You are on page 1of 125

‫ﺟﻤﻬﻮﺭﻳﺔ ﻣﺼﺮ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ‬

‫ﻭﺯﺍﺭﺓ ﺍﻟﺘﺮﺑﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ‬


‫ﻭﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﺍﻟﻔﻨﻲ‬
‫ﻗﻄﺎﻉ ﺍﻟﻜﺘﺐ‬

‫‪٢٠١٨/٢٠١٧‬‬
‫جلنة التعديل‬

‫اأ‪ .‬د‪ .‬محمد الجوادى‬‫✦ ✦‬ ‫اأ‪ .‬د‪ .‬عبد اهلل التطاوى‬


‫✦ ✦‬

‫اأ‪.‬د‪� .‬صامى نجيب محمد‬‫✦ ✦‬ ‫اأ‪.‬د‪ .‬ر�صدى طعيمة‬ ‫✦ ✦‬

‫د‪ .‬منى اإبراهيم اللبودى‬


‫✦ ✦‬ ‫اأ‪.‬د عبد الحميد ال�صيورى‬ ‫✦ ✦‬

‫اأ‪ .‬محمد البدوى القر�صى‬


‫✦ ✦‬ ‫د‪ .‬محمود اإبراهيم ال�صبع‬ ‫✦ ✦‬
‫ب�سم الله الرحمن الرحيم‬

‫اأبو الفوار�س‬
‫عنترة بن �شداد‬
‫لل�شف الأول الثانوى‬
‫تقديم يجب اأن يقراأ‬
‫اأبناءنا الطلبة والطالبات‪.‬‬
‫�سالم اهلل عليكم ورحمته وبركاته‪ ...‬وبعد‬
‫فهذه ق�سة اأبو الفوار�س عنترة بن �سداد نقدمها اإليكم للدرا�سة‪ ،‬والتاأمل‪ ،‬واكت�ساب المتعة الفكرية‪.‬‬
‫�سورة متكاملة لعمل اأدبى من اإنتاج اأديب من كبار الأدباء فى القرن الع�سرين هو الأ�ستاذ (محمد فريد‬
‫اأبو حديد) والعمل الأدبى يعتمد على الحقيقة والخيال م ًعا‪ ،‬كما يعتمد على الت�سوير النف�سى واللفظى‪،‬‬
‫وي�سور البيئة التى عا�س فيها الأبطال‪ ،‬والعادات والتقاليد والمثل‪ ،‬والقيم التى يحر�س عليها المجتمع‪ ،‬وقد‬
‫اخت�سرنا بع�س الفقرات فى الن�س الأ�سلى‪ .‬والتى راأينا اأن اخت�سارها ل يخل بوحدة العمل الأدبى‪ ،‬واأنها‬
‫ل تقلل بحذفها من فائدة �سرورية من الأهداف المتوخاة من طرح هذا العمل على طالب المرحلة الثانوية ‪.‬‬
‫وحر�سنا على اأن تكون م�ستوع ًبا ما تقراأه‪ ،‬مدر ًكا ما تدر�سه‪ ،‬فاهتممنا بت�سجيل معانى المفردات‬
‫ال�سعبة‪ ،‬وتركنا لك القليل منها؛ لتك�سف عنه فى معجمك لتح�سل على فائدتين مهمتين ‪:‬‬
‫✦ ✦اإدراك معنى الكلمة فى �سياق التعبير الق�س�سى‪ ،‬وغيره‪.‬‬
‫✦ ✦و�سبط بنيتها ‪ -‬اأى كل حروفها ‪ -‬لتنطقها �سليمة كما نطق بها اأجدادك العرب ‪ .‬كما حر�سنا على اإلمامك‬
‫ببيئة الق�سة‪ ،‬وزمانها‪ ،‬ومكانها‪ ،‬و اأبطالها‪ ،‬واأ�سمائهم‪ ،‬ودور كل منهم‪ ،‬واأثر وجوده فى دفع اأحداث‬
‫الق�سة اإلى الأمام ليتاأز َم الموقف‪ ،‬ثم ن�سل اإلى الحل النهائى‪.‬‬
‫ومن اأجل هذا كتبنا تقدي ًما تحت عنوان (بين يدى الق�سة)‬
‫ذكرنا فيه هذه الأمور باخت�سار غير مخل‪.‬‬
‫كما و�سعنا اأ�سئلة عقب كل ف�سل‪ ،‬فى بع�سها تطوير مطلوب‪ ،‬ينا�سب ما نقوم به الآن من تطوير مناهج‬
‫اللغة العربية ونماذج الأ�سئلة واإجاباتها‪.‬‬
‫وذيلنا نهاية الق�سة بتعقيب �سديد الخت�سار عن و�سع هذه الق�سة فى الميزان‪.‬‬

‫دار النمر للطباعه‬


‫وعليك اأيها الطالب النجيب‪:‬‬
‫✦اأن تقراأ الق�سة كلها — كاملة — فى منزلك قبل قراءة الدرا�سة؛ لت�ستمتع بها كعمل اأدبى موجه‪ ،‬ولتل َّم‬ ‫✦‬

‫باأحداثها‪ ،‬وتعي�س بيئتها‪ ،‬وتح�س بم�ساعر اأبطالها‪ ،‬وتدرك اأفكارهم‪.‬‬


‫✦اأن تنفذ توجيهات اأ�ستاذك حين يحدد لك ما يطالبك بقراءته فى المنزل ‪ -‬خارج الف�سل واإعداده للمناق�سة فى‬ ‫✦‬

‫الف�سل‪.‬‬
‫✦وعليك حينئذ‪ :‬اأن تقراأ القدر المحدد قراءة واعية؛ فتلم باأفكاره الأ�سا�سية‪ ،‬وتك�سف فى معجمك فى مكتبة‬ ‫✦‬

‫البيت اأو المدر�سة اأو اأية مكتبة عامة عن المفردات التى ترى �سعوبتها وت�سك فى مدلولتها اأو �سبط‬
‫حروفها عند النطق بها‪.‬‬
‫✦اأن ت�سع تحت كل فكرة رئي�سية ما يتبعها من اأفكار جزئية‪.‬‬ ‫✦‬

‫✦اأن ت�سجل اأثر البيئة فى الحوار ومكوناته من األفاظ وجمل وعبارات‪.‬‬ ‫✦‬

‫✦اأن ت�سجل اأثر البيئة فى �سلوك �سخو�س الق�سة‪ ،‬وموقفك من هذا ال�سلوك‪.‬‬ ‫✦‬

‫✦اأن ت�سجل العادات والتقاليد والقيم — ما يعجبك منها وما ل يعجبك ‪ -‬على اأن تبدى راأيك فى كل منها‬ ‫✦‬

‫مع ذكر الأ�سباب‪.‬‬


‫✦اأن ت�سجل مقارنة بين تلك العادات والتقاليد والقيم‪ ،‬وما لدينا الآن من هذه الأمور مع تو�سيح راأيك‪.‬‬ ‫✦‬

‫✦اأن ت�سجل الجمل والعبارات وال�سور التى اأعجبتك — من الق�سة — اأو اأثارت انتباهك وتحللها اإلى‬ ‫✦‬

‫عنا�سرها مع ذكر راأيك‪.‬‬


‫✦اأن ت�سجل الألفاظ والجمل والعبارات وال�سور التى لم تعجبك مع تو�سيح اأ�سباب عدم ر�ساك عنها‪.‬‬ ‫✦‬

‫✦اأن تحاول القيام بن�ساط تعبيرى باأن تقترح روؤو�س مو�سوعات تعبيرية م�ستقة اأو م�ستوحاة من عبارات‬ ‫✦‬

‫الق�سة اأو�سلوك اأ�سخا�سها‪.‬‬


‫✦اأن تحاول عمل معجم لفظى لألفاظ الق�سة ح�سب قدرتك وفراغ وقتك‪.‬‬ ‫✦‬

‫✦اأن تكتب موجزًا اأدب ًّيا للق�سة وتعليقاتك عليها‪.‬‬ ‫✦‬

‫✦اأن تختار بع�س الجمل وتكتبها بخط جميل‪ ،‬لتكت�سب مهارة الكتابة بخط جميل واأنت تحت تاأثير القراءة‪.‬‬ ‫✦‬

‫✦اأن ت�سع اأ�سئلة عن الجمل والعبارات والأحداث والأفكار فى الق�سة‪.‬‬ ‫✦‬

‫✦اأن تلجاأ اإلى الأ�ستاذ لتوجيهك‪.‬‬ ‫✦‬

‫✦اأن تدير حوا ًرا مع زمالئك حول الق�سة باإ�سراف المعلم ‪.‬‬ ‫✦‬

‫اأما اأنت اأيها الزميل الفا�شل‪:‬‬


‫فاإنا نو�سيك خي ًرا ببنيك وبناتك من الطلبة والطالبات‪ ،‬ولن نناق�س معك طريقة الإعداد فهذا له مكان اآخر‪،‬‬
‫ولكننا ناأمل اأن ت�سهم فى تكوين ال�سخ�سية العلمية للطالب والطالبة‪ ،‬واأن تنمى قدرته الفكرية‪ ،‬وت�ستثمر‬
‫رغبته فى التعلم‪ .‬واأن ت�سرف اإ�سرا ًفا توجيه ًّيا على قيامه بكل ن�ساط يريده‪ ،‬اأو يفكر فيه‪ ،‬وت�سجعه عليه‪ ،‬واأن‬
‫تذلل اأمامه العقبات‪ ،‬واأن توظف ما اكت�سبه من معلومات اأو لغويات‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫واأن تربط بين الحا�سر والما�سى‪ ،‬وتطلب منه اأن يقارن بين الع�سرين‪ ،‬وي�سجل الماآثر الموجودة فى‬
‫كل منهما‪ ،‬واأن يلجاأ اإلى المكتبة ما اأتيحت له الفر�سة لالطالع‪ ،‬واأن يحاول تلخي�س الق�سة‪ ،‬وتجزئتها اإلى‬
‫اأق�سام اأ�سا�سية ح�سب ت�سل�سل الحوادث وتطورها‪.‬‬
‫ونعلم جمي ًعا اأن ما نبذله من جهد هو فى �سبيل اهلل‪ ،‬واهلل ل ي�سيع اأجر العاملين المخل�سين ‪.‬‬
‫ون�ساأل اهلل التوفيق والعون وال�سداد‬
‫الإعداد التربوى‬

‫‪5‬‬ ‫دار النمر للطباعه‬


‫احلقيقة‬
‫الق�شة‬
‫يدىاإلى‬
‫الطريق‬
‫(‪ )3‬بني‬

‫اأو ًل‪ :‬موؤلف الرواية‪:‬‬


‫محمد فريد اأبو حديد‪ ،‬من كبار كتاب القرن الع�سرين‪ ،‬واأحد رواد كتابة الرواية التاريخية فى م�سر‬
‫والعالم العربى‪ ،‬ولد �سنة ‪1893‬م بالقاهرة‪ ،‬وتلقى تعليمه بدمنهور والإ�سكندرية فى المرحلة الثانوية ثم‬
‫تخرج فى «مدر�سة المعلمين العليا �سنة ‪1914‬م‪ ،‬وح�سل على اإجازة الحقوق �سنة ‪1924‬م‪ ،‬وترقى فى‬
‫مدر�سا وم�سر ًفا على ال�سحافة فى وزارة المعارف و�سكرتي ًرا بجامعة الإ�سكندرية‬
‫الوظائف التعليمية فعمل ً‬
‫ووكيال لوزارة المعارف‪ ،‬واختير ع�س ًوا بمجمع اللغة العربية‪ ،‬وح�سل على جائزة‬‫ً‬ ‫وعمي ًدا لمعهد التربية‪،‬‬
‫الدولة التقديرية �سنة ‪ 1965‬م‪ ،‬وتوفى �سنة ‪1976‬م‪.‬‬
‫وقد ترك مجموعة من الموؤلفات والمترجمات والروايات التاريخية يدور معظمها حول الحياة العربية‬
‫القديمة والو�سيطة مثل روايات المهلهل‪ ،‬والملك ال�سليل‪ ،‬وزنوبيا‪ ،‬وعنترة‪ ،‬والوعاء المرمرى‪ ،‬و�سهراب‬
‫ور�ستم ‪ ،‬وفتح العرب لم�سر‪ ،‬و�سالح الدين الأيوبى‪ .‬و�سيرة عمر مكرم ‪.‬‬
‫أ‬

‫ثانيًا‪ :‬المكان والزمان‪:‬‬


‫فى الجزيرة العربية حيث عا�س بطالها وتنقال‪ ،‬وزمانها فى الع�سر الجاهلى قبل الإ�سالم‪ ،‬ومن هنا‬
‫تظهر القيم والعادات والتقاليد وال�سلوكيات ال�سائعة فى هذا الع�سر‪.‬‬

‫ئالثا‪ :‬الأ�شخا�س‪:‬‬
‫هناك اأ�سخا�س اأ�سا�سيون تقوم الرواية على اأكتافهم‪ ،‬ول ت�ستغنى عنهم‪ ،‬وهناك اأ�سخا�س ثانويون‬
‫ي�سهمون فى دفع الأحداث‪ ،‬وي�ساعدهم الأ�سخا�س الأ�سا�سيون فى الو�سول اإلى تحقيق اأهدافهم‪.‬‬
‫بطال القصة هما‪:‬‬

‫عنترة بن �صداد‪ :‬ال�ساعر الفار�س البطل الذى ولد عب ًدا فى قبيلة عب�س‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫عبلة بنت مالك بن قراد‪ :‬وهى فى الحقيقة ابنة عم عنترة‪ ،‬وقد اأحبها عنترة‪ ،‬وبادلته الحب‪ ،‬وهى من‬ ‫‪2‬‬
‫بنات �سادة قبيلة عب�س‪.‬‬
‫بقية األشخاص‪:‬‬

‫�صداد بن قراد ‪ :‬اأحد �سادة عب�س‪ ،‬وقد ولد له عنترة من اأَمته زبيبة‪ ،‬ورف�س ا َ‬
‫إعالن بنوته حتى ا�سطر‬ ‫‪3‬‬
‫اإلى ذلك لإنقاذ القبيلة من اأعدائها‪.‬‬
‫مالك بن قراد‪ :‬اأخو �سداد‪ ،‬وهو والد عبلة‪ ،‬وقد عار�س زواج عنترة منها‪ ،‬فاأ�سطر اإلى الهجرة اإلى‬ ‫‪4‬‬
‫�سيبان‪ ،‬وحينما ا�سطر اإلى الموافقة على الزواج غالى فى المهر‪.‬‬
‫عمرو بن مالك بن قراد‪� :‬سقيق عبلة‪ ،‬وخ�سم عنترة‪.‬‬ ‫‪5‬‬
‫‪6‬‬
‫�صيبوب‪ :‬اأخو عنترة من اأمه زبيبة‪ ،‬عبد‪ ،‬يحب الحياة‪ ،‬بعيد عن الفرو�سية‪ ،‬كان ينقل لعنترة بع�س‬ ‫‪6‬‬
‫الأخبار ‪.‬‬
‫عمارة بن زياد‪ :‬اأحد �سباب �سادة عب�س‪ ،‬وخطيب عبلة‪ ،‬وخ�سم عنترة ‪.‬‬ ‫‪7‬‬

‫قي�س بن م�صعود‪� :‬سيد قبيلة �سيبان‪ ،‬والذى ا�ست�ساف مالك بن قراد واأ�سرته حين هاجر اإليه حتى ل‬ ‫‪8‬‬
‫يزوج ابنته عبلة من عنترة‪ ،‬وقد اأعجب بعنترة و�سلوك ِه مع ابنه ب�سطام‪ ،‬فا�ست�سافه‬
‫واأعانه على التفاهم مع عمه‪.‬‬
‫فار�سا �سا ًّبا ‪.‬‬
‫ب�صطام بن قي�س بن م�صعود‪ :‬ابن �سيد �سيبان كان ً‬ ‫‪9‬‬
‫النعمان بن المنذر‪ :‬ملك الحيرة‪ ،‬كان يمتلك النوق الع�سافير التى اأراد عنترة الح�سول عليها لتكون‬ ‫‪10‬‬
‫مهر عبلة‪.‬‬
‫اأبو الحارث‪ :‬من رجال النعمان بن المنذر‪ ،‬و�ساحب عنترة ‪.‬‬ ‫‪11‬‬
‫زبيبة‪ :‬اأم عنترة‪ ،‬وهى اأم ُة �سداد بن قراد‪.‬‬ ‫‪12‬‬
‫مروة‪ :‬اأخت عنترة بن �سداد لأبيه‪ .‬كانت تكره اأن يحب عنترة عبلة‪ ،‬ولكنها اأعانته على هذا الحب فى‬ ‫‪13‬‬
‫اآخر الأمر‪.‬‬

‫‪7‬‬ ‫دار النمر للطباعه‬


‫احلقيقة‬
‫القافلة‬
‫مغنىاإلى‬
‫الطريق‬
‫(‪()3‬ا)‬

‫جوانب الوادى بك�ساء من الح�سي�س والزهرِ‪ ،‬وال�سما ُء ال�سافي ُة ل ت�سو ُبها �سوى‬ ‫َ‬ ‫كان الربي ُع يغطى‬
‫ال�سم�س تمي ُل نحو الغرب عندما اقتربت القافل ُة من فم الوادى عند‬ ‫ُ‬ ‫أبي�س‪ ،‬وكانت‬ ‫ال�سحاب ال ِ‬ ‫ِ‬ ‫قطع متفرق ٍة من‬ ‫ٍ‬
‫ظاللِ اأجم ٍة و�سارت الإبل تخطو خط ًوا وئيد ًا ل تعباأُ ب�سىء مما حو َلها ول ي�ستحثها �سى ٌء من اأمامها‪،‬‬
‫ُّ (‪)3‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫الحرب واأنغا ِم‬


‫ِ‬ ‫زج فيها بين اأنغام‬ ‫�سوت الحادى(‪ )4‬يتغنى باأراجيزَ‪َ ،‬ي ْم ُ‬ ‫يرن فى الف�ساء ُ‬ ‫ول من خلفها‪ ،‬وكان ُّ‬
‫الن�سيب(‪.)5‬‬
‫ِ‬
‫المطرب‪.‬‬
‫ِ‬ ‫فكانت الإب ُل ت�سي ُر رافع ًة رءو�س َها ن�سيط ًة‪ ،‬كاأنها تُ�سغى فى ح َما�س ٍة اإلى ذلك الغنا ِء‬
‫ثياب ملون ٌة‬‫هودج قد ُطر َِحت عليه ٌ‬ ‫وكان الفتى الحادى ي�سي ُر فى �سد ِر القافلة اآخ ًذا بزما ِم بعي ٍر عليه ٌ‬
‫فق مع الن�سي ِم الهادئ‪.‬‬ ‫ال�سم�س الغاربةِ‪ ،‬ويخفقُ فى ِر ٍ‬ ‫ِ‬ ‫مخطط ٌة من حري ٍر ُيبرِقُ فى �سو ِء‬
‫مرفوع‪ ،‬و�سد ٌر‬ ‫ٌ‬ ‫الرمح الذى فى يمينه‪ ،‬قام ٌة عالي ٌة ورا ٌأ�س‬ ‫َ‬ ‫وكان الفتى �سا ًّبا اأ�سم َر اللون‪ُ ،‬ي�س ِبه قوا ُمه‬
‫لمح‬
‫الهودج فتبرقُ عيناه فى ٍ‬ ‫ِ‬ ‫يلتفت نحو‬
‫بين حينٍ وحينٍ ُ‬ ‫ف�سيح‪ ،‬وقد �سَ َّم َر عن ذِراعين مفتولتين قويتين‪ ،‬وهو َ‬ ‫ٌ‬
‫خاطف‪ ،‬ثم ل يلبثُ اأن يتج َه اإلى اأمامه ناظ ًرا اإلى ف ِم الوادى م�ستم ًّرا فى الغناء ب�سوتِه الملىء‪ ،‬وكان الناظ ُر‬ ‫ٍ‬
‫قوى فيه �سى ٌء من الغلظِ ويلم ُح على جبينِه َع ْب�س ًة فيها �سىء‬ ‫اإلى وج ِه ِه يرى اأنفَه الأقنى(‪)6‬ينحد ُر اإلى ف ٍم ٍّ‬
‫الركب ف َم الوادى اأوقف الفتى البعي َر الذى كان اآخ ًذا بزمامِه‪ ،‬فوقف القطا ُر‬ ‫ُ‬ ‫َينُم(‪ )7‬عن حزن كمينٍ (‪ )8‬ولما بلغ‬
‫الركب ف�ساقوا الرواح َل(‪ )9‬التى‬ ‫ِ‬ ‫أتباع الذين كانوا ي�سيرون م�سا ًة فى اآخ ِر‬ ‫كله لوقوفِه‪ ،‬واأ�سرع العبي ُد وال ُ‬
‫كانت تحم ُل الزا َد والما َء‪ ،‬واأخذوا ي�سربونها بع�سيهم الغليظة؛ حتى اأناخوها فى ناحي ٍة من جانب الوادى‪.‬‬
‫الهودج ونظر اإلى الفتا ِة التى كانت فيه‪ ،‬وقال لها با�س ًما‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫واأما الفتى َفقَد اأناخ بعي َره‪ ،‬واأزاح ال�ستا َر عن‬
‫فقالت الفتا ُة با�سم ًة‪� - :‬سكر ًا لك يا عنترةُ‪.‬‬ ‫‪ -‬منز ٌل كري ٌم يا عبل ُة‪.‬‬
‫ومد الفتى ي َده؛ لي�سن َدها فاتكاأت على �ساعدِه القوى‪ ،‬ووثبت خفيف ًة وهى تقولُ‪:‬‬
‫الركوب من ُذ اليو ِم‪.‬‬
‫َ‬ ‫‪ -‬لقد اأجهدك ال�سي ُر واأنت تاأبى‬
‫أ�سرع عنتر ُة قائ ًال‪:‬‬
‫فا َ‬
‫وكيف ُي�سيبنى الجه ُد واأنا اأحدو(‪ )11‬بعيرِك يا �سيدتى؟‬

‫(‪ )1‬الأجمة‪ :‬ال�سجر الملتف‪.‬‬


‫ً‬
‫متمهال‪.‬‬ ‫(‪ )2‬وئي ًدا‪:‬‬
‫(‪ )3‬ي�ستحثها‪ :‬يدفعها لل�سير‪.‬‬
‫(‪ )4‬الحادى‪ :‬المغنى لالإبل‪.‬‬
‫(‪ )5‬الن�سيب‪� :‬سعر الغزل‪.‬‬
‫(‪ )6‬الأقنى‪ :‬المرتفع اأعاله‪.‬‬
‫(‪ )7‬ينم‪ :‬يدل‪.‬‬
‫(‪ )8‬كمين‪ :‬م�ستتر دفين‪.‬‬
‫(‪ )9‬رواحل‪ :‬جمع راحلة وهى ‪ -‬من الإبل ‪ -‬ال�سالحة لالأ�سفار والأحمال‪.‬‬
‫(‪ )11‬اأحدو‪ :‬اأ�سوق‬

‫‪8‬‬
‫فنظرت اإليه‪ ،‬وكانت عيناها تبت�سمان‪ ،‬و�سارت اإلى ظ ِّل �سِ ْد َر ٍة(‪ .)1‬وهى تقولُ‪:‬‬
‫يطرب لإن�سادِك‪ .‬فقال عنترةُ‪:‬‬‫أح�س ْ�س ُت كاأن البعي َر ُ‬ ‫‪ -‬لم ا ْأ�سمع �سي ًئا ي�سبه حداءك يا عنترةُ‪ .‬لقد ا َ‬
‫يطرب لي�ساركن يا �سيدتى‪ .‬فهو يعرفُ اأنى اأُن�سِ ُد فى و�سفِك اأنتِ ‪.‬‬ ‫‪ -‬اإنه ُ‬
‫لتجل�س عليها‪،‬‬
‫َ‬ ‫أ�سرع عنتر ُة فرمى �سملتَه على الرملِ‪ ،‬ومدها‬ ‫ف�سحكت الفتا ُة �سحك ًة ت�سبه غنا َء الطيرِ‪ ،‬وا َ‬
‫أ�سرع خفي ًفا يثب(‪ )2‬فى خطواتِه‪ ،‬لكى يرى �سائ َر من فى القافلة من بنات ون�سا ٍء‬ ‫ثم نظر اإليها نظر ًة با�سم ًة‪ ،‬وا َ‬
‫منهن اإلى الم�ساعدةِ‪.‬‬ ‫تحتاج َّ‬ ‫ُ‬ ‫لي�ساع َد من‬
‫ال�سدر تنظ ُر اإلى الإبلِ‪ ،‬وهى تُن ِي ُخ واأ�سواتُها تد ِّوى‪ ،‬وهى ترغُو‪ ،‬وكان‬ ‫و�سارت الفتا ُة تَخْ طِ ر فى ظِ ِّل ِّ‬
‫الرطيب اإذا اهتز مع ن�سي ِم الربيع‪.‬‬
‫ِ‬ ‫الغ�سن‬
‫ِ‬ ‫قوا ُمها مث َل‬
‫الفار�س العب�سى مالك بن قُراد‪ ،‬وكانت اآتي ًة من ُعر�س ابن ِة خالتها فى قبيلة هوازن‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫تلك هى عبل ُة ابن ُة‬
‫عائ َد ًة اإلى منازلِ قومِها عب�س فى اأر�س ال�سر َّبة والعلم ال�سعدى‪ ،‬وكان ذلك المنز ُل الذى نزلته اآخ َر مرحل ٍة‬
‫قبل نهاي ِة �سفرِها الطويل‪.‬‬
‫ال�سم�س وت�س ُع حو َل راأ�سِ ها خِ ما ًرا من الحرير‬‫ِ‬ ‫تلب�س ثو ًبا مع�سف ًرا(‪ )3‬من الكتان يلم ُع فى نو ِر‬ ‫كانت عبل ُة ُ‬
‫الخمرى م�سر ًبا بحمر ٍة‬
‫ُّ‬ ‫�سعاع ال�سو ِء ويتاألقُ فوق وج ِهها الجميل‪ .‬وكان لونُها‬ ‫الم�سرى؛ يتغي ُر لونُه فى ِ‬ ‫ِّ‬
‫َي�سرى فيها رونقُ ال�سباب‪ ،‬وعيناها ال�سوداوان ت�سيئان فى حالوةٍ‪ ،‬فاإذا نظرت بهما ترقرقت فيهما‬
‫(‪)5‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫بات من لوؤلوؤ البحرين‪ ،‬اأهداهما اإليها اأبوها‬ ‫الذهب تتدلى منهما َح ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ب�سم ٌة وديع ٌة‪ .‬وكان فى اأذنيها ق ْرطان من‬
‫تهبط اإلى اأر�س الحجاز‪.‬‬ ‫مالك بن قُراد من غنيم ٍة َغنمها من َ�سبى قافل ٍة كانت ُ‬
‫أ�سرعت نحوهن ت�ستقبلهن‪ ،‬وكانت‬ ‫واأقبل نحوها ن�سا ُء اأعما ِمها وبناتهن‪ ،‬ومن كان معهن من اآلهن(‪ )6‬فا ْ‬
‫فيهن ابن ُة عمها مروة ابنة �سداد‪ ،‬فقالت لها تعابثها‪:‬‬
‫أول ونحن بعدك‪ .‬األ�ست يا عبل ُة اأميرة فتياتِ عب�س؟‬ ‫‪ -‬اأنت ا ً‬
‫فنظرت اإليها ُ�سمي ُة اأ ُّمها با�سم ًة‪ ،‬وقالت‪:‬‬
‫‪ -‬اأهى الغير ُة مر ًة اأخرى يا مروة؟‬
‫فقالت مرو ُة �ساحك ًة‪:‬‬
‫‪� -‬سوف اأ�سكو هذا العب َد لأبى؛ اإنه عب ُد اأبى �سداد‪ ،‬ولكنه ل يخد ُم اإل عبل َة‪.‬‬
‫فقالت عبل ُة فى ٍ‬
‫عتاب‪:‬‬
‫‪ -‬األ تترفقين به يا مروة؟ األي�س هو عنترة بن زبيب َة التى اأر�سعتك؟ فقالت مرو ُة �ساحك ًة فى خبثٍ ‪.‬‬
‫نعم‪ ،‬وهو الفتى الذى ُيعلى ذك َر عب�س بالإن�ساد فى جمالِ بناتِها‪.‬‬
‫�سدرة‪� :‬سجرة نبق‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫يثب‪ :‬يقفز‬ ‫(‪)2‬‬
‫مع�سفر ًا ‪ :‬م�سبوغا بنبات الع�سفر‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫رونق‪ :‬جمال‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫ترقرقت‪ :‬لمعت‪.‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫اآل ‪ :‬اأهل ‪.‬‬ ‫(‪)6‬‬

‫‪9‬‬ ‫دار النمر للطباعه‬


‫(ا) مغنى القافلة‬

‫ف�ساحت عند ذلك اإحدى الفتياتِ تقولُ‪:‬‬


‫العط�س يقتلنى‪.‬‬
‫ُ‬ ‫‪ -‬ما هذا الحديثُ ‪ ،‬ويكا ُد‬
‫وقالت اأخرى‪:‬‬
‫الحو�س‪.‬‬
‫ِ‬ ‫‪ -‬األ تعرفين مكان‬
‫الفتيات وراءها فلم يبق اإل‬ ‫ُ‬ ‫ثم اندفعت تَجرى نحو وهد ٍة(‪ )1‬؛ فى جانب الوادى ال�سخرى‪ ،‬واأ�سرعت‬
‫بع�س الن�ساءِ‪ ،‬وقد ا�ستلقت فى الظ ِّل فوق ال�سمل ِة التى كان عنتر ُة ب�سطها لعبل َة‪.‬‬ ‫�سم َّية مع ِ‬
‫بع�سهم باأن يذهبوا ل�سقاي ِة الإبلِ‪،‬‬ ‫أتباع فِر ًقا‪ ،‬فاأمر َ‬
‫ولما فرغ عنتر ُة من اإناخة الإبلِ‪ ،‬فرق العبي َد وال َ‬
‫النيران لإعدا ِد الطعا ِم‪.‬‬
‫َ‬ ‫واأم َر اآخرين اأن َي�سربوا اأخبي َة الن�ساء(‪ )2‬قري ًبا من الما ِء واأم َر غي َرهم اأن ُيوقِدوا‬
‫فحلب منها فى اإنا ٍء مالأه‪ ،‬وو�سعه فى الظ ِّل فوقَ �سخر ٍة عالي ٍة ليب ُر َد فى الهواءِ‪.‬‬ ‫ثم ذهب اإلى ناقة بي�سا َء َ‬
‫وم�سى بعد ذلك اإلى البئ ِر ف�سقى جوا َده‪ ،‬ثم رك َبه ودار حول الوادى؛ ليرى هل هناك قو ٌم ينزلون على‬
‫أمن‪ .‬واأن لي�س هناك ما يخ�ساه‪ ،‬اأ ْو َغل(‪)3‬بين الكثبان وجعل‬ ‫مقربة من الماءِ‪ .‬حتى اإذا ما اطماأن اإلى اأنه فى ما ِ‬
‫ومخالب الحيوانِ ‪ ،‬ثم عاد ي�سي ُر‬ ‫ِ‬ ‫يجو�س(‪ )4‬خاللها‪ ،‬ويتاأم ُل ما على رمالها من اآثار الأقدام واأحفاف الإبل‪،‬‬
‫اقترب من الما ِء فوثب عن فر�سِ ه‪ ،‬واألقى زما َمه على‬ ‫َ‬ ‫أفق‪ ،‬حتى‬‫جوانب ال ِ‬
‫ِ‬ ‫وئي ًدا وهو يغنى وين ِّق ُل َط ْرفه(‪ )5‬فى‬
‫ظهره وبعثه اإلى ناحي ٍة من الوادى‪.‬‬
‫واتجه عنتر ُة بعد ذلك اإلى الما ِء وهو ل يزا ُل يغنِّى‪ ،‬وكان العبي ُد قد فرغوا من �سِ قايتهم‪ ،‬ف�سم َع من ورا ِء‬
‫�سخرى من �سِ عاب الوادى‪.‬‬ ‫ٍّ‬ ‫�سوت فتياتٍ ‪ ،‬ي�سحكن ويمرحن فى اأق�سى �سِ ْع ٍب‬ ‫َ‬ ‫�سجيراتٍ‬
‫حو�س وا�س ٌع من ال�سخ ِر تجتم ُع فيه الميا ُه اإذا اأمطرت ال�سما ُء فيكون‬ ‫عب وفيه ٌ‬ ‫وكان يعرفُ ذلك ال�سِّ َ‬
‫أغ�سان ال�س َّيالِ (‪ )6‬فاأط َّل من ورا ِء ال�سجيراتِ فراأى عبل ًة و�ساحباتها يتواثبن‬ ‫مث َل بحير ِة �سافي ٍة تظللها ا ُ‬
‫ويعبثُ بع�سهن بالما ِء ويتقاذفن به‪ .‬وراأى عبل َة وهى تلهو بينهن وتجاوبهن فوقفَ يتاأم ُل وج َهها‪ ،‬وي�ستم ُع‬
‫ذكريات اأحالمِه التى كان يكت ُمها فى طياتِ �سد ِره‪ ،‬ول يجر ؤُّو‬ ‫ُ‬ ‫اإلى �سوتِها اإذ تكرك ُر فى �سحكِها ‪ ،‬وعاودته‬
‫يكون عب َد عمها �سداد‪.‬‬ ‫أح�س قب�س َة حزن األ ِيم تع�س ُر قَل َبه اإن تذك َر اأنه ل يزي ُد على اأن َ‬ ‫على اأن ينطقَ ب�س ِّرها‪ ،‬وا َّ‬
‫نعم‪ ،‬فما كان عنتر ُة �سوى عب ٍد من عبي ِد ذلك البط ِل العب�سى البا�س ِل ال�سار ِم‪ .‬ولم يكن يجروؤُ على اأن يفو َز من‬
‫عبل َة باأكث َر من اأن يدعوها قائ ًِال «�سيدتى»‪.‬‬
‫اللبن الذى و�سعه فوق ال�سخرةِ؛ ليبر َد فى الهوا ِء فاأ�سرع اإليه‬ ‫وفيما كان هائ ًما فى خيالِه تذك َر اإنا َء ِ‬
‫خرجت مع �ساحباتها‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫وعاد به فجعله على حجر قري ًبا من عبلة اإذا‬
‫اللبن‬‫وجعل يفك ُر فى نف�سِ ه حزينًا‪ ،‬وهو واقفٌ ينظ ُر اإلى الفتياتِ ‪ ،‬وهن ل ي�سعرن بوجودِه‪ .‬لقد مالأ وعا َء ِ‬
‫الوهدة‪ :‬المكان المنخف�س‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫الأخبية‪ :‬الخيام‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫اأوغل ‪ :‬ذهب واأبعد‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫يجو�س ‪ :‬يتردد‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫الطرف‪ :‬النظر‪.‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫ال�سيال‪� :‬سجر �سائك‪ ،‬متو�سط الحجم‪ ،‬له ق�سر اأحمر‪.‬‬ ‫(‪)6‬‬

‫‪10‬‬
‫لت�سرب منه عبل ُة‪ ،‬قان ًعا بما تكافئه به من نظراتِها وب�سماتِها‪ .‬ولكنه ما كان يجروؤ على اأن‬ ‫َ‬ ‫على عادتِه ك َّل يو ٍم‬
‫يتنف�س با�سمها اأمام اأح ِد من عب�س خوف اأن يتحدثَ النا�س باأنه عب ُد يتطل ُع اإلى ابنة مالكٍ اأخى �سيده �سداد‪،‬‬ ‫َ‬
‫لقد كان يحاذ ُر اأن يتحدث اأح ٌد باأنه ينظر اإليها اإل كما ينبغى للعبد اأن ينظر اإلى مول ٍة له‪ ،‬فما كان مال ُك بن‬
‫التقرب اإليها �ساد ُة ال�سبان من كرا ِم‬
‫ِ‬ ‫يتناف�س على‬
‫ُ‬ ‫قراد؛ لير�سى اأن يتطل َع عب ٌد مثل ُه اإلى ابنته الجميل ِة التى‬
‫أن�ساب‪ ،‬وما كان اأخوها المتكب ُر عمرو بن مالك لير�سى اأن ُيع ِّيره اأ�سحاب ُه من فتيان عب�س باأن عنتر َة العب َد‬ ‫ال ِ‬
‫يطم ُح اإلى اأن يمالأ عينيه من اأخته‪.‬‬
‫�سابحا فى خيالِه وهو ينظ ُر اإلى عبل ِة بين الفتياتِ وي�ستمع اإلى �سوتِها بين اأ�سواتِهن‪،‬‬ ‫وقف عنتر ُة ً‬
‫وامتالأ قل ُبه �سجنًا(‪ . )1‬األي�س هو عنترة الذى يحمى حِ مى عب�س اإذا اأغار المغير عليها؟ األي�س هو الفار�س الذى‬
‫العرب وتغنى الركبان(‪ )2‬بق�سائِده فى تمجي ِد عب�س؟ اأكان فى عب�س كلِّها بط ُل ي�ستطي ُع‬ ‫ِ‬ ‫�سار ذك ُره فى قبائل‬
‫يثبت له فى نزالٍ (‪ )3‬اأو ينك َر ف�سله فى الدفاع؟ ومع ذلك فقد كان ل يزي ُد على اأن يكون عب َد �سداد بن قُراد‪.‬‬ ‫اأن َ‬

‫حو�س �سغير‪ ،‬لترى �سورت َها على �سفحة مائِه‪ ،‬وجعلت‬ ‫وفيما هو فى خيالتِه راأى عبل َة تمي ُل فوق ٍ‬
‫نف�سه‪ ،‬واندفع من مكانِه م�سرع ًا نحوها‪،‬‬ ‫ا�سطرب فى اأثناء جريها ولعِبها‪ .‬فلم َي ْمل ْك َ‬
‫َ‬ ‫ت ُْ�س ِل ُح من �سعرها الذى‬
‫هام�س‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫وقال لها ب�سوتٍ‬
‫‪-‬األ ترين َعرار ًة(‪ )4‬يانعة من َعرار الربيع؟‬
‫�سماع ال�سوتِ فجاأةً‪ ،‬ولكنها اطماأنت عندما راأته‪ ،‬وقالت �ساحك ًة‪:‬‬ ‫�سرخت عبلة عند ِ‬
‫‪ -‬لك الوي ُل يا عنترةُ؟‬
‫فم�سى عنتر ُة ً‬
‫قائال‪:‬‬
‫‪ -‬اأو اأقحوان ًة(‪ )5‬؛ با�سمة �سقاها الندى؟‬
‫�سوت عبلة‪ ،‬فلما راأين عنتر َة اإلى جانبها انفجرت منهن �سحك ًة مرحة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫الفتيات عندما �سمعن‬
‫ُ‬ ‫واأقبلت‬
‫واأ�سرعن اإليه ي�سحن به‪ ،‬ويتواثبن حوله‪ ،‬ويجذبن ا َ‬
‫أطراف ثو ِبه‪ ،‬وكل منهن تتج ُه اإليه بكلم ٍة من فكاهةٍ‪ ،‬اأو‬
‫مزاح‪.‬‬
‫�سباب ٍ‬
‫ِ‬
‫وقالت مرو ُة ابنة �سداد‪:‬‬
‫‪ -‬ماذا َجاء بك اإلى هنا؟‬
‫فمد يديه نحوها فى �سراع ٍة وقال با�س ًما‪:‬‬
‫أكون فى خدمِتكِ يا �سيدتى‪.‬‬ ‫‪-‬ل َ‬
‫فقالت مرو ُة �ساحك ًة‪:‬‬
‫ال�سجن‪ :‬الحزن‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫الركبان‪ :‬الجماعة فوق الع�سرة‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫النزال‪ :‬المعارك‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫العرار‪ :‬نبت طيب الريح‪ ،‬والواحدة عرارة‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫الأقحوانة‪ :‬نبات اأبي�س ل رائحة له‪.‬‬ ‫(‪)5‬‬

‫‪11‬‬ ‫دار النمر للطباعه‬


‫(ا) مغنى القافلة‬

‫‪-‬فى خدمتى اأنا؟‬


‫الفتيات‪ ،‬واأقبلن عليه‪ ،‬وكل منهن تقذفُه بكلمةٍ‪ ،‬وهو ين ِّق ُل نظ َره بينهن �ساح ًكا حينًا ومتظاه ًرا‬ ‫ُ‬ ‫ف�سحكت‬
‫بالغيظ حينًا‪ ،‬وهن يزدن منه �سح ًكا ويم�سين فى العبثِ به‪.‬‬
‫اللبن فاأقبل به‪ ،‬وقدمه اإلى عبل َة ً‬
‫قائال‪:‬‬ ‫واأراد اأن ي�سر َفهن عنه فذ َهب اإلى وعا ِء ِ‬
‫‪ -‬هذا �سرا ُبكِ يا �سيدتى‪ .‬لقد بردته ال�سَّ مالُ‪ ،‬وهبت عليه روائ ُح الأقَاحى‪.‬‬
‫الفتيات يردن اأن ينزعنه منه‪ ،‬ولكنه منعه حتى قدمه اإلى عبل َة ً‬
‫قائال‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫فهجم عليه‬
‫‪ -‬هذا �سرا ُبك يا �سيدتى‪.‬‬
‫فقالت له عبل ُة فى �سىء من الغ�سب‪:‬‬
‫على‪.‬‬
‫ح�س ُبك ياعنتر ُة اإنك تُجرئهن َّ‬
‫فمد يده بالوعا ِء نحوها وقال‪:‬‬
‫حمقاوات عب�س‪َ .‬ف َع َال �سح ُك الفتيات‪ ،‬واأحطن به‪ ،‬فنزعن الوعا َء منه‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫‪ -‬ل عليكِ منهن‪ ،‬فهن كما تعرفين‬
‫واأخذته مرو ُة قائل ًة‪:‬‬
‫هات اأيها العب ُد الآبقُ (‪. )1‬‬
‫ثم �سربت منه وتداولته �ساحباتها‪ ،‬فلما فرغن من ال�سراب‪ ،‬اأقبلن على عنتر َة مر ًة اأخرى‪ ،‬واأحطن به‪،‬‬
‫واقتربت منه فتاة ف�ساحت‪:‬‬
‫‪ -‬ل ند ُعك حتى َتنْ�س َد لنا من �سعرِك‪.‬‬
‫ف�ساحت �سائرهن‪.‬‬
‫‪ -‬نعم اأنَ�س ْدنا يا عنترةُ‪.‬‬
‫وقالت مرو ُة فى خبثٍ ‪:‬‬
‫ندع منك اإل اأ�سنانَك البي�سا َء‪.‬‬
‫قطعناك؛ حتى ل َ‬ ‫‪ -‬اأن�سدنا واإل َّ‬
‫فالتفت عنتر ُة حتى وقعت عينُه على عبل َة وقال‪:‬‬
‫أذن لى �سيدتى‪:‬‬ ‫‪ -‬لن اأقو َل �سي ًئا حتى تا َ‬
‫فاتجهن جمي ًعا اإليها وقلن لها‪:‬‬
‫ُمرِى َع ْب َدكِ اأن ين�سِ دنَا واإل اأحطنا بك اأنت ونزعنا غدائر �سعرِك‪.‬‬
‫فقالت عبلة �ساحك ًة‪:‬‬
‫‪ -‬ح�سبكن اأيتها الفتيات �سخ ًفا‪.‬‬
‫ف�ساحت بها مروةُ‪:‬‬
‫‪ُ -‬مرِي ِه يا عبلة اأن ين�سدنا‪ُ .‬مرِى هذا العبد الذى ل ياأْ َتمِر اإل باأمرك‪.‬‬
‫لقد انتزعنا منه وعاء اللبن‪ ،‬ولكنا ل نقدر اأن ننزع منه ال�سعر‪.‬‬
‫(‪ )1‬الآبق ‪ :‬الهارب‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫فقالت عبلة‪ ،‬وهى تظهر الغيظ لعنترة‪:‬‬
‫‪ -‬ما اأخب َثك يا عنترة اإذ تحر�س هوؤلء َّ‬
‫على َم َّرة بعد َم َّرة‪.‬‬
‫فقال عنترة‪:‬‬
‫على يا �سيدتى؟ اإننى ل اأر�سى باأن اأكون عب ًدا لواحدة غيرك‪.‬‬ ‫‪ -‬وماذا يغ�سبك ّ‬
‫ل�ست اأر�سى اأن تكون �سيدتى �سواكِ ‪.‬‬
‫فزاد �سحك الفتيات‪ ،‬وقالت مروة‪:‬‬
‫‪-‬عنترة عبد عبلة‪ .‬هكذا ن�سميه منذ اليوم بعد اأن كان عبد �سداد‪.‬‬
‫فاأقبلت عبلة عليها‪ ،‬ودفعتها برفق فى �سدرها‪ ،‬و�ساحت بعنترة فى غ�سب َبا�سِ ٍم‪:‬‬
‫‪ُ -‬ق ْل �سِ ْع َر َك يا عنترة اإن الغيرة لتاأكل قلوبهن كما قالت �سمية منذ حين‪ .‬اأن�سد �سعرك‪ ،‬حتى يمالأ الغيظ‬
‫�سدورهن‪:‬‬
‫فوثب عنترة فى مرح‪ ،‬وجعل ين�سد متغن ًيا بقطع من �سعره‪ :‬والفتيات ي�سربن باأكفهن على وقع اإن�ساده‪،‬‬
‫وعبلة تنظر اإلى وجهه الأ�سمر الح�سن الق�سمات‪ ،‬وتتاأمل حركته الر�سيقة‪ ،‬وهو يمثل مواقفه فى القتال‬
‫حينًا‪ ،‬وطعناته فى العدو حينًا اأو ي�سف فر�سه فى معمعة (‪ )1‬الحرب‪ ،‬اأو �سقوط الأبطال �سرعى من حوله‬
‫م�سرجين بالدم‪ ،‬حتى انتهى اإلى الن�سيب فجعل ي�سف محا�سن فتاته ونبل �سيمها(‪ )2‬وعلو ح�سبها‪ ،‬وتغير‬
‫نبرات �سوته‪ ،‬واتجه اإلى عبلة بب�سره كاأنه يخاطبها بما فى‬ ‫ُ‬ ‫(‪)3‬‬
‫مظهره عند ذلك فاعترته رجف ٌة وتهدجت‬
‫ن�سيبه من الأو�ساف‪ ،‬ثم هداأت حركته بعد عنفها‪ ،‬ولنت نظراته بعد اأن كانت تخطف كالبرق الالمع‪ ،‬وفتحت‬
‫الفتيات اأعينهن ماأخوذات بما كان ينبعث فى ثنايا �سعره من حرارة‪ ،‬حتى انتهى من اإن�ساده‪ ،‬وهو يلهث‬
‫و�سدره يعلو ويهبط فى عنف‪.‬‬
‫نظر نظرة طويلة اإلى عبلة وهو �سامت‪ ،‬وهداأت الأ�سوات لحظة‪ ،‬وعبلة تنظر اإليه فى ده�سة عقدت‬
‫ل�سانها عن اللفظ‪.‬‬
‫لقد كانت تلك اأول مرة �سمعته ين�سد بهذه الحرارة‪ ،‬ويتجه اإليها بهذه النظرة‪.‬‬
‫ثم انفجرت �سيحة من الفتيات‪ ،‬واندفعن نحو عنترة ي�ستعدن اإن�ساده‪ ،‬ولكنه كان مطر ًقا حزينًا �سامتًا‪،‬‬
‫وانفلت م�سر ًعا من بينهن فذهب اإلى فم ال�سعب بطي ًئا فما زال حتى بلغ المكان الذى ترك فيه فر�سه‪ ،‬فوثب‬
‫عليه فانطلق به بين الكثبان وهو غارق فى �سجونه الثائرة‪.‬‬
‫وذهبت الفتيات اإلى حيث �سربت الخيام‪ ،‬واأقبلن على من هناك من الن�ساء‪ ،‬فجعلن يتحدثن اإليهن بما‬
‫كان‪ ،‬وكل منهن تر�سل فى حديثها كلمة ت�سور بها ما اأح�ست من اتجاه عنترة اإلى عبلة فى اإن�ساده العجيب‪،‬‬
‫كانت اأ�سدهن خب ًثا مروة ابنة �سداد‪ ،‬فاأرادت اأن تغيظ عبلة ابنة عمها فجمعت الفتيات وجعلت تن�سد‪ ،‬وهن‬

‫(‪ )1‬معمعة‪� :‬سوت ال�سجعان فى الحرب‪.‬‬


‫(‪� )2‬سيم‪ :‬جمع �سيمة وهى الخلق‪.‬‬
‫(‪ )3‬تهدجت‪ :‬تقطعت‪.‬‬

‫‪13‬‬ ‫دار النمر للطباعه‬


‫(ا) مغنى القافلة‬

‫(‪)2( )1‬‬
‫يرددن م�سفقات فقالت‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ي�سير �سير ال�ق���س��ورة‬ ‫اأم� � � � ��ا راأي� � � �ت � � ��م ع� �ن� �ت���رة؟‬
‫م� ��� �س� �ف ��رة‬ ‫(‪)2‬‬
‫ول � � �م� � ��ة‬ ‫ف � � ��ى ح� � �ل � ��ة م� �ع� ��� �س� �ف ��رة‬
‫وعم� � ��ة مك� � � � ��ورة‬
‫اأم � � � � � � ��ا ��� �س�� �م�� �ع�� �ت� ��م ق � ��ول � ��ه اأم � � � � ��ا ع � ��رف� � �ت � ��م ف� �ع� �ل ��ه؟‬
‫وي� � � � � � � � ��ل ل� � � � � � ��ه ي� � � ��اوي � � � �ل� � � ��ه ي � �ن � �� � �س� ��د م� � �ن � ��ذ ال� �ل� �ي� �ل ��ة‬
‫عنت� � � ��ر عب��د عب � � � � � � � � ��لة‬

‫وتعالى �سحكهن بعد ذلك‪ ،‬وجعلن يرددن الن�سيد‪ ،‬ويعبثن بعبلة حتى غ�سبت‪ ،‬وذهبت نافرة‪ ،‬ف�سرن‬
‫وراءها‪ ،‬وجعلن يجذبنها وهى تدفعهن‪ ،‬حتى دخلت اإلى خبائها‪.‬‬

‫اأ�شئلة الف�شل الأول‬


‫مغنى القافلة‬

‫‪ « 1‬وكان الفتى الحادى ي�صير فى �صدر القافلة اآخ ًذا بزمام بعير عليه هودج قد طرحت عليه ثياب‬
‫ملونة مخططة من حرير يبرق فى �صوء ال�صم�س الغاربة‪ ،‬ويخفق فى رفق مع الن�صيم الهادئ»‪.‬‬
‫(اأ) تخير الإجابة ال�سحيحة مما ياأتى‪ ،‬واكتبها‪:‬‬
‫✦ ✦جمع كلمة (زمام)‪ :‬اأزمة ‪ -‬زمازم ‪ -‬زمازيم‪.‬‬
‫✦ ✦معنى كلمة (هودج)‪ :‬الجمل ‪ -‬قبة فوق ظهر الجمل ‪ -‬الزمام‪.‬‬
‫✦ ✦م�ساد كلمة (�سدر)‪ :‬عجز ‪ -‬و�سط ‪ -‬عنق‪.‬‬
‫(ب)عالم يدل و�سف الهودج بهذه ال�سفات؟‬
‫(ج�) اأين وقف الركب؟ ولمن كان ين�سد الحادى؟‬
‫(د) �سف المكان الذى توقفت فيه القافلة‪.‬‬
‫(ه�) قارن بين هذا المكان وال�ستراحات التى توجد فى الطريق الآن‪.‬‬
‫(و) ع ِّرف بالفتاة التى كانت فى الهودج‪.‬‬
‫(ز) القافلة كانت قادمة من‪( :‬قبيلة هوازن — من اأر�س ال�سربة والعلم ال�سعدى — من يثرب)‪ .‬تخير‬
‫الإجابة ال�سحيحة مما �سبق‪.‬‬
‫(ح ) «وكان الفتى الحادى ي�سير فى �سدر القافلة»‪.‬‬
‫(‪ )1‬الق�سورة‪ :‬الأ�سد‪.‬‬
‫(‪ )2‬اللمة‪ :‬ال�سعر الذى يجاوز �سحمة الأذن‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫✦ ✦ا�سبط الجملة ال�سابقة �سبط ًا كام ًال‪.‬‬
‫✦ ✦ثن كلمة الفتى‪ ،‬واجمعها وغير ما يلزم‪.‬‬
‫‪ 2‬حدد الكاتب معالم �صخ�صية كل من عنترة — عبلة‪ ،‬و�صح ذلك‪.‬‬
‫‪ 3‬لماذا دار عنترة بح�صانه حول الوادى؟ وعالم يدل ذلك؟‬
‫‪ 4‬علل لما ياأتى‪:‬‬
‫✦ ✦كتمان عنترة ذكريات اأحالمه‪.‬‬
‫✦ ✦�سكوى مروة من عنترة‪.‬‬
‫✦ ✦تفريق عنترة للعبيد‪.‬‬
‫�صابحا فى خياله‪ ،‬وهو ينظر اإلى عبلة بين الفتيات‪ ،‬وي�صتمع اإلى �صوتها بين‬ ‫ً‬ ‫‪« 5‬وقف عنترة‬
‫اأ�صواتهن‪ ،‬وامتالأ قلبه �صجنا‪ ،‬األي�س هو عنترة الذى يحمى حمى عب�س اإذا اأغار المغير عليها؟‪...‬‬
‫اأكان فى عب�س كلها بطل ي�صتطيع اأن يثبت له فى نزال»؟‬
‫(اأ) هات م�ساد كلمة (�سجنًا) فى جملة‪ ،‬ومرادف كلمة «نزال» فى جملة اأخرى‪.‬‬
‫األي�س هو عنترة الذى يحمى حمى عب�س اإذا اأغار المغير عليها؟‬
‫اأجب عن ال�سوؤال ال�سابق مرة بالإثبات ومرة بالنفى وغير ما يلزم‪.‬‬
‫(ب) لماذا امتالأ قلبه �سجنًا ؟ وفيم كان يفكر؟‬
‫(ج) �سع الكلمات الآتية مكان النقط فيما ياأتى‪:‬‬
‫(ال�سيال ‪ -‬العرار‪ -‬الأقحوان)‬
‫‪ ........‬نبات اأبي�س ل رائحة له‪.‬‬
‫‪� ........‬سجر �سائك له ق�سر اأحمر‪.‬‬
‫‪ ........‬نبت طيب الريح‪.‬‬
‫على»؟‬
‫(د) لماذا قالت عبلة‪« :‬ح�سبك يا عنترة‪ .‬اإنك تجرئهن ّ‬
‫(ه�) لماذا رف�س عنترة اأن ين�سد �سعره؟ ولماذا ر�سى بعد ذلك؟‬
‫‪ 6‬كيف عرفت عبلة اأن عنترة يحبها؟‬
‫�صابحا فى خياله‪ ،‬وهو ينظر اإلى عبلة بين الفتيات »‬ ‫‪« 7‬وقف عنترة ً‬
‫�سبطا كام ًال‪.‬‬
‫✦ ✦ا�سبط الجملة ال�سابقة ً‬
‫حال مفردة ‪ -‬واأخرى جملة ‪ -‬وثالثة �سبه جملة‪.‬‬ ‫✦ ✦ا�ستخرج منها ً‬
‫‪ 8‬اكتب مو�صوعً ا عن الحياة فى البادية فى �صوء قراءتك لهذا الف�صل‪.‬‬
‫‪ 9‬لماذا ذهبت عبلة اإلى خبائها غا�صبة؟‬
‫‪( 10‬غرائر) هات ثالث كلمات على وزن الكلمة ال�صابقة‪.‬‬

‫‪15‬‬ ‫دار النمر للطباعه‬


‫(‪ )2‬البطل الثائر‬

‫كان القمر يقترب من التمام فى �سهر رجب الحرام‪ ،‬فلم يكن هناك ما يدعو عنترة اإلى الخوف من غارة‬
‫مفاجئة‪ ،‬فما كان العرب لينتهكوا حرمة ذلك ال�سهر الذى تعودوا فيه ق�ساء منا�سك الحج اإلى الكعبة اأو اإقامة‬
‫اأعياد اآلهتهم فى منازل قبائلهم‪ ،‬ولهذا �سار ي�سرب هائ ًما حتى ب�سط القمر نوره ولحت قمم رءو�س النخيل‬
‫والأ�سجار مطبوعة على �سفحة ال�سماء كاأنها لوحة فنان‪.‬‬
‫كان فى �سيره يناجى نف�سه بما فيها من �سجون وهموم‪ ،‬وقد وقع فى قلبه اأنه اأخطاأ واأف�سح‪ ،‬اأو كاد‬
‫يف�سح عما كان ي�سمر فى قرارة �سدره من تعلق بالفتاة التى ملكت عليه فوؤاده‪.‬‬
‫كان يحدث نف�سه باأنه ل يزيد فى نظر النا�س على اأنه عبد ل ينبغى له اإل اأن يقوم على خدمة �سادته الذين‬
‫ائتمنوه‪ ،‬ولكنه كان مع ذلك يح�س فى نف�سه غ�سبة وثورة‪ ،‬وكان يح�س فى نف�سه اأنه فتى الفتيان‪ ،‬واأنه بطل‬
‫عب�س كلها‪ ،‬فلقد طالما ناداه �سادة القبيلة‪ ،‬ليفرج عنهم كربة الحرب اإذا اأغار عليهم الأعداء‪ ،‬وقد طالما لبى‬
‫نداءهم وبرز فى �سدر الفر�سان فال يقف له العدو بعد اأن يذوق من وقع طعناته ما يجعله يوؤثر(‪)1‬الهزيمة‬
‫والفرار‪ ،‬فاإذا ما انجلت الكربة وعاد �سادة عب�س بالن�سر وحملوا من اأموال العدو و�سالحه ما غنمه لهم‪،‬‬
‫حازوا ذلك كله لأنف�سهم فق�سموه بينهم ولم يجعلوا له اإل ن�سي ًبا �سئي ًال‪ ،‬فكانوا ل يجعلون له �سوى ن�سف‬
‫�سهم من الغنائم وي�ستاأثرون هم بكل ما �سلبه لهم من الأعداء‪.‬‬
‫وكان مع هذا ل ينطق بكلمة �سكوى‪ ،‬فما كانت تلك الأموال كلها لتحمله على اأن يتاألم اأو ي�سكو‪.‬‬
‫ولكن �سي ًئا واح ًدا كان يمالأ قلبه حزنًا وغ�س ًبا‪ ،‬وذلك اأنه كان فيهم عب ًدا‪ ،‬لم يكن ا�سمه بينهم �سوى عبد‬
‫�سداد‪.‬‬
‫وكان كلما تاأمل حاله تعجب من نف�سه كيف ير�سى اأن يقيم فى قوم يحميهم ويدافع عنهم ويجلب لهم‬
‫الن�سر ويحمل اإليهم الغنائم ثم ل يجد منهم اإل الإنكار والبخل ول ي�سمع فى ندائهم اإل قولهم «عبد �سداد»؟‪،‬‬
‫وزاد من عجبه اأنه كلما تذكر �سيده �سدا ًدا اأح�س نحوه عط ًفا‪.‬‬
‫كان حب �سداد يمالأ قلب عنترة فال يزعزعه �سىء مما يزعزع حب القلوب‪ ،‬كان �سداد �سورة البطل عند‬
‫عنترة و�سورة ال�سيد و�سورة المعبود‪ ،‬كان يق�سو عليه اأحيانًا ويعنف معه فى الحديث اأحيانًا‪ ،‬بل لقد كان‬
‫اأحيانًا يمد اإليه يده بال�سوط‪ ،‬فيتحمل منه ال�سربة جام ًدا‪ ،‬ول يزيد على اأن يقول له‪:‬‬
‫‪ -‬لن ت�ستطيع اأن ت�سرفنى عن حبك يا �سيدى‪.‬‬
‫وكثي ًرا ما �ساأل نف�سه اأحقًّا ما زعمته زبيبة اأمه‪ ،‬اإذ قالت له فى �سباه اإنه ابن �سداد؟ لقد �سمع هذا القول‬
‫فرحا وكب ًرا‪ ،‬ولكن اأمه كانت تو�سيه األ يعيد قولها للنا�س خوف ًا من اأن يغ�سب‬ ‫يو ًما وهو �سغير فامتالأ قلبه ً‬
‫�سيدها ال�سارم‪ ،‬فلما كبر عنترة و�سار فار�س قومه اأم�سكت زبيبة عن قولها‪ ،‬فكان عنترة كلما اأراد اأن‬
‫ي�ساألها عن ن�سبه راوغته وقالت له‪ :‬اإن �سدا ًدا �سيدها الذى اأكرمها ورباه وربى �سائر اأولدها‪.‬‬
‫(‪ )1‬يوؤثر‪ :‬يف�سل‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫ولكن عنترة كان ي�ساأل نف�سه كلما خال بها‪ :‬األ يكون ذلك الرجل حقًّا اأباه؟ فاإذا لم يكن �سداد اأباه‪ ،‬فما �سر‬
‫ذلك الحب الذى يحمله له‪ ،‬ول ي�ستطيع اأن ينزعه من قلبه مع كل ما يلقى من �سرامته وكبريائه؟‬
‫م�سى عنترة يهيم فى �سوء القمر وهو ي�سبح فى �سجونه(‪ ، )1‬وكان يح�س اأن الحركة فى ذلك الف�ساء‬
‫الذى يغمره النور الرقيق تبعث فى نف�سه راحة؛ وتخفف من �سدة الثورة التى كانت تع�سف بين اأ�سالعه‪،‬‬
‫وكانت �سورة عبلة تتمثل له عند كل خطوة يخطوها‪ .‬كان يرى �سورتها فوق كل �سخرة متالألئة؛ وعند كل‬
‫ثنية(‪ )2‬ظليلة‪ .‬كانت �سورتها تخفق فى الف�ساء الالمع وتنطبع على �سفحة البدر المنير‪.‬‬
‫كانت �سورتُها تمالأ الوجو َد من حوله كما تمالأ ك َّل وجودِه‪.‬‬
‫فهل كانت عبل ُة حقًّا ل تزيد على اأن تكون �سيد ًة وهو عب ُدها‪ .‬اأو عب ُد عمها؟ لقد لحت(‪ )3‬له الحياة باطلة‬
‫كريهة عندما تاأم َل اأنه ل ي�ستطي ُع اأن يجهز بما يحملُه لها‪ ،‬ول يجروؤ على اأن يتطل َع اإلى الت�سامى نحوها‪ ،‬فكان‬
‫حرجا وغ�س ًبا‪.‬‬
‫اأحيانًا يلوم نف�سه على اأنه قد اندفع فتكلم‪ ،‬واأن�سد ال�سع َر حتى بلغ من الأمر اأن �سبب لعبلة ً‬
‫ولكنه كان يعود اإلى نف�سه غا�س ًبا ويلوم نف�سه على اأن ير�سى باأن يبقى فى بنى عب�س عب ًدا‪ ،‬فما الذى يمنعه‬
‫النا�س؟ وما الذى يقع ُد به عن اأن يتطلع َاإلى عبل َة التى امتالأ قل ُبه بحبها؟ فهل ر�سى‬ ‫من اأن يتكل َم كما يتكل ُم ُ‬
‫يح�سه؟ هل ير�سى باأن يبقى بين قومه عبد �سداد‪ ،‬فال ي�سمح‬ ‫باأن يق�سى ك َّل حياتِه عب ًدا خا�س ًعا يكت ُم ما ُّ‬
‫نف�سه عن حقيقة تلك الأقوال التى‬ ‫لنف�سه باأن ينطق بكلمة َت ِن ُّم عن(‪ )4‬حبها؟ وكان كلما �سرح به الفك ُر عاد ف�ساأل َ‬
‫يذهب اإليها‬
‫يكون ذلك حقًّا ؟ وما الذى يمن ُعه من اأن َ‬ ‫�سمعها فى �سباه من اأ ِّمه اإذ قالت له اإن �سدا ًدا اأبوه‪ .‬األ ُ‬
‫فخل�س من الحياةِ‪.‬‬
‫َ‬ ‫في�ساأ ُلها ويعرفُ منها حقيق َة ن�سبهِ؟ فاإذا كان عب ًدا كما يزعمون و�سع ال�سيفَ فى �سد ِره‬
‫ابن �سدا ٍد َف ِل َم ير�سى باأن َ‬
‫يكون بين النا�س عب ًدا؟‬ ‫واأما اإذا كان َ‬
‫الربيع يهب على جبينه‬
‫ِ‬ ‫أح�س اأن نو َر القم ِر يزي ُد فى عينيه بهاء واأن ن�سي َم‬
‫ولما ا�ستقر على هذا الراأى ا َّ‬
‫المتق ِد اأكث َر رفق ًا‪ ،‬واأن رائح َة الزهر تنبعث اإلى �سمه اأزكى عطر ًا واأن منظر ال�سعاب ورءو�س النخي ِل وال�سج ِر‬
‫جمال‪ ،‬ويناديه اأن يزدا َد تعلق ًا بالحياةِ‪.‬‬
‫يفي�س ً‬
‫�سحرى ُ‬‫ٍّ‬ ‫يبدو له قطع ًة من عالم‬
‫م�سرب الخيام خفيف ًا بعد جولتهِ‪ ،‬وذهب قا�س ًدا اإلى خباء عبلة؛ ليرى كيف باتت‪ ،‬وليدور حول‬ ‫ِ‬ ‫وعاد اإلى‬
‫لي�ستريح‪.‬‬
‫َ‬ ‫يذهب اإلى م�سجعِه‬ ‫الأخبي ِة قبل اأن َ‬
‫ودار حو َل اآخر ثنية تُف�سى اإلى فم الوادى‪ ،‬وهو من�سرف اإلى هواج�سه(‪ ، )5‬ف�سمع �سوت ًا يناديه من‬
‫ورائه‪:‬‬
‫لحار�س غاف ٌل‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫اأما اإنك‬
‫فالتفت من المفاجاأةِ‪ ،‬ولكنه ت�سم َر عندما راأى اأخاه �سيبوب واقف ًا فى ظل الثنية بقامتِه الطويل ِة والرم ُح‬
‫فى يمينه مغرو ٌز فى الرمالِ ‪.‬‬
‫�سجونه‪ :‬اأحزانه‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫ثنية‪ :‬منعطف‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫لحت‪ :‬ظهرت‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫تنم‪ :‬تدل وت�سير‬ ‫(‪)4‬‬
‫هواج�س‪ :‬مخاوف‪.‬‬ ‫(‪)5‬‬

‫‪17‬‬ ‫دار النمر للطباعه‬


‫(‪ )2‬البطل الثائر‬

‫فقال يخاطب اأخاه‪:‬‬


‫‪ -‬لم يكن غي ُرك ليفع َل ذلك اأيها الخبيث‪:‬‬
‫حار�س القوم اأنت؟ تبع ُد عن منازلِ الن�ساء وتخلو بنف�سك اإلى مث ِل هذا الوقتِ من‬ ‫ُ‬ ‫فقال �سيبوب‪ :‬بئ�س‬
‫الليل؟‬
‫فقال عنترة‪:‬‬
‫‪ -‬األ�سنا فى ال�سهر الحرا ِم؟‬
‫�سيبوب �ساحك ًا‪:‬‬
‫ُ‬ ‫‪ -‬فقال‬
‫‪ -‬وهل منع ال�سه ُر الحرا ُم من اأراد النتقا َم؟‬
‫فقال عنتر ُة فى كبرياء‪:‬‬
‫يقترب منى‪.‬‬
‫َ‬ ‫�سدقت‪ ،‬ولكن العدو ل يجروؤ على اأن‬
‫�سيبوب‪ :‬وهل يج ُد العد ُّو مث َل هذه الليلةِ؟ اإنك لتناجى النجو َم كاأنك تحد ُثها‪ .‬لقد راأيتك واأنت �سائ ٌر‬ ‫ُ‬ ‫‪ -‬فقال‬
‫واتبعتك بب�سرى حيثُ �سرت‪ ،‬وقد خيل اإلى اأنك تخلو اإلى �سيطانِك‪.‬‬
‫�سيبوب قد �سدقت‪ .‬اإننى اأخلو اإلى �سيطانى‪ ،‬واإنى لأنظ ُر اإلى النجو ِم‪ ،‬فيخي ُل ا َّإلى‬ ‫ُ‬ ‫فقال عنترةُ‪ :‬نعم يا‬
‫اأنها تحدثنى‪.‬‬
‫فقال �سيبوب �ساحك ًا‪ :‬األ تقو ُل لى ما اأوحت به اإليك؟‬
‫فقال عنتر ُة جا ًدا‪ :‬اأظنك ل تفه ُم حدي َثها‪.‬‬
‫�سيبوب �ساخر ًا‪ :‬اأَ ُظنُّها ت�سح ُك منك اأحيانًا‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫فقال‬
‫تغ�سب‪.‬‬
‫ُ‬ ‫فقال عنترةُ‪ :‬اإنها تفع ُل يا اأخى‪ .‬وهى اأحيانًا تبكى واأحيانا‬
‫فقال �سيبوب‪ :‬األ تقو ُل لى ما كانت تحد ُثك به ال�ساعة؟‬
‫�سيبوب وقال‪:‬‬‫ُ‬ ‫أر�س؟»‪ :‬فقهقه‬‫جئت اإلى هذه ال ِ‬ ‫فقاتل عنتر ُة فى حزنِ ‪ :‬كانت ت�سي ُح بى‪« :‬اأيها العب ُد ِل َم َ‬
‫النا�س جميع ًا‪ :‬تقذفُ بهم اأمهاتُهم اإليها‪.‬‬
‫أر�س كما ياأتى ُ‬ ‫أتيت اإلى هذه ال ِ‬ ‫اإنها اإ ًذا لحمقا ُء‪ ،‬لقد ا َ‬
‫أر�س ‪-‬اإنها هى التى جاءت بى اإلى هذه الحياةِ؛‬ ‫�سدقت‪ ،‬اإنها اأمى التى قذفت بى اإلى هذه ال ِ‬ ‫َ‬ ‫فقال عنترة‪:‬‬
‫أر�س ال�سربةِ؛‬
‫لأرعى اإبل �سدادٍ‪ ،‬ولأق�سى نهارى وليلى فى فيافى(‪ )1‬ا ِ‬
‫أحارب من اأجلهم‪ ،‬واأحو َز لهم‬ ‫وال�سباع‪ .‬هى التى قذفت بى اإلى عب�س؛ لكى ا َ‬ ‫ِ‬ ‫الذئاب‬
‫ِ‬ ‫أحمى اإبله من‬ ‫ل َ‬
‫الغنائم التى ي�سمنون عليها‪ ،‬ثم يمرون بى فينظرون ا ّإلى بموؤخر اأعينهم قائلين‪« :‬هذا عبد �سداد»‪ .‬فاإذا ما‬
‫خارجا من ظل‬ ‫وتلهب قلبى فاأثب ً‬ ‫َ‬ ‫جاء الليل اأويت اإلى م�سجعى فال اأكاد اأ�ستق ُّر عليه حتى ت�ساو َرنى الهمو ُم‪،‬‬
‫أنفا�س اللي ِل الباردِ؛ لعلها تُذهِ ُب عنى حرار َة حزنى‪.‬‬ ‫أ�ستروح من ا ِ‬ ‫َ‬ ‫بيتى لكى ا‬
‫�سيبوب فى خفةٍ‪ :‬اأهذا ما دفعك اإلى ال�سيرِ؟‬ ‫ُ‬ ‫فقال‬
‫يلهب ال�سي ُد‬ ‫يلهب ظهرى كما ُ‬ ‫فقال عنتر ُة فى حزنِ ‪ :‬نعم‪ ،‬هذا ما دفعنى اإلى اأن اأهي َم على وجهى‪،‬وكان ُ‬
‫(‪ )1‬فيافى‪ :‬جمع فيفاء وهى ال�سحراء الوا�سعة‪ ،‬والطريق بين الجبلين‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫ظهر عبده بال�سوطِ ‪.‬‬
‫فجل�س اإلى جان ِبه وجعل يم�س ُح را َأ�سه مداعب ًا ثم‬
‫َ‬ ‫جانب‬
‫�سيبوب من ذراع ِه وذهب به اإلى ِ‬
‫َ‬ ‫ومد ي َده فاأخذ‬
‫قال له بعد حين‪:‬‬
‫قلت فاإنى اأحبك يا ابن اأمى‪ ،‬اإنى اأعرفُ اأنك الرج ُل الذى يحبنى اأ�س َّد ِّ‬
‫الحب واأخل�سه‪.‬‬ ‫‪ -‬ل توؤاخذنى بما ُ‬
‫واإنك عندى لأكر ُم من هوؤلء ال�سادة الذين ي�سمخون باأنوفهم كِبر ًا وهم ل ُي�ساوون �سيئ ًا‪ ،‬اإنك ل�سري ُع الجرى‬
‫كالظليم(‪ ،)1‬وما اأبدع منخريك اإذا هما انفتحتا فى جريك كما ينفت ُح منخرا الفر�س الأ�سي ِل وهو يعدو‪ ..‬اإنك‬
‫أيت منظ َر الدماءِ‪.‬‬
‫الرعب الذى يعتريك اإذا را َ‬
‫ُ‬ ‫النف�س‪ ،‬لول هذا‬
‫طيب ِ‬ ‫القلب ُ‬‫ل�سجاع ِ‬ ‫ُ‬
‫يا�سيبوب واأج ُّل مكانَك واإن كنت اأخالفك فى راأ ِيك فيما ُ‬
‫تذهب اإليه‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫فاأنا اأح ُّبك‬
‫برفق ونظ َر نحوه با�سم ًا حتى لمعت اأ�سنانُه البي�سا ُء فى �سو ِء القم ِر وقال له‪:‬‬
‫�سيبوب ٍ‬‫ُ‬ ‫فتمل�س منه‬
‫َ‬
‫الو�ساو�س التى توؤرقُك وت�سنى قلبك‪ .‬دعنى اأيها الم�سكين اأم�سى‬ ‫ِ‬ ‫‪-‬اإنى واهلل اأح ُّبك واأرثى لك من هذه‬
‫يكون قد‬
‫ل�ساأنى فاإنى تركت فى خيمتى ثري ًدا(‪ )2‬وقمت اأبحثُ عنك منذ اأبطاأت فى جولتك‪ ،‬فقد خ�سيت اأن َ‬
‫اأ�سابك �س ٌّر‪.‬‬
‫فتب�س َم عنتر ُة وقال‪ُ :‬ع ْد اإلى ثريدِك فانعم به‪ ،‬ولو كان فى قلبى فراغ ل�ساركتك‪.‬‬

‫فقال �سيبوب وهو يهم بالقيام‪:‬‬


‫يخرج المر ُء من هذه الحيا ِة اإل بهذين‪:‬‬ ‫وا�سرب‪ ،‬فوحق منا َة ما ُ‬ ‫ْ‬ ‫‪-‬ك ْل اأيها الرج ُل‬
‫وال�سراب‪.‬‬
‫ِ‬ ‫الطعا ِم‬
‫فقال عنتر ُة با�سم ًا والمراأة ؟‬
‫يخرج المر ُء بها‪ .‬ومن ذا الذى ينو ُح عليه اإذا ُقتِل؟ ومن ذا الذى‬ ‫�سيبوب �ساحك ًا‪ :‬اأما المراأ ُة فال ُ‬‫ُ‬ ‫فقال‬
‫لتهج�س(‪)3‬بها فى ليل َِك ونها ِرك‬
‫ُ‬ ‫ُيح ِّدثُ النا�س بما لم يك ْن منه؟ ولكنك منذ ذكرتنى بالمراأ ِة يا عنتر ُة اأقو ُل لك اإنك‬
‫وتخفى فى قل ِبك ما ياأبى اإل اأن َيذيع‪.‬‬
‫فالتفت اإليه عنترة باهتما ٍم وقال‪:‬‬
‫‪ -‬ماذا تعنى؟‬
‫�سيبوب‪ :‬اأعنى ما قلت‪.‬‬‫ُ‬ ‫فقال‬
‫فقال عنترةُ‪ :‬دع الخبثَ وقل لى ما تري ُد اأن تقو َله مف�سح ًا‪.‬‬
‫�سيبوب وهو قائ ٌم‪ :‬دعنى اأذهب‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫فقال‬
‫أح�س وجو َدك معى‪ ،‬اإننى‬ ‫أحب اأن ا َّ‬
‫�سيبوب وحدثنى فاإنى ا ُّ‬ ‫ُ‬ ‫فنظر اإليه عنتر ُة فى هدو ٍء وقال‪ :‬اجل�س يا‬
‫يح�سه الطف ُل فى جوار اأمه‪.‬‬
‫أح�س فى جوارك �سي ًئا ي�سبه ما ُّ‬ ‫ا ُّ‬
‫(‪ )1‬الظليم‪ :‬ذكر النعام‪.‬‬
‫(‪ )2‬ثري ًدا‪ :‬فتة الخبز بالمرق‪.‬‬
‫(‪ )3‬تهج�س بها‪ :‬تذكرها‪.‬‬

‫‪19‬‬ ‫دار النمر للطباعه‬


‫(‪ )2‬البطل الثائر‬

‫نف�سها ه ٍّما من اأجلك وتقطع قل َبها‬ ‫ف�سحك �سيبوب وقال‪ :‬ليت زبيب َة اأمك ت�سمع قو َلك هذا‪ .‬اإنها تقتل َ‬
‫حزنًا عليك‪ ،‬ولكنك ما تزا ُل تجفوها‪ ،‬وتعذ ُبها ِ‬
‫بعنف اأقوالِك‪.‬‬
‫فغمغم عنتر ُة كاأنه يحدثُ نف�سه‪:‬‬
‫‪ -‬ليتها لم تكن ولدتنى‪ ..‬األ اأَ ْبلِغتَها اإذا راأيتها اأننى اأمقتها(‪ )1‬واإن كانت اأمى‪ .‬قل لها اإنها اأ�ساأ ُم اأ ٍّم وهبت‬
‫الحياة لوليدها‪ ،‬ثم ا�ساألها عن اأبيك وعن اأبى اإذا عرفتهما‪.‬‬
‫اأتعرفُ زبيب ُة ذلك القر َد الذى انحدرت اأنت من �سل ِبه؟ اأهى تعرفُ القر َد الذى اأولدها عنترة؟ �سلها لعلها‬
‫الجواب كلما �ساألتها‪ .‬لقد �سمعتها‬ ‫ِ‬ ‫�سيبوب‪ ،‬لقد طالما �ساألتها عن اأبى وتاأبى اإل اأن تراو َغنى فى‬ ‫ُ‬ ‫تجي ُبك يا‬
‫أيت ذلك الرج َل الذى يدعونه‬ ‫يو ًما تقو ُل لى اإننى اب ُن �سدادٍ‪ .‬ولكنها ل تر�سى اأن تعيدها على �سمعى‪ ،‬وكلما را ُ‬
‫هممت اأن اأ�ساأ َله فتخوننى قوتى ‪.‬‬ ‫�سيدى ويدعوننى عب َده ُ‬
‫�سيبوب وقال‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ف�سحك‬
‫�سيبوب عب ُد �سدا ٍد واب ُن زبيبة‪ ،‬لقد كان اأبى‬ ‫ٌ‬ ‫ر�سيت باأننى‬
‫ُ‬ ‫ع ِّذ ْب نف�سك كما �سئت اأن تعذ َبها‪ .‬واأما اأنا فقد‬
‫طفال �سغي ًرا اأننى كنت اأعي�س ح ًّرا‬ ‫را�س يا عنترةُ‪ .‬اأذكر منذ كنت ً‬ ‫من �سميم جلدتى‪ ،‬واإذا كان قر ًدا فاإنى به ٍ‬
‫يلب�س جل َد النمر فوق‬ ‫فى بالدى هذه قبل اأن اأُح ْم َل اإلى هذه ال�سحراء ول اأزال اأذك ُر اأبى وهو عائ ٌد اإلى البيتِ ُ‬
‫غام�س‪ ،‬وكنت اأنع ُم فيها بحريتى كما تنع ُم القرد ُة بحريتها اأذكر‬ ‫كتفِه‪ .‬نعم اأذك ُر تلك الأيام البعيد َة كاأنها حل ٌم ٌ‬
‫يكون لى ا ٌأب �سوى ذلك ال ِأب الذى جاء بى‪ .‬واأما‬ ‫أحب اأن َ‬ ‫ذلك ك َّله‪ ،‬واأمتلئ كب ًرا؛ لأننى لم اأولد عب ًدا‪ ،‬ول�ست ا ُّ‬
‫الهوان فاطلب من �سئت منهم‬ ‫َ‬ ‫فل�ست تر�سى اإل اأن تكون ابنًا لأحد هوؤلء الجفا ِة الغالظِ الذين ي�سومونك‬ ‫اأنت َ‬
‫�سيبوب‬
‫ُ‬ ‫عنف‪ .‬ف�ساح‬ ‫من الآباء ‪ .‬وه َّم اأن يم�سى فى �سبيله ولكن عنتر َة جذبه اإليه من �ساعدِه فاأجل�سه فى ٍ‬
‫ً‬
‫قائال‪:‬‬
‫عنيف اإذ تجذبنى هكذا فتكاد تدقُّ عظامى‪ :‬دع ذراعى‪ ،‬فاإنك تع�س ُرها ع�سر ًا مثل ك َّالب‬ ‫‪-‬اأما اإنك َلف ٌَّظ ٌّ‬
‫على وتعنفنى‪.‬‬ ‫ومازلت منذ الليل ِة تحم ُل َّ‬ ‫َ‬ ‫الحدي ِد‬
‫فقال عنترة با�سم ًا‪:‬‬
‫النا�س من‬
‫النف�س‪ ،‬وقلبى ممتلئ حق ًدا‪ ،‬ولكنى ل اأج ُد فى ِ‬ ‫�سيبوب فاإننى الليل َة �سيئ ِ‬ ‫ُ‬ ‫‪ -‬ل توؤاخذنى يا‬
‫ان�سرف عنى‪ ،‬واأطم ُع‬ ‫َ‬ ‫ينف ُِّ�س عنى �سِ واك‪ ،‬اإنك الرج ُل الذى اأثقُ فى َعطفه اإذا تحدثت اإليه‪ ،‬واآمن جانبه اإذا‬
‫عنفت عليه‪ ،‬اأنت �سريكى فى حربى‪ ،‬وبك اأحمى ظهرى‪ ..‬عينُك الحاد ُة تب�س ُر لى ما خفى عنى‪،‬‬ ‫فى عفوه اإذا‪ُ ،‬‬
‫و�ساقُك ت�سعى فى حرا�ستى‪ ،‬فحدثنى واأ�سدقنى‪ .‬فنحن فى هذه الحياة وحيدان ل يعرفُ اأح ُدنا اإل اأخاه‪.‬‬
‫أر�س من هو اأحنى عليك منى‪ ،‬ول من يعرفُ قد َرك مثلى‪.‬‬ ‫�سيبوب فى هذه ال ِ‬ ‫ُ‬ ‫ول�ست تجد يا‬
‫َ‬
‫و�س َمت حينًا ثم قال‪:‬‬
‫الكلمات موق ًعا من �سيبوب فعدل عن َعتْبه‪َ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫فوقعت هذه‬
‫كنت ل‬‫أحب ا َّإلى مما ير�سينى‪ .‬ولقد ُ‬ ‫تحب يا عنترةُ‪ ،‬اإن ما ير�سيك ا ُّ‬‫أحب اأن اأبعث اإلى نف�سِ ك ما ل ُّ‬ ‫ل�ست ا ُّ‬
‫‪ُ -‬‬
‫فوجدت فيك اأم ًال جدي ًدا‪.‬‬
‫ُ‬ ‫كبرت و َق ِوى �ساع ُدك‬
‫فوجدت فيك رفيقَ لعبى‪ .‬ثم َ‬ ‫ُ‬ ‫أنت‬
‫اأعرف لى �ساح ًبا حتى ُولِدت ا َ‬
‫(‪ )1‬اأمقت‪ :‬اأكره‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫أ�سبحت ُع َّدتى ومالذى‪ ،‬فاأنا بك ُم َبا ٍه م ْع َج ٌب ا ُّ‬
‫أح�س ا َّأن ما تبنى‬ ‫َ‬ ‫فار�س عب�س ا‬
‫و�سرت َ‬ ‫َ‬ ‫بلغت مبل َغ الرجالِ‬‫فلما َ‬
‫من المج ِد هو مجدى‪ ،‬واأن ما تنا ُل من ال�سع ِد هو �سعدى ول�ست اأبالى اأنك ابن اأمى فاإننى معك كاأننا ن�سير فى‬
‫أخف الأقوالِ عليك‪ ،‬فال اأظه ُر‬ ‫ألتم�س ا َّ‬‫مفاز ِة(‪ )1‬ل نجاة لأحدنا اإل باأن ي�سل َم �ساح ُبه ولهذا كنت فى ن�سحى لك ا ُ‬
‫أظن اأن اأم َرك يو�س ُك اأن ي�سير اإلى عقد ٍة ل ينبغى‬ ‫لك راأيى اإل فى قولٍ عابث يق ُع من نف�سِ ك وق ًعا لينًا‪ ،‬ولكنى ا ُّ‬
‫لك ول لى اأن نغفل عن حلِّها‪.‬‬
‫الج ِّن‬
‫�سوت ِ‬ ‫ُ‬ ‫متموجا كاأنه‬
‫ً‬ ‫�سوت غنا ٍء ينبعثُ من ناحي ِة الخيا ِم يحملُه الن�سي ُم متدفقِّا‬ ‫ُ‬ ‫وعند ذلك ُ�سمع‬
‫ينبعثُ من بطون الفال ِة(‪.)2‬‬
‫فقال عنتر ُة يقط ُع حديثَ اأخيه‪:‬‬
‫�سيبوب‪ .‬اإنها مازالت مع �ساحباتها تغنى‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ال�سوت يا‬
‫َ‬ ‫‪ -‬اأما ت�سم ُع هذا‬
‫يكون لهن اإذا لم يكن الغنا ُء حين ًا والبكا ُء حين ًا؟‬ ‫�سيبوب‪ :‬وماذا ُ‬ ‫ُ‬ ‫فقال‬
‫�سيبوب اأن اأتحدثَ اإليك عنها‪،‬‬‫ُ‬ ‫ل�ست اأخ�سى يا‬
‫�سوت عبلة‪ُ .‬‬ ‫لين‪ :‬اإنه �سوتُها‪ ،‬وهو ُ‬ ‫فقال عنتر ُة فى �سوتٍ ِ‬
‫�سغاف قلبى‪ ،‬وك ُّل نغم ِة منه تَ�سرى فى عروقى‪ ،‬ل بل‬ ‫ِ‬ ‫ألهج معك بذكرها‪ .‬اإن �سوتَها يق ُع فى‬ ‫يطيب لى اأن ا َ‬‫بل ُ‬
‫الخ�سي�س من �سعو ِرنا‪.‬‬
‫َ‬ ‫اإنى اأج ُد فيه حِ ًّ�سا ل اأقد ُر اأن اأ�سفَه بهذه الألفاظِ التى اأعتدنا اأن ن�سفَ بها‬
‫�سيبوب قائ ًال‪ :‬اإنك تاأبى اإل اأن تقول ال�سع َر فى ك ِّل ما تنط ُق به عنها‪ ،‬اإننى اأرح ُمك ول اأملك اأحيانًا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ف�سحك‬
‫تكون كالكاهِ ن اإذا رفع يديه بال�سالة اأمام وثنِه‪.‬‬ ‫وقفت اأمامها ُ‬ ‫أعجب منك كيف تنظ ُر اإليها‪ .‬اإنك اإذا َ‬ ‫اإل اأن ا َ‬
‫أح�سه واأنت لم تقا�س مث َل حبى؟‬ ‫فقال عنترةُ‪ .‬واأنَّى لك اأن َ‬
‫تدرك ما ا ُّ‬
‫والحب يا عنترة؟ اإن الن�سا َء بع�سهن من بع�س فلي�س لإحداهن عندى على الأخريات‬ ‫ُّ‬ ‫�سيبوب‪ :‬مالى‬‫ُ‬ ‫فقال‬
‫مزي ٌة‪ ،‬فما الذى يحملنى على اأن اأرى فى واحد ٍة ما ل اأراه فى �سواها؟ كلهن يرق�سن ويغنين وي�سحكن‬
‫يحب غي َرها‪ ،‬لكى تكي َد لها وتهز َمها‪ .‬ل فرقَ بين واحد ٍة‬ ‫ويثرثرن وياأكلن وي�سربن‪ ،‬وكل منهن تتطل ُع اإلى من ُّ‬
‫يكون فمها اأو�س َع اأو اأ�سيقَ ‪.‬‬‫أنف �ساحبتها اأو اأق�س َر‪ ،‬اأو اأن َ‬ ‫واأخرى اإل اأن يكون اأنفُ اإحداهن اأطو َل من ا ِ‬
‫و�سكت الغناء عند ذلك‪ ،‬فقال عنترة‪:‬‬
‫قولك فاإنى لم اأكن اأ�سمعه‪ ،‬ام�س فى حديثك يا اأخى‪ ،‬فاإنه يقع على‬ ‫على َ‬ ‫‪ -‬ماذا كنت تقول يا �سيبوب ؟ اأعد َّ‬
‫�سمعى وقوع الندى على الع�سب الأخ�سرِ‪.‬‬
‫ف�سحك �سيبوب ً‬
‫قائال‪:‬‬
‫دمت لم ت�سمعه‪.‬‬ ‫‪ -‬لن اأعي َده عليك ما َ‬
‫فقال عنتر ُة با�س ًما‪:‬‬
‫كنت تقو ُل لى اآن ًفا؟ ا َ‬
‫أكنت تقو ُل‬ ‫‪ -‬ام�س فى حديثِك‪ ،‬واإن كان خبي ًثا‪ .‬حدثنى عن نف�سى وعن نف�سِ ك‪ .‬ماذا َ‬
‫اإن اأمرى قد اآل(‪ )3‬اإلى عقد ٍة لبد اأن نحتا َل فى حلِّها؟ فما تلك العقد ُة التى تخ�سى اأن يئو َل اأمرى اإليها‪.‬‬
‫(‪ )1‬المفازة‪ :‬ال�سحراء‪.‬‬
‫(‪ )2‬الفالة‪ :‬ال�سحراء والجمع فلوات وفال‪ً.‬‬
‫(‪ )3‬اآل ‪� :‬سار‪.‬‬

‫‪21‬‬ ‫دار النمر للطباعه‬


‫(‪ )2‬البطل الثائر‬

‫فقال �سيبوب جا ًّدا‪:‬‬


‫الحب غليها‪ ،‬واأخ�سى عليك عاقب َة‬ ‫تعذب نف�سك بهذا الوهم الذى يمل ُكها‪ ،‬فاأنت ترى عبلة بعين غطى ُّ‬ ‫‪-‬اإنك ُ‬
‫هذا الوه ِم الذى ي�سللُها‪.‬‬
‫على؟‬
‫فقال عنتر ُة �ساخ ًرا‪ :‬ومم تخ�سى َّ‬
‫تح�سب اأنك منهم وهم ل يرون اإل اأنك‬ ‫ُ‬ ‫عليك‪ .‬اأخ�سى عليك اأه َلها وقو َمها‪ .‬اإنك‬ ‫�سيبوب‪ :‬نعم اأخ�سى َ‬ ‫ُ‬ ‫فقال‬
‫ول�ست‬
‫ُ‬ ‫عرفت ذلك ولم�ستُه‪ ،‬و�سمعتُه‪.‬‬ ‫عب ُدهم‪ .‬اأخ�سى عليك اأباها مال ًكا واأخاها عم ًرا فهما ل ي�سمران لك ح ًّبا‪ُ .‬‬
‫أتج�س�س بين البيوتِ ؛ لكى اأت�سم َع الأحاديثَ عنك‪ ،‬خو ًفا عليك‪ ،‬مما يدبرونه لك‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫كنت اأحيانًا ا‬ ‫اأكذبك‪ ،‬اإننى ُ‬
‫كنت‬
‫�سمعت الفتياتِ يت�ساحكن ويتغامزن واأنت تن�س ُد؟ لقد ُ‬ ‫َ‬ ‫أتظن النا�س ل يتحدثون عن حبك لعبلة؟ اأما‬ ‫ا ُّ‬
‫اأراك واأراهن‪ ،‬واأ�سمعك واأ�سمع اأحاديثهن‪ .‬واإنهن ليمكرن بك‪ .‬ويقلن فى خلواتهن ما ل ت�سم ُع منهن‪ .‬اإن‬
‫تح�سب اأنك تخفى ح َّبك فى ثنايا �سد ِرك‪ .‬فما اجتمع قو ٌم فى نا ٍد اإل ذكروها‬ ‫ُ‬ ‫النا�س يتحدثون عنك‪ ،‬واأنت‬ ‫َ‬
‫هم�س ليزيدوا من النقم ِة عليك‪ .‬يقولون‪ :‬اإنك تقول ال�سع َر فيها‪ ،‬ويقولون‪ :‬اإنك‬ ‫وذكروك‪ ،‬ولكنهم يذكرونك فى ٍ‬
‫النا�س حدي ًثا‪ .‬ولم اأكن هاز ًل واأنا اأقو ُل لك الليلة‪:‬‬ ‫قد جعلتها بين ِ‬
‫اإن �س َّرك ياأبى اإ َّل اأن يذي َع ‪.‬‬
‫الغ�سب‪:‬‬
‫ِ‬ ‫فقال عنتر ُة فى �سىء من‬
‫كنت اأخفى عن النا�س ذك َرها خو ًفا منى عليها ل خ�سي ًة منهم على نف�سى‪:‬‬ ‫‪ -‬وهل يخيفنى اأن يعرفوا؟ لقد ُ‬
‫�سيبوب‪ :‬وهل غرتك تلك الب�سمات التى تراها منها‪ :‬اإنها ل ترى فيك اإ َّل عب ًدا مطرب ًا‪ ،‬اإنها ل ت�ستهى‬ ‫ُ‬ ‫فقال‬
‫اإ َّل حدي َثك و�سع َرك؛ لأنها فتا ٌة معجب ٌة بنف�سِ ها‪.‬‬
‫فتحرك عنترة فى غيظٍ ‪ ،‬وقال فى �سوتٍ اأج�س‪:‬‬
‫�سيبوب ويكذب من يقو ُل مثلها‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫تكذب يا‬ ‫‪ -‬بل ُ‬
‫�سيبوب مترد ًدا‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫فقال‬
‫أقذع من ذلك فيك اأنت اإذ تتطلع اإليها‪ ،‬فقال عنتر ُة فى �سيح ٍة مكتومةٍ‪:‬‬ ‫‪ -‬واإنهم ليقولون ما هو ا ُ‬
‫الكلمات‬
‫ُ‬ ‫كنت طف ًال‪ .‬ولقد كانت‬
‫�سيبوب‪ ،‬وقد �سمعت ُه باأذنى‪ ،‬نعم �سمعته باأذنى منذ ُ‬ ‫ُ‬ ‫على يا‬ ‫‪ -‬ل يخفى ذلك َّ‬
‫أثب عليه‪،‬‬ ‫كنت اأثو ُر بمن يعيرنى باأمى فا ُ‬ ‫تق ُع على اأذنى وق َع الطعناتِ من الرماح الم�سمومة‪ ،‬األ تذك ُر كيف ُ‬
‫�سيبوب‪ ،‬وكن اأنت على الأقل بى رفي ًقا‪ .‬تَرف َّْق بى‪ ،‬ول ُت ِع ْد هذه الأقوا َل‬‫ُ‬ ‫افترا�سا؟ ولكن مه ًال يا‬ ‫ً‬ ‫أفتر�سه‬
‫واأكاد ا ُ‬
‫على اأذنى‪:‬‬
‫�سيبوب هازئ ًا‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫فقال‬
‫أحجب عنك ما عندى‪ .‬اإنى‬ ‫‪ -‬ليتنى كنت ل اأح ُّبك فكنت اأمتن ُع عن ك ِّل كلم ٍة توؤذى �سم َعك‪ ،‬ولكنى ل اأقد ُر اأن ا َ‬
‫اأ�سفقُ عليك من عبل َة نف�سِ ها‪.‬‬
‫تكذب!‬
‫تكذب! اإنك ُ‬ ‫ف�ساح عنترةُ‪ :‬اإنك ُ‬
‫�سيبوب فى عنادٍ‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫فقال‬
‫‪22‬‬
‫نف�سك عنها‪ ،‬ول‬
‫تخدع َ‬ ‫الحب يحمل ُك على اأن َ‬ ‫تعرف الحقَّ ‪ .‬اإنك تح ُّبها وهذا ُّ‬ ‫‪ -‬ل بل اأنت الذى ل تري ُد اأن َ‬
‫أتح�سب اأنها تختا ُرك على �ساداتِ قومها؟ لعمرى‬‫ُ‬ ‫أتح�سب اأن عبل َة تر�سى بك زوج ًا؟ ا‬ ‫ُ‬ ‫تري ُد اأن ترى ما اأما َمك‪ .‬ا‬
‫اإنها لو �سمعت اأنك تخط ُبها ل�سحكت قائل ًة‪ « :‬ل اأري ُد من عنتر َة اإ َّل �سعر ًا»‪.‬‬
‫ف�سكت حينًا ثم اتجه اإليه‬
‫َ‬ ‫�سيبوب يم�سى فى حديث ِه لول اأنه �سم َع اأخاه يغمغ ُم بلفظٍ لم يتبينه‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫وكاد‬
‫أكنت تقو ُل �سي ًئا؟‬
‫قائال‪ :‬ا َ‬
‫رفق ورقةٍ‪:‬‬‫فلم يجب عنتر ُة بل م�سى فى غمغمته حينًا ‪ ،‬ثم نطق ب�سع ٍر يم ُّد به �سوتَه فى ٍ‬
‫النوائب‬
‫ِ‬ ‫أطلب اأمنا من �سروف‬ ‫وا ُ‬ ‫اأع ��ات ��ب ده� � � ًرا ل ي �ل �ي � ُن ل�ع��ات� ِ�ب‬
‫بالثعالب‬
‫ِ‬ ‫ول ر ِّوعت اأُ�س ُد ال�سرى‬ ‫ولول الهوى ما ذ ّل مثلى لمثلِهم‬
‫أقبلت تجول بها الأبطال من كل جانب‬ ‫�سيذك ُرنى قومى اإذا الخي ُل ا ْ‬

‫ولما انتهى من اإن�ساده اتجه اإلى اأخيه قائال‪:‬‬


‫تح�س‬ ‫أح�س كاأن ثق ًال يهبط على �سدرى‪ .‬اإننى اأعذرك يا �سيبوب فل�ست تقدر على اأن تنظر بعينى ول اأن َّ‬ ‫‪ -‬ا ُّ‬
‫كنت عنك‬ ‫أكون اإ َّل كما ترانى‪ .‬ماذا كنت تقول لى فقد ُ‬ ‫حظا منى‪ ،‬ولكنى ل اأر�سى اأن ا َ‬ ‫تكون اأ�سع َد ًّ‬ ‫بقلبى وقد ُ‬
‫له ًيا‪.‬‬
‫فقال �سيبوب �ساح ًكا‪:‬‬
‫وجدت اإليك �سبي ًال‪ ،‬ول اأمل ُك اإل اأن‬‫ُ‬ ‫ظننت اأننى قد‬
‫تهرب منى ب�سمعِك كلما َ‬ ‫‪ -‬لن اأعيد عليك قولى‪ :‬اإنك ُ‬
‫الحرب هو ًل!‬
‫ِ‬ ‫أعجب منك كلما راأيتك تخ�س ُع لهذا الوهم كاأنك فتا ٌة حمقا ُء اأهذا اأنت عنتر ُة الذى يمالأُ معامع‬ ‫ا َ‬
‫فقال عنتر ُة فى هدوء‪:‬‬
‫ول�ست‬
‫ُ‬ ‫�ساخط عليهم جميع ًا‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫‪ -‬اأظنك كنت تُخوفنى غ�سب مالك‪ ،‬وابنِه عمرو وقومِهم من عب�س‪ ،‬اإننى‬
‫اأخ�سى اأن يكونوا كلهم على غ�ساب ًا‪.‬‬
‫ل�ست اأبالى مال ًكا ول ابنه ول قو َمه اإذا هم علموا حبى‪ ،‬فلقد كنت اأكتمه عنهم حتى ل ي�سيب عبلة منه‬
‫على اأنا؟ وحق مناة واآلهة العرب كلها ما اأزنهم جمي ًعا بقطر ٍة من دمع عبل َة اإذا‬ ‫�سى ٌء‪ .‬اأتخوفنى بغ�سبهم َّ‬
‫م�سها ما يبكيها‪.‬‬ ‫َّ‬
‫و�سكت لحظ ًة ثم قال‪ :‬اإنها اأَ َملى فى الحياةِ‪ ،‬ولول هذا الأمل لما بقيت فوق الأر�س يو ًما‪.‬‬ ‫َ‬
‫�سيبوب هاز ًئا‪:‬‬
‫ُ‬ ‫فقال‬
‫‪ -‬اإ ًذا فاأحرق كبدك فى تمنى ما ل �سبي َل اإليه‪.‬‬
‫فقال عنتر ُة فى حزنٍ ‪:‬‬
‫تن�سمت‬
‫ُ‬ ‫‪ -‬ل�ست اأملك ُه حتى اأ�سر َف ُه عنها‪ ،‬اإنى اإذا راأيتُها اأ�ساءت لى الآفاقَ واإن كانت مظلم ًة‪ ،‬واإذا‬

‫‪23‬‬ ‫دار النمر للطباعه‬


‫(‪ )2‬البطل الثائر‬

‫�سيبوب فكاأن‬
‫ُ‬ ‫دبيب ال�سعاد ِة واإن كان ال�سقا ُء يكتنفنى(‪ .)2‬واإذا حدثتها‪ :‬اإذا حدثتها يا‬ ‫أح�س�ست َ‬
‫ُ‬ ‫ريحها(‪ )1‬ا‬
‫اأغاريد(‪ )3‬الطير تُطربنى فى الأ�سحا ِر‪ ،‬واإذا �سمعت �سوتَها وقع عندى موقع البل�سم(‪ )4‬على القرحةٍ‪ .‬اإنى‬
‫أطلب الن�س َر ل اأريد منه اإ َّل اأن اأفو َز بب�سم ٍة منها‪.‬‬
‫الحروب لأحمى قومها‪ ،‬وا ُ‬
‫َ‬ ‫أخو�س‬
‫لأرقُّ للن�سا ِء من اأجلها‪ ،‬وا ُ‬
‫أحر�س عليه غي َر محبتها‪ ،‬فهى معنى حياتى وغاي ُة اآمالى‪.‬‬ ‫النا�س؛ لأننى ل اأعرفُ �سيئ ًا ا ُ‬
‫يحر�س عليه ُ‬ ‫ُ‬ ‫واأبذ ُل ما‬
‫�سوت الغناء فجاأ ًة وحمله الن�سي ُم كما كان يحمله من قب ُل متموج ًا متدفق ًا‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وعاد‬
‫فقال عنترةُ‪:‬‬
‫�سيبوب فاإنها تغنى‪.‬‬
‫ُ‬ ‫‪ -‬ا�سمع يا‬
‫مبتهجا‪:‬‬
‫ً‬ ‫واأ�ساخ ب�سمعه ين�ست اإلى الغنا ِء ثم قام خفي ًفا‪ ،‬وقال‬
‫تحب اأن نقرب من خبائها لن�سم َع؟‬ ‫‪ -‬األ َّ‬
‫ثم جذب اأخاه من يدهِ‪ ،‬و�سارا نحو الخيا ِم‪ ،‬فلما اقتربا حتى ا�ستطاعا تبين اللفظ وقف عنتر ُة فجاأة‪،‬‬
‫وقال فى �سيح ٍة مكتومةٍ‪:‬‬
‫‪ -‬لقد �سح ظنى يا �سيبوب‪ :‬اأما ت�سمع؟ اإنها تغنى ب�سعرى‪.‬‬
‫ثم اندفع م�سر ًعا بين الخيا ِم‪ ،‬فراأى الفتياتِ والن�سا َء فى و�سطها يجل�سن فى حلق ٍة حول النا ِر‪ ،‬ونور‬
‫القمر ي�سط ُع باه ًرا‪ ،‬فلما راآه الن�سوة �سحن‪:‬‬
‫‪ -‬هذا عنترة‪.‬‬
‫وبنات عمها يتعلقن باأذيالها ليم�سكنها‬ ‫وقعت عين ُه فى عينى عبلة فقامت على ا�ستحيا ٍء م�سرع ًة اإلى خبائها ُ‬
‫يفي�س ِب�سْ ًرا‪.‬‬
‫الكثيب ين�سده من �سعرِه‪ ،‬وقلبه ُ‬ ‫ِ‬ ‫وق�سى عنترة الليلة مع اأخيه على جانب‬

‫تن�سمت ريحها‪ :‬مر على ذكرها كالن�سيم‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬


‫يكتنفنى‪ :‬يحيط بى‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫اأغاريد‪ :‬غناء‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫البل�سم‪ :‬الدواء‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪24‬‬
‫اأ�شئلة الف�شل الثانى‬
‫البطل الثائر‬

‫‪« 1‬وكان كلما تاأمل حاله تعجب من نف�صه‪ ،‬كيف ير�صى باأن يقيم فى قوم يحميهم ويدافع عنهم‪،‬‬
‫ويجلب لهم الن�صر‪ ،‬ويحمل اإليهم الغنائم‪ .‬ثم ل يجد منهم اإل الإنكار والبخل‪ ،‬ول ي�صمع فى‬
‫ندائهم اإل قولهم «عبد �صداد»؟ وزاد من عجبه اأنه كلما تذكر �صيده �صدادًا اأح�س نحوه عط ًفا»‪.‬‬
‫(اأ) �سع مرادف (يجلب) فى جملة‪.‬‬
‫✦ ✦ماذا اأفاد عطف البخل على الإنكار؟‬
‫✦ ✦ما دللة تنكير «عط ًفا» ؟‬
‫(ب)مم كان يتعجب عنترة؟ ولماذا ر�سى بحالته؟‬
‫(ج�) ما ال�سلوك ال�سوى الذى كان يجب على عنترة اأن ينفذه؟‬
‫( د ) ما �سر حبه وعطفه على �سداد على الرغم من �سرامته وكبريائه؟‬
‫(ه�)« دار حوار بين البطل ونف�سه»‬
‫✦ ✦لخ�س هذا الحوار‪.‬‬
‫✦ ✦بين دللته‪.‬‬
‫✦ ✦وما النتيجة التى انتهى اإليها الحوار؟‬
‫‪ 2‬اأحداث هذا الف�صل تطور العقدة الغرامية‪ ،‬وعقدة العبودية‪ .‬و�صح‪.‬‬
‫‪ 3‬قال �صيبوب‪« :‬نعم اأذكر تلك الأيام البعيدة كاأنها حلم غام�س‪ ،‬وكنت اأنعم فيها بحريتى ‪،....‬‬
‫واأمتلئ كب ًرا؛ لأننى لم اأولد عبدًا‪ ،‬ول�صت اأحب اأن يكون لى اأب �صوى ذلك الأب الذى جاء بى‪،‬‬
‫واأما اأنت فل�صت تر�صى اإل اأن تكون اب ًنا لأحد هوؤلء الجفاة الغالظ الذين ي�صومونك الهوان‬
‫فاطلب من �صئت منهم من الآباء»‪.‬‬
‫(اأ) تخير الإجابة ال�سحيحة مما ياأتى‪ ،‬واكتبها‪:‬‬
‫✦ ✦مفرد كلمة «الجفاة»‪ ( :‬الجافى ‪ -‬الفج ‪ -‬الجائف )‪.‬‬
‫✦ ✦مفاد كلمة «الهوان»‪ ( :‬الكثرة ‪ -‬العزة ‪ -‬الكبر)‪.‬‬
‫✦ ✦معنى كلمة «ي�سوم»‪ (:‬يبيع ‪ -‬يطلب‪ -‬يريد ذله)‪.‬‬
‫(ب)ت�سير العبارة اإلى الأ�سل الذى انحدر منه كل من �سيبوب وعنترة‪ .‬و�سح‪.‬‬
‫(ج�) قارن بين حال �سيبوب وحال عنترة فى �سوء العبارة ال�سابقة‪.‬‬
‫(د) عين اأ�سلوبى توكيد فى العبارة‪ ،‬واذكر الغر�س البالغي لالأمر فى قوله «فاطلب من �سئت من الآباء»‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫دار النمر للطباعه‬
‫(‪ )2‬البطل الثائر‬

‫(ه�) �سخ�سية �سيبوب �سخ�سية ثانوية‪ ،‬ولكنها تقوم باأعمال جوهرية و�سح ذلك‪.‬‬
‫(و) َع ِّين ال�سواب مما ياأتى‪:‬‬
‫✦ ✦�سيبوب ل ير�سى اأن يكون عبد �سداد وابن زبيبة‪.‬‬
‫✦ ✦عنترة ولد عب ًدا و�سيبوب ولد ح ًّرا‪.‬‬
‫✦ ✦ل فرق بين امراأة واأخرى فى نظر عنترة‪.‬‬
‫✦ ✦كالم �سيبوب يقع على �سمع عنترة وقوع الندى على الع�سب الأخ�سر‪.‬‬
‫✦ ✦عنترة يعذب نف�سه بحبه عبلة‪.‬‬
‫‪ 4‬حديث �صيبوب عن عبلة يت�صم‪:‬‬
‫✦ ✦بالواقعية‪.‬‬
‫✦ ✦بالرومان�سية‪.‬‬
‫✦ ✦بالكذب‪.‬‬
‫اختر الإجابة ال�سحيحة للجملة معل ًال لما تقول‪:‬‬
‫‪ « 5‬اإنى اإذا راأيتها اأ�صاءت لى الآفاق واإن كانت مظلمة‪ ،‬واإذا تن�صمت ريحها اأح�ص�صت دبيب ال�صعادة‬
‫واإن كان ال�صقاء يكتنفنى‪ ،‬واإذا حدثتها‪ .......‬فكاأن اأغاريد الطير تطربنى فى الأ�صحار‪ ....‬فهى‬
‫معنى حياتى وغاية اآمالى»‬
‫(اأ) ما معنى تن�سمت ؟ هات مفرد اأغاريد فى جملة‪ ،‬وما الفرق بين الريح والعا�سفة؟‬
‫(ب)تبرز العبارة جان ًبا من جوانب �سخ�سية عنترة‪ .‬و�سح‪.‬‬
‫(ج) اأكانت عبلة تبادل عنترة �سعوره؟ ناق�س‪.‬‬
‫(د) ما الموانع التى تقف بينه وبين الت�سريح بحبه؟‬
‫‪ 6‬لخ�س الف�صل مبر ًزا �صخ�صية �صيبوب ونظراته فى الحياة‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫(‪ )3‬الطريق اإلى احلقيقة‬

‫الركب اإلى حل ِة َعب�س‪ ،‬وكان يوم عودته موع َد العيد ال�سنوى الذى تقيمه القبيل ُة فى مو�سم‬ ‫عاد عنتر ُة مع ِ‬
‫فذهب اإلى بيتِ اأ ِّمه اأو َل �سى ٍء بع َد عودته‪ ،‬وكانت‬
‫القلب للعيدِ‪َ ،‬‬
‫فارغ ِ‬ ‫الح ِّج فى �سهر رجب‪ .‬ولكن عنتر َة لم يكن َ‬ ‫َ‬
‫زبيب ُة من�سرف ًة اإلى غزلِها‪ ،‬فلما راأته داخ ًال وثبت قائم ًة وقالت له وهى تفت ُح له ذراعيها ‪:‬‬
‫‪ -‬مرحب ًا بك يا ولدى‪ ،‬ما اأ�س َّد �سوقى اإلى روؤ ِيتك؟‬
‫والغ�سب يبدو‬
‫ُ‬ ‫رمحه و�سيفَه‪ :‬وجل�س على فرو ٍة‬ ‫جانب من الخبا ٍء فرمى فيه َ‬ ‫جب عنتر ُة بل ذهب اإلى ٍ‬ ‫فلم ُي ْ‬
‫فى معال ِم وج ِهه‪ .‬فقالت له زبيب ُة‪:‬‬
‫‪ -‬اأ ِب َك �سى ٌء يا ولدى؟‬
‫فنظر اإليها عنتر ُة فاتر ًا ولم ُيجب‪ ،‬فا�ستم َّرت قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬اأيحزنُك �سى ٌء اأ�سابك؟ هل األ َّم بك فى طريقك ما اأغ�سبك؟ هل لك اأن تُف�سى ا َّإلى بما ُيحزنك لعلى‬
‫اأ�ستطي ُع اأن اأخففَه عنك‪ ،‬اأو اأحتا َل معك فى �سرفه؟‬
‫فقال عنتر ُة فى �سوتٍ ا َّ‬
‫أج�س(‪:)1‬‬
‫�سبب حزنى وغ�سبى؟ لقد كان اأولى‬ ‫أغ�سب؟ بل ماذا يجدينى اأن تعرفى َ‬ ‫أحزن اأو ا َ‬ ‫‪ -‬وماذا ُيجدينى اأن ا َ‬
‫ال�سبب فى كل �سقائى‪.‬‬‫َ‬ ‫بك لو عرفتِ اأنك كنت اأنتِ‬
‫الدموع فى عينيها‪ ،‬وقالت وهى تحاو ُل اأن‬ ‫ُ‬ ‫قلق من هذه ال�سدم ِة المفاجئ ِة وفارت‬ ‫فتحركت الأُم فى ٍ‬
‫َ‬
‫تتما�سك‪:‬‬
‫أحب �سى ٍء ا َّإلى اأن‬
‫الحزن بفق ِد عينى لكان ا َّ‬‫َ‬ ‫ا�ستطعت اأن اأُ َ‬
‫ذهب عنك‬ ‫ُ‬ ‫الحبيب فداك نف�سى‪ ،‬لو‬ ‫َ‬ ‫‪ -‬اأى ولدى‬
‫أهب لك ال�سعاد َة لبذلتها را�سي ًة �سعيدةً‪ .‬اأاأنا التى كانت َ‬
‫�سبب‬ ‫اأفق َد عينى‪ .‬ولو ق َد ْرت على اأن اأبذل حياتى؛ لكى ا َ‬
‫�سقائك؟ اإ ًذا فما اأعظم �سقوتى؟‬
‫فخ�س َع عنتر ُة واأطرق حينًا ثم قال لها‪:‬‬ ‫َ‬
‫على كما تجنى القط ُة على �سغا ِرها‪ ،‬اأو الكلب ُة‬ ‫‪ -‬لن ُي ْجدينى ذلك ك ُّله �سي ًئا اأيتها الأ ُّم البائ�س ُة‪ ،‬لقد جنَيت َّ‬
‫يعي�س عب ًدا ؟ اإ ًذا فما الذى حملك على‬ ‫الجائع ُة على ج َرائها‪ .‬اأما كنت تعرفين اأن الولي َد الذى تَ�سعينه �سوف ُ‬
‫�سقطا(‪ )2‬اأو تكتمى اأنفا�سى بعد‬ ‫أكون فيها عبد ًا؟ اأما كنتِ تقدرين على اأن تطرحينى ً‬ ‫اأن تقذفى بى اإلى الحيا ِة ل َ‬
‫مولدى؟ وكانت زبيب ُة ت�ستم ُع اإليه فى ده�سةٍ‪ُ ،‬م َت َعجب ًة من قولِه‪ ،‬و�ساحت فى األ ٍم‪:‬‬
‫فار�س عب�س؟ لقد عقم الن�سا ُء‬ ‫أل�ست عنتر َة َ‬ ‫نياط قلبى يا عنترةُ‪ .‬فماذا يحملك على كل هذا‪ :‬ا َ‬ ‫‪ -‬اإنك تقط ُع َ‬
‫اأن يلدن مث َلك‪.‬‬

‫(‪ )1‬اأج�س‪ :‬غليظ‬


‫ً‬
‫�سقطا‪ :‬ميتًا قبل تمام الحمل‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫‪27‬‬ ‫دار النمر للطباعه‬


‫(‪ )3‬الطريق اإلى احلقيقة‬

‫خيف وقال‪:‬‬‫فقهقه عنتر ُة ب�سوت ُم ٍ‬


‫جئت اأ�ساأ ُلك عنه‪ ،‬طالما �ساألتك واأنت تراوغين ول‬ ‫‪ -‬دعى هذا اأيتها الأ ُّم البائ�س ُة‪ ،‬وخبرينى بالحقِّ عما ُ‬
‫جئت اإليك‪ ،‬لأ�ساألكِ مر ًة اأخرى اأن ت َْ�س ُدقينى حدي َثك‪.‬‬ ‫تريدين اأن تجيبى‪ .‬ولقد ُ‬
‫فقالت زبيب ُة م�سرع ًة‪:‬‬
‫أحب اأن اأكذ َبك‪.‬‬
‫‪� -‬سلنى ما بدا لك يا ولدى‪ ،‬فاأنا ل ا ُّ‬
‫فقال عنتر ُة فى مرارةٍ‪:‬‬
‫أكاذيب كاأنها الإب ُل الم�سعور ُة ً‬
‫فتع�سا‬ ‫ُحيط بى فيها هذه ال ُ‬ ‫أعي�س بعد اليو ِم فى دنيا ت ُ‬ ‫‪ -‬ل�ست اأحتم ُل اأن ا َ‬
‫أحارب به اأعدا َء عب�س؛ لأنه يكون �سيف ًا عقو ًقا‪.‬‬ ‫ال�سيف الذى ا ُ‬ ‫ِ‬ ‫لهذا‬
‫فقالت زبيب ُة هادئ ًة‪:‬‬
‫أكذب على النا�س جميع ًا ما كذ ُبت على ولدى‪.‬‬ ‫أردت اأن ا َ‬‫أكذب ولو ا ُ‬ ‫عرفت يا عنتر ُة اأنى ل ا ُ‬ ‫‪ -‬لقد َ‬
‫أتح�سب اأننى اأعرفُ اأم ًرا اأخفيه عنك؟ لقد طالما تج�س�ست واأخبرتك بما �سمعت‪ .‬وطالما تب�سمت لمن‬ ‫ُ‬ ‫ا‬
‫كنت اأذهب اإلى عبل َة واأمها واأخدمهما لكى اأعو َد اإليك‬ ‫اأمقتهم‪ ،‬لعلى اأظفر منهم بحديثٍ اأف�سى به اإليك‪ .‬ولقد ُ‬
‫أل�ست اأذهب ك َّل يوم اإلى �سمي َة امراأ ِة �سداد‪ ،‬فاأ�سحكها واأتملقُ مرو َة ابنتها؛ لكى‬ ‫يطيب بها قل ُبك‪ .‬ا ُ‬ ‫بكلم ٍة ُ‬
‫اأحمل لك ما تقولن وما يقو ُل لهما ن�ساء عب�س‪.‬‬
‫ف�ساح بها عنترة فى وح�سية مقاط ًعا‪:‬‬
‫‪ -‬دعى هذا الهذر‪ ،‬فما اأبالى ما يقو ُل ك ُّل هوؤلء‪ .‬تقولين اإنك تذهبين اإلى �سمي َة امراأ ِة �سداد؟‬
‫أذهب اإليها كل يوم‪.‬‬ ‫فقالت زبيب ُة‪ :‬نعم ا ُ‬
‫فقال عنترة متوج ًعا‪ :‬نعم تذهبين اإليها كما ينبغى اأن تذهب الأ َم ُة(‪ )1‬اإلى �سيدتِها‪ .‬وما عنتر ُة ابنُك اإل العب ُد‬
‫اب ُن زبيب َة كما يقولون اأيتها المراأ ُة المنكودة(‪.)2‬‬
‫فتخاذلت زبيب ُة‪ ،‬ومدت ي َدها تم�س ُح دمو َعها المت�ساقط َة مطرق ًة‪.‬‬
‫ف�ساح عنترةُ‪:‬‬
‫‪ -‬ل تراوغينى هذه المر َة اأيتها الأم البائ�س ُة وقولى لى �سد ًقا‪ .‬اأما قلتِ لى يوم ًا اإن �سداد اأبى؟ اأما قلت لى‬
‫جئت اإليك اأبكى واأنا �سبى اأ�سكو اإليك اأنهم يعيروننى‬ ‫اإننى من ُ�سل ِبه واإننى عنتر ُة ب ُن �سداد؟ األ تذكرين يو َم ُ‬
‫بك فقلتِ ل تَح ِف ْل(‪ )3‬بهم فاإنك اب ُن �سداد؟‬
‫فقالت زبيب ُة مندفع ًة‪:‬‬
‫‪ -‬نعم اأذك ُر ذلك وهو حقُّ ‪.‬‬
‫ف�ساح عنترةُ‪:‬‬
‫‪ -‬اإنك تكذبين يا امراأة‪:‬‬
‫(‪ )1‬الأ َمة‪ :‬العبدة‪.‬‬
‫(‪ )2‬المنكودة‪ :‬البائ�سة‪.‬‬
‫(‪ )3‬ل تحفل‪ :‬ل تهتم‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫ففزعت زبيب ُة من قولِه‪ ،‬ورمت بمِغزلها فى غ�سب ٍة مكتوم ٍة وب�سطت يديها؛ نحوه وعيناها معلقتان فى‬
‫وجهه‪ ،‬وقالت‪:‬‬
‫بالكالب والحمالن(‪ )1‬وتندف ُع‬
‫ِ‬ ‫مرحا �ساح ًكا تعبثُ‬
‫‪ -‬اأى ولدى اإنى ما اأزا ُل اأذك ُرك طفال واأنت تحبو ً‬
‫قط يداعب فاأ ًرا‪.‬‬ ‫عنيف ًا كاأنك فتى ياف ٌع‪ .‬واأذكرك �سبي ًا تجبذ(‪ )2‬ف�سي َل الناقِة كاأنك ٌ‬
‫واأذكرك فتى ته ُّز الحرب َة كما كان يهزُّها خا ُلك وج ُّدك‪ ،‬اأخى واأبى‪ ،‬هوؤلء الذين عرفونى وعرفتهم؛ ولم‬
‫يقولوا لى يو ًما كما تقو ُل لى «يا امراأة»‪.‬‬
‫وهذا اأنت قد كبرت يا ولدى حتى �س ْرت فتى الفتيان واأ�سجع ال�سجعان؛ وفار�س عب�س ُكلِّها‪ ،‬وما‬
‫أ�سنع ما يلقى الرج ُل اأ َّمة‪ .‬اأراك تبعدنى وتخاطبنى هكذا «يا امراأة»‪ ،‬كاأننى ُ‬
‫ل�ست اأمك التى‬ ‫اأراك تلقانى اإل با ِ‬
‫كنت ل ت�ستطي ُع �سي ًئا‪ .‬ثم و�سعت راأ�س َها بين كفيها واأخذت تبكى‪ .‬فالن عنترةُ‪:‬‬ ‫اأر�سعتك‪ ،‬وحملتك عندما َ‬
‫وقال ي�ستعطفُها‪:‬‬

‫ُ‬
‫والغيظ ينفج ُر بى‪.‬‬ ‫‪ -‬اإن قلبى يتمزقُ‬
‫فقالت زبيب ُة‪:‬‬
‫أحب من �سورتك‪ .‬واأراك تنظ ُر ا َّإلى كما ينظ ُر‬ ‫اإنك يا عنتر ُة تُدمى قلبى الذى ل يحم ُل من الأحياء �سورة ا َّ‬
‫ا َّإلى هوؤلء كلهم‪-‬اأبوك واأعمامك واأبناء اأعمامك‪.‬‬
‫ف�ساح عنتر ُة فى وح�سية‪ :‬تقولين اأبى واأعمامى؟ اأتعيدين ذلك على �سمعى؟‬
‫فقالت زبيب ُة‪:‬‬
‫نعم اأبوك واأعما ُمك‪ .‬األم اأقل ذلك لك من قب ُل؟ اإنهم يقولون لى كلما راأونى‪ :‬قومى يا زبيبة اإلى هذا الوعاء‬
‫فل�ست اأمام نف�سى زبيب َة الأم َة‪-‬‬
‫ُ‬ ‫فاحمليه‪ ،‬اأو اإلى هذه ال�سا ِة فاحلبيها‪ .‬وما كان ينبغى لك اأن تكون مثلهم‪.‬‬
‫اإننى اأنا الحرة الحب�سية(تانا) ابنة(ميجو)‪ ،‬ولن اأكون �سوى الحر ِة (تانا) ابنة ميجو‪.‬‬
‫نف�سا‪ .‬فلما‬‫تنف�سه ً‬ ‫وكان عنتر ُة ي�سم ُع قو َلها مطرق ًا؛ ويزاأر زئير ًا مكتو ًما؛ وتعتريه بين حين وحين هِ ز ٌة ُ‬
‫انتهت اأمه من قولها عادت اإلى البكاءِ‪ .‬فقال عنتر ُة فى �سب ِه �سيحةٍ‪:‬‬
‫‪ -‬اإنك تقولين عن �سدا ٍد واإخوت ِه اإنهم اأبى واأعمامى‪ ،‬ومع ذلك فا َّإن ك ّل من يلقانى منهم ل ي�سمينى اإل‬
‫عبد ًا‪ .‬األ�ستِ اأنتِ التى اأتيت بى اإلى الحيا ِة واأنت اأعرفُ النا�س بمولدى؟ وحق مناة لو كنتِ حرةً‪......‬‬
‫وما كاد ينطق بالكلمة الأخيرة حتى �ساحت به زبيبة فى حنق(‪:)3‬‬
‫تح�س لى رحم ًة‪ .‬اإننى اأمقت قو َمك وما يقولون واأمقت كبريا َء ُهم‬ ‫فظ عنيفٌ ول ُّ‬ ‫‪ -‬ويلك يا عنترة‪ ،‬اإنك ٌ‬
‫وجه َلهم‪ ،‬واأمقت هذه الآله َة ال�سما َء التى يق�سمون بها‪.‬‬
‫أحب ا ّإلى من هذا ال�س ِم الذى ينادوننى به‪.‬‬‫لقد عرفت قوم ًا غيرهم ودين ًا غير دينهم وا�س ًما ا َّ‬
‫(‪ )1‬الحمالن‪ :‬جمع حمل وهو ولد النعجة‪.‬‬
‫(‪ )2‬تجبذ‪ :‬تجذب‪.‬‬
‫(‪ )3‬حنق‪ :‬غيظ‬

‫‪29‬‬ ‫دار النمر للطباعه‬


‫(‪ )3‬الطريق اإلى احلقيقة‬

‫قال عنتر ُة فى ق�سوة‪:‬‬


‫اإنما ُيح ِزنُك اأنك زبيب ُة الأم ُة‪ ،‬يحزنك اأنك فى قو ٍم تكرهينهم وتكرهين اآلهتَهم‪ .‬ولكن ل يحزنُك ان تقذفى‬
‫يكون ا�سمه؛ ول ما يكون محله‪ .‬خبرينى ما هذا الدي ُن‪ .‬ما هذا الدي ُن الذى ل‬ ‫بولدِك بينهم حيثُ ل يدرى ما ُ‬
‫يمن ُعكِ من اأن تاأتى بالول ِد لتقذفى به فى المهانةِ؟‬
‫ف�ساحت زبيب ُة وهى اأ�س ُّد غ�س ًبا‪:‬‬
‫النا�س األ يكونوا كهوؤلء الغطار�س ِة‬ ‫يعظ َ‬ ‫اللعن‪ .‬اإنه دي ُن الم�سيح الذى ُ‬
‫ت�ستوجب َ‬
‫ُ‬ ‫‪ -‬ح�سبك يا عنتر ُة ول‬
‫آثرت البقا َء فى الحيا ِة بغير دينى‪.‬‬
‫والم�سيح ما ا ُ‬
‫ِ‬ ‫(‪ )1‬العتا ِة(‪ ، )2‬ولو خيرت بين الحيا ِة‬
‫وكانت فى كل قولها ت�سهقُ �سهي ًقا م ًرا بالبكاءِ‪ ،‬ففتح عنتر ُة عينيه فى ده�سةٍ؛ و�سكن حين ًا ثم اندفع فى‬
‫وح�سي ٍة فقال‪:‬‬
‫اأم�سكى اأيتها المراأ ُة دمو َعك التى ت�سح ُر قلبى‪ ،‬ودعينى وما اأري ُد‪ ،‬فاأجيبى �سوؤالى‪ :‬اأاأنا اب ُن �سدا ٍد حقًّا؟‬
‫غيظا وحق ًدا وغما كما اأتيت بى اإلى حيا ٍة ل اأج ُد فيها اإل غيظ ًا‬ ‫اإنى اأعي ُد ق�سمى بمناة؛ لكى اأمالأ قل َبك ً‬
‫الغ�س�س ‪ ،‬لئن لم ت�سدقينى لأ�سعن هذا ال�سيفَ فى قلبك ثم اأديره بعد‬ ‫َ‬ ‫(‪)3‬‬
‫وحقد ًا وغما‪ .‬اأق�سم لكى اأجرعك‬
‫ذلك اإلى قلبى‪ ..‬اأاأنا اب ُن �سدا ٍد حقًّا؟‬
‫فقالت زبيب ُة بين �سهقاتِها‪:‬‬
‫‪-‬اإنك ابن ُة‪ .‬اإنك اب ُن ُة‪ .‬وقد قلت لك ذلك من قبل فى �سغرك‪ :‬وما كنت اأكذبك‪.‬‬
‫ف�ساح عنتر ُة مزمج ًرا‬
‫‪ -‬اأتق�سمين اأنك �سادق ٌة؟‬
‫فقالت زبيب ُة رافع ًة را َأ�سها فى ٍ‬
‫غ�سب‪:‬‬
‫‪ -‬قلت لك اإنك ابنُه‪ .‬ولن اأقو َل لك اإل اأنك ابن ُه‪ .‬ف�سدق اإن �سئت‪ ،‬اأوكذب‪ :‬وافعل بى ما بدا لك‪.‬‬
‫و�سمت حينًا‪ ،‬ثم قال‪:‬‬ ‫َ‬ ‫فهداأ عنتر ُة‬
‫النا�س ذلي ًال؟ اإننى اأطع ُن‬
‫أكون ابنه ويبع ُدنى؟ اأاأكون ول َده ويجعلنى عب ًدا وير�سى لى اأن اأكون بين ِ‬ ‫‪ -‬اأا ُ‬
‫اأعدا َء عب�س؛ واأدف ُع عنهم الذلَّ‪ ،‬واأتكب ُر اأن اأقا�س َم اأح ًدا منهم فى غنيمةٍ‪ ،‬ومع ذلك ي�سموننى عبد ًا واأنا اب ُن‬
‫�سداد‪ .‬اأق�سم بمناة لئن كان اأبى لأ حملنه على اأن َين�سبنى اإلى نف�سِ ه‪ ،‬واإل كان لى معه �ساأن تتحدث به القبائ ُل‬
‫فرائ�سها‪ ،‬و�ساأقط ُع‬
‫َ‬ ‫أنتزع منها‬
‫أ�سارع الأ�سو َد وا ُ‬
‫أر�س حيث تقذفُ بى‪ ،‬و�سا ُ‬ ‫أ�سرب فى ال ِ‬ ‫فى نواديها‪� .‬سا ُ‬
‫أ�سلب الأموا َل من ك ِّل مالكٍ ‪ ،‬ولن اأ�ستق َّر حتى األقى منيتى ثائر ًا حانق ًا كما يلقى‬ ‫ال�سب َل(‪ )4‬على كل عاب ٍر(‪ )5‬و ا ُ‬
‫ت�سرع وقالت‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫الكلب العقو ُر منيته‪ .‬فتخاذلت زبيبة‪ ،‬ومدت يديها فى‬ ‫ُ‬
‫كنت ت�ساألنُى عنها لأننى كنت‬ ‫‪ -‬ل تفعل يا ولدى‪ .‬ل تفعل‪ .‬لقد كنت اأراوغُك ول اأقو ُل لك الكلم َة التى َ‬
‫الغطار�سة‪ :‬المتكبرون‬ ‫(‪)1‬‬
‫العتاة‪ :‬المتجبرون‬ ‫(‪)2‬‬
‫اأجرعك الغ�س�س‪ :‬اأنزل بك العذاب‬ ‫(‪)3‬‬
‫ال�سبل‪ :‬الطرق‬ ‫(‪)4‬‬
‫عابر‪� :‬سائر‬ ‫(‪)5‬‬

‫‪30‬‬
‫بتلف النف�س‪ .‬اإنك منه وهو‬ ‫تذهب اإليه وت�ساأله وتخا�سنَه‪ ،‬فال تعو ُد من ذلك اإل ِ‬ ‫اأخ�سى هذا‪ .‬كنت اأخ�سى اأن َ‬
‫وتقف له وجه ًا لوجه‪ ،‬فما تقابل اثنان‬ ‫ورثت منه ُعنفَه وكبريا َءه‪ ،‬ولقد كنت اأخ�سى اأن ت�سطد َم به‪َ ،‬‬ ‫منك‪ ،‬وقد َ‬
‫مثلكما اإل انجلى الموقفُ عن هالك اأحدهما‪.‬‬
‫متهدج‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫و�سكت َْت لحظ ًة‪ ،‬ثم قالت ب�سوتٍ‬
‫ل�ست اأر�سى اأن اأفق َدك‪ .‬اإننى‬ ‫على‪ ،‬ولن اأر�سى اأن اأفقده كما ُ‬ ‫‪ -‬اإنه اأبوك يا ولدى‪ ،‬ول�ست اأنك ُر اأنه عزي ٌز َّ‬
‫القريب‪ ،‬فا�س َم ْع حديثى و�سدقنى‪.‬‬
‫ِ‬ ‫أم�س‬
‫اأذك ُر يو َم راأيته كاأنه كان بال ِ‬
‫أر�س‬ ‫الركب اأنا ومن معى من ن�ساء واأطفالٍ ل نكا ُد نرى ما اأمامنا من البكا ِء فقد جئنا اإلى هذه ال ِ‬ ‫كنت مع ِ‬ ‫ُ‬
‫بقطع من ف�سالت الطعام‪ ،‬فال نج ُد لها‬ ‫مع قوم خطفونا من اأهِ لنا كما تُخطفُ فِرا ُخ الطيرِ‪ .‬وكانوا يلقون اإلينا ٍ‬
‫الطريق‬
‫ِ‬ ‫الموت ياأتى َعلينا‪ .‬وكانت جثثُ الموتى تُلقى على َجانب‬ ‫ُ‬ ‫والجوع َيقر�س اأح�ساءنا‪ ،‬حتى كاد‬ ‫ُ‬ ‫�سهوة‪،‬‬
‫�سيبوب عند ذلك ليزا ُل‬
‫ُ‬ ‫كما تُلقى جيفُ الكالب‪ ،‬ول نج ُد لأنف�سِ نا حيل ًة اإل البكا َء وتمنى الهالكِ ‪ .‬كان اأخوك‬
‫طفال‪ ،‬وكان جرير ابنى ل يزيد على ع�سر �سنوات‪ .‬اأواه‪.‬‬
‫اإننى ل اأمل ُك نف�سى كلما تذكرت كيف كان ولداى الم�سكينان وهما يجران اأقدامهما‪ ،‬والحجار ُة ت�سققها‬
‫والدما ُء ت�سي ُل منها‪ .‬وكانت ال�سحرا ُء المهلك ُة تمت ُّد اأمامنا اإلى غير نهاية‪ .‬واأخي ًرا هبط علينا اأبوك �سدا ٌد فى‬
‫ركب الطغا ِة الأنذالِ الذين جاءوا بنا‪ .‬وكنا نحن الغنيم َة يا ولدى‪ .‬فاأخذنا‬ ‫جماع ٍة من عب�س‪ ،‬جاءوا لي�سلبوا َ‬
‫لن�ستريح من الحياةِ‪ .‬ولكن‬
‫َ‬ ‫الموت ونتمناه‪،‬‬
‫َ‬ ‫بنو عب�س بعد اأن قتلوا الذين كانوا يعذبوننا‪ ،‬وكنا نتوق ُع منهم‬
‫�سدا ًدا كان بنا با ًّرا وكان ابناى له عبدين على عاد ِة العرب من اأقدم الأزمان‪ ،‬وقد اأولدنى �سداد غال ًما واح ًدا‬
‫هو اأنت‪ .‬هو اأنت يا عنترة‪ .‬هذه ق�ستى يا عنترة اأقو ُل َها لك‪ ،‬ول�ست األو ُم اأح ًدا‪ ،‬ول اأحقد على اأحد‪ .‬فاإذا ُ‬
‫كنت‬
‫فعلت ذلك من اأثر حديثك اأنت‪ .‬اإننى ل اأحمل اإل الول َء والوفا َء‪.‬‬ ‫�سكوت اأوتاألمت فاإنما ُ‬
‫ُ‬ ‫قد‬
‫فنظر عنتر ُة اإليها وقد هداأت ثائرتُه وقال �ساخ ًرا‪:‬‬
‫‪-‬اإ ًذا فهو اأبى؟‬
‫بحرف غير �سادقٍ ؛ فاإنى اليوم ل اأطم ُع فى اأن‬ ‫ٍ‬ ‫فقالت زبيب ُة فى ج ٍّد‪ :‬قلت لك ق�ستى‪ .‬لم اأنطق فيها‬
‫ا�ستقب َل الحياةَ‪ .‬اإننى را�سي ٌة بما اأنا فيه؛ لأننى ل اأرى لنف�سى مطم ًعا �سوى اأن اأراكم اأمامى‪ ..‬ولقد اعترف‬
‫يحارب‬‫ُ‬ ‫قائال‪« :‬اإنه ولدى»‪ ،‬وكاد‬‫بك اأبوك يوم ًا واأنت فتى �سغير اإذ طمع بع�س بنى عب�س اأن يدعيك(‪ )1‬فمنعك ً‬
‫اأبناء عمه من اأجلك‪.‬‬
‫�ساخ�سا(‪ )2‬بب�سره اإليها‪ .‬حتى اإذا ما فرغت مدت يديها نحوه واقتربت منه‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وكان عنتر ُة ي�سمع قو َلها‬
‫فم�سحت على راأ�سه بيمينها ثم تهانفت(‪ )3‬وخ�سع عنتر ُة لها فاأحنى راأ�سه‪ ،‬ووثبت من عينيه دمع ٌة بادر اإليها‬
‫فم�سحها‪ ،‬ثم تخل�س منها برفق‪ ،‬وقال ب�سوتٍ خافتٍ ‪:‬‬
‫‪ -‬ل عليك يا اأماه فاإنى ق�سوت عليك ولقد األنتِ قلبى على الرج ِل بعد و�سفك اإياه‪ .‬و�ساأم�سى اإليه لأحد َثه‬
‫(‪ )1‬يدعيك‪ :‬يجعلك ولده‪.‬‬
‫(‪� )2‬ساخ�سا بب�سره‪ :‬فاتحا عينيه ل يغم�سها‪.‬‬
‫(‪ )3‬تهانف‪ :‬التهيوؤ للبكاء‪ ،‬وقد يكون معناه اأحيانًا �سحك المراأة اإذا ا�ستهزاأت‪.‬‬

‫‪31‬‬ ‫دار النمر للطباعه‬


‫(‪ )3‬الطريق اإلى احلقيقة‬

‫ال�سياع ولن اأر�سى بع َد اليوم اأن اأبقى فى بنى عب�س‬ ‫ِ‬ ‫(‪)1‬‬
‫فى اأمرى‪ ،‬فلعله يلحقنى بن�س ِبه ويزي ُل عنى مع َّر َة‬
‫رقي ًقا‪ .‬واأنا من �سلب �سدادٍ‪.‬‬
‫ثم وثب واق ًفا وقامت اأمه تتعلقُ به قائلة‪:‬‬
‫كنت اأحاذ ُر اأن تفعل منذ كبرت‪ .‬اإنه لن يجي َبك اإل بما‬ ‫‪ -‬ل تَفع ْل يا ولدى‪ .‬ل تَفع ْل ذلك اأب ًدا‪ ..‬هذا ما ُ‬
‫َريث فى الأم ِر حتى يق�سى اهللُ ق�سا َءه ولتيا ْأ�س من‬ ‫يجيب به العربى عب َده‪ .‬اإنك عب ُده لأنك منى‪ ،‬ل لأنك منه‪ .‬ت ْ‬ ‫ُ‬
‫رحمتِه‪.‬‬
‫فقال عنتر ُة فى �سرامةِ‪:‬‬
‫يكون منه‪ .‬فدعينى اأذهب اإليه‪ .‬فاإنى لن اأثير قلبه‪� .‬سوف اأخ�س ُع(‪ )2‬له فى‬ ‫أدع حديثه حتى اأرى ما ُ‬ ‫‪ -‬لن ا َ‬
‫آي�سا(‪ )3‬منه فاإنى األم ُح فيه اأحيانًا رق ًة ومحب ًة‪ .‬ول اأمل ُك قلبى من الميل اإليه كلما‬ ‫القول لعله يلين لى ول�ست ا ً‬
‫لقيته‪ ،‬فقالت زبيبة‪:‬‬
‫َرفق بى وبنف�سك يا ولدى‪ ..‬اإنه لن ير�سى اأن يجي َبك خو ًفا من قومِه اأن يعيروه‪.‬‬ ‫‪-‬ت ْ‬
‫فقال عنتر ُة فى دفعةٍ‪:‬‬
‫‪-‬اأيعي ُره قو ُمه بى؟ لن اأقعد عن مطالبتِه واإن كلفتنى المطالب ُة حياتى‪ ..‬فاإما اأن ا َ‬
‫أكون ابنَه فيعلن ذلك لمالأ‬
‫أر�س الوا�سع ِة ابتغا َء حريتى‪.‬‬ ‫النا�س‪ .‬واإما اأن اأهي َم على وجهى فى ال ِ‬ ‫ِ‬
‫تريث يا ولدى‪ ..‬بماذا اأق�س ُم عليك حتى تطي َعنى؟‬ ‫فقالت زبيبة ‪ْ :‬‬
‫فنظر عنترة اإلى وجه اأمه جامد ًا وقال‪:‬‬
‫على اإذا لججت فى خطابه اأن يوقع بى؟ لن اأرف َع فى وجهه يدى يا زبيب ُة فاطمئنى‪ .‬لقد ُ‬
‫كنت‬ ‫‪ -‬اأتخ�سين َّ‬
‫دائ ًما اأخ�س ُع له واأنا اأعده �سيدى‪ .‬و�ساأكون اأ�سد خ�سوع ًا‪ ،‬واأنا اأعرفُ اأنه اأبى‪.‬‬
‫وغاب فى اإطراقه حينا‪ .‬وكان يرد ُد‬ ‫وجل�س على حجر عند مدخ ِل البيتِ وو�سع را َأ�سه بين كفيه َ‬ ‫َ‬ ‫ثم تخاذ َل‬
‫اأنغام ًا خافتة ويهتز اهتزازًا �سدي ًدا حتى جزعت اأ ُّمه عليه‪ ،‬فاقتربت منه وجعلت تم�سح راأ�سه بيدها حزين ًة‪،‬‬
‫أهازيج من �سعره‪ .‬واأمه تنظر اإليه فى رق ٍة وت�ستمع اإلى‬ ‫حتى م�ست �ساع ٌة ثم رفع را َأ�سه‪ ،‬وجعل يتغنى با َ‬
‫غنائه‪.‬‬
‫ثم وثب قائ ًما فى عنف‪ ،‬وذهب م�سرع ًا‪ ،‬ولم يلبث اأن غاب بين البيوت واأهوت زبيب ُة على الأر�س متهالك ًة‬
‫تئن قائل ًة‪:‬‬‫تنظ ُر اإلى اأعقاب ِه وهى ُّ‬
‫‪ -‬ولدى‪ ..‬ولدى!‬

‫(‪ )1‬معرة‪ :‬العار‪.‬‬


‫(‪ )2‬اأخ�سع‪ :‬األين‪.‬‬
‫(‪ )3‬اآي�س‪ :‬بمعنى يئ�س‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫اأ�شئلة الف�شل الثالث‬
‫الطريق اإلى احلقيقة‬

‫‪« 1‬اأى ولدى الحبيب فداك نف�صى‪ ،‬لو ا�صتطعت اأن اأذهب عنك الحزن بفقد عينى لكان اأحب �صىء‬
‫أهب لك ال�صعادة لبذلتها را�صية �صعيدة‪.‬‬ ‫اإلى اأن اأفقد عينى‪ ،‬ولو قدرت على اأن اأبذل حياتى؛ لكى ا َ‬
‫اأاأنا التى كنت �صبب �صقائك؟ اإ ًذا فما اأعظم �صقوتى؟‬
‫( اأ ) اأى ولدى‪ ،..‬اأاأنا التى كنت �سبب �سقائك‪ ،‬فما اأعظم �سقوتى‪ ..‬ما الفرق بين الأ�ساليب الثالثة ال�سابقة؟‬
‫وما العاطفة فى كل واحد منها؟‬
‫(ب)تبرز العبارة مدى حب الأم لبنها ‪ .‬و�سح ذلك‪.‬‬
‫(ج�) «لقد عقم الن�ساء اأن يلدن مثلك» ا�سرح العبارة وهل اأثرت فى نف�س عنترة ؟ ناق�س وا�ستدل‪.‬‬
‫(د) لماذا كانت زبيبة تتج�س�س عند عبلة و�سمية؟‬
‫(ه�) ما المواقف التى ذ ّكر بها عنترة اأمه باأنه ابن �سداد؟‬
‫( و) ما قيمة جملة «فداك نف�سى»؟ ولم كررت كلمة لو؟‬
‫‪ 2‬تحدث عن مرحلة الطفولة لعنترة فى �صوء هذا الف�صل‪.‬‬
‫‪« 3‬لم تكن َزبيبة را�صية عن معاملة �صداد لها» ا�صتدل علم ذلك‪.‬‬
‫‪ 4‬من تانا ابنة ميجو؟ وما ق�صتها؟ وما الدين الذى كانت تدين به؟‬
‫‪ 5‬عَ ِّين ال�صواب من العبارات الآتية‪:‬‬
‫✦ ✦اإنك لمت ابنا ل�سداد‪.‬‬
‫✦ ✦اعترف �سداد بابنه عنترة‪.‬‬
‫✦ ✦اأ�سرت زبيبة فى اإحدى المعارك‪.‬‬
‫برفق‪.‬‬
‫✦ ✦عاملها �سداد ٍ‬
‫✦ ✦لم تكن زبيبة �سادقة‪.‬‬
‫�صاخ�صا بب�صره اإليها‪ ،‬حتى اإذا ما فرغت مدت يديها نحوه‪ ،‬واقتربت‬ ‫ً‬ ‫‪« 6‬وكان عنترة ي�صمع قولها‬
‫منه فم�صحت على راأ�صه بيمينها ثم تهانفت‪ ،‬وخ�صع عنترة لها فاأحنى راأ�صه‪ ،‬ووثبت من عينيه‬
‫دمعة بادر اإليها فم�صحها‪»..‬‬
‫( اأ ) تخير الإجابة ال�سحيحة مما بين القو�سين‪:‬‬
‫�ساخ�سا» ‪( :‬ممث ًال ‪ -‬منحني ًا ‪ -‬فاتح ًا عينيه ل يغم�سها)‪.‬‬
‫ً‬ ‫✦ ✦معنى كلمة «‬
‫✦ ✦م�ساد كلمة «خ�سع»‪( :‬تمرد ‪ -‬اأجاب ‪ -‬احتج)‪.‬‬
‫‪33‬‬ ‫دار النمر للطباعه‬
‫(‪ )3‬الطريق اإلى احلقيقة‬

‫✦ ✦«فم�سحت على راأ�سه بيمينها لأنها» ‪ ( :‬وجدت بها عرق ًا ‪ -‬لتنظم �سعره ‪ -‬لتظهر حبها له)‪.‬‬
‫(ب)الموقف ملىء بالعواطف الإن�سانية ال�سامية و�سح ذلك‪.‬‬
‫(ج) ما اأثر هذا الحديث فى نف�س عنترة؟‬
‫(د) «قرر عنترة اأن يواجه �سدا ًدا فما موقف زبيبة من ذلك؟ وبم طماأنها عنترة؟‬
‫(ه�) ا�ستخرج من العبارة‪ :‬خبر ًا جملة ‪ -‬حا ًل مفردة ‪ -‬مفعو ًل من�سو ًبا بعالمة فرعية‪.‬‬
‫‪ 7‬حب عنترة لعبلة جعله حري�صاً على اإثبات حريته‪ .‬ناق�س ذلك مبي ًنا راأيك‪.‬‬
‫‪ 8‬ما الفرق بين ديانة زبيبة وديانة �صداد؟‬
‫‪ 9‬يقول �صوقى‪:‬‬
‫ب� �ك ��ل ي� ��د م �� �س��رج��ة ي ��دق‬ ‫ول �ل �ح��ري��ة ال� �ح� �م ��راء ب��اب‬
‫ما الموقف الذى يتحقق فيه معنى هذا البيت؟ وعلى ل�سان من يجرى هذا البيت؟‬
‫‪ 10‬حدد قيمة هذا الف�صل فى تطوير «الماأ�صاة» فى الق�صة‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫(‪ )4‬حوار �شاخن‬

‫كامال على الحلة ون�سر األوانه على الف�ساء عندما خرج عنترة من بيت اأ ِّمه‪ .‬وكانت‬ ‫كان البدر قد طلع ً‬
‫الحلة خالية اإل من عجائز الإماء وال�سعفاء من ال�سيوخ والن�ساء‪ ،‬فقد خرج اأهلها اإلى براح وا�سع فى ظاهر‬
‫النجع؛ ليحتفلوا بيوم مناة على عادتهم كل يوم عام‪.‬‬
‫و�سار عنترة م�سر ًعا يغرز الرمح فى الرمال كاأنه يطعنها فى حقد‪ ،‬حتى بلغ البراح الف�سيح الذى تعودت‬
‫عب�س اأن تجتمع فيه لالحتفال بالعيد‪ .‬وكانت اأ�سوات الغناء وال�سحك وال�سياح تنبعث اإليه فى �سجة يحملها‬
‫الن�سي ُم اإليه عجيبة غام�سة كاأنه لم ي�سهد يو ًما زحمة مثلها ‪.‬‬
‫مرحا يختلف‬‫ولحت لعينيه جذوع النخيل بارزة فى حلقة عظيمة كاأنها �سياج‪ ،‬يحجب عنه عال ًما �ساخ ًبا ً‬
‫عن عالمه الحزين العاب�س‪.‬‬
‫وخطرت له فى �سيره �سورة عبلة‪ ،‬وخيل اإليه اأن ي�سمع �سوت غنائها‪ ،‬اأتكون عبلة هناك فى ذلك الجمع‬
‫العابث الالهى ليخطر ببالها ما هو فيه من تنكيد وحزن عنيف؟‬
‫اأتكون عبلة مع هوؤلء ت�ساحكهم وت�سامرهم‪ ،‬وتغنى لهم وترق�س وت�سفق مع الم�سفقين ول يخطر‬
‫ببالها اأنه وحده يناجى ياأ�سه وكمده؟‬
‫وطال عليه ال�سير حتى بلغ مو�سع الزحام‪ ،‬وراأى الجموع الزاخرة تحيط بالنيران فى حلقات كل منها‬
‫ت�سم بطنًا من بطون القبيلة‪.‬‬
‫ومر يخبط الأر�س برمحه بين الحلقات ليلتفت اإلى اأحد ممن كانوا يتواثبون اإليه ويدعونه اإلى الجلو�س‪،‬‬
‫حتى اقترب من �سرادق الملك زهير بن جذيمة‪.‬‬
‫لم يكن عنترة يعرف ماذا يريد اأن يفعل بذهابه اإلى �سهود ذلك العيد فاإنه لم يذهب اإلى هناك لكى ي�سرب‬
‫الخمر مع ال�ساربين‪ ،‬ول لكى يتبارى هو والفر�سان‪ ،‬ول لكى ين�سد اأ�سعاره كما اعتاد اأن ين�سد فى مثل ذلك‬
‫اليوم‪ ،‬لم تكن نف�سه فى ذلك اليوم خالية م�ستب�سرة حتى ي�سارك قومه فى مرح العيد ولهوه وبهجته‪ ،‬ولكنه‬
‫مع ذلك قد ذهب اإلى هناك وهو ليدرى ماذا يق�سد من الذهاب‪ .‬اأكانت �سورة عبلة هى التى تجذبه وتدعوه؟‬
‫اأم كان �سيق �سدره يدفعه اإلى الهروب من الوحدة لعله يجد فى زحمة العيد ما ي�سغله عن التفكير فى همومه‬
‫واآلمه؟ اأم ذهب يرجو اأن يلقى �سداد بن قراد فى ذلك الجمع الحا�سد؟ لقد كانت �سورة �سداد هى التى تمالأ‬
‫�سدره الحانق(‪ )1‬منذ خرج من بيت اأمه‪ ،‬فكان يتمنى اأن يراه لي�ساأله عما كان ي�ساأل اأمه عنه‪ ،‬ويحمله على اأن‬
‫�سريحا‪.‬‬
‫ً‬ ‫يعترف به ويجعله ولده‬
‫لم يدر عنترة حقيقة ما كان يق�سد بذهابه اإلى زحمة العيد‪ ،‬فقد كان كل ما فى ذهنه وكل ما فى قلبه‬
‫ً‬
‫غام�سا خاف ًيا م�سطر ًبا‪.‬‬

‫(‪ )1‬الحانق ‪ :‬ال�سديد الغيظ‪.‬‬

‫‪35‬‬ ‫دار النمر للطباعه‬


‫(‪ )4‬حوار �شاخن‬

‫ولما اقترب من �سرادق الملك زهير بن جذيمة مر بحلقات من فر�سان ال�سباب فهبوا اإليه واأحاطوا به‬
‫لياأخذوه اإليهم‪ ،‬وتناف�سوا اأيهم ي�سبق اإليه‪ .‬ولكنه وقف ينظر نحو ال�سرادق العظيم ورمحه مركوز فى الرمل‪،‬‬
‫وارت�سمت على وجهه ابت�سامة �سعيفة فيها �سىء من ال�سخرية و�سىء من الحنق والتفت اإلى الفر�سان ً‬
‫قائال‪:‬‬
‫�سوف اأعود اإليكم بعد تحية �سادتى‪.‬‬
‫مترنحا متحد ًيا كاأنه يق�سد قتال‪.‬‬
‫ً‬ ‫ثم قهقه‪ ،‬وانفلت من بينهم م�سر ًعا‬
‫ولمح اأمام ال�سرادق فتيات عب�س وهن يخطرن فى رق�سهن وغنائهن فاأدار ب�سره فيهن حتى وقع على‬
‫عبلة وهى ترفع يديها وتغنى‪ .‬فخفق قلبه وتمتم ً‬
‫قائال‪:‬‬
‫اأكل هوؤلء ينظرون اإليها؟‬
‫و�سمع عند ذلك من ناحية ال�سرادق ا�سم عبلة يتردد فى �سيحة اإعجاب فوثب وطعن الرمل برمحه‪ ،‬فما‬
‫هى اإل لحظات حتى كان على خطوة منها‪ ،‬فالتفتت اإليه وتالقت عيناهما‪ ،‬فتب�سمت عبلة‪ ،‬ومالت براأ�سها فى‬
‫خجل‪ ،‬و�سكتت عن الغناء‪.‬‬
‫فعال الجمع �سمت عميق مدة لحظة مرت كاأنها �ساعة طويلة‪ ،‬وتعلقت العيون كلها بعنترة‪ ،‬وكان مظهره‬
‫ينم عما فى �سدره من غ�سب وثورة‪ .‬اأما هو فلم يبت�سم لعبلة‪ ،‬ولم يلق اإليها تحية‪ ،‬واندفع نحو ال�سرادق ول‬
‫يزال يطعن الرمل فى كل خطوة يخطوها فلما بلغ مو�سع الملك حياه ً‬
‫قائال‪:‬‬
‫عمت م�ساء مولى!‬
‫فقال الملك‪:‬‬
‫عم م�ساء عنترة‪ .‬لقد كنت اأ�ساأل عنك منذ الليلة‪.‬‬
‫جال�سا على تخت من�سوب قد فر�ست عليه النمارق(‪ )1‬والو�سائد‪ ،‬وكان الأمراء وال�سيوخ‬ ‫وكان الملك ً‬
‫(‪)2‬‬
‫واأبناء ال�سادة يجل�سون من حوله ومن ورائه فى �سفوف مزدحمة‪ ،‬فوق طناف�س من �سناعة المدائن‬
‫و�سيراز‪ ،‬وكان العبيد يدورون على الجلو�س بكئو�س من الف�سة‪ ،‬ي�سبون فيها خمر ال�سام والعراق من‬
‫اأباريق اأنيقة منقو�سة ب�سور الطير والحيوان‪.‬‬
‫فنظر عنترة اإلى المكان فلم يجد به مو�س ًعا يجل�س فيه‪ ،‬ودار بعينيه فى ارتباك كاأنه يبحث عن اأحد فى‬
‫الجلو�س‪ ،‬وفيما هو فى حرجه �سمع �سوتًا ينادى فى �سىء من ال�سخرية ً‬
‫قائال‪:‬‬
‫األ تجد لك مكانًا يا عنترة؟‬
‫فنظر نحو الذى يخاطبه‪ ،‬وكان عمارة بن زياد‪ ،‬اأجمل فتيان عب�س‪ ،‬واأكرمهم‪ ،‬واأعالهم ح�س ًبا واأ�سرفهم‬
‫ن�س ًبا‪:‬‬
‫فقال عنترة فى حقد‪:‬‬
‫لو اأن�سفت لقمت لى من مكانك يا عمارة‪.‬‬

‫(‪ )1‬النمرقة‪ :‬الب�ساط ومثلها الطنف�سة‬


‫(‪ )2‬المدائن و�سيراز‪ :‬مدينتان فار�سيتان‬

‫‪36‬‬
‫وكانت الخمر قد لعبت براأ�س الفتى ال�سيد‪ .‬فهب من مكانه ثائ ًرا وقال‪:‬‬
‫تعال فخذ مكانى اإذا ا�ستطعت يا ابن زبيبة‪.‬‬
‫فقال عنترة ثابتًا‪:‬‬
‫لم تاأت بجديد على الأ�سماع‪ ،‬فكل عب�س تعرف اأمى كما تعرف اأمك‪ .‬ولكنى هنا اأنا واأنت‪ .‬فتعال ا ّإلى اإذا‬
‫�سئت يا عمارة‪.‬‬
‫فجرد عمارة �سيفه‪ ،‬واندفع نحوه‪ ،‬واأقبل عنترة عليه يدو�س الجال�سين للو�سول اإليه‪ ،‬وهب النا�س من‬
‫�سائحا‪:‬‬
‫ً‬ ‫كل مكان يحجزون بينهما حتى لقد هب الملك زهير من مكانه‬
‫تريث(‪ )1‬يا عنترة‪ ،‬ويحك يا عنترة!‬
‫ولكن �سوته لم ي�سمع فى ال�سجة ال�ساملة‪ ،‬وانتق�س نظام الميدان كله‪ ،‬فاختلط من فيه‪ ،‬وا�سطربوا‬
‫و�ساح الن�ساء والفتيات فى فزع‪ ،‬وم�سى حين(‪ )2‬قبل اأن ي�ستطيع �سداد بن قراد اأن ي�سل اإلى عنترة‪،‬‬
‫وي�سمعه �سوته وياأخذه من يده‪ ،‬وخرج به من ال�سرادق‪.‬‬
‫ولكن الجمع لم يلتئم(‪ )3‬بعد ذلك‪ ،‬ولم تعد النفو�س اإلى �سفائها‪ ،‬وانف�س النا�س فى وجوم عائدين اإلى‬
‫منازلهم‪ ،‬فلم يكن لهم فى ذلك اليوم عيد‪.‬‬
‫وذهب �سداد اإلى جانب عنترة ي�سيران فى �سمت حتى بلغا �سِ ع ًبا من �سِ عاب الوادى الموؤدى اإلى الحلة‪،‬‬
‫فانتحيا فيه جان ًبا عند مهبط ال�سيل‪ ،‬وجل�س �سداد على قطعة مل�ساء من ال�سخر‪ ،‬وجل�س عنترة جاه ًما(‪ )4‬عند‬
‫قدميه وو�سع رمحه تحت رجليه‪.‬‬
‫وقطع �سداد ال�سمت ً‬
‫قائال‪:‬‬
‫‪ -‬اأجئت يا عنترة عم ًدا لتف�سد علينا ليلتنا؟‬
‫فنظر اإليه عنترة نظر ًة طويلة ثم اأرخى عينيه وقال ب�سوت عاتب‪.‬‬
‫‪ -‬اأتلومنى يا �سيدى على ما كان ينبغى اأن تلوم عليه غيرى؟‬
‫اأتلومنى؛ لأننى عبدك؟‬
‫فقال �سداد‪ :‬اأهذا جواب قولى؟‬
‫فقال عنترة‪:‬‬
‫لقول كثي ًرا ل�ست اأدرى كيف اأبداأ فيه وكيف اأثنى‪ ،‬اإن‬ ‫بع�سا‪ .‬واإن فى نف�سى ً‬ ‫اإن القول ي�سوق بع�سه ً‬
‫قول هو اأولى اأن ت�سمعه من هذا الذى ت�ساألنى عنه يا �سيدى‪.‬‬ ‫عندى لك ً‬
‫فقال �سداد فى ده�سة‪:‬‬
‫قال ما بدا لك يا عنترة‪.‬‬
‫تريث‪ :‬تمهل‬ ‫(‪)1‬‬
‫حين‪ :‬وقت‬ ‫(‪)2‬‬
‫لم يلتئم‪ :‬لم يعد كما كان‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫جاه ًما‪ :‬حزينًا‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪37‬‬ ‫دار النمر للطباعه‬


‫(‪ )4‬حوار �شاخن‬

‫فقال عنترة‪:‬‬
‫اإننى ل اأ�ستطيع يا �سيدى اأن اأنكر ف�سلك‪ ،‬فاأنت فار�س عب�س و�سيخها‪ ،‬واأنت مالذ (‪ )1‬الخائف‪ ،‬ومطعم‬
‫طويال منذ كنت ً‬
‫طفال‪.‬‬ ‫الجائع‪ ،‬ومكرم ال�سيف‪ ،‬ونا�سر ال�سعيف‪ ،‬وقد حدثتنى اأمى عنك حدي ًثا ً‬
‫قال هذا ثم �سكت‪ ،‬ونظر اإلى �سيده �سداد‪.‬‬
‫عاب�سا‪:‬‬
‫قال ال�سيخ ً‬
‫ما لك ت�سكت يا عنترة ام�س فى الحديث وقل ما عندك‪.‬‬
‫وا�ستمر عنترة ً‬
‫قائال‪:‬‬
‫قول لم اأ�سمعه منك اأنت يا �سيدى‪ ،‬هذا ما‬ ‫‪ -‬حدثتنى اأمى عن رحمتك بها وبرك باأبنائها‪ ،‬ولكنها قالت لى ً‬
‫ي�سيق له �سدرى‪ ،‬وتثور منه نف�سى‪ .‬هذا هو يدفعنى وما �سوف يدفعنى‪.‬‬
‫فقال �سداد جام ًدا‪:‬‬
‫قالت لك اإنك ولدى؟‬
‫فقال عنترة ثابتًا‪:‬‬
‫طفال‪ ،‬كنت اإذا لعبت مع اأطفال الحى �سبونى باأمى‪ ،‬وقالوا لى ا ً‬
‫أقوال لم اأفهمها‪،‬‬ ‫قالت لى ذلك منذ كنت ً‬
‫فكنت اأنتقم منهم واأ�سربهم‪ ،‬فال يزيدون اإل جراأة‪ ،‬ويجتمعون فى حلقة يعيروننى وي�سخرون منى وكنت‬
‫كلما �سقت بهم ذهبت اإلى اأمى‪ ،‬ف�سكوت لها‪ .‬و�ساألتها عن اأبى لكى اأفاخرهم به‪ ،‬كما يفاخروننى باآبائهم‪،‬‬
‫ولكنها كانت لتزيد على اأن تبكى‪ .‬ثم قالت يو ًما اإننى ابنك‪ ،‬فاأح�س�ست الكبرياء تمالأ نف�سى‪ ،‬والقوة ت�سرى‬
‫فى عروقى‪ ،‬فكان ل يقوى اأحد منهم على الوقوف اأمامى‪ .‬ولكنى كبرت وعرفت وخ�ست الحروب‪ ،‬واأردت‬
‫اأن اأجد لى مكانًا فى عب�س‪ ،‬فلم اأجد اأح ًدا يو�سع لى مكانًا‪ .‬فعدت اإلى اأمى اأ�ساألها عن حقيقة ما قالت لى فى‬
‫طفولتى‪ ،‬فكانت تراوغنى وتدافعنى ولم تعد على قولها اإننى ابنك حقًّا‪ ،‬ولكنها قالتها لى اليوم‪ .‬فجئت اإلى‬
‫هنا ولكنى وااأ�سفاه لم اأجد لى بين عب�س مكانًا‪ .‬وجدتك اأنت هناك ت�سمع وترى‪ ،‬وذلك الوغد(‪ )2‬ي�سبنى باأمى‪.‬‬
‫فقال �سداد فى جمود‪:‬‬
‫وماذا تريد بقولك هذا؟‬
‫فاأجاب عنترة فى دفعة‪:‬‬
‫ل�ست اأريد اإل ما يريده الولد من اأبيه اإذا كان اأباه حقًّا‪ ،‬اأعبدك اأنا اأم ولدك؟‬
‫فقال �سداد‪ :‬األ�ست اأعطيك ما يعطى الأب ابنه؟ األ�ست اأكرم مكانك يا عنترة؟ األ�ست اأدخلك بيتى‪ ،‬واأجل�سك‬
‫فى مجل�سى واأركبك معى‪ .‬واأناجيك اإذا اعتزمت مع قومى اأم ًرا؟‬
‫األ�ست اأدعوك اإلى حماية الحمى‪ ،‬واإلى الم�ساركة فى الغزاة؟ األ�ست اأن�سرك اإذا ظلمت‪ ،‬واأدفع عنك اإذا‬
‫ظلمت‪ ،‬األم تقف الليلة ل�سيد �سباب عب�س تلقى اإليه �سبا ًبا ب�سباب‪ ،‬واعتداء باعتداء فلم اأدع ي ًدا ت�سل اإليك؟‬

‫(‪ )1‬مالذ‪ :‬ملجاأ‪.‬‬


‫(‪ )2‬الوغد‪ :‬الأحمق‬

‫‪38‬‬
‫اأترى فى عبيدى غيرك من يباح له ما يباح لك؟ فماذا ينبغى منى بعد ذلك اإذا كنت اأباك حقًّا؟‬
‫فقال عنترة فى رقة‪ :‬ل�ست اأنكر ف�سلك‪ ،‬فاإنى اإ ًذا لجحود اإنك لتكرمنى‪ ،‬ولتجعلنى مثل هوؤلء العبيد‬
‫الذى يرعون اإبلك معى‪ ،‬ويحلبون لك النياق‪ ،‬ويحملون الطعام ل�سيوفك‪ .‬وقد كنت تملك اأن تجعلنى مثلهم لو‬
‫�سئت وتذل تلك النفو�س التى تقول اأمى اإننى ورثتها منك‪ .‬األ تقول لى مرة اإنك اأبى؟ األ تقول لى كلمة تقدر‬
‫بها عينى؟ قل لى هذه الكلمة يا اأبى بحق �سيفك ورمحك حتى اأ�سمعها من �سفتيك اأنت‪.‬‬
‫ومد يديه عند ذلك فى �سراعة ونظر فى عين موله(‪.)1‬‬
‫فقال �سداد متبر ًما(‪ : )2‬اأما اإنك لتلج لجاجة (‪ )3‬ل اأحمدها‪.‬‬
‫فقال عنترة معتذ ًرا‪:‬‬
‫ل�ست اأحب اللجاجة يا �سيدى‪ .‬فا�سرفنى عنك بكلمة اأعرف بها مكانى‪ ،‬منك فاإذا لم اأكن ابنك‪ ،‬لم يكن لى‬
‫عليك من �سبيل فى نف�سك‪ ،‬وفى هذه الذرية التى تخرج من �سلبك‪.‬‬
‫فقال �سداد مغ�س ًبا‪ :‬ح�سبك اأيها الولد واأم�سك ل�سانك‪.‬‬
‫فقام عنترة ومد يديه نحوه ً‬
‫قائال‪:‬‬
‫اأيهما البطل ل�ست اأحب اأن اأغ�سبك‪ .‬ولكنى ل اأر�سى لك اأن تقذف بى بعي ًدا عنك اإذا كنت من دمك‪ ،‬اإن لى‬
‫فى الحياة حقًّا كما اأن لكل رجل فى عب�س حقًّا‪ .‬فكيف اأعي�س فى قيد الرق اإذا كنت ابن �سيد الأحرار؟ وهل‬
‫ت�ستحق الحياة اأن اأحياها اإذا هى خلت من الحرية؟ اإننى اأحب الحرية‪ ،‬لأننى اأحب الحياة‪ .‬واأحب اأن اأعي�س‬
‫كالنا�س اأقول «نعم» حينًا اأو اأقول «ل» اإذ بدا لى اأن اأقول «نعم» اأو «ل» اأحب اأن اأكون مثل �سائر النا�س فى‬
‫ميزانهم‪ ،‬اأعا�سرهم واأعمالهم على اأننى واحد منهم‪ .‬اأتر�سى لنف�سك اأيها البطل اأن تعي�س عب ًدا؟‬
‫ف�ساح �سداد فى غيظ‪:‬‬
‫اأتقول لى ذلك؟‬
‫فقال عنترة‪ :‬حا�ساك اأيها البطل اأن تكون عب ًدا‪.‬‬
‫اإنك لتكره اأن اأقرن بين ا�سمك وبين الرق فى كلمة واحدة‪ ،‬فكيف بى واأنا اأرغم على اأن اأعي�س كل حياتى‬
‫عب ًدا؟ هبك وقعت يو ًما فى اأ�سر اأعدائك فاتخذوك عب ًدا‪ ،‬وجعلوا حولك الأغالل(‪ )4‬كما فعلوا يو ًما بمهلهل بن‬
‫ربيعة اأما كنت توؤثر اأن تجاهد فى �سبيل حريتك حتى تفوز بها اأو تخر(‪� )5‬سري ًعا فى جهادك؟ فاإذا كنت اأبى‬
‫فاإن دمك الحر هو الذى يثور فى قلبى‪.‬‬
‫فالن �سداد‪ ،‬وقال عات ًبا‪:‬‬
‫اإنك تجرعنى(‪ )6‬الغيظ بما تلقيه على من هذا القول الذى ينطلق اإلى اأذنى كاأنه جمر‪ .‬فقال عنترة فى رقة‪.‬‬
‫موله‪� :‬سيده‬ ‫(‪)1‬‬
‫متبرما‪� :‬سائق ال�سدر‬ ‫(‪)2‬‬
‫إلحاحا غير محمود‬
‫تلج لحاجة‪ :‬تلح ا ً‬ ‫(‪)3‬‬
‫الأغالل‪ :‬القيود‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫تخر �سري ًعا‪ :‬ت�سقط قتيال‪ً.‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫تجرعنى‪ :‬ت�سقينى‪.‬‬ ‫(‪)6‬‬

‫‪39‬‬ ‫دار النمر للطباعه‬


‫(‪ )4‬حوار �شاخن‬

‫على اإذا دفعنى ياأ�سى اإلى مواجهتك‪ .‬ل�ست اأكره اأن توقع بى‪،‬‬ ‫قلت لك اإنى ل اأحب اأن اأغ�سبك‪ .‬فال تغ�سب َّ‬
‫وت�سع �سيفك فى �سدرى‪ .‬فتذهب عنى تلك ال�سجون التى توؤرقنى فى ليلى وتذلنى فى نهارى‪ ،‬وتجعل حياتى‬
‫بغي�سة اإلى نف�سى‪ ،‬ل�ست اأكره اأن اأفارق الحياة على يديك فاأخل�س من هذه ال�سبة التى يرددها النا�س كلما‬
‫على باآبائهم وقالوا لى‬
‫وقفت بينهم عند اأولِ غ�سبة يغ�سبونها‪ .‬فهم اإذا عجزوا عن مفاخرتى باأنف�سهم فخروا ّ‬
‫يا ابن زبيبة‪ .‬ولو عرفت اأبى لفاخرتهم به‪ ،‬واأ�سندت اإليه ظهرى‪ .‬حتى اأنت يا �سداد اإذا غ�سبت على قذفتنى‬
‫بحممك(‪ )1‬ودعوتنى عب ًدا وقد كنت جدي ًرا باأن تكون اأبعد النا�س عن اإذللى اإذا كنت اأبى‪ .‬فهل كذبت اأمى فيما‬
‫زعمته اإذا قالت اإننى منك؟‬
‫‪ -‬ف�ساح �سداد فى غيظ‪:‬‬
‫‪ -‬اأما قلت لك اأم�سك ل�سانك؟‬
‫‪ -‬فم�سى عنترة فى عناد‪:‬‬
‫لك اأن تذكر اأبوتى‪ ،‬ولو فعلت ذلك لوجدت عنك مندوحة يا �سيدى‪ ،‬فاإنى اأقدر على اأن اأ�سع ال�سيف فى‬
‫�سدرى حتى يخرج من ظهرى‪ ،‬اأقدر على اأن اأ�سرب فى الأر�س فال يعرف اأحد مكانى‪ ،‬اأقدر على اأن اأهيج فى‬
‫النا�س ب�سيفى ورمحى كما يثور لكلب العقور اأو النمر الثائر‪ .‬ولكنى ل اأقدر على اأن اأدعك تم�سى عنى بغير‬
‫اأن تجيب عن �سوؤالى‪ .‬فال بد لك من اإحدى خ�سلتين‪ :‬اإما اأن تقر باأبوتى واإما اأن تنكرها‪.‬‬
‫وكان �سداد مطر ًقا فى اأثناء هذا الحديث مترد ًدا‪ ،‬فنظر اإليه عنترة وطمع فى لينه وم�سى ً‬
‫قائال‪:‬‬
‫قل لى اأيها البطل كيف اأقيم فى قوم اأقاتل اأعداءهم‪ ،‬واأحارب فى غزواتهم‪ ،‬واأحوز الغنائم من اأجلهم‪،‬‬
‫واأنا فيهم ل اأزيد على اأن اأكون عب ًدا م�سخ ًرا؟ اأفعل ذلك ماأجو ًرا بطعامى و�سرابى؟ اأيكون �سيفى جدي ًرا باأن‬
‫ي�ساحبنى؟‬
‫وهل اأر�سى لنف�سى اأن اأكون عب ًدا لك تملكنى كما تملك هذه الإبل وهذه الخيل؟ اأاأر�سى بالذل فى نف�سى‪،‬‬
‫واأنا قادر على حماية غيرى؟ لئن كنت قاد ًرا على اأن اأمنع حرمكم‪ ،‬واأذود (‪)2‬عن حريتكم فاإننى لأ�سد النا�س‬
‫عقو ًقا(‪ )3‬لنف�سى اإذا كنت اأحفظ كرامتكم واأهدر كرامتى‪.‬‬
‫فرفع �سداد راأ�سه وقال‪:‬‬
‫اأتمن علينا بحمايتك؟‬
‫فاأجاب عنترة‪:‬‬
‫ل�ست اأمن عليك‪ ،‬ول على اأحد بحمايتى ‪ .‬ولكنى اأقول الحق الذى ل ت�ستطيع اأنت اأن تنكره اإننى اأغزو‬
‫(‪)4‬‬
‫واأتقدم ال�سفوف؛ لأقتحم جي�س العدو اأول النا�س لت�سيروا ورائى‪ .‬واإنى لأجروؤ على لقاء كل فار�س يتحاماه‬
‫الأبطال من �سادتكم‪ ،‬واإنى لأغنم الغنائم لكى تق�سموها بينكم‪ ،‬فاإذا مننتم على بجزء منها جعلتم لى ن�سف‬
‫الحمم‪ :‬الجمر‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫اأزود‪ :‬اأدافع‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫عقوق النف�س‪ :‬ترك الإح�سان اإليها‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫يتحاماه‪ :‬يتحا�ساه‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪40‬‬
‫�سهم وراأيتهم فى هذا ً‬
‫ف�سال واعترا ًفا بحقى‪ ،‬اإنى لأبذل ما فى يدى تكب ًرا عن المال اإذا حر�س عليه كرامكم‪،‬‬
‫ول�ست اأريد بهذا القول منًا ولفخ ًرا بل هو الحق الذى تعرفه‪ ،‬فاإذا كان هذا يغ�سبك فقل لى اإنك غا�سب‬
‫منه‪ ،‬فال اأعود اإلى ذكره‪ ،‬وح�سبى اأن اأباعد بينى وبينكم‪ ،‬فال اأكلفكم من اأمرى م�سقة ‪ ..‬ولكنى اأحب منك اأن‬
‫تجيبنى عما �ساألت فاإما اأن تنكرنى واإما اأن تعترف بى‪.‬‬
‫وكان �سداد فى اأثناء هذا القول مطر ًقا وقد و�سع راأ�سه بين يديه �سامتًا‪ ،‬فقام عنترة وو�سع يده على‬
‫كتفه فى رفق وقال له‪:‬‬
‫اأما زعمت مرة اأنك اأبى؟ لقد حدثتنى اأمى فى ثنايا ق�ستها اأنك اعترفت بى يو ًما اإذ طمع اأحد بنى عب�س‬
‫فى اأن يحوزنى‪ ،‬فمنعتنى(‪ )1‬وقلت اإننى ابنك‪ .‬األم تقل ذلك يو ًما يا �سيدى؟ اأما كدت تقاتل اأبناء عمك عندما‬
‫اأرادوا اأن يدعونى؟ كذب هذا اإذا �سئت بل كذب نف�سك اإذا ا�ستطعت اأن تقول كذ ًبا‪.‬‬
‫وما كاد �سداد ي�سمع هذه الكلمة حتى رفع راأ�سه ووثب قائ ًما ولم�س مقب�س �سيفه‪ ،‬وقال فى �سيحة‬
‫عنيفة‪:‬‬
‫اأتقول لى هذا القول اأيها العبد ال�سقى؟ وحق مناة والالت والعزى ما �سبرت على اأحد �سبرى عليك‪،‬‬
‫واأنت الليلة تقرعنى(‪ )2‬وتعنفنى‪ .‬ول�ست اأدرى ما الذى يمنعنى من �سفك دمك اأيها العاق الجاحد؟ فهل اأطمعك‬
‫حلمى عنك؟ اأو قد غرك اأننى وقفت(‪ )3‬دونك واأنت ت�سمخ باأنفك على �سادتك؟ اأنها لنقي�سة اأح�سها فى نف�سى‬
‫اأن اأرق لك كلما هممت باأن اأعمد هذا ال�سيف فى اأح�سائك‪.‬‬
‫فنزع عنتره �سيفه ورماه بعي ًدا عنه‪ ،‬وفتح جيبه(‪ )4‬فك�سف عن �سدره الوا�سع وقال ب�سوت اأج�س‪:‬‬
‫هلم (‪ )5‬فاغمد �سيفك فى �سدرى‪ ،‬ول تكتم غ�سبك على‪ ،‬فاإنك اإن فعلت خففت عنى ثقل ما اأحمل فى هذه‬
‫الحياة‪ ،‬بل اإنى اأحر�سك على قتلى‪ ،‬فل�ست اأريد اأن اأحيا فى العبودية التى تريدنى عليها‪ .‬اأقتلنى واأنت هادئ‬
‫النف�س‪ ،‬لأنك تريحنى من �سقائى‪.‬‬
‫فاأدار �سداد عينيه عنه‪ ،‬وعاد اإلى ال�سخرة فجل�س عليها �سامتًا وهو يلهث مما فى �سدره من الغيظ‪،‬‬
‫وبقى حينا �ساكنًا ثم تحرك وقال ب�سوت فيه رنة العتاب‪.‬‬
‫األ تعلم اأن هذا الأمر ل اأملكه وحدى‪.‬‬
‫ف�ساح عنترة كمن اأ�ساب انت�سا ًرا‪.‬‬
‫اإ ًذا فاأنت تعترف بى فقال �سداد فى حزن‪:‬‬
‫ل�ست اأنكر اأنك ابنى ‪ ...‬ف�ساح عنترة فى حما�سة‪:‬‬
‫لقد قلتها‪ ،‬هذا ح�سبى منك يا اأبى‪ .‬قل ما �سئت بعدها‪ ،‬وافعل ما بدا لك‪ .‬فاأنت اأبى‪.‬‬

‫منع‪ :‬حمى‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬


‫تقرع‪ :‬توجع باللوم والعتاب‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫وقفت دونك‪ :‬حميتك‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫جيب القمي�س‪ :‬طوقه‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫هلم‪ :‬ا�سم فعل يلزم ً‬
‫لفظا واح ًدا بمعنى تعال‪.‬‬ ‫(‪)5‬‬

‫‪41‬‬ ‫دار النمر للطباعه‬


‫(‪ )4‬حوار �شاخن‬

‫وذهب اإليه فمال على راأ�سه فقبله‪.‬‬


‫فقال �سداد فى حزن‪:‬‬
‫طفال‪ .‬وحنوت عليك‪ ،‬واآمنت اإليك‪ .‬ولقد علمت كيف كنت اأعادى‬ ‫لقد علمت يا عنترة اأننى اآثرتك منذ كنت ً‬
‫اأعداءك حتى كاد قومى ينبذوننى‪ ،‬وكيف وقفت دونك حتى باعدنى اإخوتى وبنو عمومتى‪ .‬ولكنى اإذا اعترفت‬
‫بك على مالأ النا�س لم ير�س اأحد منهم بك‪ ،‬وراأوا األحقت بهم المعرة بانت�سابك‪.‬‬
‫فقال عنترة‪:‬‬
‫اأتكون المعرة اأن تن�سب اإليهم عنترة؟‬
‫فاأطرق ال�سيخ واج ًما وو�سع راأ�سه بين كفيه‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫اأمهلنى يا عنترة حينًا ول تق�س على‪ .‬اأمهلنى حتى اأمهد لأمرى‪ ،‬واأتو�سل اإلى ق�سدى‪ .‬ولن اأفرط فيك اأب ًدا‬
‫فقد عجز الأحرار عن ولدة قرينك‪.‬‬
‫فقال عنترة فى نغمة �ساخرة‪.‬‬
‫فاأنا اإ ًذا عنترة العبد حتى ير�سى كل هوؤلء‪.‬‬
‫فقال �سداد‪:‬‬
‫تريث(‪ )1‬بى حتى اأحملهم على راأيى‪ .‬تريث يا عنترة ول تعد بى اإلى حديثك هذا‪ ،‬وتعال اأحدثك ال�ساعة عن‬
‫اأمر كنت اأود اأن اأبداأ به فى حديثك‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫فقال عنترة فى حنق‬
‫وما �ساأنى بالأحاديث يا �سيدى؟‬
‫فقال �سداد‪:‬‬
‫اإنه حديث كنت اأحب اأن اأف�سى به اإليك‪:‬‬
‫فقال عنترة فى �سرامة‪:‬‬
‫لأكونن العبد حقًّا اإذا ر�سيت اأو �سمعت �سي ًئا اأما وقد اأبيت يا �سيدى اإل اأن اأبقى عب ًدا حتى ير�سى قومك‪،‬‬
‫فلن اأكون لك اإل عب ًدا‪� ،‬ساأعتزل هذا الحى‪ ،‬و�ساأقنع منك بما تعطى‪.‬‬
‫�ساأذهب اإلى مراعيك لأ�سوق اإبلك واأرعاها‪� ،‬ساأبعد عن النا�س فال اأجال�س الأحرار اأب ًدا‪ ،‬و�ساأبعد عن‬
‫رمحا‪ .‬ولكننى عرفت اأنك اأبى؛ فلي�س لى اأن اأتهم زبيبة اأمى‪ .‬و�ساأر�سى عن‬ ‫الحروب فال اأحمل �سي ًفا ول ً‬
‫حياتى‪ ،‬فلن اأطعن قلبى بيدى‪� .‬ساأبقى ح ًّيا فاإن لى ا ً‬
‫أمال‪:‬‬
‫ل يزال يحملنى على الحياة‪ ،‬ولن اأح�س بعد اليوم ًذل فى قرارة �سدرى فاأنا عنترة بن �سداد بن قراد‪.‬‬
‫واأخذ �سيفه ورمحه فى هدوء فقال له �سداد‪:‬‬
‫اأذلك الذى اأ�سمعه؛ عنترة‪:‬‬

‫(‪ )1‬تريث‪ :‬تمهل‪.‬‬


‫(‪ )2‬حنق‪ :‬غيظ‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫ف�ساح عنترة‪ :‬نعم هذا عنترة العبد‪ .‬هذا عبدك يا �سداد بن قراد‪� ،‬ساأذهب اإلى البرية لأرعى اإبلك‪ ،‬واأحلب‬
‫نياقك‪ ،‬واأدفع الذئب عن غنمك‪� ،‬ساأجعل رمحى ع�سا اأ�سوق بها الإبل‪ ،‬و�ساأجعل �سيفى حلية اأزين بها �سدرى‪،‬‬
‫فال �ساأن لى بالغزو بعد هذا‪ ،‬ول ينبغى لى اأن اأقف بين الأحرار ‪.‬‬
‫واإذا بدا لك يو ًما اأن تنادى عنترة فال تدعه اإل لكى يحمل لك وعاء اللبن‪ ،‬اأو لكى ينحر ل�سيفك جزو ًرا(‪،)1‬‬
‫و�ستجدنى لك كما �سئت عب ًدا خا�س ًعا‪ .‬لن اأرد قلبى عن محبتك‪ :‬لأنه لينكر اأبوتك‪� .‬سوف اأكون عبدك‪ ،‬اأخفى‬
‫عنك طربى وغ�سبى‪ ،‬و�سوف اأدير عينى اإذا نظرت اإلى حتى لتلمح ومي�س حقدى‪ ،‬ول اأجهر بذات نف�سى‬
‫تحت �سمعك‪ .‬ول اأتحدث عنك اإل من خلف ظهرك‪ ،‬فاإذا قربت منى فلن ت�سمع منى اإل األفاظ الوفاء والولء ‪..‬‬
‫هذه �سيم العبد‪ ،‬فال تنتظر منى �سوى �سيم العبد‪ ،‬واقنع بهذا منى يا بطل عب�س وكريمها! يا �سيدى �سداد بن‬
‫تحفظك من �سيوف الأعداء وهاأنذا اأقبل قدميك ً‬
‫تذلال ومهانة‪.‬‬ ‫قراد‪ .‬هاأنذا اأخ�سع لك‪ ،‬واأدعو مناة اأن َ‬
‫ولما قال عنترة هذه الكلمة اأهوى اإلى قدمى اأبيه فجاأة فقبلهما‪ .‬ثم نه�س م�سر ًعا‪ ،‬وذهب كاأنه يهرب من‬
‫ً‬
‫مدهو�سا‪ ،‬ونور البدر‬ ‫عدو‪ ،‬حتى اختفى وراء التبة‪ ،‬وخرج نحو ال�سحراء‪ ،‬وجل�س �سداد ينظر فى اأعقابه‬
‫ال�ساطع يخيل اإليه اأنه يهيم فى حلم ثقيل‪.‬‬

‫اأ�شئلة الف�شل الرابع‬


‫حوار �شاخن‬

‫‪« 1‬لم يدر عنترة حقيقة ما كان يق�صد بذهابه اإلى زحمة العيد‪ ،‬فقد كان كل ما فى ذهنه‪ ،‬وكل ما فى‬
‫ً‬
‫غام�صا خاف ًيا م�صطر ًبا‪.‬‬ ‫قلبه‬
‫( اأ ) اأى عيد يحتفلون به؟ وكيف كانوا يحتفلون؟‬
‫(ب)ما قيمة عطف «وكل ما فى قلبه» على ما قبلها؟‬
‫(ج�) كان �سبب ذهابه اإلى مكان العيد‪:‬‬
‫✦ ✦لين�سد اأ�سعاره‪.‬‬
‫✦ ✦لأن �سورة عبلة تجذبه‪.‬‬
‫✦ ✦لأن زحمة العيد ت�سغله عن التفكير فى اآلمه‪.‬‬
‫✦ ✦لأنه يريد اأن يلقى �سدا ًدا‪.‬‬
‫✦ ✦رتب هذه الأ�سباب ح�سب اأهميتها بالن�سبة لعنترة‪.‬‬

‫(‪ )1‬جزو ًرا‪ :‬ما ي�سلح للذيح من الإبل‪.‬‬

‫‪43‬‬ ‫دار النمر للطباعه‬


‫(‪ )4‬حوار �شاخن‬

‫( د ) علل لما ياأتى‪:‬‬


‫✦ ✦غر�س عنترة الرمح فى الرمال بقوة‪.‬‬
‫✦ ✦ابت�سام عبلة له وعدم ابت�سامه لها‪.‬‬
‫✦ ✦جل�س الملك على تخت من�سوب وحوله الأمراء وال�سيوخ‪.‬‬
‫✦ ✦عدم حدوث قتال بين عنترة وعمارة‪.‬‬
‫‪ 2‬اإننى ل اأ�صتطيع يا �صيدى اأن اأنكر ف�صلك‪ ،‬فاأنت فار�س عب�س و�صيخها واأنت مالذ الخائف‪ ،‬ومطعم‬
‫طويال منذ كنت ً‬
‫طفال»‬ ‫الجائع‪ ،‬ومكرم ال�صيف‪ ،‬ونا�صر ال�صعيف‪ ،‬وقد حدثتنى اأمى عنك ً‬
‫( اأ ) (مالذ ‪ -‬الجائع ‪ -‬ال�سعيف)‬
‫هات مرادف الكلمة الأولى‪ ،‬وم�ساد الثانية‪ ،‬والجمع من الثالثة‪ ،‬واأدخل كل ما تاأتى به فى جملة‪.‬‬
‫(ب)تظهر الفقرة لباقة عنترة‪ ،‬ودقة حديثه‪ ،‬و�سح‪.‬‬
‫(ج�) بم حدثته اأمه؟ وما عالقة هذا الحديث بموقف عنترة؟‬
‫( د ) بم اأح�س عنترة عندما اأخبرته اأمه باأنه ابن �سداد؟‬
‫(ه�) �ساأل عنترة �سدا ًدا‪ :‬اأعبدك اأنا اأم ولدك؟ ماذا كانت الإجابة؟‬
‫( و ) ذكر �سداد بع�س اأف�ساله على عنترة فما هى؟ وما هدفه من ذلك؟‬
‫‪ 2‬لخ�س الحوار الذى دار بين عنترة و�صداد‪ .‬ثم بين الموقف الذى و�صل فيه اإلى قمة النفعال‪.‬‬
‫‪ 2‬اأى الحجج كانت اأقوى؟ حجج عنترة اأم حجج �صداد؟ ناق�س وو�صح‪.‬‬
‫‪ 2‬قال عنترة فى اإحدى ق�صائده‪:‬‬
‫اأغ�سى الوغى واأع��ف عند المغنم‬ ‫ي�خ�ب��رك م��ن �سهد ال��وق�ي�ع��ة اأن�ن��ى‬
‫اذكر الموقف الذى يتفق ومعنى هذا البيت‪.‬‬
‫‪« 6‬كذب نف�صك اإذا ا�صتطعت اأن تقول كذ ًبا»‬
‫قال ذلك عنترة ل�سداد ما اأثر ذلك عليه؟‬
‫وكيف قابل عنترة تهديد �سداد؟‬
‫‪ 7‬قال �صداد‪« :‬تريث بى حتى اأحملهم على راأيى‪ .‬تريث يا عنترة‪ ،‬ول تعد بى اإلى حديثك هذا‪،‬‬
‫وتعال اأحدثك ال�صاعة عن اأمر كنت اأود اأن اأبداأ به فى حديثك»‪.‬‬
‫( اأ ) هات معنى تريث فى جملة‬
‫✦ ✦و�سح المق�سود بقوله اأحملهم على راأيى‪.‬‬
‫✦ ✦هل ا�ستجاب عنترة لأمر �سداد؟ ولم؟‬
‫(ب)لماذا قرر عنترة اأن يظل عب ًدا؟‬

‫‪44‬‬
‫(ج�) حدد عنترة الأعمال التى �سيقوم بها فما هى؟ وعالم تدل؟‬
‫( د ) ا�ستخرج من العبارة ال�سابقة‪ :‬منادى واأعربه ‪ -‬خب ًرا جملة ‪ -‬م�سد ًرا مو ً‬
‫ؤول وحوله اإلى �سريح‪.‬‬
‫‪ 8‬ما الموقف الذى اأعجبك فى هذا الف�صل؟ علق عليه‪.‬‬

‫‪45‬‬ ‫دار النمر للطباعه‬


‫(‪ )5‬خطبة عبلة‬

‫خرج عنترة من ال�سغب هائ ًما على وجهه ليدرى اأين يذهب‪ ،‬ولم يلتفت اإلى ناحية الحى كاأنه كان يكره اأن‬
‫تقع عينه على الحلة التى ت�سم الذين ينا�سبونه العداء‪ ،‬وي�سمرون له الح�سد‪ ،‬ويتنكرون له‪ .‬ولكنه تذكر‬
‫عبلة التى ناط (‪ )1‬بها اأمله‪ ،‬وعلق عليها كل �سعادته‪ ،‬فكانت �سورتها تمثل اأمامه بعيدة عنه بعد النجم‬
‫عن ال�سارى(‪ )2‬فى ال�سحراء‪ .‬وم�سى فى �سبيله تحت نور البدر الكامل‪ ،‬ت�سوقه قدماه اإلى حيث يبعد‬
‫عن الموطن الذى ليجد فيه اإل الهوان والغيظ والظلم‪ ،‬واإن كان ليدرى اإلى اأين يذهب فى تلك الأر�س‬
‫الوا�سعة‪ ،‬التى كانت تبدو اأمامه ممتدة اإلى غير نهاية‪ ،‬ول ي�سمع فى الليل ال�ساكن �سوتًا �سوى �سفير‬
‫بع�س ح�سر الأر�س‪ ،‬اأو نُباح كلب عند بيت منعزل فى واد بعيد‪.‬‬
‫وكان يخيل اإليه مع هذا ال�سكون اأن يقتحم زحا ًما �سدي ًدا �ساخ ًبا م�سطر ًبا لما كان فى قلبه من ثورة‬
‫عنيفة‪ .‬وما زال ي�سرب فى �سعاب ال�سحراء تلك الليلة ي�سرع فى خطاه ويطعن الأر�س برمحه فى حنق مع‬
‫كل خطوة يخطوها‪ ،‬حتى طلع عليه الفجر وهو م�سرف على الوادى الف�سيح الذى كانت اإبل �سداد ترعى فيه‪،‬‬
‫لطالما اأقام فى ذلك الوادى منذ ن�ساأ‪ ،‬فكان فيه ملعبه ومركبه‪ ،‬وفيه مو�سع لهوه واأ�سماره‪ .‬كان عنترة منذ‬
‫ن�ساأ يرعى اإبل �سداد فى ذلك الوادى مع �سائر العبيد‪ ،‬ي�سارعهم وي�سابقهم‪ ،‬ثم كان فيه وهو فتى يبارى‬
‫اأ�سحابه‪ ،‬ويطاردهم على متون الخيل‪ .‬ففى تلك الأر�س عرف اأول ما عرف من الحياة وفى تلك الأر�س �سهد‬
‫اأول ما �سهد من مباهجها‪ ،‬واأح�س اأول ما اأح�س من همومها‪ ،‬لقد كانت مناظر ذلك الوادى الف�سيح منذ �سباه‬
‫تحرك قلبه وتملوؤه بهجة‪ .‬وكانت مراعية فى الربيع تبعث فيه الن�سوة‪ ،‬وتوحى اإليه بالغناء‪ ،‬وكان كلما �ساق‬
‫�سدره ليجد ما يفرج كربته اإل اأن يلجاأ اإليه‪ ،‬فيجد فى براحه وجماله وعزلته ما يعيد اإليه اطمئنانه‪ ،‬ويرد‬
‫عليه ثقته بنف�سه‪.‬‬
‫ومنذ عاد اإلى ذلك الوادى العزيز اأقبل عليه يجول فى اأنحائه‪ ،‬يجد اأكبر العزاء فى �سحبة الإبل والخيل‪،‬‬
‫وفى الخروج اإلى �سيد الوعول(‪ )3‬والظباء‪ ،‬اأو الإيقاع بالذئاب وال�سباع‪ ،‬ون�سى اأو كاد ين�سى اأر�س ال�سربة‬
‫حيث خلف قومه من عب�س فى حلتهم الم�سطربة بالأهواء‪ ،‬لول خطرة كانت تخطر على قلبه من عبلة‪،‬‬
‫فيحاول اأن يبعدها عن خياله‪ ،‬فال تزال تعاوده حتى تغلبه في�سبح مع ال�سورة الحبيبة فى عالم حزين يخيم‬
‫الياأ�س عليه‪.‬‬
‫�سابحا فى الليل بين ال�سجون‪ ،‬وهو فى كل‬ ‫هكذا ق�سى اأيامه ولياليه هائ ًما فى النهار بين ال�سعاب‪ً ،‬‬
‫لحظة تمر به يزداد حق ًدا على قومه الذين يزدرونه(‪ ،)4‬وعلى اأبيه الذى يظلمه وينكره وياأبى اأن ين�سبه اإليه‬
‫مع اأنه يعترف ببنوته‪.‬‬
‫ناط‪ :‬علق‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫ال�سارى‪ :‬ال�سائر لي ًال‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫الوعول‪ :‬ال�سياه الجبلية‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫يزدرونه‪ :‬يحتقرونه‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪46‬‬
‫واأقبل على الخمر يحاول اأن يجد فيها ما ين�سيه حب عبلة وحقده على عب�س‪ ،‬وظلم �سداد‪ ،‬ولكن الخمر‬
‫كانت اإذا ت�سلطت عليه لتزيده اإل وج ًدا وحن ًقا وحق ًدا حتى لقد حال(‪ )1‬لونه‪ ،‬واأخذ ال�سعف يدب اإليه و�سار‬
‫يوؤثر النفراد والبعد عن �سائر من هناك من النا�س‪.‬‬
‫وكان فى �سباح يوم من الأيام راك ًبا على فر�سه‪ ،‬يمالأ �سدره من هواء الربيع العليل‪ ،‬وكانت ال�سم�س‬
‫البا�سمة تر�سل �سعاعها رفي ًقا فوق المروج الخ�سراء‪ .‬وكانت ال�سحب تزين ال�سماء بقطع بي�ساء كاأنها قطيع‬
‫من وعل(‪ )2‬نجد الع�سماء‪ ،‬وكانت ال َعرار (‪)3‬يب�سم بنوره(‪ )4‬الأبي�س ويبعث مع الن�سيم نفحاتِه العطرة‪.‬‬
‫وكان كلما وقعت عينه على منظر اأنيق تذكر عبلة‪ ،‬ونازعته نف�سه اأن ينزل عن كبريائه‪ ،‬ويعود اإلى الحِ لة‬
‫اأو يلم بها اإلمامة ق�سيرة‪ ،‬لعله يفوز بنظرة منها اأو ينعم لحظة ب�سماع �سوتها‪.‬‬
‫و�سمع فى �سيره وقع حوافر فر�س ياأتى من ورائه م�سر ًعا‪ .‬فانزوى فى ركن من جانب الوادى ليرى‬
‫من يكون ذلك‪ ،‬فراأى بعد حين اأخاه �سيبوب يق�سد الربوة التى اعتاد اأن يجل�س فوقها م�سر ًفا على الوادى‪.‬‬
‫فهمز فر�سه وانطلق نحوه وكان ليتوقع مجيئه‪ ،‬ووقع فى نف�سه اأنه اآت اإليه ب�سىء خطير‪ ،‬ولما �سار‬
‫قري ًبا منه ناداه فى لهفة‪.‬‬
‫‪ -‬مرح ًبا بك يا �سيبوب‪.‬‬
‫ثم وثب عن ظهر الفر�س وفتح له ذراعيه‪.‬‬
‫فاأقبل اإليه اأخوه �سيبوب وعانقه فى �سوق‪ ،‬ثم قال له‪:‬‬
‫اإلى اأين كنت �سائ ًرا؟‬
‫فقال عنترة‪:‬‬
‫ل�ست اأعرف لنف�سى غاية اأق�سد اإليها‪ .‬فيم جئت اأنت؟ فتب�سم �سيبوب وقال‪:‬‬
‫اإنما جئت لأراك‪.‬‬
‫فنظر اإليه عنترة فى �سك‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫اإن وراءك لأم ًرا‪.‬‬
‫فقال �سيبوب ول يزال با�س ًما‪:‬‬
‫اإنك لتح�س ما فى نف�سى قبل اأن اأنطق به‪� .‬سدقت فقد جئت اإليه بحديث‪.‬‬
‫و�سكت لحظة ثم قال‪:‬‬
‫كان الحى بالأم�س يزخر (‪ )5‬بمن فيه‪.‬‬
‫فقال عنترة فى �سيحة مكتومة‪:‬‬
‫فهل من جديد؟‬
‫حال لونه‪ :‬تغير‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫الوعل‪ :‬نوع من المعز الجبلية ‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫العرار‪ :‬نبات طيب الرائحة‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫يب�سم بنوره‪ :‬يزهر‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫يزخر‪ :‬يموج‪.‬‬ ‫(‪)5‬‬

‫‪47‬‬ ‫دار النمر للطباعه‬


‫(‪ )5‬خطبة عبلة‬

‫فقال �سيبوب‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ونحر مالك بن قراد ع�سر ُجز ٍر‬
‫ثم �سكت‪:‬‬
‫ف�ساح عنترة‪:‬‬
‫الجزر؟‬
‫ام�س‪ ،‬وما ق�سة هذه ُ‬
‫فقال �سيبوب‪:‬‬
‫كانت وليمة عظيمة لعمارة بن زياد‪.‬‬
‫ف�ساح عنترة فى �سوت مخنوق‪:‬‬
‫عمارة بن زياد!‬
‫فقال �سيبوب‪:‬‬
‫ذهب عمارة يخطبها‪.‬‬
‫وكاأن �سيبوب األقمه بهذا اللفظ حج ًرا‪ .‬فلم ينطق عنترة بجواب بل وقف ينظر اإلى الف�ساء مبهوتًا‪.‬‬
‫فقال له �سيبوب فى رفق‪:‬‬
‫املك نف�سك يا عنترة‪ .‬لقد كنت من قبل اأحدثك فى خفة وفكاهة؛ لأننى اأعرف كبرياءك ول اأحب اأن اأثيرها‪،‬‬
‫مجال لخفة ول فكاهة‪ .‬اأحب اأن اأحدثك حدي ًثا يقطر ج ًّدا‪.‬‬
‫ولكنى اآت اإليك اليوم لأحدثك ج ًّدا‪ ،‬فاإنى ل اأرى ً‬
‫فاأطرق عنترة �ساه ًما وجعل يخرق الأر�س برمحه كعادته‪.‬‬
‫فقال له �سيبوب‪:‬‬
‫اإذا �سئت م�سيت معى اإلى ناحية فاإنى متعب من الركوب‪.‬‬
‫مجل�سا‪ ،‬وذهب عنترة وراءه ي�سير بطي ًئا‪ .‬فلما اطماأن بهما المجل�س‬
‫وذهب نحو جانب كثيب فمهد لنف�سه ً‬
‫قال �سيبوب‪:‬‬
‫زوجا‪ .‬وهو من هوؤلء العرب الذين تعرفهم‪ .‬فال مف َّر لهم من‬ ‫هذا مالك بن قراد يريد اأن يختار لبنته ً‬
‫اأن ينظروا اإلى النا�س باأعينهم ل باأعين غيرهم‪ .‬وقد جئت اأ�سعى اإليك بهذا النباأ قبل غيرى حتى لتركب‬
‫ال�سطط(‪ )2‬فى اأمرك‪.‬‬
‫فقال عنترة‪:‬‬
‫واأى �سطط تعنى؟‬
‫فقال �سيبوب‪ :‬لقد عرفت اأنك �سوف تكره فعل مالك‪ .‬واأنك قد تطيع هذا الوهم الذى ي�سل بك فتح�سب‬
‫زوجا‪.‬‬
‫اأنه قد ير�سى بك لبنته ً‬

‫(‪ )1‬جزر‪ :‬جمع جزور‪ ،‬وهى الناقة‬


‫(‪ )2‬ال�سطط‪ :‬المخاطر‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫فقال عنترة فى �سوت اأج�س‪:‬‬
‫دع ذلك وقل لى ما تريد اأنت ‪ ..‬ل تحدثنى عن نف�سى‪.‬‬
‫فقال �سيبوب‪:‬‬
‫لم اأجئ اإل لأحدثك عن نف�سك‪ ،‬واإنى اأعيد عليك ما قلته لك مرة بعد مرة‪ ،‬اإنك تخدع نف�سك يا ابن اأمى‬
‫وتجرى وراء �سراب تريد اأن تروى به ظماأك‪ .‬فهل لك اأن تفكر فى اأمرك وتحكم فى الأمور بعقلك؟‬
‫فاأطرق عنترة حزينًا ثم قال‪:‬‬
‫اإنك تريد اأن اأحك َم بعقلى واأن اأفكر فى اأمرى‪ ،‬تريد اأن اأعترف باأننى عنترة العبد الذى ليليق به اأن‬
‫يتطلع اإلى عبلة‪.‬‬
‫فقال �سيبوب فى رقة‪:‬‬
‫اإنك بغير �سك فار�س عب�س‪ ،‬واإنك لجدير باأن تكون �سيدها‪ ،‬ول�ست اأول رجل ظلمته الحياة‪.‬‬
‫فانتف�س عنترة ً‬
‫قائال‪:‬‬
‫وما لى اأر�سى بظلم الحياة يا �سيبوب؟ وما الذى يقيدنى حتى اأقيم على الخ�سف(‪ ،)1‬واأر�سى باأن اأبقى‬
‫عب ًدا؟ وما الذى يحملنى على اأن اأحكم بعقلك اأنت فى اأمرى؟ لي�س الذى تريد منى حكم عقلى اأنا يا �سيبوب بل‬
‫هو حكمك‪ .‬اأما اأنا فاإنى لن اأر�سى لنف�سى اإل اأن تكون حيث تر�سى‪.‬‬
‫فقال �سيبوب هاد ًئا‪:‬‬
‫وماذا تملك يا اأخى؟ هل تملك اأن تحجر على مالك حتى ليزوج ابنته بمن �ساء؟‬
‫ف�ساح عنترة‪:‬‬
‫ولكنى اأحب عبلة‪ .‬اأحبها ح ًّبا ملك على عقلى فال اأفكر اإل فيها‪ ،‬ول اأحيا اإل من اأجلها‪ .‬لقد قنعت اأول الأمر‬
‫بال ِّرق؛ لأننى كنت قري ًبا منها‪ ،‬ولقد رف�ست اليوم ذلك ال ِّرق؛ لأنه يبعدنى عنها‪ .‬اأحب عبلة ح ًبا ل ي�ستطيع مالك‬
‫ول غير مالك اأن ينزعه من بين �سلوعى‪ ،‬ولن ي�ستطيع اأحد اأن يجعلنى اأر�سى باأن يتزوجها غيرى‪.‬‬
‫فقال �سيبوب‪:‬‬
‫اإ ًذا فحدثنى ماذا اأنت فاعل‪ ،‬لتحول بين مالك وبين ر�سائه بعمارة؟‬
‫فقال عنترة فى حرارة‪:‬‬
‫ل�ست اأدرى بم اأحدثك يا �سيبوب‪ ،‬فاأنت تذكرنى بكل اآلمى وكل �سقائى‪ ،‬تذكرنى باأنى ل اأزيد على اأن‬
‫اأكون عب ًدا ول اأ�ستطيع اأن اأمحو �سورتى التى تقع فى عيوب قومى‪.‬‬
‫تذكرنى باأننى لن اأجد اأ ًبا ين�سرنى ولن اأجد ن�س ًبا يمهد لى �سبيلى‪ .‬بل اإنى لن اأجد المال الذى يعيننى على‬
‫بع�س اأمرى‪ ،‬ولكنى يا �سيبوب مع هذا كله اأملك �سي ًئا واح ًدا وهو نف�سى التى لتر�سى‪ ،‬و�ساأكون فى المو�سع‬
‫الذى اأر�ساه واإن كان ذلك ق�س ًرا(‪ )2‬اإنك تحدثنى عن مالك‪ ،‬وعن قومى‪ ،‬فلم لتحدثنى عن عبلة نف�سها‪.‬‬

‫الخ�سف‪ :‬الذل‪ ،‬الظلم‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬


‫(‪ )2‬ق�س ًرا‪ :‬قه ًرا‪.‬‬

‫‪49‬‬ ‫دار النمر للطباعه‬


‫(‪ )5‬خطبة عبلة‬

‫اإنك لم تعرف حقيقة نف�سها كما عرفتها‪ ،‬فال تواجهنى بهوؤلء فل�ست اأعرف منهم اأح ًدا‪ ،‬واإنما اأحب عبلة‬
‫واأعرفها‪.‬‬
‫فقال �سيبوب فى عناد‪:‬‬
‫اأتح�سبها تر�سى بك‪ ،‬وتدع عمارة بن زياد؟‬
‫فتحرك عنتر ُة فى غيظٍ وقال‪:‬‬
‫اإنك تتحدث كاأنك اأحد اأعدائى‪.‬‬
‫فقال �سيبوب فى رقة‪:‬‬
‫لتذهب بك الظنون يا عنترة مذاهبها‪ .‬فاإنك تعرف مقدار حبى لك وحر�سى على خيرك‪ .‬ودع عبلة‪ ،‬وقل‬
‫لى‪ ،‬اأتح�سب مال ًكا يزوج ابنته لك‪ ،‬ويدع عمارة بن زياد؟ ولو كان اأبو عبلة غير مالك‪ ،‬اأتح�سب اأنه يفعل هذا؟‬
‫اإنك لن تجد اأح ًدا غيرى يحدثك بمثل قولى‪ ،‬ولكنى ل اأحب اأن اأكتم عنك ما فى نف�سى‪.‬‬
‫وكان عنترة يحاول اأن يم�سك غ�سبه‪ ،‬ولمح �سيبوب عالمات ذلك ال�سراع بينه وبين نف�سه‪ ،‬فقال له فى‬
‫عطف‪:‬‬
‫حر�سا عليك منى على نف�سى‪ .‬ولو كان الأمر لى لعرفت اأن قدرك‬ ‫لتحنق على لما اأقول يا اأخى‪ :‬اإنى اأ�سد ً‬
‫نف�سا‪ .‬واإنك لحامى حماهم‪ ،‬و�سيد فر�سانهم‪،‬‬ ‫اأعلى من كل قدر‪ .‬فاأنت عندى اأكرم من هوؤلء جمي ًعا‪ ،‬واأ�سهم ً‬
‫واأنت اأجمل عندى من اأجملهم‪.‬‬
‫فقال عنترة وقد األنه قول اأخيه‪:‬‬
‫ل�ست اأ�سك فى مودتك وحر�سك على خيرى‪ :‬لقد �سدقت اإذ قلت اإن مال ًكا ل يالم على ر�ساه بعمارة ً‬
‫زوجا‬
‫لبنته‪ ،‬ولو كنت فى مكانه لما ر�سيت اإل بما ير�سى‪ ،‬ولكن ما بال قلبى وعبلة؟ اإننى اأحبها ول اأقدر اأن اأحيا‬
‫بغيرها‪ ،‬ولو ذهبت لغيرى لكان فى ذلك قتلى‪ ،‬فلي�س لى اإل اأن اأركب الوعر(‪ ،)1‬واأن اأقدم على كل خطر‪ ،‬اإذ‬
‫لي�س فى كل ذلك اإل الموت‪ ،‬وهو فى كل حال ينتظرنى‪.‬‬
‫و�سمت لحظة ثم قال‪:‬‬
‫على كرامتى؟ لقد علمت اأنه اأبى‪ .‬لقد قالها لى منذ يوم مناة‪:‬‬‫وما بال �سداد ياأبى َّ‬
‫فقال �سيبوب‪:‬‬
‫األقيته فى ذلك اليوم؟!‬
‫فقال عنترة‪:‬‬
‫نعم لقيته‪ ،‬ثم خرجت بعد اأن ق�سيت معه �سدر الليل‪.‬‬
‫ف�سكت �سيبوب حينًا ثم قال‪:‬‬
‫لقد كنت يوم مناة عني ًفا‪.‬‬
‫فقال عنترة فات ًرا‪:‬‬
‫(‪ )1‬الوعر‪ :‬ال�سعب‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫وما الذى لم يعجبك من اأمرى؟‬
‫فقال �سيبوب‪:‬‬
‫اأما تذكر �ساعة وقفت اأمام عبلة؟ اأما تذكر كيف نظرت اإليها وكيف نظرت اإليك؟‬
‫اأما تذكر اأنها �سكتت عن الغناء‪ ،‬وكيف خيم ال�سمت على الجميع فى الميدان؟‬
‫فقال عنترة‪:‬‬
‫اأذكر ذلك كله يا �سيبوب كاأننى ما اأزال فيه‪ ،‬ولكن ما بالك تذكرنى بهذا؟‬
‫فقال �سيبوب‪:‬‬
‫اأذكرك به لأننى �سمعت حديث النا�س فى جهرهم وهم�سهم‪� .‬سمعت ما قالوه على المالأ وتج�س�ست على‬
‫ما قالوه فى الخفاء‪ .‬لقد باتت عب�س تتحدث عنك وعن عبلة‪ ،‬وما زالت تتحدث عنك وعن عبلة‪ .‬لقد كانوا من‬
‫قبل ي�سمعون �سعرك فيقول بع�سهم «هذا فى عبلة» ويقول بع�سهم «هذا فى غير عبلة» ويزعم اآخرون اأنه من‬
‫عبث ال�سعراء‪ .‬ولكنك فى ذلك اليوم قلت للجميع «اإنها عبلة‪ :‬اإنها عبلة»‪.‬‬
‫فاأطرق عنترة حتى ظن �سيبوب اأنه قد ق�سا عليه فقال‪:‬‬
‫ولكنى بعدت بك عن م�سيل القول يا عنترة‪ .‬قال لى كيف حدثت �سدا ًدا يوم مناة‪:‬‬
‫فقال عنترة فات ًرا‪:‬‬
‫حدثته واعترف بى‪.‬‬
‫فقال �سيبوب‪:‬‬
‫ولكن اأتح�سب اأنه ين�سفك؟ اأتح�سب اأنه يعترف بك على مالأ عب�س؟‬
‫فقال عنترة‪:‬‬
‫لئن لم ين�سفنى واأنا ولده لكان لى ظال ًما‪.‬‬
‫ثم جعل ينكت الرمل برمحه فى حنق‪.‬‬
‫فقال �سيبوب‪:‬‬
‫اأراك لتدع هذا الوهم واإن كلفك ركوب كل وعر‪.‬‬
‫فقال عنترة‪:‬‬
‫اإذا كنت بين قوم لينظر كل منهم اإل اإلى نف�سه فال حرج على اإذا نظرت اإلى نف�سى‪.‬‬
‫اإن هوؤلء يدعوننى اإذا ا�ستدت حولهم الكروب‪ ،‬ويلقون اإلى بال�سيوف‪ ،‬لأحمى حماهم‪.‬‬
‫فالأحاربنهم بهذا ال�سيف انت�سا ًفا لنف�سى‪ .‬لأحاربن �سدا ًدا اإذا �سن على با�سمى‪ ،‬ولأحاربن مال ًكا اإذا‬
‫وقف بينى وبين حبى‪ .‬ولأحاربن عمارة اإذا تجراأ على اأن ي�سلبنى حياتى‪ ،‬لأحاربن لأحاربن!‬
‫و�سمت لحظة ثم وثب قائ ًما وقال‪:‬‬
‫هلم يا �سيبوب فاإنى عائد اإلى الحى معك‪ .‬اإننى لن اأطيق البقاء هنا‪.‬‬

‫‪51‬‬ ‫دار النمر للطباعه‬


‫(‪ )5‬خطبة عبلة‬

‫يركب ويلحق به‬


‫ولم ي�ستطع �سيبوب اأن يعيد عليه القول فقد انطلق بجواده ولم يجد �سيبوب ب ًدا من اأن َ‬
‫عائ ًدا اإلى منازل عب�س‪.‬‬

‫اأ�شئلة الف�شل اخلام�س‬


‫خطبة عبلة‬

‫�صابحا فى الليل بين ال�صجون‪ ،‬وهو فى‬‫ً‬ ‫‪« 1‬هكذا ق�صى اأيامه ولياليه هائ ًما فى النهار بين ال�صعاب‬
‫كل لحظة تمر يزداد حقدًا على قومه الذين يزدرونه وعلى اأبيه الذى يظلمه وينكره‪ ،‬وياأبى اأن‬
‫ين�صبه اإليه مع اأنه يعترف ببنوته»‬
‫( اأ ) تخير الإجابة ال�سحيحة مما بين القو�سين فيما يلى‪:‬‬
‫✦ ✦معنى كلمة «هائ ًما» (ل يعرف وجهته ‪ -‬م�سر ًعا ‪ -‬مح ًّبا)‪.‬‬
‫✦ ✦مفرد كلمة «ال�سعاب»‪�( :‬سعب ‪� -‬سعوب ‪� -‬سعب)‪.‬‬
‫✦ ✦م�ساد «يزدرونه»‪( :‬ي�سبونه ‪ -‬يحترمونه ‪ -‬يحاربونه)‪.‬‬
‫(ب)لم كان عنترة يزداد حق ًدا؟ وكيف �سورت العبارة حيرته؟‬
‫(ج�) كانت مناظر ذلك الوادى تحرك قلبه‪ ،‬وتملوؤه بهجة فلماذا؟‬
‫( د ) تخير الأ�سباب المنا�سبة لمعاناة عنترة مما يلى‪:‬‬
‫حبه عبلة ‪ -‬حقده على عب�س ‪ -‬ظلم �سداد له ‪ -‬احتياجه للمال ‪ -‬اإدمانه الخمر ‪ -‬طرده من القبيلة‪.‬‬
‫‪ 2‬كيف ا�صتقبل �صيبوب؟ وبم حدثته نف�صه عن مجىء �صيبوب؟‬
‫‪ 3‬قال عنترة لأخيه �صيبوب‪« :‬ل�صت اأ�صك فى موادتك ‪ ..‬لقد �صدقت اإذا قلت اإن مال ًكا ل يالم على‬
‫زوجا لبنته‪ ،‬ولو كنت فى مكانه لما ر�صيت اإل بما ير�صى‪ ،‬ولكن ما بال قلبى‬ ‫ر�صاه بعمارة ً‬
‫وعبلة‪ ،‬اإننى اأحبها‪ ،‬ول اأقدر اأن اأحيا بغيرها‪ ،‬ولو ذهبت لغيرى لكان فى ذلك قتلى»‪.‬‬
‫( اأ ) هات ما يلى ثم �سع ما تاأتى به فى جملة‪.‬‬
‫هات مرادف‪« :‬مودة» وم�ساد «ر�سيت»‪.‬‬
‫(ب)ما مدى �سدق عنترة فيما يقول؟‬
‫(ج�) عالم �سمم عنترة؟ وما حجته فى ذلك؟‬
‫( د ) قال عنترة‪« :‬اإننى لن اأطيق البقاء هنا» اأيتفق هذا القول مع حبه لهذا الوادى؟ ناق�س وعلل‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫احلقيقة‬
‫البطلإلىاحلر‬
‫الطريق ا‬
‫(‪)6()3‬‬

‫اأو قد عنترة فى الحلة نار ال�سحناء(‪ )1‬منذ عاد اإليها‪ .‬فما كان يمر به يوم بغير اأن يثير خ�سا ًما‪ ،‬واأن يهيج‬
‫قتال بينه وبين اآل عمارة بن زياد‪ ،‬واأرادت عب�س اأن تخرج اإلى غزو طيئ فلم يخرج معهم‪ ،‬و�سارت عب�س مع‬ ‫ً‬
‫الملك زهير بن جذيمة‪ ،‬فلم يتركوا فى الحى اإل طائفة قليلة لحرا�سة المنازل‪ ،‬وكان اأمير الحامية �سداد بن قراد‪.‬‬
‫وراأى عنترة الفر�سان‪ ،‬وهم يخرجون من الحى متجهين اإلى اأر�س طيئ‪ ،‬وكان قلبه يثور عليه‪ ،‬ويتحرق‬
‫من القعود عن القتال‪ .‬ولكنه مع ذلك قاوم ميله‪ ،‬واأ�سر على البقاء ت�سف ًيا(‪ )2‬من قومه الذين لين�سفونه‪ ،‬ول‬
‫يزيلون عنه و�سمة الهوان‪ .‬فكان يخرج كل يوم يجول فى ال�سحراء‪ ،‬ليفرج عن نف�سه كربتها‪ ،‬ثم يعود فى‬
‫الم�ساء اإلى خيمته‪ ،‬ليق�سى بها الليل‪ ،‬فت�سيق نف�سه وح�سة وكر ًبا‪ ،‬فيخرج اإلى الف�ساء فى ظالم الليل اأو فى‬
‫نور القمر‪ ،‬لعله يجد فى انطالق الجو ما يخفف من وح�سته وكربه‪.‬‬
‫ولم ي�ستطع اأن يلقى عبلة طوال تلك الأيام‪ ،‬فاإنها منذ اأن خطبت اإلى عمارة �سرب عليها الحجاب‪ ،‬فكانت‬
‫لتخرج اإلى مورد الماء كما اعتادت اأن تخرج‪ ،‬ول تزور اأترابها فى بيوتهن بل كن ياأتين اإليها لزيارتها حتى‬
‫ل يراها عنترة‪ .‬هكذا اأمر اأبوها مالك واأخوها عمرو قبل اأن يرحال مع الجي�س‪ ،‬فقد اأنفا مما �سمعا من اأحاديث‬
‫النا�س عنها‪.‬‬
‫وخرج عنترة يو ًما على عادته ليجول جولته‪ ،‬فوقف على ربوة ينظر اإلى الحى من بعيد ويحدث نف�سه عما‬
‫تنطوى عليه الأخبية المر�سو�سة فى وادى الجواء‪ .‬هناك كانت عبلة فى بيت من البيوت ليدرى فيم تفكر‬
‫ول فيم تتاأمل‪ .‬اأكانت را�سية عن زواجها من عمارة بن زياد؟ لقد كان عمارة فتى عب�س وابن �سادتها‪ .‬كان‬
‫اأكرم النا�س ح�س ًبا واأعالهم ن�س ًبا واأجملهم �سورة واأ�سخاهم ي ًدا‪ ،‬حتى عرفه النا�س بعمارة الوهاب‪ .‬اأكانت‬
‫عبلة را�سية بزواجها منه؟‬
‫كان عنترة يح�س عندما يتمثل �سورة ذلك ال�ساب‪ ،‬و�سورة عبلة اإلى جانبه اأن لهي ًبا يتقد فيما بين جنبيه‬
‫واأن ال�سوء يظلم اأمام عينه‪ .‬ولكم خيل اإليه وهمه الم�سطرب اأن يهوى بجواده اإلى بيتها فينزعها منه ويفر‬
‫مقاتال‪ .‬ولكنه كان يعود اإلى نف�سه لئ ًما لها على ما تخيله‬ ‫بها اإلى حيث ل يراهما اأحد بعد ذلك ويقف دونها ً‬
‫فى الوهم‪ .‬فما كان ليجروؤ على فعل يجر الم�سقة عليها اأو يدخل اله َّم اإلى قلبها‪.‬‬
‫فكان يقنع باأن ينظر من بعيد اإلى ال�سعب الذى يحوى خباءها ويق�سى ال�ساعات مغن ًيا بال�سعر الذى‬
‫يتحرك به خاطره من ذكرها‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫ووقف على راأ�س الربوة من�س ًدا‪:‬‬
‫واأخفىالجوى فىالقلبوالدمعفا�سحى‬ ‫(‪)3‬‬
‫اأع � � ��ات � � ��ب ده � � � � � � � ًرا ل ي� �ل� �ي���ن ل� �ع ��ات ��ب‬
‫ول � ��و ف��ارق��ت��ن��ى م� ��ا ب �ك �ت �ه��ا ج ��وارح ��ى‬ ‫وق���د ه���ان ع �ن��دى ب���ذل ن�ف���س��ى رخ�ي���س��ة‬
‫(‪ )1‬ال�سحناء‪ :‬العداوة‪.‬‬
‫(‪ )2‬ت�سف ًيا‪ :‬انتقا ًما‪.‬‬
‫(‪ )3‬الجوى‪ :‬الحزن‪.‬‬

‫‪53‬‬ ‫دار النمر للطباعه‬


‫(‪ )6‬البطل احلر‬

‫وما كاد يتم اإن�ساده حتى طرقت اأذنه �سيحة عالية خرجت كاأنها هزيم(‪ )1‬الرعد انطلق فجاأه فى الف�ساء‪.‬‬
‫خيال تقبل نحو الوادى �سابحة فوق الرمال كاأنها �سرب من الطير‪ .‬وما هو اإل‬ ‫فنظر حوله فاإذا به يرى ً‬
‫لحظات بعد ذلك حتى خرج من جوانب وادى الجواء(‪ )2‬فر�سان عب�س وكانوا هناك على ترقب ل�سد العدو‪.‬‬
‫وغمر الغزاة �ساحة الوادى‪ ،‬وتفرق فوار�س عب�س بينهم يدافعون‪ ،‬ولكنهم كانوا قلة ل يكادون يثبتون اأمام‬
‫العدو فى مكان‪ :‬فما هى اإل �ساعة حتى كان العدو يحارب فر�سان عب�س عند فم ال�سعب ويكاد يحطم مقاومتهم‬
‫العنيفة‪.‬‬
‫وتحركت نف�س عنترة اإلى القتال مرا ًرا وهم اأن يهبط من الربوة؛ لكى ين�سر قومه‪ ،‬ولكنه كان فى كل‬
‫مرة يغالب نف�سه ويمانعها‪.‬‬
‫وانفرط عقد العب�سيين بعد حين‪ ،‬ف�ساروا يتدافعون ويتزاحمون عند فم ال�سعب فى ذعر‪ ،‬وكلما اتجهوا‬
‫وجهة وجدوا العدو ي�س ُّد �سبيلهم اإليها فيرتدون خفا ًفا وهم ل يب�سرون ما دونهم اإل بعد اأن ي�سطدموا به‪.‬‬
‫وتفلت الأمر من اأيديهم حتى �سارت رحى المعركة تدور بين حطام البيوت المقو�سة‪ ،‬فكان فر�سان عب�س‬
‫يرتدون خطوة بعد خطوة فيخبطون ن�ساءهم واأطفالهم فى عماية(‪ )3‬القتال‪ .‬وال�سياح والبكاء من ورائهم‬
‫يعلو على �سجيج القتال‪ .‬راأى عنترة ذلك كله من وراء العجاج(‪ )4‬الثائر وقلبه يثب فى �سدره‪ ،‬ولكن حنقه‬
‫كان يكبح غ�سبه كما تكبح ال�سكيمة(‪ )5‬الفر�س الجموح‪ .‬فكان يئن كلما راأى منظر الهزيمة الطاحنة‪ ،‬ويزمجر‬
‫كالوح�س الجريح‪ ،‬ولكنه حمل نف�سه على البقاء فى مكانه ق�س ًرا‪.‬‬
‫(‪)6‬‬
‫ثم خيل اإليه اأن المعركة قد بلغت اإلى قريب من دار عبلة‪ .‬ولحت له �سورتها كاأنه يراها تحت �سنابك‬
‫فار�سا من طيئ قد عدا عليها فاأخذها اأ�سيرة‪ ،‬كى يتخذها اأمة له كما اأخذ �سداد اأبوه زبيبة اأمه‬
‫الخيل‪ ،‬اأو كاأن ً‬
‫نازل عن الربوة حتى بلغ كان فر�سه الأبجر(‪ )7‬ووثب عليه وهمزه متج ًها‬ ‫من قبل‪ .‬فلم يملك نف�سه واندفع ً‬
‫مقبال يرك�س جواده فى عنف نحوه‪ .‬فوقف‬ ‫نحو ميدان المعركة‪ .‬ولكنه ما كاد ي�سير حتى راأى اأباه �سدا ًدا ً‬
‫فى مكانه حتى �سار حياله وناداه �سدا ًد ً‬
‫قائال‪:‬‬
‫اأما ترى قومك ي�سرعون تحت عينيك؟‬
‫ً‬
‫�سامخا باأنفه‪:‬‬ ‫فركز عنترة رمحه وهو راكب وقال له‬
‫اأى قوم لى؟‬
‫فقال �سداد والفر�س يتراق�س تحته ويحمحم‪:‬‬
‫هلم يا عنترة فاإن العدو يطحننا‪.‬‬

‫هزيم الرعد‪� :‬سوته العنيف‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬


‫وادى الجواء‪ :‬يقع فى ديار عب�س‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫عماية القتال‪� :‬سدته‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫العجاج‪ :‬التراب‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫ال�سكيمة‪ :‬الحديدة فى فم الفر�س‪.‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫�سنابك الخيل‪ :‬حوافر الخيل‪.‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫الأبجر‪ :‬عظيم البطن‪.‬‬ ‫(‪)7‬‬

‫‪54‬‬
‫فقال عنترة‪:‬‬
‫وما لعنترة والقتال؟ لي�س لعنترة قوم يا �سيدى �سداد ‪..‬‬
‫ف�ساح �سداد‪:‬‬
‫دع هذا الهراء(‪ )1‬واأ�سرع‪ ،‬فاإن العار ينتظرنا‪.‬‬
‫ف�ساح عنترة فى وح�سية‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫العار ينتظركم؟ األي�س هو العار الذى يجللنى؟ األي�س الذى ينتظركم هو الرق الذى اأر�سف اأنا فى اأغالله‬
‫؟ اأذهب اأيها ال�سيخ‪ ،‬فذق ذل الأ�سر عند طيئ كما ذقته عندكم طول حياتى‪.‬‬
‫الح َرم تو�سك اأن ت�ستباح‪.‬‬
‫ف�ساح �سداد‪ :‬قلت لك دع الهراء‪ ،‬واأقبل اإلى القتال‪ ،‬اإن ُ‬
‫فقهقه عنترة فى �سوت اأج�س وقال‪:‬‬
‫‪-‬اأى حرم لعبد مثلى اأيها ال�سيخ؟ فهل تريد منى اأن اأتطوع للقتال عن �سادتى الذين ل يعرفون مكانى؟‬
‫ل �ساأن لعنترة بالقتال‪ ،‬فاذهب عنى‪.‬‬
‫‪-‬لقد اأ�سابك الخبل(‪ )3‬اأيها العاقُّ ‪.‬‬
‫ف�ساح به عنترةُ‪:‬‬
‫‪-‬ل توؤاخذنى يا مولى‪ ،‬فاإنى ن�سيت الأدب فى خطابك‪ ،‬ولكنى عبد وما �ساأن العبد بالقتال؟‬
‫ٍ‬
‫مخيف‪.‬‬ ‫ثم عاد فقهقه فى �سوتٍ‬
‫فقال �سداد فى �سراعة‪:‬‬
‫اأما يخزيك اأن نرى ن�ساءك ت�سبى؟ اأما يخزيك اأن ترى قومك �سرعى؟‬
‫فقال عنترة متحد ًيا‪:‬‬
‫لقد تركت القتال منذ عرفت اأننى لينبغى لى اأن اأ�ساير الأحرار‪ .‬لي�س لى قوم اأقاتل عنهم‪ .‬ولي�س لى اإل‬
‫اأن اأحلب النياق‪ ،‬واأن اأحفظ الأغنام والإبل من عدوان الذئاب‪.‬‬
‫هذا رمحى اأ�سطنعه هراوة(‪ )4‬فى يدى‪ ،‬اأه�س به على غنمك يا �سداد بن قراد‪ .‬وهذا �سيفى‪ ،‬ولكنه فى‬
‫غمده‪ ،‬اأ�سرب به الفحول المتمردة عند موارد المياه‪ .‬هذا يا �سيدى ما اأح�س به من بالء الحياة فال ينبغى‬
‫لمثالى اأن ي�سارك ال�سادة فى الدفاع‪.‬‬
‫اإن الحر هو الذى ي�سند الأحرار‪ .‬فاذهب اإلى هوؤلء الذين يحق لهم القتال‪ .‬اذهب اإلى اأ�سهارك واإخوتك‬
‫واأخوالك الذين لير�سون لعنترة اأن يكون ح ًّرا ي�ستطيع اأن ي�ساير الأحرار‪.‬‬
‫اذهب اإلى عمارة بن زياد الذى كنتم تاأكلون الثريد فى وليمته‪ ،‬اذهب اإلى بنى قراد فهوؤلء هم الأحرار‬
‫الذين يح�سنون القتال‪ .‬اأين مال ٌك اأخوك؟ واأين عمرو ابنه؟ واأين زخمة الج َّواد؟ واأين اأبناوؤه؟ اأين هوؤلء‬
‫الهراء‪ :‬ال�سخف‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫اأغالل‪ :‬قيود‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫الخبل‪ : :‬الجنون‬ ‫(‪)3‬‬
‫هراوة‪ : :‬ع�سا‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪55‬‬ ‫دار النمر للطباعه‬


‫(‪ )6‬البطل احلر‬

‫جمي ًعا؟ واأين �سواهم؟ اإنهم فى غنى عن عنترة بن زبيبة‪.‬‬


‫وعاد اإلى ال�سحك كاأنه قد اختبل عقله‪.‬‬
‫ف�ساح �سدا ٌد‪:‬‬
‫َهلُ َّم معى ثكِلتك (‪ )3‬اأُمك قبل اأن اأن ِّكل بوجهك الأ�سود‪.‬‬
‫ف�ساح عنتر ُة فى �سبه جنون‪:‬‬
‫اذهب اأيها ال�سيخ عنى‪ ،‬فاإنك ت�سخر من نف�سك‪ .‬اذهب عنى فوحق مناة‪ ،‬وكل اآلهة العرب الجوفاء اإننى‬
‫ل اأعرف القتال لن تجدنى اإل كما اأردت‪ ،‬عب ًدا ي�سمت فيكم كلما راأى الذ َّل يطوى كبرياءكم‪ .‬اذهب فقل لقومك‬
‫هذا م�سرع البغى والكبرياء‪ .‬قل لهم ما اتخذ قوم بع�سهم عب ًدا اإل كان بع�سهم فيهم عدوا‪ .‬اأنا عبد عب�س‬
‫ول�ست من عب�س‪ ،‬اأنظر اإليكم واأرى طحنكم‪ .‬واأمتع نف�سى بقهركم وذلكم ‪ ..‬وماذا ي�سر العبد عنترة اإذا نك َل‬
‫العد ُّو بال�سادة الذين يخدمهم؟ اأنا اليوم عبد عب�س‪ ،‬و�ساأكون غدا عب َد طيئ‪ .‬واإذا رعيت لك اإبلك اليوم فى عب�س‬
‫ف�ساأرعى اإب َل �سي ٍد اآخ َر فى طيئ‪ .‬هذا ما تعلمته فيكم من الكرامة‪ ،‬وما اأخذته عنكم من المروءة فاذهب عنى‬
‫ل اأبا لك يا �سدا ُد بن قراد‪.‬‬

‫وكان ال�سيخ ي�سمع قوله وهو لي�سدق اأذنيه‪ ،‬فقال والغيظ يخنقه‪:‬‬
‫لقد هممت اأيها ال�سقى اأن اآتى اإليك فاأ�سع هذا ال�سيف فى �سدرك اأهذا عنترة الذى يخاطبنى؟ اأم هو عبد‬
‫من الزنج لم تقع عينى عليه قب َل هذا؟‬
‫ف�ساح عنترةُ‪:‬‬
‫هذا هو العبد الذى �سنعته اأنت اأيها ال�سيخ‪ .‬تعال ف�سع �سيفك حيث �سئت فاإنى لن اأحرك يدى فى الدفاع‬
‫عن نف�سى‪ .‬اأتعجب من قولى وت�ساأل اأهذا عنتر ُة الذى يخاط ُبك؟ بل اأن الذى اأ�ساأل‪ :‬اأهذا هو �سيخى و�سيدى‬
‫الذى يخاطبنى؟ األ تذكر يوم تركتنى اأذهب عنك‪ ،‬لأعود اإلى العبيد اأمثالى فاأرعى اإبلك وغنمك؟ اأراك قد ن�سيت‬
‫ذلك اليوم ون�سيتنى‪.‬‬
‫أحلب نياقى واأرعى غنمى ثم‬‫اأوجدت القتال اأحر مما يقوم عليه فتيانكم فذكرتنى؟ اأما تدعنى اأيها ال�سيخ ا ُ‬
‫اأ�سرق واأ�سمت واأتذلل؟ اأما كان ينبغى لك اأن تبعد عنى حتى ل ت�سمع �سماتتى وحقدى؟! اأما كان اأجمل بك‬
‫وبى لو كان حقدى عليك يتنف�س من وراء ظهرك كما ينبغى لعبد مثلى؟‬
‫فاقترب �سدا ُد منه واأم�سك بكتفه فهزها فى عنف وقال له‪:‬‬
‫اإنك ت�سيع الفر�سة فى حديثٍ باطلٍ‪ .‬هل َّم معى ل اأ َّم لك؟‬
‫فنزل عنتر ُة عن فر�سِ ه واأهوى على قدم �سداد فى الركاب فقبلها‪ ،‬ثم وقف اأمامه قائ ًال‪:‬‬
‫أم�سح نعليك بوجهى‪ ،‬واأن اأحمل لك اأدواتك‬‫فعلت من قبل مرة اأخرى‪ .‬على اأن ا َ‬ ‫هاأنذا اأقبل قدمك كما ُ‬

‫‪56‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وعلى اأن اآتى لك بالطعا ِم وال�سراب‪ ،‬واأن اأخد َم �سيفَك واأقفَ بين يديك �ساغر ًا‪ ،‬وعلى اأن اأرهف‬ ‫و�سها َمك‪ّ ،‬‬
‫اأذنى لهم�ساتِ اأمرك فاتح ًا عينى لكل اإ�سارة من يدِك‪.‬‬
‫وعدت اإلى بيتِك‪ ،‬ولم‬ ‫الحرب اأوزا َرها‪َ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫اذهب يا �سيدى‪ ،‬فاأنا عب ُدك الذى ينتظ ُر خدمتَك‪ .‬فاإذا و�سعت‬
‫�سئت عبد ًا‪� ،‬سوف تجدنى عند قدميك جاثي ًا(‪)2‬مطيع ًا ذلي ًال‪ ،‬واأما القتا ُل‬ ‫ياأخذْك العد ُّو عبد ًا ف�سوف تجدنى كما َ‬
‫الحلب وال�س َّر(‪ ،)3‬ول �ساأن لى بال�سرب والكر‪.‬‬ ‫َ‬ ‫فل�ست اأح�س ُن اإل‬
‫قلت لك اإنه لي�س من �ساأنى‪ُ ،‬‬ ‫فقد ُ‬
‫ُ‬
‫يتحرك فى غيظٍ ينظ ُر تار ًة اإلى عنتر َة وتار ًة اإلى ال�سِّ ْع ِب الم�سطرب‬ ‫وكان �سدا ٌد ي�سم ُع هذه الكلماتِ وهو‬
‫عنف‪:‬‬‫الذى يدو ُر فيه القتالُ‪ .‬ولما انتهى عنتر ُة من قوله �ساح �سداد فى ٍ‬
‫‪ -‬اأهكذا تتخلى عنى؟ اأما ترى العد َّو وقد حطم بيوتى واأخذ ن�سائى؟ اأما تراه قد بلغ ف َم ال�سعب حيث‬
‫منازل اأبيك واأعمامك؟‬
‫ف�ساح عنترة �ساخ ًرا‪:‬‬
‫‪ -‬منازل اأبى واأعمامى؟‬
‫فقال �سداد فى بع�س لين‪:‬‬
‫والح ُّر ل يعرفُ ال�سمات َة‪ .‬اإنه ي�سترى نف�سه فى مث ِل هذا‬ ‫‪ -‬نعم منازل اأبيك واأعمامك‪ .‬اإنك ت�سمت بنا ُ‬
‫اليو ِم يا عنترةُ‪.‬‬
‫تكون ُح ًّرا فاعلم اأن الحري َة ل تُو َه ُب عطا ًء‪ :‬اإنما اإذا وهبت كانت كقطع ٍة من العظا ِم تلقى‬ ‫أردت اأن َ‬ ‫فاإذا ا َ‬
‫جائع ينتظرها �ساغ ًرا‪ .‬هلم يا عنتر ُة واأزل عنا معر َة هذا اليو ِم‪.‬‬ ‫اإلى كلب ٍ‬
‫فوثب عنتر ُة على فر�سِ ه قائ ًال‪:‬‬
‫يكون ا�سمى منذ اليو ِم يا �سدا ُد؟‬ ‫‪ -‬وماذا ُ‬
‫(‪)4‬‬
‫ف�ساح �سداد فى َحنَق‬
‫‪ -‬ح�س ُبك اأيها الأحمقُ ل اأ َّم لك‪.‬‬
‫ماذا يغنى ال�س ُم عن الرج ِل اإذا كان فى نف�سه عبد ًا‪.‬‬
‫فقال عنتر ُة فى عنادِ‪:‬‬
‫‪ -‬قل لى يا ابن �سداد ولو مرةً‪ .‬قل ذلك يا اأبى حتى اأ�سمعك تدعونى ابنك‪ .‬بم اأنادى فى القتالِ اإذا لم‬
‫اأكن عنترة بن �سداد؟‬
‫ف�ساح �سدا ٌد وهو يهم ُز فر�سه‪:‬‬
‫ويك(‪ )5‬عنترة بن �سداد اإنما العب ُد من يقو ُل لك منذ اليوم غي َر هذا‪.‬‬

‫هراوة ‪ :‬ع�سا‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬


‫جاث ًيا‪ :‬جال�سا على ركبتيه‬ ‫(‪)2‬‬
‫ال�سر‪ :‬هو خيط ي�سد فرق الخلف‪ ،‬لئال ير�سعها ولدها‬ ‫(‪)3‬‬
‫حنق‪ :‬غ�سب‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫ويك‪ :‬عج ًبا لك‪.‬‬ ‫(‪)5‬‬

‫‪57‬‬ ‫دار النمر للطباعه‬


‫(‪ )6‬البطل احلر‬

‫�سابح فى الهواء وقال‬ ‫فاندفع عنتر ُة فى اأثرِه حتى �سار باإزائه‪ ،‬ثم همز فر�سه الأبجر ف�سيق كاأنه طي ٌر ٌ‬
‫متلفتًا اإلى اأبيه‪:‬‬
‫(‪)2( )1‬‬
‫الحِ ْق بى يا اأبى وقاتل اإلى جانبى‪ ،‬ف�ساأنادى اليو َم فى قتالى!‬
‫(‪)4‬‬
‫�سطرى(‪ )3‬واأحمى �سائرى بالمن�سل‬ ‫اإن� ��ى ام � ��روؤ م��ن خ �ي � ِر ع�ب����س من�سبا‬
‫األ� �ف� �ي ��ت خ � �ي � � ًرا م� ��ن ُم � � َع� ��م ُم� �خ� � َّول‬ ‫واإذا ال�ك�ت�ي�ب��ة اأح �ج �م��ت وت��الح �ظ��ت‬
‫ثم جعل ين�سد وهو مقب ٌل على الميدان‬
‫الحتوف بمعزلِ‬ ‫ِ‬ ‫اأ�سبحت عن غر�س‬ ‫ب� �ك ��رت ت �خ��وف �ن��ى ال� �ح� �ت � َ‬
‫�وف ك �اأن �ن��ى‬
‫لب� ��د اأن اأُ�� �س� �ق ��ى ب� �ك� �اأ� ��س ال�م�ن�ه��ل‬ ‫ف� �اأج� �ب� �ت� �ه���ا اإن ال � �م � �ن � �ي � � َة م �ن �ه��ل‬
‫�وت اإن ل��م اأُق�� َت�� ِل‬ ‫اأن� ��ى ام � ��ر ٌوؤ � �س �اأم� ُ‬ ‫ف��اق �ن��ى(‪ )5‬ح �ي��اءك لاأب ��ا ل��ك واعلمى‬
‫م �ث �ل��ي اإذا ن ��زل ��وا ب���س�ن��ك ال �م �ن��زلِ‬ ‫اإن ال � �م � �ن � �ي � � َة ل � ��و ت � �م � � َّث � � ُل م�� ِّث��ل��ث‬
‫ح� �ت ��ى اأن � � � ��ال ب � ��ه ك � ��ري� � � َم ال� �م� �اأك ��ل‬ ‫ول� �ق ��د اأب � �ي� � ُ�ت ع �ل��ى ال� �ط ��وى واأظ� �ل ��ه‬

‫(‪� )1‬سطرى‪ :‬ن�سفى‪.‬‬


‫(‪ )2‬المن�سل‪ :‬ال�سيف‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫اأ�شئلة الف�شل ال�شاد�س‬
‫البطل احلر‬

‫‪« 1‬ولم ي�صتطع اأن يلقى عبلة طوال تلك الأيام‪ ،‬فاإنها منذ خطبت اإلى عمارة �صرب عليها الحجاب‪،‬‬
‫فكانت ل تخرج اإلى مورد الماء كما اعتادت اأن تخرج‪ ،‬ول تزور اأترابها فى بيوتهن‪ ،‬بل كن ياأتين‬
‫اإليها لزيارتها حتى ل يراها عنترة»‪.‬‬
‫( اأ ) ما المق�سود بقوله « �سرب عليها الحجاب»؟‬
‫✦ ✦يقال ورد الماء اإذا ذهب اإليه‪ ،‬فماذا يقال اإذا ان�سرف عنه؟‬
‫✦ ✦هات مفرد اأترابها فى جملة‪.‬‬
‫(ب)لماذا تخلف عنترة عن الن�سمام اإلى الجي�س الذاهب اإلى طيئ؟‬
‫(ج�) فيم كان يفكر؟ وما الأوهام التى كانت ترد اإلى خاطره؟‬
‫(د) لماذا رجع الجي�س ب�سرعة من الغزوة؟‬
‫�سحيحا واآخر‬
‫ً‬ ‫(ه�) ا�ستخرج من العبارة ال�سابقة‪ :‬م�سد ًرا موؤو ًل‪ ،‬وب َد ًل‪ ،‬وخب ًرا لفعل نا�سخ‪ً ،‬‬
‫وفعال م�سار ًعا‬
‫معت ًال‪.‬‬
‫‪ ...« 2‬وتفلت الأمر من اأيديهم حتى �صارت رحى المعركة تدور بين حطام البيوت المقو�صة‪،‬‬
‫فكان فر�صان عب�س يرتدون خطوة بعد خطوة فيخبطون ن�صاءهم واأطفالهم فى عملية القتال‪،‬‬
‫وال�صياح والبكاء من ورائهم يعلو على �صجيج القتال»‪.‬‬
‫( اأ ) تخير الإجابة ال�سحيحة مما ياأتى‪ ،‬واكتبها‪:‬‬
‫✦ ✦معنى كلمة «االمقو�سة»‪( :‬المهدمة — الم�ستباحة — المفتوحة)‪.‬‬
‫✦ ✦م�ساد التعبير «تفلت الأمر من اأيديهم»‪( :‬انت�سروا — فروا — اأم�سكوا بزمام الأمر)‪.‬‬
‫✦ ✦«عماية القتال» تعنى‪( :‬ظالم المعركة — الغبار المتطاير— �سدته)‪.‬‬
‫(ب)ت�سور العبارة هزيمة العب�سيين و�سح‪.‬‬
‫(ج) تحركت فى نف�س عنترة عاطفتان‪ ،‬فما هما؟‬
‫(د) انقل العبارات ال�سحيحة مما ياأتى‪:‬‬
‫✦ ✦لم ي�ستطع عنترة اأن يكبح جماح غ�سبه‪.‬‬
‫✦ ✦حمل نف�سه على البقاء فى مكانه ق�س ًرا‪.‬‬
‫✦ ✦ركب عنترة ح�سانه (الأبجر) عندما اقتربت المعركة من دار عبلة‪.‬‬
‫✦ ✦ناداه �سداد فلبى النداء‪.‬‬
‫‪59‬‬ ‫دار النمر للطباعه‬
‫(‪ )6‬البطل احلر‬

‫✦ ✦لم ي�ستجب للنداء قائ ًال وما لعنترة والقتال؟‬


‫‪ 3‬دار حوار بين عنترة و�صداد‪:‬‬
‫✦ ✦لخ�س هذا الحوار‪.‬‬
‫✦ ✦وبين راأيك فيه‪.‬‬
‫✦ ✦دور هذا الحوار فى تطوير اأحداث الق�سة‪.‬‬
‫‪« 4‬قال �صداد‪ :‬لقد هممت اأيها ال�صقى اأن اآتى اإليك فاأ�صع هذا ال�صيف فى �صدرك‪ .‬اأهذا عنترة الذى‬
‫يخاطبنى؟ اأم هو عبد من الزنج لم تقع عيني عليه قبل هذا؟‪ ...‬فاأجاب عنترة‪ ...‬تعال ف�صع‬
‫�صيفك حيث �صئت فاإنى لن اأحرك يدى فى الدفاع عن نف�صى‪.»...‬‬
‫(اأ) وراء كل من �سداد وعنترة دوافع جعلتهما يقولن هذا الحوار‪ .‬و�سح دوافع كل منهما‪.‬‬
‫(ب)لماذا ق َّبل عنترة نعلى �سداد؟‬
‫(ج�) و�سح المق�سود بالعبادات الآتية‪:‬‬
‫✦ ✦«فل�ست اأح�سن اإل الحلب وال�سر‪ ،‬ول �ساأن لى بال�سرب والكر»‬
‫✦ ✦«الح ُّر ل يعرف ال�سماتة‪ ،‬اإنه ي�سترى نف�سه فى مثل هذا اليوم يا عنترة»‬
‫(د) اأيهما كان اأقوى حجة؟ �سداد اأم عنترة؟ علل‪.‬‬
‫‪« 5‬ويك عنترة بن �صداد! اإنما العبد من يقول لك منذ اليوم غير هذا»‬
‫✦ ✦ماذا تمثل هذه العبارة فى اأحداث الق�سة؟‬
‫✦ ✦ما معنى «ويك»؟ وبم اأكد �سداد كالمه؟‬
‫✦ ✦ما اأثر هذا الكالم على عنترة؟‬
‫‪ 6‬تخير بع�س اأبيات عنترة‪ ،‬واكتبها فى لوحة بخطك‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫(‪ )7‬انــتــ�صــار‬

‫كان القتا ُل ل يزا ُل يدو ُر بين البيوتِ ‪ ،‬وقد حطم الأعدا ُء اأعم َدتها وقطعوا حبا َلها‪ ،‬وخرج الن�سا ُء �سرا ًعا‬
‫جوانب الوادى‪ .‬وكان من بقى من الفر�سان‬ ‫ِ‬ ‫أطراف ال�سعب يلذن بال�سخور‪ ،‬وي�سعدن فى‬ ‫يحملن الأطفا َل اإلى ا ِ‬
‫والرماح‪ ،‬فكان الأعدا ُء يدو�سونهم تحت �سنابك الخيلِ‪.‬‬
‫ِ‬ ‫يحاولون ما ا�ستطاعوا اأن ينافِحوا((( بال�سيوف‬
‫بيت مالك بن قراد‪ ،‬فلمحه من وراء المعمع ِة خال ًيا‬ ‫واأقبل عنتر ُة نحو ال�سعب فكان اأو ُل ه ّمه اأن يرى َ‬
‫مهد ًما‪ ،‬قد بعثر اأثاثه‪ ،‬ومزقت جوان ُبه‪ ،‬ودخل فى �سفوف العدو الذى كان عند ذلك قد اأو�سك اأن يق�سى على‬
‫مكافح اإل قل ٌة من كهولِ عب�س‪ ،‬يحاولون ما ا�ستطاعوا اأن يثبتوا فى موا�س َع‬ ‫ِ‬ ‫كل َمن دونه فلم يبق اأما َمه من‬
‫متفرق ٍة وقد بداأ ال َكالل((( على خيولهم‪ ،‬وترددت على حركِتهم مظاهر ال�ستعداد للفرار‪.‬‬
‫بع�سهم على َ�س ِلب البيوتِ من‬
‫ريح الن�س ِر فهدءوا عن القتالِ ‪ ،‬واأقبل ُ‬‫بع�س فر�سان طيئ قد اأح�سوا َ‬ ‫وكان ُ‬
‫بع�سهم من لذ بالفرار من ن�ساء واأطفال‪ ،‬يريدون اأن ياأخذوهم اأ�سرى‪،‬‬ ‫ك ِّل ما بها من ٍ‬
‫�سالح ومالِ ؛ وطار َد ُ‬
‫وكان اأكبر همهم اأن ياأخذوا الن�ساء ليكن لهم اإماء فقد كان هذا عندهم اأكب َر زه ٍو لالنت�سا ِر‪ ،‬و�ساح عنتر ُة‬
‫ب�سوته المجلجل «اأنا الهجين((( عنترة»‪.‬‬
‫�سطرى واأحمى �سائرى بالمن�سل‬ ‫اإن ��ى ام ��روؤ م��ن خير عب�س من�س ًبا‬
‫ثم اأهوى على المقاتلين من فر�سان طيئ فى َحن ٍَق منحد ًرا كاأنه �سخر ٌة تتهدى((( من قم ِة الجبلِ‪ ،‬فكان‬
‫ي�سرب العد َو حينًا ب�سيفه الذى فى يمينه‪ ،‬ويطعنُه حينًا برمحِ ه الذى فى ي�ساره‪ ،‬وي�سد ُمه بفر�سِ ه الأبجر‬
‫ُ‬
‫الذى كان يندف ُع تحته كاأنه ي�سار ُكه الحنق والحما�س َة‪ ،‬وت�ساقط الطائيون واح ًدا بعد واحد‪ ،‬و�سمع الذين‬
‫اأقبلوا منهم على ال�سلب �سيحة عنتر َة فوثبوا على اأفرا�سِ هم �سرا ًعا‪ ،‬واأقبلوا اإليه جماعات يريدون اأن‬
‫يحيطوا به‪ ،‬فاأ�سرع عنترة نحو فار�س �سخم من الذين �سرعهم فى قتالِه فنزع عنه در َعه‪ ،‬و�سدها على‬
‫مت�سربال بها‪ ،‬ثم وثب على فر�سِ ه‪ ،‬فما بلغ الفر�سان مكانه حتى كان قد ثبت على ظه ِر الأبجر وهمزه‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ج�سمه‬
‫عنيف‪ ،‬وكانت �سدم ًة هائل ًة اهتز لها عنتر ُة‬
‫ال�سفوف المر�سو�س ِة التى تتج ُه اإليه مثل �سي ٍل ٍ‬
‫ِ‬ ‫فاندفع فى �سد ِر‬
‫وزمجر من وقعها‪ .‬ولكن الأبجر ا�ستطاع اأن ينفذ به فى ال�سفوف المتال�سقة‪ ،‬و�سرع فى �سبيله فر�سين‬
‫األقيا �ساحبيهما‪ ،‬وم�سيا فى عدوهما اأ�سفل الوادى‪ ،‬ولكن الأعداء عطفوا اأعنة الخيل نحو عنترة‪ ،‬ليكروا‬
‫عليه مرة اأخرى‪ .‬ولوى عنترة عنان الأبجر عائ ًدا اإليهم‪ ،‬وكان �سفهم قد ت�سع�سع فى هذه المرة ولم يبق‬
‫وي�سرب ويجند ُل منهم واح ًدا بعد واحد حتى تردد‬
‫ُ‬ ‫كال�سخرة الم�سمتة‪ .‬فاأهوى عنتر ُة على الفر�سان يطع ُن‬
‫من بقى منهم واآثروا النجاة‪.‬‬

‫ينافحوا‪ :‬ي�سربوا‪.‬‬ ‫(((‬


‫الكالل‪ :‬التعب‪.‬‬ ‫(((‬
‫انا الهجين‪ :‬المولود من اأبوين من اأ�سلين مختلفين‪.‬‬ ‫(((‬
‫تتهدى‪ :‬تنحدر‪.‬‬ ‫(((‬

‫‪61‬‬ ‫دار النمر للطباعه‬


‫انــتــ�صــارإلى احلقيقة‬
‫(‪ )7‬الطريق ا‬ ‫(‪)3‬‬

‫أ�ستات((( من فر�سان عب�س قد �سمعوا �سيح َة عنترةَ‪ ،‬فاأقبلوا نحوه من الثنايا التى لذوا بها‪ ،‬ودب‬ ‫وكان ا ٌ‬
‫الأم ُل فى قلوبهم عندما راأوا عنترة يح�سد فى العدو ح�سد ًا‪ ،‬فاأقبلوا �سرا ًعا وعادت الجراأة اإلى قلوبهم‪ ،‬فلم‬
‫ي�ستطع العدو اأمامهم ثبات ًا‪ ،‬وولى الأدبار تارك ًا وراءه ما كان قد جمع من اأموال و�سبايا‪.‬‬
‫عنان فر�سِ ه نحو وادى الجواء يبحث عن عبل َة‪،‬‬ ‫فر�سان عب�س اأن يطاردوا العدو‪ ،‬ولوى َ‬ ‫َ‬ ‫ونادى عنترة‬
‫ال�سطراب ال�ساملِ؟ لقد اأوغ َل‬
‫ِ‬ ‫يعرف اأ َثرها فى ذلك‬
‫ولكن اأنى له((( اأن يج َدها فى ذلك الحطا ِم؟ واأنى له اأن َ‬
‫يعرف هل نجت عبلة اأو‬ ‫الن�سا ُء والأطفال فى �سِ عاب الوادى وغابوا فى �سقوق ال�سخرِ‪ ،‬وما كان لي�ستطي َع اأن َ‬
‫اأ�سابتها طعن ٌة‪ ،‬وهل بقيت فيمن بقى اأوعمد اإليها فتى من طيئ فجعلها ه ًمه من القتالِ ونجا بها‪.‬‬
‫جوانب الوادى ينادى باآل قراد‪ .‬وي�ساأ ُل كل من يراه عن ن�ساء �سداد واإخوته‪ ،‬وما كان يريد‬ ‫َ‬ ‫فاندفع فى‬
‫من ذلك اإل اأن يجيبه قائ ًال «قد راأيت عبلة»‪ ،‬ولكنه لم َيج ْد لها بع َد طول البحث اأثر ًا‪ ،‬لقد كانت ك ُّل فتا ِة تنظ ُر‬
‫كيف تحتال فى النجا ِة بنف�سها‪ ،‬وكانت ك ُّل اأم تبذ ُل ق�ساراها لكى تف َّر بفلذاتِ كبدِها‪ .‬وكان فى اأق�سى ال�سعب‬
‫جرف من �سخر اإذا نزل المطر انحدرت مياه ال�سيول من فوقه‪ ،‬فى �سالل متدفق‪ ،‬فلما بلغ عنترة مو�س َع‬ ‫ٌ‬
‫أ�سرع نحوهن و�ساح‪:‬‬ ‫الجرف لمح جم ًعا من الن�سو ِة ي�سرخن فى اأعاله ويولولن‪ .‬فا َ‬ ‫ِ‬ ‫ذلك‬
‫‪ -‬هل فيكن اأح ٌد من اآل �سداد؟‬
‫‪ -‬اأنا مروة ابنة �سداد‪.‬‬
‫ف�ساح عنترةُ‪:‬‬
‫‪ -‬كيف اأنت يا مروة؟ وكيف اأمك واإخوتك؟ هل اأ�ساب اأحد ًا منكم �س ٌّر؟‬
‫وكان وهو ي�ساأل �سوؤاله يريد اأن يعرف اأول ما يعرف اأين عبلة‪.‬‬
‫ف�سمع ولول ًة عالية‪ ،‬و�سرخت مروة قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬لقد اأخذوا عبلة!‬
‫وكاأن طعن ًة قد اأ�سابت َ‬
‫قلب عنتر َة عند ذلك‪.‬‬
‫فزمجر قائ ًال‪:‬‬
‫لهم الوي ُل منى!‬
‫جانب الوادى حتى �سار فوق ال�سهل الف�سيح الذى عليه الطريق اإلى‬ ‫ثم همز الأبج َر‪ ،‬فانطلق به فوق ِ‬
‫بال ِد طيئ‪.‬‬
‫ولم يد ِر ماذا هو �سان ٌع‪ ،‬ولم يقف لحظ ًة ليفك َر فيما ينبغى له اأن يفع َل‪ ،‬بل اندفع فى �سبيل ِه ل يري ُد اإل‬
‫�سيئ ًا واحد ًا‪ ،‬اأن يعث َر على اأث ِر القو ِم الذين فروا بعبل َة‪ .‬و�سار فى ه�سب ٍة �سلبةٍ‪ ،‬والجوا ُد يعدو به‪ ،‬فيقد ُح‬
‫بحوافرِه من ال�سخر �سر ًرا‪ ،‬حتى ات�سل بالطريق التى اعتادت القواف ُل اأن ت�سي َر فيها اإذا اتجهت نحو‬
‫وع�س على �سكيمته كاأنه هو الذى يطارد الأعدا َء‪.‬‬ ‫ال�سام‪ ،‬وكان لين ًا على حوافر الأبج ِر فانطلق فيه‪َّ ،‬‬

‫((( اأ�ستات‪ :‬الذى تفرقوا‪.‬‬


‫((( اأنى‪ :‬كيف‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫وفيما كان عنتر ُة ناظر ًا اإلى الأفق ل يلتفت اإلى جانب الطريق‪� ،‬سمع �سرخ ًة عن ي�ساره ك�سرخ ِة‬
‫ِنان فر�سه ليهدى من َع ْدوِ ه‪ ،‬والتفت نحو مبعثِ ال�سرخةِ‪ ،‬فراأى اأمامه امراأ ًة تعدو وفى‬ ‫الم�ستغيث‪ .‬ف�سد ع َ‬
‫نف�سه ماذا‬
‫البراح المقفرِ‪ ،‬و�ساأل َ‬
‫ِ‬ ‫ال�سه ِل الرملى مقبل ًة نحوه‪ .‬وتعجب اإذ يرى امراأ ًة مثلها وحيد ًة فى ذلك‬
‫رجال لما تردد فى اأن ي�سير ويخلفَه وراءه‪ ،‬فما كان فى �سبره مت�س ٌع لغير‬ ‫ع�سى اأن تري َد منه‪ .‬ولو كان ذلك ً‬
‫مطارد ِة الذين م�سوا ب َعبل َة‪ .‬ولكنه راآها امراأة‪ ،‬ولعلها كانت من عجائز عب�س‪ ،‬اأو لعلها �سبية من قبيلة تري ُد‬
‫�سراخ امراأ ٍة تناديه‪ .‬وتاأ ّم َل المراأ َة وهى تقب ُل نحوه فتعجب‬
‫ِ‬ ‫اأن ت�ستنج َد به‪ ،‬وما كان لعنتر َة اأن ي�س َّم اأذنَه عن‬
‫من �سرعة عدوها فوق الرمال خفيف ًة كاأنها فتى من الفتيان‪ .‬حتى اإذا ما اقتربت منه �ساح بها فى �سجرٍ‪:‬‬
‫‪ -‬اأبك �سراأيتها المراأةُ؟‬
‫�سوت اأخيه �سيبوب‬
‫َ‬ ‫ف�سمع الجواب �سحك ًة عالي ًة اأثارت غ�س َبه‪ ،‬وكاد ي�س ُّبها ويم�سى لول اأن �سمع‬
‫يقول له‪:‬‬
‫‪ -‬اأما تعرفنى؟‬
‫ففتح عينيه فى ده�سةٍ‪ ،‬واأ�سرع ناز ًل عن فر�سه‪ ،‬و�ساح به‪ :‬ما الذى اأتى بك اإلى هنا؟‬
‫�سيبوب قد اقترب منه‪ ،‬وهو يلهث من اأثر الجرى‪ ،‬ومنخراه الوا�سعان تتحركان مع اأنفا�سه‬ ‫ُ‬ ‫وكان‬
‫وكاأنهما منخرا الأبجر‪ .‬فلم َيمل ْك عنتر ُة اأن تب�سم من منظر ِه وقال له‪:‬‬
‫‪ -‬اأين كنت فى هذا القتال يا �سيبوب؟‬
‫أنفا�س م�سطربةٍ‪:‬‬ ‫فقال �سيبوب فى ا ٍ‬
‫أرقب القتا َل مع الن�سا ِء من وراء ثنية «العقاب»‪ ،‬حتى راأيتك مقب ًال مع �سدا ٍد نحو الميدان‪،‬‬ ‫‪-‬كنت ا ُ‬
‫ُ‬
‫فا�ستب�سرت وناديتك‪ .‬ويك عنترةُ!‬ ‫ُ‬
‫األم ت�سمعنى؟‬
‫فقال عنتر ُة فى �سجرٍ‪:‬‬
‫‪ -‬ولكن ماذا اأتى بك اإلى هنا؟ قل واأ�سرع فلي�س فى الوقت ف�سل ٌة لهرائِك‪:‬‬
‫�سيبوب‪:‬‬
‫ُ‬ ‫فقال‬
‫أ�سرع اإلى‬ ‫‪ -‬ثم راأيتك تفرى((( فى العدو فر ًيا‪ ،‬فخرجت من وراء الثنية‪ ،‬وعزمت على اأن ا َ‬
‫ألب�س درعى‪ ،‬وا َ‬
‫جانبك‪.‬‬
‫قلق‪:‬‬
‫ف�ساح عنتر ُة فى ٍ‬
‫أثرت البقاء مع الن�ساء‪ .‬اأعرف طبعك اللئي َم‪ ،‬فقل ماذا اأتى بك اإلى هنا؟‬ ‫ولكنك ا َ‬
‫�سيبوب كاأنه لم َي�سم ْع قو َله‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫فا�ستمر‬
‫لمحت ثالث َة فر�سان يقبلون نحو ِ‬
‫جمع الن�سا ِء من ورائى‪.‬‬ ‫�سددت الدرع حول ج�سمى ُ‬ ‫ُ‬ ‫‪ -‬ولكنى عندما‬
‫على وتداريت وراء الثنية وهناك �سمعت ولول َة الن�ساء وبكا َء الأطفال‪ ،‬فكاد قلبى‬ ‫الموت يقبل َّ‬ ‫َ‬ ‫أيت كاأن‬‫فرا ُ‬
‫يتمزقُ ‪.‬‬
‫((( تفرى‪ :‬تطحن‪.‬‬

‫‪63‬‬ ‫دار النمر للطباعه‬


‫انــتــ�صــارإلى احلقيقة‬
‫(‪ )7‬الطريق ا‬ ‫(‪)3‬‬

‫فقال عنترة فى َحنَق‪:‬‬


‫‪ -‬ليته تمزق اأيها العبد!‬
‫فقال �سيبوب‪:‬‬
‫‪ -‬اإ ًذا كنت ل تعرفُ �سي ًئا عن عبل َة‪.‬‬
‫ف�ساح عنترةُ‪:‬‬
‫‪ -‬واأين عبلة؟ اأتعرفُ اأين هى؟‬
‫�سيبوب م�سير ًا اإلى خلفِه‪:‬‬
‫ُ‬ ‫فقال‬
‫قدرت على اأن اأ�سي َر مع الفر�سان هذه الم�سافة الطويلة‪.‬‬
‫‪ -‬نعم هى هناك‪ .‬ولو تمزق قلبى لما ُ‬
‫‪ -‬فقال عنترةُ‪:‬‬
‫أ�سرت مع الفر�سان؟‬ ‫‪-‬ا َ‬
‫�سيبوب‪:‬‬
‫ُ‬ ‫فقال‬
‫أيت اإذا كنت ت�ستم ُّر على مقاطعتى‪.‬‬
‫أق�س عليك ما را ُ‬‫‪ -‬نعم ولكن �سبر ًا‪ ،‬فاإنى ل اأقد ُر على اأن ا َّ‬
‫ق�ستَه‪.‬‬‫ق�س اأخوه عليه َّ‬
‫�سيبوب يعل ُم مو�س َع عبلة‪ ،‬و�سبر حتى َّ‬
‫َ‬ ‫بع�س ال�سىء عندما عرف اأن‬ ‫فهداأ عنتر ُة َ‬
‫�سالحه حتى ل يفطنوا اإليه‪ ،‬واأ�سرع اإلى حطام بيتٍ قريب‬ ‫�سيبوب األقى َ‬ ‫َ‬ ‫الفر�سان من وراء‬
‫ُ‬ ‫عندما اأقبل‬
‫ٍفاأخذ منه ثياب امراأ ِة عجو ِز فلب�سها‪ ،‬ثم �سمع ولول َة الن�سا ِء وهن ي�سحن قائالتِ ‪:‬‬
‫«لقد اأخذوا عبل َة»‪.‬‬
‫وخطر له عند ذلك خاط ٌر «جرى ٌء»‪ ،‬فاأ�سرع فى مالب�س العجوز نحو الفر�سان الثالثة وهم يهمون بالفرار‬
‫ً‬
‫مولول يقول‪:‬‬ ‫بعبل َة‪ :‬فوقف فى وجههم �سائح ًا‬
‫‪� -‬سيدتى‪� .‬سيدتى‪:‬‬
‫أفرا�سهم �سرا ًعا نحو الفالة فكان اأحد‬
‫فر�س‪ ،‬ثم ركبوا ا َ‬ ‫فاأقبل عليه اثنان منهم وحماله واألقياه على ظه ِر ٍ‬
‫�سيبوب وهو يح�سب ُه خادمتَها العجوزَ‪ ،‬والثالثُ ياأتى من خلفهما لير َّد‬
‫َ‬ ‫الفر�سان ي ْردف((( عبل َة‪ ،‬والآخر يردف‬
‫عنهما من قد ياأتى اإليهما من وراء‪.‬‬
‫أفرا�سهم من ال�سير‪ ،‬وعزموا على ق�ساء الليل ِة عند ماء «الربابية» ليريحوا‬ ‫فمازالوا ي�سيرون حتى كلت ا ُ‬
‫أفرا�س وي�ستريحوا من عنا ِء المعركة ‪ ،‬ثم ي�ستاأنفوا ال�سير بكر ًة((( بغنيمتهم النفي�سة عائدين اإلى بال ِد طيئ‪.‬‬ ‫ال َ‬
‫�سيبوب منها قال عنترةُ‪:‬‬
‫ُ‬ ‫و�سمع عنتر ُة الق�س َة فى اهتما ٍم ولهفةٍ‪ ،‬فلما انتهى‬
‫‪ -‬وهل هى بعيد ُة من هنا؟‬
‫�سيبوب‪:‬‬
‫ُ‬ ‫فقال‬
‫�سيبوب يدخل فى ق�س ٍة اأخرى لول اأن قاطعه عنتر ُة‬
‫ُ‬ ‫‪ -‬اأن�سيت يا عنتر ُة ما َء الربابية األ تذك ُر يو َم‪ ...‬وكاد‬
‫قائ ًال‪:‬‬
‫((( يردف عبلة‪ :‬يجعلها خلفه‪.‬‬
‫((( بكرة‪ :‬ال�سباح الباكر‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫‪ -‬اأهى بعيد ٌة من هنا؟‬
‫فقال �سيبوب‪:‬‬
‫الحو�س لأفرا�سهم‪ ،‬فانطلقت بعد‬ ‫َ‬ ‫جانب الخباءِ‪ ،‬وذهبوا يملئون‬ ‫‪ -‬لقد ظنونى عجوزًا حقًّا فرموا بى اإلى ِ‬
‫اأن راأيت عبل َة فى خبائها‪.‬‬
‫فقال عنتر ُة فى رقة!‬
‫�سيبوب؟‬
‫ُ‬ ‫‪ -‬وكيف هى يا‬
‫�سيبوب متاأث ًرا‪:‬‬
‫ُ‬ ‫فقال‬
‫أذهب‬
‫هام�سا «�سوف ا ُ‬ ‫‪ -‬كانت ل ت�سم ُع القو َل من �سد ِة البكا ِء ‪ ...‬ومع ذلك فقد تب�سمت لى عندما قلت لها ً‬
‫اإلى عنتر َة واأجىء به اإليك»‪.‬‬
‫�سيبوب‪،‬‬
‫ُ‬ ‫تكون هذه العجوز ال�سوداء‪ .‬لم تعرف الم�سكين ُة اأننى اأنا‬ ‫ولكنها تعجبت منى‪ ،‬ولم تدر من ُ‬
‫فتركتُها وانطلقت عائ ًدا نحو اأر�س ال�سربة‪ ،‬وكان ذلك قبل اأن يزيد الظل على قامتى‪.‬‬
‫(((‬

‫فنظر عنتر ُة اإلى ظ ِّل اأخيه‪ ،‬وكان قد بلغ طول قامتين وقال له‪:‬‬
‫�سيبوب؟‬
‫ُ‬ ‫أتركب ورائى يا‬
‫‪-‬ا ُ‬
‫فهز �سيبوب را َأ�سه قائ ًال‪:‬‬
‫‪� -‬سوف اأعدو اأمامك‪ ،‬ولن ي�ستطي َع الأبج ُر اأن يدر َكنى وعدا يجرى خفي ًفا متج ًها اإلى بئِر (الربابية(‪،‬‬
‫الطريق‪.‬‬
‫ِ‬ ‫يغو�س بحوافرِه ثقي ًال فى الرمال حين بعد عن‬
‫ُ‬ ‫و�سار عنتر ُة وراءه والأبج ُر‬
‫وكانت �سدم ًة ي�سير ًة على عنترة اإذ التقى بالفر�سان الثالث ٍة عند ماء الربابية‪ .‬فما هى اإل �ساعة حتى‬
‫قتل اأح َدهم وفر اثنان منهم بعد اأن اأ�سابتهما الجرا ُح‪ ،‬وركب عنترة فر�سه عائ ًدا بعبل َة رديفة وراءه‪ .‬وركب‬
‫�سيبوب وراءهما على فر�س الطائى القتيلِ‪ ،‬وهو يغنى ويزغر ُد كما يزغر ُد الن�ساء‪.‬‬ ‫ُ‬
‫الم�ساب‪ ،‬اإذ فجعت‬
‫ِ‬ ‫وبلغوا حِ لة عب�س فى �سدر الليل ِة وكانت القبيل ُة قد امتزج فيها فر ُح النت�سا ِر بحزن‬
‫فى كثي ٍر من فر�سانِها‪ ،‬وكانت اأكبر فجيعة لها اأن فقدت عيل ًة ابن َة مالك من بين الن�ساءِ‪.‬‬
‫فلما عاد عنتر ُة بعبل َة لم يبق فى الحِ لة اإل الفرح ُة ال�ساملة بالنت�سا ِر‪ .‬وق�ست عب�س اأيام ًا فى عي ٍد مت�سلٍ؛‬
‫العجائب التى جرت المقادي ُر بتدبيرِها‪.‬‬
‫ِ‬ ‫اإذ كانت نجاتُها اإحدى‬

‫((( قبل اأن يزيد الظل على قامتى‪ :‬اأى قبل وقت الأ�سيل‪.‬‬
‫‪65‬‬ ‫دار النمر للطباعه‬
‫انــتــ�صــارإلى احلقيقة‬
‫(‪ )7‬الطريق ا‬ ‫(‪)3‬‬

‫اأ�صئلة الف�صل ال�صابع‬


‫انت�صار‬

‫و�صاح عنترة ب�صوته المجلجل «اأنا الهجين عنترة»‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫�صطرى واأحمى �صائرى بالمن�صل‬ ‫اإنى امروؤ من خير عب�س من�ص ًبا‬
‫ثم اأهوى على المقاتلين من فر�صان طيئ فى حنق منحد ًرا كاأنه �صخرة تتهدى من قمة الجبل»‪.‬‬
‫( اأ ( اأدخل معنى (المجلجل( فى جملة‪ ،‬واذكر معنى كلمة «الهجين»‪.‬‬
‫✦ ✦ا�سرح بيت ال�سعر وبين العاطفة التى ت�سوده‪.‬‬
‫✦ ✦و�سح قيمة الت�سبيه فى ال�سطر الأخير‪.‬‬
‫(ب(بعبارتك �سور المعركة فى �سوء هذا الف�سل‪.‬‬
‫(ج�( كان ل�سيحة عنترة اأثر فى جمع ملوك عب�س‪ ،‬و�سح ذلك‪.‬‬
‫( د ( ِل َم اتجه عنترة نحو وادى الجواء؟‬
‫(ه�( كيف عرف عنترة بخطف عبلة؟ وما اأثر ذلك عليه؟‬
‫‪« 2‬وفيما كان عنترة ناظر ًا اإلى االأفق ال يلتفت اإلى جانب الطريق �صمع �صرخة عن ي�صاره ك�صرخة‬
‫الم�صتغيث‪ ،‬ف�صد عنان فر�صه ليهدئ من عدوه‪ ،‬والتفت نحو مبعث ال�صرخة‪ ،‬فراأى اأمامه امراأة‬
‫تعدو فى ال�صهل الرملى مقبلة نحوه»‪.‬‬
‫( اأ ( تخير الإجابة ال�سحيحة مما بين القو�سين فيما يلى‪:‬‬
‫✦ ✦جمع كلمة «عنان» ‪( :‬اأعنة ‪ -‬عناوين ‪ -‬عنانات(‪.‬‬
‫✦ ✦م�ساد كلمة «تعدو» ‪( :‬تجل�س ‪ -‬تم�سى ‪ -‬تقفز(‪.‬‬
‫✦ ✦موقع جملة «تعدو» ‪( :‬خبر ‪� -‬سفة ‪ -‬حال(‪.‬‬
‫(ب(من كانت هذه المراأة؟ ولماذا تنكرت؟‬
‫(ج�( كيف خطفت عبلة؟ ومن الذين خطفوها؟‬
‫( د ( �سف المعركة التى اأنقذ بها عنترة عبلة باأ�سلوبك‪.‬‬
‫(ه�( ما �سعور عبلة اأثناء خطفها؟‬
‫(و( �سور فرحة «عب�س» بالنت�سار وعودة عبلة‪.‬‬
‫‪ 3‬ار�صم لوحة للمعركة‪.‬‬
‫‪ 4‬ظهرت فى المعركة بع�س العادات والتقاليد البدوية‪ ،‬اذكرها وعلق عليها‪.‬‬
‫‪66‬‬
‫احلقيقة‬
‫قــلــقــة‬
‫عــالقةإلى‬
‫(‪)8‬الطريق ا‬
‫(‪)3‬‬

‫ملك عب�س وهو فى طريقِه اإلى بال ِد طيئ‪ ،‬و�سمع اأن الطائيين قد‬ ‫بن جذيم َة َ‬ ‫بلغت اأنباء الغزوة زهي َر َ‬
‫خادعوه‪ ،‬واأطبقوا على الحِ لة فى غيبته‪ ،‬فحطموها وقتلوا من فيها واأ�سروا اأطفالها ون�ساءها و�ساقوا‬
‫�سرحها(((‪ .‬حتى لم تبق فيها بقية اإل حطام البيوتِ ‪ ،‬بعد اأن دكت وقطعت حبالها‪ ،‬وكان لهذا النباأ وقع‬ ‫َ‬
‫ال�ساعقة على زهير وجي�سه‪ ،‬فقد خرجوا يطلبون تحطيم طيئ والنت�سار عليها بعد اأن اأعدوا لتلك الغزوة‬
‫عدتها‪ ،‬فاإذا هم ي�سمعون اأن ذلك العدو هو الذى ت�سلل اإلى ديارهم فا�ستطاع اأن يحرز فيها انت�سا ًرا يبقى ذكره‬
‫اأبد الدهر‪ ،‬ويلحق بعب�س عا ًرا ليمحى‪ .‬فاأ�سرع عائ ًدا يعتر�س الطريق لعله يلقى فيها جي�س طيئ فينت�سف‬
‫منه‪ ،‬اأو يلحق بمن هلك من قومه حتى لتل�سق به معرة الأبد‪ .‬ولكنه لم يلق فى الطريق جي�سً ا من طيئ‪ ،‬حتى‬
‫أي�سا‪ ،‬فاتبعوا طري ًقا اأخرى حتى ليالقوه‪ .‬ولكنه عندما بلغ اأر�س‬ ‫عجب وح�سب اأنهم قد خادعوه تلك المرة ا ً‬
‫�ساخب‪ ،‬وراأى قومه ي�ستقبلونه بالتهنئ ِة والب�سرى‪ ،‬وكان �سدا ٌد‬ ‫ٍ‬ ‫ال�سربة والعلم ال�سعدى وجد الحِ لة فى عي ٍد‬
‫فى �سدرهم واإلى يمينه ابنُه عنترةُ‪.‬‬
‫فقال �سدا ٌد لزهير عندما حياه‪:‬‬
‫لئن كانت لنا بقي ٌة فالف�س ُل فيها لعنتر َة بن �سدادٍ‪.‬‬
‫�سريحا ببنو ِة عنترةَ‪� ،‬سمعته عب�س من �سدا ٍد لأولِ مرةٍ‪ ،‬وكانت �سج ُة الهتاف عند ذلك‬ ‫ً‬ ‫فكان هذا اعترا ًفا‬
‫من �سباب القبيل ِة تنم عما ي�سمرون لعنتر َة من الإعجاب‪.‬‬
‫ولم ي�سع ال�ساد ُة اإل اأن يمدوا اأيديهم اإلى عنتر َة ي�سافحونه‪ ،‬ويعترفون بما له على قومِه من ف�سل‬
‫�سوف يبقى ذك ُره اأبد((( الآباد‪.‬‬
‫وم�ست اأيا ٌم «كانت فيها الأعيا ُد مت�سلة»‪ .‬وكان عنتر ُة فيها وا�سط َة العق ِد فى الأ�سما ِر والولئ ِم‪ .‬فلم يدع‬
‫الندى كان‬‫العب�سيون و�سيل ًة يعبرون بها عن �سكرهم لعنتر َة اإل تو�سلوا بها‪ .‬واإذا اأن�سدت الأ�سعا ُر فى حلقات ّ‬
‫الرق�س كان غناوؤهن با�سم عنترة وما كان اأحب‬ ‫ِ‬ ‫الفتيات اإلى حلقات‬
‫ُ‬ ‫�سع ُر عنترة على كل ل�سان‪ ،‬واإذا اأقبلت‬
‫اإليه اأن ي�سم َع ا�س َمه الجديد عنترة ابن �سداد من اأفواهن اإذا هن هتفن با�سمه‪.‬‬
‫ولم ي�ستطع مالك ول ابنه عمرو اأن يتعر�سا له اإذا تحدث اإلى عبلة‪ ،‬ولم ي�ستطع عمار ُة بن زياد اأن ُيظ ِه َر‬
‫المجال�س فى هم�س‪:‬‬
‫ُ‬ ‫تجل�س اإلى جانب ابن عمها البطل اأو ت�ساي ُره وتناجيه‪ ،‬بل لقد تحدثت‬ ‫غ�س ًبا اإذا هو راآها ُ‬
‫يدع الفتاة لمن اأحبها وهتف فى �سعره با�سمها وهو اأولى النا�س بها‪ .‬وقالوا اإن عبلة‬ ‫قائلة‪ :‬اأما اآن لعمارة اأن َ‬
‫كانت لوله ت�سبح اأم ًة �سب َّية فى اأر�س طيئ وهيهات لعمار َة اأو غير عمارة اأن ي�ستطيع ردها‪.‬‬
‫متنقال كفرا�س‬ ‫و�سار عنترة فى ليلة من تلك الليالى مع عبلة‪ ،‬ي�سيعها اإلى بيتها‪ ،‬وجرى الحديث بينهما ً‬
‫الربيع‪ ،‬فكان عنترة اأحيانًا ي�سف لها بع�س مغازيه‪ ،‬واأحيانًا ي�سف لها اآخاه �سيبوب فى خبثه ونوادر حيله‪،‬‬

‫((( �سرحها‪ :‬اإبلها وغنمها‪.‬‬


‫((( اأبد الآباد‪ :‬على مر الدهور‪.‬‬

‫‪67‬‬ ‫دار النمر للطباعه‬


‫(‪ )8‬عــالقة قــلــقــة‬

‫فت�سحك عبلة وترمى �سيبوب فكاهة من فكاهاتها‪ .‬وكان اأحيانًا يحدثها عن وحدته وهمومه‪ ،‬وما كان‬
‫يراه فى ال�سحراء فى الليالى المظلمة عندما باعد قومه من اأجلها‪ ،‬ثم اأن�سدها من �سعره وحدثها بنجوى‬
‫قلبه‪ ،‬حتى خطرت له خاطرة من ذكر حديث عمارة وخطبته اإياها‪ ،‬ف�ساألها فجاأة‪:‬‬
‫اأحقًّا ما يقولون يا عبلة؟‬
‫فقالت عبل ُة با�سم ًة‪:‬‬
‫ابن العم؟‬
‫وماذا يقولون يا َ‬
‫فوقعت كلمتها على نف�سه وق َع اأنغام المزاه ِر((( وقال لها مداع ًبا‪:‬‬
‫اإنك ت�ساأليننى كاأنك لتعرفين ما اأق�سد يا ابنة العم‪ .‬لقد عهدتك تدركين ما ورا َء اللفظِ قبل اأن اأنطلق به‪.‬‬
‫فمالت براأ�سِ ها ناظرة اإليه بعينيها البا�سمتين وقالت‪ :‬اأحقًّا ذلك يا عنترةُ؟ فقال عنترةُ‪ :‬األ تذكرين اإذ كنت‬
‫ق�سدت اأن اأقول ل؟ اإنك‬
‫ُ‬ ‫ت�ساأليننى عن اأمر فاأقول‪« :‬ل» فت�سحكين منى‪ ،‬فاإذا �ساألتك عن �سحك قلتِ اإننى ما‬
‫تح�سين بالإلها ِم ما لم يقع بع ُد فى �سمعك‪ .‬فما الذى جعلك ت�ساألين عما يقولون كاأنك ل تعرفينه؟‬
‫فقالت عبل ُة‪ :‬اأما كنت اأنت الذى لتدرك اإل ما وراء اللفظ اإنك لت�سمع من حديثى ما لم اأقل لك‪ ،‬واإنك لتزعم‬
‫اأنك تعرف من معانى قولى ما لم اأق�سد من قولى‪ ،‬األ تذك ُر اإذ �ساألتنى بالأم�س عن عمارة‪ ،‬فلما اأجبتك لم‬
‫يعجبك جوابى‪ ،‬واأبيت اإل اأن تزع َم اأننى اأراوغُك‪ ،‬األ اإنك اأنت الذى تراوغنى وتكابرنى‪.‬‬
‫فقال عنترة‪ ،‬لقد فهمت ق�سدى باإلهامك منذ ذكرت عمارة‪ .‬اأنه هو الذى يتحدث النا�س عنه وعنك‪.‬‬
‫النا�س ل يزالون يتحدثون فى �ساأنه و�ساأنى‪ ،‬وليت �سعرى ا َّأى اأحاديث‬ ‫فقالت عبلة‪ :‬ا ٍأف لك ولعمارة! اإن َ‬
‫النا�س تق�سد؟ فلي�س لهم من هم فى ليل ول نهار اإل اأن يتحدثوا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اإنهم يتحدثون اإذا اأكلوا‪ ،‬ويتحدثون اإذا �سربوا‪ ،‬وهم اأكثر حدي ًثا حين تحمى �سورة((( الخمر فى‬
‫رءو�سهم‪ ،‬وهم يتحدثون اإذا �سحوا واإذا ناموا‪ ،‬فا ُّأى هذه الأحاديثِ تق�س ُد يا عنترةُ؟‬
‫فقال عنترة‪:‬‬
‫ل�ست اأبالى ما يقولون فى ليلهم اأو فى نهارهم اإذا كان حديثهم ليعنيك اأنت‪.‬‬
‫فقالت عبلة‪ :‬وماذا يهمك من هذه الأحاديث وقد طالما �سمعتك تزعم اأنك لتبالى بثرثرتهم؟‬
‫أحب اأن اأ�سم َع منك كلم ًة‪.‬‬
‫فقال عنترة فى نغمة عتاب‪ :‬لتعبثى بى يا عبلة‪ ،‬فاإنى ا ُّ‬
‫فقالت عبلة‪ :‬اأ َّي ُة كلمة تحب اأن ت�سم َع منى؟ قلها لى حتى اأرددها كما َ‬
‫�سئت‪.‬‬
‫فقال عنترة متاأل ًما‪:‬‬
‫اأنا بين يديك اأ�سعفُ من فرخ اليما ِم‪ ،‬واأخف من ري�سة فى الهواء‪ .‬ذرينى يا عبلة اأعرف ما فى قلبك‪.‬‬
‫فقالت عبل ُة فى دلل‪:‬‬
‫واأين ادعاوؤك اأن لك �سيطانًا يلهمك؟‬

‫((( المزاهر‪ :‬اآلت مو�سيقية‪ .‬المفرد‪ :‬مزهر‪.‬‬


‫((( �سورة‪ :‬حدة‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫فقال عنترة فى حما�سة‪:‬‬
‫اإن هذا ال�سيطان لم ي�ستطع يو ًما اأن ي�سبر غو َر((( قلبك‪ .‬اإنه لي�سب ُر اإل غورى‪ ،‬ول يك�سفُ اإل عن قلبى‪،‬‬
‫أجل�س معك واأ�سير اإلى جانبك‪ ،‬واأعرج((( اإلى ال�سماء اإلى حيث اأحيا فى عوالم �سحرية من‬ ‫اأما اأنت فاإنى ا ُ‬
‫ال�سعادة تلهينى عن كل هذه الأر�س‪ ،‬ثم اأن�سرفُ عنك وقلبى فى حي ْرة بين الأمل الذى يلوح لى والقلق الذى‬
‫ي�ساورنى‪ .‬واأنظر حينًا اإلى الأر�س فاأراها جنات فيحاء‪ ،‬تحيط بها الأنهار وتنفجر فيها العيون‪ ،‬ويبت�سم‬
‫ال�سجون تثو ُر بى فال اأرى حولى اإل �سحراء بلق ًعا((( ول اأعرف‬
‫َ‬ ‫أح�س‬
‫فيها الزهر ويغنى الطي ُر‪ ،‬ثم ل األبث اأن ا َّ‬
‫أر�س بقدمى اأم فوق لجة((( ت�سطرب بى‪ ،‬ومع ذلك فاإن �سيطانى فى �سغل عنك بى‪.‬‬ ‫اأاأنا اأطاأ ال َ‬
‫مرح‪.‬‬
‫فقالت عبلة فى ٍ‬
‫على قولك واأطل فى الحديث فاإنه ينز ُل على �سمعى كما يق ُع الندى‬ ‫هذا هو �سع ُرك دائ ًما يا عنترةُ‪ .‬اأعد َّ‬
‫على اأوراق ال�سجر‪.‬‬
‫فقال عنترة فى األم‪.‬‬
‫األي�س ي�سل اإلى قلبك غير حديثى؟ األم يعجبك منى غي ُر �سعرى؟ اإنى اأحد ُثك واأ�سفُ لك حروبى‪ ،‬وا ُ‬
‫أطرب‬
‫على اإذا �سمعتك تعطفين بالرحم ِة على همومى‪.‬‬ ‫فتهون َّ‬
‫ُ‬ ‫كلما �سمعتك ت�ستزيدين من و�سفى‪ ،‬واأ�سفُ لك همومى‬
‫إعجاب بقولى‪ .‬اإن كل ما يعجبك منى اإنما هو حديثى وهو‬ ‫ولكنى اإذا حدثتك بحديثِ قلبى لم اأ�سمع منك اإل ال َ‬
‫�سعرى‪ .‬وما اأنا عندك اإل حديثٌ و�سع ٌر‪.‬‬
‫متهدج‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫فقالت عبل ُة فى �سىء من ال�سيق‪ :‬وماذا ير�سيك اأن اأقول يا عنترةُ؟ فاأجاب عنتر ُة فى �سوتٍ‬
‫‪ -‬اأنا اأقن ُع منك باأي�سر ما يقنع به العب ُد يا عبل ُة‪ .‬لقد �سقت برقى‪ ،‬وحطمت قيودى؛ لكى اأكون بين النا�س‬
‫أحب اإل اأن اأبقى لك اأنت عب ًدا‪ .‬لقد خدمتك اأخل�س ما تكون الخدمة ولم اأ�ست�سعر منك يو ًما‬ ‫ح ًّرا‪ .‬ولكنى ل ا ُّ‬
‫كب ًرا‪ ،‬ولكم جثوت تحت قدميك واأنا اأقدم لك اإناء اللبن لت�سربى منه‪ ،‬وكنت اأقولها لك من اأعماق قلبى‪« :‬هني ًئا‬
‫يا �سيدتى!» كنت اأنت ُعاللتى((( فى حياتى‪ ،‬وكنت اأطمع اأن اأكون عندك �سي ًئا كنت اأطمع اأن اأ�سم َع من قلبك‬
‫ت�ستجيب لخفقان قلبى‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ولو نب�سة واحدة‬
‫ف�سحكت عبل ُة �سحك ًة مرح ًة بعثت رعد ًة فى قلب عنتر َة وقالت‪:‬‬
‫ماذا اأقو ُل لك يا عنتر ُة فى جواب قولك؟ ليتنى اأ�ستطيع اأن اأقول �سع ًرا فاأر�سيك بمثل قولك‪ .‬ولكن هيهات‬
‫قول ً‬
‫�سئيال‪ :‬اإنك ابن عمى‪.‬‬ ‫يا عنترةُ! فلن تج َد منى اإل ً‬
‫الحن َِق‪:‬‬
‫فقال عنتر ُة فى �سىء من َ‬
‫اإننى اب ُن عمك‪ .‬اإنها كلمة جوفاء لتحم ُل معنى‪.‬‬

‫لم ي�سبر غور قلبك‪ :‬لم يك�سف ما بداخل قلبك‪.‬‬ ‫(((‬


‫عرج يعرج‪ :‬ارتقى‪.‬‬ ‫(((‬
‫بلقعا‪ :‬جرداء‪.‬‬ ‫(((‬
‫لجة‪ :‬مكان كثير المياه‪.‬‬ ‫(((‬
‫عاللتى‪ :‬ما يتلهى به‪.‬‬ ‫(((‬

‫‪69‬‬ ‫دار النمر للطباعه‬


‫(‪ )8‬عــالقة قــلــقــة‬

‫فا�ستمرت عبل ُة فى �سحكِها وقالت‪:‬‬


‫األ�ست يا عنتر ُة عجي ًبا؟ ليتنى اأعرف ال�سبيل اإلى كلم ٍة تر�ساها‪ ،‬فاأجاب عنتر ُة فى حرارةٍ‪.‬‬
‫اأنت لتعرفين ال�سبي َل اإلى تلك الكلمةِ؛ لأن قل َبك لينطوى عليها‪ .‬وما طلبى ولجاجتى فى اأم ٍر اإذا كان‬
‫�سريحا يا عبل ُة‪ .‬ل تتجملى فى الجواب ولتترفقى‪ .‬قولى لى حقيقة ما‬ ‫ً‬ ‫ما اأطلب م�ستع�س ًيا؟ قولى لى ً‬
‫قول‬
‫تح�سينه نحوى‪ .‬قولى اإنك ل تزيدين على اأنك تعجبين ب�سعرى وت�سعرين بال�سرور من ق�س�سى وحديثى‪.‬‬
‫وقولى اإنك ترحمين تذللى لك وتعطفين على ولئى‪ .‬قولى اإنك لتنظرين اإلى اإل كما تنظر ال�سيدة اإلى عب ٍد‬
‫يخدمها‪ .‬قولى لى ذلك ك َّله ول با َأ�س عليك فاإنى اأعرفُ كيف يبدو لك وجهى‪.‬‬
‫وعينى ال�سارمتين‬‫َّ‬ ‫لقد طالما وقفت اأمام الغدران اأنظر اإلى �سورتى فلم اأر فيها غير لونى الأ�سود‬
‫�سعاع مخيفٌ ‪ .‬قولى لى ذلك ول با َأ�س عليك اإذا اأنت لم يطربك منى غي ُر حديثى و�سعرى‪.‬‬ ‫المتقدتين يطير منهما ٌ‬
‫فاأين اأنا من الفتى الجميل عمارة بن زياد؟‬
‫قالت عبلة فى غ�سب‪:‬‬
‫على القول فال اأج ُد لك جوا ًبا‪.‬‬
‫َّ‬
‫(((‬
‫الحانق‪ ،‬حتى لقد ارتج‬‫ِ‬ ‫اإنك تذهلنى ب�سيل حديثك‬
‫فقال عنترة غا�س ًبا‪:‬‬
‫ما اأحمقنى اإذا اأحاو ُل اأن اأنتزع القو َل منك ق�س ًرا‪.‬‬
‫فقالت عبلة وقد ذهب عنها مرحها‪.‬‬
‫جنيت يا عنتر ُة حتى اأ�ستحقَّ منك هذا‬ ‫أح�سب‪ ،‬ماذا ُ‬‫يخيل اإلى اأن قولك يحمل من الجد فوق ما كنت ا ُ‬
‫القار�س؟ لقد بعدت فى القول عما بداأت فيه‪ .‬األ تقول لى اأنت ماذا تعنى؟‬ ‫َ‬ ‫العتاب‬
‫َ‬
‫فقال عنتر ُة فى حرارةٍ‪:‬‬
‫اإننى اأ�ساألك عن نف�سك اأنت‪ .‬قولى لى الحقَّ ول تترفقى‪ .‬قولى لى اإنك فوق نظراتى وفوق عبادتى‪.‬‬
‫فقالت عبل ُة فى تبر ٍم(((‪ :‬قول عجيب وحق مناة‪ :‬األح لك منى ما تكرهه؟‬
‫فقال عنترة ب�سوتٍ متهدج‪:‬‬
‫اأنت تتجاهلين ما تعرفين يا عبل ُة‪ .‬تتجاهلين ما يتحدثُ به النا�س جمي ًعا فى نواديهم وطى بيوتهم‪ ،‬األم‬
‫يخطبك عمار ُة ب ُن زياد‪ ،‬واأنت به را�سي ٌة؟ األم يولم له اأبوك وليمة كاأنه مل ٌك؟ اأما كنت تخدمينه وت�سعين فى‬
‫البيت ت�ستحثين الإما َء؛ لكى يبالغوا فى اإكرامه؟ هذه اأنت منذ الليلة تراوغين ول تريدين اأن تتحدثى ب�سيء‬
‫وتخفين كل ذلك فى اأعماق قلبك‪.‬‬
‫فقالت عبل ُة واجم ًة‪:‬‬
‫عج ًبا منك يا عنترةُ‪ .‬اأهذا هو ما تعنى؟‬
‫قال عنتر ُة مندف ًعا فى غ�سبه‪:‬‬
‫األي�س هذا �سي ًئا عندك؟ اإنك تتخذيننى هز ًوا ول تريدين اأن تك�سفى لى عن الحقيقةِ‪.‬‬
‫((( ارتج على القول‪ :‬لم اأقدر عليه‪.‬‬
‫((( تبرم‪� :‬سيق و�سجر‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫الوي ُل لعمارة والويل ثم الويل لك!‬
‫فنظرت عبل ُة اإليه فى ده�سة‪ ،‬ثم دمعت عيناها وقالت‪:‬‬
‫اإنك ترمينى ب�سهام فى هذه الدفعاتِ الحانقةِ‪ ،‬وتلقى على من الذنوب ما ل ذنب لى فيه‪.‬‬
‫واندفعت ت�سي ُر عنه مغ�سب ًة‪.‬‬
‫فاأ�سرع عنتر ُة وراءها وهو يقو ُل فى �سراعةٍ‪:‬‬
‫عف ًوا يا عبل ُة فاإن �سقائى هو الذى حرك ل�سانى‪ .‬اأقول لك الويل واإن دمع ًة من عينيك اأفتديها اإذا ا�ستطعت‬
‫وتع�سا لى! وحا�ساك اأن يحل الويل �ساحتك يا ابن َة عمى‪.‬‬ ‫بحياتى؟ ويلى اأنا ً‬
‫ولكن عبل َة �سارت فى طريقها �سامت ًة وم�سحت دمعها بطرف كمها‪ .‬وا�ستمر عنتر ُة ً‬
‫قائال‪:‬‬
‫األ تقولين لى اإنكِ عفوتِ عنى؟ اأحقًّا اأنت غا�سب ٌة من فلتة ل�سانى؟ قولى لى يا عبل ُة ما �ساألتك عنه ين�سرف‬
‫كل �سقائى ‪ ..‬قولى اأحقًّا تر�سين عمارة بن زياد؟‬
‫فقالت عبل ُة فى جفاء‪:‬‬
‫وما �ساأنى بزياد اأو ابن زياد؟‬
‫فقال عنترة مترف ًقا‪:‬‬
‫قولى كلمة ي�ستقر لها قلبى‪ .‬اإنهم يتحدثون ويملئون �سدرى �سقاء‪ .‬فهل ر�سيت به حقًّا؟‬
‫فقالت عبلة فى َحن ٍَق وعناد‪:‬‬
‫وما اأنا وذلك ول�ست اإل فتاة فى بيت اأبى‪.‬‬
‫فقال عنترة فى لهفة‪:‬‬
‫ور�ساوؤك!‬
‫فقالت فى �سبه �سخرية‪:‬‬
‫ر�سائى!‬
‫فقال عنترة �سار ًعا‪:‬‬
‫نعم ر�ساوؤك يا عبلة‪ .‬اأنا ل اأعباأ اإل بر�سائك اأنت‪ .‬فقالت عبل ُة فى تحد‪:‬‬
‫وما ر�سائى الذى ت�ساأل عنه؟ فهل اأنا اإل فتاة فى بيت اأبيها؟‬
‫فقال عنتر ُة فى وح�سيةٍ‪:‬‬
‫اإ ًذا تذهبى اإلى بيت ابن زياد لو ر�سى اأبوك؟ اأتكونين له زوجة اإذا قبل مال ُك ب ُن قراد؟ اأتذهبين اإلى بيت‬
‫ابن زياد كما تذهب الأم ُة مع �سيدها؟‬
‫فقالت عبلة فى كبرياء ُكف ل�سانَك يا عنترةُ‪ .‬ل�ست اأمة‪ ،‬وما ينبغى اأن يقال لى لفظ الأمة‪ .‬اإنما الأمة غيرى‪.‬‬
‫ف�ساح عنتر ُة فى َحن ٍَق‪.‬‬
‫نعم‪ ،‬الأم ُة غيرك يا عبلة‪ .‬اإنها زبيبة اأمى‪.‬‬

‫‪71‬‬ ‫دار النمر للطباعه‬


‫(‪ )8‬عــالقة قــلــقــة‬
‫فقالت عبل ُة فى جفاء‪:‬‬
‫قل ما بدا لك؛ فلن اأجي َبك‪.‬‬
‫فقال عنتر ُة فى �سوت اأج�س‪:‬‬
‫الآن قد برح الخفاء يا عبل ُة‪ ،‬وانجلى الظال ُم الذى كان يحجب الحقيق َة عنى‪ ،‬الآن عرفت ما كنت اأبغى‪ .‬ما‬
‫أعرف هذا الذى عندك فاأرتد اإلى بيتى اأ�سقى النا�س بعد اأن كنت اأمرح فى‬ ‫كان اأحمقنى اإذ كنت اأ�سعى اإلى اأن ا َ‬
‫فل�ست اإل ابن زبيبة الذى يحدثك‪،‬‬ ‫جهالتى‪ .‬اإ ًذا فهو زوجك ابن زياد الذى تر�سينه وير�ساه اأبوك‪ .‬واأما اأنا ُ‬
‫ويزجى لك وقت فراغك‪.‬‬
‫ثم ثار وقال فى وح�سية‪:‬‬
‫اللهب‪ .‬األ‬
‫وعوا�سف ِ‬
‫ِ‬ ‫يذهب ذلك العا ُر عنى‪ .‬فالأذهبن اإذا مع �سيولِ الدما ِء‬
‫اإننى ابن زبيبة الأمة‪ ،‬ولن َ‬
‫يقترب منك‪ ،‬فاأنت لى اأنا‪ ،‬اأنا الذى اأحببتك ول اأ�ستطيع اأن اأحيا اإل بك‪ .‬اأنا ابن‬
‫َ‬ ‫فاعلمى يا عبل ُة اأن َ‬
‫ابن زياد لن‬
‫زبيبة الذى ا�ستريت نف�سى ب�سيفى من اأجلِك‪ .‬نعم من اأجلك اأنت التى لتعرفين منى غي َر �سعرى‪ .‬األ فاذكرى‬
‫يا عبل ُة قولى‪� ،‬سوف اأبعث اإليك ليلة زفافك براأ�س هذا الفتى الو�سيم؛ ليكون هدي َة عر�سِ ك‪ .‬ولن تزا َل العرب‬
‫تتحدث ب ِذ ْك ِر هديتى‪.‬‬
‫يعتر�س �سبيل عبلة وهى متجه ٌة اإلى بيت اأبيها‪ ،‬ما ًّدا‬‫ٌ‬ ‫وكانا قد قربا من بيت مالك بن قراد‪ ،‬فوقف عنتر ُة‬
‫اإليها يده كاأنه م�ستغف ٌر‪ ،‬واللفظ الحانق يكذب ا�ستغفاره‪ ،‬وم�ست عبلة نافرة باكية اإلى خبائها‪ .‬ووقف ينظر‬
‫اإليها حتى غابت‪ ،‬فا�ستعلت فى �سدره األ�سن ٌة من النار‪ ،‬و�ساق �سد ُره‪ ،‬فدار على عقبيه فجاأة واتجه نحو‬
‫أر�س برمحِ ه‪ ،‬ول يدرى اإلى اأين يتج ُه فيها‪.‬‬
‫ال�سحراء وهو يخبط ال ِ‬

‫اأ�صئلة الف�صل الثامن‬


‫عالقة قلقة‬

‫‪« 1‬وم�صت اأيام كانت فيها االأعياد مت�صلة‪ ،‬وكان عنترة فيها وا�صطة العقد فى االأ�صمار والوالئم‪.‬‬
‫فلم يدع العب�صيون و�صيلة يعبرون بها عن �صكرهم اإالتو�صلوا بها»‪.‬‬
‫( اأ ( تخير اأدق اإجابة من الإجابات الآتية‪:‬‬
‫✦ ✦معنى «وا�سطة العقد»‪( :‬اأغلى �سىء ‪ -‬محل الهتمام ‪ -‬يلفت الأنظار(‪.‬‬
‫✦ ✦الجمع بين الأ�سمار والولئم يدل على‪( :‬ذيوع ال�سهرة ‪ -‬كثرة الكالم ‪ -‬زيادة التكريم(‪.‬‬
‫✦ ✦ما�سى «يدع» ودع‪( :‬لم ي�ستعمل ‪ -‬ي�ستعمل بقلة ‪ -‬ي�ستعمل بكثرة(‪.‬‬
‫(ب(من مظاهر اهتمام العب�سيين بعنترة‪:‬‬
‫✦ ✦التغنى ب�سعره‪.‬‬
‫✦ ✦رق�س الفتيات بين يديه‪.‬‬
‫✦ ✦عدم التعر�س له عندما يتحدث اإلى عبلة‪.‬‬
‫‪72‬‬
‫✦ ✦مطالبة عمارة بترك عبلة لعنترة‪.‬‬
‫✦ ✦رتب هذه المظاهر بح�سب اأهميتها‪.‬‬
‫(ج�( ِل َم َل ْم تف�سح عبلة عن حبها؟ وما مظاهر ذلك؟‬
‫( د ( ما موقف كل من عبلة وعنترة من اأحاديث النا�س؟‬
‫(ه�( ا�ستخرج من الفقرة ت�سبي ًها‪ ،‬واأ�سلوب توكيد وبين قيمة كل فى الكالم‪.‬‬
‫‪ 2‬قالت عبلة‪« :‬األ�صت يا عنترة عجي ًبا؟ ليتنى اأعرف ال�صبيل اإلى كلمة تر�صاها‪ ،‬فاأجاب عنترة فى‬
‫حرارة‪ :‬اأنت التعرفين ال�صبيل اإلى تلك الكلمة؛ الأن قلبك الينطوى عليها‪ ،‬وما طلبى ولجاجتى‬
‫فى اأمر اإذا كان ما اأطلب م�صتع�ص ًيا ‪.»...‬‬
‫( اأ ( األ�ست يا عنترة عجي ًبا؟ اأجب عن ال�سوؤال ال�سابق بالإيجاب مرة وبالنفى مرة اأخرى‪.‬‬
‫✦ ✦اأى التعبيرين اأدق‪ :‬لتعرفين ال�سبيل اإلى تلك الكلمة اأم لتعرفين تلك الكلمة؟ علل لما تقول‪.‬‬
‫✦ ✦(لجاجتى ‪ -‬م�ستع�س ًيا( هات معنى الكلمة الأولى فى جملة وم�ساد الثانية فى اأخرى‪.‬‬
‫(ب(ما الكلمة التى ينتظرها عنترة من عبلة؟‬
‫(ج�( «قولى لى حقيقة ما تح�سينه نحوى»؟‬
‫ما حقيقة اإح�سا�س عبلة كما ت�سوره عنترة؟ وما �سبب ذلك الت�سور؟‬
‫( د ( ك�سف عنترة عن بع�س الجوانب الخفية فى عالقة عبلة بعمارة و�سح ذلك‪.‬‬
‫‪ 3‬حوار عنترة مع عبلة تراوح بين اللين وال�صدة‪ ،‬اذكر من المواقف ما يوؤيد ذلك‪.‬‬
‫‪« 4‬االآن قد برح الخفاء يا عبلة‪ ،‬وانجلى الظالم الذى كان يحجب الحقيقة عنى‪ ،‬االآن عرفت ما كنت‬
‫اأبغى ‪ ...‬اإذن فهو زوجك ابن زياد الذى تر�صينه وير�صاه اأبوك‪ ،‬واأما اأنا فل�صت اإال ابن زبيبة‬
‫الذى يحدثك‪ ،‬ويزجى بك وقت فراغك»‪.‬‬
‫( اأ ( ما معنى «برح الخفاء»؟ وماذا اأفاد عطف انجلى الظالم على برح الخفاء؟‬
‫✦ ✦«يزجى» هات معنى هذه الكلمة فى جملة‪.‬‬
‫(ب(ما الذى قرره عنترة بعد هذا الحوار؟‬
‫(ج�( «ع َّر�ست عبلة باأم عنترة‪ ،‬فكيف كان ذلك؟ وما اأثر هذا التعري�س؟‬
‫( د ( اأترى اأن عنترة كان �ساد ًقا فيما قال؟ علل لما تقول‪.‬‬
‫(ه�( «لم ت�ستخدم عبلة دهاء المراأة هنا» تخيل الموقف لو اأنها ا�ستخدمت دهاءها‪.‬‬
‫(و( اأتهديد عنترة بقتل عمارة دليل على كره عبلة اأم �سدة حبه لها؟ علل‪.‬‬
‫(ز( ا�ستخرج من الفقرة ال�سابقة‪:‬‬
‫✦ ✦منادى واأعربه‪.‬‬
‫✦ ✦ظر ًفا وبين نوعه‪.‬‬
‫✦ ✦ا�س ًما من الأ�سماء الخم�سة واذكر عالمة اإعرابه‪.‬‬
‫‪73‬‬ ‫دار النمر للطباعه‬
‫احلقيقة‬
‫رحــيــلإلىعــبــلــة‬
‫(‪)9‬الطريق ا‬
‫(‪)3‬‬

‫�سيبان‪ ،‬وقد �ساقت به الحيا ُة فى‬


‫َ‬ ‫خال وادى الج َوا ِء من منازلِ مالك بن قراد منذ نزح باأهله اإلى اأر�س‬
‫والتعلق بها‪ ،‬وما اعتزمه من عداوة كل من يجرو على‬ ‫ِ‬ ‫حب عبل َة‬
‫قومه منذ جهر عنترة بما ينطوى عليه قلب ُه من ِّ‬
‫إح�سا�سا بالمعرة من اأن يعطى ابنته لعنترة واإن كان فار�س‬ ‫ً‬ ‫طلب زواجها‪ .‬وكان مالك ي�سمر فى قرارة نف�سه ا‬
‫قومِه وحاميهم‪ .‬وما كان مثله لي�سهر اإلى رجل ولدته زبيبة الأمة‪ .‬فيمزج دماءه بدماء عبد واإن كان ذلك‬
‫الفار�س ابن اأخيه �سدادٍ‪ .‬وكان عمرو بن مالك اأ�س َّد من اأبيه اأنفة((( وكب ًرا‪ ،‬فكان يوؤثر �سديقه عمارة‬ ‫َ‬ ‫عنتر َة‬
‫الوهاب المنحد َر من �سل�سل ِة الأمجاد من الآبا ِء والحرائ ِر من الأمهاتِ والجداتِ ‪ .‬ولم تكن عبل ُة‬ ‫َ‬ ‫بن زياد ال�سي َد‬
‫باأقل �سي ًقا وتبر ًما بالإقام ِة فى عب�س من اأخيها واأبيها‪ ،‬فقد وجدت نف�سها قطب الأحاديث فى اأندية قومها‬
‫وهدف الح�سد من �ساحباتها‪ ،‬ل يخلو يوم من نفرة فى الحى من اأجلها‪ ،‬حتى كان القتال يدور بين طوائف‬ ‫َ‬
‫متنازعة فى قبيلتها‪ ،‬فمنهم من كان يهتف بعنترة‪ ،‬ومنهم من كان يتحيز لعمارة‪ ،‬وهم فى كل يوم وفى كل‬
‫ليلة يت�سادمون ويتنازعون حول ا�سمها فانطوت على نف�سها كئيب ًة ل تر�سى باأن تزو َر ول اأن تخرج للقاء‬
‫من ياأتى اإليها زيارة وكانت �ساحباتها كلما جئن اإليها لم يجدنها على عادتها مرحة م�ستب�سرة تمالأ المجال�س‬
‫روحا من �سوتها العذب ال�ساحك‪ .‬وكان األمها يزداد كلما تذكرت ما كان بينها وبين عنترة‬ ‫بهجة وتبث فيها ً‬
‫�ستذهب اإلى بيت عمارة كاأنها الأمة‪ .‬ولم يتردد فى غ�سبه اأن ناداها‬ ‫ُ‬ ‫فى تلك الليلة اإذ ق�سا عليها‪ ،‬وقال لها اإنها‬
‫بالويل‪ ،‬واأغلظ فى حديثه لها‪ ،‬ولم ير�س منها بما كانت تهدهد به نف�سه من موا�ساتها واعتذارها‪ ،‬بل اإنه‬
‫هددها بهديته الدموية اإذ قال اإنه �سوف ير�سل اإليها را َأ�س عمار َة ليل َة زفافها‪.‬‬
‫وكانت فى اعتكافِها �ساكنة تق�سى اأكثر الوقت �سعيفة فى فرا�سها وتبكى اأحيانًا ولتدرى ما الذى‬
‫اأبكاها‪ ،‬حتى حال((( لونها‪ ،‬وذبلت ن�سرتها‪ ،‬وامتالأ �سدرها كاآبة وه ًّما‪ .‬و�ساق المقام باأبيها مالك‪ ،‬وحار‬
‫النا�س ين�سدون �سع َر عنتر َة فى ابنته وي�ستعيدونه فى مجال�سهم‪،‬‬ ‫فى اأمره كيف يطيقُ الحياة وهو ي�سمع َ‬
‫فكانت اأنفته تثور‪ ،‬ولكنه كان لي�ستطيع اأن يقاتل النا�س كل يوم وهم ليفعلون اأكثر مما يفعله العرب فى‬
‫اإن�ساد ق�سائد ال�سعراء‪ .‬ولكن ول َده عم ًرا كان ليقدر اأن يم�سك نف�سه‪ ،‬فكان ليمر بقوم يتغنون بذلك ال�سع ِر‬
‫يعلن قومه باأنه‬
‫مخرجا من الأمر اإل اأن َ‬ ‫ً‬ ‫اإل بادرهم بال�سب وه َّم بقتالهم‪ .‬فاأ�سفق مالك من ذلك كله‪ ،‬ولم يجد‬
‫أر�س اأ�سها ِره بنى �سيبان‪.‬‬
‫أر�سه ورحل اإلى ا ِ‬ ‫يزوج ابنته لعمارة ول غير عمارة‪ ،‬ثم غادر ا َ‬ ‫لن َ‬
‫واأما عنتر ُة فاإنه لم يطق البقاء فى عب�س بعد اأن رحلت عنها عبلة‪ ،‬فهام((( على وجهه فى ال�سحراءِ‪ ،‬فكان‬
‫ل يلم((( بالحى اإل بين حين وحين‪ ،‬وكانت زيارته لتزيد على اأن تكون زيارة لوادى الجواء ليق�سى اأربه(((‪،‬‬
‫فيتن�سم ن�سيمه وين�سد عنده بع�س �سعره‪ ،‬ثم يعود اإلى �سحرائه لي�سرب فى �سعابها‪.‬‬
‫اأنفة‪� :‬سموخ وعزة ونفور‪.‬‬ ‫(((‬
‫حال‪ :‬تغير‪.‬‬ ‫(((‬
‫هام‪ :‬خرج ليدرى اأين يتجه‪.‬‬ ‫(((‬
‫يلم‪ :‬ينزل‪.‬‬ ‫(((‬
‫اأربه‪ :‬حاجته‪.‬‬ ‫(((‬

‫‪74‬‬
‫أر�س ال�سربة‪ ،‬وزار َط َل َل((( دا ِر عبل َة فى وادى الجواء‪ .‬وقد برزت وجنتاه‪ ،‬وغارت عيناه‪،‬‬
‫وجاء يو ًما اإلى ا ِ‬
‫وا�سفر لونه الأ�سم ُر‪ ،‬و�سارت عيناه تاأتلقان‪ ،‬كان �سعاعهما بريق ال�سيف فى �سو ِء القمر‪.‬‬
‫وجاء اإلى طل ِل الدا ِر فجال بين موا�سع نيرانِه واآثار اأوتاده وبقايا ُنوؤيه((( التى كانت تحيط بخيامه‪،‬‬
‫ثم وقف مبهوتًا يم�سك اأعلى رمحِ ه المركو ِز فى الرمل م�سن ًدا بذقنه عليه كاأنما هو تمثال فى خرائب معبد‬
‫مندثر‪:‬‬
‫وجعل يترنم ً‬
‫قائال‪:‬‬
‫م �ن��ى ب �م �ن��زل��ة ال� �م� �ح � ِّ�ب ال �م �ك��ر ِم‬ ‫ول � �ق� ��د ن� ��زل� ��ت ف� ��ال ت��ظ��ن��ى غ� �ي� � َره‬
‫اإن ك �ن��تِ ج��اه �ل��ة ب �م��ا ل ��م تعلمى‬ ‫ه ��ال � �س �األ��ت ال �خ �ي � َل ي ��ا ب �ن��ة م��ال��كِ‬
‫اأغ�سى ال��وغ��ى واأع � ُّ�ف عند المغن ِم‬ ‫ي �خ �ب��رك م ��ن � �س �ه � َد ال ��وق� �ي� �ع� � َة اأن �ن��ى‬
‫ق �ي � ُل ال �ف��وار�� ِ�س و ْي� � َ�ك ع�ن�ت� َر اأق ��دم‬ ‫ول �ق��د � �س �ف��ى ن�ف���س��ى واأب � � ��راأ ��س�ق� َم�ه��ا‬
‫وبي�س الهن ِد تقط ُر من دمى‬ ‫ُ‬ ‫منى‪،‬‬ ‫ول � �ق� ��د ذك � ��رت � ��ك وال� � ��رم� � ��اح ن� ��واه � � ٌل‬
‫وق�سى �ساعة وهو يتاأم ُل ما تحت عينيه‪ .‬فهناك كان خباوؤها‪ ،‬وهناك كانت تقب ُل عليه با�سمة‪ ،‬وهناك كانت‬
‫ت�سح ُك مكركرة‪ ،‬وهناك كانت تقف ناظرة اإليه فى عطف وهو ي�سف لها اآخ َر مغازيه‪.‬‬
‫ثم تذ َّكر كيف اأتى اإليها عندما �سمع بمر�سها فلم ياأذن له اأبوها بروؤيتها فلم اأر�سل اإليه اأ َّمه لم تجد �سوى‬
‫والحزن ونظر اإلى بيوت الحى المنثور ِة فى اأنحاء الوادى‬ ‫ُ‬ ‫الح َن ُق‬
‫البكاءِ‪ ،‬ولم ت�سمع منها اإل كلمات يبدو فيها َ‬
‫فاأح�س من نف�سه دفعة اإلى اأن يم�سى اإليها فيهدمها على من فيها‪ ،‬ويطعن فيهم برمحِ ه‪ ،‬وي�سرب ب�سيفه حتى‬
‫البيوت بعد اأن خلت من‬
‫ُ‬ ‫ل يبقى فيهم اأح ًدا فى الديار التى كانت هى �ساحبتها وهى النازلة فيها‪ .‬فما تلك‬
‫عبلة؟ وما تلك القبيلة كلها بعد اأن رحلت عبل ُة عنها؟‬
‫وجعل يتغنى وهو متكئ بذقنه على يديه‪ ،‬م�ستن ًدا على رمحه‪ ،‬ليح�س �سي ًئا مما حوله‪ ،‬حتى جاء اأخوه‬
‫((( ((( (((‬
‫ليح�سه وكان يقول‪:‬‬
‫ُّ‬ ‫�سيبوب من ورائه وهو‬
‫ُ‬
‫وب �اأ� �س��ى ��س��دي��د‪ ،‬وال�ح���س��ام مهن ُد‬ ‫خ�ل�ي�ل��ى اأم �� �س��ى ح ��ب ع �ب �ل��ة ق��ات�ل��ى‬
‫َو َمنفر�سُ ه َج ْم ُرالغ�سا(((كيفيرقد؟‬ ‫ح� � ��را ٌم ع� �ل � َّ�ى ال� �ن���و ُم ي ��ا ب� �ن� � َة م��ال��ك‬
‫لعل لهيبى من ثرى((( الأر�س يبر ُد‬ ‫واأل � �ث� ��م((( اأر�� ً��س���ا ك �ن��تِ ف �ي �ه��ا مقيمة‬
‫ف� � �اإن ودادى م �ث �ل �م��ا ك� ��ان ي�ع�ه��د‬ ‫ل �ئ��ن ي �� �س �م��ت الأع � � � ��دا ُء ي ��ا ب �ن��ة م��ال��ك‬

‫الطلل‪ :‬اآثار الديار‪.‬‬ ‫(((‬


‫النوؤى‪ :‬هى الحفيرة حول الخيمة تمنع عنها ال�سيل‪.‬‬ ‫(((‬
‫الغ�سا‪� :‬سجر غليظ الجمر والنار‪.‬‬ ‫(((‬
‫األثم‪ :‬اأقبل‪.‬‬ ‫(((‬
‫ثرى الأر�س‪ :‬تراب الأر�س‪.‬‬ ‫(((‬

‫‪75‬‬ ‫دار النمر للطباعه‬


‫(‪ )9‬رحــيــل عــبــلــة‬

‫�سيبوب من ورائِه‪:‬‬‫ُ‬ ‫فناداه‬


‫ها هى ذى ركائ ُبك يا عنتر ُة حا�سرة‪.‬‬
‫ركب فر�سه‪.‬‬ ‫الرمح من الرم ِل و�سار يج ُّر رجليه حتى َ‬ ‫فنظر عنتر ُة اإليه فى فتورٍ‪ ،‬ونزع َ‬
‫يهم�س به اإلى نف�سه‪ ،‬حتى بعد عن الحى‬ ‫و�سار اأخوه ي�سوقُ الإب َل المحمل َة من ورائه‪ ،‬ي�سم ُع اإن�ساده كاأنه ُ‬
‫واأوغل((( فى ال�سحراء‪.‬‬
‫واأقبل الليل فتقدم اأخوه نحوه و�ساأله النزول‪ ،‬فقال عنترة واج ًما‪:‬‬
‫�سيبوب‪.‬‬
‫ُ‬ ‫لوددت اأن اأ�سي َر ليلى ونهارى‪ ،‬فاإنى ل اأري ُد اأن اأ�ستق َّر يا‬ ‫ُ‬
‫مازحا‪:‬‬
‫�سيبوب ً‬ ‫ُ‬ ‫فقال‬
‫ل�ست مث َلك يا عنترةُ‪ .‬ول ب َّد لى اأن اأذوقَ من الطعام بع َد ك ِّل يو ٍم‪.‬‬ ‫ولكنى ُ‬
‫فرغ من‬ ‫فنزل عنتر ُة وانتحى مكانًا من كثيب فرقد فوقه‪ ،‬وذهب �سيبوب ليوقد النار ويعد الطعا َم‪ .‬فلما َ‬
‫ذلك عا َد اإلى اأخيه يحم ُل �سحفة((( ثريدٍ‪ ،‬ولم ي�ستطع عنتر ُة اأن يقاومه فاأكل معه لقيمات‪ ،‬وهو يغمغم بين‬
‫حين واآخر ببع�س ال�سعر‪.‬‬
‫�سيبوب اإليه بعد حين فقال‪:‬‬
‫ُ‬ ‫واتجه‬
‫هذا الف�سا ُء الف�سي ُح ي�سملنا وح َدنا‪ ،‬فك ُّل ما فيه من اأدوي ٍة وتاللٍ واأغوا ٍر لنا وحدنا‪.‬‬
‫ولو كان فى هذه الأودية اأموال لم يمتنع علينا �سيء منها‪ ،‬فنحن نملك هذه الأر�س ك َّلها يا عنترةُ‪.‬‬
‫فقال عنتر ُة فات ًرا‪:‬‬
‫فقدت عبلة؟‬
‫�سيبوب‪ .‬فما اأ�سن ُع بالمال وقد ُ‬ ‫ُ‬ ‫ولكنى ل اأطلب من هذه الحياة �سي ًئا يا‬
‫خيال وا ًإبال‪ ،‬وفا�ست لى عيونًا‪ ،‬واأخرجت لى من ح�ساها لوؤلوؤًا‬ ‫ماذا اأ�سنع لو ملئت لى هذه الأر�س ً‬
‫فقدت عبل َة؟‬
‫وياقوتًا؟ ماذا اأ�سنع بهذا كلِّه وقد ُ‬
‫ويل لالإبل ومن يملكونها! فم�سعل بن ط َّراق الكندى يملك من الإبل األو ًفا وهو ي�سوقها �سدا ًقا اإلى مالك‬
‫قي�س بن م�سعود يملك منها الألوف وهو يهبها لعله يفوز بعبلة لبنه‬ ‫يريد اأن ينزع منى عبلة‪ .‬وفى بنى �سيبان ُ‬
‫ب�سطام‪ .‬وعمارة بن زياد يمل ُك منها الألوف وي�سوقها اإلى مالك لكى يزوجه بعبلة‪ .‬كل هوؤلء يملكون الإبل‬
‫فتع�سا لها وبع ًدا لمن ملكها!‬ ‫ً‬
‫مرح‪:‬‬
‫�سيبوب قد اأفرغ كا َأ�سه‪ ،‬فقال فى ٍ‬ ‫ُ‬ ‫وكان‬
‫لو كنت اأنا عنترة لق�سدت اإلى بنى �سيبان فنزعت عبل َة من بين ظهرانيهم وخرجت بها اإلى البري ِة كما‬
‫يخرج الأ�س ُد بفري�ستهِ‪.‬‬
‫فقال عنتر ُة متحر ًكا فى �سجر‪:‬‬
‫أذرف دمعى واأدفقَ لها ما بقلبى لعلها تر�سى عنى‪ ،‬لقد كدت يو ًما من الأيام اأهم باأن‬ ‫بل اأذهب اإليها لكى ا َ‬
‫حري�سا على اأن اأفوز بعبلة ولكنى لاأنظر اليوم اإلى اأن اأفوز بها‪ .‬لقد بلغت‬ ‫ً‬ ‫اأفعل ما تذكره الآن‪ .‬فلقد كنت‬
‫((( اأوغل فى ال�سحراء‪ :‬دخل فيها‪.‬‬
‫((( �سحفة ثريد‪ :‬اإناء الطعام‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫منى فوق ما يبل ُغ الن�سا ُء من الرجال‪.‬‬
‫فاأنا لاأطمع اليوم فى اأكثر من اأن اأ�ستر َّد ر�ساها‪.‬‬
‫ولحت عند ذلك �سحاب ُة من الطي ِر ت�سيء ب�سعاع القم ِر ميممة((( نحو ال�سرق‪ ،‬فقال عنترة وهو ينظر‬
‫اإليها‪:‬‬
‫جناح هذا الطي ِر فاأذهب حيث �سئت واأتنقل مع �سرعة خاطرى اإلى حيث تتوقُ نف�سى‪ .‬بل ليت لى‬ ‫ليت لى َ‬
‫مثل جناحها فاأحلق فوق هذه الأر�س لكى اأرنو((( اإلى عبلة من ال�سماء قان ًعا بنظرة اأ�سيبها((( ك َّل يوم منها‪.‬‬
‫و�سكت لحظة ثم قال فى �سوت حانق‪:‬‬
‫أر�س فال اأبقى عليها غير‬ ‫الموت على هذه ال ِ‬
‫َ‬ ‫بل ليتنى �ساعقة فوق �سحابة فى عا�سفة هو جاء فاأقذف‬
‫�سيبوب‪ ،‬اإن ك َّل النا�س ليزالون ينظرون اإلى كما ينظرون اإليك‪ .‬اإننى ابن زبيبة الأمة حتى واإن ن�سبنى‬ ‫ُ‬ ‫عبل َة يا‬
‫�سدا ُد اإلى عب�س‪.‬‬
‫فقال �سيبوب �ساح ًكا‪:‬‬
‫اأما اأنا فل�ست اأبالى كيف ينظرون ا ّإلى‪.‬‬
‫رفق‪:‬‬
‫فقال عنتر ُة فى ٍ‬
‫كنت من قبل‬
‫كنت بعي ًدا عن �سعادتى‪ُ ،‬‬ ‫زلت حيث ُ‬ ‫�سيبوب‪ .‬فاإنى ما ُ‬
‫ُ‬ ‫كدت اأح�س ُدك على ما اأنت فيه يا‬ ‫لقد ُ‬
‫األمحها اأمامى وهى لتزال اأمامى كاأنها تهرب منى كما يهرب الجبان الذى يركب مه ًرا �سري ًعا‪ .‬لم يكن الرقُ‬
‫هو الذى يحو ُل بينى وبين �سعادتى‪ .‬لي�س الرقُّ �سوى لفظٍ ي�سترون به ما فى نفو�سهم من الكبرياء‪ .‬لي�س‬
‫أنف�سهم وي�سترون به �سعفَهم‪ .‬فهم ل‬ ‫الرق هو الذى كان ي�سقينى‪ ،‬بل هو الوهم الذى ير�سى به ال�سعفا َء ا َ‬
‫يجدون ما يميزون به اأنف�سهم ول ما ي�سمون به اإلى المكارم‪ ،‬فياأبون اإل اأن يهبطوا بمثلى اإلى ما دونهم‪،‬‬
‫حتى يلوحوا فى الأعين اأعظم من عنترة‪.‬‬
‫فقال �سيبوب وهو يمالأ كاأ�سه‪:‬‬
‫اأنت تح�س الذ َّل لأنك تحتاج اإليهم‪ .‬اإن هذا ال ُغ َّل((( الذى ت�سعه حول عنقك هو الذى ُيذلك‪ ،‬ولي�س ما‬
‫تح�سبه من كبريائهم اإن هذا الحب الذى تتحرك فيه ل اأ�سميه اأن اإل الرقَّ والذل فعج ًبا منك اإذ تقوى على‬
‫الدماء ت�سفكها‪ ،‬والحروب تخو�سها‪ ،‬ول تقوى على قيدك الذى تقيدك به فتاة‪.‬‬
‫يجرع كا َأ�سه‪:‬‬
‫فقال عنتر ُة وهو ُ‬
‫قلب لما تحرك اإل كما يتحرك قلبى‪ .‬اأنت‬ ‫�سيبوب‪ ،‬لأنك ل تحم ُل مث َل نف�سى ولو كان لك ُ‬ ‫ُ‬ ‫ل�ست األومك يا‬
‫ُ‬
‫نف�سك حتى تر�سى بما اأنت فيه فدعنى و�ساأنى‪.‬‬ ‫تخدع َ‬

‫ميممة‪ :‬متجهة‪.‬‬ ‫(((‬


‫اأرنو‪ :‬اأنظر‪.‬‬ ‫(((‬
‫اأ�سيبها‪ :‬اأنالها‪.‬‬ ‫(((‬
‫الغل‪ :‬القيد‪.‬‬ ‫(((‬

‫‪77‬‬ ‫دار النمر للطباعه‬


‫(‪ )9‬رحــيــل عــبــلــة‬

‫أعي�س لنف�سى‪ .‬واإذا نظرت اإلى هوؤلء النا�س‬


‫فقال �سيبوب‪ :‬اإنما العبد من ي�ستم ُّد من النا�س حريتَه اإنى ا ُ‬
‫لم اأكد اأرى منهم اأح ًدا �سواك اأنت واأمى واإخواتى‪ .‬واأما �سائر الأحياء فاإنى اأمقتهم واأخدعهم واأخونهم‪ .‬ولو‬
‫ترددت فى اإلفتك بهم لحظة‪ ،‬اإننى اأ�سرق اأحيانًا وما بى من حاجة اإلى مال اأ�سرقه‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ا�ستطعت اأن ا َ‬
‫أفتك بهم لما‬
‫واأكذب ولي�س بى ما يدعو اإلى الكذب‪ .‬واإنه لي�سرنى اأن اأراهم فى ورطة‪ .‬وين�سرح �سدرى اإذ اأجد عليهم عالئم‬
‫الغيظ اإنى لأ�سخر منهم‪ .‬واإنى ل اأخ�سى الموت ولكنى اأ�سن بنف�سى عن الحرب لأنى ل اأ�سخو بنف�سى فى‬
‫حمايتهم‪ .‬ولولك اأنت لكنت عند الغارات اأطعن ظهورهم‪ .‬اأما قلت لك اإنك لن تجد منهم غير ما اأجد اأنا؟ اأنا‬
‫الذى يج�سمك كل هذه الهموم فى طلب ما ل يجديك معهم نف ًعا؟‬
‫فهز عنترة رمحه وقال‪:‬‬
‫اإنه ق�سائى‪ .‬وليكن لك ما ترى‪ .‬ل�ست األومك على �سىء مما تقول‪ ،‬ولكنى �ساأذهب اإليها لعلى اأنظر اإلى‬
‫وجهها‪ ،‬ولعلى اأجد الدمع قد جف من مقلتيها‪ .‬ولن اأزال بهذا الرجل مالك بن قراد حتى اأتملق كبرياءه‪،‬‬
‫ولن اأزال بابنه الأحمق عمرو حتى اأهدهد((( غروره‪� .‬سوف اأتذلل حينًا‪ ،‬و�سوف اأبكى حينًا‪ ،‬ثم �سوف اأقتحم‬
‫اللجج والنيران حينًا‪.‬‬
‫َ‬
‫�سوف اأخدم بنى �سيبان واأرعى لهم غنمهم واإبلهم كما كنت اأرعى غنم �سداد واإبله لكى ير�سوا بمقامى‬
‫قري ًبا منها‪.‬‬
‫فرد �سيبوب ً‬
‫قائال‪:‬‬
‫اأحمق ورب الكعبة‪ ،‬اإنهم ليريدون اإل بع َدك‪ .‬ولو وجدوا فيك فر�سة لزجوا بك فى المهالك حتى ليروا‬
‫لك وج ًها واأما اأنا فاإنى لن اأعدل بهذه الكاأ�س �سي ًئا‪ ،‬هى عندى خير من عبلة وكل قومها‪ ،‬اأن اأعرف كيف اأحيا‬
‫وكيف اأنعم بطعامى و�سرابى‪ ،‬اأما اأنت فال اأظنك تحر�س اإل على الخيال الذى ي�سوره لك الوهم‪ ،‬اذهب كما‬
‫�سئت والتم�س ما �سئت فاأنا اأحب اأن اأكون معك‪ ،‬ولن اأتخلى عنك ولن اأدع �سحبتك‪ .‬اإنك تحبها لأنك تطلب‬
‫عاللة((( لحياتك‪ .‬اأنت تجد لذتك فيما تاأمل وما ترجو وما ت�سعى له من اآمالك واأما اأنا فاإنى اأجد لذتى فيما‬
‫اأذوق بل�سانى وما األم�سه بيدى وما اأقارفه((( فى يومى‪ .‬اأنت ت�سعى وتتاألم فى �سبيل وهم باطل‪ ،‬واأنا اأحيا‬
‫أح�سه حقيقة فى يدى‪.‬‬ ‫واأتنعم فيما ا ُّ‬

‫((( اأهدهد غروره‪ :‬اأجعله يهداأ‪.‬‬


‫((( عاللة‪ :‬ما يتلهى به‪.‬‬
‫((( اأقارف‪ :‬اأخالط‪.‬‬
‫‪78‬‬
‫اأ�صئلة الف�صل التا�صع‬
‫رحيل عبلة‬

‫‪« 1‬و�صاق المقام باأبيها مالك‪ ،‬وحار فى اأمره‪ ،‬كيف يطيق الحياة وهو ي�صمع النا�س ين�صدون �صعر‬
‫عنترة فى ابنته‪ ،‬وي�صتعيدونه فى مجال�صهم‪ ،‬فكانت اأنفته تثور ‪ .....‬ولم يجد مخرجا من االأمر‬
‫اإال اأن يعلن قومه باأنه لن يزوج ابنته لعمارة وال غير عمارة‪ ،‬ثم غادر اأر�صه‪ ،‬ورحل اإلى اأر�س‬
‫اأ�صهاره بنى �صيبان»‪.‬‬
‫( اأ ( هات معنى (اأنفة( فى جملة‪ ،‬وم�ساد (يعلن( فى جملة اأخرى‪.‬‬
‫(ب(اأح�س مالك بالعار‪ :‬لأن عنترة كان عنترة كان ين�سد ال�سعر فى ابنته ‪ -‬لأنه �سيزوج ابنته لعنترة ابن‬
‫زبيبة ‪ -‬لأن َع ْم َر بن مالك يوؤثر �سديقه عمارة‪.‬‬
‫✦ ✦اختر اأدق �سبب لإح�سا�س مالك بالعار من الأ�سباب ال�سابقة‪.‬‬
‫(ج�( كيف اأثر هذا الموقف على عبلة؟ �سف حالها‪.‬‬
‫( د ( اأدى ال�سعر دوره فى ت�سلية عنترة‪ .‬و�سح‪.‬‬
‫(ه�( اكتب من اأبيات عنترة ما يدل على المعانى الآتية‪:‬‬
‫✦ ✦«�سهادة الخيل لعنترة بالبطولة فى المعارك»‪.‬‬
‫✦ ✦«�سهادة اأبطال المعارك لعنترة بقوة القتحام وعفة اليد»‪.‬‬
‫‪ 2‬قال �صيبوب‪ ...... « :‬اأنت تجد لذتك فيما تاأمل‪ ،‬وما ترجو وما ت�صعى له من اأمامك‪ ،‬واأما اأنا فاإنى‬
‫اأجد لذتى فيما اأذوق بل�صانى‪ ،‬وما األم�صه بيدى‪ ،‬وما اأقارفه فى يومى‪ .‬اأنت ت�صعى وتتاألم فى‬
‫�صبيل وهم باطل‪ ،‬واأنا اأحيا واأتنعم فيما اأح�صه حقيقة فى يدى ‪.»....‬‬
‫( اأ ( اأترى فى ترتيب الأفعال (تاأمل‪ ،‬ترجو‪ ،‬ت�سعى( قيمة؟‬
‫✦ ✦(اأقارف( اأدخل الفعل ال�سابق فى جملة من عندك‪.‬‬
‫(ب(فى العبارة موقفان متناق�سان من الحياة‪ ،‬و�سحهما‪ ،‬وبين اإلى اأى الراأيين تميل؟‬
‫(ج�( كان عنترة ممزق النف�س م�سطر ًبا اذكر بع�س المواقف التى تثبت ذلك‪.‬‬
‫( د ( «�سبيل وهم باطل» اجمع الكلمتين (�سبيل ووهم( وغير ما يلزم‪.‬‬
‫(ه�( هات من العبارة ال�سابقة خب ًرا جملة‪ ،‬وظر ًفا وبين نوعه‪.‬‬

‫‪79‬‬ ‫دار النمر للطباعه‬


‫احلقيقة‬
‫الغرباء‬
‫حياةإلى‬
‫الطريق ا‬
‫(‪)10()3‬‬

‫�سيبان كري ًما اإذا نزل جا ًرا عند �سي ِد القوم قي�س بن م�سعود‪ ،‬فلم‬ ‫َ‬ ‫كان مقا ُم مالك بن قراد واأهلِه فى بنى‬
‫َيج ْد فى جوا ِره اإل الع َّز وال َم َن َع َة والمروء َة الكامل َة‪ .‬ولكنه مع ذلك لم يكن �سعي ًدا ول را�س ًيا‪ ،‬لأنه لم ين�س‬
‫اأنه رج ٌل من عب�س �ساق به المقام فى قومه فا�سطر اإلى اأن يهاج َر باأهله‪ ،‬ويحل �سي ًفا على اأ�سهاره‪ .‬وكان‬
‫العراق خرج ي�ساأ ُل اأه َلها فى لهف ٍة عن اإخوتِه وعن‬ ‫ِ‬ ‫يتن�س ُم الأنبا َء عن عب�س‪ ،‬فاإذا ما اأتت قافل ٌة من الحجاز اإلى‬
‫اأبنائهم وعن اأ�سحابه الذين طالما �ساركهم و�ساركوه فى ال�سرا ِء وال�سرا ِء وفى الن�س ِر والهزيمةِ‪ .‬وامتالأ‬
‫ر�س له كان اأولى به لو �سب َر عليه اأو ف�سح‬ ‫عار�س َع َ‬
‫ترك وطنه واأهله من اأجل ٍ‬ ‫ب�سعو ِر ي�سب ُه الند َم على اأنه َ‬
‫أر�س ال�سرب ِة والعلم‬
‫نف�سه بالعود ِة اإلى ا ِ‬‫له من �سد ِره‪ ،‬ولم ُيطع فيه كبرياءه وكبريا َء ولده‪ .‬وكثي ًرا ما حدثته ُ‬
‫ال�سعدى‪ ،‬فاأف�سى براأيه اإلى ولدِه عمرو‪ ،‬ولكن ول َده كان �سار ًما �سل ًَبا فلم يتزعزع عن راأيه‪ ،‬وبقى على عزمِه‬
‫الأول اأنه لن يعود اإلى عب�س حتى يح َّل العقد َة التى بينه وبين عنترةَ‪.‬‬
‫نف�سه‬
‫كان عمرو بن مالك ل يكا ُد يطيقُ اأن ي�سم َع ذك َر عنترةَ‪ ،‬فاإذا ما ذكره اأحد اأمامه عف ًوا لم يملك َ‬
‫ابن زبيب َة‪ .‬وقد توثقت ال�سداق ُة‬ ‫واندف َع فى �سخطه عليه لئ ًما حان ًقا‪ .‬وكان ل يزا ُل م�س ًرا على ت�سميته العب َد َ‬
‫جميال‪ ،‬يق�سى حياتَه ك�سائر اأبنا ِء‬ ‫بين عمرو بن مالك وبين ب�سطام بن قي�س وكان �سا ًّبا فى مثل �سنه منع ًما ً‬
‫يك�سب المج َد فى‬
‫ُ‬ ‫الكتائب‬
‫ِ‬ ‫�سارع اإليها وكان فى �سد ِر‬ ‫ال�سادة فى �سيد اأو لهو‪ ،‬فاإذا عزم قو ُمه على غزو ٍة ِ‬
‫�سيبان‪.‬‬
‫َ‬ ‫الحرب ليمه َد لنف�سه ال�سياد َة فى‬
‫ِ‬
‫الزواج من اأخته الجميلةِ‪ .‬عبل ُة‪ ،‬فزحب عمرو له لما كان بينهما من‬ ‫َ‬ ‫واأف�سى ب�سطام اإلى عمرو اأنه يري ُد‬
‫المودِة‪ ،‬ووعده اأن يكون ر�سو َله اإلى اأبيه مالكٍ ‪ ،‬ووعده اأن يبذ َل ما فى ُو�سعِه ليحم َل اأباه واأختَه على الر�سادِ‪،‬‬
‫ودخل عمرو على اأبيه فى بيتِه ع�سي َة يو ٍم فقال له‪:‬‬
‫أف�سى اإليك بحديثٍ يا اأبى‪.‬‬ ‫أحب اأن ا َ‬ ‫كنت ا ُّ‬ ‫‪ -‬لقد ُ‬
‫جال�سا عليه وقال له‪:‬‬ ‫ثوب كان ً‬ ‫طرف ٍ‬ ‫فمد مالك َ‬
‫أح�س فى �سدرى وح�س ًة من ُد الليلةِ‪.‬‬ ‫‪ -‬تعا َل يا ولدى فاجل�س هنا‪.‬فاإنى ا ُّ‬
‫و�سمت حينا ثم قال‪:‬‬ ‫َ‬ ‫فجل�س عمرو اإلى جانبه‬
‫‪ -‬اأري ُد اأن اأحد َثك فى �ساأنِ عبل َة‪.‬‬
‫فالتفت اإليه اأبوه ً‬
‫قائال‪:‬‬
‫�سيبان؟‬
‫َ‬ ‫‪ -‬هل لعبل َة �سا ٌأن اآخ ُر فى‬
‫فقال عمرو‪:‬‬
‫يفرغ للبنات �سا ٌأن يا اأبى؟ األي�س ه ُّم ال ِأب وال ِأخ اأن ينظرا فى اأمرهن؟‬ ‫‪ -‬وهل ُ‬
‫فقال مالك‪:‬‬
‫‪ -‬ل بعد يا عمرو‪ ،‬ام�س فى الحديث‪.‬‬
‫‪80‬‬
‫فقال عمرو‪ :‬اإلى متى تبقى عبل ُة بغي ِر ِ‬
‫زواج؟‬
‫فقال مال ُك وقد فاجاأه هذا القولُ‪:‬‬
‫�سيوف؟ األي�ست هى عبلة ابنة مالك بن قراد؟ اإنا هنا �سيوف يا ولدى عند‬ ‫ٌ‬ ‫تزوجها ونحن هنا‬ ‫‪ -‬اأتريد اأن َ‬
‫أتى ا َّإلى‪ ،‬وهو‬
‫كنت اأفكر فى هذا الأمر قبل اأن تا َ‬ ‫اأ�سهارنا‪ ،‬ول ينبغى اأن ياأتى الخاطب اإل اإلينا فى ديا ِرنا‪ .‬ولقد ُ‬
‫الذى بعث الوح�سة اإلى �سدرى‪.‬‬
‫فقال عمرو‪:‬‬
‫ب�س َطام ْب َن قي�س؟‬ ‫‪ -‬األ�ست تر�سى ْ‬
‫فقال مالك فى �سبه فزع‪:‬‬
‫ب�س َطام‬
‫لقد اأ�سلك الهوى يا عمرو‪ ،‬واأراك ل تهتدى‪ .‬ما �سوؤالك هذا فيما كنا نتحدث فيه منذ لحظة؟ اإن ْ‬
‫ب�س َطام وكفاءته‪،‬‬ ‫بن قي�س ر�سا وابن ر�سا‪ ،‬وهو خير من تُزف اإليه بنت �ساد ٍة اأحرار‪ .‬ولكنى ل اأتحدثُ عن ْ‬
‫النا�س اأن يقولوا‪ :‬لقد اأخذ قي�س بن م�سعود عبل َة من اأبيها‪ .‬وقد‬ ‫�سيوف فى غير قومِنا‪ ،‬وما اأحرى َ‬ ‫ٌ‬ ‫فنحن هنا‬
‫قي�سا طلب عبلة لبنه ب�سطام‪ ،‬فلم ي�ستطع اأبوها اأن يمنَعها‪.‬‬ ‫العرب‪ :‬اإن ً‬ ‫ُ‬ ‫يقو ُل‬
‫وقد يقو ُل هذا الأ�سو ُد يوما اإننى هربت بها حتى‪.....‬‬
‫فقاطعه عمرو فى َحت َِق‪:‬‬
‫‪ -‬وما لنا وذلك الأ�سود؟ اإنك يا اأبت ل تزا ُل تذ ُكره كاأنك ل تريد اأن تُخلى قل َبك منه‪.‬‬
‫لقد تركنا له قو َمنا ووطننا‪ ،‬فهال طرحته من نف�سك فال تعو َد اإلى ذكره؟‬
‫فقال مال ٌك‪:‬‬
‫أغم�س عينى حتى ل اأرى ما هو ماثل اأمامى‪.‬‬ ‫‪ -‬كاأنى بك تري ُد منى اأن ا َ‬
‫�سيق‪:‬‬
‫فقال عمرو فى ٍ‬
‫�سيبان‬
‫َ‬ ‫‪ -‬اإنك لت�سع َرنِى الذل َة ك َّل يو ٍم واأنت تهل ُج با�س ِم عنترةَ‪ ،‬كاأنه �سورته قد جاءت وراءنا اإلى ا ِ‬
‫أر�س‬
‫أر�س عب�س اإذا كان عنتر ُة ل يزا ُل معنا؟ ز ِّو ْج عبل َة لب�سطام‪َ ،‬فوحق منا َة اإن عنترة لن‬ ‫لتزعجنا‪ ،‬فما فراقُنا ا َ‬ ‫َ‬
‫ي�ستطي َع اأن ينطقَ بع ُد با�سمها‪.‬‬
‫ف�سحك مال ٌك �ساخ ًرا وقال‪:‬‬
‫ل�ست اأدافع عنه‪ ،‬ول�ست اأح ُّبه‪ ،‬بل اإنى اأمقته مقتًا ل ت�ستطيع‬
‫(((‬
‫‪ -‬اإنك ل تعرف عنتر َة يا ولدى كما عرفته ُ‬
‫تح�سه‪ .‬اإننى اأمقته‪ ،‬ولو قدرت على اأن اأور َده المهالك لما ترددت لحظ ٌة فى اأن اأور َده‪ .‬ولكم حاولت‬ ‫اأنت اأن َّ‬
‫يجب عبل َة يا ولدى‪،‬‬‫اأن اأر َّده عن عبل َة بالمك ِر والخديع ِة والموؤامر ِة حتى �ساع كرهى له‪ ،‬وعجزى عنه‪ .‬ولكنه ُّ‬
‫النطق بها‪ ،‬واإن�سا ِد ال�سع ِر فيها‪.‬‬
‫�سيبان اأن يكم َم عن ِ‬ ‫َ‬ ‫ولن اأ�ستطيع اأنا‪ ،‬ولن ت�ستطيع اأنت ول اأح ٌد من عب�س اأو‬
‫قلق وقال فى حقدِ‪:‬‬‫واأطرق حزينا �سامتا‪ ،‬فتحرك عمرو فى ِ‬
‫كنت اأنت يا اأبى قد عجزت عنه فدع من ي�ستطي ُع اأن يلقاه ويكفيك �س َّره‪.‬‬ ‫‪ -‬اإذا َ‬
‫فرفع مالك راأ�سه‪ ،‬وقال �ساخ ًرا‪:‬‬
‫‪ -‬اأذلك ب�سطام بن قي�س؟‬
‫((( اأمقت‪ :‬اأكرة‪.‬‬

‫‪81‬‬ ‫دار النمر للطباعه‬


‫الغرباءاحلقيقة‬
‫الطريق اإلى‬
‫(‪ )10‬حياة‬
‫(‪)3‬‬

‫فقال عمرو متحد ًيا‪:‬‬


‫‪ -‬نعم ذلك ب�سطام‪ .‬اإنه يري ُد عبل َة ول يحج ُم عن الذهاب اإلى اأق�سى الأر�س؛ لكى يا َ‬
‫أتى اإليك براأ�س ذلك‬ ‫(((‬

‫العبدِ‪.‬‬
‫ف�سحك مال ٌك‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫أيذهب فى جي�س من �سيبان لغزو عب�س؟‬ ‫‪-‬ا ُ‬
‫اأهذا ما يريد ب�سطام؟‬
‫فقال عمرو‪:‬‬
‫‪ -‬بل يذهب اإليه وحده‪ ،‬لينازِله‪ ،‬وياأتيك براأ�سه فوق �سنان رمحِ ه ‪ ،‬و�سوف ٌ‬
‫تكون مفخر َة الأبد!‬ ‫(((‬

‫فقاطعه مالك حانقا‪:‬‬


‫‪ -‬بل تكون مذل َة الأب ِد يا عمرو‪� :‬سيقو ُل العرب عنى وعنك اإننا عجزنا عن عنترة‪ ،‬فبعنا عبلة لب�سطام حتى‬
‫ينت�سفَ لنا‪ ،‬لكن ما بالك تحدثنى عن ب�سطام وعن عنترةَ؟ هذه اأختك ل تزا ُل باكي ًة فى �سباحها وم�سائها ل‬
‫تذوق للحياة طعما‪ .‬اأهذا لأنها تكره زواج عنترة؟!‬
‫قلق وقال‪:‬‬ ‫فتحرك عمرو مر ًة اأخرى فى ِ‬
‫‪ -‬وماذا يعنيك من عبلة اإذا كانت تبكى فى �سباحها وم�سائها؟ اإنها فتاة حمقا ُء �سخيف ٌة‪ ،‬قد اأوح�س قلبها‬
‫من �ساحباتها فى عب�س‪.‬‬
‫فقال مالك فى حرارة‪:‬‬
‫وال�سخف‪ .‬اإنها زين ُة فتيات عب�س‪ ،‬ولي�س فى‬
‫ِ‬ ‫بالحمق‬
‫ِ‬ ‫أحب لها اأن تو�سفَ‬‫‪ -‬لقد عرفت ابنتى عبل َة‪ ،‬وما ا ُّ‬
‫قبائِل العرب فتا ٌة تعدلها ً‬
‫عقال‪ ،‬ول اأقو ُل ح�سنًا‪.‬‬
‫فقاطعه عمرو فى َحن ٍَق‪:‬‬
‫التطلع اإليها؟ األي�ست هى تهواه‪،‬‬
‫ِ‬ ‫األم تكن هى التى اأطمعت عنتر َة فينا؟ األم تكن هى التى جراأته على‬
‫زوجها؟‬‫يكون العب ُد ابن زبيبة َ‬ ‫وتر�سى اأن َ‬
‫أر�س بع�سا �سغيرة فى يده‪.‬‬ ‫ف�سمت مال ٌك وجعل ينكت((( ال َ‬
‫وا�ستمر عمرو يقول‪:‬‬
‫‪ -‬ولي�س اأدل على حمقها و�سخفها من اأنها ل تر�سى بب�سطام بن قي�س زوجا لها‪.‬‬
‫ف�ساح مال ٌك فى ده�سةٍ‪:‬‬
‫زواج ب�سطام؟‬
‫‪ -‬اأعر�ست عليها َ‬
‫فقال عمرو‪:‬‬
‫‪ -‬بل َذ َك َرتْه لها اأمى فى ثنايا حديثها‪ ،‬فاأعر�ست عنها‪ ،‬وبكت‪ ،‬وقامت اإلى مخدعها فاعتكفت به‪.‬‬
‫فقال مالك فى حزن‪:‬‬
‫((( يحجم‪ :‬يمتنع‬
‫((( �سنان الرمح‪ :‬حذه‬
‫((( ينكت الأر�س‪ :‬ينب�س الأر�س‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫آليت على نف�سى اأن‬ ‫زواج من ل تر�سى؟ لقد ا ُ‬ ‫‪ -‬اإنكم تعذبون الفتاة وما لكم تريدون اأن تكرهوها على ِ‬
‫اأجع َل اأم َرها لنف�سِ ها‪ .‬األ تذك ُر يوم اأن عر�ست عليها عمار َة بن زياد؟ األم تقل لى اإنها ل ترى اإل ما يرى اأبوها‬
‫تحب الزواج من عمارة؟‬ ‫واأخوها‪ ،‬واإن كانت ل ُّ‬
‫ف�ساح عمرو‪:‬‬
‫‪ -‬واإذا كانت ل تريد �سوى عنترةَ‪:‬‬
‫فتردد مالك حينًا ثم قال‪:‬‬
‫‪ -‬واأين عنتر ُة اليوم منها؟‬
‫فقال عمرو‪:‬‬
‫تزويجها اإل بمن تري ُد هى فاإنها لن تر�سى بغير عنترةَ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫‪ -‬اإنك اإذا كنت ل تري ُد‬
‫ف�سمت مال ٌك لحظ ًة ثم قال‪:‬‬
‫العرب َمن ُير�سيها‪.‬‬ ‫‪-‬اإن فى ِ‬
‫فقاطعه عمرو قائال‪:‬‬
‫أتزوجها له؟‬
‫فاإذا كانت ل تَر�سى اإل بعنترةَ‪ .‬ا ُ‬
‫فقال مالك فى ثباتٍ ‪:‬‬
‫أزوجها له‪.‬‬
‫‪-‬ا ُ‬
‫ثم و�سع وج َهه بين يديه كاأنه يواريه من معرةٍ‪.‬‬
‫ف�ساح عمرو فى َحن ٍَق‪:‬‬
‫زج دماءه بدمائنا‪ ،‬ويحم َل ن�سلُنا اأبدا الدهر عا َره‪.‬‬
‫‪ -‬اإ ًذا فلن يبقى هذا العبد لكى َي ْم َ‬
‫خارجا من الخيم ِة ذاهبا اإلى منازلِ قي�س بن م�سعود‪.‬‬ ‫واندفع ً‬
‫�سبح فى الظالم من ورا ِء الخيم ِة فت�سلل اإلى الخيم ِة التى تليها وكانت خيم ُة عبل َة‬ ‫تحرك فى تلك اللحظ ِة ٌ‬
‫طرف الخيمةِ‪ ،‬واأطل براأ�سِ ه فى داخلها‬‫فاأتى اإليها من جانبها زاح ًفا فى �سكونٍ ‪ ،‬وجعل يت�سم ُع حينا‪ ،‬ثم رفع َ‬
‫مترف ًقا حذ ًرا‪ .‬فلما اطما َّأن اإلى اأن لي�س بالخيم ِة اأح ٌد يخ�ساه هم�س قائال‪:‬‬
‫‪ -‬عبلة‪ ،‬ل تراعى((( فاأنا �سيبوب؟‬
‫فقالت عبلة فى �سيحة مكتومة‪:‬‬
‫�سيبوب‪ ،‬اأاأنت هنا؟‬‫ُ‬ ‫‪ -‬ويحك يا‬
‫تهم�س‪:‬‬
‫وقامت اإليه ُ‬
‫‪ -‬متى جئت؟ فيم �سعيت؟ وهل جئت وحدك؟‬
‫فقال �سيبوب‪:‬‬
‫قريب من‬‫‪ -‬جئت ال�ساع َة وتج�س�ست على اأخيك واأبيك وهما ي�سبان عنترةَ‪ ،‬ثم جئت لأخبرك اأن عنتر َة ٌ‬
‫هنا‪.‬وقد جاء يعتذر اإليك‪ ،‬ويطلب عفوك‪ .‬اإنه ل يكاد يذوقُ طعاما‪ ،‬ول يفتاأ يهل ُج بذكرك فى نها ِره وفى ليله‪.‬‬
‫((( ل تراعى‪ :‬ل تخافى‪.‬‬

‫‪83‬‬ ‫دار النمر للطباعه‬


‫الغرباءاحلقيقة‬
‫الطريق اإلى‬
‫(‪ )10‬حياة‬
‫(‪)3‬‬

‫فقالت عبل ُة فى نغمِة حزن‪:‬‬


‫‪ -‬اأما كفاه طردى وت�سريدى؟ اأما كفاه غربتى وتعذيبى؟ هل اأتى ليعي َد على اأذنى تقري َعه وتعنيفَه؟ ومع‬
‫ذلك كله فقد ن�سينى ولم يعد يذكرنى‪ .‬اإنه اليو َم ل ين�سد ال�سع َر اإل فى �سكوى زمانِه وفى ذ ِّم قومى‪.‬‬
‫�سيبوب‪:‬‬
‫ُ‬ ‫فقال‬
‫‪ -‬بل هو ل يفت ُر عن الإن�سا ِد با�سمك فى كل �سباح وكل م�ساء‪ .‬اإنه يجع ُل ذك َرك غذاءه الذى يتغذى به‪،‬‬
‫يعي�س اإل على ذلك يا عبلة‪.‬‬ ‫و�س َمره الذى يوؤن�سه‪ .‬اإنه ل ُ‬ ‫َ‬
‫فو�سعت عبلة را َأ�سها بين يديها‪ ،‬وجعلت تبكى وقالت فى تهاتفها‪:‬‬
‫�سيبوب؟ قل له يعد من حيث اأتى‪ .‬فاإن القو َم هنا اأعداوؤه وك ُّلهم يتمنى اأن يراه معفرا‬ ‫ُ‬ ‫‪ -‬واأين تركته يا‬
‫التراب‪.‬‬
‫ِ‬ ‫فى‬
‫�سيبوب م�سرعا‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫فقال‬
‫ا�ستطعت اأن اأر َّد ال�سي َل المتدفقَ اأو ال�سخرة‬
‫ُ‬ ‫‪ -‬لن اأ�ستطي َع ر َّده عن روؤيتِكِ يا عبل ُة‪ .‬لن اأ�ستطيع ر َّده اإل اإذا‬
‫المنحدر َة من قم ِة الجبلِ‪.‬‬
‫�سوت زقدا ٍم فهم�ست عبل َة فى ٍ‬
‫خوف‪:‬‬ ‫و�سمع عند ذلك َ‬
‫�سيبوب فاخرج‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫‪ -‬اأ�سرع يا‬
‫فلمحه‪ ،‬و�ساح‬ ‫جانب الخباءِ‪ ،‬ولكنه تعثر فلم ين ُج حتىدخ َل عمرو بن مالكٍ َ‬ ‫�سيبوب زاح ًفا من ِ‬ ‫ُ‬ ‫فاأ�سرع‬
‫باأخته فى غ�سب‪:‬‬
‫‪ -‬من يكون هنا يا عبلة؟‬
‫ف�ساحت به عبل ُة‪:‬‬
‫على‪ ،‬ويطمئن فوؤا َدك؟‬ ‫�سيبان جاء اإلى خبائى‪ .‬اأهذا َي ُ�سل حق َدك َّ‬ ‫َ‬ ‫‪ -‬اإنه اأح ُد بنى‬
‫(((‬

‫أ�سرع هاربا ترك عبلة وحدها لغ�سب ذلك الفتى المتجبر‪ ،‬فزحف راجعا حتى‬ ‫�سيبوب اأنه اإذا ا َ‬ ‫ُ‬ ‫ووجد‬
‫دخ َل الخبا َء‪ ،‬ووقف اأمام وجه عمرو وقال له‪:‬‬
‫‪ -‬لعلك تعرفُ من اأنا يا عمرو بن مالك‪ .‬لعلك ت�سرفُ غ�س َبك ا ّإلى اأنا‪ .‬فاأنا الذى جئت اإلى هنا‪ ،‬وتج�س�ست‬
‫كنت دخلت اإلى خبا ِء اأختك من تحت الأ�ستا ِر لأحد َثها‪.‬‬ ‫الهالك‪ .‬واأنا الذى ُ‬‫َ‬ ‫عليك اإذا كنت ت�ستم اأخى وتتمنى له‬
‫فا�سرف غ�س َبك ا َّإلى فاإنى اأعزلُ‪.‬‬ ‫ْ‬
‫ف�ساح به عمرو‪:‬‬
‫فجئت اإلينا لتعك َر علينا مقا َمنا فى‬
‫وجدت فى �سحب ِة اأخيك خيرا َ‬ ‫َ‬ ‫جئت اإلى هنا اأيها العب ُد؟ اأما‬ ‫‪ -‬وفيم َ‬
‫�سيبان؟‬
‫َ‬
‫�سيبوب‪:‬‬‫ُ‬ ‫فقال‬
‫يكون لك �سرفُ المقا ِم‬
‫�سيبان فاإنك اأنت الذى �سعيت اإلى التغرب هر ًبا من اأن َ‬ ‫َ‬ ‫ذكرت مقامك فى‬ ‫‪ -‬اأما وقد َ‬
‫أتهرب خو ًفا من اأن يكون �سهرك عنترة الذى يفخ ُر العرب جميعا باأن َ‬
‫يكون بينهم؟‬ ‫فى قومِك‪ ،‬ا ُ‬
‫((( ي�سل حقدك‪ :‬يخرجه من �سدرك‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫ف�ساح عمرو‬
‫البراح‬
‫ِ‬ ‫وبرزت اإليك فى‬
‫ُ‬ ‫كنت من اأندا ِد الأحرا ِر لأعطيتك �سيفا‪،‬‬
‫‪ -‬اأيها العبد‪ ،‬لتجدن هنا عقوبتك‪ .‬ولو َ‬
‫لأعاق َبك على جراأتِك‪ .‬ولكن انتظر‪.‬‬
‫ثم التفت نحو عبل َة و�ساح بها‪:‬‬
‫‪ -‬هاتى ً‬
‫حبال يا عبل َة حتى اأ�س َّد وثاقَ هذا العبدِ‪.‬‬
‫�سيبوب وقال‪:‬‬
‫ُ‬ ‫فقهقه‬
‫ل�ست فار ًغا لك اليوم يا عمرو بن مالك‪ .‬فاتظرنى اأنت حتى اأعو َد اإليك يا َ‬
‫ابن الأحرار‪� .‬سوف اأعو ُد اإليك‬ ‫‪ُ -‬‬
‫أحب اأن يطو َل انتظا ُر عنترةَ‪.‬‬‫فل�ست ا ُّ‬
‫قري ًبا ُ‬
‫خارجا من الخبا ٍء ولم تم�س لحظ ٌة حتى كان خارج المنزل يعدو فوق الرمال كالظليم(((‪.‬‬ ‫ثم انطلق ً‬

‫((( الظليم‪ :‬ذكر النعام والجمع ظلمان‪.‬‬

‫‪85‬‬ ‫دار النمر للطباعه‬


‫(‪ )10‬حياة الغرباء‬

‫اأ�صئلة الف�صل العا�صر‬


‫حياة الغرباء‬

‫‪ « 1‬وكثي ًرا ما حدث مالك نف�صه بالعودة اإلى اأر�س ال�صربة والعلم ال�صعدى فاأف�صى براأيه اإلى ولده‬
‫عمرو‪ ،‬ولكن ولده كان �صار ًما �صل ًبا فلم يتزعزع عن راأيه‪ ،‬وبقى على عزمه االأول اأنه لن يعو َد‬
‫اإلى عب�س حتى يحل العقدة التى بينه وبين عنترة»‪.‬‬
‫( اأ ( (اأف�سى ‪� -‬سار ًما( هات مرادف الكلمة الأولى فى جملة‪ ،‬وا�ستخدم كلمة �سار ًما مع العاقل مرة‪ ،‬وغير‬
‫العاقل مرة اأخرى‪.‬‬
‫(ب(لماذا كان يريد مالك العودة اإلى موطنه؟‬
‫(ج�( ما مظاهر حقد عمرو بن مالك على عنترة؟ وما �سبب ذلك؟‬
‫( د ( كان ب�سطام بن قي�س اأهال للزواج من عبلة ف�سل القول بذلك‪.‬‬
‫‪ 2‬ك�صف حوار مالك مع ابنه عن اتجاهات كل منهما‪ .‬و�صح ذلك‪.‬‬
‫‪ 3‬عَ ِّين ال�صواب فيما يلى‪:‬‬
‫✦ ✦كانت عبلة تريد الزواج من ب�سطام‪.‬‬
‫✦ ✦من عادة العرب عدم تزويج بناتهم فى الغربة‪.‬‬
‫✦ ✦ا�سترك مالك مع ابنه فى ُك ْر ِه عنترة‪.‬‬
‫✦ ✦مالك ير�سى بقتل عنترة بيد ب�سطام‪.‬‬
‫✦ ✦مالك يريد تزويج ابنته لعنترة‪.‬‬
‫‪ 4‬قالت عبلة فى حزن «اأما كفاءه طردى وت�صريدى؟ اأما كفاه غربتى وتعذيبى؟ هل اأتى ليعيد على‬
‫اأذنى تقريعه وتعنيفه؟ ومع ذلك كله فقد ن�صينى‪ ،‬ولم يعد يذكرنى‪ .‬اإنه اليوم ال ين�صد ال�صعر اإال‬
‫فى �صكوى زمانه‪ ،‬وفى ذم قومى»‪.‬‬
‫( اأ ( هل فى عطف ت�سريدى على طردى‪ ،‬وتعذيبى على غربتى قيمة؟‬
‫(ب( ت�سور العبارة حالة عبلة فى غربتها و�سح ذلك‪.‬‬
‫(ج( ما الر�سالة التى كان يحملها �سيبوب لعبلة؟‬
‫( د ( كيف انتهى لقاء عمرو مع �سيبوب؟‬
‫‪ 5‬لخ�س هذا الف�صل فى �صفحة واحدة‪.‬‬
‫‪86‬‬
‫احلقيقة‬
‫إلىالنبيل‬
‫الفار�س‬
‫الطريق ا‬
‫(‪)11‬‬‫(‪)3‬‬

‫بن قي�س قد خرج ي�سعى اإلى‬ ‫قي�س بن م�سعو ِد ليلتَها فى ا�سطراب عندما علمت باأن ب�سطا َم َ‬ ‫ق�ست حِ لة ِ‬
‫يخرج اإلى ذلك اللقاءِ‪.‬‬
‫لقا ِء عنترةَ‪ .‬فقد اأعلمه عمرو ب ُن مالك بقدوم عنترةَ‪ ،‬وزين له اأن َ‬
‫فار�س �سيبان وفتاها‪ .‬ولكن لقا َء عنترةَلم يكن كلقا ِء الفر�سان‪ .‬وقد كان اأبوه‬ ‫وكان ب�سطا ُم ب ُن قي�س َ‬
‫ليكون اأمي َر القو ِم بعده‪ ،‬وكانت اأ ُّمه التميمية تحاذ ُر عليه وتخ�سى اأن ت�سي َبه الكوارثُ ‪،‬‬
‫َ‬ ‫يحر�س على بقائه؛‬ ‫ُ‬
‫فقد كان لها فتى وحيدا ن�ساأ فى بيتها مدلال حتى كره اأبوه تدليله‪ ،‬وغ�سب عليها؛ لأنها كانت تن�سئه بين‬
‫خوف‬‫قي�س يو ًما اأن يو ِق َع بها وبه َ‬
‫الن�سا ِء والفتياتِ ‪ ،‬ل تعر�سه للم�سق ِة وت�سفق عليه من مخاط ِر الفتيانِ ‪ .‬وه َّم ٌ‬
‫ي�سب الفتى طريا �سعي ًفا وهو اأكب ُر ولده‪ .‬فلم يحمه من غ�سب اأبيه اإل اأن بعثت به اأمه اإلى اإخواتِها فى‬ ‫اأن َّ‬
‫نزال ول يترد ُد فى �سدام‪.‬‬ ‫يرهب ً‬‫فار�سا بار ًعا ل ُ‬‫أخذيخرج مع فتيانهم اإلى ال�سيد والغزو‪ ،‬حتى �سب ً‬ ‫ُ‬ ‫تميم‪ ،‬فا‬
‫�سيبان لم يلبث اأن ظه َر فيهم وتك�سفت لهم فرو�سيتُه و�ساروا يهتفون با�سمِه كلما األمت‬ ‫َ‬ ‫فلما عاد اإلى قومِه‬
‫بهم((( نازل ٌة‪.‬‬
‫الجزع َداخَ َل اأباه واأمه وع َّم ك َّل قومِه عندما ذاع بينهم زنه خرج اإلى عنترةَ‪ ،‬عازما األ يعو َد حتى‬
‫َ‬ ‫ولكن‬
‫يقه َر مناف�سه الذدى جاء ينتزع منه عبل َة‪.‬‬
‫المخيف الذى‬
‫ِ‬ ‫قي�س ب ُن م�سعود فى اأهله لح ًقا بابنه‪ ،‬لعله يدر ُكه قبل اأن ي�سطد َم بذلك الفار�س‬ ‫فخرج ُ‬
‫موت غي ُر مردودٍ‪ .‬ولم تطق اأ ُّمه البقا َء خلفهم ف�سارت معهم متلهف ًة تبكى كاأنها‬ ‫عرفوا جمي ًعا اأن ال�سطدا َم به ٌ‬
‫قد ثكلته(((‪.‬‬
‫وطلع ال�سبا ُح عليهم‪ ،‬وهم ي�سرعون فى الطريق يتعقبون اآثار ب�سطام‪ ،‬لعلهم يدركونه قبل النزالِ ‪ .‬واأراد‬
‫الخروج للقا ِء غريم ِه‬
‫َ‬ ‫يخرج معهم‪ ،‬فرده قي�س فى �سى ٍء من ِ‬
‫العنف؛ لأنه هو الذى ز َّين لبنه‬ ‫عمرو بن مالك اأن َ‬
‫قي�س فى نف�سه اإذا عا َد اإلى منازِله اأن ير َّد جوا َره عن مالكٍ واأهله حتى يخرجوا عن قومِه‬ ‫المخيف‪ ،‬وقد عزم ٌ‬ ‫ِ‬
‫�سم�س النها ِر وكانوا ل يزالون ي�سربون فى ال�سحرا ِء‬ ‫ت�ساوؤ ًما بمقامهم بين ظهرانيهم‪ ،‬وحميت ُ‬
‫أر�س ال�سخري ِة ال�سلبة‪.‬‬‫فر�س ب�سطام فوقَ ال ِ‬ ‫على غير هدى‪ ،‬فقد كان �س ُيرهم بطي ًئا وهم يتتبعون اآثا َر ِ‬
‫الطريق لعلهم يعرفون مو�س َع �سيدهم فكانوا يعودون واح ًدا بعد واح ٍد بعد اأن‬ ‫ِ‬ ‫�سعاب‬
‫وت�ستت العبيد فى ِ‬
‫جوانب الفال ِة فال يهتدون اإلى يقين‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ي ُوغلوا فى‬
‫قي�س‬‫ركب ِ‬
‫وكانت ال�سم�س تتكب ُد((( ال�سما َء عندما عاد اأح ُد العبيد م�سر ًعا يلوح بردائه فى الهواء‪ .‬فاأ�سرع ُ‬
‫اإليه ف�ساح العب ُد من بعيدٍ‪:‬‬
‫اأب�سروا ب�سالم ِة ب�سطام‪.‬‬

‫((( األمت بهم نازلة‪ :‬اأ�سابهم مكروه‪.‬‬


‫((( ثكلته‪ :‬فقدته‪.‬‬
‫((( تتكبد ال�سماء‪ :‬تتو�سطها‪.‬‬

‫‪87‬‬ ‫دار النمر للطباعه‬


‫(‪ )11‬الفار�س النبيل‬

‫قي�س ب ُن م�سعود‪:‬‬ ‫ف�ساح ُ‬


‫‪ -‬اأو قتل عنترةَ؟‬
‫ف�ساح العب ُد‪:‬‬
‫‪ -‬بل لم َيقتله عنترةُ‪.‬‬
‫ولما و�سل العب ُد اإليهم حدثهم عن �سيدِه‪ .‬فقال اإنه قد راآه م�سدودا فى وثاقِه عند عنترةَ‪ ،‬ولكنه كان‬
‫ق�س عليهم ق�سته‪.‬‬ ‫�سلي ًما لم ُي�سبه �سى ٌء فى النزالِ ‪ .‬ثم َّ‬
‫ذهب ب�سطام اإلى عنترة فى اأول ال�سباح‪ .‬فناداه ودعاه اإلى قتاله‪ ،‬وحاول عنتر ُة اأن يدف َعه عنه قائال اإنه‬
‫رمحه‪.‬‬
‫�سيبان ُمغي ًرا ول عد ًوا‪ ،‬ولكن الفتى اأ�س َّر فى عنادٍ‪ ،‬واأقبل عليه �ساه ًرا َ‬ ‫َ‬ ‫لم ياأت اإلى‬
‫الدفاع عن نف�سه حتى اأ�سابه منه جرح زراعِه‬ ‫ِ‬ ‫فلم يملك عنتر ُة اإل اأن يبر َز له‪ ،‬ولكنه طاوله واقت�سر على‬
‫ف�ساح به‪:‬‬
‫‪ -‬اأما كفاك اأن جرحت عنترة؟‬
‫ف�ساح ب�سطا ُم مباه ًيا‪:‬‬
‫جئت اأطلب راأ�سك اأيها العب ُد؛ لأعو َد به على �سنان رمحى‪.‬‬ ‫‪ -‬بل ُ‬
‫مطاول‪ ،‬فما كان يجب اأن يقت َله وعبل ُة مقيم ُة فى �سيبان‪ .‬وكا‬ ‫ً‬ ‫فملك عنتر ُة غ�س َبه وم�سى فى قتالِه مدافعا‬
‫ويطلب عفوها‪ ،‬وي�ستعي َد ر�ساها‪.‬‬ ‫َ‬ ‫�سيبان؛ ليرى عبل َة فيها‪،‬‬
‫َ‬ ‫كان يجب اأن يعو َد اأدراجه((( بغير اأن يلم باأر�س‬
‫بزج رمحِ ه دفع ًة اأطاحته عن فر�سه‪ ،‬ووقف فوق راأ�سه ب�سيفِه‬ ‫فما زال بالفتى حتى ا�ستطاع اأن يدفعه ِّ‬
‫مجر ًدا‪.‬‬
‫فنظر ب�سطا ُم نحوه �ساكنًا يتوقع منه طعن ًة تنفذ فى �سد ِره‪ ،‬اأو �سرب ًة نحو راأ�سِ ه‪ ،‬ولكن عنتر َة قال له‪:‬‬
‫�سريع‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫‪ -‬قم اأيها الفتى وا�ستاأنف قتالك اإذا �سئت فاإنى ل اأُجه ُز((( على‬
‫حر�سا على النزالِ ‪.‬‬‫نف�سه وهو خانقٌ والخج ُل يزي ُده ً‬ ‫فقام الفتى يجم ُع َ‬
‫غ�سب‪:‬‬
‫وقال له فى ٍ‬
‫‪ -‬ويلك اأيها العب ُد‪.‬‬
‫فقال عنترةُ‪:‬‬
‫‪ -‬وما الذى يحملُك على قتالى اأيها الفتى؟ اإنك تُحر�سنى على الغ�سب‪ ،‬واأنا اأكر ُه اأن اأقتلك‪.‬‬
‫فقال ب�سطا ُم‪.‬‬
‫العرب اأنك عفوت عنى؟‬ ‫َ‬ ‫أغرك اأن وجدت منى غِ ر ًة((( فتري َد بها اأن تذ َّلنى‪ ،‬وتطم َع اأن يتحدثَ‬ ‫‪-‬ا َ‬
‫فقال عنترةُ‪:‬‬
‫‪ -‬بل قم اإلى فر�سِ ك فا�ستاأنف قتالى‪.‬‬

‫((( يعود اأدراجه‪ :‬يعود من حيث جاء‪.‬‬


‫((( اأجهز على �سريع‪ :‬اأقتل من �سقط على الأر�س‪.‬‬
‫((( غرة‪ :‬غفلة‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫الجرح ثم ركب وا�ستاأنف القتال‪ ،‬ولكنه عاد‬ ‫َ‬ ‫كان جرح عنتر َة ي�سخب((( د ًما‪ ،‬ف�سق �سملته وربط بها‬
‫يداف ُع الفتى ويطاو ُله‪ ،‬حتى وجد منه فر�س ًة اأخرى‪ ،‬فدفعه بزج رمحه فطرحه عن فر�سِ ه حتى تداأداأ((( على‬
‫الرمل �سري ًعا‪ ،‬ووقف عنتر ُة مر ًة اأخرى عند راأ�سِ ه وال�سيفُ فى يمينه ً‬
‫قائال‪:‬‬
‫‪ -‬اأي�س ُّرك اأن اأح َّز را َأ�سك حتى ل اأباهى باإذللك؟‬
‫فوقف الفتى ونظر اإليه حينًا فى �سمتٍ ثم قال‪:‬‬
‫عرفت اأنك ل تري ُد قتلى فكان ذلك‬‫‪ -‬األ تخب ُرنى ما الذى يدعوك اإلى مدافعتى فى القتالِ ومطاولتى‪ .‬لقد ُ‬
‫ل�س َت ْب َ�سلْ ُت فى قتالِك وانت�سفت منك‪ .‬اإنك‬
‫رمحك فى مقاتلى ْ‬ ‫تحر�س على اأن ت�س َع َ‬ ‫ُ‬ ‫�سبب هزيمتى‪ ..‬ولو راأيتك‬ ‫َ‬
‫اأيها الرجل قد خدعتنى عن نف�سى‪.‬‬
‫فقال عنترة فى هدوء‪:‬‬
‫‪ -‬لم اأخدعك؛ لأننى لم اأحب قت َلك‪.‬‬
‫فقام ب�سطام‪:‬‬
‫خرجت ل اأريد اإل قتلك‪.‬‬
‫ُ‬ ‫‪ -‬وكيف وقد‬
‫فقال عنترة‪:‬‬
‫‪ -‬اإنما اأتيت اأقط ُع ال�سحرا َء اإلى منازلِ اأبيك يا ب�سطام‪ ،‬ل اأرجو اإل اأن اأكون �سدي ًقا‪ .‬جئت لأرى ابن َة‬
‫عمى واأطلب عفوها واأتذلل لها‪ .‬فقال ب�سطام‪:‬‬
‫بزواج مالك بن قراد؟‬
‫ِ‬ ‫الزواج ممن ل ير�سونك ِ�سه ًرا؟ اأاأنت تحبها اأم تري ُد اأن ت�سرف‬ ‫ِ‬ ‫‪ -‬وما لجاجتُك فى‬
‫فقال عنتر ُة فى هدوء‪:‬‬
‫أحب اأن اأطي َل معك الحديثَ ‪ .‬فهل تري ُد اأن ت�ستاأنفَ قتالى؟‬ ‫ول�ست ا ُّ‬
‫ُ‬ ‫‪ -‬اإنك اأيها الفتى تنط ُق بغير ل�سانِك‪.‬‬
‫فقام ب�سطا ُم منك�س ًرا‪:‬‬
‫النا�س منى‪ .‬اأتعفو عنى مرتين ثم اأقاتلُك؟‬ ‫‪ -‬ل اأري ُد اأن ي�سخر ُ‬
‫�سيبوب وقال له‪:‬‬
‫َ‬ ‫فنظر عنتر ُة اإلى اأخيه‬
‫�سيبوب اأ�سيرى‪.‬‬
‫ُ‬ ‫‪ -‬اأَوثق((( يا‬
‫و�سيبوب ي�س ُّد يديه وقدميه بالحبالِ ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ثم م�سى عنه‪،‬‬
‫قي�س بن م�سعود متجهما(((‪.‬‬ ‫�سيبوب‪ ،‬قال له ُ‬ ‫َ‬ ‫ولما اأتم العب ُد تلك الق�س َة التى �سمعها من‬
‫‪� -‬سراأمامنا حتى ن�س َل اإلى عنترةَ‪.‬‬
‫�سيبوب عند بابها جال�سا‪ .‬فهب للقا ِء القو ِم‬
‫ُ‬ ‫وما هى اإل �ساع ٌة ق�سير ٌة حتى بلغ الركب خيمة عنترة‪ ،‬وكان‬
‫قي�س ً‬
‫قائال‪:‬‬ ‫فنظر اإليه ٌ‬
‫اأاأنت عنترةُ؟‬

‫ي�سخب‪ :‬ينفجر‬ ‫(((‬


‫تداأداأ‪ :‬تدحرج‪.‬‬ ‫(((‬
‫اأوثق‪ :‬قيد‪.‬‬ ‫(((‬
‫متجهما‪ :‬غا�سبا‪.‬‬ ‫(((‬

‫‪89‬‬ ‫دار النمر للطباعه‬


‫(‪ )11‬الفار�س النبيل‬

‫ف�سحك �سيبوب وقال‪:‬‬


‫‪ -‬بل عنتر ُة اأخى‪ :‬اأاأنت قي�س بن م�سعود؟‬
‫عاب�سا‪:‬‬
‫قي�س ً‬‫فقال ٌ‬
‫‪ -‬اأنا قي�س وقد جئت لأرى ولدى‪.‬‬
‫ال�سيخ ً‬
‫قائال‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫وكان عنتر ُة قد �سمع الحديثَ فخرج اإلى القو ِم‪ ،‬ونظر اإلى‬
‫�سيبان‪.‬‬
‫َ‬ ‫مرح ًبا ب�سيخ‬
‫وانفرجت اأ�ساري ُر قي�س عندما وقعت عين ُه على عنترةَ‪.‬‬
‫واأدخله عنتر ُة اإلى خيمة ابنه‪ ،‬وقال له‪:‬‬
‫كنت اأري ُد قتاله ف�سله عنه وعنى‪ .‬ثم خرج وتركه‪،‬‬ ‫‪ -‬هذا اأ�سيرى اأيها ال�سي ُد فحله اإن �سئت بيديك‪ .‬ما ُ‬
‫و�سف ذلك القتالِ ‪ ،‬وخرج قي�س من الخيمة بعد حين وب�سطام ي�سي ُر وراءه فاأقبلت اأمه‬ ‫َ‬ ‫لكى ي�سم َع من ولده‬
‫عليه �سائحة‪:‬‬
‫‪ -‬ولدى‪.‬‬
‫وذهب قي�س نحو عنتر َة فمد اإليه يده ً‬
‫قائال‪:‬‬ ‫ثم احت�سنته وقبلته بين عينيه‪َ ،‬‬
‫‪ -‬اأتحب اأن تكون �سيفى؟‬
‫ف�سافحه عنتر ُة ً‬
‫قائال‪:‬‬
‫لقد جئت اإليك يا �سيد �سيبان لئ ًذا(((‪.‬‬
‫الغروب عندما نزل قي�س مع عنتر َة فى‬
‫ِ‬ ‫وركب الجم ُع عائ ًدا اإلى منازلِ قي�س‪ ،‬وكانت ال�سم�س تميل اإلى‬
‫لل�سيف الكري ِم‪.‬‬
‫ِ‬ ‫الف�سيح‪ ،‬واأمر باأن تع َّد وليم ٌة‬
‫ِ‬ ‫بيته‬

‫اأ�صئلة الف�صل احلادى ع�صر‬


‫الفار�س النبيل‬

‫‪« 1‬وطلع ال�صبح عليهم وهم ي�صرعون فى الطريق يتعقبون اآثار ب�صطام‪ ،‬لعلهم يدركونه قبل‬
‫النزال‪ .‬واأراد عمرو بن مالك اأن يخرج معهم‪ ،‬فرده قي�س فى �صىء من العنف؛ الأنه هو الذى زين‬
‫البنه الخروج للقاء غريمه المخيف»‪.‬‬
‫( اأ ( تخير الإجابة ال�سحيحة مما ياأتى‪:‬‬
‫✦ ✦مرادف كلمة «يتعقبون»‪( :‬يعاقبون ‪ -‬يتبعون ‪ -‬يجازون(‪.‬‬

‫((( لئذا‪ :‬لجئا‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫✦ ✦م�ساد كلمة «العنف»‪( :‬اللين ‪ -‬ال�سماحة ‪ -‬الفرح(‪.‬‬
‫✦ ✦جمع كلمة «غريم»‪( :‬غرمى ‪ -‬غرماء ‪ -‬غوارم(‪.‬‬
‫(ب(تدل العبارة على عاطفتين مختلفتين‪ :‬خوف وتقدير و�سح‪.‬‬
‫(ج�( ماذا قرر قي�س عند عودته؟ وما �سبب هذا القرار؟‬
‫( د ( البحث فى ال�سحراء محفوف بالمخاطر �سور ذلك‪.‬‬
‫مطاوال‪ ،‬فما كان يجب اأن يقتله‪ ،‬وعبلة مقيمة‬‫ً‬ ‫‪« 2‬فملك عنترة غ�صبه‪ ،‬وم�صى فى قتاله مدافعًا‬
‫فى �صيبان‪ ،‬وما كان يجب اأن يعود اأدراجه بغير اأن يلم باأر�س �صيبان؛ ليرى عبلة فيها‪ ،‬ويطلب‬
‫عفوها‪ ،‬وي�صتعيد ر�صاها»‪.‬‬
‫( اأ ( فى حديث �سريف «لي�س ال�سديد بال�سرعة‪ ،‬اإنما ال�سديد من يملك نف�سه عند الغ�سب» اأيتفق معنى هذا‬
‫الحديث مع �سلوك عنترة؟‬
‫مطاول‪ -‬يعود اأدراجه‪ -‬يلم باأر�س( هات ً‬
‫جمال ت�ستخدم فيها التعبيرات ال�سابقة من اإن�سائك‪.‬‬ ‫ً‬ ‫(ب((مداف ًعا‬
‫(ج�( ما العتبارات التى حكمت ال�سراع بين عنترة وب�سطام؟‬
‫( د ( عالم تدل نتيجة هذا ال�سراع؟‬
‫(ه�( ا�ستخرج من الفقرة ال�سابقة‪:‬‬
‫✦ ✦حال مفردة‪.‬‬
‫�سحيحا واآخر ُّ‬
‫معتال‪.‬‬ ‫ً‬ ‫✦ ✦م�سار ًعا‬
‫✦ ✦ا�س ًما مق�سو ًرا‪.‬‬
‫‪ 3‬لماذا اأعد قي�س وليمة لعنترة؟ وما وقع ذلك على مالك وابنه؟‬

‫‪91‬‬ ‫دار النمر للطباعه‬


‫(‪ )12‬املـــهـــر الــغــالـى‬

‫اأقام عنتر ُة فى بنى �سيبان مكر ًما‪ ،‬وكان قي�س بن م�سعود ين�سره ويقي ُم حجته((( على مالك بن قراد‪ .‬ولم‬
‫ي�ستطع عمرو اأن يحج َبه عن اأخته عبل َة بعد اأن خاب �سعيه فى اأن يجعل ب�سطا َم بن قي�س ً‬
‫حائال بينه وبينها‪.‬‬
‫ابن عمها‪ .‬ولكن عمرو بن‬ ‫ولم ي�ستطع مالك اأن يرد عنترة عن خطب ِة ابنته بعد اأن ملكها اأم َرها فاختارت َ‬
‫مالك كان ل يفتاأ((( غا�س ًبا حانقا‪ ،‬فاأبى اإل اأن يطلب اأبوه من عنترة مه ًرا غال ًيا‪ .‬واجتمع عنترة بعمه مالك‬
‫زواج عبل َة فقال عمرو لأبيه‪:‬‬
‫وابنه عمرو فى بيت قي�س يتحدثون فى ِ‬
‫العرب عنك اأنك خ�سعت لعنترة عجزًا وذل‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫غريب و�سوف يتحدثُ‬ ‫�سيبان ٌ‬‫َ‬ ‫‪ -‬اإنك هنا فى‬
‫فقال عنترة‪:‬‬
‫أحب لو قلت لك يا ابن عمى‪.‬‬ ‫‪ -‬كنت ا ُّ‬
‫ف�ساح مالك‪.‬‬
‫قلها‪ ،‬ول تخ�سى يا عنترةُ‪ ،‬فاأنت اب ُن �سداد‪.‬‬
‫فقال عمرو‪:‬‬
‫‪ -‬وما يمنعك من ذلك وقد اأبيح لك كل ما كان عليك حرا ًما‪.‬‬
‫فقال عنترةُ‪:‬‬
‫وودت لو‬
‫أحب اليوم اأن اأغ�س َبك ُ‬‫أغ�سب كلما �سمعتُك تقو ُل مثل هذا ولكن يا عمرو ل ا ُّ‬ ‫كنت يو ًما ا ُ‬‫‪ -‬لقد ُ‬
‫ر�سيت باأن اأناديك «يا ابن عمى» لكى اأ�ست َّل منك هذا الحقد الذى يمالأ قلبك‪ .‬اإن قلبى ل يحم ُل لك اإل ما يحمل‬ ‫َ‬
‫لآل قراد‪.‬‬
‫فاأدار الفتى وجهه فى غيظٍ وقال‪:‬‬
‫‪ -‬واذ ّل اآلِ قراد!‬
‫ف�ساح به اأبوه‪:‬‬
‫َ‬
‫‪ -‬اأما اأنك منذ اليوم تجبهنى((( فى مجل�سى‪.‬‬
‫ثم اتجه اإلى عنتر َة ً‬
‫قائال‪:‬‬
‫‪ -‬ل عليك يا عنتر ُة من هذا‪ .‬فاإنه ما زال يجرعنى من حمقه ما يجرعنى‪.‬‬
‫فقال عنترةُ‪:‬‬
‫العرب �سوف تتحدثُ باأنك قد ر�سيت بى‬‫أحب اأيها الع ُّم اأن يت�سد َد عمرو فى خطابى‪ .‬اإنه يزع ُم اأن َ‬ ‫‪ -‬بل ا ُّ‬
‫يغلى لك المه َر كما اأغاله لك ال�ساد ُة واأنت فى عب�س‪ .‬اإنه قد �سدق‪.‬‬
‫مكرها‪ .‬وهو يزع ُم اأن عنتر َة يعجز عن اأن َ‬
‫يكون مه ُر عبل َة اأغلى المهو ِر‪.‬‬
‫ولن ير�سى اإل اأن َ‬

‫((( يقيم حجته‪ :‬يقف فى �سفه وين�سره‪.‬‬


‫((( ل يفتاأ‪ :‬ل يزال‪.‬‬
‫((( تجبهنى‪ :‬تجبه تقابل �سخ�سا بما يكره‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫ثم اتجه اإلى عمرو وقال فى هدوء‪:‬‬
‫‪ -‬قل واحتكم يا عمرو فاإنى عند ما تري ُد‪.‬‬
‫قال قي�س بن م�سعود‪:‬‬
‫‪ -‬لقد اأن�سفك عنتر ُة يا عمرو بن مالك‪.‬‬
‫فنظر عمرو اإلى ال�سيخ وقال فى تحد‪:‬‬
‫‪ -‬لقد بذل عمار ُة األ ًفا من النوق الع�سافي ِر مه ًرا لعبلة‪.‬‬
‫ف�ساح ال�سي ُخ فى ده�سةٍ‪:‬‬
‫وهل يمل ُك عمار ُة النوقَ الع�سافي َر؟‬
‫فقال عمرو‪:‬‬
‫يهب ك َّل اأمواله لي�ستريها‪.‬‬ ‫�سى باأن َ‬ ‫‪ -‬لقد َر َ‬
‫فقال قي�س‪:‬‬
‫كذب من ادعى اأنه‬ ‫النعمان‪ .‬وقد َ‬
‫ُ‬ ‫النعمان؟ لي�س فى العرب من يمل ُك منها األفَ ناقة اإل المل ُك‬ ‫ُ‬ ‫اأيبيعها المل ُك‬
‫ألف منها‪.‬‬ ‫ي�ستطي ُع اأن يمه َر فتا ًة با ٍ‬
‫فقال عنترةُ‪:‬‬
‫‪ -‬اأما وقد نطق عمرو بهذا فلن اأر�سى بغيره مه ًرا‪� .‬سوف اأمه ُر عبل َة األ ًفا من النوقٍ الع�سافير‪.‬‬
‫قي�س ب ُن م�سعو ٍد فى ده�س ٍة وقال‪:‬‬ ‫فالتفت اإليه ال�سيخ ُ‬
‫تطلب يا عنترة المحال‪.‬‬ ‫‪ -‬اإنك ُ‬
‫وكان مالك مطر ًقا فى اأثناء هذا الحديثِ فاتجه اإليه قي�س وقال له‪:‬‬
‫‪ -‬كاأنى بابنِك يحتك ُم بما ل يطي ُق‪.‬‬
‫فقال مالك‪:‬‬
‫‪ -‬ولكن عنتر َة قبلها‪ .‬ولن اأر�سى يا اأبا ب�سطام اأن تتحدث القبائل بعجزى‪.‬‬
‫فقام عنتر ُة اإلى قي�س فم َّد له ي َده قائال‪:‬‬
‫طلب عبل َة اإل اإذا‬
‫لك �سكرى اأيها ال�سي ُخ على ف�سلِك واإكرامِك‪ ،‬ولن اأعاو َد عمى فى حكمه‪ ،‬ولن اأعود اإلى ِ‬
‫�سيبان بعد ذلك‪ ،‬انطلق من ليلته مع اأخيه‬ ‫َ‬ ‫يطلب من المه ِر فى يدى‪ .‬ولم ير�س عنتر ُة اأن يبقى فى‬ ‫كان ما ُ‬
‫�سيبان ع ّر َج((( على بيت‬
‫َ‬ ‫يف�س َل((( من منازل‬ ‫بالنوق الع�سافير‪ .‬ولكنه قبل اأن ِ‬ ‫ِ‬ ‫أتى‬
‫العراق ليا َ‬
‫ِ‬ ‫أر�س‬
‫يق�سدان ا َ‬
‫ليودع عبلة‪ .‬ولما اأراد ال�سي َر فى رحلتِه قالت له عبل ُة هام�س ًة‪.‬‬ ‫مالك َ‬
‫‪� -‬سوف اأنتظ ُرك حتى تعو َد واإن طالت غيبتك‪.‬‬
‫فقال لها عنترةُ‪:‬‬
‫و�سوف اأحفظ كلمتَك هذه فى �سويدا ِء قلبى‪ ،‬فتكون المخاطر اأ�سهى الأمور اإلى نف�سى‪.‬‬
‫((( يف�سل من‪ :‬يبتعد عن‪.‬‬
‫((( عرج على‪ :‬مال‪.‬‬

‫‪93‬‬ ‫دار النمر للطباعه‬


‫احلقيقة‬
‫املـــهـــرإلىالــغــالـى‬
‫(‪)12‬الطريق ا‬‫(‪)3‬‬
‫فنظرت اإليه بعينين دامعتين ومدت ي َدها اإليه ب�سر ٍة �سغير ٍة فاأخذها عنتر ُة فى لهفة فاإذا هى تميم ٌة كانت‬
‫منذ ال�سبا فى قالدتها‪ .‬فو�سعها عنترة عند �سفتيه ثم قال‪:‬‬
‫‪ -‬لن ي�سيبنى �س ٌّر ما دامت هذه معى‪.‬‬
‫يتلفت بين حين واآخر اإلى ورائه ناظ ًرا اإليها وهى واقف ٌة عند ِ‬
‫باب‬ ‫وانطلق اإلى راحلتِه فركبها‪ ،‬وكان ُ‬
‫الخبا ِء حتى غابت عنه المنازلُ‪ ،‬فو�سع التميم َة على �سفتيه مرة اأخرى‪ ،‬ثم �سدها على ذراعِه اليمنى‪ ،‬وقال‬
‫ل�سيبوب‪:‬‬
‫َ‬
‫ابن اأمى‪ ،‬فوحق منا َة لن ي�سيبنى �س ٌّر ما دامت هذه التميم ُة فوق يمينى‪.‬‬ ‫‪ -‬انطلق يا َ‬

‫اأ�صئلة الف�صل الثانى ع�صر‬


‫املهر الغالى‬

‫‪« 1‬اأقام عنترة فى بنى �صيبان مكر ًما‪ ،‬وكان قي�س بن م�صعود ين�صره‪ ،‬ويقيم حجته على مالك بن‬
‫قراد‪ ،‬ولم ي�صتطع عمرو اأن يحجبه عن اأخته عبلة بعد اأن خاب �صعيه فى اأن يجعل ب�صطام بن‬
‫قي�س ً‬
‫حائال بينه وبينها»‪.‬‬
‫( اأ ( تخير الإجابة ال�سحيحة مما ياأتى واكتبها‪:‬‬
‫✦ ✦معنى «يقيم حجته»‪( :‬ين�سره ‪ -‬ي�ستقر معه ‪ -‬يحج معه(‪.‬‬
‫✦ ✦م�ساد «يحجب»‪( :‬يعلن ‪ -‬يظهر ‪ -‬ين�سر(‪.‬‬
‫✦ ✦جمع كلمة «مكرما»‪( :‬مكارم ‪ -‬مكرمات ‪ -‬مكرمون(‪.‬‬
‫(ب(موقف عنترةمن ب�سطام له اآثار مختلفة على‪:‬‬
‫✦ ✦قي�س بن م�سعود‪.‬‬
‫✦ ✦مالك بن قراد‪.‬‬
‫✦ ✦عبلة ابنة مالك‪ .‬و�سح هذه الآثار‪.‬‬
‫(ج�( بم ت�سف موقف عمرو بن مالك من عنترة؟ وكيف ا�ستطاع عنترة اأن يك�سب المعركة اأمام عمرو؟‬
‫( د ( حول الم�سادر الموؤولة فى العبارة ال�سابقة اإلى م�سادر �سريحة واأعد كتابة الفقرة‪.‬‬
‫‪« 2‬فقال قي�س‪ :‬اأيبيعها الملك النعمان؟ لي�س فى العرب من يملك منها األف ناقة اإال الملك النعمان‪،‬‬
‫وقد كذب من ادعى اأنه ي�صتطيع اأن يمهر فتاة باألف منها»‪.‬‬
‫( اأ ( الغر�س من ال�ستفهام‪ :‬النفى ‪ -‬التعجب ‪ -‬التعظيم‪.‬‬
‫تخير اأدق اإجابة مما �سبق واكتبها‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫✦ ✦اأفى العبارة ك�سف لكذب عمارة اأم لكذب عمرو؟ و�سح‪.‬‬
‫(ب(لو اأن الموقف حدث فى ع�سرنا الحا�سر فماذا كان يطلب عمرو مه ًرا لأخته؟‬
‫(ج�( قبول عنترة لهذا المهر اأهو جنون اأم ثقة زائدة بالنف�س‪.‬‬
‫( د ( ماذا اأهدت عبلة عنترة عند وداعه؟‬

‫‪95‬‬ ‫دار النمر للطباعه‬


‫احلقيقة‬
‫املخاطر‬
‫رحلةإلى‬
‫الطريق ا‬
‫(‪)13()3‬‬

‫النوق الع�سافير التى كانت عند الملِك‬ ‫يطلب المه َر الذى طلبه اأبو عبل َة من ِ‬ ‫العراق ُ‬
‫ِ‬ ‫خرج عنتر ُة اإلى‬
‫النعمانِ ‪ .‬ولم تكن فى قبائ ِل العرب قبيل ٌة تمل ُكها فقد كانت هذه النوق بي�سا َء مثل وعولِ الجبال‪ ،‬خفيفة كاأنها‬
‫الغزلن‪ ،‬طيب َة الألبانِ كالبقرِ‪ ،‬حلوة المنظ ِر كالمها((( ‪ ،‬طيب َة اللح ِم كاأنها الحمالن‪.‬‬
‫العراق‪ ،‬و�سور ُة عبل َة ماثل ٌة اأمام عينيه عند كل ثني ٍة وعند كل‬‫ِ‬ ‫ي�سرب فى ال�سحارى نحو‬ ‫ُ‬ ‫و�سار عنتر ُة‬
‫َمرقَب؛ وما كان اأحب اإليه من تلك المخاطرة الجريئة التى اعتزم اأن يخاط َر بها‪ .‬كان كلما فكر فى المخاطر‬
‫يتعر�س لها فى �سبيل الح�سولِ على مهر عبلة اأح�س �سعاد ًة كبرى؛ لأنه كان ي�سع ُر اأنه يقتح ُم مج ًدا‬ ‫ُ‬ ‫التى‬
‫جدي ًدا ي�سمو به اإلى الحبيبة التى كان ل يرى فى الحيا ِة �سي ًئا ي�ستحقُّ اأن يحر�س عليه اإل حبها‪ .‬وكان فى‬
‫�سيبان‬
‫َ‬ ‫اأثناء �سيره فى ال�سحارى الجاهمة يرد ُد كلماتِ عبل َة التى قالتها وهى تودع ُه اأمام بيت اأبيها فى بنى‬
‫يلم�س بكفه الي�سرى مو�س َع‬ ‫أنتظرك حتى تعو َد واإن طالت غيبتُك» وكان بين اآن واآنِ ُ‬ ‫اإذ قالت له‪�« :‬سوف ا ُ‬
‫روحا ي�سرى فيه فيهزُّه ويملوؤه قوةً‪.‬‬‫التميم ِة التى �سدها على ذراعِه في�سع ُر كاأن ً‬
‫أثمن الكنوزِ‪ ،‬كما يدخ ُر‬ ‫وكان يعي ُد كلماتها التى �سمعها منها وهى ل تزا ُل م�سطورة على قلبه‪ ،‬ويدخ ُرها كا ِ‬
‫ليطفئ بها‬
‫َ‬ ‫المقطوع فى ال�سحرا ِء بقي ًة من الما ِء وجدها فى ال ِ‬
‫أحوا�س البراق ِة المل�سا ِء فى بطونِ الجبالِ‬ ‫ُ‬
‫�سائح‬
‫يثب على فر�سِ ه الأبجرِ‪ ،‬فكاأنه ٌ‬ ‫حرو َر الهجير(((‪ .‬وكان يتمثل �سورتَها ونظراتِها العاطف َة نحوه‪ ،‬وهو ُ‬
‫�سل ال�سبي َل فى مهمه((( قفر فى ليل ٍة ظلما َء فطلع عليه القم ُر يهدى �سبيله‪ .‬كانت �سور ُة ب�سماتها ونظراتِها‬
‫وتق�س ُر عليه م�سافة ال�سفر الطويلِ‪ .‬كان‬ ‫تتردد فى قلبه كاأنها الأغانى تحدو له �سي َره فى الطريق الوعر‪ِّ ،‬‬
‫الجوع ويجعلها �سحره اإذا �سرب الخم َر‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫(((‬
‫نف�سه اإذا جه َده الح ُّر‪ ،‬ويغذى بها روحه اإذا اأم�سه‬ ‫يق ِّوى بها َ‬
‫وحديثه اإذا جل�س اإليها اأخوه و�ساحبه �سيبوب‪.‬‬
‫يطلب مطل ًبا ع�سيرا‪ ،‬اإذ اأقدم على مراعى النعمان واأراد اأن ي�ستاقَ ((( منها ما‬ ‫ولكنه ذهب اإلى العراق ُ‬
‫أح�س الرعيان به حتى اأر�سلوا النذر اإلى الملِك العظيم فى الحيرةِ‪.‬‬ ‫�ساء من الإبل الع�سافير‪ .‬فما هو اإل اأن ا َّ‬
‫وبالنوق‬
‫ِ‬ ‫وا�ستاق عنترة الإب َل‪ ،‬م�سر ًعا نحو ال�سحراءِ‪ ،‬ولكن الملك اأدركه فى كتيبة من الفر�سان واأحاطوا به‬
‫التى ا�ستاقها‪ .‬وكانت معركة هائلة بين فار�س م�ستيئ�س وجي�س لجب((( من ال�سجعان‪ ،‬فلم ي�ستطع اإل اأن‬
‫وال�سيف تحطم فوق‬ ‫َ‬ ‫الرمح انق�سف‪،‬‬
‫َ‬ ‫يقاتل ما بقى ال�سيفُ فى يده‪ ،‬وما ا�ستقام الرم ُح فى قب�سته‪ ،‬ولكن‬
‫الدروع ال�سابغةِ‪ ،‬واأثخنته((( الجراح فَخَ ّر �سريعا‪ ،‬وح ُمِل اإلى الحير ِة بين الموتِ والحياةِ‪.‬‬‫ِ‬
‫يخل�س اإليه‬
‫َ‬ ‫�سيبوب يقاتل و�سط الحلقة المائج ِة المخيف ِة فلم يقدر على اأن ين�س َره‪ .‬وعجز عن اأن‬ ‫ُ‬ ‫وراآه‬
‫المها‪ :‬البقر الوح�سى‪.‬‬ ‫(((‬
‫حرور الهجير‪� :‬سدة الحر‪.‬‬ ‫(((‬
‫مهمة‪� :‬سحراء‪.‬‬ ‫(((‬
‫اأم�سه‪ :‬اآلمه‪.‬‬ ‫(((‬
‫ي�ستاق‪ :‬ي�سوق‪.‬‬ ‫(((‬
‫لجب‪ :‬كبير‪.‬‬ ‫(((‬
‫اأثخنته الجراح‪ :‬اأ�سعفته‪.‬‬ ‫(((‬

‫‪96‬‬
‫والرماح تتعانقُ فى معرك ٍة مروعةٍ‪ ،‬فلم يجد خي ًرا له من‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ال�سيوف تلم ُع‬ ‫الموت يحو ُل بينهما‪ .‬وراأى‬ ‫ُ‬ ‫اإذ كان‬
‫يرقب القتا َل من بعي ٍد ثم راأى عنترة يخ ُّر عن جواده �سري ًعا‪ ،‬فزحف متوار ًيا بين‬ ‫يند�س بين ال�سخو ِر ُ‬ ‫اأن َّ‬
‫للرياح عائ ًدا‬
‫ِ‬ ‫الحجارة حتى َب ُع َد عن ميدان المعركةِ‪ ،‬ثم جعل التالل بينه وبين مجالِ الموتِ واأطلق �ساقيه‬
‫اإلى الحجاز‪.‬‬
‫وجراح قل ِبه‬
‫ِ‬ ‫جراح ج�سمِه‬ ‫يتوجع من ِ‬ ‫األقى عنتر ُة فى �سجن النعمان فاأقام فيه ليالى ما كان اأطو َلها فكان ِّ‬
‫اأ�س ُّد األ ّما‪ ،‬وكان اأ�س َّد ما اأ�سابه اأنه خاب فى اأن يحو َز مهر عبل َة‪ ،‬واأنه قد حيل اإلى الأبد بينه وبينها‪ .‬وكان‬
‫�سعاع �سئي ٌل من النور يدخ ُل اإليه فى �سجنه مترد ًدا من فرجات �سيقة بين ق�سبان الحديد‪ ،‬فكان �سد ُره‬ ‫ٌ‬
‫الرطب الذى يمالأ قلبه يا ًأ�سا‪ .‬وكان ينظ ُر اإلى النجوم اإذا‬ ‫ِ‬ ‫ي�سيقُ‪ ،‬ويهم باأن يحطم راأ�سه فى الجدا ِر الم�سمت‬
‫طلعت فيناجيها‪ .‬ويرى �سور َة عبلة فى نورها‪ ،‬وي�ستعي ُد نظرا ِت َها وب�سماتِها فى لألئها‪ ،‬وي�سم ُع فى نجواها‬
‫اأ�سدا َء �سوتِ عبل َة العذب‪ ،‬وير�س ُل على �سعاعِها تحياتِ بائ�س لعلها ت�س ُل اإليها‪ ،‬ولكنه كان كلما راأى تميم َة‬
‫عبل َة فوق ذراعِه عاد الأم ُل اإليه فمالأ قل َبه قوة‪.‬‬
‫جروحه‪،‬‬
‫ُ‬ ‫النعمان يطل ُبه للمثول((( بين يديه‪ ،‬بعد اأن التاأمت‬ ‫ُ‬ ‫وم�ست عليه تلك الأيا ُم الطوال ثم اأر�سل اإليه‬
‫ال�سوق اإلى روؤ ِية ذلك الرج ِل الذى جاء اإليه وحده غاز ًيا‬ ‫ِ‬ ‫وا�ستطاع اأن ي�سير على قدميه‪ .‬وكان النعمان �سدي َد‬
‫يطلب المحا َل‪ ،‬ويجروؤ على ا�ستباح ِة حِ ماه‪ .‬فقد كانت تلك اأول مرة‬ ‫وحمله النح�س‪ ،‬اأو دفعه الغرور اإلى اأن َ‬
‫يطلب مطل ًبا وع ًرا(((‪.‬‬
‫العرب على غارة مثلها وهو وحده‪ ،‬ويعلم اأنه ُ‬ ‫اأقدم رجل من ِ‬
‫تغلب وبكر يجل�سون حول الإيوان(((‪ ،‬والملك جال�س‬ ‫واأُدخل عليه عنتر ُة مقي ًدا فى �سال�سلِه‪ ،‬وكان �سيو ُخ َ‬
‫ال�سجن‬
‫ِ‬ ‫فوق عر�سه‪ .‬وارتفعت العيون نحو عنتر َة وهو داخل يحجل فى القيود‪ ،‬ولونه حائل((( من اأثر‬
‫يم�سك نف�سه حتى ي�سم َع قول الأ�سير قب َل‬ ‫َ‬ ‫الغ�سب باد ًيا على وجه القو ِم‪ ،‬والمل ُك يحاول اأن‬ ‫ُ‬ ‫والهمو ِم‪ ،‬وكان‬
‫�سامت ثم قال له‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫اأن يوق َع به العقاب‪ ،‬فتاأمله �ساعة ق�سيرة وهو‬
‫البائ�س؟‬
‫ُ‬ ‫‪ -‬من اأنت اأيها‬
‫فقتال عنتر ُة هاد ًئا‪:‬‬
‫‪ -‬اأنا اأ�سيرك وترانى اأمام عينيك‪.‬‬
‫غ�سب مكبوح‪:‬‬ ‫ف�سرت همهم ٌة فى الجلو�س‪ ،‬وقال الملك فى ٍ‬
‫‪ -‬اأ�ساألك عن نف�سك اأيها الرج ُل‪ .‬اأ�ساأ ُلك عن قومِك اإن كان لك قو ٌم‪ .‬وما اأح�س ُبك اإل عب ًدا اآب ًقا(((‪.‬‬
‫فقتا عنتر ُة راف ًعا را َأ�سه‪:‬‬
‫‪ -‬اإنما العب ُد غيرى‪.‬‬

‫المثول‪ :‬الوقوف‪.‬‬ ‫(((‬


‫وعرا‪� :‬سعبا‪.‬‬ ‫(((‬
‫الإيوان‪ :‬مجل�س العر�س‪.‬‬ ‫(((‬
‫حائل‪ :‬متغير‪.‬‬ ‫(((‬
‫اآبق‪ :‬خارج من الطاعة‪.‬‬ ‫(((‬

‫‪97‬‬ ‫دار النمر للطباعه‬


‫(‪ )13‬رحلة املخاطر‬

‫فقال المل ُك متعج ًبا‪:‬‬


‫‪ -‬اأما تعرفُ ما فعلت؟‬
‫فقال عنترةُ‪:‬‬
‫يتخبط فى الجنون؟‬‫ُ‬ ‫‪ -‬وهل ترى ً‬
‫رجال‬
‫فقال الملكُ‪:‬‬
‫‪ -‬اإنك امروؤ بين الجنونِ والحماقة‪.‬‬
‫فقال عنترةُ‪:‬‬
‫جئت اإلى حمى النعمان لأ�ستاقَ األ ًفا من نوقِه الع�سافير‪.‬‬ ‫‪ -‬اأت�سم ُع منى هذ ًرا؟ ُ‬
‫فقال الملك حان ًقا‪:‬‬
‫تح�سب‬
‫ُ‬ ‫الحمق والجنونِ اإنك واح ٌد تاأتى من اأق�سى الأر�س لكى ت�سوقَ اإبلى‪ .‬اأكنت‬ ‫ِ‬ ‫أعجب من‬‫‪ -‬بل اأرى ا َ‬
‫اأنك تنجو �سال ًما؟ اأكنت تح�سب اأن لن ير َّد كي َدك اأحد؟ لأقطعن اأع�ساءك‪ ،‬ولأقذفن بك اإلى حيث ينبغى لمثلِك‬
‫اأن ُيلقى‪.‬‬
‫فقال عنتر ُة مباد ًرا‪:‬‬
‫قول بمثله‪ .‬كيف اأخ�سى وعي َدك واأنا فى يدِك؟‬ ‫‪ -‬كفكف اأيها المل ُك غ�س َبك‪ ،‬فل�ست تاأم ُن مثلى اأن ير َّد عليك ً‬
‫رجال تراه ير�سفُ فى الأغاللِ بين يديك؟ اإنه ليحقُّ لى اأن ا َ‬
‫أعجب منك اأيها الملك اإذ ترانى فى‬ ‫بل كيف تهد ُد ً‬
‫قول بمثله لكان مجال القول مت�س ًعا‪ ،‬فكا كان ينبغى لمثلك‬ ‫�سئت اأن اأرد عليك ً‬ ‫اأيدى حر�سك ثم تهد ُدنى‪ .‬ولو ُ‬
‫بتقطيع اأو�سالى والمثلة((( بج�سمى‪،‬‬
‫ِ‬ ‫أتى بى اإلى مجل�سِ ك‪ ،‬وتجم َع هوؤلء ال�سيوخَ حولك؟ لكى تهددنى‬ ‫اأن تا َ‬
‫يائ�س من الحياةِ؟‬ ‫الخطاب‪ ،‬واأنا ٌ‬
‫ِ‬ ‫أركب معك اأوع َر الرع ِر فى‬
‫فهل يمن ُعنى مانع اأن ا َ‬
‫فاربد((( وج ُه الملِك وقال‪:‬‬
‫ل�س جرى ٌء‪.‬‬ ‫‪ٌّ -‬‬
‫فقال عنتر ُة مندف ًعا‪:‬‬
‫يطلب عندك الغنيم َة‪.‬‬
‫بل مغي ٌر اأتى ُ‬
‫النعمان‪:‬‬
‫ُ‬ ‫فقال‬
‫‪ -‬األك ثاأ ٌر عندى؟‬
‫فقال عنترة‪:‬‬
‫يطلب الأ�س ُد �سي ًدا؟‬
‫‪ -‬بل جئت اإليك كما قلت اأطلب نوقَك الع�سافي َر كما ُ‬
‫فقال الملك �ساخ ًرا‪:‬‬
‫ل�س اأحمق‪.‬‬‫‪ -‬اإنه لزه ٌو اأجوف‪ .‬قل اإنك جئت كما يجئ ٌّ‬

‫((( المثلة‪ :‬ت�سويه الج�سد‪.‬‬


‫((( اأربد وجه الملك‪ :‬تغير‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫ف�ساح عنترة‪:‬‬
‫بع�س فى الغزواتِ ‪ .‬فما اأنا اأيها المل ُك وما اأنت‪ ،‬وما‬ ‫بع�سهم اإب َل ٍ‬ ‫‪ -‬بل اأنا اأح ُد هوؤلء العرب الذين يطلب ُ‬
‫عرب يترددون بين الأودي ِة فى نجد وتهامة وه�ساب الدهناء واليمامة‪ ،‬وكلهم‬ ‫هوؤلء ال�سيوخ جمي ًعا �سوى ٍ‬
‫ل�سو�سا‪ .‬األي�س هذا‬
‫ً‬ ‫ل�سا‪ ،‬واإذا لم يكن هوؤلء جمي ًعا‬ ‫بالل�س اأيها المل ُك اإذا لم تكن اأنت ًّ‬ ‫ي�سلب ويغزو‪ .‬ل�ست ِّ‬ ‫ُ‬
‫ر َّد قولك؟‬
‫ف�سرت غمغم ٌة عالي ٌة من حول الإيوان وقال الملك فى غ�سب‪:‬‬
‫على عينًا اأم ا�ستاأجرك‬‫ل�سا فما �ساأنُك؟ اأبعثك اأح ٌد َّ‬ ‫‪ -‬اأق�سر عن البذاء ِة ل اأ َّم لك‪ .‬وحدثنى اإذا لم تكن ًّ‬
‫على فيغ�س ذلك من قد ِرى؟ قل وا�سدقنى‪ ،‬ولك منى حياتُك اإذ �سدقتنى‪.‬‬ ‫النا�س بجراأتِك َّ‬ ‫بع�س اأعدائى ليتحدث ُ‬ ‫ُ‬
‫فقال عنتر ُة �ساخ ًرا‪:‬‬
‫جئت اإليك لأ�ستاق اإبلك لنف�سى‪ .‬وما كنت لأتجراأ‬ ‫حري�س على حياتى‪ .‬اإنما ُ‬ ‫ٌ‬ ‫‪ -‬لم اأقدم على حماك‪ ،‬واأنا‬
‫جا�سو�سا‪.‬‬
‫ً‬ ‫عليك من اأج ِل اأح ٍد ي�سخ ُرنى‪ ،‬وما كان مثلى َّ‬
‫ليدب اإليك‬
‫النعمان �ساخ ًرا‪:‬‬
‫ُ‬ ‫فقال‬
‫‪ -‬مثلك؟ ومن تكون اإذا لم تكن اأح َد هوؤلء ال�سعاليك الذين لفظتهم القبائل لتبراأ من جرائرِهم((( ‪ ،‬فلم‬
‫�سبيال لك اإل اقتحا َم المهالِك‪ ،‬واإن فى وجهك الأ�سو ِد لدلل ًة على �سح ِة راأيى‪ .‬من اأنت اأيها الأ�سود اإذا‬ ‫تجد ً‬
‫لم تكن عب ًدا اآبقا؟‬
‫فقال عنتر ُة فى َحن ٍَق‪:‬‬
‫‪ -‬اأما وقد ذكرت �سوادى فاعلم اأيها الملك ما يملوؤك فز ًعا‪ .‬ثم ت�ساءل فى نف�سك‪ ،‬ومر هوؤلء ال�سيوخَ‬
‫أعين تقد ُح ال�سر َر اأن يت�ساءلوا فى اأنف�سهم اأنا عنترة اب ُن �سدادٍ‪.‬‬ ‫الذين ينظرون ا َّإلى با ِ‬
‫النعمان فى �سيحةٍ‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ف�سرت �سج ٌة فى الجمع‪ ،‬وقال‬
‫عنترةُ؟!‬
‫�سمعت عنه‪،‬‬
‫َ‬ ‫فقال عنترةُ‪ :‬اأنا عنترة بن �سداد فا�سكر منا َة على اأنك ا�ستعطت اأن تاأ�س َرنى‪ ،‬اأنا عنتر ُة الذى‬
‫أق�س عليك حديثى‪.‬‬ ‫�سمعت الكثير من خبرى فال حاج َة بى اإلى اأن ا َّ‬ ‫َ‬ ‫وعرفت من هو‪ .‬اإنك‬ ‫َ‬
‫النعمان اإلى ظهر كر�سيه‪ ،‬وقال با�س ًما فى �سخريةٍ‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫فما‬
‫تفزع ال�سعفا َء‪ ،‬وتقط ُع ال�سبيل‪،‬‬ ‫كنت ُ‬ ‫لو �سدقت اأيها الفتى‪ ،‬ل�سرنى اأن اأراك فى القيو ِد اأمامى اإنك َ‬
‫أراك مقي ًدا اأمامى‪ ،‬فقد دفعك الغرو ُر اإلى اأن‬ ‫ت�سج من اعتدائِك‪ .‬نعم لو �سدقت ل�سرنى اأن ا َ‬ ‫وكانت القبائ ُل ُّ‬
‫�سعيت اإلى هنا لتلقى َ‬
‫عقابك‪.‬‬ ‫َ‬ ‫هممت با�ستباح ِة حماى وانتهاك حرمتى‪ ،‬وحق منا َة لو كنت عنترة لقد‬
‫فقال عنتر ُة �ساح ًكا‪:‬‬
‫على من ع� ٍر اإذا اأح�ط بى الألوفُ من جي�شك ف�أثخنونى‬ ‫‪ -‬وهل على امرئ من ع� ٍر اإذا اأُخِ َذ اأ�شي ًرا؟ هل َّ‬
‫وطاعنت حتى‬
‫ُ‬ ‫القتراب منى؟ لقد َجد ْلت من اأبطالك من َجد ْلت و�سردت من �سردت‪،‬‬ ‫َ‬ ‫بالجراح حتى ا�ستطاعوا‬
‫فر�س‪.‬‬
‫نان ول تحتى ُ‬ ‫لم يبق فى يدى �سِ ُ‬
‫((( جرائرهم‪� :‬سرورهم‪.‬‬

‫‪99‬‬ ‫دار النمر للطباعه‬


‫(‪ )13‬رحلة املخاطر‬

‫النعمان فى خَ ن ٍَق‪:‬‬
‫ُ‬ ‫فقال‬
‫اإنك تمالأ فمك باأقوالٍ تزع ُم اأنك اأه ُل لها‪ .‬اأنت تزع ُم اأنك عنترةُ‪ ،‬فمن لى اأن اأ�سدقَك؟ وما اأحراك اأن تقو َل‬
‫هذا كذب ًا لأجع َل لك قد ًرا‪.‬‬
‫فقال عنترة �ساح ًكا‪:‬‬
‫‪ -‬وهذه اأخرى منك اأيها الملك ما كان ينبغى لك اأن تق َع فى مثلها‪ .‬فما الذى يحملُنى على ِ‬
‫الكذب؛ باأن‬
‫كنت‬
‫كنت اأطم ُع فى عفوك لو ُ‬ ‫اأنتح َل ا�س َم عنتر َة واأنا اأعرفُ اأن هذا ال�س َم ل يحم ُل اإل عداوتَك وكراهتَك؟ لقد ُ‬
‫أيت من بالئى فى حر ِبك‪ .‬لقد كان ذلك‬ ‫العرب فقد كنت جدير ًا اأن تعف َو عنى اإعجابا بما را َ‬ ‫ِ‬ ‫بع�س �سعاليك‬
‫يهب �سيفَه اإل لعب�س ول‬ ‫يطم ُعنى فى عفوك لعلك تتخذنى �سائ َر الحيا ِة من اأعوانِك‪ .‬ولكنك تعل ُم اأن عنترة ل ُ‬
‫ول�ست ا َأطمع فى النجا ِة واأنا‬
‫ُ‬ ‫يطمع فى النجا ِة من ي ِد ملك يحم ُل له ذكرى مواق َع اأوق َع فيها برعاياه وحلفائِه‪.‬‬
‫اأجب ُهك((( بقولى فى اإيوانِك وبين ِ‬
‫�سيوخ قومك‪.‬‬
‫ثم اندفع كاأنه ُين�سِ ُد ق�سيد ًة فرفع را َأ�سه وقال مباه ًيا‪ :‬لكم كان لقومى من تارات عندك وعند حلفائِك‪ .‬لكم‬
‫كنت‬‫وطئنا بال َد طيئ‪ ،‬وكم اأخذنا من غنائِم البحرين و َه َجر والعراق‪ ،‬وكم اأغرنا على قوافلِك فى الحجيج‪ ،‬لقد ُ‬
‫الجموع‪.‬‬
‫َ‬ ‫اأنا فى �سد ِر الكتائب فى كل غزوة اأحو ُز الغنائم واأ�ستت‬
‫�سخب الغيظِ من حوله‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫فقال المل ُك غا�س ًبا َ‬
‫و�سط‬
‫العقاب‪ ،‬فانتظر ما ت�ستحقُّ منه‪.‬‬ ‫َ‬ ‫كنت اأطلبك اأيها ال�سقى لأوق َع بك‬
‫على وتباهى بقتالى؟ لقد ُ‬ ‫‪ -‬اأتفخر َّ‬
‫اأتفخ ُر على اأيها ال�سقى فى مجل�سى؟‬
‫قتلت من �سجعانك‪ ،‬ولم اأ�سعر‬ ‫فقال عنترةُ‪ :‬اإننى اأذكر الحقَّ منذ �ساألتنى‪ .‬ول�ست اأخ�سى اأن تقت َلنى‪ ،‬فكم ُ‬
‫هوان الحياةِ‪.‬‬
‫ل�ست اأطم ُع فى الحياة‪ ،‬واأنا الذى اأعرف َ‬ ‫بخلج ِة رحم ٍة اأو األم فى فوؤادى‪ُ .‬‬
‫نف�سه‪:‬‬ ‫فقال الملك وهو يحاول اأن َ‬
‫يم�سك َ‬
‫عجبت منك‪ ،‬واأردت اأن اأطل َع على حقيق ِة اأمرِك‪ .‬األي�ست عب�س‬ ‫ُ‬ ‫‪ -‬لم اأكن لأطي َل معك الحديثَ لول اأننى‬
‫اليوم من حلفائى؟ فما مجيئك ا َّإلى غاز ًيا اإذا لم يكن فى الأمر �س ٌّر يخفى على فهمى؟ اأجئت ت�ستزي ُد من الفخ ِر‬
‫بحربى؟ اأتري ُد اأن تمالأ ف َمك باأنك غزوت النعمان؟‬
‫فقال عنترة فى هدوء‪:‬‬
‫‪ -‬ل اأيها الملك لم اأرد بذلك فخرا‪.‬‬
‫فقال النعمان‪:‬‬
‫النا�س منذ اأ�سادوا بك وتحدثوا عنك‪ ،‬ورددوا �سعرك‪ .‬فحملك زهوك على اأن ت�سعى اإلى‬ ‫‪-‬اإنك فتى خدعك ُ‬
‫الأ�سد فى عرينِه‪.‬‬
‫فاأجاب عنترةُ‪:‬‬
‫�سعيت اإلى الأ�سو ِد فى عرائنها((( ولكنى اأيها الملك ل اأطم ُع اإلى حديث النا�س عنى؛ فاإنه لن‬ ‫ُ‬ ‫‪ -‬لكم‬
‫((( اأجبهك‪ :‬اأجابهك فى �سراحة‪.‬‬
‫((( عرائنها‪ :‬العرين بيت الأ�سد‪.‬‬

‫‪100‬‬
‫يجدينى((( اليو َم �سيئا‪.‬‬
‫النعمان فى مرارةٍ‪:‬‬
‫ُ‬ ‫فقال‬
‫‪ -‬األم ُيجدك حديثُ النا�س �سيئا؟ األم يلحقك اأبوك يعب�س بف�سل هذه الأحاديث؟ األم تكن لول تلك الأحاديثُ‬
‫وابن زبيبة؟‬
‫عب َد �سداد َ‬
‫فقال عنتر ُة فى دفعة‪:‬‬
‫‪ -‬اأتاأم ُن اأن اأذك َر اأمك اأيها الملك واأنت تذكر اأمى؟‬
‫الن��س‪ ،‬ثم ق�ل‪:‬‬
‫ع�ب�ش� يهدئ َ‬ ‫فع�دت الغمغمة الح�نقة اإلى الجمع حتى رفع النعم�ن يده ً‬
‫‪ -‬ل با َأ�س عليك يا عنترة‪ ،‬فاإنها فلتة منى‪ ،‬وما كان ينبغى لى اأن اأقو َلها‪ .‬اغفر لى يا عنترةُ‪ ،‬فاإنها �سقطة‬
‫منى‪..‬‬

‫فتحرك عنترة فى تاأثر‪ ،‬وقال له الملك فى لين‪:‬‬


‫الحرب معى؟‬
‫َ‬ ‫يبيت قو ُمك عداوتى‪ .‬فبعثوك‪ ،‬لتثير‬ ‫‪ -‬قل لى يا عنتر ُة فيم اأتيت اإذا لم ترد فخ ًرا‪ ،‬فهل ُ‬
‫حر�س اإل على مودتك وطاعتك‪.‬‬ ‫فقال عنترة‪ :‬ل اأيها الملك اإن قومى ل يعرفون اأين مكانى‪ .‬ولي�س بهم ٌ‬
‫فقال النعمان‪ :‬اإنك اأيها الفتى تحيرنى‪ :‬هل اأنت مخبرى عن اأمرِك؟ اأم هو �س ٌّر ل ينبغى لك اأن تطلعنى‬
‫عليه؟ اأما تطلعنى على الحقِّ لي�ستقر عليه راأيى؟‬
‫فقال عنتر ُة مترد ًدا‪:‬‬
‫تعرف الحقَّ فاإنى مف�س به اإليك‪ .‬اأيها المل ُك ما اأتيت اإل لأطلب مه َر ابنة عمى‪.‬‬ ‫اأما وقد اأبيت اإل اأن َ‬
‫فقال النعمان فى دفعةٍ‪ :‬عبلة!‬
‫فقال عنترةُ‪:‬‬
‫‪ -‬نعم عبل ُة اأيها الملك‪.‬‬
‫مرتاحا وقال‪ :‬ولم تجد مه َرها اإل من اإبلى!‬
‫ً‬ ‫فتب�سم النعمان‪ ،‬ومال على كر�سيه‬
‫فقال عنترةُ‪ :‬واأنَّى لى اأن اأج َد النوقَ الع�سافير اإل فى م�سارحِ ك(((؟ هكذا اأغلى اأبوها المه َر‪ ،‬وما اأ�سد‬
‫حر�سى على اأن يكون مه ُرها غال ًيا ؟‬
‫النعمان‪ :‬وتاأخ ُذ مهرها على رغم اأنفى؟‬ ‫ُ‬ ‫فقال‬
‫فقال عنترة‪ :‬لم اأعتد اأيها الملك �سوؤا ًل‪.‬‬
‫النعمان‪ :‬ولو طعنك اأحد هوؤلء طعن ًة نفذت فى ظهرك‪ ،‬ودقت عظام �سلبك‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫فقال‬
‫فقال عنترة‪ :‬ما كنت اإ ًذا �سوى اأحد من يقتلون فى الحروب‪.‬‬
‫حزن عبلة؟‬
‫فقال النعمان فى �سخرية‪ :‬اأما كنت تخ�سى َ‬
‫فقال عنتر ُة فى غ�سب‪ :‬لو غي ُرك قالها اأيها الملك؟‬
‫((( لن يجدينى‪ :‬لم يفدنى‪.‬‬
‫((( م�سارحك‪ :‬مراعيك‪.‬‬

‫‪101‬‬ ‫دار النمر للطباعه‬


‫(‪ )13‬رحلة املخاطر‬

‫فقال النعمان‪ :‬ل اأري ُد اأن اأغ�س َبك‪ .‬فقل ول تحجب عنى �سي ًئا‪ ،‬لقد قلت فى خطابك لى مالم يجروؤ اأح ٌد على‬
‫قوله‪ .‬فقل ول تحجب عنى �سي ًئا‪.‬‬
‫�سخطك‪ ،‬ولكنى ل اأباليه((( فقال النعمان مترف ًقا‪:‬‬ ‫أطلب َ‬ ‫ل�ست ا ُ‬ ‫فقال عنترة‪ُ :‬‬
‫النا�س عنك وعنها حتى اأحببت اأن اأ�سم َع منك حدي َثها‪.‬‬‫أعرف مقدا َر ح ِّبك لها‪ .‬لقد تحدث ُ‬ ‫أردت اأن ا َ‬ ‫‪ -‬اإنما ا ُ‬
‫فاأطرق عنتر ُة حينا ثم قال‪:‬‬
‫أردت اأيها الملك اأن اأحد َثك عن عبل َة‪ ،‬فاإن ا�سمها ليحلو لى اإذا �سمعته حتى لأحدث به نف�سى‬ ‫‪ -‬اأما وقد ا َ‬
‫على من حياتى‪ ،‬وا َأح ُّب ا َّإلى من جوارحى‪ ،‬ولو كانت حياتى تدف ُع عن‬ ‫لأ�سم َعه خالي ًا‪ .‬اإنها اأيها الملك اأعز َّ‬
‫النيران لخ�ستها فى �سبيل تلبي ِة كلم ٍة منها‪� .‬سورتُها ل تزال‬
‫ُ‬ ‫لج ْدت بها را�سيا‪ ،‬ولو اعتر�ستنى‬ ‫عينها دمع ًة ُ‬
‫توؤن�سنى‪ ،‬ونغ ُم حديثها مايزا ُل يترد ُد فى اأذنى‪ .‬ل اأعرفُ خيرا اإل ما تر�ساه‪ ،‬ول �س ًّرا اإل ما تخ�ساه اأو تاأباه‪.‬‬
‫أر�س لما كان فيها �سىء يكافئ‬ ‫لي�س فى الحيا ِة جمال عندى اإل اإذا كان فيه منها �سبه‪ .‬ولو طويت لى ال ُ‬
‫ر�ساها‪ ،‬ولو طاأطاأت لى ال�سما ُء حتى تناولت نجو َمها لأهديها اإليها لوجدت ذلك دون قدرها‪.‬‬
‫النعمان ي�سمع حديثه ماأخو ًذا فى ده�سة مقب ًال عليه ب�سمعه وب�سره‪ ،‬فلما فرغ من حديثه قال له‬ ‫ُ‬ ‫وكان‬
‫فى ارتياح‪:‬‬
‫أطيب وقع ًا‪.‬‬
‫‪ -‬اإنك تتحدثُ عنها حدي ًثا عج ًبا‪ .‬لقد �سمعت �سع ًرك فيها‪ ،‬ولكن قو َلك هذا اأبل ُغ من ال�سعرِ‪ ،‬وا ُ‬
‫فقال عنتر ُة فى حما�سةٍ‪:‬‬
‫النا�س ما اعتادوا اأن يح�سوه من خ�سي�س‬ ‫‪ -‬هذا اأيها الملك و�سفُ اللفظِ ‪ ،‬ولي�س اللفظ �سوى اآل ٍة ينقل بها ُ‬
‫اللفظ‪ .‬فهو ظ ُّل حائ ٌل((( ‪ ،‬و�سدى فات ٌر‪ ،‬ل ي�سفُ حقيق َة‬
‫المعانى‪ .‬اإل اأن ما اأح�سة فى نف�سى لعبل َة ي�سيقُ عنه ُ‬
‫ما اأحملُه لعبل َة‪.‬‬
‫النعمان بلينٍ ‪:‬‬
‫ُ‬ ‫فقال‬
‫�سغفت بها‪.‬‬
‫َ‬ ‫تطلب مه َر هذه الفتا ِة التى‬ ‫جئت ُ‬ ‫اإ ًذا فقد َ‬
‫يكون قد عاد اإلى �سخريته‪ .‬واأدرك‬ ‫يتبين ما يق�س ُده بقولِه خا�سيا اأن َ‬ ‫فنظر عنتر ُة اإليه كاأنه يري ُد اأن َ‬
‫النعمان ما يدو ُر فى نف�سِ ه فقال مباد ًرا‪:‬‬ ‫ُ‬
‫بالنوق الع�سافير من بابى؟‬ ‫ِ‬ ‫أتحب اأن تعو َد‬ ‫‪ -‬ا ُّ‬
‫فعاد الهدو ُء اإلى عنترةَ‪ ،‬وقال كاأنه يحل ُم‪:‬‬
‫لبقيت لك اأب َد الده ِر �ساك ًرا‪.‬‬ ‫‪ -‬اإذن ُ‬
‫واقف عند راأ�س ِه وقال له‪:‬‬ ‫النعمان اإلى رج ٍل ٍ‬ ‫ُ‬ ‫فالتفت‬
‫‪ -‬خذ عنتر َة معك يا اأبا الحارث‪ ،‬وام�س به اإلى بيتك وفك عنه القيود؛ فهو �سيفى‪.‬‬
‫والتفت اإلى عنتر َة قائ ًال‪:‬‬
‫على اأول �سىء فى ال�سباح يا عنترةُ‪.‬‬ ‫‪-‬واغ ُد ّ‬
‫((( ل اأباليه‪ :‬ل اأهتم به‪.‬‬
‫((( ظل حائل‪ :‬متغير‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫فنظر عنتر ُة اإليه متاأث ًرا‪ ،‬و�ساح ً‬
‫با�سطا يديه‪:‬‬
‫‪-‬اأيها الملك‪ ،‬اأيها الملك‪ ،‬لقد غمرتنى‪.‬‬
‫ي�سحب قيو َده واأبو الحارث ي�سي ُر من ورائه ي�ساع ُده على‬
‫ُ‬ ‫نف�سه‪ ،‬واأطرق واأدار وج َهه‪ ،‬و�سار‬
‫ثم طوى َ‬
‫الم�س ِير‪.‬‬

‫اأ�صئلة الف�صل الثالث ع�صر‬


‫رحلة املخاطر‬

‫‪ ...« 1‬وكانت معركة هائلة بين فار�س م�صتيئ�س‪ ،‬وجي�س لجب من ال�صجعان فلم ي�صتطع اإال اأن‬
‫يقاتل ما بقى ال�صيف فى يده‪ ،‬وما ا�صتقام الرمح فى قب�صته‪ ،‬ولكن الرمح انق�صف‪ ،‬وال�صيف‬
‫تحطم‪ ..‬واأثخنته الجراح فخر �صريعًا‪ ،‬وحمل اإلى الحيرة بين الموت والحياة»‪.‬‬
‫( اأ ( هات معانى الكلمات الآتية فى جمل‪ :‬لجب — اأثخنته — �سري ًعا‪.‬‬
‫✦ ✦لماذا اأتى بكلمة انق�سف مع الرمح‪ ،‬وتحطم مع ال�سيف؟‬
‫✦ ✦ن�سف عنترة‪ :‬بالتهور‪ -‬بال�سجاعة — بالجنون‪.‬‬
‫(ب(ما دور �سيبوب فى هذه المعركة؟‬
‫(ج�( ما الذى كان يوؤن�سه فى �سجنه؟‬
‫( د ( لماذا كان النعمان �سديد ال�سوق لروؤية عنترة؟‬
‫(ه�( ما الفرق بين م�ستيئ�س ويائ�س؟ �سع كلمتين مكان (ما بقى وما ا�ستقام(‪.‬‬
‫‪ 2‬حوار النعمان مع عنترة تراوح بين ال�صدة واللين‪ .‬اذكر من المواقف ما يثبت ذلك‪.‬‬
‫‪« 3‬اأما وفد اأردت اأيها الملك اأن اأحدثك عن عبلة‪ ،‬فاإن ا�صمها ليحلو لى اإذا �صمعته حتى الأحدث به‬
‫نف�صى الأ�صمعه خال ًيا‪ .‬اإنها اأيها الملك اأعز على من حياتى‪ ،‬واأحب اإلى من جوارحى‪ ،‬ولو كانت‬
‫حياتى تدفع عن عينها دمعة لجدت بها را�صيا»‪.‬‬
‫( اأ ( ي�سيع فى هذا الحديث �سدق العاطفة فما مظاهر ذلك؟‬
‫(ب(ما اأثر هذا الحديث على النعمان؟‬
‫(ج�( ماذا عر�س النعمان على عنترة؟ ولماذا؟‬
‫( د ( لو نفذ النعمان عر�سه فكيف تكون نهاية الق�سة؟‬
‫✦ ✦ما راأيك فى الحوار بين الملك النعمان وعنترة؟‬
‫‪ 4‬تخير بع�س الجمل التى اأعجبتك واكتبها فى لوحة بخطك‪.‬‬

‫‪103‬‬ ‫دار النمر للطباعه‬


‫احلقيقة‬
‫كــريــمــة‬
‫إقــامــةإلى‬
‫الطريق ا‬ ‫(‪ )14‬ا‬
‫(‪)3‬‬

‫بقى عنتر ُة فى الحِ ي َر ِة �سنين لم يح�سب اإنه �سوف يق�سيها بها‪ .‬ولقى عند النعمان فى اأثنائها مكانة لم‬
‫يكن يحل ُم اأن الأقدا َر تجرى بها‪ ،‬وحاز من الغنى ما لم يكن يخط ُر بباله‪ ،‬وبلغ من المجد ما لم يبلغْه اأح ٌد من‬
‫�سادِة القبائلِ‪.‬‬
‫أن�س اإليه من عا�سره‪ ،‬وكان‬ ‫�ساحب النعمانِ ‪ .‬وقد ا َ‬
‫ِ‬ ‫اأقام تلك ال�سنين فى جوا ِر �سديقِه الفار�س اأبى الحارثِ‬
‫ل�سماع �سعرِه‪ ،‬فال يكا ُد يخلو من مجل�سِ ه اإل اإذا �سار فى كتيب ٍة اإلى غزو ٍة من الغزواتِ ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫اأبو الحارث يطرب‬
‫فاإذا عاد لزمه فى غدواتِه وروحاتِه وفى اأما�سيه ولياليه‪ .‬وكان عنترة بين حين وحين ينظر اإلى خلفه‪ ،‬ويذكر‬
‫اأيا َمه الخالي َة كما ينظ ُر الواقفُ فوق راأ�س الجب ِل اإلى الوادى البعي ِد الذى يراه دونه عند الأفق‪ ،‬فيراه غائ ًما‬
‫أ�سباح الج ِّن التى طالما ظهرت‬‫تتحرك خافت ٌة مثل ا ِ‬ ‫ُ‬ ‫أ�سباح �سئيل ٌة‬
‫ال�سباب‪ ،‬ول تبدو منه اإل ا ٌ‬
‫ُ‬ ‫غام�سا ُ‬
‫يحيط به‬
‫له اأثنا َء تجواله فى لي ِل ال�سحراءِ‪ ،‬ولكنه كان يرى فى ثنايا ذلك الما�سى الجاهم �سورة حبيبة لم ت�ستطع‬
‫الأي�م اأن تمحوه�‪� ،‬شور َة عبلة التى وهب له� قلبه‪ ،‬وجعل فيه� من�ط اأملهِ‪ .‬وك�ن ل يفت�أ يتذ ُكر وكيف رحل من‬
‫الحب اليائ�س اإلى اقتحام المهالِك حتى جرفته المقادير‪ .‬فاأقام‬ ‫وطنِه ويطلب مه َرها الغالى‪ ،‬وكيف دفعه ذلك ُّ‬
‫بالحيرة هذه المد َة الطويل َة‪ ،‬و�سرب فى اآفاق العراق وفار�س‪ ،‬وحل فى ق�سور ك�سرى‪ ،‬وقاتل مع اأقوا ٍم لم‬
‫فحارب‬
‫َ‬ ‫يرهم من قبل‪ ،‬وحارب اأقوا ًما اآخرين لم يكن بينه وبينهم عداوة‪ ،‬بل لم يخطروا له من قب ُل على بالٍ ‪،‬‬
‫رجال �سناعتُه �سفك الدماءِ‪ .‬وكان كلما تاأمل‬ ‫فى �سبيل النعمان تارةً‪ ،‬وفى �سبيل كِ�سرى تارةً‪ ،‬كاأنه قد اأ�سبح ً‬
‫عوا�سفها وهو‬ ‫الزمن الما�سى اأح�س �سي ًئا فى �سد ِره ي�سبه الثور َة والحنقَ ‪ ،‬فاإنها الأقدار اأقحمته فى ِ‬ ‫َ‬ ‫ذلك‬
‫مرغ ٌم‪ ،‬ل يكا ُد ي�ستطي ُع منها انفالتا‪ ،‬فما كان مقامه عند النعمان ومحاربته اأعداءه باأق َّل فى نظره من الرقِّ ‪،‬‬
‫زخرف الحياةِ‪ .‬وكان كلما فرغ اإلى ذكرياتِ حياته الأولى بدا له رقُّه‬ ‫ِ‬ ‫تحيط به هال ٌة كاذب ٌة من‬‫واإن كان رقًّا ُ‬
‫يحارب اإل‬
‫ُ‬ ‫وابن زبيبة‪ .‬ولكنه كان ل‬ ‫يغ�سب‪ ،‬لأنه كان عب َد �سدا ٍد َ‬ ‫ُ‬ ‫أهون قي ًدا واأخف ذل‪ .‬كان من قبل‬ ‫الأو ُل ا َ‬
‫ليحمى عبل َة وقو َمها‪.‬‬
‫َ‬ ‫يحارب‬
‫ُ‬ ‫يحمى حر َمهم‪ ،‬ويدفع الأذى عنهم‪ .‬كان‬ ‫لقومِه لكى َ‬
‫ويحو َز الغنائ َم لكى يتف�س َل عليهم بها‪ ،‬وي�سفى باإدراكِ الثاأر من العدو؛ لكى يهتفوا با�سمه قائلين «ويك‬
‫النعمان ُيغ ِدقُها عليه‪ ،‬وهذا‬
‫ُ‬ ‫يحارب من اأج ِل عِبل َة وقومها ل من اأج ِل هذه الأموالِ التى كان‬ ‫ُ‬ ‫عنتر» اأقدم‪ .‬كان‬
‫المج ُد الذى كان ُيلقيه اإليه اأج ًرا على �سربات �سفيه‪.‬‬
‫دب((( اإليه �سي ًئا ف�سي ًئا‪ ،‬ووجد اأن ذكرى اأر�س ال�سربة تعاو ُده بين حينٍ وحينٍ ‪ ،‬فال‬ ‫واأخذ يح�س المل َل َي ُّ‬
‫(((‬
‫تتحرك �سجونه‪ ،‬فاإذا خال اإلى نف�سه بعد زحم ِة اليوم جا�ست((( همو ُمه‪ ،‬و�ساورته‬ ‫َ‬ ‫يكاد يم ُّر به يو ٌم يغير اأن‬
‫حتى جعلت الحير َة ت�سغ ُر فى عينيه وت�سيقُ به‪ .‬وهانت عنده الأموا ُل التى حازها والجواه ُر التى ازدحم‬
‫ألوف تثقله وتقع ُد به عن العودِة اإلى‬ ‫بها منز ُله‪ ،‬وخيل اإليه اأن تلك الإب َل وتلك النوقَ والع�سافير التى تُع ُّد بال ِ‬
‫((( يدب‪ :‬يتطرق‪.‬‬
‫((( جا�ست همومه‪ :‬كثرت‪.‬‬
‫((( �ساورته‪ :‬غالبته‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫موطن �سعادتِه‪ ،‬فا�ستاأذن النعمان مر ًة بع َد مر ٍة فى ال�سفرِ‪ ،‬ولكنه كان يداف ُعه ويتم�س ُك به حتى بلغ ال�سي ُق‬ ‫ِ‬
‫منه مبل َغ التبر ِم‪ ،‬فزاد اإقباله على الخمر‪ ،‬واأ�سفق عليه �سديقُه اأبو الحارث‪ ،‬ف�سفع له عند الملك حتى اأذن له‬
‫((( يو َم الرحيلِ‪.‬‬
‫بقلب واجف ٍ‬
‫أذن له حتى �سارع اإلى ال�ستعدادِ‪ ،‬وانتظر ٍ‬ ‫بالعودة اإلى وطنِه‪ ،‬وما كاد يا ُ‬
‫الوداع‪ ،‬واجتمع له فيها �سيو ُخ الحير ِة وفر�سانُها‪ .‬وكانت ماأدب ًة‬ ‫ِ‬ ‫واأعد له اأبو الحارثِ ماأدب ًة فى ليل ِة‬
‫ورق�سها وخمرِها‪ .‬و�سارك عنتر ُة باإن�سادِه من �سعرِه‪ ،‬واألقى قط ًعا منه للفتياتِ يغنين بها‬ ‫ِ‬ ‫�ساخب ًة فى غنائِها‬
‫�ساحب الدا ِر‪.‬‬
‫ُ‬ ‫المجل�س مع عنتر َة اإل‬
‫ِ‬ ‫حتى م�سى اأكث ُر الليلِ‪ ،‬وذهب ال�سيوفُ ‪ ،‬ولم يبقَ فى‬
‫فقال عنترةُ‪:‬‬
‫فل�ست بقاد ٍر على اأن اأوفيك حقَّك‪ ،‬ثم فتح ذراعيه‪ ،‬وعانقه عنا ًقا ً‬
‫طويال‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫‪ -‬لئن �سكرتك يا اأبا الحارثِ‬
‫فقال اأبو الحارث‪ :‬لئن كان فى اأيامنا مد ٌة فاإن اأمنيتي اأن اأراك‪.‬‬
‫يكون ال�سديقُ‪ .‬لقد علمتنى فى الحياة معنى جدي ًدا يا‬ ‫فاأجاب عنترة‪ :‬ولئن تفرقنا فلقد عرفت فيك كيف ُ‬
‫اأبا الحارث‪.‬‬
‫الف�سيح‪.‬‬
‫ِ‬ ‫خارجا‪ ،‬وخرج �سديقُه ي�سي ُعه �سامتا اإلى المِرب ِد((( فى الف�ساء‬ ‫ثم �سافحه وم�سى ً‬

‫اأ�صئلة الف�صل الرابع ع�صر‬


‫اإقامة كرمية‬

‫‪« 1‬فما كان مقامه عند النعمان ومحاربته اأعداءه باأقل فى نظره من الرق‪ ،‬واإن كان رقا تحيط به‬
‫هالة كاذبة من زخرف الحياة‪ ،‬وكان كلما فرغ اإلى ذكريات حياته االأولى بدا له رقه االأول اأهون‬
‫قيدا‪ ،‬واأخف ذال‪.»..‬‬
‫( اأ ( تخير الإجابة ال�سحيحة مما ياأتى واكتبها‪:‬‬
‫✦ ✦معنى كلمة «هالة»‪( :‬نجم ‪ -‬دائرة حول القمر ‪ -‬كوكب(‪.‬‬
‫✦ ✦جمع كلمة « زخرف» ‪ ( :‬زخرفات ‪ -‬زواخر‪ -‬زخارف(‪.‬‬
‫وذل» ي�ستركان فى الإعراب وهو‪( :‬تمييز ‪ -‬مفعول به‪ -‬حال(‪.‬‬ ‫✦ ✦الكلمتان‪« :‬قي ًدا ً‬
‫(ب(لماذا اأح�س عنترة وهو حر عند النعمان اأنه اأكثر ًّذل؟‬
‫(ج�( َع ِّين ال�سواب مما ياأتى‪:‬‬
‫✦ ✦كان اأبو الحارث �ساحب النعمان يطرب ل�سماع �سعر عنترة‪.‬‬
‫✦ ✦حارب عنترة فى �سبيل قي�سر تارة وفى �سبيل المقوق�س تارة اأخرى‪.‬‬
‫✦ ✦الأقدار اأقحمته فى عوا�سفها‪ ،‬وهو مرغم ل يكاد ي�ستطيع منها انفالتًا‪.‬‬
‫✦ ✦ن�سى عنترة اأر�س ال�سربة ون�سى حبه لعبلة‪.‬‬
‫((( واجف‪ :‬خافق م�سطرب‪.‬‬
‫((( المريد‪ :‬الف�ساء المت�سع ي�ستخدم جرنا اأو مناخل لالإبل‪.‬‬
‫‪105‬‬ ‫دار النمر للطباعه‬
‫(‪ )14‬اإقــامــة كــريــمــة‬

‫✦ ✦ر�سى عنترة اأن يكون مرتز ًقا‪.‬‬


‫( د ( ا�ستخرج اأ�سلوب تف�سيل وعين المف�سل والمف�سل عليه‪.‬‬
‫✦ ✦جملة تقع �سفة‪.‬‬
‫✦ ✦اأ�شلوب �شرط وعين اأجزاءه‪.‬‬
‫‪« 2‬واأعد له اأبو الحارث ماأدبة فى ليلة الوداع‪ ،‬اجتمع له فيها �صيوخ الحيرة وفر�صانها‪ ،‬وكانت‬
‫ماأدبة �صاخبة فى غنائها ورق�صها وخمرها‪ ،‬و�صارك عنترة باإن�صاده من �صعره‪»...‬‬
‫( اأ ( تبين العبارة العالقة القوية بين اأبى الحارث وعنترة ‪ .‬و�سح‪.‬‬
‫(ب(تبرز العبارة بع�س العادات الجاهلية وتقاليدها‪ .‬فما مظاهر ذلك؟‬
‫(ج�( ما اأمنية اأبى الحارث؟ ومتى تتحقق؟‬
‫( د ( ما عالقة الحيرة بقبائل �سبه الجزيرة؟‬

‫‪106‬‬
‫(‪ )15‬عودة اإلى الديار‬

‫أر�س ال�سرب ِة والعل ِم ال�سعدى‪ ،‬حتى قطع‬ ‫ي�سرب فى ال�سحرا ِء عائ ًدا اإلى ا ِ‬ ‫ُ‬ ‫�سار عنتر ُة فى ركبه العظيم‬
‫ُ‬
‫ال�سكوك والأوها ُم‪.‬‬ ‫اقترب من وطنه خالجته‬ ‫أر�س الحجازِ‪ ،‬ولكنه كان كلما َ‬ ‫((( ونجد‪ ،‬ودخل اإلى ا ِ‬ ‫فيافى اليمامة ِ‬
‫نف�سه عما هناك فى تلك‬ ‫واأح�س كاأن ال�سعل َة المتقد َة فى �سد ِره ت�سمح ُّل وتخبو‪ .‬فكان بين حين واآخر ي�ساأل َ‬
‫أر�س التى كان يتحرق لكى يعو َد اإليها‪ .‬وهل اإذا عاد اإليها وجد عبل َة ل تزا ُل مقيم ًة على عهدِها؟ لقد كان ل‬ ‫ال ِ‬
‫ألفاظها ل تزا ُل فى اأذنيه كلما تذك َرها‪ .‬ولكن األ‬ ‫يزا ُل يحم ُل التميم َة التى اأهدتها اإليه يو َم وداعِها‪ ،‬وكانت ا ُ‬
‫نف�سه اأهو حقا يح ُّبها‬ ‫تزا ُل بعد تلك ال�سنين تذك ُره‪ ،‬وتحم ُل له الوفا َء؟ وكان اأحيانًا يبلغ من ال�سك اأن ي�ساأ َل َ‬
‫الممنوع‪.‬‬
‫ِ‬ ‫كما خي َل اإليه؟ اأم هى لجاج ُة الوهِ م تزع ُم له اأنه كذلك‪ ،‬وما هى اإل الكبريا ُء والعنا ُد والتطل ُع اإلى‬
‫يكون حدي ُثه بعد اأن فارقها تلك ال�سنين الطويل َة؟‬ ‫نف�سه كاأنه لقيها وحدثها‪ ،‬فال يدرى كيف ُ‬ ‫وكان يتمث ُل َ‬
‫هل يت�سطي ُع اإذا راآها اأن يتذل َل لها كما كان يتذل ُل وي�سمى نف�سه عب َدها؟ هل ي�ستطيع اأن يج َد المتع َة فى‬
‫�سحرى من ال�سعادةِ‪.‬‬
‫ٍّ‬ ‫كلم ٍة ي�سم ُعها‪ ،‬اأو ب�سم ِة عطف تجو ُد بها عليه فت�سىء قلبه وتنقلُه اإلى عال ٍم‬
‫القلق كلما تاأمل قو َمه بعد اأن غاب عنهم تلك ال�سنين‪ .‬فهل يعود اإلى عمارة بن زياد‪،‬‬ ‫ولم يخ ُل قلبه من ِ‬
‫ومالِك بن قراد وعمرو بن مالك وكل هوؤلء؟ وهل يت�سطيع اأن ينظ َر اإليهم كما كان ينظ ُر‪ ،‬واأن يغ�سب اإذا‬
‫غا�سبوه‪ ،‬واأن ير�سى اإذا اأقبلوا عليه؟ هل ي�ستطي ُع اأن يعو َد اإلى معا�سرتِهم‪ ،‬واأن يفهمهم اإذا حدثوه واأن‬
‫يفهموه اإذا تحدث اإليهم؟‬
‫يح�س اأنه �سار غري ًبا عن قومِه‪ ،‬واأنه لن‬ ‫ال�سكوك فى نف�سِ ه حتى كان ُّ‬ ‫ُ‬ ‫كان كلما اقترب من وطنه ثارت‬
‫ي�ستطي َع الحيا َة بين ظهرانيهم‪.‬‬
‫الكاذب‪ ،‬فعزم على العود ِة اإلى عب�س‪ ،‬وفارقَ اأ�سحا َبه الذين‬ ‫َ‬ ‫وكان يخي ُل اإليه اأنه قد اأخطاأ اإذا اأطاع وه َمه‬
‫يعي�س بينهم �س ِّي ًدا‪ ،‬واعتاد اأن َي�س ُم َر فى اأنديتهم ويعام َلهم ويخاط َبهم ويحا َرب معهم وهو عنتر ُة بط ُل‬ ‫كان ُ‬
‫والمدائن ولم يقولوا له يو ًما يا ابن زبيبة‪ ،‬ولم يعيروه يو ًما ب�سواد‬ ‫ِ‬ ‫العرب‪ .‬فهوؤلء الذين عرفوه فى الحيرِة‬ ‫ِ‬
‫لونه ول بهجنة((( ن�سبه‪ ،‬بل كانوا يعدونه �سي ًدا كري ًما‪ ،‬لأنه كان �سي ًدا كري ًما؛ فقدموه واأعلوا مكانه‪ ،‬لأنه كان‬
‫جدي ًرا بالتقديم والتمجيد‪ .‬فما الذى حمله على اأن ي�سيق بالمقام فيهم‪ ،‬لكى يعود اإلى هوؤلء الذين ن�ساأ فيهم‬
‫يطلب مه َر عبل َة من‬‫أر�س‪ُ ،‬‬ ‫ي�سرب فى ال ِ‬ ‫ُ‬ ‫وكفاح حتى خرج عنهم‬ ‫ٍ‬ ‫عب ًدا رقي ًقا‪ ،‬وق�سى معهم الحيا َة فى ن�سالٍ‬
‫زوجا لعبل َة حتى يكلفوه َ‬
‫بلوغ المحال؟‬ ‫عرين الأ�سدِ؟ األي�س هوؤلء هم الذين لم ير�سوا به ً‬
‫ويغالب هذا‬
‫ُ‬ ‫أدراجه اإلى الحير ِة حيث يقي ُم عزيزًا‪،‬‬ ‫حدثته نف�سه مرا ًرا اأنه اأخطاأ‪ ،‬واأن الأولى به اأن يعو َد ا َ‬
‫غام�س كاأن الأقدا َر هى التى‬ ‫ٌ‬ ‫القلب الذى طالما اأذله وعذبه‪ .‬ولكنه مع ذلك كله �سار فى طريقِه يدف ُعه داف ٌع‬ ‫َ‬
‫كانت ت�س ِّي ُره نحو غاي ٍة ل يدر ُكها‪.‬‬

‫((( فيافى اليمامة‪� :‬سحاريها‪.‬‬


‫((( بهجنة ن�سبة‪ :‬يعنى ابن اأمه‪.‬‬

‫‪107‬‬ ‫دار النمر للطباعه‬


‫احلقيقة‬
‫الطريقااإلىإلىالديار‬
‫(‪ )15‬عودة‬
‫(‪)3‬‬

‫مالعب‬‫َ‬ ‫أر�س ال�سرب ِة بعد طولِ ال�سي ِر راأى اأن يع ِّر َج على الوادى الرملى الذى طالما �سه َد‬ ‫ولما �سار فى ا ِ‬
‫والركوب‪.‬‬ ‫َ‬ ‫و�سارع فيه رفاقَه‪ ،‬وتعلم ال�سي َد‬
‫َ‬ ‫�سباه ومرات َع فتوته‪ .‬ذلك الوادى الذى رعى فيه اإب َل �سدادٍ‪،‬‬
‫بعنف اأبيه اأو كبريا ِء عمه اأو ظلم حا�سديه‪.‬‬
‫يفزع كلما �ساق ِ‬ ‫فاإلى ذلك الوادى كان ُ‬
‫ولما بدت له نا�سي ُة الوادى خطر له ذك ُر اأخيه �سيبوب الذى اأحبه و�ساحبه‪ ،‬وكان فى كل مكان مث َل‬
‫ظله‪ .‬كان تار ًة جا�سو�سه وتار ًة ر�سو َله‪ ،‬وكان حينًا خادمه وحينًا �سمي َره‪ ،‬وكان اآخر عهده به فى رحلتِه اإلى‬
‫الفر�ش�ن‪،‬‬
‫ُ‬ ‫العراق اإذا بقى معه حتى ا�ستحر((( القت�ل بينه وبين جي�س النعم�ن‪ ،‬ثم اختفى عنه اإذا اأح�ط به‬
‫�سيبوب اأكان ل يزال ح ًّيا‬
‫َ‬ ‫وجعلوا يطعنونه حتى �سرعوه عن فر�سه الأبجر‪ .‬ولم يدر عنتر ُة وهو يذكر اأخاه‬
‫يرعى اإب َل �سادتِه اأم قد م�سى فى �سبيل ِه كما م�ست عن الدنيا اأجيا ُل النا�س من قبله‪ ،‬وكما تم�سى من بعده‪.‬‬
‫مرحا ينعم فى رقِّة‪ ،‬ول يعباأ اإل بطعامِه‬ ‫وخفق قلبه عندما تذك َر ذلك الأخَ الوفى‪ ،‬فقد عا�س ما عا�س معه عب ًدا ً‬
‫و�سرابه و�سيده ول يرى من الحياة اإل مهزل ًة ل ت�ستحق �سي ًئا �سوى اأن ي�سخ َر منها ويله َو فيها ثم يم�سى‬
‫مرحا اإذا حان اأجلُه‪.‬‬ ‫عنها ً‬
‫�سخ�سا على ربو ٍة((( فعادت اإليه �سو ُر الما�سى‬ ‫ً‬ ‫ولما اقتربت القافل ُة من الوادى راأى عنتر ُة على البعد‬
‫أر�س اإل من ُد ليلةِ‪ .‬لقد كان كل �سى ٍء على عهده لم يتَغير منه �سى ٌء‪ ،‬فال�سماء ل تزال زرقاء‬ ‫كاأنه لم يفارق تلك ال َ‬
‫ُ‬
‫يتحرك‬ ‫ال�سخ�س الذى فوق الربوةِ‪ ،‬واأح�س قلبه‬‫ِ‬ ‫�سافية‪ ،‬والرما ُل ل تزال �سفراء لمعه‪ ،‬و�سعد ب�س ُره اإلى‬
‫ال�سخ�س ل يزال ينظ ُر نحوه‬ ‫ُ‬ ‫�سيبوب‪ ،‬وهمز جوا َده م�سر ًعا نحوه وكان‬
‫َ‬ ‫اإليه‪ .‬فقد كان فيه �سى ٌء يذكره بوقف ِة‬
‫�سيبوب ينظ ُر اإليه‪ ،‬واإلى القافلة‬
‫ُ‬ ‫متك ًئا على رمحه‪ ،‬فلما �سار من الربو ِة على مرمى قو�سين تبين وجه اأخيه‬
‫العظيم ِة التى اأتت تنحدر اإلى الوادى من ورائه‪ .‬ولكن مظهره كان يد ُّل على اأنه كان متع ًبا ل يدرى من ُ‬
‫يكون‬
‫�سيبوب ي�سمع �سوتَه‬ ‫ُ‬ ‫�ساحب هذا الموكب العظيم‪ .‬فلما �سار عنتر ُة على م�سمع منه ناداه با�سمه‪ ،‬فما كاد‬
‫فاتحا فمه الوا�سع فى ب�سم ٍة ك�سفت عن‬ ‫نازل فى قفزات وا�سع ٍة وهو م�سمر عن �ساقية الطويلتين ً‬ ‫حتى وثب ً‬
‫اأ�سنانه الن�سيد ِة البي�ساءِ‪ ،‬وترجل عنتر ُة فوجد نف�سه بين ذراعى اأخيه وهو يقب ُل وجهه وكتفيه ويت�سممه‬
‫باكيا ي�سي ُح‪:‬‬
‫عنتر ُة اأخى عنترةُ؟‬
‫‪ -‬فقال عنتر ُة وهو ي�س ُّمه فى حرارةٍ‪:‬‬
‫�سيبوب مر ًة اأخرى اإنك لأو ُل من اأرى واإنك لأو ُل من اأحببت اأن اأرى‪.‬‬
‫ُ‬ ‫‪ -‬اأنت هذا يا‬
‫مختنق‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫�سيبوب ب�سوتٍ‬
‫ُ‬ ‫فقال‬
‫ألم�س َك بيدى‪ ،‬واأ�س ُّمك اإلى �سدرى‪ ،‬وا ُّ‬
‫أح�س دف َء اأع�سائِك‪.‬‬ ‫حى ا ُ‬ ‫‪ -‬واأنت هذا‪ ،‬اأنت هذا ٌّ‬
‫ونظر اإليه فى ده�س ٍة وقال؟‬ ‫ثم اأر�سله من ذراعيه‪َ ،‬‬
‫‪ -‬اإنى ل اأكا ُد اأ�سدقُ عينى‪.‬‬

‫((( ا�ستحر‪ :‬ا�ستد‪.‬‬


‫((( ربوة‪ :‬مرتفع من الأر�س‪.‬‬

‫‪108‬‬
‫ب�سره وي�سو ُبه(((‪ ،‬فقال عنتر ُة وهو ياأخذ بذراعه‪:‬‬ ‫وجعل ي�سعد فيه َ‬
‫�سيبوب فى مرحِ ه المعتاد‪:‬‬
‫ُ‬ ‫�سيبوب؟ األ ت�سدقُ اأننى اأخوك؟ فقال‬‫ُ‬ ‫فى ما تن ُكر يا‬ ‫‪ -‬اأترى َّ‬
‫أكذب نف�سى واأزعم اأنك عنترةُ؟‬ ‫‪ -‬كيف ا ُ‬
‫لقد راأيتك والفر�سان يحيطون بك‪ ،‬فقلت اإنك هال ٌك ل محال َة‪.‬‬
‫فقال عنتر ُة وهو ي�سي ُر به بعي ًدا عن الطريق‪:‬‬
‫�سيبوب وا�ستقت اإلى حديثك‪ .‬فمل بنا اإلى هذه الربوة‪ ،‬فا ّإن بى �سو ًقا اإلى الجلو�س معك‬ ‫ُ‬ ‫‪ -‬لقد افتقدتك يا‬
‫على ربو ٍة مثلِها‪.‬‬
‫�سيبوب وهو ينظ ُر نحو القافل ِة العظيم ِة التى كانت تقب ُل مبطئ ًة‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫فقال‬
‫‪ -‬اأهذه القافلة لك؟‬
‫فاأجاب عنترة‪:‬‬
‫�سيبوب؟ ومع ذلك فاإن بى �سو ًقا اإلى اأن اأ�سطج َع على هذه الرمال‪ ،‬واأ�ستقب َل ن�سي َم َّ‬
‫ال�سبا‬ ‫ُ‬ ‫‪ -‬اأتعج ُبك يا‬
‫فى الأ�سيلِ‪.‬‬
‫و�سعد فى الربوة فا�ستلقى على �سنامها ثم قال‪:‬‬
‫كنت اأح�س ُبك اأنك ذهبت‬
‫�سيبوب‪ .‬ماذا فعلت بعد اأن راأيت الفر�سان يحيطون بى؟ لقد ُ‬ ‫ُ‬ ‫‪ -‬اأكمل ق�ستَك يا‬
‫رماح القو ِم‪.‬‬
‫فى ِ‬
‫�سيبوب وهو يم�س ُح دمع ًة فى عينه‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫فقال‬
‫ت�سقط �سري ًعا فتمزقَ قلبى‪ .‬نعم تمزق قلبى‪ ،‬فقد علمت اأننى �سوف اأق�سى‬ ‫أيت الرماح تتهاوى واأنت ُ‬ ‫‪ -‬را ُ‬
‫أطلب النجاةَ‪.‬‬
‫�ساقى للريح ا ُ‬‫�سائر الحياة وحي ًدا ل اأجد عنترة اإلى جانبى‪ .‬فاأطلقت ّ‬
‫ف�سحك عنترة وقال‪:‬‬
‫�سيبوب‪.‬‬
‫ُ‬ ‫لتحب الحيا َة يا‬ ‫‪ -‬اإنك ُّ‬
‫الرماح يا عنترةُ‪ .‬لقد كانت الأ�سنة تلم ُع فى نو ِر ال�سم�س‬ ‫ِ‬ ‫أحب ا َّإلى من طعنات‬
‫�سيبوب با�س ًما‪ :‬هى ا ُّ‬‫ُ‬ ‫فاأجاب‬
‫وعدت اإلى قو َمى‪.‬‬
‫للريح‪ُ ،‬‬ ‫�ساقى ِ‬ ‫ِلت اإلى جان ِبك؟ اأطلقت ّ‬ ‫كنت اأُغنِى عنك لو ُقت ُ‬ ‫قا�سي ًة مخيف ًة‪ .‬وماذا ُ‬
‫�سيبوب؟‬
‫ُ‬ ‫فاأجاب عنترة‪ :‬اأهم قو ُمك يا‬
‫و�سكت حينًا‪ ،‬واأخذ يعبثُ بكفه فى الرمالِ الناعم ِة ثم ا�ستاأنفَ فقال‪:‬‬
‫تكذب عليهم وت�سخر‬ ‫حقدت اأنا عليهم‪ .‬كنت تقو ُل اإنك ُ‬ ‫ُ‬ ‫كنت خي ًرا منى اإنك لم تحقد على عب�س كما‬ ‫‪ -‬لقد َ‬
‫منهم‪ ،‬ولكنك عدت اإليهم لأنهم قومك‪.‬‬
‫فقال �سيبوب‪ :‬عدت اإلى قومى؛ لأنعاك اإليهم‪ ،‬فما كل يوم يقت ُل منهم مث ُل عنترةَ‪.‬‬
‫فقال عنترة‪:‬‬
‫‪ -‬ونعيتنى اإليهم؟‬
‫((( ي�سعد ب�سره وي�سوبه‪ :‬ير�سل ب�سره اإلى اأعاله تارة واإلى اأ�سفله تارة اأخرى‪.‬‬

‫‪109‬‬ ‫دار النمر للطباعه‬


‫احلقيقة‬
‫الطريقااإلىإلىالديار‬
‫(‪ )15‬عودة‬
‫(‪)3‬‬

‫فاأجاب �سيبوب؟‬
‫‪ -‬ق�سينا �سه ًرا نبكى‪ .‬لكم بكت زبيبة ول تزا ُل تبكى ول تُ�سدقُ اأب ًدا اأنك هلكت‪ ،‬فهى اإلى اليوم تزع ُم‬
‫اأنك عائ ُد اإليها‪.‬‬
‫أحب ا َّإلى اأن األقاها‪ ،‬واأم�سك لحظ ًة وهو مطرقٌ ‪ ،‬ثم قال كاأنه يح ِّدث‬ ‫فقال عنتر ُة فى رقة‪ :‬م�سكينة زبيب ُة ما ا َّ‬
‫نف�سه‪:‬‬
‫‪ -‬لم يبكنى فى عب�س اإل زبيبة؟‬
‫فقال �سيبوب با�س ًما‪:‬‬
‫‪ -‬لقد بكوك جمي ًعا‪ .‬اأعرف اأنك تق�سد عبل َة يا عنترة‪ .‬لقد بكتك كما بكيناك‪ .‬بل لقد كانت زبيبة تذهب اإليها‬
‫لت�سكن روعها زاعم ًة لها اأنك عائد اإليها‪.‬‬ ‫َ‬
‫فاأ�سفر وجه عنترة وقال‪:‬‬ ‫(((‬

‫�سيبوب عنها‪.‬‬
‫ُ‬ ‫�سيبوب؟ وكيف هى اليوم؟ حدثنى يا‬ ‫ُ‬ ‫‪ -‬اأحقًّا ما تقو ُل يا‬
‫�سيبوب فى خبثٍ ‪:‬‬‫ُ‬ ‫فقال‬
‫‪ -‬وماذا اأحد ُثك عنها؟ اإننى ل اأكا ُد اأراها‪ .‬لقد عادت مع اأبيها اإلى اأر�س ال�سربة بعد خروجك اإلى العراق‪،‬‬
‫ولكنى كنت ل اأراها‪ .‬وماذا يعنينى منها اإل اأنك كنت تتعلقُ بها واأنت حى؟‬
‫فقال عنتر ُة �ساح ًكا‪:‬‬
‫ُ�سدق بع ُد اأننى ل اأزا ُل حيا‪.‬‬ ‫‪ -‬اأراك لم ت ْ‬
‫أح�س�ست داف ًعا يبعدنى‬
‫ُ‬ ‫أح�سب اأن اأراك اأب ًدا‪ .‬فكنت اإذا مررت على منازل مالك ا‬ ‫فقال �سيبوب‪ :‬ما كنت ا ُ‬
‫عنها‪ ،‬فاأ�سرع اأهرب من روؤيتها‪.‬‬
‫فقال عنترةُ‪ :‬وهى؟ حدثنى عنها هى‪ .‬األم ت�سمع زبيب َة تتحدثُ عنها؟‬
‫فاأجاب �سيبوب‪ :‬هى امراأة‪ .‬لي�ست عبلة �سوى امراأةٍ‪.‬‬
‫لقد بكت ثم جففت دمعها ثم ن�سيت‪.‬‬
‫فتحرك عنترة فى قلق وقال‪:‬‬
‫‪ -‬اأم�س فى قولك وحدثنى عنها‪ .‬اأما �سمعت �سوتَها؟ اأما راأيتَها يو ًما؟ انقل ا ّإلى اأحاديثَ زبيب َة عنها‪.‬‬
‫فاأجاب �سيبوب‪:‬‬
‫‪ -‬اإنك ل تزا ُل تتعلق بها‪ .‬لقد ح�سبت اأن هذه ال�سنين قد اأن�ستك ذك َرها‪ .‬فما هى اإل امراأ ٌة من الن�ساءِ‪ُ .‬‬
‫كنت‬
‫بالأم�س اأمر على خبائها ف�سمعت غنا َء �ساحباتها‪.‬‬
‫فقال عنتر ُة فى لهفة‪:‬‬
‫‪ -‬اأكانت تغنى؟ اأهو �سى ٌء جدي ٌد؟‬
‫�سيبوب‪:‬‬
‫ُ‬ ‫‪ -‬فاأجاب‬
‫‪ -‬نعم هو عمار ُة بن زياد فما كاد ي�سم ُع نباأَ موتِك حتى ذهب اإلى اأبيها و�ساق اإليه المهر ثان ًيا‪ .‬وهل‬
‫ألف ناق ٍة مر ًة اأخرى‪ .‬اإنه لم ي�ساأل هذه المرة اإذا كانت النوق من‬ ‫كان مالك لياأبى عمارة‪ ،‬وهو ي�سوق اإليه ا َ‬
‫((( اأ�سفر وجه عنترة‪ :‬اأ�سرق‪.‬‬
‫‪110‬‬
‫الع�سافي ِر اأم هى من الن�سور‪.‬‬
‫ف�سكت عنترة حينا ثم قال فى فتورٍ‪:‬‬
‫‪ -‬وهى؟ اأتقو ُل اإنها تغنى؟‬
‫�سيبوب‪:‬‬
‫ُ‬ ‫فقال‬
‫لم اأقل اإنها تغنى‪ .‬اإننى �سمعت الغناء من خبائها‪.‬‬
‫ثم نظر اإلى القافلة العظيمة وقال‪:‬‬
‫‪ -‬ولكن خبرنى كيف بلغت هذا؟‬
‫فقال عنتر ُة فى حزنِ ‪:‬‬
‫أمال‪ .‬ثم ت�سحك اأحيانًا‬ ‫تدع للمرء ا ً‬
‫وت�سمن فال تكا ُد ُ‬
‫ُّ‬ ‫تعب�س اأحيانًا وتُد ِبر‬
‫ا�ساأل الأيا َم كيف تعبثُ بنا؟ اإنها ُ‬
‫والفر�سان يطعنوننى وقد �سقطت‬
‫ُ‬ ‫وت�سخو وتقب ُل فال تدرى اأكانت جادة فى اإقبالها اأم فى اإدبارها‪ .‬لقد راأيتنى‬
‫بينهم �سري ًعا‪ .‬وهاأنت هذا ترانى اأعود اإليك وهذه القافلة العظيمة ت�سير ورائى‪.‬‬
‫واأطرق حينًا‪ ،‬ثم قال كاأنه يحدث نف�سه‪:‬‬
‫‪ -‬باط ٌل وغرو ٌر و�سخري ٌة من الحمقى‪.‬‬
‫فقال �سيبوب متعج ًبا‪.‬‬
‫‪ -‬ل�سد ما تغيرت يا اأخى!‬
‫فاأجاب عنترةُ‪ :‬لقد تقلب بى الده ُر وهزنى‪ .‬كم حروب �سهدتها وكم بال ٍد راأيتها‪ .‬ق�سيت هذه ال�سنين‬
‫له ًيا عن نف�سى فكنت ل اأح�س اإل اأننى تاجر دماء اأقتل واأقتل واأقتل ول اأكاد اأحيا لنف�سى‪ .‬وذُقت ما ذُقت من‬
‫نعي ٍم ولهو ولكنى لم اأح�س يو ًما اأننى �سعيد‪ .‬قل لى يا �سيبوب كم َغزوتُم وكم ُغزِيتُم؟ وماذا َغنِمتُم وماذا َغنِم‬
‫الأعداء منكم؟ وحدثنى اأما ذكرتم يو ًما عنترةَ؟‬
‫فقال �سيبوب فى حرارةٍ‪:‬‬
‫زلت اأذكرك فى �سباحى وم�سائى‪ .‬وكم ندمت اأننى لم اأبق معك حت نقتل جمي ًعا‪ .‬كانت الحياة عندى‬ ‫‪ -‬ما ُ‬
‫ل�ست عنتر َة الذى عرفت‪.‬‬ ‫كئيبة موح�س ًة يا عنترةُ‪ .‬ولكنك هكذا تعود مرة اأخرى‪ .‬اأاأنت عنترة حقا؟ وحق منا َة َ‬
‫�سيبوب‪:‬‬
‫ُ‬ ‫فاأطرق عنتر ُة غائ ًبا فى فكره وا�ستمر‬
‫أعرف كل جارح ٍة فيك لكذبت نف�سى‪ .‬ولكنى اأعرفُ كل‬ ‫ل�ست اأخى‪ .‬ولو لم ا ْ‬ ‫‪ -‬ل�سد ما تغيرت حتى كاأنك َ‬
‫اإ�سبع من بدنك‪.‬‬
‫اأتذكر ذلك الكندى التى حاربته‪ ،‬من اأجل عبل َة‪.‬‬
‫فرفع عنتر ُة را َأ�سه فى �سىء من ال�سجر وقال‪:‬‬
‫‪ -‬ولكن ما جدوى حديثك هذا؟ اإننى ل اأ�ساأ ُلك عن ك ِّل هذا‪.‬‬
‫فقال �سيبوب‪:‬‬
‫أهاب حدي َثك‪،‬‬
‫اإنى اأذك ُر هذه الآثا َر لكى تذكرنى باأنك اأخى‪ ،‬ولولها لما �سدقت عينى‪ .‬اإننى اأكا ُد اأخافُك وا ُ‬
‫‪111‬‬ ‫دار النمر للطباعه‬
‫احلقيقة‬
‫الطريقااإلىإلىالديار‬
‫(‪ )15‬عودة‬
‫(‪)3‬‬

‫َ‬
‫�سحك وقا َل‪:‬‬ ‫فلم يملك عنتر ُة اأن‬
‫‪ -‬كفى حدي ًثا عنك وعنى وعن هوؤلء‪ .‬لقد �ساألتُك اأن تحدثنى عنها‪.‬‬
‫فقل �سيبوب‪:‬‬
‫�سيكون زفافها يو َم عروبة(((؟‬
‫ُ‬ ‫يكون زفافُها بعد ثالثٍ ‪.‬‬ ‫‪ -‬وماذا اأقو ُل لك عنها‪� .‬سوف ُ‬
‫ف�ساح عنترةُ‪:‬‬
‫اأتقو ُل اإنها َر ْ‬
‫�سيت‪:‬‬
‫فقال �سيبوب‪ :‬لم اأقل َر�سيت‪ ،‬وماذا َيعنينى اإذا كانت ر�سيت اأو اأبت‪ .‬لقد َر�سى اأبوها‪ ،‬ول�سوف اأحرق‬
‫أزوجك من هند بنت‬ ‫وقلب مالك بن قراد وعمرو بن مالك‪ ،‬بل �سوف اأحرقُ قلب عمار َة بن زياد عندما ا ُ‬ ‫قل َبها‪َ ،‬‬
‫زهير‪ .‬اأما قلت اإن اأباها زهي ًرا قد قُتل؟ لقد �سار ابنه قي�س �سيد عب�س‪.‬‬
‫فقال عنترةُ‪ :‬اأقت َل زهي ٌر؟ اأما اإنه قد كان �سي ًدا كري ًما‪.‬‬
‫و�سكت لحظ ًة ثم قال فى هدوء‪ :‬هند‪ ،‬قي�س‪ ،‬زهي ٌر‪ ،‬هذه كلها اأ�سماء اأ�سم ُع َ‬
‫لفظها‪.‬‬
‫ولكن عبلة قد تزوجت‪ .‬اأما تقول اإن زفا َفها يوم عروبة؟‬
‫�سيبوب‪ :‬نعم يوم عروبة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫فقال‬
‫وجعل يعد الأيا َم على اأ�سابعه وقال‪:‬‬
‫‪ -‬بعد ثالث ِة اأيا ٍم!‬
‫متدفق‪ .‬وكان‬‫ٍ‬ ‫م�سطرب‬
‫ٍ‬ ‫�سيبوب فى حديثه يذك ُر حوادثَ تلك ال�سنين فى �سياقٍ‬ ‫ُ‬ ‫فاأطرق عنتر ُة وم�سى‬
‫عنتر ُة يغمغ ُم فى اإطراق ِه بنغ ٍم حزينٍ ثم رف َع را َأ�سه بعد حين وقال‪:‬‬
‫الحج اإلى الكعبة فمر‬ ‫يطلب َّ‬ ‫‪ -‬اإذا �سوف اأعو ُد اإلى عب�س فاأمر بعر�سِ ها اآخر الأمرِ‪ ،‬كاأننى مكدو ٌد((( �سار ُ‬
‫أ�سوات الغنا ِء‬
‫َ‬ ‫فى طريقه بق�س ِر بخيل يحيى وليم َة‪ .‬فجعل ينظ ُر اإلى الأ�سوا ِء المنبعث ِة من الق�سرِ‪ ،‬وي�سم ُع ا‬
‫والق�سف‪ ،‬وهو ي�سي ُر �سعي ًفا محرو ًما خافت ال ِ‬
‫أنفا�س‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫والمرح‬
‫ِ‬
‫�سيبوب‪ ،‬واأح�س كاأن هذا الف�ساء ي�سيقُ بى اأقلت اآن ًفا اإن عبل َة كانت تغنى؟‬ ‫ُ‬ ‫اإنك قد مال َأت قلبى حزنًا يا‬
‫�سمعت الغناء من خبائها‪ .‬ولكنها امراأ ٌة واأحب اأن‬ ‫ُ‬ ‫�سيبوب فى رفق‪ :‬لم اأقل اإنها كانت تغنى‪ .‬لقد‬ ‫ُ‬ ‫فقال‬
‫غيظا من الحزن‪ ،‬اإذا راأتك واأنت تعو ُد اإلى عب�س بهذه القافل ِة كلها‪.‬‬ ‫اأراها تاأكل قلبها ً‬
‫الجرح ل يزا ُل دام ًيا‪ .‬كنت ح�سبت اأنه قد اندمل((( وكنت‬ ‫َ‬ ‫�سيبوب‪ ،‬فاإن‬
‫ُ‬ ‫فقال عنترة‪ :‬اأم�سك ويلك يا‬
‫عدت اإلى اأر�سى وراأيتها‪ .‬وهاأنت هذا تعي ُدنى اإلى نف�سى القديمة فجاأة‪ ،‬كاأن تلك‬ ‫اأ�ساأ ُل نف�سى كيف اأكون اإذا ُ‬
‫كنت من �سنين لم يتغير فى قلبى �سى ٌء‪.‬‬ ‫ال�سنواتِ قد ُطويت ك ُّلها فى يوم فاأنا اليو َم كما ُ‬
‫�سيبوب‪ :‬واأما اأنا فاإن قلبى ممتلئ حق ًدا كما كان ممتل ًئا حق ًدا‪ .‬فهل تريد اأن تعود ا ّإلى هوؤلء‪ ،‬تتذل ُل‬ ‫ُ‬ ‫فقال‬
‫وتطلب منهم بناتهم‪ ،‬فيقولون لك اإنك اب ُن زبيبة؟‬ ‫ُ‬ ‫لهم‬
‫((( يوم عروبة‪ :‬يوم الجمعة‪.‬‬
‫((( مكدود‪ :‬مرهق‪.‬‬
‫((( اندمل‪ :‬برئ‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫أح�س لهم‬
‫فقال عنترة‪ :‬ل�ست اأدرى كيف األقاهم وكيف يلقوننى ‪ .‬اإننى ن�سيتهم حينا‪ ،‬وخيل ا ّإلى اأننى لن ا َّ‬
‫خلج ًة فى طياتِ نف�سى‪.‬‬
‫ولكنى ل�ست اأدرى‪.‬‬
‫أم�سك عن الكال ِم حينا‪ ،‬وتبللت عيناه بالدمع ثم قال‪:‬‬ ‫وا َ‬
‫‪ -‬لن اأر�سى اأن تكون عبل ُة امراأتى اإذا هى ر�سيت بغيرى‪:‬‬
‫�سيبوب‪ :‬اأو تر�سى بها اأنت اإن ر�سيت بك؟‬ ‫ُ‬ ‫ف�ساح‬
‫فقال عنتر ُة فى رقةٍ‪ :‬اأتقو ُل اإنك لم ترها؟ األم تقع عينُك عليها يوما تطلع كال�سم�س‪ ،‬وتزهر كالقمر ويفوح‬
‫ن�سي ُمها كالزهر؟‬
‫اأما �سمعتها تتحدثُ ؟ اأما �سمعت زبيب َة تتحدثُ عنها؟ ولكننى لن اأر�سى بها اإل اإذا كانت هى تر�سى بى‪.‬‬
‫�سيبوب ً‬
‫قائال‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ف�سحك‬
‫خطب ي�سي ٌر يا عنترةُ‪ .‬اطلع عليها بهذه الإبل‪ ،‬ول�سوف تفو ُز بر�ساها‪.‬‬ ‫‪ -‬هذا ٌ‬
‫فاأم�سك عنترة بذراع اأخيه وقال له جا ًّدا‪:‬‬
‫�سيبوب ول تتردد فى ٍ‬
‫حرف مما‬ ‫ُ‬ ‫‪ -‬قلت لك اإنك تثي ُر نف�سى‪ ،‬وتمالأ �سدرى غ�س ًبا‪ .‬ا�سمع اأيها‪ ..‬ا�سمع يا‬
‫اأقول‪ .‬ا�سمع واأطعنى فيما اأقو ُل حر ًفا حر ًفا‪.‬‬
‫فنظر اإليه �سيبوب خا�س ًعا وقال‪:‬‬
‫‪� -‬ستجدنى مطي ًعا‪.‬‬
‫فقال عنترةُ‪:‬‬
‫خرجت منها‪ ،‬ل�سوف اأعو ُد اإليها األتم�س قوتى بقو�سى و�سهمى‬ ‫ُ‬ ‫أحب اأن اأعو َد اإلى عب�س اإل كما‬ ‫‪ -‬ل�ست ا ُّ‬
‫ن�سب‪ ،‬فاإنى راأيت من الحياة ما زهدنى فى كل جاه ون�سب‪ .‬لقد كنت‬ ‫أحر�س على جا ٍه ول على ِ‬ ‫و�سيفى‪ .‬لن ا َ‬
‫اأغ�سب لأ�سياء اأراها اليو َم ل تغ�سبنى‪ .‬كنت اأغ�سب اإذا لم اأجد لى بين النا�س مكانًا‪ .‬ولكنى اليوم ل اأبالى‬
‫قلت لك‪.‬‬
‫�سيبوب فا�سمع واأطع كما ُ‬‫ُ‬ ‫أكون بين النا�س‪ .‬ل اأبالى ب�سىء من كل ذلك يا‬ ‫اأين ا ُ‬
‫ثم التفت اإلى القافل ِة العظيمةِ‪ ،‬وكانت ت�سي ُر فى طريقها نحو اأر�س ال�سربة وقال‪:‬‬
‫البطاح؟ اذهب وراءها اإلى منازل عب�س حتى اإذا ما جئتها فناد الم�ساكين‬ ‫َ‬ ‫‪ -‬اأترى هذه القافلة التى تمالأ‬
‫الذين كانوا ي�سيرون ورائى ويحاربون معى‪ .‬وادع ال�سعاليك َ الذين كانوا يلوذون بى‪ ،‬ففرق هذه الأحمال‬
‫فيهم حتى ل تبقى منها �سيئا‪ .‬كل عبيدى هوؤلء اأحرا ٌر‪ .‬ولهم من القافلة ما �ساءوا‪ .‬ثم ام�س بهذه الإبل التى‬
‫تراها بين �سوداء وبي�ساء ففرقها بين ال�سعفاء حتى ل تبقى منهم واح ًدا فقي ًرا‪ .‬فاإذا بقيت منها بعد ذلك‬
‫أتيت بها لتكون‬
‫لوح�س ال�سباع‪ ،‬وهذه النوقُ الع�سافير التى ا ُ‬ ‫ِ‬ ‫بقي ٌة فانحرها واألق بها فى القفر‪ ،‬لتكون وليم ًة‬
‫م َهر عبل َة‪ ،‬اذهب بها اإلى مالكِ بن قراد‪ ،‬وقل له هى هدي ٌة لعبل َة لينح َرها يوم زفافها‪ ،‬ويطعم منها قوم عمارة‬
‫بن زياد ومن يجىء من اأحياء العرب‪ ،‬لي�سهدوا عر�سه ثم احمل هذه الأحمال التى تراها فى اآخر القافلة‬ ‫ِ‬
‫وفار�س واأذربيجان؛ لتكون هدية لعبلة يوم‬ ‫ِ‬ ‫على الإبل ال�سوداء‪ .‬فقد اأودعت فيها تح ًفا من طرائِف العراق‬
‫‪113‬‬ ‫دار النمر للطباعه‬
‫(‪ )15‬عودة اإلى الديار‬

‫جلوتها(((‪ .‬فخذ هذه واذهب بها اإليها هى‪ ،‬واأبلغها اأننى كنت وعدتها يو ًما فى غ�سبى اأن اأهدى اإليها هدي ٌة‬
‫يو َم زفافها‪ .‬قل لها هذه هديتى بدل تلك التى وعدتها‪ .‬قم من ُذ ال�ساع ِة ول تنطق بحرف و�ساأنتظر هنا حتى‬
‫تنفذ اأمرى وتعود ا ّإلى بعد ثالث‪.‬‬
‫�سيبوب اأن يتكلم فاأ�سار اإليه عنتر ُة ياأمره بال�سكوت قائال‪:‬‬
‫ُ‬ ‫واأراد‬
‫�سيبوب‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫بحرف يا‬ ‫‪ -‬اأما وعدت اأنك تطيعنى‪ .‬اذهب وافعل ما اأمرتك‪ ،‬ول تنطق‬
‫�سيبوب حينا ينظر اإليه‪ .‬ثم‬
‫ُ‬ ‫الركاب فانطلق به فى الوادى‪ .‬ووقف‬
‫َ‬ ‫ثم وثب على فر�سِ ه‪ ،‬واأغمد فى جنبه‬
‫هز را َأ�سه و�سار يقو ُد القافل َة نحو ديا ِر عب�س‪.‬‬

‫((( جلوتها‪ :‬عر�سها وزفافها‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫احلقيقة‬
‫خاتـمـةإلى�صـعـيـدة‬
‫الطريق ا‬
‫(‪)16‬‬
‫(‪)3‬‬

‫فجاج((( ال�سحرا ِء ي�سيد طعا َمه كما كان يفعل من قب ُل‪ ،‬وكان‬ ‫ي�سرب فى ِ‬ ‫ُ‬ ‫ام�سى عنتر ُة اليا َم الثالث َة‬
‫الحزن والجوى حتى يرى‬ ‫ُ‬ ‫فى اأثناء ذلك موزع ًا بين موجاتٍ عنيف ٍة من اأ�سجانٍ مت�سادم ٍة فكان حينًا يثو ُر به‬
‫البراح‪� .‬سواء اأكان‬ ‫ِ‬ ‫يهب فينطلقَ بجوادِه فى‬ ‫الغ�سب حتى َّ‬‫ِ‬ ‫الف�ساء ي�سيق به‪ ،‬وحينا تدفعه موجة اأخرى من‬
‫فيح�س كاأن قل َبه قد جم َد و�سال‪ ،‬فلم‬ ‫ُّ‬ ‫حالت هدو ِء �ساه ِم واج ِم‪،‬‬
‫ُ‬ ‫فى ليل اأم نهار‪ .‬وكانت تعتريه بين هذه وتلك‬
‫غ�سب‪ .‬وكان فى اأثناء ذلك كله ينتق ُل من مكانِ اإلى مكانِ حيث كان ينتقل‬ ‫يبق فيه ما يحمله عن حزن ول على ٍ‬
‫من قبل اذ كان يرعى اإبل �سدادٍ‪ ،‬وهو بين حين واآخر يغنى ب�سعر يتدفق به م�ستعيد ًا ذكرياته‪ .‬كان يع ِّر ُج‬
‫ال�سافى‪ ،‬ويع ّر ْج‬
‫ِ‬ ‫و�سرب من مائها البار ِد‬ ‫َ‬ ‫على ال�سخور المل�ساء التى طالما توغ َل فيها((( بعد زوال المط ِر‬
‫على بطون الأودي ِة التى ت�سقق طينها الأ�سف ُر بعد ان جف وكان يمي ُل بين حين واآخر على زهر ٍة من ال َعرار‬
‫بين ال�سوكِ اأو عو ٍد من الخُ زامى((( بين ال�سبير اأو اأقحوان ٍة بين الحنط ِل فيتاأمل �س َكلها وي�س ُّم رائحتها كاأنه‬
‫الجولت تعيد اإليه‬‫ُ‬ ‫تعي�س عبل ُة فى عب�س؟ وكانت تلك‬ ‫ي�ساألها كيف يثوى((( الزَّه ُر بين ال�سوك؟ والمراد كيف َ‬
‫اطمئنانَه بعد اأن يمالأ �سدره من الهوا ِء كما كان يملوؤه اذ كان فتى خالي ًا‪.‬‬
‫ارتياحا‬‫ً‬ ‫تخل�س من الأموالِ العظيمة التى حملها معه من المدائِن والحيرِة اأح�س‬ ‫َ‬ ‫وكان كلما تذكر اأنه قد‬
‫روحه الذى كان قد‬ ‫عجيب باأنه قد ا�ستعاد َ‬ ‫كاأنه قد تخل�س من ثقل كان يجثم فوق �سدره‪ ،‬ودب اإليه �سعو ٌر ٌ‬
‫أر�س العراق‪.‬‬‫فارقه منذ دخل ا َ‬
‫(((‬
‫�سنوات �سجنٍ �سيق �ساهت‬ ‫ُ‬ ‫ال�سنوات التى ق�ساها بعيد ًا عن اأر�سه تلو ُح له كاأنها‬
‫ُ‬ ‫وعند ذلك كانت تلك‬
‫ال�سجن‬
‫َ‬ ‫نب�سه‪ ،‬وخيل اإليه اأنه قد فارق ذلك‬ ‫فيها نف�س ُه حتى كاد ينك ُرها وتغي َر فيها قل ُبه حتى كاد ل يعرفُ َ‬
‫وال�سم�س التى تب�س ُم حين ًا‬
‫َ‬ ‫يعرف النو َر وحيث يرى النجو َم ال�ساطع َة والبد َر المتاألقَ‬ ‫اإلى حيث ي�ستطي ُع اأن َ‬
‫وت َْحرِقَ حين ًا والهوا َء الذى يع�سفُ مر ًة ُّ‬
‫ويهب فى وداع ٍة مر ًة اأخرى‪.‬‬
‫العجب من هدوئه‬ ‫ِ‬ ‫عجب اأ�س ُد‬
‫ولم يخل قل ُبه فى كل تلك الجولتِ من ذكر عبلة‪ ،‬ولكنه كان كلما ذكرها َ‬
‫كاأنه كان واثق ًا من اأنها ل تزال تنتظره‪ .‬فاإذا تذكر عمار َة بن زياد لم يغ َْ�س ْب ولم يحقد‪ ،‬بل كاد قلب ُه يعطفُ‬
‫عليه كاأنما يوا�سيه عن ان�سراف عبلة عنه‪ .‬وكان يناجى �سورتها‪ ،‬ويتمثلُها تقب ُل عليه باكي ًة معتذر ًة تعي ُد عليه‬
‫كلمتَها يو َم ودعته فى �سيبان «�سوف اأنتظرك واإن طالت غيبتك»‪.‬‬
‫�سيبوب يو َم عاد اإلى ار�س‬ ‫َ‬ ‫وم�سى اليو ُم الثالثُ وانق�سى يو ُم عروبة وعاد اإلى الربو ِة التى لقى عليها‬
‫ال�سربة فى قافلته العظيمةِ‪.‬‬
‫ال�سم�س فدخل اإلى �سد ِره �سى ٌء من الوح�س ِة و�ساأل نف�سه‪ :‬ليت‬ ‫ِ‬ ‫غروب‬
‫ِ‬ ‫وهبط عليه الظال ُم فجاأ ًة بعد‬
‫الفج ‪ :‬الطريق الوا�سع بين جبلين‪.‬‬ ‫(((‬
‫توغل فيها‪� :‬سعد فيها‪.‬‬ ‫(((‬
‫الخزامى‪ :‬نبات طيب الرائحة‪.‬‬ ‫(((‬
‫يثوى‪ :‬يقيم وي�سكن‪.‬‬ ‫(((‬
‫�ساهت فيها نف�سه‪ :‬قبحت‪.‬‬ ‫(((‬

‫‪115‬‬ ‫دار النمر للطباعه‬


‫(‪ )16‬خاتـمـة �صـعـيـدة‬

‫أتكون عبل ُة قد ُزفَّت حقًّا اإلى عمارةَ؟‬


‫�سيبوب فلم يع ْد ا ّإلى؟ ا ُ‬
‫َ‬ ‫�سعرى ما الذى عاق‬
‫ثم طلع القم ُر فاأ�ساء الف�سا َء واأخذ عنتر ُة ف�سلة من لح ِم غزالٍ بقيت عنده‪ ،‬وق�سى الليلة متغن ًيا ب�سعرِه‬
‫حتى طلع الفجر فاأغفى اإغفاءة اأفاق منها على �سوتٍ يناديه وال�سم�س تر�س ُل �سعاعها عليه من وراء التالل ثم‬
‫راأى زبيبة فقام م�سر ًعا يثب فوق الرمال حتى اأح�س بنف�سه بين ذراعى اأمه‪ .‬واأر�سلت زبيبة ابنها ممن بين‬
‫نف�سها عليه مر ًة اأخرى وهو يم�س ُح على راأ�سِ ها‬ ‫إعجاب‪ ،‬ثم زغردت واألقت َ‬ ‫ذراعيها وجعلت تنظر فى ده�سة وا ِ‬
‫مختنق‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫بعطف‪ ،‬وتبللت عيناها دمع ًا وقالت ب�سوتٍ‬ ‫ٍ‬
‫�سيبوب ول ما قال النا�س عنك‪.‬‬
‫ُ‬ ‫أح�س منذ فارقتنى اأنك عائد ا َّإلى يوم ًا‪ .‬لم اأ�سدق ما قال‬ ‫كنت ا ُّ‬‫لقد ُ‬
‫مالب�س اأمه واأخيه‪ ،‬فقد كانا يلب�سان تالفيقَ‬
‫ِ‬ ‫ولم يجد عنتر ُة فى دفع ِة اللقاء ما جعله يفرغ اإلى تاأمل‬
‫طوع هواه من اأحمالِ القافلة‪.‬‬ ‫الثياب اختارها كل منهما َ‬ ‫عجيبة من ِ‬
‫خف من الفرو الأ�سود وتمنطقت((( بمنطق ٍة ف�سي ٍة نزعتها‬ ‫فكانت زبيبة فى حل ِة حمرا َء‪ ،‬وفى قدميها ُّ‬
‫العقيق والمرجان‪ ،‬وجعلت على يديها اأ�ساو َر من الف�سة والذهب‬ ‫ِ‬ ‫من حمائِل �سيف‪ ،‬وتقلدت ببع�س قالئ َد من‬
‫والكهرمان‪.‬‬
‫بالق�سب وجعل‬
‫ِ‬ ‫ذات ري�س ِة عالية‪ ،‬ولآلىء تبرق من تحتها‪ ،‬وتلفع بثوب محلى‬ ‫يلب�س عمام ًة َ‬
‫�سيبوب ُ‬ ‫ُ‬ ‫وكان‬
‫فى و�سطه �سيف ًا محلى بالذهب والف�سةِ‪ ،‬ولم يبخل على رمحه بحلية من عقود المرجان و�سرائطِ الحريرِ‪.‬‬
‫وتب�سم عنتر ُة عندما تنبه اإلى ملب�سهما‪ ،‬ولكنه لم يجد مت�سع ًا للحديثِ ‪ ،‬فقد راأى رك ًبا عظي ًما يقبل عليه‬
‫وراء ثنية الوادى‪ .‬فنظر اإلى القادمين وتهلل وج ُهه فرح ًا وهم�س اإلى �سيبوب‪:‬‬
‫اأكان الزفافُ يو َم عروبة؟‬
‫�سيبوب بعينه مرح ًا وقال فى خبث‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫فغم َز‬
‫�سوف اأحد ُثك طوي ًال‪.‬‬
‫الفتيان فوقَ الخيولِ يملئون البطحاء الممتدة بين‬ ‫ُ‬ ‫وجاء القو ُم جمع ًا بعد جمع يحيون عنتر َة وكان‬
‫الكثبان‪ ،‬يهتفون با�سم عنتر َة ويلوحون بال�سيوف والرماح‪ .‬وجاء فى �سدر الجموع قي�س بن زهير �سي ُد‬
‫عب�س فى اآل جذيم َة واآل �سداد‪ ،‬وجاء من بعدهم �سادة عب�س وفيهم عمار ُة بن زياد‪ .‬وكان عنتر ُة يلقاهم با�سم ًا‪،‬‬
‫والفتيات يقبلن‬
‫ُ‬ ‫متحرك ال�سجون‪ .‬وكانوا ينظرون اإليه فى عجب‪ :‬اأذاك هو عنترةُ؟ وكان الن�سا ُء‬ ‫ُ‬ ‫ويحييهم وهو‬
‫عليه �ساحكات يرحبن به ويرفعن اأيديهن اإلى نحورهِ ن بلم�س العقو ِد المتالألئ ٍة التى بعث بها اإليهن‪ ،‬ويلوحن‬
‫بمعا�سمهن ليظهرن الأ�ساور التى اأخذنها من هداياه‪.‬‬
‫ثم جاءت اأختُه مرو ُة واإلى جانبها عبلة تم�سى على ا�ستحياء فراآهما وما يرى فيهما �سوى عبلة تنظر‬
‫يكون ابت�سامة ولكنها كانت‬ ‫نحوه فى خف ٍر((( وتكاد تتعثر فى م�سيتها‪ ،‬وكان يبدو على وجهها ما ي�سبه اأن َ‬
‫ب�سم ًة متردد ًة فيها �سى ٌء من الرتباك و�سى ٌء من الخ�سيةِ‪.‬‬

‫((( تمنطقت ‪� :‬سدت و�سطها‪.‬‬


‫((( خفر‪ :‬حياء‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫وحيا عنترة اأختَه با�سم ًا عاط ًفا ‪.‬ولكنه كان م�سغو ًل فيما يقوله اذ �سلمت عليه عبل ُة‪.‬‬
‫ومرت عليه لحظ ٌة ق�سير ٌة طويل ٌة ثم �سمع اأخته ت�سح ُك وتقو ُل له فى عبثها كعادتِها‪:‬‬
‫ح�سبت اأنك �سوف تخطفُ عبل َة منذ تق ُع عينُك عليها ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫‪ -‬لقد‬
‫فنظر اإلى عبل َة وابت�س َم لها‪ ،‬وما كاد ياأخ ُذ يدها حتى وجد اأنه يقاو ُم دافع ًا قو ًّيا ل يقوى عليه‪.‬‬
‫و�سمعها تقول فى هم�س‪:‬‬
‫مرحب ًا بك عنترة‪.‬‬
‫(((‬ ‫فهم اأن يرف َع يدها اإلى �سفتيه فاأح�ست بحركته فقب�ست ي َدها فى رفق‪ ،‬وحاولت اأن تج َد ً‬
‫لفظا تتوارى‬
‫ببع�س األفاظٍ‬
‫لفظا‪ ،‬فاأطرقت وغمغمت ِ‬ ‫به عن اأعين الذين اأح�ست نظراتهم جمي ًعا تقع عليها‪ .‬ولكنها لم تجد ً‬
‫م�سطربةٍ‪ ،‬وخي َل اإليها اأن تلك اللحظة الق�سيرة قد امتدت دهر ًا ‪ ،‬فلوت را َأ�سها تريد اأن تف�سح لغيرها ممن‬
‫ازدحمن حولها لتحية عنترة‪.‬‬
‫فقال عنترة كاأنه ينطق بغير وع ِيه‪:‬‬
‫�سيدتى؟‬
‫وما كاد يت ُّم كلمتَه حتى �ساحت اأختُه مروة �ساحك ًة فى خبثها‪:‬‬
‫‪ -‬اأما �سمعتم قوله ‪:‬عنتر ُة عبد عبلة؟‬
‫فانفجرت �سحك ُة من الحا�سرين ونظرت اإليه عبل ُة عاتب ًة واحمر وجهها‪ .‬ولكن �سحاب َة الوجو ِم انق�سعت‬
‫مرح وهو ل يزال مم�سك ًا بيد عبلة‪:‬‬ ‫عند ذلك‪ ،‬وانطلق عنتر ُة يقو ُل لأخته فى ٍ‬
‫أخت الحبيبة تذكرينني باأيامى ال�سعيدة ‪ .‬اأيا َم كان عب ُثك يغيظنى‪.‬‬ ‫‪ -‬اإنك اأيتها ال ُ‬
‫فقالت �ساحك ًة‪:‬‬
‫اأما ُ‬
‫يغيظك اليو َم؟‬
‫واتجهت اإلى عبلة فى خف ٍة قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬ولكنه مازال يغيظها‪ .‬انظر اإليها كيف ينطق وج ُهها بكراهتى‪.‬‬
‫ثم اتجهت اإلى عنتر َة قائل ًة‪:‬‬
‫‪ -‬ما هذا اللقا ُء الفات ُر يا عنترةُ؟‬
‫ثم عادت اإلى عبلة فقالت لها‪:‬‬
‫ها هو ذا دونك فتعلقى برقبته‪ .‬اأما كنت تقولين لى متى اأراه‪.‬‬
‫الجميع‪.‬‬
‫ِ‬ ‫فعاد ال�سح ُك اإلى‬
‫�سم�س ذلك اليوم مر ًة اأخرى كما غربت �سائ ُر الأيام‪ ،‬وكانت النيران توقد فى �سِ عب الجواء‪،‬‬ ‫وغربت ُ‬
‫جانب ب�سع ِر عنترة‪ ،‬واجتمع فتيان عب�س على الخيل فى الف�ساء‬ ‫واأ�سدا ُء الغنا ِء تتردد بين الخيا ِم من كل ٍ‬
‫يتقلب فوقها‬‫الف�سيح حول الحِ لة‪ .‬يتطاردون ويتراق�سون فوق الجياد‪ ،‬بع�سهم واقف على ظهرِها وبع�سهم ُ‬
‫ويدور من تحت بطونها‪ ،‬وخرج فيهم عنترة وكانت عبلة على جوادِها اإلى جانبه حتى اإذا �سار فى و�سطِ‬
‫((( توارى‪ :‬تختفى‪.‬‬

‫‪117‬‬ ‫دار النمر للطباعه‬


‫(‪ )16‬خاتـمـة �صـعـيـدة‬

‫((( (((‬
‫الحِ لة تقد َم عنتر ُة �ساه ًرا �سيفَه فى �سوء النيران الموقدةِ‪ ،‬ورك�س جواده فى و�سط الحِ لة من�سد ًا‪:‬‬
‫(((‬
‫ون �� �س �ي � ُم �ه��ا ي �� �س��رى ب �م �� �س��كِ اأذف� � � � � ِر‬ ‫اأر�� � � ُ� ��س ال � ��� ِ��س� ��ر َّب � � ِة ت� � ْرب� �ه���ا ك��ال �ع �ن �ب��ر‬
‫ب� �م� �ث� �ق � ِ�ف((( �� �س� �ل � ِ�ب ال � �ق� ��وا ِئ� ��م اأ� �س �م��ر‬ ‫ي� ��اع � �ب � � َل ك � ��م م � ��ن غ� � �م � ��ر ِة ب ��ا�� �س ��ر ُت� �ه ��ا‬
‫وال� � � � �ق � � � ��و ُم ب � �ي� ��ن م�� � �ق� � ��د ٍم وم�� � �وؤخ�� � � ِر‬ ‫ف� �اأت� �ي� � ُت� �ه ��ا وال� ��� �س� �م� �� � ُ�س ف� ��ى ك � �ب � � ِد ال �� �س �م��ا‬
‫وكانت الأ�سدا ُء تترد ُد فى الف�ساء من اإن�ساد الفتيان فى نواحى الميدان‪:‬‬
‫غ� � � �ي� � � � ُر م� � � �ج� � � �ه � � ��ولِ ال� � �م� � �ك � ��ان‬ ‫�رب ال � � �ع� � ��وان‬
‫ان � � � ��ا ف � � ��ى ال � � � �ح� � � � ِ‬
‫ف � � ��ى دج � � � ��ى ال � � �ن� � �ق�� � ِ�ع ي � ��ران � ��ى‬ ‫اأي� � � �ن� � � �م � � ��ا ن� � � � � � ��ادى ال � � �م � � �ن� � ��ادى‬
‫وال � � �ح � � �� � � �س� � ��ا ُم ال� � �ه� � �ن � ��دوان � ��ى‬ ‫خُ � � � � � � � ِل� � � � � � ��قَ ال� � � � � � ��رم � � � � � � � ُح ل � �ك � �ف� ��ى‬
‫ف � � � ��وق راأ� � � � �س� � � ��ى ي � �وؤن � �� � �س� ��ان� ��ى‬ ‫وه � � � �م� � � ��ا ف� � � � ��ى ال � � � �م � � � �ه � � � � ِد ك � ��ان � ��ا‬
‫م�� � ��ن � � ِ� ��س � � ��راب � � ��ى وطِ � � � َع� � ��ان� � ��ى‬ ‫اأت� � � � � � � � � � � � ُ‬
‫�رك ال � � � � � �ق� � � � � ��و َم ح� � � �ي � � ��ارى‬
‫وزوجه اإلى ال�سرادق العظيم الذى اأقامه‬ ‫ُ‬ ‫مطلع الفج ِر ركب عنتر ُة‬ ‫ال�ساخب فى ِ‬‫ُ‬ ‫ولما انتهى الحف ُل‬
‫�سيبوب لهما فى اأق�سى الحِ لة‪ ،‬ذلك ال�سرادقُ الذى اأهداه اإليه ك�سرى ومازالت قبائل العرب تتحدث عنه‪،‬‬
‫ب�سفائح الف�سةِ‪ ،‬فاإذا‬
‫ِ‬ ‫بنقو�س الذهب‪ ،‬ودعائ ُمة ملب�س ًة‬
‫ِ‬ ‫كاأنه المدينة اإذا اأقيمت قوائمه‪ .‬كانت جوانبه محال ُة‬
‫ف�سو�س الجواه ِر المنثور ِة على جوان ِبه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫اأ�ساءت فيه الم�سابي ُح فى الليل تالألأت اأنوارها فوق‬
‫�سيبوب وراءهما ي�سيعهما حتى دخال فى ال�سرادق فقال ينادى عنترة‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫و�سار‬
‫‪-‬اأما كنت تري ُد اأن اأحدثك طوي ًال؟‬
‫فنظر عنتر ُة اإليه با�س ًما ثم التفت اإلى عبل َة وا َ‬
‫أم�سك بكتفيها ناظ ًرا اإلى عينيها وقال ‪:‬‬
‫�سماع الحديثِ منها‪.‬‬
‫ل باأ�س عليك يا �سيبوب فاإنى اأحب َ‬

‫((( اأذفر‪ :‬طيب الرائحة‪.‬‬


‫((( بمثقف‪ :‬رمح معتدل‪.‬‬
‫‪118‬‬
‫اأ�صئلة الف�صل اخلام�س‬
‫ع�صر وال�صاد�س ع�صر‬
‫خامتة �صعيدة‬

‫‪« 1‬حدثته نف�صه مرا ًرا اأنه اأخطاأ‪ ،‬واأن االأولى به اأن يعود اأدراجه اإلى الحيرة حيث يقيم عزيز ًا‪،‬‬
‫ويغالب هذا القلب الذى طالما اأذله‪ ،‬وعذبه‪ ،‬ولكنه مع ذلك كله �صار فى طريقه يدفعه دافع‬
‫غام�س‪ ،‬كاأن االأقدار هى التى كانت ت�صيره نحو غاية ال يدركها»‪.‬‬
‫( اأ ( (اأخطاأ ‪ -‬يغالب ‪ -‬عزيز ًا(‪.‬‬
‫✦ ✦هات م�ساد الكلمة الأولى‪ ،‬ومرادف الثانية‪ ،‬وجمع الثالثة فى جمل من اإن�سائك‪..‬‬
‫(ب(ما الدافع الغام�س الذى يجعله يعود اإلى موطنه؟‬
‫(ج�( وازن عنترة بين حاله فى الحيرة وحاله فى ال�سربة‪ ،‬فما نتيجة هذه الموازنة؟‬
‫( د ( لعنترة ذكريات فى الوادى الرملى باأر�س ال�سربة‪ ،‬فما هى؟‬
‫‪ 2‬ما الذى ك�صف عنه حوار عنترة مع �صيبوب؟‬
‫‪ 3‬قال عنترة‪« :‬لقد تغلب بى الدهر وهزنى‪ ،‬كم حروب �صهدتها‪ ،‬وكم بالد راأيتها‪ .‬ق�صيت هذه‬
‫ال�صنين اله ًيا عن نف�صى‪ ،‬فكنت ال اأح�س اإال اأننى تاجر دماء اأقتل واأقتل واأقتل‪ ،‬وال اأكاد اأحيا‬
‫لنف�صى‪ ،‬وذقت ما ذقت من نعيم ولهو ولكنى لم اأح�س يو ًما اأننى �صعيد»‪.‬‬
‫( اأ ( ماذا اأفادت «لقد ‪ -‬كم؟! ولماذا كرر الفعل اأقتل؟‬
‫(ب(لماذا ُحرِم ال�سعادة؟‬
‫(ج�( اكتب ال�سواب من العبارات التالية‪:‬‬
‫✦ ✦كان �سيبوب يذكر عنترة �سباح م�ساء‪.‬‬
‫✦ ✦اإن عنترة لم يتغير‪.‬‬
‫✦ ✦اإن عبلة تزوجت منذ ثالثة اأيام‪.‬‬
‫( د ( ما موقف عبلة من زواجها؟‬
‫‪ 4‬ما راأيك فى ختام الق�صة؟‬

‫‪119‬‬ ‫دار النمر للطباعه‬


‫احلقيقة‬
‫وتــعــقــيــب‬
‫الطريق اإلى‬
‫تـــذيــيــل‬
‫(‪)3‬‬

‫بقراءتك الق�صة وتحليلها لعلك لمحت ولحظت‪:‬‬


‫‪ 1‬اأن الق�سة تاريخية اجتماعية‪.‬‬
‫‪ 2‬اأن البطل �ساعر فار�س‪ ،‬اعتنق المبداأ ال�سامى‪ :‬حب الحرية وبذل الغالى والرخي�س فى �سبيل الح�سول‬
‫عليها‪.‬‬
‫‪ 3‬كان عفي ًفا فى لفظه وقوله‪� ،‬سادق ًا فى م�ساعره‪ ،‬قو ًّيا فى حياته‪ ،‬معب ًرا عما يح�س وي�سعر ويرى فى‬
‫�سعره‪.‬‬
‫‪ 4‬اأن الق�سة و�سعت اأيدينا على بع�س مثالب هذا الع�سر الجاهلى‪ ،‬والتى كانت ظروف الحياة ت�سطر من‬
‫عا�س فى هذا الع�سر اإليها مثل‪ :‬الإغارة على الأعداء‪ ،‬وتبادل الحروب لأتفه الأ�سباب‪ ،‬و�سلب الأموال ‪،‬‬
‫اإهانة ال�سعفاء والعبيد‪ ،‬الهتمام بالطبقية‪ ،‬اأ�سر الن�ساء والأولد‪ ،‬تمجيد القوة ولو كانت غا�سمة‪.‬‬
‫‪ 5‬كما بينت الق�سة بع�س الإيجابيات ‪ :‬مثل البطولة‪ ،‬والدفاع عن القبيلة اأى الوطنية والقومية والنتماء‪،‬‬
‫والوفاء‪ ،‬وال�سجاعة‪ ،‬تمجيد البطولة والهتمام بالأبطال‪ ،‬الهروب من المكان اأو الفعل الذى يوؤدى اإلى‬
‫خف�س الجباه وتنكي�س الراأ�س‪ ،‬حب الحرية والدفاع عنها‪ ،‬وتعليم الن�سء الفرو�سية والدفاع عن النف�س‬
‫والأهل والوطن‪.‬‬
‫‪ 6‬ومن الع�دات‪ :‬الغن�ء للإبل حتى ت�شير الق�فلة فى ن�ش�ط‪ ،‬الطرب ل�شم�ع الحداة والمغنيين‪ ،‬ركوب‬
‫الن�ساء الهوادج لل�سيانة والراحة‪.‬‬
‫الأنقة من اأن ين�سب اإلى الآباء اأحد الأبناء من الإماء‪.‬‬
‫تعيير العبد با�سم اأمه ون�سبه اإليها‪.‬‬
‫قيام العبيد باأعمال ل يقوم بها ال�سادة‪.‬‬
‫ً‬
‫�سيوخا و�سبا ًبا فى تلك‬ ‫الحتفال بالمنا�سبات ال�سعيدة والأعياد‪ ،‬واجتماع رجال القبيلة و�سادتها‬
‫المنا�سبات‪.‬‬
‫وجود رئي�س قوى حكيم للقبيلة ينفذ حكمه ويطاع‪.‬‬
‫المطاردة بين ال�سباب تدري ًبا واإظها ًرا للبراعة واإتقان فنون الحرب والقتال‪.‬‬
‫تن�سئة الأطفال الذكور على ما يجعلهم رجال فر�سانًا فى م�ستقبل حياتهم‪.‬‬
‫الهتمام بالجوار اأى حماية من يطلب حمايتهم اأو يلجاأ اإليهم‪.‬‬
‫تقدير الأ�سهر الحرم ومنها رجب‪ ،‬حيث ل ين�سب قتال فيها بين القبائل واإن تجاوز هذا الحد بع�س‬
‫القبائل للح�سول على ثاأر المقتولين منهم‪ .‬ارتجاز ال�سعر قبل الحرب وعند ال�سطفاف للقتال ووقت‬
‫القتال‪.‬‬

‫‪120‬‬
‫راأى مخت�سر‪ :‬وفق الكاتب فى ق�سته تعبي ًرا ‪ ،‬وت�سوي ًرا ‪ ،‬وتفكي ًرا‪ ،‬وت�سويقً ‪.‬‬ ‫‪7‬‬
‫ا�ستخدم الكاتب بع�س الألفاظ التى كانت م�ستخدمة وقت حدوث الق�سة ‪ ،‬ولهذا احتاجت اإلى ا�ستخدام‬
‫المعجم‪ ،‬ولعله اأراد الربط بين الما�سى والحا�سر ‪ ،‬كما اأراد اإحياءها فى التعبير ؛ لتبقى اللغة غنية‬
‫بمفرداتها‪.‬‬
‫�سجل الموؤلف بع�س اأ�سعار عنترة فى ق�سيدة‪ ،‬وكانت قليلة ومفيدة‪.‬‬
‫والق�سة مفيدة ج ًّدا‪ ،‬وذات اأثر فى تنمية الن�سء وتربيته اإذا اأح�سن الإ�سراف والتوجيه‪.‬‬
‫تم بحمد اهلل‬

‫‪121‬‬ ‫دار النمر للطباعه‬


‫فــــهــــر�س‬
‫تقديم ‪(.........................................................................................................................................................................‬‬
‫بين يدى الق�سة ‪(....................................................................................................................................................‬‬
‫(‪ -‬مغنى القافلة ‪8..................................................................................................................................................‬‬
‫(‪ -‬البطل الثائر ‪((...................................................................................................................................................‬‬
‫(‪ -‬الطريق اإلى الحقيقة ‪((...................................................................................................................................‬‬
‫(‪ -‬حوار �ساخن ‪((..................................................................................................................................................‬‬
‫(‪ -‬خطبة عبلة‪((.......................................................................................................................................................‬‬
‫(‪ -‬البطل الحر ‪((.....................................................................................................................................................‬‬
‫(‪ -‬انت�سار‪(0.............................................................................................................................................................‬‬
‫‪ -8‬عالقة قلقة ‪((.......................................................................................................................................................‬‬
‫‪ -9‬رحيل عبلة ‪((.......................................................................................................................................................‬‬
‫‪ -(0‬حياة الغرباء‪80...............................................................................................................................................‬‬
‫((‪ -‬الفار�س النبيل ‪8(............................................................................................................................................‬‬
‫((‪ -‬المهر الغالى ‪9(...............................................................................................................................................‬‬
‫((‪ -‬رحلة المخاطر ‪9(...........................................................................................................................................‬‬
‫((‪ -‬اإقامة كريمة ‪(0(................................................................................................................................................‬‬
‫((‪ -‬عودة اإلى الديار‪(0(.........................................................................................................................................‬‬
‫((‪ -‬خاتمة �سعيدة ‪(((.............................................................................................................................................‬‬

‫‪122‬‬
‫‪١٢٨‬ﺻﻔﺤﺔ ﺑﺎﻟﻐﻼﻑ‬ ‫ﻋﺪﺩ ﺻﻔﺤﺎﺕ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ‬
‫‪٧٠‬ﺟﺮﺍﻡ ‪٨٢ X ٥٧ ١٨‬‬ ‫ﺍﻟﻤﺘﻦ‬
‫ﻛﻮﺷﻴﺔ ‪ ١٨٠‬ﺟﺮﺍﻡ‬ ‫ﺍﻟﻐﻼﻑ‬
‫‪١‬ﻟﻮﻥ ﻟﻠﻤﺘﻦ ﻭ‪٤‬ﻟﻮﻥ ﻟﻠﻐﻼﻑ‬ ‫ﺍﻟﻄﺒﺎﻋﺔ‬
‫ﺟﺎﻧﺒﻰ‬ ‫ﺍﻟﺘﺠﻠﻴﺪ‬

‫ﺩﺍﺭ ﺍﻟﻨﻤﺮ ﻟﻠﻄﺒﺎﻋﺔ‬

‫دار النمر للطباعه‬

You might also like