Professional Documents
Culture Documents
عنواف المذكرة
0
إى ػ ػ ػ ػ ػػداء
مػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػراد
1
إى ػ ػ ػ ػ ػػداء
2
مقدمػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػة
3
التصكؼ ليس باألمر السيؿ أك الييف ،بيد أف الباحث في ىذا
ٌ إف البحث في مجاؿ
ٌ
المجاؿ يجب أف يككف مطٌمعان عمى مصادر التصكؼ في األدب عامة كفي الشعر خاصة.
فالشعر الصكفي ينضح بدالالت ال متناىية حافمة باإليحاءات كالرمكز كالغمكض الذم يتطمب
النص قصد استكناه ما يحممو مف الدالالت.
سبر أغكار ٌ
كنا طمبة مف السنة األكلى ماستر ،ثـ
كلقد راكدتنا رغبة البحث في ىذا المجاؿ منذ أف ٌ
الدكاكيف الشعرية التي تنضح بجماليات الكتابة
نضجت ىذه الفكرة مع اطالعنا عمى بعض ٌ
الصكفية.
خصصنا المدخؿ
قسمنا البحث إلى مدخؿ كفصميف حيث ٌ
كقصد طرؽ ىذه باإلشكاليةٌ ،
فخصصناه لعرض تجميات الرمز بما فيو مف رمكز
ٌ أما الفصؿ األكؿ
التصكؼٌ ،
ٌ لرصد مفاىيـ
فخصصناه لدراسة بنية
ٌ أما الفصؿ الثاني
صكفية سكاء رمز الخمرة ،كرمز المرأة ،كرمز العيكفٌ ،
الضدية
ٌ المغة الشعرية في ديكاف "معمقات عمى أستار الروح" مف حيث الطبيعة كالثنائيات
النصية كالغالؼ كالعنكاف كالمقطع الشعرم ،كما خصصنا مبحثا طرقنا فيو
ٌ كدراسة العتبات
قضية التداخؿ النصي.
كال نخفي ٌأنو كاجينا بعض الصعكبات أثناء إعدادنا ليذا البحث ،كصعكبة تأكيؿ المدكنة
الصكفية ،كقمة المراجع كالمصادر المتعمقة بذات المكضكع.
ندعي أننا ألممنا بكؿ التفاصيؿ كالجزيئات المتعمقة بالبحث ،كلكف نأمؿ أننا
كنحف ال ٌ
أجبنا كلك بالقدر الضئيؿ عف بعض األسئمة العالقة بيذه اإلشكالية آمميف أف يأتي باحثكف
آخركف لتدارؾ ما فاتنا مف نقائص ،كقد صدؽ مف قاؿ:
غر بطيب العيش إنساف.
وال ُي ّ لكؿ شيء إذ ما تـ نقصاف
كمف دكف أف ننسى شكر أستاذنا الفاضؿ "سعيد شيباف" الذم لـ يبخؿ عمينا بإسداء
النصائح كاإلرشادات كتكفير المراجع كالمصادر الالزمة طكاؿ مراحؿ البحث.
كهلل المعيف كمنو كحده نستمد التكفيؽ.
4
مدخػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػؿ
5
1ػػػػ تعريؼ التصوؼ:
أ ػػػػ لغة:
تعد لفظة "الصوفية" مف المفاىيـ الصعبة كالمعقدة نظ نار لتعدد مبادئيا كصعكبة تجسيدىا
عمى أرض الكاقع ،األمر الذم يحكؿ بنا دكف الكصكؿ إلى تعريؼ شامؿ كدقيؽ ليذا
المصطمح ،كذلؾ لتعدد مدلكالتو مف جية ،كتعدد اشتقاقاتو مف جية أخرل .كمف أكثر
ال في المعاجـ كالقكاميس ،نجد آراء مختمفة كمتباينة فمنيـ مف يربطيا باألفعاؿ،
االشتقاقات تداك ن
كالصفاء صفاء القمب كسعتو كسماحتيـ مع اآلخريف ،كمنيـ مف يربطيا بظاىرة المباس
كالمظير الخارجي ،الذم تميز بو المتصكفة كىك الزىد كالفقر ،كآخر االشتقاقات يربط لفظة
الصرفية بكممة الحكمة.
لقد كردت مفاىيـ عديدة كاختفت اآلراء في المعنى الذم يخص لفظة الصكفية أبرزىا:
* " أنيـ منسوبوف إلى اصؼ األوؿ :فيـ في الصؼ األوؿ بيف يدي اهلل ػػػ عز وجؿ ػػػبارتفاع
ىميـ إليو واقباليـ عميو ،ووقوفيـ بسرائرىـ بيف يديو ،لكف ىذه النسبة ال تستقيـ مف جية
صفّى"(.)1
المغة .إذ لو كاف كذلؾ لقالواَ :
* كقيؿ ":سموا بذلؾ لقرب أوصافيـ مف أوصاؼ أىؿ الصفة الذيف كانوا عمى عيد الرسوؿ
(ص) ،لكف ال تستقيـ ىذه النسبة مف جية المغة أيضا ،ألف عيد الرسوؿ (ص) ،لكف ال
في"(.)2
ص ّتستقيـ ىذه النسبة مف جية المغة أيضا ،ألف الصحيح لو كاف كذلؾ أتف ُيقاؿٌ :
كيتبيف لنا مف خالؿ القكليف أف الصكفية ليسكا مف أىؿ الصفة كال مف الصؼ األكؿ بيف
يدم اهلل ،ألف في ذلؾ خمط مف الجانب المغكم كال ىيستقيـ ىذاف التعريفات عميو ،كاف كانكا
في عمى التكالي.
كص ٌ
في ي
ص ٌكذلؾ لسميكا :ى
1ـ صادق بن سلٌم صادق :المصادر العامة للتلقً عند الصوفٌة عرضا ً ونقداً ،ط ،1مكتبة الرشد ،الرٌاض1995 ،م ،ص
.27
2ـ المرجع نفسه :ص .27
6
"أبو النعيـ األصياني" ،كعبارتو..." :اشتقاقو عند أىؿ * كقيؿ إنو مف الصفاء ،كماؿ إليو
اإلشارات والمنبئيف عنو العبارات :مف الصفاء ،والوفاء"(.)1
كيتضح لنا مف ىذا القكؿ أف الصكفية مرتبطة بجانب األفعاؿ ،كالجانب النفسي
السيككلكجي ،فالصكفية ىك االسترساؿ مع اهلل تعالى ،فيك عيش مع اهلل ،كفي اهلل كاهلل ،كىك
حفظ األكقات كاسقاط لمتدبير كخكؼ مف اهلل ،كرجاء في اهلل ،كىك سمب ألكصاؼ النفس
المذمكمة ،كتحمية ليا باألكصاؼ المحمكدة ،كىك بعد كؿ ذلؾ تجريد لمتكحيد ،فال يشكب القمب
خاطر شيطاني فيفسده ،كال ىكل فيظممو كىك كشؼ عف الخكاطر كبحث عف كؿ ما يخطر
عمى سر الصكفي فيسترسؿ مع ما ىك حؽ ،كيتجنب ما ىك باطؿ(.)2
كما كرد في "التعريفات لمجرجاني مفيوـ التصوؼ حيث ربطو بصفاء القمب والروح
قائالً" :التصوؼ تصفية القمب عف موافقة البرية ،ومفارقة األخالؽ الطبيعية واخماد صفات
البشرية ومجانية الدواعي النفسانية ومنازلة الروحانية والتعمؽ بعموـ الحقيقة"(.)3
فالتصرؼ يدعك إلى بغض الدنيا كاألعراض عنيا ،طمبا لراحة اآلخرة ،ألف العالـ المادم
عالـ ناقص زائؿ عكس عالـ الركح الكامؿ الفاني الذم تتجسد فيو كؿ معالـ الحياة الحقيقة،
فيحاكؿ الصكفي جاىدنا أف يكشؼ الحقيقة عف طريؽ الرياضة الركحية لمسعي مف أجؿ
الكصكؿ إلى منازلة الصفات الركحانية.
إذف الصكفية مف ص ىفا قمبو هلل كألجؿ اهلل محبة فيو كرغبة في نيؿ رضاه بإتباع طريؽ
الحؽ كتجنب الباطؿ ،كفعؿ الخير لمناس كتجنب السكء.
كنى بالصفحة البيضاء
فالصكفي شبيو "أبو الفتح البستي" بالطفؿ الصغير الذم يي ٌ
البيضاء لمداللة عمى صفاء قمبو مف الشر كاألحقاد كقد أنشد في ذلؾ:
7
وظ ّنو البعض مشتقاً مف الصوؼ تنازع الناس في الصوفي واختمفوا
ولست أمنح ىذا االسـ غير فتى صافي ،فصوفي حتى سمي الصوفي (.)1
لكف قاؿ "القشيري " :ومف قاؿ :إنو مف الصفاء ،فاشتقاؽ الصوفي مف الصفاء بعيد
عف مقتضى المغة"(.)2
كمف ىنا يطرؽ لنا "أبو الفتح البستي" الباب لتأكيؿ آخر كىك أف كممة صكفية نسبة إلى
لبس الصكؼ كىك الرأم الذم يؤيده "ابف تيمية فيقكؿ" :وىو المعروؼ...وماؿ إليو ابف خمدوف
في مقدمتو ،وىو اختيار أبي طالب المكي ،وأبي نصر السراج ،وقاؿ..." :الصوفية عندي ػػػػ
ىـ
واهلل أعمـ ػػػػ نسبوا إلى ظاىر المباس ،ولـ ينسبوا إلى نوع مف أنواع العموـ واألحواؿ التي ّ
بيا مترسموف ألف لبس الصوؼ ،كأف دأب األنبياء ػػػػ عمييـ السالـ ػػػػ والصديقيف ،وشعار
المساكيف والمتنسكيف"(.)3
كيتضح لنا مف خالؿ القكؿ أف الصكفية تدعك إلى الزىد في الحياة كالتخمص مف متاعيا
كحرماف النفس مف ممذاتيا كدليؿ عمى حرص المتصكفة عمى التكاضع في الممبس ،كالمأكؿ،
كالمشرب ألف لبس الصرؼ دليؿ عمى الفقر كالزىد في زمانيـ ،ككذلؾ لبسكا الصكؼ لمتشبو
بالرسكؿ (ص) ،كالسير عمى دربو كنيؿ رضا اهلل يكـ القيامة.
كالى ىذا يذىب أيضا "السراج الطوسي" :فمما لـ يكف ذلؾ نسبتيـ إلى ظاىر المبسة،
ألف لبسة الصوؼ دأب األنبياء عمييـ السالـ وشعار األولياء واألصفياء ( )...أال ترى أف الو
خواص أصحاب عيسى عميو السالـ فنسبيـ إلى ظاىر المبسة فقاؿ عز
تعالى ذكر طائفة مف ّ
الح َو ِ
ارُيوف" وكانوا قوماً يمبسوف البياض فنسبيـ اهلل تعالى إلى ذلؾ ولـ ينسبيـ قاؿ َ
وجؿ "إ ْذ َ
إلى نوع مف العموـ واألعماؿ واألحواؿ التي كانوا مترسميف ،فكذلؾ الصوفية عندي "(.)4
1ـ صادق بن سلٌم صادق :المصادر العامة للتلقً عند الصوفٌة ،ص .29
2ـ المرجع نفسه :ص .29
3ـ نفسه ،ص .31
4ـ السراج الطوسً :اللمع فً التصوف ،تح :كامل مصطفى الهنداوي ،د ط ،المكتبة الترفٌقٌة ، ،ص .24
8
كعمى كؿ فإف النظرة المغكية المحايدة تدعـ ىذا الطرح كتؤكده ،إذ الصكفية ببساطة
"الصوفية نسبة إلى أىؿ مشتقة مف الصكؼ .إال أف فريقان مف البحاثة يذىب إلى القكؿ بأف:
الصفّة ،وىـ جماعة مف المؤمنيف مف أفقر الناس وأشدىـ بؤسا ومعاناة ،وأقميـ حسبا
ُ
ونسبا واف كانوا أشدىـ ورعاً وتقوى"(.)1
كيذىب إلى خالؼ ىذا "سميح عاطؼ الزيف" حيف يرفض ىذه النسبة ،بجية أف أىؿ
بمجرد تحسف الظركؼ مع
ٌ الصفة جنحكا إلى الفقر كالعزلة كالزىد مجبريف ال مخيريف ،كأنو
الفتكح اإلسالمية ترككا صفتيـ تمؾ مجاىديف يطمبكف دينيـ كدنياىـ ،فيقكؿ" :فالتصرؼ ال يمكف
إرجاع أصمو إلى أىؿ الصفة ،ومف قاؿ بذلؾ فقد أراد يجمؿ ليذا التصرؼ مد ارً اسالميا
عريقا ،إال أنو أخطأ ،ولـ يصب شيئا مف الحقيقة"(.)2
كىناؾ مف يقكؿ إف أصؿ التسمية ىك الصفكة ،فالمتصكفة ىـ صفكة المؤمنيف كزبدة
الخالئؽ يقكؿ "يوسؼ بف الحسيف الرازي" :لكؿ أمة صفوة ،وىـ وديعة اهلل الذيف أخفاىـ عف
()3
كىك يدعـ رأيو ىذا بآيات قرآنية مف خمقو ،فإف يكف منيـ في ىذه األمة ،فيـ الصوفية"
1ـ سفٌان زدادقة :الحقٌقة والسراب قراءة فً البعد الصوفً عند أدونٌس ،ط ، 1منشورات االختالف ،الجزائر ،2008 ،ص
.49
2ـ المرجع نفسه ،ص .50
3ـ أبو بكر الكالباذي :التعرف لمذهب أهل التصوف ،د ط ،القاهرة 1960 ،ص .20
4ـ القرآن الكرٌم ،سورة األحزاب ،اآلٌة .23
9
Soufismeفي Sufismفي االنجميزية كالى كما قد تترجـ الصكفية حرفيا إلى
الفرنسية(.)1
يقكؿ "الصوفي أحمد بف محمد بف عجيبة الحسني" في كالمو عمى أصؿ التصكؼ:
العمية ألنو يبحث عنيا باعتبار معرفتيا ،إما بالبرىاف ،أو بالشيود
"أما موضوعو فيو الذات ّ
والعياف ،فاألوؿ لمطالبيف والثاني لمواصميف ،وأما واضع ىذا العمـ ،فيو النبي صمى اهلل عميو
وسمـ عمّمو اهلل لو بالوحي واإللياـ ،فنزؿ جبريؿ عميو السالـ أوال بالشريعة ،فمما تقررت نزؿ
كرـ اهلل
عمى ّ
ثانيا بالحقيقة ،فخص بيا بعضاً دوف بعض ،وأوؿ مف تكمـ فيو وأطيره سيدنا ّ
وجيو"(.)2
كالتصكؼ تكبة نصكح مف المعاصي ظاى انر كباطنان كىك خالص هلل عمى الحقيقة كطاعة
بال رٌياء ،كتقرب بال اشتراط ،كحب بال شيكات ،كىك مجاىدة كمكايدة كمعناه الصبر عمى
األذل كاحتماؿ الجكل ،كقد سئؿ "الجنيد" في ذلؾ فقاؿ" :ما أخذنا التصوؼ عف القيؿ والقاؿ،
ولكف عف الجوع وترؾ الدنيا ،وقطع المألوفات والمستحسنات "(.)3
كىذا الرأم يبيف حرص الصكفية عمى إشباع رغباتيـ النفسية المتمثمة في التقرب مف اهلل
كنيؿ رضاه ،كالعدكؿ عف الشيكات كالمغريات الدنيكية الفانية ،كىذا ما يدؿ عمى العالقة الرابطة
بيف الزىد كالتصكؼ.
كفي سياؽ مغاير يفند "القشيري" ىذا الرأم كيؤكد عدـ انتصاب الصكفية إلى المظير
ؼ ،إذا لبس الصوؼ،
ص ّو َ
الخارجي فيقكؿ" :فأما قوؿ مف قاؿ" :إنو مف الصوؼ ،وليذا يقاؿ تَ َ
تقمص :إذا لبس القميص ،فذلؾ وجو ولكف القوـ لـ يختصوا بمبس :الصوؼ" (.)4
ٌ كما يقاؿ:
10
كفي ىذا الصدد نبيف أف الصكفية لـ يخصصكا في لبس الصكؼ كانما ىك مظير مف
مظاىر المجتمع آنذاؾ إلظيار زىدىـ في الحياة كبساطتيـ في التعامؿ مع الحياة اليكمية
الفانية.
لكف ىناؾ رأم آخر لسبب التسمية كىك أنيا ترجع إلى أفكار قديمة كما ذكر "البيروني
أبو الريحاف" الذم نسب التصكؼ إلى كممة صكفيا اليكنانية كالتي تعني الحكمة ،نظ نار لتقارب
اآلراء بيف آراء الصكفية كحكماء اليكناف القدماء(.)1
كنجد في لساف العرب "البف منظور" في مادة (صكؼ) "صاؼ يصوؼ ،صوفا ،وصاؼ
( ،)2كما نجد ىذا المفيكـ كاردنا في القامكس المحيط السيـ عف اليدؼ أي عدؿ عنو"
"لمفيروزابادي " :صاؼ السيـ عف اليدؼ ،يصوؼ ويصيؼ أي عدؿ ،وأصاؼ غني وجيو،
أماؿ ،وأصاؼ اهلل عني شره ،أما لو"(.)3
فإذا ما قارننا ىذيف المفيكميف كمعنى التصكؼ ،نجد أف الميؿ عف الشيء أك اإلعراض
عنو يقابؿ التصكؼ ككف المتصكؼ يميؿ عف الدنيا كيعرض عنيا كيعدؿ عف كؿ ما يمت إلييا
بصمة ،كذلؾ عف طريؽ تصفية القمب رغبة في اآلخرة التي ىي الدار الحقيقة.
"رينولد نكمسوف" ) (Rinold Niclsonإلى إرجاع لفظة كفي سياؽ مغاير يذىب
كممة صوفيا الصكفية إلى األصؿ اإلغريقي أمر غير كارد ييرجع بطالف ىذا الرأم إلى أف" :
تعني الحكمة في مجاؿ الطب وليست بمعنى الحكمة الروحية ،لذا فال توجد ّأية عالقة بيف
الكممتيف"(.)4
كمف خالؿ ىذه االشتقاقات كاآلراء المختمفة يمكف أف نستنتج بأف مصطمح الصكفية
مرتبط ارتباطنا كثيقنا بالصفاء كالنقاء الركحي كىك كذلؾ فمسفة الصكفية كطريقتيـ الخاصة
إلظيار خصاليـ الحميدة كتجاربيـ المنفردة ،كلتبياف ذلؾ الرابط الركحي المتيف بينيـ كبيف
1ـ لٌلى بنت عبد هللا :الصوفٌة عقٌدة وأهداف ،ط ، 1دار الوطن للنشر ،رمضان 1410 ،هـ ،ص .12
،9ط ،1دار الكتب العلمٌة، 2ـ ابن منظور :لسان العرب ،تر :عامر أحمد حٌدر ،مر :عبد المنعم خلٌل إبراهٌم ،مجلد
منشورات علً بٌضون ،بٌروت ،ص .293
3ـ الفٌروزابادي :القاموس المحٌط ،ط ،5مؤسسة الرسالة ،بٌروت1966 ،م ،ص .1071
4ـ البٌرونً :تحقٌق ما للهند للمقولة ،د.ط ،1958 ،ص .1
11
الخالؽ فالتصكؼ إذف مف الصفاء كىك خمكص الباطف مف الشيكات كالكدرات ،كالعقد كالحسد
كالكبر كالغركر ،كسكء الظف بالناس ،ألف القمب ىك مممكة البدف في اإلنساف فإذا صمح الممؾ
صمح الراعي ،كىذا بمعالجة تمؾ األمراض بمراقبة اهلل في السر كالعمف.
ب ػػػػػ اصطالحاً:
لقد كثرت األقكاؿ كالتعاريؼ كاحتشدت بيا متكف التصكؼ احتشادنا ،كقد اختمؼ
المتصكفة اختالفان كثي انر في تعريفو االصطالحي كما اختمفكا في أصمو كاشتقاقو .بؿ اختمفكا إلى
حد كتعارضت فيو تعاريفيـ فمف المتصكفة الذيف أكردكا تعريفات عدة لمتصكؼ نجد:
ال" :التصوؼ أف تكوف مع اهلل بال عالقة" كقاؿ
ػ ػ قكؿ "الجنيد" الذم سئؿ عف التصكؼ:فرد قائ ن
أيضا" :التصوؼ مبني عمى ثماني خصاؿ:السخاء والرضى ،والصبر ،واإلشارة ،والغربة،
ولبس الصوؼ ،والسياحة ،والفقر"(.)1
( )2
كمما كفي نفس السياؽ يقكؿ " أبو الحسيف النوري" :التصوؼ ترؾ كؿ خط النفس "
الجنيد يمكف استقصاءه مف ىذه التعريفات الثالث ىك أف التعريؼ األكؿ كالثالث لإلماميف "
وأبي الحسف النوري" ،ربطا التصكؼ باإلخالص لو كترؾ كؿ العالقات الجانبية إال عالقتيـ
باهلل .فالصكفي الحؽ ىك مف يقدـ بال مقابؿ كيجاىد في سبيؿ اهلل مجاىدة بدنية كحسية كىك
"لمجنيد" فربطو مف يترؾ حضا نفسي بؿ مادم كتشبت بحب اهلل كطاعتو ،أما القكؿ الثاني
بجانب األخالؽ كالخصاؿ الحميدة كالسخاء كالعطاء كالرضى بقضاء اهلل كقدره ،كالصبر عند
الشدائد ،كلبس الصكؼ كالتكاضع في الحياة.
فالتعريؼ األكؿ "لمجنيد" لعمو يقصد بو كذلؾ أف يقطع اإلنساف جميع عالقاتو عف بني
جنسو كىذه دعكة باطمة ألننا ليس مأمكريف باليركب عف البشر كما يفعؿ المتصكفة إلى يكمنا
ىذا ،فيـ ييربكف كينفردكف في المساجد كالزكايا.
ـ صادق ابن سلٌم صادق :المصادر العامة لتلقً عند الصوفٌة عرضا ً ونقداً ،ص .27 1
2
ـ المرجع نفسه ،ص .37
12
كذىب معركؼ "الكرخي" إلى أف التصكؼ ىك" :أخذ بالحقائؽ واليأس مما في أيدي
الخالئؽ"(.)1
كمف المعركؼ أف مكضكع اىتماـ الصكفي غير مكضكع اىتماـ الناس عامة ،فالناس
مشغكليف بالحياة الدنيا أكثر مف انشغاليـ بالحياة اآلخرة ،بعكس الصكفي الذم ال ييتـ ال بالدنيا
كال باآلخرة .بؿ يشغؿ نفسو بالذات اإلليية كحدىا ،كليذا فإف أكؿ مرحمة مف مراحؿ التصكؼ
البد أف تبدأ بالزىد كالفقر كاالفتقار ،يأخذ بالحؽ كالحقيقة المتمثمة في الذات اإلليية كحدىا،
فمتعتو كسعادتو كسركره ىي مع الكاحد األحد .كليذا فإف الصكفي يائس مما في أيدم الخالئؽ
ال عف عجز منو أك عدـ استطاعتو بؿ عف طريؽ زىد إرادم نتج عف مقارنتو بيف الحؽ كبيف
ما عداه.
كقاؿ " أبو حمزة البغدادي" :عالمة الصوفي الصادؽ ،أف يفتقر بعد الغنى ،ويذؿ بعد
العز ،ويفضى بعد الشيرة"(.)2
ّ
الدنيا ،كالتخمص مف
كيفيـ مف قكؿ "البغدادي" أنو ربط التصكؼ بالزىد في الحياة ٌ
مادياتيا كمغرياتيا ،كالماؿ كالغنى كالشيرة ،كاإلسالـ الحؽ يدعك إلى قريبة اإلنساف تربية
إسالمية صحيحة حتى يككف مستقيما في حياتو كيخضع ألكامر اهلل كرسكلو عف قناعة كاممة
كىذا ما اصطمح عند أىؿ التصكؼ بالتصفية كالتحمية كبالنظر إلى األقكاؿ المتقدمة نجد أف كؿ
تعريؼ مف تعريفات ألئمة التصكؼ فالمنتسبيف إليو يشير إلى جانب مف الجكانب ،كىذا
الجكانب مجتمعة تشير إلى جكانب عظيمة مف الديف الحنيؼ فيك إخالص ،كزىد ،كأخالؽ
كمجاىدة ،كترؾ لمتكمٌؼ .كفي مكضع آخر يرل أف "السراج الطوسي" :التصوؼ ونعتو وماىيتو
فقد سئؿ محمد بف عمي القصاب ػػػػ وىو أستاذ الجنيد ػػػػ رحمو اهلل ،عف التصوؼ ما ىو؟
( )3
. قاؿ" :أخالؽ كريمة ظيرت في زماف كريـ مف رجؿ كريـ مع قوـ كراـ"
1
ـ فٌصل بدٌر عون :تصوف اإلسالمً الطرٌق والرجال ،د ط ،مكتبة سعٌد رأفت ،جامعة عٌن الشمس ،1983 ،ص .18
2
ـ المرجع السابق،ص .36
3ـ السراج الطوسً :اللمع فً تارٌخ التصوف اإلسالمً ،د ط ،دار التوفٌقٌة للطباعة ،مصر ،د س ،ص .20
13
سئؿ " ُرَوْيـ بف أحمد رحمو اهلل عف التصوؼ فقاؿ" :استرساؿ النفس مع اهلل تعالى
عمى ما يرديو" ( ،)1كسئؿ " سمنوف رحمو اهلل عف التصوؼ فقاؿ" :أف ال تمتمؾ شيئا وال يممكؾ
شيء"( ،)2كسئؿ "أبو محمد الجريري رحمو اهلل عف التصوؼ قاؿ" :الدخوؿ في كؿ خمؽ مني
والخروج مف كؿ خمؽ دني"(.)3
"السراج الطوسي" عف أئمة كشيكخ نالحظ مف خالؿ ىذه التعريفات التي سمعيا
الصكفية كالمنتسبيف أف التصكؼ أكال أخالؽ كريمة كما بعدىا أخالؽ كريمة ظيرت في زماف
كريـ عمى يد محمد رسكؿ اهلل صمى اهلل عميو كسمـ كمف تبعو مف قكمو الصالحيف.
كيزداد تعريؼ "الشيخ سمنوف" كضكحا إذا كتبناه عمى الكجو التالي :التصكؼ أال تممؾ
شيء غير اهلل كأال يممؾ شيء غير اهلل ىذا إف جاز لنا استخداـ شيء في حؽ اهلل .الميـ ىك
أنو ال ينبغي لنا أف نيتـ بشيء أك نستغرؽ في شيء أك تصرؼ إلى شيء إال إلى اهلل.
كال ينبغي أف نككف عبيدا ال لماؿ أك كلد أك سمطاف أك غير ذلؾ ىذا سكؼ يشغؿ قمبنا
عف ذكر اهلل كما أدرؾ ما ذكر اهلل ،ليذا ينبغي أف نككف إال لو سبحانو كتعالى لكي ال يككف إال
لنا.
"وىو الذي ال "السري السقطي" بأف التصكؼ ثالث معاف: كفي مكضع مماثؿ يرل
يطفئ نور معرفتو نور ورعو ،وال يتكمـ بباطف في عمـ ينقضو عميو ظاىر الكتاب وفمسفة،
وال تحممو الكرامات عمى ىتؾ أستار محارـ اهلل"(.)4
كىذا التعريؼ الذم أكرده "السري السقطي" تعريؼ في غاية األىمية مف حيث أنو يشير
إلى أف الحياة الباطنية لمصكفي سر مر أسرار اهلل ال ينبغي أف يطمع أحد عميو .كال ينبغي
لمصكفي أبدنا أف يكشؼ عف ما يحدث لو أك ما يمكف أف يحدثو ىك تجاه اآلخريف .ليذا ال
14
ينبغي أف يطفئ نكر المعرفة نكر الكرع كالتقكل كخشيو اهلل .أما عالقتو الخاصة مع اهلل فيذه
مسألة ال يستطيع أحد أف يتدخؿ فييا.
معنى ىذا أف عمى الصكفي أف يميز بيف سمككو مع الناس كبيف سمككو مع اهلل ،كالميـ
ىك أف ال يتخمى أبدان عف المشاركة في عبادة اهلل كما يفعؿ المسممكف.
كلبعض المشايخ في التصكؼ ثالثة أجكبة" :جواب بشرط العمـ ،وىو تصفية القموب
مف األكدار ،واستعماؿ الخمؽ مع الخميفة ،واتباع الرسوؿ (ص) في الشريعة ،وجواب بمساف
الحقيقة ،وىو عدـ األمالؾ والخروج مف ِرؽ الصفات ،واالستغناء بخالؽ السموات ،وجواب
بمساف الحؽ ،أصفاىـ بالصفاء عف صفاتيـ ،وصفاىـ مف صفاتيـ فسموا صوفية"(.)1
ككذلؾ يكؿ "أبو محمد رويـ" في التصكؼ أنو" :التمسؾ بالفقر واالفتقار والتحقؽ بالذؿ
واإليثار وترؾ التعرض واالختيار"(.)2
ىذا أيضنا تعريؼ مف التعريفات اليامة لمتصكؼ ،كىك يتناكؿ أكثر مف ناحية مف
نكاحيو ،فيك أكالن يشير إلى أف الفقر المادم أم الزىد في الدنيا كذلؾ حينما يقكؿ (التمسؾ
بالفقر) أم عمى اإلنساف دائمان أف يظؿ متمسكان بالزىد في الدنيا كما فييا مف شيكات حسية
كمتع مؤقتة زائفة حتى ال يغتر بيا .ثـ إف ىذا التعريؼ يشير إلى أمر آخر ىك (التمسؾ
باالفتقار) ،كالمقصكد ىنا أف يظؿ المرء متمسكا مرتبطا باهلل مشغكالن بو لكي يظؿ حبؿ
االتصاؿ ميدكدنا ،كتظؿ المشاىدة حاصمة كاالفتقار ىنا يعني االفتقار إلى اهلل كأما ما يقصده
"محمد بف رويـ" بػ (التحقؽ بالذؿ كاإليثار) ىك أف يضفي بكؿ شيء مف أجؿ اهلل .إف كؿ شيء
عند الصكفي يككف حقي انر ميما كاف شأنو إذا قيس بالذات اإلليية.
أما قكلو (كترؾ التعرض كاالختيار) فيقصد بو أف عمى الصكفي أف يكافؽ الحبيب عمى
كؿ ما يطمبو منو كاف ال يرفض لو طمبا كفي ىذا الصدد يقكؿ " ذو النوف المصري" :الصوفي
ىما الذي ال يتعبو طمب وال يزعمو سمب"(.)3
1ـ القشٌري :الرسالة القشٌرٌة ،ط ، 1المكتبة العصرٌة ،لبنان ،2001 ،ص .239
2ـ فٌصل بدٌر عون :التصرف اإلسالمً الطرٌق والرجال ،ص .20
3ـ القشٌري :الرسالة القشٌرٌة ،ص .21
15
كباختصار شديد نقكؿ بأف عمى الصكفي أف ينطؽ بمساف مف يحب فيكره ما يكرىو
الحبيب كيحب ما يحبو كمف يحبو.
كفي سياؽ مغاير يقكؿ "أبو الحسيف بف منصور الحالج" :الصوفي وحداني الذاتي ال
يقبمو أحد وال يقبؿ أحداً"(.)1
فيذا التعريؼ الذم كرد عمى لساف الحالج يميز في الحقيقة تصكؼ الحالج نفسو
كيعتبر عف تعبي ار دقيقا .ذلؾ أف التصكؼ الذم سعى إليو كاف متمي ناز بكحدة الكجكه ،اتحاد
الالىكت بالناسكت بحيث يصير اإلنساف ىك اهلل كاهلل ىك اإلنساف كما حدث بالنسبة لممسح
عميو السالـ .فالحالج يرل أف الصكفي كقد كصؿ إلى الفناء في الذات اإلليية أصبح كاحدنا
ألنو ال يكجد إال إلو كاحد .فيك مف ىذه الناحية كحداني الذات ال يقبؿ أحد مف حيث أنو يرفض
الثنائية رفضان قاطعان .أضؼ إلى ذلؾ أف الصكفي مف ناحية ثانية ،المتكحد بسمؾ سمككا خاصا
يقره عميو الناس كال يقبمكنو منو ألنيـ ينكركف عميو أفعالو كأقكالو .كيؼ ال كىك ينطؽ بمساف
ال ٌ
الحؽ كىك ينطقكف بمساف الزكر كىك يتكمـ بمساف السر اإلليي كىـ يتكممكف بمساف العقؿ
كالمنطؽ.
كيضيؼ "أبو الحسيف النوري" :تعريفا آخر في مجاؿ التصوؼ فيقوؿ" :أخص
خصائص الصوفي السكوف عند العدـ واإليثار عند الوجود "(.)2
كما يميز ىذا التعريؼ أنو يكشؼ عف ناحية ىامة مف نكاحي التصكؼ كأقصد بيا
إجماع الصكفية عمى اإليماف بقضاء اهلل كقدره كالتككؿ عميو في كؿ شأف كشؤكنيـ ،كأننا في
تدبيرنا شؤكننا كسعينا في ىذا الطريؽ أك ذاؾ إنما نحف في الحقيقة ننفذ اإلرادة اإلليية التي
ال لعمـ اهلل الذم ال يتبدؿ كال يتغير كال يخطئ.
شاءت لنا ىذا .كنحف إنما نخضع خضكعا كام ن
كفي ىذا الصدد نقكؿ أنو ينبغي عمى الصكفي إذا فقد ماالن أك كلدان أك جاىا إذا كاف لو
جاه ،أك أصيب بمرض ما أف ال يشكك ألمو كحزنو ألحد بؿ ينبغي أف يظؿ ساكنا ثابتا مؤمنا
1
ـ المرجع السابق :ص 21
2
ـ المرجع نفسه :ص .20
16
بقضاء اهلل كقدره .أما ما يقصد بػ (اإليثار عند الكجكه) فيك أف عمى الصكفي إذا رزقو اهلل بكلد
أك ماؿ أك أية متعة مف متع الدنيا أف ال يبخؿ بشيء مف ما رزقو اهلل عمى أىالو كعشيرتو
ككطنو.
17
الفصؿ األوؿ
تجميػػػػػػػػات الرمػػػػػػػػػز
18
إف الحديث عف الرمز في الشعر ،قديـ قدـ اآلداب سكاء العربية منيا أـ الغربية ،برز
استعمالو عند أعداد مف الشعراء الذيف يريدكف التعبير عف أفكارىـ بطريقة غير مباشرة فالرمزية
يغ مف الرمز لمداللة عمى مذىب أدبي نا كفمسفي ،كىي في األد ب عمى نكعيف :عاـ
ص ىمصدر ً
كأدبي (خاص).
أما الرمز العاـ أك الرمز التراثي أك القديـ ،رمز يمتمؾ "أساسنا مف الديف أك التاريخ ،أك
األسطكرة فيتداكلو غير كاحد مف الشعراء ،ـ ستميميف جكانبو التراثية كطاقات إيحائو الكامنة
مستقر في الالكعي
ٌان فيو"( ،)1إما مكانان أك شخصية أك حدثان...مف التراث القكمي أك العالمي
الجمعي بتعبير "يونج" ) (Youngكمف ىنا كاف استحضار الرمز التراثي في النص الشعرم
يستثير خبرة ،قصة ،معاناة ،تضحية ،يبعدنا إنسانيان ،مشتركان بيف المبدع كالمتمقي ،عندئذ يعتبره
منطمقا تنجدؿ فيو التجربة المعاصرة " وبذلؾ يتحقؽ حوار الذات عبر اآلخر ،فعندما تكوف
( )2
كمادامت المغة القصيدة ىي حوار الذات فقط ،تتحوؿ إلى أحجية ،إلى قصيدة مغمقة"
العادية غير قادرة عمى حمؿ أبعاد تجربة المبدع بدالالتيا الكضعية ،فالشحنة اإليحائية كالطاقة
يثري تجربتو الشعرية التكثيفية المختزنة في الرمز القديـ تضطمع بالميمة ،كاف تكظيفو "
فنية بالطاقات ويمنحيا شمو ًال وكمية وأصالة وفي نفس الوقت يوفر ليا أغنى الرسائؿ اؿ
"فذكرىا يعيد التفصيالت اإليحائية"( ، )3ألنيا تضرب عمى كتر مشترؾ في الالكعي الجمعي
التي تحيط بيا مف حيث دورىا التاريخي ،ومكانتيا في زمنيا"(.)4
كمف ىنا تبرز أىمية قدرة المتمقي عمى الفيـ ،تمؾ التي جعمت منو المبدع اآلخر
لمخطاب الشعرم ،إذ تعتبر قمٌة خبرة المتمقي أكبر عقبة في عممية التفاعؿ مع الخطاب الحداثي
الذم يحتفي بالثقافة كيشدد عمييا.
1ـ ٌحً الشٌخ صالح :شعر الثورة عند مفدي زكرٌاء (دراسة تحلٌلٌة جمالٌة) ،دار البعث ،الجزائر ،1987 ،ص .336
2ـ محمد علً الكندي :الرمز والقناع فً الشعر العربً الحدٌث (السٌاب ونازك والبٌاتً) ،ط ، 1دار الكتاب الجدٌد ،بٌروت،
لبنان ،2003 ،ص .111
3ـ علً عشري زاٌد :استدعاء الشخصٌات التراثٌة فً الشعر العربً المعاصر ،دار الفكر العربً ،القاهرة ،مصر،1998 ،
ص .93
4ـ المرجع نفسه ،ص .126
19
لمجرد قدميا ،أك ارتباطيا بتاريخ أمتو أك عقيدتيا أك
كلكف ىذه الرمكز ال تكتسب قيمتيا ٌ
حتى بككنيا تراثان عالميان إنسانيان ،ما لـ "تكف ذات سمات دالة ومتجددة ،يجد الشاعر فييا ما
يجعميا قادرة عمى حمؿ أعباء تجربتو ،ويرى أنيا مناسبة لظروؼ حياتو ،ومتطمبات
()1
عصرق" .فقيمة الرمز تأتي مف التجربة ذاتيا ،كال تجمب إلييا حتى يككف الرمز مككنان دخيالن
ع مف التقميد ،ذلؾ كمو خركج عف ركح
عمى النص لمجرد استعراض سعة إطالع الشاعر ،أك نك ن
الرمز كطمس لمعالمو "ألف أصالة الموروث شفيعاً لقصور الشاعر ،أو تقصيره في تمثؿ
التجربة اإلبداعية ،وصياغتيا فيذا الموروث ال يحقؽ غايتو الفنية ،ما لـ تكف الحاجة إليو
نابعة مف داخؿ البنية الشعرية ذاتيا"(.)2
كاذا سمٌمنا جدالن أف جيالن مف الشعراء عاشكا ظركفان مشتركة كانفعمكا بيا ،أال يكلٌد ذلؾ
لدييـ تجارب متشابية إف لـ تكف نقؿ متطابقة ،كاذ ىـ يعبركف عنيا يتسكلكف بتمؾ الرمكز
العامة ،فتقفز داللتيا إلى الذىف بشكؿ مف أشكاؿ االصطالح ،كتصير مدلكالتيا عندئذ ميددة
باالنزالؽ نحك االبتذاؿ ،كؿ ذلؾ بزعـ يعمًقيا كخصكبتيا ،إال أف ذلؾ ال ينجح دائما ،ألنو
بحاجة إلى ميارة عالية يشترطيا تكظيؼ ىذه الرمكز ،كال يفي بالغرض جعميا كعاء لقضايا أك
أفكار أك ىمكـ الشاعر كحسب ،ألف في ذلؾ قبؿ كؿ شيء إساءة ليا مف الناحية الفنية.
مجرد االنبيار بكاحد مف ىذه الرمكز ،طريقان إلى تك ارره لضركرة أك لغيرىا،
كما ال يككف ٌ
ألنو يترتب عف ذلؾ افتعاؿ كتحميؿ لمرمز أكثر مما يحتمؿ ،فيبدك مقحمنا عمى السياؽ كفي
ذلؾ خطكرة ال تقؿ عف منزلؽ االصطالح.
كحتى يتجنب الشاعر ىذه النقيضة أك تمؾ فإف "منازلة مف طراز خاص ينبغي أف تحدث
بيف الشاعر الحديث مف جية ،وبيف ماضي الرمز أو ميراثو الراسخ مف الداللة ( )...إف
المنازلة بينيما قد تظؿ ممتيبة باستمرار متجددة دائمة التوتر" ( ،)3ألف داللة الرمز العاـ ال
يمكف سترىا كمٌية فيي تظؿ بيف الحيف فاآلخر ،أما إذا نقميا الشاعر إلى سياقات جديدة
20
كصارت لصيقة بيا في قصائده ،كألحت عمينا داللتيا الجديدة فإننا تككف بإزاء نكع آخر مف
"ويأتي ىذا الرمز الخاص ليشكؿ مجاالً رحباً الرمز ،يفرج مف دائرة العاـ إلى دائرة الخاص
لحركة الشاعر ،يجد فيو حرية أكثر وفرصة أكبر الختيار رمزه الذاتي ،الذي يتمثؿ فيو تجربتو
بشكؿ أشد خصوصية وأصالة"(.)1
كيستند الرمز الخاص بشكؿ أساسي عمى السياؽ كالتجربة الشعكرية التي انبثؽ منيا،
ألنو يمغي االصطالح تمامنا كييدؼ إلى نفسي الداللة الكضعية ،كمف ىنا اكتسى بالغمكض،
فالمتمقي يجد عنتان كبي انر في التعامؿ معو خصكصان إذا لـ يتعقب داللتو في أكثر مف عمؿ مف
ال رحبنا كثي نار ما نجح الشعر في تكظيفو كتفجير
أعماؿ الشاعر كقد كاف الرمز الخاص مجا ن
طاقاتو اإلبداعية ،حتى "كاد كؿ شاعر يعرؼ برمزه المبتكر "( ،)2أك مجمكعتو الشخصية مف
الرمكز التي تختزؿ بمعجميا معاناتو ،كتكشؼ عف اىتماماتو الفكرية كميكالتو الفنية ،كما
حي ناز مف لغتو.
كتشكؿ سمة بارزة في أسمكبو ،كتأخذ ٌ
كاف ميمة الشاعر تفجير االنفعاالت كالتعبير عف التجارب اإلنسانية بمغة راقية ،كال
المعجمية ،ليكسبيا تجريد
ٌ يجردىا مف معانييا
يتأتى لو ذلؾ إال حيف يضغط عمى كمماتو ضغطان ٌ
أك تكثيفنا بإضفاء معاف جديدة عمييا ،كالرمز الخاص يتبمكر عادة في كممة كاحدة ،كأف يككف
عما يريده ،ككثي انر ما كانت
كيعبر مف خالليا ٌ
شخصية يبتكرىا الشاعر كيجسد فييا أفكاره كآراءه ٌ
عناصر الككف كالطبيعة أيضنا مصد نار لو ،إذ "يقوـ الرمز الطبيعي معب ارً آخر لمشعراء لتوحيد
الذات بالعالـ ،والتعبير عف دالالت تجربتيـ باستبطانيـ لطاقات ىذا الرمز وشحنو بحموالت
( )3
وفكرية جديدة" ،كالميؿ ،كالبحر ،كالرمؿ ،كالريح ،كالضياء...كلكنيا ال تككف ميربان
ّ شعورية
ّ
يمجأ إليو كما يفعؿ الركمانسيكف ،بحيث تككف عندىـ غاية في حد ذاتيا .،إنما يختار الشعراء
منيا بيدؼ الرمز ما يالئـ طبيعة شعكرىـ "فيخطفوه األشياء خطفا ال يخضع لسياؽ معيف ،أو
1ـ إبراهٌم رمانً :الغموض فً الشعر العربً الحدٌث ،د ط ،دٌوان المطبوعات الجامعٌة ،الجزائر ،1991 ،ص .280
، 3دار العودة ،بٌروت ،لبنان، 2ـ عز الدٌن إسماعٌل :الشعر العربً المعاصر (قضاٌا وظواهره الفنٌة والمعنوٌة) ،ط
،1981ص .218
3ـ إبراهٌم رمانً :الغموض فً الشعر العربً الحدٌث ،ص .282
21
منيجية محددة ويدخمونيا في صميـ الصراع االنفعالي ،أي ليخرج مف خالؿ ذلؾ نسيج أدبي
تتالحـ ،ال سبيؿ إلى خصـ الصور الف ّنية عف محتوياتيا"(.)1
فتنتفخ داللة الرمز الخاص عمى الغمكض نتيجة تفاعؿ ذاتي معيا ضمف تجربة جديدة
تنأل بيا عف أكثر التكافقات فكريان كتاريخيان كأسطكريان ،كتتمزؽ منظكمة التكقعات كاالفتراضات
األدبية كالساقية التي تككف متسربة في ذىف القارئ حكؿ نص ما ،قبؿ الشركع في قراءة النص
"بحيث يصير محف ازً دائماً يدفع إلى البحث عف المعنى الحقيؽ المنوط بيذا الرمز ،وبالتالي
تولد ل ّذة متجددة في كؿ قراءة ،تسمى ػػػػ المسافة الجمالية ػػػػ وىي تعبير عف مقدار مخالفة
القراء"(.)2
النص لتوقعات ّ
كؼ عف ذلؾ ثبتت داللتو ،ككفت عف
كينجح الرمز إذان انفتح عمى التعدد ،ألنو متى ٌ
تكليد قراءات جديدة.
1ػػػػ 1ػػػػ مفيوـ الرمز:
أ ػػػ لغة:
"اإلشارة واإليماء" غير أف "رمز" تعني لغة اتفقت المعاجـ العربية عمى أف مادة
االختالؼ فييا يقع في كسيمة اإلشارة كاإليماء ،أتككف بالمفظ أـ تككف بأحد الجكارح أك بغيرىا
مف األشياء؟
ال لذلؾ حيث
ذىب "الزمخشري" إلى القكؿ بأنيا تككف "بالشفتيف والحاجبيف" كضرب مثا ن
قاؿ" :دخمت عمييـ فتغامزوا وترامزوا"(.)3
اجعؿ ِلي آي ًة قاؿ آيتؾ أال
ْ قؿ رِبي
"رمز" في قكلو تعالىْ " : كفي مكضع آخر فسر كممة
تكمـ الناس ثالثة أياـ إال رم ازً.)4("...
1ـ ٌاسٌن األٌوبً :مذاهب األدب معالم وانعكاسات ،ج ،2الرمزٌة ،ط ، 1المؤسسة الجامعٌة للنشر والتوزٌع ،بٌروت ،لبنان،
،1982ص .42
2ـ عبد هللا الغذامً :القصٌدة والنص المضاد ،المركز الثقافً العربً ،بٌروت ،لبنان ،1994 ،ص .163
3ـ الزمخشري :أساس البالغة ،دار صادر للطباعة والنشر ،بٌروت1965 ،م ،ص .251
4ـ القرآن الكرٌم ،سورة آل عمران ،اآلٌة .41
22
"زكرياء" حيف طمب منو آية لو ،أمره بعدـ كيتضح لنا مف اآلية أف اهلل عز كجؿ أمر
الدالة.
الكالـ مع الناس ثالثة أياـ عمى التكالي ،بؿ عميو أف يتكاصؿ معيـ بالرمكز كاإلشارات ٌ
"بالمنكب إذا أما "الجاحظ" فيرل أف اإلشارة زيادة عمى الجكارح يمكف أف تككف كذلؾ:
تباعد الشخصاف ،وبالثوب وبالسيؼ"(.)1
إال أف "ابف منظور" كاف أكضح مف غيره كأكثر تكسعنا كابانة رغـ أنو ال يخرج عف ككف
"الرمز ىو اإلشارة" بأحد الجكارح أك غيرىا مف الكسائؿ المتاحة إذ يرل أف اإلشارة تككف أيضنا:
"تصويتاً خفياً بالمساف كاليمس ويكوف تحريؾ بكالـ غير مفيوـ المفظ مف غير إبانة بصوت،
وانما ىو إشارة بالشفتيف وقيؿ الرمز إشارة وايماء بالعينيف والحجابيف والشفتيف والفـ والرمز
كما أشارت إليو في المغة كما أشرت إليو مما يباف بمفظ"(.)2
" الرمز أو المغز ىو الكالـ الذي يعطي ظاىره ما لـ يقصد قائمو ،وكذلؾ منزلة العالـ
في الوجود أما أوجده اهلل لعينو وانما أوجده لنفسو "(.)3
الفعاؿ في الداللة الرمزية ىك المدلكؿ الكامف كراء ىذه
كمف ثـ فإف الذم يقكـ بالدكر ٌ
الظكاىر كىذا ما جعؿ "سوسير" ) (F.D.Saussurبصفة بقكلو " :ما يتمز بو الرمز ىو أنو
ليس دائماً كامؿ االعتباطية،إنو ليس فارغاً ،إف ىناؾ بقايا الرابطة الطبيعية مف الداؿ
والمدلوؿ ،إف الميزاف كرمز لمعدالة ال يمكف تعويضو بأي شيء كالدبابة مثال.)4("...
يقوؿ "صالح فضؿ"" :إف الكممات مجرد عالمات أو إشارات لألشياء ويعني بيذه
العالمات الكؿ المزدوج الذي يفيد الداؿ والمدلوؿ معاً ،وبذلؾ ألف العالقة بيف العالمة ومناىا
اعتباطية ،أما الرمز فيفترض عالقة طبيعية بسببو بيف الداؿ والمدلوؿ ،كأف يقوؿ :إف الماء
رمز لمصفاء ،فبينما ينطبؽ الداؿ عمى المدلوؿ تماما في حالة العالقة المغوية فإف األمر
1ـ الجاحظ :البٌان والتبٌٌن ،ج ، 01دار التراث العربً ،بٌروت ،لبنان1968 ،م ،ص .57
2ـ ابن منظور :لسان العرب ،ج ، 5دار صادر ودار بٌروت للطباعة والنشر ،بٌروت1955 ،م ،ص .356
3ـ ابن عربً :الفتوحات المكٌة ،ج ،3ص 196ـ .197
4ـ الولً محمد :الصورة الشعرٌة فً الخطاب البالغً والنقدي ،المركز الثقافً العربً ،بٌروت ،1996 ،ص .199
23
يختمؼ عف ذلؾ في الرمز الذي يرتبط ارتباطاً قوياً في تكوينو بما يطمؽ عميو السيميولوجية
أو عمـ العالمات"(.)1
إذف فالرمز كفؽ ىذا المفيكـ يستمزـ الخبرة بما تكنو المحسكسات الخارجية مف جماؿ أك
عالقات ترسـ مدلكالن معينان ،كتؤدم إلى مزيج مف الكاقع كالشعر ،كيككف الرمز ساعتيا مف
لمحات الكجكد الحقيؽ يدؿ عند الناس ذكم اإلحساس الكاعي عمى الشيء مف المستحيؿ أف
يترجـ عنو بمغة عقمية ،داللة تقكـ في يقيف باطني مباشر.
كيعرفو "ابف رشيؽ القيرواني" قائالن " :أصؿ الرمز ،الكالـ الخفي الذي ال يكاد يفيـ ثـ
استعمؿ حتى صار اإلشارة...واإلشارة مف غرائب الشعر وممحو تدؿ عمى بعد المرمى ،وفرط
المقدرة ،وليس يأتي بيا إال الشاعر المبرز ،والحاذؽ والماىر ،وىو في كؿ نوع مف الكالـ
لمحة دالة واحتضار وتمويح يعرؼ مجمالً ومعناه بعيداً مف ظاىر لفظو" (.)2
) (Symboleكاإلشارة )،(Signal كما يالحظ أف ىذا التعريؼ لـ يضع فرقا بيف الرمز
في حيف أف لكؿ كاحد منيما مفيكمان خاصان ،فالرمز قد يكحي بتأكيالت مختمفة كيشمؿ كؿ أنكاع
المجاز المرسؿ كالتشبيو كاالستعارة بما فييا مف عالقات داللية معقدة بيف األشياء بعضيا
البعض .أما اإلشارة فميا داللة كاحدة ال تقبؿ التنكيع ،كال يمكف أف تختمؼ مف شخص آلخر ما
داـ المجتمع قد تكاضع عمى داللتيا ،فالمصباح األحمر في الطريؽ تعارؼ الناس عمى أنو
إشارة إلى معنى (قؼ) كليس لو معنى آخر ،في حيف أف الرمز تعبير يكمئ إلى معاف تعرؼ
بالحدس(.)3
كيعرؼ "أدونيس" الرمز بأنو" :المغة التي تبدأ حيف تنتيي لغة القصيدة ،أو ىي
القصيدة التي تتكوف في وعيؾ بعد قراءة القصيدة ،إنو البرؽ الذي يتيح لموعي أف يستشؼ
عالماً ال حدود لو"(.)4
1ـ صالح فضل( :نظرٌة البنائٌة) ،ط ، 1الهٌئة العصرٌة العامة للكتاب ،القاهرة ،ص .29
2ـ ابن رشٌق القٌروانً :العمدة ،ج ،1تح :محً الدٌن عبد الحمٌد ،دار الجٌل ،بٌروت ،لبنان1972 ،م ،ص .302
3ـ سعٌد شٌبان :الرمز فً الشعر الجزائري المعاصر ،مذكرة لنٌل شهادة الماجستٌر فً األدب العربً ،جامعة مولود معمري
ـ تٌزي وزو ـ 2000 ،ـ ،2001ص .7
4ـ أدونٌس :زمن الشعر ،ط ، 1دار العودة ،بٌروت ،لبنان ،ص .160
24
ب ػػػػ اصطالحاً:
عرؼ األدباء التعبير الرمزم في أدبيـ قبؿ اإلسالـ كبعده ،إال أنيـ عرفكه قبمو باعتباره
ال بمفظو
يتذكقكنو بمعناه ال بمفظو الصريح ،أما بعد اإلسالـ فقد عرفكه مصطمحنا نقدينا متداك ن
ذكقنا ٌ
أحيانان كما ينكب عنو مف المصطمحات في أكثر األحياف كاإلشارة كالمجاز كالبديع.
"اإليحاء ،أي التعبير غير المباشر فإذا كاف الرمز بمعناه االصطالحي الحديث ىك:
عف النواحي النفسية المستترة ،التي ال تقوى عمى أدائيا المغة في داللتيا الوضعية ،والرمز
ىو الصمة بيف الذات واألشياء ،بحيث تتولد المشاعر عف طريؽ اإلثارة النفسية ،ال عف
طريؽ التسمية والتصريح"(.)1
فقد عرؼ كثي انر مف أشعار المتقدميف كالذيف لـ يقصدكا إليو كانما يجيء حفك الخاطر،
فيككف في األدب محفكظان كال يفسد لو ذكقان ،أما المتأخركف فقد قصدكه قصدان ،كبالغكا في
تكظيفو فمـ يقتصر عمى األسمكب الرمزم فحسب كانما تجاكز ذلؾ كمٌو إلى أف صار المكضع
كمٌو رمزيان في كثير مف األحياف(.)2
فالرمز األسمكبي بمفكىمو العاـ في ككنو مجرد لفظ أطمؽ كأريد بو معنى خفيان ،فيطكل
حينئذ معنى المفظ الحقيقي لعالقة بيف المعنييف ،الحقيقي كالمجازم مما يجعؿ أسمكب األديب
يتراكح بيف الحقيقة كالمجاز كبيف المباشرة كاإليحاء ،فيككف النص كمٌو رمزيان ،كما ال يككف
مباش نار(.)3
كضح "بوؿ ريكور" ) (Paul Ricourعالقة الرمز باالستعارة حيث أشار إلى أف
كقد ٌ
االستعارة في الحقيقة ليست سكل إجراء لغكم أم شكؿ غريب مف أشكاؿ اإلسناد يختزف في
تزكد لمغة بعمـ داللة ضمني لمرمكز ،كما يبقى مختمطنا ،في الرمكز
داخمو قكة رمزية ،كما أنيا ٌ
ىك دمج شيء بآخر ،كدمجنا لألشياء كالتجارب الالنيائي بيف العناصر يتـ تكضيحو في تكتر
1ـ محمد غنٌمً هالل :األدب المقارن ،د ط ،دار العودة ،بٌروت ،لبنان ،1987 ،ص .398
2ـ ٌنظر :ابن معتز :طبقات الشعراء ،د ط ،تح :عبد الستار أحمد فراج ،دار المعارف ،مصر ،1956 ،ص .05
،1972 3ـ ٌنظر :دروٌش الجندي :الرمزٌة فً األدب العربً ،د ط ،دار النهضة مصر للطباعة والنشر ،القاهرة ،مصر،
ص .237
25
المنطكؽ اإلستعارم ،كيظؿ الرمز أكثر داللة مف االستعارة في ككنو يحمؿ ظاىرة ذات بعديف
بحيث يشير الكجو الداللي إلى الكجو الالداللي.
تتقيد بيا االستعارة ،فممرمز جذكر تدخمنا إلى تجارب
ككذا يعتبر الرمز مقيدنا بطريقة ال ٌ
غامضة مفعمة بالقكة ،أما االستعارات فميست سكل السطكح المغكية لمرمكز زىي تديف في قكتيا
عمى الربط بيف السطكح الداللية كالسطكح ما قبؿ الداللية في أعماؽ التجربة اإلنسانية لبنية
الرمز ذات البعديف"(.)1
إف كراء الكاقع أمك انر ربما ليس ليا معادؿ فكرم فيقكـ الحدس بدكره في مساعدة الرمز
عمى مجاكزة صعكبة المعرفة الككنية ،كتككف الرمزية كقتيا "محاولة الختراؽ ما وراء الواقع،
وصوالً إلى عالـ مف األفكار سواء كانت تعتمؿ داخؿ الشاعر ،ربما فييا عواطؼ أو أفكار
بالمعنى األفالطوني ،بما تشتمؿ عميو مف عالـ مثالي يتوقؼ إليو اإلنساف"(.)2
كبالطبع إف ىذه الميمة ال تكتفي فييا مجرد المجاكزة في الزمف ،كلكف البد مف الغكص
في التجربة الرمزية كاستخراج جكىر المغة الكامنة في العالقات بيف الصكر التي تتكحد فييا
مختمؼ األحاسيس المنغرسة في شعكر الشاعر ،كاستكشاؼ المككنات الداخمية داخؿ البناء
الشعرم ،كما يتشكؿ داخمو مف عالقات باطنية ،كما يحممو مف قيمة ايجابية تمثؿ قيمة الرمز
كسر متعتو.
ٌ
كاف استخداـ الرمز يظؿ مرتبطنا ارتباطنا كثيقنا بفكر اإلنساف كبكعيو كبميكلو كنزعاتو
الركحية كالعقمية ،فكممة رمز في اليكنانية "كانت تعني (قطعة مف خرؼ) أك مف أم إناء
ضيافة ،داللة عمى االىتماـ بالضيؼ ،كالكممة في أصميا مشتقة مف الفعؿ اليكناني الذم يعني
(ألقي في الكقت نفسو) ،أم ىك يعني الجمع في حركة كاحدة ،بيف اإلشارة كالشيء المشار
إليو"( ، )3أم أف فكرة التشابو بيف اإلشارة كالمشار إليو كانت مكجكدة في األصؿ.
1ـ ٌنظر :بول رٌكور :نظرٌة التأوٌل "الخطاب وفائض المعنى" ،ط ،1تر :سعٌد الغنمً ،المركز الثقافً العربً ،الدار
البٌضاء ،المغرب ،2003 ،ص 115ـ .116
2ـ تشارلز تشادوٌك :الرمزٌة ،تر :نسٌم إبراهٌم ،د ط ،دار الهٌئة ،1992 ،ص .46
3ـ هنري بٌر :األدب الرمزي ،تر :هنري زغٌب ،ط ، 1منشورات عوٌدات ،بٌروت ،لبنان ،1981 ،ص .7
26
إف الرمزية بشكؿ كاضح ىي طريقة أدبية تمتاز بكثرة مؤلفات ذات معنييف أعني بذلؾ
أف رمزيتيا تعتمد عمى القصة األسطكرية أك المجاز أك االستعارة ،كبصفة عامة كانت حقيقتيا
تتميز برد فعؿ عمى حقبة سابقة كاف الشعراء فييا ميتميف بإصابة المعنى كتدقيقو مع مراعاة
الكاقع ،كىكذا اتجو الفف نحك الحمـ كاألسطكرة ليأخذ منيا مكاضيعو ،كاجتيد أىمو أف يعطكا
ال في البعد ،كذلؾ باستيحائيـ معانييـ مف األفكار الفمسفية كالدينية.
لمؤلفاتيـ معنى مكغ ن
كاذا ما عرضنا لبياف الرمز بمعناه العاـ الكاسع ،فيك تعبير غير مباشر عف فكرة
بكاسطة استعارة ،أك حكاية بينيا كبيف الفكرة المناسبة ،كىكذا يكمف الرمز في التشبييات
كاالستعارات كالقصص األسطكرم كالممحمي كالغنائي ،كفي المأساة كالقصة كفي أبطاليا ،اتخذه
الناس قديما ليبركزكا قيمة الفكرة بكاسطة االستعارة الحسية ،أك ليخفكىا كما ىك الشأف عند
الصكفية.
كمف غايتو كذلؾ تزييف الفكرة كتجنب االعتراؼ الشخصي ،كلذلؾ يجب أف يظير
المؤلٌؼ مأساتو الشخصية في قالب مكضكعي ،سكاء كاف القالب حكاية أـ بطالف شبييا بو.
"وجيا مقنعاً عف وجوه التعبير بالصورة "( ،)1كيعتبره "تنداؿ" ىناؾ مف يرل الرمز:
) (Tindalفي كتابو (الرمز األدبي) " :تركيباً لفظياً أساه اإليحاء ػػػػ عف طريؽ المشابية ػػػػ بما
ال يمكف تحديده ،بحيث تتخطى عناصره المفظية كؿ حدود التقرير ،موحدة بيف أمشاج
()2
كعده آخر بأنو " :الداللة عمى ما وراء المعنى الظاىري مع اعتبار أف
الشعور والفكر " ٌ ،
المعنى الظاىر مقصود أيضاً" ( ،)3كاعتبركه أيضان" :ىو ما يتيح لنا أف نتأمؿ شيئاً آخر وراء
فالرمز ىو قبؿ كؿ شيء خفي وايحاء ،وانو المغة التي تبدأ حيف تنتيي لغة القصيدة،
النصّ ،
أو ىو القصيدة التي تتكوف مف وعيؾ بعد قراءة القصيدة ،إنو البرؽ الذي يتيح لموعي أف
يستشؼ عالماً ال حدود لو ،لذلؾ ىو إضاءة لموجود المحتـ واندفاع صوب الجوىر" (.)4
1
ـ عز الدٌن إسماعٌل :الشعر العربً المعاصر ،ط ، 5دار العودة ،بٌروت ،لبنان ،1988 ،ص .195
2
ـ محمد فتوح أحمد :الرمز والرمزٌة فً الشعر المعاصر ،ط ، 2دار المعارف ،القاهرة ،مصر ،1978 ،ص .41
3
ـ إحسان عباس :فن الشعر ،د ط ،دار صادر ،بٌروت ،لبنان ،1996 ،ص .200
4
ـ مصطفى السعدنً :البنٌات األسلوبٌة ،د ط ،منشأة اإلسكندرٌة ،1987 ،ص .72
27
تطرؽ أحد أقطاب الرمزية ،كىك "ميالرميو" ) (Malarméإلى الرمز ،كألمح إلى
كلقد ٌ
أنو" :فف إثارة موضوع ما شيئاً فشيئاً ،حتى يكشؼ في النياية عف حالة مزاجية معينة ،أو
ال عاطفياً ،وأضاؼ إذ ىذه العاطفة أو الحالة
ىو فف اختيار موضوع ما ثـ نستخرج منو مقاب ً
المزاجية يجب أف تستخمص عف طريؽ سمسمة مف التكشفات"(.)1
كمف خالؿ استعراض التعريفات السابقة يتضح لنا مدل االختالؼ كالتبايف في اآلراء
ككجيات النظر حكؿ مفيكـ الرمز ،كأنو لـ يخضع لتعريؼ كمفيكـ محدد ،كىذا راجع إلى أف
الرمز" :كمصطمح أدبي ليس لو معنى واضح ،فيو ضباب مشع أكثر منو منطقة محددة "(،)2
فال تكجد لو مكاصفات معينة في األدب كىك يعمك التحديد كالتعييف كما يمكف اعتبار الرمز مف
المفاىيـ التي" :تعرضت الستعماالت يصعب حصرىا خاصة ،واف كؿ عمـ يستخدمو بطريقة أو
بأخرى ،وىذا االنبياـ في ىذا المفيوـ ليس حاصالً بمجرد االنتقاؿ مف عمـ إلى آخر ،بؿ
"( ،)3باإلضافة إلى اختالؼ كثي ارً ما وجدناه يخضع الستعماالت متعددة داخؿ العمـ الواحد
المناىج التي يتبناىا كينطمؽ منيا الباحثكف ،كلكف عمى الرغـ مف اختالؼ الباحثيف حكؿ مفيكـ
محدد لمرمز ،فإف ىناؾ اتفاقان بينيـ يكمف في أف الرمز يقكـ كيعتمد عمى اإليحاء ،كتجاكز
السطح إلى العمؽ كالجكىر ،كتجاكز أشكاؿ الكاقع اليكمي ممتزجنا بالذات المبدعة كمتسقنا مع
رؤيتيا الفنية.
كاذا كاف اإلنساف قد عرؼ التعبير الرمزم قديمان ،ككاف استقدامو في األب يرجع إلى
األدب نفسو ،فإف التطكر الكبير كاليائؿ الذم ط أر عمى مفيكـ الرمز يعكد إلى ظيكر الحركة
األكؿ لمحركة في
الرمزية غي الربع األخير مف القرف التاسع عشر ،كذلؾ يعد صدكر البياف ٌ
18سبتمبر 1886ـ ،حيف أعمف "جاف مورياس" ) (Jean Manriacمبادئيا في صحيفة
1ـ تشارلز تشادوٌك :الرمزٌة ،د ط ،تر :نسٌم ٌوسف إبراهٌم ،الهٌئة المصرٌة العامة للكتاب ،القاهرة ،مصر ،1997 ،ص
.40
2ـ الولً محمد :الصورة الشعرٌة فً الخطاب البالغً والنقدي ،ط ، 1المركز الثقافً العربً ،لبنان ،1990 ،ص .189
3ـ المرجع نفسه :ص نفسها.
28
"الفيجارو" ) (Le Figaroكىي أف الرمزية عدك لمتعميـ كالتقدير كالخطابية كالمشاعر المزيفة
لكنو يعبر عف الفكرة كيبقى تابعان ليا.
كليس معنى صدكر أكؿ بياف لممدرسة الرمزية سنة 1886ـ ،أف ىذه السنة تعتبر البداية
الحقيقية لتبمكر ىذا المذىب األدبي ،كأنيا الحد الفاصؿ كالحاسـ بيف الرمزية كما سبقيا مف
مذاىب ،فمف الخطكرة أف يعمد المرء إلى تحديد تاريخ الحركات أك المذاىب أك المدارس األدبية
تحديدان صارمان كفؽ تكاريخ زمنية دقيقة ألف المذاىب األدبية متداخمة كمتشابكة كأف ظيكر
أحدىا ال يعني انسحاب كانزكاء غيره كمكتو ،بؿ تستمر آثار كأنصار المذاىب األخرل ،كبذلؾ
يجب أف يككف التحديد عمى سبيؿ التقريب ،كتكضح النزعة الغالبة عمى كؿ فترة مف فترات
التاريخ األدبي ،كبياف المكف الغالب عمى األدباء في كؿ منيا.
"والمدرسة الرمزية لـ تنشأ مف فراغ ،ألف ظيور أية مدرسة يكوف قد تـ التمييد ليا
بظروؼ وأحواؿ ومناخات مختمفة ،أدت إلى ظيورىا ،واستدعت انبثاقيا وفمسفات ارتكزت
رد فعؿ ضد بعض المذاىب األدبية التي فقدت
عمييا فكرىا واستندت إلى مبادئيا ،كما كانت ّ
الكثير مف مبررات وجودىا في تمؾ الفترة ،بحيث أصبحت غير قادرة عمى مواكبة العصر،
والتعبير عف روح المرحمة ،وفي بعض الفمسفات التي كانت سائدة ،وثبت عقميا وعجزىا،
فكاف البد مف مذىب جديد تتمثؿ فيو الحالة النفسية الجديدة ،وأسموب أدبي جديد ،يتمثؿ فيو
بطريقة ف ّنية الواقع النفسي لإلنساف ،فكاف المذىب الذي يعتبر دعوة لمغوص في أعماؽ
النفس وتعبي ارً عف االختالالت النفسية واالنفعاالت الالشعورية العميقة ،ولقد استندت
المدرسة الرمزية في انبثاقيا وتبمورىا إلى بعض األسس الفكرية ،والفمسفات المثالية التي
أثرت في نشأتيا ،وذلؾ بحكـ أنيا مذىب مثالي ،يحاوؿ االستعانة واالستفادة في سبيؿ
حيز الوجود ببعض األفكار والفمسفات التي تنسجـ مع طبيعتو ،وتساعد في
ظيوره إلى ّ
29
تقويتو ،فقد لفت أنظار الرمزييف فمسفة "أفالطوف" المثالية ،المتمثمّة في نظرية المثؿ ،والتي
تنكر العالـ المحسوس والواقع ،وال ترى فيو سوى رموز وصور العالـ المثؿ"(.)1
ككاف لمعكامؿ السياسية السيئة التي سادت فرنسا في تمؾ الفترة خاصة اليزيمة التي
منيت بيا فرنسا عمى يد األلماف فيما يعرؼ بحرب السبعيف أثٌر بالغ في زعزعة القيـ السائدة.
كبذلؾ تككف قد تضافرت عدة عكامؿ سياسية كاقتصادية ،كاجتماعية ،كثقافية كفنية عمى
الرمزية ،كتعبير عف رفض غير مباشر الكاقع ،كترل في الفف كؿ آماليا ،كقد أخذت
ظيكر ٌ
الرمزية صبغت المذىب األدبي في بداية الربع األخير مف القرف التاسع عشر.
كالقت الحركة الرمزية صدل ليا في األدب العربي ،حيث تأثر بيا بعض األدباء بنسب
األكؿ لمرمزية العربية.
مختمفة ،كيعد الشاعر الميجرم "جبراف خميؿ جبراف" المب ٌشر ٌ
كنستخمص مف كؿ ما سبؽ إلى أف الرمز يختمؼ عف الرمزية بالرغـ مف التأثرات
كاالستفادة المتبادلة بينيما فالرمز كسيمة كطريقة فنية لمتعبير ،استخدمو اإلنساف منذ أقدـ
كيميط المٌثاـ عف
العصكر ،كي يتعرؼ مف خاللو عمى الككف كالحياة كمظاىرىا كيتعمؽ فييا ،ه
معمياتيا ،كيفض أسرارىا ،كينظـ عالقتو بيا ،كأف االرتقاء بأساليب الرمز ،كتطكر مفيكمو لدل
المجردة ،ويعد
ّ اإلنساف يعني" :االنتقاؿ بالمغة مف مجرد تسمية األشياء والى تكويف المفاىيـ
(.)2
إنضاجاً لقدرة البشر عمى الوعي بمعالميـ ،وعمى صياغة عالقتيـ بو"
الفني تعتمد عمى اإليحاء باألفكار كالمشاعر ،ذك طبيعة
فالرمز إذف طريقة في األداء ٌ
تجريدية إيحائية ،تجعمو يأبى عمى التحديد كالتعييف ،كيعمك عمى التأطير ،كالمكاصفات المحددة:
"مفتوح الفضاء ،متجدد العطاء ،يستوحي مادتو األولية مف حقوؿ معرفية متعددة مف الطبيعة
ومعطياتيا ،والواقع وعالقاتو"(.)3
1ـ ٌنظر :نظرٌة المثل عند أفالطون :تر :سمٌر كرم ،ط ،6دار الطلٌعة ،بٌروت ،1987 ،ص 40ـ .41
2ـ عبد المنعم تلٌمه :مقدمة فً نظرٌة األدب ،د ط ،دار الثقافة للطباعة والنشر ،القاهرة ،1976 ،ص .22
3ـ محمد مصطفى كالب :الرمز ودالالته فً الشعر العربً الفلسطٌنً الحدٌث ،رسالة دكتوراه مخطوطة ،جامعة الفاتح،
،2002ص .12
30
فنية ظيرت في الربع األخير مف القرف التاسع عشر ،ككاف
أما الرمزية فيي مدرسة ٌ
كرد فعؿ عمى مذاىب أدبية سابقة ،كاستفادت مف أفكار
ظيكرىا نتيجة ظركؼ كعكامؿ مختمفةٌ ،
فالسفة مثالييف ،كشعراء سابقيف ،كديانات كليا أعالميا الذيف ساىمكا في تشكيميا كبمكرتيا،
كرسـ حدكدىا كارساء قكاعدىا ،ككضع قكانينيا.
فالرمزية إذف مدرسة كاضحة المعالـ ،مرسكمة الحدكد ،مبنية الخصائص ،مميزة
السمات ،محددة األىداؼ كالغايات ،تنشد المثؿ ،تنبذ الكاقع المحسكس ،كتتخذ مف المكسيقى
قدكة كمثالن ،كتؤمف بعالـ مف الجماؿ المثالي.
1ػػػػ 2ػػػ الرمز الصوفي:
يميز الشعر عند الصكفية اصطناع أصحابو ألسمكب الرمز في التعبير عف
مف أبرز ما ٌ
الرمز معنى باطف
" ّ كيبيف لنا الطٌكسي معنى الرمز عند الصكفية قائالن:
حقائؽ التصكؼ ٌ
مخزوف تحت كالـ ظاىر ،ال يظفر بو إالّ أىمو"(.)1
تعمدكا ابتكار معجـ خاص بيـ يقكـ عمى الرمز الصكفي،
المتصكفة ٌ
ٌ لذلؾ نجد أف
كيحمؿ خبايا كأسرار المغة الصكفية ،فالقارئ العادم لمشعر يفيـ فقط ما ىك ظاىرم ،لكف
الصكفي يفيـ ما كراء األلفاظ ألنو مف أىؿ الطائفة ييمـ باأللفاظ كالمصطمحات الصكفية،
باعتبار لغتيـ لغة اشارية ،تخضع لقكانينيا الذاتية كلتحكالت عالميا الخاص ،كال تتمثٌؿ المٌفظة
التصكؼ خبرة ذاتية بيف العبد كرٌبو ،مما جعؿ منو شيئنا قريبنا
ٌ بحدكد المعنى الظاىر ،باعتبار
الركحية ،التي ال يمكف التعبير عنيا باأللفاظ في معانييا العادية.
مف الفف ،كالبحث عف المٌذة ٌ
كفي ىذا الصدد يقكؿ "الكالباذي"" :اصطمحت ىذه الطائفة عمى ألفاظ في عموميا،
فأما أف
تعارفوىا بينيـ ورمزوا بيا ،فأدركو صاحبو ،وخفي عمى السامع الذي لـ يحؿ مقاموّ ،
يحسف ظ ّنو بالقائؿ فيقبمو ،ويرجع إلى نفسو فيحكـ عمييا بقصور فيمو عنيا ،أو بسوء ظ ّنو
بو فييوس قائمو وينسبو إلى اليذياف"(.)2
1ـ السراج الطوسً :اللمع فً التصوف ،د ط ،القاهرة ،1960 ،ص .414
2ـ الكالباذي :التعرف لمذهب أهل التصوف ،د ط ،القاهرة ،مصر ،1960 ،ص 88ـ .89
31
المتصوفة ،قد اشتققتـ
ّ كقاؿ بعض المتكمٌميف "ألبي العباس بف العطاء"" :ما بالكـ ّأييا
السامعيف ،وخرجتـ عف المساف المعتاد ،ىؿ ىذا إالّ طمب لمتمويو ،أو ستر
ألفاظاً أغربتـ بيا ّ
لعزتو عمينا كيال ،يشربيا غير طائفتنا"(.)1
لعوار المذىب ،فقاؿ :ما فعمنا ذلؾ إالّ لغيرتنا عميو ّ
المتصكفة إلى تكظيؼ ألفاظ
ٌ كيتضح مف خالؿ ىذا القكؿ تساؤؿ أحدىـ عف سبب لجكء
غريبة غامضة في شعرىـ كاستعماؿ لغة رمزية غير المغة العادية ،أيضان تساؤليـ حكؿ لجكئيـ
الرمزية
"أبي العباس" أنيـ لجأكا إلى ٌ إلى لغة الرمز كسبيؿ لستر أسرارىـ اإلليية ،كأجابو
لغيرتيـ كرغبتيـ في الحصكؿ عمى لغة خاصة لطائفتيـ.
التصكؼ راجع أساس إلى أنيـ
ٌ يميز الرمزية الصكفية في التعبير عف حقائؽ
أف ما ٌ
كقبؿ ٌ
الرمز في
نفسية إلى الغير في لغة األشياء المحسكسة ،ثـ أف استعماؿ ٌ
حاكلكا أف ينقمكا تجربة ٌ
المٌغة الصكفية ،أمر يعكد إلى قصكر المٌغة الكضعية نفسيا ،تختص بالتعبير عف األشياء
عبر أف
المحسكسة كالمعاني المعقكلة ،كيقكؿ "أبو حامد الغزالي" في ىذا الصدد " :ال يحاوؿ ُم ّ
يعبر عف الحقيقة الصوفية ،إالّ إذا اشتمؿ لفظو عمى خطا صريح ال يمكنو االحتراز عنو"(.)2
ّ
ارتبط الرمز عند الشعراء الصكفية بالتجربة التي عاشكىا ككرثكا فكرىا مف السابقيف
عمييـ ،فنبت في ترتبيا كجمع خالصة مغزاىا كفمسفتيا ،فكجدت فيو ىي األخرل حياتيا كمنفذ
التعيير األىـ عف مكنكف أسرارىا التي ال يجب أف يطمع عمييا غير أىميا ،كيعمف "ابف الفارض"
ال مف لغة المباشرة كالتصريح كيقكؿ:
أنو اعتمد عمى اإلشارة كالرمز بد ن
جوا ازً ألسرار بيا الروح سػػػػرت وأسماء ذاتي عف صفات جوانحي
بمكنوف ما تخفي السرائر حفت(.)3 رمػػػوز كنػػػػوز عف مػػػػػعاني إشػػػارة
كيقكؿ:
أشرت بما تعطي العبارة والذي تغطى فقد أوضعتو بمطيفة(.)4
1
ـ المصدر نفسه :ص نفسها.
2
ـ أبو حامد الغزالً :المنقذ من الظالل ،د ط ،القاهرة 1316 ،هـ ،ص .36
3
ـ ابن الفارض :الدٌوان ،د ط ،دار صادر ،بٌروت ،لبنان ،1972 ،ص .149
4
ـ المرجع السابق :ص .142
32
كيقكؿ أيضا:
(.)1
وآخر ما بعد اإلشارة حيث ال ترقى ارتفاع وضع أوؿ خطوتي
ال مف التصريح كالعبارة ،إلخفاء
أف استخدامو لمرمز كاإلشارة ،بد ن
فاألبيات تشير إلى ٌ
أف العبارة عاجزة عف التعبير عف مقدار المعارؼ
أسرار ال يجب البكح بيا ،باإلضافة إلى ٌ
المستكنة ،يكضح أنو إذا رمز شيء فإنو سيكضح ىذا الشيء بمطيفة ،كأظف أف ىذه المٌطيفة
ؾ شفرات النص ،كفتح ما أغمؽ مف
ىي القرائف التي يجعميا مصاحبة لمرمز حتى تساعد في ف ٌ
أبكاب فيمو كجالء ما غمض فيو.
األكؿ منيما ما كاف عف كعي كاتفاؽ
كقد كرد الرمز عند الصكفية عمى نكعيفٌ :
كمكاضعة ،كأخذ سمة االصطالح عمى نحك ما يعرؼ بػ " :االصطالحات الصوفية" كشأنو ىنا
النحاة ،كأىؿ اليندسة كالطب،
شأف االصطالحات العممية األخرل التي تكجد عند المناطقة ،ك ٌ
كغيرىـ ،كلجأ الصكفية منذ القديـ إلى استعماؿ ىذا الرمز خشية عمى معانييـ مف أف تضيع
كتيدد
حريتيـ ٌ
فتتقيد ٌ
ممف يفيمكنيا ،كخشية عمى أنفسيـ مف أف يينسبكا إلى الكفرٌ ،
عند غيرىـ ٌ
حياتيـ ،كبخاصة مف الفقياء الذيف يقكؿ عنيـ "ابف عربي" متبجحنا بمذىبو طاعننا في كالميـ:
الرسوـ عمى أىؿ اهلل المختصيف بخدمتو ،العارفيف
أشد مف عمماء ّ
أشؽ ،وال ّ
"وما خمؽ اهلل ّ
بو عف طريؽ الوىب اإلليي ،الذيف منحيـ أسراره في خمقو ،وفيميـ معاني كتابو ،واشارات
خطابو ،فيـ ليذه الطائفة مثؿ الفراعنة لمرسؿ عمييـ السالـ"(.)2
أما النكع اآلخر مف الرمز فيرجع إلى تمؾ الحالة الكجدانية التي يعانييا الصكفي مف
خالؿ تجربتو الصكفية ،كتمثٌؿ بالنسبة لو نكعان مف التكتر ،كاالنفعاؿ ال يستطيع الفكاؾ منو إالٌ
يعبر عف
مف خالؿ المغة كحركفيا ،كجرسيا ،لكنو في ىذا الكقت فقط ،كقد أف الصكفي أف ٌ
مكاجيده كأذكاقو ،فسكؼ يصطدـ بأسكار المغة التي تجعمو عاج انز عف التعبير عف حالتو
الصكفية ،كىي حالة مف الشعكر تختص بكيفيتيف ،فيي حالة عرفانية ،كحالة مف الفراسة
33
كالكشؼ المذيف يتعالياف عمى العقؿ ،كىي حالة ال يمكف اإلفصاح عنيا ،أم ال يمكف التعبير
يبرر بعضيـ المجكء إلى
عنيا بالمغة اإلنسانية العادية ،كتعرؼ فقط مف ثنايا التجربة ذاتيا كقد ٌ
ىذا األسمكب عمى أنو نمط مف أنماط التكاصؿ الفكرم التي يستطيع الصكفي أف يكصؿ فييا
معانيو ،كتقريبيا إلى أذىاف العامة ألنو ال يجد كسيمة أصمح منيا ،كقد يبدك ىذا التعميؿ أقرب
الصحة كأدنى إلى القبكؿ ،ألف العمـ بخفايا عالـ الغيب المجيكؿ الذم ينكشؼ في رؤيا
ٌ إلى
جذبية قمٌما يحتاج إلى اإلدعاء بأنو ليس في المقدكر تبيانو دكف المٌجكء إلى صكر كمشاىد
ٌ
منتزعة مف عالـ الحس.
ليذا فقد اتخذ الصكفية ليـ لغة خاصة تقكـ عمى استعماؿ الرمز في كالميـ كأدبيـ ألف
الرمكز" :أقدر عمى التعبير عف عمؽ التجربة الوجودية الصوفية ،ألنيا عميقة ال تنتيي
ىمو في إدراؾ الباطف،
الداللة فييا عند ظاىرىا ،فإف وقؼ المتمقي عند الظاىر ،ولـ يجعؿ ّ
( ،)1كىذا أحد وقؼ دوف مقصود البحث ،ألف الرمز كالـ يعطي ظاىره ما لـ يقصده قائمو"
الدكافع التي أدت إلى تأسيس ىذه المغة الشعرية الخاصة إضافة إلى دكافع أخرل:
أ ػ ػ جعؿ األسمكب الرمزم قناعان يستركف بو األمكر التي رغبكا أف يكتمكىا ،كذلؾ بسبب
البيف بيف الفقياء كبينيـ ،كعدـ فيـ الفقياء لمعانييـ كرمكزىـ.
الخالؼ ٌ
ب ػ ػ األسمكب الرمزم ىك الطريؽ الكحيد الممكف الذم مف خاللو يستطيعكف التعبير عف
رياضتيـ الصكفية كعمميـ بخفايا األمكر التي ال تنكشؼ إال ألىؿ الحقيقة.
جػ ػ ػ الشعكر بأف المغة المألكفة عند الناس جميعان ال تستطيع التعبير عف أفكارىـ كمعانييـ فيـ
إذف" :في حاجة إلى إيجاد لغة جديدة ،والرمز ىو المغة التي يجب أف يتعامؿ بيا كؿ مريد مع
غير جنسو "( ،)2ذلؾ أف التعبير بالرمز" :ىو وحده الذي يمكف أف يقابؿ الحالة الصوفية التي
ال تحدىا كممة ،والذي يمكف بالتالي أف يخمؼ المعادؿ التخيمي ليذه الحالة ،إنو تعبير ال
يخاطب العقؿ بؿ القمب ،وما يستجيب في النفس لمسحر وكؿ ما يخرؽ العادي المألوؼ،
، 1منشورات زاوٌة ،الرباط ،المغرب،2007 ،ص 1ـ رضوان الصادق الوهابً :الخطاب الشعري الصوفً والتأوٌل ،ط
.195
2ـ سالم عبد الرزاق سلٌمان المصري :شعر التصوف فً األندلس ،د ط ،دار المعرفة الجامعٌة ،مصر ،2007 ،ص .167
34
فكما أف الحالة الصوفية ال يحكميا مقياس الحس والعقؿ ،كذلؾ ليس في مقدور لغة
االصطالح والوضع أف تعبر غماً يتناقض مع االصطالح والوضع ،وىكذا فإف لغة الصوفي
ىي بالضرورة الباطنية سرية ،وىي شأف جميع األشياء السرية الباطنية ،ال يمكف فيميا
بمنطؽ ظاىر ،وانما يجب فيميا بمنطقيا ىي ،بمنطؽ الباطف وحقائقيا وأبعادىا"(.)1
إف الصكفي يسعى بكؿ طاقتو إلى المقدس كسط عالـ مف المدنس ،كيحتاج إلى إشباع
ىذه الرغبة المتعالية ذات البعد الميتافيزيقي إلى تكظيؼ لغة خاصة قادرة عمى تجسيد ىذا
التجمي اإلليي ،لغة ىي نكع مف الخمؽ ،فف يحاكي كيتماىى مع ما صنعو اهلل حيف خمؽ
العالـ ،فالمغة الشعرية عند الصكفية ،فعؿ كينكنة يمدح األسماء األشياء كلمكجكد كالحياة ،كيعيد
توحد العالـ وتظير
صحة ىذه المقكلة التي ترل " :أف ىذه المغة ىي التي ّ
تعيينيا كىذا ما يؤكد ٌ
الباطف ،وتفني البشري وتستحضر اإلليي ،إنيا بالفعؿ حالة مف العشؽ ،وفعؿ وجود ومعرفة
وما يمحو أليو بيف العاشؽ والمعشوؽ ،ويحقؽ اإلدراؾ بالكشؼ ،ويستبطف المعاني الخفية
لموجود"(.)2
كفي نفس المنحى نجد المغة الصكفية لغة غامضة كمغمقة ،كلكي تفيـ البد لمقارئ أف
يعيش التكتر نفسو ،كيعيش حالة السكر التي يصؿ إلييا الشاعر ،أما الذم يقؼ عمى حافة
التجربة ،فمف يناؿ مف النص إالٌ ظاىره ،لذا عميو في العمؿ عمى تفكيؾ الرمز كالبحث في
المرجعية الصكفية(.)3
حيث يفيـ مف ىذا أف المغة الصكفية غامضة لما تحتكيو مف رمكز كاشارات راجعة إلى
المعجـ الصكفي ،كلكي يفيـ المتمقي النصكص الصكفية عميو أف يرجع إلى ذلؾ المعجـ ،كيقكـ
بتفكيؾ تمؾ الرمكز ،باإلضافة إلى اإلحساس بتمؾ التجربة ،كيعيشيا حتى يكشؼ عنيا.
"ومف ثمة مف غير العادي والخارؽ غير مرئي ال يمكف التعبير عنو باالستعماؿ
الشائع لمغة ومفرداتيا ،لذا ابتكر الصوفية معجـ لغوي ،الذي ينشأ مف باطف التجربة
1ـ أدونٌس :الثابت والمتحول ،د ط ،دار العودة ،بٌروت ،لبنان ،1977 ،ص .95
2ـ سفٌان زدادقة :الحقٌقة والسراب ،ط ، 1منشورات االختالف ،الجزائر ،2008 ،ص .228
3ـ المرجع نفسه :ص .232
35
المتميز باعتماده الرمز واإلشارة والمعنى
ّ الصوفية ال مف خارجيا ،ففي الخطاب الصوفي
مميزة
تحولت إلى مفردات ّ
المكثؼ تتردد مفردات كثيرة ،مع االستعماؿ المتواصؿ والمتواتر ّ
موحداً،
مشكمة معجماً صوفياً وفي الحقيقة أف االستخدامات الصوفية ليذه المفردات ليس ّ
فيناؾ فروؽ دقيقة واختالفات ،واف كانت في مجمميا ال تخرج عف اإلطار العاـ ليذا الخطاب
وطبيعة التجربة"(.)1
فمغة المتصكفة لغة كشؼ كليست لغة كصؼ ،يمكف التحدث عنيا عف طريؽ الرمز
كاإليحاء لذلؾ" :كاف لمصوفي ال يتعامؿ مع الموجودات كأشكاؿ طبيعية ،ولكف كيندسة أو
فضاء ىندسي رمزي ،ومقدس يحمؿ في التواءاتو وامتداداتو سر المعاني اإلليية وىكذا أدرؾ
الصوفي المعاصر كيؼ ينفذ إلى ما وراء المألوؼ ويندفع نحو المطمؽ والدائـ حتى تصبح
الكتابة في حد ذاتيا نوعاً مف التجربة "(.)2
معناه أف لغة المتصكفة رمزية عف طريؽ الكشؼ كالمجاىدة كالتأكيؿ فيي تبحث عف
عز كجؿ.
التقرب مف اهلل ٌ
المقدس قصد ٌ
مجرد التعبير االختيارم فإف الياجس الذم
ىـ الصكفي غالبان ٌ
كفي سياؽ مماثؿ لـ يكف ُّ
يساكف حالو دكمنا ،ىك كيفية التبميغ ،كتبميغ كجد الصكفي إلى غيره ،ال يمكف إال أف يككف تقريبنا
كتمميحان بكاسطة لغة العرؼ المشترؾ عممان بأف ىذه المغة غالبان ما تعجز عف تصكير أكثر
إما في االغراؽ أك
المشاعر مكضكعية ،لذا كاف الصكفي ،ميددان في تبميغو بتجربتو ،بأف يقع ٌ
اإللباس" :فإف آثر مف األلفاظ ما يختص بتجربتو لـ يكف إال ُم ْغرباً ،واف اختيار مف األلفاظ ما
بتداولو الناس لـ يكف إال ممبسا"(.)3
36
أف" :الكتابة الصوفية تشويش لنظاـ العالـ ،وأدوات
كيأتي قكؿ "أدونس" في ىذا الصدد ٌ
معرفتو ،وىي بوصفيا تعبي ارً ،تشويش لنظاـ الكالـ المألوؼ.)1("...
"وأدونس" ىنا يرل أف الشعراء الصكفييف كجدكا القيـ التي استخدمكىا نحك رؤيتيـ لمككف
كالحياة ،كحاكلكا تجاكز الكاقع السطحي نحك عالـ المطمؽ كالباطف المستتر ،كما أف الكتابة
الصكفية صكرة عمى المفاىيـ العقمية كمنطؽ األشياء .كلعؿ الدافع في استحضار الرمز كايثاره
ىك تيقف الصكفي كادراكو لمدل صعكبة تجاكب المتمقي مع تجربتو لعمقيا ككثافة دالالتيا،
كسبب ذلؾ ىك عجز الصكفييف في طكاؿ األزمنة مف إيجاد لغة لمحب اإلليي تستقؿ عف لغة
الحب الحسي فيمضي الشاعر إلى العالـ الركحي كمعو مف عالـ المادة أدكاتو كأخيمتو التي ىي
عدتو في تصكير عالمو الجديد ،فالمعاني الحسية التي يستعمميا الصكفيكف في الداللة عف
ٌ
المعاني الركحية يرمزكف بيا إلى مفاىيـ كجدانية عمى الرغـ مف الرداء المادم الذم تبدك فيو،
كمف ثـ استعمؿ الصكفيكف الكصؼ الحسي كالغزؿ الحسي كالخمرة الحسية كأرادكا بيا معاني
ركحية(.)2
فالصكفية يطمقكف الخمرة كالعيف كالخد كالشعر كالكجو ،ألفاظ ترمز إلى مدلكالت غير
تمؾ التي تعارؼ عمييا الناس في دنيا الحس ،فيخرجكف بيا عف المكضعات المغكية
كالمصطمحات العادية ليمبسكىا معانييـ كأسرارىـ يس ٌدا لمذريعة كدفعاي لمتيمة ،أك تخفيفان لحرج ،أك
مممة(.)3
ٌ
فالرمز ىك الكسيمة الكحيدة الذم يمكنو أف يقابؿ الحالة الصكفية التي ال تحدىا الكممة
لذلؾ فإف المغة الصكفية بإشاراتيا كرمكزىا عالـ خالص يصعب عمى مف ليست لديو دراية ،أف
ينفذ معانييا ،لذا فمغتيـ مستقاة مف المعجـ الخمرم أك الغزلي لمتعبير عف مجتيـ اإلليية
كسكراتيـ كغيابيـ(.)4
1ـ أدونٌس :الصوفٌة والسرٌالٌة ،ط ، 1دار الساقً ،بٌروت ،لبنان ،1992 ،ص .03
2ـ ٌنظر :علً الخطٌب :اتجاهات األدب الصوفً بٌن الحالج وابن عربً ،دار المعارف ،مصر 1404 ،هـ ،ص .12
3ـ المرجع نفسه :ص .12
4ـ ٌنظر :عاطف جودة نصر :الرمز الشعري عند الصوفٌة ،ط ، 3دار األندلس ،بٌروت ،لبنان ،1983 ،ص .63
37
كعمى صعيد مغاير كجدت صمة بيف الرمزية كالتأكيؿ كىي التي تحتـ عمى قارئ الشعر
الصكفي أف يتكسؿ في االغتراب منو ،منيج التأكيؿ ،فمـ يعتمد الشاعر الصكفي بشكؿ خاص
أما رموزه فأكثر ما تتجمى في عزلو المادي عمى اإليحاء في األلفاظ في إبراز معانييا" ،
وخمرياتو ،فيما يتخذ الشاعر الصوفي التعابير المادية كالقباب واألطالؿ والرسوـ ،والربوع،
وأوصاؼ الحسية الجسدية ،وأسمائيا اإلنسانية ،واليجرة والبعد والمناجاة ،والخمرة ،واأللحاف
والنديـ ،والكأس ،كالرموز إلى مكاف أو مقامات أو أحواؿ الصوفية حيث يشير بعضيـ إلى
أنيا تخدـ أغراضا صوفية"(.)1
كمف نماذج رمكز الشعر الصكفي نجد "ابف عربي" الذم كاف شعره كنثره يمتاز "بالرمز
واإليحاء واإليجاز الشديد إلى حد اإلبياـ وما يوافؽ ذلؾ مف غموض" ،فابف عربي" مف أكثر
المتصوفيف الذيف تحسسوا أىمية مكانة األنباء بالنسبة إلى األفالؾ فرتّبيـ ترتيباً وجعؿ ليا
رمو ازً لتحوالت وتجميات يستكمميا الصاعد في معراجو ،قبؿ الصوؿ إلى سدرة األنبياء
المنتيى التي تنتيي عندىا أعماؿ العباد والمثوؿ بيف يدي نور الحضرة اإلليية"(.)2
صكر
كيتضح لنا مف ىذا أف "ابف عربي" ألٌؼ كتابان كامالن "اإلسراء إلى مقاـ األسرى" ٌ
مسجع تغمب
لنا عركج الركح مف عالـ الككف إلى عالـ األزؿ ،حيث صاغ ىذا الكتاب بأسمكب ٌ
عميو الرمكز كاإلشارات الصكفية ،ككظؼ استعارات تحمؿ معاف مزدكجة ،كرمزية تكشؼ عف
أسمكب رمزم.
كمف ىنا يقؼ الصكفي بيف االغتراب كااللتباس ،ثـ ال يجب بدأ أف يسمؾ سبيؿ الرمز
كاإلشارة ،في التعبير عف مكاجيده كخكاطره ،كدقائؽ أس ارره فتارة يستعيف بالخمرة كما تحدثو في
شاربيا كتارة أخرل يغمب عميو استخداـ رمز المرأة تجسيدنا لمعانيو القرب كالحب األسمى ،كمف
ثـ يزخر أدب الصكفية خاصة بأسماء األنثى مثؿ "ليمى" ك"لبنى" كيريدكف بحب المرأة محبكبيـ
األعمى كما يقكؿ أحد الشعراء الصكفييف:
1
ـ نور سلمان :معالم الرمز فً الشعر الصوفً العربً ،د ط ،الجامعة األمرٌكٌة ،بٌروت ،حزٌران ،1954ص .04
2
ـ نذٌر العظمة :المعراج والرمز الصوفً ،د ط ،دار البحث ،د ت ،ص .42
38
وآونػػػػػو (سعػػػػدى) وآونػػػػػػػو (ليمى) أسميط (لبنى) في نسيبي تػػػارة
واال فمف (لبنى) فتتؾ ومف (ليمى) (.)1 حذار مف الواشيف أف يفطنوا بنا
باإلضافة إلى "ابف الفارض" سمطاف العاشقيف" ك "الحالج" ك "ذو النوف المصري" كؿ
ىؤالء يستدعكف الرمز في شعرىـ كقصائدىـ ،كيمجأ إليو في كشؼ مكنكناتيـ كأسرارىـ.
1ػػػػ 3ػػػػ رمز المرأة (الحب اإلليي):
حي ناز ىامنا ضمف المساحة الكاسعة لمتراث الفكرم العربي
يشغؿ الخطاب الصكفي ٌ
كاإلسالمي ،فقد انتشرت تصكراتو في مختمؼ بقاع العالـ العربي كاإلسالمي ،كما استطاعت
أفكاره أف تتج ٌذر كتستقطب شرائح كاسعة مف المريديف كالمناصريف كأف تثير غضب فئات
عريضة مف الخصكـ كالمناكئيف.
جدة في معالجة العديد مف
كنظ انر إلى أصالة كفرادة الخطاب الصكفي كما حممو مف ٌ
اإلشكاالت كالقضايا التي تعج بيا المجتمعات اإلسالمية فإننا ارتأينا تخصيص ىذا المقاؿ
لالنفتاح عمى ىذا الخطاب كالتعرؼ عمى تجربتو السيما في عالقتو بالمرأة.
لكي تنكشؼ لنا رمزية المرأة في الخطاب الصكفي البد لنا أف نتعرض لمقكلة جكىرية
ىي مقكلة الحب .تتأسس تجربة الحب كتسمك عبر اجتيازىا لثالث اختبارات في مسار
تصاعدم ،كتتضح ىذه التجربة في تمييز ابف عربي بيف ثالثة أنكاع مف ىذا الحب" :فاعمـ أف
الحب عمى ثالث مراتب ،حب طبيعي وىو حب العواـ وغايتو االتحاد في الروح الحيواني،
فتكوف روح كؿ واحد منيما روحاً لصاحبو بطريؽ االلتذاذ واثارة الشيوة ونيايتو مف الفعؿ
النكاح ( ، )...وحب روحاني نفسي وغايتو الشبو بالمحبوب مع القياـ بحؽ المحبوب ومعرفة
قدره ،وحب إليي وىو حب اهلل لمعبد وحب العبد ربو.)2( "...
39
صنفكا الحب باعتباره تكحيدان بيف
كنالحظ مف خالؿ تصنيؼ "ابف عربي" أف الصكفية ٌ
الركحي كالطبيعي ،بيف اإلليي كاإلنساني ،لكف أكمؿ المحبيف مف الصكفية ىـ الذيف يحبكف اهلل
لذاتو كلذكاتيـ في آف كاحد.
اتخذ الصكفية مف األنثى رم انز مكحيان داالن عمى الحب اإلليي ،كحاكلكا التأليؼ بينيما،
ألف األنثى تمثؿ رم ناز مف رمكز الجماؿ المطمؽ ،كحيف يبثٌيا الشاعر كجده فإنما ىك في الحقيقة
عما ترمز إليو ،إلى الحؽ كالجماؿ إذ الحؽ كما يقكؿ "ابف عربي"" :ال يشاىد مجرداً عف
يعبر ٌ
ٌ
غني عف العالميف ،فإذا كاف األمر مف ىذا الوجو ممتنعاً ولـ يكف
المواد أبداً ألنو بالذات ّ
الشيود إال في مادة ،فشيود الحؽ في النساء أعظـ الشيود وأكممو" (.)1
كمف ثـ يجعؿ التغزؿ بيف كالتشبيب لتعشؽ النفكس ىذه العبارات فتكاتر الدكاعي عمى
اإلصغاء إلييا كىك لساف كؿ أديب ظريؼ فيقكؿ:
أو نساء كاعبات نيػػد طالعػػػات كشمػػػوس أو دمػػػػػػػا
منو أسرار وأنوار حمت أو عمت جاد بيا رب السمػػػػػػا
لفؤادي أو فؤاد مف لو مثؿ مالي مف شػروط العممػػػػاء
صفػػػػة قدسػػػػػية عمويػػػػة أعممػػػػت أف لصػػػػػدقي قػػػػػدما
فاصرؼ الخاطر عف ظاىرىا واطمب الباطف حتى تعمما(.)2
ال يقصد باأللفاظ معناىا الظاىر إنما يريد معنان خاصان بو كبالعارفيف ،كيمجأ إلى ذكر
ألفاظ النسيب في الغزؿ ليجذب السامع كيستكلي عمى ٌلبو كعاطفتو كيقرب مشاىد التجمي
اإلليي إلى النفس.
"أف اهلل أعظـ ظيكر هلل تعالى ىك تجمٌيو في المرأة لمرجؿ كفي الرجؿ لممرأة ،كذلؾ:
وتودداً إليو فيو الودود ،ثـ ينفخ فيو مف روحو
أوجد ىذا المخموؽ المسمى إنساناً حباً لو ُ
1
ـ ابن عربً :فصوص الحكم ،تح :أبو العال عفٌفً ،ط ، 2دار الكتاب العربً ،بٌروت ،1980 ،ص .333
2
ـ ابن عربً :ترجمان األشواق ،د ط ،دار بٌروت للطباعة ،لبنان ،1981 ،ص .10
40
سما امرأة ،فظيرت ىذه المرأة
فما اشتاؽ إال لنفسو ،ثـ اشتؽ لو منيا شخصاً عمى صورتو ّ
فحف إلييا الشيء لنفسو ،وحنت إليو حنيف الشيء إلى وطنو"(.)1
بصورة تشبو صورتو ّ
كىذا ما جعؿ شعراء الصكفية يضربكف بالمرأة المثؿ لمجماؿ اإلليي ،كيتخذكنيا رم ناز
لمذات اإلليية ،كيقكؿ "الدسوقي" مبينان أف ما يذكره مف أسماء إنما يشير بيا في الحقيقة إلى
الذات اإلليية التي ىي محبكبتو الحقيقة:
وما شيدت عيني سوى عيف ذاتيا ألف سواىا ال يمـ بفكػػػرتي
بذاتي تقوـ الػػػذات في كػػػػؿ زروة أجػػػػدد فييا حمػػػػػة بعد حمػػػػة
أنا موجد األشياء مف غير حاجة بكره كاف الكوف مف غير التي
فميمى وىند والربػػػاب وزينػػػػػب وعمػػػػػػوا وسمػػػػػمى بعػػػػدىا بثينػػػػة
عبارات أسمػػاء بغير حقيقة وما لوحوا بالقصػػػد إال بصػػػورتي(.)2
نستنتج عف السياقات السابقة أف حب الصكفي لممرأة تجربة ضركرية كامتحاف عسير
البد مف خكض غماره قبؿ كلكج تجربة الحب اإلليي كالفناء في حضرة اهلل تعالى .فحب المرأة
"ابف عربي" شرط لتذكؽ الحب أداة لمكصكؿ إلى الحب اإلليي ،إف الحب اإلنساني بحسب
اإلليي ،لذلؾ فالكعي بعممية اتصاؿ الذكر باألنثى مف شأنو أف يثير كعي اإلنساف بعممية
الخمؽ األكلي :فتككف األنثى في ىذه الحالة أداة مف خالليا ينتقؿ كعي اإلنساف مف اإلنساني
األرضي إلى الكجكدم السماكم.
" يذىب المتصوفة إلى القوؿ بال نيائية صور التجمي إذ ليس ليا حد تنتيي عنده ،وأف
اهلل في تجمّيو ال يتكرر ،فال يتجمى بصورة واحدة مرتيف وأف كؿ تجمي يعطي خمقاً جديداً
ويذىب بخمؽ...في ىذا اإلطار تبرز المرأة بوصفيا رم ازً عمى اهلل المتجمي في شكؿ محسوس
وصورة فيزيائية"(.)3
1ـ صالح الدٌن التٌجانً :الكنز فً المسائل الصوفٌة ،د ط ،الهٌئة المصرٌة العامة للكتاب ،مصر ،1999 ،ص .130
2ـ الدسوقً :جوهرة الدسوقً ،ط ،1القاهرة ،مصر ،ص .114
3ـ عاطف جودة نصر :الرمز الشعري عند المتصوفة ،ص .143
41
كىنا يمكف أف نعايف التركيب المزدكج لمحب الذم يجمع بيف الطبيعي كالركحي ،ىكذا
ينشط الخياؿ اإلبداعي لممتصكؼ متجيان في فعالية إلى التكحيد بيف العمك المتجمي كالصكرة
التي تجمى فييا(.)1
إف جماؿ المرأة تجمي مف تجميات اهلل تعالى ،كمظير مف مظاىر عظمتو ،لذلؾ فإف
"وتنكشؼ األنثى بوصفيا تجسيدا لمحب اإلليي الذي حب المرأة ميزت نبكم كعشؽ إليي
يحيؿ إلى تجمي الالىوت في الناسوت ،وشفرة أستطيقية توحي بانسجاـ الروحي والمادي،
والمطمؽ والمقيد في األشكاؿ المتعينة"(.)2
كفي ىذا السياؽ نالحظ احتفاء الصكفية بالمرأة كحديثيـ عف األميات كاآلباء األكائؿ
كالتكلج الحسي كالمعنكم داخؿ إطار ككني حي ،ككمثاؿ عمى اإلعالء لمكانة المرأة يقكؿ "ابف
عربي"" :إف اإلنساف ابف أمو حقيقة ،والروح ابف طبيعة بدنو وىي أمو الذي أرضعتو ونشأ
في بطنيا وتغذى بدميا ،واف مف وقفو اهلل وكرـ عبوديتو ،رجع جانب أمو ألنيا أحؽ بو
لظيور نشأتو ووجود عينو ،فيو ألبيو ابف فراش وىو ابف ألمو حقيقة "(.)3
تتجمى األسماء اإلليية الجمالية في األنثى ،فالمرأة ىي النمكذج األعمى لمجماؿ
األرضي ،كتأمؿ جماؿ المرأة بؿ كتمثؿ الجماؿ الخاؿ لممرأة عبر الحب سبيؿ إلى معرفة اهلل.
إف مغامرة الخطاب الصكفي في تجربة كصؼ جماؿ المرأة كحب األنثى تبمغ منتياىا
في بمكغ إدراؾ باطني لمجماؿ اإلليي إنيا مسيرة شاقة تبدأ مف" :النسبي المقيد والدنيوي وتصؿ
إلى مراتب المطمؽ الالمتناىي والمقدس ،وليذا كاف الشاعر الصوفي في دروب جماؿ المرأة
مقيد ،عتبة لالنطالؽ نحو عوالـ المطمؽ التي تدعوا ممحة لالقتراب منو "(.)4
42
ككذلؾ يذىب "السورياليوف" إلى تمجيد المرأة بشكؿ تعبدم ،كيركف أنيا مخمكؽ مختار،
جنية كليا مكانيا في صكفية إنسانية ىي التي تمقف أصكليا ،كتفتح المرأة لمشاعر باب جنة
إنيا ٌ
المجز أف يتكحد بذاتو كلحب ىنا
ٌأ األشكاؿ كالماىيات في الكجكد ،فالمرأة ىي التي تسمح لمرجؿ
صعكد نحك المقدس بؿ إف مفيكـ المقدس كما يقكؿ "بنياميف بيريو" ) (Benyamine Birryيجئ
مباشرة مف الحب ،كدكنو ال يمكف فيـ أم مقدس ،ك "بميياـ" ) (Bilhiamيتجاكز اإلنساف نفسو
كالمرأة ىي التي تخمٌصو مف تفاىة اليكمي ألنيا تجسد س نار مشاركتيا في الحياة الككنية إنيا
تحقؽ طمكح السكريالية بالكصكؿ إلى اإلنساف الغير المتمكضع ،كما لك أنو لـ يخمؽ بعد.
فتجسد بذلؾ الحرية الكامنة كىكذا تككف المرأة مستقبؿ الرجؿ كخالصو كقدره(.)1
ٌ
كفي نفس السياؽ تعد المرأة غياب في التجربة السكريالية ،كلغة الحب عندىـ ىي لغة
سر أك سحر ،فعالقة العاشؽ مع اهلل تتحكؿ إلى عالقة بيف
الغياب ،كالمرأة ىي ما ال يناؿ ٌ
محب كمحبكب ،فالمرأة كمثؿ اهلل غياب ،مف حيث أنو يظ ٌؿ بعيدنا عمى الرغـ مف قربوٌ ،إنو ال
ٌ
يناؿ لحظة أف يككف في متناكلنا(.)2
إف المتقرب مف شعر "ياسيف بف عبيد" ،ال يخطئ مالحظة شدة احتفاءه بالعنصر
ال بالداللة عمى المحبة اإلليية،
األنثكم ،كبالحب اإلليي ،كقد كانت المرأة فيو رم ناز حينا مثق ن
فتضافر بذلؾ الحب الركحي مع الحب اإلنساني" ،ومف المعروؼ أف المتصوفة قد عجزوا عف
استحداث لغة خاصة بيـ في مسألة الحب ولذلؾ كاف شعرىـ في الحب يحتمؿ معنييف ،معنى
الحب اإلنساني ،ومعنى الحب اإلليي ،أما الرموز فيي نفسيا في الشعر العربي الغزلي
المعروؼ"(.)3
يتسف التعبير عف الحب الركحي ،إال مف خالؿ تمؾ األساليب الشعرية الغزلية التي
ٌ إذ لـ
تطكرت كصقمت عبر تجارب الشعراء في الحب اإلنساني عمى مدل األزماف" :إذ تعتبر المرأة
1ـ ٌنظر :أدونٌس ،الصوفٌة والسورٌالٌة ،ط ، 2دار الساقً ،بٌروت ،لبنان ،1990 ،ص 110ـ .111
2ـ المرجع نفسه :ص 112ـ .113
3ـ السراج الطوسً :اللمع ،تح :عبد الحلٌم محمود وطه عبد الباقً سرور ،دار الكتب الحدٌثة بالقاهرة ،مصر ،1960 ،ص
.63
43
لدى أقطاب الصوفية ،قمة التجمي اإلليي فيي الوسيط األمثؿ لموصوؿ إلى الجماؿ المطمؽ
ألف الحؽ ىو الجماؿ األ زلي المطمؽ المعشوؽ عمى الحقيقة في كؿ جميؿ" (.)1
ففي ديكاف "ياسيف بف عبيد" " معمقات عمى أستار الروح" نممس كجكد السمة الصكفية
بشكؿ كاضح ،كقد أشار إلى ذلؾ الشاعر المبناني "محمد عمي شمس الديف" في مقدمة الديكاف
حيث يقكؿ" :فمفردات الوجد الصوفي مف الخفاء والتجمي ،والحب والمرض في الحب،
والطريؽ والسالؾ ،والروح وغصوف الروح ،والنار والميؿ والمجاذيب ،والتيو وجمر التوجس،
عدة الشاعر في قصائده ،وىي
والجمر األخضر ،وليمى والتجريد والتوحد...كؿ ذلؾ وسواه ىو ّ
قصائد عزؿ بؿ قصائد حب ،وربما ذكرتنا ببعض عزؿ ابف الفارض"(.)2
يقوؿ ياسيف بف عبيد في قصيدة "عائد...مف سفر التمويف":
أنػا وحػػػدي عمى نػػػػػداؾ دلػػػػي ُؿ سػػػاحر أنػػت باندى مقمتيػػيا
وطريػقي ومػػا انطمقػػػػت طويػػػؿ الح في دجػػاي نجػػػػـ بعيػػػػػد
ممكف لي الوصو ُؿ أـ مستحيؿ (.)3
ٌ لست أدري وىا قريب صداىا
فالقصيدة حافمة بالدكاؿ التي ترمز لممرأة مثؿ( :المقمتيف ،الصدل ،الكصؿ) كلكف المرأة
الحسية لتتحكؿ إلى رمز ركحي شفٌاؼ يحمينا عمى
ٌ في ىذا النصب تتخمى عف صكرتيا المادية
كيعمؽ مأساتو في إمكانية الكصاؿ مف عدمو
لب الشاعرٌ ،
يعيد ٌ
العشؽ الصكفي الذم ٌ
بالمحبكب ،الذم يستعير لو أسماء شخصيات الغزؿ العذرم كعمى رأسيـ شخصية (ليمى) التي
تحظى بمركز ىاـ في تجارب الشعراء الصكفييف ،كما نجدىا في قصيدة "أنا في ىواىا جممة".
ػػػػػػي ُد
الرؤى أـ تََن ّ
ونار ليمى في ُّد
ُ شعار في اليػػػوى أـ تػػػردُّدد
ٌ لميمى
ولكنػػػػػػيا ليػػػػػػمى بػػػػيا تتَسػػػػػػػػَ ّيد َت
عيوني أرانيػػػيا اليػػػوى ُج ُز ارً َنأ ْ
1ـ محمد كعوان :شعرٌة الرؤٌا وأفقٌة التأوٌل ،ط ، 1اتحاد الكتاب الجزائرٌٌن ،الجزائر ،2003 ،ص .75
2ـ ٌنظر :مقدمة دٌوان ٌاسٌن بن عبٌد (معلقات على أستار الروح) ،منشورات دار الكتب ،الجزائر ،2003 ،ص .09
3ـ المرجع نفسه :ص .24
44
َّدد
شراع ُممد ُ
الجرح ممشى وال ّ
ُ ليا أحبيا
عمى الموج جاءت مف نواد ّ
التػػوح ُد(.)1
ُّد عمى شجػػػر يدني إليػػػو وبينػػي وبػػيف النػػػور ليمى محػػػيمة
كنفس المنحنى الرامز إلى ليمى في بعده الصكفي كجدناه في قصيدة" :شعار آخر ىارب
إلى األندلس":
األحداث والحقَّد ُ
ب ُ لـ تُْب ِؿ عيدي بيا خب
أحببت ال ال ّن ُ
ُ ليمى شعاري إذا
تعب
ارتياب..ىواىا كمّو ُ
ٌ منو عممت سػػػري وسػػػاورىا
سػػري إذا َ
ب عشات ِو ُّد
الس ُح ُ فم ْف ر ِ
اءت ِ
إذ تر ْ الممح ُّدو صورتػػػػػػو
ُ يا أييا الجسػػػد
(.)2 مضفورة ِعنباَ ما ش ْكمُو عنب ٍ
آىػػػػػػات ودالػػػػية ػػػػػمي وتم ِ
ػػػػطر ْ
تي ِ
ْ
فالتأمؿ ليذيف النصيف نالحظ مدل تداخميما مع شعر "قيس بف المموح" ،خاصة مف
خالؿ استدعاء شخصية (ليمى) ،كالتي ترمز ىنا لممحبكب الكاحد األحد.
كالشاعر في استدعائو لتجربة (قيس كليمى) ال يقؼ عند حدكدىا الظاىرة ،بؿ يعطييا
أبعادان جديدة ،كيضفي عمييا رؤية صكفية ،فالشاعر ال يكرر النص الغائب بداللتو التاريخية
الدالة عمى الحب اإلنساني بؿ ينفمت مف براثف الجسـ ليدؿ عمى الحب اإلليي ،كلمنص إذف
بعداف:
1ػ ػ بعد ظاىرم :مصرح بو لكنو غير مقصكد :الحب اإلنساني.
2ػ ػ بعد باطني :خفي كىك المقصكد :الحب اإلليي.
يصكر كاحد مف المشاىد ،ذاتيا المسككنة بعذابات العشؽ ،كغمرات
كالشاعر أيضا ٌ
النأم كالفراؽ كقد تقمص شخصية (المجنكف) ليحي فصالن مف فصكؿ حب
الشكؽ كتشكي ٌ
الذات اإلليية.
45
كخاص ،تراثي كجديد في آف كاحد ،تشبب بيا الشعراء منذ القدـ مع
ٌ ك(ليمى) رمز عاـ
اختالؼ محبكباتيـ ،كصارت (ليمى) رم انز ألسمى درجات الحب كأرقاىا ،يتجسد فييا حب المرأة
كاألرض ،كالعقيدة...الخ.
كما استخدـ "ياسيف بف عبيد" رمز المرأة في قصيدتو " :توقيع عمى وثيقة جرح"! ...
بطريقة بعيدة عف الحسية ،فمممعشكقة كىي الذات اإلليية ،صفات بشرية ،كصفات أخرل
ركحية ،كغالبا ما يشير إلييا بضمير الغائبة أك بضمير المخاطبة.
يقكؿ:
أخيمتي
تنيدي غيمتي في َقحط ْ أرددهُ
لي َر ْجػػعُ ىذا الصػػػػػػدى إنػػػػػي ُ
منو بقايا ارتوت مف ضوئيا شفتي نامت عمى الجرح أجفاني وفي كبدي
أجثو عمى ركبة الدنيا بأسئمتي بعػػػػػد السنيف التػػػػي أطفأت ىا أنػػػػذا
إلي مف عمقؾ الشفاؼ أجوتبي !(.)1
ّ كؿ النزيؼ الػػػػذي عػػػػػػػػػيناؾ تحػػػػػممو
فصكرة المحبكبة في ىذه القصيدة صكرة رمزية سامية ،بعيدة عف الحسية كىي ُّ
أجؿ مف
أف يسمييا.
كقد يسمييا الشاعر كلكنو ال يخرج عف يسٌنة أسالفو مف العشاؽ ،مف ناحية السياقات
كالمعاني ،فيي في بعدىا الرمزم الصكفي الغارؽ في األجكاء الركحية كالعمكية يقكؿ "ياسيف بف
عبيد" في قصيدة "يوميات بعيدة"
سألت عف (دليمة)
غابت عمى غير عادتيا....
استوت
ْ لـ تجبيا الجموعُ...
باىتو
ْ ثـ رقّت ليا
فتشت كؿ الزوايا
ُ عمى دليمة
وفوؽ السطوح
1
ـ ٌاسٌن بن عبٌد :معلقات على أستار الروح ،ص .37 ،36 ،35
46
الالفتو
ْ وفوؽ القراميد شارتُيا
صيح ٌة....صيح ٌة
اح!!(.)1
ثـ ال شيء غير النو ْ
المحبة اإلليية التي ىي
ٌ الشاعر ىنا اتخذ رمز (دليمة) كمجرد إطار أرضي لمكصؿ إلى
المتصكؼ.
ٌ الجكىر الذم يصبكا إليو
إف احتفاء الشاعر بالجكىر األنثكم كبرمز المرأة ،بالحب كمدرؾ كجداني ،يرتقي في
نصكصو مف طبيعتو الغزلية إلى العكالـ الصكفية المتعالية فػ(دليمة ،أك ليمى) الشاعر ليست إال
حبيبتو الشريعة اإلسالمية المتصمة بالمحبة اإلليية محبة امتمكت عقمو كقمبو ،كشمٌت رغباتو،
يمتزج فييا األلـ بالمٌذة ،كالحرماف بالرغبة ،محبة أذابت نفسو ،كعطٌمت حكاسو ،فصار منفصالن
عمكية ،يييـ فييا بحثا عف قرار.
عف عالمو ،متعمقان بعكالـ ٌ
ىذه الرؤية المقدسة لمحب تصعد تجربة الحب لتشمؿ اإلنساف كالككف ،بمعنى آخر ىناؾ
تصعيد لمحب اإلنساني إلى مستكل الحب اإلليي (الفردكس المنشكدة) ،كسعي إلى طرح قيـ
ركحية جديدة ،تعتمد مبدأ المكاءمة بيف كاقع الذات اإلنسانية ،كرؤاىا الركحية مف أجؿ خمؽ
عالـ جديد منسجـ ،كلذلؾ نجد أف الصكفي يبحث دائما عف التشاكؿ بيف عناصر الكجكد ،بيف
الجامع كالفارؽ (الحاضر كالغائب) ،كنتيجة ذلؾ نفسي التناقض الظاىر بيف األشياء ،انطالقان
مف كحدة الكجكد ،ألف الصكفية تنزع إلى استبطاف حقائؽ الكجكد كالنفس كرغبة في معرفة
األشياء مف الداخؿ عمى حقيقتيا ال كما تبدك مف الخارج(.)2
كيقكؿ "الرمزيوف"" :إف الشاعر يستطيع أف يعبر عف العالـ الداخمي مف خالؿ العالـ
الخارجي ،أي مف خالؿ المادة ،ولكنيا ليست المادة الحسية ،وال العقمية ،وال العممية ،وانما
ىي المادة الروحانية...المادة التي ألممنا بيا قبالً ،والتي ينبغي أف يكوف الفناف قد استنبطيا
47
وولج إلى أحشائيا ،وأقاـ في قمبيا بعد أف فض غالفيا الخارجي الزائؼ ،ونفذ إلى الحقائؽ
المستترة في قمبيا"(.)1
ىذا بالنسبة لمرمزية ،أما الصكفية فقد سعت إلى ما ىك أعمؽ ،فيي لـ تكتؼ بالتأمؿ
الباطني لحقائؽ الكجكد كانما سعت إلى االندماج ،كالتكحد معيا مف خالؿ التجربة الحقيقة التي
يعيشيا الشاعر كيحترؽ بمييبيا.
رأينا مف خالؿ ما سبؽ كيؼ أف التجربة الصكفية استطاعت أف تؤسس نظرة جديدة
لممرأة كأنكثة كأف تضفي إلى حد ما ،عمى كينكنتيا طابعان إيجابيان ،بؿ كأف تعتبرىا رم انز مف رمكز
المقدس ،كمعب نار ضركرينا نحك المتعالي ،فمقد استطاعت ىذه التجربة أف تخترؽ السياج المقدس
كمعب انر ضركريان نحك المتعالي ،فمؽ استطاعت ىذه التجربة أف تخترؽ السياج الدكغمائي الذم
أقامتو المؤسسات الفقيية حكؿ صكرة المرأة كأف تتجاكز الكتابات العممية المختزلة لكيانيا في
البعد البيكلكجي ،كبذلؾ تمكنت مف خمخمة التمثالت االجتماعية حكؿ المرأة ػ ػ ككياف تسكنو قكل
شيطانية ػ ػ كالتي رسختيا المؤسسة الفقيية كالمصنفات الشبقية.
فاستطاعت بذلؾ رسـ صكرة ايجابية لممرأة مضمكنيا االفتناف بيذا المخمكؽ الشاىد عمى
عظمة اهلل .إال أف نفكذ العقؿ الفقيي المعضد لمسمطة السياسية عمى امتداد التاريخ اإلسالمي،
نجح في إقبار ىذه التجربة الفريدة كحرمنا مف اإلطالع عمى مككف أساسي مف مككنات مكرثتنا
الثقافي كالديني ،زد عمى ذلؾ انحصار المغامرة اإلبداعية الصكفية غداة اكتسابيا طابعنا طرقينا
يتغذل مف سمطة التقميد كيخضع لييمنة الياجس السياسي ،فابتعدت بذلؾ عف ركح اإلبداع
كالتفكير كالتجريد الذم طبع تجربة رائد الصكفية "الشيخ ابف عربي".
كما أف بعض األحكاـ الجاىزة التي سربتيا بعض القراءات اإلستشراقية كالتي سكنت
العديد مف األبحاث في مجاؿ العمكـ اإلنسانية ،ساىمت في تقزيـ الخطاب الصكفي كاخضاعو
قس انر لخطاطات قبمية تحكمت فييا ىكاجس إيديكلكجية أكثر منيا مطالب عممية ابستيمكلكجية.
1
ـ إٌلٌا حاوي :الرمزٌة والسورٌالٌة فً الشعر الغربً العربً ،د ط ،دار الثقافٌة ،بٌروت ،لبنان ،1980 ،ص .12
48
1ػػػػ 4ػػػػ رمز الخمرة:
استعمؿ الصكفية لفظ الخمر ،كما في معناه ،بمفيكمات متعددة كاف مف بينيما اإلشارة
إلى الذات اإلليية ،كاإلشارة إلى األسرار كالتجميات اإلليية كاإلشارة إلى الحب اإلليي ،كاإلشارة
التصكؼ أك عمـ الحقيقة كغيرىا مف المعاني.
ٌ إلى حقائؽ الغيب ،كاإلشارة إلى
يقكؿ "عمي محمد الجرجاني"" :والسكر في لغة المتصوفة ىو تمؾ الغيبة التي تعتري
المتصوؼ في حالة الوجد"(.)1
كما عنكه ليس ىك الخمر التي ىي رجس مف عمؿ الشيطاف بؿ ىي خمر مجازية
منزىة مف كصمة التحريـ
كرمزية كاصطالحية ليا معنى مغاير لمخمر الحراـ ،كبالتالي ىي ٌ
كالكراىة.
كفي ىذا السياؽ يقكؿ محمد مصطفى البكرم:
فتمؾ حالؿ ليس في شربيا أمت ار الحب ال خمر َح ٍّب
أدر لي خمر ُ
كيقكؿ القشيري" :السكر ال يكوف إال ألصحاب المواجيد فإذا كوشؼ العبد بصفة الجماؿ
حصؿ السكر وطريت الوىج وىاـ القمب"(.)2
كيقكؿ أيضا" :وأعمـ أف الصحو حسب السكر ،فمف كاف سكره بحؽ كاف صحوه بحؽ
ومف كاف سكره مشوباً بحظ كاف صحوه مصحوباً بحظ صحيح ،ومف كاف محيقاً في حالو كاف
محفوظاً في سكره ،والسكر والصحو يشيراف إلى طرؼ مف التفرقة واذا ظير مف سمطاف
حقيقة ُعمـ أف صفة العبد الثبور والقير وفي ىذا المعنى أنشدوا:
تساوى فيو سكراف وصاح (.)3 إذا طمع الصباح ينجـ راح
كقيؿ أيضنا أف السكر ىك :غيبة العارؼ كىي المرتبة الرابعة في التجميات ألف ٌأكليا ذكؽ
ثـ شرب ثـ سكر كىك الذم يذىب بالعقؿ"(.)4
1ـ ٌنظر :علً ابن محمد الجرجانً :التعرٌفات ،د ط ،المطبعة الخٌرٌة ،مصر 1306 ،هـ ،ص .53
2ـ القشٌري ،الرسالة القشٌرٌة ،تح :معروف مصطفى رزٌق ،ط ، 1المكتبة العصرٌة ،بٌروت ،لبنان ،2001 ،ص .81
3ـ المصدر نفسه :ص .82
4ـ نور سلمان :معالم الرمز فً الشعر الصوفً العربً ،د ط ،الجامعة األمرٌكٌة ،بٌروت ،لبنان ،1954 ،ص .121
49
فذكر الخمر في األدب الصكفي ىك ذكر لمعاني سامية كال تغيب العقكؿ عف حاليا
المحب في محبكبو.
ٌ برجس كلكف ىك غياب
كقد استعاركا ليا أسماء عديدة نجد منيا المدامة كىي" :شراب المحبة اإلليية الناشئة
مف شيود آثار األسماء الجمالية لمحضرة العمية ،فإنيا توجب السكر والغيبة بالكمية"(.)1
كاستعماؿ شعراء المتصكفة ليذا المفظ يجئ عمى سبيؿ المجاز كالرمز كاالصطالح كقد
كصفكه ببعض ما كصفت بو العرب الخمر مف أكصاؼ ،كىـ بذلؾ قد انتقمكا بالمفظ عف ما
كضع لو لغة في اصطالح التخاطب ،كعف ما استعممو الشارع لمفظ مف معنى إلى اصطالح
أقره عندىـ العرض الخاص ،كرمزكا بما يالزـ اصطالحيـ مف ألفاظ كالكأس كالساقي كالسكر
ٌ
كالنديـ ،كالمدامة كما غير ذلؾ مف متالزمات.
لقد كاف لمخمرة حضكر قكم في الشعر العربي القديـ ،سمبت ألباب الشعراء ،فاستفتحكا
مطكالتيـ منزلينيا منزلة الحبيبة الظاغنة ،يقكؿ "عمرو بف كمثوـ":
بيا ٌ
وال تبقي خمور األندرينا ىبي يضحنؾ فاصبحينا
أال ّ
إذا ما الماء خالطيا سخينا الحص فييا
ّ مشعشعة كأف
إذا ما ذاقيا حتى يمينا (.)2 تجوز بذي المّبانة عف ىواه
كليس "عمرو بف كمثوـ" كحده في العصر الجاىمي مف تحدث عف الخمرة ،بؿ ىناؾ
شعراء آخركف مثؿ "امرئ القيس" ،ك"األعشى ميموف"" ،وطرفة بف العبد" الذم جعميا مالذنا مف
اليمكـ فيقكؿ:
واف تمتمسني في الحوانيت تصطػػد فإف تبغني في حمقة القوـ تمقني
تروح عميػػػنا بيػػػػػف برد ومسجػػػػػد نداماي بيض كالنجوـ وقنػػػػػػػػػػية
وأف أشيد المّذات ىؿ أنت مخمدي (.)3 أال ّأييذا الالئمي أخضر الوفػػػػػػػى
50
اليـ الشديد...وتُوىـ صاحبيا
كقد " كانت الخمرة شيئاً نفيساً عند المتاعييف ألنيا تقتؿ ّ
( )1
كيسجؿ مسامراتو مع
ٌ نواس" إلى الجير بشربيا،
تسد فراغ حياتو" ،مما دفع "بأبي ّ
أنيا ّ
الراح ليؿ نيار:
كؤكس ٌ
ىر
الد ُ
قصر ّفإف طاؿ ىذا عنده ُ فعيش الفتى في سكرة بعد سكرة
ػػػػػكر (.)2 ِ
الس ُ وما ال ُغنـ إال ُيتَ ْعت ُعني ّ وما الغبف إال أف تراني صاحػػػػػػػيا
مثٌمت الخمرة بابنا كبي نار مف أبكاب الشعر العربي ،ككاف ليا عمقنا تاريخينا يمتد كما يقكؿ
الباحث "محمد مصطفى ىدارة" قبؿ الشعر الجاىمي" :فالخمر كما تروي األساطير القديمة ،قد
عرفتيا اإلنسانية منذ نشأتيا األولى ،ووصمت في بعض البيئات إلى حد التقديس ،حتى أف
تصوره األساطير اإلغريقية"(.)3
اليونانييف جعموا ليا إلياً ىو باخوس كما ّ
كلـ تأخذ الخمر حقيا مف الكصؼ كالتعبير األدبي المتعمؽ سكل في العصر العباسي،
حيث استبدت شيكة الشراب بشعرائو "فجعمتيـ أسرى وعبيداً ليا ،حتى أنيـ في حديثيـ عنيا
حبيا ،وقد استطاعت ىي أف تأسر قموبيـ
يصورنيا معشوقة قد عشقوىا ،وتفانوا في ّ
ّ
()4
فعبركا عف عكاطفيـ مف خالليا ،كربما نبثيكا بيا بعض مف آرائيـ في الحياة،
وتسخرىـ ليا" ٌ ،
ّ
كما حدث في شعر نكاس الذم تكسع في كصفيا كلـ ىيفيتٍو شيء مف معانييا المعنكية أك
الحسية.
ٌ
إذا كصمنا إلى شعراء الصكفية ،نراىـ يستميمكف تيراث الشعر الخمرم بصكرتو كخيالو
كأساليبو ،كلـ تستميـ ما حفؿ بو مف مجكف كاباحية ،كاف كاف ىذا ال ينفي أف بعض الغالة
كاإلباحييف مف فرؽ الصكفية كانكا يعاقركنيا في الخفاء .
كىكذا نخمص إلى حقيقتيف أساسيتيف" :األولى أف لمخمريات الصوفية بواكير ترجع إلى
النصؼ الثاني مف القرف اليجري ،والثانية أف الصوفية أفادوا مف شعر الخمر الذي ازدىر
1ـ موهوب مصطفاي :المثالٌة فً الشعر العربً ،دٌوان المطبوعات الجامعٌة ،الجزائر ،1982 ،ص .363
2ـ أبو نواس :الدٌوان ،تح :أحمد عبد المجٌد الغزالً ،مطبعة مصر ،1953 ،ص .245
3ـ مصطفى هدارة :اتجاهات الشعر العربً فً القرن الثانً الهجري ،ط ،1المكتب اإلسالمً ،1981 ،ص .500
4ـ عثمان موافً :التٌارات األجنبٌة فً الشعر العربً ،د ط ،دار المعرفة الجامعٌة ،ص .312
51
في العصر األموي وازداد ازدىا ارً في العصر العباسي ،وألموا منو في ألفاظيـ التوفيقية
بمصطمحيف عمييما طابع التقابؿ الوجداني ،فعندىـ أف السكر يقابؿ الصحو ،كما أف البسط
يقابمو القبض"(.)1
كاذا كاف الشعراء السابقكف كقفكا عند ظاىر الخمر كلـ يتعمقكا في بكاطنيا ،فإف شعراء
الصكفية لـ يقفكا عند السطح كتكغمكا إلى حقيقة السكر كالخمر ،حيث أعممكا فييما الخياؿ
كمزجكىما بالذكؽ الصكفي ،فأسقطكا عمييا مكاجيدىـ ،كأذكاقيـ ،حتى صار كصفيا ترجمة
لحياتيـ الركحية كرم انز لممحبة اإلليية ،كلمقدار ما كصمكا إليو مف أحكاؿ ،فاستندكا إلى يمسميات
الرم كالصحك ،كيعبركف بذلؾ عما يجدكنو مف
الخمر الحقيقية كمتعمقاتيا مف السكر كالشراب ك ٌ
ثمرات التجمي ،كنتائج الكشكفات ،كبكاده الكاردات ،كأكؿ ذلؾ الذكؽ ثـ الشرب ،ثـ الرم ،فصفاء
معامالتيـ يكجب ليـ أدؽ المعاني ككفاء منازالتيـ يكجب ليـ الشرب ،كدكاـ مكاصالتيـ يقتضي
ليـ الرم ،فصاحب الذكؽ متساكر ،كصاحب الشرب سكراف كصاحب الرم صاح ،كمف قكل
حبو تسرمد شربو كأنشدكا:
فيؿ أنسى فأذكر ما نسيت عجبػػػػػػػػػػػت يقوؿ ذكػػػػرت ربي
فما نفذ الشراب وال رويت (.)2 شربت الحب كأسا بعد كأس
فإذا كاف الصكفي يتبع ميراث السابقيف بعراقتو كتقاليده ،فإنو يتجاكزه كيتجاكز كذلؾ
يحرـ الخمر المادية تحريمنا قاطعنا ،كيمجأ الصكفي إلى التأكيؿ إليجاد أكجو
ظاىر الشريعة الذم ٌ
التقاء بيف جكىر الخمر ،كما يحدث لمصكفي مف نشكة كتغيب أثناء الفناء في الذات اإلليية.
" عبارة صاغيا أرباب المعاني لمتعبير عف غمبة محبة الحؽ تعالى، فالسكر كالغمبة
والصحو عبارة عف حصوؿ المراد"(.)3
1ـ ٌنظر :عاطف جودة نصر ،الرمز الشعري عند الصوفٌة ،ص 339ـ .342
2ـ القشٌري :الرسالة القشٌرٌة ،ص .239
3ـ الهجوٌري :كشف المحجوب ، 2دط ،دار النهضة العربٌة ،لبنان،1973 ،ص .414
52
كىكذا يككف السكر عند الصكفية مختمفان عف السكر الناتج عف الخمر المادية ،في ككنو
يعقبو الصحك ،كال يعني الصحك ىنا مفارقة حالة السكر بصكرة تامة ،كانما الترقي إلى حاؿ
أرقى ىك حاؿ "صفاء العشؽ والذوؽ بأحدية الجمع والفرؽ"(.)1
كبيذا يعمؽ الصكفية في حقيقة الخمر ،كأخذكا منيا أثرىا ،كتحكلكا بو إلى رمز يعبركف
بو عف حاليـ.
"أبي كاذا بدأنا في تناكؿ الرمز الصكفي بالخمر عند الشعراء الصكفية ،نجد أنفسنا أماـ
صكر نشكتو بالحب اإلليي بنشكة الخمر ،فاتخذ نفس لغة
حفص عمر بف الفارض" الذم ٌ
"إنما الشعراء الخمرييف السابقيف بما تحتكم عميو مف دناف كسقاة ككؤكس ،كال شيء مف ذلؾ
ىو جماؿ الذات اإلليية التي دلع في قمبو الحب ،وكأنما شرب مف إناء قدسي رحيقو المسكر
منتشيا وال يني منجذباً ،وكأنو في غيبوبة لذيذة توشؾ أف تسمبو حواسو" (.)2
ً فيو ال يني
يقكؿ "ابف الفاض" في تأئيتو الكبرل:
وكأسي محيا مف عف الحسف جمت سقتػػني حمػػيا الحػػب راحػػػػة مقػػػػػػػمتي
بو سر سري في انتشائي بنظرة فأوىمت صحبي أف شػػػػػػرب شرابيػػػػـ
شمائميا ال مف شمولي نشوتي وبالحدؽ استغنيت عف قػػػػػػدحي ومف
بيـ تـ لي كتـ اليوى مع شيرتي ففي حاف سكري حاف شكري لفتػػػػػػػيو
ولـ يشغني في بسطيا قبض خشيتي ولما انقضى صحوي تقاضيت وصميا
رقيب ليا حاظ بخموة جموتي وأبثثػػػػػػػػػػػػػػيا ما بي ولػػػـ يؾ حػػػػػػاضري
ووجدي بيا ما حي والفقد مثبتي وقمػػػػػػت وحػػػالي بالصبابػػػػػػػػػػػػػة شػػػػاىد
أراؾ بيا لي نظرة المتمفت ىبي قبػػػػػؿ يفػػػػػػنى الحػػػػػػب مني بقػػػػػية
أراؾ فمف قبمي لغيري لنت (.)3 ومني عمى سمعي ،بمف إف منػػػػػػػعت أف
1ـ الكاشانً :المعجم اصطالحات الصوفٌة ،ط ، 1دار المنار للطبع والنشر والتوزٌع ،مصر،1992 ،ص 357ـ .358
2ـ شوقً ضٌف :فصول فً الشعر ونقده ،د ط ،دار الكتب العلمٌة ،مصر ،2008 ،ص .220
3ـ ابن الفارض :الدٌوان ،ص 83ـ 84ـ .85
53
"ابف الفارض" نفس األلفاظ الخمر الحقيقية مف (شرب كحميان ،كقمح كشمكؿ، يستخدـ
كحاؿ كسكر كصحك) كلكنو يمجأ إلى تراسؿ الحكاس ،حيث تأخذ عينو صفة كفو التي تسقيو
خمر المحبة اإلليية حيث تنعمت في الجماؿ اإلليي ،فسرل أثر الخمر في عركقو كشعر
بنشكتو ،كصارت ركحو المحبكبة كأسو الذم يشرب منو ،فأىمكو كأفناه حتى أكقع أصحابو في
الكىـ ،لعدـ إدراكيـ ألنيـ مف ع ٌشاؽ الصكرة فكاف الجماؿ شراب ،كالحب حمياه ،كىذا كمو
مكىبة مف اهلل ،عندما ذىب صحكه مكنو صحكه مف المباسطة مع الحؽ ،فأخبره بما أصابو مف
أثر العشؽ كاليياـ بالمحبكبة التي عاىدىا بالكالء كاإليماف يكـ الصحك الميثاقي عيد الربكبية
المأخكذ عمى الذر.
كنالحظ أف المقطكعة مثقمة بالمصطمحات الصكفية التي اندرجت في السياؽ ،فانطبعت
عمييا ركح الرمز مثؿ ( :السكر ،الصحك ،السر ،النشكة ،البسط ،القبض ،الخمكة ،الجمكة،
الصبابة ،الكجد ،المحك ،النقد ،اإلثبات ،الفناء ،الحضكر ،الشرب ،الكىـ) فكميا مصطمحات
تشير إلى أحكاؿ شريفة يعيشيا الصكفي في تجربة االرتقاء لدرجة كصكلو إلى النشكة كالسكر ثـ
الصحك بعد ذلؾ.
"القشيري" أف "يحيى بف معاذ" كمع أكائؿ المتصكفة كاف الشغؼ بيا (الخمرة) ،فقد ذكر
(ت ػ ػ 258ىػ) كتب إلى "أبي يزيد البسطامي" (ت ػ ػ ػ 261ىػ)" :ىا ىنا مف شرب كأساً مف
المحبة لـ يظمأْ بعدىا" ،فرد عميو "أبو زيد"" :عجبت لضعؼ حالؾ ،ىا ىنا مف يحتسي بحار
(.)1
يتزيد"
الحب وىو فاغر فاه ّ
ّ
التذكؽ،
يمركف بثالث مراحؿ :مرحمة ٌ
كالمتتبع ألثر الخمرة في أىؿ التصكؼ يجد أنيـ ٌ
م لفقد اكتسبت الخمرة عند الصكفية دالالت جديدة بسبب قدرتيا
الر ي
كيمييا الشرب ،ثـ يعقبيا ٌ
تعطيؿ اإلدراؾ الذم يمثؿ تعطيؿ الكاقع ،مما يؤدم إلى تعطيؿ الكعي ،كتنشيط الالكعي ،فتعمكا
، 1دار الكتاب العربً ،دمشق، 1ـ القشٌري :الرسالة القشٌرٌة فً علم التصوف ،تح :أحمد اإلسكندري وأحمد عناٌة ،ط
القاهرة،2004 ،ص .39
54
"أسبؽ في الوجود مف المثؿ كالمطمؽ ،ألنيا
الذات عمى الحقائؽ المادية الثابتة كتمج عالـ ي
الواقع"(.)1
ال نفسينا عميقنا كدقيقنا باعتباره مف األحكاؿ الكجكدية الذاتية التي
كىـ يحممكف السكر تحمي ن
تعترم اإلنساف ،فيييـ في جماؿ المحبكب األزلي (اهلل) ألنو مصدر كؿ جميؿ" ،فالسكر...دىش
كبعزة
يحؽ سر المحب عند مشاىدة جماؿ المحبكب ػ ػ فجأة ػ ػ ػ يذىؿ الحس ،كيمـ بالباطف فرح ٌ
كانبساط ،لتباعده .عف عالـ التفرقة.)2("...
الحسية لذاتيا كما يظف البعض كانما كانكا
ٌ فما كاف الصكفية يقصدكف إلى الخمرة
يعبركف عمى ما يعترييـ مف حاالت الكجد الصكفي ،فتعددت دالالتيا لدييـ فيي :الدىشة
ٌ
كاالنبيار ،كىي الحيرة كالقمؽ ثـ ىي أخي انر كفي أقصى مراحميا الكلو كاليياـ .كالسكر سكراف:
وسكر بكأس المحبة ،واألوؿ منشؤه النظر إلى النعمة ،والثاني ال عمّة
ٌ "فالسكر بخمرة المودة،
السكر قد يكوف حالو ىو حاؿ االنبساط فقط إذا لـ
لو سوى النظر إلى المنعـ...وصاحب ّ
يستوؼ حاؿ سكره ،وقد تكوف حالو ىو حاؿ المتساكر إذا لـ يستوؼ الوارد الذي يستحدث
السكر ألصحاب المواجيد عندما ُيكاشؼ العبد بنعت الجماؿ ،فتطيب
فيو السكر ...وال يكوف ّ
السكر"(.)3
الروح ويييـ القمب ويحصؿ ّ
إف مفعكليا السحرم في نفس شاربيا ،كما نسجتو الشعكب منذ فجر التاريخ حكليا مف
"فيي عند ُمخامرتيا تقدسيا عناصر جعمت منيا مكضكعنا جدي نار باىتماـ الشعراء:
أساطير ٌ
العقؿ ،وفي أُْن ِ
س مجالسيا وبمحبتو تصؿ الواقع الموجود بالحمـ المؤسس عمى انطالؽ
الغرائز وىي تطمب فرحيا"(.)4
المدنس :فيي مف جية سائؿ مرتبط بالماء الذم جعؿ اهلل
المقدس ك ٌ
إف الخمرة تجمع بيف ٌ
الدـ الذم لو ارتباط كثيؽ بالحياة ،ثـ ىي تفعؿ بشاربيا ما ال
حي ،كحمرتيا حمرة ٌ
منو كؿ شيء ٌ
1ـ عبد المنعم تلٌمة :مقدمة فً نظرٌة األدب ،د ط ،دار للثقافة للطباعة والنشر ،القاهرة ،مصر ،1976 ،ص .194
2ـ ٌنظر :عبد المنعم الحنفً :الموسوعة الصوفٌة ،ط ، 1مكتبة مدبولً ،القاهرة ،مصر ،2003 ،ص .795
3ـ المرجع نفسه :ص ن.
4ـ حسٌن واد :جمالٌة األنا فً شعر األعشى الكبٌر ،ط ، 1المركز الثقافً العربً ،المغرب،2001 ،ص 82ـ .83
55
متفرد عف األحياء جميعان كأنو
يفعمو سكاىا مف األشربة ،فيبمغ النشكة حيف يسكر ،كيحس أنو ٌ
يقكض ممكة ،ألف الخمرة قد حررت نفسو مف عقاؿ الجسد كأسره كحمٌقت بيا في عكالـ
ؾ ال ٌ
مم ه
أرحب سامحة بيا بالتحاد بالمطمؽ ( ، )1األمر الذم جمؿ الصكفية يشغفكف بيا ،فأشربكىا في
كتغزلكا بيا في أشعارىـ.
قمكبيـٌ ،
إف عكدة الشاعر المعاصر إلى ىذا الرمز يمثؿ ىركبنا مف الكاقع العربي المتردم،
كاستشراؼ لممكت بشتى أشكالو ( ،)2كالخمرة عند "ياسيف بف عبيد " كما ىي عند المتصكفة مال هذ
يطمبو حثيثان فيقكؿ في قصيدة "فاتح تاريخ الروح":
الحمُـ
الريح عطشى الروح و ُ
ُ مرت بيا تقوؿ منا البقايػػػػػا أيػػػػف مػػف مػػػػدف
لوزية الراح لـ تكتب بغير دـ إنا شربنػػػػػػػا عمى أيػػػػػػػػػد قصػػػػػػائدنا
ؼ لميمـ
شّمف الغماـ الذي ما َ قد حوصر الفرح المشروع في ظُمَ ٍؿ
ناب ُم ْمتيـ (.)3
ُحبمى ولكف عمييا ُ اسمػػػػو
عيػػػػد مو ُ
ٌ وشب مف حولػػػػػنا
ّ
يعبر عف ضيؽ األرض كىك يبحث عف عكالـ أرحب تحمؿ شكقو
كنجده في مكضع آخر ٌ
كحنينو لمذات اإلليية فينادم لمساقي حتى يناكلو نديمان ييسكره عمٌو يقترب إلى اهلل بغية مالقاتو
كالنظر إليو فمـ يعد لو في األرض مستقر:
كتستقر
ي بيا عم يؿ الحياة لركنقيا بقايا تستمر
وبر
وبحر يوعب المعنى ُّد
ً سػػػػػػػػماء
ً قػػػؿ وال
فػػال أرض تُ ّ
سر
عمى شفة الصييؿ يذاع ٌّر خبر اشتياء قػػد أتػػػػػػاني
وال ُ
وال مف لمنزيؼ....يراه طير وال سػػػػػاؽ يناولػػػػػيا نديمػػػػػػا
تعاؿ لؾ الفؤاد ىفا وشعر فيا سػػػػػػاقي نداماىا جمػػػػػيعاً
خضر
ُ ىنا راياتيا كالجمر تعاؿ اغتؿ بعتبتيا النكساري
أبر
وال مني بخضرتيا ُّد فال أدري بما كتمػػػػػتؾ مػػػني
56
مستقر
ُّد ليا في كؿ أرض إذا لـ نشرح النجوى وساحت
بعد سكر (.)1
فمالي في اليوى مف ُ فال تزرع عمى جسدي صداىا
كنجد كذلؾ رغبة جامحة لمفناء في الذات اإلليية كالخكؼ كالرىبة الناتجة مف النظر
إلييا كحالة السكر اإلليي التي تعتريو مف شدة الدىشة فالشاعر استعمؿ أيقكنات دالة عمى
السكر اإلليي مثؿ :عنب ،كالية...فيقكؿ الشاعر في قصيدة "شعار آخر ىارب الى األندلس"
حب
الس ُ
إذا تراءت فمف رعشاتو ُّد الممح ُّدو صورتو
ُ يا أييا الجسد
مضفورة عنباً ما شكمو عتب (.)2 تيمي وتمطػػػػػػػػػر آىػػػات ودالية
العمكية
كالصكفية ليـ في خمرتيـ نشكتيا ،كالشاعر في خمرتو الشكؽ إلى الذات اإلليية ٌ
كتبد يد
ألنيا (الخمرة) منيا (الذات) كبيا ال سكاىا ييدرؾ المنزلة ،فيي كالشمس تنير دركبو ٌ
ظيممو ،فال غرك أف يجير بيذا الشكؽ قائال:
وتمسح العالـ العموي أجنحتي أكاد أولد مف عينيف مف عسؿ
يبقى وأعبر أحالمي وقافيتي أغادر الجسد المضنى بغربػػتػو
كآبتي في يدي خيمي وذاكرتي (.)3 أىز الجػذع مخػػػػػػترقا
ليال اليؾ ُ
فيذا السكر مف غير خمرة يكحي بأنيا ليست خمرة طبيعية كلكنيا خمرة المحبة التي
أسكرتو مف أثر الحب اإلليي كالشكؽ إليو ،فالشاعر يتنكر لجسده كيذكب في ذات المحبكبة
ذكبانا بركح المتصكؼ العاشؽ لذات اهلل ىركبان مف كاقع متركم مممكء باليمكـ كىك يناشد عكالـ
سرمدية كأجكاء عمكية ال يعرؼ حقيقتيا سكل المتصكؼ العارؼ (العرفانية).
! كاآلف كقد التقى بمف يحب ،ىؿ ركل ظمأه؟ كشفى غميمو؟ فينتيي بذلؾ شكقو كيستريح
أف الشكؽ أبدم كظمأه دائـ؟ كال راحة لو ،كألمثالو كما قاؿ أحد أعالـ الصكفية :كقد سئؿ:
أـ ٌ
الراحة؟
متى ٌ
الجنة !
فأجاب :عند ٌأكؿ قدـ تطأ ٌ
57
يقكؿ الشاعر في قصيدة "وحدي"
ظمأى وعيناؾ امتداد دروبي مازلت أنػػػػػػػػزؼ والجػػػػػراح قصيػػػػدة
سيؼ الحنيف وطعنو المضروب أمشي عمى مثؿ اليجير وفي دمي
ويريحني مف قصتي وكروبي أحػػػػػػػػبو
ّ وحدي فال وطف سػػػػػػػػػػو ِ
اؾ
وغريب مشوار ىفا لغريب (.)1 نتػػػجاذب المنػػػػػػػفى تجػػػػػػاذب تائؽ
كىكذا جاءت رمزية الخمر عند الصكفية فكؽ مستكل الكاقع ،ينسحب خالليا الشعراء
مف العالـ الحسي إلى عالـ الحب اإلليي ،كالعمـ المدني المذيف يتسماف بالقدـ كالقدرة عمى النفاذ
إلى حقائؽ الكجكد.
كلعمٌنا نخمص إلى القكؿ كقد حاكلنا استقراء رمز الخمرة في شعر "ياسيف بف عبيد" :أف
ىذا الرمز قد منح تجربة الشاعر حركة جديدة ،فمٌكنيا بألكاف اإللياـ كاإلبداع كالتش ٌكؿ الشعرم،
تسطعت قصائده في سماء الجزائر ،كتنفس شعره في ىذه األرض المحركقة؟ كاف كاف ىذا
تمبس بمباسيف :لباسو
الرمز الصكفي يحيؿ إلى التكحد بالذات المقدسة فانو عند " بف عبيد" قد ٌ
األصمي في خضـ التصكؼ كلباسو في إطار التجربة الشعرية التي تمنحو نفسان جديدان بالجمع
السخط ،كاألنس
حسي مف خالؿ الجمع بيف السكر كالصحك ،كالرضا ك ٌ
حسي كال ٌ
بيف ما ىك ٌ
حسي ،فعندما يتناكؿ الشاعر ٌلدة
الحسي لتسمكا بو نحك الال ٌ
ٌ كالخكؼ في ترابطات تحيؿ إلى
حسية تمنحو
ليطعمو بجوانب ال ّ
حسياً ثـ ينزاح بو بمجموعة قرائف ّ
الخمرة "فإنو يقدـ لنا جانباً ّ
دالالت جديدة تم ّكنو مف ارتياد آفاؽ أوسع "(.)2
58
1ػػػػ 5ػػػػ رمز العيوف:
استغؿ شعراء الصكفية رمز المرأة ىذا الكائف الجميؿ بكصفو معادالن لمتجمٌي اإلليي
منفصميف بذلؾ عف الكاقع متصميف بالعالـ الالمرئي ككصفكا كؿ جزء منيا :كالعينيف كالحاجبيف
الرماش...الخ.
كٌ
كالعيف بالمفيكـ الصكفي " :إشارة إلى ذات الشيء الذم تبدك منو األشياء كعيف اهلل ىك
اإلنساف الكامؿ ،ألنو سبحانو ينظر بنظره إلى العالـ ،كاإلنساف ىك عيف العالـ ،كعيف الحياة
مظير الحقيقة ال ٌذاتية مف ىذا الكجكد"(.)1
ال كأكمميا لتقبؿ التجميات
لقد أصبحت المرأة في العرفاف الصكتي أرقى المخمكقات جما ن
اإلليية ،ىنا تخرج المرأة عف الشرنقة األرضية "فيذه العيوف كمعادؿ سيميائي لممرأة ،ال تحيؿ
عمى الجماؿ األرضي ،الذي مف صفاتو الذبوؿ وانما تحيؿ عمى األبدي الذي ينكشؼ مف
خالليا ويتجمى في شفافيتيا"(.)2
كفي ىذا السياؽ نجد "بف عبيد" يجعؿ مف عيكف المرأة سبيالن إلى حب إليي يبعده عف
العالـ المادم الصاخب ،ليعرج بو إلى عالـ الطير كالبراءة ،فميست العيكف التي يحمـ بيا
الشاعر ىي التي نعرفيا في مجاؿ الحراس ،كانما تمؾ التي تحيمنا إلى الجماؿ الالمتناىي
كالمطمؽ السرمدم الذم يخترؽ الحجب كيسمك عف الكاقع كيجمي األنكار .يقكؿ الشاعر:
وحدي وعيناؾ تمتصاف أزمنتي ىنا اتشحأأتؾ أحػػػػالما أرتمػػػػيا
بالضوء مزعة الممشى بسنبمة؟ ! إما جئت مف حجر
ماذا أسميؾ ّ
وتمسػػػػح العػػػالـ العػػػموي أجنحتي أكاد أولد مف عينيف مف عسؿ
يبقى وأعبر أحالمي رقافيتي (.)3 أغادر الجسد المضنى بغربتػػو
1ـ عبد المنعم الحنفً :الموسوعة الصوفٌة ،ط ، 1مكتبة مدبولً ،القاهرة ،مصر ،2003 ،ص 886ـ .887
2ـ نسٌمة بوصالح :تجلً الرمز فً الشعر الجزائري المعاصر( ،شعراء رابطة ابداع الثافٌة نموذجا ً) ،ط ،1رابطة اإلبداع
الثقافٌة الوطنٌة ،الجزائر ،2003 ،ص .126
3ـ ٌاسٌن بن عبٌد :معالقات على أستار الروح ،ص 36ـ .37
59
رمز لمذات العمكية التي يذكب الشاعر فييا كيياجر إلييا
في ىذا النص تغدك المرأة نا
بكؿ مشاعره كأحاسيسو ،كىنا يتـ تصعيد المظير الفيزيائي األنثكم إلى أعمى مستكيات
الركحانية الصكفية ،كىذا يبرز لنا القيـ الركحية التي يطرحيا النص الشعرم الجديد كيبرز كذلؾ
عالقة الذات اإلنسانية بحقائؽ الكجكد اإلليية ىركبان مف كاقع متردم إلى عكالـ رحبة سرمدية.
كالعينيف أيضنا تحمالف ىمكـ المتصكؼ كمكاربو فيي مصدر حزنو كسعادتو كفييا
أجكبتو يقكؿ الشاعر عرفي ىذا الصدد:
إلي مف عمقؾ الشفاؼ أجوبتي (.)1
ّ تحممو
ُ كؿ النزيؼ الذي عيناؾ
كيقكؿ الشاعر أيضنا:
مضى يجتاحني وحدي اجتياحا غموض كاف يشبيني تماماً
عيوف وأسئمة تحبب لي الجراحا وأصبػػػػح فػػػػػي عيونػػػػػػػؾ لي
وتنفضني انقباضا وانشراحا (.)2 تورطني عيونؾ في دمػػػػائي
إف الكممات المستحضرة في ىذا المقطع ،كالقبض كاالنشراح ،كميا إيقكنات ال تستطيع
أف تحيد عف سياقيا الصكفي ،كيبدك أف الشاعر تأثر كثي نار بأشعار المتصكفة خاصة " عمر بف
الفارض" الذم يقكؿ في سياؽ مماثؿ:
ولما انقضى صحوي ،تقاضيت وصميا ولـ يغشني في بسطيا قبض خشيتي(.)3
ّ
كيرل "ابف عربي" أف البسط مف المقامات التي يتٌصؼ اإلنساف بيا في الدنيا كاآلخرة:
"أما القبض فيالزـ اإلنساف إلى أوؿ قدـ يضعو في الج ّنة ويزوؿ عنو ،وبدييي أف البسط
يالزـ اإلنساف في الج ّنة مف أثر واردات الجماؿ ،أما القبض فال معنى لو في دار النعيـ إال
أنو يستبدؿ مف مشاىدة الجالؿ بالييبة"(.)4
1
ـ المرجع السابق :ص . 35
2
ـ المرجع نفسه :ص .28
3
ـ ابن الفارض :الدٌوان ،د ط ،دار صادر ،بٌروت ،لبنان،1962 ،ص .46
4
ـ سعاد الحكٌم :المعجم الصوفً ،ط ، 1دندرة للطباعة والنشر ،لبنان ،1981 ،ص .898
60
كفي سياؽ آخر يقكؿ بف عبيد:
العيوف
ْ مف ألؼ باب لو أطمت
القروف
ْ رأت بقيتي كمرفإ رست بو
وحوليا قوافؿ الغيوـ تمتقي
فمف ىنا ميرورىا
الحنيف
ْ ومف ىنا طريقيا الى
وكنت في نصؼ الطريؽ
خمفي أنا
الرفيؽ
ْ أمامي الظالـ وحده
الميؿ
يا سائمي عنيا عيونيا ْ
عيونيا المنفى
الحريؽ(.)1
ْ عيونيا
تعد دليؿ الشاعر كمرشده إلى الحؽ ،ككذلؾ مأكل يمجأ إلييا
كالعيكف في ىذه األبيات ٌ
لعمٌو يجد الراحة كالٌمذة ،كالنشكة التي يبحث عنيا المتصكفة ،لمشاعر دار اليجرة يأكم إلييا
ليطفئ نار الشكؽ كالحنيف ككأف العيكف في ىذا المقاـ مجرد إطار أرضي لبمكغ أرقى درجات
الكجد كالحب في عكالـ مفعمة باألنكار اإلليية.
ال فييا راجينا
كبعد رحمة شاقة ،كطكؿ عناء كجد راحتو كاستقر في الذات اإلليية متأم ن
منيا كشؼ الحجاب فيقكؿ:
تجيب
ْ تمر بي وال
ظالؿ
ْ سيدة بحرية بال
طيور
ْ عيونيا موج وشعرىا
العبور
ْ وخطوىا الفحاؿ ممكف
1
ـ ٌاسٌن بن عبٌد :معالقات على أستار الروح ،ص .13
61
العصور
ْ أمشي الييا مرىقا وفي حقائبي
الجنوف
ْ سيدة لوزية اليوى قديمة
كتاب
ْ تمر بي وفي يد
عتاب
ْ وفي يد أسطورة وغيمة وما تبقى مف
تقوؿ لي بال لغة:
سيدي أنت أنا
يا ّ
حجاب.)1(!....
ْ كشؼ/
ٌ وبيننا
ال:
كفي مكضع مماثؿ يستطرد قائ ن
وتفيمت عيناؾ رمز شبوبي
ّ سر توحػػػػػػػػػػدي
فتمقّفت عينػػػػػػاؾ ّ
وانشؽ لي اإليماء غير كذوب (.)2 عيناؾ في حجرييما اغترب اليوى
فالقصيدة منذ البداية تضعنا في رحمة ركحية تنطمؽ مف حب المخمكؽ إلى حب الخالؽ
فالمرأة حاضرة في القصيدة كلكف بشكؿ ركحي رمزم يحمينا إلى المحبة اإلليية كاالغتراب في
حضرة الكجداف الصكفي.
إف انخراط الكتابة الصكفية عند "بف عبيد" في استدعاء الرمز األنثكم كاستثماره في
صياغة القصيدة الصكفية يدؿ عمى انخراط الشاعر في كياف المحبة ،كالشكؽ لممحبكب،
كالمحبة شراب ال يرتكم منو صاحبو ميما شرب منو ،كضمف ىذا السياؽ يأتي اختفاء "ياسيف
بف عبيد" بالرمز األنثكم.
فيذا الرمز الذم يمارس في النص فعؿ الحجب كالكشؼ معان ،كىذه ىي صيغة الرمز
شدتيا حتى يمكف
الصكفي بشكؿ عاـ ،إنو كالسحاب الذم يغطي الشمس ال ليخفييا كانما ليقمؿ ٌ
التحديؽ فييا دكف أف نخشى االحتراؽ.
62
فالمغة الصكفية لغة تجاكزية منفتحة عمى ىاجسيا اإلليي ،فيحضر كؿ شيء في المرأة
"أراد أف يرى كفي المظاىر الطبيعية كفي عناصر الككف الفسيح ،فاهلل في عرؼ الصكفية:
صورة نفسو فخمؽ آدـ عمى صورتو ،فكاف كالمرآة لو وما اإلنساف ،وما العالـ إال تجؿ مف
تجميات اهلل ،ما الحب إال حب اهلل ،فيو المعشوؽ الذي ال تدرؾ حقيقتو إال بحركة عشؽ
تجاىو تتخذ مف المناجات وسيمة ،ومف الخياؿ طريقة ،ومف الشعر ترجماناً"(.)1
كيستعيف الشاعر كذلؾ بالعينيف ليشكك ليما غربتو كأحزانو كضياعو الكجكدم يجد
متنفسان كمخرجان لحزنو فيقكؿ:
ليف مضاء(.)2
لعينيؾ أتمو غربني..وقصائدي كبعض كآباتي ّ
لقد كجد الشاعر في عيكف المرأة مجاالن لمنزكع إلى الحنيف الصكفي الذم ينقمو مف رتابة
الحياة المادية إلى رحاب الكجكد الباقي كمنابع الحياة الخالدة ،ليحيؿ المتمقي إلى عرفانية
صكفية "تمزج تيار العاطفة وتيار العقؿ ،وتوحي بالجماؿ متجمياً في طابع جاللي ،وبالجالؿ
ظاى ارً في طابع جمالي"(.)3
كىذكذا تبدك الفكارؽ جمية بيف عيكف المرأة مثمما تتصكر في بعدىا المرئي المحسكس كبيف ما
تكحيو مف معاف في العرفاف الصكفي كالباطني عمى النحك التالي:
الجماؿ
االفتناف العيكف في بعدىا
الغكاية المرئي المحسكس
1ـ محمد الكحالوي :الرمز والرمزٌة فً النص الصوفً (ابن عربً نموذجا ً) ،مجلة الحٌاة الثقافٌة ،العدد ،75تونس ،ماي
،1996ص 28ـ .29
2ـ ٌاسٌن بن عبٌد :معالقات على أستار الروح ،ص .17
3ـ عاطف جودة نصر :الرمز الشعري عند الصوفٌة ،ط ، 3دار األندلس للطباعة والنشر ،لبنان،1983 ،ص .207
63
السمك عف الكاقع
معانقة الالمتناىي العيكف في
التكحد مع المطمؽ(.)1 العرفاف الصكفي
فيياـ ابف عبيد بالعيكف كما تعمٌؽ بيذا العضك مف الجسد الذم كاف عبر مراحؿ مختمفة
يشد
مف مسار الشعر العربي مكضع اىتماـ الشعراء كالفنانيف عامة ،ألف العينيف ىما ٌأكؿ ما ٌ
الناظر إعجابان ،فيقع في أسرىما كما قاؿ أحدىـ:
جمبف اليوى مف حيث أدري وال أدري (.)2 الرصافة والجسر
عيوف الميابيف ّ
السياـ كال يبرحاف
عد األبمغ عند العرب يككف ليما (العينيف) كقع ٌ
كفي تصكير ٌ
قتيؿ اليوى ال دية عمى القاتؿ ألف" :
المرشكؽ إالٌ صريعان كالمؤسؼ لو ػ ػ كالحالة ىذه ػ ػ أالٌ ٌ
( )3
كهلل دار القائؿ: يؤدى"
حور قتمننا ثـ لـ يحييف قتالنا إف العيػػػػػػػػػوف التي في طرفػػػػػيا
وىف أضعؼ خمؽ اهلل إنساناً (.)4
ّ يصرعف ذا الّمب حتّى ال حراؾ بو
1ـ سعٌد شٌبان :الرمز فً الشعر الجزائري المعاصر ،مذكرة لنٌل شهادة الماجستٌر فً األدب العربً( ،مخطوطة) ،جامعة
تٌزي وزو ،الجزائر ،2001 /2000 ،ص .114
2ـ ٌنظر :علً بن جهم :الدٌوان ،تح :خلٌل مردم ،ط ، 3دار صادر ،بٌروت ،لبنان.1996 ،
3ـ أحمد أمٌن ،النقد األدبً ،ط ، 4دار الكتاب العربً ،بٌروت ،1967 ،ص .460
4ـ جرٌر بن عطٌة :الدٌوان ،د ط ،دار بٌروت للطباعة والنشر ،لبنان ،1978 ،ص .492
64
الفصػػؿ الثاني
البنػػػية المغػػػوية واإليقاعيػػػة
65
1ػػػػ 1ػػػػػ طبيعة المغة الشعرية في ديواف معمقات عمى أستار الروح:
إف المٌغة ىي المادة األساسية المشكمٌة لكجكدنا الثقافي كالحضارم ،كىكيتنا الفكرية
ٌ
الفني ،لذلؾ فإف "لكؿ أديب طريقة
كالفمسفية ،كبالضركرة ىي األساس أيضنا في عممية اإلبداع ٌ
ليعبر بيا عف
خاصة في استخداـ الكممة كتركيب الجممة ،كعميو فإف "األديب ال يرّكب الجممة ّ
تفجر فييا خواص التعبير األدبي،
معنى تقريري مألوؼ ،وانما يتعامؿ مع المغة لطريقة ّ
قوة ،تتعدى الداللة المباشرة ،وتنتقؿ األصؿ إلى المجاز،
وتجعؿ لمعبارات واألنساؽ والجمؿ ّ
لتفي بحاجة الفف في التعبير والتصوير"(.)1
"المادة الحقيقية المش ّكمة لفف األدب ،ليذا ينبغي بذؿ إف التركيب كالتشكيؿ المغكم ىك:
التعرؼ عمى كيفية استخداـ األديب لمّغة"(.)2
جيد كبير في ّ
يتميز بتشكيمو المٌغكم الخاص ،الذم يرقى بو عف مستكل الكالـ العادم
إف الشعر ٌ
كاألديب مش ٌكؿ/مرٌكب ،مثمو مثؿ الفناف التشكيمي ،فيذا يرسـ باأللكاف ،كذاؾ يرسـ بالكممات،
كلعؿ ىذا ما أشار إليو " مالرميو" ) (Mallarméحيف قاؿ" :إننا ال نضع األبيات الشعرية
باألفكار ،بؿ نصنعيا بالكممات" ( ،)3كما اعتبر المبدع مرٌكبان ،كأكد عمى دكره في خمؽ تراكيبو
"إال بقدر تأمؿ المغة واعادة الشعرية ،بانزياحيا عف النمط المألكؼ ،كلف يككف ثمة شعر:
خمقيا مع كؿ خطوة ،وىذا يفترض تكسير اليياكؿ الثابتة لمغة وقواعد النحو ،وقوانيف
الخطاب"(.)4
تميز التراكيب الشعرية مف
إف التشكيؿ المغكم الخاص بالشعر يجب أف يخمؽ مسافة ٌ
النثرية ،كمما الشؾ فيو أف المغة الشعرية تستمد جماليا مف ىذه التشكالت ،ألنيا لغة إبداعية،
خالؽ كممات وليس
ُ "أف الشاعر كالمغة اإلبداعية مف طبيعتيا االنزياح ،لذلؾ يمكف القكؿ:
خالؽ أفكار ،وترجع عبقريتو كميا إلى اإلبداع المغوي"(.)5
1ـ طه وادي :جمالٌات القصٌدة المعاصرة :ط ، 1مطبعة دار المعارف ،القاهرة،1989 ،ص .25
2ـ المرجع نفسه :ص ن.
3ـ جان كوهن :بنٌة اللغة الشعرٌة ،تر :محمد الوالً ومحمد العمري ،ط ،1دار توبقال ،المغرب،1986 ،ص .41
4ـ المرجع نفسه ،ص .176
5ـ نفسه :ص .40
66
إف الشعر ال يتميز بالمضمكف ،كانما بالتراكيب التي قد تستدعي في كثير مف األحياف
" :لغة خرؽ القكاعد المألكفة تبعان لذكؽ الشاعر ،كأحاسيسو ،كانفعاالتو كميكلو كمف ثمة يمثؿ
الشعر تختمؼ عف االستعماؿ المغوي المشترؾ ،فالشاعر قد يستخدـ كممات متداولة ،لك ّنو
ُيكسبيا داللة مغايرة لممألوؼ ،فتنطؽ قصيدتو بشيء ،ولكنيا تقصد أشياء أخرى ،دوف أف
لغوي وفوضى في الرسالة ،وانما
ّ تحوؿ النص إلى عبث
تكوف ىذه المغايرة ىدؼ لذاتيا ،واال ّ
()1
تفرده
يككف فييا ٌ " ىي (المغايرة) ،وسيمة الشاعر إلى خمؽ لغة شعرية داخؿ لغة النثر
كتتبدل مف خالليا شاعريتو.
ٌ
أىمية دراسة المغة الشعرية:
إف دراسة المغة لدل شاعر معيف تكشؼ مدل حقيقة تعاممو مع القكاعد المغكية ،ككيفية
االستفادة منيا ،فإذا كاف متمكنان مف الثكرة المغكية ،كلو مف الخبرة كاالقتدار ،ما يكفي لتكظيفيا
حسب رغبتو كفي الحدكد التي تعرضيا الضركرة الشعرية ،أما إذا كاف غير ذلؾ فسيأتي النص
قكم بسالمتيا فيسمـ الييكؿ ككؿ .كاف أعتكرىا ضعؼ
اإلبداعي ضعيفان ،لما لمٌغة مف تأثير ٌ
كتسرب إلى نفسو الس ٍاـ كسرعاف ما ينفر مف ىذا النص إلى
شعر المتمقي بالخمؿ ،كاالضطرابٌ ،
غيره.
كليس شرطان أف يككف استخداـ الشاعر لمغة عمى حسب القكاعد بؿ يفترض فيو أف يثبت
قدرتو المغكية في الخركج عف تمؾ القكاعد كاإلعراض عف المألكؼ ،مؤكدنا قدرتو عمى التقديـ
كالتأخير ،كالحذؼ ،كمغايرة التراكيب ،كالتكرار...كذلؾ كمٌو يقاس بمدل انفعالو ،كحدة مشاعره
تمي انز يبتعد بيا عف
التي تعكس طبيعة تعاممو مع المغة ،كبذلؾ تكتسب لغة الشاعر في قصيدتو ٌ
تكونيا مف ألفاظ بنيت عمى نسؽ معيف ،فاكتسبت
المألكؼ فػ" :طبيعة الشعر تُفيـ مف خالؿ ّ
بيذا التنظيـ البنائي صفتيا وحيويتيا ،وشخصيتيا ،حيث أف ىذا التنظيـ المعيف لأللفاظ
أكسبيا عالقات ودالالت جديدة"(.)2
1ـ خلٌل موسى :الحداثة فً حركة الشعر العربً المعاصر ،ط ، 1مطبعة الجمهورٌة ،دمشق ،1991 ،ص.99
2ـ ضٌاء الصدٌق :فصول فً النقد األدبً وتارٌخه (دراسة وتطبٌق) ،ط ،1دار الوفاء ،مصر،1989 ،ص .238
67
فني يختمؼ
إف لمغة أداة التعبير عف المشاعر ،كاالنفعاالت ،يستخدميا المبدع بأسمكب ٌ
عف استخداـ الشخص العادم ليا في التعبير عف مشاعره ،فيي إذان مقياس التمايز كالتفرد.
كيختمؼ استخداميا بيف الشعراء أنفسيـ ،ففي الكقت الذم نتفاعؿ مع قصيدة معينة ،ننجذب
بألفاظيا الرقيقة ،كلغتيا العذبة ،نجد أنفسنا ننفر مف قصيدة أخرل لبركدة ألفاظيا كرتابة لغتيا.
كنتذكقيا عمى ما فييا مف أساليب ،كرمكز،
ٌ ال ػ ػ
إننا نتفاعؿ مع التجارب الصكفية ػ ػ مث ن
كسعت مجاؿ المغة الشعرية ،كبعث فييا ركحان.
كمجازات ،كنستشؼ أبعادىا ألف ىذه التجارب ٌ
كنفسان جديديف ،متخذة مف اإلشارة ال العبارة مدخالن رئيسان(.)1
"أدونيس" لمتأكيد عمى أنو " :إذا كاف الشعر تجاو ازً لمظواىر ومواجية كلعؿ ىذا ما دفع
لمحقيقة الباطنة في شيء ما ،أو في العالـ كمو ،فإف عمى المغة أف تحيد عف معناىا العادي،
ذلؾ أف المعنى الذي تتخذه عادة ال يقود إلى رؤى أليفة مشتركة .إف لغة الشعر ىي لغة
جع ُؿ المغة تقوؿ
اإلشارة في حيف أف المغة العادية ىي لغة اإليضاح ،فالشعر ىو بمعنى ماْ :
ما لـ تتعمـ أف تقولو"(.)2
"جوف كوىيف" ( )Jean Cohenىي" :االنزياح عف لغة الشعر أك المغة الشعرية عند
لغة النثر باعتبار أف لغة النثر عنده توصؼ بأنيا لغة الصفر في الكتابة"(.)3
"كؿ ما ليس شائعاً وال عادياً وال كاالنزياح ييعد دخكالن في المغة الشعرية التي تعني:
مصوغاً في قوالب مستيمكة" ( ،)4كىكذا فالشعر يعتبر خركجنا عف المغة العادية أك المعيارية،
"ينيض عمى إعادة النظر في ييدميا ليعيد بناءىا مف جديد ،أم أف الشعر نشاط لغكم
فيك ٌ
النظاـ المغوي ،واإلمساؾ بما يتضمنو مف قوانيف توليدية تسمح بتمزيؽ ذلؾ النظاـ المغوي
( )5
ال في لغة النثر تتطابؽ دالالتيا
المتعارؼ نفسو قصد خمؽ ذرى تعبيرية جديدة" .فاأللفاظ مث ن
ال ما ،بينما العكس في لغة الشعر التي تحمؽ دالالتيا بعيدنا عف المعنى األكؿ
كال تقبؿ تأكي ن
1ـ ٌنظر :أدونٌس ،الصوفٌة والسورٌالٌة ،ط ، 3دار الساقً ،بٌروت ،لبنان،2006 ،ص .23
2ـ أدونٌس :مقدمة للشعر العربً ،ط ،3دار العودة ،بٌروت ،1979 ،ص 125ـ .226
3ـ ٌنظر :جون كوهن :بناء لغة الشعر ،تر :أحمد دروٌش ،د ط ،مكتبة الزهراء ،القاهرة ،د ت ،ص .37
4ـ المرجع نفسه ،ص .24
5ـ محمد لطفً الٌوسفً :فً بنٌة الشعر العربً المعاصر ،ط ،1سراس للنشر ،تونس ،1985 ،ص .29
68
"(.)1 لمسياؽ ،كليذا" :فالشعر ليس ىو النثر مضافاً إليو شيء ما ،ولكنو ىو المضاد لمنثر
تمرد النثر كمخالفو المألكؼ.
تتفجر مف ٌ
كبالتالي فشعرية المغة ىي تمؾ الشعرية التي ٌ
"أدونيس" فقد تعرض لمفرؽ بيف المغة الشعرية كالمغة غير الشعرية ،مف حيث اإلشارة أما
كاإليضاح فالمغة العادية كاضحة ال تتجاكز المعنى المعجمي بينما المغة الشعرية ىي الخركج
تتعكد الغكص فييا.
عف ىذا المعنى الكاضح كالمعمكـ إلى معاني أخرل لـ ٌ
كمما سبؽ نستنتج أف التركيز في التجربة الشعرية عمى المغة ،كخصائصيا بكصفيا مادة
بنائو ،كباعتبار أف المغة الشعرية ظاىرة أسمكبية" :فأسموب الصياغة الذي يستخدمو الشاعر
ىو التجربة ،وىو لغة الشعر"(.)2
كالمقصكد باألسمكب ىنا جممة الكسائؿ المستعممة مف قبؿ الشاعر مف ألفاظ ،كصكر،
تككف لنا نسيجان شعريان ،كليذا فالتعريؼ العاـ
كخياؿ كعاطفة كمكسيقى كالتي بتضافرىا كتكامميا ٌ
لمغة الشعرية " :ىي كمية العمؿ الشعري أو النسيج الشعري بما يشتمؿ عميو مف مفردات لغوية
وصور شعرية ومف موسيقى"(.)3
كىذا المفيكـ ىك الذم سنعتمده في دراستنا حيث سنسعى إلى تبياف عناصر المغة
الشعرية المحققة في ديكاف "معمقات عمى أستار الروح".
"ياسيف بف عبيد" ،نممس ال محالة مكىبتو عرجنا عمى دراسة المغة كطبيعتيا عند
كاذا ٌ
الف ٌذة في تطكيع مفرداتو المغكية كدفع عجمة المغة نحك الخمؽ ،عف طريؽ شحف لغة مختمفة
قصائده بالتكثيؼ الداللي كنممس كذلؾ اغترافو كتأثره بشعر سابقيو مف الصكفييف الكبار،
كيظير ذلؾ في تعميؽ الشاعر المبناني " محمد عمي شمس الديف" قائالن..." :إنو ديكاف لمشاعر
ياسيف بف عبيد ...أدركت مف خاللو كـ أف في استطاعة الكممات أف تخترؽ األزمنة كاألمكنة،
كالبالد كلألجساد ،بؿ األركاح ،اختراقان ،كما يخترؽ البرؽ جمد السماء .إنيا ىي التي تجعمنا
69
اليكـ نحمـ بامرئ القيس كالمتنبي و"مجنوف بف عامر" عمى مسافة آالؼ األعكاـ مثمما تجعمنا
عمى تماس مع "جبراف ،كمع "بوشكيف" ،ك"غارسيا لوركا"(.)1
"ياسيف بف عبيد" بجكدتو استطاع أف يخترؽ األزمنة يتبيف لنا مف خالؿ القكؿ ،أف شعر
ٌ
كاألمكنة ،كحتى األركاح لصدؽ تجربتو ككثافة تصكيره ،كصدؽ مشاعر ،لدرجة أف القارئ
أمرؤ القيس" و"المتنبي" لشعره يمتمس بعض خصائص سابقيو مف الشعراء الكبار أمثاؿ "
دؿ عمى شيء إنما يدؿ تمكنو مف المغة كسعة خيالو كصدؽ تجربتو كعمؽ
و"جبراف" كىذا إف ٌ
رؤيتو.
"ابف عبيد" إلى التصكؼ ضركرة فكرية نابعة مف تتممذه عمى يد قطب مف ككاف اتجاه
الزموري" كاعجابو الشديد بو ،كبأقطاب الصكفية
أقطابو في الجزائر "الشيخ عمر أبو حفص ّ
أمثاؿ "ابف عربي ،و"ابف الفارض" ...كفي ىذا الصدد يقكؿ الشاعر "شمس الديف"" :فمفردات
الوجد الصوفي مف الخفاء والتجمي ،والحب والمرض في الحب ،والطريؽ والسالؾ ،والروح
وغصوف الروح ،والنار والميؿ والمجاذيب والتيو ،وجمر التوجس ،والجمر األخضر ،وليمى
والتجديد والتوحد...كؿ ذلؾ وسواه ىو عدة الشاعر في قصائده وىي قصائد غزؿ بؿ قصائد
حب ربما ذكرتنا ببعض غزؿ ابف الفارض"(.)2
"ياسيف بف عبيد" يقكـ عمى مصطمحات الكجد نممس مف خالؿ ىذا القكؿ أف شعر
الصكفي ،كتجاربو إذ استعمميا استعماالن صادقان كذكيان في ديكانو مستمدان قكتو مف خمفياتو
الفكرية كالمعرفية كمستميمنا مف التراث الصكفي العريؽ كاألخذ مف كبار الصكفية تجاربيـ
كخبراتيـ فيك في تجربتو يسير عمى خطاىـ كيسمؾ دربيـ.
" فالمغة الصكفية ىي مف بيف الكسائؿ التي يعبر بيا الصكفي عف أحكالو ،كما أنيا
الشكؿ األسمى الذم يصؼ بو مراحؿ االرتقاء كالعركج نحك سدرة المنتيى ،ليست المغة الكاصفة
1
ـ ٌاسٌن بن عبٌد :معلقات على أستار الروح ،ص .7
2
ـ المصدر نفسه :ص .9
70
تفجر كؿ شيء ساكف ،فالشاعر ال يقؼ عند حدكد الكصؼ
بالمعنى المعتاد ،لكنيا المغة التي ٌ
بؿ يتعدل ذلؾ إلى الكشؼ كالتقرير"(.)1
"معمقات عمى أستار الروح" نستشؼ أف المغة نحت منحى فمف خالؿ دراستنا لديكاف
البساطة كاالبتعاد عف الغمكض أحيانان ،أم اكتماؿ الدائرة التكاصمية بيف المبدع كقارئو كسقكط
الجدراف بينيما ،فال مجاؿ ألم فاصؿ يحكؿ دكف بمكغ الرسالة.
كيظير ذلؾ في قكؿ الشاعر:
دفأ وساىرني الفرات طويال وىزني
في حػػػػجر بغػػػػػداد ،معيػػػػت ّ
ودرت في الحصار نخيال
شمت ّ
ّ صبي الخصيب مف الحسيف ظاللة
بيدي ويمبسني الردى إكيال ػػػػػت في يػػػػػػدي
يرب ُ وتنػػػػػػيدت قمػػػػػ ار ّ
بمدي...وشيكا يتجمي المأموال يا ليؿ بػػػغداد اطردت....وفي يػػػػدي
ال
يبكي ويحمؿ في اليديف رحي ً أـ يحتويػػػػػو عنػػػػػػػدما
ال حضػػػػػػػػػػػػػػػف ٍّ
ليؿ طويؿ ينحني ليزوال (.)2 يبكػػي طفولػػػػػة قمبػػػػػػػػػػػػو وبجفنػػػػػػػػػػػو
كما أنيا نحت منحنى الغمكض في أحاييف أخرل ،كذلؾ لمتعبير عف تجاربو الصكفية
التي تتكأ عمى المعجـ الصكفي كالذم ال يمكف فؾ شفراتو إال مف طرؼ قارئ المتمكف العارؼ
بخبايا الصكفية كمصطالحاتيـ كمعجميـ ،كىذا األخير يكتسي أىمية كبيرة في المتف الشعرم
عمى أساس أنو يكجينا إلى اختيار الشاعر فيما يتعمؽ بالمفردات ىذا مف جية ،كمف جية
أخرل الدالالت المتكخاة منيا عمى أف الكممات شقيف :استعماؿ حقيقي كآخر مجازم يضطمع
عما يركـ إليو مف زاكية نظره ال مف الكجية الطبيعية.
الشاعر مف كرائو التعبير ٌ
كالمالحظ عمى المعجـ المعاصر ككنو ينيؿ مف ينابيع أخرل ،حيث راح الشاعر يشحف
1
ـ محمد كعوان :الشعرٌة الرؤٌا وأفقٌة التأوٌل ،ط ، 1منشورات اتحاد الكتاب الجزائرٌة ،الجزائر،2003 ،ص .43
2
ـ ٌاسٌن بن عبٌد :معلقات على أستار الروح ،ص .34
71
معجمان خاصان جديدان يتكفؿ بتصكير ىذا الكاقع ككذا التعبير عميو ،كىذا ما نجده في المعجـ
الصكفي.
ال معجمينا ينتقي منو مختمؼ الكممات التي يراىا مناسبة لمتعبير
كما أنو كلكؿ شاعر حق ن
عما ىك بصدد طرحو كمعالجتو "فالمعجـ الف ّني يختمؼ في سياؽ الوعي الخيالي المبدع"(.)1
"جاف كوىيف" ) (Jean Cohenإلى القكؿ " :ليس ىناؾ شعر ما كفي سياؽ آخر يذىب
لـ يكف ىناؾ تأمؿ في المغة حيث البد أف يكوف ىناؾ إعادة خمؽ ليذه المغة داخؿ القصيدة
مف خالؿ تحطيـ األطر الثابتة ليا"(.)2
1ػػػػ 2ػػػػ التكرار:
يعد التكرار مف أىـ عناصر التشكيؿ اإليقاعي في الشعر المعاصر ،حيث أصبح مفتاحان
صب
ٌ ىامان لفيـ النص ككأبسط تعريؼ لو " :ىو الشيء نفسو يعود مرات ومرات "( ،)3كينـ عف
الشاعر بؤرة اىتمامو عمى صيغة معينة كتقكؿ في ىذا الصدد الباحثة "نازؾ المالئكة"" :التكرار
في حقيقتو إلحاح عمى جية ىامة في العبارة يعني بيا الشاعر أكثر مف عنايتو بسواىا "(.)4
بدءا مف أصغر كحدة أم الحرؼ
إذان يتعمؽ التكرار بعدة مستكيات في النص الشعرم ن
أساسا بالبنية اإليقاعية لمشعر ،كما
ن إلى الكممة ،فالصيغة (الالزمة) ،فالتكرار المغكم متعمؽ
يتحكـ فيو الشاعر عف قصد كىك يركـ إلى غايات فنية كجمالية معينة مسطرة مف قبؿ داخؿ
نصو الشعرم.
كفي سياؽ مغاير إذا سمٌمنا بسعي الشاعر كراء تكفير ىذه السمة األسمكبية في نصو
الشعرم ،يجب أف يككف عمى كعي كتمثٌؿ جمالي ،ألف التكرار سالح ذك حديف ذلؾ ألنو إذا لـ
الفني ،يصبح عبئنا عمى النص الشعرم بؿ كيعمؿ عمى تجديده عف حالكتو
يرقى إلى المصاؼ ٌ
1
ـ عاطف جودة نصر :الخٌال ومفهوماته ووظائفه ،د ط ،الهٌئة المصرٌة العامة للكتاب ،1984 ،ص .245
2
ـ جون كوهن :بنٌة اللغة الشعرٌة،ص .40
3
ـ فٌلٌب مانغ :نسق المتعدد ،تر :عبد العزٌز بن عرفة ،ط ، 1دار الحوار للنشر ،سورٌا ،2003 ،ص .25
4
ـ نازك المالئكة ،قضاٌا الشعر المعاصر ،ط ، 3منشورات مكتبة النهضة،1967 ،ص .242
72
" ففي كسع التكرار غير الفطف أف ييدـ التكازف اليندسي كيميؿ بالعبارة كما تميؿ حصاة دخيمة
بكفة ميزاف"(.)1
معمقات عمى ستار الروح" الحظنا سعة كمف خالؿ التمعف في المجمكعة الشعرية "
المعبرة.
ٌ تكظيؼ التكرار خاصة منو تكرار المفردات كالصيغ مما ساىـ بشحف قصائده باألنغاـ
كبالتالي يعد مف أىـ المنابع التي ينيؿ منيا الشاعر ليحقؽ في نظـ قصائده المكسيقى
الشعرية الداخمية كالخارجية كنقصد ىنا تكاتر الحركؼ في الكممة كالصيغ ،كيظير ذلؾ في قكؿ
الشاعر:
مرت خيوؿ الميؿ فوؽ غروب (.)2
مرت كآبتي الجديدة مثمما ّ
ّ
نالحظ في ىذا البيت تكرار لفظة "مرت" مرتيف كىك تكرار مزدكج الكظيفة ،فيك مف جية
حقؽ إيقاعان اضافيان لمبيت كمف جية أخرل يعكس أىمية ىذه السمة األسمكبية في تكضيح
المعنى كتككيده.
يقكؿ الشاعر:
تأتي عمى زمف تمشي بال قدـ (.)3 ما كاف أدناه لو كاف إلى زمف
نالحظ في ىذا البيت تكرار لفظة "زمف" ساىـ إلى حد كبير في خمؽ جمالية معينة
كاضفاء دينامية كحيكية عمى المقطع الشعرم.
كفيما يتعمٌؽ بتكرار الصيغ ،لمسنا ظيكرىا في بعض المقاطع في الديكاف لكف نسبة أقؿ
مقارنة مع تكرار المفردات كذلؾ في قكؿ الشاعر:
إلي البدايات
عائدات ّ
مف ذكريات أبي
مف بكور الطيور عمى شفتيو
وفوؽ يدي
1
ـ المرجع السابق:ص .244
2
ـ ٌاسٌن بن عبٌد :معلقات على أستار الروح ،ص .22
3
ـ المصدر نفسه :ص .26
73
رفرفت صفحة مف كتاب
إلي البدايات
عائدات ّ
مف كؼ أبي (.)1
كىذا ما شأنو أف أضفى جرسان مكسيقيان عذبان فضالن عف ربطو بالمضمكف ،أما بالنسبة
لتكرار الحركؼ ففي قصيدة "نسر جنوبي يكتب سيرتو" نممس تكرار حرؼ القاؼ ( )26مرة أك
حرؼ السيف ( )19مرة ،كحرؼ الياء ( )26مرة كحرؼ النكف ( )36مرة.
كالمعركؼ عف صكت القاؼ ككنو شديد الكقع أضفى عمى المقطع مكسيقي قكية
صاخبة ،أما صكت السيف العالي الصفير كالحاء الجرس أضفى صفة خاصة عمى التشكيؿ
المكسيقي ،كلعؿ أكثر الحركؼ تك ار انر بيذا الديكاف ككؿ ىك حرؼ الياء كداللة صرحية عمى
جراء الشكؽ كالحنيف لمذات اإلليية،
اآلىات التي يطمقيا الشاعر بغرض التنفيس عمى نفسو مف ٌ
ككذلؾ كصؼ كنقؿ مشاعره الجياشة تجاه المحبكب.
كعمى ىذا األساس يمعب تكرار الحركؼ دك انر ىامان في بعث المكسيقى الداخمية كبالتالي
إضفاء تيمة نغمية تؤدم ال محالة إلى تزكيد النص الشعرم بالجرس المكسيقي العذب مف جية
كتككيد المعنى مف جية أخرل.
"نازؾ المالئكة" إلى ظاىرة التكرار في الشعر العربي عمى أنيا ليست جماالن كتشير
يضاؼ إلى القصيدة ،كانما ىك كسائر األساليب يحتاج إلى أف تجيء في مكانو مف القصيدة
كأف تممسو يد الشاعر تمؾ الممسة السحرية التي تبعث الحياة في الكممات ،ألنو يمتمؾ طبيعة
خادعة فيك عمى سيكلتو ،كقدرتو في إحداث اإليقاع يستطيع أف يظمٌؿ الشاعر كيكقعو في
مزالؽ ،فيك يحتكم عمى إمكانيات تعبيرية تعني المعنى ،إذا استطاع أف يسيطر عميو،
مجرد تك اررات لفظية مبتذلة ،كما يقع ألكلئؾ
يتحكؿ إلى ٌ
كيستخدمو في مكضعو كاال فإنو ٌ
الشعراء الذيف ينقصيـ الحس المغكم كالمكىبة ،كاألصالة(.)2
1ـ ٌاسٌن بن عبٌد :معلقات على أستار الروح ،ص 44ـ .45
2ـ ٌنظر :نازك المالئكة :قضاٌا الشعر المعاصر ،ط ، 4دار العلم للمالٌٌن ،بٌروت ،لبنان،2005 ،ص .264
74
كاف الشاعر حريصان أف يجعؿ مف ىذه األصكات أك الكممات قكة فاعمة كىك يكظؼ
األسماء كالجمؿ االسمية ،ألنيا ذات طبيعة ساكنة كىادئة األمر الذم يتماشى مع طبيعة
القصيدة الصكفية.
نفسية الشاعر اليائسة مف ىذا العالـ لذا فيي تطكؽ إلى عالـ أكثر
تصكر ٌكاأللفاظ ٌ
إشراقنا ،تتخمص فيو مف ألـ الجراح كتتكحد بمحبكبيا األزلي فال فراؽ كال اغتراب كمف ىذه
األلفاظ نجد ( :الحنيف ،الشكؽ ،الغربة ،القبض ،البسط ،الالـ ،الكآبة ،األنيف ،الصدل.)...
كما نجده يكرر بعض األسماء متجاكرة تجاك انر أفقياًّ دكف أف يمس ذلؾ بجمالية القصيدة
كما في قكلو:
وتفيمت عيناؾ رمز شبوبي (.)1
ّ سر توحدي
فتمقّفت عيناؾ ّ
1ػػػػ 3ػػػػ القافية:
"اعتبرىا النقاد األقدموف الركف الثاني لقد نالت القافية مف االىتماـ ما نالو الكزف ،بؿ
()2
كال تكاد تذكر حتى يالحظ معيا الركم ،كىك الحرؼ الذم تنتيي بو جميع أبيات لمشعر"
القصيدة كاليو تنسب ،فتككف ميمية ،أك المية ،أك عينية ،أك سينية...
"واشترطوا ليا لكي تكوف مؤثرة أف تكوف متمكنة في مكانيا مف البيت غير مغتصبة
وال مستكرىة ،وأف تكوف عذبة سمسة المخرج ،موسيقية ،مناسبة لممعنى ،فيتوقع السامع
ترددىا ،ويستمتع بيذا التردد الذي يطرؽ اآلذاف بانتظاـ"(.)3
أما في النقد الحديث فقد أعيد بناء البيت الشعرم ،إيقاعينا كداللينا ،كمف ثـ تغيرت نظرة
النقاد إلى القافية التي لـ تعد خاضعة لمعيار قبمي مف خارج النص الشعرم ،كانما أصبحت
بالدكاؿ األخرل كبالمعنى خاصة.
صكرة كغيرىا مف الصكر ال تظير كظيفتيا إال في عالقاتيا ٌ
75
" كمف ثـ فاف إعادة بناء المسكف الشعرم في الحداثة العربية كالمعاصرة منيا عمى
الخصكص ،تطمب إعادة النظر في عنصر القافية ،ككظيفتيا في آف"(.)1
"انتقمت مف النظاـ الواحد في ظؿ قيود كتفنف الشاعر المعاصر في تشكيؿ القافية التي
ٌ
االلتزاـ التقميدية إلى أنظمة متعددة في إطار ما يبيحو الشعر المعاصر مف حرية إبداعية
كفيمة بأف تُقاوـ تمؾ القيود الممزمة"(.)2
()3
ذلؾ أف مف أبرز التقنيات التي وظّفت في الشعر المعاصر" يعتبر التنكع القافكم "
الشاعر يعيش في عالـ قائـ عمى الخيبات في جميع المستكيات" ،فكاف لزاماً أف تتجسد مرارة
( )4
ككما كاف التمرد عمى المغة كذلؾ شمؿ اإليقاع. التمرد"
الخيبة ورغبة ّ
"ابف عبيد" في كثير مف المكاضع كمنيا قصيدة كمثؿ ىذا التنكع القافكم نجده لدل
"وقفة عمى باب القمر"
كمنيا يقكؿ:
كسرب تدفؽ نحو المفر يدؽ عمى البػػاب فجر جديػػػػد
وفي جفنو أغنيات السحر عمى زنده نبضة مػػف زمػػػػػػاني
ففاض حنينا إلينا القمر وأنػػػػػػػػػػا وأدنػػػػا المزيػػػػا وتيمػػػػا
تي ىشمتؾ...كطي كتاب طويتؾ يا قمب عند المرايا الػػػ
يات القدامى خطى في التراب تسافر فػػػػػػػيؾ لياليػػػػؾ واألغػػػف
كف أو قطعة مف سراب
منى ّ فيػب لي...ىب ما ليديؾ تبقى
وفي قمبو أمرأة مف ورؽ تجمػػػػّى ىنػػػػػا رجػػػػػػػػػػؿ قزحػػػػػػػي
ويحممو أثر مف أرؽ تميؿ بو قامػػػػػػػػػػػػة مشتػػػػػػػػػػػياة
1ـ محمد بنٌس :الشعر العربً الحدٌث (بنٌاته وبداالته) ،ج ،3الشعر المعاصر ،ط ، 3دار توبقال ،دار البٌضاء ،المغرب،
،2001ص .142
2ـ حسن الغرفً :حركٌة اإلٌقاع فً الشعر العربً المعاصر ،د ط ،إفرٌقٌا الشرق ،الدار البٌضاء ،المغرب ،2001 ،ص
.68
3ـ المرجع نفسه ،ص .59
4ـ عبد الرحمان تبرماسٌن :البنٌة اإلٌقاعٌة للقصٌدة المعاصرة فً الجزائر ،د ط ،دار الفجر للنشر والتوزٌع ،القاهرة،
مصر،2003 ،ص .117
76
وضاؽ بو حزنو فاحترؽ (.)1 بكت مف حنيػػػػػػػػف فماؿ إليػػػػػيا
كفي ىذا المقطع نجد القكافي متكالية ،حيث تمت رفؽ نظاـ (أأأ ،ب ب ب،ج ج ج)
(كتاب ،التراب ،سراب) (كرؽ ،أرؽ ،احترؽ).
كنجده كذلؾ في قصيدتو" :عائد...مف سفر التمويف":
فيا
عندما تنطوي العوالـ َّد ما الذي تأخذ المسافة مػػػػػػػني
ويقيني وحزني األبدياَّد عندما تسكب القصائد شػػػػػػػػكي
لديا
ونشيدي وما تبقى ّ ىػػػػػػذه...ىػػػذه الكآبػػػػػة نػػػػػػػػايي
إلي غير زماني
وعبوري َّد إلػػػي غير قصيػػػػػػدي
ما طريقي ّ
مف فصوؿ توىجت مف كياني صاغ مني الشتات ىذي البقايا
ثـ ضمت كضمة األفعو ِ
اف أطمقتني إلى المػػػػػتاه يداىػػػػػػػػػا
أنا وحدي عمى نداؾ دلي ُؿ ساحر أنت يا ندى مقمتيػػػػػػيا
وطريقي وما انطمقت طوي ُؿ بيػػػػػعد
ٌ الح لػػػػي في دجػػػػػاي
ممكف لي الوصؿ أـ مستحيؿ (.)2 لست أدري وىا قريب صداىا
"إف تغيير نمط القافية ال ُيعزى لعجز لغوي ،وانما ىو تجسيد لواقع حضاري قائـ عمى
()3
فأراد الشاعر أف يجسد ىذا التناقض في شعره ،كأبى لقصيدتو إال أف التناقضات (الثنائيات)"
الراىف ،كقد أسيـ ىذا التنكع القافكم في إبراز قيمة جمالية مبنية عمى أساس درامي،
تكاكب ٌ
جراء ىذه الغربة الركحية.
كىي اإلحساس باأللـ الكامف في عمؽ الشاعر ٌ
فراغ البياض /البياض المنقط:
تدخؿ ىندسة القصيدة أك شكميا البنائي ضمف سمات القصيدة ،ألنيا ال تمثؿ المغة
كالصكرة كاإليقاع فحسب ،بؿ ىي كذلؾ البناء كالشكؿ الطباعي الذم تتخذه ،كلقد سعى الشاعر
المعاصر إلى تيديـ شكؿ القصيدة التقميدية التي عرفيا بالشكؿ العمكدم كأصبح بذلؾ ح انر في
1
ـ ٌاسٌن بن عبٌد :معلقات على أستار الروح ،ص .23
2
ـ المصدر نفسه :ص .24
3
ـ عبد الرحمان تبرماسٌن :البنٌة اإلٌقاعٌة للقصٌدة المعاصرة فً الجزائر :ص .117
77
ينكع في األشكاؿ كاليندسات
اختيار شكؿ القصيدة الذم يناسبو كيناسب تجربتو ،فأصبح إذف ٌ
مقيد ،كليذا فشكؿ القصيدة الحديثة" :خاضع في تركيبو...إلى
كلـ يعد خاضعان لنمكذج كاحد ٌ
رؤية خاصة وىندسة جديدة ،تغاير بنية القصيدة الكالسيكية ،ومف ثمة تساىـ في تحطيـ
النموذج الداللي القديـ المرتبط بعممية االلتقاء ،بخالؼ النموذج الداللي الحديث المتعمؽ
بعممية القراءة أكثر مف تعمّقو باإلنشاد"(.)1
كنالحظ مف خالؿ ىذا القكؿ أف الشاعر المعاصر يسعى في كؿ مرة إلى تغيير ىندسة
القصيدة كدالالتيا كيحاكؿ جاىدان إعطاء صكرة مميزة لقصيدتو خالفان لمقصيدة التقميدية
(الكالسيكية) التي اعتمدت عمى تكازم األبيات كتناظرىا.
"إف ما يولد الموسيقى/لإليقاع في القصيدة المعاصرة ليس فقط التفعيمة ،وأنواع
تشكميا إنما ىناؾ أجزاء أخرى يجري توقيع الموسيقى بيا ،ومنيا التوزيع والتقسيـ عمى
مستوى جسـ القصيدة ،وبيدؼ داللي محدد"(.)2
"البياض ليس فعالً بريئاً أو عمالً محايداً ،أو فضاء مفروضاً عمى كىذا يعني أف:
النص مف الخارج ،بقدر ما ىو عمؿ واع ،ومظير مف مظاىر اإلبداعية ،وسبب لوجود النص
السواء ،إذ تفصح
وحياتو...إف البياض ال يجد معناه...وامتداده الطبيعي إال في تعالقو مع ّ
الصفحة بوصفيا جسداً مرئياً عف لعبة البياض والسواد بوصفو إيقاعاً بصرياً"(.)3
نخمص مف ىذا القكؿ أف الفراغ كالبياض لو أىمية قصكل في القصيدة العربية المعاصرة
يكليو الشاعر كامؿ اىتمامو ،فيك يساعد في إنتاج الداللة كتعددىا كتجددىا ،فيك بيذا ليس
عمالن معزكالن عف النص ،يستعممو الشاعر بشكؿ تمقائي كعشكائي بؿ ىك عمؿ كاع كفي غاية
األىمية" .إف الفراغ ال يستقؿ عف مجمؿ البناء الكمي لمقصيدة ،ذلؾ أنو ال يمثؿ وحدة مضافة
لمنص ،أو زينة خارجية مستقمة عنو ،وانما ىي جزئية جوىرية مف كيانو تتفاعؿ مع سياقو
1ـ إبراهٌم رمانً :الغموض فً الشعر العربً الحدٌث ،د ط ،دٌوان المطبوعات الجامعٌة ،الجزائر ،1980 ،ص .299
2ـ ٌمنى العٌد فً معرفة النص (دراسات فً النقد األدبً) ،ط ، 4دار اآلداب ،بٌروت ،لبنان ،1999 ،ص .106
ٌ ،2ناٌر، 3ـ رضا بن حمٌد :الخطاب الشعري الحدٌث من اللغوي إلى التشكٌل البصري ،مجلة فصول ،القاهرة ،العدد
،1996ص .99
78
الكمي ،ومف ثـ تتفاوت داللتو بحسب النصوص وسياقاتيا المختمفة ،ويعبر عف دالالت كامنة
في الذات المبدعة لـ يتمكف التشكيؿ المغوي وحده مف ايصاليا ،وبيذا يسيـ الزماني والمكاف
في إيصاؿ الداللة"( ،)1كىك يتجسد لدل "ابف عبيد" في شكميف :فراغ البياض كالفراغ المنقٌط.
1ػػػػ 4ػػػػ فراغ البياض:
"ابف عبيد" إلى تركو بيف مجمكعة مف األبيات الشعرية ،كالتي تمييا لييدؼ إلى يعمد
دالالت قد تعني تكقؼ المتمقي ،كاالستعارة بالتفاكت بيف ما سبؽ البياض كما يمحقو ،كاف إلغاء
ىذا البياض أك تغيير مكاقعو يع ٌكر الداللة التي أراد الشاعر إيصاليا.
يقكؿ الشاعر:
ألنا غريباف
1
ـ المرجع السابق :ص .100
79
وألقيت نايي بعيداً
وبعثرت حزني عميو(.)1
إف ىذا الفراغ األبيض بعد كؿ مقطع يدفع المتمقي إلى التكقؼ بعد نياية كؿ مقطع مف
السكاء.
جية ،كالتكقؼ لو داللتو كتأثيره عمى ٌ
إف الفراغ الذم يعقب كؿ كممة ليس "ممسوخاً وال خيالياً ،بؿ ىو مشحوف بدوره ،يقطع
المعنى ويشعذه بدرجة عالية مف الكتابة ،األمر الذي يتطمب احتراـ توزيع الشاعر"(.)2
1ػػػػ 5ػػػػ الفراغ المنقّط:
إف التشكيؿ المكاني أضحى داال يحيؿ إلى النفس كانفعاالتيا ،كيعبر عف حاالت التكتر
اإلبداعي كلذلؾ يتكئ الشاعر "ياسيف بف عبيد " عمى الفراغ المنقط في مكاطف عديدة مف
)24ك(تكقيع عمى كثيقة بدءا مف العناكيف مثؿ( :عائد...مف سفر التمكيف ،ص
قصائده ن
جرح،!...ص ، )35لمتعبير عف حاالت التكتر كليضفي دالالت مصاحبة لمنص الشعرم.
كيذا الفراغ المنقٌط في قكلو:
يوما...ويوما تواسيني بالمراسيؿ(.)3 يا جرحيا...أنت...ياريحا تبعثرني
كالذم يعبر عف حالة تكتر الذات المتكمٌمة كيتجسد تكترىا بحالة الغربة كاالغتراب كالكآبة
اليـ كنازع
مفرج ٌ
كالشكؽ لمذات اإلليية ،ألف المتصكؼ ال يشكك غربتو إال هلل عز كجؿ فيك ٌ
الغـ كىك مزيؿ األقراح كاآلالـ كمبحث السعادة كاالنشراح.
ٌ
يقكؿ الشاعر:
مضاء(.)4
ُ لي ّف
كبعض كآباتي ُ لعينيؾ أتمو غربتي ...وقصائدي
فيذه النقط تحيؿ لمقارئ أف الشاعر يعيش حالة مف التكتر كالغربة مصحكبة بالكآبة كىك
يشكك لمذات اإلليية عذاباتو كشكقو إلييا ،كقد يعبر الفراغ المنقٌط عف المسككت عنو الذم يعمد
80
المتمقي إلى استكمالو بمخيمتو ،كقد ظير ىذا في بعض القصائد انطالقان مف العنكاف( :تكقيع
عمى كثيقة جرح.)!...
كيسيـ في خمؽ النص .إنو يشارؾ الشاعر في عممية
فإف المتمقي يستكمؿ الحديث ،ي
اإلبداع ،كيمتمؾ حرية أكبر في التأمؿ كالتأكيؿ ،تمامان كما يشارؾ في التجربة الشعكرية مف
ناحية ،كيشارؾ بفاعمية بمؿء الفراغات المنقطة المقصكدة بكعي مف الشاعر مف ناحية ثانية.
"إف دراسة الفراغ بشكمو المنقّط ،تحتاج إلى معرفة إنسانية واسعة لفؾ شفراتيا ،وىي
ارية مف النص الى المتمقي ومف المتمقي إلى النص،
معرفة يجب أف تتجسد في قراءة حو ّ
ارية الواعية تطمؽ مجا ًال واسعاً أماـ المتمقي لممشاركة في العممية
ومثؿ ىذه القراءة الحو ّ
إبداعية مشاركة ال تتجاوز حدود التأويؿ وكشؼ الدالالت ،فيي في شعر ابف عبيد لـ تأت
مخيمتو "(.)1
عبثية وانما عف قصد وعمد ،ورؤيتو وطريقة عمؿ ّ
نستنتج مف كؿ ما سبؽ أف استعماؿ بف عبيد لفراغ البياض كالفراغ المنقٌط لـ يكف عبثينا
كالدليؿ عمى ذلؾ التماسنا لحاالت االنفعاؿ التي اعترت الشاعر كىك يعبر عف حاالت الكجد
كالحب الصكفي تارة كحاالت الحزف كالشكؽ كاالغتراب تارة أخرل ،دكف أف ننسى حاالت السكر
اإلليي كالصحك ،ككؿ ىذه المشاعر الصادقة كاالنفعاالت تجعؿ القارئ يتفاعؿ مع ركح
القصيدة فيحزف لحزف الشاعر كيسعد لسعادتو.
ككذلؾ يمكف القكؿ أف الفراغ ال يستقؿ عف مجمؿ البناء الكمي لمقصيدة ذلؾ أنو ال يمثؿ
كحدة مضافة إلى النص كانما كحدة جكىرية مف كيانو متفاعمة مع سياقو الكمي كتتفاكت
دالالتيا بحسب النصكص كسياقاتيا المختمفة.
إف الشاعر "ياسيف بف عبيد" في ىذه األبيات مثال:
داء؟!
كطي سراب...والتذكر ُ
ّ فماذا إذف في ظاللؾ ينطػػػػػوي
بكاء؟! (.)2
إذا لـ يكف لألغنيات ُ وماذا ستجدي ذكريات نزيفيا
1ـ بلعرٌبً العاٌب :جمالٌات المكونات الشعرٌة فً شعر ٌاسٌن بن عبٌد ،مذكرة لنٌل شهادة الماجستٌر فً األدب الجزائري
الحدٌث (مخطوطة) ،جامعة الحاج لخضر ،باتنة 2008 ،ـ ،2009ص .122
2ـ ٌاسٌن بن عبٌد :معلقات على أستار الروح ،ص .17
81
"إيقاؼ البيت في نقطة يجعؿ مف الفراغ عنص انر أساسيان في إنتاج داللية الخطاب كاف:
يعضداف بالغة المحو التي تناقض بالغة
مف انطالقو أو انبثاقو في نقطة ما مف فراغوّ ،
االمتالء في القصيدة التقميدية ،ويظؿ البياض ،وتبعاً لذلؾ وجياً تتجمير فيو احتماالت كتابة
منذورة السترساؿ المحو ،حيث القارئ وحده يستطيع مؿء الفراغ كؿ مرة يق أر فييا النص،
وبتعدد القراءة يتعدد فعؿ الكتابة أيضا"(.)1
"معمقات عمى أستار الروح " ليسيف بف عبيد يجعؿ إف حضكر عالمات الترقيـ في ديكاف
مؤكالن " :إذ تعمؿ متضافرة عمى تحديد العالقات بيف أجزاء الخطاب ،فعالمة التعجب تثير
االنفعاؿ ،تدفع القارئ إلى التشكيؾ في تقريرية الحدث أك التي ٌكـ ،كاالستيزاء،
كالمتكاليتاف ..تشيراف إلى التكاصؿ كالنقاط المتكالية عمى السكر...تشير الى استمرار الحدث"(.)2
1ـ محمد بنٌس :الشعر العربً الحدٌث( ،بنٌاته وابداالتها) ،ج ،3الشعر المعاصر ،ط ، 3دار توبقال ،دار البٌضاء ،المغرب،
،2001ص .131
2ـ عبد الرحمان تبرماسٌن :البنٌة اإلقاٌعٌة للقصٌدة،ص .157
82
2ػػػػ الثنائيات الضدية:
إف المفارقة المعنكية كالمفظية مف مزايا النص الشعرم عامة كالصكفي خاصة ،ألنيا
جعمت منو بنية جدلية فسعت بعض الدراسات النقدية الحديثة إلى تفكيكيا عبر مقاربة البنى
المغكية المتعارضة لمكشؼ عف أبعاد ىذه المفارقة.
أكدع الشاعر الصكفي في نصو الشعرم خالصة تأمالتو في الككف كالكجكد ،كتجاربو
كما أظيرت العقمية الصكفية الخاضعة لمنطؽ الجدالية المتسمة بالشؾ كالتساؤؿ عف مجمؿ
مكضكعات الحياة كالسيما الراىنة كالمعقدة منيا ،كىذه السمة جعمت النص الشعرم الصكفي
متمي از الحتكائو عمى دالالت مفتكحة ال حصر ليا.
ٌ
اعتمد الفكر الصكفي في إنتاجو لممعاني المتقابمة ،المتباينة الغائرة في أعماؽ النفس
اإلنسانية التي تجسدىا ثنائيات ضدية ،فالحياة غريرة عاشيا الصكفيكف ىركبان مف الشعكر
بالمكت كتربية لمنفس عمى المجاىدة كالمكابدة كالعبادة كالمكت ىاجس ال يبرح مخيمتيـ كالنكر
كالظالـ مكجكداف جنبان إلى جنب في حياتيـ ،فسيركرة الحياة الصكفية يتجاذبيا طرفاف
متضاداف متكازياف متكافئاف كالعالقة بينيما عالقة نفي كتضاد كقد تككف عالقة إيجاب كتأكيد
كانسجاـ كالثنائيات المدركسة في ديكاف ياسيف بف عبيد تتمحكر حكؿ :الظالـ/النكر،
الكجكد/العدـ ،الحزف/الفرح ،البعد/القرب ،الكشؼ/الحجاب ،االنقباض/االنشراح،
القبض/البسط...
"بف عبيد" ،تربط بيف العامؿ كيقكـ ىذا البحث عمى الدراسة النصية لنماذج مف شعر
النفسي كالبنية الشعرية.
لكف قبؿ ىذا يجب أف تتعرض لمفيكـ الثنائيات الضدية:
83
التضاد " :ىو ضد الشيء ،خالفو ،وقد ضاده ،وىما متضاداف ،ويقاؿ ضادني فالف إذا خالفؾ،
فأردت طوالً فأراد قص ارً .وأردت ظممة فأراد نو ارً "( .)1أم كركد المعنى أك المفظة في السياؽ
الشعرم كنقيضيا سمينا كايجابنا.
كينظر إلى التضاد في النقد العربي القديـ عمى أنو مرادؼ لمطباؽ كالتكافؤ ،فقد جاء في
قكؿ " ألبي ىالؿ العسكري" عف الطباؽ " :أجمع الناس أف المطابقة في الكالـ ىي الجمع بيف
الشيء وضده ،في جزء مف أجزاء الرسالة أو الخطبة أو البيت مف بيوت القصيدة مثؿ الجمع
الحر والبرد"(.)2
بيف البياض والسواد والميؿ والنيار ،و ّ
كنالحظ مف ىذا القكؿ أف ال خالؼ بيف معنى التضاد كمعنى الطباؽ عف التقاء العرب
القدامى.
قولو تعالى" :فميضحكوا قميالً وليبكوا كثي ارً"(.)3 كيمكف أف نضرب مثاالن لذلؾ في
"قدامة بف جعفر" تحت نعكت المعاني أما التكافؤ الذم يحمؿ المعنى نفسو فقد أدرجو
عندما قاؿ" :ومف نعوت المعاني التكافؤ ،وىو أف يصؼ الشاعر شيئاً ،أو يذمو ويتكمـ فيو،
فيتأتى بمعنييف متكافئيف أي متقابميف ،إما مف جية المصادرة أو السمب واإليجاب أو غيرىما
مف أقساـ التقابؿ"(.)4
كيظير لنا مف خالؿ القكؿ أف التضاد يحمؿ مرادفات عديدة منيا :التناقض كالتكافؤ،
كنعكت المعاني كاستعماليا مف قبؿ الشاعر يككف بتقابؿ مصطمحيف أك أكثر إما بالمصادرة أك
السمب أك اإليجاب.
"الجاحظ" أف قانكف الثنائية الضدية ىك قانكف الحياة كالمعيشة ،كأف مككنات الكجكد كرأل
كيرد ىذه المستكيات الثالثة إلى ثنائية الثابت
تقكـ بأمكر ثالثة :منسجـ كمتغاير كمتضادٌ ،
، 2دار إحٌاء التراث العربً ،بٌروت ،لبنان( 1992 ،مادة 1ـ ابن منظور :لسان العرب ،تنسٌق وتعلٌق ،علً شٌري ،ط
ضدد).
2ـ أبو هالل العسكري :الصناعتٌن ،تح :مفٌد قمٌحة ،ط ، 1دار الكتب العلمٌة ،لبنان ،1981 ،ص .339
3ـ القرآن الكرٌم :سورة التوبة ،اآلٌة .82
4ـ قدامى بن جعفر :نقد الشعر ،تح :محمد عبد المنعم خفاجً ،د ط ،دار الكتب العلمٌة ،لبنان ،دت ،ص 147ـ .148
84
"( ،)1أم ساكف المتحكؿ كيقكؿ" :تمؾ األنحاء الثالثة كميا في جممة القوؿ جامد وناـ
ٌ ك
كمتحرؾ.
ٌ
المتحرؾ النامي ،كلـ
ٌ "الجاحظ" ما ىك الجامد كما ىك عمى الرغـ مف ذلؾ لـ يظير
يكضح أف النمك يناىض الجمكد كأف الحركة تناىض السككف ،كأف أثر الثنائيات في نفس قائميا
كبير ،كبعدىا النفسي كاضح كدافعيا االجتماعي دعا إلى اعتمادىا صيغة شعرية.
"عبد القاىر الجرجاني " أىمية التضاد كأثره في كعمى الرغـ مف تعدد المصطمحات أكد
السحر في تأليؼ المتباينيف
تشكيؿ الصكرة الفنية في قكلو" :وىؿ تشؾ في أنو يعمؿ عمؿ ّ
حتى يختصر لؾ بعد ما بيف المشرؽ والمغرب ويريؾ التئاـ عيف األضداد ،فيأتيؾ بالحياة
والموت مجموعيف ،والماء والنار مجتمعيف ،كما يقاؿ في الممدوح ىو حياة ألوليائو/موت
ألعدائو ،ويجعؿ الشيء مف جية ماء ومف جية أخرى نا ارً(.)2
"الجرجاني" فاعمية التضاد في النص الشعرم ،كمدل تعالؽ طرفي الثنائية لقد ٌبيف
كتكامميما ،كىذا لـ يبرزه غيره مف النقاد العرب القدماء الذيف اكتفكا بإبراز الصكرة الشعرية
كأركانيا ،كمعناىا المباشر كاكتفكا بتعريؼ الثنائيات كتعدادىا مف غير التركيز عمى أىميتيا
كأثرىا في نفس قائميا كدكرىا في التشكيؿ الجمالي لمنص الشعرم.
األكؿ ،كتختزؿ كيانيا ،اإلدارم ،أم أف لغة القصيدة ،تمثؿ سحرىا الجمالي ٌكالشؾ ٌ
جسدىا الذم يدكر بالحركة كالشيكة ،كيتضح بالمعنى كالداللة الكحدانية كالفكرية كالفنية ،كاٌنيا
بأف" :في كؿ قصيدة عربية
ّ مركز الفتنة كالحيكية في القصيدة كلي مبالغة ،كما يبدك ،القكؿ
عظيمة قصيدة ثانية ىي المّغة"(.)3
" فالتضاد كمككف استراتيجي في القصيدة يغني النص الشعرم بالتكتر كالعمؽ بما يعكسو
مف تناقض كتكتر كصراع كتقابؿ بيف أطراؼ المعنى عمكمان ،كالشعرية الخصكصية"(.)4
1ـ الجاحظ :الحٌوان ،تح :عبد السالم هارون ،ط ، 3المجمع العلمً العربً اإلسالمً ،لبنان ،1969 ،ص .42
2ـ عبد القاهر الجرجانً :أسرار البالغة ،ط ، 1مطبوعات المدنً ،مصر ،1991 ،ص .32
3ـ أدونٌس :دٌوان الشعر العربً ،الكتاب األول ،المكتبة العصرٌة ،بٌروت ،1964 ،ص 11ـ .12
، 7جامعة محمد خٌضر ،بسكرة، 4ـ لخمٌسً شرفً :إستراتٌجٌة التضاد وعالقتها بالنزعة الصوفٌة فً شعر عبد هللا العشً ،مجلة المخبر ،العدد
الجزائر،2011 ،ص .267
85
يتضح مف خالؿ ىذا القكؿ أف الثنائيات الضدية ركنان أساسيان مف أركاف الخطاب
الشعرم كبنية لغكية فاعمة في خمؽ تصكرات معينة تجاه مككنات الكجكد.
أدونيس" ىي" :مسألة انفعاؿ والتوتر فالمغة في التعبير الشعرم الحديث كما يراىا
والؤيا ،ال مسألة نحو وقواعد.)1("...
"أدونيس" أف المغة ىي أداة يعتمد عمييا الشاعر لمتعبير عف حاالتو كيتضح مف قكؿ
النفسية كاكتشاؼ غمكضيا ،كيقكؿ أيضا "أدونيس" أف" :التضاد كإستراتيجية بناء يتجمّى في
الديواف عمى شكؿ حشود مف الحركات الصغرى التي تنيض عمى التقابؿ الكمّي ،حيث تدخؿ
عالقة تجاذب وتقاطع وتشابؾ"(.)2
"أدونيس" في المنظكر الحديث تحدث التكتر فيك حيف يشعر بالتكتر معناه أف المغة عند
يمده بالحركة كالسيركرة كالديمكمة ،فتستكجب بذلؾ مفارقات الحياة اليكمية كالدخكؿ في
ٌإنما ٌ
تعد مسألة نحك كقكاعد كيرد في ىذا
عكالـ الشاعر كمكبكتاتو فيي إذف مسألة أعمؽ مف أف ٌ
التقابؿ أف التصكؼ كمحاكلة لتأسيس كضعية ركحية ينشط كيتكامؿ تحت التأثير ديالكتيؾ
كجداني يتسـ بتقابؿ األطراؼ كتعارض أحكاؿ الكجداف دكف االتجاه إلى القضاء عمييا برفعيا
إلى تركيب يككف حدنا ثالثنا ،لممتقابميف بإفناء أم منيما في األخر"(.)3
أنواع التضاد في ديواف "معمقات عمى أستار الروح":
القكم لظاىرة التضاد في ىذا الديكاف يدفع إلى السؤاؿ عف نكعو كليس
ٌ إف الحضكر
القصد بو التضاد التقميدم بحسب تقابؿ الكممات كالذم يتكزع إلى طباؽ كمقابمة ،لكف المقصكد
بو طبيعة التضاد مف حيث اختيار المفظ عمى سبيؿ االشتراؾ أك التكزيع (.)4
1ـ أدونٌس :زمن الشعر ،د ط ،دار العودة ،بٌروت ،لبنان ،1978 ،ص .18
2ـ المرجع نفسه :ص ن.
،1994ص 174ـ 3ـ ٌنظر :عاطف جودة نصر ،شعر عمر ابن الفارض ،د ط ،منشأة المعارف باالسكندرٌة ،مصر،
.175
4ـ ٌنظر :محمد الهادي الطرابلسً ،خصائص األسلوب فً الشوقٌات ،منشورات الجامعة التونسٌة ،1981 ،ص .98
86
أ ػػػػ التضاد المغوي :يعرفو "اليادي الطرابمسي" بأنو" :استعماؿ لفظيف اثنيف متضاديف بحكـ
الوضع المغوي ،ال يشترؾ معيما في ذلؾ ثالث" ( ،)1كمف ىذا التضاد في الديكاف مقابمة :البعد
بالقرب االنقباض /باالنشراح ،الحزف/بالفرح...
ب ػػػػ التضاد السياقي :يعرفو "الطرابمسي" بأنو :كؿ مقابمة كانت عالقة المتقابميف فيما
توزيعية"( ، )2فتقابؿ طرفي الثنائية في ىذا النكع مف التضاد ليس مرجعو إلى الكضع المغكم،
كانما ىك عائد إلى أسمكب الشاعر كحده.
ثنائيات الحزف والفرح:
األغنيات بكاء
تكاسيني الفرح تبعثرني الحزف
النغـ األحزاف
عرس الحزف
الفرح المر
ٌ
87
كمما يمكف استقصاءه مف ىذه الثنائيات أف الشاعر يعيش حاالت اضطراب مختمفة
منيا حالتي الحزف كالفرح ،فإذا أحس بالغربة كالكحشة كالحنيف ،يطمؽ آىاتو ليعبر عف شكقو
لمذات اإلليية كلكف عندما يقترب منيا يرتعش فرحنا كسرك نار لمقائيا ،كمشاىدتيا كدخكلو في
غيبكبة كجدانية ال يراىا كال يتذكقيا إال العارؼ.
كىذا االضطراب أدل بالشاعر الستعماؿ ىذه الثنائيات الضدية لتقريب الشعكر
األكؿ جمع الشاعر
كاإلحساس بالتجربة التي يعيشيا ،كحجـ المعاناة التي يعانييا ،ففي البيت ٌ
بيف متناقضيف ىما األغنيات /البكاء ،فالغناء يسمتزـ الفرح ،كجمع الشاعر بيف متناقضيف ىما
األغنيات /البكاء ،فالغناء يسمتزـ الفرح ،كالبكاء يسمتزـ الحزف فالشاعر يصكر لنا عذاباتو مف
شكؽ كحنيف لمذات اإلليية فيك عندما يتذكرىا يفرح كيغني سعادة أما عندما يتكقؼ خيالة
المر فيك يحزف كيبكي عذاباتو.
كيعكد إلى الكاقع ٌ
فالشاعر ىنا يجمع بيف المتناقضات كبالتالي فإف الشعر يعمؿ عمى تأليؼ المتبايف ،كىك
الركاية ،حيث يتـ
ما أسمتو "كريستيفا" بتناغـ االنزياحات ،كىذا ما ظير حسب الناقدة مع ٌ
الربط بيف الدليميف المتعارضيف في األصؿ كالمذيف يشكالف الحمقة المكضكعاتية :حياة /مكت،
خير/شر.)1(...
ثنائيات القرب والبعد:
راحت جاءت
ابتعدت البعد تقترب القرب
رحمتو استقر
تنسحب تقترب
، 1دار توبقال للنشر ،المغرب، 1ـ ٌنظر :جولٌا كرٌستٌفا :علم النص ،تر :فرٌد الزاهً ،مراجعة عبد الجلٌل ناظم ،ط
،1991ص .35
88
(.)1 كالريح راحت كجاءت بالتياكيؿ ىنا التقتني عمى شكؽ بيا امرأة
تغتالني بالتثني حيف تقترب(.)2 تغتالني بتثنييا إذا ابتعدت القرب ≠ البعد
بكاه أب رحمتو الغياىب فييا أستقر (.)3
كانت تقترب أقصانا كتنسحب (.)4 ضاؽ المكاف كضاقت كؿ أزمنة
الدالة عمى البعد (راحت ،ابتعدت ،رحمة ،تنسحب) تقابميا الكممات الدالة عمى
فالكممات ٌ
القرب (جاءت ،تقترب ،استقر ،تقترب) استعمؿ الشاعر ىذه الثنائيات الضدية لكصؼ قرب
كبعد الحبيبة منو فيي كمٌما اقتربت منو راح يعبر عف سعادتو لعالقاتيا كفجأة تغادر دكف
استشارتو فتضيؽ بو األرض كيتطمع بذلؾ إلى عكالـ أك حب حيث االرتكاء بفيض الحب
اإلليي ،ال يعرؼ حقيقتيا سكل المتصكؼ العارؼ.
كفي سياؽ آخر يقكؿ الشاعر:
تقوؿ لي بال لغة:
يا سيدي أنت أنا
كشؼ /حجاب.)5(!...
ٌ وبيننا
فاستعماؿ الشاعر لمثنائية الضدية كشؼ/حجاب ليا داللة عميقة في القصيدة ،فالصكفي
يتحمٌى باألخالؽ كالشيـ المحدكدة كيتخمٌى عف الصفات المذمكمة كالسمككات التي تغضب اهلل
عز كجؿ ،كيسعى جاىدان لنيؿ رضاه لكي يحدث الكشؼ المنتظر بعد الستر ،إذا يفتح اهلل عمى
عبده بعد الستر فيكشؼ لو بعض المغيبات كيظير لو أنكار المشاىدة.
89
كفي مكضع مغاير يقكؿ:
وحدؾ تأتيني
فارغا منؾ حتى يطيب المقاء
مدخؿ الصدؽ أدخمني
مخرج الصدؽ أخرجني (.)1
الضدية كىي (مدخؿ/مخرج) كفييا داللة عمى الذكباف
ٌ نالحظ استعماؿ الشاعر لمثنائية
الكمٌي في الذات اإلليية كالتطمع لعالـ مشرؽ فيك يناشد المحبكب أف يدخمو مدخؿ صدؽ أم
المكت كاليجرة إليو بعد طكؿ انتظار ككذلؾ يخرجو مخرج صدؽ كيعني الحياة العمكية
السماكية كالفردكس المنشكدة بعد المكت.
ككذلؾ يقكؿ:
وتنفضني انقباضاً وانشراحاً (.)2 تورطني عيونؾ في دمائي
كابف الفارض" و"ابف فاالنقباض كاالنشراح مف المصطمحات الرائجة عند المتصكفة "
عربي" فالشاعر ىنا ينيؿ مف التراث العربي القديـ كيأخذ منو ما ييكاتي تجربتو فاالنقباض عكس
األكؿ يستمزـ حدكث الثاني كالعكس صحيح.االنشراح كحدكث ٌ
"بف عبيد" يحمٌؽ بجناحي الثنائيات الضدية لممتصكفة مف انكشاؼ كستر فالشاعر
كانقباض كانشراح ،كقبض كبسط ،ضمف محاكلة لتحقيؽ الككنية ضمف أفؽ جديد ىك الحب
اإلليي الممزكج بنظرة استاطيقيا اإلدراؾ.
1
ـ ٌاسٌن بن عبٌد :معلقات على أستار الروح ،ص .46
2
ـ المصدر نفسه ،ص .28
90
3ػػػػ العتبات النصية:
3ػػػػ 1ػػػػ دراسة العنواف:
تعريؼ العنواف:
ػػػػ لغة :تندرج كممة "عنكاف" في القكاميس العربية ضمف باب (ع.ف.ف) أك باب (ع.ؿ.م).
عف لؾ منيا إذا نظرت إلييا ،أم
ػػػػ وجدناه في باب (عنف) مادة (ع.ف.ف) :عناف السماء ما ٌ
كعف الكتاب ،يعنو
ما بدا منيا ( )...كعننت الكتاب كأعننتو لكذا أم عرضتو ،كصرفتو إليوٌ ،
يعف الكتاب مف
عنا ،كعننتو ،كعنكنو ،كعنكننتو ،كعمكنتو بمعنى كاحد ( )...كسمي عنكانان ألنو ٌ
ناحيتو"(.)1
نفيـ مف ىذا الكالـ أف العنكاف ىك ما يظير في السماء إذا نظرنا إلييا ،كما نجده فييا
مف سحب ،كغيمة ،كنجكـ ،كشمس ،أما في الكتاب ،فيك منسكب إليو كمفتاح الكلكج إلى
محتكاه.
"وعموف الكتاب عمونة وعمواناً :عنونو ،عمواف الكتاب ،عنوائو يسمى بو ألنو يعموه" (.)2
كىذا التعريؼ يكضح لنا أف العنكاف ىك الذم يأتي عمى رأس كؿ مكتكب ،كىك فاتحتو فيعمكه.
"ويقاؿ لمرجؿ الذي يعرض وال يصرح ،قد جعؿ كذا عنواناً لحاجتو كأنشد:
وفي جوفيا صمعاء تحكي الدواىي "(.)3 وتعرؼ في عنوانيا بعض لحنيا
ما نستنج أف العنكاف تمميح دكف تصريح.
قاؿ "ابف بري"" :كالعنكاف :األثر ،قاؿ سكر بف المضرب:
كحاجة دكف أخرل منحت بيا كجعمت لمتي أخفيت عنكانا (.)...
"حساف بف ثابت" قاؿ :ككمما استدلمنا بشيء تظيره عمى غيره فيك عنكاف لو ،كما قاؿ
يرثي "عثماف رضي اهلل" عنو:
يقطع الميؿ تسبيحاً وقرآنا ()... ضحو بأمشط عنواف السجود بو
1ـ ابن منظور :لسان العرب ،مج ، 4دار صادر للطباعة والنشر ،بٌروت ،1997 ،ص .4449
2ـ المعلم بطرس :محٌط المحٌط ،ط ، 2مكتبة لبنان ناشرون ،لبنان ،1998 ،ص ( 63باب علً).
3ـ ابن منظور ،المصدر السابق ،ص نفسها.
91
كقاؿ "الرواسي" :لمف طمؿ كعنكاف كتاب ببطف أكاؽ ،أك قرف الذىاب"(.)1
نستنتج مف التعاريؼ السابقة أف العنكاف ىك عالمة سيميائية كظاىرة تنضكم تحتيا
أشياء يجب عمى القارئ أك المتمقي أف يفؾ شفراتيا كرمكزىا.
"العنواف ىو اسـ معطى نجد في المقابؿ التعريؼ المغكم في القكاميس األجنبية أف:
لعمؿ أو لجزء منو يعرفنا بالموضوع ويحيمنا عمى المحتوى"(.)2
يبيف محتكل المؤلٌؼ ،أك جزء منو كىك بمثابة تمخيص
نفيـ مف ىذا التعريؼ أف العنكاف ٌ
كفكرة سطحية عنو.
( ،...)Expressionتستعمؿ في تحديد كيعرؼ العنكاف أيضنا بأنو" :كممة ،جممة معبرة
مكتكب أك أحد أجزائو بدقة ،عمؿ أدبي أك فني أك حصة...الخ"(.)3
معبرة
نفيـ مف ىذا الكالـ أف العنكاف قد يككف كممة تعد مفتاحان لو كقد يككف كذلؾ جممة ٌ
قد تطكؿ كقد تقصر .كما تكضح لنا القكاميس الحديثة المعنى نفسو تقريبا ،فالعنكاف ىك" :كممة
معبرة في بداية كتاب أك مكتكب ) (Un livre ou un écritأك في أجزائيما ( )...كىي التي
تعرؼ بالمكضكع (.)4( )Et qui en fait connaitre le sujet
ٌ
ال في
نجد مف خالؿ التعريفيف أف العنكاف ذك طبيعة تفسيرية كما :أنو قد يككف مظمٌ ن
و
كمغر في جانب آخر. جانب
وفي متف المغة:
" ىو رأس العتبات وعميو مدار التحميؿ إذ ال ولوج إلى النص إال مف خاللو ،فيو أشبو
بعتبة المنزؿ التي تربط الداخؿ بالخارج وتوطأ عند الدخوؿ"(.)5
1
ـ ابن منظور ،المصدر السابق ،ص .4450
2
- Dictionnaire Encyclopédique de L/F, le Maxi dico, Edition de la connaissance, Paris, 1966, P 1096.
3
- Petit Larousse, librairie Larousse, Paris, Cedex, 1998, P 169.
4
- Larousse Enyclopédique en couleurs, Edition du club, France loisirs, Paris, 1993, P 9112.
،1النادي األدبً الثقافً ،جدّة ،مملكة العربٌة السعودٌة،2002 ، 5ـ معجب العدوانً :تشكٌل المكان وظالل العتبات ،ط
ص.7
92
اصطالحا:
اختمفت اآلراء حكؿ تحديد تعريؼ شامؿ كجامع لمعنكاف كذلؾ الختالؼ المنطمقات
ظر.
الفمسفية كالمرجعيات الفكرية لكؿ ناقد كمن ٌ
"جوف كوىيف" ( )Jean Cohenفإنو يعتبر العنكاف كاذا بدأنا التعريؼ االصطالحي مف
مف مظاىر الكصؿ كاإلسناد كالقكاعد المنطقية فيقكؿ" :إف طرفي الوصؿ ينبغي أف يجمعيما
مجاؿ خطابي واحد ،يجب أف تكوف ىناؾ فكرة ىي الموضوع المشترؾ وغالبا ما قاـ عنواف
الخطاب بيذه الوظيفة ،إنو يمثؿ المسند إليو ،أو الموضوع العاـ ،وتكوف كؿ األفكار الواردة
في الخطاب مسندات لو ،إنو الكؿ الذي تكوف ىذه األفكار أجزاءه ونالحظ مباشرة ،أف كؿ
خطاب نثري عمميا كاف أـ أدبيا يتوفر دائماً عمى عنواف ،في حيف أف الشعر يقبؿ االستغناء
عنو"(.)1
"جوف كوىيف" لـ يبتعد عف التعريؼ المغكم األجنبي ،ألنو نالحظ مف ىذا القكؿ أف
أف كؿ األفكار
يعتبر العنكاف بمثابة الفكرة العامة التي تحيط بالمكضكع كتعطي داللتو األكلية ،ك ٌ
فني عمميان كاف
التي تأتي بعده تعتبر مسندات لو ،كىك كذلؾ (العنكاف) ضركرم في أم عمؿ ٌ
أـ أدبينا.
ككما سبقنا لمذكر أف نظرة كؿ ناقد لمعنكاف تتغير كفؽ منطمقاتو الفمسفية كمرجعياتو
الفكرية ،كتبعنا لممدرسة التي ينتمي إلييا ،كيرل "روبرت شولز" ) (Robert Choulseعكس ذلؾ
أف" :العنكاف كحده لف يؤلؼ النص الشعرم ،كليس في كسع العنكاف ،كالنص الشعرم معنا أف
يخمقا قصيدة بمفردىا فالكممات المكتكبة عمى الصفحة ال تشكؿ عمالن شعريان مكتمالن كمكتفيان
فعالة مف قارئ مطمع
بذاتو بؿ تشكؿ نصنا ،أك مخططنا ،أك إطا نار عامنا ال يكتمؿ إال بمشاركة ٌ
عمى نكع مف المعمكمات الصحيحة"(.)2
1ـ جان كوهن :بنٌة اللغة الشعرٌة ،تر :محمد الولً محمد العمري ،د ط ،دار توبقال للنشر ،المغرب ،د ت ،ص .161
19و ، 20مركز 2ـ روبرت شولز :سٌمٌائٌة النص الشعري ،تر :سعٌد الغانمً ،مجلة العرب والفكر العالمً ،العددان
اإلنماء القومً ،1992 ،ص 175ـ .176
93
"شولز" يرل أف العنكاف كحده غير مكتمؿ الداللة كالمعنى نالحظ مف ىذا القكؿ أف
بمعزؿ عف القارئ ،الذم يعتبره األساس الذم يفؾ شفراتو ،كالقارئ بالنسبة إليو يجب أف يككف
ال لرصيد معرفي قبمي لممكركث الذم ينتمي إليو العنكاف كالنص الشعرم ،كيتطمب كذلؾ
حام ن
ميارة عالية في التأكيؿ كالفيـ.
رماني" أف " :العنواف يجعؿ النص داللة كمية تنطوي عمى أبعاد
"إبراىيـ ّ قد كرد في قكؿ
عميقة تحوي معاني شاممة وىو الكممة التي تختصر التفاصيؿ وتجمع األشتات ،وىو البداية
والنياية والجوىر الذي تدور في مداره عناصر القصيدة "(.)1
"إبراىيـ رماني" أنو يحمؿ مف العنكاف الكؿ الجامع لمعاني النص ،الداخمي نفيـ مف قكؿ
تصكر ألنو
كمضامينو ،فيك البداية كالنياية كالجكىر الذم تدكر حكلو عناصر القصيدة ،كىذا ٌ
يمكف أف يرد في القصيدة ما لـ يرد في العنكاف ،كقد" :يجد القارئ نفسو في ىذه الحالة أماـ
مشكمة عويصة الستحالة التوافؽ بيف النص الشعري والعنواف"(.)2
كىذا معناه أف القارئ يستعيف بمخزكنو الثقافي كاألدبي لتأكيؿ العنكاف كالبحث عف نقاط
تمحؿ كتكمٌؼ.
ٌ االشتراؾ بيف النص كالعنكاف دكنما
كمع ذلؾ نجد أف العنكاف طاقة انفجارية لمنص الشعرم لما يحممو مف معاف كأفكار ،فيك
يعد حمكلة مكثفة لممضاميف األساسية
يقكؿ في لحظة ما ال يقكلو النص في ساعات كبالتالي ٌ
لمنص كىك كجو لمنص ،فيك مفتاح أساسي يفتح لمقارئ الباب لمدخكؿ إلى مضمكف النص ألجؿ
تأكيمو ،فيك أداة تساعدنا عمى تفكيؾ النص كيسيؿ دراستو مف خالؿ تفكيكو كتقديمو لممعارؼ
كالمعمكمات ،كازالة الغمكض كالتعقيد فيو(.)3
فالعنكاف إذف األساس الذم تدكر حكلو :أنظار القارئ ،فيؤكؿ كيفسر حسب معطيات ىذا
النص الصغير ،أما إذا كاف ىذا األخير مراكغان فيضطر القارئ حينيا إلى الكلكج إلى قمب
1ـ إبراهٌم رمانً :أوراق فً النقد األدبً ،ط ، 1دار الشهاب ،باتنة ،الجزائر ،1985 ،ص .186
2ـ الطٌب بودربالة :السٌمٌاء والنص األدبً ،محاضرات الملتقى الوطنً الثانً ،منشورات الجامعة ،بسكرة ،الجزائر فً 15
و 16أفرٌل ،2000ص .24
3ـ ٌنظر :محمد مفتاح :دٌنامٌكٌة النص (تنظٌر وانجاز) ،ط ، 2المركز الثقافً العربً ،بٌروت ،لبنان ،1990 ،ص.72
94
النص ليستشؼ معانيو الخفية متكأ عمى مخزكنو الثقافي ،كبذلؾ تبرز العالقة بيف العنكاف
كالنص متينة ألف" :العنواف مرتبط ارتباطاً عضوياً بالنص الذي يعنونو ،فيكممو وال يختمؼ
معو ويعكسو بأمانة ودقة"(.)1
،1دٌوان 1ـ عبد المالك مرتاض :تحلٌل الخطاب السردي ( معالجة تفكٌكٌة سٌمٌائٌة مركبة لرواٌة زقاق المدن) ،ط
المطبوعات الجامعٌة ،بن عكنون ،الجزائر،1975 ،ص .277
2ـ عبد القادر رحٌم :سٌمٌائٌة العنوان فً شعر مصطفى محمد الغماري ،مذكرة لنٌل شهادة الماجستٌر ،جامعة بسكرة،
الجزائر 2004 ،ـ ،2005ص .26
95
"معمقات عمى أستار الروح" بشتى مدلكالتو كما يعكسو في كىكذا نصؿ إلى دراسة عنكاف
الديكاف مف قيـ جمالية كفنية كعالقة العنكاف الرئيسي بالعناكيف الفرعية.
الدالالت األولية لمعنواف في مجموعة "معمقات عمى أستار والروح":
ىك عبارة مف جممة اسمية تخمك مف األفعاؿ ،فيي تتككف مف مبتدأ كخبر جاء عف
طريؽ شبو جممة مف جار كمجركر كىي كاآلتي:
معمقات :مبتدأ مرفكع كعالمة رفعو الضمة الظاىرة عمى آخره.
عمى :حرؼ جر.
جره الكسرة الظاىرة عمى آخره .كىك مضاؼ
أستار :اسـ مجرك بػ "عمى" كعالمة ٌ
جره الكسرة الظاىرة عمى أخره.
الروح :مضاؼ إليو مجركر كعالمة ٌ
"معمقات عمى أستار الروح" لو داللة إيحائية ،كىي كانطالقان مف ىنا نجد أف العنكاف
الجر كعدـ الرجكع إلى الكراء ،معناه السير نحك المستقبؿ في اتخاذ ق اررات صائبة ،كىك إتباع
ٌ
لطريؽ الصكفية كعدـ النظر إلى الحياة العادية ،أم ترؾ الممذات كبمكغ سبؿ الصكفية في
كجؿ ألف الشعر الصكفي مرتبط ارتباطان كثيقان بالتجربة كحب اهلل كالعقيدة
عز ٌتكحيد اهلل ٌ
اإلسالمية.
بف فيذا العنكاف كأداة فاعمة مساعدة عمى تفكيؾ مضمكف الديكاف ،فيك ميـ في تجربة "
عبيد" ،كلو دالالت متعددة ،فيك بمثابة الرأس مف الجسد ،كليس كاسـ اإلنساف بعد الكالدة ألنو
قد ال يككف مطابقنا لو.
فما يككف تحت العنكاف داؿ عميو كمتصالن بو مف حيث األفكار كالكممات كالحركؼ،
لذلؾ اختار "بف عبيد" ىذا العنكاف ألنو نافذة ييط ٌؿ مف خالليا عمى مكاضيع الديكاف.
بأنو يؤمف بالثالثية
"معمقات عمى أستار الروح" ،نجد ٌ كمف خالؿ إمعاننا في داللة عنكاف
الصكفية القائمة بالتحمي كالتخمي كالتجمي ،كمعنى ىذا أف المتصكفة ممزمكف بالتحمي بالصفات
الحميدة كالتخمي عف ممذات الدنيا كمغرياتيا كشيكاتيا ،ليحدث التجمي كىك السمك إلى الذات
اإلليية كرؤية جماليا بعد كشؼ الستار أك الحجاب بينيـ كبيف اهلل.
96
كفي سياؽ مماثؿ يسعى الصكفي إلى السمك إلى أعمى المراتب الصكفية كتجاكز الركح
السفمى إلى الركح العميا ،كىذا يعني السمك مف المعالـ السفمي المحسكس إلى العالـ العمكم
الرحب بيدؼ المشاىدة كالقرب كالمحبة كالطمأنينة كاليقيف فالحب اإلليي ىك غاية الشاعر في
ٌ
ديكانو كقصائده كىك مبتغاه.
عدت مف أجمؿ كأجكد ما كتبو العرب
فالمعمقات في الجاىمية عبارة عف قصائد طكيمة ٌ
عمى اإلطالؽ كتبت بماء الذىب كعمٌقت عمى جدراف الكعبة ك "معمقات ياسيف بف عبيد" عبارة
عف أجمؿ القصائد عنده كتبت أيضان لتعمؽ عمى أستار الركح.
فإف الركح كذلؾ شيء مقدس عند
أف الكعبة شيء مقدس عند الجاىمية كالمسمميف جميعناٌ ،
كبما ٌ
إف الروح ليا أسماء كثيرة عمى
الشاعر "بف عبيد" ،كالركح عند المتصكفة ليا أسماء متعددةّ " :
عدد وجوىو ،يسمى بالقمـ األعمى وبروح محمد صمى اهلل عميو وسمـ ،وبالعقؿ األوؿ وبالروح
اإلليي مف تسمية األصؿ بالفرع"(.)1
فالركح إذف ليا اتصاؿ كثيؽ بالذات اإلليية التي ىي غاية المتصكؼ كأصؿ مجاىداتو
كمكابداتو ،كمف نقاط التشابو بينيما ،ىك تمؾ األستار التي تحجب رؤية المتصكؼ لمذات
اإلليية.
فالعنكاف إذف ،يكحي إلى أجمؿ القصائد عند "ياسيف بف عبيد" التي كتبت لتعمؽ عمى
أستار الركح .كمف ىذا كمو كضعنا مخططنا إيضاحينا لداللة العنكاف كىك كاآلتي:
1
ـ فؤاد أنوار أبً قرام :معجم المصطلحات الصوفٌة ،ط ، 1مكتبة لبنان ناشرون ،لبنان ،1993 ،ص.92
97
(الكعبة المقدسة)
(المعمقات)
قصائد جاىمية مكتكبة الجاىمييف
بماء الذىب
التعميؽ
عمى األستار
ىي :األحمر ،كاألسكد ،األصفر كالبرتقالي ،كاألبيض ،حيث شكؿ المكف األحمر شريطان محاطان
بالمكحة الزيتية كقميؿ مف المكف البرتقالي يكمؿ المكف األحمر ،كالمكف األسكد شكؿ عتمة حكؿ
المكحة الزيتية ،كالمكف األبيض جاء كخطكط محيطة بالمكف األحمر كاألصفر المكف في المكحة.
98
فقد احتكت الكاجية األكلى عمى العنكاف مكتكب بالمكف األبيض (معمقات عمى أستار
الركح) كىك في كسط المكف األحمر ،كتحت العنكاف مباشرة نجد لكحة زيتية مف تشكيؿ الفناف
المغربي "نور الديف ماضراف" ،كما كرد في مقدمة الديكاف ،فيي تتكسط الغالؼ كىي لكحة
أف المكف األسكد الذم
مبيمة المعالـ ،كغامضة يصعب فيميا .كاذا أردنا تأكيميا يمكف أف نقكؿ ٌ
نجده في أسفؿ المكحة الزيتية يمثؿ الحياة الدنيا كقتامتيا مغرياتيا ،أما المكف األحمر الذم يشع
في أعمى المكحة الزيتية بشكؿ طكلي ،فيمثؿ سمك الركح مف الحياة الدنيا إلى الفردكس المنشكدة
كالعكالـ السرمدية الراحبة ،فيي بذلؾ تجسيد لمثالثية الصكفية المذككرة سالفان أال كىي (التحمي
كالتخمي كالتجمي).
كفي سياؽ مغاير كفي الكاجية الخمفية لمغالؼ (ظير الغالؼ) نجد ذلؾ المقطع الشعرم
المكتكب بالمكف األبيض كمحاطان بإطار لكنو أبيض كذلؾ باعتباره عنصر خاص مف الديكاف.
كفكؽ ىذا المقطع الشعرم ،نجد في الجية اليمنى صكرة صاحب الديكاف "ياسيف بف
عبيد" كىك يحمؿ قممان في يده كاضعان رأس القمـ في فمو ،كعمى يسار الصكرة كتب عنكاف
الديكاف "معمقات عمى أستار الركح" كتحتو مباشرة نجد المعمكمات الخاصة بالكاتب.
كتحت المقطع الشعرم دائمنا نجد ممخص لمحتكل ديكاف بف عبيد" ،كفي نفس المنحى نجد أف
الغالؼ بكجييو األمامي كالخمفي يحتكم عمى خمس ألكاف( :األحمر ،األسكد ،األصفر،
األبيض ،البرتقالي).
فالمكف األسكد رمز القتامة كاالنكسار ،كلكف الميؿ كلباس األحزاف كرمز لمجراح العميقة
كاآلماؿ المنكسرة.
99
أما المكف األبيض فيك رمز النقاء كالطيارة كالنظافة كرمز النكر اإلليي ،كىك لكف األمؿ
كالتفاؤؿ كالحياة ،مقابؿ المكف األسكد رمز التشاؤـ كالمكت.
كالمكف األحمر كالبرتقالي رمز لمحب كالمحبة اإلليية ،أما المكف األصفر فيك رمز لمغيرة كالحقد
كالمكر كالخداع.
أ ػػػػ الموف األسود :يرمز إلى القتامة كالحزف كاالنسداد كالجراح العميقة ،كرمز لميؿ كيتضح لنا
ىذا في القكؿ "بف عبيد"
ظمأى وعيناؾ ،امتداد دروبي (.)1 مازلت أنزؼ والجراح قصيدة
كقكلو أيضنا:
مرت خيوؿ الميؿ فوؽ غروب (.)2 مرت كآبتي الجديدة مثمما
كفي قكلو:
جسد يمشي عمى شرر (.)3
ٌ ثاف ولي في لحظة الحزف أتموىا ولي رجعٌ
كنجده أيضان في:
أمامي الظالـ وحده الرفيؽ (.)4
ب ػػػ الموف األحمر :كيرمز إلى الحب كالمحبة اإلليية كيتضح لنا ىذا في قكؿ "بف عبيد":
وفي قمبو امرأة مف ورؽ (.)5 قزحي تجمى ىنا رج ٌؿ
ٌ
كفي قكلو:
ونار ليمى في الرؤى أـ تنيد لميمى شعاٌ في اليػػػػػػػػػػػػوى أـ تردد
ولكنما ليمى بيا تتسيد عيوني أرانييا اليوى ُج ُز ارً نػػػػػػػأت
ممدد (.)6
ليا الجرح ممشى والشراع ّ عمى الموج جاءت مف نواد أحبيا
100
كقكلو:
لـ تبؿ عيدي بيا األحداث والحقب (.)1 ليمى شعاري إذا أحببت ال النخب
3ػػػػ 3ػػػػ دراسة المقطع الشعري :يسبؽ المقطع الشعرم في النص ،فيك يأتي قبمو كقد كرد
عمى الجانب الخمفي مف ظير الغالؼ ،داخؿ إطار أبيض مكتكب بخط أبيض كذلؾ ،كىذا ما
يدخؿ ضمف تقنية اإلخراج النيائي لمنص ،جاء المقطع في الغالؼ الخمفي مقابؿ لمغالؼ
األمامي الذم كرد فيو الديكاف ،كفي ىذا داللة التقابؿ بينيما فالعنكاف ىك" :معمقات عمى أستار
الركح" كالمقطع الشعرم الذم يقابمو ىك:
( ،)2تـ كضعو في الجية كاف ىذا المقطع الشعرم مف اختيار الشاعر كباقتراح منو
الخمفية لمديكاف ،كىك مقطع مف قصيدة( :عائد ..مف سفر التمكيف)(.)3
إف المقطع الشعرم جاء شارحان لبعض مف الغمكض الذم يكتنؼ العنكاف ،فيك يكشؼ
ٌ
عف تكجو الشاعر كجية الصكفية ،إذ كجد نفسو ال يتماىى في ىذا العمؿ المفعـ بالمادية،
فيتطمع إلى عكالـ عمكية سرمدية عابرة لمزماف كالمكاف كالكجكد.
كجاء كذلؾ يكشؼ عف قميؿ مف حقيقة الرجؿ المممكء بالتناقض كالغرابة في تجربتو ،فقد ضاقت
بو األرض فاتسع في نفسو ىاربنا مف الضيؽ ،كلقد تمبد بالحزف كالشتات كالغربة ،كلكنو لـ
يضعؼ كلـ ييأس مف رحمة اهلل مثمو مثؿ المتصكفة المعركفيف بمجاىداتيـ كتضحياتيـ.
1
ـ المصدر السابق ،ص .32
2
ـ هذا ما صرح به الشاعر فً لقاء به بمكتبة معهد اللغة واألدب العربً بالجامعة المركزٌة بالجزائر ٌوم .1999/10/02
3
ٌاسٌن بن عبٌد ،المصدر السابق ،ص .24
101
فيك يستعيف باهلل كيميـ منو قكتو فيؤكد المقطع الشعرم في الكاجية الخمفية عف عكدة
الشاعر إلى ذاتو بشعره ،فال يمكف أف يدخؿ ذاتو إال عف طريؽ القصيدة (الشعر) ،كال يمكف أف
يعبر إلى ذاتو إال عف طريؽ زمانو ،يعني كؿ كاحد يحاكـ بزمانو ،كالشتات تمثؿ األجزاء كىذه
البقايا المتبقية مف فصكؿ اشتعمت مف كياني ،جسمة بفعؿ الزمف كأصبحت أشتات (أجزاء)
ضائعة ،كىذه البقايا المتبقية منو اشتعمت مف جسده ،ضيعتو في الضياع عكض أف تجمعو ثـ
ضمتو ،فاليداف ليما كضيفتاف متعاكستاف ،فمف جية تدالف عمى الضياع كالتيو ،كمف جية
أخرل تدالف عمى الضـ كالعناؽ.
كعمى صعيد آخر يعد ىذا المقطع الشعرم بمثابة عنصر أساسي لمكلكج إلى فيـ
الديكاف ،فيك كإجابة لمعنكاف حيث يتقبالف مف حيث الداللة ،كبالتالي يعطي فرصة لمتعرؼ
أكثر عمى النص ،فالقارئ عندما يجد صعكبة في فيـ العنكاف يسعى إلى تفكيؾ المقطع الكارد
في كاجيات الديكاف ،ككسيمة ناجعة لتفسيره بمجرد اإلطالع عميو ،فيك يسيؿ عميو الدخكؿ إلى
مضمكف النص كما يحممو مف أسرار يتجنب البكح بيا ،فيك إذف بمثابة خالصة لمعنكاف حيث
يتصؿ بالنص ثـ ينقطع عنو ،يجذب القارئ إليو كألجؿ ذلؾ فيك مرغـ عمى قراءة النص الكمي،
إف فعمو فعؿ يجذب التشكيؽ كالتحبيب.
ٌ
كفي ىذا الصدد يجد القارئ نفسو مرفكقان بقكة داخمية تجبره عمى العكدة إلى النص
األصمي بعد أف أدخمو مف العتبة الخمفية باعتبار العنكاف عتبة أمامية كالمقطع الشعرم عتبة
خمفية ،كىذا ما يجعؿ جميع العتبات كدعـ في عممية القراءة األكلية ،كتمنح القارئ فرصة
لمتعامؿ األكلي مع النص الذم يكتنفو بعض الغمكض مما يفتح الشيية لمقارئ حتى يمج إلى
سبر أغكار النص كفيمو.
102
لمنص الغائب ،فالذاكرة اإلنسانية تعتبر كاإلسفنجة تمتص النصكص بانتظاـ ،كحصيمة لترسبات
ثقافية ،اجتماعية ،أدبية ....تخزف في ذىف المبدع ليعيد استحضارىا في العممية اإلبداعية بشكؿ
انتقائي ،فتتفاعؿ ىذه النصكص المستحضرة مف الذاكرة ،داخؿ النص الجديد لتشكؿ كحدات
منسجمة في بنية النص المبدع حاممة بيف جكانبيا عناصر اإلثارة كالتجديد بفعؿ الخياؿ الخالؽ
الذم يخمؽ عالما جديدنا.
أصبح حضكر المكركث اإلنساني بأشكالو المتنكعة في الشعر العربي المعاصرة سمو
فنية ،يتسابؽ كثير مف الشعراء إلى استخداميا ،كقد أطمؽ النقد الحديث عمى الظاىرة مصطمح
التناص( )intertextualitéكىك مف المصطمحات الجديدة التي لـ يعرفيا النقد العربي المعاصرة
حتى زمف متأخر مف القرف العشريف.
كقد عرؼ ركاد الشعر العربي المعاصرة الكثير مف أشكاؿ التناص ،فالسياب ،كالبياتي،
كنازؾ المالئكة ،كنزار ،كأدكنيس ،كابف الفارض ،كابف عربي كغيرىـ ،نسجكا بعض قصائدىـ
متفاعميف مع مصادر ثقافية متنكعة كالقراف الكريـ ،كالتراث الشعبي ،كالتصكؼ كاآلداب كغيرىا.
103
التعريؼ التناص:
1ػػػػ في المغة العربية:
التناص" :مف نص ،نصا ،الشيء رفعو وأظيره ،نقوؿ :نصصت الحديث أي رفعتو إلى
صاحبو"(.)1
"والنص مصدر وأصمو أقصى الشيء الداؿ عمي غايتو أو الرفع والظيور ،ونص كؿ
شيء :منتياه"(.)2
فالنص إذف الرفع كالظيكر كالمنتيي.
كالتناص":ازدحاـ القوـ"(.)3
أم مضايقة بعضيـ البعض في مكاف ضيؽ،كتدافعيـ في حمقة تجمعية كاحدة.
كنصص المتاع":جعؿ بعضيـ فوؽ البعض"(.)4
كمنو" :نصصت:إذا جعمت بعضو عمى بعض ،ومنيا ينصيـ أي يستخرج رأييـ ويظيره ،ومنو
قوؿ الفقياء :نص القرآف ونص السنة ،أي ما دؿ ظاىره لفظيا عميو مف األحكاـ"(.)5
كنستشؼ مف التعارؼ السابقة أف التناص في المغة العربية ىك المنتيى كالرفع،
كاإلظيار ،كالمفاعمة في الشيء ،مع المشاركة كالداللة الكاضحة كاالستقصاء.
كيبدك أف ىذه المصطمح تجميات عديدة في تراثنا النقدم،كاف كانت بأسماء مختمفة،كمنو
قكؿ "عمي بف أبي طالب"" :لوال أف الكالـ يعاد لنفذ"(.)6
كيقكؿ "ابف فارس"" :والشعراء أمراء الكالـ...يقدموف ويؤخروف ،يومئوف ويشيروف،
ويختمسوف ويعبروف ويستعيروف"(.)7
1ـ أحمد بن فارس :معجم مقاٌٌس اللغة ،ط ،2مؤسسة الرسالة ،1986 ،مادة ن ص ،ص .843
2ـ المرجع نفسه :ص ن.
3ـ أحمد رضا :معجم متن اللغة ،د ط ،منشورات دار مكتبة الحٌاة ،بٌروت ،1960 ،ص .472
4ـ إبراهٌم مصطفى وآخرون :المعجم الوسٌط ،دار العودة ،اسطنبول ،توكٌا ،1989 ،ص .926
5ـ ابن منظور :لسان العرب ،تح :مجموعة من األساتذة ،دار المعارف ،مصر ،ص .446
6ـ أبو هالل العسكري :الصناعتٌن ،تح :مفٌد قمٌحة ،ط ، 2دار الكتب العلمٌة ،بٌروت ،1974 ،ص .218
7ـ ابن فارس أبو الحسن زكرٌاء :الصاحبً فً فقه اللغة ومسائلها وسنن العرب فً كالمها ،تح :عمر فروق الطباع ،ط ،1
مكتبة المعارف ،بٌروت ،1993 ،ص .267
104
يفيـ مف كالـ "ابف فارس" أف الشعراء كاألدباء القدامى لـ يككنكا متقكقعيف عمى أدبيـ،
كانما كانكا منفتحيف عمى ما قد قيؿ كيقاؿ ،فاستعاركا عف سابقييـ كاختمسكا اقتبسكا مف أقكاؿ
األكائؿ المعاني كالكممات ،ككانت تمؾ األقكاؿ بمثابة قدكة كانكا يحتذكف بيا.
فالكتابة إذف ىي إعادة إنتاج ،كأف التناص ىك قدرة كؿ مبدع ،كأف الكالـ األكؿ الذم لـ
يكف مكر نار ىك ما نطؽ بو أدـ ،كىك ما يؤكده "ابف رشيؽ" حيث قاؿ" :ومف عادة القدماء أف
يضربوا األمثاؿ في المراثي بالمموؾ األعزة واألمـ السابقة "(.)1
"وعمى الرغـ مف االرتباكات االصطالحية إال أف مفيوـ التناص ظؿ متقارباً في تعريفو
مف قبؿ النقاد والباحثيف فقد عرؼ بأنو النص الذي يمتص عدد مف النصوص مع بقائو
مرك از عمى معنى"(.)2
فيو بمثابة الماء واليواء والزماف كعف أىمية التناص يعمؽ محمد مفتاح قائالن" :
والمكاف لإلنساف فال عالقة لو بدونيا وال عيشة لو خرجيما" (.)3
يفيـ مف قكؿ "محمد مفتاح" أف التناص مف ضركريات األدب كمنبع حياتو كاستم ارريتو
كشبيو بالماء كاليكاء لإلنساف المذاف يعداف مصدر حياتو كبقائو حيث جعؿ اهلل منو كؿ شيء
حينا.
ب ػ المغة الفرنسية:
Intertextualité : « Ensemble des relations qu’un texte et notamment un texte
littéraire entretient avec autre ou avec d’autres tant au plan de sa création (Par la
citation, le plagiat, l’allusion, le pastiche…et) qu’au plan de sa lecture et de sa
compréhension par les rapprochements qu’opère le lecteur »(4).
،7ط ،1دار الكتب 1ـ ابن رشٌق القروانً أبو علً حسن :العمدة فً صناعة الشعر ونقده ،تح :مفٌد محمد قمٌحة ،ج
العلمٌة ،بٌروت ،1983 ،ص.150
2ـ نور الهدى لوشن :التناص بٌن التراث والمعاصرة ،مجلة أم القرى لعلوم الشرٌعة واللغة العربٌة وآدابها ،ج ،15العدد
،26صفر 1424هـ،ص .1022
3ـ محمد مفتاح :تحلٌل الخطاب الشعري ،إستراتٌجٌة التناص ،ط ، 3المركز الثقافً العربً ،الدار البٌضاء،1992 ،ص
.125
4
- Le petit Larousse compacte, Le premier du siècle, Canada, Juillet 2000, P 555.
105
كىذا مفاده أف التناص ىك مجمكعة العالقات التي تربط نصان أدبيان ػ ػ بصفة خاصة ػ ػ ػ
نص أخر أك نصكص أخرل ،في مستكل إبداعو (مف خالؿ االقتباس ،االنتحاؿ ،التمميح،
المعارضة...إلخ) كفي مستكل قراءتو كفيمو بفضؿ الربط الذم يقكـ بو القارئ.
Et l’intertextualité aussi : « Est la relation que le sujet d’énonciation met
entre des texte qui sont aussi en dialogue entre eux, se recomposant entre eux à
travers la culture du sujet. L’intertextualité implique qu’il n’ya pas de sens arrêté,
mais que la sémantique d’un texte et une dynamique »(1).
كىذا يعني أف التناص ىك العالقة التي يكجدىا مكضكع الخطاب بيف النصكص
المتحاكرة فيما بينيا ،كالتي يعاد تركيبيا مف خالؿ المكضكع حيث ال يقتضي التناص كجكد
معنى نيائي ،بؿ يقتضي الداللة السينمائية لنص ما.
جػ ػ في اآلداب الغربي:
أعطت "جوليا كريستيفا" ( )Julia Cristivaالمفيكـ التالي لمتناص" :كؿ نص ىك
امتصاص كتحكيؿ لكثير مف نصكص أخرل"(.)2
يعني ىذا أف كؿ نص جديد يصدر إلى الساحة األدبية ىك امتصاص لكثير مف
نصكص سابقة أك معاصرة ،كردت في الذاكرة الشعرية تشكيال كظيفيان ،بحيث يغدك النص
الحاضر خالصة العدد مف النصكص التي زالت الحدكد بينيا.
"وكأنيا مصيورة مف المعادف المختمفة المتنوعة األحجاـ واألشكاؿ ،فيعاد تشكيميا
وانتاجيا في أحجاـ وأشكاؿ مختمفة بحيث ال يبقى بيف النص الجديد وأشالء النصوص
السابقة سوى المادة ،وبعض البقع التي تشير إلى لنص الغائب"(.)3
كفي نفس المنحى نالحظ أف تقنية التناص تسمح بإحياء النصكص القديمة كميالد
نصكص جديدة مف رحميا ،كىذه األخيرة تتحكؿ إلى الرحـ لكالدة نصكص أخرل جديدة ،كما
نالحظ كذلؾ أف تقنية التناص تسمح بتعدد النصكص كاألجناس األدبية فقد يككف النص القديـ
1
- Claude Kannas, Larousse, Dictionnaire de linguistique et de Science du langage, assistée de Janine Faure,
Décembre, 1994, P 255.
،2000ص 2ـ خلٌل موسى :قراءات فً الشعر العربً الحدٌث والمعاصر ،د ط ،منشورات اتحاد الكتاب العرب ،دمشق،
.51
3ـ المرجع نفسه :ص ن.
106
شعريا أك دينيا ،أك تاريخيا ،أك مف التراث الشعبي ...أك غيرىا كلذلؾ فإف مصطمح التناص يقكؿ
بتداخؿ األجناس األدبية كسكاىا.
إف إعادة الكتابة قد تتـ مف خالؿ أحد القكانيف التالية:
قانوف االجترار :كيككف النص الحاضر فيو استمرار لمنص الغائب ،كىك إعادة لو إعادة
محاكات كتصكير ،كيتمخص عمؿ المؤلؼ في تقديـ النص الغائب في أكزاف شعرية.
قانوف االمتصاص :و ىك قبكؿ لمنص الغائب ،كتقديس لو ،كاعادة كتابة بطريقة ال تمس
بجكىره ،كينطمؽ المؤلؼ ىنا مف قناعة راسخة ،كىي أف ىذا النص غير قابؿ لمنقد أك الحكار.
قانوف الحوار :كىك نقد لمنص الغائب ،كتخريب لكؿ مفاىيمو ،كتفجيره لو ،كافراغو مف بنياتو
المثالية ،كىك ال يقبؿ الميادنة ،فيك أعمى درجات التناص كأرقاىا(.)1
اكتسى التناص مفيكمان جديدان حيث ":لـ يعد النص الغائب اجت ار ارً لنص أخر عمى النمط
القديـ(التضميف) واف عثرنا عمى ىذا الضرب في المتف الشعري الحديث ،بؿ غدا توظيفاً
معقداً في أغمب األحياف يولد تفاعالً خصباً بيف النصوص أي تناصاً Intertextualitéيثري
مناخاً مغاي ارً لألصؿ ،تتداخؿ فيو عناصر ىذا النص الغائب وتتزامف في عمؽ النصية"(.)2
ونا
مغاير لممفيكـ القديـ ،الذم يقكـ يفيـ مف ىذا القكؿ أف التناص اكتسب مفيكمنا جديدنا
عمى التضميف كاالجترار لمنص ،فقد أصبح في الدراسات المعاصرة شكالن جماليان يقكـ عمى
اإلبداع كالخياؿ الخالؽ ،كرسـ صكرة جديدة لمنص الغائب كاكتسابو معاني جديدة تثرم معاني
لـ يكتسبيا النص الغائب.
أما "جوليا كريستيفا" فيي تعرؼ التناص" :إنو ترحاؿ لمنصوص وتداخؿ نصي ،ففي
"( ،)3أم أف فضاء نص معيف تتقاطع وتتنافى ممفوظات عديدة متقطعة مف نصوص أخرى
النص خاضع لممخزكف الثقافي كاألدبي كىك انصيار نص في آخر .
1ـ ٌنظر :محمد بنٌس :ظاهرة الشعر المعاصر فً المغرب (مقاربة بنٌوٌة وتكوٌنٌة) ،ط ،1دار العودة ،بٌروت،1979 ،
ص 277ـ .278
2ـ إبراهٌم رمانً :الغموض فً الشعر العربً الحدٌث ،د ط ،دار هومه ،الجزائر ،1991 ،ص .432
3ـ جولٌا كرستٌفا :علم النص ،تر :فرٌد الزاهً ،ط ، 2دار توبقال للنشر ،الدار البٌضاء،1977 ،ص .21
107
تقكؿ "جوليا كريستيفا"" :فالممارسة النصية ليست مجرد نقؿ بسيط لعممية كتابة عممية
ما ...إنما تقوـ بزحزحة ذات خطاب عف مركزىا لتنبني ىي"(.)1
يفيـ مف قكؿ "كريستيفا" أف العممية اإلبداعية تنطمؽ مف خمفيات تحركيا كتثيرىا ،كاف
النص األدبي لو ارتباط كثيؽ بذاكرة األدب.
كتقكؿ أيضا" :أف النص األدبي يخترؽ حاليا اإليديولوجية والسياسة ويتطمع لموجيتيا
وفتحيا واعادة صيرىا"(.)2
يفيـ مف ىذا الكالـ أف النص األدبي اخترؽ جميع النكاحي اإلبستيمكلكجية ،االجتماعية،
السياسة ،كلـ يعد معالجة ضيقة ،بؿ اخترؽ كتجاكز كؿ اآلفاؽ ،كمف ىنا كاف البد مف كجكد
منيج نقدم جديد لتحميؿ النص األدبي الذم تشكؿ مف عدة ركافد ،نص لـ يحدث قطيعة مع
الماضي.
أنواع التناص:
نجد أنكاع عديدة مف التناص ذكرت في الدراسات الحديثة كالمعاصرة ،كلكننا سنكتفي
بدراسة بعض منيا في الديكاف كىي كاألتي:
أ ػػػػ التناص الخارجي:
كفيو يحاكر الشاعر نصكص غيره " :سواء السابقة عميو ،أو المتزامنة معو ،دوف
االىتماـ بجنس عمى حساب األخر ،حيث يغدو مجاؿ التناص مفتوحا عمى مصراعيو ،ليكشؼ
عف مواطف التأثير ،مف خالؿ تقاطع النص الحاضر مع نصوص أخرى في إطار التفاعؿ
النصي القائـ عمى المفارقة واالختالؼ أو التحوير والتطوير فيو وسيمة تواصؿ ال يمكف أف
يحصؿ القصيد مف أي خطاب لغوي بدونو"(.)3
ففي قصيدة "أنا في ىواىا جممة" يقكؿ الشاعر:
ونار ليمى في الرؤى أـ تنيد لميمى شعار في اليػػػػػوى أـ تردد
1
ـ المرجع نفسه :ص .13
2
ـ المرجع السابق :ص .13
3
ـ محمد مفتاح :تحلٌل الخطاب الشعري ،ص .134
108
ولكنما ليمى بيا تتسيد عيوني أرانييا اليوى جػػػػز ارً نػػػأت
ليا الجرح ممشى والشراع ممدد عمى الموج جاءت مف نواد أحبيا
عمى شجر يدنى إليو التوحد وبيني وبيف النور ليػػػػػمى محيمػػػػة
وفي يدييا مني مرايا توقد تشكمت موسوماً بضوء زنػػػػػػودىا
سواي...ولي خمؼ العوالـ موعد ونبض خفي ليس يػػػػػبدى لسػائر
يتعيد
أي رسـ بعدىا ّ
معاّ ... ومف ذاتيا ذاتي دػػػػػػنت فتالشتػػا
صدني عنيا ىوى يتصيد
وال ّ صػػػػدىا عني بريػػػػؽ ظالمػيا
ّ فما
أنا في ىواىا واحد يتعدد (.)1 أنا في ىواىا جممة غػػػػير واحػػػػد
كفي قصيدة "شعار آخر ىارب إلى األندلس" يقكؿ:
لـ تبؿ عيدي بيا األحداث والحقب ليمى شعاري إذ أحببت ال النػػػػخب
منو ارتياب..ىواىا كمو تعب سري إذا عممت سري وسػػػػػػػػاورىا
إذا تراءت فمف رعشاتو السحب يا أييا الجسد الممحو صػػػػػورتو
مضفورة عنباً ما شكمو عنب تيمػػػػػػػػػي وتمطر آىػػػات وداليػػػة
جرحا عمى كبدي يندى وينسكب إني لتجرحني..إف تفض بحتػػػػيا
تغتالني بالتثني حيث تقترب تغتالػػػػػػني بتثنيػػػػػػػيا إذا ابتػػػػػعدت
منيا الجوانب واألفالؾ والشيب وطاولت كؿ نخؿ األرض ضاوية
كانت تقرب أقصانا وتنسحب ضاؽ المكاف وضاقت كؿ أزمنة
بنا إلى التيو أرض أرضيا ليب خمؽ المرايا تمػمى لحػػػػػػػػػػػػظة عػػػػبرت
منيا يدؿ عمييا حيف تحتجب ليمى...ويجرحني عطر عمى عمى أثر
لألربعيف خرينا في دمي صغب تمضي إلى غاية غيػػػػري وتتػػػػػػػػركني
مف غير ما يمحي مف رفضيا رغب جرحي عمى األرض وانبثت تسػػػير بو
وراءىا صوت قمبي ظؿ ينتحب تعطي لمػػػػػػف قامة حػػػػػػػػػػػػمـ تسمقػػػػيا
1
ـ ٌاسٌن بن عبٌد :معلقات على أستار الروح ،ص .31
109
إال بأف اليوى مف مثميا عجب اهلل أعمـ...ما في األمػػػػر مف عػػػػػػػػػػمؿ
عمى الدواـ وفي سري ليا سبب (.)1 كيؼ التسمي ومف حولػػػػػػػػي مواقفػػػػػػػػيا
فالمتأمؿ في ىذيف النصيف ،يالحظ مدل تداخميما مع شعر "قيس بف المموح" خاصة
مف خالؿ استدعاء شخصية "ليمى" كالتي ترمز إلى المحبكب الكاحد األحد.
كيقكؿ "قيس":
فيؿ لي إلى ليمى الغداة شفيع مضى زمف والناس يستشفوف بػػػػػػػي
مف أىؿ والماؿ التميد نزيع يضعفػػػػػني حبػػػػػػػػيؾ حتػػػػػػػػػى كأننػػػػػػي
أجف صديع
أبت كبدي مما ُّد إذا ما لحػػػػػػػػػاني العػػػػػػػػاذالت بحبػػػػػػػػيا
ويشعب مف كسر الزجاج صدوع مدى الدىر أو يندي الصفا مف متونة
وقالوا تبوع تَ ُبوعٌ لمضالؿ مطيع وحتى دعاني الناس أحػػػػػػػػػمؽ مائػػػػػػقا
يؤرقني والعاذالت ُىجوع(.)2 وكيؼ أطيػػع العػػػػػػػػػػػػاذالت وحػػػػػػػػػػػػػػبيا
فالشاعر "بف عبيد" في استدعائو لتجربة (قيس وليمى) ال يقؼ عند حدكدىا المعركفة،
بؿ يعطييا أبعادان جديدة ،كيضفي عمييا رؤية صكفية كلذلؾ يمكف القكؿ أف التناص في ىذه
النصكص تناص كاع ،فالشاعر ال يكرر النص الغائب بداللتو التاريخية الدالة عمى الحب
اإلنساني بؿ ينفمت مف براثف الجسد ليدؿ عمى الحب اإلليي.
110
تتآلؼ فييا مبانييا بمعانييا ،فتتكقع كتتناغـ في صكرة ال يرقى إلييا ال أشعر الشعراء ،كال أغنى
القكافي.
كفي ديكانو ىذا يريد الشاعر أف يتجاكز عذابو ،كيتخطى أحزانو ،كلف يتأتى لو ىذا إال
يعرىج فيو بسيد
السحر ليكافؽ بذلؾ كقتان أ ٍ
إذا غادرت الركح الجسد ،كيتخير ليذه المرحمة كقت ٌ
الخمؽ(ص) كليستكحي بذلؾ نصو مف تركيب يأخذ مف سكرة مريـ كسكرة اإلسراء قكلو
( ،)1فيقكؿ "بف تعالى":سبحاف الذم أسرل بعده ليال مف المسجد الحراـ إلى المسجد األقصى"
عبيد":
يبقى وأعبر أحالمي وقافيتي أغادر الجسد المضنى لغربتو
كآبتي في يدي خيمي وذاكرتي (.)2 ليال إليؾ أىز الجذع مخػػػػترفا
نممس حضكر الشعرية "معمقات عمى أستار الروح"، كمف خالؿ تحميمنا لممجمكعة
التناص الديني في المجمكعة ،فيك تداخؿ نصي امتزج في خضمة صكت الشاعر مع أصكات
النصكص القرآنية الكريمة ،كلكف حضكرىا كاف حضك انر جديدان ،دعائمو رؤل كركائز جديدة ،ىك
في ذلؾ ال يختمؼ عف غيره مف الشعراء العرب عامة كالجزائرييف خاصة في استحضاره
لمختمؼ المرجعيات النصية التي حضي فييا النص القرآني بحصة األسد.
"يوميات بعيدة" ،حيث حقؽ كىذا ما نالحظو في ىذا المقطع الشعرم مف قصيدة
الشاعر تناصان مع سكرة اإلسراء كمنح لنصو بعدان دالليان إضافيان حيث يقكؿ:
ال سبيؿ إلى الممتقى
غير أف تحمؿ العيد في الكؼ
وحدؾ تأتيني
1
ـ القرآن الكرٌم :سورة اإلسراء ،اآلٌة .1
2
ـ ٌاسٌن بن عبٌد :معلقات على أستار الروح ،ص .37
111
فارغا منؾ حتى يطيب المقاء
مدخؿ الصدؽ أدخمني
مخرج الصدؽ أخرجني
عندما سمت مف كمو أث ارً لمبقاء(.)1
عز كج ٌؿ حسف الخاتمة ،يناشد إلى
نالحظ مف خالؿ األبيات أف الشاعر يطمب مف اهلل ٌ
الحياة العميا ،الفردكس المنشكدة مف طرؼ كؿ ىمريد.
أد ِخمِْني ْ
مد َخ َؿ حيث استحضر الشاعر بالسياؽ (سكرة اإلسراء) في قكلو تعالى َ ":وقُ ْؿ َربِّي ْ
اجعَ ْؿ ِلي ِم ْف لدُنْ َؾ سُمْطَاناً نَ ِص َا
ير"(.)2 ج ِص ْد ٍؽ َو ْ
ِص ْد ٍؽ وأَ ْخ ِر ْجِني مَ ْخ َر َ
كيقاؿ أف أىؿ مكة لما ائتمركا برسكؿ اهلل(ص) ليقتمكه،أك ليطردكه ،أك يكثقكه ،فأراد اهلل
قتاؿ أىؿ مكة ،أمر أف يخرج إلى المدينة .يعني الدخكؿ إلى المدينة سالمان كلخركج مف مكة
سالمنا مف شرىـ ك بطشيـ.
ككذلؾ يفيـ مف قكؿ الشاعر(أدخمني مدخؿ صدؽ) يعني بو المكت (كأخرجني مخرج
صدؽ) كيعني بو الحياة الثانية بعد المكت أم العيش في الجنة كمعناه أيضان اليجرة إلى عكالـ
سرمدية رحبة.
جػ ػ التناص عمى مستوى العنونة:
كأكؿ تعامؿ بصرم يربط بيف الكاتب كمتمقية ،كمف الكىمة
يعتبر العنكاف كاجية الكتابٌ ،
األكلى لما نتمقى عتبة مثؿ(معمقات عمى أستار الركح) تحمينا مباشرة إلى المعمقات السبع
الجاىمية التي كانت تيعمؽ عمى أستار الكعبة قبؿ مجيء اإلسالـ ،كتعتبر ىذه القصائد مف أركع
كأنفس ما قيؿ في الشعر العربي القديـ كمثميا مثؿ معمقات "ابف عبيد" التي يعدىا مف أجكد
بف عبيد" أشعاره حتى اآلف ك ٌأنيا عمقت عمى أستار الركح المقدسة بالنسبة إليو ،فالشاعر "
تناص كتحاكر مع النص األصمي مف حيث العنكنة.
1
ـ المصدر نفسه :ص .46
2
ـ القرآن الكرٌم :سورة اإلسراء ،اآلٌة .80
112
أف العنكاف يتعالؽ نصيان مع بعض الدكاكيف الشعرية مثؿ ديكاف الشاعرة العراقية
كما ٌ
"دحمة الناصرم" معمقات عمى أستار العراؽ ،ككذلؾ الشاعر المغربي "عبد الجكاد" معمقات عمى
أستار الكأس ،ككذلؾ ديكاف الشاعر السكداني"الطيب محمكد النكر" معمقات عمى أستار
الخاطر.
113
خاتػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػمة
114
يعد مكضكع التصكؼ مف أىـ المكاضيع الذم احتؿ مكانة مرمكقة في أدبنا العربي
عامة كالجزائرم خاصة ،لما يحممو مف مبادئ خمقية عالية ،لذا فكممة صكفية تعاكس كؿ
مظاىر المجكف كالغزؿ الحسي كتدعك إلى ما ىك مثالي خمقي يتصؿ بمحبة اهلل ،كعبادتو،
كيترجـ كذلؾ تجاربيـ المنفردة ككصؼ حاالت الكجد التي تعترييـ جراء االتصاؿ كالنظر في
الجماؿ اإلليي المطمؽ،متخذيف مف الرمز األنثكم إطا نار أرضينا لبمكغ أسمى درجات التجمي
كالجماؿ.
كعمكما يمكف رصد أىـ النتائج التي أفضى إلييا البحث في النقاط التالية:
ػ ػ كرد الرمز عند الصكفية عمى نكعيف األكؿ منيما ما كاف عف كاتفاؽ كمكاضعة ،كأخذ سمة
االصطالح عمى نحك ما يعرؼ ب االصطالحات الصكفية كاستعمؿ ىذا الرمز خشية عمى
معانييـ مف الضياع كالشيكع أما النكع الثاني فيرجع إلى تمؾ الحالة الكجدانية التي يعشييا
الصكفي مف خالؿ تجربتو.
ػ ػ األسمكب الرمزم ىك الطريؽ الكحيد الممكف الذم مف خاللو يستطيع الشاعر الصكفي التعبير
عف رياضتو الصكفية ،كعممو بخفايا األمكر التي ال تنكشؼ إلى ألىؿ الحقيقة.
ػ ػ تتبايف المغة الصكفية عف المغة العادية أك المغة التكاصؿ اليكمي لككف المغة الصكفية حافمة
بالرمكز كاإلشارات.
ػ ػ استخداـ الشاعر لرمكز المرأة بطريقة بعيدة عف الحسية ،فمممعشكقة كىي الذات اإلليية،
صفات بشرية كصفات أخرل ركحية ،فالشاعر استخدـ رمز المرأة كإطار ،أرضي لمتعبير عف
المحبة اإلليية.
ػ ػ استطاعت التجربة الصكفية أف تؤسس نظرة جديدة لممرأة كاألنثكية باعتبارىا رمز المقدس،
كمعبر ضركريا نحك المتعالي كالسرمدم .
ػ ػ نالحظ أف رمز الخمر في شعر "ياسيف بف عبيد" قد منح لتجربة الشاعر دينامية جديدة قكاميا
الجمع بيف ما ىك حسي كال حسي ،مف خالؿ الجمع بيف ثنائية السكر كالصحك ،فالشاعر
استعمؿ رمز الخمرة الالحسية لمتعبير عف تجربتو الصكفية.
115
ػ ػ لقد كجد الشاعر في عيكف المرأة مجاال لمنزكع إلى الحنيف الصكفي الذم ينقمو مف رتابة الحياة
المادية إلى رحاب الكجكد الباقي كمنابع الحياة الخالدة.
ػ ػ لكؿ شاعر أك كاتب معجمو الخاص بو الذم يستمد منو مصطمحاتو كمفرداتو ،كفي شعر
ياسيف بف عبيد نممس مكىبتو الفذة في تطكيع مفرداتو المغكية كدفع عجمة المغة نحك الخمؽ
متكئا عمى معجـ صكفي كمستمدا ذم قكة كتكثيؼ داللي ،فاستطاع بمغتو أف يخترؽ األزمنة
كاألمكنة.
ػ ػ كاف اتجاه بف عبيد إلى التصكؼ ضركرة فكرية نابعة مف تتممذه عمى يد قطب عف أقطابو في
الجزائر كىك الشيخ عمر أبك حفص الزمكرم ،كاعجابو الشديد بو ،كبأقطاب الصكفية.
ػ ػ نستشؼ أف المغة نحت منحى البساطة كاالبتعاد عف الغمكض أحيانا كما نحت منحى
الغمكض في أحاييف أخرل ،كذلؾ لمتعبير عف تجاربو الصكفية التي تتكأ عمى المعجـ الصكفي
في غالب األحياف.
ػ ػ إف تكظيؼ تقنية التكرار خاصة بعض المفردات كالصيغ ،أسيـ بشكؿ فعاؿ في شحف القصائد
بأنغاـ معبرة ،كىي تمنح إيقاعا إضافيا لمقصيدة فتكسييا بنكية صكفية.
ػ ػ كاف الشاعر حريصا أف يجعؿ مف األصكات كالكممات قكة فاعمة كىك يكظؼ األسماء،
كالجمؿ االسمية ألنيا ذات طبيعة ىادئة األمر الذم يتماشى مع طبيعة القصيدة الصكفية.
ػ ػ إف حضكر عالمات الترقيـ في ديكاف معمقات عمى أستار الركح يجعؿ منيا مؤكال،فعالمة
التعجب تثير االنفعاؿ كالتساؤؿ،كالمتكاليتيف ( )..تشيراف إلى التكاصؿ ،كالنقاط المتكالية ()...
تشير إلى استمرار الحدث كىي كميا تكحي بالتكتر كالقمؽ كىاجس اإلنعتاؽ عمى مر األياـ ككر
الميالي.
ػ ػ كظؼ الشاعر الثنائيات الضدية تكظيفا داال عمى حاالت االضطراب التي يعشييا ،لتقريب
الشعكر كاإلحساس بالتجربة الصكفية ،فالشاعر بف عبيد يحمؽ بجناحي الثنائيات الضدية
لممتصكفة مف انكشاؼ كستر كانقباض كانشراح ،كقبض كبسط ،ضمف محاكلة لتحقيؽ الككنية
ضمف أفؽ جديد ىر الحب اإلليي.
116
ػ ػ تعد العتبات النصية أكؿ شيء يقع عمى ناظر المتمقي باعتبارىا المفتاح الذم يمج مف خالليا
إلى النص ،فيتسمؿ مف خالؿ العنكاف باعتباره أكؿ عتبة يحاكؿ المتمقي فؾ رمكزىا،ثـ يأتي
الغالؼ كممارسة لتأكيؿ مضمكف النص الداخمي ،حتى يصؿ إلى المقطع الشعرم الكارد في
الكاجية الخمفية،لجس نبض النص كفؾ شفراتو.
ػ ػ يدؿ التفاعؿ النصي المكجكد في ديكاف ياسيف بف عبيد عمى انفتاح النص الشعرم الصكفي
عمى عكالـ مختمفة ،إذ ظؿ المتصكفة يغرفكف مف مجاالت عدة،كالقرآف الكريـ ،كمختمؼ
الفمسفات الشرقية كالغربية ،كىذا مف شأنو شحف القصائد بيالة مف المثاقفات مع نصكص عدة
فيظؿ النص الشعرم الصكفي أفؽ متعدد ،مفتكح عمى القراءة كالتأكيؿ.
117
البيبميوغرافيػػػػػػا
118
Iػػػػػ المصادر:
119
10ػ ػ بف عبيد ياسيف :معمقات عمى أستار الركح (مجمكعة شعرية) ،منشكرات دار الكتاب،
الجزائر.2003 ،
11ػ ػ الجرجاني عبد القاىر :أسرار البالغة ،ط ، 1مطبكعات المدني ،مصر.1991 ،
12ػ ػ الجرجاني عمي ابف محمد:
التعريفات ،د ط ،المطبعة الخيرية ،مصر 1306 ،ىػ.
التعريفات ،ط ، 1دار الكتاب المصرم ،القاىرة1991 ،ـ.
13ػ ػ الزمخشرم :أساس البالغة ،دار صادر لمطباعة كالنشر ،بيركت1965 ،ـ.
14ػ ػ السراج الطكسي:
الممع في تاريخ التصكؼ اإلسالمي ،د ط ،دار التكفيقية لمطباعة ،مصر ،د.س.
الممع ،تح :عبد الحميـ محمكد كطو عبد الباقي سركر ،دار الكتب الحديثة بالقاىرة،
مصر.1960 ،
15ػ ػ ػ العسكرم أبك ىالؿ :الصناعتيف ،تح :مفيد قميحة ،ط ، 2دار الكتب العممية ،بيركت،
.1974
16ػ ػ الغزالي أبك حامد :المنقذ مف الظالؿ ،د ط ،القاىرة 1316 ،ىػ.
17ػ ػ الفيركزابادم :القامكس المحيط ،ط ، 5مؤسسة الرسالة ،بيركت1966 ،ـ.
18ػ ػ ػ الكالباذم أبك بكر :التعرؼ لمذىب أىؿ التصكؼ ،د ط ،القاىرة. 1960 ،
120
6ػ ػ أحمد رضا :معجـ متف المغة ،د ط ،منشكرات دار مكتبة الحياة ،بيركت.1960 ،
7ػ ػ أدكنيس عمي أحمد سعيد:
مقدمة لمشعر العربي ،ط ، 3دار العكدة ،بيركت.1979 ،
الثابت كالمتحكؿ ،د ط ،دار العكدة ،بيركت ،لبناف.1977 ،
الصكفية كالسريالية ،ط ، 1دار الساقي ،بيركت ،لبناف.1992 ،
ديكاف الشعر العربي ،الكتاب األكؿ ،المكتبة العصرية ،بيركت.1964 ،
زمف الشعر ،ط ، 2دار العكدة ،بيركت ،لبناف.1978 ،
الصكفية كالسكريالية ،ط ، 2دار الساقي ،بيركت ،لبناف.1990 ،
الصكفية كالسكريالية ،ط ، 3دار الساقي ،بيركت ،لبناف.2006 ،
8ػ ػ إسماعيؿ عز الديف:
الشعر العربي المعاصر (قضايا كظكاىره الفنية كالمعنكية ) ،ط ، 3دار العكدة ،بيركت،
لبناف.1981 ،
الشعر العربي المعاصر ،ط ، 5دار العكدة ،بيركت ،لبناف.1988 ،
9ػ ػ أميف يكسؼ عكدة :تأكيؿ الشعر كفمسفتو عند الصكفية (ابف عربي) ،ط ،1منشكرات رابطة
الكتاب األردنييف ،عماف.1995 ،
مذاىب األدب معالـ كانعكاسات ،ج ،2الرمزية ،ط ،1المؤسسة 10ػ ػ األيكبي ياسيف:
الجامعية لمنشر كالتكزيع ،بيركت ،لبناف.1982 ،
11ػ ػ بدير عكف فيصؿ :تصكؼ اإلسالمي الطريؽ كالرجا ؿ ،د ط ،مكتبة سعيد رأفت ،جامعة
عيف الشمس.1983 ،
،مجمة الخطاب الشعرم الحديث مف المغكم إلى التشكيؿ البصرم 12ػ ػ ػ بف حميد رضا:
فصكؿ ،القاىرة ،العدد ،2يناير.1996 ،
13ػ ػ ػ بف فارس أحمد :معجـ مقاييس المغة ،ط ،2مؤسسة الرسالة ،1986 ،مادة ف ص.
الصكفية عقيدة كأىداؼ ،ط ، 1دار الكطف لمنشر ،رمضاف، 14ػ ػ ػ بنت عبد اهلل ػميمى:
1410ىػ.
121
15ػ ػ ػ بنيس محمد:
الشعر العربي الحديث (بنياتو كابداالتو) ،ج ،3الشعر المعاصر ،ط ،3دار تكبقاؿ،
دار البيضاء ،المغرب.2001 ،
،ط ،1دار العكدة، ظاىرة الشعر المعاصر في المغرب (مقاربة بنيكية كتككينية)
بيركت.1979 ،
16ػ ػ ػ نسيمة بكصالح :تجمي الرمز في الشعر الجزائرم المعاصر ( ،شعراء رابطة إبداع الثافية
نمكذجان) ،ط ، 1رابطة اإلبداع الثقافية الكطنية ،الجزائر.2003 ،
17ػ ػ ػ تبرماسيف عبد الرحماف :البنية اإليقاعية لمقصيدة المعاصرة في الجزائر ،د ط ،دار الفجر
لمنشر كالتكزيع ،القاىرة ،مصر.2003 ،
18ػ ػ ػ تميمة عبد المنعـ :مقدمة في نظرية األدب ،د ط ،دار لمثقافة لمطباعة كالنشر ،القاىرة،
مصر.1976 ،
الكنز في المسائؿ الصكفية ،د ط ،الييئة المصرية العامة 19ػ ػ ػ التيجاني صالح الديف:
لمكتاب ،مصر.1999 ،
20ػ ػ ػ حاكم إيميا :الرمزية كالسكريالية في الشعر الغربي العربي ،د ط ،دار الثقافية ،بيركت،
لبناف.1980 ،
21ػ ػ ػ الحكيـ سعاد :المعجـ الصكفي ،ط ، 1دندرة لمطباعة كالنشر ،لبناف.1981 ،
22ػ ػ الحنفي عبد المنعـ :المكسكعة الصكفية ،ط ، 1مكتبة مدبكلي ،القاىرة ،مصر.2003 ،
23ػ ػ ػ الخطيب عمي :اتجاىات األدب الصكفي بيف الحالج كابف عربي ،دار المعارؼ ،مصر،
1404ىػ.
24ػ ػ ػ دركيش الجندم :الرمزية في األدب العربي ،د ط ،دار النيضة مصر لمطباعة كالنشر،
القاىرة ،مصر.1972 ،
25ػ ػ ػ رضكاف الصادؽ الكىابي :الخطاب الشعرم الصكفي كالتأكيؿ ،ط ،1منشكرات زاكية،
الرباط ،المغرب.2007 ،
26ػ ػ ػ رماني إبراىيـ:
122
د ط ،ديكاف المطبكعات الجامعية ،الجزائر، الغمكض في الشعر العربي الحديث،
.1991
أكراؽ في النقد األدبي ،ط ، 1دار الشياب ،باتنة ،الجزائر.1985 ،
27ػ ػ ػ زدادقة سفياف :الحقيقة كالسراب قراءة في البعد الصكفي عند أدكنيس ،ط ،1منشكرات
االختالؼ ،الجزائر.2008 ،
28ػ ػ ػ الزكزني :شرح المعمقات السبع ،د ط ،دار بيركت لمطباعة كالنشر ،بيركت ،لبناف،
.1970
29ػ ػ ػ السعدني مصطفى :البنيات األسمكبية ،د ط ،منشأة اإلسكندرية.1987 ،
شعر التصكؼ في األندلس ،د ط ،دار المعرفة 30ػ ػ ػ سميماف المصرم سالـ عبد الرزاؽ:
الجامعية ،مصر.2007 ،
31ػ ػ الشرقاكم حسف :معجـ األلفاظ الصكفية ،ط ، 1مؤسسة مختار لنشر كالتكزيع ،القاىرة،
1987ـ.
32ػ ػ صادؽ بف سميـ صادؽ :المصادر العامة لمتمقي عند الصكفية عرضان كنقدان ،ط ،1مكتبة
الرشد ،الرياض.1995 ،
33ػ ػ الصديؽ ضياء :فصكؿ في النقد األدبي كتاريخو (دراسة كتطبيؽ) ،ط ،1دار الكفاء،
مصر.1989 ،
34ػ ػ ضيؼ شكقي :فصكؿ في الشعر كنقده ،د ط ،دار الكتب العممية ،مصر.2008 ،
35ػ ػ ػ الطرابمسي محمد اليادم ،خصائص األسمكب في الشكقيات ،منشكرات الجامعة التكنسية،
.1981
36ػ ػ ػ طو كادم :جماليات القصيدة المعاصرة ،ط ، 1مطبعة دار المعارؼ ،القاىرة.1989 ،
37ػ ػ ػ عاطؼ جكدة نصر:
الخياؿ كمفيكماتو ككظائفو ،د ط ،الييئة المصرية العامة لمكتاب.1984 ،
الرمز الشعرم عند الصكفية ،ط ، 3دار األندلس لمطباعة كالنشر ،لبناف.1983 ،
شعر عمر ابف الفارض ،د ط ،منشأة المعارؼ باإلسكندرية ،مصر.1994 ،
38ػ ػ ػ عباس إحساف :فف الشعر ،د ط ،دار صادر ،بيركت ،لبناف.1996 ،
123
39ػ ػ ػ عبد القادر أبك شريفة كحسيف الفي قزؽ ،مدخؿ إلى تحميؿ الخطاب األدبي ،ط ،4دار
الفكر ،عماف ،األردف.2008 ،
جدة،
40ػ ػ العدكاني معجب :تشكيؿ المكاف كظالؿ العتبات ،ط ،1النادم األدبي الثقافيٌ ،
مممكة العربية السعكدية.2002 ،
41ػ ػ ػ العالؽ عمي جعفر :في حداثة النص الشعرم ،ط ، 1دار الشركؽ ،عماف ،األردف،
.2003
42ػ ػ عمي عشرم زايد :استدعاء الشخصيات التراثية في الشعر العربي المعاصر ،دار الفكر
العربي ،القاىرة ،مصر.1998 ،
القصيدة كالنص المضاد ،المركز الثقافي العربي ،بيركت ،لبناف، 43ػ ػ الغذامي عبد اهلل:
.1994
44ػ ػ الغرفي حسف :حركية اإليقاع في الشعر العربي المعاصر ،د ط ،إفريقيا الشرؽ ،الدار
البيضاء ،المغرب.2001 ،
45ػ ػ غنيمي ىالؿ محمد :األدب المقارف ،د ط ،دار العكدة ،بيركت ،لبناف.1987 ،
46ػ ػ ػ فضؿ صالح:
( نظرية البنائية) ،ط ، 1الييئة العصرية العامة لمكتاب ،القاىرة.
نبرات الخطاب الشعرم ،د ط ،دار قباء ،القاىرة.1998 ،
47ػ ػ ػ القرشي سميماف :الحضكر األنثكم في التجربة الصكفية بيف الجماؿ كالقدسي ،مجمة فكر
كنقد ،عدد .2004 ،40
48ػ ػ ػ القشيرم أبك القاسـ:
، 1المكتبة العصرية ،بيركت، الرسالة القشيرية ،تح :معركؼ مصطفى رزيؽ ،ط
لبناف.2001 ،
،1دار الرسالة القشيرية في عمـ التصكؼ ،تح :أحمد اإلسكندرم كأحمد عناية ،ط
الكتاب العربي ،دمشؽ ،القاىرة.2004 ،
49ػ ػ ػ الكاشاني :المعجـ اصطالحات الصكفية ،ط ، 1دار المنار لمطبع كالنشر كالتكزيع،
مصر.1992 ،
124
50ػ ػ ػ كعكاف محمد :الشعرية الرؤيا كأفقية التأكيؿ ،ط ، 1منشكرات اتحاد الكتاب الجزائرية،
الجزائر.2003 ،
51ػ ػ ػ الكالباذم :التعرؼ لمذىب أىؿ التصكؼ ،د ط ،القاىرة ،مصر.1960 ،
52ػ ػ ػ الكندم محمد عمي :الرمز كالقناع في الشعر العربي الحديث (السياب كنازؾ كالبياتي )،
ط ، 1دار الكتاب الجديد ،بيركت ،لبناف.2003 ،
53ػ ػ ػ لسعيد الكرقي :لغة الشعر الحديث ،ط ، 3دار النيضة العبية لمطباعة كالنشر ،بيركت،
.1984
54ػ ػ ػ محمد فتكح أحمد :الرمز كالرمزية في الشعر المعاصر ،ط ،2دار المعارؼ ،القاىرة،
مصر.1978 ،
55ػ ػ ػ مرتاض عبد المالؾ :تحميؿ الخطاب السردم (معالجة تفكيكية سيميائية مركبة لركاية
زقاؽ المدف) ،ط ، 1ديكاف المطبكعات الجامعية ،بف عكنكف ،الجزائر.1975 ،
56ػ ػ ػ مصطفام مكىكب :المثالية في الشعر العربي ،ديكاف المطبكعات الجامعية ،الجزائر،
.1982
57ػ ػ ػ المعمـ بطرس :محيط المحيط ،ط ، 2مكتبة لبناف ناشركف ،لبناف ،1998 ،ص 63
(باب عمي).
58ػ ػ ػ مفتاح محمد:
تحميؿ الخطاب الشعرم ،إستراتيجية التناص ،ط ، 3المركز الثقافي العربي ،الدار
البيضاء.1992 ،
ديناميكية النص (تنظير كانجاز) ،ط ، 2المركز الثقافي العربي ،بيركت ،لبناف.1990 ،
59ػ ػ ػ منصؼ عبد الحؽ :الكتاب كالتجربة الصكفية (نمكذج لمحي الديف ابف عربي) ،ط ،1
منشكرات عكاظ ،الرباط ،المغرب.1988 ،
60ػ ػ ػ مكافي عثماف :التيارات األجنبية في الشعر العربي ،د ط ،دار المعرفة الجامعية.
61ػ ػ ػ مكسى خميؿ:
الحداثة في حركة الشعر العربي المعاصر ،ط ، 1مطبعة الجميكرية ،دمشؽ.1991 ،
قراءات في الشعر العربي الحديث كالمعاصر ،د ط ،منشكرات اتحاد الكتاب العرب،
دمشؽ.2000 ،
125
62ػ ػ نازؾ المالئكة:
قضايا الشعر المعاصر ،ط ، 4دار العمـ لممالييف ،بيركت ،لبناف.2005 ،
قضايا الشعر المعاصر ،ط ، 3منشكرات مكتبة النيضة.1967 ،
63ػ ػ ػ نذير العظمة :المعراج كالرمز الصكفي ،د ط ،دار البحث ،د ت.
64ػ ػ نكر سمماف :معالـ الرمز في الشعر الصكفي العربي ،د ط ،الجامعة األمريكية ،بيركت،
حزيراف .1954
65ػ ػ اليجكيرم :كشؼ المحجكب ،2دط ،دار النيضة العربية ،لبناف.1973 ،
ط ،1المكتب اتجاىات الشعر العربي في القرف الثاني اليجرم، 66ػ ػ ىدارة مصطفى:
اإلسالمي.1981 ،
67ػ ػ ىيمة عبد الحميد :البنيات األسمكبية في الشعر الجزائرم المعاصر ،ط ،1دار ىكمو،
الجزائر.1998 ،
جمالية األنا في شعر األعشى الكبير ،ط ،1المركز الثقافي العربي، 68ػ ػ كاد حسيف:
المغرب.2001 ،
69ػ ػ الكالي أبك بكر :قيس بف الممكح مجنكف ليمى ،دراسة كتعميؽ ييًدم عبد الغني ،ط ،1دار
الكتب العممية ،بيركت ،لبناف.1999 ،
ط ،1المركز الثقافي 70ػ ػ الكلي محمد :الصكرة الشعرية في الخطاب البالغي كالنقدم،
العربي ،لبناف.1990 ،
71ػ ػ ػ يحي الشيخ صالح :شعر الثكرة عند مفدم زكرياء (دراسة تحميمية جمالية ) ،دار البعث،
الجزائر.1987 ،
72ػ ػ يمنى العيد ،في معرفة النص (دراسات في النقد األدبي ) ،ط ،4دار اآلداب ،بيركت،
لبناف.1999 ،
73ػ ػ ػ اليكسفي محمد لطفي :في بنية الشعر العربي المعاصر ،ط ، 1سراس لمنشر ،تكنس،
.1985
126
IIIػػػػػػ المراجع المترجمة إلى العربية:
1ػ ػ بكؿ ريككر :نظرية التأكيؿ "الخطاب كفائض المعنى" ،ط ،1تر :سعيد الغنمي ،المركز
الثقافي العربي ،الدار البيضاء ،المغرب.2003 ،
2ػ ػ تشارلز تشادكيؾ :الرمزية ،د ط ،تر :نسيـ يكسؼ إبراىيـ ،الييئة المصرية العامة لمكتاب،
القاىرة ،مصر.1997 ،
،1دار تكبقاؿ، 3ػ ػ جاف ككىف :بنية المغة الشعرية ،تر :محمد الكالي كمحمد العمرم ،ط
المغرب.1986 ،
4ػ ػ جكليا كرستيفا:
عمـ النص ،تر :فريد الزاىي ،ط ، 2دار تكبقاؿ لمنشر ،الدار البيضاء.1977 ،
،1دار تكبقاؿ لمنشر، عمـ النص ،تر :فريد الزاىي ،مراجعة عبد الجميؿ ناظـ ،ط
المغرب.1991 ،
5ػ ػ فيميب مانغ :نسؽ المتعدد ،تر :عبد العزيز بف عرفة ،ط ، 1دار الحكار لمنشر ،سكريا ،
.2003
6ػ ػ ىنرم بير :األدب الرمزم ،تر :ىنرم زغيب ،ط ، 1منشكرات عكيدات ،بيركت ،لبناف،
.1981
7ػ ػ نظرية المثؿ عند أفالطكف :تر :سمير كرـ ،ط ، 6دار الطميعة ،بيركت.1987 ،
127
IVػػػػػ المجالت والدوريات
1ػ ػ ػ مجمة المخبر ،العدد ، 7جامعة محمد خيضر ،بسكرة ،الجزائر.2011 ،
2ػ ػ مجمة الخطاب الصكفي ،عدد ، 2دار ىكمو ،جامعة الجزائر.2010 ،
3ػ ػ مجمة العرب كالفكر العالمي ،العدداف 19ك ، 20مركز اإلنماء القكمي.1992 ،
4ػ ػ مجمة أـ القرل لعمكـ الشريعة كالمغة العربية كآدابيا ،ج ،15العدد ،26صفر 1424ىػ.
5ػ ػ ػ محاضرات الممتقى الكطني الثاني ،منشكرات الجامعة ،بسكرة ،الجزائر في 15ك 16أفريؿ
.2000
1ػ ػ بمعريبي العايب :جماليات المككنات الشعرية في شعر ياسيف بف عبيد ،مذكرة لنيؿ شيادة
2008ػ الماجستير في األدب الجزائرم الحديث (مخطكطة) ،جامعة الحاج لخضر ،باتنة،
.2009
2ػ ػ رحيـ عبد القادر :سيميائية العنكاف في شعر مصطفى محمد الغمارم ،مذكرة لنيؿ شيادة
الماجستير ،جامعة بسكرة ،الجزائر 2004 ،ػ .2005
3ػ ػ ػ شيباف سعيد :الرمز في الشعر الجزائرم المعاصر ،مذكرة لنيؿ شيادة الماجستير في األدب
العربي( ،مخطكطة) ،جامعة تيزم كزك ،الجزائر.2001 /2000 ،
،رسالة الرمز كدالالتو في الشعر العربي الفمسطيني الحديث 4ػ ػ محمد مصطفى كالب:
دكتكراه مخطكطة ،جامعة الفاتح.2002 ،
5ػ ػ مكسح دليمة :المرجعيات الفكرية كالفنية في شعر ابف عبيد ،رسالة الماجستير (مخطكطة)،
جامعة بسكرة 2006 ،ػ .2007
128
فيػػػػػػرس الموضوعات
129
فػػػػيرس الموضػػػػػوعات
إىػػػػػػػػػػػػداء
..........................................................................
أ مقدمػػػػػػػػػة
..............................................
02 مدخؿ :في ماىية التصكؼ لغ نة كاصطالحنا
الفصؿ األوؿ :تجميات الرمز
..................................................
18 1ػ ػ 1ػ ػ مفيكـ الرمز :أ ػ ػ لغ نة
21 ب ػ ػ اصطالحنا............................................
.........................................................
27 1ػ ػ 2ػ ػ الرمز الصكفي
..............................................
35 1ػ ػ 3ػ ػ رمز المرأة (الحب اإلليي)
............................................................
45 1ػ ػ 4ػ ػ رمز الخمرة
............................................................
55 1ػ ػ 5ػ ػ رمز العيكف
الفصؿ الثاني :البنية المغوية واإليقاعية
1ػ ػ 1ػ ػ طبيعة المغة الشعرية .............................................
62
1ػ ػ 2ػ ػ التكرار68.........................................................
1ػ ػ 3ػ ػ القافية71..........................................................
1ػ ػ 4ػ ػ فراغ البياض75 ...................................................
1ػ ػ ػ 5ػ ػ البياض المنقط76 ................................................
2ػ ػ الثنائيات الضدية79 ...................................................
3ػ ػ العتبات النصية 3 :ػ ػ 1ػ ػ دراسة العنكاف87 .............................
3ػ ػ 2ػ ػ دراسة الغالؼ 94 ..........................
3ػ ػ ػ 3ػ ػ ػ دراسة المقطع الشعرم97 ...................
4ػ ػ التداخؿ النصي99 ....................................................
خاتػػػػػػػػػػػػػػػػػمة111....................................................................
البيبميوغرافيا115 ..................................................................
فيرس الموضوعات126 ...........................................................
130