‫املحاضرة الراب ـ ـعـ ــة‪ :‬الجهود العربية الحديثة في املصطلحية‬

‫لعل احلديث عن اجلهود العربية احلديثة يف جمال البحث املصطلحي؛ جيعلنا نؤكد على عناوين حبثية‬
‫عدة؛ إذ اجتهد بعض الباحثني يف بلورة معاملها عرب اإلشارة إىل خصوصياهتا وختصصاهتا؛ ومن ذلك‬
‫ما جاء بيانه يف كتاب (من قضااي املصطلح اللغوي العريب) ل ــ‪( :‬حممد طاهر احليادرة)؛ إذ دب ج عنواا‬
‫حبثيا فرعيا متعالقا هبذه القضية؛ والذي ومسه ب ــ"اجلهود القائمة حلل معظلة املصطلح يف العصر احلديث"‬
‫إذ بسط فيه أتصيال جلملة الدراسات املصطلحية العربية؛ فنراه مستفتحا إايه بقوله‪« :‬كانت جهود‬
‫رفاعة الطهطاوي (‪ )1081-1081‬وتالميذه يف مصر‪ ،‬ومعاصرين له يف تونس‪ ،‬تواجه هذا التحدي‬
‫اللغوي يف جماالت العلوم من خالل إعداد كتب مرتمجة ومؤلفة‪ .‬ولعبت الصحافة العربية يف مصر وبالد‬
‫الشام على وجه اخلصوص دورا كبريا يف نقل هذه املصطلحات اجلديدة ونشرها يف دوائر املتخصصني‬
‫كما كان لرجال الصحافة العربية واجملالت املتخصصة دور يف متابعة املشكلة الناجتة عن توافد‬
‫املصطلحات» (‪.)1‬‬

‫أما خبصوص الضفة املشرقية ‪-‬بالد الشام والعراق‪ ،-‬فإننا جند الباحث مثمنا جملموعة من الدراسات‬
‫اللغوية املصطلحية؛ وخاصة يف جمال التأليف املعجمي التخصصي؛ فنراه قائال يف هذا الصدد‪:‬‬
‫«وقام عدد من اللغويني يف العراق وبالد الشام ابلتأليف والرتمجة يف اجلوانب اللغوية املختلفة مع ما‬
‫صاحب ذلك من اختيار املصطلحات املناسبة‪ ،‬وألفينا إىل جانب ذلك عددا من املعاجم اللغوية‬
‫اليت ألفها بعض الباحثني أو املتخصصني‪ ،‬من مثل املعاجم اليت وضعها حممد علي اخلويل‪ ،‬ورمزي‬
‫البعلبكي‪ ،‬كما وجدا قوائم مصطلحات ترفق أبعمال مستقلة‪ ،‬حنو القائمة اليت ذيل هبا الدكتور عفيف‬
‫عبد الرمحن كتابه (اجلهود اللغوية خالل القرن الرابع عشر هجري)» (‪.)2‬‬

‫وعلى الصعيد املغاريب؛ فإننا جنده مثمنا جلهود حبثية تونسية رائدة؛ وختصيصا اسهامات (حممد رشاد‬
‫احلمزاوي) ‪-‬والذي ألف معجما أمساه بـ ــ"املصطلحات اللغوية احلديثة يف اللغة العربية"‪-‬؛ فنراه قائال‬

‫(‪ )1‬مصطفى طاهر احليادرة‪ ،‬من قضااي املصطلح اللغوي العريب‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.11‬‬
‫(‪ )2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.168‬‬
‫يف شأنه‪« :‬ويف املغرب العريب ظهر عدد من اللغويني التونسيني‪ ،‬الذين كانت هلم آاثرهم الواضحة‬
‫يف الدراسات اللغوية والتأليف املعجمي‪ ،‬فقد كتب حممد رشاد احلمزاوي عن جهود جممعي القاهرة‬
‫ودمشق وأعد معجما تسجيليا للمصطلحات اللغوية احلديثة يف اللغة العربية؛ اعتمد فيه على عدد‬
‫من املؤلفات اللغوية احلديثة‪ ،‬واملصطلحات العربية القدمية اليت استعملت استعماال حديثا للتعبري‬
‫عن مفهوم لغوي جديد» (‪.)3‬‬

‫كما عد كتاب (قاموس اللسانيات) من أهم املصنفات املنظرة ملعامل علم املصطلح وقضاايه؛ إذ حوى‬
‫مثانية مقاالت أتسيسية هلذا العلم الغريب الوافد؛ وهي‪( :‬العلوم ومصطلحاهتا‪ ،‬أعراض القضية‬
‫االصطالحية‪ ،‬اللسانيات وعلم املصطلح‪ ،‬االصطالح واحلركة الذاتية‪ ،‬مراتب التجريد االصطالحي‬
‫مصطلح العلم وعلم املصطلح‪ ،‬اجلهود العربية يف املصطلح اللساين‪ ،‬القاموس املختص ومناذجه)‪.‬‬

‫وتتمة هلذه العناوين التنظريية لقضااي علم املصطلح؛ فإنه من املفيد أن نؤكد على تضمنه معجما ثنائية‬
‫اللسان (فرنسي‪/‬عريب) يف خامتته؛ وقد حدد مؤلفه األصناف املتلقية له؛ فنراه قائال يف هذا الصدد‪:‬‬
‫«هذا القاموس قد يكون أداة عمل مالزمة لعريب يطالع مادة العلم اللساين ابللغة األجنبية وتكون له‬
‫حرية الفهم وحرية النقل‪ ،‬واغريب بصري مبضامني العلم ويسعى إىل ترمجة الكتاابت اللسانية من اللغة‬
‫األجنبية إىل اللغة العربية‪ ،‬ولعريب خمتص يسارع إىل التأليف يف مادة العلم ابللغة األجنبية فتخلص منه‬
‫النية ويعقد العزم على التأليف بلغته القومية» (‪.)4‬‬

‫وابإلضافة إىل اجلهود البحثية السابقة‪ ،‬فإنه يستوقفنا حبث آخر لـ ــ(أمحد مطلوب)‪ ،‬والذي عنونه‬
‫ب ـ ـ ـ ــ‪( :‬حبوث مصطلحية)؛ إذ أشار فيه إىل مجلة القضااي املتعالقة ابلقضية املصطلحية من مثل‪:‬‬
‫(نشأة املصطلح وتطوره‪/‬وضع املصطلح العريب يف البالغة والنقد والعروض املصطلحات العلمية‬
‫يف مفاتيح العلوم)‪ ،‬كما جنده مذكرا ابلدراسات العربية احلديثة يف جمال التأليف القاموسي املصطلحي‬

‫(‪ )3‬مصطفى طاهر احليادرة‪ ،‬من قضااي املصطلح اللغوي العريب‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.168‬‬
‫(‪ )4‬عبد السالم املسدي‪ ،‬قاموس اللسانيات‪ ،‬ص‪.16‬‬
‫ونقده؛ وذلك عرب عنوان فرعي أعقب مقدمة كتابه‪ ،‬واملوسوم بـ ـ ــ(من مصادر دراسة املصطلح)‬
‫ولعل أبرزها اآليت (‪:)5‬‬

‫‪ -1‬معجم مصطلحات النحو العريب لـ ــ(جورج مرتي عبد املسيح و هاين جورج)‪.‬‬

‫‪ -1‬املصطلح النحوي ل ــ(عوض حممد قوزي)‬

‫‪ -‬أمحد مطلوب‪:‬‬

‫‪ -3‬معجم املصطلحات البالغية وتطورها‬

‫‪ -4‬معجم النقد العريب القدمي‬

‫‪ -5‬املصطلحات األدبية احلديثة لـ ــ( حممد عناين)‬

‫‪ -6‬معجم مصطلحات العروض والقوايف ل ــ(رشيد عبيدي)‬

‫‪ -8‬معجم املصطلحات األدبية املعاصرة (سعيد علوش)‬

‫‪ -0‬املصطلحات العلمية يف اللغة العربية لـ ــ(مصطفى الشهايب)‬

‫‪ -1‬معجم املصطلحات العربية يف اللغة واألدب ل ــ(جمدي وهبة و كامل املهندس)‬

‫‪ -18‬معجم مصطلحات األدب لـ ــ(جمدي وهبة)‬

‫‪ -11‬معجم مصطلحات النقد احلديث (محادي صمود)‬

‫‪ -‬الشاهد البوشيخي‪:‬‬

‫‪ -11‬مصطلحات النقد العريب لدى الشعراء اجلاهليني واإلسالميني‬

‫(‪ )5‬أمحد مطلوب‪ ،‬حبوث مصطلحية‪ ،‬منشورات اجملمع العلمي‪ ،‬بغداد‪ ،‬العراق‪( ،‬د‪.‬ط)‪ ،1886 ،‬ص‪.6-5‬‬
 ‫‪ -13‬مصطلحات نقدية وبالغية يف كتاب (البيان والتبيني)‬

‫‪ -14‬املصطلح النقدي يف نقد الشعر لـ ــ(إدريس الناقوري)‬

‫‪ -15‬مقدمة يف علم املصطلح لـ ــ(علي القامسي)‬

‫‪ -16‬املصطلح يف األدب الغريب لـ ــ(اصر احلاين)‬

‫كما ميكن التنويه إىل الثراء املصطلحي املوسوعي يف املعاجم االصطالحية املعاصرة؛ وذلك من قبيل‬
‫املنجز العلمي الذي أقدم على أتليفه (فايز الداية)‪ ،‬واملوسوم ب ـ ــ(معجم املصطلحات العلمية العربية‬
‫للكندي والفارايب واخلوارزمي وابن سينا والغزايل)؛ إذ أكد يف الفاحتة النصية للمقدمة الفائدة املثمرة‬
‫لتقليب املصطلحات العلمية الرتاثية‪ ،‬وبسطها داخل املعرتك املعريف املعاصر‪ ،‬وذلك لعظم قيمتها‪ ،‬وغزارة‬
‫مادهتا؛ وهو األمر الذي يستقرأ من قوله‪« :‬يتصل احلديث عن وظيفة "معجم املصطلحات العلمية‬
‫العربية" ابحلوار الدائر حول العلوم العربية القدمية‪ ،‬والفائدة اليت نتوخاها من إعادة نشرها وحتقيقها‬
‫يف مراكز البحوث والرتاث‪ ،‬فهنالك من يرى أن السعي العلمي املعاصر هو الوحيد صاحب اجلدارة‬
‫يف اهتمامنا‪ ،‬وأن مدارسة كتب العلوم (طبا‪ ،‬وصيدلة‪ ،‬وهندسة‪ ،‬وفلكا‪ ،‬وحسااب‪ ،‬وميكانيكا‪)...‬‬
‫إمنا تدرج يف حيز التاريخ‪ .‬وهذا ابب ليس ابلواسع يف رفده حلياتنا اليومية والعملية والعلمية‪ ،‬وهناك فريق‬
‫آخر يعتقد جبدوى دراسة البحوث العلمية القدمية‪ ،‬وذلك ألّنا حتفل مبا يفيد اإلنسان العصر» (‪.)6‬‬

‫وتتمة هلذه العناوين املهمة يف جمال املصطلحية؛ ‪-‬واليت زاوجت بني البحث النظري وتطبيقاته‬
‫القاموسية‪ ،-‬فإنه ميكن التأكيد على قيمة اجملالت العلمية يف جمال البحث املصطلحي؛ واليت سامهت‬
‫هي األخرى يف إغناء املكتبة العربية بدراسات علمية شىت‪ ،‬واليت أحاطت مبدارات املصطلح‬
‫(النظري‪/‬القاموسي)‪ ،‬وذلك من قبيل‪( :‬اللسان العريب‪/‬دراسات مصطلحية‪/‬الفكر العريب املعاصر‪)...‬‬

‫(‪ )6‬فايز الداية‪ ،‬معجم املصطلحات العلمية العربية للكندي والفارايب واخلوارزمي وابن سينا والغزايل‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪ ،‬سوراي‪ ،‬ط‪ ،1118 ،1‬ص‪.5‬‬
‫ويضاف إىل ذلك منجزات امللتقيات والندوات العلمية املخصصة ملوضوع املصطلحية وقضاايها املنبثقة‬
‫عنها؛ واليت تظل فضاء خصبا لتبادل األطاريح الفكرية واملعرفية و العلمية‪.‬‬

‫ويف ختام هذه اإلطاللة املقتضبة على بعض اجلهود العربية يف جمال املصطلحية؛ واليت سعينا عربها‬
‫إىل التنويه جلملة الدراسات اليت استوقفها هاجس املصطلح؛ ‪-‬ابعتباره مفتاح الولوج إىل هبو املعارف‬
‫والعلوم العديدة املتباينة‪ -‬فإننا نؤكد على قيمة املنجزات العلمية العربية؛ سواء أكانت كتاابت نظرية‬
‫أتصيلية للقضية املصطلحية‪ ،‬أو معاجم قاموسية خمصصة للمصطلح التقين العلمي؛ فهي مؤشر إجيايب‬
‫على وجود فكر عريب متميز يضاهي نظريه اآلخر الغريب يف جمال التقصي املصطلحي‪ ،‬واقتحام جماهيله‬
‫املعرفية الوعرة؛ ألن املعرفة ليست جمانية‪ ،‬فلها ضريبتها احملمومة على الفكر النري الكشاف‪.‬‬