Professional Documents
Culture Documents
1
هك ذا يظه ر أن النص ل ه دالالت كث رية يف اللغ ة العربي ة ،كالغاي ة واملنتهى ،والتحري ك.
والتع يني والتوقي ف .إال أن ه ذه املع اين املختلف ة م ا هي إال جمازات ،ف املعىن األص لي ه و الرفع
الظهور.
وأما النص يف االصطالح ففيه احتالفات كثرية حسب اجملال املعريف الذي تتم فيه الدراسة -:
oففي اصطالح األصوليني :فهو "ما اَل حيتَمل إِاَّل معىن و ِ
اح ًدا أَو ما اَل ْحيتَمل التَّأْ ِويل". َ َ ْ
oأما عند أهل احلديث فقد جاء مبعىن اإلسناد ،والتعيني ،والتحديد ،فيقولون نص عليه يف
كذا.
وجنده عند الفقهاء أنه مبعىن الدليل الشرعي كالقرآن ،والسنة ،ومنه قوهلم" :ال اجتهاد مع o
النص.
إن ال ذي يهمن ا ههن ا ه و النص يف اص طالح النق اد .ويف ه ذا الص دد فنج د أن ه جمموع ة من
املسامهات العربية لعدد من الباحثني ،ومنهم -:
oطه عبد الرمحن يعرف النص بأنه "بناء يرتكب من عدد من اجلمل السليمة مرتبطة فيما
بينها بعدد من العالقات .وقد تربط هذه العالقات بني مجلتني أو بني أكثر من مجلتني"
oويعرف سعيد يقطني النص بأنه ":بنية داللية تنتجها ذات (فردية أو مجاعية) ،ضمن بنية
نصية منتجة ،ويف إطار بنيات ثقافية واجتماعية حمددة"
وقريب ا من ه ذا جند حمم د ع زام يق ول عن النص األديب إن ه "وح دات لغوي ة ،ذات وظيف ة o
تواصلية
داللية ،حتكمها مبادئ أدبية ،وتنتجها ذات فردية أو مجاعية".
وخالصة القول فإن النص :إذن بنية لسانية ذات داللة ،وذات بعد تواصلي ،حتقق األدبية من
خالل جمموعة من املبادئ ،كاالنسجام واالتساق وتنتجه ذوات متعددة سواء قبل الكتابة أو
أثناءها أو بعده.
2
أهمية تعلم النصوص العربية
تتمثل أمهية األدب بالنسبة للطالب من الناحية اللغوية يف أنه يعمل على:
تنمية قدرة الطالب على استخدام اللغة العربية استخداماً صحيحاً يف حياته العملية. o
ٍ
ومعان وأفكار جديدة. تنمية الثروة اللغوية للطالب وإمدادهم بألفاظ وأساليب وتراكيب o
تدريب الطالب على استنتاج األحكام األدبية من النصوص بطريقة ذاتية تلقائية. o
معايشة الثقافة العربية ،مما يدفع الطالب إىل البحث عن املزيد من يف أمهات كتب األدب، o
نم ي لديه حب القراءة وزيادة االنتماء للغة العربية وللعروبة،ومعرفة مكانة األدب
وهذا يُ ِّ
العريب بني آداب الشعوب.
تعويد الطالب على حسن اإللقاء وإخراج احلروف من خمارجها الصحيحة ،وتنويع نربات o
الصوت ما بني الصعود واهلبوط ،ومتثل احلركة النفسية للمبدع يف الشعر والنثر.
تنمية بعض مهارات الكتابة اإلبداعية لدى الطالب،وتنمية قدرهتم على التخيل،حيث يفيد o
الطالب من خيال املبدعني وأفكارهم وحياولون حماكاهتا.
إذكاء احلاسة النقدية لدى الطالب ،مما جيعله أكثر إملاما ًبقواعد اللغة وحرصاً على o
سالمتها نطقاً وكتابة فيما يقرأ أو يسمع من كتابة.
األمهي ة التذوقي ة :وهي تتم الناحي ة اللغوي ة ،وتتمث ل أمهي ة األدب بالنس بة للطالب من الناحي ة
التذوقية يف أنه يسهم يف :
حب اجلمال وتقديره ،والتمتع به ألن األدب أحد مواد تذوق اجلمال،كما
تنمية امليل إىل ِّ o
أنه معرض فين تشبع صوره امليول الفنية وتذكي حاسة تقدير اجلمال يف النفوس.
تنمية احلاسة الفنية (التذوقية والنقدية) لدى الطالب اليت متكنه من جتعله يقبل على دراسة o
وتذوق األدب.
4
الشرح والدراسة والتحليل
من إعج از الق رآن والس نة ه و يف الطب الوق ائي أي أن هن اك أض رار امليت ة وحلم اخلنزير
اكتشفها العلم مؤخرا ،اإلعجاز العلمي يف حترمي حلوم هذه احليوانات حيدثنا عنه األستاذ الدكتور
عبد اجلواد الصاوي -الباحث هبيئة اإلعجاز العلمي – فيقول -:
أوال :بالنسبة لتحرمي امليتة تنتقل الكائنات الدقيقة لإلنسان عن طريق أكل حلوم احليوانات اخلازنة
واملصابة هبا ،لذلك حرم اإلسالم التعامل معها ،ومساها اخلبائث يف قوله تعاىل :وحيل هلم الطيبات
وحيرم عليهم اخلب ائث[ األع راف ،]157 :وتعت رب حلوم امليت ة وال دماء املس فوحة هي أول اخلب ائث
اليت حرمها اهلل لقوله تعاىل ( :حرمت عليكم امليتة والدم) [املائدة ]3 :ولقد حتقق ضررها علميا
وظهر خطرها على حياة اإلنسان ،وذلك ألن احتباس دم امليتة يف عروقها املتشعبة ضمن أنسجتها
ييس ر للج راثيم ال يت تعيش متطفلة على احليوان يف الفتحات الطبيعية واألمعاء واجللد ،وأن تنتشر
بسرعة وسط اللحم من خالل السائل الزالىل يف األوعية والعروق ،كما قد يكون موت احليوان
يسبب مرضا معينا فينقل جرثومة املرض إىل اإلنسان ،كما يف مرض السل.
ويص ف اهلل س بحانه حلم اخلنزير بأن ه رجس ،وال رجس ه و الش يء الق ذر ،ف اخلنزير ينق ل إىل
اإلنسان كثريا من الكائنات الدقيقة اخلطرة ،حيث يصاب اخلنزير بعدد كبري من األمراض الوبائية
التق ل عن 450مرض ا ،ويق وم ب دور الوس يط لنق ل أك ثر من 75مرض ا وبائي ا لإلنس ان ،غ ري
األم راض العادي ة األخ ري ال يت يس ببها أك ل حلم ه مث ل :تلي ف الكب د وعس ر اهلض م ،وتص لب
الشرايني ،وتساقط الشعر ،والعقم ،وضعف الذاكرة عالوة على أن آكله يصاب بالتبلد الشعوري،
وع دم الغ رية على حمارم ه .وينتق ل أك ثر من 16مرض ا من اخلنزير إىل اإلنس ان عن طري ق تن اول
حلمه ومنتجاته ،أهم هذه األم راض :احلويصالت اخلنزيري ة ،واحلمى املتموجة ،والدودة الكبدية،
والسل ،وداء الريقات الشريطية ،وغريها من األمراض.
تعترب القراءات القرآنية ذات املعاين املتعددة من أهم مظاهر اإلعجاز البياين يف القرآن الكرمي؛
فهي تكتنز عدداً من املشاهد اليت تكون الصورة العامة للقصة أو للخرب املسوق للرتبية والوعظ
والتشريع يف الوقت ذاته،كما قال اهلل سبحانه وتعاىل يف سورة البقرة اآلية ،10كما ورد يف قوله
تعاىل (يك ِ
ْذبُون) أن هلا قراءتان -: َ
قرأ الكوفيون ﴿ :مِب ا َكانُوا يك ِ
ْذبُو َن﴾ خمففة مفتوحة الياء من َك َذب ،ومصدره الكذب. َ َ ( )1
الذ ِال ،فهي وقرأ أهل املدينة واحلجاز والبصرة والشام﴿ :ي َك ِّذبو َن﴾ بِض ِّم الْي ِاء وتَ ْش ِد ِ
يد َّ َ َ َ ُ ُ ( )2
مأخوذة من َّ
كذب الثالثي املضعف ،ومصدره هو التكذيب.
ىن هي ال يت مع ر عش ة أربع من ان oوأم ا الثاني ة ف إن التض عيف يف﴿ يك ِ
ْذبو َن﴾ حيتم ل مع ٍ
ً ُ َ
فعل ،ومن املع اين ال يت حيتمله ا التك ذيب هن ا :ال رمي ب ه ،والتعدي ة ،والتكث ري،
ج اءت هلا َّ
والتسمية.:
األول :الرمي ،فيكون معناها :أهنم يك ّذبون أي يرميهم غريُهم بالكذب ،ويسميهم
شجعته وجبَّنته ،أي رميته
به أي الكاذبني ،فتوافق معىن قراءة التخفيف ،كما يقالَّ :
بالشجاعة واجلنب ،ومسيته به.
7
واملع ىن الث اين التعدي ة :أي يتهم ون املرس لني بالك ذب أو مبا ك انُوا يُ َك ِّذبون الرس َ
ول
والقرآ َن ،وهذا حمض الكفر،
واملع ىن الراب ع :التسمية به فقد صاروا يس مون بني الناس بالكاذبني ويعرفون بذلك،
وكلمة كانوا يف قوله﴿ مِب ا َك انُوا يك ِ
ْذبُو َن﴾ مقحمة إلفادة دوام كذهبم وجتدده أي: َ َ
بسبب كذهبم املتجدد املستمر الذي هو قوهلم آمنا.
املش هد األول :اس تحقاق ه ؤالء املن افقني للع ذاب األليم بس بب ك ذهبم يف أنفس هم:
ْذبُو َن﴾ ،ومن كذهبم أهنم يكذبون بدعواهم اإلميان وإظهارهم وتدل عليه قراءة﴿ يك ِ
َ
َّاس َم ْن ﴿و ِم َن الن ِ ال َ : داعا للَّه ع َّز وج َّل ولرس وله َوللمؤم ننيَ ،ف َق َ ذل ك بألس نتهم خ ً
َّ ِ ِ مِب ِ ِ ِ ِ ِ
ين َآمنُ وا﴾ ،وذل ك ني خُيَ ادعُو َن اللَّهَ َوالذ َ ول َآمنَّا بِاللَّه َوبِ الَْي ْوم اآلخ ِر َو َم ا ُه ْم ُ ْؤمن َ َي ُق ُ
ول اللَّ ِه ِ
َّك لََر ُس ُ كما يف َق ْول اللَّ ِه َتبَ َار َك َوَت َع اىَل ﴿ :إِ َذا َج اءَ َك الْ ُمنَ اف ُقو َن قَ الُوا نَ ْش َه ُد إِن َ
َّك لَرس ولُهُ واللَّهُ ي ْش ه ُد إِ َّن الْمنَ افِ ِق َ ِ خَّت
ص دُّوا ني لَ َك اذبُو َن*ا َ ُذوا أَمْيَا َن ُه ْم ُجنَّةً فَ َ ُ َواللَّهُ َي ْعلَ ُم إِن َ َ ُ َ َ َ
َع ْن َس بِ ِيل اللَّ ِه إِن َُّه ْم َس اءَ َم ا َك انُوا َي ْع َملُ و َن﴾ املن افقون﴿،2- 1:اخَّتَ ُذوا أَمْيَ انَ ُه ْم ُجنَّةً
ِ
ني﴾ اجملادلة ،16:وكما قال تعاىل﴿فَ َم ْن أَظْلَ ُم اب ُم ِه ٌ
ص دُّوا َع ْن َس بِ ِيل اللَّه َفلَ ُه ْم َع َذ ٌ فَ َ
ص ِدفُو َن َعن آياتِنَ ا س وء الْع َذ ِ َّ ِ ِ ِ مِم
اب ْ َ ُ َ َ ين يَ ْف َعْن َه ا َس نَ ْج ِزي الذ َ ص َد َ ب بِآيَات اللَّه َو َ َّْن َك َّذ َ
ص ِدفُو َن﴾ األنعام .157: َا َكانُوا يَ ْ
مِب
9
دمر املكذبون بآيات
تبارك وتعاىل -عليهم بأن املالئكة ال تنزل إال باحلق ،وأن من هذا احلق أن يُ َّ
اهلل ورسله بعد أن جاءهتم نذر رهبم.
10
وهو متاماً تفسري لآلية الكرمية ،أما قوله تعاىل ﴿ولو فتحنا عليهم باب اً﴾ و الباب ال يفتح يف فراغ
أب دا ،والق رآن يؤك د أن الس ماء بن اء أي أن الس ماء بن اء مؤل ف من لبن ات أي ال ف راغ فيه ا
يق ول علم اء الفل ك :إن ه حلظ ة االنفج ار العظيم امتأل الك ون باملادة و الطاق ة ،فخلقت املادة و
الطاقة كما خلق املكان و الزمان ،أي ال يوجد زمان بغري مكان و مكان بغري زمان و ال يوجد
زمان و مكان بغري مادة وطاقة ،فالطاقة متأل هذا الكون﴿ .يعرجون﴾ أي السري بشكل متعرج ،و
قد جاء العلم ليؤكد أنه ال ميكن احلركة يف الكون يف خط مستقيم أبداً ،وإمنا يف خط متعرج .
11
يرتكز سبب نزول سورة احلاقة حول اآلية الكرمية" :وتَعِيه ا أُذُ ٌن و ِ
اعيَ ةٌ"[ ،]٤وقد ورد يف سبب َ َ ََ
نزوهلا م ا ورد يف ح ديث عب د اهلل بن الزب ري ،ق ال :مسعت ص احل بن هيثم يق ول:
مسعت بري دة يق ول :ق ال رس ول اهلل -ص لّى اهلل علي ه وس لّم -لعلي" :إن اهلل أم رين أن أدني ك وال
أقصيك ،وأن أعلمك وتعي ،وحق على اهلل أن تعي" ،فنزلت" :وتعيها أذن واعية".
اح َدةٌ﴾ تَأْكِي ٌد. الن ْفخةُ الثَّانِيةُ﴿ و ِ الن ْفخةُ األُوىَل وقِ وق﴿ نَ ْفخةٌ﴾ و ِ الْب ِ
يلَ َ َ َّ : َ َ َ َّ يَ ه َ َ ُ
ف أَ ِو ِ ض َواجْلِبَ ُ ِِ ت﴾ أَي رفِع ِ ﴿ومُحِ لَ ِ
يح الْ َعاص ُ َي مَحَلَْت َه ا ال ِّر ُ ال﴾ أ ْ ت م ْن أ ََماكن َه ا﴿ األ َْر ُ َُْْ ()14
ِِ
ال ا ِإل َم ُام َزيْ ُن الْ َعاب د َ
ين اس ٍة َوالَ ُمبَ َ
اش َر ٍة َك َم ا قَ َ الْ َمالَئِ َك ةُ أَ ِو اللَّهُ َع َّز َو َج َّل بِ ُق ْد َرتِ ِه ِم ْن َغرْيِ مُمَ َّ
ِ ِ ِ
س"﴿.فَ ُد َّكتَا س َوالَ جُتَ ُّ س َوالَ حُتَ ُّك الَ مُتَ ُّ "س ْب َحانَ َ بن احْلُ َس نْي ِ ب ِن َعل ٍّي َرض َي اللَّهُ َعْن ُه ْمُ : َعل ُّي ُ
ض ا ُم ْس تَ ِويَةً
ص ريُ أ َْر ًط َفتَ ِ تَ ،وقِي َلُ :تْب َس ُ ض َحىَّت َت َفتَّتَ ْ ض َها بَِب ْع ٍ ب َب ْع ُ ض ِر ََي ُ
ِ
َد َّكةً َواح َد ًة﴾ أ ْ
َكاألَدمِيِ الْمم ُد ِ
ود. َْ
ت الْ ِقيَ َامةَُ ،والْ َواقِ َعةُ ِه َي الْ ِقيَ َامةُ.ت الْواقِعةُ﴾ أَي قَام ِ
ْ َ
ِ
﴿ َفَي ْو َمئذ َو َق َع َ َ
ٍِ ()15
ت َش ِد َ و ِاهيةٌ﴾ أَي ِ ِ ِ
يد ًة. ضعي َفةٌ لتَ َشقُّق َها َب ْع َد أَ ْن َكانَ ْ ْ َ َ َ
ب وأَطْر ِ ِِ ِ ِ
اف َ َي َعلَى َج َوان َ ﴿علَى أ َْر َجآئ َه ا﴾ أ ْ ك﴾َ ي ْعيِن الْ َمالَئ َك ةََ ﴿والْ َملَ ُ َ ()17
اب َوَت ْق ِر ُير األ َْع َم ِال َعلَْي ِه ْم لِْل ُم َج َاز ِاة﴿ الَ خَت ْ َفى ِمْن ُك ْم َخافِيَ ةٌ﴾َ ف ُه َو َع امِلٌ بِ ُك ِّل ِ
بَ ْل َم ْعنَاهُ احْل َس ُ
ف﴿ :الَ خَي ْ َفى﴾ بِالْيَ ِاء. ِ
َشىء ِم ْن أ َْع َمال ُك ْمَ ،و َقَرأَ مَح َْزةُ َوالْ ِك َسائِ ُّي َو َخلَ ٌ
ٍ
﴿م ْن أُويِت َ﴾ أ ْ ص ل هِبَ ا َم ا َوقَ َع يِف َي ْوِم الْ َع ْر ِ ﴿فَأ ََّما﴾" أ ََّما" ح ر ُ ِ
َي ضَ ف َت ْفص ٍيل فَ َّ َ َ ْ ()19
ني َدلِي ٌل َعلَى أ ُْع ِطي﴿ كِتَٰـبهُ﴾ أَي كِتَ اب أ َْعمالِ ِه﴿ بِي ِمينِ ِه﴾ وإِ ْعطَ اء الْ ِكتَ ِ
اب بِ الْيَ ِم ِ
ُ َ َ َ َ ْ َ َ
َي ُخ ُذواَ ،وقِي َل آؤ ُم﴾ أ ْ ﴿ه ُ ِ
اعت ه ل َم ا ُس َّر بِ هَ
ول﴾ الْم ؤ ِمن ِخطَاب ا جِل م ِ ِ ِ
َّج اةَ ﴿ فَي ُق ُ ُ ْ ُ ً َ َ َ
الن ِ
َ
ني بِِإ ْعطَ ِاء ِ ِ ِ
الس ُرو ِر َو َعل َم أَنَّهُ م َن النَّاج َ ْرءُوا كِتَابِيَ ْه﴾َ والْ َم ْعىَن أَنَّهُ لَ َّما َبلَ َغ الْغَايَةَ يِف ُّ َت َع الَ ْوا﴿ اق َ
ك لِغَرْيِ ِه َحىَّت َي ْفَر ُحوا لَهُ. ِ
ب أَ ْن يُظْ ِهَر َذل َ َح َّ ِ ِِ ِ ِ ِ ِ
كتَابه بيَمينه أ َ
﴿إِيِّن ظَنْنت﴾ أ ِ
ت، َي أ َْي َقْن ُ
ت﴾ أ ْ ال أَبُ و َحيَّان﴿" :إِيِّن ظََنْن ُ ت يِف ال ُّد ْنيَا ،قَ َ ت َوأ َْي َقْن ُ
َي َعل ْم ُ َ ُ ْ ()20
ني ،ألَنَّهُ لَ ْو أُبِْق َي َعلَى ولَ و َك ا َن ظَنً ا فِي ِه جَتْ ِو ٌيز لَ َك ا َن ُكفْرا" ا.هـ ،فُ ِّس ر الظَّ ُّن ُهنَ ا مِب َْعىَن الْيَ ِق ِ
َ ً َ ْ
ك ه ل حُي اس ب يِف ِ
اآلخ َر ِة أ َْم الَ، ِ َي مِب َْعىَن َّ أ ِِ
َي َش َّ َ ْ َ َ ُ ك َوالتََّر ُّدد لَ َك ا َن الْ َم ْعىَن أَنَّهُ ظَ َّن أ ْ الش ِّ َص له أ ْْ
ك فِي ِه َم ا ب اإلمِي َ ا ُن هِبَ اَ ،و َّ
الش ُّ ِ ِ ِ ِ ِ َّ ِ اال ْعتِ َق ِ ِ ِ ِ ِ
اد ب الَْب ْعث َواحْل َس اب م ْن مُجْلَ ة الْ َع َقائ د الدِّينيَّة اليِت جَي ُ َو ِ ُ
ث واحْلِس ِ ك والظَّ ِّن ب ل الَ ب َّد لِْلم ْؤ ِم ِن أَ ْن يَتيق حِب ِ ِ ص ُل بِ َّ مِي
اب، َّن َ ِّقيَّة الَْب ْع َ َ ََ َ َْ ُ ُ الش ِّ َ ْرَ ،واإل َا ُن الَ حَيْ ُ ُكف ٌ
ِ ِ
ت َي ثَابِ ٌ َن اللَّهَ َت َعاىَل َيْب َعثُيِن َو﴿أَيِّن ُملَـٰ ٍق﴾ أ ْ ت يِف ُّ
الد ْنيَا أ َّ ت َوَتَي َّقْن ُ َفيَ ُكو ُن َم ْعىَن اآليَة :إِيِّن َعل ْم ُ
ث. اآلخَر ِة َومَلْ أُنْ ِك ِر الَْب ْع َ
﴿حسابِيه﴾ يِف ِ ٍ ِ
ك أَيِّن الَقْ َ َ يِل َثبَاتًا الَ َيْن َف ُّ
اض يَ ٍة﴾َ ي ْعيِن﴿ر ِ شَّ َي يِف َحالَ ٍة ِم َن الْ َعْي ِ ﴿ َفه و﴾ أَ ِي الَّ ِذي أ ُْع ِطي كِتَاب ه بِي ِمينِ ِه﴿ يِف ِع َ ٍ
يش ة﴾ أ ْ َ َُ َ َُ ()21
اب َوأ َِم َن ِم َن احبها ،وقِي ل ِعيش ةٌ مر ِض يَّةٌ ،وذَلِ ِ ِ َذات ِرض ا أَي ر ِض ي هِب ا ِ
ك بأَنَّهُ لَق َي الث ََّو َ َ َ ص ُ َ َ َ َ َْ َ ً َْ َ َ َ
ص ُّحوا فَالَ ال« :إِ َّن لَ ُكم أَ ْن تَ ِ
ْ
ول اللَّ ِه ص لَّى اللَّه علَ ِ
يْه َو َس لَّ َم قَ َ َُ َ َن َر ُس َ .ر َوى ُم ْس لِ ٌم أ َّ ِ ِ
الْع َق اب َ
تَ ْس َق ُموا أَبَ ًداَ ،وإِ َّن لَ ُك ْم أَ ْن حَتَْي ْوا فَالَ مَتُوتُ وا أَبَ ًداَ ،وإِ َّن لَ ُك ْم أَ ْن تَ ِش بُّوا فَالَ َت ْهَر ُم وا أَبَ ًداَ ،وإِ َّن
َسوا أَبَ ًدا». لَ ُك ْم أَ ْن َتْن َع ُموا فَالَ َتْبأ ُ
ف َواألَبْنِيَة الش ر ِ الس ب ِع ،وعالِي ةٌ يِف الد ِ ﴿يِف جن ٍَّة عالِي ٍة﴾ م َكانً ا فَ ِهي َف و َق َّ ِ
َّر َج ة َو َّ َ َ الس َم َوات َّ ْ َ َ َ َ ْ َ ََ َ ()22
ِ يْه وس لَّم قَ َ ِ يِف ِ ِ ول اللَّ ِه َ َّ َّ ِ.ر َوى الْبُ َخ ا ِر ُّ
ال« :إ َّن اجْلَنَّة لَ َش َجَر ًة يَس ريُ ص لى اللهُ َعلَ َ َ َ َن َر ُس َ ي أ َّ َ
ض ا« :إِ َّن لِْل ُم ْؤ ِم ِن يِف ِ
ص لَّى اللَّهُ َعلَيْه َو َس لَّ َم أَيْ ً
ال َب يِف ِظلِّ َه ا ِمائَ ةَ َع ٍام الَ َي ْقطَعُ َه ا»َ .وقَ َ َّ ِ
الراك ُ
اح َد ٍة جُم َّوفَ ٍة طُوهُل ا ِس تُّو َن ِميالً»[ رواه مس لِم] .وقَ َال ص لَّى اللَّه علَي ِ
ْه اجْل ن َِّة خَل يم ةً ِمن لُْؤلُؤ ٍة و ِ
َُ َ ََ ُ ُ ْ ٌ َ َ َ َ َْ َ ْ َ َ
13
اه ِدين يِف َس بِ ِيل اللَّ ِه َم ا َبنْي َ الدَّر َجَتنْي ِ ِ ِ ٍ ِِ
ض ا« :إِ َّن يِف اجْلَنَّة مائَةَ َد َر َج ة أ ََع د َ
َ َّها اللَّهُ ل ْل ُم َج َ َو َسلَّ َم أَيْ ً
ط اجْلَن َِّة َوأ َْعلَى س فَِإنَّهُ أ َْو َس ُ و د ر ض ،فَ ِإذَا س أَلْتم اللَّه فَاس أَلُوه الْ ِ
ف ِ َر أل او الس م ِ
اء
َ ْ َ ْ ُ ْ َ ُ ُ َ ْ َ َك َم ا َبنْي َ َّ َ
ي]. [ر َواهُ الْبُ َخا ِر ُّ ِ
اجْلَنَّة»َ
اع ًدا أ َْو ﴿قُطُوفُها﴾ أَي م ا ي ْقطَ ف ِمن مِث َا ِر اجْل ن َِّة﴿ دانِي ةٌ﴾ أَي قَ ِريب ةٌ لِمن يَتنَاوهُل ا قَائِم ا أَو قَ ِ
ْ َ َْ َ َ َ ً ْ َ ََ َْ ُ ُ ْ ()23
يص الَ َتتَ أَ َذ ْو َن مِب َا ِ ِ ِِ يفِ ِ ِ
َي الَ تَكْد َير فيه َوالَ َتْنغ َ ﴿هنيئً ا﴾ أ ْ ت بِ َدا ِر تَكْل ٍ َ َعلَْي ِه ْم فَِإ َّن اآلخ َر َة لَْي َس ْ
ِ ِ ِ مِب
اجو َن تَأْ ُكلُو َن َوالَ َا تَ ْش َربُو َن يِف اجْلَنَّة أَ ْكالً طَيِّبً ا لَذي ًذا َش ِهيًّا َم َع الُْبعْد َع ْن ُك ِّل أَ ًذى َوالَ حَتْتَ ُ
ص َداع﴿ مِب َ آ ٍ ٍِ ِمن أَك ِ ِ
اك َوالَ خُمَ ا َط َوالَ َو َهن َوالَ ُ اق ُهنَ َ ص َ ك إِىَل َغائ ط َوالَ َب ْولَ ،والَ بُ َ ْل َذل َ ْ
َي يِف أَيَّ ِام ُّ ِ ِِ آلخرتِ ُكم ِمن األ َْعم ِال َّ حِل ِ ِ أَسلَ ْفتُم﴾ أ مِب
الد ْنيَا الص ا َة﴿ يِف األَيَّام اخْلَاليَ ة﴾ أ ْ َي َا قَد َّْمتُ ْم َ ْ َ َ ْ ْ ْ
اسَتَر ْحتُ ْم ِم ْن َت َعبِ َها.ت َو ْ ضْ ت فَ َم َ الَّيِت َخلَ ْ
وء َعاقِبَتِ ِه ول﴾ لِما يرى ِمن س ِ ِِ ِ ِ ِِ ِ ِ ِ
اب أ َْع َماله﴿ بش َماله َفَي ُق ُ َ ََ ْ ُ َي أ ُْعط َي كتَ َ ﴿وأ ََّما َم ْن أُويِت َ كتَـٰبَهُ﴾ أ ْ َ ()25
14
ابَ ﴿ ك انَ ِ ث لِْل ِحس ِ ُّه ا يِف ال ُّد ْنيَا ،فَِإنَّهُ مَتَىَّن أَنَّهُ مَلْ يُْب َع ْ ِ
ت َ ﴿يَٰـلَْيتَها﴾ أَ ِي الْ َم ْوتَ ةَ الَّيِت مت َ ()27
ِ ِ ِ ِ
ت َومَلْ بَ ،ف َق ْد مَتَىَّن الْ َم ْو َ ث َومَلْ أ َُع َّذ ْ ْد َها َفلَ ْم أ ُْب َع ْ الْ َقاض يَةَ﴾ أَ ِي الْ َقاط َع ةَ ل ْل َحيَ اة َومَلْ أ ْ
َح َي َبع َ
َش نَ َع َوأ ََم َّر مِم َّا ذَاقَ هُ ِم َن لْك احْلَالَ ةَ أ ْيْه يِف ال ُّد ْنيَا ألَنَّهُ َرأَى تِ َ نْده أَكْره ِمنْه إِلَ ِ
يَ ُك ْن َش ْىءٌ ع َ ُ َ َ ُ
ِ
ْد َها"َ .ر َوى ُم ْس لِ ٌم يِف َح َي َبع َ ِ
ي" :الْ َقاض يَة" الْ َم ْوتَ ةُ األُوىَل الَّيِت ُمتُّه ا ،مَلْ أ ْ ال الْبُ َخ ا ِر ُّالْ َم ْو ِت.قَ َ
ك ر ِض ي اللَّه عنْه ع ِن النَّيِب ص لَّى اللَّه علَي ِ ِ يح ِه َع ْن أَنَ ِ
ص ِح ِ
ول«ي ُق ُ الَ : ْه َو َس لَّ َم أَنَّهُ قَ َ َُ ِّ َ س ب ِن َمال ٍ َ َ ُ َ ُ َ َ
ت ُم ْفتَ ِديًا هِبَا؟ ِ
الد ْنيَا َو َم ا ف َيه ا أَ ُكْن َك ُّ ت لَ َ ْل النَّا ِر َع َذابًا :لَ ْو َك انَ ْ ْو ِن أَه ِ َِ
اللهُ َتبَ َار َك َوَت َع اىَل ِألَه َ
َّ
ص ْل ِ نْك أَه ِ ول :قَ ْد أَر ْد ِ
ب ءَ َاد َم أَ ْن الَ تُ ْش ِر َك، ت يِف ُ ْو َن م ْن َه َذا َوأَنْ َ تم َ َ َ ُ ولَ :ن َع ْمَ ،فَي ُق ُ َفَي ُق ُ
ت إِالَّ الش ِّْر َك». فَأ ََبْي َ
اب اللَّ ِه الد ْنيا ِمن َع َذ ِ ِ ِ ِ
﴿م آ أَ ْغىَن َعيِّن َماليَ ْه﴾َ ي ْعيِن أَنَّهُ مَلْ يَ ْدفَ ْع َعنْهُ َمالُ هُ الَّذي َك ا َن مَيْل ُك هُ يِف ُّ َ ْ َ ()28
استِ ْف َه ًاما َوبَّ َخ بِِه نَ ْف َسهُ َو َقَّر َر َها َعلَْي ِه ،قَالَهُ أَبُو َحيَّان. وز أَ ْن يَ ُكو َن ْ َشْيئًاَ ،وجَيُ ُ
ت ُح َّجيِت الَّيِت ٍ ِ
ت َعيِّن ُك ُّل َبِّينَ ة َفلَ ْم ُت ْغ ِن َعيِّن َش ْيئًا َوبَطَلَ ْ ض لَّ ْ ك َعيِّن ُس ْلطَٰـنيَ ْه﴾َ ي ْعيِن َ ﴿هلَ َ َ ()29
يلَ :ز َال َعيِّن ُم ْل ِكي َو ُق َّويِت . ِ َحتَ ُّج هِبَا يِف ُّ
الد ْنيَاَ ،وق َ تأْ ُكْن ُ
يْه إِىَل عُنُِق ِه ُم َقيَّ ًدا ول اللَّه َتع اىَل خِل زنَ ِة جهنَّم خ ُذوه وامْج ع وا ي َد ِ
ََ َ َ َ ُ ُ َ َ ُ َ َي َي ُق ُ ُ َ ﴿خ ُذوهُ َفغُلُّوهُ﴾ أ ْ ُ ()30
يم ةٌ ِج دًّا ﴿ مُثَّ يِف ِس ْل ِسلَ ٍة﴾ و ِهي ِحلَ ق مْنتَ ِظم ةٌ ُك ُّل ح ْل َق ٍة ِمْنه ا يِف ح ْل َق ٍة ،وه ِذ ِه ِّ ِ ِ
الس ْلس لَةُ َعظ َ َ ََ َ َ َ َ ٌُ َ ()32
15
ال الت ِّْر ِم ِذ ُّ
ي: ني َخ ِري ًفا اللَّْي َل َوالن َ
َّه َار َقْب َل أَ ْن َتْبلُ َغ أ ْ
َصلَ َها أ َْو َق ْعَر َها»[ .قَ َ ِ
ت أ َْربَع َ
ِّ ِ ِ
الس ْلسلَة لَ َس َار ْ
إِ ْسنَ ُ
ادهُ َح َس ٌن].
َي الَ ِ ِ ِ ِ
ال ﴿ :إن هُ َك ا َن الَ يُ ْؤم ُن باللَّه الْ َعظي ِم﴾ أ ْ اب الْ َك افِ ِر َف َق َ مُثَّ ذَ َك ر اللَّهُ َتع اىَل س بب َع َذ ِ
َ ََ َ َ ()33
َص نَ ِام ،فَ َم ْن َت َر َك ِ مِي ِ ِ ِ ِ ِ ِ يؤ ِمن والَ يص د ُ ِ ِ
ِّق بِاللَّه الَّذي أ ََم َر عبَ َادهُ بِاإل َان بِه َوَت ْرك عبَ َادة األ َْوثَان َواأل ْ ُْ ُ َ ُ َ
ِ ِ ِ ِِ ِ ِ
اس تَ َح َّقأ َْعظَ َم ُح ُق وق اللَّه َت َع اىَل َعلَى عبَ اده َو ُه َو َت ْوحي ُدهُ َت َع اىَل َوأَ ْن الَ يُ ْش َر َك بِ ه َش ْىءٌ ْ
ب َن ا ِإل ْش ر َاك بِاللَّ ِه ُه و أَ ْكَب ر َذنْ ٍ َّ أل ة ي الَّ ِذي الَ يْن َق ِط ع يِف ِ
اآلخ ر ِ َّ الس رم ِ
د َّ ي
َّ الْع َذاب األَب ِ
د
َ ُ َ َ ُ َ َ ْ َ َ َ
الذنْب الَّ ِذي الَ ي ْغ ِف ره اللَّه لِمن م ات علَي ِْه وي ْغ ِف ر م ا دو َن َذلِ ِ ْد َو ُه و َّ ِ
ك ل َم ْن يَ َش اءُ َ َ ُُ ُ َ ْ َ َ َ ََ ُ َ ُ ُ َي ْقرَت فُهُ الْ َعب ُ َ
ِ ِ ِ مِي
ك ال اللَّهُ َت َع اىَل يِف الْ ُق ْرءَ ِان الْ َك ر ِ ﴿ :إِ َّن اللَّهَ الَ َي ْغف ُر أَ ْن يُ ْش َر َك بِ ِه َو َي ْغف ُر َم ا ُدو َن َذل َ َك َم ا قَ َ
ِ ِ لِمن ي َش اء﴾[ س ور َة النِّس ِاء] ،و﴿الْع ِظي ِم﴾ أَي ع ِظي ِم َّ ِ
َج َس ِام فَاللَّهُالش أْن ُمَن َّزهٌ َع ْن ص َفات األ ْ ْ َ َْ َ ُ ُ َ َ َ َ
َت َعاىَل أ َْعظَ ُم قَ ْد ًرا ِم ْن ُك ِّل َع ِظي ٍم.
ض ث َوالَ حُيَ ِّر ُ الش ِق ُّي الَّ ِذي أُويِت َ كِتَابَ هُ بِ ِش َمالِِه َك ا َن يِف ال ُّد ْنيَا الَ حَيُ ُّ َي َه َذا َّ ض﴾ أ ْ ﴿والَ حَيُ ُّ َ ()34
ني﴾َ ويِف َه ِذ ِه اآليَ ِة َدلِي ٌل َعلَى َت ْع ِظي ِم َي إِطْ َع ِام﴿ الْ ِمس ِك ِ
ْ
ِ
﴿علَى طَ َع ام﴾ أ ْ َن ْف َس هُ َوالَ َغْيَر َه اَ
الش ِر َيع ِة
وع َّ َّار خُمَاطَبُو َن بُِف ُر ِ ت اآليَةُ َعلَى أ َّ ني .قاَ َل الْعلَماء :دلَّ ِ ان الْمساكِ ِ اجْل رِم يِف ِحرم ِ
َن الْ ُكف َ َُُ َ َ َ َْ ُْ
اح ِ االنْتِه ِاء ع ِن الْ َف و ِ ِ ِ ِ الص الَِة و َّ ِ
الز َك اة َوحَنْ ِو َذل َ ِ
ش ك َو َع َدم َ َ َ َعلَى َم ْعىَن أَن َُّه ْم يُ َع ا َقبُو َن َعلَى َت ْرك َّ َ
ص ُّح ِم ْن َن الْعِب اد َة الَ تَ ِ ِ ات الَ علَى مع أَنَّهم يطَالَبو َن بِأَد ِاء الْعِب اد ِ والْمْن َكر ِ
ال ُك ْف ِره ْم أل َّ َ َ ات َح َ َ َ ْ ىَن ُ ْ ُ ُ َ َ َ َ ُ َ
َكافِ ٍر.
اب اللَّ ِه ِ ِ ِ
يب يَ ْدفَ ُع َعنْهُ َع َذ َ َي قَ ِر ٌ يم﴾ أ ْ ﴿هٰـ ُهنَا مَح ٌ
س لَ هُ َي ْو َم الْقيَ َام ةَ َي لَْي َ س لَ هُ الَْي ْو َم﴾ أ ْ ﴿ َفلَْي َ ()35
ط مِب ٍاء ِمن اجْل ر ِح وحَنْ ِو ِه ،وقِ ِ ِ ِ ِمن الدَِّم و َّ ِ ِ
ني َش َجٌر يَأْ ُكلُهُ أَه ُ
ْل يل الْغ ْس ل ُ َ َ َّم الْ ُم ْختَل ُ َ َ ُْ َ الصديد َو ُه َو الد ُ َ َ
النَّا ِر.
اطئُو َن﴾ أَ ِي الْ َكافُِرو َن. ﴿الَ يأْ ُكلُه إِالَّ اخْلَ ِ
َ ُ ()37
19
الرؤيا الصادقة ،وكانت مبدأَ وحيه صلى اهلل عليه وسلم ،وكان ال يرى رؤيا إال جاءت إحداها ُّ :
مثل فلق الصبح.
ك يف ُر ْوع ه وقلب ه من غ ري أن ي راه ،كم ا ق ال الن يب ص لى اهلل علي ه الثاني ة :م ا ك ان يُلقي ه امللَ ُ
ِ ِ
س َحىَّت تَ ْس تكْم َل ِر ْز َق َه ا ،فَ َّات ُقوا اهللَ وت َن ْف ٌث يف ُروعي أَنّ ه لَ ْن مَتُ َ وح ال ُق ُد ِس َن َف َ وس لم" :إ َّن ُر َ
نْد ِ اهلل ،فَ ِإ َّن َم ا ِع َص ي ِة ِ مِب ِ ِ ب ،والَ حَي ِملَنّ ُكم ِ ِ
اهلل الَ اس تْبطَاءُ ال ِّر ْزق َعلَى أَن تَطْلُبُ وهُ َْع َ َوأَمْج لُ وا يف الطَّلَ ِ َ ْ ُ ْ
اعتِ ِه".
ال إِالَّ بِطَ َ
يُنَ ُ
ك رجالً ،فيُخاطبه حىت يَعِ َي عنه ما يقول له، َّل له امللَ ُ
ُ ص لَّى اللَّهُ َعلَي ِْه َو َس لَّ َم كان يتمثَ الثالثة :أَنّه
َ
ويف هذه املرتبة كان يراه الصحابة أحياناً.
امللك حىت إن جبينه س به ُ الرابعة :أَنّه كان يأتيه يف مثل ص ْل ِ
ص لَة اجلرس ،وكان أَشدَّه عليه َفيََتلَبَّ ُ َ َ َّ
ْر ُك به إىل األرض إذا كان راكبها ولقد ليتفصد عرق اً يف اليوم الشديد الربد وحىت إن راحلته لتَب ُ
الوحي مر ًة كذلك ،وفخذه على فخذ زيد بن ثابت ،فثقلت عليه حىت كادت ترضُّها. ُ جاءه
وحيَ ه ،وهذا وقع ك يف صورته اليت خلق عليها ،فيوحي إليه ما شاء اهلل أن ي ِ اخلامسة :أنه َيَرى امللَ َ
ُ َ
له مرتني.
السماوات ليلَة املعراج ِمن فرض الصالة وغريها. ِ السادسة :ما أوحاه اهلل وهو فوق
ك ،كما كلّم اهللُ موسى بن ِعمران ،وهذه املرتبة هي السابعة :كالم اهلل له منه إليه بال واسطة ملَ ٍ
َ
ص لَّى اللَّهُ َعلَي ِْه َو َس لَّ َم هو يف حديث ا ِإلسراء[ ".زاد ثابتة ملوسى قطع اً بنص القرآن ،وثبوهتا لنبينا َ
املعاد ]80-78 /1
فإن قيل ملاذا كان البدء بالوحي بالرؤيا الصادقة مناماً ،ملا مل يأته من أول األمر؟
ف اجلواب :ق ال الن ووي رمحه اهلل ":ق ال القاض ي رمحه اهلل وغ ريه من العلم اء :إمنا ابت دئ ص لى اهلل
عليه وسلم بالرؤيا لئال يفجأه امللك ،ويأتيه صريح النبوة بغتة ،فال حيتملها قوى البشرية ،فبدئ
بأول خصال النبوة وتباشري الكرامة من صدق الرؤيا ،وما جاء يف احلديث اآلخر من رؤية الضوء
ومساع الص وت وس الم احلج ر والش جر علي ه ب النبوة" [ش رح مس لم ( )374 /2وبنح وه ذك ر
القرطيب يف املفهم( )1/374
الفائدة الثانية :يف احلديث اخللوة وأمهيتها للعبد ليتفرغ للعبادة ،وهذا ماكان يفعله صلى اهلل عليه
وس لم قب ل ن زول ال وحي وبع د مبعث ه ح ىت ص ار من اخلل وة عب ادات مش روعة يومي ة كقي ام اللي ل
20
وسنوية كاالعتكاف يف رمضان ،وما ذاك إال ألمهيتها وأثرها على قلب العبد كوهنا رابط اً وثيق اً
بني العبد وربه جل وعال ،وختتلف أمهيته اخللوة والعزلة باختالف الزمان واملكان واحلال ،واحلاجة
هلا يف وقت الفتنة أشد ،قال اخلطايب رمحه اهلل ":والعزلة عند الفتنة أنبياء وعصمة األولياء وسرية
احلكماء األلباء ،واألولياء فال أعلم ملن عاهبا عذراً" [العزلة للخطايب ص .8
ك الَّ ِذي َخلَ َق ﴾ وبه الفائدة الثالثة :احلديث دليل على أن أول ما نزل من القرآن ﴿ اق َْرأْ بِ ْ
اس ِم َربِّ َ
قال مجهور العلماء.
ْد " فيه استخدام املعلم الفائدة الرابعة :قوله صلى اهلل عليه وسلم " َفغَطَّيِن الثَّالِثَةَ َحىَّت َبلَ َغ ِميِّن اجْلَه َ
حني تعليمه ما يكون أدعى يف تنبيه املتعلم وإحضار قلبه ،وفعل جربيل عليه السالم لذلك هبذه
الصورة وثالث مرات للمبالغة وإشارة إىل ما سيحصل للنيب صلى اهلل عليه وسلم الحقاً من الشدة
عند نزول القرآن ،كما قال ابن عباس رضي اهلل عنهما ":كان النيب صلى اهلل عليه وسلم يعاجل من
ْك َق ْواًل ثَِقياًل ( ﴾ املزمل: ِ
التنزيل شدة" متفق عليه وهو ما يشري إليه قوله تعاىل ﴿ :إِنَّا َس ُن ْلقي َعلَي َ
.5قال القرطيب رمحه اهلل ":وهذا الغط من جربيل عليه السالم للنيب صلى اهلل عليه وسلم تفريغ له
وإيقاظ حىت يقبل على ما يُلقى إليه ،وتكراره ثالثة مبالغة يف هذا املعىن ،وقال اخلطايب رمحه اهلل:
ك ان ذل ك ليبل و ص ربه ،وحيس ن أدب ه ،فريت اض لتحم ل م ا كلّف ه من أعب اء الرس الة" [املفهم (
)1/376
الفائدة اخلامسة :احلديث فيه ِعظَم اآليات اليت هي أول ما نزل من القرآن ،حيث اشتملت على
مقاص د الق رآن وهي التوحي د واألحك ام واألخب ار .ق ال ابن حج ر رمحه اهلل ":واحلكم ة يف ه ذه
األولية أن هذه اآليات اخلمس اشتملت على مقاصد القرآن ففيها براعة االستهالل ،وهي جديرة
أن تسمى عنوان القرآن؛ ألن عنوان الكتاب جيمع مقاصده بعبارة وجيزة يف أوله ...وبيان كوهنا
اشتملت على مقاصد القرآن أهنا تنحصر يف علوم التوحيد واألحكام واألخبار ،وقد اشتملت على
األمر بالقراءة والبداءة فيها باسم اهلل ،ويف هذه إشارة إىل األحكام ،وفيها ما يتعلق بتوحيد الرب
وإثبات ذاته وصفاته ،وصفة فعل ،ويف هذا إشارة إىل أصول الدين ،وفيها ما يتعلق باألخبار من
نسا َن َما مَلْ َي ْعلَ ْم( ﴾ العلق[ ")5:الفتح)719-8/718 : َّ ِ
قوله تعاىلَ ﴿ :عل َم اإْل َ
21
الفائدة السادسة :احلديث فيه فضل خدجية رضي اهلل عنها ،وحسن وقوف الزوجة مع زوجها
لم ب ه وتثبيت ه وتأنيس ه من املخ اوف ال يت وقعت ل ه ،وذكائه ا حيث اس تدلت حبس ن ص نيعهفيم ا يُ ُّ
بش رت مثردت املخ اوف بقوهلا (كال) مث ّ
وخلق ه على أن اهلل تع اىل لن خييّب ه ،أخذت ه فزملت ه ف ّ ُ
أقسمت على ما نفته مث استدلت حبسن صنيعه وكرمي خصاله ،وبعدما انتهت من التثبيت القويل
شرعت بالتثبيت الفعلي فذهب به البن عمها ورقة ليسمع منه وليكتمل حسن قيامها على ما أملّ
بزوجها رضي اهلل عنها وأرضاها ،وال عجب فقد شهد هلا النيب صلى اهلل عليه وسلم بالكمال من
النساء .قال النووي رمحه اهلل ":وفيه تأنيس من حصلت له خمافة من أمره وتبشريه ،وذكر أسباب
السالمة له ،وفيه أعظم دليل ،وأبلغ حجة على كمال خدجية رضي اهلل عنها ،وجزالة رأيها ،وقوة
نفسها ،وثبات قلبها ،وعظم فقهها " شرح مسلم ()377 /2
الفائدة السابعة :احلديث دليل على ما كان عليه النيب صلى اهلل عليه وسلم من كرمي األخالق من
قبل النبوة.
الفائدة الثامنة :فيه دليل على أن مكارم األخالق وخصال اخلري سبب للسالمة من مصارع السوء
وألوان املكاره ،وفيه فضل أعمال اخلري املتعدية النفع فإن أغلب ما ذكرته خدجية رضي اهلل عنها
واستدلت به من ذلك ،ويف صحيح مسلم من حديث أيب هريرة رضي اهلل عنه مرفوع اً ":واهلل يف
عون العبد ما كان العبد يف عون أخيه".
الفائ دة التاس عة :احلديث دلي ل على ج واز م دح اإلنس ان يف وجه ه ملص لحة كم ا فعلت خدجية
رضي اهلل عنها مع النيب صلى اهلل عليه وسلم وهذا مع املصلحة وأمن الفتنة وهلذا شواهد وتفصيل
سيأيت يف مظانه يف " كتاب الزهد والرقائق" " باب النهي عن املدح إذا كان فيه إفراط".
الفائدة العاشرة :احلديث فيه أن من نزل به أمر يتضمن خوفاً أو اضطراباً أو حيتاج إىل استشارة أن
يطلع عليه من يثق بنصحه وصحة رأيه وتوجيهه ومن ذلك الزوجة إن كانت كذلك.
الفائدة احلادية عشرة :احلديث دليل على فضل العلم وذلك ملا اشتملت عليه اآليات اليت نزل هبا
جربيل عليه السالم من األمر بالقراءة وأمهية العلم.ق ال ابن القيم رمحه اهلل ":أول سورة أنزهلا اهلل
22
تعاىل يف كتابه سورة القلم ،فذكر فيها ما َم َّن به على اإلنسان من تعليمه مامل يعلم ،فذكر فيها
فضله بتعليمه وتفضيله اإلنسان مبا علمه إياه ،وذلك يدل على شرف التعليم والعلم" [مفتاح دار
السعادة )1/58
الفائ دة الثاني ة عش رة :يف احلديث فض ل ورق ة بن نوف ل وحس ن جواب ه مبا عن ده من العلم ،وإميان ه
مبحمد صلى اهلل عليه وسلم قبل إدراكه رسالته ،ومتنيه إدراكه رسالته لينصره نصراً مؤزراً .قال
ش يخنا ابن ع ثيمني رمحه اهلل ":ق ال بعض العلم اء فورق ة بن نوف ل أول من آمن ب ه ص لى اهلل علي ه
وس لم من الرج ال ،وه ذا ص حيح ،لكن ه أول من آمن ب ه من الرج ال قب ل الرس الة؛ ألن الرس ول
صلى اهلل عليه وسلم وقت نزول سورة (إقرأ) مل يكن رسوالً ،ولكنه كان نبي اً ،فأما من آمن به
بعد الرسالة فهو أبو بكر رضي اهلل عنه "شرح البخاري ( .)1/33وقال رمحه اهلل ":إال أنه يعترب
صحابياً ،ألن حد الصحبة ينطلق عليه ،فإن الصحايب :من اجتمع بالرسول صلى اهلل عليه وسلم
مؤمناً به ومات على ذلك "التعليق على مسلم ()529 /1
الفائدة الثالثة عشر :يف ذهاب خدجية رضي اهلل عنها بالنيب صلى اهلل عليه وسلم إىل ورقة وسؤاله
بيان أمهية الرجوع إىل أهل العلم والذكر واالختصاص وسؤاهلم.
الفائدة الرابعة عشر :يف قول ورقة رضي اهلل عنه (يَا لَْيتَيِن فِ َيها َج َذعا) جواز متين املستحيل يف فعل
اخلري ،ألن ورقة متىن أن يعود ش اباً وه و مس تحيل ع ادة .ق ال ابن حج ر رمحه اهلل ":ويظهر يل أن
التم ين ليس مقص وداً على باب ه ب ل املراد من ه ذا التنبي ه على ص حة م ا أخ ربه ب ه ،والتنوي ه بق وة
تصديقه فيما جييء به" الفتح( .)1/26
الفائ دة اخلامس ة عش ر :احلديث دلي ل على أن االبتالء على ال دعوة واإلخ راج من األوط ان س نة
األنبياء.
الفائدة السادسة عشر :يف قول ورقة بن نوفل رضي اهلل عنه للنيب صلى اهلل عليه وسلم حني سأله"
ط مِب ا ِجْئ ِِ ِ ِ ِ أ ََو خُمْ ِر ِج َّي ُه ْم؟ " قَ َ
ي" أمران: ال َو َرقَةُ :نَ َع ْم ،مَلْ يَأْت َر ُج ٌل قَ ُّ َ َ
ت به إالَّ عُود َ
األول :أن سنة اهلل واحدة يف عداء أهل الباطل ألهل احلق على مر الزمان.
23
الثاين :أن اجمليب على السؤال عليه أن يقيم الدليل على ما جييب به إذا اقتضى املقام ذلك (.الفتح
)1/26
الفائدة السابعة عشر :حديث جابر رضي اهلل عنه وجوابه حني سأله أبو سلمة رضي اهلل عنه:
ال :يَ ا أَيُّ َه ا الْ ُم دَّثِّ ُر "اس تدل ب ه من ق ال إن أول م ا ن زل من الق رآن
بْل؟ قَ َ ِ ِ
َي الْ ُق ْرآن أُنْز َل َق ُ
"أ ُّ
ك ْرأْ بِ ْ
اس ِم َربِّ َ ِّ
" ﴿ يَ ا أَيُّ َه ا الْ ُم دَّث ُر .﴾ ومجه ور العلم اء على أن أول م ا ن زل من الق رآن ﴿ اق َ
الَّ ِذي َخلَ َق ﴾ استدالالً حبديث عائشة رضي اهلل عنها وهو الصواب .ويدل على ذلك:
أن ح ديث عائش ة رض ي اهلل عنه ا ص ريح أن الن يب ص لى اهلل علي ه وس لم مل يق رأ قب ل
(إقرأ) شيء من القرآن حيث قال له" ما أَنَا بَِقا ِر ٍ
ىء". َ
أن عائشة رضي اهلل عنها نقلت قول النيب صلى اهلل عليه وسلم وتصرحيه يف أول نزول
جلربي ل علي ه الس الم علي ه ب (إق رأ) بينم ا ج ابر رض ي اهلل عن ه أج اب من علم ه،
وجواب النيب صلى اهلل عليه وسلم مقدم على جواب غريه.
أن األمر بالقراءة يف الرتتيب قبل األمر باإلنذار.
الفائدة الثامنة عشر :حديث جابر رضي اهلل عنه فيه بيان ما اشتملت عليه سورة املدثر من
أمهي ة ال دعوة واإلن ذار وتعظيم اهلل ج ل وعال يف النفس ونف وس اخلل ق وتطه ري النفس من
النجاس ات وس ائر ال ذنوب والنق ائص ،وجمانب ة الش رك .ق ال الن ووي رمحه اهلل ﴿ " :يَ ا أَيُّ َه ا
ك فَ َكِّب ْر ﴾ أي عظمه ونزهه عما ال يليق الْ ُمدَّثُِّر ﴾ معناها حذر العذاب من مل يؤمنَ ﴿ ،و َربَّ َ
ك فَطَ ِّه ْر ﴾ قيل :معناها طهرها من النجاسة ،وقيل :قصرها ،وقيل :املراد بالثياب بهَ ﴿ ،وثِيَابَ َ
ْز ﴾ بكس ر ال راء يف ق راءة األك ثرين الرج َ
النفس أي طهره ا من ال ذنب وس ائر النق ائصَ ﴿ ،و ُّ
وق رأ حفص بض مها ،وفس ره يف الكت اب باألوثان ،وك ذا قال ه مجاعة من املفس رين والرجز يف
اللغة :العذاب ،وقيل املراد بالرجز يف اآلية الشرك ،وقيل الذنب وقيل الظلم" [شرح مسلم (
)2/383
.
الفائدة التاسعة عشر :اختلف يف املدة اليت فرت فيها الوحي عن النيب صلى اهلل عليه وسلم وانقطع
عنه وحزن النيب صلى اهلل عليه وسلم لذلك ،فقيل :ثالث سنني ،وقيل :سنتني ونصف ،وقيل ستة
أشهر وقيل أربعني يوماً وقيل غري ذلك.
24
تَ :دثِّ ُرويِن .فَ َدثَُّرويِن ، ِ
ت َخدجيَ ةَ َف ُق ْل ُالفائ دة العش رون :ق ول الن يب ص لى اهلل علي ه وس لم ":فَ أََتْي ُ
صب على ال َفزِع املاء ليسكن فزعه". صبُّوا َعلَ َّي َماءً" قال النووي رمحه اهلل ":فيه أنه ينبغي أن يُ َّ
فَ َ
مقتطفات من معلقة امروء القيس يصف الليل واخليل والصيد :
علي بأنواع اهلموم ليبتلي *** وليل كموج البحر أرخى سدوله
وأردف أعجازأ ونأ بكلكل *** فقلت له ملا متطى بصلبه
اإلصباح منك ِ
بأمثل ُ بصبح وما الطويل أال اجنلي ***
ُ أال أيها الليل
ت بيَ ْذبُِل
*** بكل ُمغار ال َف ِتل ُش ّد ْ جنومه
فيا لك من ليل كأن َ
جند ِل
ص ّم َ *** بأمراس ّكتّان إىل ً كأن الثريّا علّقت يف َمصامها
مع اىن الكلم ات :الس دول :الس تور ،الواح د منه ا س دل ،اإلرخ اء .إرس ال الس دل وغ ريه ،
االبتالء :االختبار ،اهلموم :مجع اهلم ،مبعىن احلزن ومبعىن اهلمة .الباء يف قوله :بأنواع اهلموم ،
مبعىن مع.
الشرح :ورب ليل حياكي أمواج البحر يف توحشه ونكارة أمره وقد أرخى علي ستور ظالمه مع
أنواع األحزان ،أو مع فنون اهلم ،ليختربين أأصرب على ضروب الشدائد وفنون النوائب أم أجزع
منها .اجلمال :شبه الشاعر ظالم الليل يف هوله وصعوبته ونكارة أمره بامواج البحر.
وأردف أعجازأ ونأ بكلكل *** فقلت له لما تمطى بصلبه ()2
معاىن الكلمات :متطى أي متدد و مد الظهر ،اإلرداف :اإلتباع واالتباع وهو مبعىن األول هاهنا،
األعجاز :املآخري ،الكلكل :الصدر ،واجلمع كالكل
25
الش رح :فقلت للي ل ملا م د ص لبه يع ين ملا أف رط طول ه ،وأردف أعج ازا يع ين ازدادت م آخريه
امتدادا وتطاوال ،وناء بكلكل يعين أبعد صدره ،أي بعد العهد بأوله ،وتلخيص املعىن :قلت
لليل ملا افرط طوله وناءت أوائله وازدادت أواخره تطاوال ،وطول الليل ينبئ عن مقاساة األحزان
والشدائد والسهر املتولد منها ،ألن املغموم يستطيل ليله ،واملسرور يستقصر ليله .اجلمال :استعار
اللي ل ص لبا واس تعار لطول ه لف ظ التمطي ليالئم الص لب ،واس تعار ألوائل ه لف ظ الكلك ل وملآخريه
األعجاز.
اإلصباح منك ِ
بأمثل ُ بصبح وما الطويل أال انجلي ***
ُ أال أيها الليل ()3
مع اىن الكلم ات :االجنالء :االنكش اف ،يق ال :جلوت ه ف اجنلى أي كش فته فانكش ف ،األمث ل :
األفضل ،واملثلى الفضلى ،األماثل األفاضل.
الش رح :1قلت ل ه أال أهنا اللي ل الطوي ل انكش ف وتنح بص بح ،أي ل يزل ظالم ك بض ياء من
الصبح ،مث قال :وليس الصبح بأفضل منك عندي ألين أقاسي اهلموم هنارا كما اعانيها ليال،
أو ألن هناري أظلم يف عيين -ألزدحام اهلموم علي حىت حاكى الليل.
الش رح :2يتم ىن الش اعر أن ي زول اللي ل ويس فر الص بح ،وه و على يقني أن الص باح لن يطل ع
عليه حبال أفضل .فصيغة األمر فيه للتمين ،فهو إذ يتمىن زوال ظالم الليل بضياء الصبح يؤكد
أن ليس الصباح بأفضل عنده ،الستوائهما يف مقاساة اهلموم ،أو ألن هناره يظلم يف عينه لتوارد
ص ا مما يعرض
اهلموم .فليس الغرض طلب االجنالء من الليل ألنه ال يقدر عليه ،لكنه يتمناه ختلّ ً
له فيه ،والستطالة تلك الليلة كأنه ال يرتقب اجنالءها وال يتوقعه.
ص ّم جن َد ِل
*** بأمراس ّكتّان إلى ً كأن الثريّا علّقت في َمصامها ()5
مع اىن الكلم ات :الثري ا :س تة جنوم ظ اهرة ،وبينه ا ك واكب خفي ة كث رية الع دد ،ومص امها هي
مواض ع وقوفه ا يف الس ماء ،األم راس مجع م رس :وه و احلب ل ،األص م :الص لب ،وتأنيث ه الص ماء،
اجلندل :الصخرة العظيمة ،واجلمع جنادل.
الشرح :فيا عجبا لك من ليل كأن جنومه شدت حببال من الكتان إىل صخور صالب ،وذلك أنه
استطال الليل فيقول إن جنومه ال تزول من أماكنها وال تغرب فكأهنا مشدودة حببال إىل صخور
صلبة ،وإمنا استطال الشاعر الليل ملعاناته اهلموم ومقاساته االحزان فيه وقوله :بأمراس كتان ،
يعين ربطت ،يصف طول الليل بقوله كأن النجوم مشدودة حببال إىل حجارة فليست متضي ،هناك
من الرواة من جعل هذا البيت اخلامس يف ترتيبه بعد أن وصف الشاعر الفرس ،وبذلك اكتفى
فس ر البيت اخلامس أن حتجيل الفرس يف
هؤالء بأربعة األبيات األوىل يف وصف الليل ،وعلى هذا يُ َّ
صم جندل ،إذ شبه حوافره باحلجارة.
بياضه شبيه بنجوم عُلّقت يف مقام الفرس حببال َكتان إىل ّ
والروايه هنا "مصامه".
المختارة من الشعر في عصر صدر اإلسالم .5
شعر حسان بن ثابت ميدح الرسول صلى اهلل عليه وسلم وأصحابه.
27
حسان بن ثابت األنصاري هو شاعر الرسول وهو شاعر عريب وصحايب من األنصار ،من أهل
املدين ة وحتدي دا من قبيل ة اخلزرج ،ك ان حمب ا للش عر ونظم ه ،وق د ك ان من أهم ش عراء مل وك آل
غسان يف الشام وذلك قبل دخوله اإلسالم ،وعندما أسلم أصبح شاعر الرسول وقد قدم الكثري من
القصائد يف مدح الرسول عليه أفضل الصالة والسالم ،كما قدم قصائد يف مدح الصحابة رضوان
اهلل عليهم ،ومدح اإلسالم واملسلمني ،واستطاع حسان بن ثابت أن يصنع لنفسه مكانة عظيمة
جدا منذ وقت دخوله إىل اإلسالم وحىت وفاته ،كما كرمه الكثري من اخللفاء الراشدين مما جعلهم
يغ دقون علي ه اهلدايا كما ك ان الن يب علي ه الصالة والس الم يث ين على ش عره وك ان ي دعو ل ه بقول ه
اللهم أيده بروح القدس ،وقد تزوج حسان بن ثابت من سريين وهي أخت ماريا القبطية زوجة
الرس ول علي ه الص الة والس الم وأجنبت من ه ول ده عب د ال رمحن ،فاس تطاع حس ان بن ث ابت أن
يكون رصيدا كب ريا من القص ائد خاص ة خالل ف رتة إس المه فق د م دح كم ا ذكرن ا الرس ول علي ه
الصالة والسالم واملسلمني واإلسالم وقد برع يف املديح لذلك نقدم أفضل قصائد املديح حلسان
بن ثابت
الشرح والدراسة والتحليل لقصيدة محمد المبعوث
حممد املبعوث للناس رمحة *** يشيد ما أوهى الضالل ويصلح
ألن سبحت صم اجلبال جميبة *** لداوود أو الن احلديد املصفح
فإن الصخور الصم النت بكفه *** وإن احلصى يف كفه ليسبح
وإن كان موسى أنبع املاء بالعصا *** فمن كفه قد أصبح املاء يطفح
وإن كانت الريح الرخاء مطيعة *** سليمان ال تألو تروح وتسرح
فإن الصبا كانت لنصر نبينا *** ورعب على شهر به اخلصم يكلح
وإن أويت امللك العظيم وسخرت *** له اجلن تسعى يف رضاه وتكدح
فإن مفاتيح الكنوز بأسرها *** أتته فرد الزاهد املرتجح
وإن كان إبراهيم أعطي خلة *** وموسى بتكليم على الطور مينح
فهذا حبيب بل خليل مكلم *** وخصص بالرؤيا وباحلق أشرح
وخصص باحلوض الرواء وباللوا *** ويشفع للعاصني والنار تلفح
28
وباملقعد األعلى املقرب ناله *** عطاء لعينيه أقر وأفرح
وبالرتبة العليا الوسيلة دوهنا *** مراتب أرباب املواهب تلمح
وهلو إىل اجلنان أول داخل *** له باهبا قبل اخلالئق يفتح
30
كان الفرذق معروف اً بفخره وتأيت الكلمات أكثر سالسة يف شعره عندما يفتخر بنسبه ،ويفاخر
الشاعر جرير:َ خياطب
ُ بنسبه معاصريه من الشعراء ،ومن أشهر قصائده يف هذا السياق عندما
األفض ُل خايل حبيش ذو ِ
الف ِ يا ابن امل ِ
عال َ َُ ٌ ك ؟ إنّين
راغة أين خالُ َ
َ
ِ
وإليه كان حباءُ َجفنة يُن َق ُل فوس ُهم
ب املُلوك نُ َ صَخايل الذي َغ َ
31
الس َملَّ ِق ِ ِ ِ
َودام ُغ َشيطان الغَشوم َ
ِعماد مَت ي ٍم ُكلِّها ولِساهُن ا و ِ
ناط ُقها الب ّذاخ يف ُك ِّل م ِ
نط ِق َ َ ُ َ َ ُ
كان الفرزدق مغروراً معتزاً بنفسه ومجاله ومتكنه من اللغة ،وكان صرحياً وجريئاً ،واشتهر
بفصاحته وكرمه ،ويقال إنه مل يكن حيب أن جيلس لتناول الطعام وحيداً ،وقيل إنه كان متمسكاً
بأخالق عشريته يف اجلود والكرم ،وأنه مرة باع مجاالً له يف سوق املريد ونثر أمواهلا على الناس.
إن شاعراً هبذه اخلصال جمتمعة من الظلم أن حنصره يف باب شعر اهلجاء وحده ،بل جيب أن ننظر
إليه من منظار العصر الذي عاش فيه ،وأنه كان ابن بيئته بالفعل ،وأن سلوكه االجتماعي وشعره
يف اجململ مها مفتاح شخصيته ودوره يف إثراء الشعر العريب ،صحيح أنه هجا اجلميع ،حىت عمته
وأخته ،لكن اهلجاء مل يالزمه طوال حياته ،وتذكر املصادر أنه تاب عنه يف أواخر أيامه ،وهجا
إبليس الذي كان حيرضه على اهلجاء قائالً :أطعتك يا إبليس سبعني حجة فلما انتهى شييب ومت
متامي فررت إىل ريب وأيقنت أنين ٍ
مالق أليام املنون محامي ويروى أنه يف آخر أيامه تعلق بأستار
الكعبة وقيد نفسه بقيد وقرر أن ال يفكه حىت حيفظ القرآن كله ،فما فكه حىت حفظ القرآن،
وعاهد اهلل أن ال يهجو أحداً ،والتزم بذلك حىت وفاته.
شعر ارير يرد على الفزردق
معاين الشعر وأفكاره
الشرح والدراسة والتحليل
32
عمورية
فسخر منها الرومي ،ووصل ذلك إىل املعتصم فأقسم أن ينصرها ،وغزا بالد الروم وفتح ّ
وأسر الرومي وأحضر املرأة لرتاه ويراها ،وكان املنجمون نصحوا املعتصم باالنتظار حىت ينضج
عمورية قبل ذلك ،لكنه مل يستمع لنصيحتهم ،وغزاها وانتصر،
التني والعنب ألنه لن يستطيع فتح ّ
فأنشد أبو متام حبيب بن أوس الطائي ( :)846H-788يف ذلك بائيته هذه .
يلج أب و متام إىل موض وعه مبقدم ة من وحي املناس بة يق ارن فيه ا بني العلم الناش ئ عن
التخمني والنظ ر يف النج وم وبني العلم الناش ئ عن الفع ل واإلجناز على أرض الواق ع ،فم ا يقول ه
لكن ما يفعله السيف واألرماح الالمعة
املنجمون ليس علماً ألنه ليس مدعوماً بفعل واضح األثرّ ،
باد على األرض ،فسيف املعتصم ك ّذب خرافات املنجمني ،وترك جلودهو العلم بعينه ألن أثره ٍ
اجلد واللَّ ِ
عب بني ِّ ب *** يف ح ّد ِه ُّ
احلد َ َص َد ُق إِ ْنبَاء ِمن ال ُكتُ ِ
ً َ فأ ْ
السْي ُ
َّ
احللب ِ
معسولة ِ منك املىن ُح َّفالً
ت *** َ يَا َي ْو َم َو ْق َع ِة َع ُّموريَّة انْ
صَرفَ ْ
َ
ُ
جلودهم قبل نُضج التني والعنب
ْ سبعون ألفا كآساد الشرى نضجت ***
ِ
واخلشب الصخ ِر
ذليل َّ ِ
املؤمنني هبا *** للنَّار يوماً َ
َ أمري
تركت َ
َ لقد
ِ
شحب حى ضوء من النَّا ِر والظَّلماء عاكفةٌ *** وظُلمة ِمن ٍ
ض ًدخان يف ُ ُ ٌ َ
من ذا وملْ ِ ِ ِ
جتب َّمس واجبةٌ ْ س طَال َعةٌ م ْن َذا وق ْد أََفلَ ْ
ت *** والش ُ َّم ُ
فالش ْ
مرتقب يف اهلل ُم ِ
رتغب ٍ ص ٍم بِاللَّ ِه مْنتَ ِق ِم *** ِ
هلل تَ ْدبري معتَ ِ
ُ ُ ُْ
ِ
حمتجب روح
عن ِ ومطع ِم النَّص ِر مَل تَك ِ
جبت ْ
ْه ْم أَسنَّتُهُ *** يوماً والَ ُح ْ
ْ َ ُ َ
الرعُ ِ ٍ
ب مَلْ َي ْغ ُز َق ْوماً ،ومَلْ َيْن َه ْد إىَل َبلَد *** إالَّ تقدَّمهُ ٌ
جيش من َّ
34
جحفل ِ
جلب ٍ لو مل يق ْد جحفالً ،يوم الوغى لغدا *** من ِ
نفسه وحدها يف ْ َ ْ ْ
بك غري ِ
اهلل ملْ ِ
يصب ولو رمى َ ُ
بك اهللُ بُْر َجْيها فهدَّمها *** ْ
رمى َ
ِ
األشب مفتاح باب املعقل
ُ واثقني هِبَا *** واهلل
ُ َ ِم ْن َب ْع ِد ما أَشَّبُوها
َ
السلُ ِ
ب ِ
السيوف وأطراف القنا ُّ ِ
جنح هاجسها *** ظُىَبسلبتهم َ
ْ أمانياً
ف مَلْ جُتِ ِ
ب السْي ِ
ت بِغَرْيِ َّ
َجْب َ
نصلتاً *** َولَ ْو أ َ
أجبته معلناً َّ ِ
بالسيف ُم َ ُُ
ب ِ
األوتاد والطُّنُ ِ الشر ِك ُمْن َع ِفراً *** ومل تُ ِّ
عر ْج على ت َعمود ْ
حىّت َتَر ْك َ
هتتز يف ُكثُ ِ
ب ب ُّ ضٍ ِ
من قُ ُ
هتتز ْ
صلَتَةً *** ُّ
ب اهلْندي ُم ْ
ضُت قُ ُ
َحَر َز ْ
َك ْم أ ْ
ذمام غ ِري ُم ِ
نقضب ٍ
موصولة أو ٍ إن كان بني صر ِ
وف الدَّه ِر من رح ٍم ***
ْ َ ُُ
35
ِ ِ ِ
قفوا بِال ُقبو ِر نُسائل عُ َمر *** َمىت كانَت األ ُ
َرض َمثوى ال َق َمر
ف اللَهَ أَو َمن قَ َدر إِىل َجن ٍَّة ُخلِ َقت لِل َك ِ
رمي *** َو َمن َعَر َ
هِت ِ ِ ِ
ماع َو َرغ ِم البَ َ
صر الس ِ ِ
بَرغم ال ُقلوب َو َحبّا ا *** َو َرغم َ
الد َرر
ال ُمت اِرجِت َِ
موع *** َو ِم َ
نك َعل ُ الد ِ فت اِرجِت َ
ال ُ فيك َعَر ُ
فَ َ
ضى *** َعلَ ِيه َو ُكن باقَةً ِمن َز َهر فَيا قَرب ُكن ر َ ِ ِ
وضةً من ر ً ُ َ
عادهِتِ َّن َس َ
قاك املطَر َ من *** َك
َ موع فَِإن مَل يَ ُد
َ الد
تك ُ
َس َق َ
َ
37
ملا بويع أبو بكر باخلالفة بعد بيعة السقيفة تكلم أبو بكر ،فحمد اهلل وأثىن عليه مث قال:
"أم ا بع د أيه ا الن اس ف إين ق د وليت عليكم ولس ت خبريكم ،ف إن أحس نت ف أعينوين ،وإن أس أت
فقوم وين ،الص دق أمان ة ،والك ذب خيان ة ،والض عيف فيكم ق وي عن دي ح ىت أريح علي ه حق ه إن
شاء اهلل ،والقوى فيكم ضعيف حىت آخذ احلق منه إن شاء اهلل ،ال يدع قوم اجلهاد يف سبيل اهلل
إال ضرهبم اهلل بالذل ،وال تشيع الفاحشة يف قوم قط إال عمهم اهلل بالبالء ،أطيعوين ما أطعت اهلل
ورسوله ،فإذا عصيت اهلل ورسوله فال طاعة يل عليكم".
39
منوذج من خطب اخلليفة العباسي عبداهلل بن هارون الرشيد
بآخر ،فهذه خطبة أخرى للخليفة
وما دام الكالم على نصوص اخلطابة مل يزل متَّصالً أوالً َ
العباسي أيب العباس عبداهلل بن هارون الرشيد .إذ ذكر ابن قتيبة -يف عيون األخبار -خطبة أيب
نصه:
العباس املأمون عبداهلل بن هارون الرشيد يف يوم الفطر بعد التكبري ما ُّ
*******
يوم ختَم اهلل تعاىل به صيام شهر رمضان ،وافتتح
"إن يومكم هذا يوم عيد وسنَّة ،وابتهال ورغبةٌ ،
حج بيته احلرام ،فجعله خامتة الشهر ،وأول أيام شهور احلج ،وجعله معقِّبً ا ملفروض صيامكم،
به َّ
وحرم فيه الصيام عليكم ،فاطلبوا إىل اهلل تعاىل حوائجكم، أحل فيه الطعام لكم َّ ومتنقِّل قيامكمَّ ،
ُ
ريطكم؛ فإن ه يُق ال :ال كب رية م ع اس تغفار وال ص غرية م ع إص رار - ،مث التكب ري واس تغفروه لتَف ِ
والتحمي د وذك ر الن يب ص لى اهلل علي ه وس لم والوص ية ب التقوى - ،مث ق ال :ف اتقوا اهلل عب اد اهلل،
أحدا منكم ،وهو املوت املكتوب
وبادروا األم ر ال ذي اعتدل فيه يَقينُكم ،ومل حَي تض ر الش ك في ه ً
عثرة ،وال حُت ظَ ر قبله توبة ،واعلموا أنه ال شيء قبله إال دونه ،وال
عليكم؛ فإنه ال تُستقال بعده َ
شيء بعده إال فوقه ،وال يُعني على جزعه وعلَ زه[*] وكربه ،وال يُعني على القرب وظلمته وضيقه
فمن زلَّت عندووحشته وهول مطلعه ومسائلة مالئكته ،إال العمل الصاحل الذي أمر اهلل تعاىل بهَ ،
ظه رت ندامته ،وفاتته استقالته ،ودعا من الرجعة إىل ما ال جُي اب إليه ،وبذل ِمن املوت قدمه فقد َ
قوم ا س ألوا الرجع ة فأعطوه ا؛ إذ منعه ا ال ذين
الفدي ة م ا ال يُقب ل من ه ،فاهللَ اهللَ عب اد اهلل ،فكون وا ً
طلَبوها ،فإنه ليس يتمىن املتقدِّمون قبلَكم إال هذا امل َهل[ ]1املبسوط لكم ،واحذروا ما حذركم
َ ُ
اهلل تع اىل من ه ،واتق وا الي وم ال ذي جيمعكم اهلل في ه لوض ع م وازينكم ،ونش ر ص حفكم احلافظ ة
ألعمالكم ،فلينظر عندما يضع يف ميزانه مما يَث ُقل به ،وما مُيِل [ ]2يف صحيفته احلافظة ملا عليه وله،
اب ِ ِ
فرطون عندها؛ إذ طال إعراضهم عنها قالَ ﴿ :و ُوض َع الْكتَ ُ فقد حكى اهلل تعاىل لكم ما قال امل ِّ
ُ
َفت رى الْمجْ ِر ِمني مش ِف ِقني مِم َّا فِي ِه[ ﴾ الكه ف ،]49 :وق ال ﴿ :ونَض ع الْم وا ِزين الْ ِقس َط لِي ومِ
َ َ ُ ََ َ ْ َْ َُْ َ ََ ُ
الْ ِقيَ َام ِة[ ﴾ األنبياء.]47 :
40
هنت ُكم الدنيا عن نفسها؛ فإنه كل ما هلا يَنهى عنها ،وكل ما ولست أهناكم عن الدنيا بأعظم مما ْ ُ
ذم كتاب اهلل -تعاىل -هلا ،وهنْ ُي اهلل فيها يدعو إىل غريها ،وأعظم مما رأته أعينكم ِمن عجائبها ُّ
ِ ِ
ور[ ﴾ لقمان ،]33 :وقال: الد ْنيَا َواَل َيغُ َّرنَّ ُك ْم باللَّه الْغَ ُر ُ
عنها؛ فإنه يقول ﴿ :فَاَل َتغُ َّرنَّ ُك ُم احْلَيَ اةُ ُّ
ب َوهَلٌْو[ ﴾ حممد]36 : ﴿ إِمَّنَا احْل ياةُ ُّ ِ
الد ْنيَا لَع ٌ ََ
*******
إذا تأملنا أفكار هذا النص ِمن خطبة املأمون أدر ْكنا ِس َّر اإلميان وعظمته ،وكيف يَصنع يف
القلوب اليَ ِقظة والضمائر احليَّة والنفوس الزكية واألرواح املطمئنَّة ،فإن تعابري هذه اخلطبة مواعظ
ونض ح عاطف ة دينيَّةَ ،وقُوده ا اآلي ات،
تنم عن حص افة عق ل ْ زاج رةِ ،
وع رب م ؤثرة ،وأق وال ُّ
حد ما قال اإلمام ابن اجلوزي:
واألحاديث الشريفة ،والتفكري يف عظمة اخلالق ،على ِّ
"تأملت على أكثر الناس عباداهتم فإذا هي عادات ،فأما أرباب اليقظة فعاداهتم عبادة حقيقية ،فإن
الغاف ل يق ول" :س بحان اهلل" ع اد ًة ،واملتيقِّظ ال ي زال فك ره يف عج ائب املخلوق ات ،أو يف عظم ة
الفكر فيقول" :سبحان اهلل". اخلالق ،فيحركه ِ
ُ ِّ
41
ومثر ه ذا التفك ري ل دى األديب املس لم يع ين أن ِمن أرقى وظ ائف األدب أن يظ َّل م رآة ص ادقة
عكس ما لألم ة والش عب ِمن َدور حض اري ،وأن يُعرِّب األدب عن خلجات وأفك ار ٍ
نفس إنسانيَّة تَ ِ
حيَّة تَعم ل لرفع ة الف رد واجلماع ة على ح ٍّد س واء ،واألدب اإلس المي أدعى إىل الت أثري مبا يعيش ه
ناثرا ِ ِ
شاعرا أو ًاجملتمع املسلم يف مكان وزمان من تفاعالت وأحداث ،ووقائع وس رَي ،يَزهنا األديب ً
متحس ًرا ،إن كانت هذه األحداث ِّ وموج ًه ا ،أو متأمل ا نادبًا
ومرشدا ِّ
ً ناصحا
ً بالقسطاس املستقيم،
ً
تبصر وتبصري حبياته، والوقائع والتفاعالت تسري يف خط ُمعاكس ملا جيب أن يكون عليه املسلم ِمن ُّ
سلما يَنتمي إىل جمتمع مسلم ،له كيانه ومآله ومصريه وقيمته بني الناس كافة.وفردا ُم ً
ً
حترك
وم ا دام األم ر ك ذلك ف إن األدب اإلس المي ه و ذل ك العام ل األس اس ،واألداة الفعال ة ال يت ِّ
عجل ة اجملتم ع املس لم وت ديره ،لتعم ل َوفْق ن اموس ط بيعي ي ؤثر ويُنتج بق در م ا تتَّح د األه داف،
وتتَّجه اآلمال ،وحيسن العطاء معطيه ،وحيسن املتلقي أخذ ما يُسدى إليه.
ولق د أعطى املأمون يف خطبت ه ه ذه عط اء َمن يَع رف األدب ،وي درك م دى ت أثري الكلم ة قب ل
عددا ِمن بسط
فانتظمت يف ثناياها ً
َ إخراجها؛ ولذلك تنوعت أفكار خطبتِ ه يف إطارها التعبريي،
رح مفهوم التقوى ،واحلذر ِمن الركون إىل الدنيا ،وشرح معىن الصالح.
كش ِ
القيَم اخللُقية؛ َ
فمفهوم التقوى -كما جاء يف نص اخلطبة -أن تُقرن بالعمل الصاحل واالستعداد ملا اعتدل فيه
اليقني ،ومل حيتضر الشك فيه ،وهو املوت ،وأن يبادر باألعمال الصاحلة؛ لتحقيق تقوى اهلل -عز
أحدا
الشك فيه ً
وجل " -فاتقوا اهلل عباد اهلل ،وبادروا األمر الذي اعتدل فيه يقينكم ،ومل حيتضر ُّ
منكم".
والتح ذير من الرك ون إىل ال دنيا ي أيت يف أس لوب ِمن السهل املمتنِ ع؛ فعبارة ت ُّ
ذم وتقدح يف ال دنيا
ُ
والركون إليها ،وعبارة تَ ِ
عتدل يف تقومي النظرة إىل هذه احلياة ،وأهنا وسيلة ال غاية.
42
هنتكم ال دنيا عن
ت أهناكم عن ال دنيا ب أعظم مما ْ ِ
فمن الص يغة األوىل قول ه -رمحه اهلل " :-ولس ُ
نفسها؛ فإن كل ما هلا يَنهى عنها ،وكل ما فيها يدعو إىل غريها".
وي أيت ش رح مع ىن الص الح واالس تقامة على منهج اهلل -تع اىل -ي أيت يف أس لوب رص ني حمكم
قوم ا سألوا الرجعة فأُعطُوها ،إذ ِ ِ
ص ر؛ كقوله -رمحه اهلل " :-كونوا ً ترتاوح ف َق ره بني الطول والق َ
امله ل املبس وط لكم "...إىل قول ه:
ُمنعه ا ال ذين طلبوه ا ،فإن ه ليس يتم ىن املتق دِّمون قبلكم إال ه ذا َ
"فلينظر عب ٌد ما يضع يف ميزانه مما يثقل به ،وما مُيِل يف صحيفته احلافظة ملا عليه وله".
النص قد مجع ِمن القيَم اخللُقية يف إطاره ما يثقل به الكالم يف التأثري؛ ألن جممع
واخلالصة أن هذا َّ
اخللق القومي إمنا يكون يف السلوك ،ومىت َح ُسن سلوك املرء َح ُس ن ُخلقه ،ومىت حسن خلقه َح ُس ن
تتفرع
كالمه ،ومىت اجتمعت له هذه القيم مال إىل الصالح والتقوى اليت هي األصل اخللُقي الذي َّ
حامد األخالق ،وهي الصمام الذي حَي كم كل قول منه القيم اإلسالمية كلها؛ فهي الباعث املل ِهم مل ِ
ُ َ
نص هذه اخلطبة ويف غريها من نصوص اخلطابة اإلسالمية أن ويَضبِط كل فعل؛ ولذلك نلحظ يف ِّ
نص اخلطابة يف اإلسالم قد سايَر هذه التعاليم الدينيَّة اهلادفة امللت ِزمة ملحامد األخالق[ ،]5وكثرة
َ ُ
تل ك النص وص ال يت س ارت يف ه ذا االجتاه من ذ عه د حمم د -ص لى اهلل علي ه وس لم -إىل العه د
األم وي كل ه والص در األول من العه د العباس ي ،وم ا ولي ه من عص ور األدب ،إىل عص ر النهض ة
وحس بُنا يف هذا
تضج بعبارة الوعظ واإلرشاد والتوجيهْ ،
احلديثة الذي مل ت زل من ابر اخلطابة فيه ُّ
خطب الدعاة والعلماء الذين ال يزالون ينافحون عن دين اهلل بالكلمة الطيبة ،ويَنشرونه بني الناس
َوفق منهج سليم فكريًّا وأدبيًّا وعلميًّا ،فهو جهاد بالنفس واملال والسالح والكلمة إىل أن يرث اهلل
األرض ومن عليها.
43
زخرف القول والصنعة؛ الجتاهها إىل شرح حقائق ونلحظ يف مجيع اخلطب اإلسالمية َّ ِ
خلوها من ُ
وبس ِط أحكامه ،ومثل هذا الشأن ال يَص لُح فيه أسلوب املجازات وأسلوب اإلسالم وت بنُّي نظامه ْ
َ
الص نعة الكالميَّة ،فه و إىل أس لوب احلقيق ة أح َوج؛ لقيام ه بش رح احلقيق ة املتمثِّل ة يف حقيق ة ه ذا
الدين احلنيف.
44
مما متيز ب ه الشعـر األندلس ي ،يف أغراض ه ،عن مثيل ه يف املش رق ،ش عر اجلهادي ات ورث اء املدن
الضائعة ،مما سقط يف أيدي العدو .وهذا الضرب من الشعـر صار غرضا بارزا يف الشعر األندلسي،
منذ عهد ملوك الطوائف يف القرن اخلامس اهلجري ،أولئك امللوك الصغار الذين يف ظل حكمهم
اشتدت وطأت حروب االسرتداد النصرانية ضد املسلمني .ومما بقي من أشعار تلك الفرتة ،هذه
القص يدة ال يت قيلت يف رث اء طليطل ة املنيع ة ،قلع ة الوس ط األندلس ي ،ودرة م دن األن دلس ،وال يت
سقطت يف يد نصارى قشتالة يف عام 479هـ .وهي أوىل املـدن والقواعد الكربى الذاهبة ،وكانت
طليطلة فوق كل ذلك ،حاضرة للعلم ،وخمزنا للقضاة وللثقافة اإلسالمية يف األندلس ،كما كانت
أجل املدن قدرا وأعظمها شأنا،
مستودعا لإلنتاج الزراعي .وقد وصفها ياقوت احلموي بأهنا من ّ
ومن خاصيتها أن الغالل تبقى يف مطامريها سبعني سنة ال تتغري ،كما أن حنطتها ال تسوس على
مر السنني .ومن ارتباط طليطلة بالتخزين مبختلف أنواعه منذ القدم أي منذ أن كانت حتت حكم
الرومان يذكر أهنا كانت يف أيام الروم مدينة ملك ومدارا لوالهتا وهبا وجدت مائدة سليمان بن
داود عليهما السالم مع مجلة ذخائر وفيها من الذهب واجلوهر ما اهلل أعلم به .ومن جهة أخرى،
تعت رب خزان ة حافظ ة ل ذاكرة األن دلس ،ومنه ا انتش رت احلض ارة اإلس المية يف أورب ا يف العص ور
الوس طى .كم ا أهنا تع د خزان ا للفق ه والقض اء ال ذي ش هدته األن دلس طيل ة اخلالف ة األموي ة وم ا
فقد املسلمون ذلك كله يف طرفة عني .ويصف أحد الكتاب سقوط طليلطة
تالها ،وبسقوطها َ
بـــ"س قوط املروءة" وذل ك ملا ض رب ألفونس و الس ادس مل ك قش تالة حص اره ح ول طليطل ة ،ومل
يتقدم أحد ( من ملوك الطوائف) لنجدهتا ،فسقطت بسقوطها قيم النجدة وشيم املروءة واألخوة،
فرتكه ا جرياهنا من مل وك الطوائ ف تس قط وخترج من قبض ة اإلس الم إىل األب د .وق د ح اول أمــري
املرابطــني يوس ف بن تاش فني اس رتدادها من ي د القش تاليني لثالث م رات متتالي ة ولكن مل يفلح يف
ذل ك .وك ان آخره ا يف س نة 483هـ يف املرة الثالث ة ال يت جه ز فيه ا جيش ا ض خما لتحقي ق ه ذا
اهلدف ،فاجته بقوات ه إىل طليطل ة واجت اح يف طريق ه أراض ي قش تالة دون أن يتق دم أح د من مل وك
الطوائف ملعاونته أو السري معه ،وكان يرغب يف اسرتداد طليطلة لعله يشفي اجلرح الدامي ،لكنه
مل ينجح نظرا ملناعة أسوارها العالية وحتصنها املتني.
45
وهذه القصيدة – اليت حنن بصددها – هي لشاعر جمهـول ،أوردها املق ري التلمساين ،يف
نفح الطيب ،وعدد أبياهتا 72بيتا ،وفيها يصور الشاعر انقالب األوضاع يف األندلس بعد سقـوط
هذه القاعدة اإلسالمية املنيعة ،ويتفجع على ما أصاب احلرائر املصونات ،وحيث الناس على العودة
إىل التمس ك بتع اليم ال دين ،ففي ذل ك عص مة هلم من الزل ل ،وجناة من اخلط ر ،حمذرا من مغب ة
ذن وهبم الكث رية ،وال يت ق د جتـرهم إىل مص ري مش به ملص ري أه ل طليطل ة ،كم ا يهيب هبم أن يهب وا
للجهـاد وأخذ الثأر من األعداء الظاملني الذين انتهكوا املقدسات واستباحوا احلرمات ،ويدعوهم
إىل املوت ذب ا عن دينهم ودي ارهم؟ ال اهلرب من دي ارهم .واص فا ذل حك ام األن دلس ،مبداراهتم
واصطناعهم لألذفونش ورهطه ،وذل الناس الذين أعطوا الدنية ورضوا باخلنوع للحاكم األجنيب،
أما لفقر أو حلرص على رزق أو الستهانة بأمور الدين .والشاعر – كما سيبدو من أبيات القصيدة
-يثور ثورة عارمة على أهل طليطلة أنفسهم ،الذين آثروا البقاء حتت االسرتقاق ،والقبول بدفع
اجلزي ة للنص ارى ،حرص ا على ض ياعهم وراحتهم وخوف ا من التش رد والض ياع وقب وال بالدني ة يف
دينهم.
وم ع أن الش اعر يب دو من خالل القص يدة مرتدي ا يف ه وة الي أس ،إال ان ه يف هنايته ا ال يفق د تفاؤل ه
ورجاءه يف النصر:
ونـرجو أن يتيح اهلل نصـ ــرا ** عليهـم إنـه نعـم النصيـ ــر
" وهي يف مجلته ا – كم ال الناق د إحس ان عب اس -س هلة س ائغة بارئ ة من التكل ف واالفتع ال،
وتعتم د البس اطة واملراوح ة بني اإلث ارة والتفج ع والس رد القصص ي ،ولتع دد الوس ائل الفني ة فيه ا
كانت حقيقة بالوقوف عندها ،وقد خلت من زخارف الصور حىت كأهنا يف بعض أجزائها قطعة
نثرية بسيطة وكأهنا اللتزامها الواقع أحيانا "فقرة تارخيية ال قصيد".
النــص :
لثكـلك كيـف تبتسـم الثغــور ** سـرورا بعـد ما سبيت ثغ ــور
أمـا وأيب مصـاب هـد من ــه ** ثبـري الديـن فاتـصـل الثـبـور
لقد قصـمـت ظهـور حني قالـوا ** أميـر الكافـرين لـه ظه ــور
46
تـرى يف الدهـر مسـرورا بعيـش ** مضـى عنـا لطيـتــه السـرور
أليـس هبـا أيب النـفس شه ــم ** يـديـر على الدوائـر إذ ت ــدور
لقد خضـعت رقاب كن غلب ــا ** وزال عتـوهــا ومضـى النفـور
وهـان على عزيـز الق ــوم ذل ** وسامـح يف احلـرمي فىت غيـ ــور
طليـطلـة أبـاح الكفـر منـهـا ** محــاهــا إن ذا نبــأ كبـيـر
فليس مثاهلـا إيـوان كسـرى ** وال منهـا اخلـورنـق والسدير
حمصنـة حمسنـة بعيـ ــد ** تناوهلــا ومطلبـهــا عسري
أمل تـك معقــال للديـن صعبا ** فذللـه كمــا شــاء القديـر
وأخـرج أهلهـا منها مجيعــا ** فصـاروا حيث شاء هبم مصيـر
وكـانت دار إميــان وعلــم ** معـاملهـا الىت طمسـت تنـري
فعـادت دار كفـر مصطفـاة ** قد اضطربت بأهليهـا األمـور
مساجـدها كنـائس أي قلـب ** على هــذا يقـر وال يطـيـر
فيـا أسفـاه يا أسفـاه حـزنا ** يكـرر ما تكـررت الدهــور
وينشر كل حسن ليس يطــوى ** إىل يـوم يكــون به النشـور
أديلت قاصــرات الطرف كانت ** مصــونـات مساكنهـا القصور
وأدركـهـا فتـور يف انتـظـار ** لسـرب يف لواحـظـه فتــور
وكان بنــا وبالقـينـات أولـى ** لو انضـمت على الكل القـبـور
لقد سخـنـت حبالتهن عيــن ** وكيـف يصـح مغلـوب قـريـر
لئن غبـنـا عن اإلخـوان إنـا ** بأحــزان وأشجـان حضــور
نــذور كان لأليـام فيـهــم ** مبهلكهــم فقـد وفـت النـذور
فـإن قلنـا العقوبـة أدركتـهـم ** وجـاءهــم’ من اهلل النكيــر
فإنـا مثلهــم وأشـد منهــم ** جنور وكيف يسلم من جي ــور
أنأمـن أن حيـل بنــا انتقـام ** وفيـنا الفسـق أمجع والفجـور
وأكل للحـرام وال اضـطـرار ** إليه فيسهـل األمـر العسيــر
47
ولكـن ج ــرأة يف عقـر دار ** كذلك يفعـل الكلب العـق ــور
يزول الستـر عن قـوم إذا مـا ** على العصـيان أرخيـت الستـور
يطــول علي ليلي رب خطـب ** يطول هلــوله الليـل القصيـر
خـذوا ثأر الديـانة وانصـروها ** فقـد حامـت على القتلى النسور
وال هتنـوا وسـلوا كل عـضب ** هتـاب مضـاربـا منـه النحـور
ومـوتـوا كلـكم فاملـوت أوىل ** بكـم من أن جتـاروا أو جتوروا
أصبـرا بعـد سيب وامتـح ٍ
ـان ** يـالم عليهـا القلـب الصبـور
فــأم الثكـل مذكـار ولــود ** وأم الصقــر مقــالت نـزور
خنــور إذا دهيـنا بالـرزايـا ** وليس مبعـجـب بقـر خيــور
وجنبـن ليس نـزأر لو شجعنـا ** ومل جنبـن لكـان لنـا زئـيـر
لقد سـاءت بنـا األخبـار حىت ** أمـات املخبـرين هبـا اخلبـيـر
أتتـنا الكتـب فيهـا كل ش ـ ٍر ** وبشـرنـا بأحنسنـا البشيــر
وقيـل جتمعـوا لفــراق مشل ** طليطـلة متـلكهـا الكفــور
فقـل يف خطــة فيهـا صغـار ** يشيب لكربـها الطفــل الصغري
لقـد صـم السميـع فلم يعـول ** على نبـإ كمـا عمـي البصيـر
جتـاذبنـا األعـادي باصطناع ** فيـنجـذب املخـول والفقيـر
فبـاق يف الديانة حتــت خزي ** تثبطه الشــويهـة والبعـيـر
وآخـر مـارق هـانت عليـه ** مصائب دينــه فلـه السعيـر
كفى حزنـا بأن النـاس قـالوا ** إىل أيـن التحــول واملسيـر
أنتـرك دورنا ونفـر عنهــا ** وليس لنـا وراء البـحـر دور
وال ثـم الضياع تـروق حسنـا ** نبـاكـرها فيعـجبـنا البكـور
وظـل وارف وخـرير مــاء ** فـال قـر هناك وال ح ــرور
ويـؤكل من فواكهـها طــري ** ويشـرب من جداوهلا مني ــر
يـؤدى معـرم يف كل شهــر ** ويؤخـذ كل صائفـة عشــور
48
فهم أمحى حلوزتـنا وأولــى ** بنا وهـم املـوايل والعشيــر
لقـد ذهـب اليقني فال يقيــن ** وغـر القــوم باهلل الغ ــرور
فــال ديـن وال دنيـا ولكـن ** غـرور باملعيشـة ما غــرور
رضـوا بالــرق يا هلل مـاذا ** رآه وما أشـار بـه مشي ــر
مضى اإلسالم فابك دما عليه ** فما ينفي اجلوى الدمع الغزيــر
ونـح وانـدب رفاقا يف فـالة ** حيـارى ال حتـط وال تسيــر
وال جتـنح إىل سلم وحــارب ** عسى أن جيرب العظم الكسيــر
أنعمى عن مراشـدنا مجيعــا ** وما إن منهـم’ إال بصي ــر
ونلـقى واحـدا ويفر مجــع ** كما عن قانص فـرت محي ــر
ولو أنا ثبتـنا كان خيـ ــرا ** ولكـن ما لنــا كرم وخيــر
إذا مـا مل يكـن صرب مجيــل ** فليس بنـافـع عـدد كثي ــر
أال رجـل لــه رأي أصيــل ** به مما حن ــاذر نستجي ــر
يكـر إذا السيـوف تنـاولتــه ** وأيـن بنا إذا ولت كـ ــرور
ويطعن بالقنـا اخلط ــار حىت ** يقول الرمـح ما هذا اخلطي ــر
عظيـم أن يكون الناس ط ــرا ** بأنـدلس قتـيـل أو أسيـ ــر
أذكر بالقـراع الليث حرص ــا ** على أن يقـرع البيض الذك ــور
يبـادر خرقهــا قبـل اتســاع ** خلطب منه تنخسف البـ ــدور
يوسـع للذي يلقاه ص ـ ــدرا ** فقد ضـاقت مبا تلقى ص ــدور
تنغـصـت احليـاة فال حي ــاة ** وودع جيـرة إذ ال مـجيـ ــر
فليــل فيه هـم مستكـ ــن ** ويـوم فيه شر مستطيـ ـ ــر
ونـرجو أن يتيح اهلل نصـ ــرا ** عليهـم إنـه نعـم النصيـ ــر
املصادر:
-املقري التلمساين ،نفح الطيب من غصن األندلس الرطيب
-إحسان عباس ،تاريخ األدب األندلسي (عصر الطوائف واملرابطني)
49
-حممد رضوان الداية ،أبو البقاء الرندي ،شاعر رثاء األندلس
-أمحد كروم ،كان سـقوطها سـببا يف اهنيار الصف اإلسالمي ،طليطلة ،جملة العريب – العدد – -528نوفمرب2002
الشخص ية يف الرواي ة هي ال يت جتذب الق ارئ أو املس تمع هلا ،فتحق ق االختي ار الص حيح هلا مهم
للغاية .وللوصول إىل االختيار الصحيح ال بد وأن تكون الشخصيات ذات أبعاد ثالثية مثل باقي
شخصيات احلياة :أشخاص هلا خماوف وآمال ،أشخاص هلا نقاط ضعف ونقاط قوة ،أشخاص هلا
هدف أو أكثر يف احلياة.
البطل
وهي الشخصية احملورية يف العمل األديب ،وشخصيته دائماً ما تكون مرنة قادرة على التغري.
اخلصم
50
وهو القوى ال يت يناضل معه ا البط ل وال ذي يقدم عنص ر الش ر يف ال وقت ذاته ،وقد يكون الشر
مق دما يف ص ورة بس يطة أو ص ورة معق دة بأح داث وشخص يات متع ددة .وال يتمث ل اخلص م يف
شخص فقط حياول هزمية البطل واالنتصار عليه ..فمن املمكن أن يكون صراع البطل نفسيا مع
كل من شخصيات اخلري والشر
سلوك وقرارات خاطئة تراوده وحياول التغلب عليها.وقد ختضع ٌ
لتغري أفضل يف السلوك ،وهذا نوع آخر من حل الصراع "التغري يف الشخصية" وليس فقط انتصار
البطل على اخلصم.
الشخصيات املساعدة الثانوية
إذا كانت الرواية تركز على بطل أو بطلني (قوى اخلري والشر) ،فهناك شخصيات أخرى متعددة
تكمل بناء الرواية وتسمى بالشخصيات املساعدة أو الثانوية .فقد يكون ليس هلم دور رئيسي
لكنه أساسي وبدونه لن تَكتمل األحداث.
احلبكة
هو سري أحداث القصة ناحية احلل .ويوجد منطان ألحداث احلبكة:
احلبكة النمطية :وفيها تسري األحداث بالشكل املتعارف عليها من البداية الطبيعية
لألحداث مث التسلسل الطبيعي يف حدوث األزمة مث تصاعدها وحماولة حلها.
احلبكة املركبة :اليت تبدأ األحداث فيها بالنهاية ،مث يتم استعراض األحداث اليت أدت
إليها ..أي يبدأ الكاتب بالعقدة مث حياول حلها.
املوضوع هو الوعظ أو القيمة اليت يتم تقدميها يف الرواية ويدور حوهلا مضمون الرواية بأكمله.
كما ميكن وصف املوضوع بأنه رسالة أو الدرس الذي حياول الكاتب أن يلقنه للقارئ .ويُكشف
الستار عن هذه القيم من خالل العقبات اليت تواجهها شخصيات الرواية حماولني ختطي هذه
51
العقبات من أجل إحراز اهلدف ،ويعترب املوضوع هو أساس القصة والغرض منها وبدون اهلدف
ستصبح القصة تافهة.
الزمان واملكان
زمن الرواية
يوجد زمنان للرواية ،األول هو الزمن العام الذي تدور فيه أحداث الرواية كحقبة زمنية حمددة
مثل قرن أو سنة من السنني ،والثاين هو الزمن اخلاص أو يُطلق عليه زمن الرواية هو الذي يقدم
فرتة زمنية حمددة تدور فيه الرواية كيوم حمدد من أيام الشهر وما إىل ذلك.
مكان الرواية
البد وأن يكون وصف الكاتب للمكان وصفاً حياً لكي يتعايش القارئ مع أحداث الرواية وكأهنا
حقيقة ،وهذا يتطلب من الكاتب زيارة أماكن األحداث حىت يتمكن من وصفها بدقة.
املسرحية
املادة الُّلغويّ ة َس َرح ،وه و يع ين املك ان
إ ّن املس رح باإلجنليزيّ ة )Theatre( :م أخوذ لُغ ةً من ّ
هتتم بالعروض املباشرة
يتم تقدمي املسرحيّة فيهّ ،أم ا اصطالحاً فهو أحد الفنون ال ّدراميّة اليت ّ
الذي ّ
هم من اجلانب ال ّدرامي ،كم ا أ ّن
وم ّ
ومرتاب ط ُ
وي ُ
املخط ط تق دميها على حنو دقي ق لتولي د ش عور ق ّ
كلمة املسرح تعود إىل أصل يوناينّ من الكلمة اليونانيّة ( ،)Theaomaiواليت تعين"لنرى" ،وهناك
اختالف يف معىن املسرح من النّاحية النّظريّة والعمليّ ة الواقعيّ ة لدى أصحاب املسارح ،والنّاقدين،
األمريكي جون كيج أ ّن" :املسرح حيدث طوال الوقت أينما كان"،
ّ امللحن
والفنّانني ،فمثالً يقول ّ
عرفه على أنّه "أداء يقوم به شخص أو
كذلك قول النّاقد برنارد بيكرمان يف رؤيته للمسرح ،فهو يُ ّ
وهم ب ذلك
جمموع ة من األش خاص يف إط ار مع زول زمانيّ اً ،ومكانيّ اً أم ام أش خاص آخ رين"ُ ،
يقومون بتعريفيه حبسب ما يرونه .من اجلدير ِّ
بالذكر أ ّن االختالف يف معىن املسرح موجود منذ
القدم ،فاملسرح عند املصريّني ال ُقدامى كان يتمثّل باملهرجانات اليت تعتمد على األداء ،يف حني أ ّن
52
األمريكيّني األصليّني كانوا يرون يف "رقص ة اجلاموس" مسرحاً بالنّسبة هلم ،لذا وفيما يلي نذكر
اجملازي:
ّ بعض التّعريفات ملفهوم املسرح عند الكثريين ،واليت يغلب عليها الطّابع
صموئيل جونسون :قال عن املسرح أنّه" :صدى لصوت اجلمهور".
عرف املسرح على أنّه "املحاكمة".
ّ عرف املسرح على أنّه "املرآة" .جريوودو:
ّ شكسبري:
ُ
"املأدبة".
عرف املسرح على أنّه ُ فاركوهارّ :
عرف املسرح على أنّه "جمموعةمؤرخي املسرح املعاصر ،والذي ّ يايت غيليسيب :هو أحد ّ
وي معهم".
تفاعلي وحيّ ّ
ّ من العروض التّمثيليّة املق ّدمة جملموعة من األشخاص بطاب ٍع
عرف املسرح يف أواخ ر القرن العش رين على أنّ ه
مسرحي ّ
ّ مؤرخ
أوسكار بروكيت :هو ّ
ستقل" بدالً من التّعبري عنه من خالل عناصر املسرحيّة ،كما كان يعتقد أنّه ال
"نشاط ُم ّ
يوجد للمسرح تعريف ُم ٍ
رض عند اجلميع.
الوالدة والنشأة[عدل]
ولد في 15 ذي الحجة 1328 هـ الموافق 21 ديسمبر1910 م ،في سورابايا بإندونيسيا ألبوين حضرميين! من
منطقة حضرموت ]3[]2[]1[.وحين بلغ العاشرة! من عمره! سافر به أبوه إلى حضرموت لينشأ هناك نشأة عربية إسالمية مع إخوته
ألبيه فوصل مدينة سيئون بحضرموت في 15 رجب سنة1338 هـ الموافق 5 أبريل1920 م .وهناك تلقى تعليمه في مدرسة
النهضة العلمية ودرس علوم العربية والشريعة على يد شيوخ أجالء منهم عمه الشاعر اللغوي النحوي القاضي محمد بن محمد
باكثير! كما تلقى علوم الدين أيضا على يد الفقيه محمد بن هادي السقاف وكان من أقران علي باكثير حينها الفقيه واللغوي محمد
بن عبد الاله السقاف .ظهرت مواهب باكثير مبكراً فنظم الشعر وهو في الثالثة عشرة من عمره !،وتولى التدريس في مدرسة
.النهضة العلمية وتولى إدراتها وهو دون العشرين من عمره
زواجه[عدل]
تزوج باكثير! مبكراً عام 1346 هـ ولكنه فجع بوفاة زوجته وهي في غضارة الشباب ونضارة الصبا فغادر حضرموت حوالي
عام1931 م وتوجه إلى عدن ومنها إلى الصومال والحبشة واستقر زمنا ً في الحجاز ،وفي الحجاز نظم مطولته نظام البردة
.كما كتب أول عمل مسرحيه شعري له وهو همام أو في بالد األحقاف وطبعهما! في مصر أول قدومه إليها
55