Professional Documents
Culture Documents
٢٠١٨/٢٠١٧
جلنة التعديل
اأبو الفوار�س
عنترة بن �شداد
لل�شف الأول الثانوى
تقديم يجب اأن يقراأ
اأبناءنا الطلبة والطالبات.
�سالم اهلل عليكم ورحمته وبركاته ...وبعد
فهذه ق�سة اأبو الفوار�س عنترة بن �سداد نقدمها اإليكم للدرا�سة ،والتاأمل ،واكت�ساب المتعة الفكرية.
�سورة متكاملة لعمل اأدبى من اإنتاج اأديب من كبار الأدباء فى القرن الع�سرين هو الأ�ستاذ (محمد فريد
اأبو حديد) والعمل الأدبى يعتمد على الحقيقة والخيال م ًعا ،كما يعتمد على الت�سوير النف�سى واللفظى،
وي�سور البيئة التى عا�س فيها الأبطال ،والعادات والتقاليد والمثل ،والقيم التى يحر�س عليها المجتمع ،وقد
اخت�سرنا بع�س الفقرات فى الن�س الأ�سلى .والتى راأينا اأن اخت�سارها ل يخل بوحدة العمل الأدبى ،واأنها
ل تقلل بحذفها من فائدة �سرورية من الأهداف المتوخاة من طرح هذا العمل على طالب المرحلة الثانوية .
وحر�سنا على اأن تكون م�ستوع ًبا ما تقراأه ،مدر ًكا ما تدر�سه ،فاهتممنا بت�سجيل معانى المفردات
ال�سعبة ،وتركنا لك القليل منها؛ لتك�سف عنه فى معجمك لتح�سل على فائدتين مهمتين :
✦ ✦اإدراك معنى الكلمة فى �سياق التعبير الق�س�سى ،وغيره.
✦ ✦و�سبط بنيتها -اأى كل حروفها -لتنطقها �سليمة كما نطق بها اأجدادك العرب .كما حر�سنا على اإلمامك
ببيئة الق�سة ،وزمانها ،ومكانها ،و اأبطالها ،واأ�سمائهم ،ودور كل منهم ،واأثر وجوده فى دفع اأحداث
الق�سة اإلى الأمام ليتاأز َم الموقف ،ثم ن�سل اإلى الحل النهائى.
ومن اأجل هذا كتبنا تقدي ًما تحت عنوان (بين يدى الق�سة)
ذكرنا فيه هذه الأمور باخت�سار غير مخل.
كما و�سعنا اأ�سئلة عقب كل ف�سل ،فى بع�سها تطوير مطلوب ،ينا�سب ما نقوم به الآن من تطوير مناهج
اللغة العربية ونماذج الأ�سئلة واإجاباتها.
وذيلنا نهاية الق�سة بتعقيب �سديد الخت�سار عن و�سع هذه الق�سة فى الميزان.
الف�سل.
✦وعليك حينئذ :اأن تقراأ القدر المحدد قراءة واعية؛ فتلم باأفكاره الأ�سا�سية ،وتك�سف فى معجمك فى مكتبة ✦
البيت اأو المدر�سة اأو اأية مكتبة عامة عن المفردات التى ترى �سعوبتها وت�سك فى مدلولتها اأو �سبط
حروفها عند النطق بها.
✦اأن ت�سع تحت كل فكرة رئي�سية ما يتبعها من اأفكار جزئية. ✦
✦اأن ت�سجل اأثر البيئة فى الحوار ومكوناته من األفاظ وجمل وعبارات. ✦
✦اأن ت�سجل اأثر البيئة فى �سلوك �سخو�س الق�سة ،وموقفك من هذا ال�سلوك. ✦
✦اأن ت�سجل العادات والتقاليد والقيم — ما يعجبك منها وما ل يعجبك -على اأن تبدى راأيك فى كل منها ✦
✦اأن ت�سجل الجمل والعبارات وال�سور التى اأعجبتك — من الق�سة — اأو اأثارت انتباهك وتحللها اإلى ✦
✦اأن تحاول القيام بن�ساط تعبيرى باأن تقترح روؤو�س مو�سوعات تعبيرية م�ستقة اأو م�ستوحاة من عبارات ✦
✦اأن تختار بع�س الجمل وتكتبها بخط جميل ،لتكت�سب مهارة الكتابة بخط جميل واأنت تحت تاأثير القراءة. ✦
✦اأن تدير حوا ًرا مع زمالئك حول الق�سة باإ�سراف المعلم . ✦
4
واأن تربط بين الحا�سر والما�سى ،وتطلب منه اأن يقارن بين الع�سرين ،وي�سجل الماآثر الموجودة فى
كل منهما ،واأن يلجاأ اإلى المكتبة ما اأتيحت له الفر�سة لالطالع ،واأن يحاول تلخي�س الق�سة ،وتجزئتها اإلى
اأق�سام اأ�سا�سية ح�سب ت�سل�سل الحوادث وتطورها.
ونعلم جمي ًعا اأن ما نبذله من جهد هو فى �سبيل اهلل ،واهلل ل ي�سيع اأجر العاملين المخل�سين .
ون�ساأل اهلل التوفيق والعون وال�سداد
الإعداد التربوى
ئالثا :الأ�شخا�س:
هناك اأ�سخا�س اأ�سا�سيون تقوم الرواية على اأكتافهم ،ول ت�ستغنى عنهم ،وهناك اأ�سخا�س ثانويون
ي�سهمون فى دفع الأحداث ،وي�ساعدهم الأ�سخا�س الأ�سا�سيون فى الو�سول اإلى تحقيق اأهدافهم.
بطال القصة هما:
عنترة بن �صداد :ال�ساعر الفار�س البطل الذى ولد عب ًدا فى قبيلة عب�س. 1
عبلة بنت مالك بن قراد :وهى فى الحقيقة ابنة عم عنترة ،وقد اأحبها عنترة ،وبادلته الحب ،وهى من 2
بنات �سادة قبيلة عب�س.
بقية األشخاص:
�صداد بن قراد :اأحد �سادة عب�س ،وقد ولد له عنترة من اأَمته زبيبة ،ورف�س ا َ
إعالن بنوته حتى ا�سطر 3
اإلى ذلك لإنقاذ القبيلة من اأعدائها.
مالك بن قراد :اأخو �سداد ،وهو والد عبلة ،وقد عار�س زواج عنترة منها ،فاأ�سطر اإلى الهجرة اإلى 4
�سيبان ،وحينما ا�سطر اإلى الموافقة على الزواج غالى فى المهر.
عمرو بن مالك بن قراد� :سقيق عبلة ،وخ�سم عنترة. 5
6
�صيبوب :اأخو عنترة من اأمه زبيبة ،عبد ،يحب الحياة ،بعيد عن الفرو�سية ،كان ينقل لعنترة بع�س 6
الأخبار .
عمارة بن زياد :اأحد �سباب �سادة عب�س ،وخطيب عبلة ،وخ�سم عنترة . 7
قي�س بن م�صعود� :سيد قبيلة �سيبان ،والذى ا�ست�ساف مالك بن قراد واأ�سرته حين هاجر اإليه حتى ل 8
يزوج ابنته عبلة من عنترة ،وقد اأعجب بعنترة و�سلوك ِه مع ابنه ب�سطام ،فا�ست�سافه
واأعانه على التفاهم مع عمه.
فار�سا �سا ًّبا .
ب�صطام بن قي�س بن م�صعود :ابن �سيد �سيبان كان ً 9
النعمان بن المنذر :ملك الحيرة ،كان يمتلك النوق الع�سافير التى اأراد عنترة الح�سول عليها لتكون 10
مهر عبلة.
اأبو الحارث :من رجال النعمان بن المنذر ،و�ساحب عنترة . 11
زبيبة :اأم عنترة ،وهى اأم ُة �سداد بن قراد. 12
مروة :اأخت عنترة بن �سداد لأبيه .كانت تكره اأن يحب عنترة عبلة ،ولكنها اأعانته على هذا الحب فى 13
اآخر الأمر.
جوانب الوادى بك�ساء من الح�سي�س والزهرِ ،وال�سما ُء ال�سافي ُة ل ت�سو ُبها �سوى َ كان الربي ُع يغطى
ال�سم�س تمي ُل نحو الغرب عندما اقتربت القافل ُة من فم الوادى عند ُ أبي�س ،وكانت ال�سحاب ال ِ ِ قطع متفرق ٍة من ٍ
ظاللِ اأجم ٍة و�سارت الإبل تخطو خط ًوا وئيد ًا ل تعباأُ ب�سىء مما حو َلها ول ي�ستحثها �سى ٌء من اأمامها،
ُّ ()3 ()2 ()1
8
فنظرت اإليه ،وكانت عيناها تبت�سمان ،و�سارت اإلى ظ ِّل �سِ ْد َر ٍة( .)1وهى تقولُ:
يطرب لإن�سادِك .فقال عنترةُ:أح�س ْ�س ُت كاأن البعي َر ُ -لم ا ْأ�سمع �سي ًئا ي�سبه حداءك يا عنترةُ .لقد ا َ
يطرب لي�ساركن يا �سيدتى .فهو يعرفُ اأنى اأُن�سِ ُد فى و�سفِك اأنتِ . -اإنه ُ
لتجل�س عليها،
َ أ�سرع عنتر ُة فرمى �سملتَه على الرملِ ،ومدها ف�سحكت الفتا ُة �سحك ًة ت�سبه غنا َء الطيرِ ،وا َ
أ�سرع خفي ًفا يثب( )2فى خطواتِه ،لكى يرى �سائ َر من فى القافلة من بنات ون�سا ٍء ثم نظر اإليها نظر ًة با�سم ًة ،وا َ
منهن اإلى الم�ساعدةِ. تحتاج َّ ُ لي�ساع َد من
ال�سدر تنظ ُر اإلى الإبلِ ،وهى تُن ِي ُخ واأ�سواتُها تد ِّوى ،وهى ترغُو ،وكان و�سارت الفتا ُة تَخْ طِ ر فى ظِ ِّل ِّ
الرطيب اإذا اهتز مع ن�سي ِم الربيع.
ِ الغ�سن
ِ قوا ُمها مث َل
الفار�س العب�سى مالك بن قُراد ،وكانت اآتي ًة من ُعر�س ابن ِة خالتها فى قبيلة هوازن، ِ تلك هى عبل ُة ابن ُة
عائ َد ًة اإلى منازلِ قومِها عب�س فى اأر�س ال�سر َّبة والعلم ال�سعدى ،وكان ذلك المنز ُل الذى نزلته اآخ َر مرحل ٍة
قبل نهاي ِة �سفرِها الطويل.
ال�سم�س وت�س ُع حو َل راأ�سِ ها خِ ما ًرا من الحريرِ تلب�س ثو ًبا مع�سف ًرا( )3من الكتان يلم ُع فى نو ِر كانت عبل ُة ُ
الخمرى م�سر ًبا بحمر ٍة
ُّ �سعاع ال�سو ِء ويتاألقُ فوق وج ِهها الجميل .وكان لونُها الم�سرى؛ يتغي ُر لونُه فى ِ ِّ
َي�سرى فيها رونقُ ال�سباب ،وعيناها ال�سوداوان ت�سيئان فى حالوةٍ ،فاإذا نظرت بهما ترقرقت فيهما
()5 ()4
بات من لوؤلوؤ البحرين ،اأهداهما اإليها اأبوها الذهب تتدلى منهما َح ٌ ِ ب�سم ٌة وديع ٌة .وكان فى اأذنيها ق ْرطان من
تهبط اإلى اأر�س الحجاز. مالك بن قُراد من غنيم ٍة َغنمها من َ�سبى قافل ٍة كانت ُ
أ�سرعت نحوهن ت�ستقبلهن ،وكانت واأقبل نحوها ن�سا ُء اأعما ِمها وبناتهن ،ومن كان معهن من اآلهن( )6فا ْ
فيهن ابن ُة عمها مروة ابنة �سداد ،فقالت لها تعابثها:
أول ونحن بعدك .األ�ست يا عبل ُة اأميرة فتياتِ عب�س؟ -اأنت ا ً
فنظرت اإليها ُ�سمي ُة اأ ُّمها با�سم ًة ،وقالت:
-اأهى الغير ُة مر ًة اأخرى يا مروة؟
فقالت مرو ُة �ساحك ًة:
� -سوف اأ�سكو هذا العب َد لأبى؛ اإنه عب ُد اأبى �سداد ،ولكنه ل يخد ُم اإل عبل َة.
فقالت عبل ُة فى ٍ
عتاب:
-األ تترفقين به يا مروة؟ األي�س هو عنترة بن زبيب َة التى اأر�سعتك؟ فقالت مرو ُة �ساحك ًة فى خبثٍ .
نعم ،وهو الفتى الذى ُيعلى ذك َر عب�س بالإن�ساد فى جمالِ بناتِها.
�سدرة� :سجرة نبق. ()1
يثب :يقفز ()2
مع�سفر ًا :م�سبوغا بنبات الع�سفر. ()3
رونق :جمال. ()4
ترقرقت :لمعت. ()5
اآل :اأهل . ()6
10
لت�سرب منه عبل ُة ،قان ًعا بما تكافئه به من نظراتِها وب�سماتِها .ولكنه ما كان يجروؤ على اأن َ على عادتِه ك َّل يو ٍم
يتنف�س با�سمها اأمام اأح ِد من عب�س خوف اأن يتحدثَ النا�س باأنه عب ُد يتطل ُع اإلى ابنة مالكٍ اأخى �سيده �سداد، َ
لقد كان يحاذ ُر اأن يتحدث اأح ٌد باأنه ينظر اإليها اإل كما ينبغى للعبد اأن ينظر اإلى مول ٍة له ،فما كان مال ُك بن
التقرب اإليها �ساد ُة ال�سبان من كرا ِم
ِ يتناف�س على
ُ قراد؛ لير�سى اأن يتطل َع عب ٌد مثل ُه اإلى ابنته الجميل ِة التى
أن�ساب ،وما كان اأخوها المتكب ُر عمرو بن مالك لير�سى اأن ُيع ِّيره اأ�سحاب ُه من فتيان عب�س باأن عنتر َة العب َد ال ِ
يطم ُح اإلى اأن يمالأ عينيه من اأخته.
�سابحا فى خيالِه وهو ينظ ُر اإلى عبل ِة بين الفتياتِ وي�ستمع اإلى �سوتِها بين اأ�سواتِهن، وقف عنتر ُة ً
وامتالأ قل ُبه �سجنًا( . )1األي�س هو عنترة الذى يحمى حِ مى عب�س اإذا اأغار المغير عليها؟ األي�س هو الفار�س الذى
العرب وتغنى الركبان( )2بق�سائِده فى تمجي ِد عب�س؟ اأكان فى عب�س كلِّها بط ُل ي�ستطي ُع ِ �سار ذك ُره فى قبائل
يثبت له فى نزالٍ ( )3اأو ينك َر ف�سله فى الدفاع؟ ومع ذلك فقد كان ل يزي ُد على اأن يكون عب َد �سداد بن قُراد. اأن َ
حو�س �سغير ،لترى �سورت َها على �سفحة مائِه ،وجعلت وفيما هو فى خيالتِه راأى عبل َة تمي ُل فوق ٍ
نف�سه ،واندفع من مكانِه م�سرع ًا نحوها، ا�سطرب فى اأثناء جريها ولعِبها .فلم َي ْمل ْك َ
َ ت ُْ�س ِل ُح من �سعرها الذى
هام�س:
ٍ وقال لها ب�سوتٍ
-األ ترين َعرار ًة( )4يانعة من َعرار الربيع؟
�سماع ال�سوتِ فجاأةً ،ولكنها اطماأنت عندما راأته ،وقالت �ساحك ًة: �سرخت عبلة عند ِ
-لك الوي ُل يا عنترةُ؟
فم�سى عنتر ُة ً
قائال:
-اأو اأقحوان ًة( )5؛ با�سمة �سقاها الندى؟
�سوت عبلة ،فلما راأين عنتر َة اإلى جانبها انفجرت منهن �سحك ًة مرحة، َ الفتيات عندما �سمعن
ُ واأقبلت
واأ�سرعن اإليه ي�سحن به ،ويتواثبن حوله ،ويجذبن ا َ
أطراف ثو ِبه ،وكل منهن تتج ُه اإليه بكلم ٍة من فكاهةٍ ،اأو
مزاح.
�سباب ٍ
ِ
وقالت مرو ُة ابنة �سداد:
-ماذا َجاء بك اإلى هنا؟
فمد يديه نحوها فى �سراع ٍة وقال با�س ًما:
أكون فى خدمِتكِ يا �سيدتى. -ل َ
فقالت مرو ُة �ساحك ًة:
ال�سجن :الحزن. ()1
الركبان :الجماعة فوق الع�سرة. ()2
النزال :المعارك. ()3
العرار :نبت طيب الريح ،والواحدة عرارة. ()4
الأقحوانة :نبات اأبي�س ل رائحة له. ()5
12
فقالت عبلة ،وهى تظهر الغيظ لعنترة:
-ما اأخب َثك يا عنترة اإذ تحر�س هوؤلء َّ
على َم َّرة بعد َم َّرة.
فقال عنترة:
على يا �سيدتى؟ اإننى ل اأر�سى باأن اأكون عب ًدا لواحدة غيرك. -وماذا يغ�سبك ّ
ل�ست اأر�سى اأن تكون �سيدتى �سواكِ .
فزاد �سحك الفتيات ،وقالت مروة:
-عنترة عبد عبلة .هكذا ن�سميه منذ اليوم بعد اأن كان عبد �سداد.
فاأقبلت عبلة عليها ،ودفعتها برفق فى �سدرها ،و�ساحت بعنترة فى غ�سب َبا�سِ ٍم:
ُ -ق ْل �سِ ْع َر َك يا عنترة اإن الغيرة لتاأكل قلوبهن كما قالت �سمية منذ حين .اأن�سد �سعرك ،حتى يمالأ الغيظ
�سدورهن:
فوثب عنترة فى مرح ،وجعل ين�سد متغن ًيا بقطع من �سعره :والفتيات ي�سربن باأكفهن على وقع اإن�ساده،
وعبلة تنظر اإلى وجهه الأ�سمر الح�سن الق�سمات ،وتتاأمل حركته الر�سيقة ،وهو يمثل مواقفه فى القتال
حينًا ،وطعناته فى العدو حينًا اأو ي�سف فر�سه فى معمعة ( )1الحرب ،اأو �سقوط الأبطال �سرعى من حوله
م�سرجين بالدم ،حتى انتهى اإلى الن�سيب فجعل ي�سف محا�سن فتاته ونبل �سيمها( )2وعلو ح�سبها ،وتغير
نبرات �سوته ،واتجه اإلى عبلة بب�سره كاأنه يخاطبها بما فى ُ ()3
مظهره عند ذلك فاعترته رجف ٌة وتهدجت
ن�سيبه من الأو�ساف ،ثم هداأت حركته بعد عنفها ،ولنت نظراته بعد اأن كانت تخطف كالبرق الالمع ،وفتحت
الفتيات اأعينهن ماأخوذات بما كان ينبعث فى ثنايا �سعره من حرارة ،حتى انتهى من اإن�ساده ،وهو يلهث
و�سدره يعلو ويهبط فى عنف.
نظر نظرة طويلة اإلى عبلة وهو �سامت ،وهداأت الأ�سوات لحظة ،وعبلة تنظر اإليه فى ده�سة عقدت
ل�سانها عن اللفظ.
لقد كانت تلك اأول مرة �سمعته ين�سد بهذه الحرارة ،ويتجه اإليها بهذه النظرة.
ثم انفجرت �سيحة من الفتيات ،واندفعن نحو عنترة ي�ستعدن اإن�ساده ،ولكنه كان مطر ًقا حزينًا �سامتًا،
وانفلت م�سر ًعا من بينهن فذهب اإلى فم ال�سعب بطي ًئا فما زال حتى بلغ المكان الذى ترك فيه فر�سه ،فوثب
عليه فانطلق به بين الكثبان وهو غارق فى �سجونه الثائرة.
وذهبت الفتيات اإلى حيث �سربت الخيام ،واأقبلن على من هناك من الن�ساء ،فجعلن يتحدثن اإليهن بما
كان ،وكل منهن تر�سل فى حديثها كلمة ت�سور بها ما اأح�ست من اتجاه عنترة اإلى عبلة فى اإن�ساده العجيب،
كانت اأ�سدهن خب ًثا مروة ابنة �سداد ،فاأرادت اأن تغيظ عبلة ابنة عمها فجمعت الفتيات وجعلت تن�سد ،وهن
()2( )1
يرددن م�سفقات فقالت:
()1
ي�سير �سير ال�ق���س��ورة اأم� � � � ��ا راأي� � � �ت � � ��م ع� �ن� �ت���رة؟
م� ��� �س� �ف ��رة ()2
ول � � �م� � ��ة ف � � ��ى ح� � �ل � ��ة م� �ع� ��� �س� �ف ��رة
وعم� � ��ة مك� � � � ��ورة
اأم � � � � � � ��ا ��� �س�� �م�� �ع�� �ت� ��م ق � ��ول � ��ه اأم � � � � ��ا ع � ��رف� � �ت � ��م ف� �ع� �ل ��ه؟
وي� � � � � � � � ��ل ل� � � � � � ��ه ي� � � ��اوي � � � �ل� � � ��ه ي � �ن � �� � �س� ��د م� � �ن � ��ذ ال� �ل� �ي� �ل ��ة
عنت� � � ��ر عب��د عب � � � � � � � � ��لة
وتعالى �سحكهن بعد ذلك ،وجعلن يرددن الن�سيد ،ويعبثن بعبلة حتى غ�سبت ،وذهبت نافرة ،ف�سرن
وراءها ،وجعلن يجذبنها وهى تدفعهن ،حتى دخلت اإلى خبائها.
« 1وكان الفتى الحادى ي�صير فى �صدر القافلة اآخ ًذا بزمام بعير عليه هودج قد طرحت عليه ثياب
ملونة مخططة من حرير يبرق فى �صوء ال�صم�س الغاربة ،ويخفق فى رفق مع الن�صيم الهادئ».
(اأ) تخير الإجابة ال�سحيحة مما ياأتى ،واكتبها:
✦ ✦جمع كلمة (زمام) :اأزمة -زمازم -زمازيم.
✦ ✦معنى كلمة (هودج) :الجمل -قبة فوق ظهر الجمل -الزمام.
✦ ✦م�ساد كلمة (�سدر) :عجز -و�سط -عنق.
(ب)عالم يدل و�سف الهودج بهذه ال�سفات؟
(ج�) اأين وقف الركب؟ ولمن كان ين�سد الحادى؟
(د) �سف المكان الذى توقفت فيه القافلة.
(ه�) قارن بين هذا المكان وال�ستراحات التى توجد فى الطريق الآن.
(و) ع ِّرف بالفتاة التى كانت فى الهودج.
(ز) القافلة كانت قادمة من( :قبيلة هوازن — من اأر�س ال�سربة والعلم ال�سعدى — من يثرب) .تخير
الإجابة ال�سحيحة مما �سبق.
(ح ) «وكان الفتى الحادى ي�سير فى �سدر القافلة».
( )1الق�سورة :الأ�سد.
( )2اللمة :ال�سعر الذى يجاوز �سحمة الأذن.
14
✦ ✦ا�سبط الجملة ال�سابقة �سبط ًا كام ًال.
✦ ✦ثن كلمة الفتى ،واجمعها وغير ما يلزم.
2حدد الكاتب معالم �صخ�صية كل من عنترة — عبلة ،و�صح ذلك.
3لماذا دار عنترة بح�صانه حول الوادى؟ وعالم يدل ذلك؟
4علل لما ياأتى:
✦ ✦كتمان عنترة ذكريات اأحالمه.
✦ ✦�سكوى مروة من عنترة.
✦ ✦تفريق عنترة للعبيد.
�صابحا فى خياله ،وهو ينظر اإلى عبلة بين الفتيات ،وي�صتمع اإلى �صوتها بين ً « 5وقف عنترة
اأ�صواتهن ،وامتالأ قلبه �صجنا ،األي�س هو عنترة الذى يحمى حمى عب�س اإذا اأغار المغير عليها؟...
اأكان فى عب�س كلها بطل ي�صتطيع اأن يثبت له فى نزال»؟
(اأ) هات م�ساد كلمة (�سجنًا) فى جملة ،ومرادف كلمة «نزال» فى جملة اأخرى.
األي�س هو عنترة الذى يحمى حمى عب�س اإذا اأغار المغير عليها؟
اأجب عن ال�سوؤال ال�سابق مرة بالإثبات ومرة بالنفى وغير ما يلزم.
(ب) لماذا امتالأ قلبه �سجنًا ؟ وفيم كان يفكر؟
(ج) �سع الكلمات الآتية مكان النقط فيما ياأتى:
(ال�سيال -العرار -الأقحوان)
........نبات اأبي�س ل رائحة له.
� ........سجر �سائك له ق�سر اأحمر.
........نبت طيب الريح.
على»؟
(د) لماذا قالت عبلة« :ح�سبك يا عنترة .اإنك تجرئهن ّ
(ه�) لماذا رف�س عنترة اأن ين�سد �سعره؟ ولماذا ر�سى بعد ذلك؟
6كيف عرفت عبلة اأن عنترة يحبها؟
�صابحا فى خياله ،وهو ينظر اإلى عبلة بين الفتيات » « 7وقف عنترة ً
�سبطا كام ًال.
✦ ✦ا�سبط الجملة ال�سابقة ً
حال مفردة -واأخرى جملة -وثالثة �سبه جملة. ✦ ✦ا�ستخرج منها ً
8اكتب مو�صوعً ا عن الحياة فى البادية فى �صوء قراءتك لهذا الف�صل.
9لماذا ذهبت عبلة اإلى خبائها غا�صبة؟
( 10غرائر) هات ثالث كلمات على وزن الكلمة ال�صابقة.
كان القمر يقترب من التمام فى �سهر رجب الحرام ،فلم يكن هناك ما يدعو عنترة اإلى الخوف من غارة
مفاجئة ،فما كان العرب لينتهكوا حرمة ذلك ال�سهر الذى تعودوا فيه ق�ساء منا�سك الحج اإلى الكعبة اأو اإقامة
اأعياد اآلهتهم فى منازل قبائلهم ،ولهذا �سار ي�سرب هائ ًما حتى ب�سط القمر نوره ولحت قمم رءو�س النخيل
والأ�سجار مطبوعة على �سفحة ال�سماء كاأنها لوحة فنان.
كان فى �سيره يناجى نف�سه بما فيها من �سجون وهموم ،وقد وقع فى قلبه اأنه اأخطاأ واأف�سح ،اأو كاد
يف�سح عما كان ي�سمر فى قرارة �سدره من تعلق بالفتاة التى ملكت عليه فوؤاده.
كان يحدث نف�سه باأنه ل يزيد فى نظر النا�س على اأنه عبد ل ينبغى له اإل اأن يقوم على خدمة �سادته الذين
ائتمنوه ،ولكنه كان مع ذلك يح�س فى نف�سه غ�سبة وثورة ،وكان يح�س فى نف�سه اأنه فتى الفتيان ،واأنه بطل
عب�س كلها ،فلقد طالما ناداه �سادة القبيلة ،ليفرج عنهم كربة الحرب اإذا اأغار عليهم الأعداء ،وقد طالما لبى
نداءهم وبرز فى �سدر الفر�سان فال يقف له العدو بعد اأن يذوق من وقع طعناته ما يجعله يوؤثر()1الهزيمة
والفرار ،فاإذا ما انجلت الكربة وعاد �سادة عب�س بالن�سر وحملوا من اأموال العدو و�سالحه ما غنمه لهم،
حازوا ذلك كله لأنف�سهم فق�سموه بينهم ولم يجعلوا له اإل ن�سي ًبا �سئي ًال ،فكانوا ل يجعلون له �سوى ن�سف
�سهم من الغنائم وي�ستاأثرون هم بكل ما �سلبه لهم من الأعداء.
وكان مع هذا ل ينطق بكلمة �سكوى ،فما كانت تلك الأموال كلها لتحمله على اأن يتاألم اأو ي�سكو.
ولكن �سي ًئا واح ًدا كان يمالأ قلبه حزنًا وغ�س ًبا ،وذلك اأنه كان فيهم عب ًدا ،لم يكن ا�سمه بينهم �سوى عبد
�سداد.
وكان كلما تاأمل حاله تعجب من نف�سه كيف ير�سى اأن يقيم فى قوم يحميهم ويدافع عنهم ويجلب لهم
الن�سر ويحمل اإليهم الغنائم ثم ل يجد منهم اإل الإنكار والبخل ول ي�سمع فى ندائهم اإل قولهم «عبد �سداد»؟،
وزاد من عجبه اأنه كلما تذكر �سيده �سدا ًدا اأح�س نحوه عط ًفا.
كان حب �سداد يمالأ قلب عنترة فال يزعزعه �سىء مما يزعزع حب القلوب ،كان �سداد �سورة البطل عند
عنترة و�سورة ال�سيد و�سورة المعبود ،كان يق�سو عليه اأحيانًا ويعنف معه فى الحديث اأحيانًا ،بل لقد كان
اأحيانًا يمد اإليه يده بال�سوط ،فيتحمل منه ال�سربة جام ًدا ،ول يزيد على اأن يقول له:
-لن ت�ستطيع اأن ت�سرفنى عن حبك يا �سيدى.
وكثي ًرا ما �ساأل نف�سه اأحقًّا ما زعمته زبيبة اأمه ،اإذ قالت له فى �سباه اإنه ابن �سداد؟ لقد �سمع هذا القول
فرحا وكب ًرا ،ولكن اأمه كانت تو�سيه األ يعيد قولها للنا�س خوف ًا من اأن يغ�سب يو ًما وهو �سغير فامتالأ قلبه ً
�سيدها ال�سارم ،فلما كبر عنترة و�سار فار�س قومه اأم�سكت زبيبة عن قولها ،فكان عنترة كلما اأراد اأن
ي�ساألها عن ن�سبه راوغته وقالت له :اإن �سدا ًدا �سيدها الذى اأكرمها ورباه وربى �سائر اأولدها.
( )1يوؤثر :يف�سل.
16
ولكن عنترة كان ي�ساأل نف�سه كلما خال بها :األ يكون ذلك الرجل حقًّا اأباه؟ فاإذا لم يكن �سداد اأباه ،فما �سر
ذلك الحب الذى يحمله له ،ول ي�ستطيع اأن ينزعه من قلبه مع كل ما يلقى من �سرامته وكبريائه؟
م�سى عنترة يهيم فى �سوء القمر وهو ي�سبح فى �سجونه( ، )1وكان يح�س اأن الحركة فى ذلك الف�ساء
الذى يغمره النور الرقيق تبعث فى نف�سه راحة؛ وتخفف من �سدة الثورة التى كانت تع�سف بين اأ�سالعه،
وكانت �سورة عبلة تتمثل له عند كل خطوة يخطوها .كان يرى �سورتها فوق كل �سخرة متالألئة؛ وعند كل
ثنية( )2ظليلة .كانت �سورتها تخفق فى الف�ساء الالمع وتنطبع على �سفحة البدر المنير.
كانت �سورتُها تمالأ الوجو َد من حوله كما تمالأ ك َّل وجودِه.
فهل كانت عبل ُة حقًّا ل تزيد على اأن تكون �سيد ًة وهو عب ُدها .اأو عب ُد عمها؟ لقد لحت( )3له الحياة باطلة
كريهة عندما تاأم َل اأنه ل ي�ستطي ُع اأن يجهز بما يحملُه لها ،ول يجروؤ على اأن يتطل َع اإلى الت�سامى نحوها ،فكان
حرجا وغ�س ًبا.
اأحيانًا يلوم نف�سه على اأنه قد اندفع فتكلم ،واأن�سد ال�سع َر حتى بلغ من الأمر اأن �سبب لعبلة ً
ولكنه كان يعود اإلى نف�سه غا�س ًبا ويلوم نف�سه على اأن ير�سى باأن يبقى فى بنى عب�س عب ًدا ،فما الذى يمنعه
النا�س؟ وما الذى يقع ُد به عن اأن يتطلع َاإلى عبل َة التى امتالأ قل ُبه بحبها؟ فهل ر�سى من اأن يتكل َم كما يتكل ُم ُ
يح�سه؟ هل ير�سى باأن يبقى بين قومه عبد �سداد ،فال ي�سمح باأن يق�سى ك َّل حياتِه عب ًدا خا�س ًعا يكت ُم ما ُّ
نف�سه عن حقيقة تلك الأقوال التى لنف�سه باأن ينطق بكلمة َت ِن ُّم عن( )4حبها؟ وكان كلما �سرح به الفك ُر عاد ف�ساأل َ
يذهب اإليها
يكون ذلك حقًّا ؟ وما الذى يمن ُعه من اأن َ �سمعها فى �سباه من اأ ِّمه اإذ قالت له اإن �سدا ًدا اأبوه .األ ُ
فخل�س من الحياةِ.
َ في�ساأ ُلها ويعرفُ منها حقيق َة ن�سبهِ؟ فاإذا كان عب ًدا كما يزعمون و�سع ال�سيفَ فى �سد ِره
ابن �سدا ٍد َف ِل َم ير�سى باأن َ
يكون بين النا�س عب ًدا؟ واأما اإذا كان َ
الربيع يهب على جبينه
ِ أح�س اأن نو َر القم ِر يزي ُد فى عينيه بهاء واأن ن�سي َم
ولما ا�ستقر على هذا الراأى ا َّ
المتق ِد اأكث َر رفق ًا ،واأن رائح َة الزهر تنبعث اإلى �سمه اأزكى عطر ًا واأن منظر ال�سعاب ورءو�س النخي ِل وال�سج ِر
جمال ،ويناديه اأن يزدا َد تعلق ًا بالحياةِ.
يفي�س ً
�سحرى ٍُّ يبدو له قطع ًة من عالم
م�سرب الخيام خفيف ًا بعد جولتهِ ،وذهب قا�س ًدا اإلى خباء عبلة؛ ليرى كيف باتت ،وليدور حول ِ وعاد اإلى
لي�ستريح.
َ يذهب اإلى م�سجعِه الأخبي ِة قبل اأن َ
ودار حو َل اآخر ثنية تُف�سى اإلى فم الوادى ،وهو من�سرف اإلى هواج�سه( ، )5ف�سمع �سوت ًا يناديه من
ورائه:
لحار�س غاف ٌل.
ٌ اأما اإنك
فالتفت من المفاجاأةِ ،ولكنه ت�سم َر عندما راأى اأخاه �سيبوب واقف ًا فى ظل الثنية بقامتِه الطويل ِة والرم ُح
فى يمينه مغرو ٌز فى الرمالِ .
�سجونه :اأحزانه. ()1
ثنية :منعطف. ()2
لحت :ظهرت. ()3
تنم :تدل وت�سير ()4
هواج�س :مخاوف. ()5
18
ظهر عبده بال�سوطِ .
فجل�س اإلى جان ِبه وجعل يم�س ُح را َأ�سه مداعب ًا ثم
َ جانب
�سيبوب من ذراع ِه وذهب به اإلى ِ
َ ومد ي َده فاأخذ
قال له بعد حين:
قلت فاإنى اأحبك يا ابن اأمى ،اإنى اأعرفُ اأنك الرج ُل الذى يحبنى اأ�س َّد ِّ
الحب واأخل�سه. -ل توؤاخذنى بما ُ
واإنك عندى لأكر ُم من هوؤلء ال�سادة الذين ي�سمخون باأنوفهم كِبر ًا وهم ل ُي�ساوون �سيئ ًا ،اإنك ل�سري ُع الجرى
كالظليم( ،)1وما اأبدع منخريك اإذا هما انفتحتا فى جريك كما ينفت ُح منخرا الفر�س الأ�سي ِل وهو يعدو ..اإنك
أيت منظ َر الدماءِ.
الرعب الذى يعتريك اإذا را َ
ُ النف�س ،لول هذا
طيب ِ القلب ُل�سجاع ِ ُ
يا�سيبوب واأج ُّل مكانَك واإن كنت اأخالفك فى راأ ِيك فيما ُ
تذهب اإليه. ُ فاأنا اأح ُّبك
برفق ونظ َر نحوه با�سم ًا حتى لمعت اأ�سنانُه البي�سا ُء فى �سو ِء القم ِر وقال له:
�سيبوب ٍُ فتمل�س منه
َ
الو�ساو�س التى توؤرقُك وت�سنى قلبك .دعنى اأيها الم�سكين اأم�سى ِ -اإنى واهلل اأح ُّبك واأرثى لك من هذه
يكون قد
ل�ساأنى فاإنى تركت فى خيمتى ثري ًدا( )2وقمت اأبحثُ عنك منذ اأبطاأت فى جولتك ،فقد خ�سيت اأن َ
اأ�سابك �س ٌّر.
فتب�س َم عنتر ُة وقالُ :ع ْد اإلى ثريدِك فانعم به ،ولو كان فى قلبى فراغ ل�ساركتك.
نف�سها ه ٍّما من اأجلك وتقطع قل َبها ف�سحك �سيبوب وقال :ليت زبيب َة اأمك ت�سمع قو َلك هذا .اإنها تقتل َ
حزنًا عليك ،ولكنك ما تزا ُل تجفوها ،وتعذ ُبها ِ
بعنف اأقوالِك.
فغمغم عنتر ُة كاأنه يحدثُ نف�سه:
-ليتها لم تكن ولدتنى ..األ اأَ ْبلِغتَها اإذا راأيتها اأننى اأمقتها( )1واإن كانت اأمى .قل لها اإنها اأ�ساأ ُم اأ ٍّم وهبت
الحياة لوليدها ،ثم ا�ساألها عن اأبيك وعن اأبى اإذا عرفتهما.
اأتعرفُ زبيب ُة ذلك القر َد الذى انحدرت اأنت من �سل ِبه؟ اأهى تعرفُ القر َد الذى اأولدها عنترة؟ �سلها لعلها
الجواب كلما �ساألتها .لقد �سمعتها ِ �سيبوب ،لقد طالما �ساألتها عن اأبى وتاأبى اإل اأن تراو َغنى فى ُ تجي ُبك يا
أيت ذلك الرج َل الذى يدعونه يو ًما تقو ُل لى اإننى اب ُن �سدادٍ .ولكنها ل تر�سى اأن تعيدها على �سمعى ،وكلما را ُ
هممت اأن اأ�ساأ َله فتخوننى قوتى . �سيدى ويدعوننى عب َده ُ
�سيبوب وقال: ُ ف�سحك
�سيبوب عب ُد �سدا ٍد واب ُن زبيبة ،لقد كان اأبى ٌ ر�سيت باأننى
ُ ع ِّذ ْب نف�سك كما �سئت اأن تعذ َبها .واأما اأنا فقد
طفال �سغي ًرا اأننى كنت اأعي�س ح ًّرا را�س يا عنترةُ .اأذكر منذ كنت ً من �سميم جلدتى ،واإذا كان قر ًدا فاإنى به ٍ
يلب�س جل َد النمر فوق فى بالدى هذه قبل اأن اأُح ْم َل اإلى هذه ال�سحراء ول اأزال اأذك ُر اأبى وهو عائ ٌد اإلى البيتِ ُ
غام�س ،وكنت اأنع ُم فيها بحريتى كما تنع ُم القرد ُة بحريتها اأذكر كتفِه .نعم اأذك ُر تلك الأيام البعيد َة كاأنها حل ٌم ٌ
يكون لى ا ٌأب �سوى ذلك ال ِأب الذى جاء بى .واأما أحب اأن َ ذلك ك َّله ،واأمتلئ كب ًرا؛ لأننى لم اأولد عب ًدا ،ول�ست ا ُّ
الهوان فاطلب من �سئت منهم َ فل�ست تر�سى اإل اأن تكون ابنًا لأحد هوؤلء الجفا ِة الغالظِ الذين ي�سومونك اأنت َ
�سيبوب
ُ عنف .ف�ساح من الآباء .وه َّم اأن يم�سى فى �سبيله ولكن عنتر َة جذبه اإليه من �ساعدِه فاأجل�سه فى ٍ
ً
قائال:
عنيف اإذ تجذبنى هكذا فتكاد تدقُّ عظامى :دع ذراعى ،فاإنك تع�س ُرها ع�سر ًا مثل ك َّالب -اأما اإنك َلف ٌَّظ ٌّ
على وتعنفنى. ومازلت منذ الليل ِة تحم ُل َّ َ الحدي ِد
فقال عنترة با�سم ًا:
النا�س من
النف�س ،وقلبى ممتلئ حق ًدا ،ولكنى ل اأج ُد فى ِ �سيبوب فاإننى الليل َة �سيئ ِ ُ -ل توؤاخذنى يا
ان�سرف عنى ،واأطم ُع َ ينف ُِّ�س عنى �سِ واك ،اإنك الرج ُل الذى اأثقُ فى َعطفه اإذا تحدثت اإليه ،واآمن جانبه اإذا
عنفت عليه ،اأنت �سريكى فى حربى ،وبك اأحمى ظهرى ..عينُك الحاد ُة تب�س ُر لى ما خفى عنى، فى عفوه اإذاُ ،
و�ساقُك ت�سعى فى حرا�ستى ،فحدثنى واأ�سدقنى .فنحن فى هذه الحياة وحيدان ل يعرفُ اأح ُدنا اإل اأخاه.
أر�س من هو اأحنى عليك منى ،ول من يعرفُ قد َرك مثلى. �سيبوب فى هذه ال ِ ُ ول�ست تجد يا
َ
و�س َمت حينًا ثم قال:
الكلمات موق ًعا من �سيبوب فعدل عن َعتْبهَ ، ُ فوقعت هذه
كنت لأحب ا َّإلى مما ير�سينى .ولقد ُ تحب يا عنترةُ ،اإن ما ير�سيك ا ُّأحب اأن اأبعث اإلى نف�سِ ك ما ل ُّ ل�ست ا ُّ
ُ -
فوجدت فيك اأم ًال جدي ًدا.
ُ كبرت و َق ِوى �ساع ُدك
فوجدت فيك رفيقَ لعبى .ثم َ ُ أنت
اأعرف لى �ساح ًبا حتى ُولِدت ا َ
( )1اأمقت :اأكره.
20
أ�سبحت ُع َّدتى ومالذى ،فاأنا بك ُم َبا ٍه م ْع َج ٌب ا ُّ
أح�س ا َّأن ما تبنى َ فار�س عب�س ا
و�سرت َ َ بلغت مبل َغ الرجالِفلما َ
من المج ِد هو مجدى ،واأن ما تنا ُل من ال�سع ِد هو �سعدى ول�ست اأبالى اأنك ابن اأمى فاإننى معك كاأننا ن�سير فى
أخف الأقوالِ عليك ،فال اأظه ُر ألتم�س ا َّمفاز ِة( )1ل نجاة لأحدنا اإل باأن ي�سل َم �ساح ُبه ولهذا كنت فى ن�سحى لك ا ُ
أظن اأن اأم َرك يو�س ُك اأن ي�سير اإلى عقد ٍة ل ينبغى لك راأيى اإل فى قولٍ عابث يق ُع من نف�سِ ك وق ًعا لينًا ،ولكنى ا ُّ
لك ول لى اأن نغفل عن حلِّها.
الج ِّن
�سوت ِ ُ متموجا كاأنه
ً �سوت غنا ٍء ينبعثُ من ناحي ِة الخيا ِم يحملُه الن�سي ُم متدفقِّا ُ وعند ذلك ُ�سمع
ينبعثُ من بطون الفال ِة(.)2
فقال عنتر ُة يقط ُع حديثَ اأخيه:
�سيبوب .اإنها مازالت مع �ساحباتها تغنى. ُ ال�سوت يا
َ -اأما ت�سم ُع هذا
يكون لهن اإذا لم يكن الغنا ُء حين ًا والبكا ُء حين ًا؟ �سيبوب :وماذا ُ ُ فقال
�سيبوب اأن اأتحدثَ اإليك عنها،ُ ل�ست اأخ�سى يا
�سوت عبلةُ . لين :اإنه �سوتُها ،وهو ُ فقال عنتر ُة فى �سوتٍ ِ
�سغاف قلبى ،وك ُّل نغم ِة منه تَ�سرى فى عروقى ،ل بل ِ ألهج معك بذكرها .اإن �سوتَها يق ُع فى يطيب لى اأن ا َبل ُ
الخ�سي�س من �سعو ِرنا.
َ اإنى اأج ُد فيه حِ ًّ�سا ل اأقد ُر اأن اأ�سفَه بهذه الألفاظِ التى اأعتدنا اأن ن�سفَ بها
�سيبوب قائ ًال :اإنك تاأبى اإل اأن تقول ال�سع َر فى ك ِّل ما تنط ُق به عنها ،اإننى اأرح ُمك ول اأملك اأحيانًا ُ َ
ف�سحك
تكون كالكاهِ ن اإذا رفع يديه بال�سالة اأمام وثنِه. وقفت اأمامها ُ أعجب منك كيف تنظ ُر اإليها .اإنك اإذا َ اإل اأن ا َ
أح�سه واأنت لم تقا�س مث َل حبى؟ فقال عنترةُ .واأنَّى لك اأن َ
تدرك ما ا ُّ
والحب يا عنترة؟ اإن الن�سا َء بع�سهن من بع�س فلي�س لإحداهن عندى على الأخريات ُّ �سيبوب :مالىُ فقال
مزي ٌة ،فما الذى يحملنى على اأن اأرى فى واحد ٍة ما ل اأراه فى �سواها؟ كلهن يرق�سن ويغنين وي�سحكن
يحب غي َرها ،لكى تكي َد لها وتهز َمها .ل فرقَ بين واحد ٍة ويثرثرن وياأكلن وي�سربن ،وكل منهن تتطل ُع اإلى من ُّ
يكون فمها اأو�س َع اأو اأ�سيقَ .أنف �ساحبتها اأو اأق�س َر ،اأو اأن َ واأخرى اإل اأن يكون اأنفُ اإحداهن اأطو َل من ا ِ
و�سكت الغناء عند ذلك ،فقال عنترة:
قولك فاإنى لم اأكن اأ�سمعه ،ام�س فى حديثك يا اأخى ،فاإنه يقع على على َ -ماذا كنت تقول يا �سيبوب ؟ اأعد َّ
�سمعى وقوع الندى على الع�سب الأخ�سرِ.
ف�سحك �سيبوب ً
قائال:
دمت لم ت�سمعه. -لن اأعي َده عليك ما َ
فقال عنتر ُة با�س ًما:
كنت تقو ُل لى اآن ًفا؟ ا َ
أكنت تقو ُل -ام�س فى حديثِك ،واإن كان خبي ًثا .حدثنى عن نف�سى وعن نف�سِ ك .ماذا َ
اإن اأمرى قد اآل( )3اإلى عقد ٍة لبد اأن نحتا َل فى حلِّها؟ فما تلك العقد ُة التى تخ�سى اأن يئو َل اأمرى اإليها.
( )1المفازة :ال�سحراء.
( )2الفالة :ال�سحراء والجمع فلوات وفالً.
( )3اآل � :سار.
�سيبوب فكاأن
ُ دبيب ال�سعاد ِة واإن كان ال�سقا ُء يكتنفنى( .)2واإذا حدثتها :اإذا حدثتها يا أح�س�ست َ
ُ ريحها( )1ا
اأغاريد( )3الطير تُطربنى فى الأ�سحا ِر ،واإذا �سمعت �سوتَها وقع عندى موقع البل�سم( )4على القرحةٍ .اإنى
أطلب الن�س َر ل اأريد منه اإ َّل اأن اأفو َز بب�سم ٍة منها.
الحروب لأحمى قومها ،وا ُ
َ أخو�س
لأرقُّ للن�سا ِء من اأجلها ،وا ُ
أحر�س عليه غي َر محبتها ،فهى معنى حياتى وغاي ُة اآمالى. النا�س؛ لأننى ل اأعرفُ �سيئ ًا ا ُ
يحر�س عليه ُ ُ واأبذ ُل ما
�سوت الغناء فجاأ ًة وحمله الن�سي ُم كما كان يحمله من قب ُل متموج ًا متدفق ًا.
ُ وعاد
فقال عنترةُ:
�سيبوب فاإنها تغنى.
ُ -ا�سمع يا
مبتهجا:
ً واأ�ساخ ب�سمعه ين�ست اإلى الغنا ِء ثم قام خفي ًفا ،وقال
تحب اأن نقرب من خبائها لن�سم َع؟ -األ َّ
ثم جذب اأخاه من يدهِ ،و�سارا نحو الخيا ِم ،فلما اقتربا حتى ا�ستطاعا تبين اللفظ وقف عنتر ُة فجاأة،
وقال فى �سيح ٍة مكتومةٍ:
-لقد �سح ظنى يا �سيبوب :اأما ت�سمع؟ اإنها تغنى ب�سعرى.
ثم اندفع م�سر ًعا بين الخيا ِم ،فراأى الفتياتِ والن�سا َء فى و�سطها يجل�سن فى حلق ٍة حول النا ِر ،ونور
القمر ي�سط ُع باه ًرا ،فلما راآه الن�سوة �سحن:
-هذا عنترة.
وبنات عمها يتعلقن باأذيالها ليم�سكنها وقعت عين ُه فى عينى عبلة فقامت على ا�ستحيا ٍء م�سرع ًة اإلى خبائها ُ
يفي�س ِب�سْ ًرا.
الكثيب ين�سده من �سعرِه ،وقلبه ُ ِ وق�سى عنترة الليلة مع اأخيه على جانب
24
اأ�شئلة الف�شل الثانى
البطل الثائر
« 1وكان كلما تاأمل حاله تعجب من نف�صه ،كيف ير�صى باأن يقيم فى قوم يحميهم ويدافع عنهم،
ويجلب لهم الن�صر ،ويحمل اإليهم الغنائم .ثم ل يجد منهم اإل الإنكار والبخل ،ول ي�صمع فى
ندائهم اإل قولهم «عبد �صداد»؟ وزاد من عجبه اأنه كلما تذكر �صيده �صدادًا اأح�س نحوه عط ًفا».
(اأ) �سع مرادف (يجلب) فى جملة.
✦ ✦ماذا اأفاد عطف البخل على الإنكار؟
✦ ✦ما دللة تنكير «عط ًفا» ؟
(ب)مم كان يتعجب عنترة؟ ولماذا ر�سى بحالته؟
(ج�) ما ال�سلوك ال�سوى الذى كان يجب على عنترة اأن ينفذه؟
( د ) ما �سر حبه وعطفه على �سداد على الرغم من �سرامته وكبريائه؟
(ه�)« دار حوار بين البطل ونف�سه»
✦ ✦لخ�س هذا الحوار.
✦ ✦بين دللته.
✦ ✦وما النتيجة التى انتهى اإليها الحوار؟
2اأحداث هذا الف�صل تطور العقدة الغرامية ،وعقدة العبودية .و�صح.
3قال �صيبوب« :نعم اأذكر تلك الأيام البعيدة كاأنها حلم غام�س ،وكنت اأنعم فيها بحريتى ،....
واأمتلئ كب ًرا؛ لأننى لم اأولد عبدًا ،ول�صت اأحب اأن يكون لى اأب �صوى ذلك الأب الذى جاء بى،
واأما اأنت فل�صت تر�صى اإل اأن تكون اب ًنا لأحد هوؤلء الجفاة الغالظ الذين ي�صومونك الهوان
فاطلب من �صئت منهم من الآباء».
(اأ) تخير الإجابة ال�سحيحة مما ياأتى ،واكتبها:
✦ ✦مفرد كلمة «الجفاة» ( :الجافى -الفج -الجائف ).
✦ ✦مفاد كلمة «الهوان» ( :الكثرة -العزة -الكبر).
✦ ✦معنى كلمة «ي�سوم» (:يبيع -يطلب -يريد ذله).
(ب)ت�سير العبارة اإلى الأ�سل الذى انحدر منه كل من �سيبوب وعنترة .و�سح.
(ج�) قارن بين حال �سيبوب وحال عنترة فى �سوء العبارة ال�سابقة.
(د) عين اأ�سلوبى توكيد فى العبارة ،واذكر الغر�س البالغي لالأمر فى قوله «فاطلب من �سئت من الآباء».
25 دار النمر للطباعه
( )2البطل الثائر
(ه�) �سخ�سية �سيبوب �سخ�سية ثانوية ،ولكنها تقوم باأعمال جوهرية و�سح ذلك.
(و) َع ِّين ال�سواب مما ياأتى:
✦ ✦�سيبوب ل ير�سى اأن يكون عبد �سداد وابن زبيبة.
✦ ✦عنترة ولد عب ًدا و�سيبوب ولد ح ًّرا.
✦ ✦ل فرق بين امراأة واأخرى فى نظر عنترة.
✦ ✦كالم �سيبوب يقع على �سمع عنترة وقوع الندى على الع�سب الأخ�سر.
✦ ✦عنترة يعذب نف�سه بحبه عبلة.
4حديث �صيبوب عن عبلة يت�صم:
✦ ✦بالواقعية.
✦ ✦بالرومان�سية.
✦ ✦بالكذب.
اختر الإجابة ال�سحيحة للجملة معل ًال لما تقول:
« 5اإنى اإذا راأيتها اأ�صاءت لى الآفاق واإن كانت مظلمة ،واإذا تن�صمت ريحها اأح�ص�صت دبيب ال�صعادة
واإن كان ال�صقاء يكتنفنى ،واإذا حدثتها .......فكاأن اأغاريد الطير تطربنى فى الأ�صحار ....فهى
معنى حياتى وغاية اآمالى»
(اأ) ما معنى تن�سمت ؟ هات مفرد اأغاريد فى جملة ،وما الفرق بين الريح والعا�سفة؟
(ب)تبرز العبارة جان ًبا من جوانب �سخ�سية عنترة .و�سح.
(ج) اأكانت عبلة تبادل عنترة �سعوره؟ ناق�س.
(د) ما الموانع التى تقف بينه وبين الت�سريح بحبه؟
6لخ�س الف�صل مبر ًزا �صخ�صية �صيبوب ونظراته فى الحياة.
26
( )3الطريق اإلى احلقيقة
الركب اإلى حل ِة َعب�س ،وكان يوم عودته موع َد العيد ال�سنوى الذى تقيمه القبيل ُة فى مو�سم عاد عنتر ُة مع ِ
فذهب اإلى بيتِ اأ ِّمه اأو َل �سى ٍء بع َد عودته ،وكانت
القلب للعيدَِ ،
فارغ ِ الح ِّج فى �سهر رجب .ولكن عنتر َة لم يكن َ َ
زبيب ُة من�سرف ًة اإلى غزلِها ،فلما راأته داخ ًال وثبت قائم ًة وقالت له وهى تفت ُح له ذراعيها :
-مرحب ًا بك يا ولدى ،ما اأ�س َّد �سوقى اإلى روؤ ِيتك؟
والغ�سب يبدو
ُ رمحه و�سيفَه :وجل�س على فرو ٍة جانب من الخبا ٍء فرمى فيه َ جب عنتر ُة بل ذهب اإلى ٍ فلم ُي ْ
فى معال ِم وج ِهه .فقالت له زبيب ُة:
-اأ ِب َك �سى ٌء يا ولدى؟
فنظر اإليها عنتر ُة فاتر ًا ولم ُيجب ،فا�ستم َّرت قائلة:
-اأيحزنُك �سى ٌء اأ�سابك؟ هل األ َّم بك فى طريقك ما اأغ�سبك؟ هل لك اأن تُف�سى ا َّإلى بما ُيحزنك لعلى
اأ�ستطي ُع اأن اأخففَه عنك ،اأو اأحتا َل معك فى �سرفه؟
فقال عنتر ُة فى �سوتٍ ا َّ
أج�س(:)1
�سبب حزنى وغ�سبى؟ لقد كان اأولى أغ�سب؟ بل ماذا يجدينى اأن تعرفى َ أحزن اأو ا َ -وماذا ُيجدينى اأن ا َ
ال�سبب فى كل �سقائى.َ بك لو عرفتِ اأنك كنت اأنتِ
الدموع فى عينيها ،وقالت وهى تحاو ُل اأن ُ قلق من هذه ال�سدم ِة المفاجئ ِة وفارت فتحركت الأُم فى ٍ
َ
تتما�سك:
أحب �سى ٍء ا َّإلى اأن
الحزن بفق ِد عينى لكان ا ََّ ا�ستطعت اأن اأُ َ
ذهب عنك ُ الحبيب فداك نف�سى ،لو َ -اأى ولدى
أهب لك ال�سعاد َة لبذلتها را�سي ًة �سعيدةً .اأاأنا التى كانت َ
�سبب اأفق َد عينى .ولو ق َد ْرت على اأن اأبذل حياتى؛ لكى ا َ
�سقائك؟ اإ ًذا فما اأعظم �سقوتى؟
فخ�س َع عنتر ُة واأطرق حينًا ثم قال لها: َ
على كما تجنى القط ُة على �سغا ِرها ،اأو الكلب ُة -لن ُي ْجدينى ذلك ك ُّله �سي ًئا اأيتها الأ ُّم البائ�س ُة ،لقد جنَيت َّ
يعي�س عب ًدا ؟ اإ ًذا فما الذى حملك على الجائع ُة على ج َرائها .اأما كنت تعرفين اأن الولي َد الذى تَ�سعينه �سوف ُ
�سقطا( )2اأو تكتمى اأنفا�سى بعد أكون فيها عبد ًا؟ اأما كنتِ تقدرين على اأن تطرحينى ً اأن تقذفى بى اإلى الحيا ِة ل َ
مولدى؟ وكانت زبيب ُة ت�ستم ُع اإليه فى ده�سةٍُ ،م َت َعجب ًة من قولِه ،و�ساحت فى األ ٍم:
فار�س عب�س؟ لقد عقم الن�سا ُء أل�ست عنتر َة َ نياط قلبى يا عنترةُ .فماذا يحملك على كل هذا :ا َ -اإنك تقط ُع َ
اأن يلدن مث َلك.
28
ففزعت زبيب ُة من قولِه ،ورمت بمِغزلها فى غ�سب ٍة مكتوم ٍة وب�سطت يديها؛ نحوه وعيناها معلقتان فى
وجهه ،وقالت:
بالكالب والحمالن( )1وتندف ُع
ِ مرحا �ساح ًكا تعبثُ
-اأى ولدى اإنى ما اأزا ُل اأذك ُرك طفال واأنت تحبو ً
قط يداعب فاأ ًرا. عنيف ًا كاأنك فتى ياف ٌع .واأذكرك �سبي ًا تجبذ( )2ف�سي َل الناقِة كاأنك ٌ
واأذكرك فتى ته ُّز الحرب َة كما كان يهزُّها خا ُلك وج ُّدك ،اأخى واأبى ،هوؤلء الذين عرفونى وعرفتهم؛ ولم
يقولوا لى يو ًما كما تقو ُل لى «يا امراأة».
وهذا اأنت قد كبرت يا ولدى حتى �س ْرت فتى الفتيان واأ�سجع ال�سجعان؛ وفار�س عب�س ُكلِّها ،وما
أ�سنع ما يلقى الرج ُل اأ َّمة .اأراك تبعدنى وتخاطبنى هكذا «يا امراأة» ،كاأننى ُ
ل�ست اأمك التى اأراك تلقانى اإل با ِ
كنت ل ت�ستطي ُع �سي ًئا .ثم و�سعت راأ�س َها بين كفيها واأخذت تبكى .فالن عنترةُ: اأر�سعتك ،وحملتك عندما َ
وقال ي�ستعطفُها:
ُ
والغيظ ينفج ُر بى. -اإن قلبى يتمزقُ
فقالت زبيب ُة:
أحب من �سورتك .واأراك تنظ ُر ا َّإلى كما ينظ ُر اإنك يا عنتر ُة تُدمى قلبى الذى ل يحم ُل من الأحياء �سورة ا َّ
ا َّإلى هوؤلء كلهم-اأبوك واأعمامك واأبناء اأعمامك.
ف�ساح عنتر ُة فى وح�سية :تقولين اأبى واأعمامى؟ اأتعيدين ذلك على �سمعى؟
فقالت زبيب ُة:
نعم اأبوك واأعما ُمك .األم اأقل ذلك لك من قب ُل؟ اإنهم يقولون لى كلما راأونى :قومى يا زبيبة اإلى هذا الوعاء
فل�ست اأمام نف�سى زبيب َة الأم َة-
ُ فاحمليه ،اأو اإلى هذه ال�سا ِة فاحلبيها .وما كان ينبغى لك اأن تكون مثلهم.
اإننى اأنا الحرة الحب�سية(تانا) ابنة(ميجو) ،ولن اأكون �سوى الحر ِة (تانا) ابنة ميجو.
نف�سا .فلماتنف�سه ً وكان عنتر ُة ي�سم ُع قو َلها مطرق ًا؛ ويزاأر زئير ًا مكتو ًما؛ وتعتريه بين حين وحين هِ ز ٌة ُ
انتهت اأمه من قولها عادت اإلى البكاءِ .فقال عنتر ُة فى �سب ِه �سيحةٍ:
-اإنك تقولين عن �سدا ٍد واإخوت ِه اإنهم اأبى واأعمامى ،ومع ذلك فا َّإن ك ّل من يلقانى منهم ل ي�سمينى اإل
عبد ًا .األ�ستِ اأنتِ التى اأتيت بى اإلى الحيا ِة واأنت اأعرفُ النا�س بمولدى؟ وحق مناة لو كنتِ حرةً......
وما كاد ينطق بالكلمة الأخيرة حتى �ساحت به زبيبة فى حنق(:)3
تح�س لى رحم ًة .اإننى اأمقت قو َمك وما يقولون واأمقت كبريا َء ُهم فظ عنيفٌ ول ُّ -ويلك يا عنترة ،اإنك ٌ
وجه َلهم ،واأمقت هذه الآله َة ال�سما َء التى يق�سمون بها.
أحب ا ّإلى من هذا ال�س ِم الذى ينادوننى به.لقد عرفت قوم ًا غيرهم ودين ًا غير دينهم وا�س ًما ا َّ
( )1الحمالن :جمع حمل وهو ولد النعجة.
( )2تجبذ :تجذب.
( )3حنق :غيظ
30
بتلف النف�س .اإنك منه وهو تذهب اإليه وت�ساأله وتخا�سنَه ،فال تعو ُد من ذلك اإل ِ اأخ�سى هذا .كنت اأخ�سى اأن َ
وتقف له وجه ًا لوجه ،فما تقابل اثنان ورثت منه ُعنفَه وكبريا َءه ،ولقد كنت اأخ�سى اأن ت�سطد َم بهَ ، منك ،وقد َ
مثلكما اإل انجلى الموقفُ عن هالك اأحدهما.
متهدج:
ٍ و�سكت َْت لحظ ًة ،ثم قالت ب�سوتٍ
ل�ست اأر�سى اأن اأفق َدك .اإننى على ،ولن اأر�سى اأن اأفقده كما ُ -اإنه اأبوك يا ولدى ،ول�ست اأنك ُر اأنه عزي ٌز َّ
القريب ،فا�س َم ْع حديثى و�سدقنى.
ِ أم�س
اأذك ُر يو َم راأيته كاأنه كان بال ِ
أر�س الركب اأنا ومن معى من ن�ساء واأطفالٍ ل نكا ُد نرى ما اأمامنا من البكا ِء فقد جئنا اإلى هذه ال ِ كنت مع ِ ُ
بقطع من ف�سالت الطعام ،فال نج ُد لها مع قوم خطفونا من اأهِ لنا كما تُخطفُ فِرا ُخ الطيرِ .وكانوا يلقون اإلينا ٍ
الطريق
ِ الموت ياأتى َعلينا .وكانت جثثُ الموتى تُلقى على َجانب ُ والجوع َيقر�س اأح�ساءنا ،حتى كاد ُ �سهوة،
�سيبوب عند ذلك ليزا ُل
ُ كما تُلقى جيفُ الكالب ،ول نج ُد لأنف�سِ نا حيل ًة اإل البكا َء وتمنى الهالكِ .كان اأخوك
طفال ،وكان جرير ابنى ل يزيد على ع�سر �سنوات .اأواه.
اإننى ل اأمل ُك نف�سى كلما تذكرت كيف كان ولداى الم�سكينان وهما يجران اأقدامهما ،والحجار ُة ت�سققها
والدما ُء ت�سي ُل منها .وكانت ال�سحرا ُء المهلك ُة تمت ُّد اأمامنا اإلى غير نهاية .واأخي ًرا هبط علينا اأبوك �سدا ٌد فى
ركب الطغا ِة الأنذالِ الذين جاءوا بنا .وكنا نحن الغنيم َة يا ولدى .فاأخذنا جماع ٍة من عب�س ،جاءوا لي�سلبوا َ
لن�ستريح من الحياةِ .ولكن
َ الموت ونتمناه،
َ بنو عب�س بعد اأن قتلوا الذين كانوا يعذبوننا ،وكنا نتوق ُع منهم
�سدا ًدا كان بنا با ًّرا وكان ابناى له عبدين على عاد ِة العرب من اأقدم الأزمان ،وقد اأولدنى �سداد غال ًما واح ًدا
هو اأنت .هو اأنت يا عنترة .هذه ق�ستى يا عنترة اأقو ُل َها لك ،ول�ست األو ُم اأح ًدا ،ول اأحقد على اأحد .فاإذا ُ
كنت
فعلت ذلك من اأثر حديثك اأنت .اإننى ل اأحمل اإل الول َء والوفا َء. �سكوت اأوتاألمت فاإنما ُ
ُ قد
فنظر عنتر ُة اإليها وقد هداأت ثائرتُه وقال �ساخ ًرا:
-اإ ًذا فهو اأبى؟
بحرف غير �سادقٍ ؛ فاإنى اليوم ل اأطم ُع فى اأن ٍ فقالت زبيب ُة فى ج ٍّد :قلت لك ق�ستى .لم اأنطق فيها
ا�ستقب َل الحياةَ .اإننى را�سي ٌة بما اأنا فيه؛ لأننى ل اأرى لنف�سى مطم ًعا �سوى اأن اأراكم اأمامى ..ولقد اعترف
يحاربُ قائال« :اإنه ولدى» ،وكادبك اأبوك يوم ًا واأنت فتى �سغير اإذ طمع بع�س بنى عب�س اأن يدعيك( )1فمنعك ً
اأبناء عمه من اأجلك.
�ساخ�سا( )2بب�سره اإليها .حتى اإذا ما فرغت مدت يديها نحوه واقتربت منه، ً وكان عنتر ُة ي�سمع قو َلها
فم�سحت على راأ�سه بيمينها ثم تهانفت( )3وخ�سع عنتر ُة لها فاأحنى راأ�سه ،ووثبت من عينيه دمع ٌة بادر اإليها
فم�سحها ،ثم تخل�س منها برفق ،وقال ب�سوتٍ خافتٍ :
-ل عليك يا اأماه فاإنى ق�سوت عليك ولقد األنتِ قلبى على الرج ِل بعد و�سفك اإياه .و�ساأم�سى اإليه لأحد َثه
( )1يدعيك :يجعلك ولده.
(� )2ساخ�سا بب�سره :فاتحا عينيه ل يغم�سها.
( )3تهانف :التهيوؤ للبكاء ،وقد يكون معناه اأحيانًا �سحك المراأة اإذا ا�ستهزاأت.
ال�سياع ولن اأر�سى بع َد اليوم اأن اأبقى فى بنى عب�س ِ ()1
فى اأمرى ،فلعله يلحقنى بن�س ِبه ويزي ُل عنى مع َّر َة
رقي ًقا .واأنا من �سلب �سدادٍ.
ثم وثب واق ًفا وقامت اأمه تتعلقُ به قائلة:
كنت اأحاذ ُر اأن تفعل منذ كبرت .اإنه لن يجي َبك اإل بما -ل تَفع ْل يا ولدى .ل تَفع ْل ذلك اأب ًدا ..هذا ما ُ
َريث فى الأم ِر حتى يق�سى اهللُ ق�سا َءه ولتيا ْأ�س من يجيب به العربى عب َده .اإنك عب ُده لأنك منى ،ل لأنك منه .ت ْ ُ
رحمتِه.
فقال عنتر ُة فى �سرامةِ:
يكون منه .فدعينى اأذهب اإليه .فاإنى لن اأثير قلبه� .سوف اأخ�س ُع( )2له فى أدع حديثه حتى اأرى ما ُ -لن ا َ
آي�سا( )3منه فاإنى األم ُح فيه اأحيانًا رق ًة ومحب ًة .ول اأمل ُك قلبى من الميل اإليه كلما القول لعله يلين لى ول�ست ا ً
لقيته ،فقالت زبيبة:
َرفق بى وبنف�سك يا ولدى ..اإنه لن ير�سى اأن يجي َبك خو ًفا من قومِه اأن يعيروه. -ت ْ
فقال عنتر ُة فى دفعةٍ:
-اأيعي ُره قو ُمه بى؟ لن اأقعد عن مطالبتِه واإن كلفتنى المطالب ُة حياتى ..فاإما اأن ا َ
أكون ابنَه فيعلن ذلك لمالأ
أر�س الوا�سع ِة ابتغا َء حريتى. النا�س .واإما اأن اأهي َم على وجهى فى ال ِ ِ
تريث يا ولدى ..بماذا اأق�س ُم عليك حتى تطي َعنى؟ فقالت زبيبة ْ :
فنظر عنترة اإلى وجه اأمه جامد ًا وقال:
على اإذا لججت فى خطابه اأن يوقع بى؟ لن اأرف َع فى وجهه يدى يا زبيب ُة فاطمئنى .لقد ُ
كنت -اأتخ�سين َّ
دائ ًما اأخ�س ُع له واأنا اأعده �سيدى .و�ساأكون اأ�سد خ�سوع ًا ،واأنا اأعرفُ اأنه اأبى.
وغاب فى اإطراقه حينا .وكان يرد ُد وجل�س على حجر عند مدخ ِل البيتِ وو�سع را َأ�سه بين كفيه َ َ ثم تخاذ َل
اأنغام ًا خافتة ويهتز اهتزازًا �سدي ًدا حتى جزعت اأ ُّمه عليه ،فاقتربت منه وجعلت تم�سح راأ�سه بيدها حزين ًة،
أهازيج من �سعره .واأمه تنظر اإليه فى رق ٍة وت�ستمع اإلى حتى م�ست �ساع ٌة ثم رفع را َأ�سه ،وجعل يتغنى با َ
غنائه.
ثم وثب قائ ًما فى عنف ،وذهب م�سرع ًا ،ولم يلبث اأن غاب بين البيوت واأهوت زبيب ُة على الأر�س متهالك ًة
تئن قائل ًة:تنظ ُر اإلى اأعقاب ِه وهى ُّ
-ولدى ..ولدى!
32
اأ�شئلة الف�شل الثالث
الطريق اإلى احلقيقة
« 1اأى ولدى الحبيب فداك نف�صى ،لو ا�صتطعت اأن اأذهب عنك الحزن بفقد عينى لكان اأحب �صىء
أهب لك ال�صعادة لبذلتها را�صية �صعيدة. اإلى اأن اأفقد عينى ،ولو قدرت على اأن اأبذل حياتى؛ لكى ا َ
اأاأنا التى كنت �صبب �صقائك؟ اإ ًذا فما اأعظم �صقوتى؟
( اأ ) اأى ولدى ،..اأاأنا التى كنت �سبب �سقائك ،فما اأعظم �سقوتى ..ما الفرق بين الأ�ساليب الثالثة ال�سابقة؟
وما العاطفة فى كل واحد منها؟
(ب)تبرز العبارة مدى حب الأم لبنها .و�سح ذلك.
(ج�) «لقد عقم الن�ساء اأن يلدن مثلك» ا�سرح العبارة وهل اأثرت فى نف�س عنترة ؟ ناق�س وا�ستدل.
(د) لماذا كانت زبيبة تتج�س�س عند عبلة و�سمية؟
(ه�) ما المواقف التى ذ ّكر بها عنترة اأمه باأنه ابن �سداد؟
( و) ما قيمة جملة «فداك نف�سى»؟ ولم كررت كلمة لو؟
2تحدث عن مرحلة الطفولة لعنترة فى �صوء هذا الف�صل.
« 3لم تكن َزبيبة را�صية عن معاملة �صداد لها» ا�صتدل علم ذلك.
4من تانا ابنة ميجو؟ وما ق�صتها؟ وما الدين الذى كانت تدين به؟
5عَ ِّين ال�صواب من العبارات الآتية:
✦ ✦اإنك لمت ابنا ل�سداد.
✦ ✦اعترف �سداد بابنه عنترة.
✦ ✦اأ�سرت زبيبة فى اإحدى المعارك.
برفق.
✦ ✦عاملها �سداد ٍ
✦ ✦لم تكن زبيبة �سادقة.
�صاخ�صا بب�صره اإليها ،حتى اإذا ما فرغت مدت يديها نحوه ،واقتربت ً « 6وكان عنترة ي�صمع قولها
منه فم�صحت على راأ�صه بيمينها ثم تهانفت ،وخ�صع عنترة لها فاأحنى راأ�صه ،ووثبت من عينيه
دمعة بادر اإليها فم�صحها»..
( اأ ) تخير الإجابة ال�سحيحة مما بين القو�سين:
�ساخ�سا» ( :ممث ًال -منحني ًا -فاتح ًا عينيه ل يغم�سها).
ً ✦ ✦معنى كلمة «
✦ ✦م�ساد كلمة «خ�سع»( :تمرد -اأجاب -احتج).
33 دار النمر للطباعه
( )3الطريق اإلى احلقيقة
✦ ✦«فم�سحت على راأ�سه بيمينها لأنها» ( :وجدت بها عرق ًا -لتنظم �سعره -لتظهر حبها له).
(ب)الموقف ملىء بالعواطف الإن�سانية ال�سامية و�سح ذلك.
(ج) ما اأثر هذا الحديث فى نف�س عنترة؟
(د) «قرر عنترة اأن يواجه �سدا ًدا فما موقف زبيبة من ذلك؟ وبم طماأنها عنترة؟
(ه�) ا�ستخرج من العبارة :خبر ًا جملة -حا ًل مفردة -مفعو ًل من�سو ًبا بعالمة فرعية.
7حب عنترة لعبلة جعله حري�صاً على اإثبات حريته .ناق�س ذلك مبي ًنا راأيك.
8ما الفرق بين ديانة زبيبة وديانة �صداد؟
9يقول �صوقى:
ب� �ك ��ل ي� ��د م �� �س��رج��ة ي ��دق ول �ل �ح��ري��ة ال� �ح� �م ��راء ب��اب
ما الموقف الذى يتحقق فيه معنى هذا البيت؟ وعلى ل�سان من يجرى هذا البيت؟
10حدد قيمة هذا الف�صل فى تطوير «الماأ�صاة» فى الق�صة.
34
( )4حوار �شاخن
كامال على الحلة ون�سر األوانه على الف�ساء عندما خرج عنترة من بيت اأ ِّمه .وكانت كان البدر قد طلع ً
الحلة خالية اإل من عجائز الإماء وال�سعفاء من ال�سيوخ والن�ساء ،فقد خرج اأهلها اإلى براح وا�سع فى ظاهر
النجع؛ ليحتفلوا بيوم مناة على عادتهم كل يوم عام.
و�سار عنترة م�سر ًعا يغرز الرمح فى الرمال كاأنه يطعنها فى حقد ،حتى بلغ البراح الف�سيح الذى تعودت
عب�س اأن تجتمع فيه لالحتفال بالعيد .وكانت اأ�سوات الغناء وال�سحك وال�سياح تنبعث اإليه فى �سجة يحملها
الن�سي ُم اإليه عجيبة غام�سة كاأنه لم ي�سهد يو ًما زحمة مثلها .
مرحا يختلفولحت لعينيه جذوع النخيل بارزة فى حلقة عظيمة كاأنها �سياج ،يحجب عنه عال ًما �ساخ ًبا ً
عن عالمه الحزين العاب�س.
وخطرت له فى �سيره �سورة عبلة ،وخيل اإليه اأن ي�سمع �سوت غنائها ،اأتكون عبلة هناك فى ذلك الجمع
العابث الالهى ليخطر ببالها ما هو فيه من تنكيد وحزن عنيف؟
اأتكون عبلة مع هوؤلء ت�ساحكهم وت�سامرهم ،وتغنى لهم وترق�س وت�سفق مع الم�سفقين ول يخطر
ببالها اأنه وحده يناجى ياأ�سه وكمده؟
وطال عليه ال�سير حتى بلغ مو�سع الزحام ،وراأى الجموع الزاخرة تحيط بالنيران فى حلقات كل منها
ت�سم بطنًا من بطون القبيلة.
ومر يخبط الأر�س برمحه بين الحلقات ليلتفت اإلى اأحد ممن كانوا يتواثبون اإليه ويدعونه اإلى الجلو�س،
حتى اقترب من �سرادق الملك زهير بن جذيمة.
لم يكن عنترة يعرف ماذا يريد اأن يفعل بذهابه اإلى �سهود ذلك العيد فاإنه لم يذهب اإلى هناك لكى ي�سرب
الخمر مع ال�ساربين ،ول لكى يتبارى هو والفر�سان ،ول لكى ين�سد اأ�سعاره كما اعتاد اأن ين�سد فى مثل ذلك
اليوم ،لم تكن نف�سه فى ذلك اليوم خالية م�ستب�سرة حتى ي�سارك قومه فى مرح العيد ولهوه وبهجته ،ولكنه
مع ذلك قد ذهب اإلى هناك وهو ليدرى ماذا يق�سد من الذهاب .اأكانت �سورة عبلة هى التى تجذبه وتدعوه؟
اأم كان �سيق �سدره يدفعه اإلى الهروب من الوحدة لعله يجد فى زحمة العيد ما ي�سغله عن التفكير فى همومه
واآلمه؟ اأم ذهب يرجو اأن يلقى �سداد بن قراد فى ذلك الجمع الحا�سد؟ لقد كانت �سورة �سداد هى التى تمالأ
�سدره الحانق( )1منذ خرج من بيت اأمه ،فكان يتمنى اأن يراه لي�ساأله عما كان ي�ساأل اأمه عنه ،ويحمله على اأن
�سريحا.
ً يعترف به ويجعله ولده
لم يدر عنترة حقيقة ما كان يق�سد بذهابه اإلى زحمة العيد ،فقد كان كل ما فى ذهنه وكل ما فى قلبه
ً
غام�سا خاف ًيا م�سطر ًبا.
ولما اقترب من �سرادق الملك زهير بن جذيمة مر بحلقات من فر�سان ال�سباب فهبوا اإليه واأحاطوا به
لياأخذوه اإليهم ،وتناف�سوا اأيهم ي�سبق اإليه .ولكنه وقف ينظر نحو ال�سرادق العظيم ورمحه مركوز فى الرمل،
وارت�سمت على وجهه ابت�سامة �سعيفة فيها �سىء من ال�سخرية و�سىء من الحنق والتفت اإلى الفر�سان ً
قائال:
�سوف اأعود اإليكم بعد تحية �سادتى.
مترنحا متحد ًيا كاأنه يق�سد قتال.
ً ثم قهقه ،وانفلت من بينهم م�سر ًعا
ولمح اأمام ال�سرادق فتيات عب�س وهن يخطرن فى رق�سهن وغنائهن فاأدار ب�سره فيهن حتى وقع على
عبلة وهى ترفع يديها وتغنى .فخفق قلبه وتمتم ً
قائال:
اأكل هوؤلء ينظرون اإليها؟
و�سمع عند ذلك من ناحية ال�سرادق ا�سم عبلة يتردد فى �سيحة اإعجاب فوثب وطعن الرمل برمحه ،فما
هى اإل لحظات حتى كان على خطوة منها ،فالتفتت اإليه وتالقت عيناهما ،فتب�سمت عبلة ،ومالت براأ�سها فى
خجل ،و�سكتت عن الغناء.
فعال الجمع �سمت عميق مدة لحظة مرت كاأنها �ساعة طويلة ،وتعلقت العيون كلها بعنترة ،وكان مظهره
ينم عما فى �سدره من غ�سب وثورة .اأما هو فلم يبت�سم لعبلة ،ولم يلق اإليها تحية ،واندفع نحو ال�سرادق ول
يزال يطعن الرمل فى كل خطوة يخطوها فلما بلغ مو�سع الملك حياه ً
قائال:
عمت م�ساء مولى!
فقال الملك:
عم م�ساء عنترة .لقد كنت اأ�ساأل عنك منذ الليلة.
جال�سا على تخت من�سوب قد فر�ست عليه النمارق( )1والو�سائد ،وكان الأمراء وال�سيوخ وكان الملك ً
()2
واأبناء ال�سادة يجل�سون من حوله ومن ورائه فى �سفوف مزدحمة ،فوق طناف�س من �سناعة المدائن
و�سيراز ،وكان العبيد يدورون على الجلو�س بكئو�س من الف�سة ،ي�سبون فيها خمر ال�سام والعراق من
اأباريق اأنيقة منقو�سة ب�سور الطير والحيوان.
فنظر عنترة اإلى المكان فلم يجد به مو�س ًعا يجل�س فيه ،ودار بعينيه فى ارتباك كاأنه يبحث عن اأحد فى
الجلو�س ،وفيما هو فى حرجه �سمع �سوتًا ينادى فى �سىء من ال�سخرية ً
قائال:
األ تجد لك مكانًا يا عنترة؟
فنظر نحو الذى يخاطبه ،وكان عمارة بن زياد ،اأجمل فتيان عب�س ،واأكرمهم ،واأعالهم ح�س ًبا واأ�سرفهم
ن�س ًبا:
فقال عنترة فى حقد:
لو اأن�سفت لقمت لى من مكانك يا عمارة.
36
وكانت الخمر قد لعبت براأ�س الفتى ال�سيد .فهب من مكانه ثائ ًرا وقال:
تعال فخذ مكانى اإذا ا�ستطعت يا ابن زبيبة.
فقال عنترة ثابتًا:
لم تاأت بجديد على الأ�سماع ،فكل عب�س تعرف اأمى كما تعرف اأمك .ولكنى هنا اأنا واأنت .فتعال ا ّإلى اإذا
�سئت يا عمارة.
فجرد عمارة �سيفه ،واندفع نحوه ،واأقبل عنترة عليه يدو�س الجال�سين للو�سول اإليه ،وهب النا�س من
�سائحا:
ً كل مكان يحجزون بينهما حتى لقد هب الملك زهير من مكانه
تريث( )1يا عنترة ،ويحك يا عنترة!
ولكن �سوته لم ي�سمع فى ال�سجة ال�ساملة ،وانتق�س نظام الميدان كله ،فاختلط من فيه ،وا�سطربوا
و�ساح الن�ساء والفتيات فى فزع ،وم�سى حين( )2قبل اأن ي�ستطيع �سداد بن قراد اأن ي�سل اإلى عنترة،
وي�سمعه �سوته وياأخذه من يده ،وخرج به من ال�سرادق.
ولكن الجمع لم يلتئم( )3بعد ذلك ،ولم تعد النفو�س اإلى �سفائها ،وانف�س النا�س فى وجوم عائدين اإلى
منازلهم ،فلم يكن لهم فى ذلك اليوم عيد.
وذهب �سداد اإلى جانب عنترة ي�سيران فى �سمت حتى بلغا �سِ ع ًبا من �سِ عاب الوادى الموؤدى اإلى الحلة،
فانتحيا فيه جان ًبا عند مهبط ال�سيل ،وجل�س �سداد على قطعة مل�ساء من ال�سخر ،وجل�س عنترة جاه ًما( )4عند
قدميه وو�سع رمحه تحت رجليه.
وقطع �سداد ال�سمت ً
قائال:
-اأجئت يا عنترة عم ًدا لتف�سد علينا ليلتنا؟
فنظر اإليه عنترة نظر ًة طويلة ثم اأرخى عينيه وقال ب�سوت عاتب.
-اأتلومنى يا �سيدى على ما كان ينبغى اأن تلوم عليه غيرى؟
اأتلومنى؛ لأننى عبدك؟
فقال �سداد :اأهذا جواب قولى؟
فقال عنترة:
لقول كثي ًرا ل�ست اأدرى كيف اأبداأ فيه وكيف اأثنى ،اإن بع�سا .واإن فى نف�سى ً اإن القول ي�سوق بع�سه ً
قول هو اأولى اأن ت�سمعه من هذا الذى ت�ساألنى عنه يا �سيدى. عندى لك ً
فقال �سداد فى ده�سة:
قال ما بدا لك يا عنترة.
تريث :تمهل ()1
حين :وقت ()2
لم يلتئم :لم يعد كما كان. ()3
جاه ًما :حزينًا. ()4
فقال عنترة:
اإننى ل اأ�ستطيع يا �سيدى اأن اأنكر ف�سلك ،فاأنت فار�س عب�س و�سيخها ،واأنت مالذ ( )1الخائف ،ومطعم
طويال منذ كنت ً
طفال. الجائع ،ومكرم ال�سيف ،ونا�سر ال�سعيف ،وقد حدثتنى اأمى عنك حدي ًثا ً
قال هذا ثم �سكت ،ونظر اإلى �سيده �سداد.
عاب�سا:
قال ال�سيخ ً
ما لك ت�سكت يا عنترة ام�س فى الحديث وقل ما عندك.
وا�ستمر عنترة ً
قائال:
قول لم اأ�سمعه منك اأنت يا �سيدى ،هذا ما -حدثتنى اأمى عن رحمتك بها وبرك باأبنائها ،ولكنها قالت لى ً
ي�سيق له �سدرى ،وتثور منه نف�سى .هذا هو يدفعنى وما �سوف يدفعنى.
فقال �سداد جام ًدا:
قالت لك اإنك ولدى؟
فقال عنترة ثابتًا:
طفال ،كنت اإذا لعبت مع اأطفال الحى �سبونى باأمى ،وقالوا لى ا ً
أقوال لم اأفهمها، قالت لى ذلك منذ كنت ً
فكنت اأنتقم منهم واأ�سربهم ،فال يزيدون اإل جراأة ،ويجتمعون فى حلقة يعيروننى وي�سخرون منى وكنت
كلما �سقت بهم ذهبت اإلى اأمى ،ف�سكوت لها .و�ساألتها عن اأبى لكى اأفاخرهم به ،كما يفاخروننى باآبائهم،
ولكنها كانت لتزيد على اأن تبكى .ثم قالت يو ًما اإننى ابنك ،فاأح�س�ست الكبرياء تمالأ نف�سى ،والقوة ت�سرى
فى عروقى ،فكان ل يقوى اأحد منهم على الوقوف اأمامى .ولكنى كبرت وعرفت وخ�ست الحروب ،واأردت
اأن اأجد لى مكانًا فى عب�س ،فلم اأجد اأح ًدا يو�سع لى مكانًا .فعدت اإلى اأمى اأ�ساألها عن حقيقة ما قالت لى فى
طفولتى ،فكانت تراوغنى وتدافعنى ولم تعد على قولها اإننى ابنك حقًّا ،ولكنها قالتها لى اليوم .فجئت اإلى
هنا ولكنى وااأ�سفاه لم اأجد لى بين عب�س مكانًا .وجدتك اأنت هناك ت�سمع وترى ،وذلك الوغد( )2ي�سبنى باأمى.
فقال �سداد فى جمود:
وماذا تريد بقولك هذا؟
فاأجاب عنترة فى دفعة:
ل�ست اأريد اإل ما يريده الولد من اأبيه اإذا كان اأباه حقًّا ،اأعبدك اأنا اأم ولدك؟
فقال �سداد :األ�ست اأعطيك ما يعطى الأب ابنه؟ األ�ست اأكرم مكانك يا عنترة؟ األ�ست اأدخلك بيتى ،واأجل�سك
فى مجل�سى واأركبك معى .واأناجيك اإذا اعتزمت مع قومى اأم ًرا؟
األ�ست اأدعوك اإلى حماية الحمى ،واإلى الم�ساركة فى الغزاة؟ األ�ست اأن�سرك اإذا ظلمت ،واأدفع عنك اإذا
ظلمت ،األم تقف الليلة ل�سيد �سباب عب�س تلقى اإليه �سبا ًبا ب�سباب ،واعتداء باعتداء فلم اأدع ي ًدا ت�سل اإليك؟
38
اأترى فى عبيدى غيرك من يباح له ما يباح لك؟ فماذا ينبغى منى بعد ذلك اإذا كنت اأباك حقًّا؟
فقال عنترة فى رقة :ل�ست اأنكر ف�سلك ،فاإنى اإ ًذا لجحود اإنك لتكرمنى ،ولتجعلنى مثل هوؤلء العبيد
الذى يرعون اإبلك معى ،ويحلبون لك النياق ،ويحملون الطعام ل�سيوفك .وقد كنت تملك اأن تجعلنى مثلهم لو
�سئت وتذل تلك النفو�س التى تقول اأمى اإننى ورثتها منك .األ تقول لى مرة اإنك اأبى؟ األ تقول لى كلمة تقدر
بها عينى؟ قل لى هذه الكلمة يا اأبى بحق �سيفك ورمحك حتى اأ�سمعها من �سفتيك اأنت.
ومد يديه عند ذلك فى �سراعة ونظر فى عين موله(.)1
فقال �سداد متبر ًما( : )2اأما اإنك لتلج لجاجة ( )3ل اأحمدها.
فقال عنترة معتذ ًرا:
ل�ست اأحب اللجاجة يا �سيدى .فا�سرفنى عنك بكلمة اأعرف بها مكانى ،منك فاإذا لم اأكن ابنك ،لم يكن لى
عليك من �سبيل فى نف�سك ،وفى هذه الذرية التى تخرج من �سلبك.
فقال �سداد مغ�س ًبا :ح�سبك اأيها الولد واأم�سك ل�سانك.
فقام عنترة ومد يديه نحوه ً
قائال:
اأيهما البطل ل�ست اأحب اأن اأغ�سبك .ولكنى ل اأر�سى لك اأن تقذف بى بعي ًدا عنك اإذا كنت من دمك ،اإن لى
فى الحياة حقًّا كما اأن لكل رجل فى عب�س حقًّا .فكيف اأعي�س فى قيد الرق اإذا كنت ابن �سيد الأحرار؟ وهل
ت�ستحق الحياة اأن اأحياها اإذا هى خلت من الحرية؟ اإننى اأحب الحرية ،لأننى اأحب الحياة .واأحب اأن اأعي�س
كالنا�س اأقول «نعم» حينًا اأو اأقول «ل» اإذ بدا لى اأن اأقول «نعم» اأو «ل» اأحب اأن اأكون مثل �سائر النا�س فى
ميزانهم ،اأعا�سرهم واأعمالهم على اأننى واحد منهم .اأتر�سى لنف�سك اأيها البطل اأن تعي�س عب ًدا؟
ف�ساح �سداد فى غيظ:
اأتقول لى ذلك؟
فقال عنترة :حا�ساك اأيها البطل اأن تكون عب ًدا.
اإنك لتكره اأن اأقرن بين ا�سمك وبين الرق فى كلمة واحدة ،فكيف بى واأنا اأرغم على اأن اأعي�س كل حياتى
عب ًدا؟ هبك وقعت يو ًما فى اأ�سر اأعدائك فاتخذوك عب ًدا ،وجعلوا حولك الأغالل( )4كما فعلوا يو ًما بمهلهل بن
ربيعة اأما كنت توؤثر اأن تجاهد فى �سبيل حريتك حتى تفوز بها اأو تخر(� )5سري ًعا فى جهادك؟ فاإذا كنت اأبى
فاإن دمك الحر هو الذى يثور فى قلبى.
فالن �سداد ،وقال عات ًبا:
اإنك تجرعنى( )6الغيظ بما تلقيه على من هذا القول الذى ينطلق اإلى اأذنى كاأنه جمر .فقال عنترة فى رقة.
موله� :سيده ()1
متبرما� :سائق ال�سدر ()2
إلحاحا غير محمود
تلج لحاجة :تلح ا ً ()3
الأغالل :القيود. ()4
تخر �سري ًعا :ت�سقط قتيالً. ()5
تجرعنى :ت�سقينى. ()6
على اإذا دفعنى ياأ�سى اإلى مواجهتك .ل�ست اأكره اأن توقع بى، قلت لك اإنى ل اأحب اأن اأغ�سبك .فال تغ�سب َّ
وت�سع �سيفك فى �سدرى .فتذهب عنى تلك ال�سجون التى توؤرقنى فى ليلى وتذلنى فى نهارى ،وتجعل حياتى
بغي�سة اإلى نف�سى ،ل�ست اأكره اأن اأفارق الحياة على يديك فاأخل�س من هذه ال�سبة التى يرددها النا�س كلما
على باآبائهم وقالوا لى
وقفت بينهم عند اأولِ غ�سبة يغ�سبونها .فهم اإذا عجزوا عن مفاخرتى باأنف�سهم فخروا ّ
يا ابن زبيبة .ولو عرفت اأبى لفاخرتهم به ،واأ�سندت اإليه ظهرى .حتى اأنت يا �سداد اإذا غ�سبت على قذفتنى
بحممك( )1ودعوتنى عب ًدا وقد كنت جدي ًرا باأن تكون اأبعد النا�س عن اإذللى اإذا كنت اأبى .فهل كذبت اأمى فيما
زعمته اإذا قالت اإننى منك؟
-ف�ساح �سداد فى غيظ:
-اأما قلت لك اأم�سك ل�سانك؟
-فم�سى عنترة فى عناد:
لك اأن تذكر اأبوتى ،ولو فعلت ذلك لوجدت عنك مندوحة يا �سيدى ،فاإنى اأقدر على اأن اأ�سع ال�سيف فى
�سدرى حتى يخرج من ظهرى ،اأقدر على اأن اأ�سرب فى الأر�س فال يعرف اأحد مكانى ،اأقدر على اأن اأهيج فى
النا�س ب�سيفى ورمحى كما يثور لكلب العقور اأو النمر الثائر .ولكنى ل اأقدر على اأن اأدعك تم�سى عنى بغير
اأن تجيب عن �سوؤالى .فال بد لك من اإحدى خ�سلتين :اإما اأن تقر باأبوتى واإما اأن تنكرها.
وكان �سداد مطر ًقا فى اأثناء هذا الحديث مترد ًدا ،فنظر اإليه عنترة وطمع فى لينه وم�سى ً
قائال:
قل لى اأيها البطل كيف اأقيم فى قوم اأقاتل اأعداءهم ،واأحارب فى غزواتهم ،واأحوز الغنائم من اأجلهم،
واأنا فيهم ل اأزيد على اأن اأكون عب ًدا م�سخ ًرا؟ اأفعل ذلك ماأجو ًرا بطعامى و�سرابى؟ اأيكون �سيفى جدي ًرا باأن
ي�ساحبنى؟
وهل اأر�سى لنف�سى اأن اأكون عب ًدا لك تملكنى كما تملك هذه الإبل وهذه الخيل؟ اأاأر�سى بالذل فى نف�سى،
واأنا قادر على حماية غيرى؟ لئن كنت قاد ًرا على اأن اأمنع حرمكم ،واأذود ()2عن حريتكم فاإننى لأ�سد النا�س
عقو ًقا( )3لنف�سى اإذا كنت اأحفظ كرامتكم واأهدر كرامتى.
فرفع �سداد راأ�سه وقال:
اأتمن علينا بحمايتك؟
فاأجاب عنترة:
ل�ست اأمن عليك ،ول على اأحد بحمايتى .ولكنى اأقول الحق الذى ل ت�ستطيع اأنت اأن تنكره اإننى اأغزو
()4
واأتقدم ال�سفوف؛ لأقتحم جي�س العدو اأول النا�س لت�سيروا ورائى .واإنى لأجروؤ على لقاء كل فار�س يتحاماه
الأبطال من �سادتكم ،واإنى لأغنم الغنائم لكى تق�سموها بينكم ،فاإذا مننتم على بجزء منها جعلتم لى ن�سف
الحمم :الجمر. ()1
اأزود :اأدافع. ()2
عقوق النف�س :ترك الإح�سان اإليها. ()3
يتحاماه :يتحا�ساه. ()4
40
�سهم وراأيتهم فى هذا ً
ف�سال واعترا ًفا بحقى ،اإنى لأبذل ما فى يدى تكب ًرا عن المال اإذا حر�س عليه كرامكم،
ول�ست اأريد بهذا القول منًا ولفخ ًرا بل هو الحق الذى تعرفه ،فاإذا كان هذا يغ�سبك فقل لى اإنك غا�سب
منه ،فال اأعود اإلى ذكره ،وح�سبى اأن اأباعد بينى وبينكم ،فال اأكلفكم من اأمرى م�سقة ..ولكنى اأحب منك اأن
تجيبنى عما �ساألت فاإما اأن تنكرنى واإما اأن تعترف بى.
وكان �سداد فى اأثناء هذا القول مطر ًقا وقد و�سع راأ�سه بين يديه �سامتًا ،فقام عنترة وو�سع يده على
كتفه فى رفق وقال له:
اأما زعمت مرة اأنك اأبى؟ لقد حدثتنى اأمى فى ثنايا ق�ستها اأنك اعترفت بى يو ًما اإذ طمع اأحد بنى عب�س
فى اأن يحوزنى ،فمنعتنى( )1وقلت اإننى ابنك .األم تقل ذلك يو ًما يا �سيدى؟ اأما كدت تقاتل اأبناء عمك عندما
اأرادوا اأن يدعونى؟ كذب هذا اإذا �سئت بل كذب نف�سك اإذا ا�ستطعت اأن تقول كذ ًبا.
وما كاد �سداد ي�سمع هذه الكلمة حتى رفع راأ�سه ووثب قائ ًما ولم�س مقب�س �سيفه ،وقال فى �سيحة
عنيفة:
اأتقول لى هذا القول اأيها العبد ال�سقى؟ وحق مناة والالت والعزى ما �سبرت على اأحد �سبرى عليك،
واأنت الليلة تقرعنى( )2وتعنفنى .ول�ست اأدرى ما الذى يمنعنى من �سفك دمك اأيها العاق الجاحد؟ فهل اأطمعك
حلمى عنك؟ اأو قد غرك اأننى وقفت( )3دونك واأنت ت�سمخ باأنفك على �سادتك؟ اأنها لنقي�سة اأح�سها فى نف�سى
اأن اأرق لك كلما هممت باأن اأعمد هذا ال�سيف فى اأح�سائك.
فنزع عنتره �سيفه ورماه بعي ًدا عنه ،وفتح جيبه( )4فك�سف عن �سدره الوا�سع وقال ب�سوت اأج�س:
هلم ( )5فاغمد �سيفك فى �سدرى ،ول تكتم غ�سبك على ،فاإنك اإن فعلت خففت عنى ثقل ما اأحمل فى هذه
الحياة ،بل اإنى اأحر�سك على قتلى ،فل�ست اأريد اأن اأحيا فى العبودية التى تريدنى عليها .اأقتلنى واأنت هادئ
النف�س ،لأنك تريحنى من �سقائى.
فاأدار �سداد عينيه عنه ،وعاد اإلى ال�سخرة فجل�س عليها �سامتًا وهو يلهث مما فى �سدره من الغيظ،
وبقى حينا �ساكنًا ثم تحرك وقال ب�سوت فيه رنة العتاب.
األ تعلم اأن هذا الأمر ل اأملكه وحدى.
ف�ساح عنترة كمن اأ�ساب انت�سا ًرا.
اإ ًذا فاأنت تعترف بى فقال �سداد فى حزن:
ل�ست اأنكر اأنك ابنى ...ف�ساح عنترة فى حما�سة:
لقد قلتها ،هذا ح�سبى منك يا اأبى .قل ما �سئت بعدها ،وافعل ما بدا لك .فاأنت اأبى.
42
ف�ساح عنترة :نعم هذا عنترة العبد .هذا عبدك يا �سداد بن قراد� ،ساأذهب اإلى البرية لأرعى اإبلك ،واأحلب
نياقك ،واأدفع الذئب عن غنمك� ،ساأجعل رمحى ع�سا اأ�سوق بها الإبل ،و�ساأجعل �سيفى حلية اأزين بها �سدرى،
فال �ساأن لى بالغزو بعد هذا ،ول ينبغى لى اأن اأقف بين الأحرار .
واإذا بدا لك يو ًما اأن تنادى عنترة فال تدعه اإل لكى يحمل لك وعاء اللبن ،اأو لكى ينحر ل�سيفك جزو ًرا(،)1
و�ستجدنى لك كما �سئت عب ًدا خا�س ًعا .لن اأرد قلبى عن محبتك :لأنه لينكر اأبوتك� .سوف اأكون عبدك ،اأخفى
عنك طربى وغ�سبى ،و�سوف اأدير عينى اإذا نظرت اإلى حتى لتلمح ومي�س حقدى ،ول اأجهر بذات نف�سى
تحت �سمعك .ول اأتحدث عنك اإل من خلف ظهرك ،فاإذا قربت منى فلن ت�سمع منى اإل األفاظ الوفاء والولء ..
هذه �سيم العبد ،فال تنتظر منى �سوى �سيم العبد ،واقنع بهذا منى يا بطل عب�س وكريمها! يا �سيدى �سداد بن
تحفظك من �سيوف الأعداء وهاأنذا اأقبل قدميك ً
تذلال ومهانة. قراد .هاأنذا اأخ�سع لك ،واأدعو مناة اأن َ
ولما قال عنترة هذه الكلمة اأهوى اإلى قدمى اأبيه فجاأة فقبلهما .ثم نه�س م�سر ًعا ،وذهب كاأنه يهرب من
ً
مدهو�سا ،ونور البدر عدو ،حتى اختفى وراء التبة ،وخرج نحو ال�سحراء ،وجل�س �سداد ينظر فى اأعقابه
ال�ساطع يخيل اإليه اأنه يهيم فى حلم ثقيل.
« 1لم يدر عنترة حقيقة ما كان يق�صد بذهابه اإلى زحمة العيد ،فقد كان كل ما فى ذهنه ،وكل ما فى
ً
غام�صا خاف ًيا م�صطر ًبا. قلبه
( اأ ) اأى عيد يحتفلون به؟ وكيف كانوا يحتفلون؟
(ب)ما قيمة عطف «وكل ما فى قلبه» على ما قبلها؟
(ج�) كان �سبب ذهابه اإلى مكان العيد:
✦ ✦لين�سد اأ�سعاره.
✦ ✦لأن �سورة عبلة تجذبه.
✦ ✦لأن زحمة العيد ت�سغله عن التفكير فى اآلمه.
✦ ✦لأنه يريد اأن يلقى �سدا ًدا.
✦ ✦رتب هذه الأ�سباب ح�سب اأهميتها بالن�سبة لعنترة.
44
(ج�) حدد عنترة الأعمال التى �سيقوم بها فما هى؟ وعالم تدل؟
( د ) ا�ستخرج من العبارة ال�سابقة :منادى واأعربه -خب ًرا جملة -م�سد ًرا مو ً
ؤول وحوله اإلى �سريح.
8ما الموقف الذى اأعجبك فى هذا الف�صل؟ علق عليه.
خرج عنترة من ال�سغب هائ ًما على وجهه ليدرى اأين يذهب ،ولم يلتفت اإلى ناحية الحى كاأنه كان يكره اأن
تقع عينه على الحلة التى ت�سم الذين ينا�سبونه العداء ،وي�سمرون له الح�سد ،ويتنكرون له .ولكنه تذكر
عبلة التى ناط ( )1بها اأمله ،وعلق عليها كل �سعادته ،فكانت �سورتها تمثل اأمامه بعيدة عنه بعد النجم
عن ال�سارى( )2فى ال�سحراء .وم�سى فى �سبيله تحت نور البدر الكامل ،ت�سوقه قدماه اإلى حيث يبعد
عن الموطن الذى ليجد فيه اإل الهوان والغيظ والظلم ،واإن كان ليدرى اإلى اأين يذهب فى تلك الأر�س
الوا�سعة ،التى كانت تبدو اأمامه ممتدة اإلى غير نهاية ،ول ي�سمع فى الليل ال�ساكن �سوتًا �سوى �سفير
بع�س ح�سر الأر�س ،اأو نُباح كلب عند بيت منعزل فى واد بعيد.
وكان يخيل اإليه مع هذا ال�سكون اأن يقتحم زحا ًما �سدي ًدا �ساخ ًبا م�سطر ًبا لما كان فى قلبه من ثورة
عنيفة .وما زال ي�سرب فى �سعاب ال�سحراء تلك الليلة ي�سرع فى خطاه ويطعن الأر�س برمحه فى حنق مع
كل خطوة يخطوها ،حتى طلع عليه الفجر وهو م�سرف على الوادى الف�سيح الذى كانت اإبل �سداد ترعى فيه،
لطالما اأقام فى ذلك الوادى منذ ن�ساأ ،فكان فيه ملعبه ومركبه ،وفيه مو�سع لهوه واأ�سماره .كان عنترة منذ
ن�ساأ يرعى اإبل �سداد فى ذلك الوادى مع �سائر العبيد ،ي�سارعهم وي�سابقهم ،ثم كان فيه وهو فتى يبارى
اأ�سحابه ،ويطاردهم على متون الخيل .ففى تلك الأر�س عرف اأول ما عرف من الحياة وفى تلك الأر�س �سهد
اأول ما �سهد من مباهجها ،واأح�س اأول ما اأح�س من همومها ،لقد كانت مناظر ذلك الوادى الف�سيح منذ �سباه
تحرك قلبه وتملوؤه بهجة .وكانت مراعية فى الربيع تبعث فيه الن�سوة ،وتوحى اإليه بالغناء ،وكان كلما �ساق
�سدره ليجد ما يفرج كربته اإل اأن يلجاأ اإليه ،فيجد فى براحه وجماله وعزلته ما يعيد اإليه اطمئنانه ،ويرد
عليه ثقته بنف�سه.
ومنذ عاد اإلى ذلك الوادى العزيز اأقبل عليه يجول فى اأنحائه ،يجد اأكبر العزاء فى �سحبة الإبل والخيل،
وفى الخروج اإلى �سيد الوعول( )3والظباء ،اأو الإيقاع بالذئاب وال�سباع ،ون�سى اأو كاد ين�سى اأر�س ال�سربة
حيث خلف قومه من عب�س فى حلتهم الم�سطربة بالأهواء ،لول خطرة كانت تخطر على قلبه من عبلة،
فيحاول اأن يبعدها عن خياله ،فال تزال تعاوده حتى تغلبه في�سبح مع ال�سورة الحبيبة فى عالم حزين يخيم
الياأ�س عليه.
�سابحا فى الليل بين ال�سجون ،وهو فى كل هكذا ق�سى اأيامه ولياليه هائ ًما فى النهار بين ال�سعابً ،
لحظة تمر به يزداد حق ًدا على قومه الذين يزدرونه( ،)4وعلى اأبيه الذى يظلمه وينكره وياأبى اأن ين�سبه اإليه
مع اأنه يعترف ببنوته.
ناط :علق. ()1
ال�سارى :ال�سائر لي ًال. ()2
الوعول :ال�سياه الجبلية. ()3
يزدرونه :يحتقرونه. ()4
46
واأقبل على الخمر يحاول اأن يجد فيها ما ين�سيه حب عبلة وحقده على عب�س ،وظلم �سداد ،ولكن الخمر
كانت اإذا ت�سلطت عليه لتزيده اإل وج ًدا وحن ًقا وحق ًدا حتى لقد حال( )1لونه ،واأخذ ال�سعف يدب اإليه و�سار
يوؤثر النفراد والبعد عن �سائر من هناك من النا�س.
وكان فى �سباح يوم من الأيام راك ًبا على فر�سه ،يمالأ �سدره من هواء الربيع العليل ،وكانت ال�سم�س
البا�سمة تر�سل �سعاعها رفي ًقا فوق المروج الخ�سراء .وكانت ال�سحب تزين ال�سماء بقطع بي�ساء كاأنها قطيع
من وعل( )2نجد الع�سماء ،وكانت ال َعرار ()3يب�سم بنوره( )4الأبي�س ويبعث مع الن�سيم نفحاتِه العطرة.
وكان كلما وقعت عينه على منظر اأنيق تذكر عبلة ،ونازعته نف�سه اأن ينزل عن كبريائه ،ويعود اإلى الحِ لة
اأو يلم بها اإلمامة ق�سيرة ،لعله يفوز بنظرة منها اأو ينعم لحظة ب�سماع �سوتها.
و�سمع فى �سيره وقع حوافر فر�س ياأتى من ورائه م�سر ًعا .فانزوى فى ركن من جانب الوادى ليرى
من يكون ذلك ،فراأى بعد حين اأخاه �سيبوب يق�سد الربوة التى اعتاد اأن يجل�س فوقها م�سر ًفا على الوادى.
فهمز فر�سه وانطلق نحوه وكان ليتوقع مجيئه ،ووقع فى نف�سه اأنه اآت اإليه ب�سىء خطير ،ولما �سار
قري ًبا منه ناداه فى لهفة.
-مرح ًبا بك يا �سيبوب.
ثم وثب عن ظهر الفر�س وفتح له ذراعيه.
فاأقبل اإليه اأخوه �سيبوب وعانقه فى �سوق ،ثم قال له:
اإلى اأين كنت �سائ ًرا؟
فقال عنترة:
ل�ست اأعرف لنف�سى غاية اأق�سد اإليها .فيم جئت اأنت؟ فتب�سم �سيبوب وقال:
اإنما جئت لأراك.
فنظر اإليه عنترة فى �سك ،وقال:
اإن وراءك لأم ًرا.
فقال �سيبوب ول يزال با�س ًما:
اإنك لتح�س ما فى نف�سى قبل اأن اأنطق به� .سدقت فقد جئت اإليه بحديث.
و�سكت لحظة ثم قال:
كان الحى بالأم�س يزخر ( )5بمن فيه.
فقال عنترة فى �سيحة مكتومة:
فهل من جديد؟
حال لونه :تغير. ()1
الوعل :نوع من المعز الجبلية . ()2
العرار :نبات طيب الرائحة. ()3
يب�سم بنوره :يزهر. ()4
يزخر :يموج. ()5
فقال �سيبوب:
()1
ونحر مالك بن قراد ع�سر ُجز ٍر
ثم �سكت:
ف�ساح عنترة:
الجزر؟
ام�س ،وما ق�سة هذه ُ
فقال �سيبوب:
كانت وليمة عظيمة لعمارة بن زياد.
ف�ساح عنترة فى �سوت مخنوق:
عمارة بن زياد!
فقال �سيبوب:
ذهب عمارة يخطبها.
وكاأن �سيبوب األقمه بهذا اللفظ حج ًرا .فلم ينطق عنترة بجواب بل وقف ينظر اإلى الف�ساء مبهوتًا.
فقال له �سيبوب فى رفق:
املك نف�سك يا عنترة .لقد كنت من قبل اأحدثك فى خفة وفكاهة؛ لأننى اأعرف كبرياءك ول اأحب اأن اأثيرها،
مجال لخفة ول فكاهة .اأحب اأن اأحدثك حدي ًثا يقطر ج ًّدا.
ولكنى اآت اإليك اليوم لأحدثك ج ًّدا ،فاإنى ل اأرى ً
فاأطرق عنترة �ساه ًما وجعل يخرق الأر�س برمحه كعادته.
فقال له �سيبوب:
اإذا �سئت م�سيت معى اإلى ناحية فاإنى متعب من الركوب.
مجل�سا ،وذهب عنترة وراءه ي�سير بطي ًئا .فلما اطماأن بهما المجل�س
وذهب نحو جانب كثيب فمهد لنف�سه ً
قال �سيبوب:
زوجا .وهو من هوؤلء العرب الذين تعرفهم .فال مف َّر لهم من هذا مالك بن قراد يريد اأن يختار لبنته ً
اأن ينظروا اإلى النا�س باأعينهم ل باأعين غيرهم .وقد جئت اأ�سعى اإليك بهذا النباأ قبل غيرى حتى لتركب
ال�سطط( )2فى اأمرك.
فقال عنترة:
واأى �سطط تعنى؟
فقال �سيبوب :لقد عرفت اأنك �سوف تكره فعل مالك .واأنك قد تطيع هذا الوهم الذى ي�سل بك فتح�سب
زوجا.
اأنه قد ير�سى بك لبنته ً
48
فقال عنترة فى �سوت اأج�س:
دع ذلك وقل لى ما تريد اأنت ..ل تحدثنى عن نف�سى.
فقال �سيبوب:
لم اأجئ اإل لأحدثك عن نف�سك ،واإنى اأعيد عليك ما قلته لك مرة بعد مرة ،اإنك تخدع نف�سك يا ابن اأمى
وتجرى وراء �سراب تريد اأن تروى به ظماأك .فهل لك اأن تفكر فى اأمرك وتحكم فى الأمور بعقلك؟
فاأطرق عنترة حزينًا ثم قال:
اإنك تريد اأن اأحك َم بعقلى واأن اأفكر فى اأمرى ،تريد اأن اأعترف باأننى عنترة العبد الذى ليليق به اأن
يتطلع اإلى عبلة.
فقال �سيبوب فى رقة:
اإنك بغير �سك فار�س عب�س ،واإنك لجدير باأن تكون �سيدها ،ول�ست اأول رجل ظلمته الحياة.
فانتف�س عنترة ً
قائال:
وما لى اأر�سى بظلم الحياة يا �سيبوب؟ وما الذى يقيدنى حتى اأقيم على الخ�سف( ،)1واأر�سى باأن اأبقى
عب ًدا؟ وما الذى يحملنى على اأن اأحكم بعقلك اأنت فى اأمرى؟ لي�س الذى تريد منى حكم عقلى اأنا يا �سيبوب بل
هو حكمك .اأما اأنا فاإنى لن اأر�سى لنف�سى اإل اأن تكون حيث تر�سى.
فقال �سيبوب هاد ًئا:
وماذا تملك يا اأخى؟ هل تملك اأن تحجر على مالك حتى ليزوج ابنته بمن �ساء؟
ف�ساح عنترة:
ولكنى اأحب عبلة .اأحبها ح ًّبا ملك على عقلى فال اأفكر اإل فيها ،ول اأحيا اإل من اأجلها .لقد قنعت اأول الأمر
بال ِّرق؛ لأننى كنت قري ًبا منها ،ولقد رف�ست اليوم ذلك ال ِّرق؛ لأنه يبعدنى عنها .اأحب عبلة ح ًبا ل ي�ستطيع مالك
ول غير مالك اأن ينزعه من بين �سلوعى ،ولن ي�ستطيع اأحد اأن يجعلنى اأر�سى باأن يتزوجها غيرى.
فقال �سيبوب:
اإ ًذا فحدثنى ماذا اأنت فاعل ،لتحول بين مالك وبين ر�سائه بعمارة؟
فقال عنترة فى حرارة:
ل�ست اأدرى بم اأحدثك يا �سيبوب ،فاأنت تذكرنى بكل اآلمى وكل �سقائى ،تذكرنى باأنى ل اأزيد على اأن
اأكون عب ًدا ول اأ�ستطيع اأن اأمحو �سورتى التى تقع فى عيوب قومى.
تذكرنى باأننى لن اأجد اأ ًبا ين�سرنى ولن اأجد ن�س ًبا يمهد لى �سبيلى .بل اإنى لن اأجد المال الذى يعيننى على
بع�س اأمرى ،ولكنى يا �سيبوب مع هذا كله اأملك �سي ًئا واح ًدا وهو نف�سى التى لتر�سى ،و�ساأكون فى المو�سع
الذى اأر�ساه واإن كان ذلك ق�س ًرا( )2اإنك تحدثنى عن مالك ،وعن قومى ،فلم لتحدثنى عن عبلة نف�سها.
اإنك لم تعرف حقيقة نف�سها كما عرفتها ،فال تواجهنى بهوؤلء فل�ست اأعرف منهم اأح ًدا ،واإنما اأحب عبلة
واأعرفها.
فقال �سيبوب فى عناد:
اأتح�سبها تر�سى بك ،وتدع عمارة بن زياد؟
فتحرك عنتر ُة فى غيظٍ وقال:
اإنك تتحدث كاأنك اأحد اأعدائى.
فقال �سيبوب فى رقة:
لتذهب بك الظنون يا عنترة مذاهبها .فاإنك تعرف مقدار حبى لك وحر�سى على خيرك .ودع عبلة ،وقل
لى ،اأتح�سب مال ًكا يزوج ابنته لك ،ويدع عمارة بن زياد؟ ولو كان اأبو عبلة غير مالك ،اأتح�سب اأنه يفعل هذا؟
اإنك لن تجد اأح ًدا غيرى يحدثك بمثل قولى ،ولكنى ل اأحب اأن اأكتم عنك ما فى نف�سى.
وكان عنترة يحاول اأن يم�سك غ�سبه ،ولمح �سيبوب عالمات ذلك ال�سراع بينه وبين نف�سه ،فقال له فى
عطف:
حر�سا عليك منى على نف�سى .ولو كان الأمر لى لعرفت اأن قدرك لتحنق على لما اأقول يا اأخى :اإنى اأ�سد ً
نف�سا .واإنك لحامى حماهم ،و�سيد فر�سانهم، اأعلى من كل قدر .فاأنت عندى اأكرم من هوؤلء جمي ًعا ،واأ�سهم ً
واأنت اأجمل عندى من اأجملهم.
فقال عنترة وقد األنه قول اأخيه:
ل�ست اأ�سك فى مودتك وحر�سك على خيرى :لقد �سدقت اإذ قلت اإن مال ًكا ل يالم على ر�ساه بعمارة ً
زوجا
لبنته ،ولو كنت فى مكانه لما ر�سيت اإل بما ير�سى ،ولكن ما بال قلبى وعبلة؟ اإننى اأحبها ول اأقدر اأن اأحيا
بغيرها ،ولو ذهبت لغيرى لكان فى ذلك قتلى ،فلي�س لى اإل اأن اأركب الوعر( ،)1واأن اأقدم على كل خطر ،اإذ
لي�س فى كل ذلك اإل الموت ،وهو فى كل حال ينتظرنى.
و�سمت لحظة ثم قال:
على كرامتى؟ لقد علمت اأنه اأبى .لقد قالها لى منذ يوم مناة:وما بال �سداد ياأبى َّ
فقال �سيبوب:
األقيته فى ذلك اليوم؟!
فقال عنترة:
نعم لقيته ،ثم خرجت بعد اأن ق�سيت معه �سدر الليل.
ف�سكت �سيبوب حينًا ثم قال:
لقد كنت يوم مناة عني ًفا.
فقال عنترة فات ًرا:
( )1الوعر :ال�سعب.
50
وما الذى لم يعجبك من اأمرى؟
فقال �سيبوب:
اأما تذكر �ساعة وقفت اأمام عبلة؟ اأما تذكر كيف نظرت اإليها وكيف نظرت اإليك؟
اأما تذكر اأنها �سكتت عن الغناء ،وكيف خيم ال�سمت على الجميع فى الميدان؟
فقال عنترة:
اأذكر ذلك كله يا �سيبوب كاأننى ما اأزال فيه ،ولكن ما بالك تذكرنى بهذا؟
فقال �سيبوب:
اأذكرك به لأننى �سمعت حديث النا�س فى جهرهم وهم�سهم� .سمعت ما قالوه على المالأ وتج�س�ست على
ما قالوه فى الخفاء .لقد باتت عب�س تتحدث عنك وعن عبلة ،وما زالت تتحدث عنك وعن عبلة .لقد كانوا من
قبل ي�سمعون �سعرك فيقول بع�سهم «هذا فى عبلة» ويقول بع�سهم «هذا فى غير عبلة» ويزعم اآخرون اأنه من
عبث ال�سعراء .ولكنك فى ذلك اليوم قلت للجميع «اإنها عبلة :اإنها عبلة».
فاأطرق عنترة حتى ظن �سيبوب اأنه قد ق�سا عليه فقال:
ولكنى بعدت بك عن م�سيل القول يا عنترة .قال لى كيف حدثت �سدا ًدا يوم مناة:
فقال عنترة فات ًرا:
حدثته واعترف بى.
فقال �سيبوب:
ولكن اأتح�سب اأنه ين�سفك؟ اأتح�سب اأنه يعترف بك على مالأ عب�س؟
فقال عنترة:
لئن لم ين�سفنى واأنا ولده لكان لى ظال ًما.
ثم جعل ينكت الرمل برمحه فى حنق.
فقال �سيبوب:
اأراك لتدع هذا الوهم واإن كلفك ركوب كل وعر.
فقال عنترة:
اإذا كنت بين قوم لينظر كل منهم اإل اإلى نف�سه فال حرج على اإذا نظرت اإلى نف�سى.
اإن هوؤلء يدعوننى اإذا ا�ستدت حولهم الكروب ،ويلقون اإلى بال�سيوف ،لأحمى حماهم.
فالأحاربنهم بهذا ال�سيف انت�سا ًفا لنف�سى .لأحاربن �سدا ًدا اإذا �سن على با�سمى ،ولأحاربن مال ًكا اإذا
وقف بينى وبين حبى .ولأحاربن عمارة اإذا تجراأ على اأن ي�سلبنى حياتى ،لأحاربن لأحاربن!
و�سمت لحظة ثم وثب قائ ًما وقال:
هلم يا �سيبوب فاإنى عائد اإلى الحى معك .اإننى لن اأطيق البقاء هنا.
�صابحا فى الليل بين ال�صجون ،وهو فىً « 1هكذا ق�صى اأيامه ولياليه هائ ًما فى النهار بين ال�صعاب
كل لحظة تمر يزداد حقدًا على قومه الذين يزدرونه وعلى اأبيه الذى يظلمه وينكره ،وياأبى اأن
ين�صبه اإليه مع اأنه يعترف ببنوته»
( اأ ) تخير الإجابة ال�سحيحة مما بين القو�سين فيما يلى:
✦ ✦معنى كلمة «هائ ًما» (ل يعرف وجهته -م�سر ًعا -مح ًّبا).
✦ ✦مفرد كلمة «ال�سعاب»�( :سعب � -سعوب � -سعب).
✦ ✦م�ساد «يزدرونه»( :ي�سبونه -يحترمونه -يحاربونه).
(ب)لم كان عنترة يزداد حق ًدا؟ وكيف �سورت العبارة حيرته؟
(ج�) كانت مناظر ذلك الوادى تحرك قلبه ،وتملوؤه بهجة فلماذا؟
( د ) تخير الأ�سباب المنا�سبة لمعاناة عنترة مما يلى:
حبه عبلة -حقده على عب�س -ظلم �سداد له -احتياجه للمال -اإدمانه الخمر -طرده من القبيلة.
2كيف ا�صتقبل �صيبوب؟ وبم حدثته نف�صه عن مجىء �صيبوب؟
3قال عنترة لأخيه �صيبوب« :ل�صت اأ�صك فى موادتك ..لقد �صدقت اإذا قلت اإن مال ًكا ل يالم على
زوجا لبنته ،ولو كنت فى مكانه لما ر�صيت اإل بما ير�صى ،ولكن ما بال قلبى ر�صاه بعمارة ً
وعبلة ،اإننى اأحبها ،ول اأقدر اأن اأحيا بغيرها ،ولو ذهبت لغيرى لكان فى ذلك قتلى».
( اأ ) هات ما يلى ثم �سع ما تاأتى به فى جملة.
هات مرادف« :مودة» وم�ساد «ر�سيت».
(ب)ما مدى �سدق عنترة فيما يقول؟
(ج�) عالم �سمم عنترة؟ وما حجته فى ذلك؟
( د ) قال عنترة« :اإننى لن اأطيق البقاء هنا» اأيتفق هذا القول مع حبه لهذا الوادى؟ ناق�س وعلل.
52
احلقيقة
البطلإلىاحلر
الطريق ا
()6()3
اأو قد عنترة فى الحلة نار ال�سحناء( )1منذ عاد اإليها .فما كان يمر به يوم بغير اأن يثير خ�سا ًما ،واأن يهيج
قتال بينه وبين اآل عمارة بن زياد ،واأرادت عب�س اأن تخرج اإلى غزو طيئ فلم يخرج معهم ،و�سارت عب�س مع ً
الملك زهير بن جذيمة ،فلم يتركوا فى الحى اإل طائفة قليلة لحرا�سة المنازل ،وكان اأمير الحامية �سداد بن قراد.
وراأى عنترة الفر�سان ،وهم يخرجون من الحى متجهين اإلى اأر�س طيئ ،وكان قلبه يثور عليه ،ويتحرق
من القعود عن القتال .ولكنه مع ذلك قاوم ميله ،واأ�سر على البقاء ت�سف ًيا( )2من قومه الذين لين�سفونه ،ول
يزيلون عنه و�سمة الهوان .فكان يخرج كل يوم يجول فى ال�سحراء ،ليفرج عن نف�سه كربتها ،ثم يعود فى
الم�ساء اإلى خيمته ،ليق�سى بها الليل ،فت�سيق نف�سه وح�سة وكر ًبا ،فيخرج اإلى الف�ساء فى ظالم الليل اأو فى
نور القمر ،لعله يجد فى انطالق الجو ما يخفف من وح�سته وكربه.
ولم ي�ستطع اأن يلقى عبلة طوال تلك الأيام ،فاإنها منذ اأن خطبت اإلى عمارة �سرب عليها الحجاب ،فكانت
لتخرج اإلى مورد الماء كما اعتادت اأن تخرج ،ول تزور اأترابها فى بيوتهن بل كن ياأتين اإليها لزيارتها حتى
ل يراها عنترة .هكذا اأمر اأبوها مالك واأخوها عمرو قبل اأن يرحال مع الجي�س ،فقد اأنفا مما �سمعا من اأحاديث
النا�س عنها.
وخرج عنترة يو ًما على عادته ليجول جولته ،فوقف على ربوة ينظر اإلى الحى من بعيد ويحدث نف�سه عما
تنطوى عليه الأخبية المر�سو�سة فى وادى الجواء .هناك كانت عبلة فى بيت من البيوت ليدرى فيم تفكر
ول فيم تتاأمل .اأكانت را�سية عن زواجها من عمارة بن زياد؟ لقد كان عمارة فتى عب�س وابن �سادتها .كان
اأكرم النا�س ح�س ًبا واأعالهم ن�س ًبا واأجملهم �سورة واأ�سخاهم ي ًدا ،حتى عرفه النا�س بعمارة الوهاب .اأكانت
عبلة را�سية بزواجها منه؟
كان عنترة يح�س عندما يتمثل �سورة ذلك ال�ساب ،و�سورة عبلة اإلى جانبه اأن لهي ًبا يتقد فيما بين جنبيه
واأن ال�سوء يظلم اأمام عينه .ولكم خيل اإليه وهمه الم�سطرب اأن يهوى بجواده اإلى بيتها فينزعها منه ويفر
مقاتال .ولكنه كان يعود اإلى نف�سه لئ ًما لها على ما تخيله بها اإلى حيث ل يراهما اأحد بعد ذلك ويقف دونها ً
فى الوهم .فما كان ليجروؤ على فعل يجر الم�سقة عليها اأو يدخل اله َّم اإلى قلبها.
فكان يقنع باأن ينظر من بعيد اإلى ال�سعب الذى يحوى خباءها ويق�سى ال�ساعات مغن ًيا بال�سعر الذى
يتحرك به خاطره من ذكرها.
()3
ووقف على راأ�س الربوة من�س ًدا:
واأخفىالجوى فىالقلبوالدمعفا�سحى ()3
اأع � � ��ات � � ��ب ده � � � � � � � ًرا ل ي� �ل� �ي���ن ل� �ع ��ات ��ب
ول � ��و ف��ارق��ت��ن��ى م� ��ا ب �ك �ت �ه��ا ج ��وارح ��ى وق���د ه���ان ع �ن��دى ب���ذل ن�ف���س��ى رخ�ي���س��ة
( )1ال�سحناء :العداوة.
( )2ت�سف ًيا :انتقا ًما.
( )3الجوى :الحزن.
وما كاد يتم اإن�ساده حتى طرقت اأذنه �سيحة عالية خرجت كاأنها هزيم( )1الرعد انطلق فجاأه فى الف�ساء.
خيال تقبل نحو الوادى �سابحة فوق الرمال كاأنها �سرب من الطير .وما هو اإل فنظر حوله فاإذا به يرى ً
لحظات بعد ذلك حتى خرج من جوانب وادى الجواء( )2فر�سان عب�س وكانوا هناك على ترقب ل�سد العدو.
وغمر الغزاة �ساحة الوادى ،وتفرق فوار�س عب�س بينهم يدافعون ،ولكنهم كانوا قلة ل يكادون يثبتون اأمام
العدو فى مكان :فما هى اإل �ساعة حتى كان العدو يحارب فر�سان عب�س عند فم ال�سعب ويكاد يحطم مقاومتهم
العنيفة.
وتحركت نف�س عنترة اإلى القتال مرا ًرا وهم اأن يهبط من الربوة؛ لكى ين�سر قومه ،ولكنه كان فى كل
مرة يغالب نف�سه ويمانعها.
وانفرط عقد العب�سيين بعد حين ،ف�ساروا يتدافعون ويتزاحمون عند فم ال�سعب فى ذعر ،وكلما اتجهوا
وجهة وجدوا العدو ي�س ُّد �سبيلهم اإليها فيرتدون خفا ًفا وهم ل يب�سرون ما دونهم اإل بعد اأن ي�سطدموا به.
وتفلت الأمر من اأيديهم حتى �سارت رحى المعركة تدور بين حطام البيوت المقو�سة ،فكان فر�سان عب�س
يرتدون خطوة بعد خطوة فيخبطون ن�ساءهم واأطفالهم فى عماية( )3القتال .وال�سياح والبكاء من ورائهم
يعلو على �سجيج القتال .راأى عنترة ذلك كله من وراء العجاج( )4الثائر وقلبه يثب فى �سدره ،ولكن حنقه
كان يكبح غ�سبه كما تكبح ال�سكيمة( )5الفر�س الجموح .فكان يئن كلما راأى منظر الهزيمة الطاحنة ،ويزمجر
كالوح�س الجريح ،ولكنه حمل نف�سه على البقاء فى مكانه ق�س ًرا.
()6
ثم خيل اإليه اأن المعركة قد بلغت اإلى قريب من دار عبلة .ولحت له �سورتها كاأنه يراها تحت �سنابك
فار�سا من طيئ قد عدا عليها فاأخذها اأ�سيرة ،كى يتخذها اأمة له كما اأخذ �سداد اأبوه زبيبة اأمه
الخيل ،اأو كاأن ً
نازل عن الربوة حتى بلغ كان فر�سه الأبجر( )7ووثب عليه وهمزه متج ًها من قبل .فلم يملك نف�سه واندفع ً
مقبال يرك�س جواده فى عنف نحوه .فوقف نحو ميدان المعركة .ولكنه ما كاد ي�سير حتى راأى اأباه �سدا ًدا ً
فى مكانه حتى �سار حياله وناداه �سدا ًد ً
قائال:
اأما ترى قومك ي�سرعون تحت عينيك؟
ً
�سامخا باأنفه: فركز عنترة رمحه وهو راكب وقال له
اأى قوم لى؟
فقال �سداد والفر�س يتراق�س تحته ويحمحم:
هلم يا عنترة فاإن العدو يطحننا.
54
فقال عنترة:
وما لعنترة والقتال؟ لي�س لعنترة قوم يا �سيدى �سداد ..
ف�ساح �سداد:
دع هذا الهراء( )1واأ�سرع ،فاإن العار ينتظرنا.
ف�ساح عنترة فى وح�سية:
()2
العار ينتظركم؟ األي�س هو العار الذى يجللنى؟ األي�س الذى ينتظركم هو الرق الذى اأر�سف اأنا فى اأغالله
؟ اأذهب اأيها ال�سيخ ،فذق ذل الأ�سر عند طيئ كما ذقته عندكم طول حياتى.
الح َرم تو�سك اأن ت�ستباح.
ف�ساح �سداد :قلت لك دع الهراء ،واأقبل اإلى القتال ،اإن ُ
فقهقه عنترة فى �سوت اأج�س وقال:
-اأى حرم لعبد مثلى اأيها ال�سيخ؟ فهل تريد منى اأن اأتطوع للقتال عن �سادتى الذين ل يعرفون مكانى؟
ل �ساأن لعنترة بالقتال ،فاذهب عنى.
-لقد اأ�سابك الخبل( )3اأيها العاقُّ .
ف�ساح به عنترةُ:
-ل توؤاخذنى يا مولى ،فاإنى ن�سيت الأدب فى خطابك ،ولكنى عبد وما �ساأن العبد بالقتال؟
ٍ
مخيف. ثم عاد فقهقه فى �سوتٍ
فقال �سداد فى �سراعة:
اأما يخزيك اأن نرى ن�ساءك ت�سبى؟ اأما يخزيك اأن ترى قومك �سرعى؟
فقال عنترة متحد ًيا:
لقد تركت القتال منذ عرفت اأننى لينبغى لى اأن اأ�ساير الأحرار .لي�س لى قوم اأقاتل عنهم .ولي�س لى اإل
اأن اأحلب النياق ،واأن اأحفظ الأغنام والإبل من عدوان الذئاب.
هذا رمحى اأ�سطنعه هراوة( )4فى يدى ،اأه�س به على غنمك يا �سداد بن قراد .وهذا �سيفى ،ولكنه فى
غمده ،اأ�سرب به الفحول المتمردة عند موارد المياه .هذا يا �سيدى ما اأح�س به من بالء الحياة فال ينبغى
لمثالى اأن ي�سارك ال�سادة فى الدفاع.
اإن الحر هو الذى ي�سند الأحرار .فاذهب اإلى هوؤلء الذين يحق لهم القتال .اذهب اإلى اأ�سهارك واإخوتك
واأخوالك الذين لير�سون لعنترة اأن يكون ح ًّرا ي�ستطيع اأن ي�ساير الأحرار.
اذهب اإلى عمارة بن زياد الذى كنتم تاأكلون الثريد فى وليمته ،اذهب اإلى بنى قراد فهوؤلء هم الأحرار
الذين يح�سنون القتال .اأين مال ٌك اأخوك؟ واأين عمرو ابنه؟ واأين زخمة الج َّواد؟ واأين اأبناوؤه؟ اأين هوؤلء
الهراء :ال�سخف. ()1
اأغالل :قيود. ()2
الخبل : :الجنون ()3
هراوة : :ع�سا ()4
وكان ال�سيخ ي�سمع قوله وهو لي�سدق اأذنيه ،فقال والغيظ يخنقه:
لقد هممت اأيها ال�سقى اأن اآتى اإليك فاأ�سع هذا ال�سيف فى �سدرك اأهذا عنترة الذى يخاطبنى؟ اأم هو عبد
من الزنج لم تقع عينى عليه قب َل هذا؟
ف�ساح عنترةُ:
هذا هو العبد الذى �سنعته اأنت اأيها ال�سيخ .تعال ف�سع �سيفك حيث �سئت فاإنى لن اأحرك يدى فى الدفاع
عن نف�سى .اأتعجب من قولى وت�ساأل اأهذا عنتر ُة الذى يخاط ُبك؟ بل اأن الذى اأ�ساأل :اأهذا هو �سيخى و�سيدى
الذى يخاطبنى؟ األ تذكر يوم تركتنى اأذهب عنك ،لأعود اإلى العبيد اأمثالى فاأرعى اإبلك وغنمك؟ اأراك قد ن�سيت
ذلك اليوم ون�سيتنى.
أحلب نياقى واأرعى غنمى ثماأوجدت القتال اأحر مما يقوم عليه فتيانكم فذكرتنى؟ اأما تدعنى اأيها ال�سيخ ا ُ
اأ�سرق واأ�سمت واأتذلل؟ اأما كان ينبغى لك اأن تبعد عنى حتى ل ت�سمع �سماتتى وحقدى؟! اأما كان اأجمل بك
وبى لو كان حقدى عليك يتنف�س من وراء ظهرك كما ينبغى لعبد مثلى؟
فاقترب �سدا ُد منه واأم�سك بكتفه فهزها فى عنف وقال له:
اإنك ت�سيع الفر�سة فى حديثٍ باطلٍ .هل َّم معى ل اأ َّم لك؟
فنزل عنتر ُة عن فر�سِ ه واأهوى على قدم �سداد فى الركاب فقبلها ،ثم وقف اأمامه قائ ًال:
أم�سح نعليك بوجهى ،واأن اأحمل لك اأدواتكفعلت من قبل مرة اأخرى .على اأن ا َ هاأنذا اأقبل قدمك كما ُ
56
()1
وعلى اأن اآتى لك بالطعا ِم وال�سراب ،واأن اأخد َم �سيفَك واأقفَ بين يديك �ساغر ًا ،وعلى اأن اأرهف و�سها َمكّ ،
اأذنى لهم�ساتِ اأمرك فاتح ًا عينى لكل اإ�سارة من يدِك.
وعدت اإلى بيتِك ،ولم الحرب اأوزا َرهاَ ، ُ اذهب يا �سيدى ،فاأنا عب ُدك الذى ينتظ ُر خدمتَك .فاإذا و�سعت
�سئت عبد ًا� ،سوف تجدنى عند قدميك جاثي ًا()2مطيع ًا ذلي ًال ،واأما القتا ُل ياأخذْك العد ُّو عبد ًا ف�سوف تجدنى كما َ
الحلب وال�س َّر( ،)3ول �ساأن لى بال�سرب والكر. َ فل�ست اأح�س ُن اإل
قلت لك اإنه لي�س من �ساأنىُ ، فقد ُ
ُ
يتحرك فى غيظٍ ينظ ُر تار ًة اإلى عنتر َة وتار ًة اإلى ال�سِّ ْع ِب الم�سطرب وكان �سدا ٌد ي�سم ُع هذه الكلماتِ وهو
عنف:الذى يدو ُر فيه القتالُ .ولما انتهى عنتر ُة من قوله �ساح �سداد فى ٍ
-اأهكذا تتخلى عنى؟ اأما ترى العد َّو وقد حطم بيوتى واأخذ ن�سائى؟ اأما تراه قد بلغ ف َم ال�سعب حيث
منازل اأبيك واأعمامك؟
ف�ساح عنترة �ساخ ًرا:
-منازل اأبى واأعمامى؟
فقال �سداد فى بع�س لين:
والح ُّر ل يعرفُ ال�سمات َة .اإنه ي�سترى نف�سه فى مث ِل هذا -نعم منازل اأبيك واأعمامك .اإنك ت�سمت بنا ُ
اليو ِم يا عنترةُ.
تكون ُح ًّرا فاعلم اأن الحري َة ل تُو َه ُب عطا ًء :اإنما اإذا وهبت كانت كقطع ٍة من العظا ِم تلقى أردت اأن َ فاإذا ا َ
جائع ينتظرها �ساغ ًرا .هلم يا عنتر ُة واأزل عنا معر َة هذا اليو ِم. اإلى كلب ٍ
فوثب عنتر ُة على فر�سِ ه قائ ًال:
يكون ا�سمى منذ اليو ِم يا �سدا ُد؟ -وماذا ُ
()4
ف�ساح �سداد فى َحنَق
-ح�س ُبك اأيها الأحمقُ ل اأ َّم لك.
ماذا يغنى ال�س ُم عن الرج ِل اإذا كان فى نف�سه عبد ًا.
فقال عنتر ُة فى عنادِ:
-قل لى يا ابن �سداد ولو مرةً .قل ذلك يا اأبى حتى اأ�سمعك تدعونى ابنك .بم اأنادى فى القتالِ اإذا لم
اأكن عنترة بن �سداد؟
ف�ساح �سدا ٌد وهو يهم ُز فر�سه:
ويك( )5عنترة بن �سداد اإنما العب ُد من يقو ُل لك منذ اليوم غي َر هذا.
�سابح فى الهواء وقال فاندفع عنتر ُة فى اأثرِه حتى �سار باإزائه ،ثم همز فر�سه الأبجر ف�سيق كاأنه طي ٌر ٌ
متلفتًا اإلى اأبيه:
()2( )1
الحِ ْق بى يا اأبى وقاتل اإلى جانبى ،ف�ساأنادى اليو َم فى قتالى!
()4
�سطرى( )3واأحمى �سائرى بالمن�سل اإن� ��ى ام � ��روؤ م��ن خ �ي � ِر ع�ب����س من�سبا
األ� �ف� �ي ��ت خ � �ي � � ًرا م� ��ن ُم � � َع� ��م ُم� �خ� � َّول واإذا ال�ك�ت�ي�ب��ة اأح �ج �م��ت وت��الح �ظ��ت
ثم جعل ين�سد وهو مقب ٌل على الميدان
الحتوف بمعزلِ ِ اأ�سبحت عن غر�س ب� �ك ��رت ت �خ��وف �ن��ى ال� �ح� �ت � َ
�وف ك �اأن �ن��ى
لب� ��د اأن اأُ�� �س� �ق ��ى ب� �ك� �اأ� ��س ال�م�ن�ه��ل ف� �اأج� �ب� �ت� �ه���ا اإن ال � �م � �ن � �ي � � َة م �ن �ه��ل
�وت اإن ل��م اأُق�� َت�� ِل اأن� ��ى ام � ��ر ٌوؤ � �س �اأم� ُ ف��اق �ن��ى( )5ح �ي��اءك لاأب ��ا ل��ك واعلمى
م �ث �ل��ي اإذا ن ��زل ��وا ب���س�ن��ك ال �م �ن��زلِ اإن ال � �م � �ن � �ي � � َة ل � ��و ت � �م � � َّث � � ُل م�� ِّث��ل��ث
ح� �ت ��ى اأن � � � ��ال ب � ��ه ك � ��ري� � � َم ال� �م� �اأك ��ل ول� �ق ��د اأب � �ي� � ُ�ت ع �ل��ى ال� �ط ��وى واأظ� �ل ��ه
58
اأ�شئلة الف�شل ال�شاد�س
البطل احلر
« 1ولم ي�صتطع اأن يلقى عبلة طوال تلك الأيام ،فاإنها منذ خطبت اإلى عمارة �صرب عليها الحجاب،
فكانت ل تخرج اإلى مورد الماء كما اعتادت اأن تخرج ،ول تزور اأترابها فى بيوتهن ،بل كن ياأتين
اإليها لزيارتها حتى ل يراها عنترة».
( اأ ) ما المق�سود بقوله « �سرب عليها الحجاب»؟
✦ ✦يقال ورد الماء اإذا ذهب اإليه ،فماذا يقال اإذا ان�سرف عنه؟
✦ ✦هات مفرد اأترابها فى جملة.
(ب)لماذا تخلف عنترة عن الن�سمام اإلى الجي�س الذاهب اإلى طيئ؟
(ج�) فيم كان يفكر؟ وما الأوهام التى كانت ترد اإلى خاطره؟
(د) لماذا رجع الجي�س ب�سرعة من الغزوة؟
�سحيحا واآخر
ً (ه�) ا�ستخرج من العبارة ال�سابقة :م�سد ًرا موؤو ًل ،وب َد ًل ،وخب ًرا لفعل نا�سخً ،
وفعال م�سار ًعا
معت ًال.
...« 2وتفلت الأمر من اأيديهم حتى �صارت رحى المعركة تدور بين حطام البيوت المقو�صة،
فكان فر�صان عب�س يرتدون خطوة بعد خطوة فيخبطون ن�صاءهم واأطفالهم فى عملية القتال،
وال�صياح والبكاء من ورائهم يعلو على �صجيج القتال».
( اأ ) تخير الإجابة ال�سحيحة مما ياأتى ،واكتبها:
✦ ✦معنى كلمة «االمقو�سة»( :المهدمة — الم�ستباحة — المفتوحة).
✦ ✦م�ساد التعبير «تفلت الأمر من اأيديهم»( :انت�سروا — فروا — اأم�سكوا بزمام الأمر).
✦ ✦«عماية القتال» تعنى( :ظالم المعركة — الغبار المتطاير— �سدته).
(ب)ت�سور العبارة هزيمة العب�سيين و�سح.
(ج) تحركت فى نف�س عنترة عاطفتان ،فما هما؟
(د) انقل العبارات ال�سحيحة مما ياأتى:
✦ ✦لم ي�ستطع عنترة اأن يكبح جماح غ�سبه.
✦ ✦حمل نف�سه على البقاء فى مكانه ق�س ًرا.
✦ ✦ركب عنترة ح�سانه (الأبجر) عندما اقتربت المعركة من دار عبلة.
✦ ✦ناداه �سداد فلبى النداء.
59 دار النمر للطباعه
( )6البطل احلر
60
( )7انــتــ�صــار
كان القتا ُل ل يزا ُل يدو ُر بين البيوتِ ،وقد حطم الأعدا ُء اأعم َدتها وقطعوا حبا َلها ،وخرج الن�سا ُء �سرا ًعا
جوانب الوادى .وكان من بقى من الفر�سان ِ أطراف ال�سعب يلذن بال�سخور ،وي�سعدن فى يحملن الأطفا َل اإلى ا ِ
والرماح ،فكان الأعدا ُء يدو�سونهم تحت �سنابك الخيلِ.
ِ يحاولون ما ا�ستطاعوا اأن ينافِحوا((( بال�سيوف
بيت مالك بن قراد ،فلمحه من وراء المعمع ِة خال ًيا واأقبل عنتر ُة نحو ال�سعب فكان اأو ُل ه ّمه اأن يرى َ
مهد ًما ،قد بعثر اأثاثه ،ومزقت جوان ُبه ،ودخل فى �سفوف العدو الذى كان عند ذلك قد اأو�سك اأن يق�سى على
مكافح اإل قل ٌة من كهولِ عب�س ،يحاولون ما ا�ستطاعوا اأن يثبتوا فى موا�س َع ِ كل َمن دونه فلم يبق اأما َمه من
متفرق ٍة وقد بداأ ال َكالل((( على خيولهم ،وترددت على حركِتهم مظاهر ال�ستعداد للفرار.
بع�سهم على َ�س ِلب البيوتِ من
ريح الن�س ِر فهدءوا عن القتالِ ،واأقبل ُبع�س فر�سان طيئ قد اأح�سوا َ وكان ُ
بع�سهم من لذ بالفرار من ن�ساء واأطفال ،يريدون اأن ياأخذوهم اأ�سرى، ك ِّل ما بها من ٍ
�سالح ومالِ ؛ وطار َد ُ
وكان اأكبر همهم اأن ياأخذوا الن�ساء ليكن لهم اإماء فقد كان هذا عندهم اأكب َر زه ٍو لالنت�سا ِر ،و�ساح عنتر ُة
ب�سوته المجلجل «اأنا الهجين((( عنترة».
�سطرى واأحمى �سائرى بالمن�سل اإن ��ى ام ��روؤ م��ن خير عب�س من�س ًبا
ثم اأهوى على المقاتلين من فر�سان طيئ فى َحن ٍَق منحد ًرا كاأنه �سخر ٌة تتهدى((( من قم ِة الجبلِ ،فكان
ي�سرب العد َو حينًا ب�سيفه الذى فى يمينه ،ويطعنُه حينًا برمحِ ه الذى فى ي�ساره ،وي�سد ُمه بفر�سِ ه الأبجر
ُ
الذى كان يندف ُع تحته كاأنه ي�سار ُكه الحنق والحما�س َة ،وت�ساقط الطائيون واح ًدا بعد واحد ،و�سمع الذين
اأقبلوا منهم على ال�سلب �سيحة عنتر َة فوثبوا على اأفرا�سِ هم �سرا ًعا ،واأقبلوا اإليه جماعات يريدون اأن
يحيطوا به ،فاأ�سرع عنترة نحو فار�س �سخم من الذين �سرعهم فى قتالِه فنزع عنه در َعه ،و�سدها على
مت�سربال بها ،ثم وثب على فر�سِ ه ،فما بلغ الفر�سان مكانه حتى كان قد ثبت على ظه ِر الأبجر وهمزه، ً ج�سمه
عنيف ،وكانت �سدم ًة هائل ًة اهتز لها عنتر ُة
ال�سفوف المر�سو�س ِة التى تتج ُه اإليه مثل �سي ٍل ٍ
ِ فاندفع فى �سد ِر
وزمجر من وقعها .ولكن الأبجر ا�ستطاع اأن ينفذ به فى ال�سفوف المتال�سقة ،و�سرع فى �سبيله فر�سين
األقيا �ساحبيهما ،وم�سيا فى عدوهما اأ�سفل الوادى ،ولكن الأعداء عطفوا اأعنة الخيل نحو عنترة ،ليكروا
عليه مرة اأخرى .ولوى عنترة عنان الأبجر عائ ًدا اإليهم ،وكان �سفهم قد ت�سع�سع فى هذه المرة ولم يبق
وي�سرب ويجند ُل منهم واح ًدا بعد واحد حتى تردد
ُ كال�سخرة الم�سمتة .فاأهوى عنتر ُة على الفر�سان يطع ُن
من بقى منهم واآثروا النجاة.
أ�ستات((( من فر�سان عب�س قد �سمعوا �سيح َة عنترةَ ،فاأقبلوا نحوه من الثنايا التى لذوا بها ،ودب وكان ا ٌ
الأم ُل فى قلوبهم عندما راأوا عنترة يح�سد فى العدو ح�سد ًا ،فاأقبلوا �سرا ًعا وعادت الجراأة اإلى قلوبهم ،فلم
ي�ستطع العدو اأمامهم ثبات ًا ،وولى الأدبار تارك ًا وراءه ما كان قد جمع من اأموال و�سبايا.
عنان فر�سِ ه نحو وادى الجواء يبحث عن عبل َة، فر�سان عب�س اأن يطاردوا العدو ،ولوى َ َ ونادى عنترة
ال�سطراب ال�ساملِ؟ لقد اأوغ َل
ِ يعرف اأ َثرها فى ذلك
ولكن اأنى له((( اأن يج َدها فى ذلك الحطا ِم؟ واأنى له اأن َ
يعرف هل نجت عبلة اأو الن�سا ُء والأطفال فى �سِ عاب الوادى وغابوا فى �سقوق ال�سخرِ ،وما كان لي�ستطي َع اأن َ
اأ�سابتها طعن ٌة ،وهل بقيت فيمن بقى اأوعمد اإليها فتى من طيئ فجعلها ه ًمه من القتالِ ونجا بها.
جوانب الوادى ينادى باآل قراد .وي�ساأ ُل كل من يراه عن ن�ساء �سداد واإخوته ،وما كان يريد َ فاندفع فى
من ذلك اإل اأن يجيبه قائ ًال «قد راأيت عبلة» ،ولكنه لم َيج ْد لها بع َد طول البحث اأثر ًا ،لقد كانت ك ُّل فتا ِة تنظ ُر
كيف تحتال فى النجا ِة بنف�سها ،وكانت ك ُّل اأم تبذ ُل ق�ساراها لكى تف َّر بفلذاتِ كبدِها .وكان فى اأق�سى ال�سعب
جرف من �سخر اإذا نزل المطر انحدرت مياه ال�سيول من فوقه ،فى �سالل متدفق ،فلما بلغ عنترة مو�س َع ٌ
أ�سرع نحوهن و�ساح: الجرف لمح جم ًعا من الن�سو ِة ي�سرخن فى اأعاله ويولولن .فا َ ِ ذلك
-هل فيكن اأح ٌد من اآل �سداد؟
-اأنا مروة ابنة �سداد.
ف�ساح عنترةُ:
-كيف اأنت يا مروة؟ وكيف اأمك واإخوتك؟ هل اأ�ساب اأحد ًا منكم �س ٌّر؟
وكان وهو ي�ساأل �سوؤاله يريد اأن يعرف اأول ما يعرف اأين عبلة.
ف�سمع ولول ًة عالية ،و�سرخت مروة قائلة:
-لقد اأخذوا عبلة!
وكاأن طعن ًة قد اأ�سابت َ
قلب عنتر َة عند ذلك.
فزمجر قائ ًال:
لهم الوي ُل منى!
جانب الوادى حتى �سار فوق ال�سهل الف�سيح الذى عليه الطريق اإلى ثم همز الأبج َر ،فانطلق به فوق ِ
بال ِد طيئ.
ولم يد ِر ماذا هو �سان ٌع ،ولم يقف لحظ ًة ليفك َر فيما ينبغى له اأن يفع َل ،بل اندفع فى �سبيل ِه ل يري ُد اإل
�سيئ ًا واحد ًا ،اأن يعث َر على اأث ِر القو ِم الذين فروا بعبل َة .و�سار فى ه�سب ٍة �سلبةٍ ،والجوا ُد يعدو به ،فيقد ُح
بحوافرِه من ال�سخر �سر ًرا ،حتى ات�سل بالطريق التى اعتادت القواف ُل اأن ت�سي َر فيها اإذا اتجهت نحو
وع�س على �سكيمته كاأنه هو الذى يطارد الأعدا َء. ال�سام ،وكان لين ًا على حوافر الأبج ِر فانطلق فيهَّ ،
62
وفيما كان عنتر ُة ناظر ًا اإلى الأفق ل يلتفت اإلى جانب الطريق� ،سمع �سرخ ًة عن ي�ساره ك�سرخ ِة
ِنان فر�سه ليهدى من َع ْدوِ ه ،والتفت نحو مبعثِ ال�سرخةِ ،فراأى اأمامه امراأ ًة تعدو وفى الم�ستغيث .ف�سد ع َ
نف�سه ماذا
البراح المقفرِ ،و�ساأل َ
ِ ال�سه ِل الرملى مقبل ًة نحوه .وتعجب اإذ يرى امراأ ًة مثلها وحيد ًة فى ذلك
رجال لما تردد فى اأن ي�سير ويخلفَه وراءه ،فما كان فى �سبره مت�س ٌع لغير ع�سى اأن تري َد منه .ولو كان ذلك ً
مطارد ِة الذين م�سوا ب َعبل َة .ولكنه راآها امراأة ،ولعلها كانت من عجائز عب�س ،اأو لعلها �سبية من قبيلة تري ُد
�سراخ امراأ ٍة تناديه .وتاأ ّم َل المراأ َة وهى تقب ُل نحوه فتعجب
ِ اأن ت�ستنج َد به ،وما كان لعنتر َة اأن ي�س َّم اأذنَه عن
من �سرعة عدوها فوق الرمال خفيف ًة كاأنها فتى من الفتيان .حتى اإذا ما اقتربت منه �ساح بها فى �سجرٍ:
-اأبك �سراأيتها المراأةُ؟
�سوت اأخيه �سيبوب
َ ف�سمع الجواب �سحك ًة عالي ًة اأثارت غ�س َبه ،وكاد ي�س ُّبها ويم�سى لول اأن �سمع
يقول له:
-اأما تعرفنى؟
ففتح عينيه فى ده�سةٍ ،واأ�سرع ناز ًل عن فر�سه ،و�ساح به :ما الذى اأتى بك اإلى هنا؟
�سيبوب قد اقترب منه ،وهو يلهث من اأثر الجرى ،ومنخراه الوا�سعان تتحركان مع اأنفا�سه ُ وكان
وكاأنهما منخرا الأبجر .فلم َيمل ْك عنتر ُة اأن تب�سم من منظر ِه وقال له:
-اأين كنت فى هذا القتال يا �سيبوب؟
أنفا�س م�سطربةٍ: فقال �سيبوب فى ا ٍ
أرقب القتا َل مع الن�سا ِء من وراء ثنية «العقاب» ،حتى راأيتك مقب ًال مع �سدا ٍد نحو الميدان، -كنت ا ُ
ُ
فا�ستب�سرت وناديتك .ويك عنترةُ! ُ
األم ت�سمعنى؟
فقال عنتر ُة فى �سجرٍ:
-ولكن ماذا اأتى بك اإلى هنا؟ قل واأ�سرع فلي�س فى الوقت ف�سل ٌة لهرائِك:
�سيبوب:
ُ فقال
أ�سرع اإلى -ثم راأيتك تفرى((( فى العدو فر ًيا ،فخرجت من وراء الثنية ،وعزمت على اأن ا َ
ألب�س درعى ،وا َ
جانبك.
قلق:
ف�ساح عنتر ُة فى ٍ
أثرت البقاء مع الن�ساء .اأعرف طبعك اللئي َم ،فقل ماذا اأتى بك اإلى هنا؟ ولكنك ا َ
�سيبوب كاأنه لم َي�سم ْع قو َله: ُ فا�ستمر
لمحت ثالث َة فر�سان يقبلون نحو ِ
جمع الن�سا ِء من ورائى. �سددت الدرع حول ج�سمى ُ ُ -ولكنى عندما
على وتداريت وراء الثنية وهناك �سمعت ولول َة الن�ساء وبكا َء الأطفال ،فكاد قلبى الموت يقبل َّ َ أيت كاأنفرا ُ
يتمزقُ .
((( تفرى :تطحن.
64
-اأهى بعيد ٌة من هنا؟
فقال �سيبوب:
الحو�س لأفرا�سهم ،فانطلقت بعد َ جانب الخباءِ ،وذهبوا يملئون -لقد ظنونى عجوزًا حقًّا فرموا بى اإلى ِ
اأن راأيت عبل َة فى خبائها.
فقال عنتر ُة فى رقة!
�سيبوب؟
ُ -وكيف هى يا
�سيبوب متاأث ًرا:
ُ فقال
أذهب
هام�سا «�سوف ا ُ -كانت ل ت�سم ُع القو َل من �سد ِة البكا ِء ...ومع ذلك فقد تب�سمت لى عندما قلت لها ً
اإلى عنتر َة واأجىء به اإليك».
�سيبوب،
ُ تكون هذه العجوز ال�سوداء .لم تعرف الم�سكين ُة اأننى اأنا ولكنها تعجبت منى ،ولم تدر من ُ
فتركتُها وانطلقت عائ ًدا نحو اأر�س ال�سربة ،وكان ذلك قبل اأن يزيد الظل على قامتى.
(((
فنظر عنتر ُة اإلى ظ ِّل اأخيه ،وكان قد بلغ طول قامتين وقال له:
�سيبوب؟
ُ أتركب ورائى يا
-ا ُ
فهز �سيبوب را َأ�سه قائ ًال:
� -سوف اأعدو اأمامك ،ولن ي�ستطي َع الأبج ُر اأن يدر َكنى وعدا يجرى خفي ًفا متج ًها اإلى بئِر (الربابية(،
الطريق.
ِ يغو�س بحوافرِه ثقي ًال فى الرمال حين بعد عن
ُ و�سار عنتر ُة وراءه والأبج ُر
وكانت �سدم ًة ي�سير ًة على عنترة اإذ التقى بالفر�سان الثالث ٍة عند ماء الربابية .فما هى اإل �ساعة حتى
قتل اأح َدهم وفر اثنان منهم بعد اأن اأ�سابتهما الجرا ُح ،وركب عنترة فر�سه عائ ًدا بعبل َة رديفة وراءه .وركب
�سيبوب وراءهما على فر�س الطائى القتيلِ ،وهو يغنى ويزغر ُد كما يزغر ُد الن�ساء. ُ
الم�ساب ،اإذ فجعت
ِ وبلغوا حِ لة عب�س فى �سدر الليل ِة وكانت القبيل ُة قد امتزج فيها فر ُح النت�سا ِر بحزن
فى كثي ٍر من فر�سانِها ،وكانت اأكبر فجيعة لها اأن فقدت عيل ًة ابن َة مالك من بين الن�ساءِ.
فلما عاد عنتر ُة بعبل َة لم يبق فى الحِ لة اإل الفرح ُة ال�ساملة بالنت�سا ِر .وق�ست عب�س اأيام ًا فى عي ٍد مت�سلٍ؛
العجائب التى جرت المقادي ُر بتدبيرِها.
ِ اإذ كانت نجاتُها اإحدى
((( قبل اأن يزيد الظل على قامتى :اأى قبل وقت الأ�سيل.
65 دار النمر للطباعه
انــتــ�صــارإلى احلقيقة
( )7الطريق ا ()3
�صطرى واأحمى �صائرى بالمن�صل اإنى امروؤ من خير عب�س من�ص ًبا
ثم اأهوى على المقاتلين من فر�صان طيئ فى حنق منحد ًرا كاأنه �صخرة تتهدى من قمة الجبل».
( اأ ( اأدخل معنى (المجلجل( فى جملة ،واذكر معنى كلمة «الهجين».
✦ ✦ا�سرح بيت ال�سعر وبين العاطفة التى ت�سوده.
✦ ✦و�سح قيمة الت�سبيه فى ال�سطر الأخير.
(ب(بعبارتك �سور المعركة فى �سوء هذا الف�سل.
(ج�( كان ل�سيحة عنترة اأثر فى جمع ملوك عب�س ،و�سح ذلك.
( د ( ِل َم اتجه عنترة نحو وادى الجواء؟
(ه�( كيف عرف عنترة بخطف عبلة؟ وما اأثر ذلك عليه؟
« 2وفيما كان عنترة ناظر ًا اإلى االأفق ال يلتفت اإلى جانب الطريق �صمع �صرخة عن ي�صاره ك�صرخة
الم�صتغيث ،ف�صد عنان فر�صه ليهدئ من عدوه ،والتفت نحو مبعث ال�صرخة ،فراأى اأمامه امراأة
تعدو فى ال�صهل الرملى مقبلة نحوه».
( اأ ( تخير الإجابة ال�سحيحة مما بين القو�سين فيما يلى:
✦ ✦جمع كلمة «عنان» ( :اأعنة -عناوين -عنانات(.
✦ ✦م�ساد كلمة «تعدو» ( :تجل�س -تم�سى -تقفز(.
✦ ✦موقع جملة «تعدو» ( :خبر � -سفة -حال(.
(ب(من كانت هذه المراأة؟ ولماذا تنكرت؟
(ج�( كيف خطفت عبلة؟ ومن الذين خطفوها؟
( د ( �سف المعركة التى اأنقذ بها عنترة عبلة باأ�سلوبك.
(ه�( ما �سعور عبلة اأثناء خطفها؟
(و( �سور فرحة «عب�س» بالنت�سار وعودة عبلة.
3ار�صم لوحة للمعركة.
4ظهرت فى المعركة بع�س العادات والتقاليد البدوية ،اذكرها وعلق عليها.
66
احلقيقة
قــلــقــة
عــالقةإلى
()8الطريق ا
()3
ملك عب�س وهو فى طريقِه اإلى بال ِد طيئ ،و�سمع اأن الطائيين قد بن جذيم َة َ بلغت اأنباء الغزوة زهي َر َ
خادعوه ،واأطبقوا على الحِ لة فى غيبته ،فحطموها وقتلوا من فيها واأ�سروا اأطفالها ون�ساءها و�ساقوا
�سرحها((( .حتى لم تبق فيها بقية اإل حطام البيوتِ ،بعد اأن دكت وقطعت حبالها ،وكان لهذا النباأ وقع َ
ال�ساعقة على زهير وجي�سه ،فقد خرجوا يطلبون تحطيم طيئ والنت�سار عليها بعد اأن اأعدوا لتلك الغزوة
عدتها ،فاإذا هم ي�سمعون اأن ذلك العدو هو الذى ت�سلل اإلى ديارهم فا�ستطاع اأن يحرز فيها انت�سا ًرا يبقى ذكره
اأبد الدهر ،ويلحق بعب�س عا ًرا ليمحى .فاأ�سرع عائ ًدا يعتر�س الطريق لعله يلقى فيها جي�س طيئ فينت�سف
منه ،اأو يلحق بمن هلك من قومه حتى لتل�سق به معرة الأبد .ولكنه لم يلق فى الطريق جي�سً ا من طيئ ،حتى
أي�سا ،فاتبعوا طري ًقا اأخرى حتى ليالقوه .ولكنه عندما بلغ اأر�س عجب وح�سب اأنهم قد خادعوه تلك المرة ا ً
�ساخب ،وراأى قومه ي�ستقبلونه بالتهنئ ِة والب�سرى ،وكان �سدا ٌد ٍ ال�سربة والعلم ال�سعدى وجد الحِ لة فى عي ٍد
فى �سدرهم واإلى يمينه ابنُه عنترةُ.
فقال �سدا ٌد لزهير عندما حياه:
لئن كانت لنا بقي ٌة فالف�س ُل فيها لعنتر َة بن �سدادٍ.
�سريحا ببنو ِة عنترةَ� ،سمعته عب�س من �سدا ٍد لأولِ مرةٍ ،وكانت �سج ُة الهتاف عند ذلك ً فكان هذا اعترا ًفا
من �سباب القبيل ِة تنم عما ي�سمرون لعنتر َة من الإعجاب.
ولم ي�سع ال�ساد ُة اإل اأن يمدوا اأيديهم اإلى عنتر َة ي�سافحونه ،ويعترفون بما له على قومِه من ف�سل
�سوف يبقى ذك ُره اأبد((( الآباد.
وم�ست اأيا ٌم «كانت فيها الأعيا ُد مت�سلة» .وكان عنتر ُة فيها وا�سط َة العق ِد فى الأ�سما ِر والولئ ِم .فلم يدع
الندى كانالعب�سيون و�سيل ًة يعبرون بها عن �سكرهم لعنتر َة اإل تو�سلوا بها .واإذا اأن�سدت الأ�سعا ُر فى حلقات ّ
الرق�س كان غناوؤهن با�سم عنترة وما كان اأحب ِ الفتيات اإلى حلقات
ُ �سع ُر عنترة على كل ل�سان ،واإذا اأقبلت
اإليه اأن ي�سم َع ا�س َمه الجديد عنترة ابن �سداد من اأفواهن اإذا هن هتفن با�سمه.
ولم ي�ستطع مالك ول ابنه عمرو اأن يتعر�سا له اإذا تحدث اإلى عبلة ،ولم ي�ستطع عمار ُة بن زياد اأن ُيظ ِه َر
المجال�س فى هم�س:
ُ تجل�س اإلى جانب ابن عمها البطل اأو ت�ساي ُره وتناجيه ،بل لقد تحدثت غ�س ًبا اإذا هو راآها ُ
يدع الفتاة لمن اأحبها وهتف فى �سعره با�سمها وهو اأولى النا�س بها .وقالوا اإن عبلة قائلة :اأما اآن لعمارة اأن َ
كانت لوله ت�سبح اأم ًة �سب َّية فى اأر�س طيئ وهيهات لعمار َة اأو غير عمارة اأن ي�ستطيع ردها.
متنقال كفرا�س و�سار عنترة فى ليلة من تلك الليالى مع عبلة ،ي�سيعها اإلى بيتها ،وجرى الحديث بينهما ً
الربيع ،فكان عنترة اأحيانًا ي�سف لها بع�س مغازيه ،واأحيانًا ي�سف لها اآخاه �سيبوب فى خبثه ونوادر حيله،
فت�سحك عبلة وترمى �سيبوب فكاهة من فكاهاتها .وكان اأحيانًا يحدثها عن وحدته وهمومه ،وما كان
يراه فى ال�سحراء فى الليالى المظلمة عندما باعد قومه من اأجلها ،ثم اأن�سدها من �سعره وحدثها بنجوى
قلبه ،حتى خطرت له خاطرة من ذكر حديث عمارة وخطبته اإياها ،ف�ساألها فجاأة:
اأحقًّا ما يقولون يا عبلة؟
فقالت عبل ُة با�سم ًة:
ابن العم؟
وماذا يقولون يا َ
فوقعت كلمتها على نف�سه وق َع اأنغام المزاه ِر((( وقال لها مداع ًبا:
اإنك ت�ساأليننى كاأنك لتعرفين ما اأق�سد يا ابنة العم .لقد عهدتك تدركين ما ورا َء اللفظِ قبل اأن اأنطلق به.
فمالت براأ�سِ ها ناظرة اإليه بعينيها البا�سمتين وقالت :اأحقًّا ذلك يا عنترةُ؟ فقال عنترةُ :األ تذكرين اإذ كنت
ق�سدت اأن اأقول ل؟ اإنك
ُ ت�ساأليننى عن اأمر فاأقول« :ل» فت�سحكين منى ،فاإذا �ساألتك عن �سحك قلتِ اإننى ما
تح�سين بالإلها ِم ما لم يقع بع ُد فى �سمعك .فما الذى جعلك ت�ساألين عما يقولون كاأنك ل تعرفينه؟
فقالت عبل ُة :اأما كنت اأنت الذى لتدرك اإل ما وراء اللفظ اإنك لت�سمع من حديثى ما لم اأقل لك ،واإنك لتزعم
اأنك تعرف من معانى قولى ما لم اأق�سد من قولى ،األ تذك ُر اإذ �ساألتنى بالأم�س عن عمارة ،فلما اأجبتك لم
يعجبك جوابى ،واأبيت اإل اأن تزع َم اأننى اأراوغُك ،األ اإنك اأنت الذى تراوغنى وتكابرنى.
فقال عنترة ،لقد فهمت ق�سدى باإلهامك منذ ذكرت عمارة .اأنه هو الذى يتحدث النا�س عنه وعنك.
النا�س ل يزالون يتحدثون فى �ساأنه و�ساأنى ،وليت �سعرى ا َّأى اأحاديث فقالت عبلة :ا ٍأف لك ولعمارة! اإن َ
النا�س تق�سد؟ فلي�س لهم من هم فى ليل ول نهار اإل اأن يتحدثوا. ِ
اإنهم يتحدثون اإذا اأكلوا ،ويتحدثون اإذا �سربوا ،وهم اأكثر حدي ًثا حين تحمى �سورة((( الخمر فى
رءو�سهم ،وهم يتحدثون اإذا �سحوا واإذا ناموا ،فا ُّأى هذه الأحاديثِ تق�س ُد يا عنترةُ؟
فقال عنترة:
ل�ست اأبالى ما يقولون فى ليلهم اأو فى نهارهم اإذا كان حديثهم ليعنيك اأنت.
فقالت عبلة :وماذا يهمك من هذه الأحاديث وقد طالما �سمعتك تزعم اأنك لتبالى بثرثرتهم؟
أحب اأن اأ�سم َع منك كلم ًة.
فقال عنترة فى نغمة عتاب :لتعبثى بى يا عبلة ،فاإنى ا ُّ
فقالت عبلة :اأ َّي ُة كلمة تحب اأن ت�سم َع منى؟ قلها لى حتى اأرددها كما َ
�سئت.
فقال عنترة متاأل ًما:
اأنا بين يديك اأ�سعفُ من فرخ اليما ِم ،واأخف من ري�سة فى الهواء .ذرينى يا عبلة اأعرف ما فى قلبك.
فقالت عبل ُة فى دلل:
واأين ادعاوؤك اأن لك �سيطانًا يلهمك؟
68
فقال عنترة فى حما�سة:
اإن هذا ال�سيطان لم ي�ستطع يو ًما اأن ي�سبر غو َر((( قلبك .اإنه لي�سب ُر اإل غورى ،ول يك�سفُ اإل عن قلبى،
أجل�س معك واأ�سير اإلى جانبك ،واأعرج((( اإلى ال�سماء اإلى حيث اأحيا فى عوالم �سحرية من اأما اأنت فاإنى ا ُ
ال�سعادة تلهينى عن كل هذه الأر�س ،ثم اأن�سرفُ عنك وقلبى فى حي ْرة بين الأمل الذى يلوح لى والقلق الذى
ي�ساورنى .واأنظر حينًا اإلى الأر�س فاأراها جنات فيحاء ،تحيط بها الأنهار وتنفجر فيها العيون ،ويبت�سم
ال�سجون تثو ُر بى فال اأرى حولى اإل �سحراء بلق ًعا((( ول اأعرف
َ أح�س
فيها الزهر ويغنى الطي ُر ،ثم ل األبث اأن ا َّ
أر�س بقدمى اأم فوق لجة((( ت�سطرب بى ،ومع ذلك فاإن �سيطانى فى �سغل عنك بى. اأاأنا اأطاأ ال َ
مرح.
فقالت عبلة فى ٍ
على قولك واأطل فى الحديث فاإنه ينز ُل على �سمعى كما يق ُع الندى هذا هو �سع ُرك دائ ًما يا عنترةُ .اأعد َّ
على اأوراق ال�سجر.
فقال عنترة فى األم.
األي�س ي�سل اإلى قلبك غير حديثى؟ األم يعجبك منى غي ُر �سعرى؟ اإنى اأحد ُثك واأ�سفُ لك حروبى ،وا ُ
أطرب
على اإذا �سمعتك تعطفين بالرحم ِة على همومى. فتهون َّ
ُ كلما �سمعتك ت�ستزيدين من و�سفى ،واأ�سفُ لك همومى
إعجاب بقولى .اإن كل ما يعجبك منى اإنما هو حديثى وهو ولكنى اإذا حدثتك بحديثِ قلبى لم اأ�سمع منك اإل ال َ
�سعرى .وما اأنا عندك اإل حديثٌ و�سع ٌر.
متهدج:
ٍ فقالت عبل ُة فى �سىء من ال�سيق :وماذا ير�سيك اأن اأقول يا عنترةُ؟ فاأجاب عنتر ُة فى �سوتٍ
-اأنا اأقن ُع منك باأي�سر ما يقنع به العب ُد يا عبل ُة .لقد �سقت برقى ،وحطمت قيودى؛ لكى اأكون بين النا�س
أحب اإل اأن اأبقى لك اأنت عب ًدا .لقد خدمتك اأخل�س ما تكون الخدمة ولم اأ�ست�سعر منك يو ًما ح ًّرا .ولكنى ل ا ُّ
كب ًرا ،ولكم جثوت تحت قدميك واأنا اأقدم لك اإناء اللبن لت�سربى منه ،وكنت اأقولها لك من اأعماق قلبى« :هني ًئا
يا �سيدتى!» كنت اأنت ُعاللتى((( فى حياتى ،وكنت اأطمع اأن اأكون عندك �سي ًئا كنت اأطمع اأن اأ�سم َع من قلبك
ت�ستجيب لخفقان قلبى.
ُ ولو نب�سة واحدة
ف�سحكت عبل ُة �سحك ًة مرح ًة بعثت رعد ًة فى قلب عنتر َة وقالت:
ماذا اأقو ُل لك يا عنتر ُة فى جواب قولك؟ ليتنى اأ�ستطيع اأن اأقول �سع ًرا فاأر�سيك بمثل قولك .ولكن هيهات
قول ً
�سئيال :اإنك ابن عمى. يا عنترةُ! فلن تج َد منى اإل ً
الحن َِق:
فقال عنتر ُة فى �سىء من َ
اإننى اب ُن عمك .اإنها كلمة جوفاء لتحم ُل معنى.
70
الوي ُل لعمارة والويل ثم الويل لك!
فنظرت عبل ُة اإليه فى ده�سة ،ثم دمعت عيناها وقالت:
اإنك ترمينى ب�سهام فى هذه الدفعاتِ الحانقةِ ،وتلقى على من الذنوب ما ل ذنب لى فيه.
واندفعت ت�سي ُر عنه مغ�سب ًة.
فاأ�سرع عنتر ُة وراءها وهو يقو ُل فى �سراعةٍ:
عف ًوا يا عبل ُة فاإن �سقائى هو الذى حرك ل�سانى .اأقول لك الويل واإن دمع ًة من عينيك اأفتديها اإذا ا�ستطعت
وتع�سا لى! وحا�ساك اأن يحل الويل �ساحتك يا ابن َة عمى. بحياتى؟ ويلى اأنا ً
ولكن عبل َة �سارت فى طريقها �سامت ًة وم�سحت دمعها بطرف كمها .وا�ستمر عنتر ُة ً
قائال:
األ تقولين لى اإنكِ عفوتِ عنى؟ اأحقًّا اأنت غا�سب ٌة من فلتة ل�سانى؟ قولى لى يا عبل ُة ما �ساألتك عنه ين�سرف
كل �سقائى ..قولى اأحقًّا تر�سين عمارة بن زياد؟
فقالت عبل ُة فى جفاء:
وما �ساأنى بزياد اأو ابن زياد؟
فقال عنترة مترف ًقا:
قولى كلمة ي�ستقر لها قلبى .اإنهم يتحدثون ويملئون �سدرى �سقاء .فهل ر�سيت به حقًّا؟
فقالت عبلة فى َحن ٍَق وعناد:
وما اأنا وذلك ول�ست اإل فتاة فى بيت اأبى.
فقال عنترة فى لهفة:
ور�ساوؤك!
فقالت فى �سبه �سخرية:
ر�سائى!
فقال عنترة �سار ًعا:
نعم ر�ساوؤك يا عبلة .اأنا ل اأعباأ اإل بر�سائك اأنت .فقالت عبل ُة فى تحد:
وما ر�سائى الذى ت�ساأل عنه؟ فهل اأنا اإل فتاة فى بيت اأبيها؟
فقال عنتر ُة فى وح�سيةٍ:
اإ ًذا تذهبى اإلى بيت ابن زياد لو ر�سى اأبوك؟ اأتكونين له زوجة اإذا قبل مال ُك ب ُن قراد؟ اأتذهبين اإلى بيت
ابن زياد كما تذهب الأم ُة مع �سيدها؟
فقالت عبلة فى كبرياء ُكف ل�سانَك يا عنترةُ .ل�ست اأمة ،وما ينبغى اأن يقال لى لفظ الأمة .اإنما الأمة غيرى.
ف�ساح عنتر ُة فى َحن ٍَق.
نعم ،الأم ُة غيرك يا عبلة .اإنها زبيبة اأمى.
« 1وم�صت اأيام كانت فيها االأعياد مت�صلة ،وكان عنترة فيها وا�صطة العقد فى االأ�صمار والوالئم.
فلم يدع العب�صيون و�صيلة يعبرون بها عن �صكرهم اإالتو�صلوا بها».
( اأ ( تخير اأدق اإجابة من الإجابات الآتية:
✦ ✦معنى «وا�سطة العقد»( :اأغلى �سىء -محل الهتمام -يلفت الأنظار(.
✦ ✦الجمع بين الأ�سمار والولئم يدل على( :ذيوع ال�سهرة -كثرة الكالم -زيادة التكريم(.
✦ ✦ما�سى «يدع» ودع( :لم ي�ستعمل -ي�ستعمل بقلة -ي�ستعمل بكثرة(.
(ب(من مظاهر اهتمام العب�سيين بعنترة:
✦ ✦التغنى ب�سعره.
✦ ✦رق�س الفتيات بين يديه.
✦ ✦عدم التعر�س له عندما يتحدث اإلى عبلة.
72
✦ ✦مطالبة عمارة بترك عبلة لعنترة.
✦ ✦رتب هذه المظاهر بح�سب اأهميتها.
(ج�( ِل َم َل ْم تف�سح عبلة عن حبها؟ وما مظاهر ذلك؟
( د ( ما موقف كل من عبلة وعنترة من اأحاديث النا�س؟
(ه�( ا�ستخرج من الفقرة ت�سبي ًها ،واأ�سلوب توكيد وبين قيمة كل فى الكالم.
2قالت عبلة« :األ�صت يا عنترة عجي ًبا؟ ليتنى اأعرف ال�صبيل اإلى كلمة تر�صاها ،فاأجاب عنترة فى
حرارة :اأنت التعرفين ال�صبيل اإلى تلك الكلمة؛ الأن قلبك الينطوى عليها ،وما طلبى ولجاجتى
فى اأمر اإذا كان ما اأطلب م�صتع�ص ًيا .»...
( اأ ( األ�ست يا عنترة عجي ًبا؟ اأجب عن ال�سوؤال ال�سابق بالإيجاب مرة وبالنفى مرة اأخرى.
✦ ✦اأى التعبيرين اأدق :لتعرفين ال�سبيل اإلى تلك الكلمة اأم لتعرفين تلك الكلمة؟ علل لما تقول.
✦ ✦(لجاجتى -م�ستع�س ًيا( هات معنى الكلمة الأولى فى جملة وم�ساد الثانية فى اأخرى.
(ب(ما الكلمة التى ينتظرها عنترة من عبلة؟
(ج�( «قولى لى حقيقة ما تح�سينه نحوى»؟
ما حقيقة اإح�سا�س عبلة كما ت�سوره عنترة؟ وما �سبب ذلك الت�سور؟
( د ( ك�سف عنترة عن بع�س الجوانب الخفية فى عالقة عبلة بعمارة و�سح ذلك.
3حوار عنترة مع عبلة تراوح بين اللين وال�صدة ،اذكر من المواقف ما يوؤيد ذلك.
« 4االآن قد برح الخفاء يا عبلة ،وانجلى الظالم الذى كان يحجب الحقيقة عنى ،االآن عرفت ما كنت
اأبغى ...اإذن فهو زوجك ابن زياد الذى تر�صينه وير�صاه اأبوك ،واأما اأنا فل�صت اإال ابن زبيبة
الذى يحدثك ،ويزجى بك وقت فراغك».
( اأ ( ما معنى «برح الخفاء»؟ وماذا اأفاد عطف انجلى الظالم على برح الخفاء؟
✦ ✦«يزجى» هات معنى هذه الكلمة فى جملة.
(ب(ما الذى قرره عنترة بعد هذا الحوار؟
(ج�( «ع َّر�ست عبلة باأم عنترة ،فكيف كان ذلك؟ وما اأثر هذا التعري�س؟
( د ( اأترى اأن عنترة كان �ساد ًقا فيما قال؟ علل لما تقول.
(ه�( «لم ت�ستخدم عبلة دهاء المراأة هنا» تخيل الموقف لو اأنها ا�ستخدمت دهاءها.
(و( اأتهديد عنترة بقتل عمارة دليل على كره عبلة اأم �سدة حبه لها؟ علل.
(ز( ا�ستخرج من الفقرة ال�سابقة:
✦ ✦منادى واأعربه.
✦ ✦ظر ًفا وبين نوعه.
✦ ✦ا�س ًما من الأ�سماء الخم�سة واذكر عالمة اإعرابه.
73 دار النمر للطباعه
احلقيقة
رحــيــلإلىعــبــلــة
()9الطريق ا
()3
74
أر�س ال�سربة ،وزار َط َل َل((( دا ِر عبل َة فى وادى الجواء .وقد برزت وجنتاه ،وغارت عيناه،
وجاء يو ًما اإلى ا ِ
وا�سفر لونه الأ�سم ُر ،و�سارت عيناه تاأتلقان ،كان �سعاعهما بريق ال�سيف فى �سو ِء القمر.
وجاء اإلى طل ِل الدا ِر فجال بين موا�سع نيرانِه واآثار اأوتاده وبقايا ُنوؤيه((( التى كانت تحيط بخيامه،
ثم وقف مبهوتًا يم�سك اأعلى رمحِ ه المركو ِز فى الرمل م�سن ًدا بذقنه عليه كاأنما هو تمثال فى خرائب معبد
مندثر:
وجعل يترنم ً
قائال:
م �ن��ى ب �م �ن��زل��ة ال� �م� �ح � ِّ�ب ال �م �ك��ر ِم ول � �ق� ��د ن� ��زل� ��ت ف� ��ال ت��ظ��ن��ى غ� �ي� � َره
اإن ك �ن��تِ ج��اه �ل��ة ب �م��ا ل ��م تعلمى ه ��ال � �س �األ��ت ال �خ �ي � َل ي ��ا ب �ن��ة م��ال��كِ
اأغ�سى ال��وغ��ى واأع � ُّ�ف عند المغن ِم ي �خ �ب��رك م ��ن � �س �ه � َد ال ��وق� �ي� �ع� � َة اأن �ن��ى
ق �ي � ُل ال �ف��وار�� ِ�س و ْي� � َ�ك ع�ن�ت� َر اأق ��دم ول �ق��د � �س �ف��ى ن�ف���س��ى واأب � � ��راأ ��س�ق� َم�ه��ا
وبي�س الهن ِد تقط ُر من دمى ُ منى، ول � �ق� ��د ذك � ��رت � ��ك وال� � ��رم� � ��اح ن� ��واه � � ٌل
وق�سى �ساعة وهو يتاأم ُل ما تحت عينيه .فهناك كان خباوؤها ،وهناك كانت تقب ُل عليه با�سمة ،وهناك كانت
ت�سح ُك مكركرة ،وهناك كانت تقف ناظرة اإليه فى عطف وهو ي�سف لها اآخ َر مغازيه.
ثم تذ َّكر كيف اأتى اإليها عندما �سمع بمر�سها فلم ياأذن له اأبوها بروؤيتها فلم اأر�سل اإليه اأ َّمه لم تجد �سوى
والحزن ونظر اإلى بيوت الحى المنثور ِة فى اأنحاء الوادى ُ الح َن ُق
البكاءِ ،ولم ت�سمع منها اإل كلمات يبدو فيها َ
فاأح�س من نف�سه دفعة اإلى اأن يم�سى اإليها فيهدمها على من فيها ،ويطعن فيهم برمحِ ه ،وي�سرب ب�سيفه حتى
البيوت بعد اأن خلت من
ُ ل يبقى فيهم اأح ًدا فى الديار التى كانت هى �ساحبتها وهى النازلة فيها .فما تلك
عبلة؟ وما تلك القبيلة كلها بعد اأن رحلت عبل ُة عنها؟
وجعل يتغنى وهو متكئ بذقنه على يديه ،م�ستن ًدا على رمحه ،ليح�س �سي ًئا مما حوله ،حتى جاء اأخوه
((( ((( (((
ليح�سه وكان يقول:
ُّ �سيبوب من ورائه وهو
ُ
وب �اأ� �س��ى ��س��دي��د ،وال�ح���س��ام مهن ُد خ�ل�ي�ل��ى اأم �� �س��ى ح ��ب ع �ب �ل��ة ق��ات�ل��ى
َو َمنفر�سُ ه َج ْم ُرالغ�سا(((كيفيرقد؟ ح� � ��را ٌم ع� �ل � َّ�ى ال� �ن���و ُم ي ��ا ب� �ن� � َة م��ال��ك
لعل لهيبى من ثرى((( الأر�س يبر ُد واأل � �ث� ��م((( اأر�� ً��س���ا ك �ن��تِ ف �ي �ه��ا مقيمة
ف� � �اإن ودادى م �ث �ل �م��ا ك� ��ان ي�ع�ه��د ل �ئ��ن ي �� �س �م��ت الأع � � � ��دا ُء ي ��ا ب �ن��ة م��ال��ك
76
منى فوق ما يبل ُغ الن�سا ُء من الرجال.
فاأنا لاأطمع اليوم فى اأكثر من اأن اأ�ستر َّد ر�ساها.
ولحت عند ذلك �سحاب ُة من الطي ِر ت�سيء ب�سعاع القم ِر ميممة((( نحو ال�سرق ،فقال عنترة وهو ينظر
اإليها:
جناح هذا الطي ِر فاأذهب حيث �سئت واأتنقل مع �سرعة خاطرى اإلى حيث تتوقُ نف�سى .بل ليت لى ليت لى َ
مثل جناحها فاأحلق فوق هذه الأر�س لكى اأرنو((( اإلى عبلة من ال�سماء قان ًعا بنظرة اأ�سيبها((( ك َّل يوم منها.
و�سكت لحظة ثم قال فى �سوت حانق:
أر�س فال اأبقى عليها غير الموت على هذه ال ِ
َ بل ليتنى �ساعقة فوق �سحابة فى عا�سفة هو جاء فاأقذف
�سيبوب ،اإن ك َّل النا�س ليزالون ينظرون اإلى كما ينظرون اإليك .اإننى ابن زبيبة الأمة حتى واإن ن�سبنى ُ عبل َة يا
�سدا ُد اإلى عب�س.
فقال �سيبوب �ساح ًكا:
اأما اأنا فل�ست اأبالى كيف ينظرون ا ّإلى.
رفق:
فقال عنتر ُة فى ٍ
كنت من قبل
كنت بعي ًدا عن �سعادتىُ ، زلت حيث ُ �سيبوب .فاإنى ما ُ
ُ كدت اأح�س ُدك على ما اأنت فيه يا لقد ُ
األمحها اأمامى وهى لتزال اأمامى كاأنها تهرب منى كما يهرب الجبان الذى يركب مه ًرا �سري ًعا .لم يكن الرقُ
هو الذى يحو ُل بينى وبين �سعادتى .لي�س الرقُّ �سوى لفظٍ ي�سترون به ما فى نفو�سهم من الكبرياء .لي�س
أنف�سهم وي�سترون به �سعفَهم .فهم ل الرق هو الذى كان ي�سقينى ،بل هو الوهم الذى ير�سى به ال�سعفا َء ا َ
يجدون ما يميزون به اأنف�سهم ول ما ي�سمون به اإلى المكارم ،فياأبون اإل اأن يهبطوا بمثلى اإلى ما دونهم،
حتى يلوحوا فى الأعين اأعظم من عنترة.
فقال �سيبوب وهو يمالأ كاأ�سه:
اأنت تح�س الذ َّل لأنك تحتاج اإليهم .اإن هذا ال ُغ َّل((( الذى ت�سعه حول عنقك هو الذى ُيذلك ،ولي�س ما
تح�سبه من كبريائهم اإن هذا الحب الذى تتحرك فيه ل اأ�سميه اأن اإل الرقَّ والذل فعج ًبا منك اإذ تقوى على
الدماء ت�سفكها ،والحروب تخو�سها ،ول تقوى على قيدك الذى تقيدك به فتاة.
يجرع كا َأ�سه:
فقال عنتر ُة وهو ُ
قلب لما تحرك اإل كما يتحرك قلبى .اأنت �سيبوب ،لأنك ل تحم ُل مث َل نف�سى ولو كان لك ُ ُ ل�ست األومك يا
ُ
نف�سك حتى تر�سى بما اأنت فيه فدعنى و�ساأنى. تخدع َ
« 1و�صاق المقام باأبيها مالك ،وحار فى اأمره ،كيف يطيق الحياة وهو ي�صمع النا�س ين�صدون �صعر
عنترة فى ابنته ،وي�صتعيدونه فى مجال�صهم ،فكانت اأنفته تثور .....ولم يجد مخرجا من االأمر
اإال اأن يعلن قومه باأنه لن يزوج ابنته لعمارة وال غير عمارة ،ثم غادر اأر�صه ،ورحل اإلى اأر�س
اأ�صهاره بنى �صيبان».
( اأ ( هات معنى (اأنفة( فى جملة ،وم�ساد (يعلن( فى جملة اأخرى.
(ب(اأح�س مالك بالعار :لأن عنترة كان عنترة كان ين�سد ال�سعر فى ابنته -لأنه �سيزوج ابنته لعنترة ابن
زبيبة -لأن َع ْم َر بن مالك يوؤثر �سديقه عمارة.
✦ ✦اختر اأدق �سبب لإح�سا�س مالك بالعار من الأ�سباب ال�سابقة.
(ج�( كيف اأثر هذا الموقف على عبلة؟ �سف حالها.
( د ( اأدى ال�سعر دوره فى ت�سلية عنترة .و�سح.
(ه�( اكتب من اأبيات عنترة ما يدل على المعانى الآتية:
✦ ✦«�سهادة الخيل لعنترة بالبطولة فى المعارك».
✦ ✦«�سهادة اأبطال المعارك لعنترة بقوة القتحام وعفة اليد».
2قال �صيبوب ...... « :اأنت تجد لذتك فيما تاأمل ،وما ترجو وما ت�صعى له من اأمامك ،واأما اأنا فاإنى
اأجد لذتى فيما اأذوق بل�صانى ،وما األم�صه بيدى ،وما اأقارفه فى يومى .اأنت ت�صعى وتتاألم فى
�صبيل وهم باطل ،واأنا اأحيا واأتنعم فيما اأح�صه حقيقة فى يدى .»....
( اأ ( اأترى فى ترتيب الأفعال (تاأمل ،ترجو ،ت�سعى( قيمة؟
✦ ✦(اأقارف( اأدخل الفعل ال�سابق فى جملة من عندك.
(ب(فى العبارة موقفان متناق�سان من الحياة ،و�سحهما ،وبين اإلى اأى الراأيين تميل؟
(ج�( كان عنترة ممزق النف�س م�سطر ًبا اذكر بع�س المواقف التى تثبت ذلك.
( د ( «�سبيل وهم باطل» اجمع الكلمتين (�سبيل ووهم( وغير ما يلزم.
(ه�( هات من العبارة ال�سابقة خب ًرا جملة ،وظر ًفا وبين نوعه.
�سيبان كري ًما اإذا نزل جا ًرا عند �سي ِد القوم قي�س بن م�سعود ،فلم َ كان مقا ُم مالك بن قراد واأهلِه فى بنى
َيج ْد فى جوا ِره اإل الع َّز وال َم َن َع َة والمروء َة الكامل َة .ولكنه مع ذلك لم يكن �سعي ًدا ول را�س ًيا ،لأنه لم ين�س
اأنه رج ٌل من عب�س �ساق به المقام فى قومه فا�سطر اإلى اأن يهاج َر باأهله ،ويحل �سي ًفا على اأ�سهاره .وكان
العراق خرج ي�ساأ ُل اأه َلها فى لهف ٍة عن اإخوتِه وعن ِ يتن�س ُم الأنبا َء عن عب�س ،فاإذا ما اأتت قافل ٌة من الحجاز اإلى
اأبنائهم وعن اأ�سحابه الذين طالما �ساركهم و�ساركوه فى ال�سرا ِء وال�سرا ِء وفى الن�س ِر والهزيمةِ .وامتالأ
ر�س له كان اأولى به لو �سب َر عليه اأو ف�سح عار�س َع َ
ترك وطنه واأهله من اأجل ٍ ب�سعو ِر ي�سب ُه الند َم على اأنه َ
أر�س ال�سرب ِة والعلم
نف�سه بالعود ِة اإلى ا ِله من �سد ِره ،ولم ُيطع فيه كبرياءه وكبريا َء ولده .وكثي ًرا ما حدثته ُ
ال�سعدى ،فاأف�سى براأيه اإلى ولدِه عمرو ،ولكن ول َده كان �سار ًما �سل ًَبا فلم يتزعزع عن راأيه ،وبقى على عزمِه
الأول اأنه لن يعود اإلى عب�س حتى يح َّل العقد َة التى بينه وبين عنترةَ.
نف�سه
كان عمرو بن مالك ل يكا ُد يطيقُ اأن ي�سم َع ذك َر عنترةَ ،فاإذا ما ذكره اأحد اأمامه عف ًوا لم يملك َ
ابن زبيب َة .وقد توثقت ال�سداق ُة واندف َع فى �سخطه عليه لئ ًما حان ًقا .وكان ل يزا ُل م�س ًرا على ت�سميته العب َد َ
جميال ،يق�سى حياتَه ك�سائر اأبنا ِء بين عمرو بن مالك وبين ب�سطام بن قي�س وكان �سا ًّبا فى مثل �سنه منع ًما ً
يك�سب المج َد فى
ُ الكتائب
ِ �سارع اإليها وكان فى �سد ِر ال�سادة فى �سيد اأو لهو ،فاإذا عزم قو ُمه على غزو ٍة ِ
�سيبان.
َ الحرب ليمه َد لنف�سه ال�سياد َة فى
ِ
الزواج من اأخته الجميلةِ .عبل ُة ،فزحب عمرو له لما كان بينهما من َ واأف�سى ب�سطام اإلى عمرو اأنه يري ُد
المودِة ،ووعده اأن يكون ر�سو َله اإلى اأبيه مالكٍ ،ووعده اأن يبذ َل ما فى ُو�سعِه ليحم َل اأباه واأختَه على الر�سادِ،
ودخل عمرو على اأبيه فى بيتِه ع�سي َة يو ٍم فقال له:
أف�سى اإليك بحديثٍ يا اأبى. أحب اأن ا َ كنت ا ُّ -لقد ُ
جال�سا عليه وقال له: ثوب كان ً طرف ٍ فمد مالك َ
أح�س فى �سدرى وح�س ًة من ُد الليلةِ. -تعا َل يا ولدى فاجل�س هنا.فاإنى ا ُّ
و�سمت حينا ثم قال: َ فجل�س عمرو اإلى جانبه
-اأري ُد اأن اأحد َثك فى �ساأنِ عبل َة.
فالتفت اإليه اأبوه ً
قائال:
�سيبان؟
َ -هل لعبل َة �سا ٌأن اآخ ُر فى
فقال عمرو:
يفرغ للبنات �سا ٌأن يا اأبى؟ األي�س ه ُّم ال ِأب وال ِأخ اأن ينظرا فى اأمرهن؟ -وهل ُ
فقال مالك:
-ل بعد يا عمرو ،ام�س فى الحديث.
80
فقال عمرو :اإلى متى تبقى عبل ُة بغي ِر ِ
زواج؟
فقال مال ُك وقد فاجاأه هذا القولُ:
�سيوف؟ األي�ست هى عبلة ابنة مالك بن قراد؟ اإنا هنا �سيوف يا ولدى عند ٌ تزوجها ونحن هنا -اأتريد اأن َ
أتى ا َّإلى ،وهو
كنت اأفكر فى هذا الأمر قبل اأن تا َ اأ�سهارنا ،ول ينبغى اأن ياأتى الخاطب اإل اإلينا فى ديا ِرنا .ولقد ُ
الذى بعث الوح�سة اإلى �سدرى.
فقال عمرو:
ب�س َطام ْب َن قي�س؟ -األ�ست تر�سى ْ
فقال مالك فى �سبه فزع:
ب�س َطام
لقد اأ�سلك الهوى يا عمرو ،واأراك ل تهتدى .ما �سوؤالك هذا فيما كنا نتحدث فيه منذ لحظة؟ اإن ْ
ب�س َطام وكفاءته، بن قي�س ر�سا وابن ر�سا ،وهو خير من تُزف اإليه بنت �ساد ٍة اأحرار .ولكنى ل اأتحدثُ عن ْ
النا�س اأن يقولوا :لقد اأخذ قي�س بن م�سعود عبل َة من اأبيها .وقد �سيوف فى غير قومِنا ،وما اأحرى َ ٌ فنحن هنا
قي�سا طلب عبلة لبنه ب�سطام ،فلم ي�ستطع اأبوها اأن يمنَعها. العرب :اإن ً ُ يقو ُل
وقد يقو ُل هذا الأ�سو ُد يوما اإننى هربت بها حتى.....
فقاطعه عمرو فى َحت َِق:
-وما لنا وذلك الأ�سود؟ اإنك يا اأبت ل تزا ُل تذ ُكره كاأنك ل تريد اأن تُخلى قل َبك منه.
لقد تركنا له قو َمنا ووطننا ،فهال طرحته من نف�سك فال تعو َد اإلى ذكره؟
فقال مال ٌك:
أغم�س عينى حتى ل اأرى ما هو ماثل اأمامى. -كاأنى بك تري ُد منى اأن ا َ
�سيق:
فقال عمرو فى ٍ
�سيبان
َ -اإنك لت�سع َرنِى الذل َة ك َّل يو ٍم واأنت تهل ُج با�س ِم عنترةَ ،كاأنه �سورته قد جاءت وراءنا اإلى ا ِ
أر�س
أر�س عب�س اإذا كان عنتر ُة ل يزا ُل معنا؟ ز ِّو ْج عبل َة لب�سطامَ ،فوحق منا َة اإن عنترة لن لتزعجنا ،فما فراقُنا ا َ َ
ي�ستطي َع اأن ينطقَ بع ُد با�سمها.
ف�سحك مال ٌك �ساخ ًرا وقال:
ل�ست اأدافع عنه ،ول�ست اأح ُّبه ،بل اإنى اأمقته مقتًا ل ت�ستطيع
(((
-اإنك ل تعرف عنتر َة يا ولدى كما عرفته ُ
تح�سه .اإننى اأمقته ،ولو قدرت على اأن اأور َده المهالك لما ترددت لحظ ٌة فى اأن اأور َده .ولكم حاولت اأنت اأن َّ
يجب عبل َة يا ولدى،اأن اأر َّده عن عبل َة بالمك ِر والخديع ِة والموؤامر ِة حتى �ساع كرهى له ،وعجزى عنه .ولكنه ُّ
النطق بها ،واإن�سا ِد ال�سع ِر فيها.
�سيبان اأن يكم َم عن ِ َ ولن اأ�ستطيع اأنا ،ولن ت�ستطيع اأنت ول اأح ٌد من عب�س اأو
قلق وقال فى حقدِ:واأطرق حزينا �سامتا ،فتحرك عمرو فى ِ
كنت اأنت يا اأبى قد عجزت عنه فدع من ي�ستطي ُع اأن يلقاه ويكفيك �س َّره. -اإذا َ
فرفع مالك راأ�سه ،وقال �ساخ ًرا:
-اأذلك ب�سطام بن قي�س؟
((( اأمقت :اأكرة.
العبدِ.
ف�سحك مال ٌك ،وقال:
أيذهب فى جي�س من �سيبان لغزو عب�س؟ -ا ُ
اأهذا ما يريد ب�سطام؟
فقال عمرو:
-بل يذهب اإليه وحده ،لينازِله ،وياأتيك براأ�سه فوق �سنان رمحِ ه ،و�سوف ٌ
تكون مفخر َة الأبد! (((
82
آليت على نف�سى اأن زواج من ل تر�سى؟ لقد ا ُ -اإنكم تعذبون الفتاة وما لكم تريدون اأن تكرهوها على ِ
اأجع َل اأم َرها لنف�سِ ها .األ تذك ُر يوم اأن عر�ست عليها عمار َة بن زياد؟ األم تقل لى اإنها ل ترى اإل ما يرى اأبوها
تحب الزواج من عمارة؟ واأخوها ،واإن كانت ل ُّ
ف�ساح عمرو:
-واإذا كانت ل تريد �سوى عنترةَ:
فتردد مالك حينًا ثم قال:
-واأين عنتر ُة اليوم منها؟
فقال عمرو:
تزويجها اإل بمن تري ُد هى فاإنها لن تر�سى بغير عنترةَ. َ -اإنك اإذا كنت ل تري ُد
ف�سمت مال ٌك لحظ ًة ثم قال:
العرب َمن ُير�سيها. -اإن فى ِ
فقاطعه عمرو قائال:
أتزوجها له؟
فاإذا كانت ل تَر�سى اإل بعنترةَ .ا ُ
فقال مالك فى ثباتٍ :
أزوجها له.
-ا ُ
ثم و�سع وج َهه بين يديه كاأنه يواريه من معرةٍ.
ف�ساح عمرو فى َحن ٍَق:
زج دماءه بدمائنا ،ويحم َل ن�سلُنا اأبدا الدهر عا َره.
-اإ ًذا فلن يبقى هذا العبد لكى َي ْم َ
خارجا من الخيم ِة ذاهبا اإلى منازلِ قي�س بن م�سعود. واندفع ً
�سبح فى الظالم من ورا ِء الخيم ِة فت�سلل اإلى الخيم ِة التى تليها وكانت خيم ُة عبل َة تحرك فى تلك اللحظ ِة ٌ
طرف الخيمةِ ،واأطل براأ�سِ ه فى داخلهافاأتى اإليها من جانبها زاح ًفا فى �سكونٍ ،وجعل يت�سم ُع حينا ،ثم رفع َ
مترف ًقا حذ ًرا .فلما اطما َّأن اإلى اأن لي�س بالخيم ِة اأح ٌد يخ�ساه هم�س قائال:
-عبلة ،ل تراعى((( فاأنا �سيبوب؟
فقالت عبلة فى �سيحة مكتومة:
�سيبوب ،اأاأنت هنا؟ُ -ويحك يا
تهم�س:
وقامت اإليه ُ
-متى جئت؟ فيم �سعيت؟ وهل جئت وحدك؟
فقال �سيبوب:
قريب من -جئت ال�ساع َة وتج�س�ست على اأخيك واأبيك وهما ي�سبان عنترةَ ،ثم جئت لأخبرك اأن عنتر َة ٌ
هنا.وقد جاء يعتذر اإليك ،ويطلب عفوك .اإنه ل يكاد يذوقُ طعاما ،ول يفتاأ يهل ُج بذكرك فى نها ِره وفى ليله.
((( ل تراعى :ل تخافى.
أ�سرع هاربا ترك عبلة وحدها لغ�سب ذلك الفتى المتجبر ،فزحف راجعا حتى �سيبوب اأنه اإذا ا َ ُ ووجد
دخ َل الخبا َء ،ووقف اأمام وجه عمرو وقال له:
-لعلك تعرفُ من اأنا يا عمرو بن مالك .لعلك ت�سرفُ غ�س َبك ا ّإلى اأنا .فاأنا الذى جئت اإلى هنا ،وتج�س�ست
كنت دخلت اإلى خبا ِء اأختك من تحت الأ�ستا ِر لأحد َثها. الهالك .واأنا الذى َُ عليك اإذا كنت ت�ستم اأخى وتتمنى له
فا�سرف غ�س َبك ا َّإلى فاإنى اأعزلُ. ْ
ف�ساح به عمرو:
فجئت اإلينا لتعك َر علينا مقا َمنا فى
وجدت فى �سحب ِة اأخيك خيرا َ َ جئت اإلى هنا اأيها العب ُد؟ اأما -وفيم َ
�سيبان؟
َ
�سيبوب:ُ فقال
يكون لك �سرفُ المقا ِم
�سيبان فاإنك اأنت الذى �سعيت اإلى التغرب هر ًبا من اأن َ َ ذكرت مقامك فى -اأما وقد َ
أتهرب خو ًفا من اأن يكون �سهرك عنترة الذى يفخ ُر العرب جميعا باأن َ
يكون بينهم؟ فى قومِك ،ا ُ
((( ي�سل حقدك :يخرجه من �سدرك.
84
ف�ساح عمرو
البراح
ِ وبرزت اإليك فى
ُ كنت من اأندا ِد الأحرا ِر لأعطيتك �سيفا،
-اأيها العبد ،لتجدن هنا عقوبتك .ولو َ
لأعاق َبك على جراأتِك .ولكن انتظر.
ثم التفت نحو عبل َة و�ساح بها:
-هاتى ً
حبال يا عبل َة حتى اأ�س َّد وثاقَ هذا العبدِ.
�سيبوب وقال:
ُ فقهقه
ل�ست فار ًغا لك اليوم يا عمرو بن مالك .فاتظرنى اأنت حتى اأعو َد اإليك يا َ
ابن الأحرار� .سوف اأعو ُد اإليك ُ -
أحب اأن يطو َل انتظا ُر عنترةَ.فل�ست ا ُّ
قري ًبا ُ
خارجا من الخبا ٍء ولم تم�س لحظ ٌة حتى كان خارج المنزل يعدو فوق الرمال كالظليم(((. ثم انطلق ً
« 1وكثي ًرا ما حدث مالك نف�صه بالعودة اإلى اأر�س ال�صربة والعلم ال�صعدى فاأف�صى براأيه اإلى ولده
عمرو ،ولكن ولده كان �صار ًما �صل ًبا فلم يتزعزع عن راأيه ،وبقى على عزمه االأول اأنه لن يعو َد
اإلى عب�س حتى يحل العقدة التى بينه وبين عنترة».
( اأ ( (اأف�سى � -سار ًما( هات مرادف الكلمة الأولى فى جملة ،وا�ستخدم كلمة �سار ًما مع العاقل مرة ،وغير
العاقل مرة اأخرى.
(ب(لماذا كان يريد مالك العودة اإلى موطنه؟
(ج�( ما مظاهر حقد عمرو بن مالك على عنترة؟ وما �سبب ذلك؟
( د ( كان ب�سطام بن قي�س اأهال للزواج من عبلة ف�سل القول بذلك.
2ك�صف حوار مالك مع ابنه عن اتجاهات كل منهما .و�صح ذلك.
3عَ ِّين ال�صواب فيما يلى:
✦ ✦كانت عبلة تريد الزواج من ب�سطام.
✦ ✦من عادة العرب عدم تزويج بناتهم فى الغربة.
✦ ✦ا�سترك مالك مع ابنه فى ُك ْر ِه عنترة.
✦ ✦مالك ير�سى بقتل عنترة بيد ب�سطام.
✦ ✦مالك يريد تزويج ابنته لعنترة.
4قالت عبلة فى حزن «اأما كفاءه طردى وت�صريدى؟ اأما كفاه غربتى وتعذيبى؟ هل اأتى ليعيد على
اأذنى تقريعه وتعنيفه؟ ومع ذلك كله فقد ن�صينى ،ولم يعد يذكرنى .اإنه اليوم ال ين�صد ال�صعر اإال
فى �صكوى زمانه ،وفى ذم قومى».
( اأ ( هل فى عطف ت�سريدى على طردى ،وتعذيبى على غربتى قيمة؟
(ب( ت�سور العبارة حالة عبلة فى غربتها و�سح ذلك.
(ج( ما الر�سالة التى كان يحملها �سيبوب لعبلة؟
( د ( كيف انتهى لقاء عمرو مع �سيبوب؟
5لخ�س هذا الف�صل فى �صفحة واحدة.
86
احلقيقة
إلىالنبيل
الفار�س
الطريق ا
()11()3
بن قي�س قد خرج ي�سعى اإلى قي�س بن م�سعو ِد ليلتَها فى ا�سطراب عندما علمت باأن ب�سطا َم َ ق�ست حِ لة ِ
يخرج اإلى ذلك اللقاءِ.
لقا ِء عنترةَ .فقد اأعلمه عمرو ب ُن مالك بقدوم عنترةَ ،وزين له اأن َ
فار�س �سيبان وفتاها .ولكن لقا َء عنترةَلم يكن كلقا ِء الفر�سان .وقد كان اأبوه وكان ب�سطا ُم ب ُن قي�س َ
ليكون اأمي َر القو ِم بعده ،وكانت اأ ُّمه التميمية تحاذ ُر عليه وتخ�سى اأن ت�سي َبه الكوارثُ ،
َ يحر�س على بقائه؛ ُ
فقد كان لها فتى وحيدا ن�ساأ فى بيتها مدلال حتى كره اأبوه تدليله ،وغ�سب عليها؛ لأنها كانت تن�سئه بين
خوفقي�س يو ًما اأن يو ِق َع بها وبه َ
الن�سا ِء والفتياتِ ،ل تعر�سه للم�سق ِة وت�سفق عليه من مخاط ِر الفتيانِ .وه َّم ٌ
ي�سب الفتى طريا �سعي ًفا وهو اأكب ُر ولده .فلم يحمه من غ�سب اأبيه اإل اأن بعثت به اأمه اإلى اإخواتِها فى اأن َّ
نزال ول يترد ُد فى �سدام. يرهب ًفار�سا بار ًعا ل ُأخذيخرج مع فتيانهم اإلى ال�سيد والغزو ،حتى �سب ً ُ تميم ،فا
�سيبان لم يلبث اأن ظه َر فيهم وتك�سفت لهم فرو�سيتُه و�ساروا يهتفون با�سمِه كلما األمت َ فلما عاد اإلى قومِه
بهم((( نازل ٌة.
الجزع َداخَ َل اأباه واأمه وع َّم ك َّل قومِه عندما ذاع بينهم زنه خرج اإلى عنترةَ ،عازما األ يعو َد حتى
َ ولكن
يقه َر مناف�سه الذدى جاء ينتزع منه عبل َة.
المخيف الذى
ِ قي�س ب ُن م�سعود فى اأهله لح ًقا بابنه ،لعله يدر ُكه قبل اأن ي�سطد َم بذلك الفار�س فخرج ُ
موت غي ُر مردودٍ .ولم تطق اأ ُّمه البقا َء خلفهم ف�سارت معهم متلهف ًة تبكى كاأنها عرفوا جمي ًعا اأن ال�سطدا َم به ٌ
قد ثكلته(((.
وطلع ال�سبا ُح عليهم ،وهم ي�سرعون فى الطريق يتعقبون اآثار ب�سطام ،لعلهم يدركونه قبل النزالِ .واأراد
الخروج للقا ِء غريم ِه
َ يخرج معهم ،فرده قي�س فى �سى ٍء من ِ
العنف؛ لأنه هو الذى ز َّين لبنه عمرو بن مالك اأن َ
قي�س فى نف�سه اإذا عا َد اإلى منازِله اأن ير َّد جوا َره عن مالكٍ واأهله حتى يخرجوا عن قومِه المخيف ،وقد عزم ٌ ِ
�سم�س النها ِر وكانوا ل يزالون ي�سربون فى ال�سحرا ِء ت�ساوؤ ًما بمقامهم بين ظهرانيهم ،وحميت ُ
أر�س ال�سخري ِة ال�سلبة.فر�س ب�سطام فوقَ ال ِ على غير هدى ،فقد كان �س ُيرهم بطي ًئا وهم يتتبعون اآثا َر ِ
الطريق لعلهم يعرفون مو�س َع �سيدهم فكانوا يعودون واح ًدا بعد واح ٍد بعد اأن ِ �سعاب
وت�ستت العبيد فى ِ
جوانب الفال ِة فال يهتدون اإلى يقين.
ِ ي ُوغلوا فى
قي�سركب ِ
وكانت ال�سم�س تتكب ُد((( ال�سما َء عندما عاد اأح ُد العبيد م�سر ًعا يلوح بردائه فى الهواء .فاأ�سرع ُ
اإليه ف�ساح العب ُد من بعيدٍ:
اأب�سروا ب�سالم ِة ب�سطام.
88
الجرح ثم ركب وا�ستاأنف القتال ،ولكنه عاد َ كان جرح عنتر َة ي�سخب((( د ًما ،ف�سق �سملته وربط بها
يداف ُع الفتى ويطاو ُله ،حتى وجد منه فر�س ًة اأخرى ،فدفعه بزج رمحه فطرحه عن فر�سِ ه حتى تداأداأ((( على
الرمل �سري ًعا ،ووقف عنتر ُة مر ًة اأخرى عند راأ�سِ ه وال�سيفُ فى يمينه ً
قائال:
-اأي�س ُّرك اأن اأح َّز را َأ�سك حتى ل اأباهى باإذللك؟
فوقف الفتى ونظر اإليه حينًا فى �سمتٍ ثم قال:
عرفت اأنك ل تري ُد قتلى فكان ذلك -األ تخب ُرنى ما الذى يدعوك اإلى مدافعتى فى القتالِ ومطاولتى .لقد ُ
ل�س َت ْب َ�سلْ ُت فى قتالِك وانت�سفت منك .اإنك
رمحك فى مقاتلى ْ تحر�س على اأن ت�س َع َ ُ �سبب هزيمتى ..ولو راأيتك َ
اأيها الرجل قد خدعتنى عن نف�سى.
فقال عنترة فى هدوء:
-لم اأخدعك؛ لأننى لم اأحب قت َلك.
فقام ب�سطام:
خرجت ل اأريد اإل قتلك.
ُ -وكيف وقد
فقال عنترة:
-اإنما اأتيت اأقط ُع ال�سحرا َء اإلى منازلِ اأبيك يا ب�سطام ،ل اأرجو اإل اأن اأكون �سدي ًقا .جئت لأرى ابن َة
عمى واأطلب عفوها واأتذلل لها .فقال ب�سطام:
بزواج مالك بن قراد؟
ِ الزواج ممن ل ير�سونك ِ�سه ًرا؟ اأاأنت تحبها اأم تري ُد اأن ت�سرف ِ -وما لجاجتُك فى
فقال عنتر ُة فى هدوء:
أحب اأن اأطي َل معك الحديثَ .فهل تري ُد اأن ت�ستاأنفَ قتالى؟ ول�ست ا ُّ
ُ -اإنك اأيها الفتى تنط ُق بغير ل�سانِك.
فقام ب�سطا ُم منك�س ًرا:
النا�س منى .اأتعفو عنى مرتين ثم اأقاتلُك؟ -ل اأري ُد اأن ي�سخر ُ
�سيبوب وقال له:
َ فنظر عنتر ُة اإلى اأخيه
�سيبوب اأ�سيرى.
ُ -اأَوثق((( يا
و�سيبوب ي�س ُّد يديه وقدميه بالحبالِ .
ُ ثم م�سى عنه،
قي�س بن م�سعود متجهما(((. �سيبوب ،قال له ُ َ ولما اأتم العب ُد تلك الق�س َة التى �سمعها من
� -سراأمامنا حتى ن�س َل اإلى عنترةَ.
�سيبوب عند بابها جال�سا .فهب للقا ِء القو ِم
ُ وما هى اإل �ساع ٌة ق�سير ٌة حتى بلغ الركب خيمة عنترة ،وكان
قي�س ً
قائال: فنظر اإليه ٌ
اأاأنت عنترةُ؟
« 1وطلع ال�صبح عليهم وهم ي�صرعون فى الطريق يتعقبون اآثار ب�صطام ،لعلهم يدركونه قبل
النزال .واأراد عمرو بن مالك اأن يخرج معهم ،فرده قي�س فى �صىء من العنف؛ الأنه هو الذى زين
البنه الخروج للقاء غريمه المخيف».
( اأ ( تخير الإجابة ال�سحيحة مما ياأتى:
✦ ✦مرادف كلمة «يتعقبون»( :يعاقبون -يتبعون -يجازون(.
90
✦ ✦م�ساد كلمة «العنف»( :اللين -ال�سماحة -الفرح(.
✦ ✦جمع كلمة «غريم»( :غرمى -غرماء -غوارم(.
(ب(تدل العبارة على عاطفتين مختلفتين :خوف وتقدير و�سح.
(ج�( ماذا قرر قي�س عند عودته؟ وما �سبب هذا القرار؟
( د ( البحث فى ال�سحراء محفوف بالمخاطر �سور ذلك.
مطاوال ،فما كان يجب اأن يقتله ،وعبلة مقيمةً « 2فملك عنترة غ�صبه ،وم�صى فى قتاله مدافعًا
فى �صيبان ،وما كان يجب اأن يعود اأدراجه بغير اأن يلم باأر�س �صيبان؛ ليرى عبلة فيها ،ويطلب
عفوها ،وي�صتعيد ر�صاها».
( اأ ( فى حديث �سريف «لي�س ال�سديد بال�سرعة ،اإنما ال�سديد من يملك نف�سه عند الغ�سب» اأيتفق معنى هذا
الحديث مع �سلوك عنترة؟
مطاول -يعود اأدراجه -يلم باأر�س( هات ً
جمال ت�ستخدم فيها التعبيرات ال�سابقة من اإن�سائك. ً (ب((مداف ًعا
(ج�( ما العتبارات التى حكمت ال�سراع بين عنترة وب�سطام؟
( د ( عالم تدل نتيجة هذا ال�سراع؟
(ه�( ا�ستخرج من الفقرة ال�سابقة:
✦ ✦حال مفردة.
�سحيحا واآخر ُّ
معتال. ً ✦ ✦م�سار ًعا
✦ ✦ا�س ًما مق�سو ًرا.
3لماذا اأعد قي�س وليمة لعنترة؟ وما وقع ذلك على مالك وابنه؟
اأقام عنتر ُة فى بنى �سيبان مكر ًما ،وكان قي�س بن م�سعود ين�سره ويقي ُم حجته((( على مالك بن قراد .ولم
ي�ستطع عمرو اأن يحج َبه عن اأخته عبل َة بعد اأن خاب �سعيه فى اأن يجعل ب�سطا َم بن قي�س ً
حائال بينه وبينها.
ابن عمها .ولكن عمرو بن ولم ي�ستطع مالك اأن يرد عنترة عن خطب ِة ابنته بعد اأن ملكها اأم َرها فاختارت َ
مالك كان ل يفتاأ((( غا�س ًبا حانقا ،فاأبى اإل اأن يطلب اأبوه من عنترة مه ًرا غال ًيا .واجتمع عنترة بعمه مالك
زواج عبل َة فقال عمرو لأبيه:
وابنه عمرو فى بيت قي�س يتحدثون فى ِ
العرب عنك اأنك خ�سعت لعنترة عجزًا وذل. ُ غريب و�سوف يتحدثُ �سيبان ٌَ -اإنك هنا فى
فقال عنترة:
أحب لو قلت لك يا ابن عمى. -كنت ا ُّ
ف�ساح مالك.
قلها ،ول تخ�سى يا عنترةُ ،فاأنت اب ُن �سداد.
فقال عمرو:
-وما يمنعك من ذلك وقد اأبيح لك كل ما كان عليك حرا ًما.
فقال عنترةُ:
وودت لو
أحب اليوم اأن اأغ�س َبك ُأغ�سب كلما �سمعتُك تقو ُل مثل هذا ولكن يا عمرو ل ا ُّ كنت يو ًما ا ُ -لقد ُ
ر�سيت باأن اأناديك «يا ابن عمى» لكى اأ�ست َّل منك هذا الحقد الذى يمالأ قلبك .اإن قلبى ل يحم ُل لك اإل ما يحمل َ
لآل قراد.
فاأدار الفتى وجهه فى غيظٍ وقال:
-واذ ّل اآلِ قراد!
ف�ساح به اأبوه:
َ
-اأما اأنك منذ اليوم تجبهنى((( فى مجل�سى.
ثم اتجه اإلى عنتر َة ً
قائال:
-ل عليك يا عنتر ُة من هذا .فاإنه ما زال يجرعنى من حمقه ما يجرعنى.
فقال عنترةُ:
العرب �سوف تتحدثُ باأنك قد ر�سيت بىأحب اأيها الع ُّم اأن يت�سد َد عمرو فى خطابى .اإنه يزع ُم اأن َ -بل ا ُّ
يغلى لك المه َر كما اأغاله لك ال�ساد ُة واأنت فى عب�س .اإنه قد �سدق.
مكرها .وهو يزع ُم اأن عنتر َة يعجز عن اأن َ
يكون مه ُر عبل َة اأغلى المهو ِر.
ولن ير�سى اإل اأن َ
92
ثم اتجه اإلى عمرو وقال فى هدوء:
-قل واحتكم يا عمرو فاإنى عند ما تري ُد.
قال قي�س بن م�سعود:
-لقد اأن�سفك عنتر ُة يا عمرو بن مالك.
فنظر عمرو اإلى ال�سيخ وقال فى تحد:
-لقد بذل عمار ُة األ ًفا من النوق الع�سافي ِر مه ًرا لعبلة.
ف�ساح ال�سي ُخ فى ده�سةٍ:
وهل يمل ُك عمار ُة النوقَ الع�سافي َر؟
فقال عمرو:
يهب ك َّل اأمواله لي�ستريها. �سى باأن َ -لقد َر َ
فقال قي�س:
كذب من ادعى اأنه النعمان .وقد َ
ُ النعمان؟ لي�س فى العرب من يمل ُك منها األفَ ناقة اإل المل ُك ُ اأيبيعها المل ُك
ألف منها. ي�ستطي ُع اأن يمه َر فتا ًة با ٍ
فقال عنترةُ:
-اأما وقد نطق عمرو بهذا فلن اأر�سى بغيره مه ًرا� .سوف اأمه ُر عبل َة األ ًفا من النوقٍ الع�سافير.
قي�س ب ُن م�سعو ٍد فى ده�س ٍة وقال: فالتفت اإليه ال�سيخ ُ
تطلب يا عنترة المحال. -اإنك ُ
وكان مالك مطر ًقا فى اأثناء هذا الحديثِ فاتجه اإليه قي�س وقال له:
-كاأنى بابنِك يحتك ُم بما ل يطي ُق.
فقال مالك:
-ولكن عنتر َة قبلها .ولن اأر�سى يا اأبا ب�سطام اأن تتحدث القبائل بعجزى.
فقام عنتر ُة اإلى قي�س فم َّد له ي َده قائال:
طلب عبل َة اإل اإذا
لك �سكرى اأيها ال�سي ُخ على ف�سلِك واإكرامِك ،ولن اأعاو َد عمى فى حكمه ،ولن اأعود اإلى ِ
�سيبان بعد ذلك ،انطلق من ليلته مع اأخيه َ يطلب من المه ِر فى يدى .ولم ير�س عنتر ُة اأن يبقى فى كان ما ُ
�سيبان ع ّر َج((( على بيت
َ يف�س َل((( من منازل بالنوق الع�سافير .ولكنه قبل اأن ِ ِ أتى
العراق ليا َ
ِ أر�س
يق�سدان ا َ
ليودع عبلة .ولما اأراد ال�سي َر فى رحلتِه قالت له عبل ُة هام�س ًة. مالك َ
� -سوف اأنتظ ُرك حتى تعو َد واإن طالت غيبتك.
فقال لها عنترةُ:
و�سوف اأحفظ كلمتَك هذه فى �سويدا ِء قلبى ،فتكون المخاطر اأ�سهى الأمور اإلى نف�سى.
((( يف�سل من :يبتعد عن.
((( عرج على :مال.
« 1اأقام عنترة فى بنى �صيبان مكر ًما ،وكان قي�س بن م�صعود ين�صره ،ويقيم حجته على مالك بن
قراد ،ولم ي�صتطع عمرو اأن يحجبه عن اأخته عبلة بعد اأن خاب �صعيه فى اأن يجعل ب�صطام بن
قي�س ً
حائال بينه وبينها».
( اأ ( تخير الإجابة ال�سحيحة مما ياأتى واكتبها:
✦ ✦معنى «يقيم حجته»( :ين�سره -ي�ستقر معه -يحج معه(.
✦ ✦م�ساد «يحجب»( :يعلن -يظهر -ين�سر(.
✦ ✦جمع كلمة «مكرما»( :مكارم -مكرمات -مكرمون(.
(ب(موقف عنترةمن ب�سطام له اآثار مختلفة على:
✦ ✦قي�س بن م�سعود.
✦ ✦مالك بن قراد.
✦ ✦عبلة ابنة مالك .و�سح هذه الآثار.
(ج�( بم ت�سف موقف عمرو بن مالك من عنترة؟ وكيف ا�ستطاع عنترة اأن يك�سب المعركة اأمام عمرو؟
( د ( حول الم�سادر الموؤولة فى العبارة ال�سابقة اإلى م�سادر �سريحة واأعد كتابة الفقرة.
« 2فقال قي�س :اأيبيعها الملك النعمان؟ لي�س فى العرب من يملك منها األف ناقة اإال الملك النعمان،
وقد كذب من ادعى اأنه ي�صتطيع اأن يمهر فتاة باألف منها».
( اأ ( الغر�س من ال�ستفهام :النفى -التعجب -التعظيم.
تخير اأدق اإجابة مما �سبق واكتبها.
94
✦ ✦اأفى العبارة ك�سف لكذب عمارة اأم لكذب عمرو؟ و�سح.
(ب(لو اأن الموقف حدث فى ع�سرنا الحا�سر فماذا كان يطلب عمرو مه ًرا لأخته؟
(ج�( قبول عنترة لهذا المهر اأهو جنون اأم ثقة زائدة بالنف�س.
( د ( ماذا اأهدت عبلة عنترة عند وداعه؟
النوق الع�سافير التى كانت عند الملِك يطلب المه َر الذى طلبه اأبو عبل َة من ِ العراق ُ
ِ خرج عنتر ُة اإلى
النعمانِ .ولم تكن فى قبائ ِل العرب قبيل ٌة تمل ُكها فقد كانت هذه النوق بي�سا َء مثل وعولِ الجبال ،خفيفة كاأنها
الغزلن ،طيب َة الألبانِ كالبقرِ ،حلوة المنظ ِر كالمها((( ،طيب َة اللح ِم كاأنها الحمالن.
العراق ،و�سور ُة عبل َة ماثل ٌة اأمام عينيه عند كل ثني ٍة وعند كلِ ي�سرب فى ال�سحارى نحو ُ و�سار عنتر ُة
َمرقَب؛ وما كان اأحب اإليه من تلك المخاطرة الجريئة التى اعتزم اأن يخاط َر بها .كان كلما فكر فى المخاطر
يتعر�س لها فى �سبيل الح�سولِ على مهر عبلة اأح�س �سعاد ًة كبرى؛ لأنه كان ي�سع ُر اأنه يقتح ُم مج ًدا ُ التى
جدي ًدا ي�سمو به اإلى الحبيبة التى كان ل يرى فى الحيا ِة �سي ًئا ي�ستحقُّ اأن يحر�س عليه اإل حبها .وكان فى
�سيبان
َ اأثناء �سيره فى ال�سحارى الجاهمة يرد ُد كلماتِ عبل َة التى قالتها وهى تودع ُه اأمام بيت اأبيها فى بنى
يلم�س بكفه الي�سرى مو�س َع أنتظرك حتى تعو َد واإن طالت غيبتُك» وكان بين اآن واآنِ ُ اإذ قالت له�« :سوف ا ُ
روحا ي�سرى فيه فيهزُّه ويملوؤه قوةً.التميم ِة التى �سدها على ذراعِه في�سع ُر كاأن ً
أثمن الكنوزِ ،كما يدخ ُر وكان يعي ُد كلماتها التى �سمعها منها وهى ل تزا ُل م�سطورة على قلبه ،ويدخ ُرها كا ِ
ليطفئ بها
َ المقطوع فى ال�سحرا ِء بقي ًة من الما ِء وجدها فى ال ِ
أحوا�س البراق ِة المل�سا ِء فى بطونِ الجبالِ ُ
�سائح
يثب على فر�سِ ه الأبجرِ ،فكاأنه ٌ حرو َر الهجير((( .وكان يتمثل �سورتَها ونظراتِها العاطف َة نحوه ،وهو ُ
�سل ال�سبي َل فى مهمه((( قفر فى ليل ٍة ظلما َء فطلع عليه القم ُر يهدى �سبيله .كانت �سور ُة ب�سماتها ونظراتِها
وتق�س ُر عليه م�سافة ال�سفر الطويلِ .كان تتردد فى قلبه كاأنها الأغانى تحدو له �سي َره فى الطريق الوعرِّ ،
الجوع ويجعلها �سحره اإذا �سرب الخم َر، ُ (((
نف�سه اإذا جه َده الح ُّر ،ويغذى بها روحه اإذا اأم�سه يق ِّوى بها َ
وحديثه اإذا جل�س اإليها اأخوه و�ساحبه �سيبوب.
يطلب مطل ًبا ع�سيرا ،اإذ اأقدم على مراعى النعمان واأراد اأن ي�ستاقَ ((( منها ما ولكنه ذهب اإلى العراق ُ
أح�س الرعيان به حتى اأر�سلوا النذر اإلى الملِك العظيم فى الحيرةِ. �ساء من الإبل الع�سافير .فما هو اإل اأن ا َّ
وبالنوق
ِ وا�ستاق عنترة الإب َل ،م�سر ًعا نحو ال�سحراءِ ،ولكن الملك اأدركه فى كتيبة من الفر�سان واأحاطوا به
التى ا�ستاقها .وكانت معركة هائلة بين فار�س م�ستيئ�س وجي�س لجب((( من ال�سجعان ،فلم ي�ستطع اإل اأن
وال�سيف تحطم فوق َ الرمح انق�سف،
َ يقاتل ما بقى ال�سيفُ فى يده ،وما ا�ستقام الرم ُح فى قب�سته ،ولكن
الدروع ال�سابغةِ ،واأثخنته((( الجراح فَخَ ّر �سريعا ،وح ُمِل اإلى الحير ِة بين الموتِ والحياةِ.ِ
يخل�س اإليه
َ �سيبوب يقاتل و�سط الحلقة المائج ِة المخيف ِة فلم يقدر على اأن ين�س َره .وعجز عن اأن ُ وراآه
المها :البقر الوح�سى. (((
حرور الهجير� :سدة الحر. (((
مهمة� :سحراء. (((
اأم�سه :اآلمه. (((
ي�ستاق :ي�سوق. (((
لجب :كبير. (((
اأثخنته الجراح :اأ�سعفته. (((
96
والرماح تتعانقُ فى معرك ٍة مروعةٍ ،فلم يجد خي ًرا له من َ َ
ال�سيوف تلم ُع الموت يحو ُل بينهما .وراأى ُ اإذ كان
يرقب القتا َل من بعي ٍد ثم راأى عنترة يخ ُّر عن جواده �سري ًعا ،فزحف متوار ًيا بين يند�س بين ال�سخو ِر ُ اأن َّ
للرياح عائ ًدا
ِ الحجارة حتى َب ُع َد عن ميدان المعركةِ ،ثم جعل التالل بينه وبين مجالِ الموتِ واأطلق �ساقيه
اإلى الحجاز.
وجراح قل ِبه
ِ جراح ج�سمِه يتوجع من ِ األقى عنتر ُة فى �سجن النعمان فاأقام فيه ليالى ما كان اأطو َلها فكان ِّ
اأ�س ُّد األ ّما ،وكان اأ�س َّد ما اأ�سابه اأنه خاب فى اأن يحو َز مهر عبل َة ،واأنه قد حيل اإلى الأبد بينه وبينها .وكان
�سعاع �سئي ٌل من النور يدخ ُل اإليه فى �سجنه مترد ًدا من فرجات �سيقة بين ق�سبان الحديد ،فكان �سد ُره ٌ
الرطب الذى يمالأ قلبه يا ًأ�سا .وكان ينظ ُر اإلى النجوم اإذا ِ ي�سيقُ ،ويهم باأن يحطم راأ�سه فى الجدا ِر الم�سمت
طلعت فيناجيها .ويرى �سور َة عبلة فى نورها ،وي�ستعي ُد نظرا ِت َها وب�سماتِها فى لألئها ،وي�سم ُع فى نجواها
اأ�سدا َء �سوتِ عبل َة العذب ،وير�س ُل على �سعاعِها تحياتِ بائ�س لعلها ت�س ُل اإليها ،ولكنه كان كلما راأى تميم َة
عبل َة فوق ذراعِه عاد الأم ُل اإليه فمالأ قل َبه قوة.
جروحه،
ُ النعمان يطل ُبه للمثول((( بين يديه ،بعد اأن التاأمت ُ وم�ست عليه تلك الأيا ُم الطوال ثم اأر�سل اإليه
ال�سوق اإلى روؤ ِية ذلك الرج ِل الذى جاء اإليه وحده غاز ًيا ِ وا�ستطاع اأن ي�سير على قدميه .وكان النعمان �سدي َد
يطلب المحا َل ،ويجروؤ على ا�ستباح ِة حِ ماه .فقد كانت تلك اأول مرة وحمله النح�س ،اأو دفعه الغرور اإلى اأن َ
يطلب مطل ًبا وع ًرا(((.
العرب على غارة مثلها وهو وحده ،ويعلم اأنه ُ اأقدم رجل من ِ
تغلب وبكر يجل�سون حول الإيوان((( ،والملك جال�س واأُدخل عليه عنتر ُة مقي ًدا فى �سال�سلِه ،وكان �سيو ُخ َ
ال�سجن
ِ فوق عر�سه .وارتفعت العيون نحو عنتر َة وهو داخل يحجل فى القيود ،ولونه حائل((( من اأثر
يم�سك نف�سه حتى ي�سم َع قول الأ�سير قب َل َ الغ�سب باد ًيا على وجه القو ِم ،والمل ُك يحاول اأن ُ والهمو ِم ،وكان
�سامت ثم قال له:
ٌ اأن يوق َع به العقاب ،فتاأمله �ساعة ق�سيرة وهو
البائ�س؟
ُ -من اأنت اأيها
فقتال عنتر ُة هاد ًئا:
-اأنا اأ�سيرك وترانى اأمام عينيك.
غ�سب مكبوح: ف�سرت همهم ٌة فى الجلو�س ،وقال الملك فى ٍ
-اأ�ساألك عن نف�سك اأيها الرج ُل .اأ�ساأ ُلك عن قومِك اإن كان لك قو ٌم .وما اأح�س ُبك اإل عب ًدا اآب ًقا(((.
فقتا عنتر ُة راف ًعا را َأ�سه:
-اإنما العب ُد غيرى.
98
ف�ساح عنترة:
بع�س فى الغزواتِ .فما اأنا اأيها المل ُك وما اأنت ،وما بع�سهم اإب َل ٍ -بل اأنا اأح ُد هوؤلء العرب الذين يطلب ُ
عرب يترددون بين الأودي ِة فى نجد وتهامة وه�ساب الدهناء واليمامة ،وكلهم هوؤلء ال�سيوخ جمي ًعا �سوى ٍ
ل�سو�سا .األي�س هذا
ً ل�سا ،واإذا لم يكن هوؤلء جمي ًعا بالل�س اأيها المل ُك اإذا لم تكن اأنت ًّ ي�سلب ويغزو .ل�ست ِّ ُ
ر َّد قولك؟
ف�سرت غمغم ٌة عالي ٌة من حول الإيوان وقال الملك فى غ�سب:
على عينًا اأم ا�ستاأجركل�سا فما �ساأنُك؟ اأبعثك اأح ٌد َّ -اأق�سر عن البذاء ِة ل اأ َّم لك .وحدثنى اإذا لم تكن ًّ
على فيغ�س ذلك من قد ِرى؟ قل وا�سدقنى ،ولك منى حياتُك اإذ �سدقتنى. النا�س بجراأتِك َّ بع�س اأعدائى ليتحدث ُ ُ
فقال عنتر ُة �ساخ ًرا:
جئت اإليك لأ�ستاق اإبلك لنف�سى .وما كنت لأتجراأ حري�س على حياتى .اإنما ُ ٌ -لم اأقدم على حماك ،واأنا
جا�سو�سا.
ً عليك من اأج ِل اأح ٍد ي�سخ ُرنى ،وما كان مثلى َّ
ليدب اإليك
النعمان �ساخ ًرا:
ُ فقال
-مثلك؟ ومن تكون اإذا لم تكن اأح َد هوؤلء ال�سعاليك الذين لفظتهم القبائل لتبراأ من جرائرِهم((( ،فلم
�سبيال لك اإل اقتحا َم المهالِك ،واإن فى وجهك الأ�سو ِد لدلل ًة على �سح ِة راأيى .من اأنت اأيها الأ�سود اإذا تجد ً
لم تكن عب ًدا اآبقا؟
فقال عنتر ُة فى َحن ٍَق:
-اأما وقد ذكرت �سوادى فاعلم اأيها الملك ما يملوؤك فز ًعا .ثم ت�ساءل فى نف�سك ،ومر هوؤلء ال�سيوخَ
أعين تقد ُح ال�سر َر اأن يت�ساءلوا فى اأنف�سهم اأنا عنترة اب ُن �سدادٍ. الذين ينظرون ا َّإلى با ِ
النعمان فى �سيحةٍ:
ُ ف�سرت �سج ٌة فى الجمع ،وقال
عنترةُ؟!
�سمعت عنه،
َ فقال عنترةُ :اأنا عنترة بن �سداد فا�سكر منا َة على اأنك ا�ستعطت اأن تاأ�س َرنى ،اأنا عنتر ُة الذى
أق�س عليك حديثى. �سمعت الكثير من خبرى فال حاج َة بى اإلى اأن ا َّ َ وعرفت من هو .اإنك َ
النعمان اإلى ظهر كر�سيه ،وقال با�س ًما فى �سخريةٍ: ُ فما
تفزع ال�سعفا َء ،وتقط ُع ال�سبيل، كنت ُ لو �سدقت اأيها الفتى ،ل�سرنى اأن اأراك فى القيو ِد اأمامى اإنك َ
أراك مقي ًدا اأمامى ،فقد دفعك الغرو ُر اإلى اأن ت�سج من اعتدائِك .نعم لو �سدقت ل�سرنى اأن ا َ وكانت القبائ ُل ُّ
�سعيت اإلى هنا لتلقى َ
عقابك. َ هممت با�ستباح ِة حماى وانتهاك حرمتى ،وحق منا َة لو كنت عنترة لقد
فقال عنتر ُة �ساح ًكا:
على من ع� ٍر اإذا اأح�ط بى الألوفُ من جي�شك ف�أثخنونى -وهل على امرئ من ع� ٍر اإذا اأُخِ َذ اأ�شي ًرا؟ هل َّ
وطاعنت حتى
ُ القتراب منى؟ لقد َجد ْلت من اأبطالك من َجد ْلت و�سردت من �سردت، َ بالجراح حتى ا�ستطاعوا
فر�س.
نان ول تحتى ُ لم يبق فى يدى �سِ ُ
((( جرائرهم� :سرورهم.
النعمان فى خَ ن ٍَق:
ُ فقال
اإنك تمالأ فمك باأقوالٍ تزع ُم اأنك اأه ُل لها .اأنت تزع ُم اأنك عنترةُ ،فمن لى اأن اأ�سدقَك؟ وما اأحراك اأن تقو َل
هذا كذب ًا لأجع َل لك قد ًرا.
فقال عنترة �ساح ًكا:
-وهذه اأخرى منك اأيها الملك ما كان ينبغى لك اأن تق َع فى مثلها .فما الذى يحملُنى على ِ
الكذب؛ باأن
كنت
كنت اأطم ُع فى عفوك لو ُ اأنتح َل ا�س َم عنتر َة واأنا اأعرفُ اأن هذا ال�س َم ل يحم ُل اإل عداوتَك وكراهتَك؟ لقد ُ
أيت من بالئى فى حر ِبك .لقد كان ذلك العرب فقد كنت جدير ًا اأن تعف َو عنى اإعجابا بما را َ ِ بع�س �سعاليك
يهب �سيفَه اإل لعب�س ول يطم ُعنى فى عفوك لعلك تتخذنى �سائ َر الحيا ِة من اأعوانِك .ولكنك تعل ُم اأن عنترة ل ُ
ول�ست ا َأطمع فى النجا ِة واأنا
ُ يطمع فى النجا ِة من ي ِد ملك يحم ُل له ذكرى مواق َع اأوق َع فيها برعاياه وحلفائِه.
اأجب ُهك((( بقولى فى اإيوانِك وبين ِ
�سيوخ قومك.
ثم اندفع كاأنه ُين�سِ ُد ق�سيد ًة فرفع را َأ�سه وقال مباه ًيا :لكم كان لقومى من تارات عندك وعند حلفائِك .لكم
كنتوطئنا بال َد طيئ ،وكم اأخذنا من غنائِم البحرين و َه َجر والعراق ،وكم اأغرنا على قوافلِك فى الحجيج ،لقد ُ
الجموع.
َ اأنا فى �سد ِر الكتائب فى كل غزوة اأحو ُز الغنائم واأ�ستت
�سخب الغيظِ من حوله: ِ فقال المل ُك غا�س ًبا َ
و�سط
العقاب ،فانتظر ما ت�ستحقُّ منه. َ كنت اأطلبك اأيها ال�سقى لأوق َع بك
على وتباهى بقتالى؟ لقد ُ -اأتفخر َّ
اأتفخ ُر على اأيها ال�سقى فى مجل�سى؟
قتلت من �سجعانك ،ولم اأ�سعر فقال عنترةُ :اإننى اأذكر الحقَّ منذ �ساألتنى .ول�ست اأخ�سى اأن تقت َلنى ،فكم ُ
هوان الحياةِ.
ل�ست اأطم ُع فى الحياة ،واأنا الذى اأعرف َ بخلج ِة رحم ٍة اأو األم فى فوؤادىُ .
نف�سه: فقال الملك وهو يحاول اأن َ
يم�سك َ
عجبت منك ،واأردت اأن اأطل َع على حقيق ِة اأمرِك .األي�ست عب�س ُ -لم اأكن لأطي َل معك الحديثَ لول اأننى
اليوم من حلفائى؟ فما مجيئك ا َّإلى غاز ًيا اإذا لم يكن فى الأمر �س ٌّر يخفى على فهمى؟ اأجئت ت�ستزي ُد من الفخ ِر
بحربى؟ اأتري ُد اأن تمالأ ف َمك باأنك غزوت النعمان؟
فقال عنترة فى هدوء:
-ل اأيها الملك لم اأرد بذلك فخرا.
فقال النعمان:
النا�س منذ اأ�سادوا بك وتحدثوا عنك ،ورددوا �سعرك .فحملك زهوك على اأن ت�سعى اإلى -اإنك فتى خدعك ُ
الأ�سد فى عرينِه.
فاأجاب عنترةُ:
�سعيت اإلى الأ�سو ِد فى عرائنها((( ولكنى اأيها الملك ل اأطم ُع اإلى حديث النا�س عنى؛ فاإنه لن ُ -لكم
((( اأجبهك :اأجابهك فى �سراحة.
((( عرائنها :العرين بيت الأ�سد.
100
يجدينى((( اليو َم �سيئا.
النعمان فى مرارةٍ:
ُ فقال
-األم ُيجدك حديثُ النا�س �سيئا؟ األم يلحقك اأبوك يعب�س بف�سل هذه الأحاديث؟ األم تكن لول تلك الأحاديثُ
وابن زبيبة؟
عب َد �سداد َ
فقال عنتر ُة فى دفعة:
-اأتاأم ُن اأن اأذك َر اأمك اأيها الملك واأنت تذكر اأمى؟
الن��س ،ثم ق�ل:
ع�ب�ش� يهدئ َ فع�دت الغمغمة الح�نقة اإلى الجمع حتى رفع النعم�ن يده ً
-ل با َأ�س عليك يا عنترة ،فاإنها فلتة منى ،وما كان ينبغى لى اأن اأقو َلها .اغفر لى يا عنترةُ ،فاإنها �سقطة
منى..
فقال النعمان :ل اأري ُد اأن اأغ�س َبك .فقل ول تحجب عنى �سي ًئا ،لقد قلت فى خطابك لى مالم يجروؤ اأح ٌد على
قوله .فقل ول تحجب عنى �سي ًئا.
�سخطك ،ولكنى ل اأباليه((( فقال النعمان مترف ًقا: أطلب َ ل�ست ا ُ فقال عنترةُ :
النا�س عنك وعنها حتى اأحببت اأن اأ�سم َع منك حدي َثها.أعرف مقدا َر ح ِّبك لها .لقد تحدث ُ أردت اأن ا َ -اإنما ا ُ
فاأطرق عنتر ُة حينا ثم قال:
أردت اأيها الملك اأن اأحد َثك عن عبل َة ،فاإن ا�سمها ليحلو لى اإذا �سمعته حتى لأحدث به نف�سى -اأما وقد ا َ
على من حياتى ،وا َأح ُّب ا َّإلى من جوارحى ،ولو كانت حياتى تدف ُع عن لأ�سم َعه خالي ًا .اإنها اأيها الملك اأعز َّ
النيران لخ�ستها فى �سبيل تلبي ِة كلم ٍة منها� .سورتُها ل تزال
ُ لج ْدت بها را�سيا ،ولو اعتر�ستنى عينها دمع ًة ُ
توؤن�سنى ،ونغ ُم حديثها مايزا ُل يترد ُد فى اأذنى .ل اأعرفُ خيرا اإل ما تر�ساه ،ول �س ًّرا اإل ما تخ�ساه اأو تاأباه.
أر�س لما كان فيها �سىء يكافئ لي�س فى الحيا ِة جمال عندى اإل اإذا كان فيه منها �سبه .ولو طويت لى ال ُ
ر�ساها ،ولو طاأطاأت لى ال�سما ُء حتى تناولت نجو َمها لأهديها اإليها لوجدت ذلك دون قدرها.
النعمان ي�سمع حديثه ماأخو ًذا فى ده�سة مقب ًال عليه ب�سمعه وب�سره ،فلما فرغ من حديثه قال له ُ وكان
فى ارتياح:
أطيب وقع ًا.
-اإنك تتحدثُ عنها حدي ًثا عج ًبا .لقد �سمعت �سع ًرك فيها ،ولكن قو َلك هذا اأبل ُغ من ال�سعرِ ،وا ُ
فقال عنتر ُة فى حما�سةٍ:
النا�س ما اعتادوا اأن يح�سوه من خ�سي�س -هذا اأيها الملك و�سفُ اللفظِ ،ولي�س اللفظ �سوى اآل ٍة ينقل بها ُ
اللفظ .فهو ظ ُّل حائ ٌل((( ،و�سدى فات ٌر ،ل ي�سفُ حقيق َة
المعانى .اإل اأن ما اأح�سة فى نف�سى لعبل َة ي�سيقُ عنه ُ
ما اأحملُه لعبل َة.
النعمان بلينٍ :
ُ فقال
�سغفت بها.
َ تطلب مه َر هذه الفتا ِة التى جئت ُ اإ ًذا فقد َ
يكون قد عاد اإلى �سخريته .واأدرك يتبين ما يق�س ُده بقولِه خا�سيا اأن َ فنظر عنتر ُة اإليه كاأنه يري ُد اأن َ
النعمان ما يدو ُر فى نف�سِ ه فقال مباد ًرا: ُ
بالنوق الع�سافير من بابى؟ ِ أتحب اأن تعو َد -ا ُّ
فعاد الهدو ُء اإلى عنترةَ ،وقال كاأنه يحل ُم:
لبقيت لك اأب َد الده ِر �ساك ًرا. -اإذن ُ
واقف عند راأ�س ِه وقال له: النعمان اإلى رج ٍل ٍ ُ فالتفت
-خذ عنتر َة معك يا اأبا الحارث ،وام�س به اإلى بيتك وفك عنه القيود؛ فهو �سيفى.
والتفت اإلى عنتر َة قائ ًال:
على اأول �سىء فى ال�سباح يا عنترةُ. -واغ ُد ّ
((( ل اأباليه :ل اأهتم به.
((( ظل حائل :متغير.
102
فنظر عنتر ُة اإليه متاأث ًرا ،و�ساح ً
با�سطا يديه:
-اأيها الملك ،اأيها الملك ،لقد غمرتنى.
ي�سحب قيو َده واأبو الحارث ي�سي ُر من ورائه ي�ساع ُده على
ُ نف�سه ،واأطرق واأدار وج َهه ،و�سار
ثم طوى َ
الم�س ِير.
...« 1وكانت معركة هائلة بين فار�س م�صتيئ�س ،وجي�س لجب من ال�صجعان فلم ي�صتطع اإال اأن
يقاتل ما بقى ال�صيف فى يده ،وما ا�صتقام الرمح فى قب�صته ،ولكن الرمح انق�صف ،وال�صيف
تحطم ..واأثخنته الجراح فخر �صريعًا ،وحمل اإلى الحيرة بين الموت والحياة».
( اأ ( هات معانى الكلمات الآتية فى جمل :لجب — اأثخنته — �سري ًعا.
✦ ✦لماذا اأتى بكلمة انق�سف مع الرمح ،وتحطم مع ال�سيف؟
✦ ✦ن�سف عنترة :بالتهور -بال�سجاعة — بالجنون.
(ب(ما دور �سيبوب فى هذه المعركة؟
(ج�( ما الذى كان يوؤن�سه فى �سجنه؟
( د ( لماذا كان النعمان �سديد ال�سوق لروؤية عنترة؟
(ه�( ما الفرق بين م�ستيئ�س ويائ�س؟ �سع كلمتين مكان (ما بقى وما ا�ستقام(.
2حوار النعمان مع عنترة تراوح بين ال�صدة واللين .اذكر من المواقف ما يثبت ذلك.
« 3اأما وفد اأردت اأيها الملك اأن اأحدثك عن عبلة ،فاإن ا�صمها ليحلو لى اإذا �صمعته حتى الأحدث به
نف�صى الأ�صمعه خال ًيا .اإنها اأيها الملك اأعز على من حياتى ،واأحب اإلى من جوارحى ،ولو كانت
حياتى تدفع عن عينها دمعة لجدت بها را�صيا».
( اأ ( ي�سيع فى هذا الحديث �سدق العاطفة فما مظاهر ذلك؟
(ب(ما اأثر هذا الحديث على النعمان؟
(ج�( ماذا عر�س النعمان على عنترة؟ ولماذا؟
( د ( لو نفذ النعمان عر�سه فكيف تكون نهاية الق�سة؟
✦ ✦ما راأيك فى الحوار بين الملك النعمان وعنترة؟
4تخير بع�س الجمل التى اأعجبتك واكتبها فى لوحة بخطك.
بقى عنتر ُة فى الحِ ي َر ِة �سنين لم يح�سب اإنه �سوف يق�سيها بها .ولقى عند النعمان فى اأثنائها مكانة لم
يكن يحل ُم اأن الأقدا َر تجرى بها ،وحاز من الغنى ما لم يكن يخط ُر بباله ،وبلغ من المجد ما لم يبلغْه اأح ٌد من
�سادِة القبائلِ.
أن�س اإليه من عا�سره ،وكان �ساحب النعمانِ .وقد ا َ
ِ اأقام تلك ال�سنين فى جوا ِر �سديقِه الفار�س اأبى الحارثِ
ل�سماع �سعرِه ،فال يكا ُد يخلو من مجل�سِ ه اإل اإذا �سار فى كتيب ٍة اإلى غزو ٍة من الغزواتِ ، ِ اأبو الحارث يطرب
فاإذا عاد لزمه فى غدواتِه وروحاتِه وفى اأما�سيه ولياليه .وكان عنترة بين حين وحين ينظر اإلى خلفه ،ويذكر
اأيا َمه الخالي َة كما ينظ ُر الواقفُ فوق راأ�س الجب ِل اإلى الوادى البعي ِد الذى يراه دونه عند الأفق ،فيراه غائ ًما
أ�سباح الج ِّن التى طالما ظهرتتتحرك خافت ٌة مثل ا ِ ُ أ�سباح �سئيل ٌة
ال�سباب ،ول تبدو منه اإل ا ٌ
ُ غام�سا ُ
يحيط به
له اأثنا َء تجواله فى لي ِل ال�سحراءِ ،ولكنه كان يرى فى ثنايا ذلك الما�سى الجاهم �سورة حبيبة لم ت�ستطع
الأي�م اأن تمحوه�� ،شور َة عبلة التى وهب له� قلبه ،وجعل فيه� من�ط اأملهِ .وك�ن ل يفت�أ يتذ ُكر وكيف رحل من
الحب اليائ�س اإلى اقتحام المهالِك حتى جرفته المقادير .فاأقام وطنِه ويطلب مه َرها الغالى ،وكيف دفعه ذلك ُّ
بالحيرة هذه المد َة الطويل َة ،و�سرب فى اآفاق العراق وفار�س ،وحل فى ق�سور ك�سرى ،وقاتل مع اأقوا ٍم لم
فحارب
َ يرهم من قبل ،وحارب اأقوا ًما اآخرين لم يكن بينه وبينهم عداوة ،بل لم يخطروا له من قب ُل على بالٍ ،
رجال �سناعتُه �سفك الدماءِ .وكان كلما تاأمل فى �سبيل النعمان تارةً ،وفى �سبيل كِ�سرى تارةً ،كاأنه قد اأ�سبح ً
عوا�سفها وهو الزمن الما�سى اأح�س �سي ًئا فى �سد ِره ي�سبه الثور َة والحنقَ ،فاإنها الأقدار اأقحمته فى ِ َ ذلك
مرغ ٌم ،ل يكا ُد ي�ستطي ُع منها انفالتا ،فما كان مقامه عند النعمان ومحاربته اأعداءه باأق َّل فى نظره من الرقِّ ،
زخرف الحياةِ .وكان كلما فرغ اإلى ذكرياتِ حياته الأولى بدا له رقُّه ِ تحيط به هال ٌة كاذب ٌة منواإن كان رقًّا ُ
يحارب اإل
ُ وابن زبيبة .ولكنه كان ل يغ�سب ،لأنه كان عب َد �سدا ٍد َ ُ أهون قي ًدا واأخف ذل .كان من قبل الأو ُل ا َ
ليحمى عبل َة وقو َمها.
َ يحارب
ُ يحمى حر َمهم ،ويدفع الأذى عنهم .كان لقومِه لكى َ
ويحو َز الغنائ َم لكى يتف�س َل عليهم بها ،وي�سفى باإدراكِ الثاأر من العدو؛ لكى يهتفوا با�سمه قائلين «ويك
النعمان ُيغ ِدقُها عليه ،وهذا
ُ يحارب من اأج ِل عِبل َة وقومها ل من اأج ِل هذه الأموالِ التى كان ُ عنتر» اأقدم .كان
المج ُد الذى كان ُيلقيه اإليه اأج ًرا على �سربات �سفيه.
دب((( اإليه �سي ًئا ف�سي ًئا ،ووجد اأن ذكرى اأر�س ال�سربة تعاو ُده بين حينٍ وحينٍ ،فال واأخذ يح�س المل َل َي ُّ
(((
تتحرك �سجونه ،فاإذا خال اإلى نف�سه بعد زحم ِة اليوم جا�ست((( همو ُمه ،و�ساورته َ يكاد يم ُّر به يو ٌم يغير اأن
حتى جعلت الحير َة ت�سغ ُر فى عينيه وت�سيقُ به .وهانت عنده الأموا ُل التى حازها والجواه ُر التى ازدحم
ألوف تثقله وتقع ُد به عن العودِة اإلى بها منز ُله ،وخيل اإليه اأن تلك الإب َل وتلك النوقَ والع�سافير التى تُع ُّد بال ِ
((( يدب :يتطرق.
((( جا�ست همومه :كثرت.
((( �ساورته :غالبته.
104
موطن �سعادتِه ،فا�ستاأذن النعمان مر ًة بع َد مر ٍة فى ال�سفرِ ،ولكنه كان يداف ُعه ويتم�س ُك به حتى بلغ ال�سي ُق ِ
منه مبل َغ التبر ِم ،فزاد اإقباله على الخمر ،واأ�سفق عليه �سديقُه اأبو الحارث ،ف�سفع له عند الملك حتى اأذن له
((( يو َم الرحيلِ.
بقلب واجف ٍ
أذن له حتى �سارع اإلى ال�ستعدادِ ،وانتظر ٍ بالعودة اإلى وطنِه ،وما كاد يا ُ
الوداع ،واجتمع له فيها �سيو ُخ الحير ِة وفر�سانُها .وكانت ماأدب ًة ِ واأعد له اأبو الحارثِ ماأدب ًة فى ليل ِة
ورق�سها وخمرِها .و�سارك عنتر ُة باإن�سادِه من �سعرِه ،واألقى قط ًعا منه للفتياتِ يغنين بها ِ �ساخب ًة فى غنائِها
�ساحب الدا ِر.
ُ المجل�س مع عنتر َة اإل
ِ حتى م�سى اأكث ُر الليلِ ،وذهب ال�سيوفُ ،ولم يبقَ فى
فقال عنترةُ:
فل�ست بقاد ٍر على اأن اأوفيك حقَّك ،ثم فتح ذراعيه ،وعانقه عنا ًقا ً
طويال: ُ -لئن �سكرتك يا اأبا الحارثِ
فقال اأبو الحارث :لئن كان فى اأيامنا مد ٌة فاإن اأمنيتي اأن اأراك.
يكون ال�سديقُ .لقد علمتنى فى الحياة معنى جدي ًدا يا فاأجاب عنترة :ولئن تفرقنا فلقد عرفت فيك كيف ُ
اأبا الحارث.
الف�سيح.
ِ خارجا ،وخرج �سديقُه ي�سي ُعه �سامتا اإلى المِرب ِد((( فى الف�ساء ثم �سافحه وم�سى ً
« 1فما كان مقامه عند النعمان ومحاربته اأعداءه باأقل فى نظره من الرق ،واإن كان رقا تحيط به
هالة كاذبة من زخرف الحياة ،وكان كلما فرغ اإلى ذكريات حياته االأولى بدا له رقه االأول اأهون
قيدا ،واأخف ذال.»..
( اأ ( تخير الإجابة ال�سحيحة مما ياأتى واكتبها:
✦ ✦معنى كلمة «هالة»( :نجم -دائرة حول القمر -كوكب(.
✦ ✦جمع كلمة « زخرف» ( :زخرفات -زواخر -زخارف(.
وذل» ي�ستركان فى الإعراب وهو( :تمييز -مفعول به -حال(. ✦ ✦الكلمتان« :قي ًدا ً
(ب(لماذا اأح�س عنترة وهو حر عند النعمان اأنه اأكثر ًّذل؟
(ج�( َع ِّين ال�سواب مما ياأتى:
✦ ✦كان اأبو الحارث �ساحب النعمان يطرب ل�سماع �سعر عنترة.
✦ ✦حارب عنترة فى �سبيل قي�سر تارة وفى �سبيل المقوق�س تارة اأخرى.
✦ ✦الأقدار اأقحمته فى عوا�سفها ،وهو مرغم ل يكاد ي�ستطيع منها انفالتًا.
✦ ✦ن�سى عنترة اأر�س ال�سربة ون�سى حبه لعبلة.
((( واجف :خافق م�سطرب.
((( المريد :الف�ساء المت�سع ي�ستخدم جرنا اأو مناخل لالإبل.
105 دار النمر للطباعه
( )14اإقــامــة كــريــمــة
106
( )15عودة اإلى الديار
أر�س ال�سرب ِة والعل ِم ال�سعدى ،حتى قطع ي�سرب فى ال�سحرا ِء عائ ًدا اإلى ا ِ ُ �سار عنتر ُة فى ركبه العظيم
ُ
ال�سكوك والأوها ُم. اقترب من وطنه خالجته أر�س الحجازِ ،ولكنه كان كلما َ ((( ونجد ،ودخل اإلى ا ِ فيافى اليمامة ِ
نف�سه عما هناك فى تلك واأح�س كاأن ال�سعل َة المتقد َة فى �سد ِره ت�سمح ُّل وتخبو .فكان بين حين واآخر ي�ساأل َ
أر�س التى كان يتحرق لكى يعو َد اإليها .وهل اإذا عاد اإليها وجد عبل َة ل تزا ُل مقيم ًة على عهدِها؟ لقد كان ل ال ِ
ألفاظها ل تزا ُل فى اأذنيه كلما تذك َرها .ولكن األ يزا ُل يحم ُل التميم َة التى اأهدتها اإليه يو َم وداعِها ،وكانت ا ُ
نف�سه اأهو حقا يح ُّبها تزا ُل بعد تلك ال�سنين تذك ُره ،وتحم ُل له الوفا َء؟ وكان اأحيانًا يبلغ من ال�سك اأن ي�ساأ َل َ
الممنوع.
ِ كما خي َل اإليه؟ اأم هى لجاج ُة الوهِ م تزع ُم له اأنه كذلك ،وما هى اإل الكبريا ُء والعنا ُد والتطل ُع اإلى
يكون حدي ُثه بعد اأن فارقها تلك ال�سنين الطويل َة؟ نف�سه كاأنه لقيها وحدثها ،فال يدرى كيف ُ وكان يتمث ُل َ
هل يت�سطي ُع اإذا راآها اأن يتذل َل لها كما كان يتذل ُل وي�سمى نف�سه عب َدها؟ هل ي�ستطيع اأن يج َد المتع َة فى
�سحرى من ال�سعادةِ.
ٍّ كلم ٍة ي�سم ُعها ،اأو ب�سم ِة عطف تجو ُد بها عليه فت�سىء قلبه وتنقلُه اإلى عال ٍم
القلق كلما تاأمل قو َمه بعد اأن غاب عنهم تلك ال�سنين .فهل يعود اإلى عمارة بن زياد، ولم يخ ُل قلبه من ِ
ومالِك بن قراد وعمرو بن مالك وكل هوؤلء؟ وهل يت�سطيع اأن ينظ َر اإليهم كما كان ينظ ُر ،واأن يغ�سب اإذا
غا�سبوه ،واأن ير�سى اإذا اأقبلوا عليه؟ هل ي�ستطي ُع اأن يعو َد اإلى معا�سرتِهم ،واأن يفهمهم اإذا حدثوه واأن
يفهموه اإذا تحدث اإليهم؟
يح�س اأنه �سار غري ًبا عن قومِه ،واأنه لن ال�سكوك فى نف�سِ ه حتى كان ُّ ُ كان كلما اقترب من وطنه ثارت
ي�ستطي َع الحيا َة بين ظهرانيهم.
الكاذب ،فعزم على العود ِة اإلى عب�س ،وفارقَ اأ�سحا َبه الذين َ وكان يخي ُل اإليه اأنه قد اأخطاأ اإذا اأطاع وه َمه
يعي�س بينهم �س ِّي ًدا ،واعتاد اأن َي�س ُم َر فى اأنديتهم ويعام َلهم ويخاط َبهم ويحا َرب معهم وهو عنتر ُة بط ُل كان ُ
والمدائن ولم يقولوا له يو ًما يا ابن زبيبة ،ولم يعيروه يو ًما ب�سواد ِ العرب .فهوؤلء الذين عرفوه فى الحيرِة ِ
لونه ول بهجنة((( ن�سبه ،بل كانوا يعدونه �سي ًدا كري ًما ،لأنه كان �سي ًدا كري ًما؛ فقدموه واأعلوا مكانه ،لأنه كان
جدي ًرا بالتقديم والتمجيد .فما الذى حمله على اأن ي�سيق بالمقام فيهم ،لكى يعود اإلى هوؤلء الذين ن�ساأ فيهم
يطلب مه َر عبل َة منأر�سُ ، ي�سرب فى ال ِ ُ وكفاح حتى خرج عنهم ٍ عب ًدا رقي ًقا ،وق�سى معهم الحيا َة فى ن�سالٍ
زوجا لعبل َة حتى يكلفوه َ
بلوغ المحال؟ عرين الأ�سدِ؟ األي�س هوؤلء هم الذين لم ير�سوا به ً
ويغالب هذا
ُ أدراجه اإلى الحير ِة حيث يقي ُم عزيزًا، حدثته نف�سه مرا ًرا اأنه اأخطاأ ،واأن الأولى به اأن يعو َد ا َ
غام�س كاأن الأقدا َر هى التى ٌ القلب الذى طالما اأذله وعذبه .ولكنه مع ذلك كله �سار فى طريقِه يدف ُعه داف ٌع َ
كانت ت�س ِّي ُره نحو غاي ٍة ل يدر ُكها.
مالعبَ أر�س ال�سرب ِة بعد طولِ ال�سي ِر راأى اأن يع ِّر َج على الوادى الرملى الذى طالما �سه َد ولما �سار فى ا ِ
والركوب. َ و�سارع فيه رفاقَه ،وتعلم ال�سي َد
َ �سباه ومرات َع فتوته .ذلك الوادى الذى رعى فيه اإب َل �سدادٍ،
بعنف اأبيه اأو كبريا ِء عمه اأو ظلم حا�سديه.
يفزع كلما �ساق ِ فاإلى ذلك الوادى كان ُ
ولما بدت له نا�سي ُة الوادى خطر له ذك ُر اأخيه �سيبوب الذى اأحبه و�ساحبه ،وكان فى كل مكان مث َل
ظله .كان تار ًة جا�سو�سه وتار ًة ر�سو َله ،وكان حينًا خادمه وحينًا �سمي َره ،وكان اآخر عهده به فى رحلتِه اإلى
الفر�ش�ن،
ُ العراق اإذا بقى معه حتى ا�ستحر((( القت�ل بينه وبين جي�س النعم�ن ،ثم اختفى عنه اإذا اأح�ط به
�سيبوب اأكان ل يزال ح ًّيا
َ وجعلوا يطعنونه حتى �سرعوه عن فر�سه الأبجر .ولم يدر عنتر ُة وهو يذكر اأخاه
يرعى اإب َل �سادتِه اأم قد م�سى فى �سبيل ِه كما م�ست عن الدنيا اأجيا ُل النا�س من قبله ،وكما تم�سى من بعده.
مرحا ينعم فى رقِّة ،ول يعباأ اإل بطعامِه وخفق قلبه عندما تذك َر ذلك الأخَ الوفى ،فقد عا�س ما عا�س معه عب ًدا ً
و�سرابه و�سيده ول يرى من الحياة اإل مهزل ًة ل ت�ستحق �سي ًئا �سوى اأن ي�سخ َر منها ويله َو فيها ثم يم�سى
مرحا اإذا حان اأجلُه. عنها ً
�سخ�سا على ربو ٍة((( فعادت اإليه �سو ُر الما�سى ً ولما اقتربت القافل ُة من الوادى راأى عنتر ُة على البعد
أر�س اإل من ُد ليلةِ .لقد كان كل �سى ٍء على عهده لم يتَغير منه �سى ٌء ،فال�سماء ل تزال زرقاء كاأنه لم يفارق تلك ال َ
ُ
يتحرك ال�سخ�س الذى فوق الربوةِ ،واأح�س قلبهِ �سافية ،والرما ُل ل تزال �سفراء لمعه ،و�سعد ب�س ُره اإلى
ال�سخ�س ل يزال ينظ ُر نحوه ُ �سيبوب ،وهمز جوا َده م�سر ًعا نحوه وكان
َ اإليه .فقد كان فيه �سى ٌء يذكره بوقف ِة
�سيبوب ينظ ُر اإليه ،واإلى القافلة
ُ متك ًئا على رمحه ،فلما �سار من الربو ِة على مرمى قو�سين تبين وجه اأخيه
العظيم ِة التى اأتت تنحدر اإلى الوادى من ورائه .ولكن مظهره كان يد ُّل على اأنه كان متع ًبا ل يدرى من ُ
يكون
�سيبوب ي�سمع �سوتَه ُ �ساحب هذا الموكب العظيم .فلما �سار عنتر ُة على م�سمع منه ناداه با�سمه ،فما كاد
فاتحا فمه الوا�سع فى ب�سم ٍة ك�سفت عن نازل فى قفزات وا�سع ٍة وهو م�سمر عن �ساقية الطويلتين ً حتى وثب ً
اأ�سنانه الن�سيد ِة البي�ساءِ ،وترجل عنتر ُة فوجد نف�سه بين ذراعى اأخيه وهو يقب ُل وجهه وكتفيه ويت�سممه
باكيا ي�سي ُح:
عنتر ُة اأخى عنترةُ؟
-فقال عنتر ُة وهو ي�س ُّمه فى حرارةٍ:
�سيبوب مر ًة اأخرى اإنك لأو ُل من اأرى واإنك لأو ُل من اأحببت اأن اأرى.
ُ -اأنت هذا يا
مختنق:
ٍ �سيبوب ب�سوتٍ
ُ فقال
ألم�س َك بيدى ،واأ�س ُّمك اإلى �سدرى ،وا ُّ
أح�س دف َء اأع�سائِك. حى ا ُ -واأنت هذا ،اأنت هذا ٌّ
ونظر اإليه فى ده�س ٍة وقال؟ ثم اأر�سله من ذراعيهَ ،
-اإنى ل اأكا ُد اأ�سدقُ عينى.
108
ب�سره وي�سو ُبه((( ،فقال عنتر ُة وهو ياأخذ بذراعه: وجعل ي�سعد فيه َ
�سيبوب فى مرحِ ه المعتاد:
ُ �سيبوب؟ األ ت�سدقُ اأننى اأخوك؟ فقالُ فى ما تن ُكر يا -اأترى َّ
أكذب نف�سى واأزعم اأنك عنترةُ؟ -كيف ا ُ
لقد راأيتك والفر�سان يحيطون بك ،فقلت اإنك هال ٌك ل محال َة.
فقال عنتر ُة وهو ي�سي ُر به بعي ًدا عن الطريق:
�سيبوب وا�ستقت اإلى حديثك .فمل بنا اإلى هذه الربوة ،فا ّإن بى �سو ًقا اإلى الجلو�س معك ُ -لقد افتقدتك يا
على ربو ٍة مثلِها.
�سيبوب وهو ينظ ُر نحو القافل ِة العظيم ِة التى كانت تقب ُل مبطئ ًة: ُ فقال
-اأهذه القافلة لك؟
فاأجاب عنترة:
�سيبوب؟ ومع ذلك فاإن بى �سو ًقا اإلى اأن اأ�سطج َع على هذه الرمال ،واأ�ستقب َل ن�سي َم َّ
ال�سبا ُ -اأتعج ُبك يا
فى الأ�سيلِ.
و�سعد فى الربوة فا�ستلقى على �سنامها ثم قال:
كنت اأح�س ُبك اأنك ذهبت
�سيبوب .ماذا فعلت بعد اأن راأيت الفر�سان يحيطون بى؟ لقد ُ ُ -اأكمل ق�ستَك يا
رماح القو ِم.
فى ِ
�سيبوب وهو يم�س ُح دمع ًة فى عينه: ُ فقال
ت�سقط �سري ًعا فتمزقَ قلبى .نعم تمزق قلبى ،فقد علمت اأننى �سوف اأق�سى أيت الرماح تتهاوى واأنت ُ -را ُ
أطلب النجاةَ.
�ساقى للريح ا ُ�سائر الحياة وحي ًدا ل اأجد عنترة اإلى جانبى .فاأطلقت ّ
ف�سحك عنترة وقال:
�سيبوب.
ُ لتحب الحيا َة يا -اإنك ُّ
الرماح يا عنترةُ .لقد كانت الأ�سنة تلم ُع فى نو ِر ال�سم�س ِ أحب ا َّإلى من طعنات
�سيبوب با�س ًما :هى ا ُُّ فاأجاب
وعدت اإلى قو َمى.
للريحُ ، �ساقى ِ ِلت اإلى جان ِبك؟ اأطلقت ّ كنت اأُغنِى عنك لو ُقت ُ قا�سي ًة مخيف ًة .وماذا ُ
�سيبوب؟
ُ فاأجاب عنترة :اأهم قو ُمك يا
و�سكت حينًا ،واأخذ يعبثُ بكفه فى الرمالِ الناعم ِة ثم ا�ستاأنفَ فقال:
تكذب عليهم وت�سخر حقدت اأنا عليهم .كنت تقو ُل اإنك ُ ُ كنت خي ًرا منى اإنك لم تحقد على عب�س كما -لقد َ
منهم ،ولكنك عدت اإليهم لأنهم قومك.
فقال �سيبوب :عدت اإلى قومى؛ لأنعاك اإليهم ،فما كل يوم يقت ُل منهم مث ُل عنترةَ.
فقال عنترة:
-ونعيتنى اإليهم؟
((( ي�سعد ب�سره وي�سوبه :ير�سل ب�سره اإلى اأعاله تارة واإلى اأ�سفله تارة اأخرى.
فاأجاب �سيبوب؟
-ق�سينا �سه ًرا نبكى .لكم بكت زبيبة ول تزا ُل تبكى ول تُ�سدقُ اأب ًدا اأنك هلكت ،فهى اإلى اليوم تزع ُم
اأنك عائ ُد اإليها.
أحب ا َّإلى اأن األقاها ،واأم�سك لحظ ًة وهو مطرقٌ ،ثم قال كاأنه يح ِّدث فقال عنتر ُة فى رقة :م�سكينة زبيب ُة ما ا َّ
نف�سه:
-لم يبكنى فى عب�س اإل زبيبة؟
فقال �سيبوب با�س ًما:
-لقد بكوك جمي ًعا .اأعرف اأنك تق�سد عبل َة يا عنترة .لقد بكتك كما بكيناك .بل لقد كانت زبيبة تذهب اإليها
لت�سكن روعها زاعم ًة لها اأنك عائد اإليها. َ
فاأ�سفر وجه عنترة وقال: (((
�سيبوب عنها.
ُ �سيبوب؟ وكيف هى اليوم؟ حدثنى يا ُ -اأحقًّا ما تقو ُل يا
�سيبوب فى خبثٍ :ُ فقال
-وماذا اأحد ُثك عنها؟ اإننى ل اأكا ُد اأراها .لقد عادت مع اأبيها اإلى اأر�س ال�سربة بعد خروجك اإلى العراق،
ولكنى كنت ل اأراها .وماذا يعنينى منها اإل اأنك كنت تتعلقُ بها واأنت حى؟
فقال عنتر ُة �ساح ًكا:
ُ�سدق بع ُد اأننى ل اأزا ُل حيا. -اأراك لم ت ْ
أح�س�ست داف ًعا يبعدنى
ُ أح�سب اأن اأراك اأب ًدا .فكنت اإذا مررت على منازل مالك ا فقال �سيبوب :ما كنت ا ُ
عنها ،فاأ�سرع اأهرب من روؤيتها.
فقال عنترةُ :وهى؟ حدثنى عنها هى .األم ت�سمع زبيب َة تتحدثُ عنها؟
فاأجاب �سيبوب :هى امراأة .لي�ست عبلة �سوى امراأةٍ.
لقد بكت ثم جففت دمعها ثم ن�سيت.
فتحرك عنترة فى قلق وقال:
-اأم�س فى قولك وحدثنى عنها .اأما �سمعت �سوتَها؟ اأما راأيتَها يو ًما؟ انقل ا ّإلى اأحاديثَ زبيب َة عنها.
فاأجاب �سيبوب:
-اإنك ل تزا ُل تتعلق بها .لقد ح�سبت اأن هذه ال�سنين قد اأن�ستك ذك َرها .فما هى اإل امراأ ٌة من الن�ساءُِ .
كنت
بالأم�س اأمر على خبائها ف�سمعت غنا َء �ساحباتها.
فقال عنتر ُة فى لهفة:
-اأكانت تغنى؟ اأهو �سى ٌء جدي ٌد؟
�سيبوب:
ُ -فاأجاب
-نعم هو عمار ُة بن زياد فما كاد ي�سم ُع نباأَ موتِك حتى ذهب اإلى اأبيها و�ساق اإليه المهر ثان ًيا .وهل
ألف ناق ٍة مر ًة اأخرى .اإنه لم ي�ساأل هذه المرة اإذا كانت النوق من كان مالك لياأبى عمارة ،وهو ي�سوق اإليه ا َ
((( اأ�سفر وجه عنترة :اأ�سرق.
110
الع�سافي ِر اأم هى من الن�سور.
ف�سكت عنترة حينا ثم قال فى فتورٍ:
-وهى؟ اأتقو ُل اإنها تغنى؟
�سيبوب:
ُ فقال
لم اأقل اإنها تغنى .اإننى �سمعت الغناء من خبائها.
ثم نظر اإلى القافلة العظيمة وقال:
-ولكن خبرنى كيف بلغت هذا؟
فقال عنتر ُة فى حزنِ :
أمال .ثم ت�سحك اأحيانًا تدع للمرء ا ً
وت�سمن فال تكا ُد ُ
ُّ تعب�س اأحيانًا وتُد ِبر
ا�ساأل الأيا َم كيف تعبثُ بنا؟ اإنها ُ
والفر�سان يطعنوننى وقد �سقطت
ُ وت�سخو وتقب ُل فال تدرى اأكانت جادة فى اإقبالها اأم فى اإدبارها .لقد راأيتنى
بينهم �سري ًعا .وهاأنت هذا ترانى اأعود اإليك وهذه القافلة العظيمة ت�سير ورائى.
واأطرق حينًا ،ثم قال كاأنه يحدث نف�سه:
-باط ٌل وغرو ٌر و�سخري ٌة من الحمقى.
فقال �سيبوب متعج ًبا.
-ل�سد ما تغيرت يا اأخى!
فاأجاب عنترةُ :لقد تقلب بى الده ُر وهزنى .كم حروب �سهدتها وكم بال ٍد راأيتها .ق�سيت هذه ال�سنين
له ًيا عن نف�سى فكنت ل اأح�س اإل اأننى تاجر دماء اأقتل واأقتل واأقتل ول اأكاد اأحيا لنف�سى .وذُقت ما ذُقت من
نعي ٍم ولهو ولكنى لم اأح�س يو ًما اأننى �سعيد .قل لى يا �سيبوب كم َغزوتُم وكم ُغزِيتُم؟ وماذا َغنِمتُم وماذا َغنِم
الأعداء منكم؟ وحدثنى اأما ذكرتم يو ًما عنترةَ؟
فقال �سيبوب فى حرارةٍ:
زلت اأذكرك فى �سباحى وم�سائى .وكم ندمت اأننى لم اأبق معك حت نقتل جمي ًعا .كانت الحياة عندى -ما ُ
ل�ست عنتر َة الذى عرفت. كئيبة موح�س ًة يا عنترةُ .ولكنك هكذا تعود مرة اأخرى .اأاأنت عنترة حقا؟ وحق منا َة َ
�سيبوب:
ُ فاأطرق عنتر ُة غائ ًبا فى فكره وا�ستمر
أعرف كل جارح ٍة فيك لكذبت نف�سى .ولكنى اأعرفُ كل ل�ست اأخى .ولو لم ا ْ -ل�سد ما تغيرت حتى كاأنك َ
اإ�سبع من بدنك.
اأتذكر ذلك الكندى التى حاربته ،من اأجل عبل َة.
فرفع عنتر ُة را َأ�سه فى �سىء من ال�سجر وقال:
-ولكن ما جدوى حديثك هذا؟ اإننى ل اأ�ساأ ُلك عن ك ِّل هذا.
فقال �سيبوب:
أهاب حدي َثك،
اإنى اأذك ُر هذه الآثا َر لكى تذكرنى باأنك اأخى ،ولولها لما �سدقت عينى .اإننى اأكا ُد اأخافُك وا ُ
111 دار النمر للطباعه
احلقيقة
الطريقااإلىإلىالديار
( )15عودة
()3
َ
�سحك وقا َل: فلم يملك عنتر ُة اأن
-كفى حدي ًثا عنك وعنى وعن هوؤلء .لقد �ساألتُك اأن تحدثنى عنها.
فقل �سيبوب:
�سيكون زفافها يو َم عروبة(((؟
ُ يكون زفافُها بعد ثالثٍ . -وماذا اأقو ُل لك عنها� .سوف ُ
ف�ساح عنترةُ:
اأتقو ُل اإنها َر ْ
�سيت:
فقال �سيبوب :لم اأقل َر�سيت ،وماذا َيعنينى اإذا كانت ر�سيت اأو اأبت .لقد َر�سى اأبوها ،ول�سوف اأحرق
أزوجك من هند بنت وقلب مالك بن قراد وعمرو بن مالك ،بل �سوف اأحرقُ قلب عمار َة بن زياد عندما ا ُ قل َبهاَ ،
زهير .اأما قلت اإن اأباها زهي ًرا قد قُتل؟ لقد �سار ابنه قي�س �سيد عب�س.
فقال عنترةُ :اأقت َل زهي ٌر؟ اأما اإنه قد كان �سي ًدا كري ًما.
و�سكت لحظ ًة ثم قال فى هدوء :هند ،قي�س ،زهي ٌر ،هذه كلها اأ�سماء اأ�سم ُع َ
لفظها.
ولكن عبلة قد تزوجت .اأما تقول اإن زفا َفها يوم عروبة؟
�سيبوب :نعم يوم عروبة. ُ فقال
وجعل يعد الأيا َم على اأ�سابعه وقال:
-بعد ثالث ِة اأيا ٍم!
متدفق .وكانٍ م�سطرب
ٍ �سيبوب فى حديثه يذك ُر حوادثَ تلك ال�سنين فى �سياقٍ ُ فاأطرق عنتر ُة وم�سى
عنتر ُة يغمغ ُم فى اإطراق ِه بنغ ٍم حزينٍ ثم رف َع را َأ�سه بعد حين وقال:
الحج اإلى الكعبة فمر يطلب َّ -اإذا �سوف اأعو ُد اإلى عب�س فاأمر بعر�سِ ها اآخر الأمرِ ،كاأننى مكدو ٌد((( �سار ُ
أ�سوات الغنا ِء
َ فى طريقه بق�س ِر بخيل يحيى وليم َة .فجعل ينظ ُر اإلى الأ�سوا ِء المنبعث ِة من الق�سرِ ،وي�سم ُع ا
والق�سف ،وهو ي�سي ُر �سعي ًفا محرو ًما خافت ال ِ
أنفا�س. ِ والمرح
ِ
�سيبوب ،واأح�س كاأن هذا الف�ساء ي�سيقُ بى اأقلت اآن ًفا اإن عبل َة كانت تغنى؟ ُ اإنك قد مال َأت قلبى حزنًا يا
�سمعت الغناء من خبائها .ولكنها امراأ ٌة واأحب اأن ُ �سيبوب فى رفق :لم اأقل اإنها كانت تغنى .لقد ُ فقال
غيظا من الحزن ،اإذا راأتك واأنت تعو ُد اإلى عب�س بهذه القافل ِة كلها. اأراها تاأكل قلبها ً
الجرح ل يزا ُل دام ًيا .كنت ح�سبت اأنه قد اندمل((( وكنت َ �سيبوب ،فاإن
ُ فقال عنترة :اأم�سك ويلك يا
عدت اإلى اأر�سى وراأيتها .وهاأنت هذا تعي ُدنى اإلى نف�سى القديمة فجاأة ،كاأن تلك اأ�ساأ ُل نف�سى كيف اأكون اإذا ُ
كنت من �سنين لم يتغير فى قلبى �سى ٌء. ال�سنواتِ قد ُطويت ك ُّلها فى يوم فاأنا اليو َم كما ُ
�سيبوب :واأما اأنا فاإن قلبى ممتلئ حق ًدا كما كان ممتل ًئا حق ًدا .فهل تريد اأن تعود ا ّإلى هوؤلء ،تتذل ُل ُ فقال
وتطلب منهم بناتهم ،فيقولون لك اإنك اب ُن زبيبة؟ ُ لهم
((( يوم عروبة :يوم الجمعة.
((( مكدود :مرهق.
((( اندمل :برئ.
112
أح�س لهم
فقال عنترة :ل�ست اأدرى كيف األقاهم وكيف يلقوننى .اإننى ن�سيتهم حينا ،وخيل ا ّإلى اأننى لن ا َّ
خلج ًة فى طياتِ نف�سى.
ولكنى ل�ست اأدرى.
أم�سك عن الكال ِم حينا ،وتبللت عيناه بالدمع ثم قال: وا َ
-لن اأر�سى اأن تكون عبل ُة امراأتى اإذا هى ر�سيت بغيرى:
�سيبوب :اأو تر�سى بها اأنت اإن ر�سيت بك؟ ُ ف�ساح
فقال عنتر ُة فى رقةٍ :اأتقو ُل اإنك لم ترها؟ األم تقع عينُك عليها يوما تطلع كال�سم�س ،وتزهر كالقمر ويفوح
ن�سي ُمها كالزهر؟
اأما �سمعتها تتحدثُ ؟ اأما �سمعت زبيب َة تتحدثُ عنها؟ ولكننى لن اأر�سى بها اإل اإذا كانت هى تر�سى بى.
�سيبوب ً
قائال: ُ ف�سحك
خطب ي�سي ٌر يا عنترةُ .اطلع عليها بهذه الإبل ،ول�سوف تفو ُز بر�ساها. -هذا ٌ
فاأم�سك عنترة بذراع اأخيه وقال له جا ًّدا:
�سيبوب ول تتردد فى ٍ
حرف مما ُ -قلت لك اإنك تثي ُر نف�سى ،وتمالأ �سدرى غ�س ًبا .ا�سمع اأيها ..ا�سمع يا
اأقول .ا�سمع واأطعنى فيما اأقو ُل حر ًفا حر ًفا.
فنظر اإليه �سيبوب خا�س ًعا وقال:
� -ستجدنى مطي ًعا.
فقال عنترةُ:
خرجت منها ،ل�سوف اأعو ُد اإليها األتم�س قوتى بقو�سى و�سهمى ُ أحب اأن اأعو َد اإلى عب�س اإل كما -ل�ست ا ُّ
ن�سب ،فاإنى راأيت من الحياة ما زهدنى فى كل جاه ون�سب .لقد كنت أحر�س على جا ٍه ول على ِ و�سيفى .لن ا َ
اأغ�سب لأ�سياء اأراها اليو َم ل تغ�سبنى .كنت اأغ�سب اإذا لم اأجد لى بين النا�س مكانًا .ولكنى اليوم ل اأبالى
قلت لك.
�سيبوب فا�سمع واأطع كما ُُ أكون بين النا�س .ل اأبالى ب�سىء من كل ذلك يا اأين ا ُ
ثم التفت اإلى القافل ِة العظيمةِ ،وكانت ت�سي ُر فى طريقها نحو اأر�س ال�سربة وقال:
البطاح؟ اذهب وراءها اإلى منازل عب�س حتى اإذا ما جئتها فناد الم�ساكين َ -اأترى هذه القافلة التى تمالأ
الذين كانوا ي�سيرون ورائى ويحاربون معى .وادع ال�سعاليك َ الذين كانوا يلوذون بى ،ففرق هذه الأحمال
فيهم حتى ل تبقى منها �سيئا .كل عبيدى هوؤلء اأحرا ٌر .ولهم من القافلة ما �ساءوا .ثم ام�س بهذه الإبل التى
تراها بين �سوداء وبي�ساء ففرقها بين ال�سعفاء حتى ل تبقى منهم واح ًدا فقي ًرا .فاإذا بقيت منها بعد ذلك
أتيت بها لتكون
لوح�س ال�سباع ،وهذه النوقُ الع�سافير التى ا ُ ِ بقي ٌة فانحرها واألق بها فى القفر ،لتكون وليم ًة
م َهر عبل َة ،اذهب بها اإلى مالكِ بن قراد ،وقل له هى هدي ٌة لعبل َة لينح َرها يوم زفافها ،ويطعم منها قوم عمارة
بن زياد ومن يجىء من اأحياء العرب ،لي�سهدوا عر�سه ثم احمل هذه الأحمال التى تراها فى اآخر القافلة ِ
وفار�س واأذربيجان؛ لتكون هدية لعبلة يوم ِ على الإبل ال�سوداء .فقد اأودعت فيها تح ًفا من طرائِف العراق
113 دار النمر للطباعه
( )15عودة اإلى الديار
جلوتها((( .فخذ هذه واذهب بها اإليها هى ،واأبلغها اأننى كنت وعدتها يو ًما فى غ�سبى اأن اأهدى اإليها هدي ٌة
يو َم زفافها .قل لها هذه هديتى بدل تلك التى وعدتها .قم من ُذ ال�ساع ِة ول تنطق بحرف و�ساأنتظر هنا حتى
تنفذ اأمرى وتعود ا ّإلى بعد ثالث.
�سيبوب اأن يتكلم فاأ�سار اإليه عنتر ُة ياأمره بال�سكوت قائال:
ُ واأراد
�سيبوب.
ُ ٍ
بحرف يا -اأما وعدت اأنك تطيعنى .اذهب وافعل ما اأمرتك ،ول تنطق
�سيبوب حينا ينظر اإليه .ثم
ُ الركاب فانطلق به فى الوادى .ووقف
َ ثم وثب على فر�سِ ه ،واأغمد فى جنبه
هز را َأ�سه و�سار يقو ُد القافل َة نحو ديا ِر عب�س.
114
احلقيقة
خاتـمـةإلى�صـعـيـدة
الطريق ا
()16
()3
فجاج((( ال�سحرا ِء ي�سيد طعا َمه كما كان يفعل من قب ُل ،وكان ي�سرب فى ِ ُ ام�سى عنتر ُة اليا َم الثالث َة
الحزن والجوى حتى يرى ُ فى اأثناء ذلك موزع ًا بين موجاتٍ عنيف ٍة من اأ�سجانٍ مت�سادم ٍة فكان حينًا يثو ُر به
البراح� .سواء اأكان ِ يهب فينطلقَ بجوادِه فى الغ�سب حتى َِّ الف�ساء ي�سيق به ،وحينا تدفعه موجة اأخرى من
فيح�س كاأن قل َبه قد جم َد و�سال ،فلم ُّ حالت هدو ِء �ساه ِم واج ِم،
ُ فى ليل اأم نهار .وكانت تعتريه بين هذه وتلك
غ�سب .وكان فى اأثناء ذلك كله ينتق ُل من مكانِ اإلى مكانِ حيث كان ينتقل يبق فيه ما يحمله عن حزن ول على ٍ
من قبل اذ كان يرعى اإبل �سدادٍ ،وهو بين حين واآخر يغنى ب�سعر يتدفق به م�ستعيد ًا ذكرياته .كان يع ِّر ُج
ال�سافى ،ويع ّر ْج
ِ و�سرب من مائها البار ِد َ على ال�سخور المل�ساء التى طالما توغ َل فيها((( بعد زوال المط ِر
على بطون الأودي ِة التى ت�سقق طينها الأ�سف ُر بعد ان جف وكان يمي ُل بين حين واآخر على زهر ٍة من ال َعرار
بين ال�سوكِ اأو عو ٍد من الخُ زامى((( بين ال�سبير اأو اأقحوان ٍة بين الحنط ِل فيتاأمل �س َكلها وي�س ُّم رائحتها كاأنه
الجولت تعيد اإليهُ تعي�س عبل ُة فى عب�س؟ وكانت تلك ي�ساألها كيف يثوى((( الزَّه ُر بين ال�سوك؟ والمراد كيف َ
اطمئنانَه بعد اأن يمالأ �سدره من الهوا ِء كما كان يملوؤه اذ كان فتى خالي ًا.
ارتياحاً تخل�س من الأموالِ العظيمة التى حملها معه من المدائِن والحيرِة اأح�س َ وكان كلما تذكر اأنه قد
روحه الذى كان قد عجيب باأنه قد ا�ستعاد َ كاأنه قد تخل�س من ثقل كان يجثم فوق �سدره ،ودب اإليه �سعو ٌر ٌ
أر�س العراق.فارقه منذ دخل ا َ
(((
�سنوات �سجنٍ �سيق �ساهت ُ ال�سنوات التى ق�ساها بعيد ًا عن اأر�سه تلو ُح له كاأنها
ُ وعند ذلك كانت تلك
ال�سجن
َ نب�سه ،وخيل اإليه اأنه قد فارق ذلك فيها نف�س ُه حتى كاد ينك ُرها وتغي َر فيها قل ُبه حتى كاد ل يعرفُ َ
وال�سم�س التى تب�س ُم حين ًا
َ يعرف النو َر وحيث يرى النجو َم ال�ساطع َة والبد َر المتاألقَ اإلى حيث ي�ستطي ُع اأن َ
وت َْحرِقَ حين ًا والهوا َء الذى يع�سفُ مر ًة ُّ
ويهب فى وداع ٍة مر ًة اأخرى.
العجب من هدوئه ِ عجب اأ�س ُد
ولم يخل قل ُبه فى كل تلك الجولتِ من ذكر عبلة ،ولكنه كان كلما ذكرها َ
كاأنه كان واثق ًا من اأنها ل تزال تنتظره .فاإذا تذكر عمار َة بن زياد لم يغ َْ�س ْب ولم يحقد ،بل كاد قلب ُه يعطفُ
عليه كاأنما يوا�سيه عن ان�سراف عبلة عنه .وكان يناجى �سورتها ،ويتمثلُها تقب ُل عليه باكي ًة معتذر ًة تعي ُد عليه
كلمتَها يو َم ودعته فى �سيبان «�سوف اأنتظرك واإن طالت غيبتك».
�سيبوب يو َم عاد اإلى ار�س َ وم�سى اليو ُم الثالثُ وانق�سى يو ُم عروبة وعاد اإلى الربو ِة التى لقى عليها
ال�سربة فى قافلته العظيمةِ.
ال�سم�س فدخل اإلى �سد ِره �سى ٌء من الوح�س ِة و�ساأل نف�سه :ليت ِ غروب
ِ وهبط عليه الظال ُم فجاأ ًة بعد
الفج :الطريق الوا�سع بين جبلين. (((
توغل فيها� :سعد فيها. (((
الخزامى :نبات طيب الرائحة. (((
يثوى :يقيم وي�سكن. (((
�ساهت فيها نف�سه :قبحت. (((
116
وحيا عنترة اأختَه با�سم ًا عاط ًفا .ولكنه كان م�سغو ًل فيما يقوله اذ �سلمت عليه عبل ُة.
ومرت عليه لحظ ٌة ق�سير ٌة طويل ٌة ثم �سمع اأخته ت�سح ُك وتقو ُل له فى عبثها كعادتِها:
ح�سبت اأنك �سوف تخطفُ عبل َة منذ تق ُع عينُك عليها . ُ -لقد
فنظر اإلى عبل َة وابت�س َم لها ،وما كاد ياأخ ُذ يدها حتى وجد اأنه يقاو ُم دافع ًا قو ًّيا ل يقوى عليه.
و�سمعها تقول فى هم�س:
مرحب ًا بك عنترة.
((( فهم اأن يرف َع يدها اإلى �سفتيه فاأح�ست بحركته فقب�ست ي َدها فى رفق ،وحاولت اأن تج َد ً
لفظا تتوارى
ببع�س األفاظٍ
لفظا ،فاأطرقت وغمغمت ِ به عن اأعين الذين اأح�ست نظراتهم جمي ًعا تقع عليها .ولكنها لم تجد ً
م�سطربةٍ ،وخي َل اإليها اأن تلك اللحظة الق�سيرة قد امتدت دهر ًا ،فلوت را َأ�سها تريد اأن تف�سح لغيرها ممن
ازدحمن حولها لتحية عنترة.
فقال عنترة كاأنه ينطق بغير وع ِيه:
�سيدتى؟
وما كاد يت ُّم كلمتَه حتى �ساحت اأختُه مروة �ساحك ًة فى خبثها:
-اأما �سمعتم قوله :عنتر ُة عبد عبلة؟
فانفجرت �سحك ُة من الحا�سرين ونظرت اإليه عبل ُة عاتب ًة واحمر وجهها .ولكن �سحاب َة الوجو ِم انق�سعت
مرح وهو ل يزال مم�سك ًا بيد عبلة: عند ذلك ،وانطلق عنتر ُة يقو ُل لأخته فى ٍ
أخت الحبيبة تذكرينني باأيامى ال�سعيدة .اأيا َم كان عب ُثك يغيظنى. -اإنك اأيتها ال ُ
فقالت �ساحك ًة:
اأما ُ
يغيظك اليو َم؟
واتجهت اإلى عبلة فى خف ٍة قائلة:
-ولكنه مازال يغيظها .انظر اإليها كيف ينطق وج ُهها بكراهتى.
ثم اتجهت اإلى عنتر َة قائل ًة:
-ما هذا اللقا ُء الفات ُر يا عنترةُ؟
ثم عادت اإلى عبلة فقالت لها:
ها هو ذا دونك فتعلقى برقبته .اأما كنت تقولين لى متى اأراه.
الجميع.
ِ فعاد ال�سح ُك اإلى
�سم�س ذلك اليوم مر ًة اأخرى كما غربت �سائ ُر الأيام ،وكانت النيران توقد فى �سِ عب الجواء، وغربت ُ
جانب ب�سع ِر عنترة ،واجتمع فتيان عب�س على الخيل فى الف�ساء واأ�سدا ُء الغنا ِء تتردد بين الخيا ِم من كل ٍ
يتقلب فوقهاالف�سيح حول الحِ لة .يتطاردون ويتراق�سون فوق الجياد ،بع�سهم واقف على ظهرِها وبع�سهم ُ
ويدور من تحت بطونها ،وخرج فيهم عنترة وكانت عبلة على جوادِها اإلى جانبه حتى اإذا �سار فى و�سطِ
((( توارى :تختفى.
((( (((
الحِ لة تقد َم عنتر ُة �ساه ًرا �سيفَه فى �سوء النيران الموقدةِ ،ورك�س جواده فى و�سط الحِ لة من�سد ًا:
(((
ون �� �س �ي � ُم �ه��ا ي �� �س��رى ب �م �� �س��كِ اأذف� � � � � ِر اأر�� � � ُ� ��س ال � ��� ِ��س� ��ر َّب � � ِة ت� � ْرب� �ه���ا ك��ال �ع �ن �ب��ر
ب� �م� �ث� �ق � ِ�ف((( �� �س� �ل � ِ�ب ال � �ق� ��وا ِئ� ��م اأ� �س �م��ر ي� ��اع � �ب � � َل ك � ��م م � ��ن غ� � �م � ��ر ِة ب ��ا�� �س ��ر ُت� �ه ��ا
وال� � � � �ق � � � ��و ُم ب � �ي� ��ن م�� � �ق� � ��د ٍم وم�� � �وؤخ�� � � ِر ف� �اأت� �ي� � ُت� �ه ��ا وال� ��� �س� �م� �� � ُ�س ف� ��ى ك � �ب � � ِد ال �� �س �م��ا
وكانت الأ�سدا ُء تترد ُد فى الف�ساء من اإن�ساد الفتيان فى نواحى الميدان:
غ� � � �ي� � � � ُر م� � � �ج� � � �ه � � ��ولِ ال� � �م� � �ك � ��ان �رب ال � � �ع� � ��وان
ان � � � ��ا ف � � ��ى ال � � � �ح� � � � ِ
ف � � ��ى دج � � � ��ى ال � � �ن� � �ق�� � ِ�ع ي � ��ران � ��ى اأي� � � �ن� � � �م � � ��ا ن� � � � � � ��ادى ال � � �م � � �ن� � ��ادى
وال � � �ح � � �� � � �س� � ��ا ُم ال� � �ه� � �ن � ��دوان � ��ى خُ � � � � � � � ِل� � � � � � ��قَ ال� � � � � � ��رم � � � � � � � ُح ل � �ك � �ف� ��ى
ف � � � ��وق راأ� � � � �س� � � ��ى ي � �وؤن � �� � �س� ��ان� ��ى وه � � � �م� � � ��ا ف� � � � ��ى ال � � � �م � � � �ه � � � � ِد ك � ��ان � ��ا
م�� � ��ن � � ِ� ��س � � ��راب � � ��ى وطِ � � � َع� � ��ان� � ��ى اأت� � � � � � � � � � � � ُ
�رك ال � � � � � �ق� � � � � ��و َم ح� � � �ي � � ��ارى
وزوجه اإلى ال�سرادق العظيم الذى اأقامه ُ مطلع الفج ِر ركب عنتر ُة ال�ساخب فى ُِ ولما انتهى الحف ُل
�سيبوب لهما فى اأق�سى الحِ لة ،ذلك ال�سرادقُ الذى اأهداه اإليه ك�سرى ومازالت قبائل العرب تتحدث عنه،
ب�سفائح الف�سةِ ،فاإذا
ِ بنقو�س الذهب ،ودعائ ُمة ملب�س ًة
ِ كاأنه المدينة اإذا اأقيمت قوائمه .كانت جوانبه محال ُة
ف�سو�س الجواه ِر المنثور ِة على جوان ِبه.
ِ اأ�ساءت فيه الم�سابي ُح فى الليل تالألأت اأنوارها فوق
�سيبوب وراءهما ي�سيعهما حتى دخال فى ال�سرادق فقال ينادى عنترة: ُ و�سار
-اأما كنت تري ُد اأن اأحدثك طوي ًال؟
فنظر عنتر ُة اإليه با�س ًما ثم التفت اإلى عبل َة وا َ
أم�سك بكتفيها ناظ ًرا اإلى عينيها وقال :
�سماع الحديثِ منها.
ل باأ�س عليك يا �سيبوب فاإنى اأحب َ
« 1حدثته نف�صه مرا ًرا اأنه اأخطاأ ،واأن االأولى به اأن يعود اأدراجه اإلى الحيرة حيث يقيم عزيز ًا،
ويغالب هذا القلب الذى طالما اأذله ،وعذبه ،ولكنه مع ذلك كله �صار فى طريقه يدفعه دافع
غام�س ،كاأن االأقدار هى التى كانت ت�صيره نحو غاية ال يدركها».
( اأ ( (اأخطاأ -يغالب -عزيز ًا(.
✦ ✦هات م�ساد الكلمة الأولى ،ومرادف الثانية ،وجمع الثالثة فى جمل من اإن�سائك..
(ب(ما الدافع الغام�س الذى يجعله يعود اإلى موطنه؟
(ج�( وازن عنترة بين حاله فى الحيرة وحاله فى ال�سربة ،فما نتيجة هذه الموازنة؟
( د ( لعنترة ذكريات فى الوادى الرملى باأر�س ال�سربة ،فما هى؟
2ما الذى ك�صف عنه حوار عنترة مع �صيبوب؟
3قال عنترة« :لقد تغلب بى الدهر وهزنى ،كم حروب �صهدتها ،وكم بالد راأيتها .ق�صيت هذه
ال�صنين اله ًيا عن نف�صى ،فكنت ال اأح�س اإال اأننى تاجر دماء اأقتل واأقتل واأقتل ،وال اأكاد اأحيا
لنف�صى ،وذقت ما ذقت من نعيم ولهو ولكنى لم اأح�س يو ًما اأننى �صعيد».
( اأ ( ماذا اأفادت «لقد -كم؟! ولماذا كرر الفعل اأقتل؟
(ب(لماذا ُحرِم ال�سعادة؟
(ج�( اكتب ال�سواب من العبارات التالية:
✦ ✦كان �سيبوب يذكر عنترة �سباح م�ساء.
✦ ✦اإن عنترة لم يتغير.
✦ ✦اإن عبلة تزوجت منذ ثالثة اأيام.
( د ( ما موقف عبلة من زواجها؟
4ما راأيك فى ختام الق�صة؟
120
راأى مخت�سر :وفق الكاتب فى ق�سته تعبي ًرا ،وت�سوي ًرا ،وتفكي ًرا ،وت�سويقً . 7
ا�ستخدم الكاتب بع�س الألفاظ التى كانت م�ستخدمة وقت حدوث الق�سة ،ولهذا احتاجت اإلى ا�ستخدام
المعجم ،ولعله اأراد الربط بين الما�سى والحا�سر ،كما اأراد اإحياءها فى التعبير ؛ لتبقى اللغة غنية
بمفرداتها.
�سجل الموؤلف بع�س اأ�سعار عنترة فى ق�سيدة ،وكانت قليلة ومفيدة.
والق�سة مفيدة ج ًّدا ،وذات اأثر فى تنمية الن�سء وتربيته اإذا اأح�سن الإ�سراف والتوجيه.
تم بحمد اهلل
122
١٢٨ﺻﻔﺤﺔ ﺑﺎﻟﻐﻼﻑ ﻋﺪﺩ ﺻﻔﺤﺎﺕ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ
٧٠ﺟﺮﺍﻡ ٨٢ X ٥٧ ١٨ ﺍﻟﻤﺘﻦ
ﻛﻮﺷﻴﺔ ١٨٠ﺟﺮﺍﻡ ﺍﻟﻐﻼﻑ
١ﻟﻮﻥ ﻟﻠﻤﺘﻦ ﻭ٤ﻟﻮﻥ ﻟﻠﻐﻼﻑ ﺍﻟﻄﺒﺎﻋﺔ
ﺟﺎﻧﺒﻰ ﺍﻟﺘﺠﻠﻴﺪ