You are on page 1of 131

‫الجميوريػػػػػة الجزائػػػػػريػػػػػة الديمقراطػػيػػػػػػػػػة الشعبيػػػػػػػة‬

‫جامعة عبد الرحماف ميرة ػػػ بجاية ػػػػ‬

‫كميػػػػػػػػػػػػػػػػػػػة اآلداب والمّغػػػػػػػػػػػػػػػػػات‬

‫قسػػػػػػػـ المّغة واألدب العػػػػػػربي‬

‫عنواف المذكرة‬

‫الرؤية الصوفية في ديواف "معمقات عمى أستار الروح"‬

‫ػػػػ لياسػػػػػيف بف عبيػػػػػػػػػد ػػػػ‬


‫ا‬

‫مقدمة لنيؿ شيادة الماستر في المّغة واألدب العربي‬


‫مذكرة ّ‬
‫تخصص‪ :‬أدب جزائري‬

‫إشراؼ األستاذ‪:‬‬ ‫إعداد الطالباف‪:‬‬


‫ػػػػػ شيباف سعيد‬ ‫ػػػػػ بػػػػػػدراف مػػػػػػػػػػػراد‬
‫ػػػػ جػػػػػوادي فوزيػػػػػػة‬

‫السنػػػػػػػة الجامعيػػػػػػػػة‪=2014 / 2013 :‬‬

‫‪0‬‬
‫إى ػ ػ ػ ػ ػػداء‬

‫إلى المذيف نو ار لي درب الحياة‬


‫أمي الحبيبة‪ ...‬والدي الكريـ‪...‬‬
‫ّ‬
‫إلى األستاذ سعيد شيباف الذي تحمؿ معنا مشاؽ‬
‫البحث‪.‬‬
‫إلى أخي األكبر خالد وزوجتو وابنتيما إليف‪.‬‬
‫إلى أخواي المغترباف حفظيما اهلل فريد ورضا‪.‬‬
‫إلى أختي الوحيدة وزجيا الكريـ وولدييما سامي‬
‫وأشيؿ‪.‬‬
‫إلى كؿ عائمتي بدراف وجوادي‪.‬‬

‫مػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػراد‬

‫‪1‬‬
‫إى ػ ػ ػ ػ ػػداء‬

‫أىدي ثمرة جيدي وخالصة عممي‪:‬‬


‫الحب التي ال تخبو‪:‬‬
‫ّ‬ ‫إلى سندي في الحياة‪ ،‬جذوة‬
‫أمي‪ ،‬أبي متعيما اهلل بمزيد مف الصحة والعافية‪،‬‬
‫إلى شموع البيت إخوتي وأخواتي‪،‬‬
‫والى رفيقات الدرب صديقاتي‪،‬‬
‫والى األستاذ "سعيد شيباف"‪،‬‬
‫وكؿ مف تربيت وتعممت عمى يديو‪،‬‬
‫إليكـ جميعاً كؿ الحب والتقدير‪.‬‬
‫فوزيػػػػػػػػػػػة‬

‫‪2‬‬
‫مقدمػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػة‬

‫‪3‬‬
‫التصكؼ ليس باألمر السيؿ أك الييف‪ ،‬بيد أف الباحث في ىذا‬
‫ٌ‬ ‫إف البحث في مجاؿ‬
‫ٌ‬
‫المجاؿ يجب أف يككف مطٌمعان عمى مصادر التصكؼ في األدب عامة كفي الشعر خاصة‪.‬‬
‫فالشعر الصكفي ينضح بدالالت ال متناىية حافمة باإليحاءات كالرمكز كالغمكض الذم يتطمب‬
‫النص قصد استكناه ما يحممو مف الدالالت‪.‬‬
‫سبر أغكار ٌ‬
‫كنا طمبة مف السنة األكلى ماستر‪ ،‬ثـ‬
‫كلقد راكدتنا رغبة البحث في ىذا المجاؿ منذ أف ٌ‬
‫الدكاكيف الشعرية التي تنضح بجماليات الكتابة‬
‫نضجت ىذه الفكرة مع اطالعنا عمى بعض ٌ‬
‫الصكفية‪.‬‬
‫خصصنا المدخؿ‬
‫قسمنا البحث إلى مدخؿ كفصميف حيث ٌ‬
‫كقصد طرؽ ىذه باإلشكالية‪ٌ ،‬‬
‫فخصصناه لعرض تجميات الرمز بما فيو مف رمكز‬
‫ٌ‬ ‫أما الفصؿ األكؿ‬
‫التصكؼ‪ٌ ،‬‬
‫ٌ‬ ‫لرصد مفاىيـ‬
‫فخصصناه لدراسة بنية‬
‫ٌ‬ ‫أما الفصؿ الثاني‬
‫صكفية سكاء رمز الخمرة‪ ،‬كرمز المرأة‪ ،‬كرمز العيكف‪ٌ ،‬‬
‫الضدية‬
‫ٌ‬ ‫المغة الشعرية في ديكاف "معمقات عمى أستار الروح" مف حيث الطبيعة كالثنائيات‬
‫النصية كالغالؼ كالعنكاف كالمقطع الشعرم‪ ،‬كما خصصنا مبحثا طرقنا فيو‬
‫ٌ‬ ‫كدراسة العتبات‬
‫قضية التداخؿ النصي‪.‬‬
‫كال نخفي ٌأنو كاجينا بعض الصعكبات أثناء إعدادنا ليذا البحث‪ ،‬كصعكبة تأكيؿ المدكنة‬
‫الصكفية‪ ،‬كقمة المراجع كالمصادر المتعمقة بذات المكضكع‪.‬‬
‫ندعي أننا ألممنا بكؿ التفاصيؿ كالجزيئات المتعمقة بالبحث‪ ،‬كلكف نأمؿ أننا‬
‫كنحف ال ٌ‬
‫أجبنا كلك بالقدر الضئيؿ عف بعض األسئمة العالقة بيذه اإلشكالية آمميف أف يأتي باحثكف‬
‫آخركف لتدارؾ ما فاتنا مف نقائص‪ ،‬كقد صدؽ مف قاؿ‪:‬‬
‫غر بطيب العيش إنساف‪.‬‬
‫وال ُي ّ‬ ‫لكؿ شيء إذ ما تـ نقصاف‬
‫كمف دكف أف ننسى شكر أستاذنا الفاضؿ "سعيد شيباف" الذم لـ يبخؿ عمينا بإسداء‬
‫النصائح كاإلرشادات كتكفير المراجع كالمصادر الالزمة طكاؿ مراحؿ البحث‪.‬‬
‫كهلل المعيف كمنو كحده نستمد التكفيؽ‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫مدخػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػؿ‬

‫‪5‬‬
‫‪ 1‬ػػػػ تعريؼ التصوؼ‪:‬‬
‫أ ػػػػ لغة‪:‬‬
‫تعد لفظة "الصوفية" مف المفاىيـ الصعبة كالمعقدة نظ نار لتعدد مبادئيا كصعكبة تجسيدىا‬
‫عمى أرض الكاقع‪ ،‬األمر الذم يحكؿ بنا دكف الكصكؿ إلى تعريؼ شامؿ كدقيؽ ليذا‬
‫المصطمح‪ ،‬كذلؾ لتعدد مدلكالتو مف جية‪ ،‬كتعدد اشتقاقاتو مف جية أخرل‪ .‬كمف أكثر‬
‫ال في المعاجـ كالقكاميس‪ ،‬نجد آراء مختمفة كمتباينة فمنيـ مف يربطيا باألفعاؿ‪،‬‬
‫االشتقاقات تداك ن‬
‫كالصفاء صفاء القمب كسعتو كسماحتيـ مع اآلخريف‪ ،‬كمنيـ مف يربطيا بظاىرة المباس‬
‫كالمظير الخارجي‪ ،‬الذم تميز بو المتصكفة كىك الزىد كالفقر‪ ،‬كآخر االشتقاقات يربط لفظة‬
‫الصرفية بكممة الحكمة‪.‬‬
‫لقد كردت مفاىيـ عديدة كاختفت اآلراء في المعنى الذم يخص لفظة الصكفية أبرزىا‪:‬‬
‫* " أنيـ منسوبوف إلى اصؼ األوؿ‪ :‬فيـ في الصؼ األوؿ بيف يدي اهلل ػػػ عز وجؿ ػػػبارتفاع‬
‫ىميـ إليو واقباليـ عميو‪ ،‬ووقوفيـ بسرائرىـ بيف يديو‪ ،‬لكف ىذه النسبة ال تستقيـ مف جية‬
‫صفّى"(‪.)1‬‬
‫المغة‪ .‬إذ لو كاف كذلؾ لقالوا‪َ :‬‬
‫* كقيؿ ‪ ":‬سموا بذلؾ لقرب أوصافيـ مف أوصاؼ أىؿ الصفة الذيف كانوا عمى عيد الرسوؿ‬
‫(ص) ‪ ،‬لكف ال تستقيـ ىذه النسبة مف جية المغة أيضا‪ ،‬ألف عيد الرسوؿ (ص)‪ ،‬لكف ال‬
‫في"(‪.)2‬‬
‫ص ّ‬‫تستقيـ ىذه النسبة مف جية المغة أيضا‪ ،‬ألف الصحيح لو كاف كذلؾ أتف ُيقاؿ‪ٌ :‬‬
‫كيتبيف لنا مف خالؿ القكليف أف الصكفية ليسكا مف أىؿ الصفة كال مف الصؼ األكؿ بيف‬
‫يدم اهلل‪ ،‬ألف في ذلؾ خمط مف الجانب المغكم كال ىيستقيـ ىذاف التعريفات عميو‪ ،‬كاف كانكا‬
‫في عمى التكالي‪.‬‬
‫كص ٌ‬
‫في ي‬
‫ص ٌ‬‫كذلؾ لسميكا‪ :‬ى‬

‫‪ 1‬ـ صادق بن سلٌم صادق‪ :‬المصادر العامة للتلقً عند الصوفٌة عرضا ً ونقداً‪ ،‬ط ‪ ،1‬مكتبة الرشد‪ ،‬الرٌاض‪1995 ،‬م‪ ،‬ص‬
‫‪.27‬‬
‫‪ 2‬ـ المرجع نفسه‪ :‬ص ‪.27‬‬

‫‪6‬‬
‫"أبو النعيـ األصياني" ‪ ،‬كعبارتو‪..." :‬اشتقاقو عند أىؿ‬ ‫* كقيؿ إنو مف الصفاء‪ ،‬كماؿ إليو‬
‫اإلشارات والمنبئيف عنو العبارات‪ :‬مف الصفاء‪ ،‬والوفاء"(‪.)1‬‬
‫كيتضح لنا مف ىذا القكؿ أف الصكفية مرتبطة بجانب األفعاؿ‪ ،‬كالجانب النفسي‬
‫السيككلكجي‪ ،‬فالصكفية ىك االسترساؿ مع اهلل تعالى‪ ،‬فيك عيش مع اهلل‪ ،‬كفي اهلل كاهلل‪ ،‬كىك‬
‫حفظ األكقات كاسقاط لمتدبير كخكؼ مف اهلل‪ ،‬كرجاء في اهلل‪ ،‬كىك سمب ألكصاؼ النفس‬
‫المذمكمة‪ ،‬كتحمية ليا باألكصاؼ المحمكدة‪ ،‬كىك بعد كؿ ذلؾ تجريد لمتكحيد‪ ،‬فال يشكب القمب‬
‫خاطر شيطاني فيفسده‪ ،‬كال ىكل فيظممو كىك كشؼ عف الخكاطر كبحث عف كؿ ما يخطر‬
‫عمى سر الصكفي فيسترسؿ مع ما ىك حؽ‪ ،‬كيتجنب ما ىك باطؿ(‪.)2‬‬
‫كما كرد في "التعريفات لمجرجاني مفيوـ التصوؼ حيث ربطو بصفاء القمب والروح‬
‫قائالً‪" :‬التصوؼ تصفية القمب عف موافقة البرية‪ ،‬ومفارقة األخالؽ الطبيعية واخماد صفات‬
‫البشرية ومجانية الدواعي النفسانية ومنازلة الروحانية والتعمؽ بعموـ الحقيقة"(‪.)3‬‬
‫فالتصرؼ يدعك إلى بغض الدنيا كاألعراض عنيا‪ ،‬طمبا لراحة اآلخرة‪ ،‬ألف العالـ المادم‬
‫عالـ ناقص زائؿ عكس عالـ الركح الكامؿ الفاني الذم تتجسد فيو كؿ معالـ الحياة الحقيقة‪،‬‬
‫فيحاكؿ الصكفي جاىدنا أف يكشؼ الحقيقة عف طريؽ الرياضة الركحية لمسعي مف أجؿ‬
‫الكصكؿ إلى منازلة الصفات الركحانية‪.‬‬
‫إذف الصكفية مف ص ىفا قمبو هلل كألجؿ اهلل محبة فيو كرغبة في نيؿ رضاه بإتباع طريؽ‬
‫الحؽ كتجنب الباطؿ‪ ،‬كفعؿ الخير لمناس كتجنب السكء‪.‬‬
‫كنى بالصفحة البيضاء‬
‫فالصكفي شبيو "أبو الفتح البستي" بالطفؿ الصغير الذم يي ٌ‬
‫البيضاء لمداللة عمى صفاء قمبو مف الشر كاألحقاد كقد أنشد في ذلؾ‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ المرجع السابق‪ :‬ص ‪.28‬‬


‫‪ 2‬ـ ٌنظر‪ :‬حسن الشرقاوي‪ :‬معجم األلفاظ الصوفٌة‪ ،‬ط‪ ، 1‬مؤسسة مختار لنشر والتوزٌع‪ ،‬القاهرة‪1987 ،‬م‪ ،‬ص ‪.78‬‬
‫‪ 3‬ـ علً بن محمد الجرجانً‪ :‬التعرٌفات‪ ،‬ط ‪ ، 1‬دار الكتاب المصري‪ ،‬القاهرة‪1991 ،‬م‪ ،‬ص ‪.73‬‬

‫‪7‬‬
‫وظ ّنو البعض مشتقاً مف الصوؼ‬ ‫تنازع الناس في الصوفي واختمفوا‬
‫ولست أمنح ىذا االسـ غير فتى صافي‪ ،‬فصوفي حتى سمي الصوفي (‪.)1‬‬
‫لكف قاؿ "القشيري ‪" :‬ومف قاؿ‪ :‬إنو مف الصفاء‪ ،‬فاشتقاؽ الصوفي مف الصفاء بعيد‬
‫عف مقتضى المغة"(‪.)2‬‬
‫كمف ىنا يطرؽ لنا "أبو الفتح البستي" الباب لتأكيؿ آخر كىك أف كممة صكفية نسبة إلى‬
‫لبس الصكؼ كىك الرأم الذم يؤيده "ابف تيمية فيقكؿ‪" :‬وىو المعروؼ‪...‬وماؿ إليو ابف خمدوف‬
‫في مقدمتو‪ ،‬وىو اختيار أبي طالب المكي‪ ،‬وأبي نصر السراج‪ ،‬وقاؿ‪..." :‬الصوفية عندي ػػػػ‬
‫ىـ‬
‫واهلل أعمـ ػػػػ نسبوا إلى ظاىر المباس‪ ،‬ولـ ينسبوا إلى نوع مف أنواع العموـ واألحواؿ التي ّ‬
‫بيا مترسموف ألف لبس الصوؼ‪ ،‬كأف دأب األنبياء ػػػػ عمييـ السالـ ػػػػ والصديقيف‪ ،‬وشعار‬
‫المساكيف والمتنسكيف"(‪.)3‬‬
‫كيتضح لنا مف خالؿ القكؿ أف الصكفية تدعك إلى الزىد في الحياة كالتخمص مف متاعيا‬
‫كحرماف النفس مف ممذاتيا كدليؿ عمى حرص المتصكفة عمى التكاضع في الممبس‪ ،‬كالمأكؿ‪،‬‬
‫كالمشرب ألف لبس الصرؼ دليؿ عمى الفقر كالزىد في زمانيـ‪ ،‬ككذلؾ لبسكا الصكؼ لمتشبو‬
‫بالرسكؿ (ص)‪ ،‬كالسير عمى دربو كنيؿ رضا اهلل يكـ القيامة‪.‬‬
‫كالى ىذا يذىب أيضا "السراج الطوسي‪" :‬فمما لـ يكف ذلؾ نسبتيـ إلى ظاىر المبسة‪،‬‬
‫ألف لبسة الصوؼ دأب األنبياء عمييـ السالـ وشعار األولياء واألصفياء (‪ )...‬أال ترى أف الو‬
‫خواص أصحاب عيسى عميو السالـ فنسبيـ إلى ظاىر المبسة فقاؿ عز‬
‫تعالى ذكر طائفة مف ّ‬
‫الح َو ِ‬
‫ارُيوف" وكانوا قوماً يمبسوف البياض فنسبيـ اهلل تعالى إلى ذلؾ ولـ ينسبيـ‬ ‫قاؿ َ‬
‫وجؿ "إ ْذ َ‬
‫إلى نوع مف العموـ واألعماؿ واألحواؿ التي كانوا مترسميف‪ ،‬فكذلؾ الصوفية عندي "(‪.)4‬‬

‫‪ 1‬ـ صادق بن سلٌم صادق‪ :‬المصادر العامة للتلقً عند الصوفٌة‪ ،‬ص ‪.29‬‬
‫‪ 2‬ـ المرجع نفسه‪ :‬ص ‪.29‬‬
‫‪ 3‬ـ نفسه‪ ،‬ص ‪.31‬‬
‫‪ 4‬ـ السراج الطوسً‪ :‬اللمع فً التصوف‪ ،‬تح‪ :‬كامل مصطفى الهنداوي ‪،‬د ط‪ ،‬المكتبة الترفٌقٌة‪ ، ،‬ص ‪.24‬‬

‫‪8‬‬
‫كعمى كؿ فإف النظرة المغكية المحايدة تدعـ ىذا الطرح كتؤكده‪ ،‬إذ الصكفية ببساطة‬
‫"الصوفية نسبة إلى أىؿ‬ ‫مشتقة مف الصكؼ‪ .‬إال أف فريقان مف البحاثة يذىب إلى القكؿ بأف‪:‬‬
‫الصفّة‪ ،‬وىـ جماعة مف المؤمنيف مف أفقر الناس وأشدىـ بؤسا ومعاناة‪ ،‬وأقميـ حسبا‬
‫ُ‬
‫ونسبا واف كانوا أشدىـ ورعاً وتقوى"(‪.)1‬‬
‫كيذىب إلى خالؼ ىذا "سميح عاطؼ الزيف" حيف يرفض ىذه النسبة‪ ،‬بجية أف أىؿ‬
‫بمجرد تحسف الظركؼ مع‬
‫ٌ‬ ‫الصفة جنحكا إلى الفقر كالعزلة كالزىد مجبريف ال مخيريف‪ ،‬كأنو‬
‫الفتكح اإلسالمية ترككا صفتيـ تمؾ مجاىديف يطمبكف دينيـ كدنياىـ‪ ،‬فيقكؿ‪" :‬فالتصرؼ ال يمكف‬
‫إرجاع أصمو إلى أىؿ الصفة‪ ،‬ومف قاؿ بذلؾ فقد أراد يجمؿ ليذا التصرؼ مد ارً اسالميا‬
‫عريقا‪ ،‬إال أنو أخطأ‪ ،‬ولـ يصب شيئا مف الحقيقة"(‪.)2‬‬
‫كىناؾ مف يقكؿ إف أصؿ التسمية ىك الصفكة‪ ،‬فالمتصكفة ىـ صفكة المؤمنيف كزبدة‬
‫الخالئؽ يقكؿ "يوسؼ بف الحسيف الرازي‪" :‬لكؿ أمة صفوة‪ ،‬وىـ وديعة اهلل الذيف أخفاىـ عف‬
‫(‪)3‬‬
‫كىك يدعـ رأيو ىذا بآيات قرآنية مف‬ ‫خمقو‪ ،‬فإف يكف منيـ في ىذه األمة‪ ،‬فيـ الصوفية"‬

‫المؤمنيف ِرجا ٌؿ صدَقُوا مَا عَاىَدُوا اهلل عميو فَ ِمنْيُـ مَ ْف َ‬


‫قضى نَ ْخبَوُ‬ ‫َ‬ ‫مف‬
‫قبيؿ قكلو تعالى‪َ " :‬‬
‫مف يَنْتَِظ ُر ومَا بَدّلُوا تبْديالً"(‪.)4‬‬ ‫ِ‬
‫ومنْيُـ ْ‬
‫كىذا يتفؽ مع طبيعة التصكؼ نفسو الذم ىك باألساس ىن ٍخىب ًكم‪ ،‬ال يتكجو بخطابو إلى‬
‫المجتمع كال يدعي لنفسو أنو يقدـ خالصان عامان‪ .‬كتقابؿ مصطمح صكفية في المغات األكركبية‬
‫‪ Misticism‬أك ‪ Mystique‬كىي كما " رينولد نيكمسوف )‪" :(Rinold Niclson‬انحدرت مف‬
‫الديانة اإلفريقية إلى اآلداب األوروبية (‪ )...‬والمفظاف عمى كؿ حاؿ ليسا مترادفيف تماماً ‪ ،‬ألف‬
‫لمفظة "الصوفي" مدلوؿ ديني خاص‪ ،‬وقد قيدىا االستعماؿ بالصوفية الذيف يدينوف بالديف‬
‫اإلسالمي"‪.‬‬

‫‪ 1‬ـ سفٌان زدادقة‪ :‬الحقٌقة والسراب قراءة فً البعد الصوفً عند أدونٌس‪ ،‬ط ‪ ، 1‬منشورات االختالف‪ ،‬الجزائر‪ ،2008 ،‬ص‬
‫‪.49‬‬
‫‪ 2‬ـ المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.50‬‬
‫‪ 3‬ـ أبو بكر الكالباذي‪ :‬التعرف لمذهب أهل التصوف‪ ،‬د ط‪ ،‬القاهرة‪ 1960 ،‬ص ‪.20‬‬
‫‪ 4‬ـ القرآن الكرٌم‪ ،‬سورة األحزاب‪ ،‬اآلٌة ‪.23‬‬

‫‪9‬‬
‫‪ Soufisme‬في‬ ‫‪ Sufism‬في االنجميزية كالى‬ ‫كما قد تترجـ الصكفية حرفيا إلى‬
‫الفرنسية(‪.)1‬‬
‫يقكؿ "الصوفي أحمد بف محمد بف عجيبة الحسني" في كالمو عمى أصؿ التصكؼ‪:‬‬
‫العمية ألنو يبحث عنيا باعتبار معرفتيا‪ ،‬إما بالبرىاف‪ ،‬أو بالشيود‬
‫"أما موضوعو فيو الذات ّ‬
‫والعياف‪ ،‬فاألوؿ لمطالبيف والثاني لمواصميف‪ ،‬وأما واضع ىذا العمـ‪ ،‬فيو النبي صمى اهلل عميو‬
‫وسمـ عمّمو اهلل لو بالوحي واإللياـ‪ ،‬فنزؿ جبريؿ عميو السالـ أوال بالشريعة‪ ،‬فمما تقررت نزؿ‬
‫كرـ اهلل‬
‫عمى ّ‬
‫ثانيا بالحقيقة‪ ،‬فخص بيا بعضاً دوف بعض‪ ،‬وأوؿ مف تكمـ فيو وأطيره سيدنا ّ‬
‫وجيو"(‪.)2‬‬
‫كالتصكؼ تكبة نصكح مف المعاصي ظاى انر كباطنان كىك خالص هلل عمى الحقيقة كطاعة‬
‫بال رٌياء‪ ،‬كتقرب بال اشتراط‪ ،‬كحب بال شيكات‪ ،‬كىك مجاىدة كمكايدة كمعناه الصبر عمى‬
‫األذل كاحتماؿ الجكل‪ ،‬كقد سئؿ "الجنيد" في ذلؾ فقاؿ‪" :‬ما أخذنا التصوؼ عف القيؿ والقاؿ‪،‬‬
‫ولكف عف الجوع وترؾ الدنيا‪ ،‬وقطع المألوفات والمستحسنات "(‪.)3‬‬
‫كىذا الرأم يبيف حرص الصكفية عمى إشباع رغباتيـ النفسية المتمثمة في التقرب مف اهلل‬
‫كنيؿ رضاه‪ ،‬كالعدكؿ عف الشيكات كالمغريات الدنيكية الفانية‪ ،‬كىذا ما يدؿ عمى العالقة الرابطة‬
‫بيف الزىد كالتصكؼ‪.‬‬
‫كفي سياؽ مغاير يفند "القشيري" ىذا الرأم كيؤكد عدـ انتصاب الصكفية إلى المظير‬
‫ؼ‪ ،‬إذا لبس الصوؼ‪،‬‬
‫ص ّو َ‬
‫الخارجي فيقكؿ‪" :‬فأما قوؿ مف قاؿ‪" :‬إنو مف الصوؼ‪ ،‬وليذا يقاؿ تَ َ‬
‫تقمص‪ :‬إذا لبس القميص‪ ،‬فذلؾ وجو ولكف القوـ لـ يختصوا بمبس‪ :‬الصوؼ" (‪.)4‬‬
‫ٌ‬ ‫كما يقاؿ‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ سفٌان زدادقة‪ :‬الحقٌقة والسراب‪ ،‬ص ‪.53‬‬


‫‪ 2‬ـ أدونٌس‪ :‬الصوفٌة والسرٌالٌة‪ ،‬ط ‪ ، 2‬دار الساقً‪ ،‬بٌروت‪ ،‬لبنان‪ ،1995 ،‬ص ‪.21‬‬
‫‪ 3‬ـ حسن الشرقاوي‪ :‬معجم األلفاظ الصوفٌة‪ ،‬ط ‪ ، 1‬مؤسسة مختار‪ ،‬لنشر‪ ،‬القاهرة‪1987 ،‬م‪ ،‬ص ‪.78‬‬
‫‪ 4‬ـ القشٌري‪ :‬الرسالة القشٌرٌة فً علم التصوف‪ ،‬ط ‪ ، 1‬المكتبة العصرٌة‪ ،‬بٌروت‪ ،2001 ،‬ص ‪.279‬‬

‫‪10‬‬
‫كفي ىذا الصدد نبيف أف الصكفية لـ يخصصكا في لبس الصكؼ كانما ىك مظير مف‬
‫مظاىر المجتمع آنذاؾ إلظيار زىدىـ في الحياة كبساطتيـ في التعامؿ مع الحياة اليكمية‬
‫الفانية‪.‬‬
‫لكف ىناؾ رأم آخر لسبب التسمية كىك أنيا ترجع إلى أفكار قديمة كما ذكر "البيروني‬
‫أبو الريحاف" الذم نسب التصكؼ إلى كممة صكفيا اليكنانية كالتي تعني الحكمة‪ ،‬نظ نار لتقارب‬
‫اآلراء بيف آراء الصكفية كحكماء اليكناف القدماء(‪.)1‬‬
‫كنجد في لساف العرب "البف منظور" في مادة (صكؼ) "صاؼ يصوؼ‪ ،‬صوفا‪ ،‬وصاؼ‬
‫(‪ ،)2‬كما نجد ىذا المفيكـ كاردنا في القامكس المحيط‬ ‫السيـ عف اليدؼ أي عدؿ عنو"‬
‫"لمفيروزابادي‪ " :‬صاؼ السيـ عف اليدؼ‪ ،‬يصوؼ ويصيؼ أي عدؿ‪ ،‬وأصاؼ غني وجيو‪،‬‬
‫أماؿ‪ ،‬وأصاؼ اهلل عني شره‪ ،‬أما لو"(‪.)3‬‬
‫فإذا ما قارننا ىذيف المفيكميف كمعنى التصكؼ‪ ،‬نجد أف الميؿ عف الشيء أك اإلعراض‬
‫عنو يقابؿ التصكؼ ككف المتصكؼ يميؿ عف الدنيا كيعرض عنيا كيعدؿ عف كؿ ما يمت إلييا‬
‫بصمة‪ ،‬كذلؾ عف طريؽ تصفية القمب رغبة في اآلخرة التي ىي الدار الحقيقة‪.‬‬
‫"رينولد نكمسوف" )‪ (Rinold Niclson‬إلى إرجاع لفظة‬ ‫كفي سياؽ مغاير يذىب‬
‫كممة صوفيا‬ ‫الصكفية إلى األصؿ اإلغريقي أمر غير كارد ييرجع بطالف ىذا الرأم إلى أف‪" :‬‬
‫تعني الحكمة في مجاؿ الطب وليست بمعنى الحكمة الروحية‪ ،‬لذا فال توجد ّأية عالقة بيف‬
‫الكممتيف"(‪.)4‬‬
‫كمف خالؿ ىذه االشتقاقات كاآلراء المختمفة يمكف أف نستنتج بأف مصطمح الصكفية‬
‫مرتبط ارتباطنا كثيقنا بالصفاء كالنقاء الركحي كىك كذلؾ فمسفة الصكفية كطريقتيـ الخاصة‬
‫إلظيار خصاليـ الحميدة كتجاربيـ المنفردة‪ ،‬كلتبياف ذلؾ الرابط الركحي المتيف بينيـ كبيف‬

‫‪ 1‬ـ لٌلى بنت عبد هللا ‪ :‬الصوفٌة عقٌدة وأهداف‪ ،‬ط ‪ ، 1‬دار الوطن للنشر‪ ،‬رمضان‪ 1410 ،‬هـ‪ ،‬ص ‪.12‬‬
‫‪ ،9‬ط ‪ ،1‬دار الكتب العلمٌة‪،‬‬ ‫‪ 2‬ـ ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪ ،‬تر‪ :‬عامر أحمد حٌدر‪ ،‬مر‪ :‬عبد المنعم خلٌل إبراهٌم‪ ،‬مجلد‬
‫منشورات علً بٌضون‪ ،‬بٌروت‪ ،‬ص ‪.293‬‬
‫‪ 3‬ـ الفٌروزابادي‪ :‬القاموس المحٌط‪ ،‬ط ‪ ،5‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بٌروت‪1966 ،‬م‪ ،‬ص ‪.1071‬‬
‫‪ 4‬ـ البٌرونً‪ :‬تحقٌق ما للهند للمقولة‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،1958 ،‬ص ‪.1‬‬

‫‪11‬‬
‫الخالؽ فالتصكؼ إذف مف الصفاء كىك خمكص الباطف مف الشيكات كالكدرات‪ ،‬كالعقد كالحسد‬
‫كالكبر كالغركر‪ ،‬كسكء الظف بالناس‪ ،‬ألف القمب ىك مممكة البدف في اإلنساف فإذا صمح الممؾ‬
‫صمح الراعي‪ ،‬كىذا بمعالجة تمؾ األمراض بمراقبة اهلل في السر كالعمف‪.‬‬
‫ب ػػػػػ اصطالحاً‪:‬‬
‫لقد كثرت األقكاؿ كالتعاريؼ كاحتشدت بيا متكف التصكؼ احتشادنا‪ ،‬كقد اختمؼ‬
‫المتصكفة اختالفان كثي انر في تعريفو االصطالحي كما اختمفكا في أصمو كاشتقاقو‪ .‬بؿ اختمفكا إلى‬
‫حد كتعارضت فيو تعاريفيـ فمف المتصكفة الذيف أكردكا تعريفات عدة لمتصكؼ نجد‪:‬‬
‫ال‪" :‬التصوؼ أف تكوف مع اهلل بال عالقة" كقاؿ‬
‫ػ ػ قكؿ "الجنيد" الذم سئؿ عف التصكؼ‪:‬فرد قائ ن‬
‫أيضا‪" :‬التصوؼ مبني عمى ثماني خصاؿ‪:‬السخاء والرضى‪ ،‬والصبر‪ ،‬واإلشارة‪ ،‬والغربة‪،‬‬
‫ولبس الصوؼ‪ ،‬والسياحة‪ ،‬والفقر"(‪.)1‬‬
‫( ‪)2‬‬
‫كمما‬ ‫كفي نفس السياؽ يقكؿ " أبو الحسيف النوري‪" :‬التصوؼ ترؾ كؿ خط النفس "‬
‫الجنيد‬ ‫يمكف استقصاءه مف ىذه التعريفات الثالث ىك أف التعريؼ األكؿ كالثالث لإلماميف "‬
‫وأبي الحسف النوري" ‪ ،‬ربطا التصكؼ باإلخالص لو كترؾ كؿ العالقات الجانبية إال عالقتيـ‬
‫باهلل‪ .‬فالصكفي الحؽ ىك مف يقدـ بال مقابؿ كيجاىد في سبيؿ اهلل مجاىدة بدنية كحسية كىك‬
‫"لمجنيد" فربطو‬ ‫مف يترؾ حضا نفسي بؿ مادم كتشبت بحب اهلل كطاعتو‪ ،‬أما القكؿ الثاني‬
‫بجانب األخالؽ كالخصاؿ الحميدة كالسخاء كالعطاء كالرضى بقضاء اهلل كقدره‪ ،‬كالصبر عند‬
‫الشدائد‪ ،‬كلبس الصكؼ كالتكاضع في الحياة‪.‬‬
‫فالتعريؼ األكؿ "لمجنيد" لعمو يقصد بو كذلؾ أف يقطع اإلنساف جميع عالقاتو عف بني‬
‫جنسو كىذه دعكة باطمة ألننا ليس مأمكريف باليركب عف البشر كما يفعؿ المتصكفة إلى يكمنا‬
‫ىذا‪ ،‬فيـ ييربكف كينفردكف في المساجد كالزكايا‪.‬‬

‫ـ صادق ابن سلٌم صادق‪ :‬المصادر العامة لتلقً عند الصوفٌة عرضا ً ونقداً‪ ،‬ص ‪.27‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪2‬‬
‫ـ المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.37‬‬

‫‪12‬‬
‫كذىب معركؼ "الكرخي" إلى أف التصكؼ ىك‪" :‬أخذ بالحقائؽ واليأس مما في أيدي‬
‫الخالئؽ"(‪.)1‬‬
‫كمف المعركؼ أف مكضكع اىتماـ الصكفي غير مكضكع اىتماـ الناس عامة‪ ،‬فالناس‬
‫مشغكليف بالحياة الدنيا أكثر مف انشغاليـ بالحياة اآلخرة‪ ،‬بعكس الصكفي الذم ال ييتـ ال بالدنيا‬
‫كال باآلخرة‪ .‬بؿ يشغؿ نفسو بالذات اإلليية كحدىا‪ ،‬كليذا فإف أكؿ مرحمة مف مراحؿ التصكؼ‬
‫البد أف تبدأ بالزىد كالفقر كاالفتقار‪ ،‬يأخذ بالحؽ كالحقيقة المتمثمة في الذات اإلليية كحدىا‪،‬‬
‫فمتعتو كسعادتو كسركره ىي مع الكاحد األحد‪ .‬كليذا فإف الصكفي يائس مما في أيدم الخالئؽ‬
‫ال عف عجز منو أك عدـ استطاعتو بؿ عف طريؽ زىد إرادم نتج عف مقارنتو بيف الحؽ كبيف‬
‫ما عداه‪.‬‬
‫كقاؿ " أبو حمزة البغدادي‪" :‬عالمة الصوفي الصادؽ‪ ،‬أف يفتقر بعد الغنى‪ ،‬ويذؿ بعد‬
‫العز‪ ،‬ويفضى بعد الشيرة"(‪.)2‬‬
‫ّ‬
‫الدنيا‪ ،‬كالتخمص مف‬
‫كيفيـ مف قكؿ "البغدادي" أنو ربط التصكؼ بالزىد في الحياة ٌ‬
‫مادياتيا كمغرياتيا‪ ،‬كالماؿ كالغنى كالشيرة‪ ،‬كاإلسالـ الحؽ يدعك إلى قريبة اإلنساف تربية‬
‫إسالمية صحيحة حتى يككف مستقيما في حياتو كيخضع ألكامر اهلل كرسكلو عف قناعة كاممة‬
‫كىذا ما اصطمح عند أىؿ التصكؼ بالتصفية كالتحمية كبالنظر إلى األقكاؿ المتقدمة نجد أف كؿ‬
‫تعريؼ مف تعريفات ألئمة التصكؼ فالمنتسبيف إليو يشير إلى جانب مف الجكانب‪ ،‬كىذا‬
‫الجكانب مجتمعة تشير إلى جكانب عظيمة مف الديف الحنيؼ فيك إخالص‪ ،‬كزىد‪ ،‬كأخالؽ‬
‫كمجاىدة‪ ،‬كترؾ لمتكمٌؼ‪ .‬كفي مكضع آخر يرل أف "السراج الطوسي‪" :‬التصوؼ ونعتو وماىيتو‬
‫فقد سئؿ محمد بف عمي القصاب ػػػػ وىو أستاذ الجنيد ػػػػ رحمو اهلل‪ ،‬عف التصوؼ ما ىو؟‬
‫( ‪)3‬‬
‫‪.‬‬ ‫قاؿ‪" :‬أخالؽ كريمة ظيرت في زماف كريـ مف رجؿ كريـ مع قوـ كراـ"‬

‫‪1‬‬
‫ـ فٌصل بدٌر عون‪ :‬تصوف اإلسالمً الطرٌق والرجال‪ ،‬د ط‪ ،‬مكتبة سعٌد رأفت‪ ،‬جامعة عٌن الشمس‪ ،1983 ،‬ص ‪.18‬‬
‫‪2‬‬
‫ـ المرجع السابق‪،‬ص ‪.36‬‬
‫‪ 3‬ـ السراج الطوسً‪ :‬اللمع فً تارٌخ التصوف اإلسالمً‪ ،‬د ط‪ ،‬دار التوفٌقٌة للطباعة‪ ،‬مصر‪ ،‬د س‪ ،‬ص ‪.20‬‬

‫‪13‬‬
‫سئؿ " ُرَوْيـ بف أحمد رحمو اهلل عف التصوؼ فقاؿ‪" :‬استرساؿ النفس مع اهلل تعالى‬
‫عمى ما يرديو" (‪ ،)1‬كسئؿ " سمنوف رحمو اهلل عف التصوؼ فقاؿ‪" :‬أف ال تمتمؾ شيئا وال يممكؾ‬
‫شيء"(‪ ،)2‬كسئؿ "أبو محمد الجريري رحمو اهلل عف التصوؼ قاؿ‪" :‬الدخوؿ في كؿ خمؽ مني‬
‫والخروج مف كؿ خمؽ دني"(‪.)3‬‬
‫"السراج الطوسي" عف أئمة كشيكخ‬ ‫نالحظ مف خالؿ ىذه التعريفات التي سمعيا‬
‫الصكفية كالمنتسبيف أف التصكؼ أكال أخالؽ كريمة كما بعدىا أخالؽ كريمة ظيرت في زماف‬
‫كريـ عمى يد محمد رسكؿ اهلل صمى اهلل عميو كسمـ كمف تبعو مف قكمو الصالحيف‪.‬‬
‫كيزداد تعريؼ "الشيخ سمنوف" كضكحا إذا كتبناه عمى الكجو التالي‪ :‬التصكؼ أال تممؾ‬
‫شيء غير اهلل كأال يممؾ شيء غير اهلل ىذا إف جاز لنا استخداـ شيء في حؽ اهلل‪ .‬الميـ ىك‬
‫أنو ال ينبغي لنا أف نيتـ بشيء أك نستغرؽ في شيء أك تصرؼ إلى شيء إال إلى اهلل‪.‬‬
‫كال ينبغي أف نككف عبيدا ال لماؿ أك كلد أك سمطاف أك غير ذلؾ ىذا سكؼ يشغؿ قمبنا‬
‫عف ذكر اهلل كما أدرؾ ما ذكر اهلل‪ ،‬ليذا ينبغي أف نككف إال لو سبحانو كتعالى لكي ال يككف إال‬
‫لنا‪.‬‬
‫"وىو الذي ال‬ ‫"السري السقطي" بأف التصكؼ ثالث معاف‪:‬‬ ‫كفي مكضع مماثؿ يرل‬
‫يطفئ نور معرفتو نور ورعو‪ ،‬وال يتكمـ بباطف في عمـ ينقضو عميو ظاىر الكتاب وفمسفة‪،‬‬
‫وال تحممو الكرامات عمى ىتؾ أستار محارـ اهلل"(‪.)4‬‬
‫كىذا التعريؼ الذم أكرده "السري السقطي" تعريؼ في غاية األىمية مف حيث أنو يشير‬
‫إلى أف الحياة الباطنية لمصكفي سر مر أسرار اهلل ال ينبغي أف يطمع أحد عميو‪ .‬كال ينبغي‬
‫لمصكفي أبدنا أف يكشؼ عف ما يحدث لو أك ما يمكف أف يحدثو ىك تجاه اآلخريف‪ .‬ليذا ال‬

‫‪ 1‬ـ المصدر السابق‪ :‬الصفحة نفسها‪.‬‬


‫‪ 2‬ـ المصدر نفسه‪ :‬الصفحة نفسها‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ نفسه‪ :‬الصفحة نفسها‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫ـ فٌصل بدٌر عون‪ :‬التصوف اإلسالمً الطرٌق والرجال‪ ،‬ص ‪.19‬‬

‫‪14‬‬
‫ينبغي أف يطفئ نكر المعرفة نكر الكرع كالتقكل كخشيو اهلل‪ .‬أما عالقتو الخاصة مع اهلل فيذه‬
‫مسألة ال يستطيع أحد أف يتدخؿ فييا‪.‬‬
‫معنى ىذا أف عمى الصكفي أف يميز بيف سمككو مع الناس كبيف سمككو مع اهلل‪ ،‬كالميـ‬
‫ىك أف ال يتخمى أبدان عف المشاركة في عبادة اهلل كما يفعؿ المسممكف‪.‬‬
‫كلبعض المشايخ في التصكؼ ثالثة أجكبة‪" :‬جواب بشرط العمـ‪ ،‬وىو تصفية القموب‬
‫مف األكدار‪ ،‬واستعماؿ الخمؽ مع الخميفة‪ ،‬واتباع الرسوؿ (ص) في الشريعة‪ ،‬وجواب بمساف‬
‫الحقيقة‪ ،‬وىو عدـ األمالؾ والخروج مف ِرؽ الصفات‪ ،‬واالستغناء بخالؽ السموات‪ ،‬وجواب‬
‫بمساف الحؽ‪ ،‬أصفاىـ بالصفاء عف صفاتيـ‪ ،‬وصفاىـ مف صفاتيـ فسموا صوفية"(‪.)1‬‬
‫ككذلؾ يكؿ "أبو محمد رويـ" في التصكؼ أنو‪" :‬التمسؾ بالفقر واالفتقار والتحقؽ بالذؿ‬
‫واإليثار وترؾ التعرض واالختيار"(‪.)2‬‬
‫ىذا أيضنا تعريؼ مف التعريفات اليامة لمتصكؼ‪ ،‬كىك يتناكؿ أكثر مف ناحية مف‬
‫نكاحيو‪ ،‬فيك أكالن يشير إلى أف الفقر المادم أم الزىد في الدنيا كذلؾ حينما يقكؿ (التمسؾ‬
‫بالفقر) أم عمى اإلنساف دائمان أف يظؿ متمسكان بالزىد في الدنيا كما فييا مف شيكات حسية‬
‫كمتع مؤقتة زائفة حتى ال يغتر بيا‪ .‬ثـ إف ىذا التعريؼ يشير إلى أمر آخر ىك (التمسؾ‬
‫باالفتقار)‪ ،‬كالمقصكد ىنا أف يظؿ المرء متمسكا مرتبطا باهلل مشغكالن بو لكي يظؿ حبؿ‬
‫االتصاؿ ميدكدنا‪ ،‬كتظؿ المشاىدة حاصمة كاالفتقار ىنا يعني االفتقار إلى اهلل كأما ما يقصده‬
‫"محمد بف رويـ" بػ (التحقؽ بالذؿ كاإليثار) ىك أف يضفي بكؿ شيء مف أجؿ اهلل‪ .‬إف كؿ شيء‬
‫عند الصكفي يككف حقي انر ميما كاف شأنو إذا قيس بالذات اإلليية‪.‬‬
‫أما قكلو (كترؾ التعرض كاالختيار) فيقصد بو أف عمى الصكفي أف يكافؽ الحبيب عمى‬
‫كؿ ما يطمبو منو كاف ال يرفض لو طمبا كفي ىذا الصدد يقكؿ " ذو النوف المصري‪" :‬الصوفي‬
‫ىما الذي ال يتعبو طمب وال يزعمو سمب"(‪.)3‬‬

‫‪ 1‬ـ القشٌري‪ :‬الرسالة القشٌرٌة‪ ،‬ط ‪ ، 1‬المكتبة العصرٌة‪ ،‬لبنان‪ ،2001 ،‬ص ‪.239‬‬
‫‪ 2‬ـ فٌصل بدٌر عون‪ :‬التصرف اإلسالمً الطرٌق والرجال‪ ،‬ص ‪.20‬‬
‫‪ 3‬ـ القشٌري‪ :‬الرسالة القشٌرٌة‪ ،‬ص ‪.21‬‬

‫‪15‬‬
‫كباختصار شديد نقكؿ بأف عمى الصكفي أف ينطؽ بمساف مف يحب فيكره ما يكرىو‬
‫الحبيب كيحب ما يحبو كمف يحبو‪.‬‬
‫كفي سياؽ مغاير يقكؿ "أبو الحسيف بف منصور الحالج‪" :‬الصوفي وحداني الذاتي ال‬
‫يقبمو أحد وال يقبؿ أحداً"(‪.)1‬‬
‫فيذا التعريؼ الذم كرد عمى لساف الحالج يميز في الحقيقة تصكؼ الحالج نفسو‬
‫كيعتبر عف تعبي ار دقيقا‪ .‬ذلؾ أف التصكؼ الذم سعى إليو كاف متمي ناز بكحدة الكجكه‪ ،‬اتحاد‬
‫الالىكت بالناسكت بحيث يصير اإلنساف ىك اهلل كاهلل ىك اإلنساف كما حدث بالنسبة لممسح‬
‫عميو السالـ‪ .‬فالحالج يرل أف الصكفي كقد كصؿ إلى الفناء في الذات اإلليية أصبح كاحدنا‬
‫ألنو ال يكجد إال إلو كاحد‪ .‬فيك مف ىذه الناحية كحداني الذات ال يقبؿ أحد مف حيث أنو يرفض‬
‫الثنائية رفضان قاطعان‪ .‬أضؼ إلى ذلؾ أف الصكفي مف ناحية ثانية‪ ،‬المتكحد بسمؾ سمككا خاصا‬
‫يقره عميو الناس كال يقبمكنو منو ألنيـ ينكركف عميو أفعالو كأقكالو‪ .‬كيؼ ال كىك ينطؽ بمساف‬
‫ال ٌ‬
‫الحؽ كىك ينطقكف بمساف الزكر كىك يتكمـ بمساف السر اإلليي كىـ يتكممكف بمساف العقؿ‬
‫كالمنطؽ‪.‬‬
‫كيضيؼ "أبو الحسيف النوري‪" :‬تعريفا آخر في مجاؿ التصوؼ فيقوؿ‪" :‬أخص‬
‫خصائص الصوفي السكوف عند العدـ واإليثار عند الوجود "(‪.)2‬‬
‫كما يميز ىذا التعريؼ أنو يكشؼ عف ناحية ىامة مف نكاحي التصكؼ كأقصد بيا‬
‫إجماع الصكفية عمى اإليماف بقضاء اهلل كقدره كالتككؿ عميو في كؿ شأف كشؤكنيـ‪ ،‬كأننا في‬
‫تدبيرنا شؤكننا كسعينا في ىذا الطريؽ أك ذاؾ إنما نحف في الحقيقة ننفذ اإلرادة اإلليية التي‬
‫ال لعمـ اهلل الذم ال يتبدؿ كال يتغير كال يخطئ‪.‬‬
‫شاءت لنا ىذا‪ .‬كنحف إنما نخضع خضكعا كام ن‬
‫كفي ىذا الصدد نقكؿ أنو ينبغي عمى الصكفي إذا فقد ماالن أك كلدان أك جاىا إذا كاف لو‬
‫جاه‪ ،‬أك أصيب بمرض ما أف ال يشكك ألمو كحزنو ألحد بؿ ينبغي أف يظؿ ساكنا ثابتا مؤمنا‬

‫‪1‬‬
‫ـ المرجع السابق‪ :‬ص ‪21‬‬
‫‪2‬‬
‫ـ المرجع نفسه‪ :‬ص ‪.20‬‬

‫‪16‬‬
‫بقضاء اهلل كقدره‪ .‬أما ما يقصد بػ (اإليثار عند الكجكه) فيك أف عمى الصكفي إذا رزقو اهلل بكلد‬
‫أك ماؿ أك أية متعة مف متع الدنيا أف ال يبخؿ بشيء مف ما رزقو اهلل عمى أىالو كعشيرتو‬
‫ككطنو‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫الفصؿ األوؿ‬
‫تجميػػػػػػػػات الرمػػػػػػػػػز‬

‫‪18‬‬
‫إف الحديث عف الرمز في الشعر‪ ،‬قديـ قدـ اآلداب سكاء العربية منيا أـ الغربية‪ ،‬برز‬
‫استعمالو عند أعداد مف الشعراء الذيف يريدكف التعبير عف أفكارىـ بطريقة غير مباشرة فالرمزية‬
‫يغ مف الرمز لمداللة عمى مذىب أدبي نا كفمسفي‪ ،‬كىي في األد ب عمى نكعيف‪ :‬عاـ‬
‫ص ى‬‫مصدر ً‬

‫كأدبي (خاص)‪.‬‬
‫أما الرمز العاـ أك الرمز التراثي أك القديـ‪ ،‬رمز يمتمؾ "أساسنا مف الديف أك التاريخ‪ ،‬أك‬
‫األسطكرة فيتداكلو غير كاحد مف الشعراء‪ ،‬ـ ستميميف جكانبو التراثية كطاقات إيحائو الكامنة‬
‫مستقر في الالكعي‬
‫ٌان‬ ‫فيو"(‪ ،)1‬إما مكانان أك شخصية أك حدثان‪...‬مف التراث القكمي أك العالمي‬
‫الجمعي بتعبير "يونج" )‪ (Young‬كمف ىنا كاف استحضار الرمز التراثي في النص الشعرم‬
‫يستثير خبرة‪ ،‬قصة‪ ،‬معاناة‪ ،‬تضحية‪ ،‬يبعدنا إنسانيان‪ ،‬مشتركان بيف المبدع كالمتمقي‪ ،‬عندئذ يعتبره‬
‫منطمقا تنجدؿ فيو التجربة المعاصرة " وبذلؾ يتحقؽ حوار الذات عبر اآلخر‪ ،‬فعندما تكوف‬
‫( ‪)2‬‬
‫كمادامت المغة‬ ‫القصيدة ىي حوار الذات فقط‪ ،‬تتحوؿ إلى أحجية‪ ،‬إلى قصيدة مغمقة"‬
‫العادية غير قادرة عمى حمؿ أبعاد تجربة المبدع بدالالتيا الكضعية‪ ،‬فالشحنة اإليحائية كالطاقة‬
‫يثري تجربتو الشعرية‬ ‫التكثيفية المختزنة في الرمز القديـ تضطمع بالميمة‪ ،‬كاف تكظيفو "‬
‫فنية بالطاقات‬ ‫ويمنحيا شمو ًال وكمية وأصالة وفي نفس الوقت يوفر ليا أغنى الرسائؿ اؿ‬
‫"فذكرىا يعيد التفصيالت‬ ‫اإليحائية"(‪ ، )3‬ألنيا تضرب عمى كتر مشترؾ في الالكعي الجمعي‬
‫التي تحيط بيا مف حيث دورىا التاريخي‪ ،‬ومكانتيا في زمنيا"(‪.)4‬‬
‫كمف ىنا تبرز أىمية قدرة المتمقي عمى الفيـ‪ ،‬تمؾ التي جعمت منو المبدع اآلخر‬
‫لمخطاب الشعرم‪ ،‬إذ تعتبر قمٌة خبرة المتمقي أكبر عقبة في عممية التفاعؿ مع الخطاب الحداثي‬
‫الذم يحتفي بالثقافة كيشدد عمييا‪.‬‬

‫‪ 1‬ـ ٌحً الشٌخ صالح‪ :‬شعر الثورة عند مفدي زكرٌاء (دراسة تحلٌلٌة جمالٌة)‪ ،‬دار البعث‪ ،‬الجزائر‪ ،1987 ،‬ص ‪.336‬‬
‫‪ 2‬ـ محمد علً الكندي‪ :‬الرمز والقناع فً الشعر العربً الحدٌث (السٌاب ونازك والبٌاتً)‪ ،‬ط ‪ ، 1‬دار الكتاب الجدٌد‪ ،‬بٌروت‪،‬‬
‫لبنان‪ ،2003 ،‬ص ‪.111‬‬
‫‪ 3‬ـ علً عشري زاٌد‪ :‬استدعاء الشخصٌات التراثٌة فً الشعر العربً المعاصر‪ ،‬دار الفكر العربً‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪،1998 ،‬‬
‫ص ‪.93‬‬
‫‪ 4‬ـ المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.126‬‬

‫‪19‬‬
‫لمجرد قدميا‪ ،‬أك ارتباطيا بتاريخ أمتو أك عقيدتيا أك‬
‫كلكف ىذه الرمكز ال تكتسب قيمتيا ٌ‬
‫حتى بككنيا تراثان عالميان إنسانيان‪ ،‬ما لـ "تكف ذات سمات دالة ومتجددة‪ ،‬يجد الشاعر فييا ما‬
‫يجعميا قادرة عمى حمؿ أعباء تجربتو‪ ،‬ويرى أنيا مناسبة لظروؼ حياتو‪ ،‬ومتطمبات‬
‫(‪)1‬‬
‫عصرق" ‪ .‬فقيمة الرمز تأتي مف التجربة ذاتيا‪ ،‬كال تجمب إلييا حتى يككف الرمز مككنان دخيالن‬
‫ع مف التقميد‪ ،‬ذلؾ كمو خركج عف ركح‬
‫عمى النص لمجرد استعراض سعة إطالع الشاعر‪ ،‬أك نك ن‬
‫الرمز كطمس لمعالمو "ألف أصالة الموروث شفيعاً لقصور الشاعر‪ ،‬أو تقصيره في تمثؿ‬
‫التجربة اإلبداعية‪ ،‬وصياغتيا فيذا الموروث ال يحقؽ غايتو الفنية‪ ،‬ما لـ تكف الحاجة إليو‬
‫نابعة مف داخؿ البنية الشعرية ذاتيا"(‪.)2‬‬
‫كاذا سمٌمنا جدالن أف جيالن مف الشعراء عاشكا ظركفان مشتركة كانفعمكا بيا‪ ،‬أال يكلٌد ذلؾ‬
‫لدييـ تجارب متشابية إف لـ تكف نقؿ متطابقة‪ ،‬كاذ ىـ يعبركف عنيا يتسكلكف بتمؾ الرمكز‬
‫العامة‪ ،‬فتقفز داللتيا إلى الذىف بشكؿ مف أشكاؿ االصطالح‪ ،‬كتصير مدلكالتيا عندئذ ميددة‬
‫باالنزالؽ نحك االبتذاؿ‪ ،‬كؿ ذلؾ بزعـ يعمًقيا كخصكبتيا‪ ،‬إال أف ذلؾ ال ينجح دائما‪ ،‬ألنو‬
‫بحاجة إلى ميارة عالية يشترطيا تكظيؼ ىذه الرمكز‪ ،‬كال يفي بالغرض جعميا كعاء لقضايا أك‬
‫أفكار أك ىمكـ الشاعر كحسب‪ ،‬ألف في ذلؾ قبؿ كؿ شيء إساءة ليا مف الناحية الفنية‪.‬‬
‫مجرد االنبيار بكاحد مف ىذه الرمكز‪ ،‬طريقان إلى تك ارره لضركرة أك لغيرىا‪،‬‬
‫كما ال يككف ٌ‬
‫ألنو يترتب عف ذلؾ افتعاؿ كتحميؿ لمرمز أكثر مما يحتمؿ‪ ،‬فيبدك مقحمنا عمى السياؽ كفي‬
‫ذلؾ خطكرة ال تقؿ عف منزلؽ االصطالح‪.‬‬
‫كحتى يتجنب الشاعر ىذه النقيضة أك تمؾ فإف "منازلة مف طراز خاص ينبغي أف تحدث‬
‫بيف الشاعر الحديث مف جية‪ ،‬وبيف ماضي الرمز أو ميراثو الراسخ مف الداللة (‪ )...‬إف‬
‫المنازلة بينيما قد تظؿ ممتيبة باستمرار متجددة دائمة التوتر" (‪ ،)3‬ألف داللة الرمز العاـ ال‬
‫يمكف سترىا كمٌية فيي تظؿ بيف الحيف فاآلخر‪ ،‬أما إذا نقميا الشاعر إلى سياقات جديدة‬

‫‪ 1‬ـ المرجع السابق‪ :‬ص ‪.125‬‬


‫‪ 2‬ـ ٌنظر‪ :‬محمد علً الكندي‪ :‬الرمز والقناع فً الشعر العربً الحدٌث‪ :‬ص ‪.129‬‬
‫‪3‬‬
‫ـ علً جعفر العالق‪ :‬فً حداثة النص الشعري‪ ،‬ط ‪ ، 1‬دار الشروق‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،2003 ،‬ص ‪.48‬‬

‫‪20‬‬
‫كصارت لصيقة بيا في قصائده‪ ،‬كألحت عمينا داللتيا الجديدة فإننا تككف بإزاء نكع آخر مف‬

‫"ويأتي ىذا الرمز الخاص ليشكؿ مجاالً رحباً‬ ‫الرمز‪ ،‬يفرج مف دائرة العاـ إلى دائرة الخاص‬
‫لحركة الشاعر‪ ،‬يجد فيو حرية أكثر وفرصة أكبر الختيار رمزه الذاتي‪ ،‬الذي يتمثؿ فيو تجربتو‬
‫بشكؿ أشد خصوصية وأصالة"(‪.)1‬‬
‫كيستند الرمز الخاص بشكؿ أساسي عمى السياؽ كالتجربة الشعكرية التي انبثؽ منيا‪،‬‬
‫ألنو يمغي االصطالح تمامنا كييدؼ إلى نفسي الداللة الكضعية‪ ،‬كمف ىنا اكتسى بالغمكض‪،‬‬
‫فالمتمقي يجد عنتان كبي انر في التعامؿ معو خصكصان إذا لـ يتعقب داللتو في أكثر مف عمؿ مف‬
‫ال رحبنا كثي نار ما نجح الشعر في تكظيفو كتفجير‬
‫أعماؿ الشاعر كقد كاف الرمز الخاص مجا ن‬
‫طاقاتو اإلبداعية‪ ،‬حتى "كاد كؿ شاعر يعرؼ برمزه المبتكر "(‪ ،)2‬أك مجمكعتو الشخصية مف‬
‫الرمكز التي تختزؿ بمعجميا معاناتو‪ ،‬كتكشؼ عف اىتماماتو الفكرية كميكالتو الفنية‪ ،‬كما‬
‫حي ناز مف لغتو‪.‬‬
‫كتشكؿ سمة بارزة في أسمكبو‪ ،‬كتأخذ ٌ‬
‫كاف ميمة الشاعر تفجير االنفعاالت كالتعبير عف التجارب اإلنسانية بمغة راقية‪ ،‬كال‬
‫المعجمية‪ ،‬ليكسبيا تجريد‬
‫ٌ‬ ‫يجردىا مف معانييا‬
‫يتأتى لو ذلؾ إال حيف يضغط عمى كمماتو ضغطان ٌ‬
‫أك تكثيفنا بإضفاء معاف جديدة عمييا‪ ،‬كالرمز الخاص يتبمكر عادة في كممة كاحدة‪ ،‬كأف يككف‬
‫عما يريده‪ ،‬ككثي انر ما كانت‬
‫كيعبر مف خالليا ٌ‬
‫شخصية يبتكرىا الشاعر كيجسد فييا أفكاره كآراءه ٌ‬
‫عناصر الككف كالطبيعة أيضنا مصد نار لو‪ ،‬إذ "يقوـ الرمز الطبيعي معب ارً آخر لمشعراء لتوحيد‬
‫الذات بالعالـ‪ ،‬والتعبير عف دالالت تجربتيـ باستبطانيـ لطاقات ىذا الرمز وشحنو بحموالت‬
‫( ‪)3‬‬
‫وفكرية جديدة" ‪ ،‬كالميؿ‪ ،‬كالبحر‪ ،‬كالرمؿ‪ ،‬كالريح‪ ،‬كالضياء‪...‬كلكنيا ال تككف ميربان‬
‫ّ‬ ‫شعورية‬
‫ّ‬
‫يمجأ إليو كما يفعؿ الركمانسيكف‪ ،‬بحيث تككف عندىـ غاية في حد ذاتيا‪ .،‬إنما يختار الشعراء‬
‫منيا بيدؼ الرمز ما يالئـ طبيعة شعكرىـ "فيخطفوه األشياء خطفا ال يخضع لسياؽ معيف‪ ،‬أو‬

‫‪ 1‬ـ إبراهٌم رمانً‪ :‬الغموض فً الشعر العربً الحدٌث‪ ،‬د ط‪ ،‬دٌوان المطبوعات الجامعٌة‪ ،‬الجزائر‪ ،1991 ،‬ص ‪.280‬‬
‫‪ ، 3‬دار العودة‪ ،‬بٌروت‪ ،‬لبنان‪،‬‬ ‫‪ 2‬ـ عز الدٌن إسماعٌل‪ :‬الشعر العربً المعاصر (قضاٌا وظواهره الفنٌة والمعنوٌة)‪ ،‬ط‬
‫‪ ،1981‬ص ‪.218‬‬
‫‪ 3‬ـ إبراهٌم رمانً‪ :‬الغموض فً الشعر العربً الحدٌث‪ ،‬ص ‪.282‬‬

‫‪21‬‬
‫منيجية محددة ويدخمونيا في صميـ الصراع االنفعالي‪ ،‬أي ليخرج مف خالؿ ذلؾ نسيج أدبي‬
‫تتالحـ‪ ،‬ال سبيؿ إلى خصـ الصور الف ّنية عف محتوياتيا"(‪.)1‬‬
‫فتنتفخ داللة الرمز الخاص عمى الغمكض نتيجة تفاعؿ ذاتي معيا ضمف تجربة جديدة‬
‫تنأل بيا عف أكثر التكافقات فكريان كتاريخيان كأسطكريان‪ ،‬كتتمزؽ منظكمة التكقعات كاالفتراضات‬
‫األدبية كالساقية التي تككف متسربة في ذىف القارئ حكؿ نص ما‪ ،‬قبؿ الشركع في قراءة النص‬
‫"بحيث يصير محف ازً دائماً يدفع إلى البحث عف المعنى الحقيؽ المنوط بيذا الرمز‪ ،‬وبالتالي‬
‫تولد ل ّذة متجددة في كؿ قراءة‪ ،‬تسمى ػػػػ المسافة الجمالية ػػػػ وىي تعبير عف مقدار مخالفة‬
‫القراء"(‪.)2‬‬
‫النص لتوقعات ّ‬
‫كؼ عف ذلؾ ثبتت داللتو‪ ،‬ككفت عف‬
‫كينجح الرمز إذان انفتح عمى التعدد‪ ،‬ألنو متى ٌ‬
‫تكليد قراءات جديدة‪.‬‬
‫‪ 1‬ػػػػ ‪ 1‬ػػػػ مفيوـ الرمز‪:‬‬
‫أ ػػػ لغة‪:‬‬
‫"اإلشارة واإليماء" غير أف‬ ‫"رمز" تعني لغة‬ ‫اتفقت المعاجـ العربية عمى أف مادة‬
‫االختالؼ فييا يقع في كسيمة اإلشارة كاإليماء‪ ،‬أتككف بالمفظ أـ تككف بأحد الجكارح أك بغيرىا‬
‫مف األشياء؟‬
‫ال لذلؾ حيث‬
‫ذىب "الزمخشري" إلى القكؿ بأنيا تككف "بالشفتيف والحاجبيف" كضرب مثا ن‬
‫قاؿ‪" :‬دخمت عمييـ فتغامزوا وترامزوا"(‪.)3‬‬
‫اجعؿ ِلي آي ًة قاؿ آيتؾ أال‬
‫ْ‬ ‫قؿ رِبي‬
‫"رمز" في قكلو تعالى‪ْ " :‬‬ ‫كفي مكضع آخر فسر كممة‬
‫تكمـ الناس ثالثة أياـ إال رم ازً‪.)4("...‬‬

‫‪ 1‬ـ ٌاسٌن األٌوبً‪ :‬مذاهب األدب معالم وانعكاسات‪ ،‬ج ‪ ،2‬الرمزٌة‪ ،‬ط ‪ ، 1‬المؤسسة الجامعٌة للنشر والتوزٌع‪ ،‬بٌروت‪ ،‬لبنان‪،‬‬
‫‪ ،1982‬ص ‪.42‬‬
‫‪ 2‬ـ عبد هللا الغذامً‪ :‬القصٌدة والنص المضاد‪ ،‬المركز الثقافً العربً‪ ،‬بٌروت‪ ،‬لبنان‪ ،1994 ،‬ص ‪.163‬‬
‫‪ 3‬ـ الزمخشري‪ :‬أساس البالغة‪ ،‬دار صادر للطباعة والنشر‪ ،‬بٌروت‪1965 ،‬م‪ ،‬ص ‪.251‬‬
‫‪ 4‬ـ القرآن الكرٌم‪ ،‬سورة آل عمران‪ ،‬اآلٌة ‪.41‬‬

‫‪22‬‬
‫"زكرياء" حيف طمب منو آية لو‪ ،‬أمره بعدـ‬ ‫كيتضح لنا مف اآلية أف اهلل عز كجؿ أمر‬
‫الدالة‪.‬‬
‫الكالـ مع الناس ثالثة أياـ عمى التكالي‪ ،‬بؿ عميو أف يتكاصؿ معيـ بالرمكز كاإلشارات ٌ‬
‫"بالمنكب إذا‬ ‫أما "الجاحظ" فيرل أف اإلشارة زيادة عمى الجكارح يمكف أف تككف كذلؾ‪:‬‬
‫تباعد الشخصاف‪ ،‬وبالثوب وبالسيؼ"(‪.)1‬‬
‫إال أف "ابف منظور" كاف أكضح مف غيره كأكثر تكسعنا كابانة رغـ أنو ال يخرج عف ككف‬
‫"الرمز ىو اإلشارة" بأحد الجكارح أك غيرىا مف الكسائؿ المتاحة إذ يرل أف اإلشارة تككف أيضنا‪:‬‬
‫"تصويتاً خفياً بالمساف كاليمس ويكوف تحريؾ بكالـ غير مفيوـ المفظ مف غير إبانة بصوت‪،‬‬
‫وانما ىو إشارة بالشفتيف وقيؿ الرمز إشارة وايماء بالعينيف والحجابيف والشفتيف والفـ والرمز‬
‫كما أشارت إليو في المغة كما أشرت إليو مما يباف بمفظ"(‪.)2‬‬
‫" الرمز أو المغز ىو الكالـ الذي يعطي ظاىره ما لـ يقصد قائمو‪ ،‬وكذلؾ منزلة العالـ‬
‫في الوجود أما أوجده اهلل لعينو وانما أوجده لنفسو "(‪.)3‬‬
‫الفعاؿ في الداللة الرمزية ىك المدلكؿ الكامف كراء ىذه‬
‫كمف ثـ فإف الذم يقكـ بالدكر ٌ‬
‫الظكاىر كىذا ما جعؿ "سوسير" )‪ (F.D.Saussur‬بصفة بقكلو‪ " :‬ما يتمز بو الرمز ىو أنو‬
‫ليس دائماً كامؿ االعتباطية‪،‬إنو ليس فارغاً‪ ،‬إف ىناؾ بقايا الرابطة الطبيعية مف الداؿ‬
‫والمدلوؿ‪ ،‬إف الميزاف كرمز لمعدالة ال يمكف تعويضو بأي شيء كالدبابة مثال‪.)4("...‬‬
‫يقوؿ "صالح فضؿ"‪" :‬إف الكممات مجرد عالمات أو إشارات لألشياء ويعني بيذه‬
‫العالمات الكؿ المزدوج الذي يفيد الداؿ والمدلوؿ معاً‪ ،‬وبذلؾ ألف العالقة بيف العالمة ومناىا‬
‫اعتباطية‪ ،‬أما الرمز فيفترض عالقة طبيعية بسببو بيف الداؿ والمدلوؿ‪ ،‬كأف يقوؿ‪ :‬إف الماء‬
‫رمز لمصفاء‪ ،‬فبينما ينطبؽ الداؿ عمى المدلوؿ تماما في حالة العالقة المغوية فإف األمر‬

‫‪ 1‬ـ الجاحظ‪ :‬البٌان والتبٌٌن‪ ،‬ج ‪ ، 01‬دار التراث العربً‪ ،‬بٌروت‪ ،‬لبنان‪1968 ،‬م‪ ،‬ص ‪.57‬‬
‫‪ 2‬ـ ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪ ،‬ج ‪ ، 5‬دار صادر ودار بٌروت للطباعة والنشر‪ ،‬بٌروت‪1955 ،‬م‪ ،‬ص ‪.356‬‬
‫‪ 3‬ـ ابن عربً‪ :‬الفتوحات المكٌة ‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ 196‬ـ ‪.197‬‬
‫‪ 4‬ـ الولً محمد‪ :‬الصورة الشعرٌة فً الخطاب البالغً والنقدي‪ ،‬المركز الثقافً العربً‪ ،‬بٌروت‪ ،1996 ،‬ص ‪.199‬‬

‫‪23‬‬
‫يختمؼ عف ذلؾ في الرمز الذي يرتبط ارتباطاً قوياً في تكوينو بما يطمؽ عميو السيميولوجية‬
‫أو عمـ العالمات"(‪.)1‬‬
‫إذف فالرمز كفؽ ىذا المفيكـ يستمزـ الخبرة بما تكنو المحسكسات الخارجية مف جماؿ أك‬
‫عالقات ترسـ مدلكالن معينان‪ ،‬كتؤدم إلى مزيج مف الكاقع كالشعر‪ ،‬كيككف الرمز ساعتيا مف‬
‫لمحات الكجكد الحقيؽ يدؿ عند الناس ذكم اإلحساس الكاعي عمى الشيء مف المستحيؿ أف‬
‫يترجـ عنو بمغة عقمية‪ ،‬داللة تقكـ في يقيف باطني مباشر‪.‬‬
‫كيعرفو "ابف رشيؽ القيرواني" قائالن‪ " :‬أصؿ الرمز‪ ،‬الكالـ الخفي الذي ال يكاد يفيـ ثـ‬
‫استعمؿ حتى صار اإلشارة‪...‬واإلشارة مف غرائب الشعر وممحو تدؿ عمى بعد المرمى‪ ،‬وفرط‬
‫المقدرة‪ ،‬وليس يأتي بيا إال الشاعر المبرز‪ ،‬والحاذؽ والماىر‪ ،‬وىو في كؿ نوع مف الكالـ‬
‫لمحة دالة واحتضار وتمويح يعرؼ مجمالً ومعناه بعيداً مف ظاىر لفظو" (‪.)2‬‬
‫)‪ (Symbole‬كاإلشارة )‪،(Signal‬‬ ‫كما يالحظ أف ىذا التعريؼ لـ يضع فرقا بيف الرمز‬
‫في حيف أف لكؿ كاحد منيما مفيكمان خاصان‪ ،‬فالرمز قد يكحي بتأكيالت مختمفة كيشمؿ كؿ أنكاع‬
‫المجاز المرسؿ كالتشبيو كاالستعارة بما فييا مف عالقات داللية معقدة بيف األشياء بعضيا‬
‫البعض‪ .‬أما اإلشارة فميا داللة كاحدة ال تقبؿ التنكيع‪ ،‬كال يمكف أف تختمؼ مف شخص آلخر ما‬
‫داـ المجتمع قد تكاضع عمى داللتيا‪ ،‬فالمصباح األحمر في الطريؽ تعارؼ الناس عمى أنو‬
‫إشارة إلى معنى (قؼ) كليس لو معنى آخر‪ ،‬في حيف أف الرمز تعبير يكمئ إلى معاف تعرؼ‬
‫بالحدس(‪.)3‬‬
‫كيعرؼ "أدونيس" الرمز بأنو‪" :‬المغة التي تبدأ حيف تنتيي لغة القصيدة‪ ،‬أو ىي‬
‫القصيدة التي تتكوف في وعيؾ بعد قراءة القصيدة‪ ،‬إنو البرؽ الذي يتيح لموعي أف يستشؼ‬
‫عالماً ال حدود لو"(‪.)4‬‬

‫‪ 1‬ـ صالح فضل‪( :‬نظرٌة البنائٌة)‪ ،‬ط ‪ ، 1‬الهٌئة العصرٌة العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ص ‪.29‬‬
‫‪ 2‬ـ ابن رشٌق القٌروانً‪ :‬العمدة‪ ،‬ج ‪ ،1‬تح‪ :‬محً الدٌن عبد الحمٌد‪ ،‬دار الجٌل‪ ،‬بٌروت‪ ،‬لبنان‪1972 ،‬م‪ ،‬ص ‪.302‬‬
‫‪ 3‬ـ سعٌد شٌبان‪ :‬الرمز فً الشعر الجزائري المعاصر‪ ،‬مذكرة لنٌل شهادة الماجستٌر فً األدب العربً‪ ،‬جامعة مولود معمري‬
‫ـ تٌزي وزو ـ‪ 2000 ،‬ـ ‪ ،2001‬ص ‪.7‬‬
‫‪ 4‬ـ أدونٌس‪ :‬زمن الشعر‪ ،‬ط ‪ ، 1‬دار العودة‪ ،‬بٌروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ص ‪.160‬‬

‫‪24‬‬
‫ب ػػػػ اصطالحاً‪:‬‬
‫عرؼ األدباء التعبير الرمزم في أدبيـ قبؿ اإلسالـ كبعده‪ ،‬إال أنيـ عرفكه قبمو باعتباره‬
‫ال بمفظو‬
‫يتذكقكنو بمعناه ال بمفظو الصريح‪ ،‬أما بعد اإلسالـ فقد عرفكه مصطمحنا نقدينا متداك ن‬
‫ذكقنا ٌ‬
‫أحيانان كما ينكب عنو مف المصطمحات في أكثر األحياف كاإلشارة كالمجاز كالبديع‪.‬‬
‫"اإليحاء‪ ،‬أي التعبير غير المباشر‬ ‫فإذا كاف الرمز بمعناه االصطالحي الحديث ىك‪:‬‬
‫عف النواحي النفسية المستترة‪ ،‬التي ال تقوى عمى أدائيا المغة في داللتيا الوضعية‪ ،‬والرمز‬
‫ىو الصمة بيف الذات واألشياء‪ ،‬بحيث تتولد المشاعر عف طريؽ اإلثارة النفسية‪ ،‬ال عف‬
‫طريؽ التسمية والتصريح"(‪.)1‬‬
‫فقد عرؼ كثي انر مف أشعار المتقدميف كالذيف لـ يقصدكا إليو كانما يجيء حفك الخاطر‪،‬‬
‫فيككف في األدب محفكظان كال يفسد لو ذكقان‪ ،‬أما المتأخركف فقد قصدكه قصدان‪ ،‬كبالغكا في‬
‫تكظيفو فمـ يقتصر عمى األسمكب الرمزم فحسب كانما تجاكز ذلؾ كمٌو إلى أف صار المكضع‬
‫كمٌو رمزيان في كثير مف األحياف(‪.)2‬‬
‫فالرمز األسمكبي بمفكىمو العاـ في ككنو مجرد لفظ أطمؽ كأريد بو معنى خفيان‪ ،‬فيطكل‬
‫حينئذ معنى المفظ الحقيقي لعالقة بيف المعنييف‪ ،‬الحقيقي كالمجازم مما يجعؿ أسمكب األديب‬
‫يتراكح بيف الحقيقة كالمجاز كبيف المباشرة كاإليحاء‪ ،‬فيككف النص كمٌو رمزيان‪ ،‬كما ال يككف‬
‫مباش نار(‪.)3‬‬
‫كضح "بوؿ ريكور" ) ‪ (Paul Ricour‬عالقة الرمز باالستعارة حيث أشار إلى أف‬
‫كقد ٌ‬
‫االستعارة في الحقيقة ليست سكل إجراء لغكم أم شكؿ غريب مف أشكاؿ اإلسناد يختزف في‬
‫تزكد لمغة بعمـ داللة ضمني لمرمكز‪ ،‬كما يبقى مختمطنا‪ ،‬في الرمكز‬
‫داخمو قكة رمزية‪ ،‬كما أنيا ٌ‬
‫ىك دمج شيء بآخر‪ ،‬كدمجنا لألشياء كالتجارب الالنيائي بيف العناصر يتـ تكضيحو في تكتر‬

‫‪ 1‬ـ محمد غنٌمً هالل‪ :‬األدب المقارن‪ ،‬د ط‪ ،‬دار العودة‪ ،‬بٌروت‪ ،‬لبنان‪ ،1987 ،‬ص ‪.398‬‬
‫‪ 2‬ـ ٌنظر‪ :‬ابن معتز‪ :‬طبقات الشعراء‪ ،‬د ط‪ ،‬تح‪ :‬عبد الستار أحمد فراج‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬مصر‪ ،1956 ،‬ص ‪.05‬‬
‫‪،1972‬‬ ‫‪ 3‬ـ ٌنظر‪ :‬دروٌش الجندي‪ :‬الرمزٌة فً األدب العربً‪ ،‬د ط‪ ،‬دار النهضة مصر للطباعة والنشر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪،‬‬
‫ص ‪.237‬‬

‫‪25‬‬
‫المنطكؽ اإلستعارم‪ ،‬كيظؿ الرمز أكثر داللة مف االستعارة في ككنو يحمؿ ظاىرة ذات بعديف‬
‫بحيث يشير الكجو الداللي إلى الكجو الالداللي‪.‬‬
‫تتقيد بيا االستعارة‪ ،‬فممرمز جذكر تدخمنا إلى تجارب‬
‫ككذا يعتبر الرمز مقيدنا بطريقة ال ٌ‬
‫غامضة مفعمة بالقكة‪ ،‬أما االستعارات فميست سكل السطكح المغكية لمرمكز زىي تديف في قكتيا‬
‫عمى الربط بيف السطكح الداللية كالسطكح ما قبؿ الداللية في أعماؽ التجربة اإلنسانية لبنية‬
‫الرمز ذات البعديف"(‪.)1‬‬
‫إف كراء الكاقع أمك انر ربما ليس ليا معادؿ فكرم فيقكـ الحدس بدكره في مساعدة الرمز‬
‫عمى مجاكزة صعكبة المعرفة الككنية‪ ،‬كتككف الرمزية كقتيا "محاولة الختراؽ ما وراء الواقع‪،‬‬
‫وصوالً إلى عالـ مف األفكار سواء كانت تعتمؿ داخؿ الشاعر‪ ،‬ربما فييا عواطؼ أو أفكار‬
‫بالمعنى األفالطوني‪ ،‬بما تشتمؿ عميو مف عالـ مثالي يتوقؼ إليو اإلنساف"(‪.)2‬‬
‫كبالطبع إف ىذه الميمة ال تكتفي فييا مجرد المجاكزة في الزمف‪ ،‬كلكف البد مف الغكص‬
‫في التجربة الرمزية كاستخراج جكىر المغة الكامنة في العالقات بيف الصكر التي تتكحد فييا‬
‫مختمؼ األحاسيس المنغرسة في شعكر الشاعر‪ ،‬كاستكشاؼ المككنات الداخمية داخؿ البناء‬
‫الشعرم‪ ،‬كما يتشكؿ داخمو مف عالقات باطنية‪ ،‬كما يحممو مف قيمة ايجابية تمثؿ قيمة الرمز‬
‫كسر متعتو‪.‬‬
‫ٌ‬
‫كاف استخداـ الرمز يظؿ مرتبطنا ارتباطنا كثيقنا بفكر اإلنساف كبكعيو كبميكلو كنزعاتو‬
‫الركحية كالعقمية‪ ،‬فكممة رمز في اليكنانية "كانت تعني (قطعة مف خرؼ) أك مف أم إناء‬
‫ضيافة‪ ،‬داللة عمى االىتماـ بالضيؼ‪ ،‬كالكممة في أصميا مشتقة مف الفعؿ اليكناني الذم يعني‬
‫(ألقي في الكقت نفسو) ‪ ،‬أم ىك يعني الجمع في حركة كاحدة‪ ،‬بيف اإلشارة كالشيء المشار‬
‫إليو"(‪ ، )3‬أم أف فكرة التشابو بيف اإلشارة كالمشار إليو كانت مكجكدة في األصؿ‪.‬‬

‫‪ 1‬ـ ٌنظر‪ :‬بول رٌكور‪ :‬نظرٌة التأوٌل "الخطاب وفائض المعنى"‪ ،‬ط ‪ ،1‬تر‪ :‬سعٌد الغنمً‪ ،‬المركز الثقافً العربً‪ ،‬الدار‬
‫البٌضاء‪ ،‬المغرب‪ ،2003 ،‬ص ‪ 115‬ـ ‪.116‬‬
‫‪ 2‬ـ تشارلز تشادوٌك‪ :‬الرمزٌة‪ ،‬تر‪ :‬نسٌم إبراهٌم‪ ،‬د ط‪ ،‬دار الهٌئة‪ ،1992 ،‬ص ‪.46‬‬
‫‪ 3‬ـ هنري بٌر‪ :‬األدب الرمزي‪ ،‬تر‪ :‬هنري زغٌب‪ ،‬ط ‪ ، 1‬منشورات عوٌدات‪ ،‬بٌروت‪ ،‬لبنان‪ ،1981 ،‬ص ‪.7‬‬

‫‪26‬‬
‫إف الرمزية بشكؿ كاضح ىي طريقة أدبية تمتاز بكثرة مؤلفات ذات معنييف أعني بذلؾ‬
‫أف رمزيتيا تعتمد عمى القصة األسطكرية أك المجاز أك االستعارة‪ ،‬كبصفة عامة كانت حقيقتيا‬
‫تتميز برد فعؿ عمى حقبة سابقة كاف الشعراء فييا ميتميف بإصابة المعنى كتدقيقو مع مراعاة‬
‫الكاقع‪ ،‬كىكذا اتجو الفف نحك الحمـ كاألسطكرة ليأخذ منيا مكاضيعو‪ ،‬كاجتيد أىمو أف يعطكا‬
‫ال في البعد‪ ،‬كذلؾ باستيحائيـ معانييـ مف األفكار الفمسفية كالدينية‪.‬‬
‫لمؤلفاتيـ معنى مكغ ن‬
‫كاذا ما عرضنا لبياف الرمز بمعناه العاـ الكاسع‪ ،‬فيك تعبير غير مباشر عف فكرة‬
‫بكاسطة استعارة‪ ،‬أك حكاية بينيا كبيف الفكرة المناسبة‪ ،‬كىكذا يكمف الرمز في التشبييات‬
‫كاالستعارات كالقصص األسطكرم كالممحمي كالغنائي‪ ،‬كفي المأساة كالقصة كفي أبطاليا‪ ،‬اتخذه‬
‫الناس قديما ليبركزكا قيمة الفكرة بكاسطة االستعارة الحسية‪ ،‬أك ليخفكىا كما ىك الشأف عند‬
‫الصكفية‪.‬‬
‫كمف غايتو كذلؾ تزييف الفكرة كتجنب االعتراؼ الشخصي‪ ،‬كلذلؾ يجب أف يظير‬
‫المؤلٌؼ مأساتو الشخصية في قالب مكضكعي‪ ،‬سكاء كاف القالب حكاية أـ بطالف شبييا بو‪.‬‬
‫"وجيا مقنعاً عف وجوه التعبير بالصورة "(‪ ،)1‬كيعتبره "تنداؿ"‬ ‫ىناؾ مف يرل الرمز‪:‬‬
‫)‪ (Tindal‬في كتابو (الرمز األدبي)‪ " :‬تركيباً لفظياً أساه اإليحاء ػػػػ عف طريؽ المشابية ػػػػ بما‬
‫ال يمكف تحديده‪ ،‬بحيث تتخطى عناصره المفظية كؿ حدود التقرير‪ ،‬موحدة بيف أمشاج‬
‫(‪)2‬‬
‫كعده آخر بأنو‪ " :‬الداللة عمى ما وراء المعنى الظاىري مع اعتبار أف‬
‫الشعور والفكر " ‪ٌ ،‬‬
‫المعنى الظاىر مقصود أيضاً" (‪ ،)3‬كاعتبركه أيضان‪" :‬ىو ما يتيح لنا أف نتأمؿ شيئاً آخر وراء‬
‫فالرمز ىو قبؿ كؿ شيء خفي وايحاء‪ ،‬وانو المغة التي تبدأ حيف تنتيي لغة القصيدة‪،‬‬
‫النص‪ّ ،‬‬
‫أو ىو القصيدة التي تتكوف مف وعيؾ بعد قراءة القصيدة‪ ،‬إنو البرؽ الذي يتيح لموعي أف‬
‫يستشؼ عالماً ال حدود لو‪ ،‬لذلؾ ىو إضاءة لموجود المحتـ واندفاع صوب الجوىر" (‪.)4‬‬

‫‪1‬‬
‫ـ عز الدٌن إسماعٌل‪ :‬الشعر العربً المعاصر‪ ،‬ط ‪ ، 5‬دار العودة‪ ،‬بٌروت‪ ،‬لبنان‪ ،1988 ،‬ص ‪.195‬‬
‫‪2‬‬
‫ـ محمد فتوح أحمد‪ :‬الرمز والرمزٌة فً الشعر المعاصر‪ ،‬ط ‪ ، 2‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،1978 ،‬ص ‪.41‬‬
‫‪3‬‬
‫ـ إحسان عباس‪ :‬فن الشعر‪ ،‬د ط‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بٌروت‪ ،‬لبنان‪ ،1996 ،‬ص ‪.200‬‬
‫‪4‬‬
‫ـ مصطفى السعدنً‪ :‬البنٌات األسلوبٌة‪ ،‬د ط‪ ،‬منشأة اإلسكندرٌة‪ ،1987 ،‬ص ‪.72‬‬

‫‪27‬‬
‫تطرؽ أحد أقطاب الرمزية‪ ،‬كىك "ميالرميو" )‪ (Malarmé‬إلى الرمز‪ ،‬كألمح إلى‬
‫كلقد ٌ‬
‫أنو‪" :‬فف إثارة موضوع ما شيئاً فشيئاً‪ ،‬حتى يكشؼ في النياية عف حالة مزاجية معينة‪ ،‬أو‬
‫ال عاطفياً‪ ،‬وأضاؼ إذ ىذه العاطفة أو الحالة‬
‫ىو فف اختيار موضوع ما ثـ نستخرج منو مقاب ً‬
‫المزاجية يجب أف تستخمص عف طريؽ سمسمة مف التكشفات"(‪.)1‬‬
‫كمف خالؿ استعراض التعريفات السابقة يتضح لنا مدل االختالؼ كالتبايف في اآلراء‬
‫ككجيات النظر حكؿ مفيكـ الرمز‪ ،‬كأنو لـ يخضع لتعريؼ كمفيكـ محدد‪ ،‬كىذا راجع إلى أف‬
‫الرمز‪" :‬كمصطمح أدبي ليس لو معنى واضح‪ ،‬فيو ضباب مشع أكثر منو منطقة محددة "(‪،)2‬‬
‫فال تكجد لو مكاصفات معينة في األدب كىك يعمك التحديد كالتعييف كما يمكف اعتبار الرمز مف‬
‫المفاىيـ التي‪" :‬تعرضت الستعماالت يصعب حصرىا خاصة‪ ،‬واف كؿ عمـ يستخدمو بطريقة أو‬
‫بأخرى‪ ،‬وىذا االنبياـ في ىذا المفيوـ ليس حاصالً بمجرد االنتقاؿ مف عمـ إلى آخر‪ ،‬بؿ‬
‫"(‪ ،)3‬باإلضافة إلى اختالؼ‬ ‫كثي ارً ما وجدناه يخضع الستعماالت متعددة داخؿ العمـ الواحد‬
‫المناىج التي يتبناىا كينطمؽ منيا الباحثكف‪ ،‬كلكف عمى الرغـ مف اختالؼ الباحثيف حكؿ مفيكـ‬
‫محدد لمرمز‪ ،‬فإف ىناؾ اتفاقان بينيـ يكمف في أف الرمز يقكـ كيعتمد عمى اإليحاء‪ ،‬كتجاكز‬
‫السطح إلى العمؽ كالجكىر‪ ،‬كتجاكز أشكاؿ الكاقع اليكمي ممتزجنا بالذات المبدعة كمتسقنا مع‬
‫رؤيتيا الفنية‪.‬‬
‫كاذا كاف اإلنساف قد عرؼ التعبير الرمزم قديمان‪ ،‬ككاف استقدامو في األب يرجع إلى‬
‫األدب نفسو‪ ،‬فإف التطكر الكبير كاليائؿ الذم ط أر عمى مفيكـ الرمز يعكد إلى ظيكر الحركة‬
‫األكؿ لمحركة في‬
‫الرمزية غي الربع األخير مف القرف التاسع عشر‪ ،‬كذلؾ يعد صدكر البياف ٌ‬
‫‪ 18‬سبتمبر ‪1886‬ـ‪ ،‬حيف أعمف "جاف مورياس" ) ‪ (Jean Manriac‬مبادئيا في صحيفة‬

‫‪ 1‬ـ تشارلز تشادوٌك‪ :‬الرمزٌة‪ ،‬د ط‪ ،‬تر‪ :‬نسٌم ٌوسف إبراهٌم‪ ،‬الهٌئة المصرٌة العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،1997 ،‬ص‬
‫‪.40‬‬
‫‪ 2‬ـ الولً محمد‪ :‬الصورة الشعرٌة فً الخطاب البالغً والنقدي‪ ،‬ط ‪ ، 1‬المركز الثقافً العربً‪ ،‬لبنان‪ ،1990 ،‬ص ‪.189‬‬
‫‪ 3‬ـ المرجع نفسه‪ :‬ص نفسها‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫"الفيجارو" ) ‪ (Le Figaro‬كىي أف الرمزية عدك لمتعميـ كالتقدير كالخطابية كالمشاعر المزيفة‬
‫لكنو يعبر عف الفكرة كيبقى تابعان ليا‪.‬‬
‫كليس معنى صدكر أكؿ بياف لممدرسة الرمزية سنة ‪ 1886‬ـ‪ ،‬أف ىذه السنة تعتبر البداية‬
‫الحقيقية لتبمكر ىذا المذىب األدبي‪ ،‬كأنيا الحد الفاصؿ كالحاسـ بيف الرمزية كما سبقيا مف‬
‫مذاىب‪ ،‬فمف الخطكرة أف يعمد المرء إلى تحديد تاريخ الحركات أك المذاىب أك المدارس األدبية‬
‫تحديدان صارمان كفؽ تكاريخ زمنية دقيقة ألف المذاىب األدبية متداخمة كمتشابكة كأف ظيكر‬
‫أحدىا ال يعني انسحاب كانزكاء غيره كمكتو‪ ،‬بؿ تستمر آثار كأنصار المذاىب األخرل‪ ،‬كبذلؾ‬
‫يجب أف يككف التحديد عمى سبيؿ التقريب‪ ،‬كتكضح النزعة الغالبة عمى كؿ فترة مف فترات‬
‫التاريخ األدبي‪ ،‬كبياف المكف الغالب عمى األدباء في كؿ منيا‪.‬‬
‫"والمدرسة الرمزية لـ تنشأ مف فراغ‪ ،‬ألف ظيور أية مدرسة يكوف قد تـ التمييد ليا‬
‫بظروؼ وأحواؿ ومناخات مختمفة‪ ،‬أدت إلى ظيورىا‪ ،‬واستدعت انبثاقيا وفمسفات ارتكزت‬
‫رد فعؿ ضد بعض المذاىب األدبية التي فقدت‬
‫عمييا فكرىا واستندت إلى مبادئيا‪ ،‬كما كانت ّ‬
‫الكثير مف مبررات وجودىا في تمؾ الفترة‪ ،‬بحيث أصبحت غير قادرة عمى مواكبة العصر‪،‬‬
‫والتعبير عف روح المرحمة‪ ،‬وفي بعض الفمسفات التي كانت سائدة‪ ،‬وثبت عقميا وعجزىا‪،‬‬
‫فكاف البد مف مذىب جديد تتمثؿ فيو الحالة النفسية الجديدة‪ ،‬وأسموب أدبي جديد‪ ،‬يتمثؿ فيو‬
‫بطريقة ف ّنية الواقع النفسي لإلنساف‪ ،‬فكاف المذىب الذي يعتبر دعوة لمغوص في أعماؽ‬
‫النفس وتعبي ارً عف االختالالت النفسية واالنفعاالت الالشعورية العميقة‪ ،‬ولقد استندت‬
‫المدرسة الرمزية في انبثاقيا وتبمورىا إلى بعض األسس الفكرية‪ ،‬والفمسفات المثالية التي‬
‫أثرت في نشأتيا‪ ،‬وذلؾ بحكـ أنيا مذىب مثالي‪ ،‬يحاوؿ االستعانة واالستفادة في سبيؿ‬
‫حيز الوجود ببعض األفكار والفمسفات التي تنسجـ مع طبيعتو‪ ،‬وتساعد في‬
‫ظيوره إلى ّ‬

‫‪29‬‬
‫تقويتو‪ ،‬فقد لفت أنظار الرمزييف فمسفة "أفالطوف" المثالية‪ ،‬المتمثمّة في نظرية المثؿ‪ ،‬والتي‬
‫تنكر العالـ المحسوس والواقع‪ ،‬وال ترى فيو سوى رموز وصور العالـ المثؿ"(‪.)1‬‬
‫ككاف لمعكامؿ السياسية السيئة التي سادت فرنسا في تمؾ الفترة خاصة اليزيمة التي‬
‫منيت بيا فرنسا عمى يد األلماف فيما يعرؼ بحرب السبعيف أثٌر بالغ في زعزعة القيـ السائدة‪.‬‬
‫كبذلؾ تككف قد تضافرت عدة عكامؿ سياسية كاقتصادية‪ ،‬كاجتماعية‪ ،‬كثقافية كفنية عمى‬
‫الرمزية‪ ،‬كتعبير عف رفض غير مباشر الكاقع‪ ،‬كترل في الفف كؿ آماليا‪ ،‬كقد أخذت‬
‫ظيكر ٌ‬
‫الرمزية صبغت المذىب األدبي في بداية الربع األخير مف القرف التاسع عشر‪.‬‬
‫كالقت الحركة الرمزية صدل ليا في األدب العربي‪ ،‬حيث تأثر بيا بعض األدباء بنسب‬
‫األكؿ لمرمزية العربية‪.‬‬
‫مختمفة‪ ،‬كيعد الشاعر الميجرم "جبراف خميؿ جبراف" المب ٌشر ٌ‬
‫كنستخمص مف كؿ ما سبؽ إلى أف الرمز يختمؼ عف الرمزية بالرغـ مف التأثرات‬
‫كاالستفادة المتبادلة بينيما فالرمز كسيمة كطريقة فنية لمتعبير‪ ،‬استخدمو اإلنساف منذ أقدـ‬
‫كيميط المٌثاـ عف‬
‫العصكر‪ ،‬كي يتعرؼ مف خاللو عمى الككف كالحياة كمظاىرىا كيتعمؽ فييا‪ ،‬ه‬
‫معمياتيا‪ ،‬كيفض أسرارىا‪ ،‬كينظـ عالقتو بيا‪ ،‬كأف االرتقاء بأساليب الرمز‪ ،‬كتطكر مفيكمو لدل‬
‫المجردة‪ ،‬ويعد‬
‫ّ‬ ‫اإلنساف يعني‪" :‬االنتقاؿ بالمغة مف مجرد تسمية األشياء والى تكويف المفاىيـ‬
‫(‪.)2‬‬
‫إنضاجاً لقدرة البشر عمى الوعي بمعالميـ‪ ،‬وعمى صياغة عالقتيـ بو"‬
‫الفني تعتمد عمى اإليحاء باألفكار كالمشاعر‪ ،‬ذك طبيعة‬
‫فالرمز إذف طريقة في األداء ٌ‬
‫تجريدية إيحائية‪ ،‬تجعمو يأبى عمى التحديد كالتعييف‪ ،‬كيعمك عمى التأطير‪ ،‬كالمكاصفات المحددة‪:‬‬
‫"مفتوح الفضاء‪ ،‬متجدد العطاء‪ ،‬يستوحي مادتو األولية مف حقوؿ معرفية متعددة مف الطبيعة‬
‫ومعطياتيا‪ ،‬والواقع وعالقاتو"(‪.)3‬‬

‫‪ 1‬ـ ٌنظر‪ :‬نظرٌة المثل عند أفالطون‪ :‬تر‪ :‬سمٌر كرم‪ ،‬ط ‪ ،6‬دار الطلٌعة‪ ،‬بٌروت‪ ،1987 ،‬ص ‪ 40‬ـ ‪.41‬‬
‫‪ 2‬ـ عبد المنعم تلٌمه‪ :‬مقدمة فً نظرٌة األدب‪ ،‬د ط‪ ،‬دار الثقافة للطباعة والنشر‪ ،‬القاهرة‪ ،1976 ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪ 3‬ـ محمد مصطفى كالب‪ :‬الرمز ودالالته فً الشعر العربً الفلسطٌنً الحدٌث‪ ،‬رسالة دكتوراه مخطوطة‪ ،‬جامعة الفاتح‪،‬‬
‫‪ ،2002‬ص ‪.12‬‬

‫‪30‬‬
‫فنية ظيرت في الربع األخير مف القرف التاسع عشر‪ ،‬ككاف‬
‫أما الرمزية فيي مدرسة ٌ‬
‫كرد فعؿ عمى مذاىب أدبية سابقة‪ ،‬كاستفادت مف أفكار‬
‫ظيكرىا نتيجة ظركؼ كعكامؿ مختمفة‪ٌ ،‬‬
‫فالسفة مثالييف‪ ،‬كشعراء سابقيف‪ ،‬كديانات كليا أعالميا الذيف ساىمكا في تشكيميا كبمكرتيا‪،‬‬
‫كرسـ حدكدىا كارساء قكاعدىا‪ ،‬ككضع قكانينيا‪.‬‬
‫فالرمزية إذف مدرسة كاضحة المعالـ‪ ،‬مرسكمة الحدكد‪ ،‬مبنية الخصائص‪ ،‬مميزة‬
‫السمات‪ ،‬محددة األىداؼ كالغايات‪ ،‬تنشد المثؿ‪ ،‬تنبذ الكاقع المحسكس‪ ،‬كتتخذ مف المكسيقى‬
‫قدكة كمثالن‪ ،‬كتؤمف بعالـ مف الجماؿ المثالي‪.‬‬
‫‪ 1‬ػػػػ ‪ 2‬ػػػ الرمز الصوفي‪:‬‬
‫يميز الشعر عند الصكفية اصطناع أصحابو ألسمكب الرمز في التعبير عف‬
‫مف أبرز ما ٌ‬
‫الرمز معنى باطف‬
‫" ّ‬ ‫كيبيف لنا الطٌكسي معنى الرمز عند الصكفية قائالن‪:‬‬
‫حقائؽ التصكؼ ٌ‬
‫مخزوف تحت كالـ ظاىر‪ ،‬ال يظفر بو إالّ أىمو"(‪.)1‬‬
‫تعمدكا ابتكار معجـ خاص بيـ يقكـ عمى الرمز الصكفي‪،‬‬
‫المتصكفة ٌ‬
‫ٌ‬ ‫لذلؾ نجد أف‬
‫كيحمؿ خبايا كأسرار المغة الصكفية‪ ،‬فالقارئ العادم لمشعر يفيـ فقط ما ىك ظاىرم‪ ،‬لكف‬
‫الصكفي يفيـ ما كراء األلفاظ ألنو مف أىؿ الطائفة ييمـ باأللفاظ كالمصطمحات الصكفية‪،‬‬
‫باعتبار لغتيـ لغة اشارية‪ ،‬تخضع لقكانينيا الذاتية كلتحكالت عالميا الخاص‪ ،‬كال تتمثٌؿ المٌفظة‬
‫التصكؼ خبرة ذاتية بيف العبد كرٌبو‪ ،‬مما جعؿ منو شيئنا قريبنا‬
‫ٌ‬ ‫بحدكد المعنى الظاىر‪ ،‬باعتبار‬
‫الركحية‪ ،‬التي ال يمكف التعبير عنيا باأللفاظ في معانييا العادية‪.‬‬
‫مف الفف‪ ،‬كالبحث عف المٌذة ٌ‬
‫كفي ىذا الصدد يقكؿ "الكالباذي"‪" :‬اصطمحت ىذه الطائفة عمى ألفاظ في عموميا‪،‬‬
‫فأما أف‬
‫تعارفوىا بينيـ ورمزوا بيا‪ ،‬فأدركو صاحبو‪ ،‬وخفي عمى السامع الذي لـ يحؿ مقامو‪ّ ،‬‬
‫يحسف ظ ّنو بالقائؿ فيقبمو‪ ،‬ويرجع إلى نفسو فيحكـ عمييا بقصور فيمو عنيا‪ ،‬أو بسوء ظ ّنو‬
‫بو فييوس قائمو وينسبو إلى اليذياف"(‪.)2‬‬

‫‪ 1‬ـ السراج الطوسً‪ :‬اللمع فً التصوف‪ ،‬د ط‪ ،‬القاهرة‪ ،1960 ،‬ص ‪.414‬‬
‫‪ 2‬ـ الكالباذي‪ :‬التعرف لمذهب أهل التصوف‪ ،‬د ط‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،1960 ،‬ص ‪ 88‬ـ ‪.89‬‬

‫‪31‬‬
‫المتصوفة‪ ،‬قد اشتققتـ‬
‫ّ‬ ‫كقاؿ بعض المتكمٌميف "ألبي العباس بف العطاء"‪" :‬ما بالكـ ّأييا‬
‫السامعيف‪ ،‬وخرجتـ عف المساف المعتاد‪ ،‬ىؿ ىذا إالّ طمب لمتمويو‪ ،‬أو ستر‬
‫ألفاظاً أغربتـ بيا ّ‬
‫لعزتو عمينا كيال‪ ،‬يشربيا غير طائفتنا"(‪.)1‬‬
‫لعوار المذىب‪ ،‬فقاؿ‪ :‬ما فعمنا ذلؾ إالّ لغيرتنا عميو ّ‬
‫المتصكفة إلى تكظيؼ ألفاظ‬
‫ٌ‬ ‫كيتضح مف خالؿ ىذا القكؿ تساؤؿ أحدىـ عف سبب لجكء‬
‫غريبة غامضة في شعرىـ كاستعماؿ لغة رمزية غير المغة العادية‪ ،‬أيضان تساؤليـ حكؿ لجكئيـ‬
‫الرمزية‬
‫"أبي العباس" أنيـ لجأكا إلى ٌ‬ ‫إلى لغة الرمز كسبيؿ لستر أسرارىـ اإلليية‪ ،‬كأجابو‬
‫لغيرتيـ كرغبتيـ في الحصكؿ عمى لغة خاصة لطائفتيـ‪.‬‬
‫التصكؼ راجع أساس إلى أنيـ‬
‫ٌ‬ ‫يميز الرمزية الصكفية في التعبير عف حقائؽ‬
‫أف ما ٌ‬
‫كقبؿ ٌ‬
‫الرمز في‬
‫نفسية إلى الغير في لغة األشياء المحسكسة‪ ،‬ثـ أف استعماؿ ٌ‬
‫حاكلكا أف ينقمكا تجربة ٌ‬
‫المٌغة الصكفية‪ ،‬أمر يعكد إلى قصكر المٌغة الكضعية نفسيا‪ ،‬تختص بالتعبير عف األشياء‬
‫عبر أف‬
‫المحسكسة كالمعاني المعقكلة‪ ،‬كيقكؿ "أبو حامد الغزالي" في ىذا الصدد‪ " :‬ال يحاوؿ ُم ّ‬
‫يعبر عف الحقيقة الصوفية‪ ،‬إالّ إذا اشتمؿ لفظو عمى خطا صريح ال يمكنو االحتراز عنو"(‪.)2‬‬
‫ّ‬
‫ارتبط الرمز عند الشعراء الصكفية بالتجربة التي عاشكىا ككرثكا فكرىا مف السابقيف‬
‫عمييـ‪ ،‬فنبت في ترتبيا كجمع خالصة مغزاىا كفمسفتيا‪ ،‬فكجدت فيو ىي األخرل حياتيا كمنفذ‬
‫التعيير األىـ عف مكنكف أسرارىا التي ال يجب أف يطمع عمييا غير أىميا‪ ،‬كيعمف "ابف الفارض"‬
‫ال مف لغة المباشرة كالتصريح كيقكؿ‪:‬‬
‫أنو اعتمد عمى اإلشارة كالرمز بد ن‬
‫جوا ازً ألسرار بيا الروح سػػػػرت‬ ‫وأسماء ذاتي عف صفات جوانحي‬
‫بمكنوف ما تخفي السرائر حفت(‪.)3‬‬ ‫رمػػػوز كنػػػػوز عف مػػػػػعاني إشػػػارة‬
‫كيقكؿ‪:‬‬
‫أشرت بما تعطي العبارة والذي تغطى فقد أوضعتو بمطيفة(‪.)4‬‬

‫‪1‬‬
‫ـ المصدر نفسه‪ :‬ص نفسها‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫ـ أبو حامد الغزالً‪ :‬المنقذ من الظالل‪ ،‬د ط‪ ،‬القاهرة‪ 1316 ،‬هـ‪ ،‬ص ‪.36‬‬
‫‪3‬‬
‫ـ ابن الفارض‪ :‬الدٌوان‪ ،‬د ط‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بٌروت‪ ،‬لبنان‪ ،1972 ،‬ص ‪.149‬‬
‫‪4‬‬
‫ـ المرجع السابق‪ :‬ص ‪.142‬‬

‫‪32‬‬
‫كيقكؿ أيضا‪:‬‬
‫(‪.)1‬‬
‫وآخر ما بعد اإلشارة حيث ال ترقى ارتفاع وضع أوؿ خطوتي‬
‫ال مف التصريح كالعبارة‪ ،‬إلخفاء‬
‫أف استخدامو لمرمز كاإلشارة‪ ،‬بد ن‬
‫فاألبيات تشير إلى ٌ‬
‫أف العبارة عاجزة عف التعبير عف مقدار المعارؼ‬
‫أسرار ال يجب البكح بيا‪ ،‬باإلضافة إلى ٌ‬
‫المستكنة‪ ،‬يكضح أنو إذا رمز شيء فإنو سيكضح ىذا الشيء بمطيفة‪ ،‬كأظف أف ىذه المٌطيفة‬
‫ؾ شفرات النص‪ ،‬كفتح ما أغمؽ مف‬
‫ىي القرائف التي يجعميا مصاحبة لمرمز حتى تساعد في ف ٌ‬
‫أبكاب فيمو كجالء ما غمض فيو‪.‬‬
‫األكؿ منيما ما كاف عف كعي كاتفاؽ‬
‫كقد كرد الرمز عند الصكفية عمى نكعيف‪ٌ :‬‬
‫كمكاضعة‪ ،‬كأخذ سمة االصطالح عمى نحك ما يعرؼ بػ‪ " :‬االصطالحات الصوفية" كشأنو ىنا‬
‫النحاة‪ ،‬كأىؿ اليندسة كالطب‪،‬‬
‫شأف االصطالحات العممية األخرل التي تكجد عند المناطقة‪ ،‬ك ٌ‬
‫كغيرىـ‪ ،‬كلجأ الصكفية منذ القديـ إلى استعماؿ ىذا الرمز خشية عمى معانييـ مف أف تضيع‬
‫كتيدد‬
‫حريتيـ ٌ‬
‫فتتقيد ٌ‬
‫ممف يفيمكنيا‪ ،‬كخشية عمى أنفسيـ مف أف يينسبكا إلى الكفر‪ٌ ،‬‬
‫عند غيرىـ ٌ‬
‫حياتيـ‪ ،‬كبخاصة مف الفقياء الذيف يقكؿ عنيـ "ابف عربي" متبجحنا بمذىبو طاعننا في كالميـ‪:‬‬
‫الرسوـ عمى أىؿ اهلل المختصيف بخدمتو‪ ،‬العارفيف‬
‫أشد مف عمماء ّ‬
‫أشؽ‪ ،‬وال ّ‬
‫"وما خمؽ اهلل ّ‬
‫بو عف طريؽ الوىب اإلليي‪ ،‬الذيف منحيـ أسراره في خمقو‪ ،‬وفيميـ معاني كتابو‪ ،‬واشارات‬
‫خطابو‪ ،‬فيـ ليذه الطائفة مثؿ الفراعنة لمرسؿ عمييـ السالـ"(‪.)2‬‬
‫أما النكع اآلخر مف الرمز فيرجع إلى تمؾ الحالة الكجدانية التي يعانييا الصكفي مف‬
‫خالؿ تجربتو الصكفية‪ ،‬كتمثٌؿ بالنسبة لو نكعان مف التكتر‪ ،‬كاالنفعاؿ ال يستطيع الفكاؾ منو إالٌ‬
‫يعبر عف‬
‫مف خالؿ المغة كحركفيا‪ ،‬كجرسيا‪ ،‬لكنو في ىذا الكقت فقط‪ ،‬كقد أف الصكفي أف ٌ‬
‫مكاجيده كأذكاقو‪ ،‬فسكؼ يصطدـ بأسكار المغة التي تجعمو عاج انز عف التعبير عف حالتو‬
‫الصكفية‪ ،‬كىي حالة مف الشعكر تختص بكيفيتيف‪ ،‬فيي حالة عرفانية‪ ،‬كحالة مف الفراسة‬

‫‪ 1‬ـ نفسه‪ :‬ص ‪.122‬‬


‫‪ 2‬ـ ابن عربً‪ :‬الفتوحات المكٌة‪ ،‬تح‪ :‬عثمان ٌحً‪ ،‬طبعة الهٌئة المصرٌة العامة للكتاب‪ ،‬ج ‪ ،4‬د ت‪ ،‬ص ‪.274‬‬

‫‪33‬‬
‫كالكشؼ المذيف يتعالياف عمى العقؿ‪ ،‬كىي حالة ال يمكف اإلفصاح عنيا‪ ،‬أم ال يمكف التعبير‬
‫يبرر بعضيـ المجكء إلى‬
‫عنيا بالمغة اإلنسانية العادية‪ ،‬كتعرؼ فقط مف ثنايا التجربة ذاتيا كقد ٌ‬
‫ىذا األسمكب عمى أنو نمط مف أنماط التكاصؿ الفكرم التي يستطيع الصكفي أف يكصؿ فييا‬
‫معانيو‪ ،‬كتقريبيا إلى أذىاف العامة ألنو ال يجد كسيمة أصمح منيا‪ ،‬كقد يبدك ىذا التعميؿ أقرب‬
‫الصحة كأدنى إلى القبكؿ‪ ،‬ألف العمـ بخفايا عالـ الغيب المجيكؿ الذم ينكشؼ في رؤيا‬
‫ٌ‬ ‫إلى‬
‫جذبية قمٌما يحتاج إلى اإلدعاء بأنو ليس في المقدكر تبيانو دكف المٌجكء إلى صكر كمشاىد‬
‫ٌ‬
‫منتزعة مف عالـ الحس‪.‬‬
‫ليذا فقد اتخذ الصكفية ليـ لغة خاصة تقكـ عمى استعماؿ الرمز في كالميـ كأدبيـ ألف‬
‫الرمكز‪" :‬أقدر عمى التعبير عف عمؽ التجربة الوجودية الصوفية‪ ،‬ألنيا عميقة ال تنتيي‬
‫ىمو في إدراؾ الباطف‪،‬‬
‫الداللة فييا عند ظاىرىا‪ ،‬فإف وقؼ المتمقي عند الظاىر‪ ،‬ولـ يجعؿ ّ‬
‫(‪ ،)1‬كىذا أحد‬ ‫وقؼ دوف مقصود البحث‪ ،‬ألف الرمز كالـ يعطي ظاىره ما لـ يقصده قائمو"‬
‫الدكافع التي أدت إلى تأسيس ىذه المغة الشعرية الخاصة إضافة إلى دكافع أخرل‪:‬‬
‫أ ػ ػ جعؿ األسمكب الرمزم قناعان يستركف بو األمكر التي رغبكا أف يكتمكىا‪ ،‬كذلؾ بسبب‬
‫البيف بيف الفقياء كبينيـ‪ ،‬كعدـ فيـ الفقياء لمعانييـ كرمكزىـ‪.‬‬
‫الخالؼ ٌ‬
‫ب ػ ػ األسمكب الرمزم ىك الطريؽ الكحيد الممكف الذم مف خاللو يستطيعكف التعبير عف‬
‫رياضتيـ الصكفية كعمميـ بخفايا األمكر التي ال تنكشؼ إال ألىؿ الحقيقة‪.‬‬
‫جػ ػ ػ الشعكر بأف المغة المألكفة عند الناس جميعان ال تستطيع التعبير عف أفكارىـ كمعانييـ فيـ‬
‫إذف‪" :‬في حاجة إلى إيجاد لغة جديدة‪ ،‬والرمز ىو المغة التي يجب أف يتعامؿ بيا كؿ مريد مع‬
‫غير جنسو "(‪ ،)2‬ذلؾ أف التعبير بالرمز‪" :‬ىو وحده الذي يمكف أف يقابؿ الحالة الصوفية التي‬
‫ال تحدىا كممة‪ ،‬والذي يمكف بالتالي أف يخمؼ المعادؿ التخيمي ليذه الحالة‪ ،‬إنو تعبير ال‬
‫يخاطب العقؿ بؿ القمب‪ ،‬وما يستجيب في النفس لمسحر وكؿ ما يخرؽ العادي المألوؼ‪،‬‬

‫‪ ، 1‬منشورات زاوٌة‪ ،‬الرباط‪ ،‬المغرب‪،2007 ،‬ص‬ ‫‪ 1‬ـ رضوان الصادق الوهابً‪ :‬الخطاب الشعري الصوفً والتأوٌل‪ ،‬ط‬
‫‪.195‬‬
‫‪ 2‬ـ سالم عبد الرزاق سلٌمان المصري‪ :‬شعر التصوف فً األندلس‪ ،‬د ط‪ ،‬دار المعرفة الجامعٌة‪ ،‬مصر‪ ،2007 ،‬ص ‪.167‬‬

‫‪34‬‬
‫فكما أف الحالة الصوفية ال يحكميا مقياس الحس والعقؿ‪ ،‬كذلؾ ليس في مقدور لغة‬
‫االصطالح والوضع أف تعبر غماً يتناقض مع االصطالح والوضع‪ ،‬وىكذا فإف لغة الصوفي‬
‫ىي بالضرورة الباطنية سرية‪ ،‬وىي شأف جميع األشياء السرية الباطنية‪ ،‬ال يمكف فيميا‬
‫بمنطؽ ظاىر‪ ،‬وانما يجب فيميا بمنطقيا ىي‪ ،‬بمنطؽ الباطف وحقائقيا وأبعادىا"(‪.)1‬‬
‫إف الصكفي يسعى بكؿ طاقتو إلى المقدس كسط عالـ مف المدنس‪ ،‬كيحتاج إلى إشباع‬
‫ىذه الرغبة المتعالية ذات البعد الميتافيزيقي إلى تكظيؼ لغة خاصة قادرة عمى تجسيد ىذا‬
‫التجمي اإلليي‪ ،‬لغة ىي نكع مف الخمؽ‪ ،‬فف يحاكي كيتماىى مع ما صنعو اهلل حيف خمؽ‬
‫العالـ‪ ،‬فالمغة الشعرية عند الصكفية‪ ،‬فعؿ كينكنة يمدح األسماء األشياء كلمكجكد كالحياة‪ ،‬كيعيد‬
‫توحد العالـ وتظير‬
‫صحة ىذه المقكلة التي ترل‪ " :‬أف ىذه المغة ىي التي ّ‬
‫تعيينيا كىذا ما يؤكد ٌ‬
‫الباطف‪ ،‬وتفني البشري وتستحضر اإلليي‪ ،‬إنيا بالفعؿ حالة مف العشؽ‪ ،‬وفعؿ وجود ومعرفة‬
‫وما يمحو أليو بيف العاشؽ والمعشوؽ‪ ،‬ويحقؽ اإلدراؾ بالكشؼ‪ ،‬ويستبطف المعاني الخفية‬
‫لموجود"(‪.)2‬‬
‫كفي نفس المنحى نجد المغة الصكفية لغة غامضة كمغمقة‪ ،‬كلكي تفيـ البد لمقارئ أف‬
‫يعيش التكتر نفسو‪ ،‬كيعيش حالة السكر التي يصؿ إلييا الشاعر‪ ،‬أما الذم يقؼ عمى حافة‬
‫التجربة‪ ،‬فمف يناؿ مف النص إالٌ ظاىره‪ ،‬لذا عميو في العمؿ عمى تفكيؾ الرمز كالبحث في‬
‫المرجعية الصكفية(‪.)3‬‬
‫حيث يفيـ مف ىذا أف المغة الصكفية غامضة لما تحتكيو مف رمكز كاشارات راجعة إلى‬
‫المعجـ الصكفي‪ ،‬كلكي يفيـ المتمقي النصكص الصكفية عميو أف يرجع إلى ذلؾ المعجـ‪ ،‬كيقكـ‬
‫بتفكيؾ تمؾ الرمكز‪ ،‬باإلضافة إلى اإلحساس بتمؾ التجربة‪ ،‬كيعيشيا حتى يكشؼ عنيا‪.‬‬
‫"ومف ثمة مف غير العادي والخارؽ غير مرئي ال يمكف التعبير عنو باالستعماؿ‬
‫الشائع لمغة ومفرداتيا‪ ،‬لذا ابتكر الصوفية معجـ لغوي‪ ،‬الذي ينشأ مف باطف التجربة‬

‫‪ 1‬ـ أدونٌس‪ :‬الثابت والمتحول‪ ،‬د ط‪ ،‬دار العودة‪ ،‬بٌروت‪ ،‬لبنان‪ ،1977 ،‬ص ‪.95‬‬
‫‪ 2‬ـ سفٌان زدادقة‪ :‬الحقٌقة والسراب‪ ،‬ط ‪ ، 1‬منشورات االختالف‪ ،‬الجزائر‪ ،2008 ،‬ص ‪.228‬‬
‫‪ 3‬ـ المرجع نفسه‪ :‬ص ‪.232‬‬

‫‪35‬‬
‫المتميز باعتماده الرمز واإلشارة والمعنى‬
‫ّ‬ ‫الصوفية ال مف خارجيا‪ ،‬ففي الخطاب الصوفي‬
‫مميزة‬
‫تحولت إلى مفردات ّ‬
‫المكثؼ تتردد مفردات كثيرة‪ ،‬مع االستعماؿ المتواصؿ والمتواتر ّ‬
‫موحداً‪،‬‬
‫مشكمة معجماً صوفياً وفي الحقيقة أف االستخدامات الصوفية ليذه المفردات ليس ّ‬
‫فيناؾ فروؽ دقيقة واختالفات‪ ،‬واف كانت في مجمميا ال تخرج عف اإلطار العاـ ليذا الخطاب‬
‫وطبيعة التجربة"(‪.)1‬‬
‫فمغة المتصكفة لغة كشؼ كليست لغة كصؼ‪ ،‬يمكف التحدث عنيا عف طريؽ الرمز‬
‫كاإليحاء لذلؾ‪" :‬كاف لمصوفي ال يتعامؿ مع الموجودات كأشكاؿ طبيعية‪ ،‬ولكف كيندسة أو‬
‫فضاء ىندسي رمزي‪ ،‬ومقدس يحمؿ في التواءاتو وامتداداتو سر المعاني اإلليية وىكذا أدرؾ‬
‫الصوفي المعاصر كيؼ ينفذ إلى ما وراء المألوؼ ويندفع نحو المطمؽ والدائـ حتى تصبح‬
‫الكتابة في حد ذاتيا نوعاً مف التجربة "(‪.)2‬‬
‫معناه أف لغة المتصكفة رمزية عف طريؽ الكشؼ كالمجاىدة كالتأكيؿ فيي تبحث عف‬
‫عز كجؿ‪.‬‬
‫التقرب مف اهلل ٌ‬
‫المقدس قصد ٌ‬
‫مجرد التعبير االختيارم فإف الياجس الذم‬
‫ىـ الصكفي غالبان ٌ‬
‫كفي سياؽ مماثؿ لـ يكف ُّ‬
‫يساكف حالو دكمنا‪ ،‬ىك كيفية التبميغ‪ ،‬كتبميغ كجد الصكفي إلى غيره‪ ،‬ال يمكف إال أف يككف تقريبنا‬
‫كتمميحان بكاسطة لغة العرؼ المشترؾ عممان بأف ىذه المغة غالبان ما تعجز عف تصكير أكثر‬
‫إما في االغراؽ أك‬
‫المشاعر مكضكعية‪ ،‬لذا كاف الصكفي‪ ،‬ميددان في تبميغو بتجربتو‪ ،‬بأف يقع ٌ‬
‫اإللباس‪" :‬فإف آثر مف األلفاظ ما يختص بتجربتو لـ يكف إال ُم ْغرباً‪ ،‬واف اختيار مف األلفاظ ما‬
‫بتداولو الناس لـ يكف إال ممبسا"(‪.)3‬‬

‫‪ 1‬ـ المرجع السابق‪ :‬ص ‪.228‬‬


‫‪ ، 1‬منشورات عكاظ‪ ،‬الرباط‪،‬‬ ‫‪ 2‬ـ منصف عبد الحق‪ :‬الكتاب والتجربة الصوفٌة‪( ،‬نموذج لمحً الدٌن ابن عربً)‪ ،‬ط‬
‫المغرب‪ ،1988 ،‬ص ‪.95‬‬
‫‪ 3‬ـ لعموري الزاوي‪ :‬تصوف وحوار الثقافات‪( ،‬رمزٌة المرأة فً الحب الصوفً)‪ ،‬مجلة الخطاب الصوفً‪ ،‬عدد ‪ ،2‬دار‬
‫هومه‪ ،‬جامعة الجزائر‪ ،2010 ،‬ص ‪.190‬‬

‫‪36‬‬
‫أف‪" :‬الكتابة الصوفية تشويش لنظاـ العالـ‪ ،‬وأدوات‬
‫كيأتي قكؿ "أدونس" في ىذا الصدد ٌ‬
‫معرفتو‪ ،‬وىي بوصفيا تعبي ارً‪ ،‬تشويش لنظاـ الكالـ المألوؼ‪.)1("...‬‬
‫"وأدونس" ىنا يرل أف الشعراء الصكفييف كجدكا القيـ التي استخدمكىا نحك رؤيتيـ لمككف‬
‫كالحياة‪ ،‬كحاكلكا تجاكز الكاقع السطحي نحك عالـ المطمؽ كالباطف المستتر‪ ،‬كما أف الكتابة‬
‫الصكفية صكرة عمى المفاىيـ العقمية كمنطؽ األشياء‪ .‬كلعؿ الدافع في استحضار الرمز كايثاره‬
‫ىك تيقف الصكفي كادراكو لمدل صعكبة تجاكب المتمقي مع تجربتو لعمقيا ككثافة دالالتيا‪،‬‬
‫كسبب ذلؾ ىك عجز الصكفييف في طكاؿ األزمنة مف إيجاد لغة لمحب اإلليي تستقؿ عف لغة‬
‫الحب الحسي فيمضي الشاعر إلى العالـ الركحي كمعو مف عالـ المادة أدكاتو كأخيمتو التي ىي‬
‫عدتو في تصكير عالمو الجديد‪ ،‬فالمعاني الحسية التي يستعمميا الصكفيكف في الداللة عف‬
‫ٌ‬
‫المعاني الركحية يرمزكف بيا إلى مفاىيـ كجدانية عمى الرغـ مف الرداء المادم الذم تبدك فيو‪،‬‬
‫كمف ثـ استعمؿ الصكفيكف الكصؼ الحسي كالغزؿ الحسي كالخمرة الحسية كأرادكا بيا معاني‬
‫ركحية(‪.)2‬‬
‫فالصكفية يطمقكف الخمرة كالعيف كالخد كالشعر كالكجو‪ ،‬ألفاظ ترمز إلى مدلكالت غير‬
‫تمؾ التي تعارؼ عمييا الناس في دنيا الحس‪ ،‬فيخرجكف بيا عف المكضعات المغكية‬
‫كالمصطمحات العادية ليمبسكىا معانييـ كأسرارىـ يس ٌدا لمذريعة كدفعاي لمتيمة‪ ،‬أك تخفيفان لحرج‪ ،‬أك‬
‫مممة(‪.)3‬‬
‫ٌ‬
‫فالرمز ىك الكسيمة الكحيدة الذم يمكنو أف يقابؿ الحالة الصكفية التي ال تحدىا الكممة‬
‫لذلؾ فإف المغة الصكفية بإشاراتيا كرمكزىا عالـ خالص يصعب عمى مف ليست لديو دراية‪ ،‬أف‬
‫ينفذ معانييا‪ ،‬لذا فمغتيـ مستقاة مف المعجـ الخمرم أك الغزلي لمتعبير عف مجتيـ اإلليية‬
‫كسكراتيـ كغيابيـ(‪.)4‬‬

‫‪ 1‬ـ أدونٌس‪ :‬الصوفٌة والسرٌالٌة‪ ،‬ط ‪ ، 1‬دار الساقً‪ ،‬بٌروت‪ ،‬لبنان‪ ،1992 ،‬ص ‪.03‬‬
‫‪ 2‬ـ ٌنظر‪ :‬علً الخطٌب‪ :‬اتجاهات األدب الصوفً بٌن الحالج وابن عربً‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬مصر‪ 1404 ،‬هـ‪ ،‬ص ‪.12‬‬
‫‪ 3‬ـ المرجع نفسه‪ :‬ص ‪.12‬‬
‫‪ 4‬ـ ٌنظر‪ :‬عاطف جودة نصر‪ :‬الرمز الشعري عند الصوفٌة‪ ،‬ط ‪ ، 3‬دار األندلس‪ ،‬بٌروت‪ ،‬لبنان‪ ،1983 ،‬ص ‪.63‬‬

‫‪37‬‬
‫كعمى صعيد مغاير كجدت صمة بيف الرمزية كالتأكيؿ كىي التي تحتـ عمى قارئ الشعر‬
‫الصكفي أف يتكسؿ في االغتراب منو‪ ،‬منيج التأكيؿ‪ ،‬فمـ يعتمد الشاعر الصكفي بشكؿ خاص‬
‫أما رموزه فأكثر ما تتجمى في عزلو المادي‬ ‫عمى اإليحاء في األلفاظ في إبراز معانييا‪" ،‬‬
‫وخمرياتو‪ ،‬فيما يتخذ الشاعر الصوفي التعابير المادية كالقباب واألطالؿ والرسوـ‪ ،‬والربوع‪،‬‬
‫وأوصاؼ الحسية الجسدية‪ ،‬وأسمائيا اإلنسانية‪ ،‬واليجرة والبعد والمناجاة‪ ،‬والخمرة‪ ،‬واأللحاف‬
‫والنديـ‪ ،‬والكأس‪ ،‬كالرموز إلى مكاف أو مقامات أو أحواؿ الصوفية حيث يشير بعضيـ إلى‬
‫أنيا تخدـ أغراضا صوفية"(‪.)1‬‬
‫كمف نماذج رمكز الشعر الصكفي نجد "ابف عربي" الذم كاف شعره كنثره يمتاز "بالرمز‬
‫واإليحاء واإليجاز الشديد إلى حد اإلبياـ وما يوافؽ ذلؾ مف غموض‪" ،‬فابف عربي" مف أكثر‬
‫المتصوفيف الذيف تحسسوا أىمية مكانة األنباء بالنسبة إلى األفالؾ فرتّبيـ ترتيباً وجعؿ ليا‬
‫رمو ازً لتحوالت وتجميات يستكمميا الصاعد في معراجو‪ ،‬قبؿ الصوؿ إلى سدرة األنبياء‬
‫المنتيى التي تنتيي عندىا أعماؿ العباد والمثوؿ بيف يدي نور الحضرة اإلليية"(‪.)2‬‬
‫صكر‬
‫كيتضح لنا مف ىذا أف "ابف عربي" ألٌؼ كتابان كامالن "اإلسراء إلى مقاـ األسرى" ٌ‬
‫مسجع تغمب‬
‫لنا عركج الركح مف عالـ الككف إلى عالـ األزؿ‪ ،‬حيث صاغ ىذا الكتاب بأسمكب ٌ‬
‫عميو الرمكز كاإلشارات الصكفية‪ ،‬ككظؼ استعارات تحمؿ معاف مزدكجة‪ ،‬كرمزية تكشؼ عف‬
‫أسمكب رمزم‪.‬‬
‫كمف ىنا يقؼ الصكفي بيف االغتراب كااللتباس‪ ،‬ثـ ال يجب بدأ أف يسمؾ سبيؿ الرمز‬
‫كاإلشارة‪ ،‬في التعبير عف مكاجيده كخكاطره‪ ،‬كدقائؽ أس ارره فتارة يستعيف بالخمرة كما تحدثو في‬
‫شاربيا كتارة أخرل يغمب عميو استخداـ رمز المرأة تجسيدنا لمعانيو القرب كالحب األسمى‪ ،‬كمف‬
‫ثـ يزخر أدب الصكفية خاصة بأسماء األنثى مثؿ "ليمى" ك"لبنى" كيريدكف بحب المرأة محبكبيـ‬
‫األعمى كما يقكؿ أحد الشعراء الصكفييف‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫ـ نور سلمان‪ :‬معالم الرمز فً الشعر الصوفً العربً‪ ،‬د ط‪ ،‬الجامعة األمرٌكٌة‪ ،‬بٌروت‪ ،‬حزٌران ‪،1954‬ص ‪.04‬‬
‫‪2‬‬
‫ـ نذٌر العظمة‪ :‬المعراج والرمز الصوفً‪ ،‬د ط‪ ،‬دار البحث‪ ،‬د ت‪ ،‬ص ‪.42‬‬

‫‪38‬‬
‫وآونػػػػػو (سعػػػػدى) وآونػػػػػػػو (ليمى)‬ ‫أسميط (لبنى) في نسيبي تػػػارة‬
‫واال فمف (لبنى) فتتؾ ومف (ليمى) (‪.)1‬‬ ‫حذار مف الواشيف أف يفطنوا بنا‬
‫باإلضافة إلى "ابف الفارض" سمطاف العاشقيف" ك "الحالج" ك "ذو النوف المصري" كؿ‬
‫ىؤالء يستدعكف الرمز في شعرىـ كقصائدىـ‪ ،‬كيمجأ إليو في كشؼ مكنكناتيـ كأسرارىـ‪.‬‬
‫‪ 1‬ػػػػ ‪ 3‬ػػػػ رمز المرأة (الحب اإلليي)‪:‬‬
‫حي ناز ىامنا ضمف المساحة الكاسعة لمتراث الفكرم العربي‬
‫يشغؿ الخطاب الصكفي ٌ‬
‫كاإلسالمي‪ ،‬فقد انتشرت تصكراتو في مختمؼ بقاع العالـ العربي كاإلسالمي‪ ،‬كما استطاعت‬
‫أفكاره أف تتج ٌذر كتستقطب شرائح كاسعة مف المريديف كالمناصريف كأف تثير غضب فئات‬
‫عريضة مف الخصكـ كالمناكئيف‪.‬‬
‫جدة في معالجة العديد مف‬
‫كنظ انر إلى أصالة كفرادة الخطاب الصكفي كما حممو مف ٌ‬
‫اإلشكاالت كالقضايا التي تعج بيا المجتمعات اإلسالمية فإننا ارتأينا تخصيص ىذا المقاؿ‬
‫لالنفتاح عمى ىذا الخطاب كالتعرؼ عمى تجربتو السيما في عالقتو بالمرأة‪.‬‬
‫لكي تنكشؼ لنا رمزية المرأة في الخطاب الصكفي البد لنا أف نتعرض لمقكلة جكىرية‬
‫ىي مقكلة الحب‪ .‬تتأسس تجربة الحب كتسمك عبر اجتيازىا لثالث اختبارات في مسار‬
‫تصاعدم‪ ،‬كتتضح ىذه التجربة في تمييز ابف عربي بيف ثالثة أنكاع مف ىذا الحب‪" :‬فاعمـ أف‬
‫الحب عمى ثالث مراتب‪ ،‬حب طبيعي وىو حب العواـ وغايتو االتحاد في الروح الحيواني‪،‬‬
‫فتكوف روح كؿ واحد منيما روحاً لصاحبو بطريؽ االلتذاذ واثارة الشيوة ونيايتو مف الفعؿ‬
‫النكاح (‪ ، )...‬وحب روحاني نفسي وغايتو الشبو بالمحبوب مع القياـ بحؽ المحبوب ومعرفة‬
‫قدره‪ ،‬وحب إليي وىو حب اهلل لمعبد وحب العبد ربو‪.)2( "...‬‬

‫‪ 1‬ـ لعموري زاوي‪ :‬التصوف وحوار الثقافات‪ ،‬ص ‪.190‬‬


‫‪ 2‬ـ ابن عربً‪ :‬الفتوحات المكٌة‪ ،‬ج ‪ ، 2‬دار صادر‪ ،‬بٌروت‪ ،‬لبنان‪ ،1974 ،‬ص ‪.11‬‬

‫‪39‬‬
‫صنفكا الحب باعتباره تكحيدان بيف‬
‫كنالحظ مف خالؿ تصنيؼ "ابف عربي" أف الصكفية ٌ‬
‫الركحي كالطبيعي‪ ،‬بيف اإلليي كاإلنساني‪ ،‬لكف أكمؿ المحبيف مف الصكفية ىـ الذيف يحبكف اهلل‬
‫لذاتو كلذكاتيـ في آف كاحد‪.‬‬
‫اتخذ الصكفية مف األنثى رم انز مكحيان داالن عمى الحب اإلليي‪ ،‬كحاكلكا التأليؼ بينيما‪،‬‬
‫ألف األنثى تمثؿ رم ناز مف رمكز الجماؿ المطمؽ‪ ،‬كحيف يبثٌيا الشاعر كجده فإنما ىك في الحقيقة‬
‫عما ترمز إليو‪ ،‬إلى الحؽ كالجماؿ إذ الحؽ كما يقكؿ "ابف عربي"‪" :‬ال يشاىد مجرداً عف‬
‫يعبر ٌ‬
‫ٌ‬
‫غني عف العالميف‪ ،‬فإذا كاف األمر مف ىذا الوجو ممتنعاً ولـ يكف‬
‫المواد أبداً ألنو بالذات ّ‬
‫الشيود إال في مادة‪ ،‬فشيود الحؽ في النساء أعظـ الشيود وأكممو" (‪.)1‬‬
‫كمف ثـ يجعؿ التغزؿ بيف كالتشبيب لتعشؽ النفكس ىذه العبارات فتكاتر الدكاعي عمى‬
‫اإلصغاء إلييا كىك لساف كؿ أديب ظريؼ فيقكؿ‪:‬‬
‫أو نساء كاعبات نيػػد طالعػػػات كشمػػػوس أو دمػػػػػػػا‬
‫منو أسرار وأنوار حمت أو عمت جاد بيا رب السمػػػػػػا‬
‫لفؤادي أو فؤاد مف لو مثؿ مالي مف شػروط العممػػػػاء‬
‫صفػػػػة قدسػػػػػية عمويػػػػة أعممػػػػت أف لصػػػػػدقي قػػػػػدما‬
‫فاصرؼ الخاطر عف ظاىرىا واطمب الباطف حتى تعمما(‪.)2‬‬
‫ال يقصد باأللفاظ معناىا الظاىر إنما يريد معنان خاصان بو كبالعارفيف‪ ،‬كيمجأ إلى ذكر‬
‫ألفاظ النسيب في الغزؿ ليجذب السامع كيستكلي عمى ٌلبو كعاطفتو كيقرب مشاىد التجمي‬
‫اإلليي إلى النفس‪.‬‬
‫"أف اهلل‬ ‫أعظـ ظيكر هلل تعالى ىك تجمٌيو في المرأة لمرجؿ كفي الرجؿ لممرأة‪ ،‬كذلؾ‪:‬‬
‫وتودداً إليو فيو الودود‪ ،‬ثـ ينفخ فيو مف روحو‬
‫أوجد ىذا المخموؽ المسمى إنساناً حباً لو ُ‬

‫‪1‬‬
‫ـ ابن عربً‪ :‬فصوص الحكم‪ ،‬تح‪ :‬أبو العال عفٌفً‪ ،‬ط ‪ ، 2‬دار الكتاب العربً‪ ،‬بٌروت‪ ،1980 ،‬ص ‪.333‬‬
‫‪2‬‬
‫ـ ابن عربً‪ :‬ترجمان األشواق‪ ،‬د ط‪ ،‬دار بٌروت للطباعة‪ ،‬لبنان‪ ،1981 ،‬ص ‪.10‬‬

‫‪40‬‬
‫سما امرأة‪ ،‬فظيرت ىذه المرأة‬
‫فما اشتاؽ إال لنفسو‪ ،‬ثـ اشتؽ لو منيا شخصاً عمى صورتو ّ‬
‫فحف إلييا الشيء لنفسو‪ ،‬وحنت إليو حنيف الشيء إلى وطنو"(‪.)1‬‬
‫بصورة تشبو صورتو ّ‬
‫كىذا ما جعؿ شعراء الصكفية يضربكف بالمرأة المثؿ لمجماؿ اإلليي‪ ،‬كيتخذكنيا رم ناز‬
‫لمذات اإلليية‪ ،‬كيقكؿ "الدسوقي" مبينان أف ما يذكره مف أسماء إنما يشير بيا في الحقيقة إلى‬
‫الذات اإلليية التي ىي محبكبتو الحقيقة‪:‬‬
‫وما شيدت عيني سوى عيف ذاتيا ألف سواىا ال يمـ بفكػػػرتي‬
‫بذاتي تقوـ الػػػذات في كػػػػؿ زروة أجػػػػدد فييا حمػػػػػة بعد حمػػػػة‬
‫أنا موجد األشياء مف غير حاجة بكره كاف الكوف مف غير التي‬
‫فميمى وىند والربػػػاب وزينػػػػػب وعمػػػػػػوا وسمػػػػػمى بعػػػػدىا بثينػػػػة‬
‫عبارات أسمػػاء بغير حقيقة وما لوحوا بالقصػػػد إال بصػػػورتي(‪.)2‬‬
‫نستنتج عف السياقات السابقة أف حب الصكفي لممرأة تجربة ضركرية كامتحاف عسير‬
‫البد مف خكض غماره قبؿ كلكج تجربة الحب اإلليي كالفناء في حضرة اهلل تعالى‪ .‬فحب المرأة‬
‫"ابف عربي" شرط لتذكؽ الحب‬ ‫أداة لمكصكؿ إلى الحب اإلليي‪ ،‬إف الحب اإلنساني بحسب‬
‫اإلليي‪ ،‬لذلؾ فالكعي بعممية اتصاؿ الذكر باألنثى مف شأنو أف يثير كعي اإلنساف بعممية‬
‫الخمؽ األكلي‪ :‬فتككف األنثى في ىذه الحالة أداة مف خالليا ينتقؿ كعي اإلنساف مف اإلنساني‬
‫األرضي إلى الكجكدم السماكم‪.‬‬
‫" يذىب المتصوفة إلى القوؿ بال نيائية صور التجمي إذ ليس ليا حد تنتيي عنده‪ ،‬وأف‬

‫اهلل في تجمّيو ال يتكرر‪ ،‬فال يتجمى بصورة واحدة مرتيف وأف كؿ تجمي يعطي خمقاً جديداً‬
‫ويذىب بخمؽ‪...‬في ىذا اإلطار تبرز المرأة بوصفيا رم ازً عمى اهلل المتجمي في شكؿ محسوس‬
‫وصورة فيزيائية"(‪.)3‬‬

‫‪ 1‬ـ صالح الدٌن التٌجانً‪ :‬الكنز فً المسائل الصوفٌة‪ ،‬د ط‪ ،‬الهٌئة المصرٌة العامة للكتاب‪ ،‬مصر‪ ،1999 ،‬ص ‪.130‬‬
‫‪ 2‬ـ الدسوقً‪ :‬جوهرة الدسوقً‪ ،‬ط ‪ ،1‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ص ‪.114‬‬
‫‪ 3‬ـ عاطف جودة نصر‪ :‬الرمز الشعري عند المتصوفة‪ ،‬ص ‪.143‬‬

‫‪41‬‬
‫كىنا يمكف أف نعايف التركيب المزدكج لمحب الذم يجمع بيف الطبيعي كالركحي‪ ،‬ىكذا‬
‫ينشط الخياؿ اإلبداعي لممتصكؼ متجيان في فعالية إلى التكحيد بيف العمك المتجمي كالصكرة‬
‫التي تجمى فييا(‪.)1‬‬
‫إف جماؿ المرأة تجمي مف تجميات اهلل تعالى‪ ،‬كمظير مف مظاىر عظمتو‪ ،‬لذلؾ فإف‬
‫"وتنكشؼ األنثى بوصفيا تجسيدا لمحب اإلليي الذي‬ ‫حب المرأة ميزت نبكم كعشؽ إليي‬
‫يحيؿ إلى تجمي الالىوت في الناسوت‪ ،‬وشفرة أستطيقية توحي بانسجاـ الروحي والمادي‪،‬‬
‫والمطمؽ والمقيد في األشكاؿ المتعينة"(‪.)2‬‬
‫كفي ىذا السياؽ نالحظ احتفاء الصكفية بالمرأة كحديثيـ عف األميات كاآلباء األكائؿ‬
‫كالتكلج الحسي كالمعنكم داخؿ إطار ككني حي‪ ،‬ككمثاؿ عمى اإلعالء لمكانة المرأة يقكؿ "ابف‬
‫عربي"‪" :‬إف اإلنساف ابف أمو حقيقة‪ ،‬والروح ابف طبيعة بدنو وىي أمو الذي أرضعتو ونشأ‬
‫في بطنيا وتغذى بدميا‪ ،‬واف مف وقفو اهلل وكرـ عبوديتو‪ ،‬رجع جانب أمو ألنيا أحؽ بو‬
‫لظيور نشأتو ووجود عينو‪ ،‬فيو ألبيو ابف فراش وىو ابف ألمو حقيقة "(‪.)3‬‬
‫تتجمى األسماء اإلليية الجمالية في األنثى‪ ،‬فالمرأة ىي النمكذج األعمى لمجماؿ‬
‫األرضي‪ ،‬كتأمؿ جماؿ المرأة بؿ كتمثؿ الجماؿ الخاؿ لممرأة عبر الحب سبيؿ إلى معرفة اهلل‪.‬‬
‫إف مغامرة الخطاب الصكفي في تجربة كصؼ جماؿ المرأة كحب األنثى تبمغ منتياىا‬
‫في بمكغ إدراؾ باطني لمجماؿ اإلليي إنيا مسيرة شاقة تبدأ مف‪" :‬النسبي المقيد والدنيوي وتصؿ‬
‫إلى مراتب المطمؽ الالمتناىي والمقدس‪ ،‬وليذا كاف الشاعر الصوفي في دروب جماؿ المرأة‬
‫مقيد‪ ،‬عتبة لالنطالؽ نحو عوالـ المطمؽ التي تدعوا ممحة لالقتراب منو "(‪.)4‬‬

‫‪ 1‬ـ المرجع السابق‪ :‬ص ‪.145‬‬


‫‪ 2‬ـ نفسه‪ :‬ص ‪.147‬‬
‫‪ 3‬ـ ابن عربً‪ :‬الفتوحات المكٌة‪ ،‬تح‪ :‬عثمان ٌحٌى‪ ،‬مجلد ‪ ، 4‬الهٌئة المصرٌة العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،1972 ،‬ص‬
‫‪.247‬‬
‫‪ 4‬ـ سلٌمان القرشً‪ :‬الحضور األنثوي فً التجربة الصوفٌة بٌن الجمال والقدسً‪ ،‬مجلة فكر ونقد‪ ،‬عدد ‪ ،2004 ،40‬ص‬
‫‪.60‬‬

‫‪42‬‬
‫ككذلؾ يذىب "السورياليوف" إلى تمجيد المرأة بشكؿ تعبدم‪ ،‬كيركف أنيا مخمكؽ مختار‪،‬‬
‫جنية كليا مكانيا في صكفية إنسانية ىي التي تمقف أصكليا‪ ،‬كتفتح المرأة لمشاعر باب جنة‬
‫إنيا ٌ‬
‫المجز أف يتكحد بذاتو كلحب ىنا‬
‫ٌأ‬ ‫األشكاؿ كالماىيات في الكجكد‪ ،‬فالمرأة ىي التي تسمح لمرجؿ‬
‫صعكد نحك المقدس بؿ إف مفيكـ المقدس كما يقكؿ "بنياميف بيريو" )‪ (Benyamine Birry‬يجئ‬
‫مباشرة مف الحب‪ ،‬كدكنو ال يمكف فيـ أم مقدس‪ ،‬ك "بميياـ" )‪ (Bilhiam‬يتجاكز اإلنساف نفسو‬
‫كالمرأة ىي التي تخمٌصو مف تفاىة اليكمي ألنيا تجسد س نار مشاركتيا في الحياة الككنية إنيا‬
‫تحقؽ طمكح السكريالية بالكصكؿ إلى اإلنساف الغير المتمكضع‪ ،‬كما لك أنو لـ يخمؽ بعد‪.‬‬
‫فتجسد بذلؾ الحرية الكامنة كىكذا تككف المرأة مستقبؿ الرجؿ كخالصو كقدره(‪.)1‬‬
‫ٌ‬
‫كفي نفس السياؽ تعد المرأة غياب في التجربة السكريالية‪ ،‬كلغة الحب عندىـ ىي لغة‬
‫سر أك سحر‪ ،‬فعالقة العاشؽ مع اهلل تتحكؿ إلى عالقة بيف‬
‫الغياب‪ ،‬كالمرأة ىي ما ال يناؿ ٌ‬
‫محب كمحبكب‪ ،‬فالمرأة كمثؿ اهلل غياب‪ ،‬مف حيث أنو يظ ٌؿ بعيدنا عمى الرغـ مف قربو‪ٌ ،‬إنو ال‬
‫ٌ‬
‫يناؿ لحظة أف يككف في متناكلنا(‪.)2‬‬
‫إف المتقرب مف شعر "ياسيف بف عبيد"‪ ،‬ال يخطئ مالحظة شدة احتفاءه بالعنصر‬
‫ال بالداللة عمى المحبة اإلليية‪،‬‬
‫األنثكم‪ ،‬كبالحب اإلليي‪ ،‬كقد كانت المرأة فيو رم ناز حينا مثق ن‬
‫فتضافر بذلؾ الحب الركحي مع الحب اإلنساني‪" ،‬ومف المعروؼ أف المتصوفة قد عجزوا عف‬
‫استحداث لغة خاصة بيـ في مسألة الحب ولذلؾ كاف شعرىـ في الحب يحتمؿ معنييف‪ ،‬معنى‬
‫الحب اإلنساني‪ ،‬ومعنى الحب اإلليي‪ ،‬أما الرموز فيي نفسيا في الشعر العربي الغزلي‬
‫المعروؼ"(‪.)3‬‬
‫يتسف التعبير عف الحب الركحي‪ ،‬إال مف خالؿ تمؾ األساليب الشعرية الغزلية التي‬
‫ٌ‬ ‫إذ لـ‬
‫تطكرت كصقمت عبر تجارب الشعراء في الحب اإلنساني عمى مدل األزماف‪" :‬إذ تعتبر المرأة‬

‫‪ 1‬ـ ٌنظر‪ :‬أدونٌس‪ ،‬الصوفٌة والسورٌالٌة‪ ،‬ط ‪ ، 2‬دار الساقً‪ ،‬بٌروت‪ ،‬لبنان‪ ،1990 ،‬ص ‪ 110‬ـ ‪.111‬‬
‫‪ 2‬ـ المرجع نفسه‪ :‬ص ‪ 112‬ـ ‪.113‬‬
‫‪ 3‬ـ السراج الطوسً‪ :‬اللمع‪ ،‬تح‪ :‬عبد الحلٌم محمود وطه عبد الباقً سرور‪ ،‬دار الكتب الحدٌثة بالقاهرة‪ ،‬مصر‪ ،1960 ،‬ص‬
‫‪.63‬‬

‫‪43‬‬
‫لدى أقطاب الصوفية‪ ،‬قمة التجمي اإلليي فيي الوسيط األمثؿ لموصوؿ إلى الجماؿ المطمؽ‬
‫ألف الحؽ ىو الجماؿ األ زلي المطمؽ المعشوؽ عمى الحقيقة في كؿ جميؿ" (‪.)1‬‬
‫ففي ديكاف "ياسيف بف عبيد" " معمقات عمى أستار الروح" نممس كجكد السمة الصكفية‬
‫بشكؿ كاضح‪ ،‬كقد أشار إلى ذلؾ الشاعر المبناني "محمد عمي شمس الديف" في مقدمة الديكاف‬
‫حيث يقكؿ‪" :‬فمفردات الوجد الصوفي مف الخفاء والتجمي‪ ،‬والحب والمرض في الحب‪،‬‬
‫والطريؽ والسالؾ‪ ،‬والروح وغصوف الروح‪ ،‬والنار والميؿ والمجاذيب‪ ،‬والتيو وجمر التوجس‪،‬‬
‫عدة الشاعر في قصائده‪ ،‬وىي‬
‫والجمر األخضر‪ ،‬وليمى والتجريد والتوحد‪...‬كؿ ذلؾ وسواه ىو ّ‬
‫قصائد عزؿ بؿ قصائد حب‪ ،‬وربما ذكرتنا ببعض عزؿ ابف الفارض"(‪.)2‬‬
‫يقوؿ ياسيف بف عبيد في قصيدة "عائد‪...‬مف سفر التمويف"‪:‬‬
‫أنػا وحػػػدي عمى نػػػػػداؾ دلػػػػي ُؿ‬ ‫سػػػاحر أنػػت باندى مقمتيػػيا‬
‫وطريػقي ومػػا انطمقػػػػت طويػػػؿ‬ ‫الح في دجػػاي نجػػػػـ بعيػػػػػد‬
‫ممكف لي الوصو ُؿ أـ مستحيؿ (‪.)3‬‬
‫ٌ‬ ‫لست أدري وىا قريب صداىا‬
‫فالقصيدة حافمة بالدكاؿ التي ترمز لممرأة مثؿ‪( :‬المقمتيف‪ ،‬الصدل‪ ،‬الكصؿ) كلكف المرأة‬
‫الحسية لتتحكؿ إلى رمز ركحي شفٌاؼ يحمينا عمى‬
‫ٌ‬ ‫في ىذا النصب تتخمى عف صكرتيا المادية‬
‫كيعمؽ مأساتو في إمكانية الكصاؿ مف عدمو‬
‫لب الشاعر‪ٌ ،‬‬
‫يعيد ٌ‬
‫العشؽ الصكفي الذم ٌ‬
‫بالمحبكب‪ ،‬الذم يستعير لو أسماء شخصيات الغزؿ العذرم كعمى رأسيـ شخصية (ليمى) التي‬
‫تحظى بمركز ىاـ في تجارب الشعراء الصكفييف‪ ،‬كما نجدىا في قصيدة "أنا في ىواىا جممة"‪.‬‬
‫ػػػػػػي ُد‬
‫الرؤى أـ تََن ّ‬
‫ونار ليمى في ُّد‬
‫ُ‬ ‫شعار في اليػػػوى أـ تػػػردُّدد‬
‫ٌ‬ ‫لميمى‬
‫ولكنػػػػػػيا ليػػػػػػمى بػػػػيا تتَسػػػػػػػػَ ّيد‬ ‫َت‬
‫عيوني أرانيػػػيا اليػػػوى ُج ُز ارً َنأ ْ‬

‫‪ 1‬ـ محمد كعوان‪ :‬شعرٌة الرؤٌا وأفقٌة التأوٌل‪ ،‬ط ‪ ، 1‬اتحاد الكتاب الجزائرٌٌن‪ ،‬الجزائر‪ ،2003 ،‬ص ‪.75‬‬
‫‪ 2‬ـ ٌنظر‪ :‬مقدمة دٌوان ٌاسٌن بن عبٌد (معلقات على أستار الروح)‪ ،‬منشورات دار الكتب ‪ ،‬الجزائر‪ ،2003 ،‬ص ‪.09‬‬
‫‪ 3‬ـ المرجع نفسه‪ :‬ص ‪.24‬‬

‫‪44‬‬
‫َّدد‬
‫شراع ُممد ُ‬
‫الجرح ممشى وال ّ‬
‫ُ‬ ‫ليا‬ ‫أحبيا‬
‫عمى الموج جاءت مف نواد ّ‬
‫التػػوح ُد(‪.)1‬‬
‫ُّد‬ ‫عمى شجػػػر يدني إليػػػو‬ ‫وبينػػي وبػػيف النػػػور ليمى محػػػيمة‬
‫كنفس المنحنى الرامز إلى ليمى في بعده الصكفي كجدناه في قصيدة‪" :‬شعار آخر ىارب‬
‫إلى األندلس"‪:‬‬

‫األحداث والحقَّد ُ‬
‫ب‬ ‫ُ‬ ‫لـ تُْب ِؿ عيدي بيا‬ ‫خب‬
‫أحببت ال ال ّن ُ‬
‫ُ‬ ‫ليمى شعاري إذا‬
‫تعب‬
‫ارتياب‪..‬ىواىا كمّو ُ‬
‫ٌ‬ ‫منو‬ ‫عممت سػػػري وسػػػاورىا‬
‫سػػري إذا َ‬
‫ب‬ ‫عشات ِو ُّد‬
‫الس ُح ُ‬ ‫فم ْف ر ِ‬
‫اءت ِ‬
‫إذ تر ْ‬ ‫الممح ُّدو صورتػػػػػػو‬
‫ُ‬ ‫يا أييا الجسػػػد‬
‫(‪.)2‬‬ ‫مضفورة ِعنباَ ما ش ْكمُو عنب‬ ‫ٍ‬
‫آىػػػػػػات ودالػػػػية‬ ‫ػػػػػمي وتم ِ‬
‫ػػػػطر‬ ‫ْ‬
‫تي ِ‬
‫ْ‬
‫فالتأمؿ ليذيف النصيف نالحظ مدل تداخميما مع شعر "قيس بف المموح"‪ ،‬خاصة مف‬
‫خالؿ استدعاء شخصية (ليمى)‪ ،‬كالتي ترمز ىنا لممحبكب الكاحد األحد‪.‬‬
‫كالشاعر في استدعائو لتجربة (قيس كليمى) ال يقؼ عند حدكدىا الظاىرة‪ ،‬بؿ يعطييا‬
‫أبعادان جديدة‪ ،‬كيضفي عمييا رؤية صكفية‪ ،‬فالشاعر ال يكرر النص الغائب بداللتو التاريخية‬
‫الدالة عمى الحب اإلنساني بؿ ينفمت مف براثف الجسـ ليدؿ عمى الحب اإلليي‪ ،‬كلمنص إذف‬
‫بعداف‪:‬‬
‫‪ 1‬ػ ػ بعد ظاىرم‪ :‬مصرح بو لكنو غير مقصكد‪ :‬الحب اإلنساني‪.‬‬
‫‪ 2‬ػ ػ بعد باطني‪ :‬خفي كىك المقصكد‪ :‬الحب اإلليي‪.‬‬
‫يصكر كاحد مف المشاىد‪ ،‬ذاتيا المسككنة بعذابات العشؽ‪ ،‬كغمرات‬
‫كالشاعر أيضا ٌ‬
‫النأم كالفراؽ كقد تقمص شخصية (المجنكف) ليحي فصالن مف فصكؿ حب‬
‫الشكؽ كتشكي ٌ‬
‫الذات اإلليية‪.‬‬

‫‪ 1‬ـ المرجع السابق‪ :‬ص ‪.31‬‬


‫‪ 2‬ـ نفسه‪ :‬ص ‪ 32‬ـ ‪.23‬‬

‫‪45‬‬
‫كخاص‪ ،‬تراثي كجديد في آف كاحد‪ ،‬تشبب بيا الشعراء منذ القدـ مع‬
‫ٌ‬ ‫ك(ليمى) رمز عاـ‬
‫اختالؼ محبكباتيـ‪ ،‬كصارت (ليمى) رم انز ألسمى درجات الحب كأرقاىا‪ ،‬يتجسد فييا حب المرأة‬
‫كاألرض‪ ،‬كالعقيدة‪...‬الخ‪.‬‬
‫كما استخدـ "ياسيف بف عبيد" رمز المرأة في قصيدتو‪ " :‬توقيع عمى وثيقة جرح‪"! ...‬‬
‫بطريقة بعيدة عف الحسية‪ ،‬فمممعشكقة كىي الذات اإلليية‪ ،‬صفات بشرية‪ ،‬كصفات أخرل‬
‫ركحية‪ ،‬كغالبا ما يشير إلييا بضمير الغائبة أك بضمير المخاطبة‪.‬‬
‫يقكؿ‪:‬‬
‫أخيمتي‬
‫تنيدي غيمتي في َقحط ْ‬ ‫أرددهُ‬
‫لي َر ْجػػعُ ىذا الصػػػػػػدى إنػػػػػي ُ‬
‫منو بقايا ارتوت مف ضوئيا شفتي‬ ‫نامت عمى الجرح أجفاني وفي كبدي‬
‫أجثو عمى ركبة الدنيا بأسئمتي‬ ‫بعػػػػػد السنيف التػػػػي أطفأت ىا أنػػػػذا‬
‫إلي مف عمقؾ الشفاؼ أجوتبي !(‪.)1‬‬
‫ّ‬ ‫كؿ النزيؼ الػػػػذي عػػػػػػػػػيناؾ تحػػػػػممو‬
‫فصكرة المحبكبة في ىذه القصيدة صكرة رمزية سامية‪ ،‬بعيدة عف الحسية كىي ُّ‬
‫أجؿ مف‬
‫أف يسمييا‪.‬‬
‫كقد يسمييا الشاعر كلكنو ال يخرج عف يسٌنة أسالفو مف العشاؽ‪ ،‬مف ناحية السياقات‬
‫كالمعاني‪ ،‬فيي في بعدىا الرمزم الصكفي الغارؽ في األجكاء الركحية كالعمكية يقكؿ "ياسيف بف‬
‫عبيد" في قصيدة "يوميات بعيدة"‬
‫سألت عف (دليمة)‬
‫غابت عمى غير عادتيا‪....‬‬
‫استوت‬
‫ْ‬ ‫لـ تجبيا الجموعُ‪...‬‬
‫باىتو‬
‫ْ‬ ‫ثـ رقّت ليا‬
‫فتشت كؿ الزوايا‬
‫ُ‬ ‫عمى دليمة‬
‫وفوؽ السطوح‬
‫‪1‬‬
‫ـ ٌاسٌن بن عبٌد‪ :‬معلقات على أستار الروح‪ ،‬ص ‪.37 ،36 ،35‬‬

‫‪46‬‬
‫الالفتو‬
‫ْ‬ ‫وفوؽ القراميد شارتُيا‬
‫صيح ٌة‪....‬صيح ٌة‬
‫اح!!(‪.)1‬‬
‫ثـ ال شيء غير النو ْ‬
‫المحبة اإلليية التي ىي‬
‫ٌ‬ ‫الشاعر ىنا اتخذ رمز (دليمة) كمجرد إطار أرضي لمكصؿ إلى‬
‫المتصكؼ‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫الجكىر الذم يصبكا إليو‬
‫إف احتفاء الشاعر بالجكىر األنثكم كبرمز المرأة‪ ،‬بالحب كمدرؾ كجداني‪ ،‬يرتقي في‬
‫نصكصو مف طبيعتو الغزلية إلى العكالـ الصكفية المتعالية فػ(دليمة‪ ،‬أك ليمى) الشاعر ليست إال‬
‫حبيبتو الشريعة اإلسالمية المتصمة بالمحبة اإلليية محبة امتمكت عقمو كقمبو‪ ،‬كشمٌت رغباتو‪،‬‬

‫يمتزج فييا األلـ بالمٌذة‪ ،‬كالحرماف بالرغبة‪ ،‬محبة أذابت نفسو‪ ،‬كعطٌمت حكاسو‪ ،‬فصار منفصالن‬
‫عمكية‪ ،‬يييـ فييا بحثا عف قرار‪.‬‬
‫عف عالمو‪ ،‬متعمقان بعكالـ ٌ‬
‫ىذه الرؤية المقدسة لمحب تصعد تجربة الحب لتشمؿ اإلنساف كالككف‪ ،‬بمعنى آخر ىناؾ‬
‫تصعيد لمحب اإلنساني إلى مستكل الحب اإلليي (الفردكس المنشكدة)‪ ،‬كسعي إلى طرح قيـ‬
‫ركحية جديدة‪ ،‬تعتمد مبدأ المكاءمة بيف كاقع الذات اإلنسانية‪ ،‬كرؤاىا الركحية مف أجؿ خمؽ‬
‫عالـ جديد منسجـ‪ ،‬كلذلؾ نجد أف الصكفي يبحث دائما عف التشاكؿ بيف عناصر الكجكد‪ ،‬بيف‬

‫الجامع كالفارؽ (الحاضر كالغائب)‪ ،‬كنتيجة ذلؾ نفسي التناقض الظاىر بيف األشياء‪ ،‬انطالقان‬
‫مف كحدة الكجكد‪ ،‬ألف الصكفية تنزع إلى استبطاف حقائؽ الكجكد كالنفس كرغبة في معرفة‬
‫األشياء مف الداخؿ عمى حقيقتيا ال كما تبدك مف الخارج(‪.)2‬‬
‫كيقكؿ "الرمزيوف"‪" :‬إف الشاعر يستطيع أف يعبر عف العالـ الداخمي مف خالؿ العالـ‬
‫الخارجي‪ ،‬أي مف خالؿ المادة‪ ،‬ولكنيا ليست المادة الحسية‪ ،‬وال العقمية‪ ،‬وال العممية‪ ،‬وانما‬
‫ىي المادة الروحانية‪...‬المادة التي ألممنا بيا قبالً‪ ،‬والتي ينبغي أف يكوف الفناف قد استنبطيا‬

‫‪ 1‬ـ المرجع السابق‪ :‬ص ‪.46‬‬


‫‪ ، 1‬منشورات رابطة الكتاب األردنٌٌن‪،‬‬ ‫‪ 2‬ـ ٌنظر‪ :‬أمٌن ٌوسف عودة‪ :‬تأوٌل الشعر وفلسفته عند الصوفٌة (ابن عربً)‪ ،‬ط‬
‫عمان‪ ،1995 ،‬ص ‪.149‬‬

‫‪47‬‬
‫وولج إلى أحشائيا‪ ،‬وأقاـ في قمبيا بعد أف فض غالفيا الخارجي الزائؼ‪ ،‬ونفذ إلى الحقائؽ‬
‫المستترة في قمبيا"(‪.)1‬‬
‫ىذا بالنسبة لمرمزية‪ ،‬أما الصكفية فقد سعت إلى ما ىك أعمؽ‪ ،‬فيي لـ تكتؼ بالتأمؿ‬
‫الباطني لحقائؽ الكجكد كانما سعت إلى االندماج‪ ،‬كالتكحد معيا مف خالؿ التجربة الحقيقة التي‬
‫يعيشيا الشاعر كيحترؽ بمييبيا‪.‬‬
‫رأينا مف خالؿ ما سبؽ كيؼ أف التجربة الصكفية استطاعت أف تؤسس نظرة جديدة‬
‫لممرأة كأنكثة كأف تضفي إلى حد ما‪ ،‬عمى كينكنتيا طابعان إيجابيان‪ ،‬بؿ كأف تعتبرىا رم انز مف رمكز‬
‫المقدس‪ ،‬كمعب نار ضركرينا نحك المتعالي‪ ،‬فمقد استطاعت ىذه التجربة أف تخترؽ السياج المقدس‬
‫كمعب انر ضركريان نحك المتعالي‪ ،‬فمؽ استطاعت ىذه التجربة أف تخترؽ السياج الدكغمائي الذم‬
‫أقامتو المؤسسات الفقيية حكؿ صكرة المرأة كأف تتجاكز الكتابات العممية المختزلة لكيانيا في‬
‫البعد البيكلكجي‪ ،‬كبذلؾ تمكنت مف خمخمة التمثالت االجتماعية حكؿ المرأة ػ ػ ككياف تسكنو قكل‬
‫شيطانية ػ ػ كالتي رسختيا المؤسسة الفقيية كالمصنفات الشبقية‪.‬‬
‫فاستطاعت بذلؾ رسـ صكرة ايجابية لممرأة مضمكنيا االفتناف بيذا المخمكؽ الشاىد عمى‬
‫عظمة اهلل‪ .‬إال أف نفكذ العقؿ الفقيي المعضد لمسمطة السياسية عمى امتداد التاريخ اإلسالمي‪،‬‬
‫نجح في إقبار ىذه التجربة الفريدة كحرمنا مف اإلطالع عمى مككف أساسي مف مككنات مكرثتنا‬
‫الثقافي كالديني‪ ،‬زد عمى ذلؾ انحصار المغامرة اإلبداعية الصكفية غداة اكتسابيا طابعنا طرقينا‬
‫يتغذل مف سمطة التقميد كيخضع لييمنة الياجس السياسي‪ ،‬فابتعدت بذلؾ عف ركح اإلبداع‬
‫كالتفكير كالتجريد الذم طبع تجربة رائد الصكفية "الشيخ ابف عربي"‪.‬‬
‫كما أف بعض األحكاـ الجاىزة التي سربتيا بعض القراءات اإلستشراقية كالتي سكنت‬
‫العديد مف األبحاث في مجاؿ العمكـ اإلنسانية‪ ،‬ساىمت في تقزيـ الخطاب الصكفي كاخضاعو‬
‫قس انر لخطاطات قبمية تحكمت فييا ىكاجس إيديكلكجية أكثر منيا مطالب عممية ابستيمكلكجية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫ـ إٌلٌا حاوي‪ :‬الرمزٌة والسورٌالٌة فً الشعر الغربً العربً‪ ،‬د ط‪ ،‬دار الثقافٌة‪ ،‬بٌروت‪ ،‬لبنان‪ ،1980 ،‬ص ‪.12‬‬

‫‪48‬‬
‫‪ 1‬ػػػػ ‪ 4‬ػػػػ رمز الخمرة‪:‬‬
‫استعمؿ الصكفية لفظ الخمر‪ ،‬كما في معناه‪ ،‬بمفيكمات متعددة كاف مف بينيما اإلشارة‬
‫إلى الذات اإلليية‪ ،‬كاإلشارة إلى األسرار كالتجميات اإلليية كاإلشارة إلى الحب اإلليي ‪ ،‬كاإلشارة‬
‫التصكؼ أك عمـ الحقيقة كغيرىا مف المعاني‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫إلى حقائؽ الغيب‪ ،‬كاإلشارة إلى‬
‫يقكؿ "عمي محمد الجرجاني"‪" :‬والسكر في لغة المتصوفة ىو تمؾ الغيبة التي تعتري‬
‫المتصوؼ في حالة الوجد"(‪.)1‬‬
‫كما عنكه ليس ىك الخمر التي ىي رجس مف عمؿ الشيطاف بؿ ىي خمر مجازية‬
‫منزىة مف كصمة التحريـ‬
‫كرمزية كاصطالحية ليا معنى مغاير لمخمر الحراـ‪ ،‬كبالتالي ىي ٌ‬
‫كالكراىة‪.‬‬
‫كفي ىذا السياؽ يقكؿ محمد مصطفى البكرم‪:‬‬
‫فتمؾ حالؿ ليس في شربيا أمت ار‬ ‫الحب ال خمر َح ٍّب‬
‫أدر لي خمر ُ‬
‫كيقكؿ القشيري‪" :‬السكر ال يكوف إال ألصحاب المواجيد فإذا كوشؼ العبد بصفة الجماؿ‬
‫حصؿ السكر وطريت الوىج وىاـ القمب"(‪.)2‬‬
‫كيقكؿ أيضا‪" :‬وأعمـ أف الصحو حسب السكر‪ ،‬فمف كاف سكره بحؽ كاف صحوه بحؽ‬
‫ومف كاف سكره مشوباً بحظ كاف صحوه مصحوباً بحظ صحيح‪ ،‬ومف كاف محيقاً في حالو كاف‬
‫محفوظاً في سكره‪ ،‬والسكر والصحو يشيراف إلى طرؼ مف التفرقة واذا ظير مف سمطاف‬
‫حقيقة ُعمـ أف صفة العبد الثبور والقير وفي ىذا المعنى أنشدوا‪:‬‬
‫تساوى فيو سكراف وصاح (‪.)3‬‬ ‫إذا طمع الصباح ينجـ راح‬
‫كقيؿ أيضنا أف السكر ىك‪ :‬غيبة العارؼ كىي المرتبة الرابعة في التجميات ألف ٌأكليا ذكؽ‬
‫ثـ شرب ثـ سكر كىك الذم يذىب بالعقؿ"(‪.)4‬‬

‫‪ 1‬ـ ٌنظر‪ :‬علً ابن محمد الجرجانً‪ :‬التعرٌفات ‪ ،‬د ط‪ ،‬المطبعة الخٌرٌة‪ ،‬مصر ‪ 1306 ،‬هـ‪ ،‬ص ‪.53‬‬
‫‪ 2‬ـ القشٌري‪ ،‬الرسالة القشٌرٌة‪ ،‬تح‪ :‬معروف مصطفى رزٌق‪ ،‬ط ‪ ، 1‬المكتبة العصرٌة‪ ،‬بٌروت‪ ،‬لبنان‪ ،2001 ،‬ص ‪.81‬‬
‫‪ 3‬ـ المصدر نفسه‪ :‬ص ‪.82‬‬
‫‪ 4‬ـ نور سلمان‪ :‬معالم الرمز فً الشعر الصوفً العربً‪ ،‬د ط‪ ،‬الجامعة األمرٌكٌة‪ ،‬بٌروت‪ ،‬لبنان‪ ،1954 ،‬ص ‪.121‬‬

‫‪49‬‬
‫فذكر الخمر في األدب الصكفي ىك ذكر لمعاني سامية كال تغيب العقكؿ عف حاليا‬
‫المحب في محبكبو‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫برجس كلكف ىك غياب‬
‫كقد استعاركا ليا أسماء عديدة نجد منيا المدامة كىي‪" :‬شراب المحبة اإلليية الناشئة‬
‫مف شيود آثار األسماء الجمالية لمحضرة العمية‪ ،‬فإنيا توجب السكر والغيبة بالكمية"(‪.)1‬‬
‫كاستعماؿ شعراء المتصكفة ليذا المفظ يجئ عمى سبيؿ المجاز كالرمز كاالصطالح كقد‬
‫كصفكه ببعض ما كصفت بو العرب الخمر مف أكصاؼ‪ ،‬كىـ بذلؾ قد انتقمكا بالمفظ عف ما‬
‫كضع لو لغة في اصطالح التخاطب‪ ،‬كعف ما استعممو الشارع لمفظ مف معنى إلى اصطالح‬
‫أقره عندىـ العرض الخاص‪ ،‬كرمزكا بما يالزـ اصطالحيـ مف ألفاظ كالكأس كالساقي كالسكر‬
‫ٌ‬
‫كالنديـ‪ ،‬كالمدامة كما غير ذلؾ مف متالزمات‪.‬‬
‫لقد كاف لمخمرة حضكر قكم في الشعر العربي القديـ‪ ،‬سمبت ألباب الشعراء‪ ،‬فاستفتحكا‬
‫مطكالتيـ منزلينيا منزلة الحبيبة الظاغنة‪ ،‬يقكؿ "عمرو بف كمثوـ"‪:‬‬
‫بيا ٌ‬
‫وال تبقي خمور األندرينا‬ ‫ىبي يضحنؾ فاصبحينا‬
‫أال ّ‬
‫إذا ما الماء خالطيا سخينا‬ ‫الحص فييا‬
‫ّ‬ ‫مشعشعة كأف‬
‫إذا ما ذاقيا حتى يمينا (‪.)2‬‬ ‫تجوز بذي المّبانة عف ىواه‬
‫كليس "عمرو بف كمثوـ" كحده في العصر الجاىمي مف تحدث عف الخمرة‪ ،‬بؿ ىناؾ‬
‫شعراء آخركف مثؿ "امرئ القيس"‪ ،‬ك"األعشى ميموف"‪" ،‬وطرفة بف العبد" الذم جعميا مالذنا مف‬
‫اليمكـ فيقكؿ‪:‬‬
‫واف تمتمسني في الحوانيت تصطػػد‬ ‫فإف تبغني في حمقة القوـ تمقني‬
‫تروح عميػػػنا بيػػػػػف برد ومسجػػػػػد‬ ‫نداماي بيض كالنجوـ وقنػػػػػػػػػػية‬
‫وأف أشيد المّذات ىؿ أنت مخمدي (‪.)3‬‬ ‫أال ّأييذا الالئمي أخضر الوفػػػػػػػى‬

‫‪ 1‬ـ المرجع السابق‪ :‬ص ‪.123‬‬


‫‪ 2‬ـ الزوزنً‪ :‬شرح المعلقات السبع‪ ،‬د ط‪ ،‬دار بٌروت للطباعة والنشر‪ ،‬بٌروت‪ ،‬لبنان‪،1970 ،‬ص ‪.118‬‬
‫‪ 3‬ـ المرجع نفسه‪،‬ص ‪.57‬‬

‫‪50‬‬
‫اليـ الشديد‪...‬وتُوىـ صاحبيا‬
‫كقد " كانت الخمرة شيئاً نفيساً عند المتاعييف ألنيا تقتؿ ّ‬
‫( ‪)1‬‬
‫كيسجؿ مسامراتو مع‬
‫ٌ‬ ‫نواس" إلى الجير بشربيا‪،‬‬
‫تسد فراغ حياتو" ‪ ،‬مما دفع "بأبي ّ‬
‫أنيا ّ‬
‫الراح ليؿ نيار‪:‬‬
‫كؤكس ٌ‬
‫ىر‬
‫الد ُ‬
‫قصر ّ‬‫فإف طاؿ ىذا عنده ُ‬ ‫فعيش الفتى في سكرة بعد سكرة‬
‫ػػػػػكر (‪.)2‬‬ ‫ِ‬
‫الس ُ‬ ‫وما ال ُغنـ إال ُيتَ ْعت ُعني ّ‬ ‫وما الغبف إال أف تراني صاحػػػػػػػيا‬
‫مثٌمت الخمرة بابنا كبي نار مف أبكاب الشعر العربي‪ ،‬ككاف ليا عمقنا تاريخينا يمتد كما يقكؿ‬
‫الباحث "محمد مصطفى ىدارة" قبؿ الشعر الجاىمي‪" :‬فالخمر كما تروي األساطير القديمة‪ ،‬قد‬
‫عرفتيا اإلنسانية منذ نشأتيا األولى‪ ،‬ووصمت في بعض البيئات إلى حد التقديس‪ ،‬حتى أف‬
‫تصوره األساطير اإلغريقية"(‪.)3‬‬
‫اليونانييف جعموا ليا إلياً ىو باخوس كما ّ‬
‫كلـ تأخذ الخمر حقيا مف الكصؼ كالتعبير األدبي المتعمؽ سكل في العصر العباسي‪،‬‬
‫حيث استبدت شيكة الشراب بشعرائو "فجعمتيـ أسرى وعبيداً ليا‪ ،‬حتى أنيـ في حديثيـ عنيا‬
‫حبيا‪ ،‬وقد استطاعت ىي أف تأسر قموبيـ‬
‫يصورنيا معشوقة قد عشقوىا‪ ،‬وتفانوا في ّ‬
‫ّ‬
‫(‪)4‬‬
‫فعبركا عف عكاطفيـ مف خالليا‪ ،‬كربما نبثيكا بيا بعض مف آرائيـ في الحياة‪،‬‬
‫وتسخرىـ ليا" ‪ٌ ،‬‬
‫ّ‬
‫كما حدث في شعر نكاس الذم تكسع في كصفيا كلـ ىيفيتٍو شيء مف معانييا المعنكية أك‬
‫الحسية‪.‬‬
‫ٌ‬
‫إذا كصمنا إلى شعراء الصكفية‪ ،‬نراىـ يستميمكف تيراث الشعر الخمرم بصكرتو كخيالو‬
‫كأساليبو‪ ،‬كلـ تستميـ ما حفؿ بو مف مجكف كاباحية‪ ،‬كاف كاف ىذا ال ينفي أف بعض الغالة‬
‫كاإلباحييف مف فرؽ الصكفية كانكا يعاقركنيا في الخفاء ‪.‬‬
‫كىكذا نخمص إلى حقيقتيف أساسيتيف‪" :‬األولى أف لمخمريات الصوفية بواكير ترجع إلى‬
‫النصؼ الثاني مف القرف اليجري‪ ،‬والثانية أف الصوفية أفادوا مف شعر الخمر الذي ازدىر‬

‫‪ 1‬ـ موهوب مصطفاي‪ :‬المثالٌة فً الشعر العربً‪ ،‬دٌوان المطبوعات الجامعٌة‪ ،‬الجزائر‪ ،1982 ،‬ص ‪.363‬‬
‫‪ 2‬ـ أبو نواس‪ :‬الدٌوان‪ ،‬تح‪ :‬أحمد عبد المجٌد الغزالً‪ ،‬مطبعة مصر‪ ،1953 ،‬ص ‪.245‬‬
‫‪ 3‬ـ مصطفى هدارة‪ :‬اتجاهات الشعر العربً فً القرن الثانً الهجري‪ ،‬ط ‪ ،1‬المكتب اإلسالمً‪ ،1981 ،‬ص ‪.500‬‬
‫‪ 4‬ـ عثمان موافً‪ :‬التٌارات األجنبٌة فً الشعر العربً‪ ،‬د ط‪ ،‬دار المعرفة الجامعٌة‪ ،‬ص ‪.312‬‬

‫‪51‬‬
‫في العصر األموي وازداد ازدىا ارً في العصر العباسي‪ ،‬وألموا منو في ألفاظيـ التوفيقية‬
‫بمصطمحيف عمييما طابع التقابؿ الوجداني‪ ،‬فعندىـ أف السكر يقابؿ الصحو‪ ،‬كما أف البسط‬
‫يقابمو القبض"(‪.)1‬‬
‫كاذا كاف الشعراء السابقكف كقفكا عند ظاىر الخمر كلـ يتعمقكا في بكاطنيا‪ ،‬فإف شعراء‬
‫الصكفية لـ يقفكا عند السطح كتكغمكا إلى حقيقة السكر كالخمر‪ ،‬حيث أعممكا فييما الخياؿ‬
‫كمزجكىما بالذكؽ الصكفي ‪ ،‬فأسقطكا عمييا مكاجيدىـ‪ ،‬كأذكاقيـ‪ ،‬حتى صار كصفيا ترجمة‬
‫لحياتيـ الركحية كرم انز لممحبة اإلليية‪ ،‬كلمقدار ما كصمكا إليو مف أحكاؿ‪ ،‬فاستندكا إلى يمسميات‬
‫الرم كالصحك‪ ،‬كيعبركف بذلؾ عما يجدكنو مف‬
‫الخمر الحقيقية كمتعمقاتيا مف السكر كالشراب ك ٌ‬
‫ثمرات التجمي‪ ،‬كنتائج الكشكفات‪ ،‬كبكاده الكاردات‪ ،‬كأكؿ ذلؾ الذكؽ ثـ الشرب‪ ،‬ثـ الرم‪ ،‬فصفاء‬
‫معامالتيـ يكجب ليـ أدؽ المعاني ككفاء منازالتيـ يكجب ليـ الشرب‪ ،‬كدكاـ مكاصالتيـ يقتضي‬
‫ليـ الرم‪ ،‬فصاحب الذكؽ متساكر‪ ،‬كصاحب الشرب سكراف كصاحب الرم صاح‪ ،‬كمف قكل‬
‫حبو تسرمد شربو كأنشدكا‪:‬‬
‫فيؿ أنسى فأذكر ما نسيت‬ ‫عجبػػػػػػػػػػػت يقوؿ ذكػػػػرت ربي‬
‫فما نفذ الشراب وال رويت (‪.)2‬‬ ‫شربت الحب كأسا بعد كأس‬
‫فإذا كاف الصكفي يتبع ميراث السابقيف بعراقتو كتقاليده‪ ،‬فإنو يتجاكزه كيتجاكز كذلؾ‬
‫يحرـ الخمر المادية تحريمنا قاطعنا‪ ،‬كيمجأ الصكفي إلى التأكيؿ إليجاد أكجو‬
‫ظاىر الشريعة الذم ٌ‬
‫التقاء بيف جكىر الخمر‪ ،‬كما يحدث لمصكفي مف نشكة كتغيب أثناء الفناء في الذات اإلليية‪.‬‬
‫" عبارة صاغيا أرباب المعاني لمتعبير عف غمبة محبة الحؽ تعالى‪،‬‬ ‫فالسكر كالغمبة‬
‫والصحو عبارة عف حصوؿ المراد"(‪.)3‬‬

‫‪ 1‬ـ ٌنظر‪ :‬عاطف جودة نصر‪ ،‬الرمز الشعري عند الصوفٌة‪ ،‬ص ‪ 339‬ـ ‪.342‬‬
‫‪ 2‬ـ القشٌري‪ :‬الرسالة القشٌرٌة‪ ،‬ص ‪.239‬‬
‫‪ 3‬ـ الهجوٌري‪ :‬كشف المحجوب ‪ ، 2‬دط‪ ،‬دار النهضة العربٌة‪ ،‬لبنان‪،1973 ،‬ص ‪.414‬‬

‫‪52‬‬
‫كىكذا يككف السكر عند الصكفية مختمفان عف السكر الناتج عف الخمر المادية‪ ،‬في ككنو‬
‫يعقبو الصحك‪ ،‬كال يعني الصحك ىنا مفارقة حالة السكر بصكرة تامة‪ ،‬كانما الترقي إلى حاؿ‬
‫أرقى ىك حاؿ "صفاء العشؽ والذوؽ بأحدية الجمع والفرؽ"(‪.)1‬‬
‫كبيذا يعمؽ الصكفية في حقيقة الخمر‪ ،‬كأخذكا منيا أثرىا‪ ،‬كتحكلكا بو إلى رمز يعبركف‬
‫بو عف حاليـ‪.‬‬
‫"أبي‬ ‫كاذا بدأنا في تناكؿ الرمز الصكفي بالخمر عند الشعراء الصكفية‪ ،‬نجد أنفسنا أماـ‬
‫صكر نشكتو بالحب اإلليي بنشكة الخمر‪ ،‬فاتخذ نفس لغة‬
‫حفص عمر بف الفارض" الذم ٌ‬
‫"إنما‬ ‫الشعراء الخمرييف السابقيف بما تحتكم عميو مف دناف كسقاة ككؤكس‪ ،‬كال شيء مف ذلؾ‬
‫ىو جماؿ الذات اإلليية التي دلع في قمبو الحب‪ ،‬وكأنما شرب مف إناء قدسي رحيقو المسكر‬
‫منتشيا وال يني منجذباً‪ ،‬وكأنو في غيبوبة لذيذة توشؾ أف تسمبو حواسو" (‪.)2‬‬
‫ً‬ ‫فيو ال يني‬
‫يقكؿ "ابف الفاض" في تأئيتو الكبرل‪:‬‬
‫وكأسي محيا مف عف الحسف جمت‬ ‫سقتػػني حمػػيا الحػػب راحػػػػة مقػػػػػػػمتي‬
‫بو سر سري في انتشائي بنظرة‬ ‫فأوىمت صحبي أف شػػػػػػرب شرابيػػػػـ‬
‫شمائميا ال مف شمولي نشوتي‬ ‫وبالحدؽ استغنيت عف قػػػػػػدحي ومف‬
‫بيـ تـ لي كتـ اليوى مع شيرتي‬ ‫ففي حاف سكري حاف شكري لفتػػػػػػػيو‬
‫ولـ يشغني في بسطيا قبض خشيتي‬ ‫ولما انقضى صحوي تقاضيت وصميا‬
‫رقيب ليا حاظ بخموة جموتي‬ ‫وأبثثػػػػػػػػػػػػػػيا ما بي ولػػػـ يؾ حػػػػػػاضري‬
‫ووجدي بيا ما حي والفقد مثبتي‬ ‫وقمػػػػػػت وحػػػالي بالصبابػػػػػػػػػػػػػة شػػػػاىد‬
‫أراؾ بيا لي نظرة المتمفت‬ ‫ىبي قبػػػػػؿ يفػػػػػػنى الحػػػػػػب مني بقػػػػػية‬
‫أراؾ فمف قبمي لغيري لنت (‪.)3‬‬ ‫ومني عمى سمعي‪ ،‬بمف إف منػػػػػػػعت أف‬

‫‪ 1‬ـ الكاشانً‪ :‬المعجم اصطالحات الصوفٌة‪ ،‬ط ‪ ، 1‬دار المنار للطبع والنشر والتوزٌع‪ ،‬مصر‪،1992 ،‬ص ‪ 357‬ـ ‪.358‬‬
‫‪ 2‬ـ شوقً ضٌف‪ :‬فصول فً الشعر ونقده‪ ،‬د ط‪ ،‬دار الكتب العلمٌة‪ ،‬مصر‪ ،2008 ،‬ص ‪.220‬‬
‫‪ 3‬ـ ابن الفارض‪ :‬الدٌوان‪ ،‬ص ‪ 83‬ـ ‪ 84‬ـ ‪.85‬‬

‫‪53‬‬
‫"ابف الفارض" نفس األلفاظ الخمر الحقيقية مف (شرب كحميان‪ ،‬كقمح كشمكؿ‪،‬‬ ‫يستخدـ‬
‫كحاؿ كسكر كصحك) كلكنو يمجأ إلى تراسؿ الحكاس‪ ،‬حيث تأخذ عينو صفة كفو التي تسقيو‬
‫خمر المحبة اإلليية حيث تنعمت في الجماؿ اإلليي‪ ،‬فسرل أثر الخمر في عركقو كشعر‬
‫بنشكتو‪ ،‬كصارت ركحو المحبكبة كأسو الذم يشرب منو‪ ،‬فأىمكو كأفناه حتى أكقع أصحابو في‬
‫الكىـ‪ ،‬لعدـ إدراكيـ ألنيـ مف ع ٌشاؽ الصكرة فكاف الجماؿ شراب‪ ،‬كالحب حمياه‪ ،‬كىذا كمو‬
‫مكىبة مف اهلل‪ ،‬عندما ذىب صحكه مكنو صحكه مف المباسطة مع الحؽ‪ ،‬فأخبره بما أصابو مف‬
‫أثر العشؽ كاليياـ بالمحبكبة التي عاىدىا بالكالء كاإليماف يكـ الصحك الميثاقي عيد الربكبية‬
‫المأخكذ عمى الذر‪.‬‬
‫كنالحظ أف المقطكعة مثقمة بالمصطمحات الصكفية التي اندرجت في السياؽ‪ ،‬فانطبعت‬
‫عمييا ركح الرمز مثؿ‪ ( :‬السكر‪ ،‬الصحك‪ ،‬السر‪ ،‬النشكة‪ ،‬البسط‪ ،‬القبض‪ ،‬الخمكة‪ ،‬الجمكة‪،‬‬
‫الصبابة‪ ،‬الكجد‪ ،‬المحك‪ ،‬النقد‪ ،‬اإلثبات‪ ،‬الفناء‪ ،‬الحضكر‪ ،‬الشرب‪ ،‬الكىـ) فكميا مصطمحات‬
‫تشير إلى أحكاؿ شريفة يعيشيا الصكفي في تجربة االرتقاء لدرجة كصكلو إلى النشكة كالسكر ثـ‬
‫الصحك بعد ذلؾ‪.‬‬
‫"القشيري" أف "يحيى بف معاذ"‬ ‫كمع أكائؿ المتصكفة كاف الشغؼ بيا (الخمرة)‪ ،‬فقد ذكر‬
‫(ت ػ ػ ‪ 258‬ىػ) كتب إلى "أبي يزيد البسطامي" (ت ػ ػ ػ ‪261‬ىػ)‪" :‬ىا ىنا مف شرب كأساً مف‬
‫المحبة لـ يظمأْ بعدىا"‪ ،‬فرد عميو "أبو زيد"‪" :‬عجبت لضعؼ حالؾ‪ ،‬ىا ىنا مف يحتسي بحار‬
‫(‪.)1‬‬
‫يتزيد"‬
‫الحب وىو فاغر فاه ّ‬
‫ّ‬
‫التذكؽ‪،‬‬
‫يمركف بثالث مراحؿ‪ :‬مرحمة ٌ‬
‫كالمتتبع ألثر الخمرة في أىؿ التصكؼ يجد أنيـ ٌ‬
‫م لفقد اكتسبت الخمرة عند الصكفية دالالت جديدة بسبب قدرتيا‬
‫الر ي‬
‫كيمييا الشرب‪ ،‬ثـ يعقبيا ٌ‬
‫تعطيؿ اإلدراؾ الذم يمثؿ تعطيؿ الكاقع‪ ،‬مما يؤدم إلى تعطيؿ الكعي‪ ،‬كتنشيط الالكعي‪ ،‬فتعمكا‬

‫‪ ، 1‬دار الكتاب العربً‪ ،‬دمشق‪،‬‬ ‫‪ 1‬ـ القشٌري‪ :‬الرسالة القشٌرٌة فً علم التصوف‪ ،‬تح‪ :‬أحمد اإلسكندري وأحمد عناٌة‪ ،‬ط‬
‫القاهرة‪،2004 ،‬ص ‪.39‬‬

‫‪54‬‬
‫"أسبؽ في الوجود مف‬ ‫المثؿ كالمطمؽ‪ ،‬ألنيا‬
‫الذات عمى الحقائؽ المادية الثابتة كتمج عالـ ي‬
‫الواقع"(‪.)1‬‬
‫ال نفسينا عميقنا كدقيقنا باعتباره مف األحكاؿ الكجكدية الذاتية التي‬
‫كىـ يحممكف السكر تحمي ن‬
‫تعترم اإلنساف‪ ،‬فيييـ في جماؿ المحبكب األزلي (اهلل) ألنو مصدر كؿ جميؿ‪" ،‬فالسكر‪...‬دىش‬
‫كبعزة‬
‫يحؽ سر المحب عند مشاىدة جماؿ المحبكب ػ ػ فجأة ػ ػ ػ يذىؿ الحس‪ ،‬كيمـ بالباطف فرح ٌ‬
‫كانبساط‪ ،‬لتباعده‪ .‬عف عالـ التفرقة‪.)2("...‬‬
‫الحسية لذاتيا كما يظف البعض كانما كانكا‬
‫ٌ‬ ‫فما كاف الصكفية يقصدكف إلى الخمرة‬
‫يعبركف عمى ما يعترييـ مف حاالت الكجد الصكفي‪ ،‬فتعددت دالالتيا لدييـ فيي‪ :‬الدىشة‬
‫ٌ‬
‫كاالنبيار‪ ،‬كىي الحيرة كالقمؽ ثـ ىي أخي انر كفي أقصى مراحميا الكلو كاليياـ‪ .‬كالسكر سكراف‪:‬‬
‫وسكر بكأس المحبة‪ ،‬واألوؿ منشؤه النظر إلى النعمة‪ ،‬والثاني ال عمّة‬
‫ٌ‬ ‫"فالسكر بخمرة المودة‪،‬‬
‫السكر قد يكوف حالو ىو حاؿ االنبساط فقط إذا لـ‬
‫لو سوى النظر إلى المنعـ‪...‬وصاحب ّ‬
‫يستوؼ حاؿ سكره‪ ،‬وقد تكوف حالو ىو حاؿ المتساكر إذا لـ يستوؼ الوارد الذي يستحدث‬
‫السكر ألصحاب المواجيد عندما ُيكاشؼ العبد بنعت الجماؿ‪ ،‬فتطيب‬
‫فيو السكر‪ ...‬وال يكوف ّ‬
‫السكر"(‪.)3‬‬
‫الروح ويييـ القمب ويحصؿ ّ‬
‫إف مفعكليا السحرم في نفس شاربيا‪ ،‬كما نسجتو الشعكب منذ فجر التاريخ حكليا مف‬
‫"فيي عند ُمخامرتيا‬ ‫تقدسيا عناصر جعمت منيا مكضكعنا جدي نار باىتماـ الشعراء‪:‬‬
‫أساطير ٌ‬
‫العقؿ‪ ،‬وفي أُْن ِ‬
‫س مجالسيا وبمحبتو تصؿ الواقع الموجود بالحمـ المؤسس عمى انطالؽ‬
‫الغرائز وىي تطمب فرحيا"(‪.)4‬‬
‫المدنس‪ :‬فيي مف جية سائؿ مرتبط بالماء الذم جعؿ اهلل‬
‫المقدس ك ٌ‬
‫إف الخمرة تجمع بيف ٌ‬
‫الدـ الذم لو ارتباط كثيؽ بالحياة‪ ،‬ثـ ىي تفعؿ بشاربيا ما ال‬
‫حي‪ ،‬كحمرتيا حمرة ٌ‬
‫منو كؿ شيء ٌ‬

‫‪ 1‬ـ عبد المنعم تلٌمة‪ :‬مقدمة فً نظرٌة األدب‪ ،‬د ط‪ ،‬دار للثقافة للطباعة والنشر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،1976 ،‬ص ‪.194‬‬
‫‪ 2‬ـ ٌنظر‪ :‬عبد المنعم الحنفً‪ :‬الموسوعة الصوفٌة‪ ،‬ط ‪ ، 1‬مكتبة مدبولً‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،2003 ،‬ص ‪.795‬‬
‫‪ 3‬ـ المرجع نفسه‪ :‬ص ن‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ حسٌن واد‪ :‬جمالٌة األنا فً شعر األعشى الكبٌر‪ ،‬ط ‪ ، 1‬المركز الثقافً العربً‪ ،‬المغرب‪،2001 ،‬ص ‪ 82‬ـ ‪.83‬‬

‫‪55‬‬
‫متفرد عف األحياء جميعان كأنو‬
‫يفعمو سكاىا مف األشربة‪ ،‬فيبمغ النشكة حيف يسكر‪ ،‬كيحس أنو ٌ‬
‫يقكض ممكة‪ ،‬ألف الخمرة قد حررت نفسو مف عقاؿ الجسد كأسره كحمٌقت بيا في عكالـ‬
‫ؾ ال ٌ‬
‫مم ه‬
‫أرحب سامحة بيا بالتحاد بالمطمؽ (‪ ، )1‬األمر الذم جمؿ الصكفية يشغفكف بيا‪ ،‬فأشربكىا في‬
‫كتغزلكا بيا في أشعارىـ‪.‬‬
‫قمكبيـ‪ٌ ،‬‬
‫إف عكدة الشاعر المعاصر إلى ىذا الرمز يمثؿ ىركبنا مف الكاقع العربي المتردم‪،‬‬
‫كاستشراؼ لممكت بشتى أشكالو (‪ ،)2‬كالخمرة عند "ياسيف بف عبيد " كما ىي عند المتصكفة مال هذ‬
‫يطمبو حثيثان فيقكؿ في قصيدة "فاتح تاريخ الروح"‪:‬‬
‫الحمُـ‬
‫الريح عطشى الروح و ُ‬
‫ُ‬ ‫مرت بيا‬ ‫تقوؿ منا البقايػػػػػا أيػػػػف مػػف مػػػػدف‬
‫لوزية الراح لـ تكتب بغير دـ‬ ‫إنا شربنػػػػػػػا عمى أيػػػػػػػػػد قصػػػػػػائدنا‬
‫ؼ لميمـ‬
‫شّ‬‫مف الغماـ الذي ما َ‬ ‫قد حوصر الفرح المشروع في ظُمَ ٍؿ‬
‫ناب ُم ْمتيـ (‪.)3‬‬
‫ُحبمى ولكف عمييا ُ‬ ‫اسمػػػػو‬
‫عيػػػػد مو ُ‬
‫ٌ‬ ‫وشب مف حولػػػػػنا‬
‫ّ‬
‫يعبر عف ضيؽ األرض كىك يبحث عف عكالـ أرحب تحمؿ شكقو‬
‫كنجده في مكضع آخر ٌ‬
‫كحنينو لمذات اإلليية فينادم لمساقي حتى يناكلو نديمان ييسكره عمٌو يقترب إلى اهلل بغية مالقاتو‬
‫كالنظر إليو فمـ يعد لو في األرض مستقر‪:‬‬
‫كتستقر‬
‫ي‬ ‫بيا عم يؿ الحياة‬ ‫لركنقيا بقايا تستمر‬
‫وبر‬
‫وبحر يوعب المعنى ُّد‬
‫ً‬ ‫سػػػػػػػػماء‬
‫ً‬ ‫قػػػؿ وال‬
‫فػػال أرض تُ ّ‬
‫سر‬
‫عمى شفة الصييؿ يذاع ٌّر‬ ‫خبر اشتياء قػػد أتػػػػػػاني‬
‫وال ُ‬
‫وال مف لمنزيؼ‪....‬يراه طير‬ ‫وال سػػػػػاؽ يناولػػػػػيا نديمػػػػػػا‬
‫تعاؿ لؾ الفؤاد ىفا وشعر‬ ‫فيا سػػػػػػاقي نداماىا جمػػػػػيعاً‬
‫خضر‬
‫ُ‬ ‫ىنا راياتيا كالجمر‬ ‫تعاؿ اغتؿ بعتبتيا النكساري‬
‫أبر‬
‫وال مني بخضرتيا ُّد‬ ‫فال أدري بما كتمػػػػػتؾ مػػػني‬

‫‪ 1‬ـ ٌنظر‪ :‬المرجع السابق‪ :‬ص ‪.83‬‬


‫‪ 2‬ـ ٌنظر‪ :‬عبد الحمٌد هٌمة‪ :‬البنٌات األسلوبٌة فً الشعر الجزائري المعاصر‪ ،‬ط ‪ ،1‬دار هومه‪ ،‬الجزائر‪،1998 ،‬ص ‪.50‬‬
‫‪ 3‬ـ ٌاسٌن بن عبٌد‪ :‬معلقات على أستار الروح (مجموعة شعرٌة)‪ ،‬منشورات دار الكتاب‪ ،‬الجزائر‪ ،2003 ،‬ص ‪ 26‬ـ ‪.27‬‬

‫‪56‬‬
‫مستقر‬
‫ُّد‬ ‫ليا في كؿ أرض‬ ‫إذا لـ نشرح النجوى وساحت‬
‫بعد سكر (‪.)1‬‬
‫فمالي في اليوى مف ُ‬ ‫فال تزرع عمى جسدي صداىا‬
‫كنجد كذلؾ رغبة جامحة لمفناء في الذات اإلليية كالخكؼ كالرىبة الناتجة مف النظر‬
‫إلييا كحالة السكر اإلليي التي تعتريو مف شدة الدىشة فالشاعر استعمؿ أيقكنات دالة عمى‬
‫السكر اإلليي مثؿ‪ :‬عنب‪ ،‬كالية‪...‬فيقكؿ الشاعر في قصيدة "شعار آخر ىارب الى األندلس"‬
‫حب‬
‫الس ُ‬
‫إذا تراءت فمف رعشاتو ُّد‬ ‫الممح ُّدو صورتو‬
‫ُ‬ ‫يا أييا الجسد‬
‫مضفورة عنباً ما شكمو عتب (‪.)2‬‬ ‫تيمي وتمطػػػػػػػػػر آىػػػات ودالية‬
‫العمكية‬
‫كالصكفية ليـ في خمرتيـ نشكتيا‪ ،‬كالشاعر في خمرتو الشكؽ إلى الذات اإلليية ٌ‬
‫كتبد يد‬
‫ألنيا (الخمرة) منيا (الذات) كبيا ال سكاىا ييدرؾ المنزلة‪ ،‬فيي كالشمس تنير دركبو ٌ‬
‫ظيممو‪ ،‬فال غرك أف يجير بيذا الشكؽ قائال‪:‬‬
‫وتمسح العالـ العموي أجنحتي‬ ‫أكاد أولد مف عينيف مف عسؿ‬
‫يبقى وأعبر أحالمي وقافيتي‬ ‫أغادر الجسد المضنى بغربػػتػو‬
‫كآبتي في يدي خيمي وذاكرتي (‪.)3‬‬ ‫أىز الجػذع مخػػػػػػترقا‬
‫ليال اليؾ ُ‬
‫فيذا السكر مف غير خمرة يكحي بأنيا ليست خمرة طبيعية كلكنيا خمرة المحبة التي‬
‫أسكرتو مف أثر الحب اإلليي كالشكؽ إليو‪ ،‬فالشاعر يتنكر لجسده كيذكب في ذات المحبكبة‬
‫ذكبانا بركح المتصكؼ العاشؽ لذات اهلل ىركبان مف كاقع متركم مممكء باليمكـ كىك يناشد عكالـ‬
‫سرمدية كأجكاء عمكية ال يعرؼ حقيقتيا سكل المتصكؼ العارؼ (العرفانية)‪.‬‬
‫!‬ ‫كاآلف كقد التقى بمف يحب‪ ،‬ىؿ ركل ظمأه؟ كشفى غميمو؟ فينتيي بذلؾ شكقو كيستريح‬
‫أف الشكؽ أبدم كظمأه دائـ؟ كال راحة لو‪ ،‬كألمثالو كما قاؿ أحد أعالـ الصكفية‪ :‬كقد سئؿ‪:‬‬
‫أـ ٌ‬
‫الراحة؟‬
‫متى ٌ‬
‫الجنة !‬
‫فأجاب‪ :‬عند ٌأكؿ قدـ تطأ ٌ‬

‫‪ 1‬ـ المصدر السابق‪ :‬ص ‪.29‬‬


‫‪ 2‬ـ المصدر نفسه‪ :‬ص ‪.32‬‬
‫‪ 3‬ـ نفسه‪ :‬ص ‪ 36‬ـ ‪.37‬‬

‫‪57‬‬
‫يقكؿ الشاعر في قصيدة "وحدي"‬
‫ظمأى وعيناؾ امتداد دروبي‬ ‫مازلت أنػػػػػػػػزؼ والجػػػػػراح قصيػػػػدة‬
‫سيؼ الحنيف وطعنو المضروب‬ ‫أمشي عمى مثؿ اليجير وفي دمي‬
‫ويريحني مف قصتي وكروبي‬ ‫أحػػػػػػػػبو‬
‫ّ‬ ‫وحدي فال وطف سػػػػػػػػػػو ِ‬
‫اؾ‬
‫وغريب مشوار ىفا لغريب (‪.)1‬‬ ‫نتػػػجاذب المنػػػػػػػفى تجػػػػػػاذب تائؽ‬
‫كىكذا جاءت رمزية الخمر عند الصكفية فكؽ مستكل الكاقع‪ ،‬ينسحب خالليا الشعراء‬
‫مف العالـ الحسي إلى عالـ الحب اإلليي‪ ،‬كالعمـ المدني المذيف يتسماف بالقدـ كالقدرة عمى النفاذ‬
‫إلى حقائؽ الكجكد‪.‬‬
‫كلعمٌنا نخمص إلى القكؿ كقد حاكلنا استقراء رمز الخمرة في شعر "ياسيف بف عبيد"‪ :‬أف‬
‫ىذا الرمز قد منح تجربة الشاعر حركة جديدة‪ ،‬فمٌكنيا بألكاف اإللياـ كاإلبداع كالتش ٌكؿ الشعرم‪،‬‬
‫تسطعت قصائده في سماء الجزائر‪ ،‬كتنفس شعره في ىذه األرض المحركقة؟ كاف كاف ىذا‬
‫تمبس بمباسيف‪ :‬لباسو‬
‫الرمز الصكفي يحيؿ إلى التكحد بالذات المقدسة فانو عند " بف عبيد" قد ٌ‬
‫األصمي في خضـ التصكؼ كلباسو في إطار التجربة الشعرية التي تمنحو نفسان جديدان بالجمع‬
‫السخط‪ ،‬كاألنس‬
‫حسي مف خالؿ الجمع بيف السكر كالصحك‪ ،‬كالرضا ك ٌ‬
‫حسي كال ٌ‬
‫بيف ما ىك ٌ‬
‫حسي‪ ،‬فعندما يتناكؿ الشاعر ٌلدة‬
‫الحسي لتسمكا بو نحك الال ٌ‬
‫ٌ‬ ‫كالخكؼ في ترابطات تحيؿ إلى‬
‫حسية تمنحو‬
‫ليطعمو بجوانب ال ّ‬
‫حسياً ثـ ينزاح بو بمجموعة قرائف ّ‬
‫الخمرة "فإنو يقدـ لنا جانباً ّ‬
‫دالالت جديدة تم ّكنو مف ارتياد آفاؽ أوسع "(‪.)2‬‬

‫‪ 1‬ـ ٌاسٌن بن عبٌد‪ :‬معلقات على أستار الروح ‪ ،‬ص ‪.22‬‬


‫‪ 2006‬ـ‬ ‫‪ 2‬ـ دلٌلة مكسح‪ :‬المرجعٌات الفكرٌة والفنٌة فً شعر ابن عبٌد‪ ،‬رسالة الماجستٌر (مخطوطة)‪ ،‬جامعة بسكرة‪،‬‬
‫‪ ،2007‬ص ‪.212‬‬

‫‪58‬‬
‫‪ 1‬ػػػػ ‪ 5‬ػػػػ رمز العيوف‪:‬‬
‫استغؿ شعراء الصكفية رمز المرأة ىذا الكائف الجميؿ بكصفو معادالن لمتجمٌي اإلليي‬
‫منفصميف بذلؾ عف الكاقع متصميف بالعالـ الالمرئي ككصفكا كؿ جزء منيا‪ :‬كالعينيف كالحاجبيف‬
‫الرماش‪...‬الخ‪.‬‬
‫كٌ‬
‫كالعيف بالمفيكـ الصكفي‪ " :‬إشارة إلى ذات الشيء الذم تبدك منو األشياء كعيف اهلل ىك‬
‫اإلنساف الكامؿ‪ ،‬ألنو سبحانو ينظر بنظره إلى العالـ‪ ،‬كاإلنساف ىك عيف العالـ‪ ،‬كعيف الحياة‬
‫مظير الحقيقة ال ٌذاتية مف ىذا الكجكد"(‪.)1‬‬
‫ال كأكمميا لتقبؿ التجميات‬
‫لقد أصبحت المرأة في العرفاف الصكتي أرقى المخمكقات جما ن‬
‫اإلليية‪ ،‬ىنا تخرج المرأة عف الشرنقة األرضية "فيذه العيوف كمعادؿ سيميائي لممرأة‪ ،‬ال تحيؿ‬
‫عمى الجماؿ األرضي‪ ،‬الذي مف صفاتو الذبوؿ وانما تحيؿ عمى األبدي الذي ينكشؼ مف‬
‫خالليا ويتجمى في شفافيتيا"(‪.)2‬‬
‫كفي ىذا السياؽ نجد "بف عبيد" يجعؿ مف عيكف المرأة سبيالن إلى حب إليي يبعده عف‬
‫العالـ المادم الصاخب‪ ،‬ليعرج بو إلى عالـ الطير كالبراءة‪ ،‬فميست العيكف التي يحمـ بيا‬
‫الشاعر ىي التي نعرفيا في مجاؿ الحراس‪ ،‬كانما تمؾ التي تحيمنا إلى الجماؿ الالمتناىي‬
‫كالمطمؽ السرمدم الذم يخترؽ الحجب كيسمك عف الكاقع كيجمي األنكار‪ .‬يقكؿ الشاعر‪:‬‬
‫وحدي وعيناؾ تمتصاف أزمنتي‬ ‫ىنا اتشحأأتؾ أحػػػػالما أرتمػػػػيا‬
‫بالضوء مزعة الممشى بسنبمة؟ !‬ ‫إما جئت مف حجر‬
‫ماذا أسميؾ ّ‬
‫وتمسػػػػح العػػػالـ العػػػموي أجنحتي‬ ‫أكاد أولد مف عينيف مف عسؿ‬
‫يبقى وأعبر أحالمي رقافيتي (‪.)3‬‬ ‫أغادر الجسد المضنى بغربتػػو‬

‫‪ 1‬ـ عبد المنعم الحنفً‪ :‬الموسوعة الصوفٌة‪ ،‬ط ‪ ، 1‬مكتبة مدبولً‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،2003 ،‬ص ‪ 886‬ـ ‪.887‬‬
‫‪ 2‬ـ نسٌمة بوصالح‪ :‬تجلً الرمز فً الشعر الجزائري المعاصر‪( ،‬شعراء رابطة ابداع الثافٌة نموذجا ً)‪ ،‬ط ‪ ،1‬رابطة اإلبداع‬
‫الثقافٌة الوطنٌة‪ ،‬الجزائر‪ ،2003 ،‬ص ‪.126‬‬
‫‪ 3‬ـ ٌاسٌن بن عبٌد‪ :‬معالقات على أستار الروح‪ ،‬ص ‪ 36‬ـ ‪.37‬‬

‫‪59‬‬
‫رمز لمذات العمكية التي يذكب الشاعر فييا كيياجر إلييا‬
‫في ىذا النص تغدك المرأة نا‬
‫بكؿ مشاعره كأحاسيسو‪ ،‬كىنا يتـ تصعيد المظير الفيزيائي األنثكم إلى أعمى مستكيات‬
‫الركحانية الصكفية‪ ،‬كىذا يبرز لنا القيـ الركحية التي يطرحيا النص الشعرم الجديد كيبرز كذلؾ‬
‫عالقة الذات اإلنسانية بحقائؽ الكجكد اإلليية ىركبان مف كاقع متردم إلى عكالـ رحبة سرمدية‪.‬‬
‫كالعينيف أيضنا تحمالف ىمكـ المتصكؼ كمكاربو فيي مصدر حزنو كسعادتو كفييا‬
‫أجكبتو يقكؿ الشاعر عرفي ىذا الصدد‪:‬‬
‫إلي مف عمقؾ الشفاؼ أجوبتي (‪.)1‬‬
‫ّ‬ ‫تحممو‬
‫ُ‬ ‫كؿ النزيؼ الذي عيناؾ‬
‫كيقكؿ الشاعر أيضنا‪:‬‬
‫مضى يجتاحني وحدي اجتياحا‬ ‫غموض كاف يشبيني تماماً‬
‫عيوف وأسئمة تحبب لي الجراحا‬ ‫وأصبػػػػح فػػػػػي عيونػػػػػػػؾ لي‬
‫وتنفضني انقباضا وانشراحا (‪.)2‬‬ ‫تورطني عيونؾ في دمػػػػائي‬
‫إف الكممات المستحضرة في ىذا المقطع‪ ،‬كالقبض كاالنشراح‪ ،‬كميا إيقكنات ال تستطيع‬
‫أف تحيد عف سياقيا الصكفي‪ ،‬كيبدك أف الشاعر تأثر كثي نار بأشعار المتصكفة خاصة " عمر بف‬
‫الفارض" الذم يقكؿ في سياؽ مماثؿ‪:‬‬
‫ولما انقضى صحوي‪ ،‬تقاضيت وصميا ولـ يغشني في بسطيا قبض خشيتي(‪.)3‬‬
‫ّ‬
‫كيرل "ابف عربي" أف البسط مف المقامات التي يتٌصؼ اإلنساف بيا في الدنيا كاآلخرة‪:‬‬
‫"أما القبض فيالزـ اإلنساف إلى أوؿ قدـ يضعو في الج ّنة ويزوؿ عنو‪ ،‬وبدييي أف البسط‬
‫يالزـ اإلنساف في الج ّنة مف أثر واردات الجماؿ‪ ،‬أما القبض فال معنى لو في دار النعيـ إال‬
‫أنو يستبدؿ مف مشاىدة الجالؿ بالييبة"(‪.)4‬‬

‫‪1‬‬
‫ـ المرجع السابق‪ :‬ص ‪. 35‬‬
‫‪2‬‬
‫ـ المرجع نفسه‪ :‬ص ‪.28‬‬
‫‪3‬‬
‫ـ ابن الفارض‪ :‬الدٌوان ‪ ،‬د ط‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بٌروت‪ ،‬لبنان‪،1962 ،‬ص ‪.46‬‬
‫‪4‬‬
‫ـ سعاد الحكٌم‪ :‬المعجم الصوفً‪ ،‬ط ‪ ، 1‬دندرة للطباعة والنشر‪ ،‬لبنان‪ ،1981 ،‬ص ‪.898‬‬

‫‪60‬‬
‫كفي سياؽ آخر يقكؿ بف عبيد‪:‬‬
‫العيوف‬
‫ْ‬ ‫مف ألؼ باب لو أطمت‬
‫القروف‬
‫ْ‬ ‫رأت بقيتي كمرفإ رست بو‬
‫وحوليا قوافؿ الغيوـ تمتقي‬
‫فمف ىنا ميرورىا‬
‫الحنيف‬
‫ْ‬ ‫ومف ىنا طريقيا الى‬
‫وكنت في نصؼ الطريؽ‬
‫خمفي أنا‬
‫الرفيؽ‬
‫ْ‬ ‫أمامي الظالـ وحده‬
‫الميؿ‬
‫يا سائمي عنيا عيونيا ْ‬
‫عيونيا المنفى‬
‫الحريؽ(‪.)1‬‬
‫ْ‬ ‫عيونيا‬
‫تعد دليؿ الشاعر كمرشده إلى الحؽ‪ ،‬ككذلؾ مأكل يمجأ إلييا‬
‫كالعيكف في ىذه األبيات ٌ‬
‫لعمٌو يجد الراحة كالٌمذة‪ ،‬كالنشكة التي يبحث عنيا المتصكفة‪ ،‬لمشاعر دار اليجرة يأكم إلييا‬
‫ليطفئ نار الشكؽ كالحنيف ككأف العيكف في ىذا المقاـ مجرد إطار أرضي لبمكغ أرقى درجات‬
‫الكجد كالحب في عكالـ مفعمة باألنكار اإلليية‪.‬‬
‫ال فييا راجينا‬
‫كبعد رحمة شاقة‪ ،‬كطكؿ عناء كجد راحتو كاستقر في الذات اإلليية متأم ن‬
‫منيا كشؼ الحجاب فيقكؿ‪:‬‬
‫تجيب‬
‫ْ‬ ‫تمر بي وال‬
‫ظالؿ‬
‫ْ‬ ‫سيدة بحرية بال‬
‫طيور‬
‫ْ‬ ‫عيونيا موج وشعرىا‬
‫العبور‬
‫ْ‬ ‫وخطوىا الفحاؿ ممكف‬
‫‪1‬‬
‫ـ ٌاسٌن بن عبٌد‪ :‬معالقات على أستار الروح‪ ،‬ص ‪.13‬‬

‫‪61‬‬
‫العصور‬
‫ْ‬ ‫أمشي الييا مرىقا وفي حقائبي‬
‫الجنوف‬
‫ْ‬ ‫سيدة لوزية اليوى قديمة‬
‫كتاب‬
‫ْ‬ ‫تمر بي وفي يد‬
‫عتاب‬
‫ْ‬ ‫وفي يد أسطورة وغيمة وما تبقى مف‬
‫تقوؿ لي بال لغة‪:‬‬
‫سيدي أنت أنا‬
‫يا ّ‬
‫حجاب‪.)1(!....‬‬
‫ْ‬ ‫كشؼ‪/‬‬
‫ٌ‬ ‫وبيننا‬
‫ال‪:‬‬
‫كفي مكضع مماثؿ يستطرد قائ ن‬
‫وتفيمت عيناؾ رمز شبوبي‬
‫ّ‬ ‫سر توحػػػػػػػػػػدي‬
‫فتمقّفت عينػػػػػػاؾ ّ‬
‫وانشؽ لي اإليماء غير كذوب (‪.)2‬‬ ‫عيناؾ في حجرييما اغترب اليوى‬
‫فالقصيدة منذ البداية تضعنا في رحمة ركحية تنطمؽ مف حب المخمكؽ إلى حب الخالؽ‬
‫فالمرأة حاضرة في القصيدة كلكف بشكؿ ركحي رمزم يحمينا إلى المحبة اإلليية كاالغتراب في‬
‫حضرة الكجداف الصكفي‪.‬‬
‫إف انخراط الكتابة الصكفية عند "بف عبيد" في استدعاء الرمز األنثكم كاستثماره في‬
‫صياغة القصيدة الصكفية يدؿ عمى انخراط الشاعر في كياف المحبة‪ ،‬كالشكؽ لممحبكب‪،‬‬
‫كالمحبة شراب ال يرتكم منو صاحبو ميما شرب منو‪ ،‬كضمف ىذا السياؽ يأتي اختفاء "ياسيف‬
‫بف عبيد" بالرمز األنثكم‪.‬‬
‫فيذا الرمز الذم يمارس في النص فعؿ الحجب كالكشؼ معان‪ ،‬كىذه ىي صيغة الرمز‬
‫شدتيا حتى يمكف‬
‫الصكفي بشكؿ عاـ‪ ،‬إنو كالسحاب الذم يغطي الشمس ال ليخفييا كانما ليقمؿ ٌ‬
‫التحديؽ فييا دكف أف نخشى االحتراؽ‪.‬‬

‫‪ 1‬ـ المرجع السابق‪ :‬ص ‪ 15‬ـ ‪.16‬‬


‫‪ 2‬ـ نفسه‪ :‬ص ‪.22‬‬

‫‪62‬‬
‫فالمغة الصكفية لغة تجاكزية منفتحة عمى ىاجسيا اإلليي‪ ،‬فيحضر كؿ شيء في المرأة‬
‫"أراد أف يرى‬ ‫كفي المظاىر الطبيعية كفي عناصر الككف الفسيح‪ ،‬فاهلل في عرؼ الصكفية‪:‬‬
‫صورة نفسو فخمؽ آدـ عمى صورتو‪ ،‬فكاف كالمرآة لو وما اإلنساف‪ ،‬وما العالـ إال تجؿ مف‬
‫تجميات اهلل‪ ،‬ما الحب إال حب اهلل‪ ،‬فيو المعشوؽ الذي ال تدرؾ حقيقتو إال بحركة عشؽ‬
‫تجاىو تتخذ مف المناجات وسيمة‪ ،‬ومف الخياؿ طريقة‪ ،‬ومف الشعر ترجماناً"(‪.)1‬‬
‫كيستعيف الشاعر كذلؾ بالعينيف ليشكك ليما غربتو كأحزانو كضياعو الكجكدم يجد‬
‫متنفسان كمخرجان لحزنو فيقكؿ‪:‬‬
‫ليف مضاء(‪.)2‬‬
‫لعينيؾ أتمو غربني‪..‬وقصائدي كبعض كآباتي ّ‬
‫لقد كجد الشاعر في عيكف المرأة مجاالن لمنزكع إلى الحنيف الصكفي الذم ينقمو مف رتابة‬
‫الحياة المادية إلى رحاب الكجكد الباقي كمنابع الحياة الخالدة‪ ،‬ليحيؿ المتمقي إلى عرفانية‬
‫صكفية "تمزج تيار العاطفة وتيار العقؿ‪ ،‬وتوحي بالجماؿ متجمياً في طابع جاللي‪ ،‬وبالجالؿ‬
‫ظاى ارً في طابع جمالي"(‪.)3‬‬
‫كىذكذا تبدك الفكارؽ جمية بيف عيكف المرأة مثمما تتصكر في بعدىا المرئي المحسكس كبيف ما‬
‫تكحيو مف معاف في العرفاف الصكفي كالباطني عمى النحك التالي‪:‬‬

‫الجماؿ‬
‫االفتناف‬ ‫العيكف في بعدىا‬
‫الغكاية‬ ‫المرئي المحسكس‬

‫‪ 1‬ـ محمد الكحالوي‪ :‬الرمز والرمزٌة فً النص الصوفً (ابن عربً نموذجا ً)‪ ،‬مجلة الحٌاة الثقافٌة‪ ،‬العدد ‪ ،75‬تونس‪ ،‬ماي‬
‫‪ ،1996‬ص ‪ 28‬ـ ‪.29‬‬
‫‪ 2‬ـ ٌاسٌن بن عبٌد‪ :‬معالقات على أستار الروح‪ ،‬ص ‪.17‬‬
‫‪ 3‬ـ عاطف جودة نصر‪ :‬الرمز الشعري عند الصوفٌة‪ ،‬ط ‪ ، 3‬دار األندلس للطباعة والنشر‪ ،‬لبنان‪،1983 ،‬ص ‪.207‬‬

‫‪63‬‬
‫السمك عف الكاقع‬
‫معانقة الالمتناىي‬ ‫العيكف في‬
‫التكحد مع المطمؽ(‪.)1‬‬ ‫العرفاف الصكفي‬
‫فيياـ ابف عبيد بالعيكف كما تعمٌؽ بيذا العضك مف الجسد الذم كاف عبر مراحؿ مختمفة‬
‫يشد‬
‫مف مسار الشعر العربي مكضع اىتماـ الشعراء كالفنانيف عامة‪ ،‬ألف العينيف ىما ٌأكؿ ما ٌ‬
‫الناظر إعجابان‪ ،‬فيقع في أسرىما كما قاؿ أحدىـ‪:‬‬
‫جمبف اليوى مف حيث أدري وال أدري (‪.)2‬‬ ‫الرصافة والجسر‬
‫عيوف الميابيف ّ‬
‫السياـ كال يبرحاف‬
‫عد األبمغ عند العرب يككف ليما (العينيف) كقع ٌ‬
‫كفي تصكير ٌ‬
‫قتيؿ اليوى ال‬ ‫دية عمى القاتؿ ألف‪" :‬‬
‫المرشكؽ إالٌ صريعان كالمؤسؼ لو ػ ػ كالحالة ىذه ػ ػ أالٌ ٌ‬
‫( ‪)3‬‬
‫كهلل دار القائؿ‪:‬‬ ‫يؤدى"‬
‫حور قتمننا ثـ لـ يحييف قتالنا‬ ‫إف العيػػػػػػػػػوف التي في طرفػػػػػيا‬
‫وىف أضعؼ خمؽ اهلل إنساناً (‪.)4‬‬
‫ّ‬ ‫يصرعف ذا الّمب حتّى ال حراؾ بو‬

‫‪ 1‬ـ سعٌد شٌبان‪ :‬الرمز فً الشعر الجزائري المعاصر‪ ،‬مذكرة لنٌل شهادة الماجستٌر فً األدب العربً‪( ،‬مخطوطة)‪ ،‬جامعة‬
‫تٌزي وزو‪ ،‬الجزائر‪ ،2001 /2000 ،‬ص ‪.114‬‬
‫‪ 2‬ـ ٌنظر‪ :‬علً بن جهم‪ :‬الدٌوان‪ ،‬تح‪ :‬خلٌل مردم‪ ،‬ط ‪ ، 3‬دار صادر‪ ،‬بٌروت‪ ،‬لبنان‪.1996 ،‬‬
‫‪ 3‬ـ أحمد أمٌن‪ ،‬النقد األدبً‪ ،‬ط ‪ ، 4‬دار الكتاب العربً‪ ،‬بٌروت‪ ،1967 ،‬ص ‪.460‬‬
‫‪ 4‬ـ جرٌر بن عطٌة‪ :‬الدٌوان ‪ ،‬د ط‪ ،‬دار بٌروت للطباعة والنشر‪ ،‬لبنان‪ ،1978 ،‬ص ‪.492‬‬

‫‪64‬‬
‫الفصػػؿ الثاني‬
‫البنػػػية المغػػػوية واإليقاعيػػػة‬

‫‪65‬‬
‫‪ 1‬ػػػػ ‪ 1‬ػػػػػ طبيعة المغة الشعرية في ديواف معمقات عمى أستار الروح‪:‬‬
‫إف المٌغة ىي المادة األساسية المشكمٌة لكجكدنا الثقافي كالحضارم‪ ،‬كىكيتنا الفكرية‬
‫ٌ‬
‫الفني‪ ،‬لذلؾ فإف "لكؿ أديب طريقة‬
‫كالفمسفية‪ ،‬كبالضركرة ىي األساس أيضنا في عممية اإلبداع ٌ‬
‫ليعبر بيا عف‬
‫خاصة في استخداـ الكممة كتركيب الجممة‪ ،‬كعميو فإف "األديب ال يرّكب الجممة ّ‬
‫تفجر فييا خواص التعبير األدبي‪،‬‬
‫معنى تقريري مألوؼ‪ ،‬وانما يتعامؿ مع المغة لطريقة ّ‬
‫قوة‪ ،‬تتعدى الداللة المباشرة‪ ،‬وتنتقؿ األصؿ إلى المجاز‪،‬‬
‫وتجعؿ لمعبارات واألنساؽ والجمؿ ّ‬
‫لتفي بحاجة الفف في التعبير والتصوير"(‪.)1‬‬
‫"المادة الحقيقية المش ّكمة لفف األدب‪ ،‬ليذا ينبغي بذؿ‬ ‫إف التركيب كالتشكيؿ المغكم ىك‪:‬‬
‫التعرؼ عمى كيفية استخداـ األديب لمّغة"(‪.)2‬‬
‫جيد كبير في ّ‬
‫يتميز بتشكيمو المٌغكم الخاص‪ ،‬الذم يرقى بو عف مستكل الكالـ العادم‬
‫إف الشعر ٌ‬
‫كاألديب مش ٌكؿ‪/‬مرٌكب‪ ،‬مثمو مثؿ الفناف التشكيمي‪ ،‬فيذا يرسـ باأللكاف‪ ،‬كذاؾ يرسـ بالكممات‪،‬‬
‫كلعؿ ىذا ما أشار إليو " مالرميو" )‪ (Mallarmé‬حيف قاؿ‪" :‬إننا ال نضع األبيات الشعرية‬
‫باألفكار‪ ،‬بؿ نصنعيا بالكممات" (‪ ،)3‬كما اعتبر المبدع مرٌكبان‪ ،‬كأكد عمى دكره في خمؽ تراكيبو‬
‫"إال بقدر تأمؿ المغة واعادة‬ ‫الشعرية‪ ،‬بانزياحيا عف النمط المألكؼ‪ ،‬كلف يككف ثمة شعر‪:‬‬
‫خمقيا مع كؿ خطوة‪ ،‬وىذا يفترض تكسير اليياكؿ الثابتة لمغة وقواعد النحو‪ ،‬وقوانيف‬
‫الخطاب"(‪.)4‬‬
‫تميز التراكيب الشعرية مف‬
‫إف التشكيؿ المغكم الخاص بالشعر يجب أف يخمؽ مسافة ٌ‬
‫النثرية‪ ،‬كمما الشؾ فيو أف المغة الشعرية تستمد جماليا مف ىذه التشكالت‪ ،‬ألنيا لغة إبداعية‪،‬‬
‫خالؽ كممات وليس‬
‫ُ‬ ‫"أف الشاعر‬ ‫كالمغة اإلبداعية مف طبيعتيا االنزياح‪ ،‬لذلؾ يمكف القكؿ‪:‬‬
‫خالؽ أفكار‪ ،‬وترجع عبقريتو كميا إلى اإلبداع المغوي"(‪.)5‬‬

‫‪ 1‬ـ طه وادي‪ :‬جمالٌات القصٌدة المعاصرة‪ :‬ط ‪ ، 1‬مطبعة دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪،1989 ،‬ص ‪.25‬‬
‫‪ 2‬ـ المرجع نفسه‪ :‬ص ن‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ جان كوهن‪ :‬بنٌة اللغة الشعرٌة‪ ،‬تر‪ :‬محمد الوالً ومحمد العمري‪ ،‬ط ‪ ،1‬دار توبقال‪ ،‬المغرب‪،1986 ،‬ص ‪.41‬‬
‫‪ 4‬ـ المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.176‬‬
‫‪ 5‬ـ نفسه‪ :‬ص ‪.40‬‬

‫‪66‬‬
‫إف الشعر ال يتميز بالمضمكف‪ ،‬كانما بالتراكيب التي قد تستدعي في كثير مف األحياف‬
‫‪" :‬لغة‬ ‫خرؽ القكاعد المألكفة تبعان لذكؽ الشاعر‪ ،‬كأحاسيسو‪ ،‬كانفعاالتو كميكلو كمف ثمة يمثؿ‬
‫الشعر تختمؼ عف االستعماؿ المغوي المشترؾ‪ ،‬فالشاعر قد يستخدـ كممات متداولة‪ ،‬لك ّنو‬
‫ُيكسبيا داللة مغايرة لممألوؼ‪ ،‬فتنطؽ قصيدتو بشيء‪ ،‬ولكنيا تقصد أشياء أخرى‪ ،‬دوف أف‬
‫لغوي وفوضى في الرسالة‪ ،‬وانما‬
‫ّ‬ ‫تحوؿ النص إلى عبث‬
‫تكوف ىذه المغايرة ىدؼ لذاتيا‪ ،‬واال ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫تفرده‬
‫يككف فييا ٌ‬ ‫"‬ ‫ىي (المغايرة)‪ ،‬وسيمة الشاعر إلى خمؽ لغة شعرية داخؿ لغة النثر‬
‫كتتبدل مف خالليا شاعريتو‪.‬‬
‫ٌ‬
‫أىمية دراسة المغة الشعرية‪:‬‬
‫إف دراسة المغة لدل شاعر معيف تكشؼ مدل حقيقة تعاممو مع القكاعد المغكية‪ ،‬ككيفية‬
‫االستفادة منيا‪ ،‬فإذا كاف متمكنان مف الثكرة المغكية‪ ،‬كلو مف الخبرة كاالقتدار‪ ،‬ما يكفي لتكظيفيا‬
‫حسب رغبتو كفي الحدكد التي تعرضيا الضركرة الشعرية‪ ،‬أما إذا كاف غير ذلؾ فسيأتي النص‬
‫قكم بسالمتيا فيسمـ الييكؿ ككؿ‪ .‬كاف أعتكرىا ضعؼ‬
‫اإلبداعي ضعيفان‪ ،‬لما لمٌغة مف تأثير ٌ‬
‫كتسرب إلى نفسو الس ٍاـ كسرعاف ما ينفر مف ىذا النص إلى‬
‫شعر المتمقي بالخمؿ‪ ،‬كاالضطراب‪ٌ ،‬‬
‫غيره‪.‬‬
‫كليس شرطان أف يككف استخداـ الشاعر لمغة عمى حسب القكاعد بؿ يفترض فيو أف يثبت‬
‫قدرتو المغكية في الخركج عف تمؾ القكاعد كاإلعراض عف المألكؼ‪ ،‬مؤكدنا قدرتو عمى التقديـ‬
‫كالتأخير‪ ،‬كالحذؼ‪ ،‬كمغايرة التراكيب‪ ،‬كالتكرار‪...‬كذلؾ كمٌو يقاس بمدل انفعالو‪ ،‬كحدة مشاعره‬
‫تمي انز يبتعد بيا عف‬
‫التي تعكس طبيعة تعاممو مع المغة‪ ،‬كبذلؾ تكتسب لغة الشاعر في قصيدتو ٌ‬
‫تكونيا مف ألفاظ بنيت عمى نسؽ معيف‪ ،‬فاكتسبت‬
‫المألكؼ فػ‪" :‬طبيعة الشعر تُفيـ مف خالؿ ّ‬
‫بيذا التنظيـ البنائي صفتيا وحيويتيا‪ ،‬وشخصيتيا‪ ،‬حيث أف ىذا التنظيـ المعيف لأللفاظ‬
‫أكسبيا عالقات ودالالت جديدة"(‪.)2‬‬

‫‪ 1‬ـ خلٌل موسى‪ :‬الحداثة فً حركة الشعر العربً المعاصر‪ ،‬ط ‪ ، 1‬مطبعة الجمهورٌة‪ ،‬دمشق‪ ،1991 ،‬ص‪.99‬‬
‫‪ 2‬ـ ضٌاء الصدٌق‪ :‬فصول فً النقد األدبً وتارٌخه (دراسة وتطبٌق)‪ ،‬ط ‪ ،1‬دار الوفاء‪ ،‬مصر‪،1989 ،‬ص ‪.238‬‬

‫‪67‬‬
‫فني يختمؼ‬
‫إف لمغة أداة التعبير عف المشاعر‪ ،‬كاالنفعاالت‪ ،‬يستخدميا المبدع بأسمكب ٌ‬
‫عف استخداـ الشخص العادم ليا في التعبير عف مشاعره‪ ،‬فيي إذان مقياس التمايز كالتفرد‪.‬‬
‫كيختمؼ استخداميا بيف الشعراء أنفسيـ‪ ،‬ففي الكقت الذم نتفاعؿ مع قصيدة معينة‪ ،‬ننجذب‬
‫بألفاظيا الرقيقة‪ ،‬كلغتيا العذبة‪ ،‬نجد أنفسنا ننفر مف قصيدة أخرل لبركدة ألفاظيا كرتابة لغتيا‪.‬‬
‫كنتذكقيا عمى ما فييا مف أساليب‪ ،‬كرمكز‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ال ػ ػ‬
‫إننا نتفاعؿ مع التجارب الصكفية ػ ػ مث ن‬
‫كسعت مجاؿ المغة الشعرية‪ ،‬كبعث فييا ركحان‪.‬‬
‫كمجازات‪ ،‬كنستشؼ أبعادىا ألف ىذه التجارب ٌ‬
‫كنفسان جديديف‪ ،‬متخذة مف اإلشارة ال العبارة مدخالن رئيسان(‪.)1‬‬
‫"أدونيس" لمتأكيد عمى أنو‪ " :‬إذا كاف الشعر تجاو ازً لمظواىر ومواجية‬ ‫كلعؿ ىذا ما دفع‬
‫لمحقيقة الباطنة في شيء ما‪ ،‬أو في العالـ كمو‪ ،‬فإف عمى المغة أف تحيد عف معناىا العادي‪،‬‬
‫ذلؾ أف المعنى الذي تتخذه عادة ال يقود إلى رؤى أليفة مشتركة‪ .‬إف لغة الشعر ىي لغة‬
‫جع ُؿ المغة تقوؿ‬
‫اإلشارة في حيف أف المغة العادية ىي لغة اإليضاح‪ ،‬فالشعر ىو بمعنى ما‪ْ :‬‬
‫ما لـ تتعمـ أف تقولو"(‪.)2‬‬
‫"جوف كوىيف" (‪ )Jean Cohen‬ىي‪" :‬االنزياح عف‬ ‫لغة الشعر أك المغة الشعرية عند‬
‫لغة النثر باعتبار أف لغة النثر عنده توصؼ بأنيا لغة الصفر في الكتابة"(‪.)3‬‬
‫"كؿ ما ليس شائعاً وال عادياً وال‬ ‫كاالنزياح ييعد دخكالن في المغة الشعرية التي تعني‪:‬‬
‫مصوغاً في قوالب مستيمكة" (‪ ،)4‬كىكذا فالشعر يعتبر خركجنا عف المغة العادية أك المعيارية‪،‬‬
‫"ينيض عمى إعادة النظر في‬ ‫ييدميا ليعيد بناءىا مف جديد‪ ،‬أم أف الشعر نشاط لغكم‬
‫فيك ٌ‬
‫النظاـ المغوي‪ ،‬واإلمساؾ بما يتضمنو مف قوانيف توليدية تسمح بتمزيؽ ذلؾ النظاـ المغوي‬
‫( ‪)5‬‬
‫ال في لغة النثر تتطابؽ دالالتيا‬
‫المتعارؼ نفسو قصد خمؽ ذرى تعبيرية جديدة" ‪ .‬فاأللفاظ مث ن‬
‫ال ما‪ ،‬بينما العكس في لغة الشعر التي تحمؽ دالالتيا بعيدنا عف المعنى األكؿ‬
‫كال تقبؿ تأكي ن‬

‫‪ 1‬ـ ٌنظر‪ :‬أدونٌس‪ ،‬الصوفٌة والسورٌالٌة‪ ،‬ط ‪ ، 3‬دار الساقً‪ ،‬بٌروت‪ ،‬لبنان‪،2006 ،‬ص ‪.23‬‬
‫‪ 2‬ـ أدونٌس ‪ :‬مقدمة للشعر العربً‪ ،‬ط ‪ ،3‬دار العودة‪ ،‬بٌروت‪ ،1979 ،‬ص ‪ 125‬ـ ‪.226‬‬
‫‪ 3‬ـ ٌنظر‪ :‬جون كوهن‪ :‬بناء لغة الشعر‪ ،‬تر‪ :‬أحمد دروٌش‪ ،‬د ط‪ ،‬مكتبة الزهراء‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د ت‪ ،‬ص ‪.37‬‬
‫‪ 4‬ـ المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.24‬‬
‫‪ 5‬ـ محمد لطفً الٌوسفً‪ :‬فً بنٌة الشعر العربً المعاصر‪ ،‬ط ‪ ،1‬سراس للنشر‪ ،‬تونس‪ ،1985 ،‬ص ‪.29‬‬

‫‪68‬‬
‫"(‪.)1‬‬ ‫لمسياؽ‪ ،‬كليذا‪" :‬فالشعر ليس ىو النثر مضافاً إليو شيء ما‪ ،‬ولكنو ىو المضاد لمنثر‬
‫تمرد النثر كمخالفو المألكؼ‪.‬‬
‫تتفجر مف ٌ‬
‫كبالتالي فشعرية المغة ىي تمؾ الشعرية التي ٌ‬
‫"أدونيس" فقد تعرض لمفرؽ بيف المغة الشعرية كالمغة غير الشعرية‪ ،‬مف حيث اإلشارة‬ ‫أما‬
‫كاإليضاح فالمغة العادية كاضحة ال تتجاكز المعنى المعجمي بينما المغة الشعرية ىي الخركج‬
‫تتعكد الغكص فييا‪.‬‬
‫عف ىذا المعنى الكاضح كالمعمكـ إلى معاني أخرل لـ ٌ‬
‫كمما سبؽ نستنتج أف التركيز في التجربة الشعرية عمى المغة‪ ،‬كخصائصيا بكصفيا مادة‬
‫بنائو‪ ،‬كباعتبار أف المغة الشعرية ظاىرة أسمكبية‪" :‬فأسموب الصياغة الذي يستخدمو الشاعر‬
‫ىو التجربة‪ ،‬وىو لغة الشعر"(‪.)2‬‬
‫كالمقصكد باألسمكب ىنا جممة الكسائؿ المستعممة مف قبؿ الشاعر مف ألفاظ‪ ،‬كصكر‪،‬‬
‫تككف لنا نسيجان شعريان‪ ،‬كليذا فالتعريؼ العاـ‬
‫كخياؿ كعاطفة كمكسيقى كالتي بتضافرىا كتكامميا ٌ‬
‫لمغة الشعرية‪ " :‬ىي كمية العمؿ الشعري أو النسيج الشعري بما يشتمؿ عميو مف مفردات لغوية‬
‫وصور شعرية ومف موسيقى"(‪.)3‬‬
‫كىذا المفيكـ ىك الذم سنعتمده في دراستنا حيث سنسعى إلى تبياف عناصر المغة‬
‫الشعرية المحققة في ديكاف "معمقات عمى أستار الروح"‪.‬‬
‫"ياسيف بف عبيد" ‪ ،‬نممس ال محالة مكىبتو‬ ‫عرجنا عمى دراسة المغة كطبيعتيا عند‬
‫كاذا ٌ‬
‫الف ٌذة في تطكيع مفرداتو المغكية كدفع عجمة المغة نحك الخمؽ‪ ،‬عف طريؽ شحف لغة مختمفة‬
‫قصائده بالتكثيؼ الداللي كنممس كذلؾ اغترافو كتأثره بشعر سابقيو مف الصكفييف الكبار‪،‬‬
‫كيظير ذلؾ في تعميؽ الشاعر المبناني " محمد عمي شمس الديف" قائالن‪..." :‬إنو ديكاف لمشاعر‬
‫ياسيف بف عبيد‪ ...‬أدركت مف خاللو كـ أف في استطاعة الكممات أف تخترؽ األزمنة كاألمكنة‪،‬‬
‫كالبالد كلألجساد‪ ،‬بؿ األركاح‪ ،‬اختراقان‪ ،‬كما يخترؽ البرؽ جمد السماء‪ .‬إنيا ىي التي تجعمنا‬

‫‪ 1‬ـ جون كوهن‪ :‬بناء لغة الشعر‪،‬ص ‪.64‬‬


‫‪ 2‬ـ لسعٌد الورقً‪ :‬لغة الشعر الحدٌث‪ ،‬ط ‪ ، 3‬دار النهضة العبٌة للطباعة والنشر‪ ،‬بٌروت‪،1984 ،‬ص ‪.67‬‬
‫‪ 3‬ـ المرجع نفسه‪ :‬ص ن‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫اليكـ نحمـ بامرئ القيس كالمتنبي و"مجنوف بف عامر" عمى مسافة آالؼ األعكاـ مثمما تجعمنا‬
‫عمى تماس مع "جبراف‪ ،‬كمع "بوشكيف"‪ ،‬ك"غارسيا لوركا"(‪.)1‬‬
‫"ياسيف بف عبيد" بجكدتو استطاع أف يخترؽ األزمنة‬ ‫يتبيف لنا مف خالؿ القكؿ‪ ،‬أف شعر‬
‫ٌ‬
‫كاألمكنة‪ ،‬كحتى األركاح لصدؽ تجربتو ككثافة تصكيره‪ ،‬كصدؽ مشاعر‪ ،‬لدرجة أف القارئ‬
‫أمرؤ القيس" و"المتنبي"‬ ‫لشعره يمتمس بعض خصائص سابقيو مف الشعراء الكبار أمثاؿ "‬
‫دؿ عمى شيء إنما يدؿ تمكنو مف المغة كسعة خيالو كصدؽ تجربتو كعمؽ‬
‫و"جبراف" كىذا إف ٌ‬
‫رؤيتو‪.‬‬
‫"ابف عبيد" إلى التصكؼ ضركرة فكرية نابعة مف تتممذه عمى يد قطب مف‬ ‫ككاف اتجاه‬
‫الزموري" كاعجابو الشديد بو‪ ،‬كبأقطاب الصكفية‬
‫أقطابو في الجزائر "الشيخ عمر أبو حفص ّ‬
‫أمثاؿ "ابف عربي‪ ،‬و"ابف الفارض" ‪...‬كفي ىذا الصدد يقكؿ الشاعر "شمس الديف"‪" :‬فمفردات‬
‫الوجد الصوفي مف الخفاء والتجمي‪ ،‬والحب والمرض في الحب‪ ،‬والطريؽ والسالؾ‪ ،‬والروح‬
‫وغصوف الروح‪ ،‬والنار والميؿ والمجاذيب والتيو‪ ،‬وجمر التوجس‪ ،‬والجمر األخضر‪ ،‬وليمى‬
‫والتجديد والتوحد‪...‬كؿ ذلؾ وسواه ىو عدة الشاعر في قصائده وىي قصائد غزؿ بؿ قصائد‬
‫حب ربما ذكرتنا ببعض غزؿ ابف الفارض"(‪.)2‬‬
‫"ياسيف بف عبيد" يقكـ عمى مصطمحات الكجد‬ ‫نممس مف خالؿ ىذا القكؿ أف شعر‬
‫الصكفي‪ ،‬كتجاربو إذ استعمميا استعماالن صادقان كذكيان في ديكانو مستمدان قكتو مف خمفياتو‬
‫الفكرية كالمعرفية كمستميمنا مف التراث الصكفي العريؽ كاألخذ مف كبار الصكفية تجاربيـ‬
‫كخبراتيـ فيك في تجربتو يسير عمى خطاىـ كيسمؾ دربيـ‪.‬‬
‫" فالمغة الصكفية ىي مف بيف الكسائؿ التي يعبر بيا الصكفي عف أحكالو‪ ،‬كما أنيا‬
‫الشكؿ األسمى الذم يصؼ بو مراحؿ االرتقاء كالعركج نحك سدرة المنتيى‪ ،‬ليست المغة الكاصفة‬

‫‪1‬‬
‫ـ ٌاسٌن بن عبٌد‪ :‬معلقات على أستار الروح‪ ،‬ص ‪.7‬‬
‫‪2‬‬
‫ـ المصدر نفسه‪ :‬ص ‪.9‬‬

‫‪70‬‬
‫تفجر كؿ شيء ساكف‪ ،‬فالشاعر ال يقؼ عند حدكد الكصؼ‬
‫بالمعنى المعتاد‪ ،‬لكنيا المغة التي ٌ‬
‫بؿ يتعدل ذلؾ إلى الكشؼ كالتقرير"(‪.)1‬‬
‫"معمقات عمى أستار الروح" نستشؼ أف المغة نحت منحى‬ ‫فمف خالؿ دراستنا لديكاف‬
‫البساطة كاالبتعاد عف الغمكض أحيانان‪ ،‬أم اكتماؿ الدائرة التكاصمية بيف المبدع كقارئو كسقكط‬
‫الجدراف بينيما‪ ،‬فال مجاؿ ألم فاصؿ يحكؿ دكف بمكغ الرسالة‪.‬‬
‫كيظير ذلؾ في قكؿ الشاعر‪:‬‬
‫دفأ وساىرني الفرات طويال‬ ‫وىزني‬
‫في حػػػػجر بغػػػػػداد‪ ،‬معيػػػػت ّ‬
‫ودرت في الحصار نخيال‬
‫شمت ّ‬
‫ّ‬ ‫صبي الخصيب مف الحسيف ظاللة‬
‫بيدي ويمبسني الردى إكيال‬ ‫ػػػػػت في يػػػػػػدي‬
‫يرب ُ‬ ‫وتنػػػػػػيدت قمػػػػػ ار ّ‬
‫بمدي‪...‬وشيكا يتجمي المأموال‬ ‫يا ليؿ بػػػغداد اطردت‪....‬وفي يػػػػدي‬
‫ال‬
‫يبكي ويحمؿ في اليديف رحي ً‬ ‫أـ يحتويػػػػػو عنػػػػػػػدما‬
‫ال حضػػػػػػػػػػػػػػػف ٍّ‬
‫ليؿ طويؿ ينحني ليزوال (‪.)2‬‬ ‫يبكػػي طفولػػػػػة قمبػػػػػػػػػػػػو وبجفنػػػػػػػػػػػو‬
‫كما أنيا نحت منحنى الغمكض في أحاييف أخرل‪ ،‬كذلؾ لمتعبير عف تجاربو الصكفية‬
‫التي تتكأ عمى المعجـ الصكفي كالذم ال يمكف فؾ شفراتو إال مف طرؼ قارئ المتمكف العارؼ‬
‫بخبايا الصكفية كمصطالحاتيـ كمعجميـ‪ ،‬كىذا األخير يكتسي أىمية كبيرة في المتف الشعرم‬
‫عمى أساس أنو يكجينا إلى اختيار الشاعر فيما يتعمؽ بالمفردات ىذا مف جية‪ ،‬كمف جية‬
‫أخرل الدالالت المتكخاة منيا عمى أف الكممات شقيف‪ :‬استعماؿ حقيقي كآخر مجازم يضطمع‬
‫عما يركـ إليو مف زاكية نظره ال مف الكجية الطبيعية‪.‬‬
‫الشاعر مف كرائو التعبير ٌ‬
‫كالمالحظ عمى المعجـ المعاصر ككنو ينيؿ مف ينابيع أخرل‪ ،‬حيث راح الشاعر يشحف‬

‫الشكؽ كالحنيف‪ ،‬فالكاقع الحضارم الجديد يفرض حتمان‬


‫قصائده بتيمات الكجداف كاالغتراب ك ٍ‬

‫‪1‬‬
‫ـ محمد كعوان‪ :‬الشعرٌة الرؤٌا وأفقٌة التأوٌل‪ ،‬ط ‪ ، 1‬منشورات اتحاد الكتاب الجزائرٌة‪ ،‬الجزائر‪،2003 ،‬ص ‪.43‬‬
‫‪2‬‬
‫ـ ٌاسٌن بن عبٌد‪ :‬معلقات على أستار الروح‪ ،‬ص ‪.34‬‬

‫‪71‬‬
‫معجمان خاصان جديدان يتكفؿ بتصكير ىذا الكاقع ككذا التعبير عميو‪ ،‬كىذا ما نجده في المعجـ‬
‫الصكفي‪.‬‬
‫ال معجمينا ينتقي منو مختمؼ الكممات التي يراىا مناسبة لمتعبير‬
‫كما أنو كلكؿ شاعر حق ن‬
‫عما ىك بصدد طرحو كمعالجتو "فالمعجـ الف ّني يختمؼ في سياؽ الوعي الخيالي المبدع"(‪.)1‬‬
‫"جاف كوىيف" )‪ (Jean Cohen‬إلى القكؿ‪ " :‬ليس ىناؾ شعر ما‬ ‫كفي سياؽ آخر يذىب‬
‫لـ يكف ىناؾ تأمؿ في المغة حيث البد أف يكوف ىناؾ إعادة خمؽ ليذه المغة داخؿ القصيدة‬
‫مف خالؿ تحطيـ األطر الثابتة ليا"(‪.)2‬‬
‫‪ 1‬ػػػػ ‪ 2‬ػػػػ التكرار‪:‬‬

‫يعد التكرار مف أىـ عناصر التشكيؿ اإليقاعي في الشعر المعاصر‪ ،‬حيث أصبح مفتاحان‬
‫صب‬
‫ٌ‬ ‫ىامان لفيـ النص ككأبسط تعريؼ لو‪ " :‬ىو الشيء نفسو يعود مرات ومرات "(‪ ،)3‬كينـ عف‬
‫الشاعر بؤرة اىتمامو عمى صيغة معينة كتقكؿ في ىذا الصدد الباحثة "نازؾ المالئكة"‪" :‬التكرار‬
‫في حقيقتو إلحاح عمى جية ىامة في العبارة يعني بيا الشاعر أكثر مف عنايتو بسواىا "(‪.)4‬‬
‫بدءا مف أصغر كحدة أم الحرؼ‬
‫إذان يتعمؽ التكرار بعدة مستكيات في النص الشعرم ن‬
‫أساسا بالبنية اإليقاعية لمشعر‪ ،‬كما‬
‫ن‬ ‫إلى الكممة‪ ،‬فالصيغة (الالزمة)‪ ،‬فالتكرار المغكم متعمؽ‬
‫يتحكـ فيو الشاعر عف قصد كىك يركـ إلى غايات فنية كجمالية معينة مسطرة مف قبؿ داخؿ‬
‫نصو الشعرم‪.‬‬
‫كفي سياؽ مغاير إذا سمٌمنا بسعي الشاعر كراء تكفير ىذه السمة األسمكبية في نصو‬
‫الشعرم‪ ،‬يجب أف يككف عمى كعي كتمثٌؿ جمالي‪ ،‬ألف التكرار سالح ذك حديف ذلؾ ألنو إذا لـ‬
‫الفني‪ ،‬يصبح عبئنا عمى النص الشعرم بؿ كيعمؿ عمى تجديده عف حالكتو‬
‫يرقى إلى المصاؼ ٌ‬

‫‪1‬‬
‫ـ عاطف جودة نصر‪ :‬الخٌال ومفهوماته ووظائفه‪ ،‬د ط‪ ،‬الهٌئة المصرٌة العامة للكتاب‪ ،1984 ،‬ص ‪.245‬‬
‫‪2‬‬
‫ـ جون كوهن‪ :‬بنٌة اللغة الشعرٌة‪،‬ص ‪.40‬‬
‫‪3‬‬
‫ـ فٌلٌب مانغ‪ :‬نسق المتعدد‪ ،‬تر‪ :‬عبد العزٌز بن عرفة‪ ،‬ط ‪ ، 1‬دار الحوار للنشر‪ ،‬سورٌا ‪ ،2003 ،‬ص ‪.25‬‬
‫‪4‬‬
‫ـ نازك المالئكة‪ ،‬قضاٌا الشعر المعاصر‪ ،‬ط ‪ ، 3‬منشورات مكتبة النهضة‪،1967 ،‬ص ‪.242‬‬

‫‪72‬‬
‫" ففي كسع التكرار غير الفطف أف ييدـ التكازف اليندسي كيميؿ بالعبارة كما تميؿ حصاة دخيمة‬
‫بكفة ميزاف"(‪.)1‬‬
‫معمقات عمى ستار الروح" الحظنا سعة‬ ‫كمف خالؿ التمعف في المجمكعة الشعرية "‬
‫المعبرة‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫تكظيؼ التكرار خاصة منو تكرار المفردات كالصيغ مما ساىـ بشحف قصائده باألنغاـ‬
‫كبالتالي يعد مف أىـ المنابع التي ينيؿ منيا الشاعر ليحقؽ في نظـ قصائده المكسيقى‬
‫الشعرية الداخمية كالخارجية كنقصد ىنا تكاتر الحركؼ في الكممة كالصيغ‪ ،‬كيظير ذلؾ في قكؿ‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫مرت خيوؿ الميؿ فوؽ غروب (‪.)2‬‬
‫مرت كآبتي الجديدة مثمما ّ‬
‫ّ‬
‫نالحظ في ىذا البيت تكرار لفظة "مرت" مرتيف كىك تكرار مزدكج الكظيفة‪ ،‬فيك مف جية‬
‫حقؽ إيقاعان اضافيان لمبيت كمف جية أخرل يعكس أىمية ىذه السمة األسمكبية في تكضيح‬
‫المعنى كتككيده‪.‬‬
‫يقكؿ الشاعر‪:‬‬
‫تأتي عمى زمف تمشي بال قدـ (‪.)3‬‬ ‫ما كاف أدناه لو كاف إلى زمف‬
‫نالحظ في ىذا البيت تكرار لفظة "زمف" ساىـ إلى حد كبير في خمؽ جمالية معينة‬
‫كاضفاء دينامية كحيكية عمى المقطع الشعرم‪.‬‬
‫كفيما يتعمٌؽ بتكرار الصيغ‪ ،‬لمسنا ظيكرىا في بعض المقاطع في الديكاف لكف نسبة أقؿ‬
‫مقارنة مع تكرار المفردات كذلؾ في قكؿ الشاعر‪:‬‬
‫إلي البدايات‬
‫عائدات ّ‬
‫مف ذكريات أبي‬
‫مف بكور الطيور عمى شفتيو‬
‫وفوؽ يدي‬

‫‪1‬‬
‫ـ المرجع السابق‪:‬ص ‪.244‬‬
‫‪2‬‬
‫ـ ٌاسٌن بن عبٌد‪ :‬معلقات على أستار الروح‪ ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪3‬‬
‫ـ المصدر نفسه‪ :‬ص ‪.26‬‬

‫‪73‬‬
‫رفرفت صفحة مف كتاب‬
‫إلي البدايات‬
‫عائدات ّ‬
‫مف كؼ أبي (‪.)1‬‬
‫كىذا ما شأنو أف أضفى جرسان مكسيقيان عذبان فضالن عف ربطو بالمضمكف‪ ،‬أما بالنسبة‬
‫لتكرار الحركؼ ففي قصيدة "نسر جنوبي يكتب سيرتو" نممس تكرار حرؼ القاؼ ( ‪ )26‬مرة أك‬
‫حرؼ السيف (‪ )19‬مرة‪ ،‬كحرؼ الياء (‪ )26‬مرة كحرؼ النكف (‪ )36‬مرة‪.‬‬
‫كالمعركؼ عف صكت القاؼ ككنو شديد الكقع أضفى عمى المقطع مكسيقي قكية‬
‫صاخبة‪ ،‬أما صكت السيف العالي الصفير كالحاء الجرس أضفى صفة خاصة عمى التشكيؿ‬
‫المكسيقي‪ ،‬كلعؿ أكثر الحركؼ تك ار انر بيذا الديكاف ككؿ ىك حرؼ الياء كداللة صرحية عمى‬
‫جراء الشكؽ كالحنيف لمذات اإلليية‪،‬‬
‫اآلىات التي يطمقيا الشاعر بغرض التنفيس عمى نفسو مف ٌ‬
‫ككذلؾ كصؼ كنقؿ مشاعره الجياشة تجاه المحبكب‪.‬‬
‫كعمى ىذا األساس يمعب تكرار الحركؼ دك انر ىامان في بعث المكسيقى الداخمية كبالتالي‬
‫إضفاء تيمة نغمية تؤدم ال محالة إلى تزكيد النص الشعرم بالجرس المكسيقي العذب مف جية‬
‫كتككيد المعنى مف جية أخرل‪.‬‬
‫"نازؾ المالئكة" إلى ظاىرة التكرار في الشعر العربي عمى أنيا ليست جماالن‬ ‫كتشير‬
‫يضاؼ إلى القصيدة‪ ،‬كانما ىك كسائر األساليب يحتاج إلى أف تجيء في مكانو مف القصيدة‬
‫كأف تممسو يد الشاعر تمؾ الممسة السحرية التي تبعث الحياة في الكممات‪ ،‬ألنو يمتمؾ طبيعة‬
‫خادعة فيك عمى سيكلتو‪ ،‬كقدرتو في إحداث اإليقاع يستطيع أف يظمٌؿ الشاعر كيكقعو في‬
‫مزالؽ‪ ،‬فيك يحتكم عمى إمكانيات تعبيرية تعني المعنى‪ ،‬إذا استطاع أف يسيطر عميو‪،‬‬
‫مجرد تك اررات لفظية مبتذلة‪ ،‬كما يقع ألكلئؾ‬
‫يتحكؿ إلى ٌ‬
‫كيستخدمو في مكضعو كاال فإنو ٌ‬
‫الشعراء الذيف ينقصيـ الحس المغكم كالمكىبة‪ ،‬كاألصالة(‪.)2‬‬

‫‪ 1‬ـ ٌاسٌن بن عبٌد‪ :‬معلقات على أستار الروح‪ ،‬ص ‪ 44‬ـ ‪.45‬‬
‫‪ 2‬ـ ٌنظر‪ :‬نازك المالئكة‪ :‬قضاٌا الشعر المعاصر‪ ،‬ط ‪ ، 4‬دار العلم للمالٌٌن‪ ،‬بٌروت‪ ،‬لبنان‪،2005 ،‬ص ‪.264‬‬

‫‪74‬‬
‫كاف الشاعر حريصان أف يجعؿ مف ىذه األصكات أك الكممات قكة فاعمة كىك يكظؼ‬
‫األسماء كالجمؿ االسمية‪ ،‬ألنيا ذات طبيعة ساكنة كىادئة األمر الذم يتماشى مع طبيعة‬
‫القصيدة الصكفية‪.‬‬
‫نفسية الشاعر اليائسة مف ىذا العالـ لذا فيي تطكؽ إلى عالـ أكثر‬
‫تصكر ٌ‬‫كاأللفاظ ٌ‬
‫إشراقنا‪ ،‬تتخمص فيو مف ألـ الجراح كتتكحد بمحبكبيا األزلي فال فراؽ كال اغتراب كمف ىذه‬
‫األلفاظ نجد‪ ( :‬الحنيف‪ ،‬الشكؽ‪ ،‬الغربة‪ ،‬القبض‪ ،‬البسط‪ ،‬الالـ‪ ،‬الكآبة‪ ،‬األنيف‪ ،‬الصدل‪.)...‬‬
‫كما نجده يكرر بعض األسماء متجاكرة تجاك انر أفقياًّ دكف أف يمس ذلؾ بجمالية القصيدة‬
‫كما في قكلو‪:‬‬
‫وتفيمت عيناؾ رمز شبوبي (‪.)1‬‬
‫ّ‬ ‫سر توحدي‬
‫فتمقّفت عيناؾ ّ‬
‫‪ 1‬ػػػػ ‪ 3‬ػػػػ القافية‪:‬‬
‫"اعتبرىا النقاد األقدموف الركف الثاني‬ ‫لقد نالت القافية مف االىتماـ ما نالو الكزف‪ ،‬بؿ‬
‫(‪)2‬‬
‫كال تكاد تذكر حتى يالحظ معيا الركم‪ ،‬كىك الحرؼ الذم تنتيي بو جميع أبيات‬ ‫لمشعر"‬
‫القصيدة كاليو تنسب‪ ،‬فتككف ميمية‪ ،‬أك المية‪ ،‬أك عينية‪ ،‬أك سينية‪...‬‬
‫"واشترطوا ليا لكي تكوف مؤثرة أف تكوف متمكنة في مكانيا مف البيت غير مغتصبة‬
‫وال مستكرىة‪ ،‬وأف تكوف عذبة سمسة المخرج‪ ،‬موسيقية‪ ،‬مناسبة لممعنى‪ ،‬فيتوقع السامع‬
‫ترددىا‪ ،‬ويستمتع بيذا التردد الذي يطرؽ اآلذاف بانتظاـ"(‪.)3‬‬
‫أما في النقد الحديث فقد أعيد بناء البيت الشعرم‪ ،‬إيقاعينا كداللينا‪ ،‬كمف ثـ تغيرت نظرة‬
‫النقاد إلى القافية التي لـ تعد خاضعة لمعيار قبمي مف خارج النص الشعرم‪ ،‬كانما أصبحت‬
‫بالدكاؿ األخرل كبالمعنى خاصة‪.‬‬
‫صكرة كغيرىا مف الصكر ال تظير كظيفتيا إال في عالقاتيا ٌ‬

‫‪ 1‬ـ ٌاسٌن بن عبٌد‪ :‬معلقات على أستار الروح‪ ،‬ص ‪.22‬‬


‫‪ 2‬ـ عبد القادر أبو شرٌفة وحسٌن الفً قزق‪ ،‬مدخل إلى تحلٌل الخطاب األدبً‪ ،‬ط ‪ ، 4‬دار الفكر‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪،2008 ،‬ص‬
‫‪.80‬‬
‫‪ 3‬ـ المرجع نفسه‪ ،‬ص ن‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫" كمف ثـ فاف إعادة بناء المسكف الشعرم في الحداثة العربية كالمعاصرة منيا عمى‬
‫الخصكص‪ ،‬تطمب إعادة النظر في عنصر القافية‪ ،‬ككظيفتيا في آف"(‪.)1‬‬
‫"انتقمت مف النظاـ الواحد في ظؿ قيود‬ ‫كتفنف الشاعر المعاصر في تشكيؿ القافية التي‬
‫ٌ‬
‫االلتزاـ التقميدية إلى أنظمة متعددة في إطار ما يبيحو الشعر المعاصر مف حرية إبداعية‬
‫كفيمة بأف تُقاوـ تمؾ القيود الممزمة"(‪.)2‬‬
‫(‪)3‬‬
‫ذلؾ أف‬ ‫مف أبرز التقنيات التي وظّفت في الشعر المعاصر"‬ ‫يعتبر التنكع القافكم "‬
‫الشاعر يعيش في عالـ قائـ عمى الخيبات في جميع المستكيات‪" ،‬فكاف لزاماً أف تتجسد مرارة‬
‫( ‪)4‬‬
‫ككما كاف التمرد عمى المغة كذلؾ شمؿ اإليقاع‪.‬‬ ‫التمرد"‬
‫الخيبة ورغبة ّ‬
‫"ابف عبيد" في كثير مف المكاضع كمنيا قصيدة‬ ‫كمثؿ ىذا التنكع القافكم نجده لدل‬
‫"وقفة عمى باب القمر"‬
‫كمنيا يقكؿ‪:‬‬
‫كسرب تدفؽ نحو المفر‬ ‫يدؽ عمى البػػاب فجر جديػػػػد‬
‫وفي جفنو أغنيات السحر‬ ‫عمى زنده نبضة مػػف زمػػػػػػاني‬
‫ففاض حنينا إلينا القمر‬ ‫وأنػػػػػػػػػػا وأدنػػػػا المزيػػػػا وتيمػػػػا‬
‫تي ىشمتؾ‪...‬كطي كتاب‬ ‫طويتؾ يا قمب عند المرايا الػػػ‬
‫يات القدامى خطى في التراب‬ ‫تسافر فػػػػػػػيؾ لياليػػػػؾ واألغػػػف‬
‫كف أو قطعة مف سراب‬
‫منى ّ‬ ‫فيػب لي‪...‬ىب ما ليديؾ تبقى‬
‫وفي قمبو أمرأة مف ورؽ‬ ‫تجمػػػػّى ىنػػػػػا رجػػػػػػػػػػؿ قزحػػػػػػػي‬
‫ويحممو أثر مف أرؽ‬ ‫تميؿ بو قامػػػػػػػػػػػػة مشتػػػػػػػػػػػياة‬

‫‪ 1‬ـ محمد بنٌس‪ :‬الشعر العربً الحدٌث (بنٌاته وبداالته)‪ ،‬ج ‪ ،3‬الشعر المعاصر‪ ،‬ط ‪ ، 3‬دار توبقال‪ ،‬دار البٌضاء‪ ،‬المغرب‪،‬‬
‫‪ ،2001‬ص ‪.142‬‬
‫‪ 2‬ـ حسن الغرفً‪ :‬حركٌة اإلٌقاع فً الشعر العربً المعاصر‪ ،‬د ط‪ ،‬إفرٌقٌا الشرق‪ ،‬الدار البٌضاء‪ ،‬المغرب‪ ،2001 ،‬ص‬
‫‪.68‬‬
‫‪ 3‬ـ المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.59‬‬
‫‪ 4‬ـ عبد الرحمان تبرماسٌن‪ :‬البنٌة اإلٌقاعٌة للقصٌدة المعاصرة فً الجزائر‪ ،‬د ط‪ ،‬دار الفجر للنشر والتوزٌع‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫مصر‪،2003 ،‬ص ‪.117‬‬

‫‪76‬‬
‫وضاؽ بو حزنو فاحترؽ (‪.)1‬‬ ‫بكت مف حنيػػػػػػػػف فماؿ إليػػػػػيا‬
‫كفي ىذا المقطع نجد القكافي متكالية‪ ،‬حيث تمت رفؽ نظاـ (أأأ‪ ،‬ب ب ب‪،‬ج ج ج)‬
‫(كتاب‪ ،‬التراب‪ ،‬سراب) (كرؽ‪ ،‬أرؽ‪ ،‬احترؽ)‪.‬‬
‫كنجده كذلؾ في قصيدتو‪" :‬عائد‪...‬مف سفر التمويف"‪:‬‬
‫فيا‬
‫عندما تنطوي العوالـ َّد‬ ‫ما الذي تأخذ المسافة مػػػػػػػني‬
‫ويقيني وحزني األبدياَّد‬ ‫عندما تسكب القصائد شػػػػػػػػكي‬
‫لديا‬
‫ونشيدي وما تبقى ّ‬ ‫ىػػػػػػذه‪...‬ىػػػذه الكآبػػػػػة نػػػػػػػػايي‬
‫إلي غير زماني‬
‫وعبوري َّد‬ ‫إلػػػي غير قصيػػػػػػدي‬
‫ما طريقي ّ‬
‫مف فصوؿ توىجت مف كياني‬ ‫صاغ مني الشتات ىذي البقايا‬
‫ثـ ضمت كضمة األفعو ِ‬
‫اف‬ ‫أطمقتني إلى المػػػػػتاه يداىػػػػػػػػػا‬
‫أنا وحدي عمى نداؾ دلي ُؿ‬ ‫ساحر أنت يا ندى مقمتيػػػػػػيا‬
‫وطريقي وما انطمقت طوي ُؿ‬ ‫بيػػػػػعد‬
‫ٌ‬ ‫الح لػػػػي في دجػػػػػاي‬
‫ممكف لي الوصؿ أـ مستحيؿ (‪.)2‬‬ ‫لست أدري وىا قريب صداىا‬
‫"إف تغيير نمط القافية ال ُيعزى لعجز لغوي‪ ،‬وانما ىو تجسيد لواقع حضاري قائـ عمى‬
‫(‪)3‬‬
‫فأراد الشاعر أف يجسد ىذا التناقض في شعره‪ ،‬كأبى لقصيدتو إال أف‬ ‫التناقضات (الثنائيات)"‬
‫الراىف‪ ،‬كقد أسيـ ىذا التنكع القافكم في إبراز قيمة جمالية مبنية عمى أساس درامي‪،‬‬
‫تكاكب ٌ‬
‫جراء ىذه الغربة الركحية‪.‬‬
‫كىي اإلحساس باأللـ الكامف في عمؽ الشاعر ٌ‬
‫فراغ البياض‪ /‬البياض المنقط‪:‬‬
‫تدخؿ ىندسة القصيدة أك شكميا البنائي ضمف سمات القصيدة‪ ،‬ألنيا ال تمثؿ المغة‬
‫كالصكرة كاإليقاع فحسب‪ ،‬بؿ ىي كذلؾ البناء كالشكؿ الطباعي الذم تتخذه‪ ،‬كلقد سعى الشاعر‬
‫المعاصر إلى تيديـ شكؿ القصيدة التقميدية التي عرفيا بالشكؿ العمكدم كأصبح بذلؾ ح انر في‬
‫‪1‬‬
‫ـ ٌاسٌن بن عبٌد‪ :‬معلقات على أستار الروح‪ ،‬ص ‪.23‬‬
‫‪2‬‬
‫ـ المصدر نفسه‪ :‬ص ‪.24‬‬
‫‪3‬‬
‫ـ عبد الرحمان تبرماسٌن‪ :‬البنٌة اإلٌقاعٌة للقصٌدة المعاصرة فً الجزائر‪ :‬ص ‪.117‬‬

‫‪77‬‬
‫ينكع في األشكاؿ كاليندسات‬
‫اختيار شكؿ القصيدة الذم يناسبو كيناسب تجربتو‪ ،‬فأصبح إذف ٌ‬
‫مقيد‪ ،‬كليذا فشكؿ القصيدة الحديثة‪" :‬خاضع في تركيبو‪...‬إلى‬
‫كلـ يعد خاضعان لنمكذج كاحد ٌ‬
‫رؤية خاصة وىندسة جديدة‪ ،‬تغاير بنية القصيدة الكالسيكية‪ ،‬ومف ثمة تساىـ في تحطيـ‬
‫النموذج الداللي القديـ المرتبط بعممية االلتقاء‪ ،‬بخالؼ النموذج الداللي الحديث المتعمؽ‬
‫بعممية القراءة أكثر مف تعمّقو باإلنشاد"(‪.)1‬‬
‫كنالحظ مف خالؿ ىذا القكؿ أف الشاعر المعاصر يسعى في كؿ مرة إلى تغيير ىندسة‬
‫القصيدة كدالالتيا كيحاكؿ جاىدان إعطاء صكرة مميزة لقصيدتو خالفان لمقصيدة التقميدية‬
‫(الكالسيكية) التي اعتمدت عمى تكازم األبيات كتناظرىا‪.‬‬
‫"إف ما يولد الموسيقى‪/‬لإليقاع في القصيدة المعاصرة ليس فقط التفعيمة‪ ،‬وأنواع‬
‫تشكميا إنما ىناؾ أجزاء أخرى يجري توقيع الموسيقى بيا‪ ،‬ومنيا التوزيع والتقسيـ عمى‬
‫مستوى جسـ القصيدة‪ ،‬وبيدؼ داللي محدد"(‪.)2‬‬
‫"البياض ليس فعالً بريئاً أو عمالً محايداً‪ ،‬أو فضاء مفروضاً عمى‬ ‫كىذا يعني أف‪:‬‬
‫النص مف الخارج‪ ،‬بقدر ما ىو عمؿ واع‪ ،‬ومظير مف مظاىر اإلبداعية‪ ،‬وسبب لوجود النص‬
‫السواء‪ ،‬إذ تفصح‬
‫وحياتو‪...‬إف البياض ال يجد معناه‪...‬وامتداده الطبيعي إال في تعالقو مع ّ‬
‫الصفحة بوصفيا جسداً مرئياً عف لعبة البياض والسواد بوصفو إيقاعاً بصرياً"(‪.)3‬‬
‫نخمص مف ىذا القكؿ أف الفراغ كالبياض لو أىمية قصكل في القصيدة العربية المعاصرة‬
‫يكليو الشاعر كامؿ اىتمامو‪ ،‬فيك يساعد في إنتاج الداللة كتعددىا كتجددىا‪ ،‬فيك بيذا ليس‬
‫عمالن معزكالن عف النص‪ ،‬يستعممو الشاعر بشكؿ تمقائي كعشكائي بؿ ىك عمؿ كاع كفي غاية‬
‫األىمية‪" .‬إف الفراغ ال يستقؿ عف مجمؿ البناء الكمي لمقصيدة‪ ،‬ذلؾ أنو ال يمثؿ وحدة مضافة‬
‫لمنص‪ ،‬أو زينة خارجية مستقمة عنو‪ ،‬وانما ىي جزئية جوىرية مف كيانو تتفاعؿ مع سياقو‬

‫‪ 1‬ـ إبراهٌم رمانً‪ :‬الغموض فً الشعر العربً الحدٌث‪ ،‬د ط‪ ،‬دٌوان المطبوعات الجامعٌة‪ ،‬الجزائر‪ ،1980 ،‬ص ‪.299‬‬
‫‪ 2‬ـ ٌمنى العٌد فً معرفة النص (دراسات فً النقد األدبً)‪ ،‬ط ‪ ، 4‬دار اآلداب‪ ،‬بٌروت‪ ،‬لبنان‪ ،1999 ،‬ص ‪.106‬‬
‫‪ٌ ،2‬ناٌر‪،‬‬ ‫‪ 3‬ـ رضا بن حمٌد‪ :‬الخطاب الشعري الحدٌث من اللغوي إلى التشكٌل البصري‪ ،‬مجلة فصول‪ ،‬القاهرة‪ ،‬العدد‬
‫‪ ،1996‬ص ‪.99‬‬

‫‪78‬‬
‫الكمي‪ ،‬ومف ثـ تتفاوت داللتو بحسب النصوص وسياقاتيا المختمفة‪ ،‬ويعبر عف دالالت كامنة‬
‫في الذات المبدعة لـ يتمكف التشكيؿ المغوي وحده مف ايصاليا‪ ،‬وبيذا يسيـ الزماني والمكاف‬
‫في إيصاؿ الداللة"(‪ ،)1‬كىك يتجسد لدل "ابف عبيد" في شكميف‪ :‬فراغ البياض كالفراغ المنقٌط‪.‬‬
‫‪ 1‬ػػػػ ‪ 4‬ػػػػ فراغ البياض‪:‬‬
‫"ابف عبيد" إلى تركو بيف مجمكعة مف األبيات الشعرية‪ ،‬كالتي تمييا لييدؼ إلى‬ ‫يعمد‬
‫دالالت قد تعني تكقؼ المتمقي ‪ ،‬كاالستعارة بالتفاكت بيف ما سبؽ البياض كما يمحقو‪ ،‬كاف إلغاء‬
‫ىذا البياض أك تغيير مكاقعو يع ٌكر الداللة التي أراد الشاعر إيصاليا‪.‬‬
‫يقكؿ الشاعر‪:‬‬
‫ألنا غريباف‬

‫حوؿ القصائد حمناً طيو ارً‬


‫تبدؿ تييا بتيو‬
‫يوحدنا‬
‫نبض ىذا التراب بنا‬
‫ويريدنا اليوى ونريو‬
‫غد ذاؾ‬
‫ٌ‬
‫أـ خطرة يتماىى‬
‫بيا المستحيؿ الذي نشتييو‬
‫إذا لـ يكف لمقصائد ضوء سواه‬
‫ذبحت شفتيو‬
‫ُ‬
‫قصيدي‬

‫‪1‬‬
‫ـ المرجع السابق‪ :‬ص ‪.100‬‬

‫‪79‬‬
‫وألقيت نايي بعيداً‬
‫وبعثرت حزني عميو(‪.)1‬‬
‫إف ىذا الفراغ األبيض بعد كؿ مقطع يدفع المتمقي إلى التكقؼ بعد نياية كؿ مقطع مف‬
‫السكاء‪.‬‬
‫جية‪ ،‬كالتكقؼ لو داللتو كتأثيره عمى ٌ‬
‫إف الفراغ الذم يعقب كؿ كممة ليس "ممسوخاً وال خيالياً‪ ،‬بؿ ىو مشحوف بدوره‪ ،‬يقطع‬
‫المعنى ويشعذه بدرجة عالية مف الكتابة‪ ،‬األمر الذي يتطمب احتراـ توزيع الشاعر"(‪.)2‬‬
‫‪ 1‬ػػػػ ‪ 5‬ػػػػ الفراغ المنقّط‪:‬‬
‫إف التشكيؿ المكاني أضحى داال يحيؿ إلى النفس كانفعاالتيا‪ ،‬كيعبر عف حاالت التكتر‬
‫اإلبداعي كلذلؾ يتكئ الشاعر "ياسيف بف عبيد " عمى الفراغ المنقط في مكاطف عديدة مف‬
‫‪ )24‬ك(تكقيع عمى كثيقة‬ ‫بدءا مف العناكيف مثؿ‪( :‬عائد‪...‬مف سفر التمكيف‪ ،‬ص‬
‫قصائده ن‬
‫جرح‪،!...‬ص ‪ ، )35‬لمتعبير عف حاالت التكتر كليضفي دالالت مصاحبة لمنص الشعرم‪.‬‬
‫كيذا الفراغ المنقٌط في قكلو‪:‬‬
‫يوما‪...‬ويوما تواسيني بالمراسيؿ(‪.)3‬‬ ‫يا جرحيا‪...‬أنت‪...‬ياريحا تبعثرني‬
‫كالذم يعبر عف حالة تكتر الذات المتكمٌمة كيتجسد تكترىا بحالة الغربة كاالغتراب كالكآبة‬
‫اليـ كنازع‬
‫مفرج ٌ‬
‫كالشكؽ لمذات اإلليية‪ ،‬ألف المتصكؼ ال يشكك غربتو إال هلل عز كجؿ فيك ٌ‬
‫الغـ كىك مزيؿ األقراح كاآلالـ كمبحث السعادة كاالنشراح‪.‬‬
‫ٌ‬
‫يقكؿ الشاعر‪:‬‬
‫مضاء(‪.)4‬‬
‫ُ‬ ‫لي ّف‬
‫كبعض كآباتي ُ‬ ‫لعينيؾ أتمو غربتي ‪...‬وقصائدي‬
‫فيذه النقط تحيؿ لمقارئ أف الشاعر يعيش حالة مف التكتر كالغربة مصحكبة بالكآبة كىك‬
‫يشكك لمذات اإلليية عذاباتو كشكقو إلييا‪ ،‬كقد يعبر الفراغ المنقٌط عف المسككت عنو الذم يعمد‬

‫‪ 1‬ـ ٌاسٌن بن عبٌد‪ :‬معلقات على أستار الروح‪ ،‬ص ‪.19‬‬


‫‪ 2‬ـ صالح فضل‪ :‬نبرات الخطاب الشعري‪ ،‬د ط‪ ،‬دار قباء‪ ،‬القاهرة‪ ،1998 ،‬ص ‪.121‬‬
‫‪ 3‬ـ ٌاسٌن بن عبٌد‪ :‬معلقات على أستار الروح‪ ،‬ص ‪.20‬‬
‫‪ 4‬ـ المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.17‬‬

‫‪80‬‬
‫المتمقي إلى استكمالو بمخيمتو‪ ،‬كقد ظير ىذا في بعض القصائد انطالقان مف العنكاف‪( :‬تكقيع‬
‫عمى كثيقة جرح‪.)!...‬‬
‫كيسيـ في خمؽ النص‪ .‬إنو يشارؾ الشاعر في عممية‬
‫فإف المتمقي يستكمؿ الحديث‪ ،‬ي‬
‫اإلبداع‪ ،‬كيمتمؾ حرية أكبر في التأمؿ كالتأكيؿ‪ ،‬تمامان كما يشارؾ في التجربة الشعكرية مف‬
‫ناحية‪ ،‬كيشارؾ بفاعمية بمؿء الفراغات المنقطة المقصكدة بكعي مف الشاعر مف ناحية ثانية‪.‬‬
‫"إف دراسة الفراغ بشكمو المنقّط‪ ،‬تحتاج إلى معرفة إنسانية واسعة لفؾ شفراتيا‪ ،‬وىي‬
‫ارية مف النص الى المتمقي ومف المتمقي إلى النص‪،‬‬
‫معرفة يجب أف تتجسد في قراءة حو ّ‬
‫ارية الواعية تطمؽ مجا ًال واسعاً أماـ المتمقي لممشاركة في العممية‬
‫ومثؿ ىذه القراءة الحو ّ‬
‫إبداعية مشاركة ال تتجاوز حدود التأويؿ وكشؼ الدالالت‪ ،‬فيي في شعر ابف عبيد لـ تأت‬
‫مخيمتو "(‪.)1‬‬
‫عبثية وانما عف قصد وعمد‪ ،‬ورؤيتو وطريقة عمؿ ّ‬
‫نستنتج مف كؿ ما سبؽ أف استعماؿ بف عبيد لفراغ البياض كالفراغ المنقٌط لـ يكف عبثينا‬
‫كالدليؿ عمى ذلؾ التماسنا لحاالت االنفعاؿ التي اعترت الشاعر كىك يعبر عف حاالت الكجد‬
‫كالحب الصكفي تارة كحاالت الحزف كالشكؽ كاالغتراب تارة أخرل‪ ،‬دكف أف ننسى حاالت السكر‬
‫اإلليي كالصحك‪ ،‬ككؿ ىذه المشاعر الصادقة كاالنفعاالت تجعؿ القارئ يتفاعؿ مع ركح‬
‫القصيدة فيحزف لحزف الشاعر كيسعد لسعادتو‪.‬‬
‫ككذلؾ يمكف القكؿ أف الفراغ ال يستقؿ عف مجمؿ البناء الكمي لمقصيدة ذلؾ أنو ال يمثؿ‬
‫كحدة مضافة إلى النص كانما كحدة جكىرية مف كيانو متفاعمة مع سياقو الكمي كتتفاكت‬
‫دالالتيا بحسب النصكص كسياقاتيا المختمفة‪.‬‬
‫إف الشاعر "ياسيف بف عبيد" في ىذه األبيات مثال‪:‬‬
‫داء؟!‬
‫كطي سراب‪...‬والتذكر ُ‬
‫ّ‬ ‫فماذا إذف في ظاللؾ ينطػػػػػوي‬
‫بكاء؟! (‪.)2‬‬
‫إذا لـ يكف لألغنيات ُ‬ ‫وماذا ستجدي ذكريات نزيفيا‬

‫‪ 1‬ـ بلعرٌبً العاٌب‪ :‬جمالٌات المكونات الشعرٌة فً شعر ٌاسٌن بن عبٌد‪ ،‬مذكرة لنٌل شهادة الماجستٌر فً األدب الجزائري‬
‫الحدٌث (مخطوطة)‪ ،‬جامعة الحاج لخضر‪ ،‬باتنة‪ 2008 ،‬ـ ‪ ،2009‬ص ‪.122‬‬
‫‪ 2‬ـ ٌاسٌن بن عبٌد‪ :‬معلقات على أستار الروح‪ ،‬ص ‪.17‬‬

‫‪81‬‬
‫"إيقاؼ البيت في نقطة‬ ‫يجعؿ مف الفراغ عنص انر أساسيان في إنتاج داللية الخطاب كاف‪:‬‬
‫يعضداف بالغة المحو التي تناقض بالغة‬
‫مف انطالقو أو انبثاقو في نقطة ما مف فراغو‪ّ ،‬‬
‫االمتالء في القصيدة التقميدية‪ ،‬ويظؿ البياض‪ ،‬وتبعاً لذلؾ وجياً تتجمير فيو احتماالت كتابة‬
‫منذورة السترساؿ المحو‪ ،‬حيث القارئ وحده يستطيع مؿء الفراغ كؿ مرة يق أر فييا النص‪،‬‬
‫وبتعدد القراءة يتعدد فعؿ الكتابة أيضا"(‪.)1‬‬
‫"معمقات عمى أستار الروح " ليسيف بف عبيد يجعؿ‬ ‫إف حضكر عالمات الترقيـ في ديكاف‬
‫مؤكالن‪ " :‬إذ تعمؿ متضافرة عمى تحديد العالقات بيف أجزاء الخطاب‪ ،‬فعالمة التعجب تثير‬
‫االنفعاؿ‪ ،‬تدفع القارئ إلى التشكيؾ في تقريرية الحدث أك التي ٌكـ‪ ،‬كاالستيزاء‪،‬‬
‫كالمتكاليتاف‪ ..‬تشيراف إلى التكاصؿ كالنقاط المتكالية عمى السكر‪...‬تشير الى استمرار الحدث"(‪.)2‬‬

‫‪ 1‬ـ محمد بنٌس‪ :‬الشعر العربً الحدٌث‪( ،‬بنٌاته وابداالتها)‪ ،‬ج ‪ ،3‬الشعر المعاصر‪ ،‬ط ‪ ، 3‬دار توبقال‪ ،‬دار البٌضاء‪ ،‬المغرب‪،‬‬
‫‪ ،2001‬ص ‪.131‬‬
‫‪ 2‬ـ عبد الرحمان تبرماسٌن‪ :‬البنٌة اإلقاٌعٌة للقصٌدة‪،‬ص ‪.157‬‬

‫‪82‬‬
‫‪ 2‬ػػػػ الثنائيات الضدية‪:‬‬
‫إف المفارقة المعنكية كالمفظية مف مزايا النص الشعرم عامة كالصكفي خاصة‪ ،‬ألنيا‬
‫جعمت منو بنية جدلية فسعت بعض الدراسات النقدية الحديثة إلى تفكيكيا عبر مقاربة البنى‬
‫المغكية المتعارضة لمكشؼ عف أبعاد ىذه المفارقة‪.‬‬
‫أكدع الشاعر الصكفي في نصو الشعرم خالصة تأمالتو في الككف كالكجكد‪ ،‬كتجاربو‬
‫كما أظيرت العقمية الصكفية الخاضعة لمنطؽ الجدالية المتسمة بالشؾ كالتساؤؿ عف مجمؿ‬
‫مكضكعات الحياة كالسيما الراىنة كالمعقدة منيا‪ ،‬كىذه السمة جعمت النص الشعرم الصكفي‬
‫متمي از الحتكائو عمى دالالت مفتكحة ال حصر ليا‪.‬‬
‫ٌ‬
‫اعتمد الفكر الصكفي في إنتاجو لممعاني المتقابمة‪ ،‬المتباينة الغائرة في أعماؽ النفس‬
‫اإلنسانية التي تجسدىا ثنائيات ضدية‪ ،‬فالحياة غريرة عاشيا الصكفيكف ىركبان مف الشعكر‬
‫بالمكت كتربية لمنفس عمى المجاىدة كالمكابدة كالعبادة كالمكت ىاجس ال يبرح مخيمتيـ كالنكر‬
‫كالظالـ مكجكداف جنبان إلى جنب في حياتيـ‪ ،‬فسيركرة الحياة الصكفية يتجاذبيا طرفاف‬
‫متضاداف متكازياف متكافئاف كالعالقة بينيما عالقة نفي كتضاد كقد تككف عالقة إيجاب كتأكيد‬
‫كانسجاـ كالثنائيات المدركسة في ديكاف ياسيف بف عبيد تتمحكر حكؿ‪ :‬الظالـ‪/‬النكر‪،‬‬
‫الكجكد‪/‬العدـ‪ ،‬الحزف‪/‬الفرح‪ ،‬البعد‪/‬القرب‪ ،‬الكشؼ‪/‬الحجاب‪ ،‬االنقباض‪/‬االنشراح‪،‬‬
‫القبض‪/‬البسط‪...‬‬
‫"بف عبيد"‪ ،‬تربط بيف العامؿ‬ ‫كيقكـ ىذا البحث عمى الدراسة النصية لنماذج مف شعر‬
‫النفسي كالبنية الشعرية‪.‬‬
‫لكف قبؿ ىذا يجب أف تتعرض لمفيكـ الثنائيات الضدية‪:‬‬

‫‪83‬‬
‫التضاد‪ " :‬ىو ضد الشيء‪ ،‬خالفو‪ ،‬وقد ضاده‪ ،‬وىما متضاداف‪ ،‬ويقاؿ ضادني فالف إذا خالفؾ‪،‬‬
‫فأردت طوالً فأراد قص ارً‪ .‬وأردت ظممة فأراد نو ارً "(‪ .)1‬أم كركد المعنى أك المفظة في السياؽ‬
‫الشعرم كنقيضيا سمينا كايجابنا‪.‬‬
‫كينظر إلى التضاد في النقد العربي القديـ عمى أنو مرادؼ لمطباؽ كالتكافؤ‪ ،‬فقد جاء في‬
‫قكؿ " ألبي ىالؿ العسكري" عف الطباؽ‪ " :‬أجمع الناس أف المطابقة في الكالـ ىي الجمع بيف‬
‫الشيء وضده‪ ،‬في جزء مف أجزاء الرسالة أو الخطبة أو البيت مف بيوت القصيدة مثؿ الجمع‬
‫الحر والبرد"(‪.)2‬‬
‫بيف البياض والسواد والميؿ والنيار‪ ،‬و ّ‬
‫كنالحظ مف ىذا القكؿ أف ال خالؼ بيف معنى التضاد كمعنى الطباؽ عف التقاء العرب‬
‫القدامى‪.‬‬
‫قولو تعالى‪" :‬فميضحكوا قميالً وليبكوا كثي ارً"(‪.)3‬‬ ‫كيمكف أف نضرب مثاالن لذلؾ في‬
‫"قدامة بف جعفر" تحت نعكت المعاني‬ ‫أما التكافؤ الذم يحمؿ المعنى نفسو فقد أدرجو‬
‫عندما قاؿ‪" :‬ومف نعوت المعاني التكافؤ‪ ،‬وىو أف يصؼ الشاعر شيئاً‪ ،‬أو يذمو ويتكمـ فيو‪،‬‬
‫فيتأتى بمعنييف متكافئيف أي متقابميف‪ ،‬إما مف جية المصادرة أو السمب واإليجاب أو غيرىما‬
‫مف أقساـ التقابؿ"(‪.)4‬‬
‫كيظير لنا مف خالؿ القكؿ أف التضاد يحمؿ مرادفات عديدة منيا‪ :‬التناقض كالتكافؤ‪،‬‬
‫كنعكت المعاني كاستعماليا مف قبؿ الشاعر يككف بتقابؿ مصطمحيف أك أكثر إما بالمصادرة أك‬
‫السمب أك اإليجاب‪.‬‬
‫"الجاحظ" أف قانكف الثنائية الضدية ىك قانكف الحياة كالمعيشة‪ ،‬كأف مككنات الكجكد‬ ‫كرأل‬
‫كيرد ىذه المستكيات الثالثة إلى ثنائية الثابت‬
‫تقكـ بأمكر ثالثة‪ :‬منسجـ كمتغاير كمتضاد‪ٌ ،‬‬

‫‪ ، 2‬دار إحٌاء التراث العربً‪ ،‬بٌروت‪ ،‬لبنان‪( 1992 ،‬مادة‬ ‫‪ 1‬ـ ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪ ،‬تنسٌق وتعلٌق‪ ،‬علً شٌري‪ ،‬ط‬
‫ضدد)‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ أبو هالل العسكري‪ :‬الصناعتٌن‪ ،‬تح‪ :‬مفٌد قمٌحة‪ ،‬ط ‪ ، 1‬دار الكتب العلمٌة‪ ،‬لبنان‪ ،1981 ،‬ص ‪.339‬‬
‫‪ 3‬ـ القرآن الكرٌم‪ :‬سورة التوبة‪ ،‬اآلٌة ‪.82‬‬
‫‪ 4‬ـ قدامى بن جعفر‪ :‬نقد الشعر‪ ،‬تح‪ :‬محمد عبد المنعم خفاجً‪ ،‬د ط‪ ،‬دار الكتب العلمٌة‪ ،‬لبنان‪ ،‬دت‪ ،‬ص ‪ 147‬ـ ‪.148‬‬

‫‪84‬‬
‫"(‪ ،)1‬أم ساكف‬ ‫المتحكؿ كيقكؿ‪" :‬تمؾ األنحاء الثالثة كميا في جممة القوؿ جامد وناـ‬
‫ٌ‬ ‫ك‬
‫كمتحرؾ‪.‬‬
‫ٌ‬
‫المتحرؾ النامي‪ ،‬كلـ‬
‫ٌ‬ ‫"الجاحظ" ما ىك الجامد كما ىك‬ ‫عمى الرغـ مف ذلؾ لـ يظير‬
‫يكضح أف النمك يناىض الجمكد كأف الحركة تناىض السككف‪ ،‬كأف أثر الثنائيات في نفس قائميا‬
‫كبير‪ ،‬كبعدىا النفسي كاضح كدافعيا االجتماعي دعا إلى اعتمادىا صيغة شعرية‪.‬‬
‫"عبد القاىر الجرجاني " أىمية التضاد كأثره في‬ ‫كعمى الرغـ مف تعدد المصطمحات أكد‬
‫السحر في تأليؼ المتباينيف‬
‫تشكيؿ الصكرة الفنية في قكلو‪" :‬وىؿ تشؾ في أنو يعمؿ عمؿ ّ‬
‫حتى يختصر لؾ بعد ما بيف المشرؽ والمغرب ويريؾ التئاـ عيف األضداد‪ ،‬فيأتيؾ بالحياة‬
‫والموت مجموعيف‪ ،‬والماء والنار مجتمعيف‪ ،‬كما يقاؿ في الممدوح ىو حياة ألوليائو‪/‬موت‬
‫ألعدائو‪ ،‬ويجعؿ الشيء مف جية ماء ومف جية أخرى نا ارً(‪.)2‬‬
‫"الجرجاني" فاعمية التضاد في النص الشعرم‪ ،‬كمدل تعالؽ طرفي الثنائية‬ ‫لقد ٌبيف‬
‫كتكامميما‪ ،‬كىذا لـ يبرزه غيره مف النقاد العرب القدماء الذيف اكتفكا بإبراز الصكرة الشعرية‬
‫كأركانيا‪ ،‬كمعناىا المباشر كاكتفكا بتعريؼ الثنائيات كتعدادىا مف غير التركيز عمى أىميتيا‬
‫كأثرىا في نفس قائميا كدكرىا في التشكيؿ الجمالي لمنص الشعرم‪.‬‬
‫األكؿ‪ ،‬كتختزؿ كيانيا‪ ،‬اإلدارم‪ ،‬أم‬ ‫أف لغة القصيدة‪ ،‬تمثؿ سحرىا الجمالي ٌ‬‫كالشؾ ٌ‬
‫جسدىا الذم يدكر بالحركة كالشيكة‪ ،‬كيتضح بالمعنى كالداللة الكحدانية كالفكرية كالفنية‪ ،‬كاٌنيا‬
‫بأف‪" :‬في كؿ قصيدة عربية‬
‫ّ‬ ‫مركز الفتنة كالحيكية في القصيدة كلي مبالغة‪ ،‬كما يبدك‪ ،‬القكؿ‬
‫عظيمة قصيدة ثانية ىي المّغة"(‪.)3‬‬
‫" فالتضاد كمككف استراتيجي في القصيدة يغني النص الشعرم بالتكتر كالعمؽ بما يعكسو‬
‫مف تناقض كتكتر كصراع كتقابؿ بيف أطراؼ المعنى عمكمان‪ ،‬كالشعرية الخصكصية"(‪.)4‬‬

‫‪ 1‬ـ الجاحظ‪ :‬الحٌوان‪ ،‬تح‪ :‬عبد السالم هارون‪ ،‬ط ‪ ، 3‬المجمع العلمً العربً اإلسالمً‪ ،‬لبنان‪ ،1969 ،‬ص ‪.42‬‬
‫‪ 2‬ـ عبد القاهر الجرجانً‪ :‬أسرار البالغة ‪ ،‬ط ‪ ، 1‬مطبوعات المدنً‪ ،‬مصر‪ ،1991 ،‬ص ‪.32‬‬
‫‪ 3‬ـ أدونٌس‪ :‬دٌوان الشعر العربً‪ ،‬الكتاب األول‪ ،‬المكتبة العصرٌة‪ ،‬بٌروت‪ ،1964 ،‬ص ‪ 11‬ـ ‪.12‬‬
‫‪ ، 7‬جامعة محمد خٌضر‪ ،‬بسكرة‪،‬‬ ‫‪ 4‬ـ لخمٌسً شرفً‪ :‬إستراتٌجٌة التضاد وعالقتها بالنزعة الصوفٌة فً شعر عبد هللا العشً‪ ،‬مجلة المخبر‪ ،‬العدد‬
‫الجزائر‪،2011 ،‬ص ‪.267‬‬

‫‪85‬‬
‫يتضح مف خالؿ ىذا القكؿ أف الثنائيات الضدية ركنان أساسيان مف أركاف الخطاب‬
‫الشعرم كبنية لغكية فاعمة في خمؽ تصكرات معينة تجاه مككنات الكجكد‪.‬‬
‫أدونيس" ىي‪" :‬مسألة انفعاؿ والتوتر‬ ‫فالمغة في التعبير الشعرم الحديث كما يراىا‬
‫والؤيا‪ ،‬ال مسألة نحو وقواعد‪.)1("...‬‬
‫"أدونيس" أف المغة ىي أداة يعتمد عمييا الشاعر لمتعبير عف حاالتو‬ ‫كيتضح مف قكؿ‬
‫النفسية كاكتشاؼ غمكضيا‪ ،‬كيقكؿ أيضا "أدونيس" أف‪" :‬التضاد كإستراتيجية بناء يتجمّى في‬
‫الديواف عمى شكؿ حشود مف الحركات الصغرى التي تنيض عمى التقابؿ الكمّي‪ ،‬حيث تدخؿ‬
‫عالقة تجاذب وتقاطع وتشابؾ"(‪.)2‬‬
‫"أدونيس" في المنظكر الحديث تحدث التكتر فيك حيف يشعر بالتكتر‬ ‫معناه أف المغة عند‬
‫يمده بالحركة كالسيركرة كالديمكمة‪ ،‬فتستكجب بذلؾ مفارقات الحياة اليكمية كالدخكؿ في‬
‫ٌإنما ٌ‬
‫تعد مسألة نحك كقكاعد كيرد في ىذا‬
‫عكالـ الشاعر كمكبكتاتو فيي إذف مسألة أعمؽ مف أف ٌ‬
‫التقابؿ أف التصكؼ كمحاكلة لتأسيس كضعية ركحية ينشط كيتكامؿ تحت التأثير ديالكتيؾ‬
‫كجداني يتسـ بتقابؿ األطراؼ كتعارض أحكاؿ الكجداف دكف االتجاه إلى القضاء عمييا برفعيا‬
‫إلى تركيب يككف حدنا ثالثنا‪ ،‬لممتقابميف بإفناء أم منيما في األخر"(‪.)3‬‬
‫أنواع التضاد في ديواف "معمقات عمى أستار الروح"‪:‬‬
‫القكم لظاىرة التضاد في ىذا الديكاف يدفع إلى السؤاؿ عف نكعو كليس‬
‫ٌ‬ ‫إف الحضكر‬
‫القصد بو التضاد التقميدم بحسب تقابؿ الكممات كالذم يتكزع إلى طباؽ كمقابمة‪ ،‬لكف المقصكد‬
‫بو طبيعة التضاد مف حيث اختيار المفظ عمى سبيؿ االشتراؾ أك التكزيع (‪.)4‬‬

‫‪ 1‬ـ أدونٌس‪ :‬زمن الشعر‪ ،‬د ط‪ ،‬دار العودة‪ ،‬بٌروت‪ ،‬لبنان‪ ،1978 ،‬ص ‪.18‬‬
‫‪ 2‬ـ المرجع نفسه‪ :‬ص ن‪.‬‬
‫‪ ،1994‬ص ‪ 174‬ـ‬ ‫‪ 3‬ـ ٌنظر‪ :‬عاطف جودة نصر‪ ،‬شعر عمر ابن الفارض‪ ،‬د ط‪ ،‬منشأة المعارف باالسكندرٌة‪ ،‬مصر‪،‬‬
‫‪.175‬‬
‫‪ 4‬ـ ٌنظر‪ :‬محمد الهادي الطرابلسً‪ ،‬خصائص األسلوب فً الشوقٌات‪ ،‬منشورات الجامعة التونسٌة‪ ،1981 ،‬ص ‪.98‬‬

‫‪86‬‬
‫أ ػػػػ التضاد المغوي‪ :‬يعرفو "اليادي الطرابمسي" بأنو‪" :‬استعماؿ لفظيف اثنيف متضاديف بحكـ‬
‫الوضع المغوي‪ ،‬ال يشترؾ معيما في ذلؾ ثالث" (‪ ،)1‬كمف ىذا التضاد في الديكاف مقابمة‪ :‬البعد‬
‫بالقرب االنقباض ‪/‬باالنشراح‪ ،‬الحزف‪/‬بالفرح‪...‬‬
‫ب ػػػػ التضاد السياقي‪ :‬يعرفو "الطرابمسي" بأنو‪ :‬كؿ مقابمة كانت عالقة المتقابميف فيما‬
‫توزيعية"(‪ ، )2‬فتقابؿ طرفي الثنائية في ىذا النكع مف التضاد ليس مرجعو إلى الكضع المغكم‪،‬‬
‫كانما ىك عائد إلى أسمكب الشاعر كحده‪.‬‬
‫ثنائيات الحزف والفرح‪:‬‬
‫األغنيات‬ ‫بكاء‬
‫تكاسيني‬ ‫الفرح‬ ‫تبعثرني‬ ‫الحزف‬
‫النغـ‬ ‫األحزاف‬
‫عرس‬ ‫الحزف‬
‫الفرح‬ ‫المر‬
‫ٌ‬

‫إذا لـ يكف لألغنيات‪/‬بكاء (‪.)3‬‬ ‫كماذا ستجدم ذكريات نزيفيا‬


‫يكما‪..‬كيكما تكاسني بالمراسيؿ(‪.)4‬‬ ‫يا جراحيا‪..‬أنت‪..‬يا ريحا تبعثرني‬ ‫الحزف≠ الفرح‬
‫مخضكضبا نازؼ األحزاف‪/‬كالنغـ (‪.)5‬‬ ‫ال بد مف كلو كنابو جسدنا‬
‫عرس‪/‬الحزف في مقمتيو (‪.)6‬‬
‫المر؟‬
‫كمعي كلد الفرح‪ٌ /‬‬

‫‪ 1‬ـ المرجع السابق‪ :‬ص نفسها‪.‬‬


‫‪ 2‬ـ نفسه‪ :‬ص ‪.102‬‬
‫‪ 3‬ـ ٌاسٌن بن عبٌد‪ :‬معلقات على أستار الروح‪ ،‬ص ‪.17‬‬
‫‪ 4‬ـ المصدر نفسه‪ :‬ص ‪.20‬‬
‫‪ 5‬ـ نفسه‪ :‬ص ‪.27‬‬
‫‪ 6‬ـ نفسه‪ :‬ص ‪.44‬‬

‫‪87‬‬
‫كمما يمكف استقصاءه مف ىذه الثنائيات أف الشاعر يعيش حاالت اضطراب مختمفة‬
‫منيا حالتي الحزف كالفرح‪ ،‬فإذا أحس بالغربة كالكحشة كالحنيف‪ ،‬يطمؽ آىاتو ليعبر عف شكقو‬
‫لمذات اإلليية كلكف عندما يقترب منيا يرتعش فرحنا كسرك نار لمقائيا‪ ،‬كمشاىدتيا كدخكلو في‬
‫غيبكبة كجدانية ال يراىا كال يتذكقيا إال العارؼ‪.‬‬
‫كىذا االضطراب أدل بالشاعر الستعماؿ ىذه الثنائيات الضدية لتقريب الشعكر‬
‫األكؿ جمع الشاعر‬
‫كاإلحساس بالتجربة التي يعيشيا‪ ،‬كحجـ المعاناة التي يعانييا‪ ،‬ففي البيت ٌ‬
‫بيف متناقضيف ىما األغنيات‪ /‬البكاء‪ ،‬فالغناء يسمتزـ الفرح‪ ،‬كجمع الشاعر بيف متناقضيف ىما‬
‫األغنيات‪ /‬البكاء‪ ،‬فالغناء يسمتزـ الفرح‪ ،‬كالبكاء يسمتزـ الحزف فالشاعر يصكر لنا عذاباتو مف‬
‫شكؽ كحنيف لمذات اإلليية فيك عندما يتذكرىا يفرح كيغني سعادة أما عندما يتكقؼ خيالة‬
‫المر فيك يحزف كيبكي عذاباتو‪.‬‬
‫كيعكد إلى الكاقع ٌ‬
‫فالشاعر ىنا يجمع بيف المتناقضات كبالتالي فإف الشعر يعمؿ عمى تأليؼ المتبايف‪ ،‬كىك‬
‫الركاية‪ ،‬حيث يتـ‬
‫ما أسمتو "كريستيفا" بتناغـ االنزياحات‪ ،‬كىذا ما ظير حسب الناقدة مع ٌ‬
‫الربط بيف الدليميف المتعارضيف في األصؿ كالمذيف يشكالف الحمقة المكضكعاتية‪ :‬حياة ‪/‬مكت‪،‬‬
‫خير‪/‬شر‪.)1(...‬‬
‫ثنائيات القرب والبعد‪:‬‬
‫راحت‬ ‫جاءت‬
‫ابتعدت‬ ‫البعد‬ ‫تقترب‬ ‫القرب‬
‫رحمتو‬ ‫استقر‬
‫تنسحب‬ ‫تقترب‬

‫‪ ، 1‬دار توبقال للنشر‪ ،‬المغرب‪،‬‬ ‫‪ 1‬ـ ٌنظر‪ :‬جولٌا كرٌستٌفا‪ :‬علم النص‪ ،‬تر‪ :‬فرٌد الزاهً‪ ،‬مراجعة عبد الجلٌل ناظم‪ ،‬ط‬
‫‪ ،1991‬ص ‪.35‬‬

‫‪88‬‬
‫(‪.)1‬‬ ‫كالريح راحت كجاءت بالتياكيؿ‬ ‫ىنا التقتني عمى شكؽ بيا امرأة‬
‫تغتالني بالتثني حيف تقترب(‪.)2‬‬ ‫تغتالني بتثنييا إذا ابتعدت‬ ‫القرب ≠ البعد‬
‫بكاه أب رحمتو الغياىب فييا أستقر (‪.)3‬‬
‫كانت تقترب أقصانا كتنسحب (‪.)4‬‬ ‫ضاؽ المكاف كضاقت كؿ أزمنة‬
‫الدالة عمى البعد (راحت‪ ،‬ابتعدت‪ ،‬رحمة‪ ،‬تنسحب) تقابميا الكممات الدالة عمى‬
‫فالكممات ٌ‬
‫القرب (جاءت‪ ،‬تقترب‪ ،‬استقر‪ ،‬تقترب) استعمؿ الشاعر ىذه الثنائيات الضدية لكصؼ قرب‬
‫كبعد الحبيبة منو فيي كمٌما اقتربت منو راح يعبر عف سعادتو لعالقاتيا كفجأة تغادر دكف‬
‫استشارتو فتضيؽ بو األرض كيتطمع بذلؾ إلى عكالـ أك حب حيث االرتكاء بفيض الحب‬
‫اإلليي‪ ،‬ال يعرؼ حقيقتيا سكل المتصكؼ العارؼ‪.‬‬
‫كفي سياؽ آخر يقكؿ الشاعر‪:‬‬
‫تقوؿ لي بال لغة‪:‬‬
‫يا سيدي أنت أنا‬
‫كشؼ‪ /‬حجاب‪.)5(!...‬‬
‫ٌ‬ ‫وبيننا‬
‫فاستعماؿ الشاعر لمثنائية الضدية كشؼ‪/‬حجاب ليا داللة عميقة في القصيدة‪ ،‬فالصكفي‬
‫يتحمٌى باألخالؽ كالشيـ المحدكدة كيتخمٌى عف الصفات المذمكمة كالسمككات التي تغضب اهلل‬
‫عز كجؿ‪ ،‬كيسعى جاىدان لنيؿ رضاه لكي يحدث الكشؼ المنتظر بعد الستر‪ ،‬إذا يفتح اهلل عمى‬
‫عبده بعد الستر فيكشؼ لو بعض المغيبات كيظير لو أنكار المشاىدة‪.‬‬

‫‪ 1‬ـ ٌاسٌن بن عبٌد‪ :‬معلقات على أستار الروح‪ ،‬ص ‪.21‬‬


‫‪ 2‬ـ المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.32‬‬
‫‪ 3‬ـ نفسه‪ :‬ص ‪ 32‬ـ ‪.33‬‬
‫‪ 4‬ـ نفسه‪:‬ص ‪.44‬‬
‫‪ 5‬ـ المصدر السابق‪ :‬ص ‪.16‬‬

‫‪89‬‬
‫كفي مكضع مغاير يقكؿ‪:‬‬
‫وحدؾ تأتيني‬
‫فارغا منؾ حتى يطيب المقاء‬
‫مدخؿ الصدؽ أدخمني‬
‫مخرج الصدؽ أخرجني (‪.)1‬‬
‫الضدية كىي (مدخؿ‪/‬مخرج) كفييا داللة عمى الذكباف‬
‫ٌ‬ ‫نالحظ استعماؿ الشاعر لمثنائية‬
‫الكمٌي في الذات اإلليية كالتطمع لعالـ مشرؽ فيك يناشد المحبكب أف يدخمو مدخؿ صدؽ أم‬
‫المكت كاليجرة إليو بعد طكؿ انتظار ككذلؾ يخرجو مخرج صدؽ كيعني الحياة العمكية‬
‫السماكية كالفردكس المنشكدة بعد المكت‪.‬‬
‫ككذلؾ يقكؿ‪:‬‬
‫وتنفضني انقباضاً وانشراحاً (‪.)2‬‬ ‫تورطني عيونؾ في دمائي‬
‫كابف الفارض" و"ابف‬ ‫فاالنقباض كاالنشراح مف المصطمحات الرائجة عند المتصكفة "‬
‫عربي" فالشاعر ىنا ينيؿ مف التراث العربي القديـ كيأخذ منو ما ييكاتي تجربتو فاالنقباض عكس‬
‫األكؿ يستمزـ حدكث الثاني كالعكس صحيح‪.‬‬‫االنشراح كحدكث ٌ‬
‫"بف عبيد" يحمٌؽ بجناحي الثنائيات الضدية لممتصكفة مف انكشاؼ كستر‬ ‫فالشاعر‬
‫كانقباض كانشراح‪ ،‬كقبض كبسط‪ ،‬ضمف محاكلة لتحقيؽ الككنية ضمف أفؽ جديد ىك الحب‬
‫اإلليي الممزكج بنظرة استاطيقيا اإلدراؾ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫ـ ٌاسٌن بن عبٌد‪ :‬معلقات على أستار الروح‪ ،‬ص ‪.46‬‬
‫‪2‬‬
‫ـ المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.28‬‬

‫‪90‬‬
‫‪ 3‬ػػػػ العتبات النصية‪:‬‬
‫‪ 3‬ػػػػ ‪ 1‬ػػػػ دراسة العنواف‪:‬‬
‫تعريؼ العنواف‪:‬‬
‫ػػػػ لغة‪ :‬تندرج كممة "عنكاف" في القكاميس العربية ضمف باب (ع‪.‬ف‪.‬ف) أك باب (ع‪.‬ؿ‪.‬م)‪.‬‬
‫عف لؾ منيا إذا نظرت إلييا‪ ،‬أم‬
‫ػػػػ وجدناه في باب (عنف) مادة (ع‪.‬ف‪.‬ف)‪ :‬عناف السماء ما ٌ‬
‫كعف الكتاب‪ ،‬يعنو‬
‫ما بدا منيا (‪ )...‬كعننت الكتاب كأعننتو لكذا أم عرضتو‪ ،‬كصرفتو إليو‪ٌ ،‬‬
‫يعف الكتاب مف‬
‫عنا‪ ،‬كعننتو‪ ،‬كعنكنو‪ ،‬كعنكننتو‪ ،‬كعمكنتو بمعنى كاحد (‪ )...‬كسمي عنكانان ألنو ٌ‬
‫ناحيتو"(‪.)1‬‬
‫نفيـ مف ىذا الكالـ أف العنكاف ىك ما يظير في السماء إذا نظرنا إلييا‪ ،‬كما نجده فييا‬
‫مف سحب‪ ،‬كغيمة‪ ،‬كنجكـ‪ ،‬كشمس‪ ،‬أما في الكتاب‪ ،‬فيك منسكب إليو كمفتاح الكلكج إلى‬
‫محتكاه‪.‬‬
‫"وعموف الكتاب عمونة وعمواناً‪ :‬عنونو‪ ،‬عمواف الكتاب‪ ،‬عنوائو يسمى بو ألنو يعموه" (‪.)2‬‬
‫كىذا التعريؼ يكضح لنا أف العنكاف ىك الذم يأتي عمى رأس كؿ مكتكب‪ ،‬كىك فاتحتو فيعمكه‪.‬‬
‫"ويقاؿ لمرجؿ الذي يعرض وال يصرح‪ ،‬قد جعؿ كذا عنواناً لحاجتو كأنشد‪:‬‬
‫وفي جوفيا صمعاء تحكي الدواىي "(‪.)3‬‬ ‫وتعرؼ في عنوانيا بعض لحنيا‬
‫ما نستنج أف العنكاف تمميح دكف تصريح‪.‬‬
‫قاؿ "ابف بري"‪" :‬كالعنكاف‪ :‬األثر‪ ،‬قاؿ سكر بف المضرب‪:‬‬
‫كحاجة دكف أخرل منحت بيا كجعمت لمتي أخفيت عنكانا (‪.)...‬‬
‫"حساف بف ثابت"‬ ‫قاؿ‪ :‬ككمما استدلمنا بشيء تظيره عمى غيره فيك عنكاف لو‪ ،‬كما قاؿ‬
‫يرثي "عثماف رضي اهلل" عنو‪:‬‬
‫يقطع الميؿ تسبيحاً وقرآنا (‪)...‬‬ ‫ضحو بأمشط عنواف السجود بو‬

‫‪ 1‬ـ ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪ ،‬مج ‪ ، 4‬دار صادر للطباعة والنشر‪ ،‬بٌروت‪ ،1997 ،‬ص ‪.4449‬‬
‫‪ 2‬ـ المعلم بطرس‪ :‬محٌط المحٌط‪ ،‬ط ‪ ، 2‬مكتبة لبنان ناشرون‪ ،‬لبنان‪ ،1998 ،‬ص ‪( 63‬باب علً)‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ ابن منظور‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص نفسها‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫كقاؿ "الرواسي"‪ :‬لمف طمؿ كعنكاف كتاب ببطف أكاؽ‪ ،‬أك قرف الذىاب"(‪.)1‬‬
‫نستنتج مف التعاريؼ السابقة أف العنكاف ىك عالمة سيميائية كظاىرة تنضكم تحتيا‬
‫أشياء يجب عمى القارئ أك المتمقي أف يفؾ شفراتيا كرمكزىا‪.‬‬
‫"العنواف ىو اسـ معطى‬ ‫نجد في المقابؿ التعريؼ المغكم في القكاميس األجنبية أف‪:‬‬
‫لعمؿ أو لجزء منو يعرفنا بالموضوع ويحيمنا عمى المحتوى"(‪.)2‬‬
‫يبيف محتكل المؤلٌؼ‪ ،‬أك جزء منو كىك بمثابة تمخيص‬
‫نفيـ مف ىذا التعريؼ أف العنكاف ٌ‬
‫كفكرة سطحية عنو‪.‬‬
‫(‪ ،...)Expression‬تستعمؿ في تحديد‬ ‫كيعرؼ العنكاف أيضنا بأنو‪" :‬كممة‪ ،‬جممة معبرة‬
‫مكتكب أك أحد أجزائو بدقة‪ ،‬عمؿ أدبي أك فني أك حصة‪...‬الخ"(‪.)3‬‬
‫معبرة‬
‫نفيـ مف ىذا الكالـ أف العنكاف قد يككف كممة تعد مفتاحان لو كقد يككف كذلؾ جممة ٌ‬
‫قد تطكؿ كقد تقصر‪ .‬كما تكضح لنا القكاميس الحديثة المعنى نفسو تقريبا‪ ،‬فالعنكاف ىك‪" :‬كممة‬
‫معبرة في بداية كتاب أك مكتكب )‪ (Un livre ou un écrit‬أك في أجزائيما (‪ )...‬كىي التي‬
‫تعرؼ بالمكضكع (‪.)4( )Et qui en fait connaitre le sujet‬‬
‫ٌ‬
‫ال في‬
‫نجد مف خالؿ التعريفيف أف العنكاف ذك طبيعة تفسيرية كما‪ :‬أنو قد يككف مظمٌ ن‬
‫و‬
‫كمغر في جانب آخر‪.‬‬ ‫جانب‬
‫وفي متف المغة‪:‬‬
‫" ىو رأس العتبات وعميو مدار التحميؿ إذ ال ولوج إلى النص إال مف خاللو‪ ،‬فيو أشبو‬
‫بعتبة المنزؿ التي تربط الداخؿ بالخارج وتوطأ عند الدخوؿ"(‪.)5‬‬

‫‪1‬‬
‫ـ ابن منظور‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.4450‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Dictionnaire Encyclopédique de L/F, le Maxi dico, Edition de la connaissance, Paris, 1966, P 1096.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Petit Larousse, librairie Larousse, Paris, Cedex, 1998, P 169.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Larousse Enyclopédique en couleurs, Edition du club, France loisirs, Paris, 1993, P 9112.‬‬
‫‪ ،1‬النادي األدبً الثقافً‪ ،‬جدّة‪ ،‬مملكة العربٌة السعودٌة‪،2002 ،‬‬ ‫‪ 5‬ـ معجب العدوانً‪ :‬تشكٌل المكان وظالل العتبات‪ ،‬ط‬
‫ص‪.7‬‬

‫‪92‬‬
‫اصطالحا‪:‬‬
‫اختمفت اآلراء حكؿ تحديد تعريؼ شامؿ كجامع لمعنكاف كذلؾ الختالؼ المنطمقات‬
‫ظر‪.‬‬
‫الفمسفية كالمرجعيات الفكرية لكؿ ناقد كمن ٌ‬
‫"جوف كوىيف" (‪ )Jean Cohen‬فإنو يعتبر العنكاف‬ ‫كاذا بدأنا التعريؼ االصطالحي مف‬
‫مف مظاىر الكصؿ كاإلسناد كالقكاعد المنطقية فيقكؿ‪" :‬إف طرفي الوصؿ ينبغي أف يجمعيما‬
‫مجاؿ خطابي واحد‪ ،‬يجب أف تكوف ىناؾ فكرة ىي الموضوع المشترؾ وغالبا ما قاـ عنواف‬
‫الخطاب بيذه الوظيفة‪ ،‬إنو يمثؿ المسند إليو‪ ،‬أو الموضوع العاـ‪ ،‬وتكوف كؿ األفكار الواردة‬
‫في الخطاب مسندات لو‪ ،‬إنو الكؿ الذي تكوف ىذه األفكار أجزاءه ونالحظ مباشرة‪ ،‬أف كؿ‬
‫خطاب نثري عمميا كاف أـ أدبيا يتوفر دائماً عمى عنواف‪ ،‬في حيف أف الشعر يقبؿ االستغناء‬
‫عنو"(‪.)1‬‬
‫"جوف كوىيف" لـ يبتعد عف التعريؼ المغكم األجنبي‪ ،‬ألنو‬ ‫نالحظ مف ىذا القكؿ أف‬
‫أف كؿ األفكار‬
‫يعتبر العنكاف بمثابة الفكرة العامة التي تحيط بالمكضكع كتعطي داللتو األكلية‪ ،‬ك ٌ‬
‫فني عمميان كاف‬
‫التي تأتي بعده تعتبر مسندات لو‪ ،‬كىك كذلؾ (العنكاف) ضركرم في أم عمؿ ٌ‬
‫أـ أدبينا‪.‬‬
‫ككما سبقنا لمذكر أف نظرة كؿ ناقد لمعنكاف تتغير كفؽ منطمقاتو الفمسفية كمرجعياتو‬
‫الفكرية‪ ،‬كتبعنا لممدرسة التي ينتمي إلييا‪ ،‬كيرل "روبرت شولز" )‪ (Robert Choulse‬عكس ذلؾ‬
‫أف‪" :‬العنكاف كحده لف يؤلؼ النص الشعرم‪ ،‬كليس في كسع العنكاف‪ ،‬كالنص الشعرم معنا أف‬

‫يخمقا قصيدة بمفردىا فالكممات المكتكبة عمى الصفحة ال تشكؿ عمالن شعريان مكتمالن كمكتفيان‬
‫فعالة مف قارئ مطمع‬
‫بذاتو بؿ تشكؿ نصنا‪ ،‬أك مخططنا‪ ،‬أك إطا نار عامنا ال يكتمؿ إال بمشاركة ٌ‬
‫عمى نكع مف المعمكمات الصحيحة"(‪.)2‬‬

‫‪ 1‬ـ جان كوهن‪ :‬بنٌة اللغة الشعرٌة‪ ،‬تر‪ :‬محمد الولً محمد العمري‪ ،‬د ط‪ ،‬دار توبقال للنشر‪ ،‬المغرب‪ ،‬د ت‪ ،‬ص ‪.161‬‬
‫‪ 19‬و ‪ ، 20‬مركز‬ ‫‪ 2‬ـ روبرت شولز‪ :‬سٌمٌائٌة النص الشعري ‪ ،‬تر‪ :‬سعٌد الغانمً‪ ،‬مجلة العرب والفكر العالمً‪ ،‬العددان‬
‫اإلنماء القومً‪ ،1992 ،‬ص ‪ 175‬ـ ‪.176‬‬

‫‪93‬‬
‫"شولز" يرل أف العنكاف كحده غير مكتمؿ الداللة كالمعنى‬ ‫نالحظ مف ىذا القكؿ أف‬
‫بمعزؿ عف القارئ‪ ،‬الذم يعتبره األساس الذم يفؾ شفراتو‪ ،‬كالقارئ بالنسبة إليو يجب أف يككف‬
‫ال لرصيد معرفي قبمي لممكركث الذم ينتمي إليو العنكاف كالنص الشعرم‪ ،‬كيتطمب كذلؾ‬
‫حام ن‬
‫ميارة عالية في التأكيؿ كالفيـ‪.‬‬
‫رماني" أف‪ " :‬العنواف يجعؿ النص داللة كمية تنطوي عمى أبعاد‬
‫"إبراىيـ ّ‬ ‫قد كرد في قكؿ‬
‫عميقة تحوي معاني شاممة وىو الكممة التي تختصر التفاصيؿ وتجمع األشتات‪ ،‬وىو البداية‬
‫والنياية والجوىر الذي تدور في مداره عناصر القصيدة "(‪.)1‬‬
‫"إبراىيـ رماني" أنو يحمؿ مف العنكاف الكؿ الجامع لمعاني النص‪ ،‬الداخمي‬ ‫نفيـ مف قكؿ‬
‫تصكر ألنو‬
‫كمضامينو‪ ،‬فيك البداية كالنياية كالجكىر الذم تدكر حكلو عناصر القصيدة‪ ،‬كىذا ٌ‬
‫يمكف أف يرد في القصيدة ما لـ يرد في العنكاف‪ ،‬كقد‪" :‬يجد القارئ نفسو في ىذه الحالة أماـ‬
‫مشكمة عويصة الستحالة التوافؽ بيف النص الشعري والعنواف"(‪.)2‬‬
‫كىذا معناه أف القارئ يستعيف بمخزكنو الثقافي كاألدبي لتأكيؿ العنكاف كالبحث عف نقاط‬
‫تمحؿ كتكمٌؼ‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫االشتراؾ بيف النص كالعنكاف دكنما‬
‫كمع ذلؾ نجد أف العنكاف طاقة انفجارية لمنص الشعرم لما يحممو مف معاف كأفكار‪ ،‬فيك‬
‫يعد حمكلة مكثفة لممضاميف األساسية‬
‫يقكؿ في لحظة ما ال يقكلو النص في ساعات كبالتالي ٌ‬
‫لمنص كىك كجو لمنص‪ ،‬فيك مفتاح أساسي يفتح لمقارئ الباب لمدخكؿ إلى مضمكف النص ألجؿ‬
‫تأكيمو‪ ،‬فيك أداة تساعدنا عمى تفكيؾ النص كيسيؿ دراستو مف خالؿ تفكيكو كتقديمو لممعارؼ‬
‫كالمعمكمات‪ ،‬كازالة الغمكض كالتعقيد فيو(‪.)3‬‬
‫فالعنكاف إذف األساس الذم تدكر حكلو‪ :‬أنظار القارئ‪ ،‬فيؤكؿ كيفسر حسب معطيات ىذا‬
‫النص الصغير‪ ،‬أما إذا كاف ىذا األخير مراكغان فيضطر القارئ حينيا إلى الكلكج إلى قمب‬

‫‪ 1‬ـ إبراهٌم رمانً‪ :‬أوراق فً النقد األدبً‪ ،‬ط ‪ ، 1‬دار الشهاب‪ ،‬باتنة‪ ،‬الجزائر‪ ،1985 ،‬ص ‪.186‬‬
‫‪ 2‬ـ الطٌب بودربالة‪ :‬السٌمٌاء والنص األدبً‪ ،‬محاضرات الملتقى الوطنً الثانً‪ ،‬منشورات الجامعة‪ ،‬بسكرة‪ ،‬الجزائر فً ‪15‬‬
‫و‪ 16‬أفرٌل ‪ ،2000‬ص ‪.24‬‬
‫‪ 3‬ـ ٌنظر‪ :‬محمد مفتاح‪ :‬دٌنامٌكٌة النص (تنظٌر وانجاز)‪ ،‬ط ‪ ، 2‬المركز الثقافً العربً‪ ،‬بٌروت‪ ،‬لبنان‪ ،1990 ،‬ص‪.72‬‬

‫‪94‬‬
‫النص ليستشؼ معانيو الخفية متكأ عمى مخزكنو الثقافي‪ ،‬كبذلؾ تبرز العالقة بيف العنكاف‬
‫كالنص متينة ألف‪" :‬العنواف مرتبط ارتباطاً عضوياً بالنص الذي يعنونو‪ ،‬فيكممو وال يختمؼ‬
‫معو ويعكسو بأمانة ودقة"(‪.)1‬‬

‫ألنو يعتبر محك انر لكلبيان‬


‫كبذلؾ نجد أف العنكاف بحاجة أكثر لمقراءة‪ .‬لفيـ أسرار النص‪ٌ ،‬‬
‫تدكر حكلو معاني القصيدة (النص)‪.‬‬
‫معمقات عمى أستار الروح" نجد بأف لو‬ ‫كفي نفس المنحى‪ ،‬كبالعكدة إلى عنكاف الديكاف‪" :‬‬
‫عالقة مع مضمكف الديكاف‪ ،‬كفؽ الرؤية الصكفية لو‪ ،‬كما يحممو مف دالالت كاضحة المعنى‪،‬‬
‫فيك بمثابة سؤاؿ كالنص كإجابة لو‪ .‬فيك إشارة كتمميح ‪ ،‬باإلضافة إلى ككنو العنكاف الرئيسي‬
‫الذم يحيؿ بنا إلى العناكيف الفرعية المشكمة لو بنبض صكفي كتقاطع في المعنى‪ ،‬كبالتالي فيك‬
‫يفتح الشيية لمقارئ مف خالؿ التساؤالت التي تدكر في ذىنو كبالذات يحاكؿ الكصكؿ إلى إجابة‬
‫لتساؤالتو فيك بمثابة الرأس في الجسد‪.‬‬
‫كمف خالؿ كؿ التعاريؼ السابقة نمحظ أف العنكاف لو عالقة كطيدة بالنص لككنو يحمؿ‬
‫أسرار النص بيف ثناياه‪ ،‬كأف لو قيمة كبرل في تغطية محتكل النص‪ ،‬كما أنو عنصر جاذب‬
‫"عالمة لغوية تعمو النص لتمسو وتحدده‪ ،‬وتغري‬ ‫لمقارئ ألنو يدفعو إلى قراءة النص كألنو‪:‬‬
‫القارئ بقراءتو‪ ،‬فمو ال العناويف لظمّت كثير مف الكتب مكدسة في رفوؼ المكاتب‪ ،‬فكـ مف‬
‫كتاب كاف عنوانو سبباً في ذيوعو وانتشاره‪ ،‬وشيرة صاحبو‪ ،‬وكـ مف كتاب كاف عنوانو‪ ،‬وبا ًال‬
‫عميو وعمى صاحبو"(‪.)2‬‬
‫كبالعكدة دائما إلى عنكاف الديكاف الذم ىك مكضكع دراستنا نالحظ أنو يحمؿ أسرار‬
‫النص فمو دكر في تغطية مضمكف الديكاف‪ ،‬باعتباره عنص ار يمفت انتباه القارئ بمجرد قراءتو‪،‬‬

‫‪ ،1‬دٌوان‬ ‫‪ 1‬ـ عبد المالك مرتاض‪ :‬تحلٌل الخطاب السردي ( معالجة تفكٌكٌة سٌمٌائٌة مركبة لرواٌة زقاق المدن)‪ ،‬ط‬
‫المطبوعات الجامعٌة‪ ،‬بن عكنون ‪ ،‬الجزائر‪،1975 ،‬ص ‪.277‬‬
‫‪ 2‬ـ عبد القادر رحٌم‪ :‬سٌمٌائٌة العنوان فً شعر مصطفى محمد الغماري‪ ،‬مذكرة لنٌل شهادة الماجستٌر‪ ،‬جامعة بسكرة‪،‬‬
‫الجزائر‪ 2004 ،‬ـ ‪،2005‬ص ‪.26‬‬

‫‪95‬‬
‫"معمقات عمى أستار الروح" بشتى مدلكالتو كما يعكسو في‬ ‫كىكذا نصؿ إلى دراسة عنكاف‬
‫الديكاف مف قيـ جمالية كفنية كعالقة العنكاف الرئيسي بالعناكيف الفرعية‪.‬‬
‫الدالالت األولية لمعنواف في مجموعة "معمقات عمى أستار والروح"‪:‬‬
‫ىك عبارة مف جممة اسمية تخمك مف األفعاؿ ‪ ،‬فيي تتككف مف مبتدأ كخبر جاء عف‬
‫طريؽ شبو جممة مف جار كمجركر كىي كاآلتي‪:‬‬
‫معمقات‪ :‬مبتدأ مرفكع كعالمة رفعو الضمة الظاىرة عمى آخره‪.‬‬
‫عمى‪ :‬حرؼ جر‪.‬‬
‫جره الكسرة الظاىرة عمى آخره‪ .‬كىك مضاؼ‬
‫أستار‪ :‬اسـ مجرك بػ "عمى" كعالمة ٌ‬
‫جره الكسرة الظاىرة عمى أخره‪.‬‬
‫الروح‪ :‬مضاؼ إليو مجركر كعالمة ٌ‬
‫"معمقات عمى أستار الروح" لو داللة إيحائية‪ ،‬كىي‬ ‫كانطالقان مف ىنا نجد أف العنكاف‬
‫الجر كعدـ الرجكع إلى الكراء‪ ،‬معناه السير نحك المستقبؿ في اتخاذ ق اررات صائبة‪ ،‬كىك إتباع‬
‫ٌ‬
‫لطريؽ الصكفية كعدـ النظر إلى الحياة العادية‪ ،‬أم ترؾ الممذات كبمكغ سبؿ الصكفية في‬
‫كجؿ ألف الشعر الصكفي مرتبط ارتباطان كثيقان بالتجربة كحب اهلل كالعقيدة‬
‫عز ٌ‬‫تكحيد اهلل ٌ‬
‫اإلسالمية‪.‬‬
‫بف‬ ‫فيذا العنكاف كأداة فاعمة مساعدة عمى تفكيؾ مضمكف الديكاف‪ ،‬فيك ميـ في تجربة "‬
‫عبيد"‪ ،‬كلو دالالت متعددة‪ ،‬فيك بمثابة الرأس مف الجسد‪ ،‬كليس كاسـ اإلنساف بعد الكالدة ألنو‬
‫قد ال يككف مطابقنا لو‪.‬‬
‫فما يككف تحت العنكاف داؿ عميو كمتصالن بو مف حيث األفكار كالكممات كالحركؼ‪،‬‬
‫لذلؾ اختار "بف عبيد" ىذا العنكاف ألنو نافذة ييط ٌؿ مف خالليا عمى مكاضيع الديكاف‪.‬‬
‫بأنو يؤمف بالثالثية‬
‫"معمقات عمى أستار الروح"‪ ،‬نجد ٌ‬ ‫كمف خالؿ إمعاننا في داللة عنكاف‬
‫الصكفية القائمة بالتحمي كالتخمي كالتجمي‪ ،‬كمعنى ىذا أف المتصكفة ممزمكف بالتحمي بالصفات‬
‫الحميدة كالتخمي عف ممذات الدنيا كمغرياتيا كشيكاتيا‪ ،‬ليحدث التجمي كىك السمك إلى الذات‬
‫اإلليية كرؤية جماليا بعد كشؼ الستار أك الحجاب بينيـ كبيف اهلل‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫كفي سياؽ مماثؿ يسعى الصكفي إلى السمك إلى أعمى المراتب الصكفية كتجاكز الركح‬
‫السفمى إلى الركح العميا‪ ،‬كىذا يعني السمك مف المعالـ السفمي المحسكس إلى العالـ العمكم‬
‫الرحب بيدؼ المشاىدة كالقرب كالمحبة كالطمأنينة كاليقيف فالحب اإلليي ىك غاية الشاعر في‬
‫ٌ‬
‫ديكانو كقصائده كىك مبتغاه‪.‬‬
‫عدت مف أجمؿ كأجكد ما كتبو العرب‬
‫فالمعمقات في الجاىمية عبارة عف قصائد طكيمة ٌ‬
‫عمى اإلطالؽ كتبت بماء الذىب كعمٌقت عمى جدراف الكعبة ك "معمقات ياسيف بف عبيد" عبارة‬
‫عف أجمؿ القصائد عنده كتبت أيضان لتعمؽ عمى أستار الركح‪.‬‬
‫فإف الركح كذلؾ شيء مقدس عند‬
‫أف الكعبة شيء مقدس عند الجاىمية كالمسمميف جميعنا‪ٌ ،‬‬
‫كبما ٌ‬
‫إف الروح ليا أسماء كثيرة عمى‬
‫الشاعر "بف عبيد" ‪ ،‬كالركح عند المتصكفة ليا أسماء متعددة‪ّ " :‬‬
‫عدد وجوىو‪ ،‬يسمى بالقمـ األعمى وبروح محمد صمى اهلل عميو وسمـ‪ ،‬وبالعقؿ األوؿ وبالروح‬
‫اإلليي مف تسمية األصؿ بالفرع"(‪.)1‬‬
‫فالركح إذف ليا اتصاؿ كثيؽ بالذات اإلليية التي ىي غاية المتصكؼ كأصؿ مجاىداتو‬
‫كمكابداتو‪ ،‬كمف نقاط التشابو بينيما‪ ،‬ىك تمؾ األستار التي تحجب رؤية المتصكؼ لمذات‬
‫اإلليية‪.‬‬
‫فالعنكاف إذف‪ ،‬يكحي إلى أجمؿ القصائد عند "ياسيف بف عبيد" التي كتبت لتعمؽ عمى‬
‫أستار الركح‪ .‬كمف ىذا كمو كضعنا مخططنا إيضاحينا لداللة العنكاف كىك كاآلتي‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫ـ فؤاد أنوار أبً قرام‪ :‬معجم المصطلحات الصوفٌة‪ ،‬ط ‪ ، 1‬مكتبة لبنان ناشرون‪ ،‬لبنان‪ ،1993 ،‬ص‪.92‬‬

‫‪97‬‬
‫(الكعبة المقدسة)‬
‫(المعمقات)‬
‫قصائد جاىمية مكتكبة‬ ‫الجاىمييف‬
‫بماء الذىب‬

‫التعميؽ‬
‫عمى األستار‬

‫(المعمقات)‬ ‫(الركح المقدسة)‬


‫قصائد الشاعر مكتكبة‬ ‫الشاعر‬
‫بماء الذىب‬
‫‪ 3‬ػػػػ ‪ 2‬ػػػػ دراسة الغالؼ‪:‬‬
‫يعد الغالؼ بمثابة الييكؿ الخارجي لمديكاف‪ ،‬كىك ممخصو كبمثابة بطاقة التعريؼ‬
‫األساسية لو‪ ،‬كالكاجية األمامية المقابمة لممتمقي‪ ،‬حيث يراعى عند خركجو مجمكعة مف الشركط‬
‫التي مف بينيا المكف كنكعية الكرؽ‪ ،‬كالحجـ‪ ،‬باإلضافة إلى ما يثبت عميو مف عناصر‬
‫كمككنات‪ ،‬كإسـ صاحبو‪ ،‬العنكاف‪ ،‬دار النشر‪ ،‬السنة‪...‬‬
‫فالغالؼ يحتكم عمى مجمكعة مف اإلحاالت التي ال يمكف في أم حاؿ مف األحكاؿ‬
‫االسغناء عنيا‪.‬‬
‫كفي ىذا السياؽ جاء الغالؼ في ديكاف "معمقات في أستار الركح" محدداه بألكاف أساسية‬

‫ىي‪ :‬األحمر‪ ،‬كاألسكد‪ ،‬األصفر كالبرتقالي‪ ،‬كاألبيض‪ ،‬حيث شكؿ المكف األحمر شريطان محاطان‬
‫بالمكحة الزيتية كقميؿ مف المكف البرتقالي يكمؿ المكف األحمر‪ ،‬كالمكف األسكد شكؿ عتمة حكؿ‬
‫المكحة الزيتية‪ ،‬كالمكف األبيض جاء كخطكط محيطة بالمكف األحمر كاألصفر المكف في المكحة‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫فقد احتكت الكاجية األكلى عمى العنكاف مكتكب بالمكف األبيض (معمقات عمى أستار‬
‫الركح) كىك في كسط المكف األحمر‪ ،‬كتحت العنكاف مباشرة نجد لكحة زيتية مف تشكيؿ الفناف‬
‫المغربي "نور الديف ماضراف" ‪ ،‬كما كرد في مقدمة الديكاف‪ ،‬فيي تتكسط الغالؼ كىي لكحة‬
‫أف المكف األسكد الذم‬
‫مبيمة المعالـ‪ ،‬كغامضة يصعب فيميا‪ .‬كاذا أردنا تأكيميا يمكف أف نقكؿ ٌ‬
‫نجده في أسفؿ المكحة الزيتية يمثؿ الحياة الدنيا كقتامتيا مغرياتيا ‪ ،‬أما المكف األحمر الذم يشع‬
‫في أعمى المكحة الزيتية بشكؿ طكلي‪ ،‬فيمثؿ سمك الركح مف الحياة الدنيا إلى الفردكس المنشكدة‬
‫كالعكالـ السرمدية الراحبة‪ ،‬فيي بذلؾ تجسيد لمثالثية الصكفية المذككرة سالفان أال كىي (التحمي‬
‫كالتخمي كالتجمي)‪.‬‬
‫كفي سياؽ مغاير كفي الكاجية الخمفية لمغالؼ (ظير الغالؼ) نجد ذلؾ المقطع الشعرم‬
‫المكتكب بالمكف األبيض كمحاطان بإطار لكنو أبيض كذلؾ باعتباره عنصر خاص مف الديكاف‪.‬‬

‫إلي غير زماني‬


‫ّ‬ ‫وعبوري‬ ‫ما طريقي اإل ّؿ غير قصػػػػػػػيدي‬
‫مف فصوؿ توىجت مف كياني‬ ‫صاغ مني الشتات ىذي البقايا‬
‫ثـ مضت كضمة األفعواف‬ ‫أطمقتنػػػػػػػػي إلى المتػػػػػاه يػػػداىا‬

‫كفكؽ ىذا المقطع الشعرم‪ ،‬نجد في الجية اليمنى صكرة صاحب الديكاف "ياسيف بف‬
‫عبيد" كىك يحمؿ قممان في يده كاضعان رأس القمـ في فمو‪ ،‬كعمى يسار الصكرة كتب عنكاف‬
‫الديكاف "معمقات عمى أستار الركح" كتحتو مباشرة نجد المعمكمات الخاصة بالكاتب‪.‬‬
‫كتحت المقطع الشعرم دائمنا نجد ممخص لمحتكل ديكاف بف عبيد"‪ ،‬كفي نفس المنحى نجد أف‬
‫الغالؼ بكجييو األمامي كالخمفي يحتكم عمى خمس ألكاف‪( :‬األحمر‪ ،‬األسكد‪ ،‬األصفر‪،‬‬
‫األبيض‪ ،‬البرتقالي)‪.‬‬
‫فالمكف األسكد رمز القتامة كاالنكسار‪ ،‬كلكف الميؿ كلباس األحزاف كرمز لمجراح العميقة‬
‫كاآلماؿ المنكسرة‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫أما المكف األبيض فيك رمز النقاء كالطيارة كالنظافة كرمز النكر اإلليي‪ ،‬كىك لكف األمؿ‬
‫كالتفاؤؿ كالحياة‪ ،‬مقابؿ المكف األسكد رمز التشاؤـ كالمكت‪.‬‬
‫كالمكف األحمر كالبرتقالي رمز لمحب كالمحبة اإلليية‪ ،‬أما المكف األصفر فيك رمز لمغيرة كالحقد‬
‫كالمكر كالخداع‪.‬‬
‫أ ػػػػ الموف األسود‪ :‬يرمز إلى القتامة كالحزف كاالنسداد كالجراح العميقة‪ ،‬كرمز لميؿ كيتضح لنا‬
‫ىذا في القكؿ "بف عبيد"‬
‫ظمأى وعيناؾ‪ ،‬امتداد دروبي (‪.)1‬‬ ‫مازلت أنزؼ والجراح قصيدة‬
‫كقكلو أيضنا‪:‬‬
‫مرت خيوؿ الميؿ فوؽ غروب (‪.)2‬‬ ‫مرت كآبتي الجديدة مثمما‬
‫كفي قكلو‪:‬‬
‫جسد يمشي عمى شرر (‪.)3‬‬
‫ٌ‬ ‫ثاف ولي‬ ‫في لحظة الحزف أتموىا ولي رجعٌ‬
‫كنجده أيضان في‪:‬‬
‫أمامي الظالـ وحده الرفيؽ (‪.)4‬‬
‫ب ػػػ الموف األحمر‪ :‬كيرمز إلى الحب كالمحبة اإلليية كيتضح لنا ىذا في قكؿ "بف عبيد"‪:‬‬
‫وفي قمبو امرأة مف ورؽ (‪.)5‬‬ ‫قزحي‬ ‫تجمى ىنا رج ٌؿ‬
‫ٌ‬
‫كفي قكلو‪:‬‬
‫ونار ليمى في الرؤى أـ تنيد‬ ‫لميمى شعاٌ في اليػػػػػػػػػػػػوى أـ تردد‬
‫ولكنما ليمى بيا تتسيد‬ ‫عيوني أرانييا اليوى ُج ُز ارً نػػػػػػػأت‬
‫ممدد (‪.)6‬‬
‫ليا الجرح ممشى والشراع ّ‬ ‫عمى الموج جاءت مف نواد أحبيا‬

‫‪ 1‬ـ ٌاسٌن بن عبٌد‪ :‬معلقات على أستار الروح‪ ،‬ص ‪.22‬‬


‫‪ 2‬ـ المصدر نفسه‪ ،‬ص ن‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ نفسه‪،‬ص ‪.41‬‬
‫‪ 4‬نفسه‪ ،‬ص ‪.13‬‬
‫‪ 5‬ـ نفسه‪،‬ص ‪.23‬‬
‫‪ 6‬ـ نفسه‪،‬ص ‪.31‬‬

‫‪100‬‬
‫كقكلو‪:‬‬
‫لـ تبؿ عيدي بيا األحداث والحقب (‪.)1‬‬ ‫ليمى شعاري إذا أحببت ال النخب‬
‫‪ 3‬ػػػػ ‪ 3‬ػػػػ دراسة المقطع الشعري‪ :‬يسبؽ المقطع الشعرم في النص‪ ،‬فيك يأتي قبمو كقد كرد‬
‫عمى الجانب الخمفي مف ظير الغالؼ‪ ،‬داخؿ إطار أبيض مكتكب بخط أبيض كذلؾ‪ ،‬كىذا ما‬
‫يدخؿ ضمف تقنية اإلخراج النيائي لمنص‪ ،‬جاء المقطع في الغالؼ الخمفي مقابؿ لمغالؼ‬
‫األمامي الذم كرد فيو الديكاف‪ ،‬كفي ىذا داللة التقابؿ بينيما فالعنكاف ىك‪" :‬معمقات عمى أستار‬
‫الركح" كالمقطع الشعرم الذم يقابمو ىك‪:‬‬

‫إلي غير زماني‬


‫ّ‬ ‫وعبوري‬ ‫ما طريقي اإل ّؿ غير قصػػػػػػػيدي‬
‫مف فصوؿ توىجت مف كياني‬ ‫صاغ مني الشتات ىذي البقايا‬
‫ثـ مضت كضمة األفعواف‬ ‫أطمقتنػػػػػػػػي إلى المتػػػػػاه يػػػداىا‬

‫(‪ ،)2‬تـ كضعو في الجية‬ ‫كاف ىذا المقطع الشعرم مف اختيار الشاعر كباقتراح منو‬
‫الخمفية لمديكاف‪ ،‬كىك مقطع مف قصيدة‪( :‬عائد ‪ ..‬مف سفر التمكيف)(‪.)3‬‬
‫إف المقطع الشعرم جاء شارحان لبعض مف الغمكض الذم يكتنؼ العنكاف‪ ،‬فيك يكشؼ‬
‫ٌ‬
‫عف تكجو الشاعر كجية الصكفية‪ ،‬إذ كجد نفسو ال يتماىى في ىذا العمؿ المفعـ بالمادية‪،‬‬
‫فيتطمع إلى عكالـ عمكية سرمدية عابرة لمزماف كالمكاف كالكجكد‪.‬‬
‫كجاء كذلؾ يكشؼ عف قميؿ مف حقيقة الرجؿ المممكء بالتناقض كالغرابة في تجربتو‪ ،‬فقد ضاقت‬
‫بو األرض فاتسع في نفسو ىاربنا مف الضيؽ‪ ،‬كلقد تمبد بالحزف كالشتات كالغربة‪ ،‬كلكنو لـ‬
‫يضعؼ كلـ ييأس مف رحمة اهلل مثمو مثؿ المتصكفة المعركفيف بمجاىداتيـ كتضحياتيـ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫ـ المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.32‬‬
‫‪2‬‬
‫ـ هذا ما صرح به الشاعر فً لقاء به بمكتبة معهد اللغة واألدب العربً بالجامعة المركزٌة بالجزائر ٌوم ‪.1999/10/02‬‬
‫‪3‬‬
‫ٌاسٌن بن عبٌد‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.24‬‬

‫‪101‬‬
‫فيك يستعيف باهلل كيميـ منو قكتو فيؤكد المقطع الشعرم في الكاجية الخمفية عف عكدة‬
‫الشاعر إلى ذاتو بشعره‪ ،‬فال يمكف أف يدخؿ ذاتو إال عف طريؽ القصيدة (الشعر)‪ ،‬كال يمكف أف‬
‫يعبر إلى ذاتو إال عف طريؽ زمانو‪ ،‬يعني كؿ كاحد يحاكـ بزمانو‪ ،‬كالشتات تمثؿ األجزاء كىذه‬
‫البقايا المتبقية مف فصكؿ اشتعمت مف كياني‪ ،‬جسمة بفعؿ الزمف كأصبحت أشتات (أجزاء)‬
‫ضائعة‪ ،‬كىذه البقايا المتبقية منو اشتعمت مف جسده‪ ،‬ضيعتو في الضياع عكض أف تجمعو ثـ‬
‫ضمتو‪ ،‬فاليداف ليما كضيفتاف متعاكستاف‪ ،‬فمف جية تدالف عمى الضياع كالتيو‪ ،‬كمف جية‬
‫أخرل تدالف عمى الضـ كالعناؽ‪.‬‬
‫كعمى صعيد آخر يعد ىذا المقطع الشعرم بمثابة عنصر أساسي لمكلكج إلى فيـ‬
‫الديكاف‪ ،‬فيك كإجابة لمعنكاف حيث يتقبالف مف حيث الداللة‪ ،‬كبالتالي يعطي فرصة لمتعرؼ‬
‫أكثر عمى النص‪ ،‬فالقارئ عندما يجد صعكبة في فيـ العنكاف يسعى إلى تفكيؾ المقطع الكارد‬
‫في كاجيات الديكاف‪ ،‬ككسيمة ناجعة لتفسيره بمجرد اإلطالع عميو‪ ،‬فيك يسيؿ عميو الدخكؿ إلى‬
‫مضمكف النص كما يحممو مف أسرار يتجنب البكح بيا‪ ،‬فيك إذف بمثابة خالصة لمعنكاف حيث‬
‫يتصؿ بالنص ثـ ينقطع عنو‪ ،‬يجذب القارئ إليو كألجؿ ذلؾ فيك مرغـ عمى قراءة النص الكمي‪،‬‬
‫إف فعمو فعؿ يجذب التشكيؽ كالتحبيب‪.‬‬
‫ٌ‬
‫كفي ىذا الصدد يجد القارئ نفسو مرفكقان بقكة داخمية تجبره عمى العكدة إلى النص‬
‫األصمي بعد أف أدخمو مف العتبة الخمفية باعتبار العنكاف عتبة أمامية كالمقطع الشعرم عتبة‬
‫خمفية‪ ،‬كىذا ما يجعؿ جميع العتبات كدعـ في عممية القراءة األكلية‪ ،‬كتمنح القارئ فرصة‬
‫لمتعامؿ األكلي مع النص الذم يكتنفو بعض الغمكض مما يفتح الشيية لمقارئ حتى يمج إلى‬
‫سبر أغكار النص كفيمو‪.‬‬

‫‪ 4‬ػػػػ التداخؿ النصي‪:‬‬


‫إف ظاىرة التداخؿ النصي(التناص) ظاىرة قديمة مكغمة في الزمف‪ ،‬فقد عرفيا العرب‬
‫األكائؿ مف فعكؿ الشعراء‪ ،‬كالكتاب‪ ،‬ككجدكا فييا سبيالن لإلعادة التعبير بطرؽ فنية جمالية‬

‫‪102‬‬
‫لمنص الغائب‪ ،‬فالذاكرة اإلنسانية تعتبر كاإلسفنجة تمتص النصكص بانتظاـ‪ ،‬كحصيمة لترسبات‬
‫ثقافية‪ ،‬اجتماعية ‪،‬أدبية‪ ....‬تخزف في ذىف المبدع ليعيد استحضارىا في العممية اإلبداعية بشكؿ‬
‫انتقائي‪ ،‬فتتفاعؿ ىذه النصكص المستحضرة مف الذاكرة‪ ،‬داخؿ النص الجديد لتشكؿ كحدات‬
‫منسجمة في بنية النص المبدع حاممة بيف جكانبيا عناصر اإلثارة كالتجديد بفعؿ الخياؿ الخالؽ‬
‫الذم يخمؽ عالما جديدنا‪.‬‬
‫أصبح حضكر المكركث اإلنساني بأشكالو المتنكعة في الشعر العربي المعاصرة سمو‬
‫فنية‪ ،‬يتسابؽ كثير مف الشعراء إلى استخداميا‪ ،‬كقد أطمؽ النقد الحديث عمى الظاىرة مصطمح‬
‫التناص(‪ )intertextualité‬كىك مف المصطمحات الجديدة التي لـ يعرفيا النقد العربي المعاصرة‬
‫حتى زمف متأخر مف القرف العشريف‪.‬‬
‫كقد عرؼ ركاد الشعر العربي المعاصرة الكثير مف أشكاؿ التناص‪ ،‬فالسياب‪ ،‬كالبياتي‪،‬‬
‫كنازؾ المالئكة‪ ،‬كنزار‪ ،‬كأدكنيس‪ ،‬كابف الفارض‪ ،‬كابف عربي كغيرىـ‪ ،‬نسجكا بعض قصائدىـ‬
‫متفاعميف مع مصادر ثقافية متنكعة كالقراف الكريـ‪ ،‬كالتراث الشعبي‪ ،‬كالتصكؼ كاآلداب كغيرىا‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫التعريؼ التناص‪:‬‬
‫‪ 1‬ػػػػ في المغة العربية‪:‬‬
‫التناص‪" :‬مف نص‪ ،‬نصا‪ ،‬الشيء رفعو وأظيره‪ ،‬نقوؿ‪ :‬نصصت الحديث أي رفعتو إلى‬
‫صاحبو"(‪.)1‬‬
‫"والنص مصدر وأصمو أقصى الشيء الداؿ عمي غايتو أو الرفع والظيور‪ ،‬ونص كؿ‬
‫شيء‪ :‬منتياه"(‪.)2‬‬
‫فالنص إذف الرفع كالظيكر كالمنتيي‪.‬‬
‫كالتناص‪":‬ازدحاـ القوـ"(‪.)3‬‬
‫أم مضايقة بعضيـ البعض في مكاف ضيؽ‪،‬كتدافعيـ في حمقة تجمعية كاحدة‪.‬‬
‫كنصص المتاع‪":‬جعؿ بعضيـ فوؽ البعض"(‪.)4‬‬
‫كمنو‪" :‬نصصت‪:‬إذا جعمت بعضو عمى بعض‪ ،‬ومنيا ينصيـ أي يستخرج رأييـ ويظيره‪ ،‬ومنو‬
‫قوؿ الفقياء‪ :‬نص القرآف ونص السنة ‪،‬أي ما دؿ ظاىره لفظيا عميو مف األحكاـ"(‪.)5‬‬
‫كنستشؼ مف التعارؼ السابقة أف التناص في المغة العربية ىك المنتيى كالرفع‪،‬‬
‫كاإلظيار‪ ،‬كالمفاعمة في الشيء‪ ،‬مع المشاركة كالداللة الكاضحة كاالستقصاء‪.‬‬
‫كيبدك أف ىذه المصطمح تجميات عديدة في تراثنا النقدم‪،‬كاف كانت بأسماء مختمفة‪،‬كمنو‬
‫قكؿ "عمي بف أبي طالب"‪" :‬لوال أف الكالـ يعاد لنفذ"(‪.)6‬‬
‫كيقكؿ "ابف فارس"‪" :‬والشعراء أمراء الكالـ‪...‬يقدموف ويؤخروف‪ ،‬يومئوف ويشيروف‪،‬‬
‫ويختمسوف ويعبروف ويستعيروف"(‪.)7‬‬

‫‪ 1‬ـ أحمد بن فارس‪ :‬معجم مقاٌٌس اللغة‪ ،‬ط ‪ ،2‬مؤسسة الرسالة‪ ،1986 ،‬مادة ن ص‪ ،‬ص ‪.843‬‬
‫‪ 2‬ـ المرجع نفسه‪ :‬ص ن‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ أحمد رضا‪ :‬معجم متن اللغة‪ ،‬د ط‪ ،‬منشورات دار مكتبة الحٌاة‪ ،‬بٌروت‪ ،1960 ،‬ص ‪.472‬‬
‫‪ 4‬ـ إبراهٌم مصطفى وآخرون‪ :‬المعجم الوسٌط‪ ،‬دار العودة‪ ،‬اسطنبول‪ ،‬توكٌا‪ ،1989 ،‬ص ‪.926‬‬
‫‪ 5‬ـ ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪ ،‬تح‪ :‬مجموعة من األساتذة‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬مصر‪ ،‬ص ‪.446‬‬
‫‪ 6‬ـ أبو هالل العسكري‪ :‬الصناعتٌن‪ ،‬تح‪ :‬مفٌد قمٌحة‪ ،‬ط ‪ ، 2‬دار الكتب العلمٌة‪ ،‬بٌروت‪ ،1974 ،‬ص ‪.218‬‬
‫‪ 7‬ـ ابن فارس أبو الحسن زكرٌاء‪ :‬الصاحبً فً فقه اللغة ومسائلها وسنن العرب فً كالمها‪ ،‬تح‪ :‬عمر فروق الطباع‪ ،‬ط ‪،1‬‬
‫مكتبة المعارف‪ ،‬بٌروت‪ ،1993 ،‬ص ‪.267‬‬

‫‪104‬‬
‫يفيـ مف كالـ "ابف فارس" أف الشعراء كاألدباء القدامى لـ يككنكا متقكقعيف عمى أدبيـ‪،‬‬
‫كانما كانكا منفتحيف عمى ما قد قيؿ كيقاؿ‪ ،‬فاستعاركا عف سابقييـ كاختمسكا اقتبسكا مف أقكاؿ‬
‫األكائؿ المعاني كالكممات‪ ،‬ككانت تمؾ األقكاؿ بمثابة قدكة كانكا يحتذكف بيا‪.‬‬
‫فالكتابة إذف ىي إعادة إنتاج‪ ،‬كأف التناص ىك قدرة كؿ مبدع‪ ،‬كأف الكالـ األكؿ الذم لـ‬
‫يكف مكر نار ىك ما نطؽ بو أدـ‪ ،‬كىك ما يؤكده "ابف رشيؽ" حيث قاؿ‪" :‬ومف عادة القدماء أف‬
‫يضربوا األمثاؿ في المراثي بالمموؾ األعزة واألمـ السابقة "(‪.)1‬‬
‫"وعمى الرغـ مف االرتباكات االصطالحية إال أف مفيوـ التناص ظؿ متقارباً في تعريفو‬
‫مف قبؿ النقاد والباحثيف فقد عرؼ بأنو النص الذي يمتص عدد مف النصوص مع بقائو‬
‫مرك از عمى معنى"(‪.)2‬‬
‫فيو بمثابة الماء واليواء والزماف‬ ‫كعف أىمية التناص يعمؽ محمد مفتاح قائالن‪" :‬‬
‫والمكاف لإلنساف فال عالقة لو بدونيا وال عيشة لو خرجيما" (‪.)3‬‬
‫يفيـ مف قكؿ "محمد مفتاح" أف التناص مف ضركريات األدب كمنبع حياتو كاستم ارريتو‬
‫كشبيو بالماء كاليكاء لإلنساف المذاف يعداف مصدر حياتو كبقائو حيث جعؿ اهلل منو كؿ شيء‬
‫حينا‪.‬‬
‫ب ػ المغة الفرنسية‪:‬‬
‫‪Intertextualité : « Ensemble des relations qu’un texte et notamment un texte‬‬
‫‪littéraire entretient avec autre ou avec d’autres tant au plan de sa création (Par la‬‬
‫‪citation, le plagiat, l’allusion, le pastiche…et) qu’au plan de sa lecture et de sa‬‬
‫‪compréhension par les rapprochements qu’opère le lecteur »(4).‬‬

‫‪ ،7‬ط ‪ ،1‬دار الكتب‬ ‫‪ 1‬ـ ابن رشٌق القروانً أبو علً حسن ‪ :‬العمدة فً صناعة الشعر ونقده‪ ،‬تح‪ :‬مفٌد محمد قمٌحة‪ ،‬ج‬
‫العلمٌة‪ ،‬بٌروت‪ ،1983 ،‬ص‪.150‬‬
‫‪ 2‬ـ نور الهدى لوشن‪ :‬التناص بٌن التراث والمعاصرة‪ ،‬مجلة أم القرى لعلوم الشرٌعة واللغة العربٌة وآدابها‪ ،‬ج ‪ ،15‬العدد‬
‫‪ ،26‬صفر ‪ 1424‬هـ‪،‬ص ‪.1022‬‬
‫‪ 3‬ـ محمد مفتاح‪ :‬تحلٌل الخطاب الشعري‪ ،‬إستراتٌجٌة التناص‪ ،‬ط ‪ ، 3‬المركز الثقافً العربً‪ ،‬الدار البٌضاء‪،1992 ،‬ص‬
‫‪.125‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Le petit Larousse compacte, Le premier du siècle, Canada, Juillet 2000, P 555.‬‬

‫‪105‬‬
‫كىذا مفاده أف التناص ىك مجمكعة العالقات التي تربط نصان أدبيان ػ ػ بصفة خاصة ػ ػ ػ‬
‫نص أخر أك نصكص أخرل‪ ،‬في مستكل إبداعو (مف خالؿ االقتباس‪ ،‬االنتحاؿ‪ ،‬التمميح‪،‬‬
‫المعارضة‪...‬إلخ) كفي مستكل قراءتو كفيمو بفضؿ الربط الذم يقكـ بو القارئ‪.‬‬
‫‪Et l’intertextualité aussi : « Est la relation que le sujet d’énonciation met‬‬
‫‪entre des texte qui sont aussi en dialogue entre eux, se recomposant entre eux à‬‬
‫‪travers la culture du sujet. L’intertextualité implique qu’il n’ya pas de sens arrêté,‬‬
‫‪mais que la sémantique d’un texte et une dynamique »(1).‬‬
‫كىذا يعني أف التناص ىك العالقة التي يكجدىا مكضكع الخطاب بيف النصكص‬
‫المتحاكرة فيما بينيا‪ ،‬كالتي يعاد تركيبيا مف خالؿ المكضكع حيث ال يقتضي التناص كجكد‬
‫معنى نيائي‪ ،‬بؿ يقتضي الداللة السينمائية لنص ما‪.‬‬
‫جػ ػ في اآلداب الغربي‪:‬‬
‫أعطت "جوليا كريستيفا" (‪ )Julia Cristiva‬المفيكـ التالي لمتناص‪" :‬كؿ نص ىك‬
‫امتصاص كتحكيؿ لكثير مف نصكص أخرل"(‪.)2‬‬
‫يعني ىذا أف كؿ نص جديد يصدر إلى الساحة األدبية ىك امتصاص لكثير مف‬
‫نصكص سابقة أك معاصرة‪ ،‬كردت في الذاكرة الشعرية تشكيال كظيفيان‪ ،‬بحيث يغدك النص‬
‫الحاضر خالصة العدد مف النصكص التي زالت الحدكد بينيا‪.‬‬
‫"وكأنيا مصيورة مف المعادف المختمفة المتنوعة األحجاـ واألشكاؿ‪ ،‬فيعاد تشكيميا‬
‫وانتاجيا في أحجاـ وأشكاؿ مختمفة بحيث ال يبقى بيف النص الجديد وأشالء النصوص‬
‫السابقة سوى المادة‪ ،‬وبعض البقع التي تشير إلى لنص الغائب"(‪.)3‬‬
‫كفي نفس المنحى نالحظ أف تقنية التناص تسمح بإحياء النصكص القديمة كميالد‬
‫نصكص جديدة مف رحميا‪ ،‬كىذه األخيرة تتحكؿ إلى الرحـ لكالدة نصكص أخرل جديدة‪ ،‬كما‬
‫نالحظ كذلؾ أف تقنية التناص تسمح بتعدد النصكص كاألجناس األدبية فقد يككف النص القديـ‬
‫‪1‬‬
‫‪- Claude Kannas, Larousse, Dictionnaire de linguistique et de Science du langage, assistée de Janine Faure,‬‬
‫‪Décembre, 1994, P 255.‬‬
‫‪ ،2000‬ص‬ ‫‪ 2‬ـ خلٌل موسى‪ :‬قراءات فً الشعر العربً الحدٌث والمعاصر‪ ،‬د ط‪ ،‬منشورات اتحاد الكتاب العرب‪ ،‬دمشق‪،‬‬
‫‪.51‬‬
‫‪ 3‬ـ المرجع نفسه‪ :‬ص ن‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫شعريا أك دينيا‪ ،‬أك تاريخيا‪ ،‬أك مف التراث الشعبي‪ ...‬أك غيرىا كلذلؾ فإف مصطمح التناص يقكؿ‬
‫بتداخؿ األجناس األدبية كسكاىا‪.‬‬
‫إف إعادة الكتابة قد تتـ مف خالؿ أحد القكانيف التالية‪:‬‬
‫قانوف االجترار‪ :‬كيككف النص الحاضر فيو استمرار لمنص الغائب‪ ،‬كىك إعادة لو إعادة‬
‫محاكات كتصكير‪ ،‬كيتمخص عمؿ المؤلؼ في تقديـ النص الغائب في أكزاف شعرية‪.‬‬
‫قانوف االمتصاص‪ :‬و ىك قبكؿ لمنص الغائب‪ ،‬كتقديس لو‪ ،‬كاعادة كتابة بطريقة ال تمس‬
‫بجكىره‪ ،‬كينطمؽ المؤلؼ ىنا مف قناعة راسخة‪ ،‬كىي أف ىذا النص غير قابؿ لمنقد أك الحكار‪.‬‬
‫قانوف الحوار‪ :‬كىك نقد لمنص الغائب‪ ،‬كتخريب لكؿ مفاىيمو‪ ،‬كتفجيره لو‪ ،‬كافراغو مف بنياتو‬
‫المثالية‪ ،‬كىك ال يقبؿ الميادنة‪ ،‬فيك أعمى درجات التناص كأرقاىا(‪.)1‬‬
‫اكتسى التناص مفيكمان جديدان حيث ‪":‬لـ يعد النص الغائب اجت ار ارً لنص أخر عمى النمط‬

‫القديـ(التضميف) واف عثرنا عمى ىذا الضرب في المتف الشعري الحديث‪ ،‬بؿ غدا توظيفاً‬
‫معقداً في أغمب األحياف يولد تفاعالً خصباً بيف النصوص أي تناصاً ‪ Intertextualité‬يثري‬
‫مناخاً مغاي ارً لألصؿ‪ ،‬تتداخؿ فيو عناصر ىذا النص الغائب وتتزامف في عمؽ النصية"(‪.)2‬‬
‫ونا‬
‫مغاير لممفيكـ القديـ‪ ،‬الذم يقكـ‬ ‫يفيـ مف ىذا القكؿ أف التناص اكتسب مفيكمنا جديدنا‬
‫عمى التضميف كاالجترار لمنص‪ ،‬فقد أصبح في الدراسات المعاصرة شكالن جماليان يقكـ عمى‬
‫اإلبداع كالخياؿ الخالؽ‪ ،‬كرسـ صكرة جديدة لمنص الغائب كاكتسابو معاني جديدة تثرم معاني‬
‫لـ يكتسبيا النص الغائب‪.‬‬
‫أما "جوليا كريستيفا" فيي تعرؼ التناص‪" :‬إنو ترحاؿ لمنصوص وتداخؿ نصي‪ ،‬ففي‬
‫"(‪ ،)3‬أم أف‬ ‫فضاء نص معيف تتقاطع وتتنافى ممفوظات عديدة متقطعة مف نصوص أخرى‬
‫النص خاضع لممخزكف الثقافي كاألدبي كىك انصيار نص في آخر ‪.‬‬

‫‪ 1‬ـ ٌنظر‪ :‬محمد بنٌس‪ :‬ظاهرة الشعر المعاصر فً المغرب (مقاربة بنٌوٌة وتكوٌنٌة)‪ ،‬ط ‪ ،1‬دار العودة‪ ،‬بٌروت‪،1979 ،‬‬
‫ص ‪ 277‬ـ ‪.278‬‬
‫‪ 2‬ـ إبراهٌم رمانً‪ :‬الغموض فً الشعر العربً الحدٌث‪ ،‬د ط‪ ،‬دار هومه‪ ،‬الجزائر‪ ،1991 ،‬ص ‪.432‬‬
‫‪ 3‬ـ جولٌا كرستٌفا‪ :‬علم النص‪ ،‬تر‪ :‬فرٌد الزاهً‪ ،‬ط ‪ ، 2‬دار توبقال للنشر‪ ،‬الدار البٌضاء‪،1977 ،‬ص ‪.21‬‬

‫‪107‬‬
‫تقكؿ "جوليا كريستيفا"‪" :‬فالممارسة النصية ليست مجرد نقؿ بسيط لعممية كتابة عممية‬
‫ما‪ ...‬إنما تقوـ بزحزحة ذات خطاب عف مركزىا لتنبني ىي"(‪.)1‬‬
‫يفيـ مف قكؿ "كريستيفا" أف العممية اإلبداعية تنطمؽ مف خمفيات تحركيا كتثيرىا‪ ،‬كاف‬
‫النص األدبي لو ارتباط كثيؽ بذاكرة األدب‪.‬‬
‫كتقكؿ أيضا‪" :‬أف النص األدبي يخترؽ حاليا اإليديولوجية والسياسة ويتطمع لموجيتيا‬
‫وفتحيا واعادة صيرىا"(‪.)2‬‬
‫يفيـ مف ىذا الكالـ أف النص األدبي اخترؽ جميع النكاحي اإلبستيمكلكجية‪ ،‬االجتماعية‪،‬‬
‫السياسة‪ ،‬كلـ يعد معالجة ضيقة‪ ،‬بؿ اخترؽ كتجاكز كؿ اآلفاؽ‪ ،‬كمف ىنا كاف البد مف كجكد‬
‫منيج نقدم جديد لتحميؿ النص األدبي الذم تشكؿ مف عدة ركافد‪ ،‬نص لـ يحدث قطيعة مع‬
‫الماضي‪.‬‬
‫أنواع التناص‪:‬‬
‫نجد أنكاع عديدة مف التناص ذكرت في الدراسات الحديثة كالمعاصرة‪ ،‬كلكننا سنكتفي‬
‫بدراسة بعض منيا في الديكاف كىي كاألتي‪:‬‬
‫أ ػػػػ التناص الخارجي‪:‬‬
‫كفيو يحاكر الشاعر نصكص غيره ‪" :‬سواء السابقة عميو‪ ،‬أو المتزامنة معو‪ ،‬دوف‬
‫االىتماـ بجنس عمى حساب األخر‪ ،‬حيث يغدو مجاؿ التناص مفتوحا عمى مصراعيو‪ ،‬ليكشؼ‬
‫عف مواطف التأثير‪ ،‬مف خالؿ تقاطع النص الحاضر مع نصوص أخرى في إطار التفاعؿ‬
‫النصي القائـ عمى المفارقة واالختالؼ أو التحوير والتطوير فيو وسيمة تواصؿ ال يمكف أف‬
‫يحصؿ القصيد مف أي خطاب لغوي بدونو"(‪.)3‬‬
‫ففي قصيدة "أنا في ىواىا جممة" يقكؿ الشاعر‪:‬‬
‫ونار ليمى في الرؤى أـ تنيد‬ ‫لميمى شعار في اليػػػػػوى أـ تردد‬

‫‪1‬‬
‫ـ المرجع نفسه‪ :‬ص ‪.13‬‬
‫‪2‬‬
‫ـ المرجع السابق‪ :‬ص ‪.13‬‬
‫‪3‬‬
‫ـ محمد مفتاح‪ :‬تحلٌل الخطاب الشعري‪ ،‬ص ‪.134‬‬

‫‪108‬‬
‫ولكنما ليمى بيا تتسيد‬ ‫عيوني أرانييا اليوى جػػػػز ارً نػػػأت‬
‫ليا الجرح ممشى والشراع ممدد‬ ‫عمى الموج جاءت مف نواد أحبيا‬
‫عمى شجر يدنى إليو التوحد‬ ‫وبيني وبيف النور ليػػػػػمى محيمػػػػة‬
‫وفي يدييا مني مرايا توقد‬ ‫تشكمت موسوماً بضوء زنػػػػػػودىا‬
‫سواي‪...‬ولي خمؼ العوالـ موعد‬ ‫ونبض خفي ليس يػػػػػبدى لسػائر‬
‫يتعيد‬
‫أي رسـ بعدىا ّ‬
‫معا‪ّ ...‬‬ ‫ومف ذاتيا ذاتي دػػػػػػنت فتالشتػػا‬
‫صدني عنيا ىوى يتصيد‬
‫وال ّ‬ ‫صػػػػدىا عني بريػػػػؽ ظالمػيا‬
‫ّ‬ ‫فما‬
‫أنا في ىواىا واحد يتعدد (‪.)1‬‬ ‫أنا في ىواىا جممة غػػػػير واحػػػػد‬
‫كفي قصيدة "شعار آخر ىارب إلى األندلس" يقكؿ‪:‬‬
‫لـ تبؿ عيدي بيا األحداث والحقب‬ ‫ليمى شعاري إذ أحببت ال النػػػػخب‬
‫منو ارتياب‪..‬ىواىا كمو تعب‬ ‫سري إذا عممت سري وسػػػػػػػػاورىا‬
‫إذا تراءت فمف رعشاتو السحب‬ ‫يا أييا الجسد الممحو صػػػػػورتو‬
‫مضفورة عنباً ما شكمو عنب‬ ‫تيمػػػػػػػػػي وتمطر آىػػػات وداليػػػة‬
‫جرحا عمى كبدي يندى وينسكب‬ ‫إني لتجرحني‪..‬إف تفض بحتػػػػيا‬
‫تغتالني بالتثني حيث تقترب‬ ‫تغتالػػػػػػني بتثنيػػػػػػػيا إذا ابتػػػػػعدت‬
‫منيا الجوانب واألفالؾ والشيب‬ ‫وطاولت كؿ نخؿ األرض ضاوية‬
‫كانت تقرب أقصانا وتنسحب‬ ‫ضاؽ المكاف وضاقت كؿ أزمنة‬
‫بنا إلى التيو أرض أرضيا ليب‬ ‫خمؽ المرايا تمػمى لحػػػػػػػػػػػػظة عػػػػبرت‬
‫منيا يدؿ عمييا حيف تحتجب‬ ‫ليمى‪...‬ويجرحني عطر عمى عمى أثر‬
‫لألربعيف خرينا في دمي صغب‬ ‫تمضي إلى غاية غيػػػػري وتتػػػػػػػػركني‬
‫مف غير ما يمحي مف رفضيا رغب‬ ‫جرحي عمى األرض وانبثت تسػػػير بو‬
‫وراءىا صوت قمبي ظؿ ينتحب‬ ‫تعطي لمػػػػػػف قامة حػػػػػػػػػػػػمـ تسمقػػػػيا‬
‫‪1‬‬
‫ـ ٌاسٌن بن عبٌد‪ :‬معلقات على أستار الروح‪ ،‬ص ‪.31‬‬

‫‪109‬‬
‫إال بأف اليوى مف مثميا عجب‬ ‫اهلل أعمـ‪...‬ما في األمػػػػر مف عػػػػػػػػػػمؿ‬
‫عمى الدواـ وفي سري ليا سبب (‪.)1‬‬ ‫كيؼ التسمي ومف حولػػػػػػػػي مواقفػػػػػػػػيا‬
‫فالمتأمؿ في ىذيف النصيف‪ ،‬يالحظ مدل تداخميما مع شعر "قيس بف المموح" خاصة‬
‫مف خالؿ استدعاء شخصية "ليمى" كالتي ترمز إلى المحبكب الكاحد األحد‪.‬‬
‫كيقكؿ "قيس"‪:‬‬
‫فيؿ لي إلى ليمى الغداة شفيع‬ ‫مضى زمف والناس يستشفوف بػػػػػػػي‬
‫مف أىؿ والماؿ التميد نزيع‬ ‫يضعفػػػػػني حبػػػػػػػػيؾ حتػػػػػػػػػى كأننػػػػػػي‬
‫أجف صديع‬
‫أبت كبدي مما ُّد‬ ‫إذا ما لحػػػػػػػػػاني العػػػػػػػػاذالت بحبػػػػػػػػيا‬
‫ويشعب مف كسر الزجاج صدوع‬ ‫مدى الدىر أو يندي الصفا مف متونة‬
‫وقالوا تبوع تَ ُبوعٌ لمضالؿ مطيع‬ ‫وحتى دعاني الناس أحػػػػػػػػػمؽ مائػػػػػػقا‬
‫يؤرقني والعاذالت ُىجوع(‪.)2‬‬ ‫وكيؼ أطيػػع العػػػػػػػػػػػػاذالت وحػػػػػػػػػػػػػػبيا‬
‫فالشاعر "بف عبيد" في استدعائو لتجربة (قيس وليمى) ال يقؼ عند حدكدىا المعركفة‪،‬‬
‫بؿ يعطييا أبعادان جديدة‪ ،‬كيضفي عمييا رؤية صكفية كلذلؾ يمكف القكؿ أف التناص في ىذه‬
‫النصكص تناص كاع‪ ،‬فالشاعر ال يكرر النص الغائب بداللتو التاريخية الدالة عمى الحب‬
‫اإلنساني بؿ ينفمت مف براثف الجسد ليدؿ عمى الحب اإلليي‪.‬‬

‫ب ػػػ التناص مع القراف الكريـ‪:‬‬


‫لقد أخذ الشاعر مف القرآف الكريـ الكثير مف تراكيبو‪ ،‬كلـ يكف ىذا في بداية تجربتو فقط‪،‬‬
‫جؿ مجمكعاتو الشعرية رغـ تبايف الفترات‪ ،‬كتباعدىا كالسبب ػ ػ ػ بال‬
‫كانما انسحبت الظاىرة عمى ٌ‬
‫شؾ ػ ػ يعزل إلى مكانتو في نفس الشاعر‪ ،‬كلما لو مف قدرة عجيبة عمى التركيب كالصياغة‪،‬‬

‫‪ 1‬ـ المصدر نفسه‪ :‬صفحة ‪ 32‬ـ ‪.33‬‬


‫‪ 2‬ـ أبو بكر الوالً‪ :‬قٌس بن الملوح مجنون لٌلى‪ ،‬دراسة وتعلٌق ٌُدِي عبد الغنً ‪ ،‬ط ‪ ، 1‬دار الكتب العلمٌة‪ ،‬بٌروت‪ ،‬لبنان‪،‬‬
‫‪ ،1999‬ص ‪.28‬‬

‫‪110‬‬
‫تتآلؼ فييا مبانييا بمعانييا‪ ،‬فتتكقع كتتناغـ في صكرة ال يرقى إلييا ال أشعر الشعراء‪ ،‬كال أغنى‬
‫القكافي‪.‬‬
‫كفي ديكانو ىذا يريد الشاعر أف يتجاكز عذابو‪ ،‬كيتخطى أحزانو‪ ،‬كلف يتأتى لو ىذا إال‬
‫يعرىج فيو بسيد‬
‫السحر ليكافؽ بذلؾ كقتان أ ٍ‬
‫إذا غادرت الركح الجسد‪ ،‬كيتخير ليذه المرحمة كقت ٌ‬
‫الخمؽ(ص) كليستكحي بذلؾ نصو مف تركيب يأخذ مف سكرة مريـ كسكرة اإلسراء قكلو‬
‫(‪ ،)1‬فيقكؿ "بف‬ ‫تعالى‪":‬سبحاف الذم أسرل بعده ليال مف المسجد الحراـ إلى المسجد األقصى"‬
‫عبيد"‪:‬‬
‫يبقى وأعبر أحالمي وقافيتي‬ ‫أغادر الجسد المضنى لغربتو‬
‫كآبتي في يدي خيمي وذاكرتي (‪.)2‬‬ ‫ليال إليؾ أىز الجذع مخػػػػترفا‬
‫نممس حضكر‬ ‫الشعرية "معمقات عمى أستار الروح"‪،‬‬ ‫كمف خالؿ تحميمنا لممجمكعة‬
‫التناص الديني في المجمكعة‪ ،‬فيك تداخؿ نصي امتزج في خضمة صكت الشاعر مع أصكات‬
‫النصكص القرآنية الكريمة‪ ،‬كلكف حضكرىا كاف حضك انر جديدان‪ ،‬دعائمو رؤل كركائز جديدة‪ ،‬ىك‬
‫في ذلؾ ال يختمؼ عف غيره مف الشعراء العرب عامة كالجزائرييف خاصة في استحضاره‬
‫لمختمؼ المرجعيات النصية التي حضي فييا النص القرآني بحصة األسد‪.‬‬

‫"يوميات بعيدة"‪ ،‬حيث حقؽ‬ ‫كىذا ما نالحظو في ىذا المقطع الشعرم مف قصيدة‬
‫الشاعر تناصان مع سكرة اإلسراء كمنح لنصو بعدان دالليان إضافيان حيث يقكؿ‪:‬‬
‫ال سبيؿ إلى الممتقى‬
‫غير أف تحمؿ العيد في الكؼ‬
‫وحدؾ تأتيني‬

‫‪1‬‬
‫ـ القرآن الكرٌم‪ :‬سورة اإلسراء‪ ،‬اآلٌة ‪.1‬‬
‫‪2‬‬
‫ـ ٌاسٌن بن عبٌد‪ :‬معلقات على أستار الروح‪ ،‬ص ‪.37‬‬

‫‪111‬‬
‫فارغا منؾ حتى يطيب المقاء‬
‫مدخؿ الصدؽ أدخمني‬
‫مخرج الصدؽ أخرجني‬
‫عندما سمت مف كمو أث ارً لمبقاء(‪.)1‬‬
‫عز كج ٌؿ حسف الخاتمة‪ ،‬يناشد إلى‬
‫نالحظ مف خالؿ األبيات أف الشاعر يطمب مف اهلل ٌ‬
‫الحياة العميا‪ ،‬الفردكس المنشكدة مف طرؼ كؿ ىمريد‪.‬‬

‫أد ِخمِْني ْ‬
‫مد َخ َؿ‬ ‫حيث استحضر الشاعر بالسياؽ (سكرة اإلسراء) في قكلو تعالى ‪َ ":‬وقُ ْؿ َربِّي ْ‬
‫اجعَ ْؿ ِلي ِم ْف لدُنْ َؾ سُمْطَاناً نَ ِص َا‬
‫ير"(‪.)2‬‬ ‫ج ِص ْد ٍؽ َو ْ‬
‫ِص ْد ٍؽ وأَ ْخ ِر ْجِني مَ ْخ َر َ‬
‫كيقاؿ أف أىؿ مكة لما ائتمركا برسكؿ اهلل(ص) ليقتمكه‪،‬أك ليطردكه‪ ،‬أك يكثقكه‪ ،‬فأراد اهلل‬
‫قتاؿ أىؿ مكة‪ ،‬أمر أف يخرج إلى المدينة‪ .‬يعني الدخكؿ إلى المدينة سالمان كلخركج مف مكة‬
‫سالمنا مف شرىـ ك بطشيـ‪.‬‬
‫ككذلؾ يفيـ مف قكؿ الشاعر(أدخمني مدخؿ صدؽ) يعني بو المكت (كأخرجني مخرج‬
‫صدؽ) كيعني بو الحياة الثانية بعد المكت أم العيش في الجنة كمعناه أيضان اليجرة إلى عكالـ‬
‫سرمدية رحبة‪.‬‬
‫جػ ػ التناص عمى مستوى العنونة‪:‬‬
‫كأكؿ تعامؿ بصرم يربط بيف الكاتب كمتمقية‪ ،‬كمف الكىمة‬
‫يعتبر العنكاف كاجية الكتاب‪ٌ ،‬‬
‫األكلى لما نتمقى عتبة مثؿ(معمقات عمى أستار الركح) تحمينا مباشرة إلى المعمقات السبع‬
‫الجاىمية التي كانت تيعمؽ عمى أستار الكعبة قبؿ مجيء اإلسالـ‪ ،‬كتعتبر ىذه القصائد مف أركع‬
‫كأنفس ما قيؿ في الشعر العربي القديـ كمثميا مثؿ معمقات "ابف عبيد" التي يعدىا مف أجكد‬
‫بف عبيد"‬ ‫أشعاره حتى اآلف ك ٌأنيا عمقت عمى أستار الركح المقدسة بالنسبة إليو‪ ،‬فالشاعر "‬
‫تناص كتحاكر مع النص األصمي مف حيث العنكنة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫ـ المصدر نفسه‪ :‬ص ‪.46‬‬
‫‪2‬‬
‫ـ القرآن الكرٌم‪ :‬سورة اإلسراء‪ ،‬اآلٌة ‪.80‬‬

‫‪112‬‬
‫أف العنكاف يتعالؽ نصيان مع بعض الدكاكيف الشعرية مثؿ ديكاف الشاعرة العراقية‬
‫كما ٌ‬
‫"دحمة الناصرم" معمقات عمى أستار العراؽ‪ ،‬ككذلؾ الشاعر المغربي "عبد الجكاد" معمقات عمى‬
‫أستار الكأس‪ ،‬ككذلؾ ديكاف الشاعر السكداني"الطيب محمكد النكر" معمقات عمى أستار‬
‫الخاطر‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫خاتػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػمة‬

‫‪114‬‬
‫يعد مكضكع التصكؼ مف أىـ المكاضيع الذم احتؿ مكانة مرمكقة في أدبنا العربي‬
‫عامة كالجزائرم خاصة‪ ،‬لما يحممو مف مبادئ خمقية عالية‪ ،‬لذا فكممة صكفية تعاكس كؿ‬
‫مظاىر المجكف كالغزؿ الحسي كتدعك إلى ما ىك مثالي خمقي يتصؿ بمحبة اهلل‪ ،‬كعبادتو‪،‬‬
‫كيترجـ كذلؾ تجاربيـ المنفردة ككصؼ حاالت الكجد التي تعترييـ جراء االتصاؿ كالنظر في‬
‫الجماؿ اإلليي المطمؽ‪،‬متخذيف مف الرمز األنثكم إطا نار أرضينا لبمكغ أسمى درجات التجمي‬
‫كالجماؿ‪.‬‬
‫كعمكما يمكف رصد أىـ النتائج التي أفضى إلييا البحث في النقاط التالية‪:‬‬
‫ػ ػ كرد الرمز عند الصكفية عمى نكعيف األكؿ منيما ما كاف عف كاتفاؽ كمكاضعة‪ ،‬كأخذ سمة‬
‫االصطالح عمى نحك ما يعرؼ ب االصطالحات الصكفية كاستعمؿ ىذا الرمز خشية عمى‬
‫معانييـ مف الضياع كالشيكع أما النكع الثاني فيرجع إلى تمؾ الحالة الكجدانية التي يعشييا‬
‫الصكفي مف خالؿ تجربتو‪.‬‬
‫ػ ػ األسمكب الرمزم ىك الطريؽ الكحيد الممكف الذم مف خاللو يستطيع الشاعر الصكفي التعبير‬
‫عف رياضتو الصكفية‪ ،‬كعممو بخفايا األمكر التي ال تنكشؼ إلى ألىؿ الحقيقة‪.‬‬
‫ػ ػ تتبايف المغة الصكفية عف المغة العادية أك المغة التكاصؿ اليكمي لككف المغة الصكفية حافمة‬
‫بالرمكز كاإلشارات‪.‬‬
‫ػ ػ استخداـ الشاعر لرمكز المرأة بطريقة بعيدة عف الحسية‪ ،‬فمممعشكقة كىي الذات اإلليية‪،‬‬
‫صفات بشرية كصفات أخرل ركحية‪ ،‬فالشاعر استخدـ رمز المرأة كإطار‪ ،‬أرضي لمتعبير عف‬
‫المحبة اإلليية‪.‬‬
‫ػ ػ استطاعت التجربة الصكفية أف تؤسس نظرة جديدة لممرأة كاألنثكية باعتبارىا رمز المقدس‪،‬‬
‫كمعبر ضركريا نحك المتعالي كالسرمدم ‪.‬‬
‫ػ ػ نالحظ أف رمز الخمر في شعر "ياسيف بف عبيد" قد منح لتجربة الشاعر دينامية جديدة قكاميا‬
‫الجمع بيف ما ىك حسي كال حسي‪ ،‬مف خالؿ الجمع بيف ثنائية السكر كالصحك‪ ،‬فالشاعر‬
‫استعمؿ رمز الخمرة الالحسية لمتعبير عف تجربتو الصكفية‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫ػ ػ لقد كجد الشاعر في عيكف المرأة مجاال لمنزكع إلى الحنيف الصكفي الذم ينقمو مف رتابة الحياة‬
‫المادية إلى رحاب الكجكد الباقي كمنابع الحياة الخالدة‪.‬‬
‫ػ ػ لكؿ شاعر أك كاتب معجمو الخاص بو الذم يستمد منو مصطمحاتو كمفرداتو‪ ،‬كفي شعر‬
‫ياسيف بف عبيد نممس مكىبتو الفذة في تطكيع مفرداتو المغكية كدفع عجمة المغة نحك الخمؽ‬
‫متكئا عمى معجـ صكفي كمستمدا ذم قكة كتكثيؼ داللي‪ ،‬فاستطاع بمغتو أف يخترؽ األزمنة‬
‫كاألمكنة‪.‬‬
‫ػ ػ كاف اتجاه بف عبيد إلى التصكؼ ضركرة فكرية نابعة مف تتممذه عمى يد قطب عف أقطابو في‬
‫الجزائر كىك الشيخ عمر أبك حفص الزمكرم‪ ،‬كاعجابو الشديد بو‪ ،‬كبأقطاب الصكفية‪.‬‬
‫ػ ػ نستشؼ أف المغة نحت منحى البساطة كاالبتعاد عف الغمكض أحيانا كما نحت منحى‬
‫الغمكض في أحاييف أخرل‪ ،‬كذلؾ لمتعبير عف تجاربو الصكفية التي تتكأ عمى المعجـ الصكفي‬
‫في غالب األحياف‪.‬‬
‫ػ ػ إف تكظيؼ تقنية التكرار خاصة بعض المفردات كالصيغ‪ ،‬أسيـ بشكؿ فعاؿ في شحف القصائد‬
‫بأنغاـ معبرة‪ ،‬كىي تمنح إيقاعا إضافيا لمقصيدة فتكسييا بنكية صكفية‪.‬‬
‫ػ ػ كاف الشاعر حريصا أف يجعؿ مف األصكات كالكممات قكة فاعمة كىك يكظؼ األسماء‪،‬‬
‫كالجمؿ االسمية ألنيا ذات طبيعة ىادئة األمر الذم يتماشى مع طبيعة القصيدة الصكفية‪.‬‬
‫ػ ػ إف حضكر عالمات الترقيـ في ديكاف معمقات عمى أستار الركح يجعؿ منيا مؤكال‪،‬فعالمة‬
‫التعجب تثير االنفعاؿ كالتساؤؿ‪،‬كالمتكاليتيف (‪ )..‬تشيراف إلى التكاصؿ‪ ،‬كالنقاط المتكالية (‪)...‬‬
‫تشير إلى استمرار الحدث كىي كميا تكحي بالتكتر كالقمؽ كىاجس اإلنعتاؽ عمى مر األياـ ككر‬
‫الميالي‪.‬‬
‫ػ ػ كظؼ الشاعر الثنائيات الضدية تكظيفا داال عمى حاالت االضطراب التي يعشييا‪ ،‬لتقريب‬
‫الشعكر كاإلحساس بالتجربة الصكفية‪ ،‬فالشاعر بف عبيد يحمؽ بجناحي الثنائيات الضدية‬
‫لممتصكفة مف انكشاؼ كستر كانقباض كانشراح‪ ،‬كقبض كبسط‪ ،‬ضمف محاكلة لتحقيؽ الككنية‬
‫ضمف أفؽ جديد ىر الحب اإلليي‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫ػ ػ تعد العتبات النصية أكؿ شيء يقع عمى ناظر المتمقي باعتبارىا المفتاح الذم يمج مف خالليا‬
‫إلى النص‪ ،‬فيتسمؿ مف خالؿ العنكاف باعتباره أكؿ عتبة يحاكؿ المتمقي فؾ رمكزىا‪،‬ثـ يأتي‬
‫الغالؼ كممارسة لتأكيؿ مضمكف النص الداخمي‪ ،‬حتى يصؿ إلى المقطع الشعرم الكارد في‬
‫الكاجية الخمفية‪،‬لجس نبض النص كفؾ شفراتو‪.‬‬
‫ػ ػ يدؿ التفاعؿ النصي المكجكد في ديكاف ياسيف بف عبيد عمى انفتاح النص الشعرم الصكفي‬
‫عمى عكالـ مختمفة‪ ،‬إذ ظؿ المتصكفة يغرفكف مف مجاالت عدة‪،‬كالقرآف الكريـ‪ ،‬كمختمؼ‬
‫الفمسفات الشرقية كالغربية‪ ،‬كىذا مف شأنو شحف القصائد بيالة مف المثاقفات مع نصكص عدة‬
‫فيظؿ النص الشعرم الصكفي أفؽ متعدد‪ ،‬مفتكح عمى القراءة كالتأكيؿ‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫البيبميوغرافيػػػػػػا‬

‫‪118‬‬
‫‪ I‬ػػػػػ المصادر‪:‬‬

‫‪ 1‬ػ ػ ػ القرآف الكريـ‪.‬‬


‫‪ 2‬ػ ػ ابف الفارض‪ :‬الديكاف ‪ ،‬د ط‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيركت‪ ،‬لبناف‪.1962 ،‬‬
‫العمدة في صناعة الشعر كنقده ‪ ،‬تح‪ :‬مفيد محمد‬ ‫‪ 3‬ػ ػ ػ ابف رشيؽ القركاني أبك عمي حسف ‪:‬‬
‫قميحة‪ ،‬ج ‪ ،7‬ط‪ ، 1‬دار الكتب العممية‪ ،‬بيركت‪.1983 ،‬‬
‫‪ 4‬ػ ػ ابف عربي‪:‬‬
‫‪ ‬ترجماف األشكاؽ‪ ،‬د ط‪ ،‬دار بيركت لمطباعة‪ ،‬لبناف‪.1981 ،‬‬
‫‪ ‬الفتكحات المكية‪ ،‬تح‪ :‬عثماف يحيى‪ ،‬مجمد ‪ ، 4‬الييئة المصرية العامة لمكتاب‪ ،‬القاىرة‪،‬‬
‫مصر‪.1972 ،‬‬
‫‪ ‬فصكص الحكـ‪ ،‬تح‪ :‬أبك العال عفيفي‪ ،‬ط ‪ ، 2‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بيركت‪.1980 ،‬‬
‫‪ 5‬ػ ػ ابف منظكر‪:‬‬
‫‪ ‬لساف العرب ‪ ،‬تر‪ :‬عامر أحمد حيدر‪ ،‬مر‪ :‬عبد المنعـ خميؿ إبراىيـ‪ ،‬مجمد ‪ ،9‬ط ‪،1‬‬
‫دار الكتب العممية‪ ،‬منشكرات عمي بيضكف‪ ،‬بيركت‪.‬‬
‫‪ ‬لساف العرب ‪ ،‬تنسيؽ كتعميؽ‪ ،‬عمي شيرم‪ ،‬ط ‪ ، 2‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيركت‪،‬‬
‫لبناف‪( 1992 ،‬مادة ضدد)‪.‬‬
‫‪ ‬لساف العرب‪ ،‬ج ‪ ، 5‬دار صادر كدار بيركت لمطباعة كالنشر‪ ،‬بيركت‪1955 ،‬ـ‪.‬‬
‫‪ 6‬ػ ػ أبك الفرج قدامة بف جعفر‪ :‬نقد الشعر ‪ ،‬تح‪ :‬محمد عبد المنعـ خفاجي‪ ،‬د ط‪ ،‬دار الكتب‬
‫العممية‪ ،‬لبناف‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ص ‪ 147‬ػ ‪.148‬‬
‫‪ 7‬ػ ػ أبك عثماف عمرك بف بحر الجاحظ‪:‬‬
‫‪ ‬البياف كالتبييف‪ ،‬ج ‪ ، 01‬دار التراث العربي‪ ،‬بيركت‪ ،‬لبناف‪1968 ،‬ـ‪.‬‬
‫‪ ، 3‬المجمع العممي العربي اإلسالمي‪ ،‬لبناف‪،‬‬ ‫‪ ‬الحيكاف‪ ،‬تح‪ :‬عبد السالـ ىاركف‪ ،‬ط‬
‫‪.1969‬‬
‫‪ 8‬ػ ػ أبك نكاس‪ :‬الديكاف‪ ،‬تح‪ :‬أحمد عبد المجيد الغزالي‪ ،‬مطبعة مصر‪.1953 ،‬‬
‫‪ 9‬ػ ػ بف جيـ عمي‪ :‬الديكاف‪ ،‬تح‪ :‬خميؿ مردـ‪ ،‬ط ‪ ، 3‬دار صادر‪ ،‬بيركت‪ ،‬لبناف‪1996 ،‬ـ‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫‪ 10‬ػ ػ بف عبيد ياسيف‪ :‬معمقات عمى أستار الركح (مجمكعة شعرية)‪ ،‬منشكرات دار الكتاب‪،‬‬
‫الجزائر‪.2003 ،‬‬
‫‪ 11‬ػ ػ الجرجاني عبد القاىر‪ :‬أسرار البالغة ‪ ،‬ط ‪ ، 1‬مطبكعات المدني‪ ،‬مصر‪.1991 ،‬‬
‫‪ 12‬ػ ػ الجرجاني عمي ابف محمد‪:‬‬
‫‪ ‬التعريفات ‪ ،‬د ط‪ ،‬المطبعة الخيرية‪ ،‬مصر ‪ 1306 ،‬ىػ‪.‬‬
‫‪ ‬التعريفات‪ ،‬ط ‪ ، 1‬دار الكتاب المصرم‪ ،‬القاىرة‪1991 ،‬ـ‪.‬‬
‫‪ 13‬ػ ػ الزمخشرم‪ :‬أساس البالغة‪ ،‬دار صادر لمطباعة كالنشر‪ ،‬بيركت‪1965 ،‬ـ‪.‬‬
‫‪ 14‬ػ ػ السراج الطكسي‪:‬‬
‫‪ ‬الممع في تاريخ التصكؼ اإلسالمي‪ ،‬د ط‪ ،‬دار التكفيقية لمطباعة‪ ،‬مصر‪ ،‬د‪.‬س‪.‬‬
‫‪ ‬الممع‪ ،‬تح‪ :‬عبد الحميـ محمكد كطو عبد الباقي سركر‪ ،‬دار الكتب الحديثة بالقاىرة‪،‬‬
‫مصر‪.1960 ،‬‬
‫‪ 15‬ػ ػ ػ العسكرم أبك ىالؿ‪ :‬الصناعتيف‪ ،‬تح‪ :‬مفيد قميحة‪ ،‬ط ‪ ، 2‬دار الكتب العممية‪ ،‬بيركت‪،‬‬
‫‪.1974‬‬
‫‪ 16‬ػ ػ الغزالي أبك حامد‪ :‬المنقذ مف الظالؿ‪ ،‬د ط‪ ،‬القاىرة‪ 1316 ،‬ىػ‪.‬‬
‫‪ 17‬ػ ػ الفيركزابادم‪ :‬القامكس المحيط‪ ،‬ط ‪ ، 5‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيركت‪1966 ،‬ـ‪.‬‬
‫‪ 18‬ػ ػ ػ الكالباذم أبك بكر‪ :‬التعرؼ لمذىب أىؿ التصكؼ‪ ،‬د ط‪ ،‬القاىرة‪. 1960 ،‬‬

‫‪ II‬ػػػػػ المراجع بالمغة العربية‪:‬‬


‫‪ 1‬ػ ػ إبراىيـ مصطفى كآخركف‪ :‬المعجـ الكسيط‪ ،‬دار العكدة‪ ،‬اسطنبكؿ‪ ،‬تككيا‪.1989 ،‬‬
‫‪ 2‬ػ ػ ابف معتز ‪ :‬طبقات الشعراء ‪ ،‬د ط‪ ،‬تح‪ :‬عبد الستار أحمد فراج‪ ،‬دار المعارؼ‪ ،‬مصر‪،‬‬
‫‪.1956‬‬
‫‪ 3‬ػ ػ أبك الحسف زكرياء ابف فارس ‪ :‬الصاحبي في فقو المغة كمسائميا كسنف العرب في كالميا ‪،‬‬
‫تح‪ :‬عمر فركؽ الطباع‪ ،‬ط ‪ ، 1‬مكتبة المعارؼ‪ ،‬بيركت‪.1993 ،‬‬
‫معجـ المصطمحات الصكفية ‪ ،‬ط ‪ ، 1‬مكتبة لبناف ناشركف‪ ،‬لبناف‪،‬‬ ‫‪ 4‬ػ ػ أبي قراـ فؤاد أنكار‪:‬‬
‫‪.1993‬‬
‫‪ 5‬ػ ػ أحمد أميف‪ ،‬النقد األدبي‪ ،‬ط ‪ ، 4‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بيركت‪.1967 ،‬‬

‫‪120‬‬
‫‪ 6‬ػ ػ أحمد رضا‪ :‬معجـ متف المغة‪ ،‬د ط‪ ،‬منشكرات دار مكتبة الحياة‪ ،‬بيركت‪.1960 ،‬‬
‫‪ 7‬ػ ػ أدكنيس عمي أحمد سعيد‪:‬‬
‫‪ ‬مقدمة لمشعر العربي‪ ،‬ط ‪ ، 3‬دار العكدة‪ ،‬بيركت‪.1979 ،‬‬
‫‪ ‬الثابت كالمتحكؿ‪ ،‬د ط‪ ،‬دار العكدة‪ ،‬بيركت‪ ،‬لبناف‪.1977 ،‬‬
‫‪ ‬الصكفية كالسريالية‪ ،‬ط ‪ ، 1‬دار الساقي‪ ،‬بيركت‪ ،‬لبناف‪.1992 ،‬‬
‫‪ ‬ديكاف الشعر العربي‪ ،‬الكتاب األكؿ‪ ،‬المكتبة العصرية‪ ،‬بيركت‪.1964 ،‬‬
‫‪ ‬زمف الشعر‪ ،‬ط ‪ ، 2‬دار العكدة‪ ،‬بيركت‪ ،‬لبناف‪.1978 ،‬‬
‫‪ ‬الصكفية كالسكريالية‪ ،‬ط ‪ ، 2‬دار الساقي‪ ،‬بيركت‪ ،‬لبناف‪.1990 ،‬‬
‫‪ ‬الصكفية كالسكريالية‪ ،‬ط ‪ ، 3‬دار الساقي‪ ،‬بيركت‪ ،‬لبناف‪.2006 ،‬‬
‫‪ 8‬ػ ػ إسماعيؿ عز الديف‪:‬‬
‫‪ ‬الشعر العربي المعاصر (قضايا كظكاىره الفنية كالمعنكية )‪ ،‬ط ‪ ، 3‬دار العكدة‪ ،‬بيركت‪،‬‬
‫لبناف‪.1981 ،‬‬
‫‪ ‬الشعر العربي المعاصر‪ ،‬ط ‪ ، 5‬دار العكدة‪ ،‬بيركت‪ ،‬لبناف‪.1988 ،‬‬
‫‪ 9‬ػ ػ أميف يكسؼ عكدة‪ :‬تأكيؿ الشعر كفمسفتو عند الصكفية (ابف عربي) ‪ ،‬ط‪ ،1‬منشكرات رابطة‬
‫الكتاب األردنييف‪ ،‬عماف‪.1995 ،‬‬
‫مذاىب األدب معالـ كانعكاسات ‪ ،‬ج ‪ ،2‬الرمزية‪ ،‬ط ‪ ،1‬المؤسسة‬ ‫‪ 10‬ػ ػ األيكبي ياسيف‪:‬‬
‫الجامعية لمنشر كالتكزيع‪ ،‬بيركت‪ ،‬لبناف‪.1982 ،‬‬
‫‪ 11‬ػ ػ بدير عكف فيصؿ‪ :‬تصكؼ اإلسالمي الطريؽ كالرجا ؿ‪ ،‬د ط‪ ،‬مكتبة سعيد رأفت‪ ،‬جامعة‬
‫عيف الشمس‪.1983 ،‬‬
‫‪ ،‬مجمة‬ ‫الخطاب الشعرم الحديث مف المغكم إلى التشكيؿ البصرم‬ ‫‪ 12‬ػ ػ ػ بف حميد رضا‪:‬‬
‫فصكؿ‪ ،‬القاىرة‪ ،‬العدد ‪ ،2‬يناير‪.1996 ،‬‬
‫‪ 13‬ػ ػ ػ بف فارس أحمد‪ :‬معجـ مقاييس المغة‪ ،‬ط ‪ ،2‬مؤسسة الرسالة‪ ،1986 ،‬مادة ف ص‪.‬‬
‫الصكفية عقيدة كأىداؼ ‪ ،‬ط ‪ ، 1‬دار الكطف لمنشر‪ ،‬رمضاف‪،‬‬ ‫‪ 14‬ػ ػ ػ بنت عبد اهلل ػميمى‪:‬‬
‫‪1410‬ىػ‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫‪ 15‬ػ ػ ػ بنيس محمد‪:‬‬
‫‪ ‬الشعر العربي الحديث (بنياتو كابداالتو)‪ ،‬ج ‪ ،3‬الشعر المعاصر‪ ،‬ط ‪ ،3‬دار تكبقاؿ‪،‬‬
‫دار البيضاء‪ ،‬المغرب‪.2001 ،‬‬
‫‪ ،‬ط ‪ ،1‬دار العكدة‪،‬‬ ‫‪ ‬ظاىرة الشعر المعاصر في المغرب (مقاربة بنيكية كتككينية)‬
‫بيركت‪.1979 ،‬‬
‫‪ 16‬ػ ػ ػ نسيمة بكصالح‪ :‬تجمي الرمز في الشعر الجزائرم المعاصر ‪( ،‬شعراء رابطة إبداع الثافية‬
‫نمكذجان)‪ ،‬ط ‪ ، 1‬رابطة اإلبداع الثقافية الكطنية‪ ،‬الجزائر‪.2003 ،‬‬

‫‪ 17‬ػ ػ ػ تبرماسيف عبد الرحماف‪ :‬البنية اإليقاعية لمقصيدة المعاصرة في الجزائر‪ ،‬د ط‪ ،‬دار الفجر‬
‫لمنشر كالتكزيع‪ ،‬القاىرة‪ ،‬مصر‪.2003 ،‬‬
‫‪ 18‬ػ ػ ػ تميمة عبد المنعـ‪ :‬مقدمة في نظرية األدب ‪ ،‬د ط‪ ،‬دار لمثقافة لمطباعة كالنشر‪ ،‬القاىرة‪،‬‬
‫مصر‪.1976 ،‬‬
‫الكنز في المسائؿ الصكفية ‪ ،‬د ط‪ ،‬الييئة المصرية العامة‬ ‫‪ 19‬ػ ػ ػ التيجاني صالح الديف‪:‬‬
‫لمكتاب‪ ،‬مصر‪.1999 ،‬‬
‫‪ 20‬ػ ػ ػ حاكم إيميا‪ :‬الرمزية كالسكريالية في الشعر الغربي العربي ‪ ،‬د ط‪ ،‬دار الثقافية‪ ،‬بيركت‪،‬‬
‫لبناف‪.1980 ،‬‬
‫‪ 21‬ػ ػ ػ الحكيـ سعاد‪ :‬المعجـ الصكفي‪ ،‬ط ‪ ، 1‬دندرة لمطباعة كالنشر‪ ،‬لبناف‪.1981 ،‬‬
‫‪ 22‬ػ ػ الحنفي عبد المنعـ‪ :‬المكسكعة الصكفية‪ ،‬ط ‪ ، 1‬مكتبة مدبكلي‪ ،‬القاىرة‪ ،‬مصر‪.2003 ،‬‬
‫‪ 23‬ػ ػ ػ الخطيب عمي‪ :‬اتجاىات األدب الصكفي بيف الحالج كابف عربي‪ ،‬دار المعارؼ‪ ،‬مصر‪،‬‬
‫‪ 1404‬ىػ‪.‬‬
‫‪ 24‬ػ ػ ػ دركيش الجندم‪ :‬الرمزية في األدب العربي ‪ ،‬د ط‪ ،‬دار النيضة مصر لمطباعة كالنشر‪،‬‬
‫القاىرة‪ ،‬مصر‪.1972 ،‬‬
‫‪ 25‬ػ ػ ػ رضكاف الصادؽ الكىابي‪ :‬الخطاب الشعرم الصكفي كالتأكيؿ ‪ ،‬ط ‪ ،1‬منشكرات زاكية‪،‬‬
‫الرباط‪ ،‬المغرب‪.2007 ،‬‬
‫‪ 26‬ػ ػ ػ رماني إبراىيـ‪:‬‬

‫‪122‬‬
‫د ط‪ ،‬ديكاف المطبكعات الجامعية‪ ،‬الجزائر‪،‬‬ ‫‪ ‬الغمكض في الشعر العربي الحديث‪،‬‬
‫‪.1991‬‬
‫‪ ‬أكراؽ في النقد األدبي‪ ،‬ط ‪ ، 1‬دار الشياب‪ ،‬باتنة‪ ،‬الجزائر‪.1985 ،‬‬
‫‪ 27‬ػ ػ ػ زدادقة سفياف‪ :‬الحقيقة كالسراب قراءة في البعد الصكفي عند أدكنيس ‪ ،‬ط ‪ ،1‬منشكرات‬
‫االختالؼ‪ ،‬الجزائر‪.2008 ،‬‬
‫‪ 28‬ػ ػ ػ الزكزني ‪ :‬شرح المعمقات السبع ‪ ،‬د ط‪ ،‬دار بيركت لمطباعة كالنشر‪ ،‬بيركت‪ ،‬لبناف‪،‬‬
‫‪.1970‬‬
‫‪ 29‬ػ ػ ػ السعدني مصطفى‪ :‬البنيات األسمكبية‪ ،‬د ط‪ ،‬منشأة اإلسكندرية‪.1987 ،‬‬
‫شعر التصكؼ في األندلس ‪ ،‬د ط‪ ،‬دار المعرفة‬ ‫‪ 30‬ػ ػ ػ سميماف المصرم سالـ عبد الرزاؽ‪:‬‬
‫الجامعية‪ ،‬مصر‪.2007 ،‬‬
‫‪ 31‬ػ ػ الشرقاكم حسف‪ :‬معجـ األلفاظ الصكفية ‪ ،‬ط ‪ ، 1‬مؤسسة مختار لنشر كالتكزيع‪ ،‬القاىرة‪،‬‬
‫‪1987‬ـ‪.‬‬
‫‪ 32‬ػ ػ صادؽ بف سميـ صادؽ‪ :‬المصادر العامة لمتمقي عند الصكفية عرضان كنقدان‪ ،‬ط ‪ ،1‬مكتبة‬
‫الرشد‪ ،‬الرياض‪.1995 ،‬‬

‫‪ 33‬ػ ػ الصديؽ ضياء‪ :‬فصكؿ في النقد األدبي كتاريخو (دراسة كتطبيؽ)‪ ،‬ط ‪ ،1‬دار الكفاء‪،‬‬
‫مصر‪.1989 ،‬‬
‫‪ 34‬ػ ػ ضيؼ شكقي‪ :‬فصكؿ في الشعر كنقده‪ ،‬د ط‪ ،‬دار الكتب العممية‪ ،‬مصر‪.2008 ،‬‬
‫‪ 35‬ػ ػ ػ الطرابمسي محمد اليادم‪ ،‬خصائص األسمكب في الشكقيات‪ ،‬منشكرات الجامعة التكنسية‪،‬‬
‫‪.1981‬‬
‫‪ 36‬ػ ػ ػ طو كادم‪ :‬جماليات القصيدة المعاصرة‪ ،‬ط ‪ ، 1‬مطبعة دار المعارؼ‪ ،‬القاىرة‪.1989 ،‬‬
‫‪ 37‬ػ ػ ػ عاطؼ جكدة نصر‪:‬‬
‫‪ ‬الخياؿ كمفيكماتو ككظائفو‪ ،‬د ط‪ ،‬الييئة المصرية العامة لمكتاب‪.1984 ،‬‬
‫‪ ‬الرمز الشعرم عند الصكفية‪ ،‬ط ‪ ، 3‬دار األندلس لمطباعة كالنشر‪ ،‬لبناف‪.1983 ،‬‬
‫‪ ‬شعر عمر ابف الفارض‪ ،‬د ط‪ ،‬منشأة المعارؼ باإلسكندرية‪ ،‬مصر‪.1994 ،‬‬
‫‪ 38‬ػ ػ ػ عباس إحساف‪ :‬فف الشعر‪ ،‬د ط‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيركت‪ ،‬لبناف‪.1996 ،‬‬

‫‪123‬‬
‫‪ 39‬ػ ػ ػ عبد القادر أبك شريفة كحسيف الفي قزؽ‪ ،‬مدخؿ إلى تحميؿ الخطاب األدبي ‪ ،‬ط ‪ ،4‬دار‬
‫الفكر‪ ،‬عماف‪ ،‬األردف‪.2008 ،‬‬

‫جدة‪،‬‬
‫‪ 40‬ػ ػ العدكاني معجب‪ :‬تشكيؿ المكاف كظالؿ العتبات‪ ،‬ط ‪ ،1‬النادم األدبي الثقافي‪ٌ ،‬‬
‫مممكة العربية السعكدية‪.2002 ،‬‬
‫‪ 41‬ػ ػ ػ العالؽ عمي جعفر‪ :‬في حداثة النص الشعرم ‪ ،‬ط ‪ ، 1‬دار الشركؽ‪ ،‬عماف‪ ،‬األردف‪،‬‬
‫‪.2003‬‬
‫‪ 42‬ػ ػ عمي عشرم زايد‪ :‬استدعاء الشخصيات التراثية في الشعر العربي المعاصر ‪ ،‬دار الفكر‬
‫العربي‪ ،‬القاىرة‪ ،‬مصر‪.1998 ،‬‬
‫القصيدة كالنص المضاد ‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬بيركت‪ ،‬لبناف‪،‬‬ ‫‪ 43‬ػ ػ الغذامي عبد اهلل‪:‬‬
‫‪.1994‬‬
‫‪ 44‬ػ ػ الغرفي حسف‪ :‬حركية اإليقاع في الشعر العربي المعاصر ‪ ،‬د ط‪ ،‬إفريقيا الشرؽ‪ ،‬الدار‬
‫البيضاء‪ ،‬المغرب‪.2001 ،‬‬
‫‪ 45‬ػ ػ غنيمي ىالؿ محمد‪ :‬األدب المقارف‪ ،‬د ط‪ ،‬دار العكدة‪ ،‬بيركت‪ ،‬لبناف‪.1987 ،‬‬
‫‪ 46‬ػ ػ ػ فضؿ صالح‪:‬‬
‫‪( ‬نظرية البنائية)‪ ،‬ط ‪ ، 1‬الييئة العصرية العامة لمكتاب‪ ،‬القاىرة‪.‬‬
‫‪ ‬نبرات الخطاب الشعرم‪ ،‬د ط‪ ،‬دار قباء‪ ،‬القاىرة‪.1998 ،‬‬
‫‪ 47‬ػ ػ ػ القرشي سميماف‪ :‬الحضكر األنثكم في التجربة الصكفية بيف الجماؿ كالقدسي ‪ ،‬مجمة فكر‬
‫كنقد‪ ،‬عدد ‪.2004 ،40‬‬
‫‪ 48‬ػ ػ ػ القشيرم أبك القاسـ‪:‬‬
‫‪ ، 1‬المكتبة العصرية‪ ،‬بيركت‪،‬‬ ‫‪ ‬الرسالة القشيرية ‪ ،‬تح‪ :‬معركؼ مصطفى رزيؽ‪ ،‬ط‬
‫لبناف‪.2001 ،‬‬
‫‪ ،1‬دار‬ ‫‪ ‬الرسالة القشيرية في عمـ التصكؼ‪ ،‬تح‪ :‬أحمد اإلسكندرم كأحمد عناية‪ ،‬ط‬
‫الكتاب العربي‪ ،‬دمشؽ‪ ،‬القاىرة‪.2004 ،‬‬
‫‪ 49‬ػ ػ ػ الكاشاني ‪ :‬المعجـ اصطالحات الصكفية ‪ ،‬ط ‪ ، 1‬دار المنار لمطبع كالنشر كالتكزيع‪،‬‬
‫مصر‪.1992 ،‬‬

‫‪124‬‬
‫‪ 50‬ػ ػ ػ كعكاف محمد‪ :‬الشعرية الرؤيا كأفقية التأكيؿ ‪ ،‬ط ‪ ، 1‬منشكرات اتحاد الكتاب الجزائرية‪،‬‬
‫الجزائر‪.2003 ،‬‬
‫‪ 51‬ػ ػ ػ الكالباذم‪ :‬التعرؼ لمذىب أىؿ التصكؼ‪ ،‬د ط‪ ،‬القاىرة‪ ،‬مصر‪.1960 ،‬‬
‫‪ 52‬ػ ػ ػ الكندم محمد عمي‪ :‬الرمز كالقناع في الشعر العربي الحديث (السياب كنازؾ كالبياتي )‪،‬‬
‫ط ‪ ، 1‬دار الكتاب الجديد‪ ،‬بيركت‪ ،‬لبناف‪.2003 ،‬‬
‫‪ 53‬ػ ػ ػ لسعيد الكرقي‪ :‬لغة الشعر الحديث ‪ ،‬ط ‪ ، 3‬دار النيضة العبية لمطباعة كالنشر‪ ،‬بيركت‪،‬‬
‫‪.1984‬‬
‫‪ 54‬ػ ػ ػ محمد فتكح أحمد‪ :‬الرمز كالرمزية في الشعر المعاصر ‪ ،‬ط ‪ ،2‬دار المعارؼ‪ ،‬القاىرة‪،‬‬
‫مصر‪.1978 ،‬‬
‫‪ 55‬ػ ػ ػ مرتاض عبد المالؾ‪ :‬تحميؿ الخطاب السردم (معالجة تفكيكية سيميائية مركبة لركاية‬
‫زقاؽ المدف)‪ ،‬ط ‪ ، 1‬ديكاف المطبكعات الجامعية‪ ،‬بف عكنكف ‪ ،‬الجزائر‪.1975 ،‬‬
‫‪ 56‬ػ ػ ػ مصطفام مكىكب‪ :‬المثالية في الشعر العربي‪ ،‬ديكاف المطبكعات الجامعية‪ ،‬الجزائر‪،‬‬
‫‪.1982‬‬
‫‪ 57‬ػ ػ ػ المعمـ بطرس‪ :‬محيط المحيط‪ ،‬ط ‪ ، 2‬مكتبة لبناف ناشركف‪ ،‬لبناف‪ ،1998 ،‬ص ‪63‬‬
‫(باب عمي)‪.‬‬
‫‪ 58‬ػ ػ ػ مفتاح محمد‪:‬‬
‫‪ ‬تحميؿ الخطاب الشعرم‪ ،‬إستراتيجية التناص ‪ ،‬ط ‪ ، 3‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬الدار‬
‫البيضاء‪.1992 ،‬‬
‫‪ ‬ديناميكية النص (تنظير كانجاز)‪ ،‬ط ‪ ، 2‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬بيركت‪ ،‬لبناف‪.1990 ،‬‬
‫‪ 59‬ػ ػ ػ منصؼ عبد الحؽ‪ :‬الكتاب كالتجربة الصكفية (نمكذج لمحي الديف ابف عربي) ‪ ،‬ط ‪،1‬‬
‫منشكرات عكاظ‪ ،‬الرباط‪ ،‬المغرب‪.1988 ،‬‬
‫‪ 60‬ػ ػ ػ مكافي عثماف‪ :‬التيارات األجنبية في الشعر العربي‪ ،‬د ط‪ ،‬دار المعرفة الجامعية‪.‬‬
‫‪ 61‬ػ ػ ػ مكسى خميؿ‪:‬‬
‫‪ ‬الحداثة في حركة الشعر العربي المعاصر‪ ،‬ط ‪ ، 1‬مطبعة الجميكرية‪ ،‬دمشؽ‪.1991 ،‬‬
‫‪ ‬قراءات في الشعر العربي الحديث كالمعاصر ‪ ،‬د ط‪ ،‬منشكرات اتحاد الكتاب العرب‪،‬‬
‫دمشؽ‪.2000 ،‬‬

‫‪125‬‬
‫‪ 62‬ػ ػ نازؾ المالئكة‪:‬‬
‫‪ ‬قضايا الشعر المعاصر‪ ،‬ط ‪ ، 4‬دار العمـ لممالييف‪ ،‬بيركت‪ ،‬لبناف‪.2005 ،‬‬
‫‪ ‬قضايا الشعر المعاصر‪ ،‬ط ‪ ، 3‬منشكرات مكتبة النيضة‪.1967 ،‬‬
‫‪ 63‬ػ ػ ػ نذير العظمة‪ :‬المعراج كالرمز الصكفي‪ ،‬د ط‪ ،‬دار البحث‪ ،‬د ت‪.‬‬
‫‪ 64‬ػ ػ نكر سمماف ‪ :‬معالـ الرمز في الشعر الصكفي العربي ‪ ،‬د ط‪ ،‬الجامعة األمريكية‪ ،‬بيركت‪،‬‬
‫حزيراف ‪.1954‬‬
‫‪ 65‬ػ ػ اليجكيرم‪ :‬كشؼ المحجكب ‪ ،2‬دط‪ ،‬دار النيضة العربية‪ ،‬لبناف‪.1973 ،‬‬
‫ط ‪ ،1‬المكتب‬ ‫اتجاىات الشعر العربي في القرف الثاني اليجرم‪،‬‬ ‫‪ 66‬ػ ػ ىدارة مصطفى‪:‬‬
‫اإلسالمي‪.1981 ،‬‬
‫‪ 67‬ػ ػ ىيمة عبد الحميد‪ :‬البنيات األسمكبية في الشعر الجزائرم المعاصر ‪ ،‬ط ‪ ،1‬دار ىكمو‪،‬‬
‫الجزائر‪.1998 ،‬‬
‫جمالية األنا في شعر األعشى الكبير ‪ ،‬ط ‪ ،1‬المركز الثقافي العربي‪،‬‬ ‫‪ 68‬ػ ػ كاد حسيف‪:‬‬
‫المغرب‪.2001 ،‬‬
‫‪ 69‬ػ ػ الكالي أبك بكر‪ :‬قيس بف الممكح مجنكف ليمى‪ ،‬دراسة كتعميؽ ييًدم عبد الغني ‪ ،‬ط ‪ ،1‬دار‬
‫الكتب العممية‪ ،‬بيركت‪ ،‬لبناف‪.1999 ،‬‬
‫ط ‪ ،1‬المركز الثقافي‬ ‫‪ 70‬ػ ػ الكلي محمد‪ :‬الصكرة الشعرية في الخطاب البالغي كالنقدم‪،‬‬
‫العربي‪ ،‬لبناف‪.1990 ،‬‬
‫‪ 71‬ػ ػ ػ يحي الشيخ صالح‪ :‬شعر الثكرة عند مفدم زكرياء (دراسة تحميمية جمالية )‪ ،‬دار البعث‪،‬‬
‫الجزائر‪.1987 ،‬‬
‫‪ 72‬ػ ػ يمنى العيد‪ ،‬في معرفة النص (دراسات في النقد األدبي )‪ ،‬ط ‪ ،4‬دار اآلداب‪ ،‬بيركت‪،‬‬
‫لبناف‪.1999 ،‬‬
‫‪ 73‬ػ ػ ػ اليكسفي محمد لطفي‪ :‬في بنية الشعر العربي المعاصر ‪ ،‬ط ‪ ، 1‬سراس لمنشر‪ ،‬تكنس‪،‬‬
‫‪.1985‬‬

‫‪126‬‬
‫‪ III‬ػػػػػػ المراجع المترجمة إلى العربية‪:‬‬
‫‪ 1‬ػ ػ بكؿ ريككر‪ :‬نظرية التأكيؿ "الخطاب كفائض المعنى"‪ ،‬ط ‪ ،1‬تر‪ :‬سعيد الغنمي‪ ،‬المركز‬
‫الثقافي العربي‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪.2003 ،‬‬
‫‪ 2‬ػ ػ تشارلز تشادكيؾ‪ :‬الرمزية‪ ،‬د ط‪ ،‬تر‪ :‬نسيـ يكسؼ إبراىيـ‪ ،‬الييئة المصرية العامة لمكتاب‪،‬‬
‫القاىرة‪ ،‬مصر‪.1997 ،‬‬
‫‪ ،1‬دار تكبقاؿ‪،‬‬ ‫‪ 3‬ػ ػ جاف ككىف‪ :‬بنية المغة الشعرية ‪ ،‬تر‪ :‬محمد الكالي كمحمد العمرم‪ ،‬ط‬
‫المغرب‪.1986 ،‬‬
‫‪ 4‬ػ ػ جكليا كرستيفا‪:‬‬
‫‪ ‬عمـ النص‪ ،‬تر‪ :‬فريد الزاىي‪ ،‬ط ‪ ، 2‬دار تكبقاؿ لمنشر‪ ،‬الدار البيضاء‪.1977 ،‬‬
‫‪ ،1‬دار تكبقاؿ لمنشر‪،‬‬ ‫‪ ‬عمـ النص ‪ ،‬تر‪ :‬فريد الزاىي‪ ،‬مراجعة عبد الجميؿ ناظـ‪ ،‬ط‬
‫المغرب‪.1991 ،‬‬
‫‪ 5‬ػ ػ فيميب مانغ‪ :‬نسؽ المتعدد‪ ،‬تر‪ :‬عبد العزيز بف عرفة‪ ،‬ط ‪ ، 1‬دار الحكار لمنشر‪ ،‬سكريا ‪،‬‬
‫‪.2003‬‬
‫‪ 6‬ػ ػ ىنرم بير‪ :‬األدب الرمزم‪ ،‬تر‪ :‬ىنرم زغيب‪ ،‬ط ‪ ، 1‬منشكرات عكيدات‪ ،‬بيركت‪ ،‬لبناف‪،‬‬
‫‪.1981‬‬
‫‪ 7‬ػ ػ نظرية المثؿ عند أفالطكف‪ :‬تر‪ :‬سمير كرـ‪ ،‬ط ‪ ، 6‬دار الطميعة‪ ،‬بيركت‪.1987 ،‬‬

‫‪ IV‬ػػػػػ المراجع بالمغة األجنبية‪:‬‬

‫‪1 - Claude Kannas, Larousse, Dictionnaire de linguistique et de Science du‬‬


‫‪langage, assistée de Janine Faure, Décembre, 1994.‬‬
‫‪2 - Dictionnaire Encyclopédique de L/F, le Maxi dico, Edition de la connaissance,‬‬
‫‪Paris, 1966.‬‬
‫‪3 - Larousse Encyclopédique en couleurs, Edition du club, France loisirs, Paris,‬‬
‫‪1993.‬‬
‫‪4 - Le petit Larousse compacte, Le premier du siècle, Canada, Juillet 2000, P 555.‬‬
‫‪5 - Petit Larousse, librairie Larousse, Paris, Cedex, 1998.‬‬

‫‪127‬‬
‫‪ IV‬ػػػػػ المجالت والدوريات‬
‫‪ 1‬ػ ػ ػ مجمة المخبر‪ ،‬العدد ‪ ، 7‬جامعة محمد خيضر‪ ،‬بسكرة‪ ،‬الجزائر‪.2011 ،‬‬
‫‪ 2‬ػ ػ مجمة الخطاب الصكفي‪ ،‬عدد ‪ ، 2‬دار ىكمو‪ ،‬جامعة الجزائر‪.2010 ،‬‬
‫‪ 3‬ػ ػ مجمة العرب كالفكر العالمي‪ ،‬العدداف ‪ 19‬ك‪ ، 20‬مركز اإلنماء القكمي‪.1992 ،‬‬
‫‪ 4‬ػ ػ مجمة أـ القرل لعمكـ الشريعة كالمغة العربية كآدابيا‪ ،‬ج ‪ ،15‬العدد ‪ ،26‬صفر ‪ 1424‬ىػ‪.‬‬
‫‪ 5‬ػ ػ ػ محاضرات الممتقى الكطني الثاني‪ ،‬منشكرات الجامعة‪ ،‬بسكرة‪ ،‬الجزائر في ‪ 15‬ك‪ 16‬أفريؿ‬
‫‪.2000‬‬

‫‪ VII‬ػػػػػ الرسائؿ الجامعية‪:‬‬

‫‪ 1‬ػ ػ بمعريبي العايب‪ :‬جماليات المككنات الشعرية في شعر ياسيف بف عبيد ‪ ،‬مذكرة لنيؿ شيادة‬
‫‪ 2008‬ػ‬ ‫الماجستير في األدب الجزائرم الحديث (مخطكطة)‪ ،‬جامعة الحاج لخضر‪ ،‬باتنة‪،‬‬
‫‪.2009‬‬
‫‪ 2‬ػ ػ رحيـ عبد القادر‪ :‬سيميائية العنكاف في شعر مصطفى محمد الغمارم ‪ ،‬مذكرة لنيؿ شيادة‬
‫الماجستير‪ ،‬جامعة بسكرة‪ ،‬الجزائر‪ 2004 ،‬ػ ‪.2005‬‬
‫‪ 3‬ػ ػ ػ شيباف سعيد‪ :‬الرمز في الشعر الجزائرم المعاصر‪ ،‬مذكرة لنيؿ شيادة الماجستير في األدب‬
‫العربي‪( ،‬مخطكطة)‪ ،‬جامعة تيزم كزك‪ ،‬الجزائر‪.2001 /2000 ،‬‬
‫‪ ،‬رسالة‬ ‫الرمز كدالالتو في الشعر العربي الفمسطيني الحديث‬ ‫‪ 4‬ػ ػ محمد مصطفى كالب‪:‬‬
‫دكتكراه مخطكطة‪ ،‬جامعة الفاتح‪.2002 ،‬‬
‫‪ 5‬ػ ػ مكسح دليمة‪ :‬المرجعيات الفكرية كالفنية في شعر ابف عبيد ‪ ،‬رسالة الماجستير (مخطكطة)‪،‬‬
‫جامعة بسكرة‪ 2006 ،‬ػ ‪.2007‬‬

‫‪128‬‬
‫فيػػػػػػرس الموضوعات‬

‫‪129‬‬
‫فػػػػيرس الموضػػػػػوعات‬

‫إىػػػػػػػػػػػػداء‬
‫‪..........................................................................‬‬
‫أ‬ ‫مقدمػػػػػػػػػة‬
‫‪..............................................‬‬
‫‪02‬‬ ‫مدخؿ‪ :‬في ماىية التصكؼ لغ نة كاصطالحنا‬
‫الفصؿ األوؿ‪ :‬تجميات الرمز‬
‫‪..................................................‬‬
‫‪18‬‬ ‫‪ 1‬ػ ػ ‪ 1‬ػ ػ مفيكـ الرمز‪ :‬أ ػ ػ لغ نة‬

‫‪21‬‬ ‫ب ػ ػ اصطالحنا‪............................................‬‬
‫‪.........................................................‬‬
‫‪27‬‬ ‫‪ 1‬ػ ػ ‪ 2‬ػ ػ الرمز الصكفي‬
‫‪..............................................‬‬
‫‪35‬‬ ‫‪ 1‬ػ ػ ‪ 3‬ػ ػ رمز المرأة (الحب اإلليي)‬
‫‪............................................................‬‬
‫‪45‬‬ ‫‪ 1‬ػ ػ ‪ 4‬ػ ػ رمز الخمرة‬
‫‪............................................................‬‬
‫‪55‬‬ ‫‪ 1‬ػ ػ ‪ 5‬ػ ػ رمز العيكف‬
‫الفصؿ الثاني‪ :‬البنية المغوية واإليقاعية‬
‫‪ 1‬ػ ػ ‪ 1‬ػ ػ طبيعة المغة الشعرية ‪.............................................‬‬
‫‪62‬‬
‫‪ 1‬ػ ػ ‪ 2‬ػ ػ التكرار‪68.........................................................‬‬
‫‪ 1‬ػ ػ ‪ 3‬ػ ػ القافية‪71..........................................................‬‬
‫‪ 1‬ػ ػ ‪ 4‬ػ ػ فراغ البياض‪75 ...................................................‬‬
‫‪ 1‬ػ ػ ػ ‪ 5‬ػ ػ البياض المنقط‪76 ................................................‬‬
‫‪ 2‬ػ ػ الثنائيات الضدية‪79 ...................................................‬‬
‫‪ 3‬ػ ػ العتبات النصية‪ 3 :‬ػ ػ ‪ 1‬ػ ػ دراسة العنكاف‪87 .............................‬‬
‫‪ 3‬ػ ػ ‪ 2‬ػ ػ دراسة الغالؼ ‪94 ..........................‬‬
‫‪ 3‬ػ ػ ػ ‪ 3‬ػ ػ ػ دراسة المقطع الشعرم‪97 ...................‬‬
‫‪ 4‬ػ ػ التداخؿ النصي‪99 ....................................................‬‬
‫خاتػػػػػػػػػػػػػػػػػمة‪111....................................................................‬‬
‫البيبميوغرافيا‪115 ..................................................................‬‬
‫فيرس الموضوعات‪126 ...........................................................‬‬

‫‪130‬‬

You might also like