You are on page 1of 55

‫‪PISMP‬‬

‫‪SEMESTER 2 TAHUN 3‬‬


‫‪BAMB3113 KESUSASTERAAN ARAB‬‬
‫مقدمة في دراسة النصوص العربية‬ ‫‪.1‬‬

‫مفهوم النص وعلمه‬ ‫‪‬‬


‫النص‪ ‬ه و م ا ازداد وض وحا على‪ ‬الظ اهر‪ ‬ملع ىن املتكلم‪ ،‬وه و‪ ‬س وق الكالم‪ ‬ألج ل ذل ك‬
‫املعىن‪ ،‬فإذا قيل "أحسنوا إىل فالن الذي يفرح بفرحي ويغتم بغمي"‪ ،‬كان نصا يف‪ ‬بيان‪ ‬حمبته‪ .‬وما‬
‫ال حيتمل إال معىن واحدا‪ ،‬وقيل ما ال حيتمل‪ ‬التأويل‪.‬‬
‫إ ّن احلص ول على تعري ٍ‬
‫ف ج ام ٍع م انع للنص حيت اج إىل جه د ودراس ة واس عة من الص عب‬
‫املتخصص ني تتبعه ا واستقص اؤها يف حق ول اللس انيات‪ ،‬وذل ك الختالف املنطلق ات‬‫ّ‬ ‫على‬
‫واالجتاهات الفكريّة اخلاصة بكل تعريف للنص‪ ،‬وبسبب اختالف الطرق املتتبعة يف حتليل وتناول‬
‫النص وص‪ ،‬فلك ل ب احث منهج‪ ،‬حيق ق من خالل ه غاي ات وأه داف خاص ة‪ ،‬ويف م ا يلي س نحاول‬
‫ٍ‬
‫تعريف يشمل مجيع جوانب مفهوم النص‪.‬‬ ‫تقدمي‬
‫النص لغة واصطلحا‬ ‫‪‬‬
‫ص)‪ ،‬وهلا معان متعددة ومنها كما يلي ‪:‬‬
‫ص َ‬
‫كلمة النص يف املادة املعجميّة مستمدة من الفعل (نَ َ‬
‫فق د ج اء يف مق اييس اللغ ة‪ :‬أن النص ي دل على رف ع وارتف اع وانته اء يف الش يء‪ ،‬املث ال‪:‬‬ ‫‪o‬‬
‫"ونصصت الرجل" أي استقصيت مسألته عن الشيء حىت تستخرج ما عنده‪.‬‬
‫ص ا‪ :‬ر َف َع ه‪َ .‬و ُك ُّل َم ا‬‫ص ه نَ ًّ‬
‫يث َينُ ُّ‬ ‫الش يء‪ .‬نَ َّ ِ‬
‫ص احْلَ د َ‬ ‫‪ o‬ويق ول ابن منظ ور‪" :‬النص‪ :‬ر ْفعُ ك َّ ْ َ‬
‫َّي ِء وغايتُه"‬‫َّص أَقصى الش ْ‬ ‫ص‪ ،‬وأَصل الن ّ‬ ‫أُظْ ِهَر‪َ ،‬ف َق ْد نُ َّ‬
‫لش ْي ِء وإظه اره فه و من الرف ع والظه ور ومن ه‬ ‫َّص‪َ :‬ر ْفعُ ك لِ َّ‬ ‫َص ُل الن ِّ‬‫‪ . o‬ويف ت اج الع روس "أ ْ‬
‫صاً‪َ :‬حَّر َكهُ ‪.‬‬‫صهُ) نَ ّ‬
‫(ينُ ُّ‬
‫َّيءَ َ‬
‫ص الش ْ‬ ‫املنصة‪ ،‬نَ َّ‬
‫ِ‬ ‫َّص‪ :‬اإلس ناد إِىل ال رئِيس األَكرَب ‪ .‬والن ُّ‬
‫ني على‬ ‫َّص‪ :‬الت َّْعيِ ُ‬
‫ف‪ .‬والن ُّ‬ ‫َّص‪ :‬التَّوقي ُ‬ ‫‪ o‬يق ول أيض ا "الن ُّ‬
‫الرفْ ِع والظُّ ُهو ِر‪.‬‬
‫َّص مبَْعىَن َّ‬ ‫ك جَمَ ٌاز‪ ،‬من الن ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫َش ْيء َما‪ ،‬و ُك ُّل ذل َ‬

‫‪1‬‬
‫هك ذا يظه ر أن النص ل ه دالالت كث رية يف اللغ ة العربي ة‪ ،‬كالغاي ة واملنتهى‪ ،‬والتحري ك‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫والتع يني والتوقي ف‪ .‬إال أن ه ذه املع اين املختلف ة م ا هي إال جمازات‪ ،‬ف املعىن األص لي ه و الرفع‬
‫الظهور‪.‬‬

‫وأما النص يف االصطالح ففيه احتالفات كثرية حسب اجملال املعريف الذي تتم فيه الدراسة ‪-:‬‬
‫‪ o‬ففي اصطالح األصوليني ‪ :‬فهو "ما اَل حيتَمل إِاَّل معىن و ِ‬
‫اح ًدا أَو ما اَل ْحيتَمل التَّأْ ِويل"‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫‪ o‬أما عند أهل احلديث فقد جاء مبعىن اإلسناد‪ ،‬والتعيني‪ ،‬والتحديد‪ ،‬فيقولون نص عليه يف‬
‫كذا‪.‬‬
‫وجنده عند الفقهاء أنه مبعىن الدليل الشرعي كالقرآن‪ ،‬والسنة‪ ،‬ومنه قوهلم‪" :‬ال اجتهاد مع‬ ‫‪o‬‬
‫النص‪.‬‬
‫إن ال ذي يهمن ا ههن ا ه و النص يف اص طالح النق اد‪ .‬ويف ه ذا الص دد فنج د أن ه جمموع ة من‬
‫املسامهات العربية لعدد من الباحثني‪ ،‬ومنهم ‪-:‬‬
‫‪ o‬طه عبد الرمحن يعرف النص بأنه "بناء يرتكب من عدد من اجلمل السليمة مرتبطة فيما‬
‫بينها بعدد من العالقات‪ .‬وقد تربط هذه العالقات بني مجلتني أو بني أكثر من مجلتني"‬
‫‪ o‬ويعرف سعيد يقطني النص بأنه‪ ":‬بنية داللية تنتجها ذات (فردية أو مجاعية)‪ ،‬ضمن بنية‬
‫نصية منتجة‪ ،‬ويف إطار بنيات ثقافية واجتماعية حمددة"‬
‫وقريب ا من ه ذا جند حمم د ع زام يق ول عن النص األديب إن ه "وح دات لغوي ة‪ ،‬ذات وظيف ة‬ ‫‪o‬‬
‫تواصلية‬
‫داللية‪ ،‬حتكمها مبادئ أدبية‪ ،‬وتنتجها ذات فردية أو مجاعية"‪.‬‬

‫وخالصة القول فإن النص ‪ :‬إذن بنية لسانية ذات داللة‪ ،‬وذات بعد تواصلي‪ ،‬حتقق األدبية من‬ ‫‪‬‬
‫خالل جمموعة من املبادئ‪ ،‬كاالنسجام واالتساق وتنتجه ذوات متعددة سواء قبل الكتابة أو‬
‫أثناءها أو بعده‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫أهمية تعلم النصوص العربية‬ ‫‪‬‬
‫تتمثل أمهية األدب بالنسبة للطالب من الناحية اللغوية يف أنه يعمل على‪:‬‬
‫تنمية قدرة الطالب على استخدام اللغة العربية استخداماً صحيحاً يف حياته العملية‪.‬‬ ‫‪o‬‬
‫ٍ‬
‫ومعان وأفكار جديدة‪.‬‬ ‫تنمية الثروة اللغوية للطالب وإمدادهم بألفاظ وأساليب وتراكيب‬ ‫‪o‬‬
‫تدريب الطالب على استنتاج األحكام األدبية من النصوص بطريقة ذاتية تلقائية‪.‬‬ ‫‪o‬‬
‫معايشة الثقافة العربية‪ ،‬مما يدفع الطالب إىل البحث عن املزيد من يف أمهات كتب األدب‪،‬‬ ‫‪o‬‬
‫نم ي لديه حب القراءة وزيادة االنتماء للغة العربية وللعروبة‪،‬ومعرفة مكانة األدب‬
‫وهذا يُ ِّ‬
‫العريب بني آداب الشعوب‪.‬‬
‫تعويد الطالب على حسن اإللقاء وإخراج احلروف من خمارجها الصحيحة‪ ،‬وتنويع نربات‬ ‫‪o‬‬
‫الصوت ما بني الصعود واهلبوط‪ ،‬ومتثل احلركة النفسية للمبدع يف الشعر والنثر‪.‬‬
‫تنمية بعض مهارات الكتابة اإلبداعية لدى الطالب‪،‬وتنمية قدرهتم على التخيل‪،‬حيث يفيد‬ ‫‪o‬‬
‫الطالب من خيال املبدعني وأفكارهم وحياولون حماكاهتا‪.‬‬
‫إذكاء احلاسة النقدية لدى الطالب‪ ،‬مما جيعله أكثر إملاما ًبقواعد اللغة وحرصاً على‬ ‫‪o‬‬
‫سالمتها نطقاً وكتابة فيما يقرأ أو يسمع من كتابة‪.‬‬
‫األمهي ة التذوقي ة ‪ :‬وهي تتم الناحي ة اللغوي ة‪ ،‬وتتمث ل أمهي ة األدب بالنس بة للطالب من الناحي ة‬
‫التذوقية يف أنه يسهم يف ‪:‬‬
‫حب اجلمال وتقديره‪ ،‬والتمتع به ألن األدب أحد مواد تذوق اجلمال‪،‬كما‬
‫تنمية امليل إىل ِّ‬ ‫‪o‬‬
‫أنه معرض فين تشبع صوره امليول الفنية وتذكي حاسة تقدير اجلمال يف النفوس‪.‬‬
‫تنمية احلاسة الفنية (التذوقية والنقدية) لدى الطالب اليت متكنه من جتعله يقبل على دراسة‬ ‫‪o‬‬
‫وتذوق األدب‪.‬‬

‫مجاالت النصوص العربية‬ ‫‪‬‬


‫ءايات القرءان واألحاديث النبوية‬ ‫‪o‬‬
‫املعلقات من الشعر اجلاهلي‬ ‫‪o‬‬
‫‪3‬‬
‫الشعر واخلطابة يف عصر صدر االسالم واألموي والعباسي والقرن العشرين‬ ‫‪o‬‬
‫القصائد األندلسية‬ ‫‪o‬‬
‫النثر يف العصر احلديث‬ ‫‪o‬‬

‫إعجاز القرءان‬ ‫‪.2‬‬

‫اإلعجاز التشريعي – سورة األنعام اآلية ‪145‬‬ ‫‪‬‬


‫اإلعج از التش ريعي يف الق رآن اص طالحا ه و إثب ات عج ز البش ر مجيع ا أف رادا ومجاعـات عـن‬
‫اإلتيـان مبثـل مـا جـاء بـه القـرآن مـن تـشريعات وأحكـام‪ ،‬تـتعلـق بـالفرد واألسـرة واجملتمـع يف كافـة‬
‫جماالت ‪ ،‬فــال يــستطيعون الوصــول إليــه وال ابتــداع مــا يــضاهيه‪ ،‬بــل يقــرون بتفوق ه ومتيزه على‬
‫سائر التشريعات‪ ،‬كما قال اهلل سبحانه وتعاىل يف سورة االنعام ‪:‬‬
‫قُل اَل ‪ ‬أ َِج ُد‪ ‬يِف ما‪ ‬أ ِ‬
‫ُوحي‪ ‬إِيَلَّ‪ ‬حُم َّرما‪ ‬علَى‪ ‬طَ ِ‬
‫اع ٍم‪ ‬يَطْ َع ُمهُ‪ ‬إِاَّل‬ ‫ًَ َ ٰ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫س‪ ‬أ َْو‪ ‬فِ ْس ًقا‪ ‬أ ُِه َّل‪ ‬لِغَرْيِ ‪ ‬اللَّ ِه‪ ‬بِِه ۚ‬ ‫ِ ٍِ ِ ِ‬ ‫أَ ْن‪ ‬يَ ُكو َن‪َ  ‬مْيتَةً‪ ‬أ َْو‪َ  ‬د ًما‪َ  ‬م ْس ُف ً‬
‫وحا‪ ‬أ َْو‪ ‬حَلْ َم‪ ‬خْنزير‪ ‬فَإنَّهُ‪ ‬ر ْج ٌ‬
‫ك‪َ  ‬غ ُف ِ‬ ‫ٍ‬
‫يم‪﴾١٤٥﴿ ‬‬ ‫ور‪َ  ‬رح ٌ‬‫اغ‪َ  ‬واَل ‪َ  ‬عاد‪ ‬فَِإ َّن‪َ  ‬ربَّ َ ٌ‬ ‫فَ َم ِن‪ْ  ‬‬
‫اضطَُّر‪َ  ‬غْيَر‪ ‬بَ ٍ‬
‫‪ ‬سبب النزول‬
‫مل يرد يف املرجع سبب لنزول اآلية رقم ‪ 145‬من سورة األنعام‪.‬‬

‫‪ ‬معاني اآليات وافكارها‬


‫حمرما على من يأكله مما تذكرون أنه ُحِّرم‬
‫إيل شيئًا ً‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬إين ال أجد فيما أوحى اهلل َّ‬
‫دم ا مراقً ا‪ ،‬أو يك ون حلم خ نزير فإن ه‬
‫من األنع ام‪ ،‬إال أن يك ون ق د م ات بغ ري تذكي ة‪ ،‬أو يك ون ً‬
‫خروجا عن طاعة اهلل تعاىل؛ كما إذا كان املذبوح قد ذكر عليه اسم‬
‫ً‬ ‫جنس‪ ،‬أو الذي كانت ذكاته‬
‫غ ري اهلل عن د ال ذبح‪ .‬فمن اض طر إىل األك ل من ه ذه احملرم ات بس بب اجلوع الش ديد غ ري ط الب‬
‫بأكله منها تلذ ًذا‪ ،‬وال متجاوز حد الضرورة‪ ،‬فإن اهلل تعاىل غفور له‪ ،‬رحيم به‪ .‬وقد ثبت بالسنة‬
‫حترمي كل ذي ناب من السباع‪ ،‬وخملب من الطري‪ ،‬واحلمر األهلية‪ ،‬والكالب‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫الشرح والدراسة والتحليل‬ ‫‪‬‬
‫من إعج از الق رآن والس نة ه و يف الطب الوق ائي أي أن هن اك أض رار امليت ة وحلم اخلنزير‬
‫اكتشفها العلم مؤخرا‪ ،‬اإلعجاز العلمي يف حترمي حلوم هذه احليوانات حيدثنا عنه األستاذ الدكتور‬
‫عبد اجلواد الصاوي ‪ -‬الباحث هبيئة اإلعجاز العلمي –‪ ‬فيقول ‪-:‬‬
‫أوال ‪ :‬بالنسبة لتحرمي امليتة تنتقل الكائنات الدقيقة لإلنسان عن طريق أكل حلوم احليوانات اخلازنة‬
‫واملصابة هبا‪ ،‬لذلك حرم اإلسالم التعامل معها‪ ،‬ومساها اخلبائث يف قوله تعاىل‪ :‬وحيل هلم الطيبات‬
‫وحيرم عليهم اخلب ائث‪[ ‬األع راف‪ ،]157 :‬وتعت رب حلوم امليت ة وال دماء املس فوحة هي أول اخلب ائث‬
‫اليت حرمها اهلل لقوله تعاىل‪ ( :‬حرمت عليكم امليتة والدم) [املائدة‪ ]3 :‬ولقد حتقق ضررها علميا‬
‫وظهر خطرها على حياة اإلنسان‪ ،‬وذلك ألن احتباس دم امليتة يف عروقها املتشعبة ضمن أنسجتها‬
‫ييس ر للج راثيم ال يت تعيش متطفلة على احليوان يف الفتحات الطبيعية واألمعاء واجللد‪ ،‬وأن تنتشر‬
‫بسرعة وسط اللحم من خالل السائل الزالىل يف األوعية والعروق‪ ،‬كما قد يكون موت احليوان‬
‫يسبب مرضا معينا فينقل جرثومة املرض إىل اإلنسان‪ ،‬كما يف مرض السل‪.‬‬
‫ويص ف اهلل س بحانه حلم اخلنزير بأن ه رجس‪ ،‬وال رجس ه و الش يء الق ذر‪ ،‬ف اخلنزير ينق ل إىل‬
‫اإلنسان كثريا من الكائنات الدقيقة اخلطرة‪ ،‬حيث يصاب اخلنزير بعدد كبري من األمراض الوبائية‬
‫التق ل عن ‪ 450‬مرض ا‪ ،‬ويق وم ب دور الوس يط لنق ل أك ثر من ‪ 75‬مرض ا وبائي ا لإلنس ان‪ ،‬غ ري‬
‫األم راض العادي ة األخ ري ال يت يس ببها أك ل حلم ه مث ل‪ :‬تلي ف الكب د وعس ر اهلض م‪ ،‬وتص لب‬
‫الشرايني‪ ،‬وتساقط الشعر‪ ،‬والعقم‪ ،‬وضعف الذاكرة عالوة على أن آكله يصاب بالتبلد الشعوري‪،‬‬
‫وع دم الغ رية على حمارم ه‪ .‬وينتق ل أك ثر من ‪ 16‬مرض ا من اخلنزير إىل اإلنس ان عن طري ق تن اول‬
‫حلمه ومنتجاته‪ ،‬أهم هذه األم راض‪ :‬احلويصالت اخلنزيري ة‪ ،‬واحلمى املتموجة‪ ،‬والدودة الكبدية‪،‬‬
‫والسل‪ ،‬وداء الريقات الشريطية‪ ،‬وغريها من األمراض‪.‬‬

‫واإلعجاز التصويري – سورة البقرة اآلية ‪10‬‬ ‫‪‬‬


‫قال اهلل سبحانه وتعاىل ‪:‬‬
‫يِف ُقلُوهِبِم َّمرض َفزادهم اللَّه مرضا ۖ وهَل م ع َذاب أَلِيم مِب ا َكانُوا يك ِ‬
‫ْذبُو َن ﴿‪﴾10‬‬ ‫َ‬ ‫َ ٌ َ َ ُ ُ ُ ََ ً َ ُْ َ ٌ ٌ َ‬
‫‪5‬‬
‫سبب النزول‬ ‫‪‬‬
‫مل يرد يف املرجع سبب لنزول اآلية رقم ‪ 145‬من سورة األنعام‪.‬‬

‫معاني اآليات وافكارها‬


‫ك وفس اد ف ْابتُلوا باملعاص ي املوجب ة لعق وبتهم‪ ،‬ف زادهم اهلل ش ًكا‪ ،‬وهلم‬
‫أي يف قل وهبم ش ٌّ‬
‫عقوبة موجعة بسبب كذهبم ونفاقهم‪.‬‬
‫فاهلل س بحانه وتع اىل‪ ،‬ش به م ا يف قل وب املن افقني بأن ه م رض‪ ،‬واملرض أوال ي ورث الس قم‪،‬‬
‫فكأن قلوهبم ال متلك الصحة اإلميانية اليت حتيي القلب فتجعله قويا شابا‪ ،‬ولكنها قلوب مريضة‪،‬‬
‫ملاذا كانت مريضة؟ لقد أتعبها النفاق وأتعبها التنافر مع كل ما حوهلا‪ ،‬وأحست أهنا تعيش حياة‬
‫ملؤه ا الك ذب‪ ،‬فاض طراب القلب‪ ،‬جعل ه مريض ا‪ ،‬وال ميكن أن يش فى إال ب إذن اهلل‪ ،‬وعالج ه ه و‬
‫{ونَُنِّز ُل ِم َن القرآن‬
‫اإلميان احلقيقي الصادق‪ ،‬ذلك الذي يعطيه الشفاء‪ ،‬واهلل سبحانه وتعاىل يقول‪َ :‬‬
‫ني َوالَ يَِز ُ‬‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫يد الظاملني إَالَّ َخ َساراً}‪[ ...‬اإلسراء‪.]82 :‬‬ ‫َما ُه َو ش َفآءٌ َو َرمْح َةٌ لِّْل ُم ْؤمن َ‬
‫إذن فاإلميان والق رآن مها ش فاء القل وب‪ ،‬كالمها بعي د عن قل وب ه ؤالء املن افقني‪ ،‬فك أن‬
‫املرض يزداد يف قلوهبم مع الزمن‪ ،‬واهلل سبحانه وتعاىل بنفاقهم وكفرهم يزيدهم مرضا‪ .‬وهذه هي‬
‫الصفة الثالثة للمنافقني‪ .‬أهنم أصحاب قلوب مريضة سقيمة‪ ،‬ال يدخلها نور اإلميان‪ ،‬ولذلك فهي‬
‫قلوب ضعيفة‪ ،‬ليس فيها القوة الالزمة ملعرفة احلق‪ .‬وهي قلوب خائفة من كل ما حوهلا‪ ،‬مرتعبة يف‬
‫كل خطواهتا‪ ،‬مضطربة بني ما يف القلب وما على اللسان‪ ،‬واملريض ال يقوى على شيء وكذلك‬
‫ه ذه القل وب ال تق وى على ق ول احلق‪ ،‬وال تق وى على الص دق‪ ،‬وال ت رى م ا حوهلا‪ ،‬تل ك الرؤي ة‬
‫اليت تتناسب وتتفق مع فطرة اإلميان‪ ،‬اليت وضعها اهلل تعاىل يف القلوب‪ ،‬ولذلك إذا دخل املنافقون‬
‫يف معركة يف صفوف جيش املسلمني‪ ،‬فأول ما يبحثون عنه هو اهلرب من املعركة‪ ،‬يبحثون عن‬
‫خمب أ خيتف ون في ه‪ ،‬أو مك ان ال ي راهم في ه أح د‪ ،‬واهلل س بحانه وتع اىل يص فهم بقول ه‪{ :‬لَ ْو جَيِ ُدو َن‬
‫ات أَو م دَّخالً لَّولَّواْ إِلَ ِ‬
‫يْه َو ُه ْم جَيْ َم ُح و َن}‪[ ...‬التوب ة‪ .]57 :‬ملاذا؟ ألهنم أص حاب‬ ‫ٍ‬
‫َم ْل َجئ اً أ َْو َمغَ َار ْ ُ َ َ ْ‬
‫قل وب مريض ة‪ ،‬ال تق وى على ش يء‪ ،‬ومرض ها جيعله ا هترب من ك ل ش يء‪ ،‬وختتفي‪ .‬وليت األم ر‬
‫‪6‬‬
‫يقتصر عند هذا احلد‪ ،‬ولكن ينتظرهم يف اآلخرة عذاب أليم‪ ،‬غري العذاب الذي عانوه من قلوهبم‬
‫املريضة يف الدنيا‪ ،‬فبما كانوا يكذبون على اهلل وعلى رسوله‪ ،‬ينتظرهم يف اآلخرة عذاب أليم أشد‬
‫من ع ذاب الك افرين‪ ،‬واهلل س بحانه وتع اىل يق ول‪{ :‬إِ َّن املن افقني يِف ال درك األس فل ِم َن الن ار}‪...‬‬
‫[النساء‪.]145 :‬‬

‫الشرح والدراسة والتحليل ‪:‬‬

‫تعترب القراءات القرآنية ذات املعاين املتعددة من أهم مظاهر اإلعجاز البياين يف القرآن الكرمي؛‬
‫فهي تكتنز عدداً من املشاهد اليت تكون الصورة العامة للقصة أو للخرب املسوق للرتبية والوعظ‬
‫والتشريع يف الوقت ذاته‪،‬كما قال اهلل سبحانه وتعاىل يف سورة البقرة اآلية ‪ ،10‬كما ورد يف قوله‬
‫تعاىل (يك ِ‬
‫ْذبُون) أن هلا ‪ ‬قراءتان ‪-:‬‬ ‫َ‬
‫قرأ الكوفيون ‪﴿ :‬مِب ا َكانُوا يك ِ‬
‫ْذبُو َن﴾‪ ‬خمففة مفتوحة الياء من َك َذب‪ ،‬ومصدره الكذب‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫( ‪)1‬‬

‫الذ ِال‪ ،‬فهي‬ ‫وقرأ أهل املدينة واحلجاز والبصرة والشام‪﴿  :‬ي َك ِّذبو َن﴾ بِض ِّم الْي ِاء وتَ ْش ِد ِ‬
‫يد َّ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫( ‪)2‬‬

‫مأخوذة من َّ‬
‫كذب الثالثي املضعف‪ ،‬ومصدره هو التكذيب‪.‬‬

‫المقارنة بين القراءتين‬

‫األوىل مبعىن أهنم يكذبون يف منطقهم وحديثهم‪.‬‬ ‫‪o‬‬

‫ىن هي ال يت‬ ‫مع‬ ‫ر‬ ‫عش‬ ‫ة‬ ‫أربع‬ ‫من‬ ‫ان‬ ‫‪ o‬وأم ا الثاني ة ف إن التض عيف يف‪﴿ ‬يك ِ‬
‫ْذبو َن﴾‪ ‬حيتم ل مع ٍ‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫فعل‪ ،‬ومن املع اين ال يت حيتمله ا التك ذيب هن ا‪ :‬ال رمي ب ه‪ ،‬والتعدي ة‪ ،‬والتكث ري‪،‬‬
‫ج اءت هلا َّ‬
‫والتسمية‪.:‬‬

‫‪ ‬األول ‪ :‬الرمي ‪ ،‬فيكون معناها‪ :‬أهنم يك ّذبون أي يرميهم غريُهم بالكذب‪ ،‬ويسميهم‬
‫شجعته وجبَّنته‪ ،‬أي رميته‬
‫به أي الكاذبني‪ ،‬فتوافق معىن قراءة التخفيف‪ ،‬كما يقال‪َّ :‬‬
‫بالشجاعة واجلنب‪ ،‬ومسيته به‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫‪ ‬واملع ىن الث اين التعدي ة‪ :‬أي يتهم ون املرس لني بالك ذب أو مبا ك انُوا يُ َك ِّذبون الرس َ‬
‫ول‬
‫والقرآ َن‪ ،‬وهذا حمض الكفر‪،‬‬

‫‪ ‬واملعىن الثالث‪ :‬يكذبون أي يكثرون الكذب كما تقول يكثِّر‪.‬‬

‫‪ ‬واملع ىن الراب ع‪ :‬التسمية به فقد صاروا يس مون بني الناس بالكاذبني ويعرفون بذلك‪،‬‬
‫وكلمة كانوا يف قوله‪﴿ ‬مِب ا َك انُوا يك ِ‬
‫ْذبُو َن﴾‪ ‬مقحمة إلفادة دوام كذهبم وجتدده أي‪:‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫بسبب كذهبم املتجدد املستمر الذي هو قوهلم آمنا‪.‬‬

‫وبذلك صورت القراءتان مشهدين خمتلفني‪.‬‬ ‫‪o‬‬

‫‪ ‬املش هد األول‪ :‬اس تحقاق ه ؤالء املن افقني للع ذاب األليم بس بب ك ذهبم يف أنفس هم‪:‬‬
‫ْذبُو َن﴾‪ ،‬ومن كذهبم أهنم يكذبون بدعواهم اإلميان وإظهارهم‬ ‫وتدل عليه قراءة‪﴿ ‬يك ِ‬
‫َ‬
‫َّاس َم ْن‬ ‫﴿و ِم َن الن ِ‬ ‫ال ‪َ  :‬‬ ‫داعا للَّه ع َّز وج َّل ولرس وله َوللمؤم نني‪َ ،‬ف َق َ‬ ‫ذل ك بألس نتهم خ ً‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫مِب ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َآمنُ وا﴾‪ ،‬وذل ك‬ ‫ني خُيَ ادعُو َن اللَّهَ َوالذ َ‬ ‫ول َآمنَّا بِاللَّه َوبِ الَْي ْوم اآلخ ِر َو َم ا ُه ْم ُ ْؤمن َ‬ ‫َي ُق ُ‬
‫ول اللَّ ِه‬ ‫ِ‬
‫َّك لََر ُس ُ‬ ‫كما يف َق ْول اللَّ ِه َتبَ َار َك َوَت َع اىَل ‪﴿ :‬إِ َذا َج اءَ َك الْ ُمنَ اف ُقو َن قَ الُوا نَ ْش َه ُد إِن َ‬
‫َّك لَرس ولُهُ واللَّهُ ي ْش ه ُد إِ َّن الْمنَ افِ ِق َ ِ خَّت‬
‫ص دُّوا‬ ‫ني لَ َك اذبُو َن*ا َ ُذوا أَمْيَا َن ُه ْم ُجنَّةً فَ َ‬ ‫ُ‬ ‫َواللَّهُ َي ْعلَ ُم إِن َ َ ُ َ َ َ‬
‫َع ْن َس بِ ِيل اللَّ ِه إِن َُّه ْم َس اءَ َم ا َك انُوا َي ْع َملُ و َن﴾ املن افقون‪﴿،2- 1:‬اخَّتَ ُذوا أَمْيَ انَ ُه ْم ُجنَّةً‬
‫ِ‬
‫ني﴾ اجملادلة ‪ ،16:‬وكما قال تعاىل﴿فَ َم ْن أَظْلَ ُم‬ ‫اب ُم ِه ٌ‬
‫ص دُّوا َع ْن َس بِ ِيل اللَّه َفلَ ُه ْم َع َذ ٌ‬ ‫فَ َ‬
‫ص ِدفُو َن َعن آياتِنَ ا س وء الْع َذ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫مِم‬
‫اب‬ ‫ْ َ ُ َ َ‬ ‫ين يَ ْ‬‫ف َعْن َه ا َس نَ ْج ِزي الذ َ‬ ‫ص َد َ‬ ‫ب بِآيَات اللَّه َو َ‬ ‫َّْن َك َّذ َ‬
‫ص ِدفُو َن﴾ األنعام ‪.157:‬‬ ‫َا َكانُوا يَ ْ‬
‫مِب‬

‫ض ِّم الْيَ ِاء ‪ :‬استحقاق هؤالء املنافقني‬


‫الذ ِال َو َ‬
‫املشهد الثاين‪ :‬وتدل عليه القراءة بِت ْش ِد ِ‬
‫يد َّ‬ ‫َ‬ ‫‪‬‬
‫للعذاب األليم بسبب صفة ذميمة أخرى هي التكذيب للصادقني‪ ،‬وعلى رأسهم النيب‬
‫األمني ص لى اهلل علي ه وآل ه وس لم‪ ،‬وك ثرة الك ذب أم ام املفلحني إذا جعلن ا التض عيف‬
‫الر ُس ُل َوظَنُّوا أَن َُّه ْم قَ ْد ُك ِذبُوا‬
‫َس ُّ‬ ‫تعاىل﴿حىَّت إِ َذا ْ‬
‫اس َتْيأ َ‬ ‫َ‬ ‫داالً على التكثري‪ ،‬وذلك كقوله‬
‫ص ُرنَا﴾ يوسف‪110 :‬‬
‫َجاءَ ُه ْم نَ ْ‬
‫‪8‬‬
‫‪ ‬ونالح ظ هن ا أن الع ذاب األليم الواق ع على املن افقني ك ان واقع اً عليهم ال جملم وع‬
‫فكل منهما توجب‬ ‫ٍ‬
‫اجلرميتني أي النفاق والكذب‪ ،‬وإمنا بسبب كل جرمية على حدة‪ٌ ،‬‬
‫العذاب األليم على صاحبها‪ :‬الكذب‪ ،‬والتكذيب وقد كانوا متصفني هبذا وهذا كما‬
‫قال‪ ‬ابن كثري‪.‬‬

‫‪15- 14‬‬ ‫واإلعجاز العلمي لسورة احلجر اآلية‬ ‫‪‬‬


‫قال اهلل سبحانه وتعاىل ‪:‬‬
‫ِِ‬ ‫ولَو َفتحنا علَي ِهم بابا ِمن َّ ِ‬
‫صارنا‬ ‫السماء فَظَلُّوا فيه َي ْع ُر ُجو َن ﴿‪ ﴾14‬لَقالُوا إِمَّن ا ُس ِّكَر ْ‬
‫ت أَبْ ُ‬ ‫َ ْ َْ َْ ْ ً َ‬
‫ورو َن ﴿‪﴾15‬‬
‫بَ ْل حَنْ ُن َق ْو ٌم َم ْس ُح ُ‬
‫سبب النزول‬ ‫‪‬‬
‫وهات ان اآليت ان وردت ا يف س ياق احلديث عن عن اد ومك ابرة كف ار ق ريش خلامت األنبي اء‬
‫واملرسلني ـ صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وتكذيبهم ببعثته‪ ،‬وتشكيكهم يف الوحي الذي أنزل إليه من ربه‪،‬‬
‫واهتامهم ل ه ب اجلنون‪ ،‬وهم أع رف الن اس بأن ه ص لى اهلل علي ه وس لم ‪ ،‬ك ان أرجح الن اس عقال‪،‬‬
‫وأعظمهم خلق ا‪ ،‬وأش رفهم نس با‪ ،‬ول ذلك ن زلت اآلي ات يف مطل ع س ورة احلج ر لتش يد ب القرآن‬
‫الكرمي‪ ،‬ولتهدد هؤالء اجلاحدين مبشهد يوم عظيم يعاينون فيه أهوال اآلخرة فيتمنون لو كانوا يف‬
‫الدنيا قد أسلموا لرب العاملني‪ ،‬وآمنوا ببعثة خامت األنبياء واملرسلني وبآيات هذا الكتاب املبني‪،‬‬
‫هـون على ه ذا الن يب اخلامت ‪ -‬ص لى اهلل علي ه وس لم ‪-‬‬‫وبي وم البعث ال ذي ك انوا ب ه ين ذرون‪ِ ،‬ولُيـَ َّ‬
‫صلف هؤالء املتكربين فتطلب منه أن يدعهم يف غيهم يأكلون ويتمتعون‪ ،‬ويشغلهم األمل بطول‬
‫األجل عن التفكري فيما سوف يلقونه من عذاب مهني يف الدنيا قبل اآلخرة‪ ،‬وذلك جزاء كفرهم‬
‫وعنادهم وكربهم‪ .‬وهذا التهديد والوعيد من اهلل تعاىل هلؤالء اجملرمني‪ ،‬يتبعه تذكري مبصائر غريهم‬
‫من األمم الس ابقة عليهم‪ ،‬وب أن اهلل تع اىل مل يهل ك أي ا من تل ك الق رى الظاملة ال يت ك ذبت بآيات ه‬
‫ورسله إال وجعل هلالكها أجال حمددا‪.‬‬
‫وتذكر اآليات حتديات كفار قريش لرسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬واستهزائهم به‬
‫وتنكرهم لشرف بعثته حىت طلبوا منه أن يأتيهم باملالئكة ليشهدوا له بصدق نبوته‪ ،‬فريد احلق ‪-‬‬

‫‪9‬‬
‫دمر املكذبون بآيات‬
‫تبارك وتعاىل ‪ -‬عليهم بأن املالئكة ال تنزل إال باحلق‪ ،‬وأن من هذا احلق أن يُ َّ‬
‫اهلل ورسله بعد أن جاءهتم نذر رهبم‪.‬‬

‫‪ ‬معاني اآليات وافكارها‬


‫أي لو فتحنا على كفار "مكة" بابًا من السماء فاستمروا صاعدين فيه حىت يشاهدوا ما يف‬
‫ت أبصارنا‪ ،‬حىت رأينا ما مل َنر‪ ،‬وما‬ ‫ِ‬
‫السماء من عجائب ملكوت اهلل‪ ،‬ملا صدَّقوا‪ ،‬ولقالوا‪ُ :‬س حَر ْ‬
‫حنن إال مسحورون يف عقولنا من حممد‪.‬‬
‫واملع ىن أ ّن ه ؤالء املش ركني بل غ من غل وهم يف العن اد ‪ :‬أن ل و فتح هلم ب اب من أب واب‬
‫السماء‪ ،‬ويسر هلم معراج يصعدون فيه إليها‪ ،‬ورأوا من العيان ما رأوا‪ ،‬لقالوا ‪ :‬هو شيء نتخايله‬
‫ال حقيقة له‪ ،‬ولقالوا قد سحرنا حممد بذلك‪ ،‬وقيل ‪ :‬الضمري للمالئكة‪ ،‬أى ‪ :‬لو أريناهم املالئكة‬
‫يص عدون يف الس ماء عيانً ا لق الوا ذل ك‪ ،‬وذك ر الظل ول ليجع ل ع روجهم بالنه ار ليكون وا‬
‫كريا‬
‫مستوض حني ملا ي رون‪ ،‬وق ال‪ :‬إمنا‪ ،‬لي دل على أهنم ي بيتون الق ول ب أ ّن ذل ك ليس إال تس ً‬
‫لألبصار‪.‬‬

‫الشرح والدراسة والتحليل‬ ‫‪‬‬


‫فاإلنسان إذا خرج من جو األرض انتقل إىل ظالم فال يبصر‪ ،‬وهبذا تكون السموات جزءا‬
‫من الس ماء‪ ،‬ألن الس ماء ك ل م ا عال وارتف ع مما ع دا األرض‪ ،‬والس موات ج زء منه ا هبذا املع ىن‬
‫الواس ع ال ذي يش مل الفض اء والس قف واملط ر والس حاب‪ ،‬ف إن (الس ماء) تك ون أوس ع من‬
‫(الس موات) فهي تش ملها وغريه ا‪ ،‬والعلم التجري يب يؤك د على أن هن اك طبق ة من الن ور ح ول‬
‫األرض هي طبقة ال تتعدى ‪ 200‬كم‪ ،‬و هي يف النصف املواجه للشمس ‪ ،‬وإن باقي الكون ظالم‬
‫دامس‪ ،‬و عندما يتخطى اإلنسان هذه الطبقة فإنه يرى ظالم دامس‪ ،‬و ملا ختطى أحد رواد الفضاء‬
‫األمريكيون هذه الطبقة ألول مرة قال عن شعوره يف تلك اللحظة ‪:‬‬
‫" ‪".I have almost lost my eye sight or something magic has come over me‬‬
‫كأين فقدت بصري ‪ ،‬أو اعرتاين شيء من السحر"‬

‫‪10‬‬
‫وهو متاماً تفسري لآلية الكرمية‪ ،‬أما قوله تعاىل ﴿ولو فتحنا عليهم باب اً﴾ و الباب ال يفتح يف فراغ‬
‫أب دا‪ ،‬والق رآن يؤك د أن الس ماء بن اء أي أن الس ماء بن اء مؤل ف من لبن ات أي ال ف راغ فيه ا‬
‫يق ول علم اء الفل ك ‪ :‬إن ه حلظ ة االنفج ار العظيم امتأل الك ون باملادة و الطاق ة‪ ،‬فخلقت املادة و‬
‫الطاقة كما خلق املكان و الزمان‪ ،‬أي ال يوجد زمان بغري مكان و مكان بغري زمان و ال يوجد‬
‫زمان و مكان بغري مادة وطاقة‪ ،‬فالطاقة متأل هذا الكون‪﴿ .‬يعرجون﴾ أي السري بشكل متعرج‪ ،‬و‬
‫قد جاء العلم ليؤكد أنه ال ميكن احلركة يف الكون يف خط مستقيم أبداً ‪ ،‬وإمنا يف خط متعرج ‪.‬‬

‫واإلعجاز الفين – سورة احلاقة اآلية ‪37-13‬‬ ‫‪‬‬


‫قال اهلل سبحانه وتعاىل ‪:‬‬
‫ف إذا نفخ يف الص ور نفخ ة واح دة ﴿‪ ﴾13‬ومحلت األرض واجلب ال ف دكتا دك ة واح دة ﴿‪﴾14‬‬
‫فيومئذ وقعت الواقعة ﴿‪ ﴾15‬وانشقت السماء فهي يومئذ واهية ﴿‪ ﴾16‬وامللك على أرجائها‬
‫وحيمل عرش ربك فوقهم يومئذ مثانية ﴿‪ ﴾17‬يومئذ تعرضون ال ختفى منكم خافية ﴿‪ ﴾18‬فأما‬
‫من أويت كتاب ه بيمين ه فيق ول ه اؤم اق رءوا كتابي ه ﴿‪ ﴾19‬إين ظننت أين مالق حس ابيه ﴿‪﴾20‬‬
‫فهو يف عيشة راضية ﴿‪ ﴾21‬يف جنة عالية ﴿‪ ﴾22‬قطوفها دانية ﴿‪﴾23‬كلوا واشربوا هنيئا مبا‬
‫أس لفتم يف األي ام اخلالي ة ﴿‪ ﴾24‬وأم ا من أويت كتاب ه بش ماله فيق ول ي ا ليت ين مل أوت كتابي ه ﴿‬
‫‪﴾25‬ومل أدر م ا حس ابيه ﴿ ‪ ﴾26‬ي ا ليته ا ك انت القاض ية ﴿‪ ﴾27‬م ا أغ ىن ع ين مالي ه ﴿‬
‫‪﴾28‬هل ك ع ين س لطانيه ﴿‪ ﴾29‬خ ذوه فغل وه ﴿‪ ﴾30‬مث اجلحيم ص لوه ﴿‪ ﴾31‬مث يف سلس لة‬
‫ذرعه ا س بعون ذراع ا فاس لكوه ﴿‪ ﴾32‬إن ه ك ان ال ي ؤمن باهلل العظيم ﴿‪ ﴾33‬وال حيض على‬
‫طعام املسكني ﴿‪ ﴾34‬فليس له اليوم ها هنا محيم ﴿‪ ﴾35‬وال طعام إال من غسلني ﴿‪ ﴾36‬ال‬
‫يأكله إال اخلاطئون ﴿‪﴾37‬‬

‫سبب النزول‬ ‫‪‬‬

‫‪11‬‬
‫يرتكز سبب نزول سورة احلاقة حول اآلية الكرمية‪" :‬وتَعِيه ا أُذُ ٌن و ِ‬
‫اعيَ ةٌ"[‪ ،]٤‬وقد ورد يف سبب‬ ‫َ‬ ‫َ ََ‬
‫نزوهلا م ا ورد يف ح ديث عب د اهلل بن الزب ري‪ ،‬ق ال‪ :‬مسعت‪ ‬ص احل بن هيثم‪ ‬يق ول‪:‬‬
‫مسعت‪ ‬بري دة‪ ‬يق ول‪ :‬ق ال رس ول اهلل ‪-‬ص لّى اهلل علي ه وس لّم‪ -‬لعلي‪" :‬إن اهلل أم رين أن أدني ك وال‬
‫أقصيك‪ ،‬وأن أعلمك وتعي‪ ،‬وحق على اهلل أن تعي"‪ ،‬فنزلت‪" :‬وتعيها أذن واعية"‪.‬‬

‫معاني اآليات وافكارها‬


‫الص و ِر﴾‪ ‬يِف‬‫الن ْف ِخ‪﴿ ‬يِف ُّ‬ ‫ك الْ ُم َو َّك ُل بِ َّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫﴿فَ ِإذاَ نُِف َخ﴾‪ ‬أ ِ‬
‫يل َو ُه َو الْ َملَ ُ‬ ‫َي فَ إذَا َن َف َخ إ ْس َراف ُ‬ ‫ْ‬ ‫(‪)13‬‬

‫اح َدةٌ﴾‪ ‬تَأْكِي ٌد‪.‬‬ ‫الن ْفخةُ الثَّانِيةُ‪﴿ ‬و ِ‬ ‫الن ْفخةُ األُوىَل وقِ‬ ‫وق‪﴿ ‬نَ ْفخةٌ﴾‪ ‬و ِ‬ ‫الْب ِ‬
‫يل‪َ َ َ َّ :‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ف أَ ِو‬ ‫ِ‬ ‫ض َواجْلِبَ ُ‬ ‫ِِ‬ ‫ت﴾‪ ‬أَي رفِع ِ‬ ‫﴿ومُحِ لَ ِ‬
‫يح الْ َعاص ُ‬ ‫َي مَحَلَْت َه ا ال ِّر ُ‬ ‫ال﴾‪ ‬أ ْ‬ ‫ت م ْن أ ََماكن َه ا‪﴿ ‬األ َْر ُ‬ ‫َُْْ‬ ‫(‪)14‬‬

‫ِِ‬
‫ال ا ِإل َم ُام َزيْ ُن الْ َعاب د َ‬
‫ين‬ ‫اس ٍة َوالَ ُمبَ َ‬
‫اش َر ٍة َك َم ا قَ َ‬ ‫الْ َمالَئِ َك ةُ أَ ِو اللَّهُ َع َّز َو َج َّل بِ ُق ْد َرتِ ِه ِم ْن َغرْيِ مُمَ َّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫س"‪﴿.‬فَ ُد َّكتَا‬ ‫س َوالَ جُتَ ُّ‬ ‫س َوالَ حُتَ ُّ‬‫ك الَ مُتَ ُّ‬ ‫"س ْب َحانَ َ‬ ‫بن احْلُ َس نْي ِ ب ِن َعل ٍّي َرض َي اللَّهُ َعْن ُه ْم‪ُ  :‬‬ ‫َعل ُّي ُ‬
‫ض ا ُم ْس تَ ِويَةً‬
‫ص ريُ أ َْر ً‬‫ط َفتَ ِ‬ ‫ت‪َ ،‬وقِي َل‪ُ :‬تْب َس ُ‬ ‫ض َحىَّت َت َفتَّتَ ْ‬ ‫ض َها بَِب ْع ٍ‬ ‫ب َب ْع ُ‬ ‫ض ِر َ‬‫َي ُ‬
‫ِ‬
‫َد َّكةً َواح َد ًة﴾‪ ‬أ ْ‬
‫َكاألَدمِيِ الْمم ُد ِ‬
‫ود‪.‬‬ ‫َْ‬
‫ت الْ ِقيَ َامةُ‪َ ،‬والْ َواقِ َعةُ ِه َي الْ ِقيَ َامةُ‪.‬‬‫ت الْواقِعةُ﴾‪ ‬أَي قَام ِ‬
‫ْ َ‬
‫ِ‬
‫﴿ َفَي ْو َمئذ َو َق َع َ َ‬
‫ٍِ‬ ‫(‪)15‬‬

‫ض‪﴿ ‬فَ ِه َي َي ْو َمئِ ٍذ‬ ‫ض َها ِم ْن َب ْع ٍ‬ ‫ت َومَتََّيَز َب ْع ُ‬ ‫َّع ْ‬


‫ص دَ‬ ‫ت َوتَ َ‬ ‫الس َمآءُ﴾‪ ‬أَ ِي ا ْن َفطَ َر ْ‬ ‫َّت َّ‬ ‫﴿وانْ َش ق ِ‬
‫َ‬ ‫(‪)16‬‬

‫ت َش ِد َ‬ ‫و ِاهيةٌ﴾‪ ‬أَي ِ ِ ِ‬
‫يد ًة‪.‬‬ ‫ضعي َفةٌ لتَ َشقُّق َها َب ْع َد أَ ْن َكانَ ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ َ‬
‫ب وأَطْر ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اف‬ ‫َ‬ ‫َي َعلَى َج َوان َ‬ ‫﴿علَى أ َْر َجآئ َه ا﴾‪ ‬أ ْ‬ ‫ك﴾‪َ  ‬ي ْعيِن الْ َمالَئ َك ةَ‪َ  ‬‬ ‫﴿والْ َملَ ُ‬ ‫َ‬ ‫(‪)17‬‬

‫يل‪:‬‬ ‫وس ِهم‪ ،‬وقِ‬ ‫ك َف و َقهم﴾‪ ‬أَي َف و َق رء ِ‬ ‫ب‬


‫ِّ‬ ‫ر‬ ‫ش‬ ‫ر‬ ‫﴿ع‬ ‫‪ ‬‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫و‬ ‫ل‬
‫ُ‬ ‫الس م ِاء‪﴿ ‬وحَي ِم ل﴾‪ ‬أَ ِي الْمالَئِ َك ةُ حَي ِ‬
‫م‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ َ ْ ُ‬
‫الس م ِاء علَى أَرجائِه ا‪ٍ ِ  ‬‬ ‫ِ ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫َي َي ْو َم‬ ‫﴿ي ْو َمئ ذ﴾‪ ‬أ ْ‬ ‫َ‬ ‫ين يِف َّ َ َ ْ َ َ‬ ‫إ َّن مَحَلَ ةَ الْ َع ْر ِش َف ْو َق الْ َمالَئ َك ة الذ َ‬
‫َي يِف ال ُّد ْنيَا حَيْ ِملُ هُ أ َْر َب َع ةٌ ِم َن الْ َمالَئِ َك ِة‪َ ،‬وإِمَّنَ ا‬ ‫ِ ِ‬ ‫الْ ِقيام ِة‪﴿ ‬مَثَانِي ةٌ﴾‪ ‬أ ِ‬
‫َي م َن الْ َمالَئ َك ة َوالَْي ْو َم أ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬
‫ص لَّى اللَّهُ َعلَي ِْه َو َس لَّم يِف‬ ‫ال رس ُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ول اللَّه َ‬ ‫ك الَْي ْوم‪ ،‬قَ َ َ ُ‬ ‫يَ ُكونُو َن مَثَانِيَةً َي ْو َم الْقيَ َام ِة إِظْ َه ًارا ل َع ِظي ِم َذل َ‬
‫ك ِم ْن َمالَئِ َك ِة اللَّ ِه ِم ْن مَحَلَ ِة الْ َع ْر ِش‪ ،‬إِ َّن َما‬ ‫ِّث َعن ملَ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬
‫ُحد َ ْ َ‬ ‫َبيَان ص َفة مَحَلَة الْ َع ْر ِش‪« :‬أُذ َن يِل أَ ْن أ َ‬
‫ظ ابْن َح َج ٍر يِف‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ ٍ‬ ‫ِ ِ ِ ِ ِِ ِ ِ‬
‫[ر َواهُ أَبُو َد ُاو َد]‪ ،‬قَ َال احْلَاف ُ ُ‬ ‫َبنْي َ َش ْح َمة أُذُن ه إىَل َعاتق ه َمس َريةُ َس ْبعمائَة َع ام»‪َ  ‬‬
‫يح"‪ ‬ا‪.‬هـ‪.‬‬ ‫الص ِح ِ‬ ‫ادهُ َعلَى َش ْر ِط َّ‬ ‫صهُ‪" :‬إِ ْسنَ ُ‬ ‫ي َما نَ ُّ‬ ‫َش ْر ِح الْبُ َخا ِر ِّ‬
‫‪12‬‬
‫ض ا َي ْعلَ ُم اللَّهُ بِ ِه َم ا مَلْ يَ ُك ْن َعالِ ًم ا بِ ِه‬ ‫ك َع ْر ً‬
‫اب ولَي ِ‬
‫س َذل َ‬ ‫َّ ِ ِ ِ ِ‬
‫ض و َن﴾‪َ  ‬علَى الله ل ْلح َس َ ْ َ‬
‫ٍِ‬
‫﴿ي ْو َمئ ذ ُت ْعَر ُ‬‫َ‬ ‫(‪)18‬‬

‫اب َوَت ْق ِر ُير األ َْع َم ِال َعلَْي ِه ْم لِْل ُم َج َاز ِاة‪﴿ ‬الَ خَت ْ َفى ِمْن ُك ْم َخافِيَ ةٌ﴾‪َ  ‬ف ُه َو َع امِلٌ بِ ُك ِّل‬ ‫ِ‬
‫بَ ْل َم ْعنَاهُ احْل َس ُ‬
‫ف‪﴿ :‬الَ خَي ْ َفى﴾‪ ‬بِالْيَ ِاء‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َشىء ِم ْن أ َْع َمال ُك ْم‪َ ،‬و َقَرأَ مَح َْزةُ َوالْ ِك َسائِ ُّي َو َخلَ ٌ‬
‫ٍ‬

‫﴿م ْن أُويِت َ﴾‪ ‬أ ْ‬ ‫ص ل هِبَ ا َم ا َوقَ َع يِف َي ْوِم الْ َع ْر ِ‬ ‫﴿فَأ ََّما﴾‪" ‬أ ََّما"‪ ‬ح ر ُ ِ‬
‫َي‬ ‫ض‪َ  ‬‬ ‫ف َت ْفص ٍيل فَ َّ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫(‪)19‬‬

‫ني َدلِي ٌل َعلَى‬ ‫أ ُْع ِطي‪﴿ ‬كِتَٰـبهُ﴾‪ ‬أَي كِتَ اب أ َْعمالِ ِه‪﴿ ‬بِي ِمينِ ِه﴾‪ ‬وإِ ْعطَ اء الْ ِكتَ ِ‬
‫اب بِ الْيَ ِم ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َي ُخ ُذوا‪َ ،‬وقِي َل‬ ‫آؤ ُم﴾‪ ‬أ ْ‬ ‫﴿ه ُ‬ ‫ِ‬
‫اعت ه ل َم ا ُس َّر بِ ه‪َ  ‬‬
‫ول﴾‪ ‬الْم ؤ ِمن ِخطَاب ا جِل م ِ ِ ِ‬
‫َّج اة‪َ ﴿ ‬فَي ُق ُ ُ ْ ُ ً َ َ َ‬
‫الن ِ‬
‫َ‬
‫ني بِِإ ْعطَ ِاء‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الس ُرو ِر َو َعل َم أَنَّهُ م َن النَّاج َ‬ ‫ْرءُوا كِتَابِيَ ْه﴾‪َ  ‬والْ َم ْعىَن أَنَّهُ لَ َّما َبلَ َغ الْغَايَةَ يِف ُّ‬ ‫َت َع الَ ْوا‪﴿ ‬اق َ‬
‫ك لِغَرْيِ ِه َحىَّت َي ْفَر ُحوا لَهُ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ب أَ ْن يُظْ ِهَر َذل َ‬ ‫َح َّ‬ ‫ِ ِِ ِ ِ ِ ِ‬
‫كتَابه بيَمينه أ َ‬
‫﴿إِيِّن ظَنْنت﴾‪ ‬أ ِ‬
‫ت‪،‬‬ ‫َي أ َْي َقْن ُ‬
‫ت﴾‪ ‬أ ْ‬ ‫ال أَبُ و َحيَّان‪﴿" :‬إِيِّن ظََنْن ُ‬ ‫ت يِف ال ُّد ْنيَا‪ ،‬قَ َ‬ ‫ت َوأ َْي َقْن ُ‬
‫َي َعل ْم ُ‬ ‫َ ُ ْ‬ ‫(‪)20‬‬

‫ني‪ ،‬ألَنَّهُ لَ ْو أُبِْق َي َعلَى‬ ‫ولَ و َك ا َن ظَنً ا فِي ِه جَتْ ِو ٌيز لَ َك ا َن ُكفْرا" ا‪.‬هـ‪ ،‬فُ ِّس ر الظَّ ُّن ُهنَ ا مِب َْعىَن الْيَ ِق ِ‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ ْ‬
‫ك ه ل حُي اس ب يِف ِ‬
‫اآلخ َر ِة أ َْم الَ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫َي مِب َْعىَن َّ‬ ‫أ ِِ‬
‫َي َش َّ َ ْ َ َ ُ‬ ‫ك َوالتََّر ُّدد لَ َك ا َن الْ َم ْعىَن أَنَّهُ ظَ َّن أ ْ‬ ‫الش ِّ‬ ‫َص له أ ْ‬‫ْ‬
‫ك فِي ِه َم ا‬ ‫ب اإلمِي َ ا ُن هِبَ ا‪َ ،‬و َّ‬
‫الش ُّ‬ ‫ِ ِ ِ ِ ِ َّ ِ‬ ‫اال ْعتِ َق ِ ِ ِ ِ ِ‬
‫اد ب الَْب ْعث َواحْل َس اب م ْن مُجْلَ ة الْ َع َقائ د الدِّينيَّة اليِت جَي ُ‬ ‫َو ِ ُ‬
‫ث واحْلِس ِ‬ ‫ك والظَّ ِّن ب ل الَ ب َّد لِْلم ْؤ ِم ِن أَ ْن يَتيق حِب ِ ِ‬ ‫ص ُل بِ َّ‬ ‫مِي‬
‫اب‪،‬‬ ‫َّن َ ِّقيَّة الَْب ْع َ َ‬ ‫ََ َ‬ ‫َْ ُ ُ‬ ‫الش ِّ َ‬ ‫ْر‪َ ،‬واإل َا ُن الَ حَيْ ُ‬ ‫ُكف ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت‬ ‫َي ثَابِ ٌ‬ ‫َن اللَّهَ َت َعاىَل َيْب َعثُيِن َو﴿أَيِّن ُملَـٰ ٍق﴾‪ ‬أ ْ‬ ‫ت يِف ُّ‬
‫الد ْنيَا أ َّ‬ ‫ت َوَتَي َّقْن ُ‬ ‫َفيَ ُكو ُن َم ْعىَن اآليَة‪ :‬إِيِّن َعل ْم ُ‬
‫ث‪.‬‬ ‫اآلخَر ِة َومَلْ أُنْ ِك ِر الَْب ْع َ‬
‫﴿حسابِيه﴾‪ ‬يِف ِ‬ ‫ٍ ِ‬
‫ك أَيِّن الَق‪ْ َ َ  ‬‬ ‫يِل َثبَاتًا الَ َيْن َف ُّ‬
‫اض يَ ٍة﴾‪َ  ‬ي ْعيِن‬‫﴿ر ِ‬ ‫ش‪َّ  ‬‬ ‫َي يِف َحالَ ٍة ِم َن الْ َعْي ِ‬ ‫﴿ َفه و﴾‪ ‬أَ ِي الَّ ِذي أ ُْع ِطي كِتَاب ه بِي ِمينِ ِه‪﴿ ‬يِف ِع َ ٍ‬
‫يش ة﴾‪ ‬أ ْ‬ ‫َ َُ َ‬ ‫َُ‬ ‫(‪)21‬‬

‫اب َوأ َِم َن ِم َن‬ ‫احبها‪ ،‬وقِي ل ِعيش ةٌ مر ِض يَّةٌ‪ ،‬وذَلِ ِ ِ‬ ‫َذات ِرض ا أَي ر ِض ي هِب ا ِ‬
‫ك بأَنَّهُ لَق َي الث ََّو َ‬ ‫َ َ‬ ‫ص ُ َ َ َ َ َْ‬ ‫َ ً َْ َ َ َ‬
‫ص ُّحوا فَالَ‬ ‫ال‪« :‬إِ َّن لَ ُكم أَ ْن تَ ِ‬
‫ْ‬
‫ول اللَّ ِه ص لَّى اللَّه علَ ِ‬
‫يْه َو َس لَّ َم قَ َ‬ ‫َُ‬ ‫َ‬ ‫َن َر ُس َ‬ ‫‪.‬ر َوى ُم ْس لِ ٌم أ َّ‬ ‫ِ ِ‬
‫الْع َق اب َ‬
‫تَ ْس َق ُموا أَبَ ًدا‪َ ،‬وإِ َّن لَ ُك ْم أَ ْن حَتَْي ْوا فَالَ مَتُوتُ وا أَبَ ًدا‪َ ،‬وإِ َّن لَ ُك ْم أَ ْن تَ ِش بُّوا فَالَ َت ْهَر ُم وا أَبَ ًدا‪َ ،‬وإِ َّن‬
‫َسوا أَبَ ًدا»‪.‬‬ ‫لَ ُك ْم أَ ْن َتْن َع ُموا فَالَ َتْبأ ُ‬
‫ف َواألَبْنِيَة‬ ‫الش ر ِ‬ ‫الس ب ِع‪ ،‬وعالِي ةٌ يِف الد ِ‬ ‫﴿يِف جن ٍَّة عالِي ٍة﴾‪ ‬م َكانً ا فَ ِهي َف و َق َّ ِ‬
‫َّر َج ة َو َّ َ‬ ‫َ‬ ‫الس َم َوات َّ ْ َ َ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ ََ َ‬ ‫(‪)22‬‬

‫ِ‬ ‫يْه وس لَّم قَ َ ِ يِف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ول اللَّ ِه َ َّ َّ‬ ‫ِ‪.‬ر َوى الْبُ َخ ا ِر ُّ‬
‫ال‪« :‬إ َّن اجْلَنَّة لَ َش َجَر ًة يَس ريُ‬ ‫ص لى اللهُ َعلَ َ َ َ‬ ‫َن َر ُس َ‬ ‫ي أ َّ‬ ‫َ‬
‫ض ا‪«  :‬إِ َّن لِْل ُم ْؤ ِم ِن يِف‬ ‫ِ‬
‫ص لَّى اللَّهُ َعلَيْه َو َس لَّ َم أَيْ ً‬
‫ال َ‬‫ب يِف ِظلِّ َه ا ِمائَ ةَ َع ٍام الَ َي ْقطَعُ َه ا»‪َ .‬وقَ َ‬ ‫َّ ِ‬
‫الراك ُ‬
‫اح َد ٍة جُم َّوفَ ٍة طُوهُل ا ِس تُّو َن ِميالً»‪[ ‬رواه مس لِم]‪ .‬وقَ َال ص لَّى اللَّه علَي ِ‬
‫ْه‬ ‫اجْل ن َِّة خَل يم ةً ِمن لُْؤلُؤ ٍة و ِ‬
‫َُ‬ ‫َ‬ ‫ََ ُ ُ ْ ٌ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َْ َ ْ َ َ‬
‫‪13‬‬
‫اه ِدين يِف َس بِ ِيل اللَّ ِه َم ا َبنْي َ الدَّر َجَتنْي ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِِ‬
‫ض ا‪« :‬إِ َّن يِف اجْلَنَّة مائَةَ َد َر َج ة أ ََع د َ‬
‫َ‬ ‫َّها اللَّهُ ل ْل ُم َج َ‬ ‫َو َسلَّ َم أَيْ ً‬
‫ط اجْلَن َِّة َوأ َْعلَى‬ ‫س فَِإنَّهُ أ َْو َس ُ‬ ‫و‬ ‫د‬ ‫ر‬ ‫ض‪ ،‬فَ ِإذَا س أَلْتم اللَّه فَاس أَلُوه الْ ِ‬
‫ف‬ ‫ِ‬ ‫َر‬ ‫أل‬ ‫ا‬‫و‬ ‫الس م ِ‬
‫اء‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َك َم ا َبنْي َ َّ َ‬
‫ي]‪.‬‬ ‫[ر َواهُ الْبُ َخا ِر ُّ‬ ‫ِ‬
‫اجْلَنَّة»‪َ  ‬‬
‫اع ًدا أ َْو‬ ‫﴿قُطُوفُها﴾‪ ‬أَي م ا ي ْقطَ ف ِمن مِث َا ِر اجْل ن َِّة‪﴿ ‬دانِي ةٌ﴾‪ ‬أَي قَ ِريب ةٌ لِمن يَتنَاوهُل ا قَائِم ا أَو قَ ِ‬
‫ْ َ َْ َ َ َ ً ْ‬ ‫َ ََ‬ ‫َْ ُ ُ ْ‬ ‫(‪)23‬‬

‫ت الَ مَيَْنعُ هُ ِم ْن مَثَِر َه ا‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫نَائِ ًم ا َعلَى َّ‬


‫َي فَ ِم ه َدنَ ْ‬ ‫ِ‬
‫ت لَهُ َو َك َذا إ ْن أ ََر َاد أَ ْن تَ ْدنُ َو إىَل فيْه أ ْ‬ ‫الس ِري ِر ا ْن َق َاد ْ‬
‫ال هَلُ ْم‪-:‬‬ ‫بُ ْع ٌد‪َ ،‬ويُ َق ُ‬
‫ض يالً‬ ‫ك إِ ْنعام ا وإِحس انًا وامتِنَانًا وَت ْف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ ٍ‬
‫ال هَلُ ْم َذل َ َ ً َ ْ َ َ ْ َ‬ ‫َي يُ َق ُ‬ ‫﴿ ُكلُوا َوا ْشَربُوا﴾‪ ‬أ َْم ُر ْامتنَان الَ تَكْليف أ ْ‬ ‫(‪)24‬‬

‫يص الَ َتتَ أَ َذ ْو َن مِب َا‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫يف‪ِ  ‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َي الَ تَكْد َير فيه َوالَ َتْنغ َ‬ ‫﴿هنيئً ا﴾‪ ‬أ ْ‬ ‫ت بِ َدا ِر تَكْل ٍ َ‬ ‫َعلَْي ِه ْم فَِإ َّن اآلخ َر َة لَْي َس ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫مِب‬
‫اجو َن‬ ‫تَأْ ُكلُو َن َوالَ َا تَ ْش َربُو َن يِف اجْلَنَّة أَ ْكالً طَيِّبً ا لَذي ًذا َش ِهيًّا َم َع الُْبعْد َع ْن ُك ِّل أَ ًذى َوالَ حَتْتَ ُ‬
‫ص َداع‪﴿ ‬مِب َ آ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍِ‬ ‫ِمن أَك ِ ِ‬
‫اك َوالَ خُمَ ا َط َوالَ َو َهن َوالَ ُ‬ ‫اق ُهنَ َ‬ ‫ص َ‬ ‫ك إِىَل َغائ ط َوالَ َب ْول‪َ ،‬والَ بُ َ‬ ‫ْل َذل َ‬ ‫ْ‬
‫َي يِف أَيَّ ِام ُّ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫آلخرتِ ُكم ِمن األ َْعم ِال َّ حِل ِ‬ ‫ِ‬ ‫أَسلَ ْفتُم﴾‪ ‬أ مِب‬
‫الد ْنيَا‬ ‫الص ا َة‪﴿ ‬يِف األَيَّام اخْلَاليَ ة﴾‪ ‬أ ْ‬ ‫َي َا قَد َّْمتُ ْم َ ْ َ َ‬ ‫ْ ْ ْ‬
‫اسَتَر ْحتُ ْم ِم ْن َت َعبِ َها‪.‬‬‫ت َو ْ‬ ‫ضْ‬ ‫ت فَ َم َ‬ ‫الَّيِت َخلَ ْ‬
‫وء َعاقِبَتِ ِه‬ ‫ول﴾‪ ‬لِما يرى ِمن س ِ‬ ‫ِِ ِ ِ ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اب أ َْع َماله‪﴿ ‬بش َماله َفَي ُق ُ َ ََ ْ ُ‬ ‫َي أ ُْعط َي كتَ َ‬ ‫﴿وأ ََّما َم ْن أُويِت َ كتَـٰبَهُ﴾‪ ‬أ ْ‬ ‫َ‬ ‫(‪)25‬‬

‫ت كِتَابَهُ لِ َم ا َي َرى فِ ِيه‬ ‫ِ‬


‫ُوت كتَٰـبِيَ ْه﴾‪ ‬أ ْ‬
‫َي مَتَىَّن أَنَّهُ مَلْ يُ ْؤ َ‬
‫ِ‬
‫ف لَهُ َعْن َها الْغطَاءُ‪﴿ ‬يَـٰلَْيتَيِن مَلْ أ َ‬
‫ِ‬
‫الَّيِت ُكش َ‬
‫ِمن َقب ائِ ِح أَْفعالِ ِه‪ .‬روى ابن ِحبَّا َن عن أَيِب هريْر َة ر ِض ي اللَّه عنْه ع ِن النَّيِب ص لَّى اللَّه علَ ِ‬
‫يْه‬ ‫َُ‬ ‫ِّ َ‬ ‫َ ْ َُ َ َ َ ُ َ ُ َ‬ ‫َ ََ ُْ‬ ‫ْ َ‬
‫ِ ِِ ِ ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫ض‬ ‫اع ا َويَُبيَّ ُ‬ ‫َح ُد ُه ْم َفُي ْعطَى كتَابَهُ بِيَمين ه َومُيَ ُّد لَهُ يِف ج ْس مه س تُّو َن ذ َر ً‬ ‫ال‪« :‬يُ ْد َعى أ َ‬ ‫َو َسلَّ َم أَنَّهُ قَ َ‬
‫َص َحابِِه َفَيَر ْونَ هُ ِم ْن بَعِي ٍد‬ ‫ِ‬
‫اج م ْن لُْؤلُ ٍؤ َيتَألْألُ ق اَ َل‪َ :‬فَيْنطَل ُق إِىَل أ ْ‬
‫وجه ه وجُي ع ل علَى رأْ ِس ِه تَ ِ‬
‫ٌ‬ ‫َ ْ ُ ُ َ َْ ُ َ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫َفي ُقولُو َن‪ :‬اللَّه َّم با ِر ْك لَنا يِف ه َذا حىَّت يأْتِيهم َفي ُق ُ ِ ِ ِ‬
‫ْل َه َذا‪،‬‬ ‫ول‪ :‬أَبْش ُروا فَإ َّن ل ُك ِّل َر ُج ٍل مْن ُك ْم مث َ‬ ‫ُ َ َ َ َ َ َُ ْ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِِ ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ور ِة‬
‫ص َ‬ ‫اع ا َعلَى ُ‬ ‫َوأ ََّما الْ َك اف ُر َفُي ْعطَى كتَابَ هُ بِش َماله ُم ْس َو ًّدا َو ْج ُه هُ َويُ َز ُاد يِف ج ْس مه س تُّو َن ذ َر ً‬
‫ول‪ :‬أ َْب َع َد ُك ُم اللَّهُ فَِإ َّن لِ ُك ِّل‬‫اخ ِز ِه َفَي ُق ُ‬
‫َص َحابُهُ َفَي ُقولُو َن‪ :‬اللَّ ُه َّم ْ‬
‫ءادم وي ْلبس تَ ِ‬
‫اجا م ْن نَا ٍر َفَيَراهُ أ ْ‬ ‫َ ََ َ َ َ ُ ً‬
‫اح ٍد ِمْن ُك ْم ِمثْ َل َه َذا»‪.‬‬ ‫وِ‬
‫َ‬
‫ك احْلِس ِ‬ ‫يِف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اب َوالَ‬ ‫َي َومَتَىَّن أَنَّهُ مَلْ يَ ْدر ح َس ابَهُ ألَنَّهُ الَ َحاص َل لَ هُ َذل َ َ‬ ‫﴿ومَلْ أ َْد ِر َم ا ح َس ابيَ ْه﴾‪ ‬أ ْ‬ ‫َ‬ ‫(‪)26‬‬

‫طَائِ َل إِ ْذ ُكلُّهُ َعلَْي ِه الَ لَهُ‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫اب‪َ ﴿ ‬ك انَ ِ‬ ‫ث لِْل ِحس ِ‬ ‫ُّه ا يِف ال ُّد ْنيَا‪ ،‬فَِإنَّهُ مَتَىَّن أَنَّهُ مَلْ يُْب َع ْ‬ ‫ِ‬
‫ت‬ ‫َ‬ ‫﴿يَٰـلَْيتَها﴾ أَ ِي الْ َم ْوتَ ةَ الَّيِت مت َ‬ ‫(‪)27‬‬

‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ت َومَلْ‬ ‫ب‪َ ،‬ف َق ْد مَتَىَّن الْ َم ْو َ‬ ‫ث َومَلْ أ َُع َّذ ْ‬ ‫ْد َها َفلَ ْم أ ُْب َع ْ‬ ‫الْ َقاض يَةَ﴾‪ ‬أَ ِي الْ َقاط َع ةَ ل ْل َحيَ اة َومَلْ أ ْ‬
‫َح َي َبع َ‬
‫َش نَ َع َوأ ََم َّر مِم َّا ذَاقَ هُ ِم َن‬ ‫لْك احْلَالَ ةَ أ ْ‬‫يْه يِف ال ُّد ْنيَا ألَنَّهُ َرأَى تِ َ‬ ‫نْده أَكْره ِمنْه إِلَ ِ‬
‫يَ ُك ْن َش ْىءٌ ع َ ُ َ َ ُ‬
‫ِ‬
‫ْد َها"‪َ .‬ر َوى ُم ْس لِ ٌم يِف‬ ‫َح َي َبع َ‬ ‫ِ‬
‫ي‪" :‬الْ َقاض يَة" الْ َم ْوتَ ةُ األُوىَل الَّيِت ُمتُّه ا‪ ،‬مَلْ أ ْ‬ ‫ال الْبُ َخ ا ِر ُّ‬‫الْ َم ْو ِت‪.‬قَ َ‬
‫ك ر ِض ي اللَّه عنْه ع ِن النَّيِب ص لَّى اللَّه علَي ِ‬ ‫ِ‬ ‫يح ِه َع ْن أَنَ ِ‬
‫ص ِح ِ‬
‫ول‬‫«ي ُق ُ‬ ‫ال‪َ  :‬‬ ‫ْه َو َس لَّ َم أَنَّهُ قَ َ‬ ‫َُ‬ ‫ِّ َ‬ ‫س ب ِن َمال ٍ َ َ ُ َ ُ َ‬ ‫َ‬
‫ت ُم ْفتَ ِديًا هِبَا؟‬ ‫ِ‬
‫الد ْنيَا َو َم ا ف َيه ا أَ ُكْن َ‬‫ك ُّ‬ ‫ت لَ َ‬ ‫ْل النَّا ِر َع َذابًا‪ :‬لَ ْو َك انَ ْ‬ ‫ْو ِن أَه ِ‬ ‫َِ‬
‫اللهُ َتبَ َار َك َوَت َع اىَل ِألَه َ‬
‫َّ‬
‫ص ْل ِ‬ ‫نْك أَه ِ‬ ‫ول‪ :‬قَ ْد أَر ْد ِ‬
‫ب ءَ َاد َم أَ ْن الَ تُ ْش ِر َك‪،‬‬ ‫ت يِف ُ‬ ‫ْو َن م ْن َه َذا َوأَنْ َ‬ ‫تم َ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ول‪َ :‬ن َع ْم‪َ ،‬فَي ُق ُ‬ ‫َفَي ُق ُ‬
‫ت إِالَّ الش ِّْر َك»‪.‬‬ ‫فَأ ََبْي َ‬
‫اب اللَّ ِه‬ ‫الد ْنيا ِمن َع َذ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿م آ أَ ْغىَن َعيِّن َماليَ ْه﴾‪َ  ‬ي ْعيِن أَنَّهُ مَلْ يَ ْدفَ ْع َعنْهُ َمالُ هُ الَّذي َك ا َن مَيْل ُك هُ يِف ُّ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫(‪)28‬‬

‫استِ ْف َه ًاما َوبَّ َخ بِِه نَ ْف َسهُ َو َقَّر َر َها َعلَْي ِه‪ ،‬قَالَهُ أَبُو َحيَّان‪.‬‬ ‫وز أَ ْن يَ ُكو َن ْ‬ ‫َشْيئًا‪َ ،‬وجَيُ ُ‬
‫ت ُح َّجيِت الَّيِت‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ت َعيِّن ُك ُّل َبِّينَ ة َفلَ ْم ُت ْغ ِن َعيِّن َش ْيئًا َوبَطَلَ ْ‬ ‫ض لَّ ْ‬ ‫ك َعيِّن ُس ْلطَٰـنيَ ْه﴾‪َ  ‬ي ْعيِن َ‬ ‫﴿هلَ َ‬ ‫َ‬ ‫(‪)29‬‬

‫يل‪َ :‬ز َال َعيِّن ُم ْل ِكي َو ُق َّويِت ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫َحتَ ُّج هِبَا يِف ُّ‬
‫الد ْنيَا‪َ ،‬وق َ‬ ‫تأْ‬ ‫ُكْن ُ‬
‫يْه إِىَل عُنُِق ِه ُم َقيَّ ًدا‬ ‫ول اللَّه َتع اىَل خِل زنَ ِة جهنَّم خ ُذوه وامْج ع وا ي َد ِ‬
‫ََ َ َ َ ُ ُ َ َ ُ َ‬ ‫َي َي ُق ُ ُ َ‬ ‫﴿خ ُذوهُ َفغُلُّوهُ﴾‪ ‬أ ْ‬ ‫ُ‬ ‫(‪)30‬‬

‫بِاألَ ْغالَ ِل‪.‬‬


‫َي أ َْد ِخلُوهُ َوا ْغ ُم ُروهُ فِ َيها‪.‬‬ ‫﴿صلُّوهُ﴾‪ ‬أ ْ‬‫َّم‪َ  ‬‬ ‫َي نَ َار َج َهن َ‬ ‫يم﴾‪ ‬أ ْ‬
‫ِ‬
‫‪﴿ ‬مُثَّ اجْلَح َ‬ ‫(‪)31‬‬

‫يم ةٌ ِج دًّا‬ ‫‪﴿ ‬مُثَّ يِف ِس ْل ِسلَ ٍة﴾‪ ‬و ِهي ِحلَ ق مْنتَ ِظم ةٌ ُك ُّل ح ْل َق ٍة ِمْنه ا يِف ح ْل َق ٍة‪ ،‬وه ِذ ِه ِّ ِ ِ‬
‫الس ْلس لَةُ َعظ َ‬ ‫َ ََ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ٌُ َ‬ ‫(‪)32‬‬

‫هِل‬ ‫ألَنَّه ا إِذَا طَ الَت َك ا َن ا ِإلره اب أَش َّد ﴿ َذرعه ا﴾‪ ‬أ ِ‬


‫﴿س ْبعُو َن‬ ‫ْد ُار طُو َ ا‪َ  ‬‬ ‫اس َها َو ِمق َ‬ ‫َي قيَ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َُ‬ ‫َْ ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫اهر أَن َُّه ْم يُ ْد ِخلُونَ هُ يِف‬ ‫َّ ِ‬ ‫اع ِهي‪﴿ ‬فَاس لُ ُكوه﴾‪ ‬أ ِ‬ ‫َي ِ‬ ‫اع ا﴾‪ ‬اللَّهُ أ َْعلَم بِ‬ ‫ِ‬
‫َي أ َْدخلُ وهُ‪َ ،‬والظ ُ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫ذ‬ ‫ِّ‬ ‫أ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫ذ‬
‫يل‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫اخالً فِ َيه ا َم ْ‬ ‫الس ْل ِسلَ ِة ولِطُوهِل ا َت ْلتَ ِوي علَي ِْه ِمن مَجِ ي ِع ِجهاتِ ِه َفيب َقى د ِ‬
‫ض غُوطًا َحىَّت َتعُ َّمهُ‪َ ،‬وق َ‬ ‫َ َْ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ِّ‬
‫ي يِف‬ ‫ْر َج الت ِّْر ِم ِذ ُّ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫يل‪ :‬تَ ْد ُخ ُل م ْن فيه َوخَت ُْر ُج م ْن ُدبُره‪.‬أَخ َ‬
‫ِ ِ ِِ ِ‬ ‫يِف ِ ِ‬
‫تَ ْد ُخ ُل ُدبُره َوخَت ُْر ُج م ْن مْن َخره‪َ ،‬وق َ‬
‫ص لَّى اللَّهُ َعلَي ِْه‬ ‫ال رس ُ ِ‬
‫ول اللَّه َ‬ ‫ال‪ :‬قَ َ َ ُ‬ ‫اص َر ِض َي اللَّهُ َعنْهُ قَ َ‬ ‫َج ِامعِ ِه َع ْن َعْب ِد اللَّ ِه ب ِن َع ْم ِرو ب ِن الْ َع ِ‬
‫الس َم ِاء إِىَل‬ ‫ت ِم َن َّ‬ ‫ِ ِ‬
‫ثْل‪  ‬اجْلُ ْم ُج َم ة‪ ،‬أ ُْرس لَ ْ‬ ‫َش َار إِىَل ِم ِ‬ ‫ِ‬
‫ثْل َه ذ ِه‪َ ،‬وأ َ‬ ‫ِ‬
‫اض ةً م َ‬ ‫ض َ‬ ‫َن ُر َ‬ ‫َو َس لَّ َم‪« :‬لَ ْو أ َّ‬
‫ت ِم ْن َرأْ ِس‬ ‫ِ‬ ‫بْل اللَّ ِ‬ ‫ِ ِ ِ ٍ ِ‬ ‫األَر ِ ِ ِ‬
‫يْل‪َ ،‬ولَ ْو أَن ََّه ا أ ُْرس لَ ْ‬ ‫ض َق َ‬ ‫ض َوه َي َمس َريةُ مَخْس مائَة َس نَة لََبلَغَت األ َْر َ‬ ‫ْ‬

‫‪15‬‬
‫ال الت ِّْر ِم ِذ ُّ‬
‫ي‪:‬‬ ‫ني َخ ِري ًفا اللَّْي َل َوالن َ‬
‫َّه َار َقْب َل أَ ْن َتْبلُ َغ أ ْ‬
‫َصلَ َها أ َْو َق ْعَر َها»‪[ .‬قَ َ‬ ‫ِ‬
‫ت أ َْربَع َ‬
‫ِّ ِ ِ‬
‫الس ْلسلَة لَ َس َار ْ‬
‫إِ ْسنَ ُ‬
‫ادهُ َح َس ٌن]‪.‬‬
‫َي الَ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬
‫ال ‪﴿ :‬إن هُ َك ا َن الَ يُ ْؤم ُن باللَّه الْ َعظي ِم﴾‪ ‬أ ْ‬ ‫اب الْ َك افِ ِر َف َق َ‬ ‫مُثَّ ذَ َك ر اللَّهُ َتع اىَل س بب َع َذ ِ‬
‫َ ََ َ‬ ‫َ‬ ‫(‪)33‬‬

‫َص نَ ِام‪ ،‬فَ َم ْن َت َر َك‬ ‫ِ‬ ‫مِي ِ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫يؤ ِمن والَ يص د ُ ِ ِ‬
‫ِّق بِاللَّه الَّذي أ ََم َر عبَ َادهُ بِاإل َان بِه َوَت ْرك عبَ َادة األ َْوثَان َواأل ْ‬ ‫ُْ ُ َ ُ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اس تَ َح َّق‬‫أ َْعظَ َم ُح ُق وق اللَّه َت َع اىَل َعلَى عبَ اده َو ُه َو َت ْوحي ُدهُ َت َع اىَل َوأَ ْن الَ يُ ْش َر َك بِ ه َش ْىءٌ ْ‬
‫ب‬ ‫َن ا ِإل ْش ر َاك بِاللَّ ِه ُه و أَ ْكَب ر َذنْ ٍ‬ ‫َّ‬ ‫أل‬ ‫ة‬ ‫ي الَّ ِذي الَ يْن َق ِط ع يِف ِ‬
‫اآلخ ر ِ‬ ‫َّ‬ ‫الس رم ِ‬
‫د‬ ‫َّ‬ ‫ي‬
‫َّ‬ ‫الْع َذاب األَب ِ‬
‫د‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َ‬
‫الذنْب الَّ ِذي الَ ي ْغ ِف ره اللَّه لِمن م ات علَي ِْه وي ْغ ِف ر م ا دو َن َذلِ ِ‬ ‫ْد َو ُه و َّ‬ ‫ِ‬
‫ك ل َم ْن يَ َش اءُ‬ ‫َ‬ ‫َ ُُ ُ َ ْ َ َ َ ََ ُ َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َي ْقرَت فُهُ الْ َعب ُ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫مِي‬
‫ك‬ ‫ال اللَّهُ َت َع اىَل يِف الْ ُق ْرءَ ِان الْ َك ر ِ ‪﴿ :‬إِ َّن اللَّهَ الَ َي ْغف ُر أَ ْن يُ ْش َر َك بِ ِه َو َي ْغف ُر َم ا ُدو َن َذل َ‬ ‫َك َم ا قَ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫لِمن ي َش اء﴾‪[ ‬س ور َة النِّس ِاء]‪ ،‬و﴿الْع ِظي ِم﴾‪ ‬أَي ع ِظي ِم َّ ِ‬
‫َج َس ِام فَاللَّهُ‬‫الش أْن ُمَن َّزهٌ َع ْن ص َفات األ ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫َْ َ ُ ُ َ َ َ َ‬
‫َت َعاىَل أ َْعظَ ُم قَ ْد ًرا ِم ْن ُك ِّل َع ِظي ٍم‪.‬‬
‫ض‬ ‫ث َوالَ حُيَ ِّر ُ‬ ‫الش ِق ُّي الَّ ِذي أُويِت َ كِتَابَ هُ بِ ِش َمالِِه َك ا َن يِف ال ُّد ْنيَا الَ حَيُ ُّ‬ ‫َي َه َذا َّ‬ ‫ض﴾‪ ‬أ ْ‬ ‫﴿والَ حَيُ ُّ‬ ‫َ‬ ‫(‪)34‬‬

‫ني﴾‪َ  ‬ويِف َه ِذ ِه اآليَ ِة َدلِي ٌل َعلَى َت ْع ِظي ِم‬ ‫َي إِطْ َع ِام‪﴿ ‬الْ ِمس ِك ِ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫﴿علَى طَ َع ام﴾‪ ‬أ ْ‬ ‫َن ْف َس هُ َوالَ َغْيَر َه ا‪َ  ‬‬
‫الش ِر َيع ِة‬
‫وع َّ‬ ‫َّار خُمَاطَبُو َن بُِف ُر ِ‬ ‫ت اآليَةُ َعلَى أ َّ‬ ‫ني‪ .‬قاَ َل الْعلَماء‪ :‬دلَّ ِ‬ ‫ان الْمساكِ ِ‬ ‫اجْل رِم يِف ِحرم ِ‬
‫َن الْ ُكف َ‬ ‫َُُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫ُْ‬
‫اح ِ‬ ‫االنْتِه ِاء ع ِن الْ َف و ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫الص الَِة و َّ ِ‬
‫الز َك اة َوحَنْ ِو َذل َ‬ ‫ِ‬
‫ش‬ ‫ك َو َع َدم َ َ َ‬ ‫َعلَى َم ْعىَن أَن َُّه ْم يُ َع ا َقبُو َن َعلَى َت ْرك َّ َ‬
‫ص ُّح ِم ْن‬ ‫َن الْعِب اد َة الَ تَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ات الَ علَى مع أَنَّهم يطَالَبو َن بِأَد ِاء الْعِب اد ِ‬ ‫والْمْن َكر ِ‬
‫ال ُك ْف ِره ْم أل َّ َ َ‬ ‫ات َح َ‬ ‫َ َ ْ ىَن ُ ْ ُ ُ َ َ َ‬ ‫َ ُ َ‬
‫َكافِ ٍر‪.‬‬
‫اب اللَّ ِه‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫يب يَ ْدفَ ُع َعنْهُ َع َذ َ‬ ‫َي قَ ِر ٌ‬ ‫يم﴾‪ ‬أ ْ‬ ‫﴿هٰـ ُهنَا مَح ٌ‬
‫س لَ هُ َي ْو َم الْقيَ َام ة‪َ  ‬‬ ‫َي لَْي َ‬ ‫س لَ هُ الَْي ْو َم﴾‪ ‬أ ْ‬ ‫﴿ َفلَْي َ‬ ‫(‪)35‬‬

‫َت َعاىَل َوالَ َم ْن يَ ْش َف ُع لَهُ َويُغِيثُهُ مِم َّا ُه َو فِ ِيه ِم َن الْبَالَِء‪.‬‬


‫يل ِم ْن أَب َْد ِان الْ ُكفَّا ِر‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ني﴾‪َ  ‬و ُه َو َما يَس ُ‬ ‫س لَهُ طَ َع ٌام َيْنتَف ُع بِه‪﴿ ‬إِالَّ م ْن غ ْسل َ‬ ‫َي َولَْي َ‬‫﴿والَ طَ َع ٌام﴾‪ ‬أ ْ‬ ‫َ‬ ‫(‪)36‬‬

‫ط مِب ٍاء ِمن اجْل ر ِح وحَنْ ِو ِه‪ ،‬وقِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِمن الدَِّم و َّ ِ ِ‬
‫ني َش َجٌر يَأْ ُكلُهُ أَه ُ‬
‫ْل‬ ‫يل الْغ ْس ل ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َّم الْ ُم ْختَل ُ َ َ ُْ َ‬ ‫الصديد َو ُه َو الد ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫النَّا ِر‪.‬‬
‫اطئُو َن﴾‪ ‬أَ ِي الْ َكافُِرو َن‪.‬‬ ‫﴿الَ يأْ ُكلُه إِالَّ اخْلَ ِ‬
‫َ ُ‬ ‫(‪)37‬‬

‫الشرح والدراسة والتحليل ‪:‬‬ ‫‪‬‬


‫‪16‬‬
‫ففي ه ذه اآلي ات الكرميات ص ورة فني ة رائع ة‪ ،‬ممت دة األبع اد‪ ،‬فس يحة األرك ان‪ ،‬مرتامي ة‬
‫األطراف‪ ،‬متعددة الظالل واأللوان‪ ،‬جتمع يف إطار واحد أحداثًا قوية مثرية‪ ،‬تصل ما بني آخر أيام‬
‫الدنيا‪ ،‬وأول أيام اآلخرة‪.‬‬
‫يب دأ املش هد الق رآين ب النفخ يف الص ور ( الب وق ) ومَح ْل األرض واجلب ال‪َّ ،‬‬
‫ودكه ا دك ة‬
‫واحدة‪ ،‬و (الدَّك) هو الدق والكسر‪ .‬مث يتبع ذلك تشقق السماء وتصدعها‪ ،‬ووقوف املالئكة على‬
‫أط راف الس ماء ونواحيه ا‪ ،‬ونص ب املوازين للع رض واحلس اب‪ ،‬وتك ون النتيج ة انقس ام الن اس إىل‬
‫فريقني ‪ :‬فريق يف اجلنة‪ ،‬وفريق يف السعري‪.‬‬
‫واملتأمل يف آيات هذا املشهد القرآين جيد فيه العديد من اخلصائص الفنية‪ ،‬نقتصر هنا على‬
‫املنس قة‪،‬‬
‫خاصية واحدة‪ ،‬وهي خاصية إحاطة كل مشهد من مشاهد هذا احلدث بإطار من العبارة َّ‬
‫على حنو ي وحي ب اجلو الش عوري الس ائد فيه‪ .‬ونبسط القول يف ذلك بعض الش ئء ب الوقوف على‬
‫هذه املشاهد الثالثة ‪:‬‬
‫املشهد األول‪ :‬مشهد االنقالب اهلائل املدمر‪ ،‬الذي تتحول فيه الصورة بني حلظة وأخرى‬
‫من النقيض إىل النقيض‪ ..‬هذا االنقالب املدمر الذي يصوره هذا املشهد يقع يف جو من الشعور‬
‫بالشدة والسرعة واحلسم‪ ،‬الذي ال جمال فيه لتكرار احلدث الواحد‪ ،‬وهذا ما يوضحه قوله تعاىل‪:‬‬
‫﴿‪ ...‬نفخة واحدة ‪ ...‬دكة واحدة ‪ ...‬وقعت الواقعة﴾‪.‬‬
‫املشهد الثاين‪ :‬مشهد التمييز بني فريقني‪ :‬فريق اجلنة وفريق النار‪ ،‬وحتديد مصري كل منهما‪،‬‬
‫يف ه ذا املش هد يس ود ج و مفعم بالس عادة والبهج ة يف ج انب الفري ق األول‪ ،‬ويس ود ج ٌو ملب د‬
‫باحلس رة والندام ة يف ج انب الفري ق اآلخ ر‪ ،‬يتض ح ذل ك يف قول ه تع اىل من أي ة ‪ 19‬ح ىت ‪.29‬‬
‫ففي اجلانب األول تبدو العبارة َّفوارة بالسعادة‪ ،‬نضاخة بالبهجة‪ ،‬حىت لتكاد تطوف آفاق العاملني‬
‫لتعلن عن نفسها ‪ ﴿ :‬هاؤم اقرءوا كتابيه ‪ ...‬عيشة راضية ‪ ...‬جنة عالية ﴾ ‪.‬ويف اجلانب املقابل‬
‫ن رى احلس رة والندامة تب دوان يف قول ه تع اىل‪ ﴿ :‬ي ا ليت ين ‪ ...‬ي ا ليته ا ‪ ...‬م ا أغ ىن ع ين ‪ ...‬هل ك‬
‫الطما خده بكلتا يديه‪.‬‬
‫عين ﴾ حىت ليكاد القارئ يرى ﴿‪...‬من أويت كتابه بشماله‪ً ﴾...‬‬
‫ه ذا من جه ة املدلول البالغي للعبارة مبا حتمل ه من ظالل املوق ف وألوان اجلنة والنار‪ .‬أما‬
‫قافي ة اآلي ات‪ ،‬ال يت تتمث ل يف اهلاء ‪ ..‬فإهنا تُ ْش عِر عن د خروجه ا من أعلى ص در قارئه ا‪ ،‬بالفرح ة‬
‫‪17‬‬
‫والس عادة‪ ،‬ال يت متأل جنب ات النفس‪ ،‬ومتوج داخ ل الص در يف اجلانب األول من املش هد‪ ،‬وعلى‬
‫اجلانب اآلخر فإهنا حتمل زفرات األسى وحرارة الندم الل َذيْن ميآلن الصدر‪ ،‬ويرتعان النفس حزنًا‬
‫وغما‪.‬‬
‫وآملًا‪ ،‬ومهًا ً‬
‫أما املشهد الثالث‪ :‬فيبدو فيه مشهد العقاب مصحوبًا باحليثيات واملسوغات‪ ،‬اليت هي أشد‬
‫إيالم ا يف الض مري من الع ذاب ذات ه‪ ،‬ويس ود ه ذا املش هد ج و من العن ف‬
‫وقع ا على النفس‪ ،‬وأك رب ً‬
‫ً‬
‫واضحا يف قوله تعاىل من آية ‪ 30‬حىت ‪.37‬‬
‫ً‬ ‫والشدة والغلظة‪ ،‬جند ذلك‬
‫وب النظر يف ه ذه املدود ال واردة يف اآلي ات الس ابقة جند وك أن ق وى الك ون كله ا يف حال ة‬
‫س باق م ع ال زمن لتنفي ذ األم ر اإلهلي الص ادر بش أن ﴿ من أويت كتاب ه بش ماله ﴾ تري د أن تعتقل ه‬
‫وتسوقه سوقًا إىل املآل الذي سيصري إليه ‪،‬وهكذا يتضح من خالل املشاهد الثالثة اليت أتينا عليها‪،‬‬
‫قوة التصوير القرآين‪ ،‬ومدى تأثريه يف النفس اإلنسانية يف إيصال املعاين اليت يهدف إليها‪ ،‬ما ال قِبل‬
‫لبش ٍر باإلتيان مبثله‪ ،‬فـ ﴿ تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعاملني نذيرا ﴾ الفرقان‪.1:‬‬

‫المختارة من األحاديث النبوية (كتاب بدء الوحي(‬ ‫‪.3‬‬

‫حدثنا‪ ‬حيىي بن بكري‪ ‬قال حدثنا‪ ‬الليث‪ ‬عن‪ ‬عقيل‪ ‬عن‪ ‬ابن شهاب‪ ‬عن‪ ‬عروة بن الزبري‪ ‬عن‪ ‬عائشة‬


‫أم املؤمنني‪ ‬أهنا قالت‪ ‬أول ما بدئ به رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصاحلة يف‬
‫الن وم فك ان ال ي رى رؤي ا إال ج اءت مث ل فل ق الص بح مث حبب إلي ه اخلالء وك ان خيل و‪ ‬بغ ار‬
‫ح راء‪ ‬فيتحنث في ه وه و التعب د اللي ايل ذوات الع دد قب ل أن ينزع إىل أهل ه وي تزود ل ذلك مث يرج ع‬
‫إىل‪ ‬خدجية‪ ‬فيتزود ملثلها حىت جاءه احلق وهو يف‪ ‬غار حراء‪ ‬فجاءه امللك فقال‪ ‬اقرأ قال ما أنا بقارئ‬
‫قال فأخذين فغطين حىت بلغ مين اجلهد مث أرسلين فقال اقرأ قلت ما أنا بقارئ ‪ ‬فأخذين فغطين الثانية‬
‫ح ىت بل غ م ين اجله د مث أرس لين فق ال اق رأ فقلت م ا أن ا بق ارئ فأخ ذين فغط ين الثالث ة مث أرس لين‬
‫فقال‪﴿ ‬اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق اإلنسان من علق اقرأ وربك األكرم‪ ﴾ ‬فرجع هبا رسول‬
‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم يرجف فؤاده فدخل على‪ ‬خدجية بنت خويلد رضي اهلل عنها‪ ‬فقال زملوين‬
‫زمل وين فزمل وه ح ىت ذهب عن ه ال روع فق ال‪ ‬خلدجية‪ ‬وأخربه ا اخلرب لق د خش يت على نفس ي‬
‫فق الت‪ ‬خدجية‪ ‬كال واهلل م ا خيزي ك اهلل أب دا إن ك لتص ل ال رحم وحتم ل الك ل وتكس ب املع دوم‬
‫‪18‬‬
‫وتقري الضيف وتعني على نوائب احلق فانطلقت به‪ ‬خدجية‪ ‬حىت أتت به‪ ‬ورقة بن نوفل بن أسد بن‬
‫عبد العزى‪ ‬ابن عم‪ ‬خدجية‪ ‬وكان امرأ قد تنصر يف اجلاهلية وكان يكتب الكتاب العرباين فيكتب‬
‫من اإلجنيل بالعربانية ما شاء اهلل أن يكتب وكان شيخا كبريا قد عمي فقالت له‪ ‬خدجية‪ ‬يا ابن عم‬
‫امسع من ابن أخيك فقال له‪ ‬ورقة‪ ‬يا ابن أخي ماذا ترى فأخربه رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫خرب ما رأى فقال له‪ ‬ورقة‪ ‬هذا الناموس الذي نزل اهلل على‪ ‬موسى‪ ‬يا ليتين فيها جذعا ليتين أكون‬
‫حيا إذ خيرجك قومك فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أوخمرجي هم قال نعم مل يأت رجل‬
‫قط مبثل ما جئت به إال عودي وإن يدركين يومك أنصرك نصرا مؤزرا مث مل ينشب‪ ‬ورقة‪ ‬أن تويف‬
‫وفرت الوحي‪ ‬قال‪ ‬ابن شهاب‪ ‬وأخربين‪ ‬أبو سلمة بن عبد الرمحن‪ ‬أن‪ ‬جابر بن عبد اهلل األنصاري‪ ‬قال‬
‫وه و حيدث عن ف رتة ال وحي فق ال يف حديث ه بين ا أن ا أمش ي إذ مسعت ص وتا من الس ماء ف رفعت‬
‫بصري فإذا امللك الذي جاءين‪ ‬حبراء‪ ‬جالس على كرسي بني السماء واألرض فرعبت منه فرجعت‬
‫فقلت زملوين زملوين فأنزل اهلل تعاىل‪ ‬يا أيها املدثر قم فأنذر إىل قوله والرجز فاهجر‪ ‬فحمي الوحي‬
‫وتتابع تابعه عبد اهلل بن يوسف وأبو صاحل وتابعه هالل بن رداد عن الزهري وقال يونس ومعمر‬
‫بوادره‪ .‬رواه البخاري‬

‫سبب ورود الحديث‬ ‫‪‬‬


‫مل يرد سبب النزول هلذا احلديث‪.‬‬

‫‪ ‬معاني الحديث وأفكاره‬

‫الشرح والدراسة والتحليل‬ ‫‪‬‬


‫يف حديث عائشة رضي اهلل عنها مجلة من الفوائد منها‪:‬‬
‫الفائ دة األوىل‪  :‬احلديث في ه بي ان لقس م من أقس ام جميء ال وحي للن يب ص لى اهلل علي ه وس لم وهو‬
‫الرؤيا الصادقة‪ ،‬وللوحي عدة مراتب‪ ،‬ذكرها ابن القيم رمحه اهلل حيث قال‪ " :‬وكمل اهلل له من‬
‫مراتب عديدة ‪:‬‬
‫َ‬ ‫مراتب الوحي‬

‫‪19‬‬
‫الرؤيا الصادقة‪ ،‬وكانت مبدأَ وحيه‪ ‬صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وكان ال يرى رؤيا إال جاءت‬ ‫إحداها ‪ُّ  :‬‬
‫مثل فلق الصبح‪.‬‬
‫ك يف ُر ْوع ه وقلب ه من غ ري أن ي راه‪ ،‬كم ا ق ال الن يب‪ ‬ص لى اهلل علي ه‬ ‫الثاني ة‪  :‬م ا ك ان يُلقي ه امللَ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫س َحىَّت ‪ ‬تَ ْس تكْم َل ِر ْز َق َه ا‪ ،‬فَ َّات ُقوا اهللَ‬ ‫وت َن ْف ٌ‬‫ث يف ُروعي أَنّ ه لَ ْن مَتُ َ‬ ‫وح ال ُق ُد ِس َن َف َ‬ ‫وس لم‪" :‬إ َّن ُر َ‬
‫نْد ِ‬ ‫اهلل‪ ،‬فَ ِإ َّن َم ا ِع َ‬‫ص ي ِة ِ‬ ‫مِب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب‪ ،‬والَ حَي ِملَنّ ُكم ِ‬ ‫ِ‬
‫اهلل الَ‬ ‫اس تْبطَاءُ ال ِّر ْزق َعلَى أَن تَطْلُبُ وهُ َْع َ‬ ‫َوأَمْج لُ وا يف الطَّلَ ِ َ ْ ُ ْ‬
‫اعتِ ِه"‪.‬‬
‫ال إِالَّ بِطَ َ‬
‫يُنَ ُ‬
‫ك رجالً‪ ،‬فيُخاطبه حىت يَعِ َي عنه ما يقول له‪،‬‬ ‫َّل له امللَ ُ‬
‫ُ‬ ‫ص لَّى اللَّهُ َعلَي ِْه َو َس لَّ َم كان يتمث‬‫َ‬ ‫الثالثة ‪ :‬أَنّه‬
‫َ‬
‫ويف هذه املرتبة كان يراه الصحابة أحياناً‪.‬‬
‫امللك حىت إن جبينه‬ ‫س به ُ‬ ‫الرابعة ‪ :‬أَنّه كان يأتيه يف مثل ص ْل ِ‬
‫ص لَة اجلرس‪ ،‬وكان أَشدَّه عليه َفيََتلَبَّ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َّ‬
‫ْر ُك به إىل األرض إذا كان راكبها ولقد‬ ‫ليتفصد عرق اً يف اليوم الشديد الربد وحىت إن راحلته لتَب ُ‬
‫الوحي مر ًة‪ ‬كذلك‪ ،‬وفخذه على فخذ زيد بن ثابت‪ ،‬فثقلت عليه حىت كادت ترضُّها‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫جاءه‬
‫وحيَ ه‪ ،‬وهذا وقع‬ ‫ك يف صورته اليت خلق عليها‪ ،‬فيوحي إليه ما شاء اهلل أن ي ِ‬ ‫اخلامسة‪ :‬أنه َيَرى امللَ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫له مرتني‪.‬‬
‫السماوات ليلَة املعراج ِمن فرض الصالة وغريها‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫السادسة‪ :‬ما أوحاه اهلل وهو فوق‬
‫ك‪ ،‬كما كلّم اهللُ موسى بن ِعمران‪ ،‬وهذه املرتبة هي‬ ‫السابعة‪ :‬كالم اهلل له منه إليه بال واسطة ملَ ٍ‬
‫َ‬
‫ص لَّى اللَّهُ َعلَي ِْه َو َس لَّ َم هو يف حديث ا ِإلسراء‪[ ".‬زاد‬ ‫ثابتة ملوسى قطع اً بنص القرآن‪ ،‬وثبوهتا لنبينا َ‬
‫املعاد ‪]80-78 /1‬‬

‫فإن قيل ملاذا كان البدء بالوحي بالرؤيا الصادقة مناماً‪ ،‬ملا مل يأته من أول األمر؟‬
‫ف اجلواب‪ :‬ق ال الن ووي رمحه اهلل‪ ":‬ق ال القاض ي رمحه اهلل وغ ريه من العلم اء‪ :‬إمنا ابت دئ ص لى اهلل‬
‫عليه وسلم بالرؤيا لئال يفجأه امللك‪ ،‬ويأتيه صريح النبوة بغتة‪ ،‬فال حيتملها قوى البشرية‪ ،‬فبدئ‬
‫بأول خصال النبوة وتباشري الكرامة من صدق الرؤيا‪ ،‬وما جاء يف احلديث اآلخر من رؤية الضوء‬
‫ومساع الص وت وس الم احلج ر والش جر علي ه ب النبوة" [ش رح مس لم (‪ )374 /2‬وبنح وه ذك ر‬
‫القرطيب يف املفهم( ‪)1/374‬‬
‫‪ ‬‬
‫الفائدة الثانية‪ :‬يف احلديث اخللوة وأمهيتها للعبد ليتفرغ للعبادة‪ ،‬وهذا ماكان يفعله صلى اهلل عليه‬
‫وس لم قب ل ن زول ال وحي وبع د مبعث ه ح ىت ص ار من اخلل وة عب ادات مش روعة يومي ة كقي ام اللي ل‬

‫‪20‬‬
‫وسنوية كاالعتكاف يف رمضان‪ ،‬وما ذاك إال ألمهيتها وأثرها على قلب العبد كوهنا رابط اً وثيق اً‬
‫بني العبد وربه جل وعال‪ ،‬وختتلف أمهيته اخللوة والعزلة باختالف الزمان واملكان واحلال‪ ،‬واحلاجة‬
‫هلا يف وقت الفتنة أشد‪ ،‬قال اخلطايب رمحه اهلل‪ ":‬والعزلة عند الفتنة أنبياء وعصمة األولياء وسرية‬
‫احلكماء األلباء‪ ،‬واألولياء فال أعلم ملن عاهبا عذراً" [العزلة للخطايب ص ‪.8‬‬

‫ك الَّ ِذي َخلَ َق‪ ﴾ ‬وبه‬ ‫الفائدة الثالثة‪ :‬احلديث دليل على أن أول ما نزل من القرآن‪ ﴿ ‬اق َْرأْ‪ ‬بِ ْ‬
‫اس ِم َربِّ َ‬
‫قال مجهور العلماء‪.‬‬

‫ْد " فيه استخدام املعلم‬ ‫الفائدة الرابعة‪ :‬قوله صلى اهلل عليه وسلم " َفغَطَّيِن الثَّالِثَةَ َحىَّت َبلَ َغ ِميِّن اجْلَه َ‬
‫حني تعليمه ما يكون أدعى يف تنبيه املتعلم وإحضار قلبه‪ ،‬وفعل جربيل عليه السالم لذلك هبذه‬
‫الصورة وثالث مرات للمبالغة وإشارة إىل ما سيحصل للنيب صلى اهلل عليه وسلم الحقاً من الشدة‬
‫عند نزول القرآن‪ ،‬كما قال ابن عباس رضي اهلل عنهما‪ ":‬كان النيب صلى اهلل عليه وسلم يعاجل من‬
‫ْك َق ْواًل ثَِقياًل ‪( ﴾ ‬املزمل‪:‬‬ ‫ِ‬
‫التنزيل شدة" متفق عليه وهو ما يشري إليه قوله تعاىل‪ ﴿ :‬إِنَّا َس ُن ْلقي َعلَي َ‬
‫‪ .5‬قال القرطيب رمحه اهلل‪ ":‬وهذا الغط من جربيل عليه السالم للنيب صلى اهلل عليه وسلم تفريغ له‬
‫وإيقاظ حىت يقبل على ما يُلقى إليه‪ ،‬وتكراره ثالثة مبالغة يف هذا املعىن‪ ،‬وقال اخلطايب رمحه اهلل‪:‬‬
‫ك ان ذل ك ليبل و ص ربه‪ ،‬وحيس ن أدب ه‪ ،‬فريت اض لتحم ل م ا كلّف ه من أعب اء الرس الة" [املفهم (‬
‫‪)1/376‬‬
‫‪ ‬‬
‫الفائدة اخلامسة‪ :‬احلديث فيه ِعظَم اآليات اليت هي أول ما نزل من القرآن‪ ،‬حيث اشتملت على‬
‫مقاص د الق رآن وهي التوحي د واألحك ام واألخب ار‪ .‬ق ال ابن حج ر رمحه اهلل‪ ":‬واحلكم ة يف ه ذه‬
‫األولية أن هذه اآليات اخلمس اشتملت على مقاصد القرآن ففيها براعة االستهالل‪ ،‬وهي جديرة‬
‫أن تسمى عنوان القرآن؛ ألن عنوان الكتاب جيمع مقاصده بعبارة وجيزة يف أوله‪ ...‬وبيان كوهنا‬
‫اشتملت على مقاصد القرآن أهنا تنحصر يف علوم التوحيد واألحكام واألخبار‪ ،‬وقد اشتملت على‬
‫األمر بالقراءة والبداءة فيها باسم اهلل‪ ،‬ويف هذه إشارة إىل األحكام‪ ،‬وفيها ما يتعلق بتوحيد الرب‬
‫وإثبات ذاته وصفاته‪ ،‬وصفة فعل‪ ،‬ويف هذا إشارة إىل أصول الدين‪ ،‬وفيها ما يتعلق باألخبار من‬
‫نسا َن َما مَلْ َي ْعلَ ْم‪( ﴾ ‬العلق‪[ ")5:‬الفتح‪)719-8/718 :‬‬ ‫َّ ِ‬
‫قوله تعاىل‪َ  ﴿ :‬عل َم اإْل َ‬

‫‪21‬‬
‫‪ ‬الفائدة السادسة‪ :‬احلديث فيه فضل خدجية رضي اهلل عنها‪ ،‬وحسن وقوف الزوجة مع زوجها‬
‫لم ب ه وتثبيت ه وتأنيس ه من املخ اوف ال يت وقعت ل ه‪ ،‬وذكائه ا حيث اس تدلت حبس ن ص نيعه‬‫فيم ا يُ ُّ‬
‫بش رت مث‬‫ردت املخ اوف بقوهلا (كال) مث ّ‬
‫وخلق ه على أن اهلل تع اىل لن خييّب ه‪ ،‬أخذت ه فزملت ه ف ّ‬ ‫ُ‬
‫أقسمت على ما نفته مث استدلت حبسن صنيعه وكرمي خصاله‪ ،‬وبعدما انتهت من التثبيت القويل‬
‫شرعت بالتثبيت الفعلي فذهب به البن عمها ورقة ليسمع منه وليكتمل حسن قيامها على ما أملّ‬
‫بزوجها رضي اهلل عنها وأرضاها‪ ،‬وال عجب فقد شهد هلا النيب صلى اهلل عليه وسلم بالكمال من‬
‫النساء‪ .‬قال النووي رمحه اهلل‪ ":‬وفيه تأنيس من حصلت له خمافة من أمره وتبشريه‪ ،‬وذكر أسباب‬
‫السالمة له‪ ،‬وفيه أعظم دليل‪ ،‬وأبلغ حجة على كمال خدجية رضي اهلل عنها‪ ،‬وجزالة رأيها‪ ،‬وقوة‬
‫نفسها‪ ،‬وثبات قلبها‪ ،‬وعظم فقهها " شرح مسلم (‪)377 /2‬‬
‫‪ ‬‬
‫الفائدة السابعة‪ :‬احلديث دليل على ما كان عليه النيب صلى اهلل عليه وسلم من كرمي األخالق من‬
‫قبل النبوة‪.‬‬

‫الفائدة الثامنة‪ :‬فيه دليل على أن مكارم األخالق وخصال اخلري سبب للسالمة من مصارع السوء‬
‫وألوان املكاره‪ ،‬وفيه فضل أعمال اخلري املتعدية النفع فإن أغلب ما ذكرته خدجية رضي اهلل عنها‬
‫واستدلت به من ذلك‪ ،‬ويف صحيح مسلم من حديث أيب هريرة رضي اهلل عنه مرفوع اً‪ ":‬واهلل يف‬
‫عون العبد ما كان العبد يف عون أخيه"‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫الفائ دة التاس عة‪ :‬احلديث دلي ل على ج واز م دح اإلنس ان يف وجه ه ملص لحة كم ا فعلت خدجية‬
‫رضي اهلل عنها مع النيب صلى اهلل عليه وسلم وهذا مع املصلحة وأمن الفتنة وهلذا شواهد وتفصيل‬
‫سيأيت يف مظانه يف " كتاب الزهد والرقائق" " باب النهي عن املدح إذا كان فيه إفراط"‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫الفائدة العاشرة‪ :‬احلديث فيه أن من نزل به أمر يتضمن خوفاً أو اضطراباً أو حيتاج إىل استشارة أن‬
‫يطلع عليه من يثق بنصحه وصحة رأيه وتوجيهه ومن ذلك الزوجة إن كانت كذلك‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫الفائدة احلادية عشرة‪ :‬احلديث دليل على فضل العلم وذلك ملا اشتملت عليه اآليات اليت نزل هبا‬
‫جربيل عليه السالم من األمر بالقراءة وأمهية العلم‪.‬ق ال ابن القيم رمحه اهلل‪ ":‬أول سورة أنزهلا اهلل‬

‫‪22‬‬
‫تعاىل يف كتابه سورة القلم‪ ،‬فذكر فيها ما َم َّن به على اإلنسان من تعليمه مامل يعلم‪ ،‬فذكر فيها‬
‫فضله بتعليمه وتفضيله اإلنسان مبا علمه إياه‪ ،‬وذلك يدل على شرف التعليم والعلم" [مفتاح دار‬
‫السعادة ‪)1/58‬‬

‫الفائ دة الثاني ة عش رة‪ :‬يف احلديث فض ل ورق ة بن نوف ل وحس ن جواب ه مبا عن ده من العلم‪ ،‬وإميان ه‬
‫مبحمد صلى اهلل عليه وسلم قبل إدراكه رسالته‪ ،‬ومتنيه إدراكه رسالته لينصره نصراً مؤزراً‪ .‬قال‬
‫ش يخنا ابن ع ثيمني رمحه اهلل‪ ":‬ق ال بعض العلم اء فورق ة بن نوف ل أول من آمن ب ه ص لى اهلل علي ه‬
‫وس لم من الرج ال‪ ،‬وه ذا ص حيح‪ ،‬لكن ه أول من آمن ب ه من الرج ال قب ل الرس الة؛ ألن الرس ول‬
‫صلى اهلل عليه وسلم وقت نزول سورة (إقرأ) مل يكن رسوالً‪ ،‬ولكنه كان نبي اً‪ ،‬فأما من آمن به‬
‫بعد الرسالة فهو أبو بكر رضي اهلل عنه "شرح البخاري (‪ .)1/33‬وقال رمحه اهلل‪ ":‬إال أنه يعترب‬
‫صحابياً‪ ،‬ألن حد الصحبة ينطلق عليه‪ ،‬فإن الصحايب‪ :‬من اجتمع بالرسول صلى اهلل عليه وسلم‬
‫مؤمناً به ومات على ذلك "التعليق على مسلم (‪)529 /1‬‬
‫‪ ‬‬
‫الفائدة الثالثة عشر‪ :‬يف ذهاب خدجية رضي اهلل عنها بالنيب صلى اهلل عليه وسلم إىل ورقة وسؤاله‬
‫بيان أمهية الرجوع إىل أهل العلم والذكر واالختصاص وسؤاهلم‪.‬‬

‫الفائدة الرابعة عشر‪ :‬يف قول ورقة رضي اهلل عنه (يَا لَْيتَيِن فِ َيها َج َذعا) جواز متين املستحيل يف فعل‬
‫اخلري‪ ،‬ألن ورقة متىن أن يعود ش اباً وه و مس تحيل ع ادة‪ .‬ق ال ابن حج ر رمحه اهلل‪ ":‬ويظهر يل أن‬
‫التم ين ليس مقص وداً على باب ه ب ل املراد من ه ذا التنبي ه على ص حة م ا أخ ربه ب ه‪ ،‬والتنوي ه بق وة‬
‫تصديقه فيما جييء به" الفتح( ‪.)1/26‬‬
‫‪ ‬‬
‫الفائ دة اخلامس ة عش ر‪ :‬احلديث دلي ل على أن االبتالء على ال دعوة واإلخ راج من األوط ان س نة‬
‫األنبياء‪.‬‬
‫الفائدة السادسة عشر‪ :‬يف قول ورقة بن نوفل رضي اهلل عنه للنيب صلى اهلل عليه وسلم حني سأله"‬
‫ط مِب ا ِجْئ ِِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫أ ََو خُمْ ِر ِج َّي ُه ْم؟ " قَ َ‬
‫ي" أمران‪:‬‬ ‫ال َو َرقَةُ‪ :‬نَ َع ْم‪ ،‬مَلْ يَأْت َر ُج ٌل قَ ُّ َ َ‬
‫ت به إالَّ عُود َ‬
‫األول‪ :‬أن سنة اهلل واحدة يف عداء أهل الباطل ألهل احلق على مر الزمان‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫الثاين‪ :‬أن اجمليب على السؤال عليه أن يقيم الدليل على ما جييب به إذا اقتضى املقام ذلك‪ (.‬الفتح‬
‫‪)1/26‬‬
‫‪ ‬‬
‫الفائدة السابعة عشر‪ :‬حديث جابر رضي اهلل عنه وجوابه حني سأله أبو سلمة رضي اهلل عنه‪:‬‬
‫ال‪ :‬يَ ا أَيُّ َه ا الْ ُم دَّثِّ ُر "اس تدل ب ه من ق ال إن أول م ا ن زل من الق رآن‬
‫بْل؟ قَ َ‬ ‫ِ ِ‬
‫َي الْ ُق ْرآن أُنْز َل َق ُ‬
‫"أ ُّ‬
‫ك‬ ‫ْرأْ بِ ْ‬
‫اس ِم َربِّ َ‬ ‫ِّ‬
‫"‪ ﴿ ‬يَ ا أَيُّ َه ا الْ ُم دَّث ُر‪ .﴾ ‬ومجه ور العلم اء على أن أول م ا ن زل من الق رآن ﴿‪ ‬اق َ‬
‫الَّ ِذي َخلَ َق‪ ﴾ ‬استدالالً حبديث عائشة رضي اهلل عنها وهو الصواب‪ .‬ويدل على ذلك‪:‬‬
‫أن ح ديث عائش ة رض ي اهلل عنه ا ص ريح أن الن يب ص لى اهلل علي ه وس لم مل يق رأ قب ل‬ ‫‪‬‬
‫(إقرأ) شيء من القرآن حيث قال له" ما أَنَا بَِقا ِر ٍ‬
‫ىء"‪.‬‬ ‫َ‬
‫أن عائشة رضي اهلل عنها نقلت قول النيب صلى اهلل عليه وسلم وتصرحيه يف أول نزول‬ ‫‪‬‬
‫جلربي ل علي ه الس الم علي ه ب (إق رأ) بينم ا ج ابر رض ي اهلل عن ه أج اب من علم ه‪،‬‬
‫وجواب النيب صلى اهلل عليه وسلم مقدم على جواب غريه‪.‬‬
‫أن األمر بالقراءة يف الرتتيب قبل األمر باإلنذار‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫الفائدة الثامنة عشر‪ :‬حديث جابر رضي اهلل عنه فيه بيان ما اشتملت عليه سورة املدثر من‬
‫أمهي ة ال دعوة واإلن ذار وتعظيم اهلل ج ل وعال يف النفس ونف وس اخلل ق وتطه ري النفس من‬
‫النجاس ات وس ائر ال ذنوب والنق ائص‪ ،‬وجمانب ة الش رك‪ .‬ق ال الن ووي رمحه اهلل‪ ﴿ " :‬يَ ا أَيُّ َه ا‬
‫ك فَ َكِّب ْر‪ ﴾ ‬أي عظمه ونزهه عما ال يليق‬ ‫الْ ُمدَّثُِّر‪ ﴾ ‬معناها حذر العذاب من مل يؤمن‪َ  ﴿ ،‬و َربَّ َ‬
‫ك فَطَ ِّه ْر‪ ﴾ ‬قيل‪ :‬معناها طهرها من النجاسة‪ ،‬وقيل‪ :‬قصرها‪ ،‬وقيل‪ :‬املراد بالثياب‬ ‫به‪َ  ﴿ ،‬وثِيَابَ َ‬
‫ْز‪ ﴾ ‬بكس ر ال راء يف ق راءة األك ثرين‬ ‫الرج َ‬
‫النفس أي طهره ا من ال ذنب وس ائر النق ائص‪َ  ﴿ ،‬و ُّ‬
‫وق رأ حفص بض مها‪ ،‬وفس ره يف الكت اب باألوثان‪ ،‬وك ذا قال ه مجاعة من املفس رين والرجز يف‬
‫اللغة‪ :‬العذاب‪ ،‬وقيل املراد بالرجز يف اآلية الشرك‪ ،‬وقيل الذنب وقيل الظلم" [شرح مسلم (‬
‫‪)2/383‬‬
‫‪.‬‬
‫الفائدة التاسعة عشر‪ :‬اختلف يف املدة اليت فرت فيها الوحي عن النيب صلى اهلل عليه وسلم وانقطع‬
‫عنه وحزن النيب صلى اهلل عليه وسلم لذلك‪ ،‬فقيل‪ :‬ثالث سنني‪ ،‬وقيل‪ :‬سنتني ونصف‪ ،‬وقيل ستة‬
‫أشهر وقيل أربعني يوماً وقيل غري ذلك‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫ت‪َ :‬دثِّ ُرويِن ‪ .‬فَ َدثَُّرويِن ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ت َخدجيَ ةَ َف ُق ْل ُ‬‫الفائ دة العش رون‪ :‬ق ول الن يب ص لى اهلل علي ه وس لم‪ ":‬فَ أََتْي ُ‬
‫صب على ال َفزِع املاء ليسكن فزعه"‪.‬‬ ‫صبُّوا َعلَ َّي َماءً" قال النووي رمحه اهلل‪ ":‬فيه أنه ينبغي أن يُ َّ‬
‫فَ َ‬

‫المختارات من معلقات الشعر الجاهلي‬ ‫‪.4‬‬

‫مقتطفات من معلقة امروء القيس يصف الليل واخليل والصيد ‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫علي بأنواع اهلموم ليبتلي‬ ‫***‬ ‫وليل كموج البحر أرخى سدوله‬
‫وأردف أعجازأ ونأ بكلكل‬ ‫***‬ ‫فقلت له ملا متطى بصلبه‬
‫اإلصباح منك ِ‬
‫بأمثل‬ ‫ُ‬ ‫بصبح وما‬ ‫الطويل أال اجنلي ***‬
‫ُ‬ ‫أال أيها الليل‬
‫ت بيَ ْذبُِل‬
‫*** بكل ُمغار ال َف ِتل ُش ّد ْ‬ ‫جنومه‬
‫فيا لك من ليل كأن َ‬
‫جند ِل‬
‫ص ّم َ‬ ‫***‪  ‬بأمراس ّكتّان إىل ً‬ ‫كأن الثريّا علّقت يف َمصامها‬

‫‪ ‬معاني الشعر وأفكاره والشرح والدراسة والتحليل‬


‫علي بأنواع الهموم ليبتلي‬ ‫وليل كموج البحر أرخى سدوله ***‬ ‫(‪)1‬‬

‫مع اىن الكلم ات ‪ :‬الس دول ‪ :‬الس تور ‪ ،‬الواح د منه ا س دل ‪ ،‬اإلرخ اء ‪ .‬إرس ال الس دل وغ ريه ‪،‬‬
‫االبتالء‪ :‬االختبار ‪ ،‬اهلموم ‪ :‬مجع اهلم ‪ ،‬مبعىن احلزن ومبعىن اهلمة ‪ .‬الباء يف قوله ‪ :‬بأنواع اهلموم ‪،‬‬
‫مبعىن مع‪.‬‬
‫الشرح ‪ :‬ورب ليل حياكي أمواج البحر يف توحشه ونكارة أمره وقد أرخى علي ستور ظالمه مع‬
‫أنواع األحزان‪ ،‬أو مع فنون اهلم‪ ،‬ليختربين أأصرب على ضروب الشدائد وفنون النوائب أم أجزع‬
‫منها‪ .‬اجلمال ‪ :‬شبه الشاعر ظالم الليل يف هوله وصعوبته ونكارة أمره بامواج البحر‪.‬‬

‫وأردف أعجازأ ونأ بكلكل‬ ‫***‬ ‫فقلت له لما تمطى بصلبه‬ ‫(‪)2‬‬

‫معاىن الكلمات ‪ :‬متطى أي متدد و مد الظهر‪ ،‬اإلرداف ‪ :‬اإلتباع واالتباع وهو مبعىن األول هاهنا‪،‬‬
‫األعجاز ‪ :‬املآخري‪ ،‬الكلكل ‪ :‬الصدر‪ ،‬واجلمع كالكل‬

‫‪25‬‬
‫الش رح ‪ :‬فقلت للي ل ملا م د ص لبه يع ين ملا أف رط طول ه ‪ ،‬وأردف أعج ازا يع ين ازدادت م آخريه‬
‫امتدادا وتطاوال ‪ ،‬وناء بكلكل يعين أبعد صدره ‪ ،‬أي بعد العهد بأوله ‪ ،‬وتلخيص املعىن ‪ :‬قلت‬
‫لليل ملا افرط طوله وناءت أوائله وازدادت أواخره تطاوال‪ ،‬وطول الليل ينبئ عن مقاساة األحزان‬
‫والشدائد والسهر املتولد منها‪ ،‬ألن املغموم يستطيل ليله‪ ،‬واملسرور يستقصر ليله‪ .‬اجلمال ‪:‬استعار‬
‫اللي ل ص لبا واس تعار لطول ه لف ظ التمطي ليالئم الص لب ‪ ،‬واس تعار ألوائل ه لف ظ الكلك ل وملآخريه‬
‫األعجاز‪.‬‬

‫اإلصباح منك ِ‬
‫بأمثل‬ ‫ُ‬ ‫بصبح وما‬ ‫الطويل أال انجلي ***‬
‫ُ‬ ‫أال أيها الليل‬ ‫(‪)3‬‬

‫مع اىن الكلم ات ‪ :‬االجنالء‪ :‬االنكش اف‪ ،‬يق ال‪ :‬جلوت ه ف اجنلى أي كش فته فانكش ف‪ ،‬األمث ل ‪:‬‬
‫األفضل‪ ،‬واملثلى الفضلى ‪ ،‬األماثل األفاضل‪.‬‬
‫الش رح ‪ :1‬قلت ل ه أال أهنا اللي ل الطوي ل انكش ف وتنح بص بح‪ ،‬أي ل يزل ظالم ك بض ياء من‬
‫الصبح ‪ ،‬مث قال ‪ :‬وليس الصبح بأفضل منك عندي ألين أقاسي اهلموم هنارا كما اعانيها ليال‪،‬‬
‫أو ألن هناري أظلم يف عيين ‪ -‬ألزدحام اهلموم علي حىت حاكى الليل‪.‬‬
‫الش رح ‪ :2‬يتم ىن الش اعر أن ي زول اللي ل ويس فر الص بح‪ ،‬وه و على يقني أن الص باح لن يطل ع‬
‫عليه حبال أفضل‪ .‬فصيغة األمر فيه للتمين‪ ،‬فهو إذ يتمىن زوال ظالم الليل بضياء الصبح يؤكد‬
‫أن ليس الصباح بأفضل عنده‪ ،‬الستوائهما يف مقاساة اهلموم‪ ،‬أو ألن هناره يظلم يف عينه لتوارد‬
‫ص ا مما يعرض‬
‫اهلموم‪  .‬فليس الغرض طلب االجنالء من الليل ألنه ال يقدر عليه‪ ،‬لكنه يتمناه ختلّ ً‬
‫له فيه‪ ،‬والستطالة تلك الليلة كأنه ال يرتقب اجنالءها وال يتوقعه‪.‬‬

‫ت بيَ ْذبُ ِل‬ ‫نجومه *** بكل ُمغار ال َف ِ‬


‫تل ُش ّد ْ‬ ‫(‪ )4‬فيا لك من ليل كأن َ‬
‫معاىن الكلمات ‪ :‬مغار الفتل ‪ :‬احلبل الشديد الفتل‪ ،‬يذبل ‪ :‬اسم جبل‪.‬‬
‫الش رح ‪ :1‬يتعجب من اللي ل الطوي ل علي ه بس بب حزن ه ك أن جنوم ه ذا اللي ل واقف ة التتح رك‪،‬‬
‫وكأهنا مربوطة حببل شديد الفتل جببل امسه يذبل‪ ،‬كأن جنومه قد شدت إىل يذبل بكل حبل حمكم‬
‫الفتل‪.‬‬
‫‪26‬‬
‫الشرح ‪ :2‬شبه‪  ‬الشاعر الليل كموج البحر وهو يروعنا يف هوله ويف تكراره ويف كثافة ظلمته‪،‬‬
‫وغموض ه وفي ه من الوحش ة م ا في ه‪ ،‬وخاص ة وأن هن اك س دوالً وس تائر س رُت خى لتك ون ه ذه‬
‫العتمة الرهيبة‪ ،‬وها هو الليل أرخاها مع أنواع احلزن ليختربين‪ :‬أأصرب أم أجزع! وختيل الليل‬
‫وكأنه حيوان يبغي اهلجوم والوثوب‪ ،‬فينقل صورة جمسمة‪ -‬ها هو ميتد أو ميدد ظهره‪ ،‬وها هو‬
‫بسرعة يلحق مؤخرته‪ ،‬وسرعان ما أبعد صدره ليتم الوثوب أو هجمته‪ ،‬ويقول امرؤ القيس‪ :‬إن‬
‫بكل حبل حمكم الفتل يف هذا احلبل‪ .‬وقد شدت إىل‬
‫جنوم الليل ال تفارق حماهّل ا‪ ،‬فكأهنا مربوطة ّ‬
‫جبل (يذبل)‪ .‬أي استطال الليل ملقاساة األحزان فيه‪ ،‬فالنجوم ال تتحرك مع ساعات الليل‪ ،‬وهو‬
‫يراها مستقرة ثابتة يف مكاهنا‪.‬‬

‫ص ّم جن َد ِل‬
‫***‪  ‬بأمراس ّكتّان إلى ً‬ ‫كأن الثريّا علّقت في َمصامها‬ ‫(‪)5‬‬

‫مع اىن الكلم ات ‪  :‬الثري ا ‪ :‬س تة جنوم ظ اهرة‪ ،‬وبينه ا ك واكب خفي ة كث رية الع دد‪ ،‬ومص امها هي‬
‫مواض ع وقوفه ا يف الس ماء‪ ،‬األم راس مجع م رس‪ :‬وه و احلب ل‪ ،‬األص م ‪ :‬الص لب‪ ،‬وتأنيث ه الص ماء‪،‬‬
‫اجلندل ‪ :‬الصخرة العظيمة‪ ،‬واجلمع جنادل‪.‬‬
‫الشرح ‪ :‬فيا عجبا لك من ليل كأن جنومه شدت حببال من الكتان إىل صخور صالب ‪ ،‬وذلك أنه‬
‫استطال الليل فيقول إن جنومه ال تزول من أماكنها وال تغرب فكأهنا مشدودة حببال إىل صخور‬
‫صلبة ‪ ،‬وإمنا استطال الشاعر الليل ملعاناته اهلموم ومقاساته االحزان فيه وقوله ‪ :‬بأمراس كتان ‪،‬‬
‫يعين ربطت‪ ،‬يصف طول الليل بقوله كأن النجوم مشدودة حببال إىل حجارة فليست متضي‪ ،‬هناك‬
‫من‪  ‬الرواة من جعل هذا البيت اخلامس يف ترتيبه بعد أن وصف الشاعر الفرس‪ ،‬وبذلك اكتفى ‪ ‬‬
‫فس ر البيت اخلامس أن حتجيل الفرس يف‬
‫هؤالء بأربعة األبيات األوىل يف وصف الليل‪ ،‬وعلى هذا يُ َّ‬
‫صم جندل‪ ،‬إذ شبه حوافره باحلجارة‪.‬‬
‫بياضه شبيه بنجوم عُلّقت يف مقام الفرس حببال َكتان إىل ّ‬
‫والروايه هنا "مصامه"‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫المختارة من الشعر في عصر صدر اإلسالم‬ ‫‪.5‬‬

‫شعر حسان بن ثابت ميدح الرسول صلى اهلل عليه وسلم وأصحابه‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫‪27‬‬
‫حسان بن ثابت األنصاري هو شاعر الرسول وهو شاعر عريب وصحايب من األنصار‪ ،‬من أهل‬
‫املدين ة وحتدي دا من قبيل ة اخلزرج‪ ،‬ك ان حمب ا للش عر ونظم ه‪ ،‬وق د ك ان من أهم ش عراء مل وك آل‬
‫غسان يف الشام وذلك قبل دخوله اإلسالم‪ ،‬وعندما أسلم أصبح شاعر الرسول وقد قدم الكثري من‬
‫القصائد يف‪ ‬مدح‪ ‬الرسول عليه أفضل الصالة والسالم‪ ،‬كما قدم قصائد يف مدح الصحابة رضوان‬
‫اهلل عليهم‪ ،‬ومدح اإلسالم واملسلمني‪ ،‬واستطاع حسان بن ثابت أن يصنع لنفسه مكانة عظيمة‬
‫جدا منذ وقت دخوله إىل اإلسالم وحىت وفاته‪ ،‬كما كرمه الكثري من‪ ‬اخللفاء الراشدين مما جعلهم‬
‫يغ دقون علي ه اهلدايا كما ك ان الن يب علي ه الصالة والس الم يث ين على ش عره وك ان ي دعو ل ه بقول ه‬
‫اللهم أيده بروح القدس‪ ،‬وقد تزوج حسان بن ثابت من سريين وهي أخت ماريا‪ ‬القبطية‪ ‬زوجة‬
‫الرس ول علي ه الص الة والس الم وأجنبت من ه ول ده عب د ال رمحن‪ ،‬فاس تطاع حس ان بن ث ابت أن‬
‫يكون‪ ‬رصيدا كب ريا من القص ائد خاص ة خالل ف رتة إس المه فق د م دح كم ا ذكرن ا الرس ول علي ه‬
‫الصالة والسالم واملسلمني واإلسالم وقد برع يف املديح لذلك نقدم أفضل قصائد املديح حلسان‬
‫بن ثابت‬
‫الشرح والدراسة والتحليل لقصيدة محمد المبعوث‬ ‫‪‬‬
‫حممد املبعوث للناس رمحة *** يشيد ما أوهى الضالل ويصلح‬
‫ألن سبحت صم اجلبال جميبة *** لداوود أو الن احلديد املصفح‬
‫فإن الصخور الصم النت بكفه *** وإن احلصى يف كفه ليسبح‬
‫وإن كان موسى أنبع املاء بالعصا *** فمن كفه قد أصبح املاء يطفح‬
‫وإن كانت الريح الرخاء مطيعة *** سليمان ال تألو تروح وتسرح‬
‫فإن الصبا كانت لنصر نبينا *** ورعب على شهر به اخلصم يكلح‬
‫وإن أويت امللك العظيم وسخرت *** له‪ ‬اجلن‪ ‬تسعى يف رضاه وتكدح‬
‫فإن مفاتيح الكنوز بأسرها *** أتته فرد الزاهد‪ ‬املرتجح‬
‫وإن كان إبراهيم أعطي خلة *** وموسى بتكليم على الطور مينح‬
‫فهذا حبيب بل خليل مكلم *** وخصص بالرؤيا وباحلق أشرح‬
‫وخصص باحلوض الرواء وباللوا *** ويشفع للعاصني والنار تلفح‬
‫‪28‬‬
‫وباملقعد األعلى املقرب ناله *** عطاء لعينيه أقر وأفرح‬
‫وبالرتبة العليا الوسيلة دوهنا *** مراتب أرباب املواهب تلمح‬
‫وهلو إىل اجلنان أول داخل *** له باهبا قبل اخلالئق يفتح‬

‫كعب بن زهري يف الربدة‬ ‫‪‬‬


‫متبول ( الربدة ) قال الشاعر كعب بن زهري ‪-‬رضي اهلل عنه‪ -‬يف‬
‫اليوم ُ‬
‫سعاد فقليب َ‬
‫قصيدة بانت ُ‬
‫بردته الشهرية‪:‬‬
‫قتول‬
‫بن أَيب ُسلمى لَ َم ُ‬ ‫الوشاةُ جِب َنبَيها َوقَوهُلُم *** إِن َ‬
‫َّك يَا َ‬ ‫يَسعى ُ‬
‫ِ‬
‫شغول‬
‫نك َم ُ‬ ‫َّك إِيّن َع َ‬
‫آملُهُ *** ال أُلفَين َ‬
‫نت ُ‬ ‫ليل ُك ُ‬ ‫قال ُك ُّل َخ ٍ‬
‫َو َ‬
‫فعول‬
‫الرمحَ ُن َم ُ‬ ‫لت َخلّوا سبيلي ال أَبا لَ ُك ُم *** فَ ُك ُّل ما قَد ََّر َ‬ ‫َف ُق ُ‬
‫المتُهُ *** يَوماً َعلى آلٍَة َحدباءَ حَم ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مول‬ ‫ُك ُل اب ِن أُنثى َوإن طالَت َس َ‬
‫سول اللَ ِه َم ُ‬
‫أمول‬ ‫ند ر ِ‬ ‫ِ‬
‫الع ُف ُو ع َ َ‬
‫َوع َدين *** َو َ‬
‫َن ر َ ِ‬
‫سول اللَه أ َ‬ ‫ئت أ َّ َ‬ ‫أُنبِ ُ‬
‫فصيل‬ ‫َعطاك نافِلَةَ الـ *** ـ ُق ِ‬ ‫داك الَّذي أ َ‬
‫ظ َوتَ ُ‬ ‫رآن فيها َمواعي ٌ‬ ‫َمهالً َه َ‬
‫َقاويل‬ ‫أل‬ ‫ا‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫ر‬ ‫ث‬ ‫ك‬
‫َ‬ ‫و‬ ‫ل‬
‫َ‬ ‫و‬ ‫نب‬ ‫شاة ومَل ÷*** أ ِ‬
‫ُذ‬ ‫َقوال الو ِ‬
‫ال تَأَخ َذيّن بِأ ِ‬
‫ُ‬ ‫يّن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الفيل‬ ‫لََقد أَقوم مقاماً لَو ي ِِ‬
‫سم ُع ُ‬ ‫قوم به *** أَرى َوأَمسَ ُع ما لَو يَ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َُ‬
‫نويل‬ ‫ِ ِِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫لَظَ َّل ي َ ِ‬
‫الرسول بإذن اللَه تَ ُ‬ ‫رع ُد إاّل أَن يَكو َن لَهُ *** م َن َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وب اللَ ِيل َم ُ‬
‫سبول‬ ‫نح الظَالم َوثَ ُ‬ ‫لت أَقتَط ُع البَيداءَ ُم َّدر ًعا *** ُج َ‬ ‫ما ِز ُ‬
‫القيل‬ ‫ِ ٍ‬ ‫عت مَي يين ال أُنا ِزعُهُ *** يف َك ِّ‬
‫ف ذي نَقمات قيلُهُ ُ‬ ‫ض ُ‬ ‫َحىّت َو َ‬
‫قيل إِن َ‬ ‫ذاك أ ََه ُ ِ ِ ِّ‬
‫سؤول‬
‫سبور َو َم ُ‬ ‫َّك َم ٌ‬ ‫يب عندي إذ أُ َكل ُمهُ *** َو َ‬ ‫لَ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِمن َ ٍ ِ ِ‬
‫غيل‬
‫غيل دونَهُ ُ‬ ‫ضيغَم من ضراءَ األُسد خُم د َر ًة *** ببَط ِن َعثََّر ٌ‬
‫راذيل‬ ‫خ‬ ‫عفور‬ ‫م‬ ‫يغدو َفيلحم ِضرغامني عيشهما *** حَل م ِمن ال َق ِ‬
‫وم‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ٌ َ‬ ‫َ َ ُُ‬ ‫َ َُ‬ ‫َ‬
‫القر َن إِاّل َو ُه َو َم ُ‬
‫فلول‬ ‫إذا يسا ِور قِرناً ال حَيِ ُّل لَه *** أَن يرت َك ِ‬
‫َُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ُ‬
‫َراجيل‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الوحش ضامَر ًة *** َوال مُتَ ّشي بواديه األ ُ‬ ‫منهُ تَظَ ُّل مَح ريُ َ‬
‫الد ِ‬ ‫ٍِ‬ ‫ِ‬
‫أكول‬
‫رسان َم ُ‬ ‫البِّز َو َ‬
‫أخو ث َقة *** ُمطََّر ُح َ‬ ‫زال بِواديِه َ‬‫َوال يَ ُ‬
‫‪29‬‬
‫سول لَنور يستضاء بِِه *** مهنَّ ٌد ِمن س ِ‬
‫يوف اللَ ِه َم ُ‬ ‫ِ‬
‫سلول‬ ‫ُ‬ ‫َُ‬ ‫الر َ ٌ ُ َ ُ‬ ‫إ َّن َ‬

‫معاين الشعر وأفكا ره‬ ‫‪‬‬


‫الشرح والدراسة والتحليل‬ ‫‪‬‬

‫المختارات من الشعر في العصر األموي‬ ‫‪.6‬‬

‫شعر الفزردق عن الفخر‬ ‫‪‬‬


‫يع د الش اعر األم وي امللقب ب الفرزدق منوذج اً أصيالً لش عر اهلج اء كم ا ي رى النق اد ال ذين‬
‫يرصدون تاريخ الشعر العريب‪ ،‬ويرون أن معركة اهلجاء املتبادلة بينه وبني الشاعر جرير‪ ،‬اليت دامت‬
‫نصف قرن‪ ،‬هي أطول مطارحة شعرية بني شاعرين يف تاريخ األدب العريب‪ .‬ولكن هؤالء النقاد‬
‫يظلمون الفرزدق حبصره يف هذه الصورة النمطية‪ ،‬فهو مل يكن بارع اً يف اهلجاء وحده‪ ،‬بل كان‬
‫بارع اً يف املديح‪ ،‬كم ا أن هن اك حمط ات مش رقة يف حيات ه‪ ،‬أمهه ا أن ه ك ان لغوي اً ف ذاً‪ ،‬فأدخ ل يف‬
‫الشعر العريب الكثري من األلفاظ العربية‪ ،‬وأحيا كثرياً من الكلمات اليت اندثرت‪ ،‬ويقول أهل اللغة‪:‬‬
‫الوال شعر الفرزدق لذهب ثلث اللغة العربية‪ ،‬كما كان الفرزدق جواداً كرمياً من سادة قومه بين‬
‫متيم‪. ‬‬
‫امسه بالكام ل مهام بن غ الب بن صعص عة ال دارمي التميمي‪ ،‬وكنيت ه أب و ف راس (‪-641‬‬
‫‪732‬م)‪ ،‬ومسي ب الفرزدق لض خامة وجه ه‪ ،‬والف رزدق ه و الرغي ف‪ ،‬ويق ال إن أص ل الكلم ة‬
‫فارسي‪ ،‬ولد الفرزدق يف كاظمة‪ ،‬وعاش يف البصرة‪ ،‬اليت لعبت دوراً مهم اً يف حياته‪ ،‬فقد عرفت‬
‫بسوق العرب‪ ،‬وكان الناس يقصدوهنا للعلم واألدب والشعر‪ ،‬وكانت هي البيئة اليت ترعرع فيها‬
‫الفرزدق وتفاعل مع أحداثها‪ .‬وكان جده ألبيه عارفاً باألدب‪ ،‬حافظاً للشعر‪ ،‬راوية ألخبار الناس‬
‫يف وقت ه‪ ،‬وورث عن ه ابن ه ه ذه اخلص ال وأورثه ا الف رزدق‪ ،‬جبانب الك رم وحس ن اخلل ق‪ ،‬ويق ول‬
‫الفرزدق عن نفسه متفاخراً ‪:‬‬
‫يف يصدق‬
‫إذا مت فابكيين مبا أنا أهله *** فكل مجيل قلته ّ‬
‫وكم قائل مات الفرزدق والندى *** وقائلة مات الندى‪ ‬والفرزدق‬

‫‪30‬‬
‫كان الفرذق معروف اً بفخره وتأيت الكلمات أكثر سالسة يف شعره عندما يفتخر بنسبه‪ ،‬ويفاخر‬
‫الشاعر‪ ‬جرير‪:‬‬‫َ‬ ‫خياطب‬
‫ُ‬ ‫بنسبه معاصريه من الشعراء‪ ،‬ومن أشهر قصائده يف هذا السياق عندما‬
‫األفض ُل‬ ‫خايل حبيش ذو ِ‬
‫الف ِ‬ ‫يا ابن امل ِ‬
‫عال َ‬ ‫َُ ٌ‬ ‫ك ؟ إنّين‬
‫راغة أين خالُ َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫وإليه كان حباءُ َجفنة يُن َق ُل‬ ‫فوس ُهم‬
‫ب املُلوك نُ َ‬ ‫صَ‬‫خايل الذي َغ َ‬

‫شعر الفزردق عن اهلجاء‬ ‫‪‬‬


‫وهناك درس أديب جيب أن يتعلمه أدباء العصر احلديث حول الصراع الفكري والشعري بني‬
‫جرير والفرزدق‪ ،‬وهو أهنما كانا صديقني مقربني‪ ،‬إال يف الشعر‪ ،‬وكانا ال يفرتقان‪ ،‬ويرامها الناس‬
‫ميشيان يف األسواق ويتسامران‪ ،‬لكنهما عندما يتطارحان الشعر فإن لكل منهما عداوته وطريقته‬
‫يف هجاء اآلخر والتشهري به‪.‬‬
‫عم ر الفرزدق كثرياً حىت بلغ الثالثة والتسعني من العمر‪ ،‬وعندما تويف تأثر جرير لفراقه وقال‬
‫ّ‬
‫قولة شهرية هي‪« :‬أما واهلل إن ألعلم أين قليل البقاء بعده‪ ،‬لقد كان جنم اً واحداً‪ ،‬وكل واحد منا‬
‫كان مشغوالً بصاحبه»‪ ،‬وبالفعل مل يعش جرير كثرياً بعد موت الفرزدق‪ ،‬فقد تويف بعده بأربعني‬
‫ليلة‪ ،‬وكان قد رثاه بأبيات منها‪:‬‬
‫عد ال َفَر ْز َد ِق ُحَّرة‬‫ت بَ َ‬ ‫فَال مَحَلَ ْ‬
‫نفاس َتعلّ ِ‬
‫ت‬ ‫ذات مَح ْ ٍل من ٍ َ‬ ‫َوال ُ‬
‫واحلام ُل الذي‬ ‫هو الوافِ ُد املجبور ِ‬
‫َ ُْ ُ‬ ‫َُ‬
‫ت وقال يف أبيات أخرى‪:‬‬ ‫النعل يوماً بالعشرية ِ َزلّ ِ‬
‫َ َ‬ ‫إذا ّ ْ ُ َ ْ‬
‫زد ِق‬ ‫لَعمري لََقد أَشجى مَت يماً وهدَّها على نَ َك ِ‬
‫الده ِر َم ُ‬
‫وت ال َفَر َ‬ ‫بات َ‬ ‫ََ َ‬ ‫َ‬
‫عش ِه‬
‫راق بِنَ ِ‬ ‫ع ِشيَّةَ راحوا لِ ِلف ِ‬
‫َ‬
‫عم ِق‬
‫َرض ُم َ‬ ‫إِىل َج َد ٍث يف ُه َّو ِة األ ِ‬
‫اللحد َمن كا َن يَنتَمي إِىل‬ ‫لََقد غادروا يف ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫السماء حُمَلِّ ِق‬ ‫ُك ِّل جَن ٍم يف‬
‫غرٍم‬ ‫ِ‬
‫ثَوى حام ُل األَثقال َعن ُك ِّل ُم َ‬
‫ِ‬

‫‪31‬‬
‫الس َملَّ ِق‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َودام ُغ َشيطان الغَشوم َ‬
‫ِعماد مَت ي ٍم ُكلِّها ولِساهُن ا و ِ‬
‫ناط ُقها الب ّذاخ يف ُك ِّل م ِ‬
‫نط ِق‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫كان الفرزدق مغروراً معتزاً بنفسه ومجاله ومتكنه من اللغة‪ ،‬وكان صرحياً وجريئاً‪ ،‬واشتهر‬
‫بفصاحته وكرمه‪ ،‬ويقال إنه مل يكن حيب أن جيلس لتناول الطعام وحيداً‪ ،‬وقيل إنه كان متمسكاً‬
‫بأخالق عشريته يف اجلود والكرم‪ ،‬وأنه مرة باع مجاالً له يف سوق املريد ونثر أمواهلا على الناس‪.‬‬
‫إن شاعراً هبذه اخلصال جمتمعة من الظلم أن حنصره يف باب شعر اهلجاء وحده‪ ،‬بل جيب أن ننظر‬
‫إليه من منظار العصر الذي عاش فيه‪ ،‬وأنه كان ابن بيئته بالفعل‪ ،‬وأن سلوكه االجتماعي وشعره‬
‫يف اجململ مها مفتاح شخصيته ودوره يف إثراء الشعر العريب‪ ،‬صحيح أنه هجا اجلميع‪ ،‬حىت عمته‬
‫وأخته‪ ،‬لكن اهلجاء مل يالزمه طوال حياته‪ ،‬وتذكر املصادر أنه تاب عنه يف أواخر أيامه‪ ،‬وهجا‬
‫إبليس الذي كان حيرضه على اهلجاء قائالً‪ :‬أطعتك يا إبليس سبعني حجة فلما انتهى شييب ومت‬
‫متامي فررت إىل ريب وأيقنت أنين ٍ‬
‫مالق أليام املنون محامي ويروى أنه يف آخر أيامه تعلق بأستار‬
‫الكعبة وقيد نفسه بقيد وقرر أن ال يفكه حىت حيفظ القرآن كله‪ ،‬فما فكه حىت حفظ القرآن‪،‬‬
‫وعاهد اهلل أن ال يهجو أحداً‪ ،‬والتزم بذلك حىت وفاته‪.‬‬
‫شعر ارير يرد على الفزردق‬
‫معاين الشعر وأفكاره‬
‫الشرح والدراسة والتحليل‬

‫المختارة من الشعر في العصر العباسي‬ ‫‪.7‬‬

‫شعر أيب متام عن فتح عمورية‬ ‫‪‬‬


‫معاين الشعر وأفكاره‬ ‫‪‬‬
‫الشرح والدراسة والتحليل‬ ‫‪‬‬

‫طْرة املس لمة وع اثوا فيه ا‬ ‫ِ‬


‫أغ ار ال روم يف أي ام املعتص م باهلل بن ه ارون الرش يد على بل دة زبَ َ‬
‫عموري ة على ام رأة عربي ة مس لمة فص احت مس تنجدة باملعتص م‬
‫فس اداً‪ ،‬واعت دى رومي من أه ل ّ‬

‫‪32‬‬
‫عمورية‬
‫فسخر منها الرومي‪ ،‬ووصل ذلك إىل املعتصم فأقسم أن ينصرها‪ ،‬وغزا بالد الروم وفتح ّ‬
‫وأسر الرومي وأحضر املرأة لرتاه ويراها‪ ،‬وكان املنجمون نصحوا املعتصم باالنتظار حىت ينضج‬
‫عمورية قبل ذلك‪ ،‬لكنه مل يستمع لنصيحتهم‪ ،‬وغزاها وانتصر‪،‬‬
‫التني والعنب ألنه لن يستطيع فتح ّ‬
‫فأنشد أبو متام حبيب بن أوس الطائي (‪ :)846H-788‬يف ذلك بائيته هذه ‪.‬‬

‫يلج أب و متام إىل موض وعه مبقدم ة من وحي املناس بة يق ارن فيه ا بني العلم الناش ئ عن‬
‫التخمني والنظ ر يف النج وم وبني العلم الناش ئ عن الفع ل واإلجناز على أرض الواق ع‪ ،‬فم ا يقول ه‬
‫لكن ما يفعله السيف واألرماح الالمعة‬
‫املنجمون ليس علماً ألنه ليس مدعوماً بفعل واضح األثر‪ّ ،‬‬
‫باد على األرض‪ ،‬فسيف املعتصم ك ّذب خرافات املنجمني‪ ،‬وترك جلود‬‫هو العلم بعينه ألن أثره ٍ‬

‫جنود الروم تنضج قبل نضج التني والعنب ‪.‬‬

‫عموري ة على رك يزتني أساس يتني‪ ،‬مها خبرت ه في ص ناعة‬


‫يعتم د أب و متام يف وص فه ملعرك ة ّ‬
‫البديع اليت هو زعيمها ومؤسس مذهبها‪ ،‬فعن طريق لعبة األضداد الطباق بني الظلمة والنور يقدم‬
‫لنا عرب أبيات متعددة صورة رهيبة لذلك احلريق اهلائل الذي أحدثه املعتصم يف عمورية‪ ،‬ويرتكنا‪،‬‬
‫عن قصد‪ ،‬حائرين يف متييز الليل من النهار ضوء من النار والظلماء عاكفة‪ /‬وظلمة من دخان يف‬
‫ضحى شحب‪ ،‬حىت نستشعر عظم الفعل الذي قام به ذلك اخلليفة املظفر‪ ،‬فهل الظلمة هي من‬
‫الليل أم من الدخان وهل الضوء من الشمس أم من النار؟ وال تتوقف اللعبة اللفظية عند هذا احلد‬
‫فهي حاض رة كث رياً يف وص ف املعتص م وجيش ه وعدت ه‪ ،‬وفي ص ناعة تناس ٍ‬
‫ب إيق اعي راقص على‬
‫حنو م ا فعلت ه اجلناس ات يف ال بيت ت دبري معتص م ‪ ،. .‬أم ا الرك يزة الثاني ة فهي قدرت ه على اخ رتاع‬
‫وتفريع املعاين العقلية البعيدة‪ ،‬وهو سلف املتنيب وأستاذه يف هذا امليدان‪ ،‬ومثال ذلك عقده صلة‬
‫الرحم بني يوم عمورية ويوم بدر ‪.‬‬

‫اجلد واللَّ ِ‬
‫عب‬ ‫بني ِّ‬ ‫ب *** يف ح ّد ِه ُّ‬
‫احلد َ‬ ‫َص َد ُق إِ ْنبَاء ِمن ال ُكتُ ِ‬
‫ً َ‬ ‫فأ ْ‬
‫السْي ُ‬
‫َّ‬

‫حائف يف *** ُمتُوهِن َّن جالء الشَّك والريَ ِ‬


‫ب‬ ‫الص ِ‬‫سود َّ‬
‫فائح الَ ُ‬
‫الص ِ‬‫بيض َّ‬
‫ُ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ُّه ِ‬
‫ب‬ ‫اح الَِمعةً *** ب اخل ِميس ِ ال يف َّ ِ‬ ‫والعِْلم يف ُش ُه ِ‬
‫السْب َعة الش ُ‬ ‫َنْي َ َ َ نْي‬ ‫ب األ َْر َم ِ َ‬ ‫ُ‬
‫‪33‬‬
‫ومن َك ِذ ِب‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫صاغُوه م ْن ُز ْخ ُرف فيها ْ‬
‫وم َو َما *** َ‬
‫ُّج ُ‬
‫أَيْ َن الروايَة بَ ْل أَيْ َن الن ُ‬

‫الشع ِر أ َْو َن ْثر ِمن اخلُطَ ِ‬


‫ب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫توح َت َعاىَل أَ ْن حُي ي َط بِه *** نَظْ ٌم من ْ‬
‫َفْت ُح ال ُف ِ‬
‫ٌ َ‬
‫األرض يف أثواهبا ال ُق ُش ِ‬
‫ب‬ ‫وتربز‬ ‫فتح تفتَّح أبواب َّ ِ‬
‫ُ‬ ‫السماء لهُ *** ُ‬ ‫ٌ ُ ُ‬

‫احللب‬ ‫ِ‬
‫معسولة ِ‬ ‫منك املىن ُح َّفالً‬
‫ت *** َ‬ ‫يَا َي ْو َم َو ْق َع ِة َع ُّموريَّة انْ‬
‫صَرفَ ْ‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫جلودهم قبل نُضج التني والعنب‬
‫ْ‬ ‫سبعون ألفا كآساد الشرى نضجت ***‬

‫صبَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬


‫ب‬ ‫الشرك يف َ‬
‫ود َار ْ‬ ‫اإلسالم يف صعد *** واملُ ْش ِر َ‬
‫كني َ‬ ‫ت َّ‬
‫جد بين‬ ‫أبقي َ‬
‫ْ‬

‫ِ‬
‫واخلشب‬ ‫الصخ ِر‬
‫ذليل َّ‬ ‫ِ‬
‫املؤمنني هبا *** للنَّار يوماً َ‬
‫َ‬ ‫أمري‬
‫تركت َ‬
‫َ‬ ‫لقد‬

‫صْب ٌح ِمن اللَّ َه ِ‬


‫ب‬ ‫حى *** يَ ُشلُّهُ َو ْسطَ َها ُ َ‬
‫ض ً‬‫وهو ُ‬ ‫َّ‬
‫هبيم الل ِيل َ‬
‫غادرت فيها َ‬
‫َ‬

‫َّمس مَل تَغِ ِ‬


‫ب‬ ‫َّ‬ ‫هِن‬ ‫حىَّت َّ‬
‫رغبت *** َع ْن لَ ْو َا و َكأَن الش ْ َ‬
‫ْ‬ ‫جالبيب الدُّجى‬
‫َ‬ ‫كأن‬

‫ِ‬
‫شحب‬ ‫حى‬ ‫ضوء من النَّا ِر والظَّلماء عاكفةٌ *** وظُلمة ِمن ٍ‬
‫ض ً‬‫دخان يف ُ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ َ‬
‫من ذا وملْ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫جتب‬ ‫َّمس واجبةٌ ْ‬ ‫س طَال َعةٌ م ْن َذا وق ْد أََفلَ ْ‬
‫ت *** والش ُ‬ ‫َّم ُ‬
‫فالش ْ‬

‫ىب ِم ْن َربْعِ َها اخلَِر ِب‬


‫ً‬ ‫ر‬‫ُ‬ ‫ى‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫َب‬
‫ْ‬ ‫أ‬ ‫ن‬
‫ُ‬ ‫ال‬
‫َ‬ ‫ي‬‫ْ‬ ‫غ‬
‫َ‬ ‫***‬ ‫يطوف ِ‬
‫به‬ ‫ُ‬ ‫ربع ميَّةَ معموراً‬
‫ما ُ‬

‫ناظري ِم ْن َخدها الرَّتِ ِب‬


‫وال اخْلُ ُدود وق ْد أ ُْدمني ِمن خج ٍل *** أَشهى إىل ِ‬
‫َ ْ َ‬ ‫ُ‬

‫ضِ‬ ‫لو يعلم الكفر كم من أعص ٍر كمنت *** لَه ِ‬


‫ب‬ ‫الس ْم ِر وال ُق ُ‬
‫ب َبنْي َ ُّ‬
‫العواق ُ‬
‫ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ُ ُ ْ ْ‬

‫مرتقب يف اهلل ُم ِ‬
‫رتغب‬ ‫ٍ‬ ‫ص ٍم بِاللَّ ِه مْنتَ ِق ِم *** ِ‬
‫هلل‬ ‫تَ ْدبري معتَ ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ ُْ‬

‫ِ‬
‫حمتجب‬ ‫روح‬
‫عن ِ‬ ‫ومطع ِم النَّص ِر مَل تَك ِ‬
‫جبت ْ‬
‫ْه ْم أَسنَّتُهُ *** يوماً والَ ُح ْ‬
‫ْ َ‬ ‫ُ َ‬

‫الرعُ ِ‬ ‫ٍ‬
‫ب‬ ‫مَلْ َي ْغ ُز َق ْوماً‪ ،‬ومَلْ َيْن َه ْد إىَل َبلَد *** إالَّ تقدَّمهُ ٌ‬
‫جيش من َّ‬
‫‪34‬‬
‫جحفل ِ‬
‫جلب‬ ‫ٍ‬ ‫لو مل يق ْد جحفالً‪ ،‬يوم الوغى لغدا *** من ِ‬
‫نفسه وحدها يف‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ ْ‬
‫بك غري ِ‬
‫اهلل ملْ ِ‬
‫يصب‬ ‫ولو رمى َ ُ‬
‫بك اهللُ بُْر َجْيها فهدَّمها *** ْ‬
‫رمى َ‬

‫ِ‬
‫األشب‬ ‫مفتاح باب املعقل‬
‫ُ‬ ‫واثقني هِبَا *** واهلل‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِم ْن َب ْع ِد ما أَشَّبُوها‬
‫َ‬
‫السلُ ِ‬
‫ب‬ ‫ِ‬
‫السيوف وأطراف القنا ُّ‬ ‫ِ‬
‫جنح هاجسها *** ظُىَب‬‫سلبتهم َ‬
‫ْ‬ ‫أمانياً‬

‫ضاب اخلَُّر ِد العُُر ِب‬


‫ور َ‬‫كأس الكرى ُ‬ ‫ص ْوتاً ِزبَطْ ِريّاً َهَرقْ َ‬
‫ت لَهُ *** َ‬ ‫ت َ‬
‫لََّبْي َ‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫احلصب‬ ‫وعن سلساهلا‬ ‫حر الثغو ِر املستضامة ْ‬
‫عن *** برد الثُّغور ْ‬ ‫عداك ُّ‬

‫ف مَلْ جُتِ ِ‬
‫ب‬ ‫السْي ِ‬
‫ت بِغَرْيِ َّ‬
‫َجْب َ‬
‫نصلتاً *** َولَ ْو أ َ‬
‫أجبته معلناً َّ ِ‬
‫بالسيف ُم َ‬ ‫ُُ‬

‫ب‬ ‫ِ‬
‫األوتاد والطُّنُ ِ‬ ‫الشر ِك ُمْن َع ِفراً *** ومل تُ ِّ‬
‫عر ْج على‬ ‫ت َعمود ْ‬
‫حىّت َتَر ْك َ‬

‫هتتز يف ُكثُ ِ‬
‫ب‬ ‫ب ُّ‬ ‫ضٍ‬ ‫ِ‬
‫من قُ ُ‬
‫هتتز ْ‬
‫صلَتَةً *** ُّ‬
‫ب اهلْندي ُم ْ‬
‫ضُ‬‫ت قُ ُ‬
‫َحَر َز ْ‬
‫َك ْم أ ْ‬

‫وم ِة الديْ ِن وا ِإل ْسالَِم واحلَس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫ب‬ ‫َ‬ ‫جازى اللَّهُ َس ْعيَ َ‬
‫ك َع ْن *** ُج ْرثُ َ‬ ‫َخلي َفةَ اللَّه َ‬

‫نال إالَّ على جس ٍر من الت ِ‬


‫َّعب‬ ‫فلم ترها *** تُ ُ‬ ‫بصرت َّ ِ‬
‫َ‬ ‫بالراحة ال ُكربى ْ‬ ‫ُْ َ‬

‫ذمام غ ِري ُم ِ‬
‫نقضب‬ ‫ٍ‬
‫موصولة أو ٍ‬ ‫إن كان بني صر ِ‬
‫وف الدَّه ِر من رح ٍم ***‬
‫ْ‬ ‫َ ُُ‬

‫أفضل شعراء القرن العشرين‬ ‫‪.8‬‬

‫الشعر ألمحد شوقي‬ ‫‪‬‬


‫قفوا بالقبور نسائل عمر‬ ‫‪‬‬
‫معاين الشعر وأفكاره‬ ‫‪‬‬
‫الشرح والدراسة والتحليل‬ ‫‪‬‬

‫‪35‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قفوا بِال ُقبو ِر نُسائل عُ َمر *** َمىت كانَت األ ُ‬
‫َرض َمثوى ال َق َمر‬

‫سلوا األَرض هل ُزِّينَت لِلعلي ِم *** وهل أ ُِّرجت َكاجلِ ِ‬


‫نان احلَُفر‬ ‫ََ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬

‫الر ِض َّي النَ ِق َّي األ ََبّر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫قام ُرضوا ُن من َخلفها *** يُالقي َ‬
‫َو َهل َ‬
‫َفلَو علِم اجل مِم‬
‫مع َحىّت َعرَب‬
‫مع َّن َمضى *** َتنَ ّحى لَهُ اجلَ ُ‬‫ََ َ ُ‬

‫ف اللَهَ أَو َمن قَ َدر‬ ‫إِىل َجن ٍَّة ُخلِ َقت لِل َك ِ‬
‫رمي *** َو َمن َعَر َ‬

‫هِت‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ماع َو َرغ ِم البَ َ‬
‫صر‬ ‫الس ِ‬ ‫ِ‬
‫بَرغم ال ُقلوب َو َحبّا ا *** َو َرغم َ‬

‫باب *** َسناءَ النَ ِد ِّ‬


‫ي َسىن املؤمَتَر‬ ‫الش ِ‬
‫ين َ‬
‫َ‬ ‫ك يف الرُت ِب َز‬
‫نُزولُ َ‬
‫ُ‬
‫رمي إِذا ما َعثَر‬
‫ديق إِذ ما َهفا *** ُمقيل ال َك ِ‬
‫َ‬
‫الص ِ‬
‫قيل َ‬
‫ُم َ‬
‫ِ‬ ‫حييت فَ ُكنت فَخار احل ِ‬
‫خار السرَي‬
‫نت فَ َ‬
‫ت فَ ُك َ‬
‫ياة *** َو ُم َّ‬‫َ َ َ‬ ‫َ َ‬
‫هِل ِ‬
‫صر‬ ‫ب ِمنهُ *** َحياتُ َ‬
‫ك يف طو ا َوالق َ‬ ‫َعج ُ‬
‫داك َوأ َ‬
‫جيب َر َ‬
‫َع ٌ‬

‫صر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫صحفاً خُي تَ َ‬
‫فَما قَبلَها مَس َع العالَمو َن *** َوال َعلموا ُم َ‬
‫ؤاد و َك ُّد ِ‬
‫الف َكر‬ ‫ِ‬ ‫وقَد يقتل املرء ه ُّم احل ِ‬
‫غل ال ُف َ‬ ‫ُ‬ ‫ش‬
‫ُ‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫***‬ ‫ياة‬ ‫َ َُُ َ َ َ َ‬

‫الس َفر‬ ‫طول‬


‫ُ‬ ‫ك‬
‫َ‬ ‫َد َفنّا التَجا ِرب يف حفر ٍة *** إِلَيها اِنتَهى بِ‬
‫َ‬ ‫َ َُ‬
‫ِ ِ ٍ‬
‫ضر‬
‫آثارها َواحلَ َ‬
‫دو َ‬ ‫ك َكالنَج ِم من رحلَة *** َرأى البَ ُ‬
‫فَ َكم لَ َ‬

‫يك النَ ِد ُّ‬


‫ي األَ َغر‬ ‫يك *** َويَبكي َعلَ َ‬ ‫نِقاباتُ َ‬
‫ك الغُُّر تَبكي َعلَ َ‬

‫الوطَر‬ ‫ريف امل ِ‬


‫ريف َ‬
‫رام َش َ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ريق خَتَرَّي تَهُ *** َش‬
‫ٌ‬ ‫َويَبكي فَ‬

‫ست فَكانوا الثَ َمر‬


‫َنت َغَر َ‬ ‫َنت َعلَّ َ‬
‫مت ُهم *** َوأ َ‬ ‫َويَبكي األُىل أ َ‬
‫‪36‬‬
‫ِ‬ ‫ك بِاأل ِ‬ ‫ك كانَت ِع ٍ‬
‫َمس إِحدى العرَب‬ ‫ظات هَلُم *** َو َموتُ َ‬ ‫َحياتُ َ‬

‫الس َمر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫الردى يف َ‬
‫كر َ‬‫مادار ذ ُ‬
‫الردى لَيلَةً *** َو َ‬
‫يل َ‬‫َسهرنا ُقبَ َ‬

‫مت إِىل ِمثلِها حُت َت َفر‬


‫فر ٍة ُهيِّئَت *** َوقُ ُ‬ ‫َف ُق َ ِ‬
‫مت إىل ُح َ‬
‫داع *** وم َّد يداً لِلِّ ِ‬
‫يك يَداً لِ َلو ِ‬
‫قاء ال َق َدر‬ ‫ََ َ‬ ‫دت إِلَ َ‬
‫َم َد ُ‬

‫ك يف ُمقلَيت ِمن َح َذر‬ ‫ٍ‬ ‫ولَو أ َّ ِ‬


‫لم ما يف َغد *** َخبَأتُ َ‬
‫َن يل ع َ‬ ‫َ‬

‫راعين *** َوما أ ََّو ُل النا ِر إِاّل َشَرر‬


‫وت فَما َ‬
‫َوقالوا َش َك َ‬

‫زن إِاّل يَسرياً َخطَر‬ ‫ك ال مالِكاً ِ‬


‫خاطري *** ِمن احل ِ‬ ‫َرثَيتُ َ‬
‫َ ُ‬

‫الد َرر‬
‫ال ُ‬‫مت اِرجِت َ‬‫ِ‬
‫موع *** َو ِم َ‬
‫نك َعل ُ‬ ‫الد ِ‬ ‫فت اِرجِت َ‬
‫ال ُ‬ ‫فيك َعَر ُ‬
‫فَ َ‬

‫ك يفدى بِنِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َو ِمثلُ َ‬


‫صف البَ َشر‬ ‫ك يُرثى بآ ِي الكتاب *** َومثلُ َ ُ‬

‫ضى *** َعلَ ِيه َو ُكن باقَةً ِمن َز َهر‬ ‫فَيا قَرب ُكن ر َ ِ ِ‬
‫وضةً من ر ً‬ ‫ُ َ‬

‫عادهِتِ َّن َس َ‬
‫قاك املطَر‬ ‫َ‬ ‫من *** َك‬
‫َ‬ ‫موع فَِإن مَل يَ ُد‬
‫َ‬ ‫الد‬
‫تك ُ‬
‫َس َق َ‬
‫َ‬

‫الخطابة في صدر اإلسالم‬ ‫‪.9‬‬

‫خطبة أيب بكر يف توليته للخالفة‬ ‫‪‬‬


‫معاين اخلطابة وأفكاره‬ ‫‪‬‬
‫الشرح والدراسة والتحليل‬ ‫‪‬‬
‫خطبة أبو بكر الصديق عند توليه اخلالفة (‪ 11‬هجرية)‬

‫‪37‬‬
‫ملا بويع أبو بكر باخلالفة بعد بيعة السقيفة تكلم أبو بكر‪ ،‬فحمد اهلل وأثىن عليه مث قال‪:‬‬
‫"أم ا بع د أيه ا الن اس ف إين ق د وليت عليكم ولس ت خبريكم‪ ،‬ف إن أحس نت ف أعينوين‪ ،‬وإن أس أت‬
‫فقوم وين‪ ،‬الص دق أمان ة‪ ،‬والك ذب خيان ة‪ ،‬والض عيف فيكم ق وي عن دي ح ىت أريح علي ه حق ه إن‬
‫شاء اهلل‪ ،‬والقوى فيكم ضعيف حىت آخذ احلق منه إن شاء اهلل‪ ،‬ال يدع قوم اجلهاد يف سبيل اهلل‬
‫إال ضرهبم اهلل بالذل‪ ،‬وال تشيع الفاحشة يف قوم قط إال عمهم اهلل بالبالء‪ ،‬أطيعوين ما أطعت اهلل‬
‫ورسوله‪ ،‬فإذا عصيت اهلل ورسوله فال طاعة يل عليكم"‪.‬‬

‫‪ .10‬الخطابة في العصر األموي‬


‫خطبة احلجاج بن يوسف الثقفي ألهل الكوفة‬ ‫‪‬‬
‫معاين اخلطابة وأفكاره‬ ‫‪‬‬
‫الشرح والدراسة والتحليل‬ ‫‪‬‬
‫حدث عبد امللك بن عمري الليثي قال بينما حنن يف املسجد اجلامع بالكوفة وأهل الكوفة‬
‫يومئ ذ ذو ح ال حس نة خيرج الرج ل منهم يف العش رة والعش رين من موالي ه إذ أتى آت فق ال ه ذا‬
‫احلجاج قد قدم أمريا على العراق فإذا به قد دخل املسجد معتما بعمامة قد غطي هبا أكثر وجهه‬
‫متقلدا سيفا متنكبا قوسا يؤم املنرب فقام الناس حنوه حىت صعد املنرب فمكث ساعة ال يتكلم فقال‬
‫الن اس بعض هم لبعض قبح اهلل ب ين أمي ة حيث تس تعمل مث ل ه ذا على الع راق ح ىت ق ال عم ري بن‬
‫ضابئ الربمجي أال أحصبه لكم فقالوا أمهل حىت ننظر فلما رأى عيون الناس إليه حسر اللثام عن‬
‫فيه وهنض فقال ‪:‬‬
‫"أنا ابن جال وطالع الثنايا مىت أضع العمامة تعرفوىن"‬
‫مث ق ال ‪" :‬يأه ل الكوف ة أم ا واهلل إين ألمحل الش ر حبمل ه وأح ذوه بنعل ه وأجزي ه مبثل ه وإين ألري‬
‫أبص ارا طاحمة وأعناق ا متطاول ة ورءوس ا ق د أينعت وح ان قطافه ا وإين لص احبها وك أين أنظ ر إىل‬
‫الدماء بني العمائم واللحى ترتقرق"‪ ،‬مث قال ‪:‬‬
‫هذا أوان الشد فاشتدي زمي قد لفها الليل بسواق حطم‬
‫‪38‬‬
‫ليس براعي إبل وال غنم وال جبزار على ظهر وضم‬
‫قد لفها الليل بعصليب أروع خراج من الدوي‬
‫مهاجر ليس بأعرايب‬
‫قد مشرت عن ساقها فشدواوجدت احلرب بكم فجدوا‬
‫وليس القوس فيها وتر عردمثل ذراع البكر أو أشد‬
‫ال بد مما ليس منه بد‬
‫إين واهلل يأهل العراق ومعدن الشقاق والنفاق ومساوي األخالق ما يقعقع يل بالشنان وال يغمز‬
‫جانيب كتغماز التني ولقد فررت عن ذكاء وفتشت عن جتربة وجريت إىل الغاية القصوى وإن أمري‬
‫املؤمنني أط ال اهلل بق اءه ن ثر كنانته بني يدي ه فعجم عي داهنا فوجدين أمره ا ع ودا وأص لبها مكسرا‬
‫فرماكم يب ألنكم طاملا أوضعتم يف الفنت واضطجعتم يف مراقد الضالل وسننتم سنن الغي أما واهلل‬
‫ألحلونكم حلو العص ا وألق رعنكم ق رع املروءة وألعص بنكم عص ب الس لمة وألض ربنكم ض رب‬
‫غرائب اإلبل فإنكم لكأهل قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت‬
‫ب أنعم اهلل فأذاقه ا اهلل لب اس اجلوع واخلوف مبا ك انوا يص نعون وإين واهلل ال أع د إال وفيت وال أهم‬
‫إال أمضيت وال أخلق إال فريت فإياي وهذه الشفعاء والزرافات واجلماعات وقاال وقيال وما تقول‬
‫وفيم أنتم وذاك‬
‫أما واهلل لتستقيمن على طريق احلق أو ألدعن لكل رجل منكم شغال يف جسده وإن أمري املؤمنني‬
‫أمرين بإعطائكم أعطياتكم وأن أوجهكم حملاربة عدوكم مع املهلب بن أيب صفرة وإين أقسم باهلل‬
‫ال أجد رجال ختلف بعد أخذ عطائه بثالثة أيام إال سفكت دمه وأهنبت ماله وهدمت منزله‬

‫‪ .11‬الخطابة في العصر العباسي‬


‫خطب اخلليفة العباسي عبداهلل بن هارون الرشيد‬ ‫‪‬‬
‫معاين اخلطابة وأفكاره‬ ‫‪‬‬
‫الشرح والدراسة والتحليل‬ ‫‪‬‬

‫‪39‬‬
‫منوذج من خطب اخلليفة العباسي عبداهلل بن هارون الرشيد‬
‫بآخر‪ ،‬فهذه خطبة أخرى للخليفة‬
‫وما دام الكالم على نصوص اخلطابة مل يزل متَّصالً أوالً َ‬
‫العباسي أيب العباس عبداهلل بن هارون الرشيد‪ .‬إذ ذكر ابن قتيبة ‪ -‬يف عيون األخبار ‪ -‬خطبة أيب‬
‫نصه‪:‬‬
‫العباس املأمون عبداهلل بن هارون الرشيد يف يوم الفطر بعد التكبري ما ُّ‬
‫*******‬
‫يوم ختَم اهلل تعاىل به صيام شهر رمضان‪ ،‬وافتتح‬
‫"إن يومكم هذا يوم عيد وسنَّة‪ ،‬وابتهال ورغبة‪ٌ ،‬‬
‫حج بيته احلرام‪ ،‬فجعله خامتة الشهر‪ ،‬وأول أيام شهور احلج‪ ،‬وجعله معقِّبً ا ملفروض صيامكم‪،‬‬
‫به َّ‬
‫وحرم فيه الصيام عليكم‪ ،‬فاطلبوا إىل اهلل تعاىل حوائجكم‪،‬‬ ‫أحل فيه الطعام لكم َّ‬ ‫ومتنقِّل قيامكم‪َّ ،‬‬
‫ُ‬
‫ريطكم؛ فإن ه يُق ال‪ :‬ال كب رية م ع اس تغفار وال ص غرية م ع إص رار‪ - ،‬مث التكب ري‬ ‫واس تغفروه لتَف ِ‬
‫والتحمي د وذك ر الن يب ص لى اهلل علي ه وس لم والوص ية ب التقوى‪ - ،‬مث ق ال ‪ :‬ف اتقوا اهلل عب اد اهلل‪،‬‬
‫أحدا منكم‪ ،‬وهو املوت املكتوب‬
‫وبادروا األم ر ال ذي اعتدل فيه يَقينُكم‪ ،‬ومل حَي تض ر الش ك في ه ً‬
‫عثرة‪ ،‬وال حُت ظَ ر قبله توبة‪ ،‬واعلموا أنه ال شيء قبله إال دونه‪ ،‬وال‬
‫عليكم؛ فإنه ال تُستقال بعده َ‬
‫شيء بعده إال فوقه‪ ،‬وال يُعني على جزعه وعلَ زه[*]‪  ‬وكربه‪ ،‬وال يُعني على القرب وظلمته وضيقه‬
‫فمن زلَّت عند‬‫ووحشته وهول مطلعه ومسائلة مالئكته‪ ،‬إال العمل الصاحل الذي أمر اهلل تعاىل به‪َ ،‬‬
‫ظه رت ندامته‪ ،‬وفاتته استقالته‪ ،‬ودعا من الرجعة إىل ما ال جُي اب إليه‪ ،‬وبذل ِمن‬ ‫املوت قدمه فقد َ‬
‫قوم ا س ألوا الرجع ة فأعطوه ا؛ إذ منعه ا ال ذين‬
‫الفدي ة م ا ال يُقب ل من ه‪ ،‬فاهللَ اهللَ عب اد اهلل‪ ،‬فكون وا ً‬
‫طلَبوها‪ ،‬فإنه ليس يتمىن املتقدِّمون قبلَكم إال هذا امل َهل[‪  ]1‬املبسوط لكم‪ ،‬واحذروا ما حذركم‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫اهلل تع اىل من ه‪ ،‬واتق وا الي وم ال ذي جيمعكم اهلل في ه لوض ع م وازينكم‪ ،‬ونش ر ص حفكم احلافظ ة‬
‫ألعمالكم‪ ،‬فلينظر عندما يضع يف ميزانه مما يَث ُقل به‪ ،‬وما مُيِل [‪  ]2‬يف صحيفته احلافظة ملا عليه وله‪،‬‬
‫اب‬ ‫ِ ِ‬
‫فرطون عندها؛ إذ طال إعراضهم عنها قال‪َ  ﴿ :‬و ُوض َع الْكتَ ُ‬ ‫فقد حكى اهلل تعاىل لكم ما قال امل ِّ‬
‫ُ‬
‫َفت رى الْمجْ ِر ِمني مش ِف ِقني مِم َّا فِي ِه‪[ ﴾ ‬الكه ف‪ ،]49 :‬وق ال‪ ﴿ :‬ونَض ع الْم وا ِزين الْ ِقس َط لِي ومِ‬
‫َ َ ُ ََ َ ْ َْ‬ ‫َُْ َ‬ ‫ََ ُ‬
‫الْ ِقيَ َام ِة‪[ ﴾ ‬األنبياء‪.]47 :‬‬

‫‪40‬‬
‫هنت ُكم الدنيا عن نفسها؛ فإنه كل ما هلا يَنهى عنها‪ ،‬وكل ما‬ ‫ولست أهناكم عن الدنيا بأعظم مما ْ‬ ‫ُ‬
‫ذم كتاب اهلل ‪ -‬تعاىل ‪ -‬هلا‪ ،‬وهنْ ُي اهلل‬ ‫فيها يدعو إىل غريها‪ ،‬وأعظم مما رأته أعينكم ِمن عجائبها ُّ‬
‫ِ ِ‬
‫ور‪[ ﴾ ‬لقمان‪ ،]33 :‬وقال‪:‬‬ ‫الد ْنيَا َواَل َيغُ َّرنَّ ُك ْم باللَّه الْغَ ُر ُ‬
‫عنها؛ فإنه يقول‪ ﴿ :‬فَاَل َتغُ َّرنَّ ُك ُم احْلَيَ اةُ ُّ‬
‫ب َوهَلٌْو‪[ ﴾ ‬حممد‪]36 :‬‬ ‫﴿‪ ‬إِمَّنَا احْل ياةُ ُّ ِ‬
‫الد ْنيَا لَع ٌ‬ ‫ََ‬

‫قوم ا ِمن عباد اهلل أدركتهم عصمة اهلل‬


‫فانتفعوا مبعرفتكم هبا‪ ،‬وبإخبار اهلل تعاىل عنها‪ ،‬واعلموا أن ً‬
‫تعاىل فحذروا مصارعها‪ ،‬وجانبوا خدائعها‪ ،‬وآثروا طاعة اهلل تعاىل فيها‪ ،‬فأدركوا اجلنة مبا تركوا‬
‫منها[‪".]3‬‬

‫*******‬

‫إذا تأملنا أفكار هذا النص ِمن خطبة املأمون أدر ْكنا ِس َّر اإلميان وعظمته‪ ،‬وكيف يَصنع يف‬
‫القلوب اليَ ِقظة والضمائر احليَّة والنفوس الزكية واألرواح املطمئنَّة‪ ،‬فإن تعابري هذه اخلطبة مواعظ‬
‫ونض ح عاطف ة دينيَّة‪َ ،‬وقُوده ا اآلي ات‪،‬‬
‫تنم عن حص افة عق ل ْ‬ ‫زاج رة‪ِ ،‬‬
‫وع رب م ؤثرة‪ ،‬وأق وال ُّ‬
‫حد ما قال اإلمام ابن اجلوزي‪:‬‬
‫واألحاديث الشريفة‪ ،‬والتفكري يف عظمة اخلالق‪ ،‬على ِّ‬
‫"تأملت على أكثر الناس عباداهتم فإذا هي عادات‪ ،‬فأما أرباب اليقظة فعاداهتم عبادة حقيقية‪ ،‬فإن‬
‫الغاف ل يق ول‪" :‬س بحان اهلل" ع اد ًة‪ ،‬واملتيقِّظ ال ي زال فك ره يف عج ائب املخلوق ات‪ ،‬أو يف عظم ة‬
‫الفكر فيقول‪" :‬سبحان اهلل"‪.‬‬ ‫اخلالق‪ ،‬فيحركه ِ‬
‫ُ ِّ‬

‫ولو أن إنسانًا َّ‬


‫تفكر يف رمانة فنظر يف تصفيف حبها وحفظه باألغشية لئال يتضاءل‪ ،‬وإقامة‬
‫املاء على عظم العجم‪ ،‬وجع ل الغش اء علي ه حَي فظ ه‪ ،‬وتص وير الف رخ يف بطن البيض ة‪ ،‬واآلدمي يف‬
‫حشا األم‪ ،‬إىل غري ذلك من املخلوقات‪ ،‬دفعه كل ذلك إىل تعظيم اخلالق‪ ،‬فقال‪" :‬سبحان اهلل"‪،‬‬
‫وكان هذا التفكري مثر َة ِ‬
‫الفكر[‪.]4‬‬

‫‪41‬‬
‫ومثر ه ذا التفك ري ل دى األديب املس لم يع ين أن ِمن أرقى وظ ائف األدب أن يظ َّل م رآة ص ادقة‬
‫عكس ما لألم ة والش عب ِمن َدور حض اري‪ ،‬وأن يُعرِّب األدب عن خلجات وأفك ار ٍ‬
‫نفس إنسانيَّة‬ ‫تَ ِ‬
‫حيَّة تَعم ل لرفع ة الف رد واجلماع ة على ح ٍّد س واء‪ ،‬واألدب اإلس المي أدعى إىل الت أثري مبا يعيش ه‬
‫ناثرا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫شاعرا أو ً‬‫اجملتمع املسلم يف مكان وزمان من تفاعالت وأحداث‪ ،‬ووقائع وس رَي ‪ ،‬يَزهنا األديب ً‬
‫متحس ًرا‪ ،‬إن كانت هذه األحداث‬ ‫ِّ‬ ‫وموج ًه ا‪ ،‬أو متأمل ا نادبًا‬
‫ومرشدا ِّ‬
‫ً‬ ‫ناصحا‬
‫ً‬ ‫بالقسطاس املستقيم‪،‬‬
‫ً‬
‫تبصر وتبصري حبياته‪،‬‬ ‫والوقائع والتفاعالت تسري يف خط ُمعاكس ملا جيب أن يكون عليه املسلم ِمن ُّ‬
‫سلما يَنتمي إىل جمتمع مسلم‪ ،‬له كيانه ومآله ومصريه وقيمته بني الناس كافة‪.‬‬‫وفردا ُم ً‬
‫ً‬

‫حترك‬
‫وم ا دام األم ر ك ذلك ف إن األدب اإلس المي ه و ذل ك العام ل األس اس‪ ،‬واألداة الفعال ة ال يت ِّ‬
‫عجل ة اجملتم ع املس لم وت ديره‪ ،‬لتعم ل َوفْق ن اموس ط بيعي ي ؤثر ويُنتج بق در م ا تتَّح د األه داف‪،‬‬
‫وتتَّجه اآلمال‪ ،‬وحيسن العطاء معطيه‪ ،‬وحيسن املتلقي أخذ ما يُسدى إليه‪.‬‬

‫ولق د أعطى املأمون يف خطبت ه ه ذه عط اء َمن يَع رف األدب‪ ،‬وي درك م دى ت أثري الكلم ة قب ل‬
‫عددا ِمن بسط‬
‫فانتظمت يف ثناياها ً‬
‫َ‬ ‫إخراجها؛ ولذلك تنوعت أفكار خطبتِ ه يف إطارها التعبريي‪،‬‬
‫رح مفهوم التقوى‪ ،‬واحلذر ِمن الركون إىل الدنيا‪ ،‬وشرح معىن الصالح‪.‬‬
‫كش ِ‬
‫القيَم اخللُقية؛ َ‬

‫فمفهوم التقوى ‪ -‬كما جاء يف نص اخلطبة ‪ -‬أن تُقرن بالعمل الصاحل واالستعداد ملا اعتدل فيه‬
‫اليقني‪ ،‬ومل حيتضر الشك فيه‪ ،‬وهو املوت‪ ،‬وأن يبادر باألعمال الصاحلة؛ لتحقيق تقوى اهلل ‪ -‬عز‬
‫أحدا‬
‫الشك فيه ً‬
‫وجل ‪" -‬فاتقوا اهلل عباد اهلل‪ ،‬وبادروا األمر الذي اعتدل فيه يقينكم‪ ،‬ومل حيتضر ُّ‬
‫منكم"‪.‬‬

‫والتح ذير من الرك ون إىل ال دنيا ي أيت يف أس لوب ِمن السهل املمتنِ ع؛ فعبارة ت ُّ‬
‫ذم وتقدح يف ال دنيا‬
‫ُ‬
‫والركون إليها‪ ،‬وعبارة تَ ِ‬
‫عتدل يف تقومي النظرة إىل هذه احلياة‪ ،‬وأهنا وسيلة ال غاية‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫هنتكم ال دنيا عن‬
‫ت أهناكم عن ال دنيا ب أعظم مما ْ‬ ‫ِ‬
‫فمن الص يغة األوىل‪ ‬قول ه ‪ -‬رمحه اهلل ‪" :-‬ولس ُ‬
‫نفسها؛ فإن كل ما هلا يَنهى عنها‪ ،‬وكل ما فيها يدعو إىل غريها"‪.‬‬

‫قوم ا ِمن عباد اهلل‬ ‫ِ‬


‫ومن الصيغة الثانية‪ ‬قوله‪" :‬فانتفعوا مبعرفتكم هبا‪ ،‬وبإخبار اهلل عنها‪ ،‬واعلموا أن ً‬
‫أدركْتهم عص مة اهلل ‪ -‬تع اىل ‪ -‬فح ذروا مص َارعها‪ ،‬وجنب وا خ دائعها‪ ،‬وآث روا طاع ة اهلل فيه ا‪،‬‬
‫فأدركوا اجلنة مبا تركوا منها"‪.‬‬

‫وي أيت ش رح مع ىن الص الح واالس تقامة على منهج اهلل ‪ -‬تع اىل ‪ -‬ي أيت يف أس لوب رص ني حمكم‬
‫قوم ا سألوا الرجعة فأُعطُوها‪ ،‬إذ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ص ر؛ كقوله ‪ -‬رمحه اهلل ‪" :-‬كونوا ً‬ ‫ترتاوح ف َق ره بني الطول والق َ‬
‫امله ل املبس وط لكم‪ "...‬إىل قول ه‪:‬‬
‫ُمنعه ا ال ذين طلبوه ا‪ ،‬فإن ه ليس يتم ىن املتق دِّمون قبلكم إال ه ذا َ‬
‫"فلينظر عب ٌد ما يضع يف ميزانه مما يثقل به‪ ،‬وما مُيِل يف صحيفته احلافظة ملا عليه وله"‪.‬‬

‫النص قد مجع ِمن القيَم اخللُقية يف إطاره ما يثقل به الكالم يف التأثري؛ ألن جممع‬
‫واخلالصة أن هذا َّ‬
‫اخللق القومي إمنا يكون يف السلوك‪ ،‬ومىت َح ُسن سلوك املرء َح ُس ن ُخلقه‪ ،‬ومىت حسن خلقه َح ُس ن‬
‫تتفرع‬
‫كالمه‪ ،‬ومىت اجتمعت له هذه القيم مال إىل الصالح والتقوى اليت هي األصل اخللُقي الذي َّ‬
‫حامد األخالق‪ ،‬وهي الصمام الذي حَي كم كل قول‬ ‫منه القيم اإلسالمية كلها؛ فهي الباعث املل ِهم مل ِ‬
‫ُ َ‬
‫نص هذه اخلطبة ويف غريها من نصوص اخلطابة اإلسالمية أن‬ ‫ويَضبِط كل فعل؛ ولذلك نلحظ يف ِّ‬
‫نص اخلطابة يف اإلسالم قد سايَر هذه التعاليم الدينيَّة اهلادفة امللت ِزمة ملحامد األخالق[‪ ،]5‬وكثرة‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫تل ك النص وص ال يت س ارت يف ه ذا االجتاه من ذ عه د حمم د ‪ -‬ص لى اهلل علي ه وس لم ‪ -‬إىل العه د‬
‫األم وي كل ه والص در األول من العه د العباس ي‪ ،‬وم ا ولي ه من عص ور األدب‪ ،‬إىل عص ر النهض ة‬
‫وحس بُنا يف هذا‬
‫تضج بعبارة الوعظ واإلرشاد والتوجيه‪ْ ،‬‬
‫احلديثة الذي مل ت زل من ابر اخلطابة فيه ُّ‬
‫خطب الدعاة والعلماء الذين ال يزالون ينافحون عن دين اهلل بالكلمة الطيبة‪ ،‬ويَنشرونه بني الناس‬
‫َوفق منهج سليم فكريًّا وأدبيًّا وعلميًّا‪ ،‬فهو جهاد بالنفس واملال والسالح والكلمة إىل أن يرث اهلل‬
‫األرض ومن عليها‪.‬‬
‫‪43‬‬
‫زخرف القول والصنعة؛ الجتاهها إىل شرح حقائق‬ ‫ونلحظ يف مجيع اخلطب اإلسالمية َّ ِ‬
‫خلوها من ُ‬
‫وبس ِط أحكامه‪ ،‬ومثل هذا الشأن ال يَص لُح فيه أسلوب املجازات وأسلوب‬ ‫اإلسالم وت بنُّي نظامه ْ‬
‫َ‬
‫الص نعة الكالميَّة‪ ،‬فه و إىل أس لوب احلقيق ة أح َوج؛ لقيام ه بش رح احلقيق ة املتمثِّل ة يف حقيق ة ه ذا‬
‫الدين احلنيف‪.‬‬

‫نوض ح شيئًا منه على غرار ما سبق ذكره من‬


‫وإذا كان للخطابة اإلسالمية من التأثري ما أمكن أن ِّ‬
‫ش واهد ه ذا الل ون األديب‪ ،‬ف إن يف نص وص القص ة اإلس المية م ا ينهض مبث ل ه ذه القيم‪ ،‬وه ذا م ا‬
‫سنقف عليه يف الفصل الثاين من هذه الدراسة‪.‬‬
‫أيض ا ‪ -‬القل ق والك رب عند املوت؛‬
‫أيض ا ‪ -‬ش به رعشة تأخ ذ املريض أو احلريص على ش يء‪ ،‬والعلَ ز ‪ً -‬‬
‫[*]‪ ‬العل ز بالتحري ك‪ :‬الض جر‪ ،‬والعل ز ‪ً -‬‬
‫لسان العرب‪ ،‬مادة " علز" ص ‪.380‬‬
‫املهل ‪ -‬بالتحريك ‪ -‬أي‪ :‬اتَّأد وتقدَّم يف اخلري‪ ،‬أساس البالغة للزخمشري‪ ،‬من مادة "مهل"‪.‬‬
‫[‪َ  ]1‬‬
‫وامللي‪ :‬الزمان الطويل؛ خمتار الصحاح للرازي‪ ،‬مادة ملل‪.‬‬ ‫ِ‬
‫[‪ ]2‬مُي ل ‪ -‬بضم الياء وكسر امليم ‪ -‬أي‪ :‬أملى الكتاب‪ُّ ،‬‬
‫[‪ ]3‬عيون األخبار البن قتيبة ج‪ 2‬ص ‪.256 ،255‬‬
‫[‪ ]4‬صيد اخلاطر البن اجلوزي ص‪ - 341‬دار الفكر‪ ،‬مراجعة وحتقيق‪ :‬علي الطنطاوي‪ ،‬وناجي الطنطاوي‪.‬‬
‫[‪ ]5‬القيم اخللقية يف اخلطابة العربية ص ‪ ،69 ،61‬سعيد حسني منصر‪ ،‬الطبعة الثانية‪.‬‬

‫‪ .12‬القصيدة في عصر األندلس‬


‫قصيدة رثاء طليطلة لشاعر جمهول‬ ‫‪‬‬
‫معاين القصيدة وأفكاره‬ ‫‪‬‬
‫الشرح والدراسة والتحليل‬ ‫‪‬‬
‫يف رثــاء طليــطلة‬
‫" لشــاعر أندلسي جمهــول "‬
‫إعداد‪ :‬أمحد الظرايف‬
‫تق ــدمي‪:‬‬

‫‪44‬‬
‫مما متيز ب ه الشعـر األندلس ي‪ ،‬يف أغراض ه‪ ،‬عن مثيل ه يف املش رق‪ ،‬ش عر اجلهادي ات ورث اء املدن‬
‫الضائعة‪ ،‬مما سقط يف أيدي العدو‪ .‬وهذا الضرب من الشعـر صار غرضا بارزا يف الشعر األندلسي‪،‬‬
‫منذ عهد ملوك الطوائف يف القرن اخلامس اهلجري‪ ،‬أولئك امللوك الصغار الذين يف ظل حكمهم‬
‫اشتدت وطأت حروب االسرتداد النصرانية ضد املسلمني‪ .‬ومما بقي من أشعار تلك الفرتة‪ ،‬هذه‬
‫القص يدة ال يت قيلت يف رث اء طليطل ة املنيع ة‪ ،‬قلع ة الوس ط األندلس ي‪ ،‬ودرة م دن األن دلس‪ ،‬وال يت‬
‫سقطت يف يد نصارى قشتالة يف عام ‪479‬هـ‪ .‬وهي أوىل املـدن والقواعد الكربى الذاهبة‪ ،‬وكانت‬
‫طليطلة فوق كل ذلك‪ ،‬حاضرة للعلم‪ ،‬وخمزنا للقضاة وللثقافة اإلسالمية يف األندلس‪ ،‬كما كانت‬
‫أجل املدن قدرا وأعظمها شأنا‪،‬‬
‫مستودعا لإلنتاج الزراعي‪ .‬وقد وصفها ياقوت احلموي بأهنا من ّ‬
‫ومن خاصيتها أن الغالل تبقى يف مطامريها سبعني سنة ال تتغري‪ ،‬كما أن حنطتها ال تسوس على‬
‫مر السنني‪ .‬ومن ارتباط طليطلة بالتخزين مبختلف أنواعه منذ القدم أي منذ أن كانت حتت حكم‬
‫الرومان يذكر أهنا كانت يف أيام الروم مدينة ملك ومدارا لوالهتا وهبا وجدت مائدة سليمان بن‬
‫داود عليهما السالم مع مجلة ذخائر وفيها من الذهب واجلوهر ما اهلل أعلم به‪ .‬ومن جهة أخرى‪،‬‬
‫تعت رب خزان ة حافظ ة ل ذاكرة األن دلس‪ ،‬ومنه ا انتش رت احلض ارة اإلس المية يف أورب ا يف العص ور‬
‫الوس طى‪ .‬كم ا أهنا تع د خزان ا للفق ه والقض اء ال ذي ش هدته األن دلس طيل ة اخلالف ة األموي ة وم ا‬
‫فقد املسلمون ذلك كله يف طرفة عني‪ .‬ويصف أحد الكتاب سقوط طليلطة‬
‫تالها‪ ،‬وبسقوطها َ‬
‫بـــ"س قوط املروءة" وذل ك ملا ض رب ألفونس و الس ادس مل ك قش تالة حص اره ح ول طليطل ة‪ ،‬ومل‬
‫يتقدم أحد ( من ملوك الطوائف) لنجدهتا‪ ،‬فسقطت بسقوطها قيم النجدة وشيم املروءة واألخوة‪،‬‬
‫فرتكه ا جرياهنا من مل وك الطوائ ف تس قط وخترج من قبض ة اإلس الم إىل األب د‪ .‬وق د ح اول أمــري‬
‫املرابطــني يوس ف بن تاش فني اس رتدادها من ي د القش تاليني لثالث م رات متتالي ة ولكن مل يفلح يف‬
‫ذل ك‪ .‬وك ان آخره ا يف س نة ‪483‬هـ يف املرة الثالث ة ال يت جه ز فيه ا جيش ا ض خما لتحقي ق ه ذا‬
‫اهلدف‪ ،‬فاجته بقوات ه إىل طليطل ة واجت اح يف طريق ه أراض ي قش تالة دون أن يتق دم أح د من مل وك‬
‫الطوائف ملعاونته أو السري معه‪ ،‬وكان يرغب يف اسرتداد طليطلة لعله يشفي اجلرح الدامي‪ ،‬لكنه‬
‫مل ينجح نظرا ملناعة أسوارها العالية وحتصنها املتني‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫وهذه القصيدة – اليت حنن بصددها – هي لشاعر جمهـول‪ ،‬أوردها املق ري التلمساين‪ ،‬يف‬
‫نفح الطيب‪ ،‬وعدد أبياهتا ‪72‬بيتا‪ ،‬وفيها يصور الشاعر انقالب األوضاع يف األندلس بعد سقـوط‬
‫هذه القاعدة اإلسالمية املنيعة‪ ،‬ويتفجع على ما أصاب احلرائر املصونات‪ ،‬وحيث الناس على العودة‬
‫إىل التمس ك بتع اليم ال دين‪ ،‬ففي ذل ك عص مة هلم من الزل ل‪ ،‬وجناة من اخلط ر ‪ ،‬حمذرا من مغب ة‬
‫ذن وهبم الكث رية‪ ،‬وال يت ق د جتـرهم إىل مص ري مش به ملص ري أه ل طليطل ة‪ ،‬كم ا يهيب هبم أن يهب وا‬
‫للجهـاد وأخذ الثأر من األعداء الظاملني الذين انتهكوا املقدسات واستباحوا احلرمات‪ ،‬ويدعوهم‬
‫إىل املوت ذب ا عن دينهم ودي ارهم؟ ال اهلرب من دي ارهم‪ .‬واص فا ذل حك ام األن دلس‪ ،‬مبداراهتم‬
‫واصطناعهم لألذفونش ورهطه‪ ،‬وذل الناس الذين أعطوا الدنية ورضوا باخلنوع للحاكم األجنيب‪،‬‬
‫أما لفقر أو حلرص على رزق أو الستهانة بأمور الدين‪ .‬والشاعر – كما سيبدو من أبيات القصيدة‬
‫‪ -‬يثور ثورة عارمة على أهل طليطلة أنفسهم‪ ،‬الذين آثروا البقاء حتت االسرتقاق‪ ،‬والقبول بدفع‬
‫اجلزي ة للنص ارى‪ ،‬حرص ا على ض ياعهم وراحتهم وخوف ا من التش رد والض ياع وقب وال بالدني ة يف‬
‫دينهم‪.‬‬
‫وم ع أن الش اعر يب دو من خالل القص يدة مرتدي ا يف ه وة الي أس‪ ،‬إال ان ه يف هنايته ا ال يفق د تفاؤل ه‬
‫ورجاءه يف النصر‪:‬‬
‫ونـرجو أن يتيح اهلل نصـ ــرا ** عليهـم إنـه نعـم النصيـ ــر‬

‫" وهي يف مجلته ا – كم ال الناق د إحس ان عب اس ‪ -‬س هلة س ائغة بارئ ة من التكل ف واالفتع ال‪،‬‬
‫وتعتم د البس اطة واملراوح ة بني اإلث ارة والتفج ع والس رد القصص ي‪ ،‬ولتع دد الوس ائل الفني ة فيه ا‬
‫كانت حقيقة بالوقوف عندها‪ ،‬وقد خلت من زخارف الصور حىت كأهنا يف بعض أجزائها قطعة‬
‫نثرية بسيطة وكأهنا اللتزامها الواقع أحيانا "فقرة تارخيية ال قصيد"‪.‬‬
‫النــص ‪:‬‬
‫لثكـلك كيـف تبتسـم الثغــور ** سـرورا بعـد ما سبيت ثغ ــور‬
‫أمـا وأيب مصـاب هـد من ــه ** ثبـري الديـن فاتـصـل الثـبـور‬
‫لقد قصـمـت ظهـور حني قالـوا ** أميـر الكافـرين لـه ظه ــور‬
‫‪46‬‬
‫تـرى يف الدهـر مسـرورا بعيـش ** مضـى عنـا لطيـتــه السـرور‬
‫أليـس هبـا أيب النـفس شه ــم ** يـديـر على الدوائـر إذ ت ــدور‬
‫لقد خضـعت رقاب كن غلب ــا ** وزال عتـوهــا ومضـى النفـور‬
‫وهـان على عزيـز الق ــوم ذل ** وسامـح يف احلـرمي فىت غيـ ــور‬
‫طليـطلـة أبـاح الكفـر منـهـا ** محــاهــا إن ذا نبــأ كبـيـر‬
‫فليس مثاهلـا إيـوان كسـرى ** وال منهـا اخلـورنـق والسدير‬
‫حمصنـة حمسنـة بعيـ ــد ** تناوهلــا ومطلبـهــا عسري‬
‫أمل تـك معقــال للديـن صعبا ** فذللـه كمــا شــاء القديـر‬
‫وأخـرج أهلهـا منها مجيعــا ** فصـاروا حيث شاء هبم مصيـر‬
‫وكـانت دار إميــان وعلــم ** معـاملهـا الىت طمسـت تنـري‬
‫فعـادت دار كفـر مصطفـاة ** قد اضطربت بأهليهـا األمـور‬
‫مساجـدها كنـائس أي قلـب ** على هــذا يقـر وال يطـيـر‬
‫فيـا أسفـاه يا أسفـاه حـزنا ** يكـرر ما تكـررت الدهــور‬
‫وينشر كل حسن ليس يطــوى ** إىل يـوم يكــون به النشـور‬
‫أديلت قاصــرات الطرف كانت ** مصــونـات مساكنهـا القصور‬
‫وأدركـهـا فتـور يف انتـظـار ** لسـرب يف لواحـظـه فتــور‬
‫وكان بنــا وبالقـينـات أولـى ** لو انضـمت على الكل القـبـور‬
‫لقد سخـنـت حبالتهن عيــن ** وكيـف يصـح مغلـوب قـريـر‬
‫لئن غبـنـا عن اإلخـوان إنـا ** بأحــزان وأشجـان حضــور‬
‫نــذور كان لأليـام فيـهــم ** مبهلكهــم فقـد وفـت النـذور‬
‫فـإن قلنـا العقوبـة أدركتـهـم ** وجـاءهــم’ من اهلل النكيــر‬
‫فإنـا مثلهــم وأشـد منهــم ** جنور وكيف يسلم من جي ــور‬
‫أنأمـن أن حيـل بنــا انتقـام ** وفيـنا الفسـق أمجع والفجـور‬
‫وأكل للحـرام وال اضـطـرار ** إليه فيسهـل األمـر العسيــر‬
‫‪47‬‬
‫ولكـن ج ــرأة يف عقـر دار ** كذلك يفعـل الكلب العـق ــور‬
‫يزول الستـر عن قـوم إذا مـا ** على العصـيان أرخيـت الستـور‬
‫يطــول علي ليلي رب خطـب ** يطول هلــوله الليـل القصيـر‬
‫خـذوا ثأر الديـانة وانصـروها ** فقـد حامـت على القتلى النسور‬
‫وال هتنـوا وسـلوا كل عـضب ** هتـاب مضـاربـا منـه النحـور‬
‫ومـوتـوا كلـكم فاملـوت أوىل ** بكـم من أن جتـاروا أو جتوروا‬
‫أصبـرا بعـد سيب وامتـح ٍ‬
‫ـان ** يـالم عليهـا القلـب الصبـور‬
‫فــأم الثكـل مذكـار ولــود ** وأم الصقــر مقــالت نـزور‬
‫خنــور إذا دهيـنا بالـرزايـا ** وليس مبعـجـب بقـر خيــور‬
‫وجنبـن ليس نـزأر لو شجعنـا ** ومل جنبـن لكـان لنـا زئـيـر‬
‫لقد سـاءت بنـا األخبـار حىت ** أمـات املخبـرين هبـا اخلبـيـر‬
‫أتتـنا الكتـب فيهـا كل ش ـ ٍر ** وبشـرنـا بأحنسنـا البشيــر‬
‫وقيـل جتمعـوا لفــراق مشل ** طليطـلة متـلكهـا الكفــور‬
‫فقـل يف خطــة فيهـا صغـار ** يشيب لكربـها الطفــل الصغري‬
‫لقـد صـم السميـع فلم يعـول ** على نبـإ كمـا عمـي البصيـر‬
‫جتـاذبنـا األعـادي باصطناع ** فيـنجـذب املخـول والفقيـر‬
‫فبـاق يف الديانة حتــت خزي ** تثبطه الشــويهـة والبعـيـر‬
‫وآخـر مـارق هـانت عليـه ** مصائب دينــه فلـه السعيـر‬
‫كفى حزنـا بأن النـاس قـالوا ** إىل أيـن التحــول واملسيـر‬
‫أنتـرك دورنا ونفـر عنهــا ** وليس لنـا وراء البـحـر دور‬
‫وال ثـم الضياع تـروق حسنـا ** نبـاكـرها فيعـجبـنا البكـور‬
‫وظـل وارف وخـرير مــاء ** فـال قـر هناك وال ح ــرور‬
‫ويـؤكل من فواكهـها طــري ** ويشـرب من جداوهلا مني ــر‬
‫يـؤدى معـرم يف كل شهــر ** ويؤخـذ كل صائفـة عشــور‬
‫‪48‬‬
‫فهم أمحى حلوزتـنا وأولــى ** بنا وهـم املـوايل والعشيــر‬
‫لقـد ذهـب اليقني فال يقيــن ** وغـر القــوم باهلل الغ ــرور‬
‫فــال ديـن وال دنيـا ولكـن ** غـرور باملعيشـة ما غــرور‬
‫رضـوا بالــرق يا هلل مـاذا ** رآه وما أشـار بـه مشي ــر‬
‫مضى اإلسالم فابك دما عليه ** فما ينفي اجلوى الدمع الغزيــر‬
‫ونـح وانـدب رفاقا يف فـالة ** حيـارى ال حتـط وال تسيــر‬
‫وال جتـنح إىل سلم وحــارب ** عسى أن جيرب العظم الكسيــر‬
‫أنعمى عن مراشـدنا مجيعــا ** وما إن منهـم’ إال بصي ــر‬
‫ونلـقى واحـدا ويفر مجــع ** كما عن قانص فـرت محي ــر‬
‫ولو أنا ثبتـنا كان خيـ ــرا ** ولكـن ما لنــا كرم وخيــر‬
‫إذا مـا مل يكـن صرب مجيــل ** فليس بنـافـع عـدد كثي ــر‬
‫أال رجـل لــه رأي أصيــل ** به مما حن ــاذر نستجي ــر‬
‫يكـر إذا السيـوف تنـاولتــه ** وأيـن بنا إذا ولت كـ ــرور‬
‫ويطعن بالقنـا اخلط ــار حىت ** يقول الرمـح ما هذا اخلطي ــر‬
‫عظيـم أن يكون الناس ط ــرا ** بأنـدلس قتـيـل أو أسيـ ــر‬
‫أذكر بالقـراع الليث حرص ــا ** على أن يقـرع البيض الذك ــور‬
‫يبـادر خرقهــا قبـل اتســاع ** خلطب منه تنخسف البـ ــدور‬
‫يوسـع للذي يلقاه ص ـ ــدرا ** فقد ضـاقت مبا تلقى ص ــدور‬
‫تنغـصـت احليـاة فال حي ــاة ** وودع جيـرة إذ ال مـجيـ ــر‬
‫فليــل فيه هـم مستكـ ــن ** ويـوم فيه شر مستطيـ ـ ــر‬
‫ونـرجو أن يتيح اهلل نصـ ــرا ** عليهـم إنـه نعـم النصيـ ــر‬
‫املصادر‪:‬‬
‫‪ -‬املقري التلمساين‪ ،‬نفح الطيب من غصن األندلس الرطيب‬
‫‪ -‬إحسان عباس‪ ،‬تاريخ األدب األندلسي (عصر الطوائف واملرابطني)‬

‫‪49‬‬
‫‪ -‬حممد رضوان الداية ‪ ،‬أبو البقاء الرندي‪ ،‬شاعر رثاء األندلس‬
‫‪ -‬أمحد كروم‪ ،‬كان سـقوطها سـببا يف اهنيار الصف اإلسالمي‪ ،‬طليطلة‪ ،‬جملة العريب – العدد – ‪ -528‬نوفمرب‪2002‬‬

‫‪ .13‬النثر في العصر الحديث‬


‫جماالت النثر احلديث ‪ :‬والرواية‪ ،‬واملسرحية‬ ‫‪‬‬
‫الشرف يف كمال األدب ال يف رنني الذهب للمنفلوطي‬ ‫‪‬‬
‫واسالماه‪ :‬على أمحد باكثري‬ ‫‪‬‬
‫الرواي ة‪ ‬هي سلس لة من األح داث تُس رد بس رد ن ثري طوي ل يص ف شخص يات خيالي ة أو واقعي ة‬
‫وأح داثاً على ش كل‪ ‬قصة‪ ‬متسلس لة‪ ،‬كم ا أهنا أك رب األجن اس القصص ية من حيث احلجم وتع دد‬
‫الشخصيات وتنوع األحداث‪ ،‬وقد ظهرت يف‪ ‬أوروبا‪ ‬بوصفها جنس اً أدبي اً مؤثراً يف‪ ‬القرن الثامن‬
‫عشر ‪ ،‬والرواية حكاية تعتمد السرد مبا فيه من وصف وحوار وصراع بني الشخصيات وما ينطوي‬
‫عليه ذلك من تأزم وجدل وتغذيه األحداث‪.‬‬

‫عناصر بناء الرواية‬


‫‪ ‬الشخصيات‬

‫الشخص ية يف الرواي ة هي ال يت جتذب الق ارئ أو املس تمع هلا‪ ،‬فتحق ق االختي ار الص حيح هلا مهم‬
‫للغاية‪ .‬وللوصول إىل االختيار الصحيح ال بد وأن تكون الشخصيات ذات أبعاد ثالثية مثل باقي‬
‫شخصيات احلياة‪ :‬أشخاص هلا خماوف وآمال‪ ،‬أشخاص هلا نقاط ضعف ونقاط قوة‪ ،‬أشخاص هلا‬
‫هدف أو أكثر يف احلياة‪.‬‬

‫البطل‬ ‫‪‬‬

‫وهي الشخصية احملورية يف العمل األديب‪ ،‬وشخصيته دائماً ما تكون مرنة قادرة على التغري‪.‬‬

‫‪ ‬اخلصم‬

‫‪50‬‬
‫وهو القوى ال يت يناضل معه ا البط ل وال ذي يقدم عنص ر الش ر يف ال وقت ذاته‪ ،‬وقد يكون الشر‬
‫مق دما يف ص ورة بس يطة أو ص ورة معق دة بأح داث وشخص يات متع ددة‪ .‬وال يتمث ل اخلص م يف‬
‫شخص فقط حياول هزمية البطل واالنتصار عليه‪ ..‬فمن املمكن أن يكون صراع البطل نفسيا مع‬
‫كل من شخصيات اخلري والشر‬
‫سلوك وقرارات خاطئة تراوده وحياول التغلب عليها‪.‬وقد ختضع ٌ‬
‫لتغري أفضل يف السلوك‪ ،‬وهذا نوع آخر من حل الصراع "التغري يف الشخصية" وليس فقط انتصار‬
‫البطل على اخلصم‪.‬‬
‫‪ ‬الشخصيات املساعدة‪ ‬الثانوية‬

‫إذا كانت الرواية تركز على بطل أو بطلني (قوى اخلري والشر)‪ ،‬فهناك شخصيات أخرى متعددة‬
‫تكمل بناء الرواية وتسمى بالشخصيات املساعدة أو الثانوية‪ .‬فقد يكون ليس هلم دور رئيسي‬
‫لكنه أساسي وبدونه لن تَكتمل األحداث‪.‬‬
‫‪ ‬احلبكة‬

‫هو سري أحداث القصة ناحية احلل‪ .‬ويوجد منطان ألحداث احلبكة‪:‬‬

‫احلبكة النمطية‪ :‬وفيها تسري األحداث بالشكل املتعارف عليها من البداية الطبيعية‬ ‫‪‬‬
‫لألحداث مث التسلسل الطبيعي يف حدوث األزمة مث تصاعدها وحماولة حلها‪.‬‬
‫احلبكة املركبة‪ :‬اليت تبدأ األحداث فيها بالنهاية‪ ،‬مث يتم استعراض األحداث اليت أدت‬ ‫‪‬‬
‫إليها‪ ..‬أي يبدأ الكاتب بالعقدة مث حياول حلها‪.‬‬

‫مهم ال تقوم الرواية من دونه ومع ذلك فيمكن االستغناء عنه‬


‫عنصر ٌ‬
‫ويرى بعض النقاد أن احلبكة ٌ‬
‫[‪]6‬‬
‫إذا مل َير الكاتب أمهية لدوره‪ ،‬أو إذا ما وجد بدياًل ميكنه اللجوء إليه لتحقيق اهلدف نفسه‪.‬‬
‫‪ ‬املوضوع‬

‫املوضوع هو الوعظ أو القيمة اليت يتم تقدميها يف الرواية ويدور حوهلا مضمون الرواية بأكمله‪.‬‬

‫كما ميكن وصف املوضوع بأنه رسالة أو الدرس الذي حياول الكاتب أن يلقنه للقارئ‪ .‬ويُكشف‬
‫الستار عن هذه القيم من خالل العقبات اليت تواجهها شخصيات الرواية حماولني ختطي هذه‬
‫‪51‬‬
‫العقبات من أجل إحراز اهلدف‪ ،‬ويعترب املوضوع هو أساس القصة والغرض منها وبدون اهلدف‬
‫ستصبح القصة تافهة‪.‬‬
‫‪ ‬الزمان واملكان‬
‫‪ ‬زمن الرواية‬

‫يوجد زمنان للرواية‪ ،‬األول هو الزمن العام الذي تدور فيه أحداث الرواية كحقبة زمنية حمددة‬
‫مثل قرن أو سنة من السنني‪ ،‬والثاين هو الزمن اخلاص أو يُطلق عليه زمن الرواية هو الذي يقدم‬
‫فرتة زمنية حمددة تدور فيه الرواية كيوم حمدد من أيام الشهر وما إىل ذلك‪.‬‬

‫‪ ‬مكان الرواية‬

‫البد وأن يكون وصف الكاتب للمكان وصفاً حياً لكي يتعايش القارئ مع أحداث الرواية وكأهنا‬
‫حقيقة‪ ،‬وهذا يتطلب من الكاتب زيارة أماكن األحداث حىت يتمكن من وصفها بدقة‪.‬‬

‫املسرحية‬
‫املادة الُّلغويّ ة َس َرح‪ ،‬وه و يع ين املك ان‬
‫إ ّن املس رح باإلجنليزيّ ة‪ )Theatre( :‬م أخوذ لُغ ةً من ّ‬
‫هتتم بالعروض املباشرة‬
‫يتم تقدمي املسرحيّة فيه‪ّ ،‬أم ا اصطالحاً فهو أحد الفنون ال ّدراميّة اليت ّ‬
‫الذي ّ‬
‫هم من اجلانب ال ّدرامي‪ ،‬كم ا أ ّن‬
‫وم ّ‬
‫ومرتاب ط ُ‬
‫وي ُ‬
‫املخط ط تق دميها على حنو دقي ق لتولي د ش عور ق ّ‬
‫كلمة املسرح تعود إىل أصل يوناينّ من الكلمة اليونانيّة (‪ ،)Theaomai‬واليت تعين"لنرى"‪ ،‬وهناك‬
‫اختالف يف معىن املسرح من النّاحية النّظريّة والعمليّ ة الواقعيّ ة لدى أصحاب املسارح‪ ،‬والنّاقدين‪،‬‬
‫األمريكي جون كيج أ ّن‪" :‬املسرح حيدث طوال الوقت أينما كان"‪،‬‬
‫ّ‬ ‫امللحن‬
‫والفنّانني‪ ،‬فمثالً يقول ّ‬
‫عرفه على أنّه "أداء يقوم به شخص أو‬
‫كذلك قول النّاقد برنارد بيكرمان يف رؤيته للمسرح‪ ،‬فهو يُ ّ‬
‫وهم ب ذلك‬
‫جمموع ة من األش خاص يف إط ار مع زول زمانيّ اً‪ ،‬ومكانيّ اً أم ام أش خاص آخ رين"‪ُ ،‬‬
‫يقومون بتعريفيه حبسب ما يرونه‪ .‬من اجلدير ِّ‬
‫بالذكر أ ّن االختالف يف معىن املسرح موجود منذ‬
‫القدم‪ ،‬فاملسرح عند املصريّني ال ُقدامى كان يتمثّل باملهرجانات اليت تعتمد على األداء‪ ،‬يف حني أ ّن‬

‫‪52‬‬
‫األمريكيّني األصليّني كانوا يرون يف "رقص ة اجلاموس" مسرحاً بالنّسبة هلم‪ ،‬لذا وفيما يلي نذكر‬
‫اجملازي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫بعض التّعريفات ملفهوم املسرح عند الكثريين‪ ،‬واليت يغلب عليها الطّابع‬
‫صموئيل جونسون‪ :‬قال عن املسرح أنّه‪" :‬صدى لصوت اجلمهور"‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫عرف املسرح على أنّه "املحاكمة"‪.‬‬
‫ّ‬ ‫عرف املسرح على أنّه "املرآة"‪ .‬جريوودو‪:‬‬
‫ّ‬ ‫‪ ‬شكسبري‪:‬‬
‫ُ‬
‫"املأدبة"‪.‬‬
‫عرف املسرح على أنّه ُ‬ ‫‪ ‬فاركوهار‪ّ :‬‬
‫عرف املسرح على أنّه "جمموعة‬‫مؤرخي املسرح املعاصر‪ ،‬والذي ّ‬ ‫‪ ‬يايت غيليسيب‪ :‬هو أحد ّ‬
‫وي معهم"‪.‬‬
‫تفاعلي وحيّ ّ‬
‫ّ‬ ‫من العروض التّمثيليّة املق ّدمة جملموعة من األشخاص بطاب ٍع‬
‫عرف املسرح يف أواخ ر القرن العش رين على أنّ ه‬
‫مسرحي ّ‬
‫ّ‬ ‫مؤرخ‬
‫‪ ‬أوسكار بروكيت‪ :‬هو ّ‬
‫ستقل" بدالً من التّعبري عنه من خالل عناصر املسرحيّة‪ ،‬كما كان يعتقد أنّه ال‬
‫"نشاط ُم ّ‬
‫يوجد للمسرح تعريف ُم ٍ‬
‫رض عند اجلميع‪.‬‬

‫عناصر املسرحيّة (فكرة ‪ -‬وموضوع املسرحيّة)‬


‫رامي‪ ،‬وقد‬
‫تتضمن القضايا والعاطفة اليت تنتج من العمل ال ّد ّ‬ ‫هي املعىن املُراد من املسرحيّة واليت ّ‬
‫تتقمص ها‬ ‫ِ‬
‫تُ ذكر الفك رة بص ريح العب ارة كعن وان واض ح للمس رحيّة أو من خالل احلوارات ال يت ّ‬
‫رحي‪ ،‬باإلض افة إىل أنّ ه مُي كن أال تك ون ظ اهرة بش كل‬
‫الشخص يّات كم ا يُص ّورها الك اتب املس ّ‬ ‫ّ‬
‫واضح للعيان إاّل بعد التّمحيص والتّفكري‪.‬‬
‫بناء املسرحيّة‬
‫القصة وتركيبها يف جانبني مُه ا ‪:‬‬
‫إ ّن هيكلة املسرحيّة وتركيبها خيتلف عن هيكلة ّ‬
‫املكون ة من فص ل واح د‪ ،‬وبني‬
‫فن املس رحيّة ّ‬
‫الش كل الع ّام لبن اء النّص‪ :‬هن اك تش ابه بني ّ‬
‫ّ‬ ‫‪‬‬
‫لكن املسرحيّة متعددة املشاهد تكون يف إطار حُم ّدد‪ ،‬وذلك‬
‫عامة‪ّ ،‬‬
‫القصة القصرية يف احلجم ّ‬
‫ّ‬
‫الرواية‪.‬‬
‫خاصةً ّ‬
‫يتم حصرمها يف قالب ُمعنّي ‪ّ ،‬‬
‫والرواية اللتني ال ّ‬
‫القصة ّ‬
‫على عكس ّ‬
‫القصة‪ ،‬فهو يف القصة يُبىن على‬
‫البنائي للمسرحيّة عن ّ‬
‫ّ‬ ‫‪ ‬أسلوب بناء النّص‪ :‬خيتلف األسلوب‬
‫احلل يف هناية‬
‫أس اس التّعقي د القصص ّي املُتمثّ ل باالنتق ال من حال ة اهلدوء حىّت الوص ول إىل ّ‬
‫درج تصاعديّاً يف احلبكة مروراً‬
‫املسرحي فيُبىن على منهج التّ ّ‬
‫ّ‬ ‫البنائي‬
‫ّ‬ ‫القص ة‪ّ ،‬أم ا األسلوب‬
‫ّ‬
‫‪53‬‬
‫ط متص اعد‪ ،‬ويص حب ه ذا ش حنات من التّ وتر حىّت الوص ول يف‬
‫بالغاي ة على ش كل خ ّ‬
‫النّهاية إىل القرار احلازم‪.‬‬
‫َحبكة املسرحيّة‬
‫ئيسي‪ ،‬إذ جيب على احلَبكة‬
‫الر ّ‬‫هي األحداث املسرحيّة ال يت حتدث على عكس ما ميثّله موضوعها ّ‬
‫الس ابقة‬
‫كل املشاهد‪ ،‬وأن متتلك اتّصاالً مع األحداث ّ‬
‫موح د وواضح لدى ّ‬
‫أن تكون ذات طابع ّ‬
‫ومتواص ل بع د األث ر‬
‫ركي ُ‬
‫الشخص يات فيه ا من خالل منط ح ّ‬
‫والّالحق ة‪ ،‬باإلض افة إىل أهّن ا تُش رك ّ‬
‫قمتها واالنتهاء إىل‬
‫الصراع‪ ،‬وخالل احلركة التّصاعديّة لألحداث يتم الوصول إىل ّ‬
‫األول املُتمثّل يف ّ‬
‫العمل والفكرة ال ّدقيقة للمسرحيّة‪.‬‬
‫شخصيّات املسرحيّة‬
‫رحي‪ ،‬وال ذين يتميّ زون ب امتالك ك ّل‬
‫مهم ة األداء املس ّ‬ ‫هم األش خاص ال ذين تق ع على ع اتقهم ّ‬
‫شخصيّة منهم شيئاً مُم يّ زاً سواء كان يف املظهر‪ ،‬أم العمر‪ ،‬أم التّوجهات املختلفة االقتصاديّة منها‬
‫ُ‬
‫واالجتماعيّة والّلغويّة‪ ،‬حيث تنقسم شخصيات املسرحية إىل قسمني‪:‬‬
‫الشخص يّات املركزيّ ة يف املس رحيّة ال يت تتمح ور األح داث حوهلا‬
‫‪ ‬شخص يّات رئيس يّة‪ :‬هي ّ‬
‫منذ البداية إىل النّهاية‪ ،‬واليت تتميّز بأهّن ا شخصيّات نامية طيلة أحداث املسرحيّة‪ ،‬وغالب اً ما‬
‫تربز شخصيّة أو أكثر منهم واليت يُطلق عليها اسم "البطل"‪.‬‬
‫الرئيس يّة وتك ون واض حة‬
‫للشخص يّات ّ‬
‫كمل ة ّ‬
‫الشخص يّات املُ ّ‬
‫‪ ‬شخص يّات ثانويّ ة‪ :‬هي ّ‬
‫املسرحي من احلركة وطريقة الكالم‪ ،‬ومن اجلدير‬
‫ّ‬ ‫ويتم فهمها من خالل أدائها‬
‫ومفهومة‪ّ ،‬‬
‫بال ِّذكر أ ّن الق درة على إظه ار ه ذه ّ‬
‫الشخص يّات أم ام اجلمه ور بش كل يس مح إب راز‬
‫الشخص يّات بش كل‬
‫رحي املاهر‪ّ ،‬أم ا تقدميه ّ‬
‫اخلاص ة فيه ا عالم ة للك اتب املس ّ‬
‫الس لوكيّات ّ‬
‫السطحيّة وعدم العمق‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ثابت وغري ُمتنام فهذا يُوجد عيباً يزرع فيها ّ‬

‫الشرف يف كمال األدب ال يف رنني الذهب للمنفلوطي‬


‫واسالماه‪ :‬على أمحد باكثري‬
‫‪54‬‬
‫هو‪ ‬علي بن أحمد بن محمد باكثير الكندي‪ 21( ‬ديسمبر‪ 10 - 1910 ‬نوفمبر‪ ،)1969 ‬شاعر‪ ‬وكاتب‬
‫مسرحي‪ ‬وروائي‪ ‬مصري!‪ ‬من أصل‪ ‬حضرمي‪ ،‬إندونيسي‪ ‬المولد‪ ،‬ألف العديد من المسرحيات الملحمية الشعرية والنثرية‬
‫أشهرها‪ ‬ملحمة عمر بن الخطاب‪ ‬والروايات التاريخية أشهرها‪ ‬وا إسالماه‪ ، ‬والثائر األحمر‪ ، ‬ومترجم ترجم‪ ‬مسرحية روميو‬
‫‪ .‬وجولييت‪ . ‬حصل على الكثير من الجوائز منها!‪ ‬جائزة الدولة التقديرية األولى‪ ‬مناصفة مع‪ ‬نجيب محفوظ‬

‫الوالدة والنشأة[عدل]‬
‫ولد في‪ 15 ‬ذي الحجة‪ 1328 ‬هـ‪ ‬الموافق‪ 21 ‬ديسمبر‪1910 ‬م‪ ،‬في‪ ‬سورابايا‪ ‬بإندونيسيا‪ ‬ألبوين حضرميين! من‬
‫منطقة‪ ‬حضرموت‪ ]3[]2[]1[.‬وحين بلغ العاشرة! من عمره! سافر به أبوه إلى‪ ‬حضرموت‪ ‬لينشأ هناك نشأة عربية إسالمية مع إخوته‬
‫ألبيه فوصل مدينة‪ ‬سيئون‪ ‬بحضرموت في‪ 15 ‬رجب‪ ‬سنة‪1338 ‬هـ‪ ‬الموافق‪ 5 ‬أبريل‪1920 ‬م‪ .‬وهناك تلقى تعليمه في‪ ‬مدرسة‬
‫النهضة العلمية‪ ‬ودرس علوم العربية والشريعة على يد شيوخ أجالء منهم عمه الشاعر اللغوي النحوي القاضي‪ ‬محمد بن محمد‬
‫باكثير!‪ ‬كما تلقى علوم الدين أيضا على يد الفقيه‪ ‬محمد بن هادي السقاف‪ ‬وكان من أقران علي باكثير حينها الفقيه واللغوي‪ ‬محمد‬
‫بن عبد الاله السقاف‪ .‬ظهرت مواهب باكثير مبكراً فنظم الشعر وهو في الثالثة عشرة من عمره‪ !،‬وتولى التدريس في مدرسة‬
‫‪.‬النهضة العلمية وتولى إدراتها وهو دون العشرين من عمره‬

‫زواجه[عدل]‬
‫تزوج باكثير! مبكراً عام‪ 1346 ‬هـ‪ ‬ولكنه فجع بوفاة زوجته وهي في غضارة الشباب ونضارة الصبا فغادر حضرموت حوالي‬
‫عام‪1931 ‬م‪ ‬وتوجه إلى‪ ‬عدن‪ ‬ومنها إلى‪ ‬الصومال‪ ‬والحبشة‪ ‬واستقر زمنا ً في‪ ‬الحجاز‪ ،‬وفي الحجاز نظم مطولته نظام البردة‬
‫‪.‬كما كتب أول عمل مسرحيه شعري له وهو همام أو في بالد األحقاف وطبعهما! في‪ ‬مصر‪ ‬أول قدومه إليها‬

‫سفره إلى مصر[عدل]‬


‫وصل باكثير! إلى مصر سنة‪ 1352 ‬هـ‪ ،‬الموافق‪ 1934 ‬م‪ ،‬والتحق‪ ‬بجامعة فؤاد األول‪( ‬جامعة القاهرة‪ ‬حالياً) حيث حصل‬
‫على ليسانس اآلداب قسم اللغة األنجليزية عام‪ 1359 ‬هـ‪1939 / ‬م‪ ،‬وقد ترجم عام‪ 1936 ‬م أثناء دراسته في الجامعة!‬
‫مسرحية(روميو وجولييت)‪ ‬لشكسبير‪ ‬بالشعر المرسل‪ ،‬وبعدها بعامين ‪-‬أي عام ‪1938‬م ‪ -‬ألف مسرحيته (أخناتون ونفرتيتي)‬
‫بالشعر الحر ليكون بذلك رائد هذا النوع من النظم في األدب العربي‪ .‬التحق باكثير بعد تخرجه في الجامعة بمعهد التربية‬
‫للمعلمين! وحصل منه على الدبلوم عام‪1940 ‬م‪ ‬وعمل مدرسا للغة اإلنجليزية لمدة أربعة عشر عاما‪ !.‬سافر باكثير‬
‫‪.‬إلى‪ ‬فرنسا‪ ‬عام‪1954 ‬م‪ ‬في بعثة دراسية حرة‬
‫بعد انتهاء! الدراسة فضل اإلقامة في مصر حيث أحب المجتمع المصري وتفاعل معه فتزوج من عائلة مصرية محافظة‪،‬‬
‫وأصبحت صلته برجال الفكر واألدب وثيقة‪ ،‬من أمثال‪ ‬العقاد‪ ‬وتوفيق الحكيم‪ ‬والمازني‪ ‬ومحب الدين الخطيب‪ ‬ونجيب‬
‫محفوظ‪ ‬وصالح جودت‪ ‬وغيرهم‪ .‬وقد قال باكثير في مقابلة مع‪ ‬إذاعة عدن‪ ‬عام ‪ 1968‬أنه يصنف كثاني كاتب مسرح عربي‬
‫‪.‬بعد‪ ‬توفيق الحكيم‬
‫اشتغل باكثير بالتدريس خمسة عشر عاماً! منها عشرة أعوام‪ ‬بالمنصورة‪ ‬ثم نقل إلى‪ ‬القاهرة!‪ .‬وفي سنة‪1955 ‬م‪ ‬انتقل للعمل‬
‫في‪ ‬وزارة الثقافة واإلرشاد القومي‪ ‬بمصلحة الفنون وقت إنشائها‪ ،‬ثم انتقل إلى قسم الرقابة على المصنفات الفنية وظل يعمل‬
‫‪.‬في‪ ‬وزارة الثقافة‪ ‬حتى وفاته‬

‫‪55‬‬

You might also like