء ،املغرب ،الطبعة األوىل سنة 2006م ،ص.59:
185
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
اخلارجي اخللفي.بيد أن املقدمة ال تكون دائما نثرية وصفية ،فقد تكون مقدمة إبداعية:
إم ا ش عرية ،وإم ا درامي ة ،وإم ا س ردية ،تت وافر فيه ا املقوم ات القصص ية :من حبك ة،
وتزمني ،وتفضية ،وأسلبة.
وعلي ه ،فالتق دمي ه و جنس أديب ح ديث ،حيي ط ب النص من ال داخل ،وه و مبثاب ة عن وان
اس تهاليل م دخلي ،يعلن اإلب داع ،ويعرف ه ،وحيدد مرتكزات ه األساس ية ،وي بني خصائص ه
البنيوية ،ويوضح رؤية املبدع للعامل ،فيربز تصوره الفلسفي للوجود ،مث يستعرض مفهوم
الكاتب حول ماهية اإلبداع ،ووظيفته ،وعناصره .ويعين هذا أن التقدمي خطاب فوقي
بامتي از .وبالت ايل ،فه و عب ارة عن ق راءة عنواني ة ملض امني النص وص اإلبداعي ة أو الوص فية
بناء وداللة ومقصدية.
186
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
والرسالة ،والقالب الوصفي أو اإلبداعي ،وسياق الكتابة ،سواء أكان زمانا أم مكانا أم
حدثا أم رهانا...
وقد يكون املقدم كاتبا حقيقيا أو مفرتضا أو جمهوال ،أو قد يكون مبدعا ،أو ناقدا ،أو
ناش را ،أو موزع ا ،أو مش رفا ،أو موقع ا ،أو معلق ا ،أو ش اهدا .ومن ناحي ة أخ رى ،ق د
يك ون ف ردا أو مجاع ة ،أو يك ون تقدميا مش رتكا بني ال ذات والغ ري ...وق د يك ون املتلقي
كاتب ا ،أو مب دعا ،أو ناق دا ،أو وس يطا ،أو قارئ ا حقيقي ا أو افرتاض يا ،عادي ا أو منوذجي ا،
وقد يكون هو املهدى إليه...
وعلى العموم ،تتضمن املقدمة جمموعة من البنيات األساسية ،كبنية التعريف ،وبنية النشأة
والتكون ،وبنية الشهادة ،وبنية السياق ،وبنية النقد ،وبنية التقريظ ،وبنية السجال ،وبنية
االستعراض واالستكشاف .ويعين هذا كله أن املقدمة تستعرض القضايا الداللية والفنية
واجلمالية واملقاصد املرجعية والتداولية .ومن جهة أخرى ،تقدم قراءة ذاتية أو موضوعية
يف شكل شهادة ،أو وصف نقدي أو تقريظي ،مع تبيان ظروف الكتابة ،وحتديد أهدافها
اخلاصة والعامة.
187
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
188
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
279
- Gérard Genette : Seuils. Editions Seuil, coll. Poétique, Paris 1987.
P : 183.
280
- Gérard Genette : Seuils.P : 183.
189
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
وللمقدم ة أيض ا وظيف ة توثيقي ة ،حينم ا تتخ ذ ط ابع ش هادة ،أو حتم ل عالم ات س ياقية،
ك أن تش ري إىل الك اتب أو املتلقي أو ت اريخ الكتاب ة ومك ان التق دمي .وال ننس ى أيض ا
الوظ ائف األخ رى للمقدم ة ،كالوظيف ة التفس ريية للعم ل األديب ،يف ض وء املعطي ات
املرجعية ،والوظيفة التأويلية ،والوظيفة اإليديولوجية ،والوظيفة اجلمالية اليت تبحث عن
املقومات الفنية اليت تستند إليها املقدمة اإلبداعية.
وقد تتضمن املقدمة وظيفة جتنيسية ،عندما يكون اهلدف من املقدمة هو جتنيس النص
أو العم ل األديب ،أو تك ون هلا وظيف ة تعريفي ة ،هتدف إىل التعري ف بالك اتب أو العم ل
معا.
وللتق دمي أيض ا وظيف ة التعلي ق ،واملالحظ ة ،والتق ومي ،واإلعالن ،واإلش هار ،واإلخب ار،
281
واالستفتاح ،والتذييل ،والتوثيق ،والتبليغ ،والتأثري...
-عبد احلق بلعايد :عتبات ،الدار العربية للعلوم ناشرون ،بريوت ،لبنان ،ومنشورات االختالف ،اجلزائر، 281
190
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
283
- Gérard Genette :Ibid,p :152.
-شعيب حليفي :هويـة العالمــات ،دار الثقافة ،الدار البيضاء ،املغرب ،الطبعة األوىل سنة 2005م ،ص: 284
.54
191
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
أوروب ا ،مبفهومه ا احلقيقي ،إال م ع ظه ور الكت اب املطب وع ،فأص بحت املقدم ة خطاب ا
مس تقال بذات ه ،يتم يز طباع ة وموقع ا عن النص ال داخلي أو املنت ال رئيس .وبالت ايل ،فق د
كثرت املقدمات يف الثقافة الغربية ،سواء أكانت ذاتية أم غريية ،يف القرنني :التاسع عشر
والعشرين بشكل موسع ومطرد.
192
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
املعرف ة من اإلملام هبذه املكون ات فهم ا وترتيب ا وتوظيف ا.جند ه ذا يف أش كال املق دمات
ومكوناهتا ،كما جنده يف عنوان الكتاب ،واسم املؤلف ،واإلهداء ،والعناوين الداخلية.
والبد هنا من اإلشارة إىل أمر ،وهو أن العلماء املسلمني القدامى مارسوا صنعة التأليف
يف اللغ ة والنح و والع روض والبالغ ة والفق ه واألص ول والتفس ري واألدب والنق د وشروح
الش عر وغ ري ذل ك ،على أس اس أهنا مجيع ا من األش كال اإلبداعي ة.يف حني ،تقتص ر ه ذه
الكلم ة يف وقتن ا احلاض ر على القص ة والرواي ة واملس رحية والش عر .من هن ا ،ك انت
املص احبات ج زءا ال يتج زأ من الش كل الت أليفي ال ذي ي أيت ب ه الك اتب أي ا ك ان جمال
285
اهتمامه أو نوعه أو شكله".
وعلى أي حال ،فكثرية هي الكتب اليت كانت مصدرة مبقدمات ذاتية أو غريية .وقد
بدأ التصدير يف الثقافة العربية مع انتشار الكتابة ،وازدهار التأليف يف العصر العباسي منذ
الق رن الث الث اهلج ري .وق د ك انت املقدم ة تس مى خطب ة ،وديباج ة ،وفاحتة ،ومتهي دا،
واستهالال ،وتصديرا...
ومن أهم الكتب اليت كانت تتضمن مقدمات افتتاحية كتاب (طبقات فحول الشعراء)
حملم د بن س الم اجلمحي ،286ومقدم ة كت اب (الش عر والش عراء) البن قتيب ة ،287ومقدم ة
كت اب (ش رح دي وان احلماس ة) أليب علي املرزوقي ،288ومقدم ة ابن خل دون لتارخيه
-مصطفى سلوي :مصاحبات النص :في عتبة المقدمـة كمـا فهمهـا العلمـاء المسـلمون القـدامى ،عرض 285
ألقي خالل أشغال الندوة العلمية اليت عقدهتا شعبة اللغة العربية وآداهبا بكلية اآلداب ،جامعة السلطان موالي
سليمان ،بين مالل ،يف موضوع(:عتبات النص :حنو مقاربة أولية) ،أيام 26-25-24:يناير2001م.ص.1:
-حمم د بن س الم اجلمحي :طبقــات فحــول الشــعراء ،ش رح :حمم ود حمم د ش اكر ،دار املع ارف للطباع ة 286
-املرزوقي :شــرح ديــوان الحماســة ألبي تمــام ،حتقيق :امحد أمني وعبد السالم حممد هارون ،دار اجليل، 288
193
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
املسمى بكتاب العرب ،وديوان املبتدأ واخلرب يف أيام العرب والعجم والرببر ،ومن عاصرهم
من ذوي السلطان األكرب.289
وعليه ،فلقد كان اخلطاب املقدمايت "حاضرا بشكل مكثف يف املؤلفات النقدية باعتباره
سنة واجبة ،وضرورة هلا شروطها ومواصفاهتا اليت ختتلف ،كليا ،عن شروط املقدمات
احلديثة ،فيما كان اخلطاب التارخيي ،كما عرف عند ابن خلدون والطربي واملسعودي،
وباقي املؤرخني ،يتلبس شكل املدخل ،كما حتدث عنه جاك دريدا ،إذ يقدم رسالته يف
ش كل تنبي ه للق ارئ من أغالي ط املؤرخني اآلخ رين ،مث التمهي د ببس ط منهج ه يف التعام ل
والكتاب ة .وهي تس تند إىل البحث واالس تقراء أك ثر من الس ماع .يف حني ،إن املقدم ة يف
اخلط اب العلمي ت رد يف مؤلف ات الفل ك والرتمجات الفلس فية ،وكتب الرياض يات ،وب اقي
290
العلوم اجملردة اليت تعتمد التمهيد الدقيق واملختصر".
وعلى العم وم ،فق د ك انت املقدم ة يف الثقاف ة العربي ة القدمية مبثاب ة خطب ة اس تهاللية ،ق د
تك ون مقتض بة ،أو موس عة ،أو الحق ة .ومن مث ،فق د ك انت ترتك ز على ثالث ة حماور
ب ارزة :أوهلا ،أس باب الكتاب ة ودواعيه ا ودوافعه ا وأه دافها .وثانيه ا ،حتدي د املتلقي أو
املرسل إليه الذي ميكن أن يكون سلطانا أو خليفة أو أمريا أو كبري علية القوم ،أو قارئا
متلقيا عاما أو خاصا ...وثالثها ،تبيان الكيفية أو الطريقة اليت ألف هبا العمل .ويعين هذا
أن هن اك ثالث ة أس ئلة جوهري ة :س ؤال ملاذا أل ف ه ذا الكت اب؟ وس ؤال ملن أل ف ه ذا
الكتاب؟ وسؤال كيف ألف هذا الكتاب؟
وتتض من اخلطب ة أو املقدم ة االفتتاحي ة يف الكتب واملؤلف ات الرتاثي ة البس ملة واحلمدل ة
والتص لية والتس ليم ،واإلش ارة إىل دواعي الكتاب ة الذاتي ة منه ا واملوض وعية ،وتبي ان جنس
املؤل ف وخطت ه املنهجي ة ،وحتدي د املص ادر واملراج ع ال يت اعتم د عليه ا الك اتب املؤل ف،
-ابن خلدون :مقدمة ابن خلدون ،املطبعة البهية ،مصر ،بدون تاريخ للطبعة. 289
194
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
وتقري ظ املص نف ،ونق د املص ادر الس ابقة ،وتع يني زم ان الكتاب ة ومكاهنا ،واالختت ام
باحلمدلة والشكر.291
أم ا يف الثقاف ة العربي ة القدمية واحلديث ة ،فق د «س ار ك ل من الب ارودي وش وقي على س نة
عربي ة قدمية يف تق دمي الش عراء ل دواوينهم .ولرمبا ك ان أب و العالء املع ري من بني أوائ ل
الشعراء العرب القدماء الذين وضعوا تقدميا ،ونذكر – هنا -تقدميه لكل من سقط الزند
ولزوم ما ال يلزم ،وهي السنة اليت اتبعها الشعراء اآلخرون عرب العصور املتوالية».292
وق د ظه رت العدي د من الرواي ات العربي ة احلديث ة ،من ذ منتص ف الق رن التاس ع عش ر،
مصدرة مبقدمات تشرح نظرية الرواية ،مثل روايات فرح أنطون(الدين والعلم واملال أو
املدن الثالث) ،وحممود طاهر حقي يف رواية (عذراء دنشواي) ،وعيسى عبيد يف رواية
(إحس ان ه امن) ،وج ورجي زي دان يف روايات ه التارخيي ة ،والس يما روايت ه (احلج اج بن
يوسف) ،حيث يقول يف مقدمتها ما نصه " :قــد رأينــا باالختبــار أن نشــر التــاريخ على
أس ـ ــلوب الرواي ـ ــة أفض ـ ــل وس ـ ــيلة ل ـ ــترغيب الن ـ ــاس في مطالعت ـ ــه ،واالس ـ ــتفادة من ـ ــه،
وخصوص ــا ،وأنن ــا نت ــوخى جه ــدنا في أن يك ــون الت ــاريخ حاكم ــا على الرواي ــة ،ال هي
عليــه ،كمــا فعــل بعض كتبــة اإلفــرنج ،ومنهم من جعــل غرضــه األول تــأليف الروايــة،
وإنما جاء بالحقائق التاريخية إللباس الرواية ثوب الحقيقة ،فيجره ذلك إلى التساهل
في سرد الحوادث بما يضل القراء.
وأم ــا نحن ،فالعم ــدة في روايتن ــا على الت ــاريخ ،وإنم ــا ن ــأتي بح ــوادث الرواي ــة تش ــويقا
للمطــالعين .فتبقى الحــوادث التاريخيــة على حالهــا ،ونــدمج في مجالهــا قصــة غراميــة
تشوق المطالع إلى استتمام قراءتها ،فيصبح االعتماد على ما يجيء في الروايات من
-مصطفى سلوي :مصاحبات النص :في عتبة المقدمة كما فهمها العلماء المسلمون القدامى ،ص.7: 291
-حمم د ب نيس :الشــعر العــربي الحــديث :بنياتــه وإبــداالتها ،الجــزء األول ،التقليديــة ،دار توبق ال للنش ر، 292
195
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
ح ــوادث الت ــاريخ :مث ــل االعتم ــاد على أي كت ــاب من كتب الت ــاريخ من حيث الزم ــان
والمكــان واألشــخاص إلى مــا تقتضــيه من التوســع في الوصــف ،ممــا ال تــأثير لــه على
وصف العادات واألخالق.....إن الروائي المــؤرخ ال يكفيــه تقريــر الحقيقــة التاريخيــة
الموجودة ،وإنما يوضحها ويزيدها رونقــا من آداب العصــر وأخالق أهلــه وعــاداتهم،
حـتى يخيـل للقـراء أنـه عاصـر أبطـال الروايـة ،وعاشـرهم ،وشـهد مجالسـهم ومواكبهـا
واحتفاالتهم ،شأن المصور المتفنن في تصوير حادثة يشغل ذكرها في التاريخ ســطرا
أو سطرين ،فيشغل هو في تصويرها عامــا أو عــامين .فمقتــل جعفــر الــبرمكي عــبر عنــه
المــؤرخ ببعض كلمــات ،أمــا المصــور فال يســتطيع تصــويره ،إال إذا كــان مطلعــا على
عــادات ذلــك العصــر ،وطبــائع أهلــه ،وأشــكال مالبســهم وألوانهــا ،وضــروب الفــرس
وأش ــكال األس ــلحة ،ليمث ــل كال من القات ــل والمقت ــول بقيافت ــه وش ــكله ،وينبغي ل ــه أن
يكـ ــون عالمـ ــا بانفعـ ــاالت النفس ،ومـ ــا يبـ ــدو من آثاره ــا على الوجـ ــه أو في حرك ــات
الجســم ،ليمثــل غضــب القاتــل أو شراســته ،وخــوف المقتــول وكآبتــه ،غــير مــا تقتضــيه
الصـ ــناعة من تصـ ــوير مكـ ــان الواقـ ــع ،إن ك ــان غرفـ ــة أو شـ ــارعا أو باديـ ــة أو حديقـ ــة،
والزم ــان ال ــذي وقعت في ــه .وإن ك ــان ص ــباحا أو أص ــيال أو عش ــاء ،ولك ــل من ه ــذه
األحوال أشكال وألوان ال يتم جمال الصورة إال بإتقانها .وذلك شأن الروائي بــالنظر
إلى التـاريخ ،فهـو يمثـل تلـك األحـوال ،أو يصــور أشـكالها وألوانهـا باأللفـاظ من عنـد
نفســه ،فيوشــح الحادثــة التاريخيــة بخالصــة درســه الطويــل في آداب القــوم وعــاداتهم
وأخالقهم ،والتفطن ألثــار العواطــف في مظــاهرهم ،مــع بيــان مــا يحــف بتلــك الحادثــة
المعاصــرة ،ويطــابق وضــعه نظــام االجتمــاع وأحــوال العائلــة ،وإذا رجــع المطــالع إلى
تحقيــق الحــوادث التاريخيــة على جمالهــا وجــدها حقيقــة ثابتــة ،وذلــك مــا توخينــاه في
سائر رواياتنا" .293
-جورجي زيدان( :مقدمة) ،الحجاج بن يوسف ،مطابع اهلالل ،القاهرة ،مصر1913 ،م. 293
196
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
ومثة كتب اهتمت جبم ع مق دمات الرواي ة ،كم ا فع ل حمم د كام ل اخلطيب يف كتاب ه
(نظري ة الرواي ة) .294ومن جه ة أخ رى ،ظه رت مؤلف ات ومص نفات عدي دة يف خمتل ف
األجناس واألنواع األدبية ،مصدرة مبقدمات ذاتية أو غريية أو مشرتكة .يف حني ،نلفي
مؤلفات أخرى بدون مقدمات أو افتتاحيات.
وعليه ،فلقد أصبح التقدمي يف الثقافة العربية ،قدميها وحديثها ،سنة متبعة ،شعرا ،وسردا،
ومس رحية ،ونق دا ،ب ل أص بح تقلي دا متبع ا ح ىت يف الكتب العلمي ة واألكادميي ة إىل يومن ا
ه ذا؛ إذ يش رتط يف ك ل حبث ،أو كت اب ،أو دراس ة ،أو رس الة ،أو أطروح ة جامعي ة أن
يكون يف مستهله (أو مستهلها) مقدمة افتتاحية جامعة ومفصلة ،تبني خطوات العمل،
وتربز قضاياه الداللية واملنهجية واالصطالحية.
وعلى الرغم من هذا االهتمام الكبري بالتقدمي ،فإنه مايزال يفتقد إىل دراسة تارخيية مفصلة
ضمن خمتلف األجناس األدبية :شعرا ،وسردا ،ومسرحية ،ونقدا...
-حممد كامل اخلطيب :نظرية الرواية ،وزارة الثقافة ،دمشق ،سورية ،الطبعة األوىل سنة 1990م. 294
197
www.alukah.net تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة
295
-Genette (Gérard) : Palimpsestes, Paris, seuil, 1972.
296
- Genette (Gérard): Seuils, Paris seuil 1987.
297
- Charles (Michel) : Rhétorique de la lecture, Paris, seuil, 1979.
298
- Derrida (Jacques): (Hors livre, dans ID), La dissémination, Paris,
Seuil 1972, pp : 7-67.
- Duchet (Claude): « Illusion historique: l’enseignement des préfaces
299
198
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
أم ا على املس توى الع ريب ،فيمكن اإلش ارة إىل الدراس ات واألحباث ال يت كتبه ا ك ل من:
حمم د ب نيس يف كتاب ه( :التقليدي ة) ،307وعب د الفت اح احلجم ري يف(:عتب ات النص :البني ة
والدالل ة) ،308وعب د ال رحيم العالم يف مقال ه(:اخلط اب املق دمايت يف الرواي ة املغربي ة)،309
وعبد احلق بلعايد يف (:عتبات) ،310وشعيب حليفي يف (هوية العالمات) ،311والسعدية
الش اديل يف (مقارب ة اخلط اب املق دمايت ال روائي) ،312ونبي ل منص ر يف (اخلط اب املوازي
303
- Le Cointre (Simonne), Legallot (Jean): "texte et paratexte, essai sur la
préface du roman classique", dans Panorama sémiotique, la Hague-
Paris, New York, Mouton, 1979, pp : 660-670.
304
-Avni. (Ora) : « Dico Vobis : préface, pacte, pari », Romanic
Review75, 1984, pp : 119-130.
305
- Collard (Patrick) : « le récit et son prologue dans EL siglo de las
luces d’Alejo Carpentier » dans F.Hallyn .Ed Onze études sur la mise
en abyme, Romanica Gandinsia, 17, 1980, pp : 83-100.
- A regarder : Maurice de la Croix et Fernand Hallyn : Méthode de
306
-عبد الفتاح احلجمري :عتبات النص البنية والداللة ،شركة الرابطة ،الطبعة األوىل سنة 1996م. 308
-عبد الرحيم العالم ( :اخلطاب املقدمايت يف الرواية املغربية) ،مجلة عالمات ،املغرب ،العدد 8/1997م. 309
-عبد احلق بلعايد :عتبات(جيرار جنيت من النص إلى المناص) ،الدار العربية للعلوم ناشرون ومنشورات 310
-السعدية الشاديل :الخطاب المقدماتي الروائي ،الدار البيضاء ،الطبعة األوىل سنة 1998م. 312
199
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
للقص يدة العربي ة املعاص رة) ،313وعب د ال رزاق بالل يف (م دخل إىل عتب ات النص)،314
وعب د الع ايل ب وطيب يف مقال ه (ب رج الس عود -وإش كالية العالق ة بني ال روائي
والتارخيي) ،315ومصطفى سلوي يف كتابه (عتبات)...316
-نبيل منصر :الخطاب الموازي للقصيدة العربية المعاصـرة ،دار توبقال ،الدار البيضاء ،املغرب ،الطبعة 313
200
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
ومن جهة أخرى ،قد تكون املقدمة تقريظية فيها من الثناء والشكر والصداقة والعاطفة
الشيء الكثري .وهي مقدمة " جتارية وإشهارية ،تتوخى توجيه القارئ مع إعطائه حكما
مسبقا على قراءته ،هذا النوع من املقدمات ،حيول دفة املعىن الذي قد يؤوله املتلقي إىل
اجلهة اليت يريدها املؤلف.وهو النوع الذي يكتبه الناشر يف غالب األحيان."317.
يف حني ،تكون املقدمة النقدية خطابا وصفيا تقومييا موضوعيا ،عبارة عن قراءة حتليلية
تركيبي ة ،متس اجلوانب الداللي ة والش كلية والفني ة واملقص دية .وق د تك ون املقدم ة ش هادة
إبداعي ة أو وص فية ،يق دم فيه ا الك اتب منظ وره الشخص ي إىل الكتاب ة واإلنس ان
والع امل.وهن اك أيض ا املقدم ة املختفي ة ال يت تغيب يف طبع ات معين ة لتظه ر حين ا أو تغيب
آني ا.ومن جه ة أخ رى ،هن اك املقدم ة املعوض ة أو املس تبدلة ال يت تع وض مقدم ة س ابقة مل
يرض عليها الكاتب ،فيقرر استبداهلا مبقدمة أخرى .وميكن إدراج هذه املقدمة ،بشكل
من األشكال ،ضمن املقدمة الالحقة أو املتأخرة.
وميكن احلديث أيضا عن املقدمة االفتتاحية ،ومقدمة امللحق اليت تكون يف آخر الكتاب
مبثابة ملحق بالنص الرئيس ،وتسمى بالتذييل .وميكن احلديث أيضا عن املقدمة املقتضبة
واملقدم ة املوس عة املس هبة ،أو املقدم ة الذاتي ة واملوض وعية ،أو املقدم ة الوص فية
واإلبداعية.أما املقدمة املتصلة ،فهي اليت توجد يف منت الكتاب أو يف بدايته ،كما يتجلى
ذل ك واض حا يف املالحم اليوناني ة ،فتك ون ج زءا من النص ال رئيس .بينم ا تك ون املقدم ة
املستقلة منفصلة عن الكتاب ،وتوضع خارج النص أو املنت ،باعتبارها خطابا مستقال له
خصوص ياته الداللي ة والفني ة والوظيفي ة .وهن اك أيض ا املقدم ة املص احبة أو املوازي ة ،فهي
ال يت" تك ون مس تقلة ومباش رة ،توج ه انتباهن ا للتيم ات واألس ئلة املطروح ة ،وه ذا الن وع
األخ ري من املق دمات ه و اخلط اب ال ذي ميتل ك األدوات ال يت تق رتب بش كل مباش ر من
201
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
املتلقي ،حيث إن املقدم ة ال يت يكتبه ا ناق د م ا ،واملفص ولة عن الرواي ة ،التبحث عن غ ري
318
النص".
وحتمل املقدمة السجالية ،يف طياهتا ،سجاال نقديا .وغالبا ،ما يكون ذاتيا ،ويرد يف شكل
ردود حواري ة ،فيه ا من االنفعالي ة الش يء الكث ري ،كم ا يظه ر ذل ك جلي ا يف كت اب
(االحتفالي ـ ــة مواق ـ ــف ومواق ـ ــف مض ـ ــادة) لعب د الك رمي برش يد ،حيث يق ول يف فاحتة
الكتاب":إن هذا الكتاب ،يف رده على عينة خاصة من النقد املسرحي ،ويف نقاشه احلاد
ألمساء كثرية فيه؛ أمساء متارس املعارضة الوحشية والبدائية والفوضوية ،سواء يف األدب أم
يف الفن أم يف الفك ر أم يف احلي اة اليومي ة ،جيد نفس ه يف وض ع ص عب ودقي ق وس ريايل
وعبثي ،فهو يتبىن احلوار ،وذلك يف غياب تام -أو شبه تام -لكل مقومات احلوار ،ولكل
319
شروطه األساسية واحليوية"...
إذًا،هذه هي أهم أنواع املقدمة اليت ميكن االنطالق منها لتقدمي مقاربة دقيقة للنص املعطى
أو العمل املقدم بغية تشرحيه وتركيبه :فهما ،وتفسريا ،وتأويال.
-عبد الكرمي برشيد :االحتفاليــة :مواقــف ومواقــف مضــادة ،منشورات نقاب ة األدباء والب احثني املغاربة، 319
إصدارات أمنية لإلبداع والتواصل الفين واألديب ،الدار البيضاء ،الطبعة األوىل ،سنة 2010م ،ص.24:
202
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
ح دة.وتع ين البني ة طبيع ة النص املق دمايت ،وش كله ،وص يغته ،وجنس ه ،وبنائ ه الرتكي يب
واخلطايب.بينما حتيل الداللة على خمتلف املعاين والقضايا اليت حتبل هبا املقدمة مباشرة أو
غ ري مباش رة .أم ا الوظيف ة ،فتش ري إىل خمتل ف املقاص د الظ اهرة واخلفي ة ال يت تس تهدفها
املقدمة.أما املقصود بالقراءة السياقية أن نقرأ املقدمة يف عالقة بالنص الرئيس ،إما بطريقة
أفقية ،وإما بطريقة عمودية.
وعلي ه ،فاملقارب ة املناص ية ()paratextualitéأنس ب منهجي ة لق راءة املقدم ة وب اقي
العتب ات األخ رى .فهي تنص ب على مقارب ة املقدم ة يف عالقته ا م ع النص .والنت ائج ال يت
تسعى إليها هذه املقاربة تبقى نسبية واحتمالية وتقريبية كذلك ،ما دام اليقني غائبا حىت
يف العل وم الدقيق ة والتجريبي ة .إن املقارب ة يف العل وم اإلنس انية ،وخاص ة األدبي ة منه ا ،ال
ميكن أن تصل إىل احلقيقة أو النتائج املطلقة .لذا ،يبقى االفرتاض أو االحتمال هو سيد
املوقف دائما نظرا لتعقد الظواهر األدبية ،ومتيزها بطابعها الواعي واإلنساين.
ومن هن ا ،ت درس املقارب ة املناص ية النص ،أو العم ل األديب ،يف تفاعل ه م ع املقدم ة ،ع رب
العالقات النصية والتناصية ،وكذلك عرب التشابكات البنيوية والسيميوطيقية ،حيث تنظر
إىل املقدم ة على أهنا ،مبفرده ا ،خط اب أو نص مس تقل ،مبوازاة نص آخ ر ،والعالق ة
املوج ودة بينهم ا ،هي عالق ة العم وم واخلص وص ،أو عالق ة الك ل واجلزء ،أو عالق ة
اإلمجال والتفصيل .فال بد للمحلل أن حيلل النص أو العمل على أنه بنية مستقلة يف حد
ذاهتا ،وينظ ر ك ذلك إىل املقدم ة على أهنا خط اب وص في مس تقل ،يتطلب حتليال دقيق ا
بني ة ،وتركيب ا ،ودالل ة ،وت داوال .ومن مث ،حيت اج التق دمي إىل أدوات إجرائي ة جدي دة،
ومفاتيح أكثر كفاية وجناعة الستنطاقه باعتباره نصا أو خطابا مستقال ،حيوي دالالت
النص ،ويفس ر نش أته ،ويستكش ف أطروحات ه املرجعي ة ،ويس تعرض قض اياه التخييلي ة
واحلجاجية والواقعية.
203
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
وخالص ة الق ول ،يت بني لن ا ،مما س بق ذك ره ،أن املقدم ة خط اب مس تقل أو متص ل ب املنت
الرئيس .وهي مبثابة متهيد للعمل ،يشرح فيه الكاتب أو املبدع تصوراته ونظرياته وآراءه
حول قضية معينة ،معتمدا على سؤال العلة ،وسؤال الكيف ،وسؤال اهلدف .وقد تتخذ
هذه املقدمة صيغة سردية ،أو درامية ،أو شعرية.
ومن مث ،فاملقدمة تقليد مع روف يف معظم الثقافات اإلنسانية ،وخاصة الثقافتني :الغربية
والعربي ة ،إن تنظ ريا ،وإن تطبيق ا.وبالت ايل ،فاملقدم ة أن واع ع دة ،فهن اك املقدم ة املتص لة
واملنفص لة ،واملقدم ة الذاتي ة والغريي ة واملش رتكة ،واملقدم ة التقريظي ة والنقدي ة واملوازي ة،
ومقدمة الشهادة والسجال .وغالبا ،ما تتميز املقدمة بكوهنا خطابا مستقال منفصال عن
املنت ،حتمل يف طياهتا أسئلة الكتابة ماهية وتعليال وهدفا ،وقد تكون مبثابة خطاب نقدي
وصفي ،إما تنظريا وإما تطبيقا .بيد أن املقدمة ،باعتبارها عتبة موازية مهمة ،يف حاجة
ماسة إىل اجلمع والتوثيق واألرشفة والتجنيس بغية دراستها ،وحتليلها ،وتقوميها ،إن بنية،
وإن داللة ،وإن مقصدية.
204
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
خاتمـ ــة
ويف األخري ،نصل إىل أن النص املوازي مبثابة عتبات رئيسية الميكن االستغناء عنها؛ ألهنا
أدوات وآلي ات ومف اتيح إس رتاتيجية ملقارب ة النص وص األدبي ة وغ ري األدبي ة .فهي ال يت
تساعد الباحث ،أو الدارس ،أو الناقد ،على تفكيك النص وتركيبه.
وإذا ك ان النق دان الع ريب والغ ريب مع ا ق د أغفال ه ذه العتب ات؛ إذ كان ا يعترباهنا عناص ر
ثانوي ة وزائ دة ،إال أن ه ذه العتب ات ق د أض حت -الي وم -آلي ات أساس ية يف تن اول
النصوص وحتليلها فهما ،وتفسريا ،وتأويال.
وينضاف إىل هذا أن حتليل العتبات ،فهما وشرحا وتأويال ،الميكن أن حيقق جدواه إال
بدراس تها يف س ياقها النص ي والت داويل ،ب احرتام أربع ة مب ادىء منهجي ة هي :البني ة،
والداللة ،والوظيفة ،والقراءة السياقية ،سواء أكانت قراءة أفقية أم عمودية .ومثة -اليوم
-دراس ات أدبي ة ونقدي ة ع دة يف جمال العتب ات ال يت تدرس ها يف ض وء مقارب ات
ومنهجيات خمتلفة.
ه ذا ،وق د ظف ر العن وان والغالف بدراس ات كث رية يف ه ذا املي دان.بي د أن هن اك عتب ات
م ازالت مل ت درس بش كل جي د ،مث ل :اإله داء ،واملقتبس ات ،واهلوامش ،والرس ائل،
والقراءات ،واملذكرات ،واحلوارات...ونتمىن يف املستقبل أن يركز الباحثون ،يف أحباثهم
ورسائلهم وأطروحاهتم اجلامعية واألكادميية ،على النص الفوقي؛ ملا له من أمهية كربى يف
1
2
205
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
استكش اف دالالت النص ،وتبي ان مقاص ده القريب ة والبعي دة ،كاالهتم ام -كم ا قلن ا
سابقا -بالرسائل ،واحلوارات،واملذكرات ،والشهادات ،والتعليقات...
وأمتىن أن يكون كتابنا هذا قد أجاب عن بعض األسئلة اليت تؤرق الباحث ،وقد بسطنا
في ه بعض مف اهيم النص املوازي وعتبات ه الرئيس ية بش كل من األش كال .وق د رأين ا أن
العتب ات ليس ت عتم ات مظلم ة وزائ دة وجماني ة وعفوي ة ،ب ل هي عتب ات مض يئة؛ إذ
تس تجلي أغ وار النص يف خمتل ف متاهات ه الش ائكة ،وتستكش ف ظلمت ه فهم ا وتفس ريا
وتأويال.
206
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
المصادر العامة:
-11ابن قتيبة :الشعر والشعراء،دار الثقافة ،بريوت ،لبنان ،الطبعة الرابعة1980 ،م.
-12ابن خل دون :مقدمــة ابن خلــدون ،دار الرش اد احلديث ة ،ب دون ذك ر ملك ان الطب ع
وزمانه.
-13ابن رش يق :العمــدة في محاســن الشــعر وآداه ونقــده ،حتقي ق :حمم د حميي ال دين
عبد احلميد ،دار الرشاد احلديثة ،الدار البيضاء ،املغرب ،جزآن ،بدون تاريخ للطبعة.
-14ابن عب د رب ه :العقـ ــد الفريـ ــد ،حتقي ق :حمم د س عيد العري ان ،املكتب ة التجاري ة
الكربى،مطبعة االستقامة ،القاهرة ،الطبعة الثانية ،سنة 1953م.
-15ابن منظ ور :لسـ ــان العـ ــرب ،اجلزء اخلامس عش ر ،دار ص بح ،ب ريوت ،لبن ان،
أديسوفت ،الدار البيضاء ،املغرب ،الطبعة األوىل سنة 2006م.
-16أفالطون :جمهوريــة أفالطــون ،ترمجة ودراسة :فؤاد زكريا ،اهليئة املصرية العامة
للكتاب ،طبعة 1974م
-17الصويل :أدب الكتاب ،دار الكتب العلمية ،بريوت ،لبنان ،بدون تأريخ للطبعة.
-18حممد بن سالم اجلمحي :طبقات فحول الشعراء ،شرح :حممود حممد شاكر ،دار
املعارف للطباعة والنشر ،القاهرة ،مصر.
207
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
-19املرزوقي :شرح ديوان الحماسة ألبي تمام ،حتقيق :امحد أمني وعبد السالم حممد
هارون ،دار اجليل ،بريوت ،لبنان ،الطبعة األوىل سنة1991م.
208
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
-29جريار جنيت :مــدخل لجــامع النص ،ترمجة عبد الرمحن أيوب،دار توبقال ،الدار
البيضاء ،الطبعة األوىل1985،م.
-30جون كوهن :بنية اللغة الشعرية ،ترمجة :حممد الويل وحممد العمري ،دار توبقال
للنشر ،الدار البيضاء ،الطبعة األوىل سنة 1986م.
-31محي د حلم داين :بنيـ ــة النص السـ ــردي من منظـ ــور النقـ ــد األدبي ،املرك ز الثق ايف
العريب ،الدار البيضاء ،الطبعة األوىل سنة 1991م.
-32خال د حس ني حس ني :في نظريــة العنــوان ،دار التك وين ،دمش ق ،س وريا ،الطبع ة
األوىل سنة 2007م.
-33رشيد بنح دو :جماليــة الــبين-بين في الروايــة العربيــة ،منش ورات مؤسس ة نادي
الكتاب املغرب ،مطبعة الكتاب بفاس ،الطبعة األوىل سنة 2011م.
-34رشيد حيياوي :مقدمات في نظرية األنواع األدبية ،أفريقيا الشرق ،الطبعة الثاني ة،
.1994
-35رشيد حيياوي :شعرية النوع األدبي :في قـراءة النقـد العـربي القـديم ،دار أفريقيا
الشرق ،الطبعة األوىل ،سنة 1994م.
-36روالن بارت :النقد والحقيقة ،ترمجة :إبراهيم اخلطيب ،الشركة املغربية للناشرين
املتحدين ،الدار البيضاء ،الطبعة األوىل سنة 1985م.
-37روالن بارت :درس السيميولوجيا ،ترمجة عبد السالم بن عبد العايل ،دار توبقال
للنشر ،الدار البيضاء ،الطبعة األوىل1986،م.
-38روالن بارت:المغامرة السيميولوجية،ترمجة :عبد الرحيم حزل ،مراكش ،الطبعة
األوىل سنة 1993م.
-39رينيه ويليك وأوستني وارين :نظرية األدب ،ترمجة :حميي الدين صبحي ،املؤسسة
العربية للدراسات والنشر،الطبعة الثالثة.1985 ،
209
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
-40السعدية الشاديل :الخطاب المقدماتي الروائي ،الدار البيضاء ،الطبعة األوىل سنة
1998م.
-41س عيد يقطني :الق ـ ــراءة والتجرب ـ ــة ،دار الثقاف ة ،ال دار البيض اء ،الطبع ة األوىل
1985م.
-42سعيد يقطني :انفتاح النص الروائي ،املركز الثقايف العريب ،الدار البيضاء ،الطبعة
األوىل 1989م.
-43س عيد يقطني :الروايــة والــتراث الســردي ،املرك ز الثق ايف الع ريب ،ال دار البيض اء،
الطبعة األوىل1992م.
-44سعيد علوش :المصــطلحات األدبيـة المعاصـرة،منشورات املكتبة اجلامعية ،الدار
البيضاء،الطبعة األوىل سنة 1984م.
-45سعيد علوش:عنف المتخيل في أعمال حبيبي ،املؤسسة احلديثة للنشر والتوزيع،
الدار البيضاء ،الطبعة األول سنة 1986م.
-46شربل داغر :الشعرية العربيـة الحديثـة ،دار توبقال للنشر ،الدار البيضاء ،الطبعة
األوىل.1988 ،
-47شعيب حليفي :هوية العالمات ،دار الثقافة ،الدار البيضاء ،املغرب ،الطبعة األوىل
سنة 2005م.
-48صدوق نور الدين :أوراق لعبد اهلل العروي ،دراسة وحتليل ،املركز الثقايف العريب،
الدار البيضاء،املغرب ،الطبعة األوىل سنة 1996م.
-49عبد احلق بلعايد :عتبات ،الدار العربية للعلوم ناشرون ،بريوت ،لبنان ،ومنشورات
االختالف ،اجلزائر ،الطبعة األوىل سنة 2008م.
-50عبد الرزاق بالل :مدخل إلى عتبات النص(دراســة في مقــدمات النقــد العــربي)،
دار أفريقيا الشرق ،الدار البيضاء ،املغرب ،الطبعة األوىل سنة 2000م.
-51عبد املنعم تليمة :مقدمة في نظرية األدب ،دار الثقافة ،القاهرة1987 ،م.
210
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
-52عبد السالم بنعبد العايل :التراث والهوية ،دار توبقال للنشر،الدار البيضاء،الطبعة
األوىل سنة 1987م.
-53عبد الس الم املسدي :النقــد والحداثــة ،دار الطيع ة ،بريوت ،لبن ان ،الطبع ة األوىل
سنة 1983م.
-54عب د الفت اح احلجم ري :عتب ــات النص :البني ــة والدالل ــة ،ش ركة الرابط ة ،ال دار
البيضاء ،املغرب ،الطبعة األوىل سنة 1996م.
-55عبد الفتاج كيليطو :األدب والغرابــة ،دار الطليعة ،بريوت ،لبنان ،الطبعة الثانية
سنة 1983م،
-56عبد الفت اح كيليطو :الكتابــة والتناســخ ،ترمجة :عبد الس الم بنعبد الع ايل ،املرك ز
الثقايف العريب ،الدار البيضاء ،الطبعة األوىل سنة 1985م.
-57عبد القادر غزايل :قصيدة النثر :األسس النظرية والبنيات النصــية ،مطبعة تريفة،
برك ان ،املغ رب ،الطبع ة األوىل س نة 2007م -53.عب د -58 -58املال ك أش هبون:
عتبات الكتابة في الرواية العربية ،دار احلوار للنشر ،دمشق ،سوريا ،الطبعة األوىل سنة
2009م.
-59عب د احملس ن ط ه ب در :تط ــور الرواي ــة العربي ــة الحديث ــة في مص ــر ،دار املع ارف،
القاهرة ،الطبعة الثالثة.
-60عبد الكرمي برشيد :االحتفالية :مواقف ومواقف مضادة ،منشورات نقابة األدباء
والباحثني املغاربة ،إصدارات أمنية لإلبداع والتواصل الفين واألديب ،الدار البيضاء ،الطبعة
األوىل ،سنة 2010م.
-61عزال دين إمساعيل :األدب وفنونــه ،الطبع ة الس ابعة ،الفك ر الع ريب ،الق اهرة ،دون
حتديد لتاريخ الطبعة.
-62ف ؤاد ال زاهي :الحكايــة والمتخيــل ،أفريقي ا الش رق ،ال دار البيض اء ،الطبع ة األوىل
1991م.
211
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
-63حمم د ب رادة :لغــة الطفولــة والحلم ،قــراءة في ذاكــرة القصــة المغربيــة ،الش ركة
املغربية للناشرين املتحدين،الرباط ،املغرب ،الطبعة األوىل سنة 1986م.
-64حممد بنيس :الشعر العربي الحديث :بنياته وإبداالتها ،1 ،التقليديـة ،دار توبقال
للنشر ،الدار البيضاء ،الطبعة األوىل 1989م.
-65حممد غنيمي هالل :األدب المقارن ،دار هنضة مصر للطبع والنشر ،القاهرة.
-66حممد كامل اخلطيب :نظرية الرواية ،وزارة الثقافة ،دمشق ،سورية ،الطبعة األوىل
سنة 1990م.
-67حمم د مفتاح :ديناميــة النص،املرك ز الثق ايف الع ريب ،ال دار البيض اء ،الطبع ة األوىل،
1987م.
- 68حممد مندور :األدب وفنونه ،دار النهضة،القاهرة ،مصر1980 ،
-69مصطفى سلوي :عتبات النص ،منشورات كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية ،جامعة
حمم د األول بوج دة ،املغ رب ،س ل.حبوث ودراس ات،22:مطبع ة مشس ،وج دة ،الطبع ة
األوىل 2003م.
-70موس ى حمم د خري الش يخ :نظريــة األنــواع األدبيــة في النقــد العــربي ،دار الرتمجة،
الكويت ،الطبعة األوىل1995 ،م.
-71نبيل منصر :الخطــاب المــوازي للقصــيدة العربيــة المعاصــرة ،دار توبقال للنشر،
الدار البيضاء ،الطبعة األوىل سنة 2007م.
المراجع األجنبية:
72-BERNARD DUPRIEZ: les procédés littéraires
(dictionnaire), GRADUS, 10/18,1984.
212
www.alukah.net تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة
213
www.alukah.net تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة
214
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
215
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
المق ــاالت:
-96أب و بك ر الع زاوي(:احلج اج والش عر :حنو حتلي ل حج اجي لنص ش عري معاص ر)،
دراسات سيميائية أدبية لسانية ،املغرب ،العدد ،7السنة1992م.
-97أمحد بن ش ريف( :مس توى التخيي ل يف جمن ون احلكم لبنس امل محيش) ،جري ـ ــدة
القدس( ،لندن) ،األحد 10– 9أكتوبر 1993م.
-98ت رنس ه وكس( :م دخل إىل الس يمياء) ،مجل ــة بيت الحكم ــة،املغ رب ،الع دد،5
السنة الثانية ،سنة 1987م.
-99جعفر العالق( :شعرية الرواية) ،عالمات في النقد ،الســعودية ،اجلزء ،23اجمللد
السادس ،مارس 1997م.
-100مجال ب وطيب( :العن وان يف الرواي ة العربي ة) ،الروايــة المغربيــة(أســئلة الحداثــة)،
دار الثقافة ،الدار البيضاء ،املغرب ،الطبعة األوىل سنة 1996م.
-101مجي ل محداوي( :الس يميوطيقا والعنون ة) ،مجل ــة ع ــالم الفك ــر ،الك ويت ،اجملل د
اخلامس والعشرون،العدد الثالث1997 ،م.
-102مجي ل محداوي( :ملاذا النص املوازي؟) ،مجلـ ـ ــة الكرمـ ـ ــل ،فلس طني،الع ددان:
،88/89السنة .2006
مجيل محداوي (:صورة العنوان يف الرواية العربية) ،التجديد العربي ،جملة رقمية 103-
. http://www.arabrenewal.infoالكرتونية ،بتاريخ22/07/2006:
-104مجي ل محداوي( :مقارب ة اإله داء يف ش عر عب د ال رمحن ب وعلي) ،مجلــة نــزوى،
سلطنة عمان ،اجمللد2007 ،51م.
-105محي د حلم داين( :الس رد واحلوار) ،مجل ــة دراس ــات س ــيميائية وأدبي ــة ولس ــانية،
املغرب ،العدد ،3السنة .1988
216
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
217
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
-118عبد اهلل ترو( :تفسري وتطبيق مفهوم التناص يف اخلطاب النقدي املعاصر) ،مجلة
الفكر العربي المعاصر -لبنان -العددان 61/1989-60م.
-119حمم د خ ري البق اعي( ،أزم ة املص طلح يف النق د ال روائي الع ريب) ،مجل ــة الفك ــر
العربي المعاصر -بريوت ،السنة ،17العدد ،83سنة .1996
-120حمم د اهلادي املط وي( ،يف التع ايل النص ي واملتعالي ات النص ية) ،المجلــة العربيــة
للثقافة ،تونس ،السنة ،16العدد 32/1997م.
-121املخت ار حس ين( :من التن اص إىل اأاط راس) ،مجل ـ ــة عالم ـ ــات في النق ـ ــد -
السعودية -اجلزء ،25اجمللد 1997/ 7م.
-122حمم د س عيدي ( :حيزي ة :عاش قة من رذاذ الغاب ات قص يدة لع ز ال دين
املناصرة،مقاربة بنيوية) ،مجلة دراسات أدبية ولسانية وسيميائية ،املغرب ،العدد.7
-123ميشيل بوتور :بحوث في الرواية الجديـدة ،ترمجة فريد أنطونيوس ،منشورات
عويدات ،بريوت ،باريس ،الطبعة الثالثة سنة 1986م.
218
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
219
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
220
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
-ومن أهم كتبه :فقه النوازل ،ومفهوم احلقيقة يف الفكر اإلسالمي ،وحمطات العمل
الديدكتيكي ،وتدبري احلياة املدرسية ،وبيداغوجيا األخطاء ،وحنو تقومي تربوي جديد،
والشذرات بني النظرية والتطبيق ،والقصة القصرية جدا بني التنظري والتطبيق ،والرواية
التارخيية ،تصورات تربوية جديدة ،واإلسالم بني احلداثة وما بعد احلداثة ،وجمزءات
التكوين ،ومن سيميوطيقا الذات إىل سيميوطيقا التوتر ،والرتبية الفنية ،ومدخل إىل
األدب السعودي ،واإلحصاء الرتبوي ،ونظريات النقد األديب يف مرحلة مابعد احلداثة،
ومقومات القصة القصرية جدا عند مجال الدين اخلضريي ،وأنواع املمثل يف التيارات
املسرحية الغربية والعربية ،ويف نظرية الرواية :مقاربات جديدة ،وأنطولوجيا القصة
القصرية جدا باملغرب ،والقصيدة الكونكريتية ،ومن أجل تقنية جديدة لنقد القصة
القصرية جدا ،والسيميولوجيا بني النظرية والتطبيق ،واإلخراج املسرحي ،ومدخل إىل
السينوغرافيا املسرحية ،واملسرح األمازيغي ،ومسرح الشباب باملغرب ،واملدخل إىل
اإلخراج املسرحي ،ومسرح الطفل بني التأليف واإلخراج ،ومسرح األطفال باملغرب،
ونصوص مسرحية ،ومدخل إىل السينما املغربية ،ومناهج النقد العريب ،واجلديد يف الرتبية
والتعليم ،وببليوغرافيا أدب األطفال باملغرب ،ومدخل إىل الشعر اإلسالمي ،واملدارس
العتيقة باملغرب ،وأدب األطفال باملغرب ،والقصة القصرية جدا باملغرب،والقصة القصرية
جدا عند السعودي علي حسن البطران ،وأعالم الثقافة األمازيغية...
-عنوان الباحث :مجيل محداوي ،صندوق الربيد ،1799الناظور ،62000املغرب.
-مجيل محداوي ،صندوق الربيد ،10372الربيد املركزي ،تطوان ،93000املغرب.
-اهلاتف النقال0672354338:
-اهلاتف املنزيل0536333488:
-اإلمييلHamdaouidocteur@gmail.com:
.Jamilhamdaoui@yahoo
221
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
الغالف الخارجي:
يندرج كتابنا هذا ضمن شعرية النص املوازي .وبالتايل ،فهو يعرف القارىء مبجمل
العتبات احمليطة والفوقية اليت تساعده على حتليل النصوص األدبية بنية ،وداللة ،ومقصدية.
ومازالت الدراسات النقدية العربية املعاصرة ،إىل يومنا هذا ،تغفل العتبات املوازية للنص،
على الرغم من أمهيتها املنهجية والتطبيقية .ومن مث ،النتفق مع الذين يقولون :ليست
العتبات سوى عتمات التضيء شيئا ،وال تفيد يف شيء ،بل نقول :إن العتبات هي اليت
متهد لنا الطريق ،ومتدنا مبفاتيح حتليل اخلطاب جزئيا أو كليا .لذا ،البد من االهتمام هبا
تنظريا وتطبيقا يف أحباثنا ودراساتنا ،فكل شيء يف النص يدل ،مهما كان هامشيا أو
زائدا.
222
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
الفهرس
اإله ـ ـ ــداء 2................................................................................
املقدمـ ــة 2..................................................................................
الفصل األول5........................................................................... :
ملاذا الن ــص املـ ــوازي؟ 5.....................................................................
الفصل الثاين17.......................................................................... :
عتب ــة املؤل ــف 17...........................................................................
املبحث األول :مرحل ــة املؤل ـ ــف 18..........................................................
املبحث الثاين :مرحلة موت املؤلف 23.......................................................
املبحث الثالث :مرحلة القارئ وإزاحة املؤلف 27.............................................
املبحث الرابع :عـ ــودة املؤلف 29............................................................
الفصل الثالث32......................................................................... :
عتبـ ــة اجلنس األديب 32......................................................................
املبحث األول :تعريف اجلنس األديب 32.....................................................
املبحث الثاين :تاريخ اجلنس األديب وخصائصه 33.............................................
املبحث الثالث :كيفية دراسة اجلنس األديب وحتديده 35.......................................
املبحث الرابع :أسئلـ ـة اجلنــس األدبـ ـي 35.....................................................
املبحث اخلامس :الثورة على اجلنس األديب 37................................................
املبحث السادس :منهجيات مقاربة اجلنس األديب 38..........................................
املبحث السابع :اجلنس األديب يف الثقافة العربية 39............................................
الفصل اخلامس41........................................................................ :
السيميوطيقا والعنون ـ ــة 41...................................................................
املبحث األول :أمهي ــة العنـ ــوان 42............................................................
املبحث الثاين :العنوان من أهم عتبات النص املوازي 43.......................................
223
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
224
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
225
تابع الجديد والحصري على شبكة األلوكة www.alukah.net
226