You are on page 1of 180

‫كبري أبوبكر أمني‬

‫‪1‬‬
‫أدب ونصوص‬

‫للمدارس الثانوية‬

‫على ضوء املنهج الذي يقرره‬


‫اجمللس الوطين للدراسات العربية واإلسالمية‬
‫التابع ملعهد الرتبية‬
‫جامعة أمحد بلّو‪ ،‬زاريا ‪ -‬نيجرييا‬

‫كبري أبوبكر أمني‬

‫‪2‬‬
©K .A. Aminu 2016
‫ أدب ونصوص‬:‫اسم الكتاب‬
All rights reserved.

No part of this book may be ‫ كبري أبوبكر أمني‬:‫املؤلف‬


reproduced in any form or
translated into any language, by
any means, without the prior ‫م‬2016/‫هـ‬1437 ‫ سنة‬:‫طبعة جديدة‬
written permission of the
copyright owner.

kaabubakar@abu.edu.ng ‫الربيد اإللكرتوني‬

‫© مجيع احلقوق حمفوظة للمؤلف‬ +234 806 221 6364 :‫رقم اجلوال‬
‫حيظر طبع أو تصوير أو ترمجة‬
‫أو إعادة تنضيد هذا الكتاب كامال أو‬
‫جمزءا أو تسجيله على أجهزة اسرتادية إال‬
‫إبنذ مسب ومكتوب‬ 978-978-49235-1-5 :‫الرتقيم الدولي‬
‫من صاحب احلقوق‬ Title: Literature and Text

Author: Kabir Abubakar Aminu

THIRD EDITION 1437 A.H. /2016 A.D.

I.S.B.N: 978-978-49235-1-5

3
‫اإلهداء‬
‫إىل‬

‫أعجوبة الدنيا الثامنة‬

‫زوجيت العزيزة وشقيقة قليب‬

‫أم رفيدة‬

‫سكينة عبد اهلل موسى‬

‫‪4‬‬
‫املقدمة‬

‫بسم هللا الرمحن الرحيم إ احلمد هلل حنمده ونستعينه ونستغفره ونعونذ ابهلل من‬
‫شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده هللا فال مضل له ومن يضلل فال هادي له‬
‫وأشهد أ ال إله إال هللا وحده ال شريك له وأشهد أ حممدا عبده ورسوله‪ ،‬وبعد‪.‬‬
‫عادية كنت أستعملها إللقاء الدروس‬ ‫ٍ‬ ‫كا أصل هذا الكتاب أوراق حماضر ٍ‬
‫ات‬
‫على طالب كلية الشيخ أيب بكر جومي َزا ِرََي حيث كنت ِ‬
‫مدر ًسا ملادة اتريخ األدب العريب‪،‬‬
‫ونذلك منذ أواخر تسعينيات القر العشرين امليالدي‪ .‬مث بدا يل أ أقوم بتنضيدها على‬
‫ملح من بعض حميب اخلري من الزمالء‬ ‫اح ٍ‬ ‫احلاسوب وإخراجها يف صورة مذكرة بعد اقرت ٍ‬
‫املدرسني والطالب‪.‬‬
‫و ََتَّ نذلك ابلفعل‪ ،‬وكتب هللا للمذكرة قبوالً عند املدرسني والطالب‪ ،‬وانتُ ِـفع هبا‬
‫زمنًا طويالً‪ .‬ونذلك على الرغم من مشاكل عدة وعوائ كثرية قابلتها املذكرة‪ ،‬ومن نذلك‬
‫كثرة األخطاء التنضيدية اليت توزَّعت على صفحاهتا على الرغم من اجلهد غري العادي‬
‫الذي كنت أعتقد أين أنفقته يف تبييضها وتنقيحها‪ .‬مث مضى عليها حنو ٍ‬
‫عقد من الزمن‬
‫مرجعا يعودو إليه كل حني وآخر يف‬
‫والطالب عيال عليها‪ ،‬كما يتخذها بعض املدرسني ً‬
‫عملية تدريس مادة اتريخ األدب العريب‪ ،‬ونذلك ليس يف الكلية فقط بل يف غريها من‬
‫املدارس العربية يف مدينة َزا ِرََي وخارجها‪ .‬ومن َمثَّ عال نذكرها‪ ،‬ونفدت نسخها‪ ،‬وكثر طلبها‪.‬‬
‫فطف الناس ِ‬
‫يصوروهنا من النسخ اليت تقع عليها أيديهم‪ ،‬واليت قد تكو ‪ -‬هي األخرى‬
‫‪ -‬مصورة!‬
‫وكنت قد غادرت مدينة َزا ِرََي ملدة سنة وزَيدة‪ ،‬ونذلك ملا مكثت يف مدينة أبِي ُكتَا؛‬
‫عاصمة والية أُوغُو ْ للقيام خبدمة الوطن بعد خترجي يف جامعة أمحد بلو زارَي سنة‬
‫‪2005‬م‪ .‬وملا عدت من أبِي ُكتَا مل أستمر بتدريس اتريخ األدب العريب يف كلية الشيخ أيب‬
‫بكر جومي‪ ،‬فلم ألتفت ‪ -‬جراء نذلك ‪ -‬إىل املذكرة وال إىل املادة‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫ولكن الزمالء والطالب ظلوا يُلحو علي أب أقوم بتصحيحها وتعصريها‬
‫وإخراجها يف صورة كتاب مدرسي تعم فائدته وتكتمل‪ ،‬فلم أجب هلذا الطلب أوال لكثرة‬
‫الشغول اليت كانت تذهب أبوقايت وقلة الباع‪.‬‬
‫مث بدا يل أ أجيب على طلبهم بعد أ أصروا وأحلوا‪ ،‬وصادف نذلك أ وجدت‬
‫فجوة من الوقت‪ ،‬إلعادة النظر يف املذكرة ومراجعة املصادر‪ .‬وكا مما جدا يب إىل االهتمام‬
‫إبخراج هذا الكتاب إحساسي العمي حباجة طالب املدارس العربية الثانوية يف بالدان إىل‬
‫مثله‪ .‬فأنفقت من اجلهد ما وسعتين ظروفـي وخربيت املتواضعة يف مجع املادة وترتيبها‪.‬‬
‫وأعرتف أين المست أكثر من مخس وتسعني ابملائة من املنهج املقرر من قِبل اجمللس‬
‫الوطين للدراسات العربية واإلسالمية التابع ملعهد الرتبية جبامعة أمحد بلو زارَي‪-‬نيجريَي‪،‬‬
‫وأجريت بعض التعديالت اليت أعتقد أهنا منطقية يف ترتيب املادة حىت خيرج الكتاب‬
‫وجيَّة‪ ،‬كما أضفت إىل املنهج بعض احلقائ اليت أيقنت من خالل جتاريب‬‫بصورة ُكرونُولُ ِ‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫كمدرس للمادة أهنا هامة‪ .‬فكا من نذلك الكتاب الذي بني يدي القارئ العزيز‪ .‬وأرجو‬
‫أ أكو قد وفيت‪ ،‬أو ‪ -‬على األقل ‪ -‬قد حاولت وأسهمت‪.‬‬
‫وديْن علي أ أنذكر هنا أ عملي يف هذا الكتاب إمنا هو مجع وترتيت حقائ‬ ‫َ‬
‫ومعلومات كانت من قبل مبعثرة يف شتات املصادر وبطو كتب اتريخ األدب العريب‪.‬‬
‫وتركت اإلحالة إىل املصادر واملراجع حىت يبدو الكتاب بصورةٍ ينبغي أ تكو عليه كتاب‬
‫مدرسي‪.‬‬
‫وال بد أ أستغل هذه الفرصة فأقول إ منهج مادة اتريخ األدب العريب‬
‫حباجة ٍ‬
‫ماسة إىل غربلة وهتذيب‪ ،‬شأنه يف نذلك شأ سائر املواد‬ ‫املستخدم يف مدارس بالدان ٍ‬
‫العربية واإلسالمية يف املنهج‪ .‬وليت شعري لو يصغي أولو األمر إىل مثل هذا البكاء‬
‫فيقومو بواجبهم جتاه هذا املنهج العتي ‪.‬‬
‫وأعرتف أب هذا العمل املتواضع حباجة إىل تقوميات‪ ،‬ألنه ‪ -‬قبل كل شيء ‪-‬‬
‫عمل إنسا ‪ ،‬ومعروف أ عمل اإلنسا مهما مست قيمته أو استُ ْح ِسنت جودته ال خيلو‬
‫‪6‬‬
‫ضعيف‬
‫ٌ‬ ‫من نقص أو تقصري‪ ،‬وال يسلم من انتقاد أو تعقيب‪ .‬هذا زَيدة على أ الكاتب‬
‫وال تواضع! فأرجو من القارئني النصائح والتوصيات واالنتقادات املوضوعية حىت نسعى‬
‫مجيعا وراء حتسني الكتاب ونتشارك يف هذا املشروع اخلريي‪.‬‬
‫ً‬
‫علي‪ ،‬فإنه‬
‫وال ميكن أ أتنفس الصعداء قبل أ أشكر هللا تعاىل على ما أنعم به َّ‬
‫تعاىل مبشيئته ومنه وقدرته أكملت هذا العمل‪ .‬فله احلمد يف اآلخرة واألوىل‪ ،‬وأسأله تعاىل‬
‫أ يبارك يل يف هذا الكتاب وأ جيعله يف ميزا حسنايت‪ ،‬وأ يكتب له القبول واالنتشار‬
‫كما أرجو منه تعاىل أ جيعله انفعا للطالب وعوان للمدرسني دو أ يتكلوا عليه اتكال‬
‫املقلدين كما فعل غري واحد منهم مع األصل‪ .‬فإ حرفة التدريس ال تتماشى مع االتكال‪،‬‬
‫جبارا يف املطالعة واملراجعة والبحث‬
‫وال حيسن القيام هبا كسال ٌ ‪ ،‬بل تتطلب جه ًدا ً‬
‫والتحقي ‪.‬‬
‫وأستغفره تعاىل من األخطاء والزالت واهلفوات اليت وقعت يل يف هذا الكتاب أو‬
‫خارجه‪ ،‬إنه هو الغفور الرحيم‪.‬‬

‫كبري أبوبكر أمني‬


‫‪ ۱۰‬رمضا ‪۱٤۳۰ ،‬هـ‬
‫‪ ۳۱‬أغسطس‪۲۰۰۹ ،‬م‬

‫‪7‬‬
‫الفصل األول‬
‫األدب العربي يف العصر اجلاهلي‬

‫‪ ‬معنى األدب‬
‫كانت كلمة األدب من الكلمات اليت طرأت عليها معا ٍ متعددة عرب العصور‬
‫وطورا‬
‫فطورا كانت تدل على الدعوة إىل املأدبة كما هو احلال يف العصر اجلاهلي‪ً .‬‬
‫األدبية‪ً .‬‬
‫كانت تدل على هتذيب األخالق كما هو األمر يف صدر اإلسالم‪ .‬وملا تطورت احلياة‬
‫الثقافية يف العصر العباسي أصبحت الكلمة تدل على العلم واملعرفة‪ .‬وتستعمل الكلمة يف‬
‫العصر الراهن كمصطلح علمي يدل على معنيني‪:‬‬
‫معنى األدب باعتبار الكلمة امسا لظاهرة اجتماعية‬ ‫أ‪/‬‬
‫بناء على نذلك هو كالم عريب‬
‫تصويرا فنيا‪ .‬فاألدب العريب ً‬ ‫يصور حياة‬ ‫كل ٍ‬
‫كالم ِ‬
‫ً‬
‫تصويرا فنيا‪ ،‬وال فرق بني أ يكو‬
‫ً‬ ‫نثرا ِ‬
‫يصور حياة عربية‬ ‫شعرا أو ً‬‫ً‬ ‫سواء كا‬
‫الكالم مكتواب أو شفهيا‪.‬‬
‫معنى األدب باعتبار الكلمة علما لفن من فنون الدراسة‬ ‫ب‪/‬‬
‫كل ما يتصل ابلكالم الفين الذي ِ‬
‫يصور‬ ‫علم أو فن يقوم ابلدراسة والبحث حول ِ‬
‫احلياة تصويراً فنيا من قريب أو بعيد من اتريخ ونقد ونظرية ومقارنة وغري نذلك‪.‬‬
‫فعلى نذلك ميكن أ يعرف األدب أبنه فن يبحث عن أحوال أمة ولغتها وأدهبا‬
‫وما أنتجته قرائح أبنائها من بليغ النظم والنثر يف خمتلف العصور وعما عرض هلما‬
‫من أسباب الصعود واهلبوط والدثور ويُعين بتاريخ الناهبني من أهل الكتابة‬
‫واللسا ونقد إنتاجاهتم وبيا أتثري بعضهم يف بعض ابلفكرة والصناعة‬
‫واألسلوب‪.‬‬
‫‪ ‬أقسام األدب‬
‫مضت العادة عند القدماء من علماء األدب العريب إىل تقسيم األدب إىل قسمني‬
‫أساسيني‪ ،‬ومها‪:‬‬
‫‪8‬‬
‫الشعر‬ ‫أ‪/‬‬
‫هو الكالم املوزو املقفى املعرب عن األخيلة البديعة والصور الرائعة املثرية‬
‫للعواطف والناجتة عنها‪.‬‬
‫النثر‬ ‫ب‪/‬‬
‫موزوان وال مقفى‪.‬‬
‫ً‬ ‫هو كل ما ليس ابلشعر من حيث الصياغة‪ ،‬حبيث ال يكو‬
‫عاطفي ومثري للعاطفة كالشعر‪ .‬فالنثر هو ما واف الشعر يف الذوق‬
‫ٌّ‬ ‫ولكنه‬
‫واإلاثرة‪ ،‬وخالفه يف الوز والقافية‪.‬‬
‫وينبغي أ يُذكر هنا أ هناك قسما اثلثا مل يعرفه األدب العريب قبل اتصال أهله‬
‫ابلعامل األورويب‪ ،‬وهو‪:‬‬
‫املسرحية‬ ‫ج‪/‬‬
‫هو نذلك النوع من األدب الذي يـُ ْه َدف به التمثيل على املسرح‪ .‬ويُعرب عن‬
‫املشاعر ال ابللغة فقط‪ .‬بل بوسيلة األداء التمثيلي عن طري احلركة واإلشارة‬
‫واإلمياء وسائر املتطلبات الفنية‪.‬‬
‫‪ ‬تقسيم العصور األدبية‬
‫مؤرخو األدب العريب عصوره عادة إىل اخلمسة التالية‪:‬‬ ‫يقسم ِ‬
‫العصر اجلاهلي‬ ‫أ‪/‬‬
‫ويراد به نذلك العصر الذي عاشه العرب يف جزيرهتم قبل ظهور اإلسالم‪ ،‬وقد‬
‫ونصف قبل البعثة احملمدية ‪-‬على صاحبها أفضل الصالة وأزكى‬ ‫ٍ‬ ‫امتد حنو قر ٍ‬
‫التسليمات‪ -‬وينتهي هبا‪.‬‬
‫صدر اإلسالم وعصر بين أمية‬ ‫ب‪/‬‬
‫يبدأ عصر صدر اإلسالم بظهور اإلسالم يف جزيرة العرب‪ ،‬وينتهي بسقوط الدولة‬
‫األموية يف دمش على يد املسودة من دعاة بين العباس سنة ‪۱۳۲‬هـ‪.‬‬
‫العصر العباسي‬ ‫ج‪/‬‬

‫‪9‬‬
‫ويبدأ بقيام الدولة العباسية بعد احتالل الدولة األموية‪ ،‬وينتهي ابستيالء هوالكو‬
‫على بغداد وإسقاطه حلكم املستعصم ابهلل؛ آخر خلفاء العباسيني‪ ،‬ونذلك سنة‬
‫‪656‬هـ‪.‬‬
‫عصر األتراك واملماليك‬ ‫د‪/‬‬
‫ويبدأ بقيام دولة املماليك اليت بدأت إبمارة املعز أيبك الرتكماين على عقب‬
‫سلسلة من االضطراابت السياسية اليت حدثت بعد موت امللك الصاحل أيوب‬
‫(ت ‪6٤7‬ه)‪ ،‬وميتد إىل دخول محلة الفرنسيني بالد مصر سنة ‪1220‬هـ‪.‬‬
‫عصر النهضة األدبية‬ ‫هـ‪/‬‬
‫ويبدأ بتولية َانبُلِـيُو ْ الفرنسي على عرش امللك يف مصر بعد دخول محلته أرض‬
‫كنانة‪ ،‬وميتد إىل العصر الراهن‪.‬‬
‫‪ ‬العرب يف اجلاهلية‬
‫كانت األمة العربية يف العصر اجلاهلي تسكن يف اجلنوب الغريب من قارة ِ‬
‫آسيَا؛ يف‬
‫غراب‪،‬‬
‫جنواب‪ ،‬والبحر األمحر ً‬
‫منطقة تعرف بـجزيرة العرب وهي منطقة حيدها احمليط اهلندي ً‬
‫وعما شرقًا‪ ،‬وابدية الشام وهنر الفرات مشاالً‪ .‬فهي ليست جزيرة حقيقية‪،‬‬
‫واخلليج العريب َّ‬
‫جتوًزا‪.‬‬
‫ولكن الناس اعتادوا إطالق اسم اجلزيرة عليها ُّ‬
‫َّ‬
‫وكانت العرب يف العصر اجلاهلي أم ًة متواضعةً‪ ،‬بدويةً وأميةً‪ .‬تتسم بفصاحة‬
‫اللسا وسذاجة الثقافة‪ .‬كما انتشرت بينهم اجلاهلية واملعارك القبلية والعنف‪ .‬وكانت أمة‬
‫ٍ‬
‫متكامل‪ .‬وكا يدين كثري منهم‬ ‫تقليدي وغري‬
‫ٌّ‬ ‫اجتماعي‬
‫ٌّ‬ ‫تعيش حياة بُدائية حيكمها نظام‬
‫ابلوثنية‪ ،‬ومنهم من تنصر‪ ،‬كما ُوجد من بينهم من بقي على دين إمساعيل‪.‬‬
‫وكذلك كا أكثر العرب يعيش حياة بدوية قائمة على الرتحال وراء منابت‬
‫العشب والكأل إلطعام مواشيهم وأنعامهم وكانوا حيتقرو الصناعة ويتعصبو للقبيلة ظاملة‬
‫أو مظلومة‪ .‬ومنهم أهل احلضر الذين يعيشو يف بيوت مبنية مستقرة ويعملو يف التجارة‬
‫والزراعة الصناعة وحييو حياة استقرار يف املد والقرى‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫وكانت لعرب اجلاهلية أخالق كرمية متم اإلسالم مكارمها وأيدها كما كانت هلم‬
‫أخالق نذميمة أنكرها اإلسالم وعمل على حموها‪ .‬وكا هلم أيضا ثقافة تتناسب مع بيئة‬
‫الصحراء وعقلية األميني‪ .‬ومن التداوي ابألعشاب والكي وكذلك القيافة كما اهتموا‬
‫ابلنسب‪ .‬وكا فيهم انتشار للكهانة والعرافة وأضراهبما من الشركيات‪.‬‬
‫‪ ‬أسواق العرب يف العصر اجلاهلي‬
‫كا للعرب يف اجلاهلية أسوا ٌق جتاريةٌ يتسوق فيها أفراد القبائل والعشائر‪ .‬ولكنها‬
‫أدبية كربى‪ ،‬يلتقي فيها فصحاء األعراب إللقاء اخلطب واألشعار‪.‬‬ ‫أندية ٍ‬
‫حتولت تدرجياً إىل ٍ‬
‫وقد ساعدت هذه األسواق اليت يف احلجاز على سيادة هلجة قريش على هلجات سائر‬
‫القبائل وتوليتها منصب اللهجة الرمسية أو شبه الرمسية على أقل تقدير‪ .‬ولعل نذلك متهي ٌد‬
‫لينزل القرآ هبا‪ .‬ولقد أسهمت هذه األسواق مسامهة جبَّارة يف توليد القصائد واخلطب‬
‫وغريها من اإلنتاجات األدبية يف العصر اجلاهلي‪.‬‬
‫ومن أشهر هذه األسواق نذو جمنة اليت كانت على مدى أميال من مكة‪ ،‬ونذو اجملاز‬
‫سنوَي يف احلجاز بني ََِنلة‬
‫اليت كانت مبىن خلف عرفات‪ .‬ومنها سوق عكاظ‪ ،‬وكانت تُقام ا‬
‫يوما‪ ،‬فينشد خالهلا شعراء‬
‫وتظل حنو عشرين ً‬
‫ُّ‬ ‫ابتداء من هالل نذي القعدة‪،‬‬
‫ً‬ ‫والطائف‬
‫أثر عمي ٌ يف هتذيب العرب‪ ،‬فقد كا‬
‫القبائل وخطباؤها قصائدهم ومقاالهتم‪ .‬وكا هلا ٌ‬
‫يتوافد إليها الصاحل والطاحل من مجيع أعماق جزيرة العرب‪.‬‬
‫‪ ‬الشعر العربي يف اجلاهلية‬
‫أولية الشعر‬ ‫أ‪/‬‬
‫ليس لدي مؤرخي األدب العريب من الواثئ أو الرباهن ما يكفي إلقامة الدليل‬
‫ومعروف أ طبيعة العلوم‬
‫ٌ‬ ‫على حتديد اتريخ بداية الشعر العريب يف اجلاهلية حتدي ًدا دقي ًقا‪.‬‬
‫وتتم على مر الزمن ومع مسامهات‬‫انقصة‪ ،‬ترتقي ُّ‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫مبحاوالت‬ ‫والفنو يف بدايتها أ تبدأ‬
‫الالحقني‪ .‬ولكن الشعر العريب الذي يعترب مبثابة األقدم مل يكن هبذا الطابع‪ ،‬فال ميكن أ‬
‫يكو هو األول‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫ومن هنا نشأت نظرَيت خمتلفة حول أوليته‪ .‬فمن ٍ‬
‫قائل بنشأة الشعر من‬
‫قائل أب الشعر بدأ بِ َعدي بن ربيعة التغليب (ت ‪525‬م)‬
‫التعويذات التعبدية لآلهلة‪ ،‬ومن ٍ‬
‫امللقب بـاملهلهل أو بعمرو بن قميئة البكري (ت ‪5٤0‬م)‪ ،‬ومن ُم ْنك ٍر أل يكو هذا‬
‫الرتاث من العرب يف اجلاهلية‪...‬وهكذا‪.‬‬
‫ب‪ /‬خصائص الشعر اجلاهلي‬
‫يتميز الشعر اجلاهلي خبصائص عديدة‪ .‬ومن أبرزها ما يلي‪:‬‬
‫يلتزم الشعر اجلاهلي ابألوزا والقوايف التقليدية‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫ميتاز الشعر اجلاهلي بقلة التكلُّف وكثرة الطبع‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫مييل الشعر اجلاهلي إىل اإلجياز أكثر من ميله إىل اإلطناب‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫يكاد الشعر العريب يف اجلاهلية خيلو من احملسنات البديعية واأللفاظ األعجمية‪.‬‬ ‫‪-٤‬‬
‫عامة الشعر اجلاهلي غنائي ليس فيه من الشعر القصصي أو امللحمي أو املسرحي‬ ‫‪-5‬‬
‫أو التعليمي شيءٌ‪.‬‬
‫يسود الشعر اجلاهلي كثرة االستطراد يف املعاين‪.‬‬ ‫‪-6‬‬
‫عدم العالقة غالبًا فيما بني األبيات وفقدا الوحدة العضوية‪ .‬وغري نذلك‪.‬‬ ‫‪-7‬‬
‫أغراض الشعر اجلاهلي‬ ‫ج‪/‬‬
‫يتبني من خالل دراسة تراث الشعر الذي خلفه الشعراء يف العصر اجلاهلي أ‬
‫أهم أغراضهم هي‪:‬‬
‫الفخر واحلماسة‬ ‫‪-1‬‬
‫كا الشاعر يف اجلاهلية يفتخر ابلقبيلة وبنفسه‪ ،‬ويذكر من كرم قومه وشجاعتهم‬
‫ويتباهى ابألصل وابالنتصار يف احلرب‪ .‬ومثال الفخر قول عنرتة‪:‬‬
‫َوإِنذا غَزا يف اجلَ ِ‬
‫يش ال أَغشاها‬ ‫أَغشى فَتا َة احلَ ِي ِعن َد َحليلِها‬
‫جاريت َمأواها‬
‫َحىت تُواري َ‬ ‫جاريت‬
‫ض طَريف ما بَ َدت يل َ‬ ‫َوأَغَ ُّ‬
‫جوج َهواها‬ ‫ِ‬ ‫إِين اِمرٌؤ َمسح اخلَلي َق ِة ِ‬
‫فس اللَ َ‬ ‫ال أُتب ُع النَ َ‬ ‫ماج ٌد‬ ‫ُ ُ‬
‫‪12‬‬
‫ومثال احلماسة قول امرئ القيس‬
‫ِ‬ ‫يَِغ ُّ‬
‫ليقتلين واملرءُ ليس بقتَّال‬ ‫ط البَ ْكر ُش َّد خناقُهُ‬
‫ط غطي َ‬
‫ومسنونة زرق كأنياب أغوال‬ ‫أتقتلين واملشريف مضاجعي‬
‫وليس بذي رمح وليس بنبال‬ ‫وليس بذي سيف فيقتلين به‬
‫املدح‬ ‫‪-2‬‬
‫هو الثناء على املرء مبا يتصف به من اخلصال احلميدة‪ ،‬كالصدق والوفاء والكرم‬
‫والشجاعة وأصالة النسب‪ .‬ومثاله قول أمية بن أيب الصلت خياطب سيف بن نذي‬
‫يز ملا ظفر ابحلبشة وأجالهم عن اليمن‪:‬‬
‫ض َحى َش ِري ُد ُه ُم يف األ َْرض فَُّال َال‬
‫أَ ْ‬ ‫ِ‬
‫الكالب فَـ َق ْد‬ ‫ْت أُسداً على س ِ‬
‫ود‬ ‫ُ‬ ‫أ َْر َسل َ ْ‬
‫يف رأس غمدا داراً منك حمالال‬ ‫فاشرب هنيئاً عليك التاج مرتفقاً‬
‫الرثاء‬ ‫‪-3‬‬
‫هو تعداد مناقب امليت وإظهار التلهف عليه وتفقده‪ ،‬وقد كثر هذا النوع يف‬
‫العصر اجلاهلي جراء كثرة احلروب وسقوط الضحاَي فيها‪ .‬ومثاله قول اخلنساء يف‬
‫راثء أخيها صخر‬
‫وأنذكره لكل غروب مشس‬ ‫يذكرين طلوع الشمس صخراً‬
‫على إخواهنم لقتلت نفسي‬ ‫ولوال كثرة الباكني حويل‬
‫أفارق مهجيت ويشص رمسي‬ ‫فال‪ ،‬وهللا‪ ،‬ال أنساك حىت‬
‫أيصبح يف الضريح وفيه ميسي‬ ‫فيا هلفي عليه‪ ،‬وهلف نفسي‬
‫‪ -٤‬اهلجاء‬
‫هو نذكر مثالب املرء ونذمه هو وقبيلته ونفي املكارم واحملاسن عنه‪ .‬ووصفه ابلبخل‬
‫والشح والغدر وتعنيب قبيلته وغري نذلك‪ .‬ومثاله قول عمرو بن معدي كرب يف‬
‫جرم بن زاب ‪:‬‬
‫بطر ِ‬
‫ت‬ ‫فاس َّ‬ ‫جداول ٍ‬ ‫أيت اخليل زوراً َّ‬
‫ت ْ‬‫ماء أُرسلَ ْ‬ ‫ُ‬ ‫كأهنا‬ ‫َ‬ ‫وملا ر ُ‬
‫‪13‬‬
‫تقر ِ‬
‫ت‬ ‫فاس َّ‬
‫َّت على مكروهها ْ‬
‫فرد ْ‬‫ُ‬ ‫مرٍة‬
‫النفس أو َل َّ‬
‫ُ‬ ‫إيل‬
‫ت َّ‬‫وجا َش ْ‬
‫أجرتِ‬
‫ولكن الرماح َّ‬
‫ت َّ‬ ‫نط ْق ُ‬ ‫فلو أ َّ قومي أنط َق ْتين ِر ُ‬
‫ماحهم‬
‫أقاتل عن أحساب جرم وفَـ َّر ِ‬
‫ت‬ ‫ْت كأين للرماح دريئة‬
‫ظَلل ُ‬
‫َ‬
‫االعتذار‬ ‫‪-5‬‬
‫هو دفع الشاعر التهمة عن نفسه وحماولته يف إظهار براءته عن التهمة‪ ،‬وكا‬
‫غرضا غري مشهور يف العصر اجلاهلي‪ .‬ويقال إ النابغة الذبياين هو‬ ‫االعتذار ً‬
‫الذي ابتكره‪ ،‬على أ هناك شعراء غريه قالوا اعتذاراً جيداً‪ ،‬ومنهم الشاعر‬
‫املتلمس الذي اعتذر إىل أخواله بقوله‪:‬‬
‫الع َرانني ِم ْي َس َما‬
‫ْت هلُم فَـ ْو َق َ‬
‫يصيت َج َعل ُ‬ ‫ِ‬
‫غري أخوايل أرادوا نَق َ‬ ‫فَـلَو ُ‬
‫َجذما‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ت إالَّ ِمثْل قَ ِ‬
‫اط ِع َك ِف ِه‬
‫َصبَ َح أ ْ‬
‫ُخرى فَأ ْ‬
‫ب َكف لهُ أ َ‬ ‫وما ُك ْن ُ‬
‫َ‬
‫الغزل‬ ‫‪-7‬‬
‫هو احلديث عن النساء والتشبيب هبن ونذكر حماسنهن ووصفهن وشرح أحواهلن‬
‫وابرزا يتطرق إليه عامة الشعراء‬
‫نوعا مه اما ً‬
‫ونذكر أطالل دَيرهن‪ .‬وكا الغزل ً‬
‫اجلاهليني كمقدمة يف أغلب قصائدهم‪ .‬ومنهم من يتعهر يف شعره كامرئ القيس‬
‫وهو القائل‪:‬‬
‫اب ِ‬
‫املاء حاالً على ِ‬
‫حال‬ ‫ُمسَُّو َحبَ ِ‬ ‫ت إِليها بَـ ْع َد ما َ‬
‫انم أ َْهلُها‬ ‫َمسَ ْو ُ‬
‫َح ِ‬
‫وايل‬ ‫أَلَ ْس َ‬ ‫ِ‬ ‫اك هللا إِنَّ َ‬
‫والناس أ ْ‬
‫َ‬ ‫الس َّم َار‬
‫ت تَـ َرى ُّ‬ ‫فاضحي‬ ‫ك‬ ‫فقالت َسبَ َ‬
‫ص ِايل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫هللا أَبـرح ِ‬ ‫ْت َميِ ِ‬
‫ولَ ْو قَطَعوا َرأَسي لَ َديْك وأ َْو َ‬ ‫قاعداً‬ ‫ني ْ َ ُ‬ ‫ف ُقل ُ َ‬
‫الوصف‬ ‫‪-7‬‬
‫هو شرح حال ٍ‬
‫شيء ووصفه على ما هو عليه يف الواقع واحلقيقة‪ .‬وكا الشعراء‬
‫اجلاهليو يكثرو من وصف الناقة والفرس يف بداية قصائدهم‪ .‬ومثال الوصف‬
‫قول عمرو بن كلثوم يف وصف اخلمر‪:‬‬
‫َوالَ تُـ ْب ِقي ُمخُْوَر األَنْ َد ِريْـنَا‬ ‫اصبَ ِح ْيـنَا‬ ‫أَالَ ُهِيب بِص ْحنِ ِ‬
‫ك فَ ْ‬ ‫َ‬
‫‪14‬‬
‫اء َخالَطَ َها َس ِخ ْيـنَا‬ ‫ص فِ ْيـ َها‬ ‫ِ‬
‫ش ْع َش َعةً َكأَ َّ احلُ َّ‬
‫إ َنذا َما املَ َ‬ ‫ُم َ‬
‫إِ َنذا َما َنذاقَـ َها َح َّىت يَلِ ْيـنَا‬
‫َجتُوُر بِ ِذي اللَّبَانَِة َع ْن َه َواهُ‬
‫منهج القصيدة يف اجلاهلية‬ ‫د‪/‬‬
‫تقليدَي‪ .‬فالشاعر يبدأ غالبا‬
‫ا‬ ‫كانت القصائد يف الشعر اجلاهلي تسلك طري ًقا‬
‫وتفقد أصحاهبا والغزل بعشيقته‪ ،‬مث يستطرد إىل وصف‬ ‫ابلوقوف على األطالل ُّ‬
‫بعدئذ إىل الغرض الرئيسي املقصود من فخر أو مدح أو‬ ‫فرس‪ ،‬مث يتخلص ٍ‬ ‫ٍ‬
‫انقة أو ٍ‬
‫هجاء أو غري نذلك‪.‬‬
‫منـزلة الشاعر يف اجلاهلية‬ ‫هـ‪/‬‬
‫يتمتع الشاعر يف العصر اجلاهلي مبكانة مرموقة يف جمتمعه‪ .‬إنذ أيخذ منصب السيد‬
‫يف قومه وبطل قبيلته يف احلرب‪ .‬ويُ ْسأل الرأي يف األمور كلها‪ ،‬وكانت آراؤه‬
‫كثريا ما أعز الشاعر اجلاهلي قبيلة أو أهاهنا بلسا شعره‪.‬‬ ‫تُقدس فال ُختالَف‪ .‬و ً‬
‫‪ ‬املعلقات‬
‫هي قصائد طويلة وخمتارة من أجود الشعر اجلاهلي‪ ،‬ويُ ْذ َك ُر أهنا ِمسيت ابملعلقات‬
‫أل العرب علقوها على خيامهم‪ ،‬وقيل ألنـها ُكتِبت بـماء الذهب وعُ ِلقت على أستار‬
‫الكعبة‪ ،‬وقيل بل ألنـها حمفوظة يف صدور الناس‪ .‬وعددها سبعة يف قول‪ ،‬وعشرة يف قول‬
‫آخر‪.‬‬
‫ومن األدابء والنقاد من أنكر وجود املعلقات‪ ،‬ألنـها إنـما ُِ‬
‫مجعت يف منتصف القر‬
‫الثاين اهلجري على يد حـماد الراوية (ت ‪155‬ه)؛ مجعها لَما رأى زهد الناس عن الشعر‬
‫ومس اها ابملشهورات‪ .‬فزعموا أ ظاهر هذا يدل على أنـه اخرتعها وأأ أ ينسبها إىل‬
‫نفسه‪ ،‬فنسبها إىل بعض الشعراء اجلاهليني‪.‬‬
‫‪ ‬أصحاب املعلقات‬
‫امرؤ القيس الكندي‪ ،‬ومطلع معلقته قوله‪:‬‬ ‫أ‪/‬‬
‫الد ُخ ِ‬
‫ول فَ َح ْوَم ِل‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫وم ْن ِزِل بِس ْقط الل َوى بَـ ْ َ‬
‫ني َّ‬ ‫ك ِم ْن ِنذ ْك َرى َحبِ ٍ‬
‫يب َ‬
‫قِ َفا نَـ ْب ِ‬

‫‪15‬‬
‫زهري بن أيب سلمى‪ ،‬ويقول يف مطلعها‪:‬‬ ‫ب‪/‬‬
‫اج فَاملُتَـثَـلَّم‬ ‫ِحبَ ْوَمانَِة ُّ‬
‫الد َّر ِ‬ ‫أ َِم ْن أُِم أ َْو ََف ِد ْمنَةٌ َملْ تَ َكلَّ ِم‬
‫عنـرتة بن شداد العبسي‪ ،‬ومطلعها قوله‪:‬‬ ‫ج‪/‬‬
‫الد َار بع َد تَـ َوه ِ‬
‫ُّم‬ ‫ت َّ‬ ‫أم َه ْل َع َرفْ َ‬ ‫من ُمتَـ َردَِّم‬‫الش َع َراءُ ْ‬ ‫اد َر ُّ‬
‫َه ْل غَ َ‬
‫لبيد بن ربيعة رضي هللا عنه‪ ،‬ومطلع معلقته قوله‪:‬‬ ‫د‪/‬‬
‫ىن َأتَبَّ َد غَ ْوُهلَا فَ ِر َج ُام َها‬‫ِِ‬ ‫ت ِ‬
‫الد ََي ُر َحمَلُّ َها فَ ُم َق ُام َها‬ ‫َع َف ِ‬
‫مب ً‬
‫طرفة بن العبد البكري‪ ،‬ويقول يف مطلعها‪:‬‬ ‫هـ‪/‬‬
‫تلُوح َكباقِي الو ْش ِم ِيف ظَ ِ‬
‫اه ِر اليَ ِد‬ ‫ْالل بِبُـ ْرقَ ِة ثَـ ْه َم ِد‬
‫ِخلَْولَةَ أط ٌ‬
‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫عمرو بن كلثوم التغليب‪ ،‬ومطلع معلقته قوله‪:‬‬ ‫و‪/‬‬
‫َوالَ تُـ ْب ِقي ُمخُْوَر األَنْ َد ِريْـنَا‬ ‫اصبَ ِح ْيـنَا‬ ‫أَالَ ُهِيب بِص ْحنِ ِ‬
‫ك فَ ْ‬ ‫َ‬
‫احلارث بن ِحلِزة‪ ،‬ومطلعها قوله‪:‬‬ ‫ز‪/‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب َاث ٍو ميََ ُّل منهُ الثَّواءُ‬
‫ُر َّ‬ ‫آنذَنَتنَا ببَينها أَمسَاءُ‬
‫ح‪ /‬النابغة الذبياين‪ ،‬ومطلعها قوله‪:‬‬
‫ال َعلَ َيها َسالِ ُ‬
‫ف األَبَ ِد‬ ‫أَقـ َْو ْ‬
‫ت‪ ،‬وطَ َ‬ ‫ابلع ْلي ِاء‪َّ ،‬‬
‫فالسنَ ِد‬ ‫ََي َد َار َميَّةَ َ‬
‫ط‪ /‬أعشى القيس‪ ،‬ويقول يف مطلعها‪:‬‬
‫َو َه ْل تُ ِطي ُ َوداعاً أيـ َها الر ُج ُل ؟‬ ‫مرَِحت ُل‬
‫ب ْ‬ ‫الرْك َ‬
‫ع ُه َريْـ َرةَ إ َّ‬
‫َود ْ‬
‫َعبِيد بن األبرص‪ ،‬ومطلعها قوله‪:‬‬ ‫ي‪/‬‬
‫نوب‬ ‫فَال ُقطَبِي ُ‬
‫ات فَ ُّ‬ ‫ِ ِِ‬
‫الذ ُ‬ ‫لحوب‬
‫أَق َف َر من أَهله َم ُ‬
‫‪ ‬تراجم طائفة من الشعراء اجلاهليني‬
‫امرؤ القيس‬ ‫أ‪/‬‬
‫الكندي‪ ،‬من ملوك بين أسد ومن أهل‬ ‫ج بن ُح ِجر بن احلارث بن عمرو‬ ‫هو ُح ْن ُد ُ‬
‫جند‪ ،‬يُلقب ابمللك الضليل وبذي القروح‪ .‬ويعترب أشعر من نط ابلشعر يف اجلاهلية غري‬
‫مدافع‪ .‬وكانت أمه أخت املهلهل بن الربيع‪ ،‬فلقنه خاله الشعر فقاله وهو حدث‪ .‬ونشأ يف‬
‫‪16‬‬
‫اللهو واجملو ؛ يشرب ويطرب ويُغازل النساء ويتبع الشهوات ويتمادى يف املنكرات حىت‬
‫تربأ أبوه منه بعد أ نـهاه فما كا من املنتهني‪ .‬مث الزم بعض الصعاليك خيرجو للصيد‬
‫َّ‬
‫ويقطعو السبيل‪ .‬وظل كذلك إىل أ بلغه نعي مقتل أبيه‪ ،‬فكا نذلك احلادث ح ادا‬
‫فاصال بني مرحلة اللهو ومرحلة اجلد واحلروب يف حياته‪ .‬فهم يطلب أثر أبيه وقال‪" :‬اليوم‬
‫مخر وغدا أمر" وأقسم أبال يكتفي أبقل من قتل مائة رجل‪ .‬واستمر يقاتل بين كندة إىل أ‬
‫قُتِل مسموما ‪ -‬يف أشهر األقوال ‪ -‬وهو عائد من ال ُق ْسطَْنطَنِيَّة‪ ،‬ونذلك حنو سنة ‪5٤5‬م‪.‬‬
‫كثريا وجيِ ًدا‪ .‬وكتب األدب مشحونة أبخباره‪.‬‬
‫شعرا ً‬
‫وقد خلف ً‬
‫ومن معلقته اليت هي أشهر املعلقات هذه األبيات‪:‬‬
‫بسقط اللوى بني الدخول فحومل‬ ‫قفا نبك من نذكرى حبيب ومنـزل‬
‫علـي أبنواع اهلـموم ليبتـلـي‬ ‫ٍ‬
‫وليل كموج البحر أرخى سـدوله‬
‫وأردف أعجازاً ونـاء بكلـكل‬ ‫فقلت لـه لـما تـمطى بـصلبه‬
‫بصبح وما اإلصباح منك بـأمثل‬
‫ٍ‬ ‫أال أيها الليل الطـويل أال اجنلي‬
‫ٍ‬
‫ـمنجرد قيد األوابـد هـيكل‬‫ب‬ ‫وقد أغتدي والطيـر يف وكناتـها‬
‫كجلمود صخر حطه السيل من عل‬ ‫ـبل مدبـ ٍر معـا‬ ‫مك ٍـر ٍ‬
‫مفر مق ٍ‬
‫وإرخاء سرحا ٍ وتقـريب تـتفل‬ ‫له أيطـال ظبـي وساقا نعـامة‬
‫ب‪ /‬النابغة الذبياني‬
‫هو أبو أمامة زَيد بن معاوية بن ضباب الغطفاين‪ ،‬من أهل احلجاز ومن الشعراء‬
‫املكثرين‪ .‬وكا شريفا فغض منه الشعر‪ .‬وكا يتكسب ابلشعر‪ ،‬فاتصل ابلنعما بن‬
‫املنذر(ت ‪608‬م)؛ ملك احلرية‪ ،‬وأبمراء الشام من الغساسنة‪ .‬ويُعد النابغة من شعراء‬
‫حكما بني الشعراء يف سوق عكاظ‪ .‬كما كا من أحسن‬ ‫ً‬ ‫الطبقة األوىل يف اجلاهلية‪ .‬وكا‬
‫شعراء العرب ديباجة؛ ال تكلف يف شعره والحشو‪ .‬وتويف حنو سنة ‪60٤‬م‪.‬‬
‫ولُقب ابلنابغة أل بعض جلساء النعما بن املنذر تذاكروا عنده الشعر والشعراء‬
‫يوما‪ ،‬فقال رجل منهم‪" :‬لقد نبغ يف بين نذبيا شاعر قلما مسعت كشعره"‪ ،‬تشبيها ابملاء‬
‫‪17‬‬
‫ولكن احلساد دسوا بينهما دسيسة‬
‫شاعرا للنعما بن املنذر وندميه‪َّ ،‬‬
‫النابغ‪ .‬وكا النابغة ً‬
‫ولكن حنني‬
‫َّ‬ ‫حىت هم النعما بقتله‪ ،‬ففر النابغة إىل الشام وأكرمه الغساسنة‪ ،‬فمدحهم‪.‬‬
‫ٍ‬
‫جديد يف الشعر‬ ‫ٍ‬
‫لغرض‬ ‫النابغة إىل احلرية دفعه إىل التماس طريقة للعفو ابفتتاح ٍ‬
‫ابب‬
‫اجلاهلي وهو االعتذار‪ .‬فاعتذر عن نذنبه بقصائد رائعة‪ .‬ومن بينها النص التايل‪:‬‬
‫وتلك اليت أهـتم منهـا وأنصب‬ ‫أاتين‪-‬أبيت اللعن‪ -‬أنك لـمتين‬
‫هراسا به يعلى فراشي ويـقشب‬ ‫ُّ‬
‫فبت كأ العائدات فرشن لـي‬
‫وليس وراء هللا للمـرء مـذهب‬ ‫حلفت فلم أترك لنفسك ريبة‬
‫لـمبلغك الواشي أغش وأكذب‬ ‫لئن كنت قد بُـلِغت عين جناية‬
‫من األرض فيه مستـراد ومهرب‬ ‫امرءا يل جانـب‬
‫ولكنين كنت ً‬
‫َّ‬
‫أحكم يف أمـوالـهم وأقـرب‬ ‫ملوك وإخوا ٌ إنذا مـا أتـيتهم‬
‫ٌ‬
‫ـلك دوهنا يتذبذب‬‫كل م ٍ‬‫ترى َّ‬ ‫أمل تر أ هللا أعطـاك سـورة‬
‫إنذا طلعت مل يب مـنهن كوكب‬ ‫ـمس وامللوك كواكب‬
‫وأنك ش ٌ‬
‫ج‪ /‬طرفة بن العبد‬
‫هو عمرو بن العبد بن سفيا بن سعد البكري الوائلي‪ ،‬من أهل البحرين‪ .‬وطرفة‬
‫لقب تغلب على امسه احلقيقي‪ .‬ولد يف منتصف القر السادس امليالدي‪ .‬ومات أبوه وهو‬ ‫ٌ‬
‫َّ‬
‫حاد اللسا ومولعا‬ ‫صغري َّ‬
‫فتوىل أعمامه أمره وأمهلوا تربيته‪ ،‬فمال إىل اللهو والبطالة‪ .‬وكا‬
‫ابلوقوع على أعراض الناس‪ .‬وقد هجاء عمرو بن هند اللخمي (ت ‪578‬م)؛ ملك احلرية‪،‬‬
‫أنفة وغضبا ألمه فقتله وهو دو الثالثني من عمره‪ ،‬ونذلك يف حدود سنة ‪56٤‬ه‪ .‬ويُعد‬
‫طرفة أحدث أصحاب املعلقات سناا‪ ،‬ومن أجودهم وصفا للناقة‪ .‬وقد نط ابلشعر منذ‬
‫صغره‪ ،‬وعُ َّد من الفحول‪ .‬والسيما حني وصف انقته خبمسة وثالثني بيتا‪ ،‬وما سبقه إىل‬
‫نذلك أحد‪ .‬ومن شعره ما يلي‪:‬‬
‫تلوح كباقي الوشم يف ظاهر اليد‬ ‫خلـولة أطالل بربقـة ثـمهـد‬
‫عُنيت فلم أكسل ولـم أتبلـد‬ ‫إنذا القوم قالوا من فىت خلت أنين‬
‫‪18‬‬
‫وبيعي وإنفاقي طريفي ومتـلدي‬ ‫وما زال تشرايب اخلمور ولذتـي‬

‫وأُفْ ِر ْد ُ‬
‫ت إفراد البعـري الـمعبد‬ ‫إىل أ حتامتين العشـرية كلـها‬
‫عقيلة مال الفاحش املتشدد‬ ‫أرى املوت يعتام الكرمي ويصطفي‬
‫ٍ‬
‫غوي يف البطالة مفـسد‬ ‫كقـرب‬ ‫أرى قرب نـحام بـخيل بـماله‬
‫وما تنقص األَيم والدهر ينفـد‬ ‫كل ليلة‬
‫انقصا َّ‬
‫ً‬ ‫كنزا‬
‫أرى العيش ً‬
‫لكا الطول ال ُـمرخى وثِْنياه ابليد‬ ‫لعمرك إ املوت ما أخطأ الفتـى‬
‫ومن يك يف حبل الـمنية ينـقد‬ ‫مىت ما يشأْ يوما يق ْده لـحتـفه‬
‫مىت أد منه ي ْنأ عـين و يبـعد‬ ‫فمالـي أراين وابن عمـي مالكا‬
‫عمرو بن كلثوم‬ ‫د‪/‬‬
‫هو أبو األسود عمرو بن كلثوم بن مالك بن عتاب التغلبـي‪ .‬سيِد تغلب وفارسها‬
‫وشاعرها املشتهر بقصيدته ومعلقته يف الوقت نفسه‪ .‬ساد قومه وهو مراه ‪ ،‬وقاد جيوش‬
‫قبيلته يف كثري من الوقائع اليت خاضتها‪ .‬وكا صاحب محي ٍة‪ ،‬شجاعا ومعجبا بنفسه‪ .‬وهو‬
‫الذي قتل امللك عمرو بن هند (ت ‪578‬م) يف جملسه‪ .‬وكا عمرو من املعمرين‪ ،‬وتويف‬
‫حنو سنة ‪58٤‬م ودفن ابجلزيرة الفراتية‪.‬‬
‫ومما يُ ْذ َكر أنه قضى حياته يكرر معلقته يف سوق عكاظ‪ ،‬وحفظها بنو تغلب‬
‫وأكثروا من روايتها‪ .‬فشهرته كشاع ٍر تبدأ وتنتهي بـمعلقته اليت يزعم بعض املؤرخني أ عدد‬
‫أبياهتا يربو على األلف‪ .‬وانهيك بعضها‪:‬‬
‫وأنظران نـخبـرك اليقـينا‬ ‫أاب هند فال تعجـل عـليـنا‬
‫وأان الـمهلكو إنذا ابـتُلينا‬ ‫أبان الـمطعمو إنذا قـدرنـا‬
‫وأان النازلو بـحيث شئـنا‬ ‫وأان الـمانعو لـما أردنـا‬
‫كدرا وطينًا‬
‫ويشرب غيـران ً‬ ‫صفوا‬
‫ونشرب إ أردنـا املاء ً‬

‫‪19‬‬
‫ونبطـش حني نبطش قادرينا‬ ‫لنا الدنيا ومن أضحى عليـنا‬
‫تـخر لـه اجلبابر ساجديـنا‬ ‫إنذا بلغ الفـطام لنـا صب ٌّـي‬
‫فنجهل فوق جهـل اجلاهلينا‬ ‫أال ال يـجهلن أحـد علينـا‬
‫هـ‪ /‬عنـرتة بن شداد‬
‫وشاعر‬
‫ٌ‬ ‫فارس‬
‫هو عنتـرة عمرو بن شداد بن عمرو بن معاوية العبسي اهلجني‪ٌ ،‬‬
‫جاهلي من أصحاب املعلقات‪ .‬وكا جوادا‪ ،‬من أحسن العرب شيمة ومن أعزهم نفسا‪،‬‬
‫يوصف ابحللم على شدة بطشه‪ ،‬ويف شعره رقة وعذوبة‪ .‬وكا أبوه من أشراف عبس‪،‬‬
‫واسم أمه ُزبَـ ْيـبَة‪ ،‬وكانت جارية حبشية‪ ،‬فولدته أسود‪ ،‬فرفض شداد أ يعرتف به ابنا له‪.‬‬
‫ولكن عنتـرة استطاع بشجاعته يف احلرب وحكمته يف القول أ ُجيِرب أابه على االعرتاف‬
‫ببُـنُـوتِه‪ .‬وقد شارك عنرتة يف معارك متعددة مع قبيلته‪ ،‬وسقط قتيال ضمن ضحاَي إحدى‬
‫املعارك اليت شارك فيها‪ ،‬ونذلك حنو سنة ‪600‬م‪ .‬وكا مغرما اببنة عم له تدعى عبلة؛ فقل‬
‫أ ختلو له قصيدة من نذكرها‪ .‬وخياطبها يف معلقته فيقول‪:‬‬
‫أم هل عرفت الدار بعد توهـم‬ ‫هل غادر الشعراء مـن متـردم‬
‫وعمي صباحا دار عبلة واسلمي‬ ‫َي دار عبلة ابلـجواء تكلمـي‬
‫وعرضي وافر مل يـكلـمـي‬ ‫فإنذا شربت فإنين مستهلك مـايل‬
‫وكما علمت شـمائلي وتكرمي‬ ‫وإنذا صحوت فما أقصر عن نـدا‬
‫ِ‬
‫كنت جاهلةً بـما مل تعلمي‬ ‫إ‬ ‫هال سـألت اخليل َي ابنة مالك‬
‫أغشى الوغى ِ‬
‫وأعف عند املغنم‬ ‫ِ‬
‫خيربك من شهـد الوقيعـة أنين‬
‫هراب وال مستـسلـم‬
‫ممعن ً‬
‫ال ٌ‬ ‫ومدجج كـره الكماة نـزالـه‬
‫ٌ‬
‫ولبانه حىت تسـربل ابلـدم‬ ‫ما زلت أرميهم بثُغـرة نـحره‬
‫ـحمحم‬
‫وشـكا إيل بـعربة وت ْ‬ ‫فازور من وقـع القـنا بلبانـه‬
‫ولـكا لو عـلم الكالم تكلم‬ ‫لو كا يدري ما احملاورة اشتكى‬
‫زهري بن أبي سلمى‬ ‫و‪/‬‬
‫‪20‬‬
‫هو زهري بن ربيعة بن رابح ال ُـم َزِين‪ .‬حكيم الشعراء اجلاهليني ومن أهل احلجاز‪.‬‬
‫شاعرا‪ ،‬وكذلك خاله بشامة بن‬
‫ينتسب زهري إىل أسرة هلا تقاليد الشاعرية‪ .‬فقد كا أبوه ً‬
‫كعب من‬
‫ري و ٌ‬ ‫الغدير الذي الزمه زهري وأخذ عنه الشعر‪ ،‬وله أختا شاعرات ‪ ،‬وابناه جب ٌ‬
‫ض َرِمني‪ .‬وكا راوية ألوس بن حجر (ت ‪620‬م) يُعد أحد الثالثة الذين‬ ‫الشعراء ال ُـم َخ ْ‬
‫تنتهي إليهم الرَيسة الشعرية يف اجلاهلية مع امرئ القيس والنابغة‪.‬‬
‫ُر ِوي أنه كا ينظم القصيدة يف أربعة أشهر‪ ،‬وينقحها يف أربعة أشهر‪ ،‬ويعرضها‬
‫على خواصه خالل أربعة أشهر‪ ،‬فال ُخيرجها إال على رأس السنة‪ .‬ولذلك مسيت قصائده‬
‫ابحلوليات‪ .‬وقد غلب على شعر زهري احلكمة‪ ،‬والدعوة إىل الصلح بني قبيليت نذيبا‬
‫وعبس وغريمها من القبائل اليت كانت تـتحارب مع بعضها‪ .‬وكا صادقًا يف املدح‪ ،‬فال‬
‫حكيما‬ ‫ٍ‬
‫سديد‪،‬‬ ‫ميدح أح ًدا إال مبا يتمتع به املمدوح من الصفات احلميدة‪ .‬وكا نذا رأي‬
‫ً‬
‫وقاضيًا بني الناس‪ .‬ويـمتاز شعره جبودة األسلوب‪ ،‬وصدق اللهجة وتناسب املقام‪ .‬وتويف‬
‫سنة ‪609‬م‪ .‬ومن حكمه ما يلي‪:‬‬
‫ثـمانـني حـوالً ال أابلك يسأم‬ ‫سئمت تكاليف الـحياة ومن يعش‬
‫ولكننـي عن علـم ما يف غد عم‬ ‫وأعلم ما يف اليوم واألمـس قبلـه‬
‫تُ ِـم ْته ومن تـخطئ يعمر فيهرم‬ ‫رأيت املناَي خبط عشواء من تصب‬
‫يُضرس أبنياب ويوطـأ بـمنسم‬ ‫ومـن ال يصانـع يف أمـور كثـرية‬
‫يُهـدم ومن ال يظلم الناس يظلم‬ ‫ومن مل يزد عن حوضه بـسالحه‬
‫يفره ومـن ال يت الشتم يشتم‬ ‫ومن جيعل املعروف من دو عرضه‬
‫على قومـه يستغن عنه ويـذمم‬ ‫ومن يك نذا ٍ‬
‫فضل فيبخل بفضلـه‬
‫وإ يـرق أسباب السماء بسلم‬ ‫ومن هاب أسباب الـمناَي تـنلنه‬
‫يعـد حـمده نذ اما عليه ويـندم‬ ‫ومن يصنع املعروف يف غـري أهله‬

‫‪21‬‬
‫وإ خالـها ختفى على الناس تعلم‬ ‫ومهما تكن عند امرئ من خليقة‬
‫فلم يب إال صورة اللحم والـدم‬ ‫ونصف فؤاده‬
‫ٌ‬ ‫ـف‬
‫لسا الفىت نص ٌ‬
‫أمية بن أبي الصلت‬ ‫ز‪/‬‬
‫هو أمية بن وهب عبد هللا بن أيب ربيعة بن عوف بن عقدة بن عزة الثقفي‪ ،‬من‬
‫أهل الطائف ومن دهاة العرب‪ .‬كا مطلعا على الكتب القدمية‪ ،‬وكا ال يشرب اخلمر‬
‫وال يسجد لألواث ‪ .‬وكا خيرب أب نبيا يبعث قد قرب زمانه‪ ،‬وأيمل أ يكو نذلك النيب‪.‬‬
‫ورحل إىل البحرين فأقام مثاين سنني ظهر يف أثنائها اإلسالم‪ ،‬مث قدم مكة ومسع من الرسول‬
‫صلى هللا عليه وآله وسلم شيئا من القرآ ‪ ،‬فلم يسلم‪ .‬مث خرج إىل الشام وعاد منها بعد‬
‫حني يريد اإل سالم‪ ،‬فعلم مبقتل أهل بدر وفيهم ابنا خال له‪ ،‬فامتنع‪ .‬وأقام يف الطائف إىل‬
‫أ مات‪ .‬وأخباره كثرية‪ ،‬وشعره من الطبقة االوىل‪ .‬وصح عن عمرو بن الشريد عن أبيه أنه‬
‫قال أنشدت رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم مائة قافية من شعر أمية بن أيب الصلت‪.‬‬
‫كما صح عنه صلى هللا عليه وآله وسلم قوله‪" :‬وكاد أمية بن أيب الصلت أ يسلم"‪ .‬ومن‬
‫شعره قوله وهو ميدح عبد هللا بن جدعا ‪:‬‬
‫ِ‬
‫ك ا ْحلَيَاءُ‬ ‫َحيَا ُؤ َك إِ َّ ش َ‬
‫يمتَ َ‬ ‫اج ِيت أ َْم قَ ْد َك َف ِاين‬
‫أَأَنذْ ُك ُر َح َ‬
‫َك َفاهُ ِمن تَـع ُّر ِ‬ ‫إِنذَا أَثْـ َىن َعلَْي َ‬
‫ك الثـَّنَاءُ‬‫ضَ‬ ‫ْ َ‬ ‫ك ال َْم ْرءُ يَـ ْوًما‬
‫ساءُ‬
‫يل َوَال َم َ‬ ‫اخلُلُ ِ ا ْجلَ ِم ِ‬
‫َع ِن ْ‬ ‫اح‬
‫صبَ ٌ‬ ‫َك ِرميٌ َال يـُغَِريُهُ َ‬
‫ِ‬ ‫إِ َنذا َما الض ُّ‬ ‫يـُبَا ِري ِ‬
‫َج َح َرهُ الشتَاءُ‬ ‫َّب أ ْ‬ ‫يح َم ْك ُرَمةً َو ُجوداً‬ ‫الر َ‬
‫بَـنُو تَـ ْي ٍم َوأَنْ َ‬ ‫ٍ‬
‫ت َهلُ ْم َمسَاءُ‬ ‫اها‬
‫ك ُك ُّل َم ْك ُرَمة بَـنَ َ‬ ‫ضَ‬ ‫فَأ َْر ُ‬
‫لك احلسب املهذب والسناء‬ ‫ك ِابألمور وأنت قرم‬ ‫َو ِع ْل ُم َ‬
‫‪ ‬النثر اجلاهلي‬
‫الفرق بني الشعر والنثر‬
‫الشعر والنثر جنسا من أجناس األدب ولكل واحد منهما قواعده وأنواعه‬
‫ومسمياته وخواصه‪ .‬فالشعر يعتمد يف الغالب على اإلجياز واالختزال وشحن الكلمات‬
‫‪22‬‬
‫بطاقات أتثريية ألنه خياطب العاطفة‪ .‬كما حيتاج أيضا إىل املوسيقى واإليقاعات اليت تربط‬
‫بني كلماته وعباراته‪ ،‬وتكسبها نغمة فنية‪ .‬وأما النثر فيعتمد على العقل واملنط والتجربة‬
‫ألنه خياطب العقل ابلدرجة األوىل وال يلتزم غالبا صورة متكلفة يف شكله‪ .‬ويصدر عن‬
‫أصحاب العقل اخلصب ونذوي التجربة واخلربة‪.‬‬
‫‪ ‬فنون النثر يف اجلاهلية‬
‫اض كثريةٌ‪ .‬ومن أمهها ما يلي‪:‬‬
‫وللنثر يف اجلاهلية أغر ٌ‬
‫اخلطابة‬ ‫أ‪/‬‬
‫عما يضر‪ .‬ويـمتاز أسلوهبا‬
‫وهي فن خماطبة اجلماهري للرتغيب فيما ينفع أو الرتهيب َّ‬
‫ابلسهولة والوضوح واإلقناع وروعة اللفظ يف االحتجاج والربهنة ومجال التعبري‪ .‬وأكثر ما‬
‫كانت اخلطابة يف التحريض على القتال والتحكيم يف اخلصومات وإصالح نذات البني ويف‬
‫املفاخرات واملنافرات وحني قودم الوفود وغري نذلك‪.‬‬
‫ب‪ /‬الوصية‬
‫ِ‬
‫األسن الذي اكتسب جتربة يف احلياة إىل من‬ ‫صادر من‬
‫ٌ‬ ‫كالم يُراد به اإلرشاد‪،‬‬
‫وهو ٌ‬
‫هو أقل منه جتربة أو أصغر سنا‪ ،‬كالولد من الوالد‪ .‬فهي ليست موجهة إىل اجلماهري خالفًا‬
‫للخطابة‪ .‬وتشتمل على كثرة احلكم ودقة العبارة‪.‬‬
‫ج‪ /‬نثر الكهان‬
‫صادر من أفواه الكها الذين يدعو معرفة الغيب يف اجلاهلية‪ .‬وميتاز‬
‫ٌ‬ ‫وهو ٌ‬
‫قول‬
‫هذا النوع ابلسجع والغموض وغرابة األسلوب حيث يدعي أصحاهبا مساويتها وقُدسيتها‬
‫وجنيتها‪.‬‬
‫احلكم‬ ‫د‪/‬‬
‫وَي على تـجربة إنسانية عميقة‪ ،‬يهدف إىل‬
‫مشهور رائع التعبري حمت ً‬
‫ٌ‬ ‫موجز‬
‫قول ٌ‬‫وهو ٌ‬
‫اخلري واإلرشاد إىل الصواب‪ .‬وقد شاعت احلكمة على ألسنة العرب منذ اجلاهلية‬
‫العتمادهم على التجارب من احلوادث مع دقَّة املالحظة ونبوغ البصرية‪.‬‬
‫األمثال‬ ‫هـ‪/‬‬
‫‪23‬‬
‫ومضرب‪ .‬وقد يكو مستمداً‬
‫ٌ‬ ‫سائر على األلسنة له مورٌد‬
‫موجز دقي ٌ ٌ‬‫قول ٌ‬ ‫وهو ٌ‬
‫بصفات حممودةٍ أو عكسها‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫شخاص اشتهروا‬ ‫قصة أو ٍ‬
‫واقعة أو مرتبطًا أب‬ ‫من ٍ‬
‫‪ ‬تراجم بعض اخلطباء يف العصر اجلاهلي‬
‫هاشم بن عبد املناف‬ ‫أ‪/‬‬
‫هو عمرو بن عبد املناف بن قصي بن كالب والد عبد املطلب جد رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وآله وسلم‪ .‬وكا سيِ ًدا يف قومه‪ ،‬وكا كري ًـما يتوىل مهمة إطعام احلجيج‪.‬‬
‫ولُِقب ابهلاشم أل قومه أصيبوا مبجاعة فبذل ماله وتـجارته وهشم اخلبز والثريد للجائعني‬
‫وأطعم احلجيج احملتاجني‪ .‬وهو أول من سن للقريش الرحلني التجاريتني؛ رحلة الشتاء إىل‬
‫اليمن ورحلة الصيف إىل بالد الشام‪ .‬وهو الذي أخذ احللف من قيصر لقريش على أ‬
‫شا‬ ‫أتيت الشام وتعود منها آمنة‪ .‬ومات حنو سنة ‪52٤‬م‪ .‬واخلطبة اآلتية ألقاها ُحي ُّ‬
‫ث قري ً‬
‫على إكرام الضيوف‪ ،‬ويقول فيها‪:‬‬
‫َي معشر قريش! أنتم جريا بيت هللا‪ ،‬أكرمكم بواليته‪ ،‬وخصكم جبواره دو بنـي‬
‫وزَّوار بيته‪ .‬فإنـهم‬
‫إمساعيل‪ ،‬وحفظ منكم أحسن ما حفظ جار من جاره‪ .‬فأكرموا ضيفه ُ‬
‫مال حيمل نذلك ل ُك ِفيتُموه‪.‬‬ ‫أيتونكم شعثاً غربا من كل ٍ‬
‫بلد‪ .‬فورب هذه البنية‪ ،‬لو كا يل ٌ‬ ‫ً‬
‫أال وإين خمرج من طيب مايل وحالله‪ ،‬ما مل يُقطع فيه رحم ومل يُؤخذ بظلم ومل يُدخل فيه‬
‫ـحرمة هذا البيت أال‬
‫ام فواضعه‪ .‬فمن شاء أ يفعل منكم مثل نذلك فعل‪ .‬وأسألكم ب ُ‬ ‫حر ٌ‬
‫ظلما ومل يُقطع‬
‫رجل منكم من ماله لكرامة ُزَّوار بيت هللا ومعونتهم إال طيبًا مل يؤخذ ً‬
‫ُخيرج ٌ‬
‫فيه ِ‬
‫رح ٌم ومل يُغتصب‪.‬‬
‫ب‪ /‬أكثم بن صيفي‬
‫هو أكثم بن صيفي بن رَيح بن احلارث بن خماشن بن معاوية التميمي‪ ،‬عم حنظلة‬
‫بن الربيع بن صيفي؛ الصحايب املشهور‪ .‬أحد أطباء العرب يف اجلاهلية‪ ،‬سي ٌد وحكيم من‬
‫أبلغ حكماء العرب يف اجلاهلية ومن أعرف الناس أبنساهبا وأكثرهم ضرب األمثال يف‬
‫اخلطابة وإ صابة الرأي يف القول وقوة احلجة‪ .‬وكا الرجال يقصدونه ويلتمسو عنده‬

‫‪24‬‬
‫احلكمة والرأي السديد‪ .‬وقل من جاوره من خطباء طبقته يف معرفة األنساب وضرب‬
‫األمثال واالهتداء حلل املشكالت والسداد يف الرأي‪ .‬وأخباره يف كتب الرتاث كثرية‪.‬‬
‫يعد من املعمرين؛ يقال إنه عاش مائة وتسعني سنة أو أزيد‪ ،‬أدرك مبعث النيب‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬ويف إسالمه رواَيت متضاربة‪ ،‬يقال إنه أراد اخلروج إىل املدينة فمنعه‬
‫قومه مث أرسل وفدا لتقصي أخبار اإلسالم‪ ،‬فكا بع ُد حيث قومه على املبادرة إىل اقتناع‬
‫الدين اجلديد‪ .‬وكا يف خطبه قليل اجملاز حسن اإلجياز حلو األلفاظ دقي املعاين ومولعاً‬
‫ابألمثال‪ .‬ويكفي دليال على فضله أنه كا زعيم كتيبة اخلطباء الذين أوفدهم النعما على‬
‫كسرى‪ ،‬ولقد بلغ من إعجاب كسرى به أ قال له‪" :‬لو مل يكن للعرب غريك لكفى"‪.‬‬
‫املعمرين‪ ،‬مات سنة ‪630‬م‪ .‬ومن خطبته اليت ألقاها أمام كسرى ما يلي‪:‬‬
‫وكا من َّ‬
‫إ أفضل األشياء أعاليها‪ ،‬وأعلى الرجال ملوكهم‪ ،‬وأفضل امللوك أعمهم نفعا‪،‬‬
‫وخري األزمنة أخصبها‪ .‬وأفضل اخلطباء أصدقهم‪ ،‬الصدق منجاة‪ ،‬والكذب مهواة‪ ،‬والشر‬
‫ٍ‬
‫صعب‪ ،‬والعجز مركب وط ٍئ‪ ،‬آفة الرأي اهلوى‪ ،‬والعجز مفتاح الفقر‪،‬‬ ‫جلاجة‪ ،‬واحلزم مركب‬
‫خري من‬
‫وخري األمور الصرب وحسن ورطة‪ ،‬وسوء الظن عصمةٌ‪ ،‬إصالح فساد الرعية ٌ‬
‫شر البالد بالد ال أمري‬
‫إصالح فساد الراعي‪ .‬من فسدت بطانته كا كالغاص يف املاء‪ُّ .‬‬
‫وشر امللوك من خافه الربيئ‪ .‬املرء يعجز ال حمالة‪ .‬أفضل األوالد الربرة‪ ،‬وخري األعوا‬
‫هبا‪ُّ ،‬‬
‫من ال يرائي ابلنصيحة‪ .‬أح اجلنود ابلنصر من حسنت سريرته‪ .‬يكفيك من الزاد ما بلغك‬
‫وقليل فاعله‪ .‬البالغة اإلجياز‪ .‬من َّ‬
‫شدد‬ ‫ٌ‬ ‫احملل‪ .‬حسبك من ِ‬
‫الشر مساعه‪ .‬الصمت حكمةٌ‬
‫نفر ومن تراخى أتلف‪.‬‬
‫ج ‪ /‬قس بن ساعدة‬
‫هو قس بن ساعدة بن عمرو بن عدي بن مالك اإلَيدي‪ ،‬أسقف جنرا وخطيب‬
‫العرب وحكيمها ‪.‬كا من املتحنفني يف اجلاهلية ومن املعمرين‪ .‬يقال إنه أول عريب خطب‬
‫متوكئا على سيف أو عصا وأول من قال يف كالمه "أما بعد"‪ .‬فكا خيطب يف عكاظ‪،‬‬
‫فيقف على الشرفة‪ ،‬فيعظ الناس ويدعوهم إىل اخلري والفضيلة على ضوء النصرانية‪ .‬وكا‬

‫‪25‬‬
‫يفد على قيصر من حني آلخر فيكرمه‪ ،‬مث صرف عن الدنيا‪ ،‬وعاش على الكفاف ِ‬
‫متنس ًكا‬
‫ومطبوعا‬
‫ً‬ ‫إىل أ تويف سنة ‪600‬م‪ .‬وكا شديد الدقة يف اختيار األلفاظ‪ ،‬قصري الفواصل‪،‬‬
‫على السجع‪ .‬ومن أشهر خطبه النص اآليت‪:‬‬
‫أيها الناس! امسعوا وعوا‪ ،‬إنه من عاش مات‪ ،‬ومن مات فات‪ ،‬وكل ما هو آت‬
‫ٌ‬
‫وجبال مرساة‪،‬‬ ‫وحبار تزخر‪،‬‬
‫وجنوم تزهر‪ٌ ،‬‬
‫اج‪ٌ ،‬‬ ‫ساج‪ ،‬ومساء نذات أبر ٍ‬
‫ٌ‬ ‫وهنار‬
‫داج‪ٌ ،‬‬ ‫ليل ٌ‬
‫آت‪ٌ ،‬‬
‫لعربا‪ ،‬ما ابل الناس‬
‫خلربا‪ ،‬وإ يف األرض ً‬
‫جمراة‪ ،‬إ يف السماء ً‬ ‫وأهنار‬
‫ٌ‬ ‫وأرض مدحاة‪،‬‬
‫ٌ‬
‫يذهبو وال يرجعو ؟ أرضوا فأقاموا؟ أم تركوا فناموا؟ َي معشر أَيد! أين اآلابء واألجداد؟‬
‫وأين الفراعنة الشداد؟‬
‫ـن من القرو لنا بصائر‬ ‫فـي الذاهبني األوليـ‬
‫للموت ليس هلا مصادر‬ ‫ملـا رأيـت مـواردا‬
‫متضي األصاغر واألكابر‬ ‫ورأيت قومي حنوهـا‬
‫وال من الباقيـن غابـر‬ ‫ال يرجع املاضي إلـي‬
‫لة حيث صار القوم صائر‬ ‫أيقنت أنـي ال حمـا‬
‫‪ ‬مناذج من األمثال‪.‬‬
‫سبق السيف العذل‬ ‫أ‪/‬‬
‫يضرب ملا فات وال ميكن استدراكه‪ .‬وأصله أ رجالً وثب على ٍ‬
‫رجل يظنه قاتل‬
‫يئ من دم ابنه‪ .‬فندم‪ ،‬ولـما المه الناس قال‪" :‬سب‬
‫ابنه‪ ،‬فقتله‪ ،‬مث اتضح له أ القتيل بر ٌ‬
‫السيف العذل" فمضى على ألسنة الناس وصار مثالً‪.‬‬
‫ب‪ /‬جزاء سِنِّمار‬
‫بناء رومياا يسمى‬
‫ً‬ ‫شرا‪ .‬وأصله أ‬‫يضرب للمحسن الذي يلقي على إحسانه ً‬
‫قصرا فخ ًاما يسمى قصر اخلورن‬ ‫ِِ‬
‫سن َمار بىن للملك النعما بن امرئ القيس (ت ‪٤31‬م) ً‬
‫ابلقرب من الكوفة‪ ،‬فلما أجنز بناءه قال للملك وهو يريد ابتزازه‪" :‬إين ألعرف من القصر‬
‫لبنةً لو زالت لسقط القصر كله"‪ .‬فقال له النعما ‪" :‬وهل يعرفها أحد سواك؟" فقال‬

‫‪26‬‬
‫بسنِ َمار ف ُق ِذ َ‬
‫ف به من‬ ‫سنمار‪" :‬ال" فقال النعما ‪" :‬إنذاً لن يعرفها أح ٌد بعد اليوم"‪ .‬فأمر ِ‬
‫فوق القصر فمات‪ .‬فصار مثال‪.‬‬
‫ج‪ /‬ألمر ما‪ ،‬جدع قصري أنفه‬
‫يضرب ملن أسر غرضه احلقيقي يف أم ٍر وأظهر خالفه‪ .‬وأصله أ رجالً امسه قصري‬
‫جادعا أنفه والدم ينزف من األنف‪ ،‬فقال هلم إ ملك قبيلته ظال ٌـم‬
‫قوما ودخل فيهم ً‬
‫خا ً‬
‫قد جدع أنفه بغري ح ٍ ‪ .‬فآووه ومكث فيهم مد ًة يتجسس عليهم حىت تعرف على نقاط‬
‫ضعفهم وهم ال يشعرو ‪ .‬مث رجع إىل قومه وزودهم مبعلوماته‪ .‬وساعد نذلك قومه على‬
‫ِ‬
‫عدوهم فشاع نذلك على ألسنة العرب‪.‬‬
‫زوجٌ من عودٍ خريٌ من قعو ٍد‬ ‫د‪/‬‬
‫خري من انتظار الكثري الذي‬
‫يضرب لإلشارة إىل أ احلصول على اليسري املمكن ٌ‬
‫كن يتبادلن احلديث‪ ،‬فطفقت كل‬ ‫ٍ‬
‫فتيات نذوات اخلدر َّ‬ ‫ال يقني على إمكانيته‪ .‬وأصله أ‬
‫واحدة منهن تذكر صفات الزوج الذي ترغب أ يتزوج هبا‪ .‬وبينهن مراهقة صامتة مل‬
‫"زوج من عود خري من قعود"‬
‫تشاركهن احلديث‪ ،‬فسألنها عن زوجها األحالمي فقالت‪ٌ :‬‬
‫فسار يف األلسنة كمثل‪.‬‬
‫هـ‪ /‬على َيدَيْ عدلٍ‬
‫هو مثل كانت العرب تستعمله منذ زم ٍن قد ٍمي‪ .‬وعدل هو ابن سعد العشرية‪ ،‬كا‬
‫على شرطة تُـبَّع‪ ،‬وكا عني ًفا‪ ،‬شديد البطش على املتهمني واجملرمني‪ .‬وكانت تُـبَّ ُع إنذا أرادت‬
‫يدي عدل" كناية عن هالكه‪ .‬فصار‬ ‫رجل دفعت به إىل عدل‪ .‬فيقولو "هو على ْ‬ ‫هالك ٍ‬
‫مثالً يذكر يف امليؤوس منه‪.‬‬
‫الصيفَ ضيعتِ اللنب‬ ‫و‪/‬‬
‫يضرب للرجل يضيع األمر مث يريد استدراكه‪ .‬وأصله أ عمرو بن عدس بن زيد‬
‫وس بنت لقيط بن ُزرارة الدارمية (ت ‪59٤‬م) وكا شيخا كبري السن ففركته‬ ‫تزوج َد ْختَـنُ ُ‬
‫وسألته الطالق ففعل‪ ،‬وتزوجت ابن عمها عمرو بن معبد بن زرارة‪ ،‬وكا شااب فقريا‪ ،‬فلما‬

‫‪27‬‬
‫"الصيف ضيع ِ‬
‫ت اللنب"‪،‬‬ ‫َ‬ ‫جاء الشتاء أرسلت إىل عمرو بن عدس تستسقيه لبنا فقال هلا‪:‬‬
‫فقالت‪" :‬هذا ومذقة خري" فذهبت العبارات مثال‪.‬‬
‫قطعت جهيزة قول كل خطيب‬ ‫ز‪/‬‬
‫يضرب عند فوات األمر‪ ،‬وأصله أ قوما اجتمعوا خيطبو يف صلح وقبول دية‬
‫بني حيني كا بينهما دم قتيل‪ .‬فبيناهم يف نذلك إنذ جاءت أمة يقال هلا جهيزة‪ ،‬فقالت‪ :‬إ‬
‫القاتل قد ظفر به بعض أولياء املقتول فقتله‪ ،‬فقالوا عند نذلك‪" :‬قطعت جهيزة قول كل‬
‫خطيب"‪ .‬أي استغين اآل عن اخلطب يف الصلح‪.‬‬
‫ح‪َ /‬أنْ تَسْ َمعَ بِالْمُعَ ْيدِ ّي خَيْرٌ من أَن تَرَاهُ"‪.‬‬
‫جس ٌم ميألُ َع ْ َ‬
‫ني الناظر إليه‪ .‬قاله‬ ‫اس كبري‪ ،‬ولكن ليس له ْ‬ ‫ب ملَ ْن له ِنذ ْك ٌر يف الن ِ‬ ‫ض َر ُ‬
‫يُ ْ‬
‫نسبُه إىل َم َع ِد وتصغريه ُم َع ْيد فلما رآه ازدرته‬
‫رج ٍل َمس َع بذ ْك ِره ينتهي َ‬ ‫النعما ُ بن املنذر يف ُ‬
‫َع ْيـنُه‪ ،‬فقال َك ِل َمتَهُ‪ :‬فذهبت مثالً‪.‬‬
‫ط‪ /‬رمتين بدائها وانسلت‬
‫يضرب فيمن يعري خصمه بعيب هو يف األول‪ .‬وأصله أ سعد بن زيد كا قد‬
‫تزوج امرأة امسها رهم بنت اخلزرج‪ .‬وكانت هلا ضرائر يغر عليها ويعريهنا ويقلن هلا َي‬
‫عفالء فشكت نذلك إىل أمها فقالت "إنذا عريتك أحداهن فابدئيها بذلك" مث إهنا سابتها‬
‫واحدة من ضرائرها يوما بعد نذلك فقالت هلا رهم‪َ" :‬ي عفالء!" كما وصتها أمها‪ .‬فقالت‬
‫الضرة حينئذ‪" :‬رمتين بدائها وانسلت!" فذهب مثال‪.‬‬
‫ي‪ /‬رَجَعَ ِب ُخفَّ ْي حُنَ ْينٍ‬
‫ساو َم إسكافا من‬
‫يضرب عند اليأس من احلاجة والرجوع ابخليبة‪ ،‬وأصلُه أ أعرابيا َ‬
‫ارحتَ َل‬
‫ظ األعرايب فلما َ‬ ‫احلِرية أهل يقال له ُحنَني خبَُّفني فاختلفا حىت أ ْغ َ‬
‫ضبه فأراد غَْي َ‬
‫مر‬
‫حنني أح َد خفيه وطََرحه يف الطري مث ألقى اآلخر يف موضع آخر فلما َّ‬ ‫األعرايب أخذ ٌ‬
‫ف خبف حنني ولو كا معه اآلخر ألخذته" ومضى‬ ‫اخل َّ‬
‫األعرايب أبحدمها قال‪" :‬ما أشبه هذا ْ‬
‫حنني فلما مضى األعرايب يف طلب‬ ‫من له ٌ‬ ‫فلما انتهى إىل اآلخر نَ ِد َم على تركه َ‬
‫األول وقد َك َ‬
‫حنني إىل راحلته وما عليها فذهب هبا وأقبل األعرايب وليس معه إال اخلَُّفا ِ‬
‫األول عمد ٌ‬
‫‪28‬‬
‫فقال له قومه‪" :‬مانذا جئت به من سفرك؟" فقال‪" :‬جئتكم ِخبَُّف ْي ُحنَني" فذهبت العبارة‬
‫مثالً‪.‬‬

‫ص‪k‬‬

‫‪S‬‬

‫‪29‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫األدب العربي يف صدر اإلسالم‬
‫‪ ‬املدخل‬
‫أثرا عمي ًقا ليس يف حياة العرب‬
‫كا ظهور اإلسالم من أعظم احلوادث اليت تركت ً‬
‫فقط‪ ،‬بل يف حياة مجيع األمم اإلنسانية على وجه العموم‪ .‬ونذلك إبخراج الناس من‬
‫ظلمات الكفر إىل نور اإلسالم‪ ،‬وهداية اإلنسا إىل عبادة هللا وترك الشرك‪ ،‬واقتتاح‬
‫الباب لعهد جديد يف حياة العرب خاصة وسائر األمم عامة‪ ،‬وغري نذلك من الفضائل اليت‬
‫جاء هبا اإلسالم‪.‬‬
‫فقد انكشف ظالم العصر اجلاهلي وأشرق صبح اإلسالم ببعثة حممد صلى هللا‬
‫ونذيرا ورمح ًة للعاملني‪ .‬وقد كا العرب متخلفني ثقاقياا فجعلهم‬
‫ً‬ ‫بشريا‬
‫عليه وآله وسلم ً‬
‫علما تنتفع مجيع األمم بعلومهم‪ .‬وكا جمتمعهم ِ‬
‫متفرقا وقبليا؛ تسوده العصبية‬ ‫اإلسالم ً‬
‫رجل ٍ‬
‫واحد ألول مرة يف اترخييهم‪ .‬ومل‬ ‫والفرقة‪ ،‬فجعلهم اإلسالم أمة واحدة وحتت قيادة ٍ‬
‫دستورهم بـما فيه من األحكام‬
‫َ‬ ‫يكن هلم دستور غري العادات والتقاليد‪ ،‬فصار القرآ‬
‫والشرائع‪ .‬كما أصبحت علومه بنية حتتية لتكوين حضارة جديدة مبنية على أسس دينية‪.‬‬
‫وكانت دَيانهتم شتـى فوحدهم اإلسالم إىل عبادة هللا وحده ال شريك له‪.‬‬
‫‪ ‬القرآن الكريم‬
‫هو كالم هللا الذي ال أيتيه الباطل من بني يديه وال من خلفه‪ ،‬املتعبد بتالوته‪،‬‬
‫املكتوب يف املصاحف‪ ،‬احملفوظ يف الصدور‪ ،‬املعجز بلفظه‪ ،‬املنـزل على رسوله حممد صلى‬
‫هللا عليه وآله وسلم بواسطة الروح األمني جربيل عليه السالم منجما يف ثالثة وعشرين سنة‬
‫تقريبا‪ ،‬تيسريا على العباد وتدرجيا هلم يف كمال الدين وليناسب األحداث والتطورات‪،‬‬
‫دستورا لآلدميِني يف كل زما ومكا ‪.‬‬
‫ً‬ ‫وليكو‬
‫وأول ما نزل من القرآ ‪ :‬ﭽ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﭼ إىل قوله سبحانه‬
‫وتعاىل‪ :‬ﭽ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﭼ‪ .‬وأول ما نزل ابملدينة املنورة‪ :‬ﭽ ﯖ ﯗ‬
‫‪30‬‬
‫ﯘﭼ إىل قوله‪ :‬ﭽ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﭼ‪ .‬وآخر ما نزل يف أحد األقوال‬
‫املشهورة قوله تعاىل‪ :‬ﭽ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ‬
‫ﮄ ﮅﭼ‪ ،‬نزلت يف حجة الوداع‪ .‬وقيل بل قوله تعاىل‪ :‬ﭽ ﯸ ﯹ ﯺ‬
‫ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﭼ وهللا أعلم‪.‬‬
‫‪ ‬موضوعات سُوَر القرآن‬
‫تناولت ُس َوُر القرآ قضاَي كثرية وموضوعات متعددة منها‪:‬‬
‫العقائد‬ ‫أ‪/‬‬
‫حتدثت آَيت متعددة عن توحيد هللا وعبادته دو شريك‪ ،‬وعن أمساء هللا تعاىل‬
‫وصفاته‪ ،‬وعن القضاء والقدر‪ .‬وتناولت بعض اآلَيت احلديث عن اإليـما جبميع‬
‫الرسل والكتب السماوية واملالئكة وغري نذلك‪.‬‬
‫التشريع‬ ‫ب‪/‬‬
‫أنزل هللا تعاىل آَيت كثرية يف القرآ فيها بيا حول شؤو احلياة واملعاملة‬
‫والعالقات االجتماعية مثل نظام العبادة واألسرة ونظام السياسة التجارة وسائر‬
‫املعامالت‪.‬‬
‫القصص‬ ‫ج‪/‬‬
‫أخبارا طريفةً وحساسةً‪ ،‬كقصص األنبياء وبعض األمم السابقة‪ .‬ومتثل‬
‫ً‬ ‫يضم القرآ‬
‫هذه القصص جزءا هاما من مادة القرآ ملا فيها من عظة وعربة إىل جانب كوهنا‬
‫حقائ اترخيية صحيحة‪.‬‬
‫األخالق واآلداب‬ ‫د‪/‬‬
‫ورد يف القرآ احلديث عن األخالق واآلداب والفضائل‪ ،‬كالصدق واألمانة‬
‫والوفاء والتحية واالستئذا واملالبس وآداب احلديث وغري نذلك‪.‬‬
‫أخبار اآلخرة‬ ‫هـ‪/‬‬
‫‪31‬‬
‫أخبارا كثريًة حول يوم القيامة وأحداثه وما فيه من‬
‫أنزل هللا تعاىل يف القرآ اجمليد ً‬
‫املواقف واألهوال واحلساب ووالنعيم والعذاب وغري نذلك‪.‬‬
‫األمثال‬ ‫و‪/‬‬
‫تفنن القرآ يف ضرب أمثال حكيمة وتشبيهات حسية تتضمنت املعاينَ احلسنة‬
‫والرباهني الواضحة والتعبريات البديعة‪ .‬والقرآ يعقد هذه األمثال لتقريب األشياء‬
‫إىل األفهام وللتذكر واالتعاظ ولتوضيح الغامض وشرح املشكل ولتكو أصوال‬
‫يعتمد عليها يف فهم أسرار خملوقاته وحكم العلوم املعارف‪.‬‬
‫أسلوب القرآن‬
‫أسلوب قبله وال بعده من كالم‬
‫ٌ‬ ‫ٍ‬
‫أسلوب ال يضارعه‬ ‫لقد أنزل هللا القرآ على‬
‫أسلوب فري ٌد بني األساليب األدبية واألنظمة الكالمية‪ .‬فهو مل أيت‬
‫ٌ‬ ‫الثقلني‪ .‬فهو بذلك‬
‫ملتزم وال هو خبطبة‪ .‬وإنـما‬
‫سجع ٌ‬ ‫شعرا‪ ،‬وليس نثرا مرسال إرسال احلديث العادي‪ ،‬وال هو ٌ‬
‫ً‬
‫هو كالم عريب بصورة فوق عاطفة البشر وطاقته التعبريية‪ .‬فالقرآ يُـمثل املرحلة العليا يف‬
‫التعبري والرباعة الفائقة يف البالغة‪ .‬وقد كا القرآ يتكلم يف كل مناسبة بـما يالئم املقام‪،‬‬
‫حيث وردت ألفاظه عنيفة يف خطاب الكفار ورقيقة لينة يف خطاب املؤمنني‪ .‬كما بلغ‬
‫ِ‬
‫السمو خبياله‬ ‫عذاب وصافيًا لكل ر ٍ‬
‫اغب يف‬ ‫منبعا ً‬
‫القرآ القمة يف الروعة حبيث ال يزال أب ًدا ً‬
‫إىل الدرجة العالية من البالغة‪.‬‬
‫‪ ‬أثر القرآن يف اللغة واألدب‬
‫كما كا للقرآ أثر عظيم يف حياة العرب والعجم وكذلك يف اللغة العربية‬
‫وآداهبا‪.‬‬
‫يف اللغة‬ ‫أ‪/‬‬
‫وحد القرآ هلجات العرب يف هلجة قريش وزاد الثروة اللغوية ابلتوسع يف‬
‫استعمال بعض األلفاظ إبحداث معا جديدة هلا‪ ،‬وهذب ألفاظ اللغة العربية ابلبعد عن‬

‫‪32‬‬
‫الغرابة‪ .‬كما ساعد على انتشار اللغة العربية يف البالد اليت أسلمت‪ .‬وحفظ اللغة العربية‬
‫من االنقراض كغريها من اللغات القديـمة‪ .‬كما كا سببًا يف نشأة العلوم اللغوية والدينية‪.‬‬
‫يف األدب‬ ‫ب‪/‬‬
‫ونثرا لالستعانة‬
‫شعرا ً‬
‫فقد دفع القرآ الناس إىل مجع مادة األدب العريب ونصوصه ً‬
‫هبا على فهم القرآ وتفسريه‪ .‬وساعد القرآ على ترقية األساليب األدبية بـمحاكات‬
‫الناس إىل دراسة اتريخ‬
‫األدابء ألساليب القرآ واالقتباس منه وتوليد املعاين منه‪ .‬كما دفع َ‬
‫العرب وسائر األمم القديـمة السيما اليت وردت أخبارها يف القرآ لفهم ما جاء به القرآ‬
‫من القصص وغري نذلك‪.‬‬
‫‪ ‬فصاحة النيب صلى اهلل عليه وآله وسلم‬
‫كا النيب صلى هللا عليه وآله وسلم أفصح العرب هلجة‪ ،‬وأبلغهم حجة‪ ،‬وأعذهبم‬
‫كلما‪ ،‬وأصدقهم حديثا‪ ،‬وقد أ ِ‬
‫ُويتَ جوامع الكلم‪ .‬وتدور أحاديثه صلى هللا عليه وآله وسلم‬
‫حول القرآ الكرمي مفصلة ملا أمجله وموضحة ألهدافه وشارحة ملقاصده‪ .‬وتـمتاز أحاديثه‬
‫صلى هللا عليه وآله وسلم بكثرة أنواعها‪ ،‬وتنوع أغراضها‪ ،‬وشرف مقاصدها‪ ،‬وتعبريها‬
‫ابللفظ القليل املعىن الكثري‪ .‬كما اتصفت جبمال األلفاظ وسالمة العبارة وقوة التأثري‬
‫واإلقناع‪.‬‬
‫وتعترب أحاديثه صلى هللا عليه وآله وسلم مبثابة املصدر الثاين لألدب العريب يف‬
‫صدر اإلسالم والدين اإلسالمي بعد القرآ ‪ .‬ونذلك على الرغم من أنـها مل تدو يف فجر‬
‫اإلسالم إال القليل‪ ،‬فهي مع نذلك تُثبت أثرها يف اللغة العربية وأدهبا من شىت الفنو ‪.‬‬
‫‪ ‬الشعر يف صدر اإلسالم‬
‫كا للشعر والشعراء يف العصر اجلاهلي منزلة رفيعة‪ .‬وملا ظهر اإلسالم انصرف‬
‫املسلمو إىل حفظ القرآ ورواية احلديث وممارسة شعائر الدين اجلديد‪ ،‬وتركوا الشعر‬
‫جانـبًا‪ .‬ومـما زاد الطني بلة ابلنسبة لتقهقر منزلة الشعر عند الصحابة ما ورد يف الكتاب‬
‫والسنة عن الشعر والشعراء يف أول األمر‪ ،‬ومن نذلك قوله تعاىل‪ :‬ﭽﯘ ﯙ‬
‫‪33‬‬
‫ﯚﯛ ﭼ‪ .‬وقوله سبحانه وتعاىل‪ :‬ﭽ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ‬
‫ﯶ ﯷ ﯸ ﭼ‪ .‬وقول الرسول صلى هللا عليه وآله وسلم يف احلديث‪" :‬أل يـمتلئ‬
‫جوف أحدكم قيحا خري له من أ يـمتلئ شعرا"‪.‬‬
‫وملا اشتدت اخلصومة بني الرسول صلى هللا عليه وآله وسلم وبني كفار قريش‬
‫وآنذوه هو وأتباعه بقرائض من اهلجاء‪ ،‬هاج نذلك من شاعرية الشعراء من املسلمني ومتنوا‬
‫لو أينذ هلم الرسول صلى هللا عليه وآله وسلم أ يردوا على الكفار ابلشعر‪ .‬فما هو إال‬
‫أ قال هلم‪" :‬مانذا يـمنع الذين نصروا هللا ورسوله أبسلحتهم أ ينصروه أبلسنتهم؟"‬
‫وبذلك رخص هلم يف الرد عليهم‪ .‬فنهض نفر من الصحابة منهم حسا بن اثبت‬
‫األنصاري وكعب بن مالك وعبد هللا بن رواحة وغريهم رضي هللا عنهم أمجعني إىل الدفاع‬
‫عن اإلسالم ابلشعر‪ .‬وبذلك أخط الشعر العريب خطوةً جديدةً صادقةً‪ ،‬حىت قال الرسول‬
‫صلى هللا عليه وآله وسلم‪" :‬إ من البيا لسحر وإ من الشعر حلكمة"‪.‬‬
‫‪ ‬أغراض الشعر يف صدر اإلسالم‬
‫اضا جديد ًة للشعر كما هاجر شعراؤه األغراض الباطلة‬
‫ابتدع صدر اإلسالم أغر ً‬
‫اليت كانت سائد ًة يف ما قبل اإلسالم‪ ،‬من مثل الغزل الفاحش والفخر الباطل ووصف‬
‫الصيد واخلمر وأمثاهلا‪ .‬ومن أبرز أغراض الشعر اجلديدة يف صدر اإلسالم ما يلي‪:‬‬
‫أتييد الدعوة اإلسالمية‪.‬‬ ‫أ‪/‬‬
‫الراثء والفخر عند االنتصار بعد اجلهاد‪.‬‬ ‫ب‪/‬‬
‫ج‪ /‬الرد على أهاجي شعراء املشركني‪.‬‬
‫‪ ‬لفظ الشعر وأسلوبه ومعانيه يف صدر اإلسالم‬
‫وللقرآ هو وفصاحة الرسول صلى هللا عليه وآله وسلم أث ٌر عمي ٌ يف ترقي شعر‬
‫ض َرمني عامة وأصحاب الرسول صلى هللا عليه وآله وسلم خاصة‪ .‬فقد كثُر يف‬ ‫ال ُـم َخ ْ‬
‫شعرهم استعمال ألفاظ القرآ وتشبيهاته وحماكات أساليبه وتوليد املعاين من العقائد‬

‫‪34‬‬
‫والتعاليم اإلسالمية واالهتداء ابملنهج الديين يف صدق القول واألمانة واملوضوعية‬
‫والوسطية‪.‬‬
‫‪ ‬رجال الشعر يف صدر اإلسالم‬
‫حسان بن ثابت‬ ‫أ‪/‬‬
‫هو أبو الوليد حسا بن اثبت بن ال ُـمنذر بن حرام األنصاري اخلزرجي رضي هللا‬
‫ض َرٌم وسيد شعراء املؤمنني‪ .‬كا شاعر اخلزرج يف اجلاهلية‪ ،‬وملا أسلم انفح‬
‫شاعر ُخمَ ْ‬
‫عنه‪ٌ ،‬‬
‫عن اإلسالم بشعره ولقب بشاعر رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم‪ .‬عاش مائة وعشرين‬
‫عاما نصفها األول يف اجلاهلية والثاين يف اإلسالم‪ .‬اشتهرت مدائحه يف الغسانيني‪ ،‬وملوك‬
‫احلرية قبل االسالم‪ .‬وقد طلب حسا من الرسول صلى هللا عليه وآله وسلم أ أينذ له‬
‫يف الرد على هجاء قريش فقال له الرسول صلى هللا عليه وآله وسلم‪" :‬كيف تـهجوهم وأان‬
‫سل الشعرة من العجني" فقال له الرسول صلى‬
‫منهم؟" فقال حسا ‪" :‬أسلك منهم كما تُ ُّ‬
‫هللا عليه وآله وسلم ‪" :‬أهجهم وروح القدس معك"‪ .‬وقد تويف رضي هللا عنه سنة ‪5٤‬هـ‪،‬‬
‫وعمي قبيل وفاته رضي هللا عنه‪.‬‬
‫وملا هاجر الرسول صلى هللا عليه وآله وسلم إىل املدينة مسعت القبائل يف أطراف‬
‫اجلزيرة العربية هبذه األنباء اجلديدة‪ ،‬فكانت الوفود تقدم على رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وشاعرا ليتحدث كل‬
‫ً‬ ‫يضم خطيبًا‬
‫وآله وسلم للتعرف على مبادئ اإلسالم‪ .‬وكا الوفد ُّ‬
‫منهما بلسانه نيابةً عن قومه‪ ،‬فيقوم شعراء املسلمني وخطباؤهم ابلرد على الوفود‪.‬‬
‫ونذات ٍ‬
‫يوم جاء وفد بنـي ت ٍ‬
‫ـميم وألقى شاعرهم أبياات يف الفخر بقبيلته‪ ،‬فلما انتهى‬
‫من إنشاد قصيدته أمر رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم حسا ابلرد فقال‪:‬‬
‫قد بـينوا سننـا للـناس تـتبع‬ ‫إ الذوائب من فهر وإخوهتـم‬
‫تقوى اإلله وابألمر الذي شرعوا‬ ‫يرضى هبا كل من كانت سريرته‬
‫أو حاولوا النفع يف أشياعهم نفعوا‬ ‫قوم إنذا حاربوا ضروا عدوهـم‬‫ٌ‬
‫إ اخلالئ فاعلم شـرها البدع‬ ‫سجيةٌ تلك فيهم غري حمـدث ٍـة‬
‫‪35‬‬
‫فكل سب ٍ ألدىن سـبقهم تـبع‬ ‫إ كا يف الناس سبَّاقو بعدهم‬
‫خور وال جزع‬
‫وإ أصـيبوا فال ٌ‬ ‫عدوهـم‬
‫ال يفرحو إنذا انلـوا َّ‬
‫إنذا تفـرقت األهـواء والشيـع‬ ‫أكرم ٍ‬
‫بقوم رسول هللا قـائدهم‬
‫كعب بن زهري‬ ‫ب‪/‬‬
‫هو أبو عقبة كعب بن زهري بن أيب سلمى ال ُـم ِزين رضي هللا عنه‪ ،‬وليد أسرة‬
‫شااب‪ .‬ولـما ظهر اإلسالم خرجا هو وأخوه ُجبَ ْري‬
‫ً‬ ‫وشاعرا منذ أ كا‬
‫ً‬ ‫فصيحا‬
‫ً‬ ‫شاعرة‪ .‬كا‬
‫إىل الرسول صلى هللا عليه وآله وسلم‪ ،‬ولكن كعبًا غري رأيه يف الطري ‪َّ ،‬‬
‫فتقدم ُجبَ ْري وأسلم‬
‫لدى رسول الرمحة صلى هللا عليه وآله وسلم‪ ،‬فغضب كعب عن إسالم شقيقه‪ ،‬فهجاه‬
‫وهجا الرسول صلى هللا عليه وآله وسلم معه وطف يتشبب بنساء املؤمنني‪ ،‬فأهدر الرسول‬
‫صلى هللا عليه وآله وسلم دمه‪ ،‬وأرجف الناس بقتله‪ ،‬ولـما ضاقت عليه األرض مبا رحبت‪،‬‬
‫دخل املدينة املنورة ِ‬
‫متنك ًرا وتوسل أبيب بكر الصدي رضي هللا عنه إىل رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وآله وسلم‪ ،‬فأخذ اإلسالم ومدح الرسول صلى هللا عليه وآله وسلم‪ ،‬فعفى عنه‬
‫وأعطاه بردته اليت مل تزل مع أهله حىت اشرتاها معاوية رضي هللا عنه منهم أبربعني ألف‬
‫درهم‪ ،‬وتوارثها اخللفاء األمويو فالعباسيو حىت آلت إىل العثمانيني‪ .‬وتويف كعب رضي‬
‫هللا عنه حنو سنة ‪26‬هـ‪ .‬ويقول يف الميته اليت نذُكِر أنه مدح هبا الرسول صلى هللا عليه وآله‬
‫وسلم فور إسالمه‪:‬‬
‫متيم إثرها مل يفـد مكبـول‬ ‫ابنت سعاد فقليب اليوم مـتبول‬
‫ال أهلـينك إين عنك مشغول‬ ‫كل خ ٍ‬
‫ـليل كـنت آملـه‬ ‫وقال ُّ‬
‫فكل ما قدر الـرمحن مفعول‬
‫ُّ‬ ‫فقلت خـلُّوا سـبيلي ال أاب لكم‬
‫يوما على ٍ‬
‫آلة حـدابء حممول‬ ‫كل ابن أنـثى وإ طالت سالمته‬
‫ً‬
‫والعفو عند رسول هللا مأمول‬ ‫نُـبِئت أ رسول هللا أوعدنـي‬
‫والعذر عند رسول هللا مقبول‬ ‫ـذرا‬
‫فقد أتـيت رسول هللا معت ً‬
‫احلطيئة‬ ‫ج‪/‬‬
‫‪36‬‬
‫هو أبو ُملَْيكة َج ْرَول بن أوس احلطيئة العبسي‪ ،‬من بين قطيعة بن عبس‪ .‬ونسبه‬
‫إىل عبس غري صريح‪ ،‬فقد ولدته أمةٌ المرأةٍ نذهلي ٍة ِ‬
‫متزوجة رجال عبسياا قبل اإلسالم بنحو‬
‫عشرين سنة‪ ،‬فكا إنذا غضب احلطيئة على ٍ‬
‫عبس رحل إىل ٍ‬
‫نذهل وانتسب إليهم‪ .‬بل كا‬
‫كلَّما رضي عن قبيلة انتسب إليها‪ .‬وما كانت القبائل لرتفض االعرتاف به خشية لسانه‪،‬‬
‫مث ال تسلم منه‪ .‬فقد هجا كل من انتسب إليهم؛ هجا أابه وأمه وامرأته وهجا نفسه! أسلم‬
‫مث ارتد مث عاد إىل اإلسالم يف حروب أهل الردة‪ .‬وقد ُر ِوي عن األصمعي أنه يقول‪" :‬كا‬
‫دميما‪ ،‬قبيح‬ ‫ِ‬
‫جشعا سؤوالً‪ُْ ،‬حمل ًفا دنيئ النفس‪ ،‬كثري الشر‪ ،‬قليل اخلري‪ ،‬خبيالً‪ً ،‬‬
‫احلطيئة ً‬
‫املنظر‪ ،‬رث اهليئة‪ ،‬مغموز النسب‪ ،‬فاسد الدين‪ "...‬وما تشاء أ تقول يف شاع ٍر من ٍ‬
‫عيب‬
‫ضرمني قاطبة‪ ،‬ومدحه من‬
‫إال وجدته فيه‪ ،‬ولوال هذه الصفات الدنيئة لكا أشعر ال ُـم َخ ْ‬
‫أبلغ املديح وأمجعه ملكارم األخالق‪.‬‬
‫وقد أكثر احلطيئة من هجاء الزبرقا بن بدر التميمي (ت ‪٤5‬ه)‪ ،‬فشكاه إىل‬
‫اخلليفة عمر الفاروق رضي هللا عنه‪ ،‬فسجنه عمر فتاب واستعطف اخلليفة أببيات وعقد‬
‫عهدا أب ال يعود‪ ،‬فأطل سراحه‪ ،‬ولكـنه نكث عهده وعاد إىل اهلجاء بعد موت عمر‬
‫رضي هللا عنه‪ .‬عاش أكثر من ثـمانني سنة‪ ،‬فمات يف عهد معاوية رضي هللا عنه سنة‬
‫‪59‬هـ‪ .‬ومن شعره قوله يف قصيدته اليت استعطف هبا عمر رضي هللا عنه وهو يف السجن‪:‬‬
‫زغب احلواصل ال مـاء وال شجر‬ ‫مانذا تـقول ألفـراخ بـذي مرخ‬
‫فاغـفر‪ ،‬عليك سالم هللا َي عمر‬ ‫ألقيت كاسبهم فـي فقـر مـظلمة‬
‫ألقى إليك مـقاليد النهـى البشر‬ ‫أنت األمني الذي من بـعد صادقهم‬
‫لكن ألنفسهم كانـت بك اخلِ َري‬ ‫مل يـؤثروك بـها إنذ قـدموك لـه‬
‫عمرو بن معد يكرب‬ ‫د‪/‬‬
‫من سعد‬ ‫عمرو بن معد يكرب بن عبد هللا بن عمرو اليزيدي‬
‫العشرية قدم على النيب صلى هللا عليه وسلم يف وفد مراد‪ ،‬ألنه كا‬
‫‪37‬‬
‫قد فارق قومه سعد العشرية ونزل يف مراد من أشراف اليمن‬
‫وساداهتم‪ ،‬وقد اشتهر وعرف ابلشجاعة‬
‫بالء حسناً يوم القادسية‪ ،‬وكا فارساً بطالً‬
‫شهد الريموك وأبلى ً‬
‫ضخماً عظيماً‪ ،‬أجش الصوت‪ ،‬إنذا التفت التفت مجيعاً‪ ،‬وهو‬
‫أحد الشجعا املذكورين‪ ،‬وارتد عند وفاة النيب صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ ،‬مث رجع وحسن إسالمه‪ .‬وقيل‪ :‬كا أيكل أكل مجاعة‪،‬‬
‫أكل مرة عنزاً رابعياً وثالثة أصوع نذرةومما يستجاد من شعره قوله‪:‬‬
‫أعانذل‪ ،‬عديت‪ ،‬بدين ورحمي ‪ ...‬وكل مقلص سلس القياد‬
‫أعانذل‪ ،‬إمنا أفىن شبايب ‪ ...‬إجابيت الصريخ إىل املنادي‬
‫مع األبطال حىت سل جسمي ‪ ...‬وأقرح عاتقي محل النجاد‬
‫ويبقى بعد حلم القوم حلمي ‪ ...‬ويفىن قبل زاد القوم زادي‬
‫متىن أ يالقيين قييس ‪ ...‬وددت وأينما مين ودادي‬
‫فمن نذا عانذري من نذي سفاه ‪ ...‬يرود بنفسه شر املراد‬
‫أريد حياته ويريد قتلي ‪ ...‬عذيرك من خليلك من مراد‬

‫اخلطابة يف صدر اإلسالم‬


‫‪ ‬تعريف اخلطابة‬

‫‪38‬‬
‫ٍ‬
‫مجاعة متمثلة بني يديه بقصد التأثري يف نفوسهم‬ ‫هو خطاب يُـلْقيه فرٌد مباشرًة على‬
‫وإقناعهم أبمر من األمور‪.‬‬
‫‪ ‬دواعي اخلطابة يف صدر اإلسالم‬
‫فمن الدواعي اليت استوجبت االستعانة ابخلطابة يف صدر اإلسالم لتأييد اإلسالم‬
‫أو معارضته ما يلي‪:‬‬
‫كاف يف‬ ‫ظهور اإلسالم بني أم ٍة أمي ٍة وعلى يد أحدهم‪ .‬فإ فُش َّو األمية بني ٍ‬
‫قوم ٍ‬ ‫أ‪/‬‬
‫ُ‬
‫اضطرارهم إىل أ تكو اخلطابة فيهم وسيلةً أساسيةً من وسائل اإلقناع‪ .‬لذلك كا‬
‫الرسول صلى هللا عليه وآله وسلم ومن خلفه من اخللفاء واألمراء والقواد وغريهم‬
‫يستعملوهنا يف أتدية املعاين‪.‬‬
‫ُمسُُّو منـزلة اخلطابة عند العرب والتباهي ابلفصاحة واالرتـجال يف أتدية الكالم قبيل‬ ‫ب‪/‬‬
‫اإلسالم ويف مطلع ظهوره‪ ،‬والتكسب ابلشعر‪ ،‬والفخر بذالقة اللسا وفصاحة الكالم‪.‬‬
‫فكا للخطابة جمال مالئم لتلعب أكرب دوٍر يف إقناع العرب الفصحاء‪.‬‬
‫صعيد ٍ‬
‫واحد يف طوائف‬ ‫ٍ‬ ‫ج‪ /‬إمكانية جتمع املسلمني أو املشركني يف صدر اإلسالم يف‬
‫أو مجاعات مصلني أو يف املشعر احلرام‪ ،‬أو اجتماعات قبلية أو عسكرية أو حنو نذلك مـما‬
‫يُـتيح فرصة اجتماع الناس يف صعيد واحد والستماع خطيب واحد‪ .‬وحينئذ تكو اخلطابة‬
‫أبلغ الوسائل يف اإلقناع ملشاهدة اخلطيب بشخصيته والتأثر بنربات صوته‪.‬‬
‫‪ ‬موضوعات اخلطابة يف صدر اإلسالم‬
‫الدعوة إىل اإلسالم وتوحيد هللا ونبذ الشرك وترك عبادة األصنام واألمر ابملعروف‬ ‫أ‪/‬‬
‫والنهي عن املنكر وغري نذلك من األمور الدينية‪.‬‬
‫تشجيع جيوش املسلمني وتوصيتهم بـما ينبغي أ يعاملوا به املشركني‪ ،‬والتحريض‬ ‫ب‪/‬‬
‫على قتاهلم‪ ،‬والتحذير من كيدهم والتبشري بنيل إحدى احلسنيني‪.‬‬
‫شبهة على تصر ٍ‬
‫ف أو‬ ‫بيعة‪ ،‬أو رد ٍ‬
‫حل املشاكل السياسية من شرح خط ٍة‪ ،‬أو أتييد ٍ‬ ‫ُّ‬ ‫ج‪/‬‬
‫رد على ٍ‬
‫خصم أو إعال عف ٍو وحنو نذلك‪.‬‬ ‫حكم‪ ،‬أو ٍ‬‫ٍ‬

‫‪39‬‬
‫‪ ‬أسلوب اخلطابة يف صدر اإلسالم‬
‫ويـمتاز أسلوب اخلطابة يف صدر اإلسالم عن أسلوهبا يف اجلاهلية بقوة عبارهتا‬
‫وسهولة ألفاظها‪ ،‬وتـجنب اخلطباء يف صدر اإلسالم السجع والتكلف‪ ،‬وقلة سرد احلكم‬
‫القصرية الدقيقة ملناسبة وغري مناسبة كما كا يفعله خطباء اجلاهلية‪.‬‬
‫دائما بـخطبة احلاجة‪ ،‬وكا‬
‫وكا النيب صلى هللا عليه وآله وسلم يفتتح ُخطَبَه ً‬
‫يعلِمها أصحابه كما يعلمهم السورة من القرآ ‪ .‬فجرت السنة على ابتداء اخلطب يف صدر‬
‫اإلسالم حبمد هللا والثناء عليه‪ .‬وكا اخلطباء يكثرو من حماكات أسلوب القرآ يف‬
‫االستدالل على وحدانية هللا تعاىل وتنـزيهه‪ ،‬والرتغيب يف العمل الصاحل بضرب املثل‪،‬‬
‫وقص القصص‪ ،‬وكثرة االقتباس من آَيت القرآ واالستشهاد هبا‪.‬‬
‫‪ ‬مشاهري اخلطباء يف صدر اإلسالم‬
‫أبوبكر الصديق‬ ‫أ‪/‬‬
‫هو عبد هللا بن عثما بن عامر بن عمرو القرشي التيمي رضي هللا عنه‪ .‬أحد‬
‫وأول من‬
‫العشرة املبشرين ابجلنة وصدي أمة اإلسالم‪ ،‬وأفضل الصحابة على اإلطالق‪َّ ،‬‬
‫آمن ابلرسول صلى هللا عليه وآله وسلم من الرجال‪ ،‬وصاحبه يف الغار ومؤنسه‪ ،‬وصهره‪،‬‬
‫وأحب الناس إليه من الرجال‪ .‬نشأ سيدا كري ًـما وسخياا‪ ،‬وكا غنيا‬
‫ُّ‬ ‫ووزيره‪ ،‬وخليفته األول‬
‫من كبار موسري قريش‪ ،‬كما كا عاملا أبنساب القبائل وأخبارها وسياستها‪ ،‬وكانت العرب‬
‫تلقبه بعامل قريش‪ .‬حرم على نفسه اخلمر يف اجلاهلية‪ ،‬فلم يشرهبا‪ .‬مث كانت له يف عصر‬
‫فقيها‪،‬‬
‫النبوة مواقف كبرية‪ ،‬فشهد احلروب‪ ،‬واحتمل الشدائد‪ ،‬وبذل االموال‪ .‬وكا عال ًـما ً‬
‫حكيما‪ .‬توىل اخلالفة لنحو سنتني بعد وفاة الرسول صلى هللا عليه‬ ‫ومرش ًدا ِ‬
‫فطـنًا‪ ،‬وخطيبًا‬
‫ً‬
‫وآله وسلم‪ .‬فحارب املرتدين ومانعي الزكاة وافتتحت يف أَيمه بالد الشام وقسم كبري من‬
‫العراق‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫ٍ‬
‫خطبة ألقاها بعد مبايعة املسلمني له‬ ‫ومن خطبه النص اآليت؛ وهو جزءٌ من أول‬
‫خليفةً لرسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم‪ .‬صعد املنرب رضي هللا عنه فحمد هللا وأثىن‬
‫عليه مث قال‪:‬‬
‫أما بعد‪ ،‬فإين ُولِيت عليكم ولست خبريكم‪ ،‬فإ أحسنت فأعينوين‪ ،‬وإ أسأت‬
‫قوي عندي حىت أريح له حقه إ‬‫فقوموين‪ ،‬الصدق أمانة والكذب خيانة‪ .‬الضعيف فيكم ٌّ‬ ‫ِ‬
‫شاء هللا‪ ،‬والقوي منكم ضعيف عندي حىت آخذ احل منه إ شاء هللا‪ .‬ال يدع أح ٌد منكم‬
‫اجلهاد يف سبيل هللا‪ ،‬فإنه ال يدعه قوم إال ضرهبم هللا ابلذل‪ ،‬وال تشيع الفاحشة يف ٍ‬
‫قوم إال‬ ‫ٌ‬
‫عمهم هللا ابلبالء‪ .‬أطيعوين ما أطعت هللا ورسوله فإ عصيت هللا ورسوله فال طاعة يل‬ ‫َّ‬
‫عليكم‪.‬‬
‫عمر بن اخلطاب‬ ‫ب‪/‬‬
‫هو أبو حفص عمر بن اخلطاب بن نفيل القرشي‪ ،‬الصحايب اجلليل واخلليفة الراشد‪ ،‬أحد‬
‫العشرة املبشرين ابجلنة‪ ،‬صاحب الكرامات واألوليات واملوافقات‪ ،‬الشجاع احلازم‬
‫وصاحب الفتوحات‪ .‬وكا منذ اجلاهلية من أبطال قريش وأشرافهم‪ ،‬وله السفارة فيهم‪،‬‬
‫ينافر عنهم وينذر من أرادوا إنذاره‪ .‬وهو أحد الرجلني اللذين كا النيب صلى هللا عليه‬
‫وسلم يدعو ربه أ يعز اإلسالم أبحدمها فيقول‪" :‬اللهم أعز اإلسالم أبحب هذين الرجلني‬
‫مبكرا رضي هللا عنه‪ ،‬وكا إسالمه نقطة حتول‬
‫إليك أبيب جهل أو بعمر بن اخلطاب"‪ .‬أسلم ً‬
‫انصرا للح ‪ ،‬عني ًفا على الظلم ووقافًا‬
‫وعزة للمسلمني وشهد الوقائع‪ .‬كا عادالً‪ ،‬جريئًا‪ً ،‬‬
‫الئم‪َّ .‬‬
‫توىل اخلالفة بعد أيب بكر رضي هللا عنه‬ ‫عند كتاب هللا‪ .‬وكا ال خياف يف احل لومة ٍ‬
‫العدل‬
‫َ‬ ‫وحكم ملدة ٍ‬
‫عقد أوسع خالله رقعة الدولة اإلسالمية وشيدها‪ .‬كما شهدت األمةُ‬
‫األنس خالل فرتة حكمه حىت ضرب بعدله املثل‪ .‬مات شهيدا من طعنة أيب لؤلؤة‬
‫ُ‬ ‫وسادها‬
‫اجملوسي‪ .‬وكا عمر رضي هللا عنه خطيبًا‪ ،‬حسن اللفظ واألسلوب‪ ،‬دقي التصميم‬
‫والرتكيب‪ .‬ومن خطبه قوله‪:‬‬

‫‪41‬‬
‫حني وأان أحسب أ من قرأ القرآ إمنا يريد هللا وما‬‫أيها الناس! إنه أتى علي ٌ‬
‫أقواما يقرؤو القرآ يريدو ما عند الناس‪ .‬أال فأريدوا هللا‬
‫ً‬ ‫عنده‪ .‬أال وإنه قد ُخيل إيل أ‬
‫بقراءتكم وأريدوه أبعمالكم‪ ،‬فإمنا ُكنَّا نعرفكم إنذ الوحي ينزل‪ ،‬وإنذ النيب صلى هللا عليه‬
‫وآله وسلم بني أظهران‪ ،‬فقد ُرفِع الوحي ونذهب النيب عليه السالم‪ ،‬فإمنا أعرفكم مبا أقول‬
‫خريا وأثنينا به عليه‪ ،‬ومن أظهر لنا ش ارا ظننا به ش ارا‬
‫لكم‪ :‬أال فمن أظهر لنا خرياً‪ ،‬ظننا به ً‬
‫وأبغضناه عليه‪ .‬اقدعوا هذه النفوس عن شهواهتا‪ ،‬فإهنا طُلعة‪ .‬وإَيكم أال تقدعوها تنزع‬
‫شر ٍ‬‫بكم إىل ِ‬
‫خفيف وبـيءٌ‪ ،‬وترك اخلطيئة خريٌ‬‫ٌ‬ ‫ثقيل مريءٌ‪ ،‬وإ الباطل‬
‫ٌ‬ ‫غاية‪ .‬إ هذا احل‬
‫من معاجلة التوبة‪.‬‬
‫علي بن أبي طالب‬ ‫ج‪/‬‬
‫هو أبو احلسن علي بن أيب طالب بن عبد املطلب اهلامشي رضي هللا عنه‪ .‬ابن عم النيب‬
‫صلى هللا عليه وآله وسلم‪ ،‬وموىل من كا النيب عليه السالم مواله‪ ،‬وزوج ابنته فاطمة‬
‫الزهراء؛ سيدة نساء أهل اجلنة‪ ،‬رضي هللا عنها‪ ،‬ورابع اخللفاء الراشيدبن‪ ،‬وأحد العشرة‬
‫حدث‪.‬‬
‫املبشرين ابجلنة‪ ،‬وأحد الشجعا األبطال‪ .‬أسلم رضي هللا عنه وهو ٌ‬
‫تـمت بيعته ابخلالفة بعد مقتل عثما بن عفا رضي هللا عنه‪ ،‬وبقي على عرش‬
‫اخلالفة قريبا من مخس سنوات‪ ،‬واجه خالهلا فتنا ومعارك من اخلوارج واألمويني‪ ،‬فصارع‬
‫علي رضي هللا عنه إىل أ سقط شهي ًدا سنة ‪٤0‬هـ حني اغتاله عبد الرمحن بن ملجم‬
‫ورعا‪،‬‬
‫فصيحا‪ ،‬عال ًـما ً‬
‫ً‬ ‫حكيما‪ ،‬بليغًا‪ ،‬كرميا‪ ،‬شجاعا‪،‬‬
‫ً‬ ‫الثقفي اخلوارجي‪ .‬وكا رضي هللا عنه‬
‫دقي التفكري والتفقه‪ .‬وكا صاحب كرامات وفضائل‪ .‬ومن خطبه النص التايل‪ ،‬وهو من‬
‫اخلطب اليت ُر ِويت عنه بعد التحكيم‪:‬‬
‫أما بعد‪ ،‬فإ معصية الناصح الشفي العامل اجملرب تُوِرث احلرية وتعقب الندامة‪،‬‬
‫وقد كنت أمرتكم يف هذه احلكومة أمري‪ ،‬وتـخلَّْيت لكم خمزو رأيي‪ ،‬لو كا يطاع لقص ٍري‬
‫أمر‪ ،‬فأبيتم علي إابء املخالفني اجلفاة واملنابذين العصاة‪ ،‬حىت اراتب الناصح بنصحه وضن‬
‫الزند بقدحه‪ .‬فكنت وإَيكم كما قال أخو هواز ‪:‬‬
‫‪42‬‬
‫فلم يستبينوا النصح إال ضحى الغد‬ ‫أمرتـهمو أمري بـمنعرج اللوى‬

‫‪‬‬

‫الفصل الثالث‬
‫األدب العربي يف العصر األموي‬
‫‪ ‬املدخل‬
‫يبدأ العصر األموي بتولية معاوية بن أيب سفيا رضي هللا عنهما اخلالفة سنة‬
‫‪٤0‬هـ بعد أ وضعت الفنت واحلوادث أوزارها‪ .‬وينتهي سنة ‪132‬هـ بسقوط الدولة‬
‫األموية على يد املسودة من دعاة بنـي العباس‪ .‬وهبذا يكو العصر األموي قد امتد تسعني‬
‫سنة وزَيدة‪ .‬وكا اخللفاء يف مطلع الدولة أقوَيء وخباصة معاوية‪ ،‬ومروا بن احلكم‪ ،‬وابنه‬
‫عبد امللك‪ ،‬والوليد وسليما ابنا عبد امللك واثلث العمرين؛ عمر بن عبد العزيز‪ .‬مث صعد‬
‫ملوك اتصف بعضهم ابلضعف‪ ،‬فكا‬
‫عرش اخلالفة ‪ -‬بعد أ طال األمد على الدولة ‪ٌ -‬‬
‫َ‬
‫نذلك سببًا من أسباب سقوط الدولة األموية‪.‬‬
‫‪ ‬احلياة االجتماعية يف العصر األموي‬
‫مل يكن للعرب قبل العصر األموي معرفةٌ حبياة الرتف احلضارية‪ .‬وحبلول هذا‬
‫مدان جديدةً‪ ،‬كمدينة واسط اليت اختطها‬
‫العصر بدأ العرب يعيشو يف القصور‪ ،‬وخيططو ً‬
‫احلجاج بن يوسف الثقفي يف العراق‪ ،‬ومدينة الرصافة اليت بناها اخلليفة األموي هشام بن‬
‫عبد امللك وغريمها‪ .‬وقد أمل هللا األرزاق على املسلمني يف عصر بنـي أمية حىت بلغ أ‬
‫الرجل كا يطوف بزكاته يف أَيم خالفة عمر بن عبد العزيز فال جيد من أيخذها!‬
‫وكذلك نشأت العصبية القبلية بني الشعوب‪ ،‬وخباصة بني الذين يناصرو آل بيت‬
‫علي رضي هللا عنه والذين يعاونو األمويني وسياستهم‪.‬‬
‫‪ ‬احلياة السياسية يف العصر األموي‬

‫‪43‬‬
‫يتميز العصر األموي بظهور الشيع واألحزاب السياسية والدينية من مثل العلويني‬
‫واخلوارج والزبرييني واملرجئة وغريها من الطوائف الدينية والسياسية اليت شكلت مصدر‬
‫االضطراابت السياسية واألزمات اليت حدثت حينا بعد آخر طوال حياة هذه الدولة‬
‫ولوثت صفاء اإلدارة وسياسة الدولة األموية‪.‬‬
‫‪ ‬احلياة الثقافية يف العصر األموي‬
‫مل تكن نفوس العرب يف عصر بين أمية مهيَّأة للعلم‪ ،‬وإمنا توزعتهم العواطف‬
‫الدينية والفتوحات العسكرية‪ ،‬والشواغل السياسية‪ ،‬والنزعات األدبية‪ .‬فاكتفوا من العلم‬
‫مبا تكو احلاجة إليه ماسة‪ .‬فنبغ علماءٌ يف النحو وفنو اللغة وفقه العبادات واحلديث‬
‫والتفسري وعلم الكالم‪ ،‬وكذلك الطب‪ .‬ولكن العلوم الثقافية مل تسر شوطًا بعي ًدا‪ ،‬ولعل‬
‫من أسباب نذلك عدم اختالط العرب يف العصر األموي ابألمم األخرى نذات احلضارات‬
‫قاصرا على الثقافة العربية‪.‬‬
‫العريقة‪ .‬وظل اإلنتاج العلمي يف العصر األموي ً‬
‫أفكارا ديني ًة متباينةً‪ ،‬ونشأ جراء‬
‫ً‬ ‫وقد تبنت األحزاب السياسية املختلفة ألنفسها‬
‫ات عقدت هلا جمالس خاصة‪ ،‬وحاول خالهلا كلٌّ من أهل‬ ‫ٌ‬
‫جدال وحماور ٌ‬ ‫نذلك بني الفرق‬
‫السنة والشيعة واخلوارج إثبات صحة مبدئه وفلسفة حزبه‪.‬‬
‫‪ ‬أغراض الشعر يف العصر األموي‪.‬‬
‫املدح‬ ‫أ‪/‬‬
‫كا املدح من أغراض الشعر العريب منذ اجلاهلية‪ ،‬واستعمل يف فجر اإلسالم‬
‫لتأييد احل ‪ .‬ولـما كا عصر بنـي أمية رخص اخللفاء األمويو استمعاله لتأييد سياستهم‪،‬‬
‫وشجعوا الشعراء على نذلك ابلعطاَي اخليالية املغرية‪ .‬فتساب الشعراء إىل اخرتاع املعاين اليت‬
‫تعجب أولياء األمر يف ح ٍ وغريه‪ .‬ومثاله قول حيص بيص يف مدح خالد القسري‪:‬‬
‫أوصاك وهو جيود ابجلوابء‬ ‫قد كا آدم قبل حني وفاته‬
‫وكفيت آدم عيـلة األبناء‬ ‫ببنيه أ ترعاهم فرعيـتهم‬
‫اهلجاء‬ ‫ب‪/‬‬

‫‪44‬‬
‫ضا‪ .‬وملا جاء اإلسالم‬
‫كا اهلجاء من األغراض املعروفة السائدة منذ اجلاهلية أي ً‬
‫رخص الرسول صلى هللا عليه وآله وسلم لشعراء املسلمني هجاء املشركني‪ ،‬ونذلك ملا‬
‫اشتدت وقعة شعراء املشركني على املسلمني‪ ،‬كما أقام احلد على كل من هجا اإلسالم أو‬
‫حاول أ ميس من كرامة الدين احلنيف‪ .‬وأما خلفاء بنـي أمية فقد شجعوا شعراءهم على‬
‫هجاء من خالف سياستهم‪ .‬ومثاله قول الطرماح بن احلكيم يف هجاء بنـي متيم‪:‬‬
‫حوض الرسول عليه األزد مل ترد‬ ‫لو حـا ورد تـميم مث قيل لـها‬
‫إ مل تعد لقتال األزد لـم تعـد‬ ‫أو أنـزل هللا وحيـا أ يعذبـها‬
‫على متيم يريد النصر مـن أحـد‬ ‫ال عز نصر امرئ أضحى لـه فرس‬
‫مـن خلقه خـفيت عنه بنو أسد‬ ‫لو كا خيفى على الرحـمن خافية‬
‫الفخر‬ ‫ج‪/‬‬
‫كا الفخر من أبرز أغراض الشعر يف العصر اجلاهلي‪ .‬وأما يف صدر اإلسالم فقد‬
‫مقتصرا على نذكر نعمة هللا واالنتصار على املشركني بعد املعارك اجلهادية‪.‬‬
‫ً‬ ‫أصبح الفخر‬
‫وتغري احلال يف عصر بنـي أمية‪ ،‬حيث جعل الشعراء يتفاخرو فيما بينهم وحيتفلو على‬
‫انتصار بعضهم على بعض‪ .‬وأدى نذلك إىل إحياء العصبية القبلية اجلاهلية اليت هنى عنها‬
‫اإلسالم‪ .‬كما نتج عن نذلك غري قليل من الرتاث الشعري املمزوج من الفخر واهلجاء‪.‬‬
‫بقومه‪:‬‬ ‫ومثاله قول أيب حمجن الثقفي يفتخر‬
‫أبان حنـن أكـرمهـم سيوفا‬ ‫لقد علمت ثقيف غري فخر‬
‫وأصربهم إنذا كرهوا الوقوفا‬ ‫وأكثرهم دروعا سابغات‬
‫د‪ /‬الشعر السياسي‬
‫موجودا يف اجلاهلية وال يف صدر اإلسالم‪ ،‬وإمنا َت اخرتاعه‬
‫ً‬ ‫مل يكن الشعر السياسي‬
‫يف العصر األموي لـما تعددت األحزاب السياسية والدينية‪ ،‬واختذت الطوائف الشعر‬
‫وسيلة لإلشادة آبراءها‪ .‬ومن أشهر شعراء بالط دولة بنـي أمية األخطل وجرير والفرزدق‪.‬‬
‫وقطري بن الفجاءة‪ ،‬ومن الشيعة ال ُكميت‪ .‬وهو القائل‪:‬‬
‫ُّ‬ ‫ومن اخلوارج عمرا بن حطا‬
‫‪45‬‬
‫والة احل أربعـة سـواء‬ ‫أال إ األئمة من قري ٍ‬
‫ـش‬
‫هم األسباط ليس هبم خفاء‬ ‫علي والثالثـة من بـنيه‬
‫ٌّ‬
‫الغزل‬ ‫هـ‪/‬‬
‫ضا‪ .‬ولكنه اَنفض بعد ظهور اإلسالم حبكم منهج‬
‫وهو من األغراض التقليدية أي ً‬
‫احلياة اجلديد الذي ينفر من التشبيب ويدعو إىل العفاف‪ .‬مث عاد الغزل إىل ساحة األدب‬
‫العريب بعد حلول الدولة األموية‪ ،‬ولكنه انقسم إىل قسمني‪:‬‬
‫الغزل الصريح‬ ‫‪.1‬‬
‫وهو احلديث عن النساء على منهج املتعنتني من الشعراء اجلاهليني‪ ،‬يكشف فيه‬
‫قصصا له معهن أكثرها كذب وافرتاء‪ .‬وزعيم هذا النوع هو‬
‫ً‬ ‫ويقص‬
‫ُّ‬ ‫الشاعر عورات النساء‬
‫عمر بن أيب ربيعة‪ ،‬وهو القائل‪:‬‬
‫لثمت الذي ما بني عينيك والفـم‬ ‫أال ليت أين يوم تقضـي منيـيت‬
‫وليت حنوطي من مشاشك والـدم‬ ‫وليت طهوري كا ريقك كلـه‬
‫الغزل العفيف‬ ‫‪.2‬‬
‫وهو ٌ‬
‫غزل يتسم ابلكناية والعفة‪ ،‬وفيه تقديس للمرأة ونذكر حماسنها‪ ،‬وإعال ما‬
‫يعانيه الشاعر من آالم احلب ولوعة الشوق‪ .‬واشتهر به شعراء قبيلة بين عذرة يف اليمن‪،‬‬
‫حىت انتُ ِسب إليهم‪ .‬ومن أبرز شعراء هذا النوع عبيد هللا بن قيس الرقيات ومجيل بـُثَ ْـينة‬
‫وُكـثَ ِـري عزة وغريهم‪ .‬ومثاله قول ُكثري‪:‬‬
‫وال موجعات القلب حىت تولت‬ ‫وما كنت أدري قبل عزة ما البكا‬
‫كنانذرة نـذرت فأوفت وحلت‬ ‫وكانت لقطع احلبل بينـي وبينها‬
‫الرثاء‬ ‫و‪/‬‬
‫اء للشهداء‪ .‬ولكنه أصبح يف‬
‫تله ًفا ابلفقيد‪ ،‬ويف اإلسالم عز ً‬
‫كا الراثء يف اجلاهلية ُّ‬
‫عصر بين أمية مبثابة النعي والبكاء على امليت‪ .‬ومثاله قول جرير حني مات ابن له‪:‬‬
‫كيف العزاء وقد فارقت أشبالـي‬ ‫قالوا نصيبك من أجر فقلت هلـم‬
‫‪46‬‬
‫وحني صرت كعظم الرمـة البايل‬ ‫فارقتين حني كف الدهر من بصري‬
‫الوصف‬ ‫ز‪/‬‬
‫كا الشعراء يف العصر اجلاهلي يقومو بوصف املطية أو الفرس يف مقدمة‬
‫قصائدهم‪ ،‬واستمر األمر على هذا الشكل بعد ظهور اإلسالم‪ .‬فلم يتعرض الوصف لتغري‬
‫جذري‪ .‬ومثاله قول حندج املُِري يصف ليل صول‪:‬‬
‫كأنـمـا ليلـة ابلليل مـوصول‬ ‫يف ليل صول تناهى العرض والطول‬
‫وإ بدت غـرة منـه وتـحجيل‬ ‫ال فارق الصبح كفي إ ظفرت به‬
‫كأنه حيـة ابلسـوط مـقتـول‬ ‫لساهـ ٍر طال يف صول تـململه‬
‫احلماسة‬ ‫ح‪/‬‬
‫كا الشعراء يف اجلاهلية يصفو الوقائع واملعارك اليت دارت بني العشائر والقبائل‬
‫ويشيدو بفرسا قبائلهم مفتخرين ابنتصارهم على أعدائهم‪ .‬وعلى النمط نفسه ظل‬
‫الشعراء يف صدر اإلسالم يصفو املعارك اجلهادية‪ .‬وملا كانت الدولة األموية حدثت فنت‬
‫اخلوارج والشيعة وغريمها من املتمردين الذين شكلوا مصدر الفنت واالضطراابت خالل‬
‫حياة الدولة األموية‪ .‬وكا اخلوارج على سبيل املثال يكثر شعراؤهم من وصف املعارك اليت‬
‫خاضوها‪ .‬ومن نذلك قول أحد شعرائهم بعد أ هزم أربعو منهم ألفني البن زَيد‪:‬‬
‫ويقتلكـم آبسك أربعـوان‬ ‫أألفا مؤم ٍن مـنكم زعمتـم‬
‫ولك َّـن اخلـوارج مؤمنوان‬ ‫كذبتم ليس نذاك كما زعمتم‬
‫على الفئـة الكثرية ينصروان‬ ‫هـي الفئة القليلة قد علمتم‬
‫‪ ‬أسلوب الشعر يف العصر األموي‬
‫ابت الشعر العريب يف العصر األموي يـميل إىل احلياة اإلسالمية اخلاضعة لسلطا‬
‫اإلسالم شأنه يف نذلك شأ سائر ميادين احلياة اليت غريها منهج احلياة اجلديد‪ .‬ولكن قد‬
‫جعل الشعر يتنوع فناا وأسلواب بفضل األحزاب السياسية‪ ،‬وعودة العصبية القبلية وحياة‬
‫الرتف اليت عاشها اجملتمع األموي من دو أ خيرج عن صورته اجلوهرية من حيث األوزا‬
‫‪47‬‬
‫والقوايف وطريقة قرضه عما كا عليه يف اجلاهلية وصدر اإلسالم‪ .‬وعُ ِ َ‬
‫ين الشعراء ابألراجيز‬
‫عناية جعلتها تقرتب من سائر القصائد يف أكثر خصائصها‪ .‬ومجلة القول ما اختلف الشعر‬
‫األموي عما قبله من حيث بناء القصيدة ومن حيث سهولة العبارة وصعوبتها ورقة األلفاظ‬
‫وعذوبتها‪.‬‬
‫‪ ‬مشاهري الشعراء يف العصر األموي‬
‫جرير‬ ‫أ‪/‬‬
‫هو أبو حزرة جرير بن عطية بن حذيفة اخلطفي بن بدر التميمي البصري‪ُ .‬ولِد‬
‫فقريا يرعى الغنم‪.‬‬
‫جر ٌير يف اليمامة أَيم خالفة عثما بن العفا رضي هللا عنه‪ ،‬ونشأ ً‬
‫ولكـنه كا موهبا يف الشعر الذي ورثه عن آابئه‪ .‬ولـما آنس من نفسه القدرة على قرض‬
‫الشعر اجليد ورد البصرة‪ ،‬وهي يومئذ مسرح الصراع يف السياسة واألدب واملدنية‪.‬‬
‫فرتعرعت عبقريته وصار يف الصفوف األوىل من شعراء نذلك العصر‪ .‬اتصل ابحلجاج بن‬
‫يوسف الثقفي ومدح خلفاء بنـي أمية‪ .‬وتويف سنة ‪1٤0‬ه‪ .‬وقد كانت العداوة بينه وبني‬
‫بعض شعراء دولة بنـي أمية من مثل الفرزدق عنيفة‪ .‬ويف الرد على الفرزدق يقول جرير‪:‬‬
‫فسـقيت آخرهـم بكـأس األول‬ ‫أعددت للشعراء سـما انقعـا‬
‫وضغا البعيث جدعت أنف األخطل‬ ‫ملا وضعت على الفرزدق ميسمي‬
‫ويعد شعر مرقـش ومـهلـهـل‬ ‫سب جماشع‬ ‫حسب الفرزدق أ ي َّ‬
‫وبنا بـناءك يف احلـضيض األسفل‬ ‫أخزى الذي مسك السماء جماشعا‬
‫فهـدمت بيتكم بـمثلـي يذبـل‬ ‫ولقد بنـيت أخص بيت يبتنـى‬
‫حىت اخـتطفتك َي فرزدق من عل‬ ‫إنـي انصببت من السماء عليكم‬
‫ويـفوق جاهـلنا فعـال اجلـهل‬ ‫أحالمـنا تز اجلـبال رزانـة‬
‫مثل الذليل يعـونذ تـحت القرمل‬ ‫كا الفرزدق إنذ يعونذ بـخاله‬
‫وقضت ربيـعة ابلقضاء الـفيصل‬ ‫مضر عليك بفضلنا‬ ‫وقضت لنا ٌ‬
‫عـ ازا عالك فـما له مـن مـنقل‬ ‫إ الذي سـمك السماء بنا لنا‬
‫خـفت فال يـزنو حـبة خردل‬ ‫أبلغ بنـي وقبـا أ حلومهم‬
‫‪48‬‬
‫الفرزدق‬ ‫ب‪/‬‬
‫اس ه َّـمام بن غالب الدارمي التـميمي‪ .‬ولُِقب ابلفرزدق لغيظ وجهه‬
‫هو أبو فر ٍ‬
‫جزءا‬
‫وشبهه ابلرغيف‪ .‬نشأ يف البصرة‪ ،‬ولقنه أبوه الشعر والفصاحة وهو حدث‪ .‬وقضى ً‬
‫من حياته يف البادية‪ ،‬فظهر أثر البداوة على شعره‪ .‬كا متشيعا للعلويني‪ ،‬ولكنه اتصل‬
‫خبلفاء دولة بنـي أمية وأمرائها تكسبا‪ ،‬وجعل ميدحهم وينال عطاَيهم‪ .‬وله يف مدح العلويني‬
‫وشيعتهم قصائد رائعة‪ .‬وتويف سنة ‪110‬هـ‪.‬‬
‫خليعا‪ ،‬فاحش النط ‪ ،‬خبيث اهلجاء‪ ،‬ضعيف الدين وقانذف‬ ‫وكا الفرزدق ً‬
‫احملصنات‪ .‬وقد عاش الفرزدق على العصبية القبلية القائمة على التفاخر ابألجداد‬
‫عداء نشأ بني جري ٍر‬
‫ً‬ ‫واألنساب‪ ،‬فدارت معارك هجائية بينه وبني جري ٍر‪ .‬وكا أصلها‬
‫كثري من‬
‫ومجع ٌ‬
‫البعيث وانضم إليهما األخطل ٌ‬
‫َ‬ ‫وشاع ٍر يقال له البعيث‪ ،‬فآزر الفرزدق‬
‫الشعراء‪ ،‬واستمرت هذه املعركة اهلجائية حنو أربعني سنة نتجت عنها قصائد كثرية‪ ،‬مجعت‬
‫بني الفخر واهلجاء‪ ،‬ومسيت بـ النقائض أل الشاعر كا ينقض ما قاله خصمه بقصيدة من‬
‫نفس الوز والقافية‪ .‬ومن هذا النوع يقول الفرزدق‪:‬‬
‫بيتًـا دعائمـه أعـز وأطـول‬ ‫إ الذي سـمك السماء بـىن لنا‬
‫حـكم السماء فإنه ال يـنقـل‬ ‫بيـتًا بناه لنا املـليك ومـا بنـا‬
‫وجماشع وأبو الفوارس نـهـشل‬ ‫بيتا نذرارة مـخـت ٍ‬
‫ـب بـفـناءه‬
‫أبـ ًدا إنذا عُ َّـد الفعال األفضـل‬ ‫ال يـختبـي بفناء بيتك مثـلهم‬
‫وقضى عليك به الكتاب املنـزل‬ ‫ضربت عليك العنكبوت بنسجهـا‬
‫سفيا أو عدس الفعال وجـيدل‬ ‫وإنذا برزت فرايتـي ميشي بـها‬
‫واألكرمـو إنذا يُـعـد األول‬ ‫األكثرو إنذا يـُعـد حصـاهـم‬
‫وتـخـالنا جـناا إنذا مـا جنهل‬ ‫أحالمنا تـز الـجـبال رزانـة‬
‫ثهال نذو اهلضبات هل يتحلحل‬ ‫فادفع بكـفك إ أردت بنـاءنـا‬
‫وإليه كا ِحبـاء جفنـة ينقـل‬ ‫خايل الذي غصب امللوك نفوسهم‬
‫ـقمـل‬
‫وأبوك خلف أتـانـه يت َّ‬ ‫إان لنضـرب رأس كـل قبيلـة‬
‫‪49‬‬
‫األخطل‬ ‫ج‪/‬‬
‫أبو ٍ‬
‫مالك غياث بن غوث بن الصلت بن طارقة بن عمرو التغلبـي النصراين‪ .‬كا‬
‫ميالده يف أوائل خالفة أمري املؤمنني عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه‪ ،‬ونشأ ابحلرية بني قومه‬
‫على النصرانية يقول الشعر مغرما ابهلجاء‪ ،‬ويشرب اخلمر‪ .‬ولُِقب ابألخطل لطوله واحتياله‬
‫يف مشيته‪ .‬اتصل ببين أمية هبجائه لألنصار‪ ،‬وعُد من شعراء بالط الدولة‪ ،‬فاشتهر ونذاع‬
‫امسه‪ .‬وكا شاعرا مصقول األالفاظ‪ ،‬حسن الديباجة‪ ،‬يف شعره إبداع‪ .‬وكا معجبا أبدبه‪،‬‬
‫تياها‪ ،‬كثري العناية بشعره‪ ،‬فكا ينظم القصيدة ويعمل على هتذيبها ويسقط ثلثيها مث يظهر‬
‫خمتارها‪ .‬وكا مـمن شايع الفرزدق يف املعركة اهلجائية ضد جرير‪ .‬وتويف سنة ‪95‬هـ‪ .‬وكا‬
‫وفخورا بنفسه‪ .‬وكا جييد املدح ووصف‬
‫ً‬ ‫خليعا‪ ،‬خبيث النية‬
‫األخطل سليط اللسا ‪ً ،‬‬
‫اخلمر‪ .‬ويُعد من أبرز الشعراء الذين وقفوا إىل جانب بنـي أمية؛ يؤيدهم بشعره ويهاجم‬
‫منافسيهم‪ .‬ومن مدحه لعبد امللك بن مروا ونذمه خلصوم اخلليفة األموي قوله‪:‬‬
‫وأزعجتهـم نوى يف صرفها ِغ َري‬ ‫خف القطني فراحوا منك أو بكروا‬
‫ما إ يـوازى أبعلى نبتها الشجر‬ ‫يف نبعة من قريـش يعصبو بـها‬
‫ت هبم مـكروهة صربوا‬
‫إنذا أل َّـم ْ‬ ‫ُح ْش ٌد على احل عيافو الـخنا أُنُف‬
‫وأعظم الناس أحالمـا إنذا قدروا‬ ‫مشس العداوة حىت يستقاد هلم‬
‫قل الطعام على العـافني أو قرتوا‬ ‫هـم الـذين يـبارو الرَيح إنذا‬
‫تـمت فـال منة فـيها وال كدر‬ ‫بنوا أميـة نعماكـم مـجللـة‬
‫جد إال صغريٌ بع ُد مـختصـر‬‫ال َّ‬ ‫أعطاهم هللا جـدا يُـنصرو به‬
‫فال يبـيـتـن منكم آمنـا ُزفر‬ ‫بين أميـة إنـي نـاصح لـكم‬
‫وما يُـغَيَّب من أخـالقـه وعـر‬ ‫مـشهـده كفـر وغـائلة‬ ‫فإ‬
‫كالعُر يكمن حينا ثـم يـنتـشر‬ ‫العـداوة تلقاهـا وإ كنت‬ ‫إ‬
‫عمر بن أبي ربيعة‬ ‫د‪/‬‬
‫‪50‬‬
‫هو أبو اخلطاب عمر بن عبد هللا بن أيب ربيعة القرشي‪ .‬ولد ليلة موت عمر بن‬
‫اخلطاب رضي هللا عنه‪ .‬نشأ غنيا يتقلب يف أعطاف النعيم‪ ،‬ويرتع يف رَيض الرتف‪ ،‬فمال‬
‫ٍ‬
‫مألوف‪ ،‬فكا يقصر‬ ‫إىل اجملو ‪ .‬ونط ابلشعر وهو صغري‪ .‬وسلك يف شعره طري ًقا غري‬
‫شعره على النساء‪ ،‬يصفهن وحيكي قصصهن‪ ،‬ويتشبب ابألمريات‪ ،‬ويقذف احملصنات‪،‬‬
‫وينال من عرض السيدات‪ .‬وقد نفاه اخلليفة عمر بن عبد العزيز إىل َد ْهلك لسبب دعارته‬
‫يف الشعر حىت اتب وتنسك‪ .‬وتويف سنة ‪93‬ه‪.‬‬
‫وكا عمر رشي األسلوب‪ ،‬سهل اللفظ‪ ،‬حيسن الوصف‪ ،‬وكا أرق شعراء عصره‪ ،‬ومل‬
‫يكن يف قريش أشعر منه‪ .‬وكا يفد على عبد امللك بن مروا أَيم خالفته فيكرمه ويقربه‪.‬‬
‫وقد أُولع به املغنو والطرفاء‪ ،‬و ُش ِغف به الفتيا والندماء‪ .‬ومن غزلياته ما يلي‪:‬‬
‫وكـادت تَواىل نـجمة تـتغور‬ ‫فلما تقضـى الليـل إال أقـلـه‬
‫ائرا واألمـر لألمر يقـدر‬
‫أتى ز ً‬ ‫أشارت ألختيها أعينا علـى فتـى‬
‫أقلي عليك اللوم فاخلطب أيسـر‬ ‫فأقـبلتا فاراتعـتا ثـم قـالتـا‬
‫فال ِس ُّران يفـشو وال هو يظهـر‬ ‫يقوم فيمشي بيـنـنا مت ِ‬
‫ـنك ًـرا‬
‫ٍ‬
‫شخوص كاعبا ومـعصر‬ ‫ثالث‬ ‫فكا جمين دو مـن كنت أتقـي‬
‫أمل تـتقي األعـداء والليل مقمر‬ ‫فلما أجزان ساحة احلي قلـن لـي‬
‫لكي حيسبوا أ اهلوى حيث تنظر‬ ‫إنذا جئت فامنح طرف عينيك غريان‬
‫مجيل بثينة‬ ‫هـ‪/‬‬
‫هو أبو عمرو مجيل بن عبد هللا بن معمر العذري القضاعي‪ .‬ولد سنة ‪٤0‬هـ‬
‫بوادي القرى‪ ،‬ونشأ هناك يتقلب يف البوادي‪ .‬وكا مغرما يف أول أمره اببنة ٍ‬
‫عم له تدعى‬
‫فر َّد طلبه‪ ،‬فجعل يقول فيها الشعر‬ ‫ِ‬
‫أم اجلسري‪ .‬مث افتنت ببـبُـثَ ْـينة تعل هبا فخطبها إىل أبيها ُ‬
‫ٍ‬
‫جديد‬ ‫حىت شكاه أهلها إىل اخلليفة األموي مروا بن احلكم فتوعَّده إ هو زار بثينة من‬
‫تعرض هلا يف شعره‪ ،‬فهرب مجيل إىل اليمن‪ .‬وملا عاد وجدها قد تزوجت من غريه‪،‬‬
‫أو َّ‬

‫‪51‬‬
‫ولكنه استأنف يقول فيها الشعر فأهدر عامر بن ربعي دمه‪ ،‬ففر إىل مصر ووافد على عبد‬
‫مرض يس ٍري‪.‬‬
‫العزيز بن مروا ‪ ،‬فأكرمه وأمر له مبنزل فأقام قليال ومات سنة ‪۸۰‬هـ بعد ٍ‬
‫وكا مجيل شاعرا فصيحا‪ِ ،‬‬
‫يقدمه النقاد على مجيع شعراء طبقته من الغزليني‪ .‬يعد‬ ‫ً‬
‫من عشاق العرب‪ .‬وشعره رقي اللفظ‪ ،‬سهل الرتاكيب‪ ،‬واضح املعىن ومتأجج العاطفة‪.‬‬
‫وكا مجيع شعره يف النسيب سوى قطعتني‪ .‬ومن غزله ما يلي‪:‬‬
‫وخذي حبظك من كرمي واصل‬ ‫أبثني إنك قد ملكت فأسجحي‬
‫فضال وصلتك أو أتتك رسائلي‬ ‫لو أ يف قليب كقـدر قالمـة‬
‫نفسي فداؤك من ضنني ابجل‬ ‫ويقلن إنك يـا بثيـن خبيلـة‬
‫ويقول أيضا‪:‬‬
‫وهـمو بقتلي َي بثـني لقوين‬ ‫فليت رجاال فيك قد نذروا دمي‬
‫يقولو من هذا؟ وقد عرفوين‬ ‫إنذا ما رأونـي طالعا مـن ثنية‬
‫ولو ظفروا بـي ساعة قتلوين‬ ‫يقولو يل أهال وسهال ومرحبا‬
‫وقال أيضا حينما كا يف اليمن‪:‬‬
‫بـواد القرى إين إنذ لسعـيد‬ ‫أال ليت شعري هل أبيننت ليلـة‬
‫وقد تطلب احلاجات وهي بعيد‬ ‫وقد تلتقي األهواء من بعد أيسة‬
‫ويـحيا إنذا فـارقتها فيعـود‬ ‫ميوت اهلوى مين إنذا مـا لقيتها‬
‫وأي جه ٍ‬
‫ـاد غـريهـن أريد‬ ‫ُّ‬ ‫يقولو جاهـد َي مجيل بغـزوة‬
‫األحوص‬ ‫و‪/‬‬
‫عبد هللا بن حممد بن عبد هللا بن عاصم األنصاري‪ ،‬من بين ضبيعة‪ .‬ولقب‬
‫ابألحوص لضي يف مؤخر عينيه‪.‬شاعر هجاء‪ ،‬صايف الديباجة‪ ،‬من طبقة مجيل بن معمر‪.‬‬
‫وكا معاصرا جلرير والفرزدق‪ .‬وهو من سكا املدينة‪ .‬وفد على الوليد بن عبد امللك‬
‫فأكرمه الوليد‪ ،‬مث بلغه عنه ما ساءه من سريته‪ ،‬فرده إىل املدينة وأمر جبلده‪ ،‬فجلد‪ ،‬ونفي‬
‫إىل دهلك؛ وهي جزيرة بني اليمن واحلبشة‪ ،‬كا بنو أمية ينفو إليها من يسخطو عليه‪.‬‬
‫‪52‬‬
‫فبقي هبا إىل ما بعد وفاة عمر بن عبد العزيز‪ .‬وأطلقه يزيد بن عبد امللك‪ .‬فقدم دمش‬
‫فمات فيها‪ .‬وكا محاد الراوية يقدمه يف النسيب على شعراء زمنه‪.‬‬
‫ومن شعره‪:‬‬
‫وال برى مثلهُ عظماً وال جسدا‬ ‫ب ِم ْن َس َق ٍم‬ ‫َّاس ِمثْل احلُ ِ‬
‫َما َعا ََلَ الن ُ َ‬
‫ب‪َ ،‬وإِ ْ َملْ يـُْب ِدهِ أَبَ َدا‬ ‫ِمن املُ ِح ِ‬ ‫احلب أ ْ تبدو شواهدهُ‬ ‫يلبث ُّ‬ ‫ما ُ‬
‫واحملمود إ ْ محدا‬ ‫ِ‬ ‫الذِم‬
‫بني نذي َّ‬ ‫حني ُّ‬
‫ما َ‬ ‫َّاس فعلهما‬ ‫ينث الن ُ‬ ‫شتَّا َ َ‬
‫ب فَال َقاعُ ِم ْن َع ْيـ َريْ ِن فَاجلُ ُم ُد‬ ‫الس ْه ُ‬
‫فَ َّ‬ ‫السنَ ُد‬
‫اء فَ َّ‬ ‫ت ُرَو َاوةُ ِم ْن أ ْ‬
‫َمسَ َ‬ ‫أَقـ َْو ْ‬
‫ربعاً أَقَ ِ‬ ‫غري أ َّ ِبه‬
‫ض ُد‬ ‫ي َوُم ْنـتَ َ‬‫ام بِه نـُ ْؤ ٌ‬
‫َْ َ‬ ‫قفار َ‬‫خاخ ٌ‬ ‫فعرش ٍ‬ ‫ُ‬
‫نذاك اجلزعُ فالعق ُد‬ ‫تواصل َ‬ ‫هبا‬ ‫آهلَة‬ ‫وقَ ْد أَراها ح ِديثاً و ْهي ِ‬
‫َ‬ ‫َ ََ َ َ َ‬
‫شكس اخلليقةِ نذو قانذورةٍ وح ُد‬ ‫ُ‬ ‫ب نِيَّتِ ِه‬ ‫ِِ‬
‫إنذ اهلََوى َملْ يُـغَِ ْري َش ْع َ‬
‫ك ِاب َلو ْج ِد الَّ ِذي َجت ُد‬ ‫ِم ْنـ َها تُثِيبُ َ‬ ‫فيا هلا خلَّةً ْلو َّأهنا هبوىً‬
‫صيِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫يك َشتِ َ‬
‫يت النـ َّْب ِ‬
‫ف بَـ َر ُد‬ ‫َكأَنَّهُ م ْن َس َوا ِري َ‬ ‫ت نذَا أُ ُش ٍر‬ ‫ت تُ ِر َ‬ ‫قَ َام ْ‬
‫اخلطابة يف العصر األموي‬
‫‪ ‬املدخل‬
‫على الرغم مـما حدث من الفنت والتغ ُّـريات يف احلياة السياسية واالجتماعية‬
‫واالقتصادية يف أَيم إمارة بنـي أمية‪ ،‬فقد بقيت اخلطابة من أبرز وسائل اإلقناع يف العرب‬
‫الذين مل يزالوا يقدرو قيمة اللسا وفصاحة املتكلم‪.‬‬
‫‪ ‬موضوعات اخلطابة يف العصر األموي‬
‫كانت اخلطابة يف صدر اإلسالم تستعمل غالبا يف الشعائر الدينية‪ .‬ولكن ازدادت‬
‫موضوعاهتا يف العصر األموي بسبب أموٍر مستحدثة يف الدين والسياسة واالجتماع‪ .‬ومن‬
‫أبرز موضوعاهتا اجلديدة ما يلي‪:‬‬
‫استعمل اخلطابةَ الفر ُق الدينية كاخلوارج وغريهم لتأييد نـحلتهم‪.‬‬ ‫أ‪/‬‬
‫واستعملتها الفرق السياسية كالعلويني والزبرييني وغريمها يف الدعاية السياسية‪.‬‬ ‫ب‪/‬‬

‫‪53‬‬
‫وقد استعملت يف املفاخرات واملناقضات بني العجم والعرب على سبيل املثال‪.‬‬ ‫ج‪/‬‬
‫جرا‪.‬‬
‫وهلم َّ‬
‫كما استعملها خلفاء بين أمية كآلة للعقوبة والتوبيخ واإلعالانت‪َّ ،‬‬ ‫د‪/‬‬
‫‪ ‬أسلوب اخلطابة يف العصر األموي‬
‫دائما حبمد هللا والصالة والسالم على‬
‫كانت اخلطب يف العصر األموي تفتتح ً‬
‫نبيه‪ ،‬حىت نعتوا ما خالف نذلك من اخلطب بـالبرتاء‪ .‬وبعد احلمد يباشر اخلطيب موضوع‬
‫كالمه‪ ،‬وخيتتم اخلطبة غالبًا بقوله "أقول قويل هذا وأستغفر هللا يل ولكم" وكا بعض‬
‫اخللفاء واألمراء األمويني يكثِرو من كلمات الزجر والتهديد‪ ،‬السيما إنذا خطبوا يف ٍ‬
‫بالد‬ ‫ُ‬
‫يكثر فيها املعارضو لسياستهم كاحلجاز والعراق‪.‬‬
‫ويف اجلملة‪ ،‬فقد بلغت اخلطابة يف العصر األموي قمة عظيمة من حيث األسلوب‬
‫وح هلا أ تبلغ هذه الغاية إنذ كانت اللغة العربية ال تزال‬
‫واملعاين وغري نذلك من النواحي‪ُ .‬‬
‫تولد نبالء من اخلطباء‪.‬‬
‫‪ ‬مشاهري اخلطباء يف العصر األموي‬
‫معاوية بن أبي سفيان‬ ‫أ‪/‬‬
‫هو معاوية بن أيب سفيا بن حرب األموي القرشي رضي هللا عنهما‪ .‬ولد قبيل‬
‫البعثة وتويف سنة ‪60‬هـ‪ .‬وقد ورث عن أهله الشرف والفصاحة‪ ،‬أعلن إسالمه أوا فتح‬
‫مكة املكرمة‪.‬‬
‫وكا واليا على الشام أَيم خالفة عثما رضي هللا عنه‪ ،‬وملا قُتِل عثما رضي هللا‬
‫عنه يف فنت ابن سبأ اهتم معاوية علياا رضي هللا عنهما بدم عثما ‪ ،‬فما ابيعه‪ .‬وحدثت‬
‫بينهما فنت وحوداث‪ ،‬وملا قُتِل علي رضي هللا عنه كا من نصيب معاوية أ استخلص‬
‫امللك لنفسه بعد أ تنازل له عن اخلالفة احلسن بن علي رضي هللا عنهما‪ ،‬فأسس معاوية‬
‫ابتداء من سنة ‪٤0‬هـ وتوارث عرش اخلالفة ساللته من‬
‫ً‬ ‫رضي هللا عنه دولة بنـي أمية‬
‫األمويني إىل سقوط دولتهم سنة ‪132‬هـ‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫حليما‪ ،‬وقوراً‪ ،‬عاقالً‪ ،‬داهيةً‬
‫ً‬ ‫كا معاوية رضي هللا عنه من ُكتَّاب الوحي‪ ،‬وكا‬
‫وبعيد الفكر‪ .‬وعُ ِرف ابلبالغة يف النط والدقة يف تدبري أمور السياسة واحلياة‪ .‬وله خطب‬
‫كثرية‪ ،‬ويُروى أ اخلطبة اآلتية هي آخر خطبة ألقاها كخليفة‪ ،‬صعد املنرب فحمد هللا وأثىن‬
‫عليه مث قبض على حليته فقال‪:‬‬
‫زرع قد استحصد‪ ،‬وقد طالت عليكم إمريت حىت مللتكم‬ ‫أيها الناس! إين من ٍ‬
‫شر منِـي‬
‫ومللتموين‪ ،‬وتـمنيت فراقكم وتـمنَّيتم فراقي‪ ،‬وإنه ال أيتيكم من بعدي إال من هو ٌّ‬
‫أحب هللا لقائه‪ ،‬اللهم إين‬
‫أحب لقاء هللا َّ‬ ‫كما مل أيتكم قبلي إال من هو خري ِ‬
‫مين‪ .‬وإنه من َّ‬
‫أحببت لقائك فأحبب لقائي‪.‬‬
‫ب‪ /‬عبد اهلل بن الزبري‬
‫هو عبد هللا بن الزبري بن العوام القرشي رضي هللا عنهما‪ .‬سبط أيب بكر الصدي‬
‫رضي هللا عنه من قبل ابنته أمساء رضي هللا عنها‪ُ ،‬ولِد عبد هللا بعد اهلجرة بقليل‪ ،‬بل هو‬
‫أول من ولدته مهاجرةٌ يف املدينة‪ ،‬فحنكه النيب صلى هللا عليه وآله وسلم ودعا له ابخلري‬
‫جده أيب بك ٍر وكـنَّاه بكنيته‪ .‬وقد نشأ ابملدينة وشهد الرسول صلى هللا عليه‬‫ومساه ابسم ِ‬
‫وآله وسلم وروى عنه وحفظ القرآ ‪ .‬وكا من بني الصحابة الذين كلفهم عثما رضي هللا‬
‫عنه كتابة مصاحف األمصار‪.‬‬
‫شجاعا وعاب ًدا‪ .‬خرج على بنـي أمية وطلب لنفسه‬
‫ً‬ ‫وكا عبد هللا رضي هللا عنه‬
‫اخلالفة‪ ،‬واستمر على دعوته حوايل تسع سنني استوىل خالهلا على احلجاز والعراق واليمن‬
‫ومصر‪ .‬وهكذا استمر يصارع َّ‬
‫ضد جيوش الدولة األموية حىت قتله جيوش األمويني بقيادة‬
‫حجاج بن يوسف الثقفي سنة ‪7٤‬هـ يف مكة املكرمة‪.‬‬
‫مصعب واليًا على العراق من ِقبَله‪ .‬فقتله جيوش عبد امللك سنة‬
‫ٌ‬ ‫وكا أخوه‬
‫‪73‬هـ تقريبًا‪ ،‬فخطب عبد هللا يف قومه قائال‪:‬‬
‫احلمد هلل الذي له اخلل واألمر‪ ،‬يؤيت امللك من يشاء وينـزع امللك مـمن يشاء‪.‬‬
‫أال وهللا ال يذلِل هللا من كا معه وإ كا ً‬
‫فردا‪ ،‬ومل يعزز من كا وليه الشيطا وحزبه وإ‬
‫‪55‬‬
‫خرب من العراق بلد الغدر والشقاق فساءان وسران‪ .‬أاتان‬
‫كا معه األانم طُارا‪ .‬أال إنه أاتان ٌ‬
‫أ مصعبًا قُتِل رمحة هللا عليه ومغفرته‪ .‬فأما الذي أحزننا من نذلك فإ العراق احلميم‬
‫لدغة‪ ،‬حيدها محيةٌ عند املعصية مث يروع من بعد نذوو الرأي والدين إىل مجيل الصرب‪ .‬وأما‬
‫جاعل نذلك لنا وله نذخرية‬
‫ٌ‬ ‫سران منه فإنه قد علمنا أ قتله شهادةٌ له وأنه عز وجل‬ ‫الذي َّ‬
‫إ شاء هللا تعاىل‪.‬‬
‫قطريّ بن الفجاءة‬ ‫ج‪/‬‬
‫هو أبو نعامة قطري بن جعونة بن ماز بن يزيد بن زَيد التيمي املازين اخلوارجي‪ .‬رأس فرقة‬
‫األزارقة من اخلوارج‪ ،‬وأحد أبطاهلم وخطيبهم وشاعرهم املشهور‪ .‬خرج زمن مصعب بن‬
‫الزبري ملا ويل العراق نيابة عن أخيه عبد هللا بن الزبري وبقي قطري عشرين سنة يقاتل‬
‫ويسلم عليه ابخلالفة‪ ،‬وكا احلجاج بن يوسف الثقفي يسري إليه جيشا بعد جيش وهو‬
‫يستظهر عليهم‪.‬‬
‫مث تـمت بيعته خليف ًة لنافع بن األزرق بعد موته‪ .‬فقاتل األمويني إىل أ تفككت‬
‫األزارقة فرقًا‪ .‬واستغل األمويو فرصة فشل فرقته فقتلوه سنة ‪79‬هـ‪ .‬وأخبار بطولة تطول‪.‬‬
‫وكا رجال متنس ًكا وزاه ًدا‪ .‬كما كا شجاعا مقداما كثري احلروب والوقائع‪ ،‬قوي‬
‫النفس ال يهاب املوت‪ ،‬ويف نذلك يقول خماطبا لنفسه‪:‬‬
‫من األبطال وحيك ال تراعي‬ ‫أقول هلا وقد طارت شعاعا‬
‫على األجل الذي لك مل تطاعي‬ ‫فإنك لو سألت بقاء يوم‬
‫فما نيل اخللود مبستطاع‬ ‫فصربا يف جمال املوت صربا‬
‫فيطوى عن أخي اخلنع الرياع‬ ‫وال ثوب احلياة بثوب عز‬
‫وداعية ألهل األرض داعي‬ ‫سبيل املوت غاية كل حي‬
‫وتسلمه املنو إىل انقطاع‬ ‫ومن ال يغتبط يسأم ويهرم‬
‫إنذا ما عد من سقط املتاع‬ ‫وما للمرء خري يف حياة‬

‫‪56‬‬
‫فارسا‪،‬‬
‫ً‬ ‫يُعد من أخطب العرب يف طبقته‪ ،‬وأخطب اخلوارج على اإلطالق‪ .‬وكا‬
‫كل من‬ ‫شجاعا‪ ،‬وآراؤه الدينية كانت على مذهب شيخه انفع بن األزرق يف اعتقاد أ َّ‬ ‫ً‬
‫مشرك‪ ،‬حالل الدم واملال جيب قتله وأسر زوجه واغتنام ماله‪ .‬ومن خطبه قوله‪:‬‬
‫خالفهم ٌ‬
‫أحذركم من الدنيا‪ ،‬فإهنا حلوة خضرة‪ُ ،‬ج َّفت ابلشهوات‪ ،‬وراقت‬ ‫أما بعد فإين ِ‬
‫ابلقليل‪ ،‬وحتبَّبت ابلعاجلة‪ ،‬وحليت ابآلمال‪ ،‬وتزينت ابلغرور‪ ،‬ال يدوم خريها‪ ،‬وال يـُ ْؤَمن‬
‫فجعتها‪ ،‬عزاوةٌ ضرارةٌ‪ ،‬خوانةٌ غدارةٌ‪ ،‬حائلةٌ زائلةٌ وأكالةٌ عوالةٌ‪ .‬وإنذا هي تناهت إىل أمنية‬
‫أهل الرغبة فيها والرضا عنها أ تكو كما قال تعاىل‪ :‬ﭽﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ‬
‫ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏﰐ ﰑ ﰒ‬

‫ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﭼ مع أ ً‬
‫أمرا مل يكن فيها خربة إال أعقبته بعدها عربة‪.‬‬
‫عبد احلميد الكاتب‬ ‫د‪/‬‬
‫غالب عبد احلميد بن حييـى الكاتب‪ ،‬فارسي األصل‪ .‬نشأ ابألنبار‪ ،‬وبدأ‬ ‫هو أبو ٍ‬
‫معلما ابلكوفة‪ .‬مث انتقل إىل الشام واتصل بـمروا بن حممد؛ آخر خلفاء بين أمية يف‬‫حياته ِ‬
‫الشرق‪ ،‬ونذلك منذ أ كا مروا واليًا على ْأرِمينية‪ .‬فقربه‪ ،‬واختذه كاتبًا له‪ ،‬فالزمه‬
‫الكاتب إىل هناية دولة األمويني‪ .‬فلما بدأت األزمة هرب الكاتب هو وسيده ابن حممد إىل‬
‫مصر من وجع العباسيني‪ ،‬وظال ينتقال بني القرى والبوادي حىت َت اغتيال سيده يف قرية‬
‫بوصر بـمصر‪ .‬مث جلأ إىل صديقه ابن املقفع يف البحرين‪ ،‬حيث تبعته جنود العباسيني‬
‫اء للعهد‪ ،‬وافر احلكمة‪ ،‬عذب املورد وصايف الديباجة‪،‬‬
‫وقتلوه‪ .‬وكا صادق اللسا ‪ ،‬وف ً‬
‫فقد كا يسيب املشاعر بكالمه ويفعل ابأللباب فعل السحر‪ .‬ومن آاثره النص التايل؛ وهو‬
‫جزءٌ من رسالة كتبها إيل أهله أَيم اهنزامهما هو ومواله‪ ،‬ويقول فيها‪:‬‬
‫أما بعد فإ هللا تعاىل جعل الدنيا حمفوفةً ابملكاره والشرور‪ ،‬فمن ساعده ُّ‬
‫احلظ فيها‬
‫سكن إليها‪ ،‬ومن عضَّته بناهبا نذمها ساخطا عليها‪ ،‬وشكاها مستزي ًدا هلا‪ ،‬وقد كانت أنذاقتنا‬
‫أفاوي استحليناها مث مجحت بنا انفرة‪ ،‬ورحمتنا مولية‪ ،‬فملح عذهبا‪ ،‬وخشن لينها‪ ،‬فأبعدتنا‬

‫‪57‬‬
‫وفرقتنا عن اإلخوا ‪ .‬وقد كانت األَيم تزيدان منكم بع ًدا‪ ،‬وإليكم وج ًدا؛ فإ‬
‫عن األوطا ‪َّ ،‬‬
‫ظفر جارح من أظفار‬ ‫تتم البلية إىل أقصى مدهتا يكن آخر العهد بكم وبنا‪ .‬وإ يلحقنا ٌ‬
‫شر جار‪ .‬نـسأل هللا تعاىل الذي يُِع ُّز من يشاء‬ ‫ِ‬
‫عدوان نرجع إليكم بذل اإلسار‪ ،‬والذل ٌ‬
‫آمنة‪ ،‬تـجمع سالمة األبدا‬‫وي ِذل من يشاء أ يهب لنا ولكم أُلْفة جامعةً‪ ،‬يف دار ٍ‬
‫ُ‬
‫واألدَي ‪ ،‬فإنه رب العاملني وأرحم الرامحني‪.‬‬
‫زياد بن أبيه‬ ‫هـ‪/‬‬
‫هو زَيد بن مسية‪ ،‬أحد دهاة العرب‪ ،‬والقادة الفاحتني‪ ،‬أصله من الطائف‪ ،‬ولد‬
‫حوايل السنة األوىل للهجرة‪ .‬وكا منذ صغره سديد الرأي ماضي اهلمة‪ .‬اختلفوا يف اسم‬
‫أبيه‪ ،‬فقيل عبيد الثقفي وقيل أبو سفيا ‪ .‬ولدته أمه مسية (جارية احلارث بن كلدة الثقفي)‬
‫يف الطائف‪ ،‬وتبناه عبيد الثقفي (موىل احلارث بن كلدة) وأدرك النيب صلى هللا عليه وسلم‬
‫ومل يره‪ ،‬وأسلم يف عهد أيب بكر‪ .‬وكا كاتبا للمغرية بن شعبة‪ ،‬مث أليب موسى األشعري أَيم‬
‫إمرته على البصرة‪ .‬مث واله علي بن أيب طالب إمرة فارس‪ .‬وملا تويف علي امتنع زَيد على‬
‫معاوية‪ ،‬وحتصن يف قالع فارس‪ .‬استلحقة معاوية بنسبه بعد أ شهد أانس أنه ابن أيب‬
‫سفيا ‪ ،‬وواله البصرة والكوفة وغريمها‪ .‬فساس ابلصرامة وقضى على كل شغب وفساد‪.‬‬
‫فقد كا زَيد سياسيا داهية‪ ،‬وكانت سياسته كما قال "لني يف غري ضعف وشدة يف غري‬
‫عنف"‪ .‬وتويف سنة ‪53‬ه‪.‬‬
‫وكا زَيد يعين بتأليف خطبه ويتخري ألفاظها ويعتمد على اإليهام ويالزم‬
‫التسلسل املنطقي يف خطبه يف عبارات طويلة وقصرية وصور شديدة الصلة ابلواقع‪.‬‬
‫ولذلك غدا حسن اللفظ وجيد املعاين يف خطبه‪ ،‬حىت لكأمنا أويت فصل اخلطاب‪ ،‬وفيه‬
‫يقول الشعيب‪" :‬ما مسعت متكلما على منرب قط تكلم فأحسن إال أحببت أ يسكت خوفا‬
‫أ يسىء إال زَيدا‪ ،‬فإنه كلما أكثر كا أجود كالما"‪ .‬أخباره كثرية‪ ،‬وله أقوال سائرة‪.‬‬
‫وأوليات ماضية‪ .‬واشتهر خبطبته اليت اصطلح على تسميتها بـ ـ ـ ‘البرتاء’ ألنه بدأها من‬
‫دو حتميد أو تسليم أو ما يف شكل نذلك من املعهود‪ .‬ومنها قوله‪:‬‬
‫‪58‬‬
‫أما بعد‪ ،‬فإ اجلهالة اجلهالء والضاللة العمياء والغي املوَف أبهله إىل النار ما فيه‬
‫سفهاؤكم ويشتمل عليه حلماؤكم من األمور العظام‪ ،‬ينبت فيها الصغري وال يتحاشى عنها‬
‫الكبري‪ ،‬كأنكم مل تقرءوا كتاب هللا ومل تسمعوا ما أعد هللا من الثواب الكرمي ألهل طاعته‪،‬‬
‫والعذاب األليم ألهل معصيته يف الزمن السرمدي الذي ال يزول‪ ،‬أتكونو كمن طرفت‬
‫عينيه الدنيا وسدت مسامعه الشهوات‪ ،‬واختار الفانية على الباقية‪ ،‬وال تذكرو أنكم‬
‫أحدثتم يف اإلسالم احلدث الذي مل تسبقوا إليه‪ ،‬من ترككم الضعيف يقهر ويؤخذ ماله‪،‬‬
‫هذه املواخري املنصوبة والضعيفة املسلوبة يف النعار املبصر والعدد غري قليل أمل يكن منكم‬
‫هناة متنع الغواة عن دَل الليل وغارة النهار؟ قربتم القرابة وابعدَت الدين تعتذرو بغري‬
‫العذر وتغضبو على اخلتلس كل امرئ منكم يذنب عن سفيهه صنيع من ال خياف عاقبة‬
‫وال يرجو معادا‪ ،‬ما أنتم ابحللماء ولقد اتبعتم السفهاء‪ ،‬فلم يزل بكم ما ترو من قيامكم‬
‫دوهنم حىت انتهكوا حرام اإلسالم‪ ،‬مث أرقوا وراءكم‪ ،‬كنوسا يف مكانس الريب‪ ،‬حرام علي‬
‫الطعام والشراب حىت أسويها ابألرض هدما وإحراقا‪.‬‬
‫الشعيب‬ ‫و‪/‬‬
‫هو أبو عمرو عامر بن شراحيل بن عبد نذي كبار‪ ،‬الشعيب احلمريي‪ ،‬رأس التابعني‬
‫ابلكوفة‪ ،‬راوية‪ ،‬من الثقات املشهورين‪ ،‬ومن يضرب املثل حبفظه‪ .‬ولد توءما ضئيال ابلكوفة‬
‫سنة ‪19‬ه‪ .‬وكانت أمه من سيب جلوالء وأقام ابملدينة مثانية أشهر هاراب من املختار‪،‬‬
‫فسمع من ابن عمر وتعلم احلساب من احلارث األعور‪ ،‬وكا حافظا وما كتب شيئا قط‪.‬‬
‫وسئل عما بلغ إليه حفظه‪ ،‬فقال‪ :‬ما كتبت سوداء يف بيضاء‪ ،‬وال حدثين رجل حبديث إال‬
‫حفظته‪ .‬وكا فقيها‪ ،‬شاعرا‪ .‬اتصل بعبد امللك بن مروا ‪ ،‬فكا ندميه ومسريه ورسوله إىل‬
‫ملك الروم‪ .‬استقضاه عمر بن عبد العزيز‪ .‬واختلفوا يف اسم أبيه فقيل‪ :‬شراحيل وقيل‪:‬‬
‫عبد هللا‪ .‬نسبته إىل شعب وهو بطن من مهدا ‪ ،‬تويف فجأة ابلكوفة سنة ‪103‬هـ‪ .‬وقال‬
‫الزهري‪" :‬العلماء أربعة‪ :‬ابن املسيب ابملدينة‪ ،‬والشعيب ابلكوفة‪ ،‬واحلسن البصري ابلبصرة‪،‬‬
‫ومكحول ابلشام"‪ .‬ويقال إنه أدرك مخسمائة من أصحاب رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫‪59‬‬
‫كا الشعيب من مجلة من صار إىل مسلم بن قتيبة فذكره احلجاج يوما فقيل له‪:‬‬
‫إ نه سار إىل مسلم بن قتيبة‪ ،‬فكتب إىل مسلم‪ :‬أ ابعث يل ابلشعيب‪ ،‬قال الشعيب‪ :‬فلما‬
‫دخلت عليه سلمت عليه ابإلمرة مث قلت‪ :‬أيها األمري إ الناس قد أمروين أ أعتذر إليك‬
‫بغري ما يعلم هللا أنه احل ‪ ،‬وأمي هللا ال أقول يف هذا املقام إال احل كائنا يف نذلك ما كا ‪ ،‬قد‬
‫وهللا متردان عليك‪ ،‬وخرجنا وجهدان كل اجلهد فما ألوان‪ ،‬فما كنا ابالقوَيء الفجرة‪ ،‬وال‬
‫ابالتقياء الربرة‪ ،‬ولقد نصرك هللا علينا وأظفرك بنا فإ سطوت فبذنوبنا وما جرت إليك‬
‫أيدينا‪ ،‬وإ عفوت عنا فبحلمك‪ ،‬وبعد‪ ،‬فلك احلجة علينا‪.‬‬
‫فقال احلجاج‪" :‬أنت وهللا َي شعيب أحب إيل ممن يدخل علينا يقطر سيفه من‬
‫دمائنا مث يقول‪ :‬ما فعلت وال شهدت‪ ،‬قد أمنت عندان َي شعيب"‪.‬‬

‫‪‬‬

‫‪60‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫األدب العربي يف العصر العباسي‬
‫‪ ‬املدخل‬
‫مع أ األمويني قد جنحوا يف استحوانذ اخلالفة واحتكارها يف عشريهتم‪ ،‬إال أ كثريا‬
‫من عوام املسلمني ظلوا يـميلو إىل أهل البيت ويكنو هلم حباا عمي ًقا‪ ،‬وحيرتموهنم‪،‬‬
‫ويتمنَّو عودة اخلالفة إليهم‪ .‬ونذلك منذ بداية العصر األموي‪ .‬ولذلك كا ألهل البيت‬
‫نظام اإلمامة يوصي هبا اإلمام منهم من يليه من العلويني س ارا‪.‬‬
‫علي رضي هللا‬
‫مث وصلت اإلمامة إىل أيب هاشم بن حممد بن احلنفية‪ ،‬من ساللة ٍ‬
‫عنه‪ ،‬وظل على اإلمامة زمنًا طويالً‪ ،‬وانتشرت خالل فرتة إمامته دعوهتُم يف كثري من‬
‫كفؤا من العلويني‪ ،‬فأوصى ابإلمامة من بعده حملمد‬
‫األقاليم‪ .‬وملا أراد أ يعني وصيه مل جيد ً‬
‫بن علي من بنـي العباس‪ ،‬ومن بعده البنه إبراهيم‪ .‬وحني أدرك إبراهيم هذا أنه مقتول على‬
‫أيدي األمويني أوصى ابخلالفة إىل أخيه أيب العباس عبد هللا املعروف بـالسفاح وهو الذي‬
‫اسا ‪ .‬واستطاع بفضل‬‫أنصارا مث أعلن أتباعه الثورة من ُخ َر َ‬
‫ً‬ ‫خطط دعوة سرية واكتسب هلا‬
‫اجليش أ ينتزع اخلالفة من يد األمويني مبعونة من الفرس بعد معارك عنيفة قادها كل من‬
‫اساين وأيب سلمة اخلالل وقحطبة بن شبيب وغريهم من القواد‪ ،‬حىت انتهى‬
‫أيب مسلم الـ ُخ َر َ‬
‫األمر بقتل مروا بن حممد آخر خلفاء بنـي أمية يف الشرق سنة ‪132‬هـ‪ ،‬وأسفر عن‬
‫إعال السفاح نفسه خليفة هلل على األرض‪ .‬ولكنه مل تطل مدة خالفته‪ ،‬فأسرعته املنية‪.‬‬
‫وخلفه أخوه أبو جعفر املنصور‪ ،‬وهو الذي يعتربه التاريخ بـمثابة املؤسس احلقيقي للدولة‬
‫العباسية‪.‬‬
‫وقد امتد حكم العباسيني ما يقرب من مخسة قرو وربع‪ ،‬وتبوأ عرش اخلالفة‬
‫سبعة وثالثو خليفة خالل هذه احلقبة اليت تعرف بـالعصر الذهيب يف اتريخ الثقافة‬
‫اإلسالمية واألدب العريب‪ .‬فقد تطورت احلياة السياسية واالجتماعية والعلمية‪ ،‬لتأثر هذه‬
‫الدولة ابحلضارات األجنبية كالفارسية واليواننية‪ .‬مث طال األمد على الدولة وانتُزع بعض‬

‫‪61‬‬
‫أراضيها وتضاءل سلطا اخلالفة ونفونذها حىت أصبحت وما بقي هلا إال امسها ورمسها‪ .‬مث‬
‫جاءت الكارثة النهائية على يد هوالكو الترتي الذي أطاح بعرش اخلالفة العباسية سنة‬
‫‪656‬هـ بعد إابدة مجاعية وحشية أوقعها على سكا بغداد وتراثهم‪.‬‬
‫‪ ‬احلياة السياسية يف العصر العباسي‬
‫استوىل العباسيو على اخلالفة معتمدين على الفرس يف خمتلف اجملاالت والفنو ‪.‬‬
‫وقد أطل اخللفاء أيدي املوايل يف سياسة الدولة‪ ،‬حىت استقلوا بشؤوهنا واستبدوا أبمورها‪.‬‬
‫كتب غري ٍ‬
‫قليلة يف األنظمة اإلدارية لبعض األمم القديـمة وممارسة بعض‬ ‫كما َت ترمجة ٍ‬
‫تعاليمها ونظرَيهتا يف إدارة الدولة‪ .‬غري أ احلياة لـم تستكن للخلفاء العباسيني حيث أخذ‬
‫العلويو َّ‬
‫يدعو أ العباسيني اغتصبوا اخلالفة منهم فيقاوموهنم مرة ابحلرب ومرة أخرى‬
‫ابللسا ‪.‬‬
‫‪ ‬احلياة االجتماعية يف العصر العباسي‬
‫ٍ‬
‫وترف‪ .‬وَتَّ االحتكاك‬ ‫عاشت طبقات اجملتمع العباسي حياة حضارةٍ وثر ٍاء‬
‫االجتماعي بني خمتلف الشعوب واألجناس‪ ،‬كما ركضت العصبية العربية وعال صوت‬
‫الشعوبية اإلسالمية‪ .‬ومن مميزات احلياة االجتماعية يف العصر العباسي ِ‬
‫حرية الفكر‬
‫واالعتقاد وشيوع اخلالعة واجملو واإلحلاد والبطالة‪ .‬وكذلك التأن يف الطعام واللباس‪،‬‬
‫والتنافس يف البناء والرَيش‪ .‬وأصبح اخللفاء مع وزرائهم وقوادهم يشاركو العامة يف شؤو‬
‫احلياة‪ .‬كما أفرطوا يف إكرام النبالء من الشعراء والعلماء واملفكرين وسائر أرابب‬
‫أثرا بينا على طبيعة األدب العريب‬
‫الصناعات والفنو ‪ .‬وال ريب أ هلذه املميزات كلها ً‬
‫وإنتاجاته يف هذا العصر‪.‬‬
‫‪ ‬احلياة العلمية يف العصر العباسي‬
‫شهد العصر العباسي نضوج العلوم العربية واإلسالمية اليت نشأت يف أواخر‬
‫العصر األموي وأتصيل فنو أخرى من جديد‪ .‬وكذلك اصطبغت الدولة العباسية‬
‫ابحلضارة الفارسية كما أخذت أيضا تقتبس من تراث اليوان يف احلضارة والعلوم‪ ،‬كعلم‬

‫‪62‬‬
‫الطب والفلسفة واملنط والفلك واجلغرافية وغري نذلك‪ .‬واستعا اخللفاء ابخلرباء من‬
‫العرب واألجانب يف نقل غري ٍ‬
‫قليل من كتب هذه العلوم من اليواننية إىل العربية حتت‬
‫إشراف دار احلكمة اليت أنشأها اخلليفة العباسي املأمو يف بغداد واستوظف فيها َنبة من‬
‫املرتمجني واللغويني واملفكرين وغريهم‪ .‬وقد سجل التاريخ ما هلذا النشاط من األثر الكبري‬
‫وإجيااب‪.‬‬
‫ً‬ ‫لإلسالم واملسلمني سلبًا‬
‫‪ ‬أغراض الشعر يف العصر العباسي‬
‫مل يقف الشعراء العباسيو عند تقليد أغراض القدماء من الشعراء فحسب‪ .‬فقد‬
‫كانت احلضارة اجلديدة اليت اكتسبوها واإلزدهار العلمي والرقي الفكري وحياة الرتف‬
‫واحلرية املطلقة مما أدى إىل كثرة اجملو يف شعرهم ودفعهم إىل ِ‬
‫العلو يف موضوعات الشعر‬
‫القديـمة كاملدح والراثء والغزل والوصف وغريها‪ .‬وكذلك ابتكر الشعراء الزهد والشعر‬
‫التعليمي وغريمها من املوضوعات اجلديدة يف الشعر‪ .‬ومن أبرز أغراض الشعر يف العصر‬
‫العباسي ما يلي‪:‬‬
‫الفخر‬ ‫أ‪/‬‬
‫كا الفخر من أغراض الشعر العريب منذ اجلاهلية‪ ،‬ودأبه الفخر ابآلابء والقبائل‬
‫وابلفضائل‪ .‬مث أصبح يستعمل يف صدر اإلسالم لالعرتاف بنعمة اإلسالم واالنتصار على‬
‫جزءا من نقائض العصر األموي‪ .‬أما يف هذا العصر فقد ُس ِجلت فيه‬ ‫العدو‪ .‬كما مثل ً‬
‫العصبية بني العرب والعجم‪ ،‬وبني أرابب العلوم كنحاة الكوفة ونـحاة البصرة‪ ،‬وبني خمتلف‬
‫املذاهب الفقهية وهكذا‪ .‬ومثاله قول بشار بن برد يفتخر ابلعجم فيقول‪:‬‬
‫ـعلم‬
‫يقولو من نذا وكنت ال ْ‬ ‫نُـبِئت قوما بـهم جنـة‬
‫كرم‬
‫لـيعرفين أان أنـف الـ ْ‬ ‫أال أيها السـائلي جاهـد‬
‫ـسم‬
‫ب يف وجهها لك إنذ تبت ْ‬ ‫وبيضاء يضحك ماء الشبا‬
‫العجم‬
‫ْ‬ ‫فروعي‪ ،‬وأصلي قريش‬ ‫نـمت يف الكرام بين عام ٍر‬
‫املدح‬ ‫ب‪/‬‬
‫‪63‬‬
‫هذا الغرض قدمي منذ اجلاهلية‪ ،‬ولكن اجلاهليني ال يـمدحو الرجل إال بـما‬
‫يستحقه‪ .‬واألمر ليس كذلك يف العصر العباسي‪ ،‬حيث اختذ اخللفاء وغريهم املدح وسيلة‬
‫لإلشادة بسياستهم‪ ،‬وجعلوا جيزلو العطاَي املغرية للشعراء‪ .‬كما تفنن بعض الشعراء يف‬
‫إبداع املعاين اجلديدة يف املديح حىت بلغ بعضهم إىل ما يؤدي إىل الشرك ابهلل! كقول علي‬
‫بن حبلة يف مدح أيب دلف العجلي‪:‬‬
‫وتنقل الدهر من حال إىل حال‬ ‫أنت الذي تُـ ْنـ ِزل األَيم منـزهلا‬
‫إال قـضيت أبرزاق وأجـمال‬ ‫طرف إىل أحد‬‫وما مددت مدى ٍ‬
‫الوصف‬ ‫ج‪/‬‬
‫َّ‬
‫وتشكل أبشكال شىت من وصف القصور والطبيعة واخلمر وغري‬ ‫تنوع الوصف‬
‫وقد َّ‬
‫وتطورت يف هذا‬
‫نذلك‪ .‬وكانت هذه املميزات موجودةً يف العصور املاضية‪ ،‬ولكنها ازدهرت َّ‬
‫العصر إىل حد االستقالل بفضل ما فيه من احلضارة والتطور االجتماعي‪ .‬ومثاله قول أيب‬
‫نواس يف وصف اخلمر‪:‬‬
‫وداونـي ابليت كانت هي الداء‬ ‫دع عنك لومي فإ اللـوم إغراء‬
‫حجر مسته سراء‬ ‫ٌ‬ ‫لو مسـها‬ ‫صفراء ال تنـزل األحزا ساحتها‬
‫فمـا تصيبهم إال بـما شاؤوا‬ ‫دارت على فتية دا الزما بـهم‬
‫كانت تـحل بـها هند وأمساء‬ ‫لتـلك أبكي وال أبكي ملن ـزلة‬
‫الغزل‬ ‫د‪/‬‬
‫جرت عادة شعراء العرب على نذكر املرأة يف مقدمة القصيدة منذ اجلاهلية‪ .‬وكا‬
‫الغزل يف العصر األموي إما الصريح وإما العفيف‪ .‬ولكنه تطور يف العصر العباسي وأصبح‬
‫ع مل تعرفه العرب من قبل‪ ،‬وإنـما صدر يف العصر‬ ‫الشعراء يتغزلو ابملذكر! وهذا نو ٌ‬
‫العباسي من بعض أبناء املوايل وغريهم‪ .‬وأشد من أنذاعه أبو نواس‪ ،‬ومن غالميَّاته قوله‪:‬‬
‫ـخلوق وأجـمل من مشا‬‫وأحسن م ٍ‬ ‫غز ٌ‬
‫ال بـه فت ٌـر وفيـه تـأنت‬
‫لـه ينجلي كـريب وقد ينجلي الغشا‬ ‫أرى لك وجها ف ـتت القلب حسنه‬
‫‪64‬‬
‫وال نذنب يل إ كا يف الناس قد فشى‬ ‫أتـقتلنـي إ قـلت إنـي أحبه‬
‫الرثاء‬ ‫هـ‪/‬‬
‫الراثء غرض من األغراض التقليدية يف الشعر العريب منذ اجلاهلية‪ ،‬إال أ الشعراء‬
‫العباسيني أعمقوا فيه وأدخلوا يف راثئهم أشياء تـخالف الشرع‪ .‬كقول ابن الرومي وهو يرثي‬
‫ولده‪:‬‬
‫ولو أنه الـتخليـد يف جنة اخللد‬ ‫ومـا سرين أ بِ ْعـتُه بـثوابه‬
‫وليس على ظلم احلوادث من معد‬ ‫وما بعته طوعا ولكن غُ ِ‬
‫ص ْبـتُه‬
‫اهلجاء‬ ‫و‪/‬‬
‫اسرتسل الشعراء العباسيو يف اهلجاء وعبثوا فيه‪ .‬فأكثروا من السخرية ابلناس‬
‫واالزدراء هبم والنيل من أعراضهم‪ .‬وقد كا منهم من يهجو الناس من غري ٍ‬
‫دليل‪ ،‬كما كا‬
‫بشار بن برد يفعل هو ومسلم بن الوليد‪ ،‬وقد هجا األخري ِد ْعبل بن علي الـ ُخذاعي‬
‫الشاعر فقال‪:‬‬
‫واملدح عنك كما علمت جليل‬ ‫أما اهلجاء فدق عرضك دونـه‬
‫رض عززت به وأنت نذليـل‬ ‫ِ‬ ‫فانذهب فأنت طلي ِعرضك إنه‬
‫ع ٌ‬
‫الزهد‬ ‫ز‪/‬‬
‫تـحولت حركة الوعظ اليت انتشرت يف مساجد الكوفة والبصرة وبغداد يف العصر‬
‫العباسي إىل نوع جديد من الشعر يقال له الزهد‪ ،‬وهو كالرد على الزاندقة واخللعاء‪ .‬وتضم‬
‫الزهدَيت الزجر عن الدنيا وما فيها من الشهوات وامللذات والدعوة إىل التمسك ابلدين‬
‫والفضائل‪ .‬ومثاله قول أيب العتاهية‪:‬‬
‫يرى عاش الدنيا جبهد بالء‬ ‫فال تعش الدنيا أُخي فإنـه‬
‫وراحتها مـمزوجة بـفناء‬ ‫حالوهتا مـمزوجة بـمرارة‬
‫الشعر التعليمي‬ ‫ح‪/‬‬

‫‪65‬‬
‫كنوع من أنواع الشعر يف العصر العباسي‪ .‬وهو‬
‫ظهرت بداية الشعر التعليمي ٍ‬
‫معني‪ ،‬ليسهل حفظها‬‫تضم حقائ ومعلومات يف فن أو علم َّ‬ ‫عبارة عن قصائد ُّ‬
‫واستحضارها‪ .‬وقد ُِّ‬
‫اختذ وسيلة من وسائل التدريس‪ .‬ومثاله قول ابن أاب يف أرجوزة له‬
‫وهو يشرح فيها أحكام الصوم والصالة‪:‬‬
‫لكل ما قامت به الـشرائع‬ ‫جامع‬
‫هذا كتاب الصوم وهو ٌ‬
‫فضال على من كا نذا بيا‬ ‫مـن نذلك املنـزل يف القرآ‬
‫من عهده املتبع الـمرضي‬ ‫ومـنه ما جاء عـن النبـي‬
‫احلكم واألمثال‬ ‫ط‪/‬‬
‫وقد شاع بني الشعراء العباسيني تقييد احلكم واألمثال يف قصائدهم‪ ،‬وكا أكثر‬
‫الشعراؤ ميارسو نذلك حماولة إلظهار عبقريته ومدى جتربته يف احلياة‪ .‬ومثاله قول ابن‬
‫الرومي‪:‬‬
‫فال تستكثر من الصحاب‬ ‫عدوك من صديقك مستفاد‬
‫ُّ‬
‫حيول من الطعام أو الشراب‬ ‫فـإ الداء أكثر ما تـراه‬
‫‪ ‬لفظ الشعر يف العصر العباسي وأسلوبه ومعانيه‬
‫وقد هنض الشعر يف العصر العباسي هنضة كبرية وحصل الشعراء على رعاية فائقة‬
‫من اخللفاء والعظماء وانلوا عطاَيهم‪ ،‬وعُ ِقدت هلم مواسم وجلسات لالستماع إىل‬
‫قصائدهم‪ ،‬وتقدير مواهبهم ومنحهم اجلوائز حسب إجادهتم‪ .‬وارتفعت قيمة الشعر ومرتبة‬
‫الشعراء حىت شارك بعض الوزراء يف الشعر‪ .‬وبلغ الشعر يف العصر العباسي نذروة هنضته يف‬
‫الكوفة والبصرة وقرى اجلزيرة وشرق الشام‪ ،‬وظهر أثر احلضارة وسالمة الذوق يف اختيار‬
‫ألفاظ الشعر وأساليبه ويف أتدية معانيه‪.‬‬
‫وقد هجر الشعراء العباسيو األلفاظ الغريبة الصعبة إىل األلفاظ املألوفة والسهلة‪،‬‬
‫وجنحوا إىل عذوبة الرتكيب‪ ،‬واالبتداء بذكر القصور واخلمور مكا البكاء ابألطالل‪ .‬كما‬

‫‪66‬‬
‫أدخلوا بعض األلفاظ األعجمية يف الشعر‪ .‬واستعمل الشعراء األساليب الكالمية وبعض‬
‫التشبيهات احملاكاة من القرآ واحلديث والشعر القدمي مما مسَّوه بديعا‪.‬‬
‫أما من حيث املعىن فقد راعوا دقة التصوير‪ ،‬والتخيالت البديعية‪ ،‬والتشبيهات‬
‫واالستعارات‪ .‬وامتازت املعاين ابلروح الفلسفي والقياس املنطقي‪ .‬واهتموا ابلزينة اللفظية‬
‫واخرتع من املعاين ما مل تنط به العرب من قبل‪ .‬وكذلك‬
‫وغاىل بعضهم يف نذلك كأيب تـمام‪ُ ،‬‬
‫اخرتع الشعراء أساليب جديدة من الشعر كالشعر اخلطايب والشعر الرمزي وغري نذلك‪.‬‬
‫‪ ‬أوزان الشعر وقوافيه يف العصر العباسي‬
‫وابلنسبة لألوزا فقد جلأ كثري من الشعراء يف العصر العباسي إىل األوزا اخلفيفة‬
‫القصرية لنظم قصائدهم‪ ،‬ونذلك لشيوع الغناء واملغنني وتطور األساليب املوسيقية‪ .‬وكذلك‬
‫استحدثوا األوزا اجلديدة كاملستطيل واملمتد واملتوافر واملواليا وغريها‪ .‬أما يف جمال القوايف‬
‫فقد ظهرت أنواعٌ جديدةٌ من القوايف كال ُـم َس ِمط واملزدوجات إىل جانب القافية التقليدية‪.‬‬
‫‪ ‬مشاهري الشعراء يف العصر العباسي‬
‫أبو نواس‬ ‫أ‪/‬‬
‫هو احلسن بن هانئ بن عبد األول بن صباح احلكمي موالهم‪ .‬يكنـى أبيب نواس‪.‬‬
‫ولد بقرية من قرى األهواز‪ ،‬ونُِقل إىل البصرة وهو ٌّ‬
‫صيب فنشأ هبا‪ ،‬مث خرج إىل دمش ‪،‬‬
‫ومنها إىل مصر‪ ،‬مث بغداد وهبا استقر‪ .‬وكا أبوه من جنود مروا احلمار؛ آخر خلفاء بنـي‬
‫أمية يف الشرق‪ .‬وملا تويف مل جيد أبو نواس من يعوله‪ ،‬فالتجأ إىل عطا ٍر ومكث عنده يشتغل‬
‫كثريا ما يغشى‬
‫ً‬ ‫زمنًا طويالً‪ .‬وكا أبو ٍ‬
‫نواس مولعا ابلعلم مشغوفا ابألشعار واألخبار‪ ،‬وكا‬
‫أندية العلماء‪ ،‬وحيضر حوار الشعراء‪ .‬وقد التقى وابلة بن احلباب‪ ،‬واستفاد منه‪ .‬وملا‬
‫استوطن بغداد‪ ،‬صحب الشعراء والزم جمالسهم‪ ،‬ودرس عند العلماء حىت أصبح من أشهر‬
‫علما‪.‬‬
‫شعرا وأنبغهم ً‬
‫أهل عصره ً‬
‫اتصل أبو نواس ابخلليفة العباسي هارو الرشيد‪ ،‬فمدحه ووجد عنده مكانة‪ .‬مث‬
‫انقطع بعد نذلك إىل حممد األمني‪ ،‬فنادمه ومدحه‪ .‬مث استجرم له فسجنه مدة طويلة‪ .‬وتويف‬

‫‪67‬‬
‫يف بغداد سنة ‪199‬هـ‪ .‬وكا أبو نواس مجيل الصورة‪ ،‬حلو احلديث‪ ،‬فصيح اللسا ‪ ،‬عاملا‬
‫َّهما ابلزندقة وجامعاً لصفات الندمي‬
‫بلسا العرب وأسرار بالغته‪ ،‬كثري اهلزل واجملو ‪ ،‬مت ً‬
‫وابرعا يف وصف اخلمر‪ .‬يعد أول‬
‫مكثرا‪ ،‬سهل الرتكيب‪ ،‬متني األسلوب ً‬ ‫شاعرا ً‬
‫ً‬ ‫املرح‪ .‬وكا‬
‫من هنج للشعر طريقته احلضرية وأخرجه من اللهجة البدوية‪ .‬وله مع معاصريه من الشعراء‬
‫مناقضات‪ .‬ومن شعره األبيات اآلتية يف التوبة يف أواخر حياته‪:‬‬
‫بعفوك من عذابك أستجري‬ ‫أَي من ليس يل منه مـجري‬
‫وأنت السيد املوىل الغفور‬ ‫أان العبد ال ُـم ِقر بكل نذنب‬
‫وإ تغفر فأنت به جدير‬ ‫فإ عذبتنـي فبسوء فعلي‬
‫إليك يفر مـنك املستجري‬ ‫أفـر إليك مـنك وأين إال‬
‫وله يف الفخر ما يلي‪:‬‬
‫لبست له كربا أبر على الكرب‬ ‫ومستعبد إخوانه بثرائه‬
‫رأى جانيب وعرا يزيد على الوعر‬ ‫إنذا ضمين يوما وإَيه حمفل‬
‫على املنط املنزور والنظر الشزر‬ ‫أخالفه يف شكله وأجره‬
‫أراينَ أغناهم وإ كنت نذا فقر‬ ‫وقد زادين تيها على الناس أنين‬
‫إىل أحد حىت أغيب يف قربي‬ ‫فوهللا ال يبدي لساين جلاجة‬
‫وال صاحب التاج احملجب يف القصر‬ ‫فال يطمعن يف نذاك مين طامع‬
‫فلو مل أرث فخرا لكانت صيانيت فمي عن سؤال الناس حسيب من الفخر‬
‫ومن مخرَيته ما يلي‪:‬‬
‫بـها أث ٌـر منهم جـديـد ودارس‬ ‫ودار ندامى عطَّلـوها وأدلـجوا‬
‫وأضغـاث ريـحا جنِ ٌّـي وَيبس‬ ‫مساحب من جر الزقاق على الثرى‬
‫حبست هبا صحيب فجدد عهدهم وإين علـى أمثـال تلك لـحابس‬
‫حبتها بـألوا التصـاوير فـارس‬ ‫تدار علينا الراح فـي عسجديـة‬

‫‪68‬‬
‫مهاً ت َّـدريها ابلقسـي الفـوارس‬ ‫قرارهتا كسرى‪ ،‬وفـي جنباتــها‬
‫وللماء ما دارت عليـه القالنـس‬ ‫زرت علـيـه جيوبـها‬
‫فللخمر ما َّ‬
‫البحرتي‬ ‫ب‪/‬‬
‫هو أبو عبادة الوليد بن عبيد بن حيىي بن عبيد الطائي‪ ،‬الشاعر املطبوع‪ .‬ولد سنة‬
‫‪206‬هـ ب َـمـ ْنبج‪ ،‬وهي قرية بني حلب والفرات‪ ،‬فغلبت عليه فصاحة األعراب‪ .‬وخرج إىل‬
‫العراق‪ ،‬فالزم ‪ -‬وهو فتـى ‪ -‬أاب تـمام‪ ،‬وعليه تـخرج‪ ،‬واقتبس طريقته يف البديع بغري‬
‫حمرتما عندمها إىل أ قُتِال يف‬ ‫إفر ٍ‬
‫اط‪ .‬وأقام يف العراق يف خدمة املتوكل والفتح بن حاقا‬
‫ً‬
‫جملس حضره‪ .‬فرجع إىل منبج‪ ،‬ومات هبا سنة ‪28٤‬هـ‪.‬‬‫ٍ‬
‫ثواب‪ ،‬وأكثرهم‬
‫وكا على فضله وفصاحته من أخبل خل هللا وأبغضهم‪ ،‬وأوسخهم ً‬
‫فخرا بشعره حىت كا إنذا أعجبه شعره يقول‪" :‬أحسنت وهللا!" ويقول للمستمعني‪:‬‬ ‫ً‬
‫"وحيكم! ما لكم ال تقولو أحسنت؟" ولنشأته البدوية ابتعد شعره عن مذاهب احلضريني‬
‫مكثرا‪ُ ،‬حلْو اللفظ‪ ،‬حسن املديح والعتاب وكا شعره‬
‫شاعرا ً‬
‫ً‬ ‫وتعمقهم وفلسفتهم‪ .‬وكا‬
‫كسالسل الذهب‪ .‬وكا متكسبًا بشعره إىل درجة االحرتاف‪ .‬ويعد البحرتي اثلث الثالثة‬
‫الذين كانوا أشعر أبناء عصرهم‪( :‬املتنيب‪ ،‬وأبو متام‪ ،‬والبحرتي)‪ .‬قيل أليب العالء املعري‪:‬‬
‫"أي الثالثة أشعر؟" فقال‪" :‬املتنيب وأبو متام حكيما ‪ ،‬وإمنا الشاعر البحرتي"‪ .‬ومن شعره‬
‫ما مدح به املتوكل‪:‬‬
‫كـأنــه جنـة ونـار‬ ‫خليفـة يـرتـجى وخيشى‬
‫كـأنـه ضـرة تغـار‬ ‫كلتا يديه تفـيض سـحا‬
‫إال أتت مثلـه اليـسار‬ ‫فلـيس أييت اليمـني شيئا‬
‫ما اختلف الليـل والنهار‬ ‫فالـملك فيه وفـي بنيـه‬
‫وقال يصف الربيع‪:‬‬
‫من احلسن حىت كاد أ يتكلما‬ ‫أاتك الربيع الطل خيتال ضاح ًكا‬
‫أوائـل ٍ‬
‫ورد كن ابألمس نـُوما‬ ‫وقد نبه النريوز يف غس الدجى‬

‫‪69‬‬
‫ث حديثا كا قبـل مكتما‬ ‫يـبُ ُّ‬ ‫يُـ َفـتِقها بـرد الندى فكأنه‬
‫عليه كما نَ َّ‬
‫ش ْرت َو ْشيًا ُمنَ ْمنَ َما‬ ‫فمن شجـ ٍر َّ‬
‫رد الربيـع لباسه‬
‫وكا ق ًذى للعني إنذ كا حم ِرما‬ ‫أحل فأبـدى للعيـو بشاش ًة‬
‫جييئ أبنفـاس األحبـة نـُعـما‬ ‫ورق نسيم الريح حىت حسبتـه‬
‫ابن املعتز‬ ‫ج‪/‬‬
‫هو أمري املؤمنني أبو العباس عبد هللا بن حممد املعتز ابهلل بن املتوكل بن املعتصم‬
‫بن هارو الرشيد العباسي‪ .‬الشاعر املبدع وخليفة يوم وليلة! أشعر بنـي هاشم‪ ،‬وأبرع‬
‫الناس يف األوصاف والتشبيهات‪ .‬ولد سنة ‪2٤8‬هـ يف بيت امللك ومأوى اخلالفة‪ .‬وترأ ‬
‫تربية النعيم واجلاللة‪ .‬وأخذ عن نبالء عصره مجيعهم تقريبًا يف اللغة واألدب وكل علم‬
‫وشب نبيل النفس‪ ،‬دقي احلس وقوي الشعور‪ .‬فأحبه‬‫يعرفه أئمة عصره وفالسفة دهره‪َّ .‬‬
‫وزراء الدولة وشيوخ كتَّاهبا‪.‬‬
‫وملا كا عهد املقتدر حدثت اضطراابت سياسية يطول شرحها‪ ،‬وهي اليت أسفرت‬
‫خبلع املقتدر ومبايعة ابن املعتز ابخلالفة بعد أ اجتمعت كلمة األمراء والقضاة والوجهاء‬
‫على نذلك‪ .‬ولكنه مل ميكث خليفة إال يوما أو بعض يوم حيث هجم عليه أنصار املقتدر‬
‫فخلعوه وقتلوا غالب من خرج على موالهم‪ .‬مث عاد املقتدر فقبض على اخلليفة اجلديد‬
‫وحبسه مث أخرج فيما بعد ميتا‪ ،‬ونذلك سنة ‪296‬هـ‪.‬‬
‫وكا ابن املعتز سهل العبارة يف شعره‪ ،‬كثري االهتمام ابلبديع يف قوله‪ ،‬وكا أديباً‬
‫إرضاء لنفسه‪،‬‬
‫ً‬ ‫بليغاً مطبوعاً مقتدرا قليل التكلُّف وصايف األسلوب‪ .‬وكا يقول الشعر‬
‫فسلم من كذب املدح ولؤم اهلجاء‪ .‬وله مؤلفات يف فنو األدب‪ ،‬منها كتاب البديع‬
‫وكتاب مكاتبات اإلخوا ابلشعر وكتاب أشعار امللوك‪ .‬ومن شعره يف وصف الربيع قوله‪:‬‬
‫فيـه للنـور انتشـار‬ ‫حبـذا أنذار شـهرا‬
‫ويـمتـد الـنـهار‬ ‫ينقص الليل إنذا حـل‬
‫واحضرار واحـمـرار‬ ‫وعلى األرض اصفرار‬

‫‪70‬‬
‫ابلغت فيـه التجـار‬ ‫فكأ الروض و ْش ٌي‬
‫وورٌد وبـ ـهـار‬ ‫آس ونِ ْسريين‬
‫نقشـه ٌ‬
‫أبو العتاهية‬ ‫د‪/‬‬
‫هو أبو إسحاق إمساعيل بن القاسم بن سويد بن كيسا العنزي‪ ،‬أطبع أهل زمانه‬
‫شعرا‪ ،‬وأكثرهم قوالً‪ ،‬وأسهلهم لفظًا‪ ،‬من مقدمي املولدين‪ .‬وهو أول من فتح للشعراء‬
‫ً‬
‫العباسيني ابب الوعظ والتزهيد عن الدنيا ابلشعر‪ .‬ولد بعني التمر سنة ‪130‬هـ‪ ،‬ونشأ‬
‫ابلكوفة‪ .‬مث قدم بغداد‪ .‬ومدح اخلليفة املهدي العباسي وانل عنده الشرف‪ .‬وكا قد أغرم‬
‫حبب جارية للمهدي امسها عتبة‪ ،‬فلم جيد إىل رضاها سبيال فكا يكثر التغزل فيها‪.‬‬
‫وكا أبو العتاهية لب اللسا ‪ ،‬مذبذب الرأي وخبيالً‪ .‬نط ابلشعر منذ الصغر‬
‫شاعرا غزير البحر‪ ،‬يقول الشعر على سجيته‪ ،‬حىت قال هو عن‬ ‫ً‬ ‫وترعرع فيه‪ .‬وقد كا‬
‫شعرا لفعلت"‪ .‬وكا شعره لطيف املعىن‪ ،‬سهل‬ ‫نفسه‪" :‬لو شئت أ أجعل كالمي كله ً‬
‫اللفظ وقليل التكلُّف‪ .‬وكأين من مرة كا ينظم فيها الشعر فيختل لشعره أوز ًاان جديدة‪،‬‬
‫وملا اعرتض عليه مبخالفة العروض ادعى أنه أكرب من العروض!‪.‬‬
‫كثريا من مذاهب الشيعة واملتكلمني واجلربية والزهاد فاخرتع من بينها‬ ‫وقد درس ً‬
‫مذهبه اجلديد الذي أفضى به إىل العبادة والزهد قوالً ومعيشةً‪ .‬مث قصر قوله يف الزهد انئيًا‬
‫سجنه املهدي لريغمه على قول الشعر‪ .‬مث أطل سراحه بعد أ أجاب‬ ‫عن الغزل‪ .‬وقد َّ‬
‫طلبه وعاد إىل قول الشعر على عادته األوىل‪ .‬وبقي يف بالط امللوك إىل أ تويف يف عهد‬
‫املأمو ونذلك سنة سنة ‪211‬هـ ببغداد وأوصى أ يكتب على قربه‪:‬‬
‫ت لعيش معجل التنغيص‬ ‫إ عيشا يكو آخره املو‬
‫ومن شعره يف الزهد قوله‪:‬‬
‫وأي بنـي آدم خـالد‬
‫ُّ‬ ‫أال إننـا ُكلنـا بـاعد‬
‫وكل إىل ربـه عـائد‬ ‫ومبدؤهم كا من رهبم‬
‫أم كـيف جيهده اجلاهد‬ ‫فيا عجبا كيف يعصى اإلله‬
‫‪71‬‬
‫ويف كل تسكينـة شاهد‬ ‫وهلل يف كل تـحريكـة‬
‫تـدل علـى أنه واحد‬ ‫ويف كل ٍ‬
‫شيء لـه آيـة‬
‫ومن غزلياته قوله يف عتبة‪:‬‬
‫أل خالقها ابحلسن حالها‬ ‫حسناء ال تبتغي حليا إنذا برزت‬
‫نذاك الرتاب الذي مسته رجالها‬ ‫قامت متشي فليت هللا صريين‬
‫وقال أيضا‪:‬‬
‫هللا‪ ،‬والقائم املهدي يكفيها‬ ‫نفسي بشيء من الدنيا معلقة‬
‫فيها اختيارك للدنيا وما فيها‬ ‫إين ألأيس منها مث يطمعين‬
‫ابن الرومي‬ ‫هـ‪/‬‬
‫هو أبو احلسن علي بن العباس بن جريح الرومي‪ ،‬الشاعر املشهور وصاحب‬
‫النظم العجيب والتوليد الغريب‪ .‬كا جده من موايل بين العباس‪ .‬ولد سنة ‪221‬هـ‪.‬‬
‫وينتمي من انحية أبيه إىل الروم ومن انحية أمه إىل الفرس‪ ،‬أما ثقافته فعربية إسالمية‪ .‬وقد‬
‫كثريا من الثقافات األجنبية اليت تُظ ِهر أثرها يف أدبه‪ .‬وكا معتك ًفا على طلب‬
‫أضاف إليها ً‬
‫ٍ‬
‫وطرف من‬ ‫ولغة ٍ‬
‫وأدب‬ ‫العلم واملذاكرة‪ ،‬حىت استقامت له ثقافةٌ واسعةُ النطاق من نـح ٍو ٍ‬
‫علوم الطبيعة‪.‬‬
‫وقد اشتهر ابن الرومي ابلتشاؤم والغرور والقل النفسي والشك يف الناس‪ .‬ومل‬
‫يكد الناس يالحظو منه نذلك حىت نقموه‪ ،‬فضاق هبم وأكثر من هجائهم يف شعره‪ ،‬وبرع‬
‫يف تصوير عيوهبم والكشف عن عوراهتم‪ .‬وقد تويف سنة ‪283‬ه من ٍ‬
‫سم وضعه له أبو‬
‫فراس الكاتب أبمر القاسم بن عبيد هللا؛ وزير املعتضد لـما ضاقت نفسه من هجاء ابن‬
‫الرومي له‪ .‬ويـمتاز شعره ابلسهولة والوضوح وروعة التصوير وامليل إىل وصف احلياة‬
‫االجتماعية والشعبية‪ .‬ومن شعره قوله‪:‬‬
‫وأطال فيه فقد أراد هجاءه‬ ‫وإنذا امرٌؤ مدح امرأً لنواله‬
‫عند الورود ملا أطال رشاءه‬ ‫لو مل يُقدر فيه بعد املستقى‬
‫‪72‬‬
‫وقال يف الفخر‪:‬‬
‫كنت مـمن يساجل الشعراء‬ ‫فمىت ما أردت قصار شعر‬
‫جل اخلطيب ففاق يب اخلطباء‬ ‫َّ‬ ‫ومىت ما خطبت مين خطبة‬
‫بـلَّغتـين بالغـي البلغـاء‬ ‫ومىت جاول الرسائل رسلي‬
‫الـمتنيب‬ ‫و‪/‬‬
‫هو أبو الطيب أمحد بن احلسني بن احلسن بن عبد الصمد الكندي امللقب‬
‫ابملتنيب الشاعر احلكيم وأحد مفاخر األدب العريب‪ .‬ولد سنة ‪303‬هـ بقرية من ضواحي‬
‫الكوفة تدعى َحمَلَّة كِْن َدة ألبوين فقريين‪ .‬اهتم والده برتبيته منذ الصغر‪ ،‬فطاف به على‬
‫القبائل يف البوادي ليتلقى عنها الفصاحة‪ .‬وأدخله مدرسةً ابلكوفة‪ ،‬تعلم فيها مبادئ علوم‬
‫اللغة العربية واألدب ومذهب الشيعة وشيئًا ما من فنو الفلسفة‪.‬‬
‫وسجنه‪ ،‬مث أطل سراحه وأمره هبجرا أرضه‪،‬‬
‫اهتمه لؤلؤ وايل محص ابدعاء النبوة َّ‬
‫ففعل‪ .‬ومن َمث جال يف القرى واألمصار يتكسب بشعره‪ .‬وقد نذاق طعم مشقة احلياة‬
‫وبؤسها خالل هذه احلقبة من حياته‪ .‬مث اتصل أبيب العشائر؛ وايل أنْطَاكِية‪ ،‬فقدمه إىل‬
‫فظل ينادمه وال يفارقه‪ ،‬وأصبح من ِ‬
‫أجل‬ ‫سيف الدولة‪ ،‬فعُ ِرف ُ‬
‫قدره‪ ،‬وقربه سيف الدولة‪َّ .‬‬
‫الشعراء اإلستقراطيني يف بالط سيف الدولة‪.‬‬
‫مث كانت بينه وبني سيف الدولة جفوة‪ ،‬فغضب عليه‪ .‬فقصد املتنيب كافورا‬
‫اإلخشيدي أمري مصر‪ ،‬راغبًا أ ينال عنده ما انل عند سيف الدولة فما نـجح‪ ،‬فهجاه‪.‬‬
‫ورحل إىل عضد الدولة بفارس فمدحه‪ ،‬وانل عنده العطاَي‪ .‬ويف أثناء عودته إىل العراق‬
‫خرج عليه بعض األعراب‪ ،‬وكا قد هجا بعضهم‪ ،‬فحاول أ يربء نفسه‪ ،‬ولكن غالمه‬
‫صاح به قائال‪َ" :‬ي سيدي ألست قائل"‪:‬‬
‫والسيف والرمح والقرطاس والقلم‬ ‫اخليل والليل والبيداء تعرفـنـي‬
‫فقاتلهم قتاالً شدي ًدا حىت قُتِل هو وولده وغالمه ونذلك سنة ‪35٤‬هـ‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫ووفَّ بني الشعر والفلسفة‪.‬‬
‫حكيما‪ ،‬من شعراء املعاين َ‬
‫ً‬ ‫مطبوعا‪،‬‬
‫ً‬ ‫شاعرا‬
‫كا املتنيب ً‬
‫َّ‬
‫وتصدر ترتيب‬ ‫ويـُ َعد اثلث الثالثة يف االرتفاع والنبوغ يف الشعر بعد أيب نواس والبحرتي‪.‬‬
‫املتكسبني ابلشعر يف طبقته‪ .‬وكا من املكثريين من نقل اللغة واملطلعني على غريبها‬
‫وحوشيها‪ ،‬وال يسأل عن شيء إال واستشهد فيه بكالم العرب من النظم والنثر‪ .‬وقد نط‬
‫قيد أو ٍ‬
‫تقليد‪ .‬ويُـ َع ُّد إمام طريقته يف ابتداء الشعر ابحلكم واألمثال‪ .‬وجد‬ ‫ابلشعر دو ٍ‬
‫مددا للكتاب واخلطاب يف العصور الالحقة‪ .‬وكا كبري النفس‪ ،‬عايل‬
‫تعبريه حىت كا شعره ً‬
‫وشجاعا‪ .‬ومن شعره يف الراثء قوله‪:‬‬
‫ً‬ ‫اهلمة‪ ،‬طموحاً إىل اجملد‬
‫رضوى على أيدي الرجال تسري‬ ‫ما كنت آمل قبل نعشك أ أرى‬
‫صعقـات موسى يوم ُد َّك الطور‬ ‫خرجوا به ولكل ب ٍ‬
‫ـاك حولـه‬
‫فـي كل قلب موجـد حمفور‬ ‫حىت أتـوا جدثـا كأ ضرحيه‬
‫لـما انطوى فكأنـه مـنشور‬ ‫كفـل الثناء لـه برد حيـاتـه‬
‫وقال يشكو الزما ‪:‬‬
‫شيئًا تُـتَـيِمه عـني وال جيـد‬ ‫مل يرتك الدهر من قليب وال كبدي‬
‫أم يف كـؤوسكما َه ٌّم وتسهيد‬ ‫َي ساقيَ َّي أمخر فـي كؤوسكـما‬
‫هذي املدام وال تلك األغاريـد‬ ‫أصخرة أان؟ مـا يل ال حتركنـي‬
‫وجدهتا وحبيب النفس مفقـود‬ ‫إنذا أردت ُكميت اللو صافية‬
‫أين مبا أان ٍ‬
‫ابك منـه مـحسود‬ ‫مانذا لقيت من الدنيا؟ وأعجبهـا‬
‫أبو العالء املعري‬ ‫ز‪/‬‬
‫شاعر‬
‫ٌ‬ ‫هو أمحد بن عبد هللا بن سليما حممد بن سليما التنوخي القحطاين‪.‬‬
‫قدير‪ .‬ولد سنة ‪363‬هـ ابملعرة‪ .‬وكا أبوه من األفاضل‪ ،‬وأديبًا ينظم‬
‫وفيلسوف ٌ‬
‫ٌ‬ ‫حكيم‬
‫ٌ‬
‫الشعر‪ .‬أصيب اجلدري يف صباه ففقد بصره‪ ،‬فأخذ أبوه ِ‬
‫يلقنه النحو واللغة إىل جانب‬
‫الدروس اليت كا يتلقاها من علماء بلدته‪ .‬وحاضر حلب أَيم ازدهار صناعة العلم هبا‪،‬‬
‫كثريا من أشعار العرب وأخبارهم‪.‬‬
‫ودرس هنالك اللغة واألدب وحفظ ً‬
‫‪74‬‬
‫وملا عاد إىل املعرة اشتغل ابلتدريس يف الشعر وفنو اللغة واألدب‪ ،‬فربع يف نذلك‪.‬‬
‫مث رحل إىل بغداد أَيم أ كانت سوق العلم والثقافة‪ ،‬وقلب احلضارة واإلمارة‪ .‬فعُ ِرف‬
‫قدره‪ ،‬ورفع نذكره وبرع شأنه‪ .‬وأخذ يؤلِف يف فنو الفلسفة‪ .‬وكا اندرة عصره يف جودة‬
‫متشائما ببغض‬
‫ً‬ ‫احلفظ‪ .‬وكا رقي القلب سخياا‪ .‬وكا سيِء الظن ابلناس‪ ،‬شا اكا‪ .‬كما كا‬
‫وآالما حىت امتنع عن الزواج‪ ،‬وبقي كذلك مخسا وأربعني‬
‫مهوما ً‬
‫الدنيا وما يف حياهتا مما يراه ً‬
‫سنة ال أيكل اللحم‪ .‬وكا قنوعا متعففا‪ ،‬له وقف يقوم أبمره‪ ،‬وال يقبل من أحد شيئا‪ ،‬ولو‬
‫تكسب ابملديح‪ ،‬حلصل ماال ودنيا‪ .‬ومات سنة ‪٤٤9‬ه وأوصى أ يكتب على قربه‪:‬‬
‫وما جنيت على أحد‬ ‫هذا جناه أبـي علي‬
‫وقد دو آاثره من الشعر والنثر بنفسه يف سقط الزند واللزوميات‪ .‬ومن كتبه‬
‫كتاب األيدي والفصو ورسالة الغفرا والفصول والغاَيت‪ .‬كما شرح ديوا البحرتي‪.‬‬
‫ومن شعره ما يلي‪:‬‬
‫عـفاف وإقـدام وحـزم وانئل‬ ‫أال فـي سبيل الـمجد ما أان فاعل‬
‫يصدق ٍ‬
‫واش أو يـخيب سائـل‬ ‫أعندي وقد مارست كـل خـفية‬
‫وال نذنب يل إال العلى والفوضـل‬ ‫ـعد نذنوبـي عند ق ٍ‬
‫ـوم كثـرية‬ ‫ت ُّ‬
‫مشس ضوؤها مـتكامـل‬ ‫ٍ‬ ‫إبخفاء‬ ‫وقد سار نذكري يف البالد فمن هلم‬
‫ِ‬
‫تستط ْعـه األوائـل‬ ‫ٍ‬
‫آلت بـما مل‬ ‫وإنـي وإ كنت األخـري زمانـه‬
‫على أنين بني السماكني انزل‬ ‫ويل منط مل يرض يل كنه منزيل‬
‫وأسري ولو أ الظالم جحافـل‬ ‫وأغدو ولو أ الصبـاح صـوارم‬
‫ونضري يـما ٌ أغفلته الصياقـل‬ ‫وإنـي جـوا ٌد مل يـحل جلـامه‬
‫فما السيف إال غمـدة واحلمائل‬ ‫وإ كـا يف لبس الفىت شرفًا لـه‬
‫جتاهلت حىت ظنَّنـي الناس جاهل‬ ‫ولـما رأيت اجلهل يف الناس فاشيًا‬
‫ووا أس ًفا كم يظهر النقص فاضل‬ ‫انقص‬
‫فيا عجبًا كم يـدعي الفضل ٌ‬
‫وتـحسد أسحاري على األصائل‬ ‫ينافس يومي ف َّـي أمـس تـشرفًا‬
‫‪75‬‬
‫فلست أابيل من تـغول الغوائـل‬ ‫وطال اعرتافـي ابلزما وصرفـه‬
‫أبو الفراس احلمداني‬ ‫ح‪/‬‬
‫هو أبو الفراس احلارث بن سعيد بن محدا التغلبـي‪ .‬رأس الفروسية وابن عم‬
‫سيف الدولة‪ .‬ولد مبنبج سنة ‪320‬هـ‪ ،‬ونشأ يف بالط امللوك‪ ،‬وأخذ العلم عن علماء‬
‫وفارسا‪ .‬وقد أعجب به سيف‬
‫ً‬ ‫شاعرا‪ ،‬أديبًا‬ ‫شجاعا‪َّ ِ ،‬‬
‫أيب النفس‪ً ،‬‬ ‫ً‬ ‫القصر كابن خالويه‪ .‬كا‬
‫الدولة‪ ،‬فاصطنعه لنفسه‪ ،‬واصطحبه يف غزواته‪ .‬وكا النصر حليفه يف أغلب غزواته‪ .‬وقد‬
‫أسريا يف أيدي الروم خالل إحدى الغارات‪ ،‬فسجنوه يف ال ُق ْسطَْنطَنِية ملدة أربع سنني‪،‬‬
‫وقع ً‬
‫وكا يكتب إىل سيف الدولة قصائد من منفاه عُ ِرفَت بـالروميات‪ ،‬وكانت شديدة الرقة‬
‫وكثرية الشكوى‪ .‬وقُتل يف ثورة قومية سنة ‪357‬هـ فور عودته من ال ُق ْسطَْنطَنِيَّة بعد أ ََتَّ‬
‫إطالق سراحه‪ .‬ويغلب على شعره الشكوى من األقارب والعتاب‪ .‬وكا متني األسلوب يف‬
‫شعره‪ ،‬كثري الفخر بقومه وأصله‪ .‬وقال يف قصيدة أرسلها إىل سيف الدولة يستعطفه‪:‬‬
‫ومن أين للمرء الكرمي صحاب‬ ‫بـمن يث اإلنسا فيمن يـنوبه‬
‫نذائاب على أجسادهـن ثيـاب‬ ‫وقد صار هذا الناس إال أقلهـم‬
‫إنذا علموا أين شهـدت وغابوا‬ ‫ولو عرفوين بعض معرفيت بـهم‬
‫وال كل قـوال لدي يُـجاب‬ ‫ـجازى بـفعله‬‫وما كل فعال يُ َ‬
‫وال دو مايل يف احلوادث ابب‬ ‫أان اجلار ال زادي بطيء عليهـم‬
‫وال عورتـي للطـالبني تصاب‬ ‫وال أطلب العوراء منهـم أصيبها‬
‫وكل الذي فوق الرتاب تراب‬ ‫إنذا صح ود منك فـالكل هيـن‬
‫وقال حني مسع محامة تنوح على شجرة ابلقرب من سجنه يف ال ُق ْسطَْنطَنِيَّة‪:‬‬
‫أقول وقد انحت بقريب حـمامة أَي جارات لو تشعرين بـحالـي‬
‫وال خطرت منك الـهموم ببال‬ ‫معانذ اهلوى ما نذقت طارقة النوى‬
‫تعايل أقامسك اهلمـوم تعالـي‬‫َْ‬ ‫أَي جارات ما أنصف الدهر بيننـا‬
‫تردد يف جسم يع ِـذب ابلـي‬ ‫ِ‬ ‫ـدي ضعيـفة‬‫روحا ل َّ‬
‫تري ً‬‫تعايل ْ‬
‫َْ‬
‫ويسكت حمزو وينـدب سايل‬ ‫حمسور وتـبكي طليقـة‬
‫ٌ‬ ‫أيضحك‬
‫ولكن دمعي يف احلـوادث غايل‬ ‫لقد كنت أوىل منك ابلدمع مقلـة‬
‫‪76‬‬
‫بشار بن برد‬ ‫ط‪/‬‬
‫والء‪ .‬ولد ابلبصرة سنة ‪95‬هـ‬
‫هو أبو معانذ بشار بن برد بن يرجوخ العُ َقيلي ً‬
‫مكفوف العينني‪ .‬ونشأ يف بين عُ َقيل ِ‬
‫مرتد ًدا إىل األعراب املقيمني يف بوادي العراق‪ ،‬فشب‬ ‫ْ‬
‫حداث‪ .‬وملا‬
‫فصيح اللسا صحيح البيا من اللكنة واخلطأ‪ .‬وبدأ يقول الشعر وهو ال يزال ً‬
‫ـح َّكام ميدحهم‪ ،‬وأطل لسانه يف اهلجاء والتعرض للمحصنات وتضلع يف‬‫بلغ أشده قصد ال ُ‬
‫ش ِكي مرة إىل املهدي‪ ،‬فهدده اخلليفة العباسي ابلقتل إنذا تشبب مبحصنة من‬‫اجملو ‪ .‬ف ُ‬
‫جديد‪ .‬مث هجا املهدي يقوله‪:‬‬
‫إ الـخليفة يـعقـوب بن داود‬ ‫بنـي أمية هـبُّوا طال نومكـم‬
‫خـليفـة هللا بني الـزق والعـود‬
‫ضاعت خالفتكم َي قوم فالتمسوا‬
‫ض ِرب ابلسوط يف البصرة حىت مات‪ ،‬ونذلك سنة ‪167‬هـ‪ .‬وكا‬‫فأمر به املهدي ف ُ‬
‫منظرا‪ .‬وكا متوقد‬
‫عمى وأفظعهم ً‬ ‫بشار ضخم اجلسم‪ ،‬مفرط الطول‪ ،‬من أقبح الناس ً‬
‫ومتهما ابلزندقة‪ .‬وكا‬
‫ً‬ ‫الذكاء‪ ،‬حاضر اجلواب‪ ،‬بذيء اللسا ‪ ،‬كثري اجملو ‪ ،‬مغموز الدين‬
‫مرحا خفيف الروح وحلو احلديث‪ .‬وقد أولع به شبا‬
‫جربَي‪ ،‬شعوبيا‪ .‬وكا ‪ -‬مع فسقه ‪ً -‬‬
‫ا‬
‫البصرة وخلعاؤها‪ ،‬وافتنت به نساؤها؛ فكن يذهنب إليه وينعمن حبديثه‪ ،‬ويتغنني بشعره‪.‬‬
‫ويُ ُّ‬
‫عد بشار رأس ال ُـم ْح َدثني من الشعراء العباسيني‪ ،‬وأسبقهم إىل اجملو البذيء اخلارج عن‬
‫مكثرا‪ ،‬فقد تناول يف شعره مجيع األغراض‬
‫شاعرا ً‬
‫ً‬ ‫احلد املألوف والغزل الرقي ‪ .‬وكا‬
‫التقليدية وزاد عليها‪ .‬ومجع يف شعره بني جزالة البدو ورقة احلضر‪ .‬ومن شعره يف الغزل‬
‫قوله‪:‬‬
‫ومـن ش ِـر الـمىن ليت‬ ‫أال يـا ليـتـنـي أدري‬
‫كمـا قـلت فــأوفيت‬ ‫أتـويف بـالــذي قالت‬
‫علـى احلتـف فـأشفيت‬ ‫فقد أشفـى بـه الـحب‬
‫مـن الـبـذل ألوديـت‬ ‫ولو قد يـئسـت نفسـي‬
‫مـن الشـك تـخلـيت‬ ‫ـوم زعـمــوا أنِـي‬
‫وق ٌ‬
‫‪77‬‬
‫ولـكنـي تـجافـيـت‬ ‫فـأقسمـت لـهـم أال‬
‫لـقد صـمت وصـليت‬ ‫ولـو يـرتكـين الـحب‬
‫‪ ‬الكتابة يف العصر العباسي‬
‫‪ ‬املدخل‬
‫كانت ظاهرة األمية قد فشت بني العرب منذ اجلاهلية‪ .‬مث احتاجوا إىل تعلم‬
‫ابتداء من عصر صدر اإلسالم لكتابة القرآ واحلديث وغري نذلك من الكتاابت‪.‬‬
‫ً‬ ‫الكتابة‬
‫وهكذا ازدادت نسبة أمهية الكتابة ابزدَيد احلاجة إليها‪ .‬فاستعملت يف العصر األموي‬
‫لكتابة الدواوين احلكومية‪ ،‬وإنشاء الرسائل‪ ،‬ورواية الشعر‪ ،‬والتدوين‪ ،‬والتأليف وغري‬
‫نذلك‪.‬‬
‫وملا كانت الدولة العباسية ابتت الكتابة من فنو األدب العريب اليت ازدهرت يف‬
‫العصر العباسي حبكم استبحار العمرا وتوفُّر أسباب الثقافة‪ .‬وتعدت الكتابة أغراضها‬
‫ٍ‬
‫جديدة‪ ،‬كالتصنيف والرتمجة واملقامات والعهود والشكر والعتاب‬ ‫التقليدية إىل أعر ٍ‬
‫اض‬
‫حمل اخلطابة يف اإلعالم‪،‬‬
‫والتعازي والوصف واإلهداء وغري نذلك‪ .‬وحلت الكتابة َّ‬
‫واستعملت كذلك يف تدوين شؤو اإلدارة من النفقات واخلراج والقضاء واملظامل وغري‬
‫نذلك‪.‬‬
‫ٍ‬
‫ألسباب‬ ‫وهكذا ازدهرت الكتابة تدرجيًا وبلغت الغاية يف العصر العباسي وقويت‬
‫متعددةٍ‪ ،‬منها كثرة اجمليدين للقراءة والكتابة‪ .‬وكذلك احلاجة إىل كتابة األشياء املتباينة‬
‫والرتمجة‪ ،‬ودخول األجانب يف اإلسالم مع ثقافتهم‪ .‬كما أ الثقافة األجنبية ساعدت على‬
‫نبوغ الكتابة وشدة احلاجة إىل حفظ احلقائ واألنظمة‪.‬‬
‫‪ ‬موضوعات الكتابة يف العصر العباسي‬
‫ٍ‬
‫موضوعات شىت منها‪:‬‬ ‫وقد خاضت الكتابة األدبية يف العصر العباسي‬
‫األعمال الديوانية من مثل املنشورات السياسية وكتابة والية العهد وغريمها‪.‬‬ ‫أ‪/‬‬
‫أتييد بعض املذاهب السياسية والدينية‪.‬‬ ‫ب‪/‬‬

‫‪78‬‬
‫ُّ‬
‫احلث على التمسك ابآلداب الشريفة واألخالق الفاضلة‪.‬‬ ‫ج‪/‬‬
‫القصص اخليالية واحلكاَيت على ألسنة الدواب وغري نذلك‪.‬‬ ‫د‪/‬‬
‫تفضيل بعض الطوائف على بعض‪.‬‬ ‫هـ‪/‬‬
‫أب البنه‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫صناعة لتالميذه أو من ٍ‬ ‫النصيحة أو اإلرشاد من أستانذ‬ ‫و‪/‬‬
‫ُّ‬
‫الرد على مقالة أو أتييد حجة‪.‬‬ ‫ز‪/‬‬
‫‪ ‬مميزات الكتابة يف العصر العباسي‬
‫ومن أبرز مميزات الكتابة يف هذا العصر ما يلي‪:‬‬
‫اخرتاع املقدمات يف أوائل الرسائل‪.‬‬ ‫أ‪/‬‬
‫تنوع أسلوب املقدمات بعضها عن بعض‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫ب‪/‬‬
‫سهولة العبارة وجودة وضعها‪.‬‬ ‫ج‪/‬‬
‫الغلو يف طريف اإلجياز واإلطناب على حسب مقتضى املقامات‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫د‪/‬‬
‫دقة املعاين واستخدام العلم والفسلفة واملنط الستخراج الرباهني والنتائج يف‬ ‫هـ‪/‬‬
‫سبيل اإلقناع‪.‬‬
‫‪ ‬طائفة من كُتَّاب العصر العباسي‬
‫ابن الـمُقفَّع‬ ‫أ‪/‬‬
‫هو أبو حممد عبد هللا املعروف اببن املقفع الفارسي‪ .‬أحد فحول البالغة واثين‬
‫فسماه َرْوَزبَة‪ .‬وكا‬
‫دازَويْه‪َّ ،‬‬
‫االثنني يف صناعة اإلنشاء‪ .‬ولد سنة ‪106‬هـ ألب جموسي امسه َ‬
‫لتأديب أبيه له أعظم أث ٍر يف تربيته وهتنئته أل يصري من أكرب كتاب العرب يف عصره‪ .‬وقد‬
‫نشأ ابلبصرة وهي يومئذ من أوسع ميادين العلم يف العصر العباسي؛ تزدهر فيها الثقافة من‬
‫مجيع الفنو ‪ ،‬كما كانت مليئة ابلرتاث األديب واألدابء والشعراء وغريهم من أرابب الفنو ‪.‬‬
‫فخالط العرب واغتنم الفصاحة والبيا حىت عُ َّد من نضاج العقل‪.‬‬
‫عم اخلليفة العباسي أيب جعفر‬
‫اتصل ابألمويني شيئًا قليالً‪ .‬مث الزم عيسى بن علي؛ َّ‬
‫تسمى عبد هللا‪ .‬وجالس أخوي‬
‫املنصور كاتبًا له أَيم واليته على َك ْرَما ‪ ،‬ولديه أسلم‪ ،‬مث َّ‬
‫‪79‬‬
‫عيسى بعده وترجم أليب جعفر املنصور ُكـتُـبًا من الفارسية واليواننية إىل العربية‪ .‬وظل ابن‬
‫املقفع مع أعمام اخلليفة أيب جعفر املنصور إىل أ أحرقه ابلنار سفيا بن معاوية املهليب‬
‫وايل البصرة الهتامه ابلزندقة والكيد لإلسالم برتمجة كتب الزاندقة إىل العربية‪ .‬ونذلك سنة‬
‫‪1٤2‬هـ‪.‬‬
‫ومما يُ ْذ َكر أنه مل يكن أسلم إال ابتغاء عرض الدنيا‪ ،‬وليتقرب إىل مواليه العباسيني‪،‬‬
‫متظاهرا صداقته لبنـي العباس‪ .‬ومع‬
‫ً‬ ‫وأنه كا على اجملوسية عقيدة وعلى العلوية سياسة‪،‬‬
‫أنه قُتِل يف مقتبل العمر فقد ترك تر ًااث جـ اما يف العلم والفلسفة والتاريخ‪ ،‬مما ترمجه من‬
‫الفارسية واليواننية زَيدة على ثـمرته العقلية‪ .‬فله يف التاريخ التاج وغريه‪ .‬ويف الفلسفة‬
‫أانلوطيقا وغريه‪ .‬وألف يف فلسفة األخالق األدب الصغري واألدب الكبري‪ .‬وألف يف‬
‫األدب كليلة ودمنة‪.‬‬
‫عادي‪ .‬وله فضل نقل كث ٍري من أدب الفرس إىل اللغة العربية‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫وكا له نذكاء غري‬
‫حكيما‪ ،‬فصيح‬
‫ً‬ ‫كما مهد للناس طرق الرتاسل‪ ،‬ورفع هلم معامل صناعة اإلنشاء‪ .‬وكا‬
‫مقدما يف بالغة اللسا والقلم والرتمجة‪ .‬وكا قليل االختالط إال بـمن هو على‬
‫املنط ‪ً ،‬‬
‫شاكلته‪ ،‬كثري الوفاء ألصحابه‪ .‬ومن أقواله يف رسالة الدرة اليتيمة ما يلي‪:‬‬
‫منازل الناس‬ ‫‪.1‬‬
‫أبذل لصديقك دمك ومالك‪ .‬وملعرفتك رفدك وحفرك‪ .‬وللعامة بشرك وتـحننك‬
‫ِ‬
‫ولعدوك عدلك‪ .‬واضنن بدينك وعرضك عن كل واحد‪.‬‬
‫خمالطة الصديق للعدوّ‬ ‫‪.2‬‬
‫إ رأيت صاحبك مع ِ‬
‫عدوك فال يغضبك نذلك‪ .‬فإنـَّما هو أحد الرجلني‪ :‬إ كا‬
‫يكفه عنك‪ ،‬وعورةٍ‬
‫لشر ُّ‬
‫عدوك‪ٍ ،‬‬ ‫رجالً من اإلخوا الثقة فانفع مواطنه لك أقرهبا من ِ‬
‫فبأي ح ٍ تقطعه عن‬ ‫ٍ‬
‫وغائبة يطلع إليها‪ .‬وإ كا من غري خاصة إخوانك ِ‬ ‫يسرتها منك‪،‬‬
‫الناس وتُكلفه اال يصاحب وال جيالس إال من هتوى؟‪.‬‬
‫أعظم األصدقاء‬ ‫‪.3‬‬
‫‪80‬‬
‫ٍ‬
‫صاحب كا أعظم الناس يف عينـي‪ .‬وكا رأس ما أعظمه عندي‬ ‫إين خمربك عن‬
‫خارجا عن سلطا بطنه‪ ،‬فال يشتهي ما ال جيد وال يكثر إنذا‬ ‫ً‬ ‫صغر الدنيا يف عينيه‪ .‬كا‬
‫خارجا عن سلطا لسانه‪ ،‬فال يتكلم فيما ال يعلم‪ ،‬وال مياري فيما يعلم‪ .‬وكا‬‫ً‬ ‫وجد‪ .‬وكا‬
‫ثقة مبنفعة‪ .‬وكا أكثر دهره صامتًا‪،‬‬‫خارجا عن سلطا اجلهالة‪ ،‬فال يتقدم أب ًدا إال على ٍ‬
‫ِ‬ ‫فإنذا قال َّ‬
‫بذ القائلني‪ .‬وكا ضعي ًفا مستضع ًفا فإنذا جد اجل ُّد فهو الليث ً‬
‫عادَي‪ ،‬وكا ال‬
‫وشهودا‬ ‫فهما‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫ً‬ ‫يدخل يف دعوى‪ ،‬وال يشارك يف مراء‪ ،‬وال يُديل حبجة حىت جيد قاضيًا ً‬
‫عدوالً‪ .‬وكا ال يلوم أح ًدا على ما قد يكو العذر يف مثله حىت يعلم عذره‪ .‬وكا ال‬
‫يشكو وجعه إال عند من يرجو عنده الربء‪ ،‬وال يستشري إال من يرجو عنده النصيحة‪ .‬وكا‬
‫خيص نفسه‬ ‫يتربم وال يسخط وال يشتهي‪ .‬وال ينتقم من ِ‬
‫العدو وال يغفل عن الويل‪ ،‬وال ُّ‬ ‫ال َّ‬
‫ٍ‬
‫بشيء من اهتمامه وحيلته وقوته‪ .‬فعليك هبذه األخالق إ أطقت ولن تطي ‪،‬‬ ‫دو إخوانه‬
‫خري من ترك اجلميع‪.‬‬
‫ولكن أخذ القليل ٌ‬
‫جوابٌ على رسالة صديقٍ‬ ‫‪.٤‬‬
‫أما بعد‪ ،‬فقد أاتين كتابك فيما أخربتنا عنه من صالحك‪ ،‬وصالح من قِبَلك‪ .‬ويف‬
‫الذي نذكرت من نذلك نعمةٌ جملَّلةٌ عظيمةٌ‪ُْ ،‬حيمد عليها املنعم املتفضل احملمود‪ .‬ونسأله أ‬
‫يلهيها‪ .‬وإَيك من شكره ونذكره مبا فيه مزيدها وأتدية حقها‪ .‬وسألت أ أكتب إليك‬
‫خبربان‪ ،‬وحنن من عافية هللا وكفايته ودفاعه على ٍ‬
‫حال لو أطنبت يف نذكرها مل يكن يف نذلك‬
‫يوم ٍ‬
‫وليلة‬ ‫اف ب ُكن ِه احل ‪ .‬فنرغب للذي تزداد نعمه علينا يف كل ٍ‬
‫أحصاءٌ للنعمة‪ ،‬وال اعرت ٌ ْ‬
‫تظاهرا أ ال جيعل شكران منقوصا وال مدخوالً‪ .‬وأ يرزقنا من كل ٍ‬
‫نعمة كفاءها من املعرفة‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫بفضله فيها والعمل يف أداء حقها إنه ويل قدير‪.‬‬
‫ابن العميد‬ ‫ب‪/‬‬
‫هو أبو الفضل حممد بن احلسني املعروف اببن العميد‪ .‬كاتب املشرق ووزير دولة‬
‫ألب ِ‬
‫مرتس ٍل يتوىل الكتابة لنوح‬ ‫البويهيني وصدر وزرائهم‪ .‬فارسي األصل‪ ،‬ولد سنة ‪297‬هـ ٍ‬
‫بن نصر الساماين؛ ملك خبارى‪ .‬فأنشأ جنله على األدب ودربه على الكتابة‪ ،‬وغذاه ابلعلوم‬
‫‪81‬‬
‫العقلية واللسانية‪ .‬فربع يف احلكمة والنجوم‪ ،‬ونبغ يف األدب وترعرع يف الكتابة‪ .‬وملا بلغ‬
‫وتوىل وزارة ركن دولة آل بويه‪ .‬فساس دولته‬ ‫أشده واستوى غادر خبارى إىل بالد اجلبال‪َّ ،‬‬
‫وظل‬
‫سياسة‪ ،‬واضطلع أبعباء الوزارة‪ .‬وقد انتعجه الشعراء وقصده العلماء لكرمه‪َّ .‬‬ ‫ٍ‬ ‫أجيد‬
‫داء ٍ‬
‫عياء عاىن منه زمنًا طويالً‪.‬‬ ‫على نذلك إىل وفاته سنة ‪360‬هـ من ٍ‬
‫عد ابن العميد أول من فتح ابب تلبيس الرسائل ابلبديعيات والسجع‪ .‬وقد‬ ‫يُ ُّ‬
‫نورا‪ .‬وبذلك‬
‫أسلواب جدي ًدا متناسب الفقر‪ ،‬أني الديباجة ومقتبسا من القرآ ً‬
‫ً‬ ‫استحدث‬
‫محل لواء عصره يف الكتابة‪ .‬وكا أقل كتاب عصره التز ًاما للمسجوع‪ ،‬وأقرهبم للمطبوع‪.‬‬
‫وتلميحا لألمثال يف كتاابته‪ .‬وله رسائل ومقاالت عديدة‪ .‬ومنها‬
‫ً‬ ‫وأكثرهم تضمينًا للشعر‪،‬‬
‫ما يلي‪:‬‬
‫كتايب إليك وأان حبال لو مل ينقصها الشوق إليك‪ ،‬ومل يرنِ صفوها النـزوع حنوك‪،‬‬
‫لعددهتا من األحوال اجلميلة‪ ،‬وأعددت ِ‬
‫خطي فيها من النعم اجلليلة‪ .‬فقد مجعت فيها بني‬
‫بنجاح‪ .‬لكن ما بقي‬
‫ٍ‬ ‫بصالح‪ ،‬ويف سعيي‬
‫ٍ‬ ‫ونعمة ٍ‬
‫اتمة‪ .‬وحظيت منها يف جسمي‬ ‫ٍ‬ ‫سالمة ٍ‬
‫عامة‬ ‫ٍ‬
‫مطعم‬
‫ٌ‬ ‫أ يصفو يل عيشي‪ ،‬مع بعدي عنك‪ ،‬وخلو نذراعي خلوي منك‪ .‬وال يسوغ يل‬
‫وانظم لشمل‬
‫ٌ‬ ‫ومشرب مع انفرادي عنك‪ ،‬وكيف أطمع يف نذلك وأنت جزءٌ من نفسي‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫أنسي وقد ُح ِرمت رؤيتك وعُدمت مشاهدتك؟ وهل تسكن ٌ‬
‫نفس معيشة نذاك االنقسام؟‬
‫سرورا‬
‫ً‬ ‫وهل ينفع إنس بيت بال نظام؟ وقد قرأت كتابك جعلين هللا فداءك‪ .‬فامتألت‬
‫وأتمل تصرفك يف لفظك‪ .‬وما أقرظهما! فكل خصالك مقرظ عندي‪.‬‬ ‫بـمالحظة خ ِطك‪ُّ ،‬‬
‫ممدوح يف ضمريي وعقدي‪ .‬وأرجو أ تكو حقيقة أمرك موافقة‬
‫ٌ‬ ‫وما أمدحهما! فكل أمرك‬
‫لتقدير فيك‪ .‬فإ كا نذلك كذلك وإال فقد غطى هواك وما ألقى على بصري‪.‬‬
‫اجلاحظ‬ ‫ج‪/‬‬
‫هو أبو عثما عمرو بن حبر بن حمبوب اجلاحظ‪ .‬ولد سنة ‪159‬هـ ابلبصرة يف‬
‫عائلة فقرية‪ .‬وأكب على التحصيل‪ ،‬فأخذ عن اجلهابذة من أهل البصرة كاألصمعي وأيب‬
‫وخترج على النظَّام يف عقائد املعتزلة‪ .‬وأُ ْغ ِرم ابملطالعة إغر ًاما شدي ًدا‪ ،‬فلم يقع يف يده‬
‫عبيد‪َّ .‬‬
‫‪82‬‬
‫الوراقني‪ ،‬فيبيت فيها‬
‫كتاب إال استتم قراءته‪ ،‬واستوعب مادته‪ .‬وكا يستأجر حاانت َّ‬
‫ويعتكف على قراءة ما فيها من الكتب‪ .‬قضى اجلاحظ أكثر حياته يف البصرة يؤلِف‪ ،‬مث‬
‫كا يزور بغداد يف عهد اخلليفتني املأمو واملعتصم‪ .‬أصيب ابلفاَل النصفي يف آخر‬
‫حياته‪ ،‬وظلت به العلة حىت مات سنة ‪255‬هـ‪.‬‬
‫دميما‪ .‬وكانت به ُدعابة وجمانة واستخفاف ابلعادات‪ ،‬كما كا‬
‫ً‬ ‫وكا أبو عثما‬
‫حكيما وحريصا على اغتنام الوقت‪ .‬وكا قوي احلجة وبعيد النظر‪ .‬وكا دائرة معارف‬
‫حية‪ .‬وكا معتزليا‪ .‬وكا كثري التأليف‪ ،‬له من املؤلفات كتاب البيا والتبيني وكتاب‬
‫البخالء وكتاب احليوا وغريها من املؤلفات اليت تشهد على نبوغه وبراعته يف فنو‬
‫خمتلفة‪ .‬وقال يعاتب صدي ًقا‪:‬‬
‫وهللا َي قُليب لوال أ كبدي يف هواك مقروحة وروحي بك جمروحة‪ ،‬لساجلتك‬
‫هذه القطيعة‪ ،‬وماددتك حبل املصارمة‪ ،‬وأرجو هللا أ يديل صربي من جفائك‪ ،‬فريدك إىل‬
‫موديت وأنف ِ‬
‫القلى راغم‪ .‬فقد طال العهد ابالجتماع‪ ،‬حىت كدان نتناكر عند اللقاء‪.‬‬
‫أمحد بن يوسف‬ ‫د‪/‬‬
‫هو أمحد بن يوسف‪ ،‬وزير املأمو وكاتب الدولة العباسية‪ .‬ويقال إ أصل آابئه‬
‫وشب على‬
‫من قبط مصر‪ ،‬وكانوا كت ًااب لبنـي العباس‪ ،‬فنشأ أمحد يف بيت العلم واألدب‪َّ .‬‬
‫الكتابة‪ .‬وكا من أبلغ الكتاب وأشهر الشعراء يف زمن اخلليفة املأمو العباسي‪ .‬وقد َّ‬
‫أعد‬
‫غفريا من الرسائل الديوانية واإلخوانية‪ .‬وكانت طريقته يف الكتابة تـميل‬
‫ومجعا ً‬
‫له كتبًا بليغة‪ً ،‬‬
‫إىل التوسع يف املعاين‪ ،‬واألساليب‪ ،‬والعبارات‪ ،‬وجزالة األلفاظ‪ ،‬وتطويل الرسائل‬
‫السلطانية‪ .‬وكا يتوىل ديوا الرسائل للخليفة املأمو العباسي أكثر أَيمه‪ .‬ومات سنة‬
‫‪213‬هـ‪ .‬وقال يهنئ بـمولود‪:‬‬
‫أما بعد‪ ،‬فليس من أم ٍر جيعل هللا لك فيه السرور إال كنت به ً‬
‫هبجا‪ُّ ،‬‬
‫اعتد فيه‬
‫خريا‪،‬‬
‫وعرفنـي من مجيع رأيك‪ ،‬فزادك هللا ً‬
‫علي من حقك‪َّ ،‬‬
‫ابلنعمة من هللا الذي أوجب َّ‬
‫سرَي‪ ،‬أمجل صورته‪ ،‬وأَتَّ خلقه‪،‬‬
‫غالما ا‬
‫وأدام إحسانه إليك‪ .‬وقد بلغنـي أ هللا وهب لك ً‬
‫‪83‬‬
‫وأحسن فيه البالء عندك‪ .‬فاشتد سروري بذلك‪ .‬وأكثرت محد هللا عليه‪ .‬فبارك هللا فيه‪،‬‬
‫وجعله اب ارا تقياا‪ ،‬يسد عضدك‪ ،‬ويُ ْكثِر عددك‪ ،‬ويُِقر عينك‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫الفصل اخلامس‬
‫األدب األندلسي‬
‫‪ ‬البيئة الطبيعية يف األندلس‬
‫إسبَانِيَا‬
‫تقع األندلس يف اجلنوب الغريب من قارة أورواب‪ .‬وتـمثل اآل دوليت ْ‬
‫والـبُـ ْرتُـغَال األوروبيتني الواقعتني يف غرب القارة العجوز‪ .‬ويفصلها عن القارة األفريقية‬
‫مضي جبل طارق‪ .‬وأطل العرب عليها اسم اجلزيرة إلحاطة املاء هبا من أكثر جهاهتا؛ فقد‬

‫‪84‬‬
‫كانت جتري يف غصوهنا أنـهار كثرية يصب بعضها غراب إىل احمليط األطلنطقي‪ ،‬وبعضها‬
‫يصب شرقًا إىل حبر الروم‪.‬‬
‫ٍ‬
‫معتدل‪ .‬كما أ تربتها خصبة‪ ،‬ال يُوجد فيها قفر وال‬ ‫وتتمتع بالد األندلس ٍ‬
‫جبو‬
‫ـهار جاريةٌ‪ .‬فهي خضراء‪ ،‬تتخللها‬
‫ورَيض ابمسةٌ‪ ،‬وأن ٌ‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫حقول خضراء‬ ‫صحارى‪ ،‬بل معظمها‬
‫األهنار وتزينها املياه‪ .‬وقد كانت األندلس وال تزال من أمجل بقاع األرض وأنضرها‪ ،‬مما‬
‫تشجع روعته اخليال ويبعث على تذوق اجلمال‪ .‬ومما ِ‬
‫يصدق هذه األوصاف اجلميلة قول‬ ‫ِ‬
‫أحد شعرائها ابن خفاجة حني يقول يف وصفها‪:‬‬
‫ـهار وأشجار‬
‫مـاءٌ وظلٌّ وأن ٌ‬‫كم‬
‫در ُ‬ ‫يـا أهل أن ٍ‬
‫ـدلس هلل ُّ‬
‫ولو ُختُِريت هذي كنت أختار‬
‫بالدكم‬
‫ُ‬ ‫ما جنة اخللد إال يف‬
‫‪ ‬الفتح العربي لألندلس‬
‫يبدو من املصادر التارخيية أ العرب املسلمني بدؤوا ِ‬
‫يفكرو يف فتح بالد‬
‫توجه إليها عقبة بن‬
‫األندلس منذ أَيم خالفة معاوية بن أيب سفيا رضي هللا عنهما‪ ،‬حيث َّ‬
‫انفع رضي هللا عنه من القريوا ‪ .‬وبقي جيوش العرب املسلمني يقاتلو الرببر بعد موت‬
‫عقبة إىل أ ويل موسى بن نصري على أفريقيا‪ ،‬فأرسل مواله طارق بن زَيد لفتح بالد‬
‫رجل من العرب‬ ‫األندلس‪ .‬ويف سنة ‪92‬هـ سار طارق جبيش حيتوي على مخسة آالف ٍ‬
‫آالف من الرببر حنو األندلس ونزل بصخرة ِمسيت فيما بعد بـجبل طارق‪ ،‬مث اجتاز‬ ‫وسبعة ٍ‬
‫الزقاق الضي مبساعدة جادة من يُولِيَا ؛ حاكم سبتة‪ ،‬ودخل شبه جزيرة إيبريَي‪ ،‬وما‬ ‫حبر ِ‬
‫زال يقاتلهم حىت هزمهم وقتل ملكهم لُْزِري ‪ .‬مث واصل السري‪ ،‬فإنذا به على هنر وادي بكة‬
‫حيث واجه جيوش القوط بقيادة ُرو ْد ِريْ ْ‬
‫ك وهزمهم‪ ،‬مث استوىل على غَ ْرَانطَة‪ .‬وملا قدم‬
‫موسى بن نصري واصل الفتوحات‪ ،‬ففتح ما بقي من األقاليم‪ ،‬على رأسها َكا ْستِيل‬
‫وبَـ ْر َشلُونَة وغريمه ا‪ .‬ومنذ نذلك احلني دانت بالد األندلس للمسلمني واستولوا عليها شيئا‬
‫بعد آخر‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫وما لبث جيوش املسلمني أ واصلوا فتوحاهتم حماولني فتح بواقي أقاليم أورواب‪،‬‬
‫جنواب‪ ،‬ولكن النصر مل يكن حليفهم هذه‬ ‫فعربوا جبال البـرانِس الفاصلة بني فَـرنْسا ْ ِ‬
‫وإسبَانيَا ً‬ ‫َ َ‬ ‫ََ‬
‫سا والعودة إىل األندلس‪.‬‬‫املرة فاضطروا إىل االنسحاب من فَـ َرنْ َ‬
‫وملا استقر احلكم للمسلمني هاجر إىل األندلس كثري من العرب والرببر واختلطوا‬
‫بسكا البالد األصليني كما أسلم مجع غفري من مسيحي البالد ويهودها واندمج بعضهم‬
‫إىل بعض ابملصاهرة وغريها‪ .‬وتو َّىل احلكم يف األندلس بعد الفتح والةٌ اتبعو حلكم بنـي‬
‫وفر إىل األندلس عبد الرمحن الداخل‬
‫أمية حىت سقطت دولتهم يف الشرق عام ‪132‬هـ‪َّ .‬‬
‫فأسس دولة جديدة لبنـي أمية عام ‪138‬هـ‪ ،‬وجعل مدينة قُـ ْرطَبَة عاصمة حكمه‪،‬‬
‫فأصبحت من أزهى قصور احلضارة اإلسالمية يف نذلك العهد‪ .‬وتعاقب على عرش احلكم‬
‫من نذريته تسعة عشر خليفة خالل قرنني وأربع ومثانني سنة قبل أ يصيب حكمهم داء‬
‫األمم‪ .‬مث انقسمت البالد إىل إمارات ودويالت ِ‬
‫ومسي حكامها ملوك الطوائف‪ .‬مث تسرب‬
‫وبغي يف األرض وحب الدنيا وكراهية املوت واملادية وغري نذلك من أسباب‬
‫إىل األمة فساد ٌ‬
‫الضعف‪ ،‬فتم استغالل نذلك من قبل العدو‪ .‬ويف أواخر املطاف تغلَّب الفرجنة املسيحيو‬
‫على العرب بعد إابدة مجاعية وسلسلة من اهلجمات الوحشية وأخرجوهم من البالد سنة‬
‫‪897‬هـ‪.‬‬
‫وبعد أ أصبحت األندلس يف يد املسيحيني اضطهدوا من بقي من املسلمني‬
‫كبريا‪ ،‬وطردوهم من إسبانيا‪ .‬مث مجعوا معظم كتب العرب املسلمني اليت حتمل‬
‫اضطهادا ً‬
‫ً‬
‫نذخائر ثقافة العامل اإلسالمي وحضارته اإلسبانية يف نذلك احلني وأحرقوها يف احتفاالت‬
‫مجاعية‪ .‬وبذلك انتهى حكم العرب املسلمني يف األندلس وطُ ِويَت الثقافة اإلسالمية‬
‫اإلسبانية يف سجل التاريخ اهلالك بعد أ كانت مشسا أضاءت أورواب لنحو مثانية قرو ‪.‬‬
‫‪ ‬احلياة االجتماعية يف األندلس‬
‫ملا أسلم أهل األندلس وجدوا يف اإلسالم من احلرية ومكارم األخالق والسكينة‬
‫فتم‬
‫والدين ونظام احلياة الشامل والفضائل ما فاهتم أثناء حكم زعمائهم السابقني‪َّ .‬‬
‫‪86‬‬
‫االندماج بينهم وبني العرب املسلمني عن طري الزواج واملصاهرة والتجارة وغريها من‬
‫جيل جدي ٌد متكو من اجليل العريب واألورويب‬
‫العالقات االجتماعية‪ .‬وبذلك نشأ ٌ‬
‫عريب يف الغرب‪ ،‬جيري عليه عروق الدم‬
‫جيل ٌّ‬‫ممتازا‪ .‬فهو ٌ‬
‫والرببري‪ .‬وكو شعبًا واح ًدا ً‬
‫العريب ويتصف بصفات العرب من غرية وكرامة‪ .‬كما اكتسب صفات اجليل األندلسي من‬
‫دقة اإلدراك‪ ،‬وسعة اخليال‪ ،‬وقوة الفكر‪ .‬وأخذ كل ٍ‬
‫طرف حياكي عادات الطرف اآلخر‬
‫فحدث التثاقف ابلتأثر والتأثري نتيجة هذا االحتكاك‪ .‬وهبذا كا هذا الشعب اجلديد ال‬
‫شرقياا صرفًا وال غربياا حبتًا‪ .‬وامتاز يف كثري من صفاته وأخالقه عن أهل الشرق من‬
‫املسلمني‪.‬‬
‫‪ ‬احلياة الثقافية يف األندلس‬
‫كانت الثقافة الال تينية هي السائدة يف بالد األندلس قبل الفتح العريب‪ ،‬مث بدأت‬
‫الثقافة العربية تتسرب على البالد بعد دخول اإلسالم‪ .‬فأصبحت الثقافة يف األندلس‬
‫نسخة كا ْربُونِيَّة لثقافة املشرق العريب يف بغداد يف العلم واألدب والدين وسائر فنو‬
‫الثقافة‪ .‬ونذاعت هذه الثقافة حىت سيطرت على مجيع أفراد سكا األندلس‪ .‬وبذلك‬
‫أصحبت أورواب مدينة للعرب بنهضة اإلسالم الزاهية اليت وصل إليها عن طريقي البحث‬
‫والتنقيب يف العلم والثقافة‪.‬‬
‫وعلى الرغم من أتثُّر أدابء األندلس أبدب املشرق العريب واقتباسهم الكثري من‬
‫وسائل تفكري املشارقة‪ ،‬إال أ أدهبم يتميز بـمالمح خاصة لطبيعة البيئة احمليطة هبم‪ .‬ولذا‬
‫كثر يف أدهبم تصوير حياة األندلس وطبيعتها على ٍ‬
‫منط مل يكن معروفا يف املشرق‪.‬‬
‫‪ ‬األدب العربي يف األندلس‬
‫‪ ‬مظاهر نهضة األدب األندلسي‬
‫وجهوا عنايتهم لنشر العلوم واألدب‪،‬‬
‫عندما استقرت األمور للعرب يف األندلس َّ‬
‫معربا للحضارة اإلسالمية‪ .‬ومن‬
‫موردا يغشاها أبناء أورواب‪ .‬كما كانت ً‬
‫وكانت األندلس ً‬

‫‪87‬‬
‫الطبيعي أ أتثِر هذه العناصر على هنضة األدب األندلسي‪ .‬فتم تقدير مقام األدب‬
‫وجاللته‪ ،‬وكادت األندلس تنافس املشرق العريب يف األدب والثقافة‪.‬‬
‫وكذلك تساب أهل األندلس يف خمتلف جماالت التقدم‪ ،‬علمية وأدبية وفـنية‪.‬‬
‫فأصحبت قُـ ْرطَبَة منارًة للحضارة العربية واإلسالمية‪ ،‬بـمثابة بغداد والقاهرة ودمش وغريها‬
‫من مد املشرق اليت تعترب من أسواق احلضارة واملدنية‪ .‬وكا األدب العريب من أظهر‬
‫مميزات الثقافة العقلية يف األندلس‪.‬‬
‫‪ ‬عوامل نهضة الشعر يف األندس‬
‫لقد وجد الشعراء العرب يف أورواب ما مل جيدوه يف آسيا من أسباب احلياة املتنوعة‪،‬‬
‫واألجواء املتغرية‪ ،‬واملناظر املختلفة‪ ،‬واألمطار املتصلة وغري نذلك من املناظر الطبيعية‬
‫حترك العاطفة وتروج اخليال‪ .‬فصفت أنذهاهنم‪ ،‬ومسا وجداهنم‪ ،‬وتوسعت دائرة‬‫اجلذابة اليت ِ‬
‫أدهبم‪ .‬فازدهر الشعر وتطورت فنونه التقليدية‪ ،‬كاملدح والغزل والراثء والزهد وغريها‪ .‬كما‬
‫طف الشعراء األندلسيو يتفنَّنو يف إبداع الفنو اجلديدة‪ ،‬فنظموا يف حوادث التاريخ‪،‬‬
‫أسلوب ودقة صن ٍ‬
‫عة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ووصفوا القصور واألهنار واألودية‪ ،‬ورثوا املد يف حالوة ٍ‬
‫لفظ ورقة‬
‫وكذلك جعل الشعراء يتفننو يف اخرتاع أساليب جديدة يف الشعر العريب‪،‬‬
‫كاملوشح والزجل‪ ،‬وتنويع القافية أبساليب جديدة مل يكن للعرب عه ٌد هبا من قبل‪ .‬وبذلك‬
‫نبغ الشعر العريب يف األندلس وأصحبت ألسنة الشعراء ركنًا مه اما من أركا احلياة يف‬
‫األندلس‪ .‬فكانوا بـمثابة الصحافة أو غريها من وسائل اإلعالم يف التوعية ومعاونة الدولة‬
‫ومقر خالفتهم يف بغداد‪.‬‬
‫ومنافسة من عاداها‪ .‬ومن هذا القبيل جعلوا ينافسو العباسيني َّ‬
‫‪ ‬خصائص الشعر العربي يف األندلس‬
‫من حيث األغراض‬ ‫أ‪/‬‬
‫ض عُ ِر َ‬
‫ف يف املشرق العريب‪ .‬ولكنهم عُنُوا‬ ‫نظم الشعراء األندلسيُّو يف كل غر ٍ‬
‫عناية خاصة بفنو ٍ تنبعث من لوازم احلياة اليت كانوا يعيشوهنا بـمميزاهتا اجلديدة‪ .‬فالوصف‬
‫على سبيل املثال اتسعت دائرته حىت جعلوه فـناا مستقالً بنفسه ً‬
‫وابرزا فوق سائر الفنو ‪،‬‬

‫‪88‬‬
‫اتج لسائر أغراض الشعر‪ .‬فقد وصفوا األبنية والتماثيل والقصور والربك‬‫وابت مبثابة ٍ‬
‫واحلدائ واملروج واألودية واألديرة واألهنار واألشجار والرَيح وكل ما له صلة مبناخ‬
‫نوعا فرعياا من الراثء العام‪.‬‬
‫بالدهم وطبيعته‪ .‬وكذلك أصبح راثء امللوك ً‬
‫ومما ال خيفى على الدارس اللبيب أ االستغاثة ابلرسول صلى هللا عليه وآله وسلم‬
‫والصحابة والصاحلني من املظاهر اجلديدة اليت ظهرت كغرض من أغراض شعر األندلس‪.‬‬
‫وكذلك نظموا يف العلوم والفنو ‪ ،‬على أ هذا النوع كا قد نشأ يف املشرق خالل حياة‬
‫الدولة العباسية‪ ،‬إال أ أهل األندلس طوروه وتفننوا فيه وأكثروا منه‪.‬‬
‫من حيث األفكار واملعاني والتصوير‬ ‫ب‪/‬‬
‫يتميز الشعر العريب األندلسي يف معانيه وأفكاره ابلوضوح والبساطة‪ ،‬والبعد عن‬
‫التعقيد‪ ،‬وعن األفكار الفلسفية‪ .‬كما أكثر شعراء األندلس من التلميح إىل الوقائع‬
‫التارخيية املشهورة والسيما يف الراثء‪ .‬واجتهدوا يف تصوير مظاهر مجال الطبيعة والصناعة‬
‫ظاهرا‪.‬‬
‫مع تزاحم الصور اخليالية تزامحًا ً‬
‫ج‪ /‬من حيث األلفاظ والعبارات‬
‫كانت ألفاظ الشعر العريب األندلسي وعباراته سهلةً‪ ،‬جزلةً‪ ،‬رقيقةً‪ ،‬عذبةً ونذات‬
‫وضوح‪ .‬وخاصة يف الغزل واالستعطاف‪ .‬وكذلك تـجنب الشعراء األندلسيو الغريب من‬
‫األلفاظ ومشكله‪ .‬واهتموا كل االهتمام ابلصنعة الكالمية واحملسنات البديعية‪.‬‬
‫من حيث األوزان والقوايف‬ ‫د‪/‬‬
‫كا شعراء األندلس يف أول أمرهم يقلِدو زمالءهم يف املشرق العريب يف‬
‫استخدام األوزا والقوايف اخلليلية التقليدية‪ .‬وملا انتشرت الثقافة وشاع الغناء يف جمالسهم‬
‫وتنوعوا يف القوايف‪ ،‬واستلعبوا أبساليب اللغة العربية وابلغوا‬
‫ابتدعوا أوز ًاان جديد ًة للشعر‪َّ ،‬‬
‫يف اإل بداع واحلداثة إىل أ اخرتعوا أساليب جديدة وغري معهودة عند العرب يف األوزا‬
‫والقوايف وصياغة الشعر‪.‬‬
‫‪ ‬النثر األندلسي‬
‫‪89‬‬
‫تطور النثر األندلسي‬ ‫أ‪/‬‬
‫كا النثر األندلسي يف بداية األمر صورًة وصفي ًة للنثر األموي يف املشرق‪ ،‬ال‬
‫جياوز زمرة اخلطب الدينية والرسائل القصرية‪ .‬ولكن بعد مـمر فرتة من الزمن ازدهر النثر‬
‫تكرس يف عصر‬
‫وتطورت حركته‪ ،‬وتعددت فنونه بسبب انتشار الثقافة وتنافس األمراء‪ .‬مث َّ‬
‫َّ‬
‫ملوك املغرب بغلبة الصنعة اللفظية عليه وكثرة احلروب القومية واخلارجية‪.‬‬
‫فنون النثر األندلسي‬ ‫ب‪/‬‬
‫تعددت فنو النثر يف األندلس بعد انتشار الثقافة وازدَيد عدد املواقف‬
‫واملناسبات احملتاجة إىل النثر‪ .‬ومن أهم فنونه ما يلي‪:‬‬
‫اخلطابة‬ ‫‪/1‬‬
‫كانت وليدة الفتح والعصبية القبلية‪ .‬وما لبثت أ تعددت أغراضها‪ ،‬وتسرب‬
‫أخريا حىت كادت تنحصر يف املواعظ الدينية‬
‫وضعفت قيمتها ً‬
‫إليها التنميع اللفظي‪ُ .‬‬
‫واملشاهد التعبدية‪.‬‬
‫الرسالة‬ ‫‪/2‬‬
‫تطورت الرسالة يف األندلس‪ ،‬فكا منها الديوانية واألدبية‪ .‬وتناولت موضوعات‬
‫أخريا‪.‬‬
‫كثرية‪ .‬وشاعت فيها الصنعة اللفظية إىل أ خنقت معانيها ً‬
‫‪ /3‬التصنيف‬
‫لقد هاجر إىل األندلس بعد أ وضعت احلرب أوزارها أرابب الفنو ورجاهلا مع‬
‫علومهم ومؤلفاهتم‪ .‬فاطلع األندلسيو على مؤلفات املشارقة‪ ،‬وجاوروهم يف كل فن وعلم‪.‬‬
‫أخريا ابلتكلف والتعنت وغريمها من‬
‫فألفوا الكتب يف شىت الفنو ‪ .‬واصطبغ أمر التصنيف ً‬
‫العيوب‪.‬‬
‫‪ ‬مشاهري األدباء يف األندلس‬
‫ابن هانىء األندلسي‬ ‫أ‪/‬‬

‫‪90‬‬
‫عد من شعراء الطبقة‬‫هو أبو القاسم حممد بن هاىنء بن حممد األزدي األندلسي‪ .‬يُ ُّ‬
‫األوىل يف األندلس‪ .‬ولد يف إ ْشبِ ِيليَة سنة ‪326‬هـ‪ .‬ونشأ يف أحضا طبيعتها اجلميلة‪ .‬كما‬
‫كثريا من شعر العرب يف‬
‫مبكرا‪ ،‬فحفظ ً‬‫تزود بثقافتها الغزيرة‪ .‬وظهر ميله إىل األدب ً‬ ‫َّ‬
‫املشرق واملغرب‪.‬‬
‫اتصل ابن هاىنء حباكم إ ْشبِيلِيَة ومدحه وابلغ يف نذلك حىت اهتمه الناس ابلكفر‪،‬‬
‫شاعرا له وبقي‬
‫ففر إىل مشال أفريقيا‪ ،‬واتصل بـمعز الدين الفاطمي‪ .‬فاختذه ً‬
‫وحاولوا قتله‪َّ ،‬‬
‫عنده إىل أ قتله مجاعةٌ من أهل برقة سنة ‪362‬هـ‪.‬‬
‫وكا أكثر شعره يف املديح‪ ،‬وكا شعره مليئًا ابأللفاظ الطنانة‪ .‬ولُِقب بـمتنيب‬
‫الغرب ألنه كا ينظم شعره على غرار شعر املتنيب يف اخلصائص اللفظية واملعنوية وأيَت‬
‫خليعا‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫هبديه يف نذلك‪ .‬وكا مل اما بعدد من العلوم ونذكي الفؤاد‪ .‬وكا ابن هاىنء ماجنًا‪ً ،‬‬
‫معز الدين بقصيدة دالية‪ ،‬وقال فيها وهو يصف‬ ‫صاحب هل ٍو ومخ ٍر‪ .‬وقد مدح ابن هاىنء َّ‬
‫ُسطُ ٍ‬
‫ول يف البحر األبيض املتوسط‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫ُسطُول ِ‬
‫معز الدين‪ ،‬وكا يومئذ أقوى أ ْ‬ ‫أْ‬
‫أغمـار تـخاص وبيد‬ ‫فسـيـا‬ ‫لك الرب والبحـر العظيـم عبابه‬
‫لـقد ظـاهرتـها عُـدة وعديـد‬ ‫وأما اجلواري املنشآت اليت سرت‬
‫ضمت عليه أســود‬ ‫ولكـن من ُ‬ ‫قِباب كما تُـ ْزجى القباب على املها‬
‫مس َّـومـة تـحدو بـهـا وجنود‬ ‫وهلل مـمـا ال يـرو كتائـب‬
‫كما وقفت خلف الصفـوف ردود‬ ‫أطاع لـها أ الـمالئك خلفها‬
‫وأ النجوم الطالعـات سـعـود‬ ‫وأ الرَيح الذاريـات كتـائب‬
‫ـالم لـهـا وبنـود‬
‫تُـنـشر أع ٌ‬ ‫وما راع ملك الروم إال اطالعها‬
‫ـام ُم ْك َف ِه ٌّـر صـبريه لـه ابرق ٌ‬
‫ـات ج َّـمةٌ ورعـود‬ ‫عليها غم ٌ‬
‫ـأس أو لكفـك جود‬
‫لعـزمك ب ٌ‬ ‫مواخر يف طامي العباب كأنـها‬
‫تضن به األنـواء وهي جـمـود‬ ‫أال يف سبيل هللا تبـذل ُك ْنه مـا‬
‫فـأنت لـه دو الـملوك عقيد‬ ‫فال غَرو إ أعززت دين م ٍ‬
‫ـحمد‬ ‫ْ‬
‫‪91‬‬
‫ابن زيدون‬ ‫ب‪/‬‬
‫هو أبو الوليد أمحد بن عبد هللا بن زيدو املخزومي األندلسي القرطبـي‪ .‬أحد‬
‫شعراء األندلس وُكتَّاهبا املشهورين ووزارئها األدابء العارفني بفنو الشعر والكتابة‪ .‬ولد‬
‫شريفة‪ .‬كما كا أبوه من وجوه الفقهاء وعيو‬‫ٍ‬ ‫ب ُقرطَبة سنة ‪39٤‬هـ‪ .‬وكا سليل أسرةٍ‬
‫ْ َ‬
‫فلقن ابنه العلم والثقافة‪ .‬وفتح له ابب الدراسة والبحث يف شىت‬ ‫الفصحاء خالل أَيمه‪َّ .‬‬
‫فنو العلم‪ .‬فاستسقى ابن زيدو ثقافة واسعة من علماء العصر الذي عاش فيه‪ُ ،‬م ِل اما‬
‫ونثرا‪.‬‬
‫شعرا ً‬‫وابرعا يف األدب ً‬‫بطرف من كل العلوم ً‬
‫جهور واختذوه وز ًيرا‪ .‬فساس ابحلكمة‬‫قربه بنو ْ‬‫وقد مست به مكانته العلمية إىل أ َّ‬
‫والكياسة‪ .‬وكا سفريا لبين جهور‪ ،‬فكا حيسن السفارة ُِ‬
‫وحي ُّل املشاكل‪ .‬مث دبَّت بينهما‬ ‫ً‬
‫عقارب السعاية‪ ،‬فنقم عليه ابن جهور وسجنه‪ ،‬وفر من السجن‪ .‬مث جلأ إىل املعتضد بن‬
‫عباد صاحب إ ْشبِيلِيَة‪ ،‬وصار وز ًيرا له وبقي عنده إىل أ مات سنة ‪٤٤1‬هـ‪.‬‬
‫وقد ابتلي حبب والدة بنت املستكفي‪ ،‬وكانت فتاةً فاتنةً متعرجفةً متغطرسة‪ ،‬كما‬
‫كانت ابلغة اجلمال وشاعرة سافرة‪ .‬فذاق معها لذة احلب ومرارته‪.‬‬
‫وكا ابن زيدو سديد الرأي‪ ،‬حسن التدبري‪ ،‬خفيف الروح وابرع األدب‪ .‬وقد‬
‫كثريا من الشعر واألخبار والسري واحلكم واألمثال ومسائل اللغة ومباحثها‪ .‬ومن‬ ‫حفظ ً‬
‫مغمورا‬
‫ً‬ ‫مميزات شعره التقليد يف املدح واهلجاء وسائر األغراض الكالسكية‪ .‬وكا شعره‬
‫ٍ‬
‫وخيال واف ٍر‪ .‬وكا كثري التغين مبشاعره والتعبري عن نزعاته وحسه‪ .‬كما كا‬ ‫بعاطفة قوية‪،‬‬
‫يكثر من وصف طبيعة بالد األندلس ومناظرها‪ .‬وقد أكثر من تقليد البحرتي حىت َّلقبه‬
‫النقاد بـبحرتي الغرب‪ .‬فقد حنا نـحوه يف حسن النظم ودقة التعبري والتصوير‪ .‬وكا أني‬
‫الوشي يف نثره‪ ،‬دقي النسج‪ ،‬قليل التكلف والسجع‪ ،‬شديد التشبه بطريقة اجلاحظ‪ .‬كما‬
‫كا يورد األمثال واألشعار يف نثره حىت تكاد رسائله تكو منسوجة من أقوال الشعراء‬
‫ومجع من تراثه ديوا حافل ابألشعار وكميَّة عريضة من‬ ‫وأمثال العرب واآلَيت القرآنية‪ُ .‬‬
‫يتشوق إىل والدة أَيم أ كا يف إ ْشبِ ِيليَة‪:‬‬
‫الرسائل‪ .‬ومن شعره قوله وهو َّ‬
‫‪92‬‬
‫أضحى التنائي بديالً مـن تـدانينا وانب عن طيب لُْقيانـا تـجافينا‬
‫بنتم وبنا فمــا ابتلت جوانـحنا شوقًـا إليكم‪ ،‬وال جـفت مآقينا‬
‫يكاد حـني تناجيكـم ضمائرنـا يقضي علينـا األسى لوال أتسينا‬
‫ضا ليالينا‬
‫سودا‪ ،‬وكانت بكم بـي ً‬ ‫ً‬ ‫حالت لفقدكـم أَيمـنـا فغدت‬
‫صاف مـن تصافينا‬ ‫إنذ جانب العيش طل مــن أتلُّفنا ومورد اللهو ٍ‬
‫لِيُ ْس عهدكم عهد السـرور فمـا كنتـم ألرواحنـا إال ريـاحـينا‬
‫إنذ طالـما غري النـأي الـمحبينا‬ ‫ال تـحسبوا نـأيكم عنـا يغـريان‬
‫منكم‪ ،‬وال انصرفت عنكم أمانينا‬ ‫وهللا مـا طلبت أهـواؤنـا بـدالً‬
‫صرف اهلوى ِ‬
‫والود يسقينا‬ ‫من كا ِ‬ ‫َي ساري الربق غاد القصر فاس به‬
‫مـن لو على البعد حياا كا حييينا‬ ‫وَي نسيم ِ‬
‫الصبـا بـلغ تـحيـتنا‬
‫فاحلر من دا إنـصافًا كما ديـنا‬ ‫ُّ‬ ‫دومي على العهد ما دمنا مـحافظة‬
‫مواقف احلشر نلقاكم ويكفيــنا‬ ‫إ كا قد عز يف الدنيا اللقاء ففي‬
‫وفاء وإ لـم تبذلـي صلـة فالـذكر يـقنعنا والطيف يكفينا‬ ‫أويف ً‬
‫ومن أقوال ابن زيدو النثرية قوله يف الرسالة اجلدية‪:‬‬
‫وأعود فأقول ما هذا الذنب الذي مل يسعه عفوك؟ واجلهل الذي مل أيت من ورائه‬
‫حلمك؟ والتطاول الذي مل يستغرقه تطولك؟ والتحامل الذي مل يف به احتمالك؟ وال‬
‫أخلو من أ أكو بريئًا فأين العدل؟ أو مسيئًا فأين الفضل؟‬
‫إال يكن نذنب فعدلك واسـع أو كا يل نذنب ففضلك أوسع‬
‫ومنها أيضا قوله يف التفاؤل والثناء‪:‬‬
‫هذا العتب حممود عواقبه‪ ،‬وهذه النبوة غمرة مث تنجلي‪ ،‬وهذه النكبة سحابة‬
‫ٍ‬
‫صيف عما قريب تقشع‪ ،‬ولن يريبين من سيدي إ أبطأ سببه أو أتخر غري ضنني غناؤه‪،‬‬
‫فأبطأ الدالء فينا أملؤها‪ ،‬وأثقل السحائب مشيا أجفلها‪ ،‬وأنفع احليا ما صادف جداب‪،‬‬
‫وألذ الشراب ما أصاب غليالً‪ ،‬ومع اليوم الغدو‪ ،‬لكل ٍ‬
‫أجل كتاب‪ ،‬له احلمد على ابتهاله‪،‬‬
‫وال عتب عليه يف إغفاله‪ ،‬فإ يكن الفعل الذي ساء واح ًدا فأفعاله الاليت سرر ألوف‪.‬‬
‫‪93‬‬
‫ابن خفاجة‬ ‫ج‪/‬‬
‫هو أبو إسحاق إبراهيم بن أيب الفتح بن عبد هللا بن خفاجة الشقري‪ .‬ولد سنة‬
‫‪٤50‬هـ ببلدة َش َقر‪ .‬وبدأ حياته العلمية يف مسقط رأسه‪ ،‬مث تردَّد بني مر ِسية و َش ِ‬
‫اطبَة‪،‬‬ ‫ُْ َ‬
‫بعدد من الفنو ‪ ،‬منها احلديث والفقه وعلوم اللغة‬ ‫حيث مسع من بعض العلماء وأحاط ٍ‬
‫ضيعة له قرب بلدته‪ ،‬يعيش‬ ‫ٍ‬ ‫منفردا يف‬
‫ً‬ ‫والنحو وغلب عليه الشعر‪ .‬وقضى معظم حياته‬
‫حياة الفنانني‪ ،‬خليع العذار‪ ،‬طلي اإلسار‪ ،‬ينظم شعره يف أغراض نفسه‪.‬‬
‫ومل يقصد أح ًدا من ملوك الطوائف‪ ،‬وملا استوىل املرابطو على احلكم‪ ،‬مدحهم‪،‬‬
‫فأكرموه‪ .‬وظفر عندهم بنصيبه من حياة الرتف والرخاء مع امليل إىل اللهو واجملو ‪ .‬وكا‬
‫نفسه‬ ‫وافر ِ‬
‫نذرعه من مشاغل احلياة‪ ،‬ووهب َ‬ ‫احلظ يف وصف مناخات الطبيعة‪ ،‬فقد أخلى َ‬
‫وفكره للخيال‪ ،‬وتفنَّن يف وصف الطبيعة وتصوير ألواهنا الزاهية‪ ،‬وإبداع‬
‫جلمال الطبيعة‪َ ،‬‬
‫التأمل ابملشاهدات يف شعره‪ .‬كما محله‬ ‫التشبيهات حىت لُِقب بـشاعر الطبيعة‪ .‬وكا كثري ُّ‬
‫دقَّة النظر على دقَّة التعبري‪ .‬ومن فنو شعره املديح والعتاب والراثء والشكوى والغزل‬
‫وغريها‪ .‬وله ٌ‬
‫أقوال نثرية سلك فيها مسلك الشعر من حيث الوصف واخليال‪ ،‬وكانت دو‬
‫شعره رتبةً‪ ،‬ألهنا بدت سخيفةً ومتكلَّفةً‪ .‬وتويف ابن خفاجة سنة ‪533‬هـ بشقر‪ .‬ومن شعره‬
‫ما يلي يف وصف جبل‪:‬‬
‫يطاول أعـنـا السماء بغارب‬ ‫وأرعن طماح الـذؤابـة بـانذخ‬
‫ويزحم ليال شـهبـه ابلـمناكب‬ ‫يسد مهب الريح من كل وجه ٍـة‬
‫طوال الليايل ُم ْف ِك ٌر فـي العـواقب‬ ‫وقور على ظهـر الفـالة كأنـه‬
‫ٌ‬
‫هلا من وميض الـربق محر نذوائب‬ ‫يلوث عليه الغيم سـود عمـائم‬
‫السرى ابلعجائب‬
‫فحدثنـي لـيل ُّ‬ ‫أضحت إليه وهو أخـرس صامت‬
‫ومـوطـن أواهٍ تـبتـل تـائب‬ ‫وقال أال كم كنت مـلجأ قاتـل‬
‫مطي وراكب‬
‫وقـال بظلي مـن ٍ‬ ‫مر يب من ُم ْدلـج ومـؤوب‬
‫وكم َّ‬
‫وزاحم من خـضر البحار غواريب‬ ‫والطم من نُكب الرَيح معاطفـي‬
‫‪94‬‬
‫وطاحت هبم ريح النوى والنوائـب‬ ‫فمـا كا إال أ طوهتم يد الردى‬
‫وال نَـ ْوح وْرقي غري صرخة نـادب‬ ‫فما كنت أبكي غري رجفة أضلع‬
‫نزفت دموعي يف فراق الصـواحب‬ ‫وما غيض السلـوا دمعي‪ ،‬وإمنا‬
‫ِ‬
‫أودع منـه راحـالً غـري آيـب‬ ‫فحىت مىت أبقى ويـظعن صاحب‬
‫فمن طال ٍع أخـرى الليايل وغارب‬ ‫ساهرا‬
‫ً‬ ‫وحىت مىت أرعى الكواكب‬
‫ي ُّ‬
‫ـمد إىل نُـعماك راحـة راغب‬ ‫ضارع‬
‫ٍ‬ ‫فرمحاك َي موالي دعوة‬
‫سالم! فـإان مـن م ٍ‬
‫ـقيم ونذاهب‬ ‫فقلت وقد نكبت عنـه لطيـة‬
‫ويقول ابن خفاجة يف وصف صفاء ِ‬
‫اجلو بعد وقوف نزول املطر‪:‬‬
‫أنذ هللا تعاىل للصحوا أ يطلع صفحته‪ ،‬وينشر صحيفته‪ ،‬فقشعت الريح‬
‫السحاب‪ ،‬كما طوى السجل الكتاب‪ .‬وطفقت السماء تـخلع جلباهبا‪ ،‬والشمس تـميط‬
‫نقاهبا‪ ،‬وطلعت الدنيا تبتهج كأنـها عروس جنلت وقد تـجلت‪.‬‬
‫ويقول يف مقالة بعنوا نزهة ومرح‪:‬‬
‫أرضا‪ ،‬وترددان‬
‫ضا‪ ،‬ونطوي للتفرج ً‬
‫فذهبت يف لـمة اإلخوا نستب إىل الراحة رك ً‬
‫بتلك األابطح نتهادى هتادي أغصاهنا ومتضاحك أقحواهنا‪.‬‬
‫ومن أقواله يف رقة النسيم ما يلي‪:‬‬
‫وللنسيم أثناء نذلك املنظر الوسيم‪ ،‬ترسل مش ٍي على بساط وشيٍ‪ ،‬فإنذا مر بغدي ٍر‬
‫جبدول شطب منه نصالً‪ ،‬وأخلصه صقالً‪ ،‬فال ترى‬‫ٍ‬ ‫صنعا‪ ،‬وإ عثر‬
‫درعا وأحكمه ً‬ ‫نسجه ً‬
‫ٍ‬
‫مصقول‬ ‫درع‬
‫سالحا‪ ،‬كأمنا انـهزمت هنالك كتائب‪ ،‬فألقت مبا لبسته من ٍ‬
‫ً‬ ‫بطاحا‪ ،‬مملوءة‬
‫إال ً‬
‫ٍ‬
‫مسلول‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫وسيف‬
‫ابن شهيد‬ ‫د‪/‬‬
‫هو أبو مروا عبد امللك بن أمحد بن عبد امللك الشهري اببن شهيد القرطيب‪ .‬ولد‬
‫وتلقى هبا علوم الدين‪َّ .‬‬
‫وتوىل الوزارة للحاجب املنصور بن أيب عامر‬ ‫سنة ‪393‬هـ ب ُق ْرطَبَة‪َّ ،‬‬
‫وانل عنده الشرف‪ ،‬كما بقي متَّصال ببالط سائر امللوك الذين أفاضوا عليه املال واجلاه‪.‬‬
‫‪95‬‬
‫مبتكرا من‬ ‫شاعرا ظري ًفا‪ ،‬من فحول شعراء طبقته يف األندلس‪ ،‬وكاتبًا‬ ‫ٍ‬
‫شهيد‬ ‫وكا ابن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كتاهبا‪ ،‬وأديبًا نبيالً من أدابئها‪ .‬وكا خفيف الروح‪ ،‬ابسم الوجه‪ ،‬سديد الرأي وعارفًا‬
‫بفنو األدب‪ .‬وتدل قصائده على سعة خياله ورجاحة فكرته وعقله‪ .‬وكثر قوله يف املديح‬
‫والغزل واخلمرَيت‪ ،‬كما تغلب على أسلوبه سالمة العبارة وبالغة الرتكيب‪ .‬وله نثر نظمه‬
‫أبسلوب دقي وزينه بقصص خيالية لطيفة‪ .‬ومن شعره ما يلي يف وصف الطبيعة‪:‬‬
‫الراب ابألانمل‬
‫يشيـر إىل نـجم ُّ‬ ‫تردَّد فيـها البـرق حىت حسـبته‬
‫فرا فوق بيض غالئل‬ ‫صً‬ ‫غالئـل ُ‬ ‫راب نسـجت أيدي الغمام للبسها‬
‫طـوالـع للـراعني غري أوافل‬ ‫سهرت هبا أرعى السماء وأنـجما‬
‫ـرع للـغمامة حافل‬
‫إىل كل ض ٍ‬ ‫وقد فغرت فـاها بـها كل زهرة‬
‫عسـاكر زيج مـذهبات املناصل‬ ‫رهوا كأنـها‬
‫ً‬ ‫ومرت جيوش املز‬
‫على شـط ٍ‬
‫واد للـمجرة سـائل‬ ‫تـخال هبا زهر الكواكب نرجسا‬
‫تساقط عـرش واهن الدعم مائل‬ ‫وتلمح من جوزائها فـي غروبـها‬
‫ابن اخلطيب‬ ‫هـ‪/‬‬
‫هو لسا الدين أبو عبد هللا حممد بن عبد هللا املعروف اببن اخلطيب‪ .‬ولد بغَ ْرَانطَة‬
‫خترج على علماء غَ ْرَانطَة يف علوم‬
‫سنة ‪713‬هـ يف مهد السؤدد والعلم والرَيسة‪ .‬وقد َّ‬
‫بذ فيها معاصريه‪ .‬كما‬ ‫اللسا والشريعة والفلسفة والطب والتاريخ وغريها من الفنو اليت َّ‬
‫اتصل أبمراء غَ ْرَانطَة‪ ،‬فاستكتبوه واستوزروه‪ ،‬وأطل يده يف شؤو احلكم‪ ،‬فاتسع نفونذه‬
‫ففر إىل أفريقيا‪.‬‬ ‫ومسا أمره‪ .‬مث َّ‬
‫تنكر له السلطا حممد اخلامس بعد أ سعى بينهما الوشاة‪َّ ،‬‬
‫فسجن‪ .‬مث تسور عليه‬‫فتم تسليمه إىل احلكام‪ ،‬فاهتم ابإلحلاد‪ِ ،‬‬
‫مث توالت عليه اخلطوب َّ‬
‫السجن بعض األوشاب فقتلوه خن ًقا سنة ‪776‬هـ‪.‬‬
‫مقتدرا‪ ،‬وكاتبًا مرتسالً‪ .‬وكا متعدد نواحي الشخصية‪،‬‬‫ً‬ ‫شاعرا‬
‫كا ابن اخلطيب ً‬
‫واسع الثقافة‪ ،‬حميطًا بوجوهٍ كثريةٍ من فنو املعرفة وابرع التعبري يف كل ما يتناوله من العلم‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫وكا شعره رقي اللفظ‪ ،‬رائ املعىن ومقبول الصنعة‪ .‬وأما نثره فكثري السجع والصنعة‪.‬‬
‫وألف يف التاريخ كتااب مساه اإلحاطة يف اتريخ غَ ْرَانطَة‪ .‬ومن موشحاته ما يلي‪:‬‬
‫يـا زما الوصل يف األندلس‬ ‫جادك الغيث إنذا الغيث هـمى‬
‫يف الكرى أو خلسة املختلس‬ ‫لـم يكن وصلك إال حل ًـما‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬ ‫*‬ ‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫تـنقل اخلطـو فـيما يرسم‬ ‫إنذ يقود الدهر أشتات الـمنـى‬
‫مـثلما يدعوا الـوفود املوسم‬ ‫ُزَم ًـرا بيـن فرادى وثُـىن‬
‫فـثـغور الزهر منـه تبسم‬ ‫واحليا قد جلَّل الروض سـنا‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬ ‫*‬ ‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫كيـف يروي مالك عن أنس‬ ‫وروى النعما عن ماء السما‬
‫يزدهي منـه أببـهى مـلبس‬ ‫فكساه الـحسن ثواب مـعلما‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬ ‫*‬ ‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫ابلدجى لوال شـموس الغـرر‬ ‫يف ٍ‬
‫ليال كتمـت سر الـهوى‬
‫مستقيـم السـري سعـد األثر‬ ‫مال نـجم الكأس فيها وهوى‬
‫أنـه مـر كـلمـح البـصر‬ ‫وطر مـا فيه من عيـب سوى‬
‫ٌ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬ ‫*‬ ‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫هـجم الصبح هجوم احلـرس‬ ‫حني َّ‬
‫لذ األنس شيـئا أو كـما‬
‫أثَّـرت فينا عيـو النـرجس‬ ‫غارت الشهب بنـا أو ربَّـما‬
‫ابن حزم‬ ‫و‪/‬‬
‫هو أبو حممد علي بن أمحد بن سعيد بن حزم الظاهري‪ .‬من الفالسفة املعروفني‬
‫واملفكرين املشهورين‪ .‬ولد ب ُق ْرطَبَة سنة ‪38٤‬هـ‪ .‬واشتغل بتعلُّم العلوم الدينية منذ أ كا‬

‫‪97‬‬
‫حداث حىت صار من كبار العلماء يف زمنه‪ .‬وله مؤلفات يف الفقه واحلديث واألصول وامللل‬
‫وشاعرا متفنـنًا‪،‬‬
‫ً‬ ‫وفقيها‪،‬‬
‫ً‬ ‫وغري نذلك‪ .‬كما ألف رسائل يف الطب واألدب‪ .‬فكا عال ًـما‬
‫وعامالً بعلمه‪.‬‬
‫وكا ابن حزم جريئًا‪ ،‬متعنِتًا يف النقد‪ ،‬عزمي اهلمة والرأي‪ ،‬ال خياف يف احل لومة‬
‫الئم‪ .‬وعُد من أمجع أهل األندلس قاطبة يف معرفة العلوم اإلسالمية‪ ،‬ومن أوسعهم معرفة‬
‫جمد ًدا ملذهب داود الظاهري‪ ،‬فقد درس مذهب الظاهرية وأتقن‬ ‫بعلوم اللسا ‪ .‬كما يعد ِ‬
‫ُ‬
‫روجه وأشاد به ودا مبقتضاه‪ .‬فدرات بينه وبني أقرانه من العلماء مناظرات‬ ‫أصوله‪ ،‬مث َّ‬
‫وحوكِم مرة فأقضته احملكمة عن بالده وتويف‬
‫وجمادالت محلت أعداءه على التشنيع به‪ُ .‬‬
‫سنة ‪٤56‬هـ‪.‬‬
‫صل يف امللل واألهواء والنحل من ِ‬
‫أجل آاثره العلمية‪ ،‬وقد‬ ‫ِ‬ ‫ويُ ُّ‬
‫عد كتابه املسمى بـالف َ‬
‫وفصل الكالم عن الفرق اإلسالمية‪.‬‬
‫أفاد فيه احلديث عن مذاهب الفالسفة ومعتقداهتم َّ‬
‫وله احمللى يف فقه احلديث‪ .‬وكذا ألف يف أصول الفقه اإلحكام يف أصول األحكام وهو‬
‫نفيس وفري ٌد يف اببه‪ .‬ومن أقواله األدبية النص اآليت حول آداب جمالس العلم‪:‬‬
‫مصدر ٌ‬
‫ٌ‬
‫وأجرا‪ .‬ال‬ ‫ٍ‬ ‫إنذا حضرت جملس ٍ‬
‫علما ً‬ ‫علم فال يكن حضورك إال حضور مستزيد ً‬
‫حضور مستغ ٍن بـما عندك‪ ،‬طالب ٍ‬
‫عثرة تشنعها‪ ،‬أو غريبة تشيعها‪ .‬فهذه أفعال األرانذل‬
‫الذين ال يفلحو يف العلم أبدا‪.‬‬
‫فإنذا حضرت فالتزم أحد ثالثة أوجه ال رابع هلا‪ .‬وهي‪ :‬إما أ تسكت سكوت‬
‫اجلهال‪ ،‬وإما تسأل سؤال املتعلم‪ ،‬وصفة سؤال املتعلم أ يسأل عما ال يدري‪ ،‬ال عما‬
‫عقل‪ٍ ،‬‬
‫وشغل لكالمك‪ ،‬وقط ٍع لزمانك بـما ال‬ ‫سخف‪ ،‬وقلة ٍ‬
‫ٌ‬ ‫يدري‪ ،‬فإ السؤال عما تدريه‬
‫فا ئدة فيه‪ .‬فإ أجابك الذي سألت بـما فيه كفاية أو أجابك بـما مل تفهم‪ ،‬فقل له مل أفهم‪،‬‬
‫بياان وسكت‪ ،‬أو أعاد عليك الكالم األول وال مزيد‪ ،‬فأمسك عنه‪،‬‬
‫واستزده‪ .‬فإ مل يزدك ً‬
‫وإال حصلت على الشر والعداوة‪ ،‬ومل تـحصل على ما تريد من الزَيدة‪ .‬والوجه الثالث أ‬
‫تراجع مراجعة العامل‪ .‬وصفة نذلك أ تعارض جوابه بـما ينقضه نقضا بيِنًا‪ ،‬فإ مل يكن نذلك‬
‫‪98‬‬
‫عندك إال تكرار قولك‪ ،‬أو املعارضة بـما ال يراه خصمك معارضة‪ ،‬فأمسك‪ ،‬ألنك ال‬
‫تـحصل بتكرار نذلك على أج ٍر ز ٍ‬
‫ائد وال تعلم‪.‬‬
‫كتاب‪ ،‬فإَيك أ تقابله‬ ‫خطاب بلسا ٍ ‪ ،‬أو ُه ِج ْمت على ٍ‬
‫كالم يف ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫وإنذا ُرد عليك‬
‫مقابلة املغاضبة الباعثة على املغالبة‪ ،‬قبل أ َّ‬
‫تتيقن بطالنه بربها قاطع‪ .‬وأيضا فال تقبل‬
‫عليه إقبال املصدق به املستحسن إَيه قبل علمك بصحته‪ ،‬فتظلم يف كال احلالتني نفسك‪،‬‬
‫وتبعد عن إدراك احلقيقة‪ .‬ولكن أقبل عليه إقبال سامل القلب عن النـزاع عنه والنـزوع إليه‪.‬‬
‫فمضمو ٌ لك إنذا فعلت نذلك األجر اجلزيل واحلمد الكثري والفضل العميم‪.‬‬

‫‪‬‬
‫الفصل السادس‬
‫عصر األتراك واملماليك‬
‫‪ ‬املدخل‬
‫قوة العباسيني بعد اخلليفة املتوكل على هللا وغلب الثوار على كثري من‬
‫ركضت َّ‬
‫أمالكهم حبكم عديد من األسباب‪ .‬وقد أدَّى نذلك إىل نذهاب هيبة اخلالفة‪ ،‬وفُ ِ‬
‫شو الفنت‬
‫والتحارب والعداء والتنافس بني خمتلف الطوائف الدينية والسياسية واجلنسية‪ .‬واستمرت‬
‫األمور على هذا النحو حىت ثل ُهوالَ ُكو الترتي عرش اخلالفة العباسية يف بغداد سنة‬
‫‪656‬هـ بعد إابدة مجاعية وهجوم غري إنساين على املدنيني‪ .‬وهكذا تضعضع أمر العرب يف‬
‫األندلس بتغلب الفرجنة على حكمهم سنة ‪۸9۸‬هـ‪ .‬وزالت دولة الفاطميني يف مصر‬
‫والشام بوقوع األمر على أيدي األيوبيني مث املماليك سنة ‪923‬هـ‪ .‬ومنذ نذلك احلني عاش‬
‫العامل اإلسالمي أكثر من مخسة قرو حتت حكم األجانب من املغول والرتك والفرس‬
‫واإلسبا ‪.‬‬
‫وهكذا وضع هؤالء العجم الوحشيو األميو أيديهم على تراث العرب‪ ،‬فخربوا‬
‫الدَير وفتكوا احلدود وأضاعوا كل شيء‪ .‬وأشرفت اللغة العربية هي وتراثها على الفناء‬

‫‪99‬‬
‫ترسا من‬
‫اسا‪ ،‬وألبنائها وعلمائها ً‬
‫لوال أ قـيَّد هللا هلا األتراك واملاليك الذين أصبحوا هلا ُح َّر ً‬
‫تعصـبًا‬
‫غارات املغول‪ .‬فقد اعتن األتراك واملماليك اإلسالم وحسن إسالمهم وصاروا أكثر ُّ‬
‫للدين ممن سبقهم من املسلمني‪ .‬وقد بلغت شوكة األتراك منذ أواخر العصر العباسي‬
‫قمتها‪ ،‬حىت أصبحت اخلالفة أبيديهم أو كادت‪ .‬وقد استغل األتراك نفونذهم يف بالد‬
‫املسلمني بعد سقوط بغداد‪ ،‬فما لبسوا أ أقاموا دولة إسالمية جديدة‪.‬‬
‫وقد سجل التاريخ ما قام به املماليك من الدور اإلجيايب جتاه اللغة العربية وتراثها‬
‫وقربوا األدابء‪،‬‬
‫لـما كا األمر أبيديهم‪ ،‬حيث عمروا اإلسالم‪ ،‬وعضدوا العلماء‪َّ ،‬‬
‫وشجعوهم على التأليف‪ .‬وملا أصبح امللك أبيدي العثمانيني‪ ،‬نقلوا عاصمة امللك من‬ ‫َّ‬
‫القاهرة إىل ال ُق ْسطَـ ْنطَنِيَّة‪ ،‬وجعلوا اللغة الرتكية لغ ًة رمسي ًة مكا العربية‪ .‬وفشى يف العرب‬
‫أسباب الضعف والذل واهلوا ‪.‬‬
‫أوضاعا خمتلفة وظلتا بني املطرقة‬
‫ً‬ ‫ويف اجلملة‪ ،‬إ اللغة العربية وآداهبا شهدات‬
‫والسندا طوال هذه القرو اليت تعرف بـعصور االحنطاط‪ .‬ومل تنتعش اللغة العربية وال‬
‫أدهبا إال بعد حلول عصر النهضة احلديثة يف عشرينيات القر الثالث عشر اهلجري‪.‬‬
‫‪ ‬حالة اللغة العربية يف العواصم‬
‫بغداد‬ ‫أ‪/‬‬
‫كا سقوط بغداد كارثةً عظيمةً أصابت اللغة العربية واألدب العريب واملدنية‬
‫العربية اليت بناها وأشادها العباسيو ‪ .‬ونذلك بتهدمي كثري من معامل الثقافة العربية ومكاتبها‬
‫العلمية‪ ،‬وإلقاء معظم تراثها العلمي واألديب يف هنر ِد ْجلَة‪ ،‬وقتل غري قليل من أبنائها‪.‬‬
‫امتحاان صعبًا جراء هالك‬
‫ً‬ ‫مجودا يف نشاط علومها وآداهبا وعاصرت‬‫فشهدت اللغة العربية ً‬
‫تراثها‪ ،‬وضياع محاهتا‪ ،‬واندراس معامل ثقافتها‪.‬‬
‫القرطبة‬ ‫ب‪/‬‬
‫كانت الثقافة السائدة يف بالد األندلس هي نفس الثقافة اليت انتشرت يف املشرق‬
‫العريب يف العلم واألدب والدين وشىت فروع الثقافة إىل جانب ما ابتدعه األندلسيو من‬
‫‪100‬‬
‫َّ‬
‫ضد‬ ‫اإلنتاج العلمي‪ .‬مث شهدت األندلس هجمات متتالية قام هبا الفرجنة املسيحيو‬
‫املسلمني وأسفرت ابسقاطهم حكم العرب واإلسالم وثقافتهما من األندلس‪.‬‬
‫القاهرة‬ ‫ج‪/‬‬
‫أصحبت القاهرة يف أَيم املماليك موئل العلماء واألدابء الذين هاجروا إليها من‬
‫الشرق خوفًا من وجع التتار وظلمهم‪ .‬وكانت كذلك مأوى املهاجرين من الغرب أوا‬
‫فضل يف بقاء اللغة العربية‬
‫ٌ‬ ‫ضعف الدولة ومماهتا‪ .‬ولسالطني مصر من األيوبيني وغريهم‬
‫على قيد احلياة مع فناء أهلها‪ .‬فقد اعتنقوا اإلسالم دينًا‪ ،‬وجعلوا العربية لغ ًة رمسي ًة‪،‬‬
‫وعضدوا العلماء‪ ،‬وشجعوهم على القيام ابألنشطة العلمية‪ ،‬وقربوا األدابء‪ ،‬وأقبلوا على‬
‫علوم األولني ابلشرح والتلخيص والدراسة وغري نذلك من عناصر الثقافة‪ .‬ونتجت من‬
‫نذلك ثروة علمية وهنضة أتليفية بعيدة املدى يف كافة علوم الدين وميادين الثقافة‬
‫اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ ‬لغة التخاطب‬
‫كانت اللغة اليت يستخدمها الناس يف التخاطب العادي هي اللغة العربية املمزوجة‬
‫بعديد من الكلمات املستعارة من اللغات اليت اتصلت ابللغة العربية‪ .‬وكانت نسبة الدخيل‬
‫ختتلف من فرد إىل آخر‪ ،‬ومن مكا إىل آخر‪ .‬وأما اللغة العريبة الفصحى فاقتصرت يف‬
‫اجملاالت الرمسية والشعائر الدينية واملكاتبات والتأليفات‪.‬‬
‫‪ ‬ديوان اإلنشاء‬
‫كانت الكتابة يف ديوا اإلنشاء يف عصر املماليك تتميز مبا ابتدعه الكتَّاب من‬
‫احلل والعقد‪ .‬وكذلك كثرت‬ ‫ألقاب للسالطني وامللوك والوزراء وغريهم من أهل ِ‬ ‫ٍ‬ ‫وضع‬
‫هيمنة اجلانب اللفظي على املعاين‪ ،‬وفشو السجع هو وسائر البديعيات‪ .‬ومن أشهر من‬
‫َّ‬
‫توىل ديوا اإلنشاء يف عصر املماليك حمي الدين بن عبد الظاهر‪ ،‬وشهاب الدين بن فضل‬
‫فضل يف إهناض اللغة‬
‫هللا‪ ،‬واتج الدين بن األثري‪ ،‬وخالئ غريهم‪ .‬وكا لديوا اإلنشاء ٌ‬
‫العربية وانتعاش آداهبا مبصر والشام بفضل ِ‬
‫مسو منزلة الكتَّاب فيه‪ ،‬األمر الذي سبَّب‬

‫‪101‬‬
‫تنافسا شدي ًدا بني النوابغ من العلماء والشعراء والكتاب يف اإلجادة يف الكتابة‪ ،‬والرباعة‬
‫ً‬
‫يف تنسي الكالم‪ ،‬والدقة يف تركيب املعاين سعيًا للتفوق على اخلصم وبلوغ نذلك املنصب‬
‫السامي‪.‬‬
‫‪ ‬التصنيف يف العصر الرتكي‬
‫على الرغم من ركوض احلركة األدبية وتعرض األمة لغري قليل من اهلجمات‬
‫والفنت‪ ،‬فقد نشطت حركة التدوين والتصنيف يف هذا العصر نشاطا هائالً‪ .‬ومما ساعد على‬
‫نذلك تشجيع السالطني والوزراء الذين يرغبو يف الكتب النادرة وينشؤو املساجد‬
‫واملعاهد يف شتات األماكن‪ ،‬وعزمهم على مجع الكتب يف اخلزاانت‪ .‬وأول ما يستدعي‬
‫أنواعا شىت من املعارف‬
‫االنتباه هو وفرة الكتب يف جملدات ضخمة وأجزاء كثرية تـجمع ً‬
‫والعلوم‪.‬‬
‫ومن أشهر من ألف يف نذلك ابن فضل هللا العمري الذي صنف مسالك األبصار‬
‫والقلقشندي الذي ألف كتاب صبح األعشى يف صناعة اإلنشاء واحلاجي خليفة صاحب‬
‫كشف الظنو عن أسامي كتب الفنو وابن حجة احلموي الذي ألف خزانة األدب‬
‫والنويري صاحب هناية األرب يف فنو األدب‪.‬‬
‫وقد كثرت يف عصر املماليك الكتب اليت تتبع طريقة املتو والشروح واحلواشي‪،‬‬
‫يسميه متنًا‪ ،‬مث ِ‬
‫يفصل‬ ‫موجزا ِ‬
‫والسيما يف علوم اللسا وفنو الدين‪ .‬فكا املؤلف يضع ً‬
‫يعل على الشرح ابحلواشي‪ .‬ومن الفنو اليت شهدت‬ ‫ُْجممله يف الشرح‪ ،‬وأييت بعده من ِ‬
‫تقدما يف التأليف ما يلي‪:‬‬
‫ً‬
‫العلوم اللسانية‬ ‫أ‪/‬‬
‫كثر التأليف يف العلوم اللسانية على قلة االبتكار يف نذلك‪ .‬فجل اإلنتاجات اليت‬
‫صدرت تدور حول اختصار املطوالت‪ ،‬أو تطويل املختصرات‪ ،‬أو مجع املفرتق‪ .‬ومنها‪:‬‬
‫علوم اللغة‬ ‫‪/2‬‬

‫‪102‬‬
‫ظهرت يف هذا العصر املعاجم الكربى‪ ،‬ومن أشهر من صنَّف يف هذا اجملال مجال‬
‫الدين حممد بن املكرم املعروف اببن منظور األفريقي صاحب لسا العرب‪ .‬وكذلك جمد‬
‫الدين حممد الفريوزآابدي الذي وضع القاموس احمليط وهو من أنفس املعاجم اللغوية‬
‫كسابقه‪ .‬وقد شرحه مرتضى الزبيدي بـما فيه كفاية ومساه اتج العروس بشرح القاموس‪.‬‬
‫وظهرت يف هذا العصر أيضا الدواوين الشعرية‪ ،‬السيما يف الشعر التعليمي واملواعظ‬
‫واملدائح النبوية‪.‬‬
‫علم النحو‬ ‫‪/۲‬‬
‫برع فيه حممد بن عبد هللا املعروف اببن مالك‪ ،‬وله فيه ويف غريه من فنو اللغة‬
‫نيف وثالثو مؤلفا ما بني منظوم ومنثور‪ .‬ومنها األلفية اليت خلصها من الكافية الشافية‪،‬‬
‫وقد شرحت مر ًارا‪ ،‬ومن أشهر شروحها شرح ابن عقيل‪ .‬وبرع يف النحو أيضا ابن هشام‪،‬‬
‫براعة جعلت بعضهم يزعم أنه أعلم به من سيبويه!‪ .‬وألف فيه كتاب قطر الندى وبل‬
‫الصدى وشذور الذهب وغريمها من الكتب القيمة‪ .‬وكذا حممد الصنهاجي املعروف اببن‬
‫آجروم‪ ،‬وهو مصنف املقدمة اآلجرومية‪ .‬وممن خلف هوالء اإلمام السيوطي‪ ،‬وله يف النحو‬
‫األلفية ومهع اهلوامع بشرح مجع اجلوامع وغريمها‪.‬‬
‫علوم الدين‬ ‫ب‪/‬‬
‫فقد أجاد يف علوم الدين خل ‪ ،‬وأعظمهم قاطبة شيخ اإلسالم ابن تيمية احلراين‬
‫الدمشقي‪ .‬فقد نذكر تلميذه الذهبـي أ مؤلفاته تزيد على ألف‪ .‬ومنها اجلواب الصحيح‬
‫ملن بدل دين املسيح والرسالة التدمرية ودرع تعارض العقل والنقل واإليـما ومنهاج السنة‬
‫النبوية يف نقد كالم الشيعة القدرية والعقيدة الواسطية واقتضاء الصراط املستقيم خمالفة‬
‫أصحاب اجلحيم ورأس احلسني وشرح حديث النـزول وغريها‪ .‬وقد َت مجع فتاويه ورسائله‬
‫يف أكثر من ثالثني جمل ًدا‪.‬‬
‫مث تلميذه ابن قيم اجلوزية‪ ،‬الذي صنف ‪ -‬هو اآلخر ‪ -‬يف كثري من فنو العلم‬
‫والثقافة اإلسالمية‪ .‬ومن مؤلفاته إغاثة اللهفا عن مصاييد الشيطا وإعالم املوقعني عن‬
‫‪103‬‬
‫رب العاملني وزاد املعاد من هدي خري العباد وتـحفة الودود أبحكام املولود وهادي األرواح‬
‫إىل بالد األفراح والطب النبوي والنونية وغريها‪.‬‬
‫وممن جاء بعد هذين اإلمامني ابن حجر العسقالين‪ .‬وله فتح الباري بشرح صحيح‬
‫البخاري وكفى له به جاللة يف العلم والتحقي ‪ .‬ومن بعده نبغ السيوطي فصنف يف خمتلف‬
‫الفنو وأكثر‪ .‬وله يف التفسري الدر املنثور يف التفسري ابملأثور وله مفتاح اجلنة يف االحتجاج‬
‫ابلسنة كما ألف احلاوي للفتاوي وغريها‪.‬‬
‫وكذا النووي أبو زكرَيء الدمشقي ‪ -‬وهو ممن سب املذكورين ‪ -‬وهو صاحب‬
‫اجملموع شرح املهذب واألنذكار النووية واملنهاج بشرح صحيح مسلم بن احلجاج ورَيض‬
‫الصاحلني واجملموع شرح املهذب وغريها من املؤلفات احملققة النافعة‪.‬‬
‫ولغري املذكورين هنا من العلماء وأئمة هذا العصر مؤلفات يف شىت فنو الدين‬
‫انفعة وكثرية‪ ،‬كثرة ال يتسع هذا اجملال لتفصيل الكالم حوهلا‪ ،‬ويستطيع من يريد االطالع‬
‫على مزيد من أخبارهم مراجعة أمهات كتب الرتاجم ومعاجم املؤلفني وما شابه نذلك‪.‬‬
‫العلوم التارخيية واجلغرافية‬ ‫ج‪/‬‬
‫ومن أشهر من صنف يف هذا اجملال ابن ِخلِكا ‪ ،‬فقد ألف وفيات األعيا وأخبار‬
‫أعيا الزما ‪ .‬ومنهم زكرَيء بن حممد القزوينـي مصنف عجائب املخلوقات وغرائب‬
‫املوجودات‪ .‬وكذلك ابن بطوطة الذي ألف تـحفة النظائر يف غرائب األمصار وعجائب‬
‫األمصار‪.‬‬
‫وصنف ابن خلدو كتاب العرب وديوا املبتدأ واخلرب يف أَيم العرب والعجم‬
‫والرببر ومن عداهم من نذوي السلطا األكرب‪ .‬وصنف ابن كثري البداية والنهاية‪ .‬مث‬
‫الذهبـي الذي صنف اتريخ اإلسالم ووفيات مشاهري األعالم‪ .‬كما ألف املقريزي كتاب‬
‫املواعظ واالعتبار يف نذكر اخلطط واآلاثر‪ .‬وألف َيقوت احلموي معجم البلدا غريها كثري‪.‬‬
‫السري والرتاجم‬ ‫د‪/‬‬

‫‪104‬‬
‫برع يف علوم السري والرتاجم احلافظ الذهبـي فألف سري أعالم النبالء وتذكرة‬
‫احلفاظ وميزا االعتدال يف نقد الرجال وغريها‪ .‬وكذلك احلافظ املزي‪ ،‬وهو صاحب‬
‫تـهذيب الكمال وقد هذبه احلافظ ابن حجر مث قربه‪ .‬وله أيضا الفهرس الفهارسة واإلصابة‬
‫يف تـمييز الصحابة والدرر الكامنة يف أعيا املائة الثامنة‪ .‬والبن كثري التكميل يف معرفة‬
‫الثقات والضعفاء واجملاهيل‪ .‬وألف َيقوت احلموي معجم األدابء‪ .‬وممن خلف هؤالء‬
‫السخاوي‪ ،‬فقد صنف الضوء اآلمع يف أعيا القر التاسع‪ .‬وللسيوطي طبقات املفسرين‬
‫ونذيل طبقات الشافعية وغريها‪ .‬ولغري هؤالء من املؤلفني مصنفات يف هذا اجملال ال ميكن‬
‫أ حتصى هبذه العجالة يف هذا املقام‪.‬‬
‫‪ ‬حالة الشعر يف عصر األتراك‬
‫ـمنيع يف اللفظ واملعىن‪ .‬وأنذهب‬
‫أصاب الشعر العريب يف العهد الرتكي مجو ٌد وت ٌ‬
‫ومزق نضرته‪ .‬فرتكه على فراش‬
‫وفكك أسلوبه‪ ،‬وأمات هيبته‪ ،‬وأفىن حالوته‪َّ ،‬‬ ‫نذلك نذوقه‪َّ ،‬‬
‫املوت وجناح الفناء ينتظر خروج نفسه األخري بني كل عشية أو ضحاها‪ .‬فقد كا جل ما‬
‫يتميز به الشعر العريب يف نذلك العصر تكرار املعاين‪ ،‬ومسارقة األلفاظ‪ ،‬وتكلف األساليب‪.‬‬
‫وكذلك تفنن الشعراء يف استخدام البديعيات‪ ،‬فأكثروا من التورية واجلناس وسائر احملسنات‬
‫اللفظية واملعنوية‪ ،‬وابتدعوا أساليب شىت‪ .‬كما شاعت يف هذا العصر املدائح النبوية‪ ،‬حىت‬
‫أصبحت فناا مستقالً عن سائر شعر املديح‪ .‬ومن رواده البوصريي الذي نظم الربدة وغريها‬
‫من القصائد‪ .‬وقد كثر ميل الشعراء إىل استخدام األوزا القصرية واملولدة وهجرا األوزا‬
‫املعقدة‪ ،‬كما أكثروا من الفكاهيات يف شعرهم‪.‬‬
‫‪ ‬مشاهري األدباء يف عصر االحنطاط‬
‫صفي الدين احللي‬ ‫أ‪/‬‬
‫هو أبو الربكات عبد العزيز بن سرَي احللي‪ ،‬شاعر اجلزيرة‪ .‬ولد ابحلِلة يف العراق‬
‫سنة ‪ 677‬هـ ونشأ هبا وأتدب وأجاد الشعر‪ .‬وقد خدم امللوك وزار مصر ومدح السلطا‬
‫الناصر بن قالوو وتويف ببغداد سنة ‪750‬هـ‪ .‬وقد طرق معظم فنو الشعر ونظم يف‬

‫‪105‬‬
‫األوزا املولدة كالتشريط والتخميس واملوشحات‪ .‬وهو أول من نظم القصائد يف املدائح‬
‫النبوية اجلامعة ألنواع البديع‪ .‬وكا شعره سهل اللفظ‪ ،‬جيد األسلوب ورشي املعىن‪ .‬وقد‬
‫اعتربه بعض النقاد كأشعر الشعراء يف طبقته‪ .‬ومن شعره األبيات اآلتية يف احلماسة‪:‬‬
‫وسائل البيض هل خاب الرجا فينا‬ ‫سل الرماح العوالـي عن مـعالينا‬
‫وسائل العرب واألتراك مـا فعلتفـي أرض قبـر عبيد هللا أيـدينا‬
‫عـما نـروم وال خابت مساعينا‬ ‫لـما سعينا فـما رقت عـزائمنا‬
‫َي يوم وقعة زوراء العـراق وقـد دنـا األعادي كمـا كانوا يدينوان‬
‫إال لنـغزو بـها مـن ابت يغزوان‬ ‫ض َّمـر مـا ربطناهـا مسومـة‬
‫ب ُ‬
‫لقولـنا ودعوانـا هـم أجابـوان‬ ‫وفتية إ نقل أصغـوا مسامهعم‬
‫وإ حكموا كانوا مـوازيـنا‬ ‫يوما‬ ‫ِ‬
‫قوم إنذا استُ ْخص ُموا كانوا فراعنـ ًة ً‬
‫نـار الـوغى خلتهم فيها جمانينا‬ ‫تدرعوا العقل جلبااب فإ حـميت‬
‫وإ دعـو قالت األَيم آمـيـنا‬ ‫إنذا دعو جائت الدنـيا مصدقـةً‬
‫ـقوم أبت أخالقـنا شرفـا أ نتبدي ابألنذى مـن ليس يؤنذينا‬
‫إان ل ٌ‬
‫ـمر مراضينا‬
‫ـضر مـرابعنا ح ٌ‬
‫بيض صنائعـنا سـو ٌد وقائعـنا خ ٌ‬
‫ٌ‬
‫ولـو رأينا الـمناَي فـي أمـانينا‬ ‫ال يظهر العجز منَّا دو نيـل مىن‬
‫عائشة الباعونية‬ ‫ب‪/‬‬
‫هي أم عبد الوهاب عائشة بنت يوسف بن أمحد الباعوين‪ .‬السيدة الناسكة‬
‫والعاملة الفاضلة‪ .‬ولدت ابلصاحلية بدمش يف بيت له تقاليد العلم والورع‪ .‬وكا أبوها‬
‫عاملا كما كا أخوها من نوابغ العلماء يف التاريخ واألدب واحلديث والتصوف‪ .‬فتأدَّبت‬
‫عائشة يف بيئة علمية وبني العلماء‪ ،‬مث َّ‬
‫تلقت الفقه والنحو والعروض على طائفة من شيوخ‬
‫عصرها‪ .‬وعاصرت مصر فتتلمذت على العالمة أيب العباس القسطالين شارح البخاري‬
‫حىت أجاز هلا ابلتدريس والفتيا‪ .‬مث عكفت على التأليف والتدريس بعد عودهتا إىل دمش‬
‫وانتفع بعلمها خالئ ال حيصو ‪ .‬ومن آاثرها كتاب الفتح املبني يف مدح األمني وفيض‬
‫‪106‬‬
‫الفضل ودر الغائص يف حبر املعجزات واخلصائص‪ .‬وهلا ديوا شعر يف املدائح النبوية وغري‬
‫نذلك من األغراض‪ .‬وتوفيت سنة ‪922‬هـ‪ .‬ومن قصائدها يف املدح ما يلي‪:‬‬
‫أصحبت يف زمرة الـعشاق كالعلم‬ ‫يف حسن مطلع أقمار بـذي سلم‬
‫والـجار جار بـعدل فـيه متهم‬ ‫أقول والدمع جا ٍر جـارح مـقلي‬
‫سلما فسل عن أهلها القدم‬ ‫وجئت ً‬ ‫َي سعد إ أبصرت عيناك كاظمة‬
‫وال أبـوح به يومـا لغيـرهـم‬ ‫واستوطنوا السر مين فهو موضعهم‬
‫يـهمي وغيث نداه ال يزال مهي‬ ‫قالوا هو الغيث قلت الغيث آونة‬
‫مدحت جمدك واإلخالص ملتزمي فيه وحسن امتداحي فيك خمتتمي‬
‫ج‪ /‬الشاب الظريف‬
‫هو مشس الدين حممد بن سليما بن علي التلمساين‪ .‬ولد ابلقاهرة سنة ‪661‬هـ‬
‫ونشأ يف دمش حيث كا والده مشرفًا على استيفاء خزانة أموال الدولة‪ .‬وملا كا الشاب‬
‫شاعرا دقي ًقا جمي ًدا‪ ،‬رقي اللفظ‪ ،‬خفيف‬
‫ً‬ ‫الظريف بدمش انصرف إىل اللهو والعبث‪ .‬وكا‬
‫نبوغ‬
‫الروح وانصح الديباجة‪ .‬ويف شعره نفخات من العبقرية املصرية‪ .‬وشعره يدل على ٍ‬
‫مولعا‬ ‫شاعرا جمي ًدا‪ .‬وكا‬ ‫ٍ‬
‫ً‬ ‫موروث‪ .‬فقد كا أبوه عفيف الدين سليما بن علي التلمساين ً‬
‫ابلبديع كبقية شعراء عصره‪ ،‬وكا أكثر شعره يف الغزل‪ .‬وله نثر ومقامات‪ .‬وتويف يف‬
‫عنفوا شبابه‪ ،‬سنة ‪688‬هـ‪ .‬ومن شعره يف الغزل ما يلي‪:‬‬
‫من نذا رآه مقبالً وال افتُـنت‬ ‫مـثل الغزال نظرة ولفتة‬
‫إ مل يكن أح ابحلسن فمن‬ ‫وفما‬
‫ثغرا ً‬‫أعذب خل هللا ً‬
‫املاء واخلضرة والوجه احلسن‬ ‫يف ثغره وخده وشكلـه‬
‫ومنه قوله أيضا‪:‬‬
‫فلو ُرْمت نذكرى غريهم خانين الفم‬ ‫عفا هللا عن قوم عفا الصرب عنهم‬
‫قـدي ًـما وحىت ما كأنـهم هـم‬ ‫ود بينـي وبينهم‬‫تـجنـ َّْو كأ ال َّ‬
‫شـرقت بدم ٍع فـي أواخـره دم‬ ‫وابجلزع أحباب إنذا ما نذكرتـهم‬
‫وعـاد وما يف الركب إال مـتـيم‬ ‫أليم وما يف الركب مـنا مـيتم‬
‫‪107‬‬
‫يـروق لعينيه اجلمـال الـمنعـم‬ ‫وليس اهلوى إال التفاتـة طامـع‬
‫وعـاوده داءٌ من الشـوق مؤلـم‬ ‫خليلي ما للقلب هاجت شجونه‬ ‫َّ‬
‫وإال فـمـنها نـفخـة تـتنسم‬ ‫أظن ديـار احلـي مـنا قـريبة‬
‫ابن نباتة املصري‬ ‫د‪/‬‬
‫هو مجال الدين حممد بن حممد بن أيب احلسن بن نباتة الفارقي املصري‪ .‬ولد‬
‫وشب يف أسرة هادئة تتمتع بـمراف الرتف‬
‫ابلقاهرة سنة ‪686‬هـ يف بيت األدب والشرف‪َّ ،‬‬
‫علمي أديب‪ .‬فأَتَّ دراسته األوىل وواصل الدراسة والتحصيل‪ ،‬فدرس‬
‫ٍ‬ ‫االقتصادي‪ ،‬ويف ٍ‬
‫جو‬
‫علم احلديث وسائر علوم الدين وفنو اللغة وكذا األدب‪.‬‬
‫مبكرا‪ ،‬وافتتح ُكتااب ليتكسب ابلتعليم‪ .‬مث إنه غادر‬
‫بدأ ابن نباتة نظم الشعر ً‬
‫القاهرة وتوجه إىل الشام لـما فشل يف نيل احلظوة عند األيوبيني‪ .‬واتصل ابمللك املؤيد أيب‬
‫الفداء صاحب محاة‪ ،‬وانل عنده الشرف‪ .‬وحل كذلك إبمساعيل بن علي فنال عنده نيالً‬
‫سنوَي يبلغ ستمائة درهم‪ .‬مث اتصل‬
‫شاعرا إستقراطيا يف بالطه‪ ،‬فجعل له راتبًا ا‬
‫وَت اختانذه ً‬
‫اببنه األفضل فاملنصور األفضل‪ .‬مث عينه شهاب الدين بن فضل هللا على ديوا اإلنشاء‬
‫بدمش ‪ ،‬وهكذا أقام يف الشام مدة طويلة‪ .‬مث غادر الشام بعد أ هرم وجاوز السبعني‬
‫ث يف اخلل ‪ ،‬فعاد إىل القاهرة بعد أ غاب عنها أكثر من مخسني سنة‪ ،‬فأكرمه‬ ‫ونُ ِك َ‬
‫السلطا الناصر‪ ،‬وأكثر الشاعر من مدحه‪ .‬مث اضطربت احلياة على ابن نباتة بعد مقتل‬
‫السلطا الناصر سنة ‪762‬هـ ومل تعد له بعد هذا التاريخ صولة وال جولة‪.‬‬
‫وانثرا مرتسالً‪ .‬وميتاز شعره ابلرقة وحسن استخدام‬
‫احا ً‬ ‫شاعرا َّ‬
‫وش ً‬ ‫كا ابن نباتة ً‬
‫البديع‪ .‬وقد أكثر القول يف شعر املديح والراثء واخلمرَيت والغزل‪ .‬وألنه عاش يف عصر‬
‫كثري الفنت واالضطراابت واألزمات جراء هجوم التتار املتتالية واحلروب الصليبية‪ ،‬ظهر يف‬
‫أعماله األدبية ما يدل على شدة أتثر نفسيته بتلك األوضاع‪ ،‬ويتمثل نذلك يف بروز غزيرة‬
‫اخلوف وحب السالم يف إنتاجاته‪ .‬ومات سنة ‪767‬هـ‪ .‬ومن أقواله يف املفاخرة بني السيف‬
‫والقلم‪:‬‬
‫‪108‬‬
‫أتفاخرين وأان للوصل وأنت للقطع؟ وأان للعطاء وأنت للمنع؟ وأان للصلح وأنت‬
‫للضراب؟ وأ للعمارة وأنت للخراب؟ أعلى مثلي يش القول ويرفع الصوت؟ وأان نذو‬
‫اللفظ املكني‪ .‬وأنت ممن دخل حتت قوله تعاىل‪ :‬ﭽ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ‬
‫ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﭼ فقد تعديت حدك‪ ،‬وطلبت ما مل تبلغ به جهدك‪ ،‬هيهات أان‬
‫القائم بـمصاحل الدول وأنت يف الغمد طريح‪ ،‬واملتعب يف تـمهيدها وأنت غافل مسرتيح‪،‬‬
‫والساعي يف تدبري حال القوم واملفتـي بنفعهم العمر إنذا كا نفعك يوما أو بعض ٍ‬
‫يوم‪،‬‬ ‫ً‬
‫فاقطع عنك أسباب املفاخرة واسرت ثيابك عند املكاشرة‪ .‬فما حيسن ابلصامت حماورة‬
‫املفصح وهللا يعلم املفسد من املصلح‪.‬‬
‫حمي الدين بن الطاهر‬ ‫هـ‪/‬‬
‫هو عبد هللا بن الطاهر املصري الكاتب الشاعر‪ .‬ولد سنة ‪620‬هـ وتويف سنة‬
‫‪692‬هـ‪ .‬وكا من املتعصبني لطريقة القاضي الفاضل يف التزام السجع واتباع احملسنات‬
‫كثريا من اصطالحات‬‫يربس‪ ،‬فوضع ً‬ ‫البديعية‪ .‬وقد توىل ديوا اإلنشاء يف زمن الظاهر بِ ِ ِ‬
‫اإلنشاء ونظم الديوا ‪ .‬وبقيت اصطالحاته مستعملة يف مصر والشام إىل أ فتح‬
‫العثمانيو مص ر‪ .‬وله مؤلفات ورسائل سلطانية كثرية‪ .‬ومن رسائله ما كتبه على لسا‬
‫امللك املنصور قالوو يرد على صاحب اليمن عندما عزاه على موت ابنه‪ ،‬ويقول فيها‪:‬‬
‫ٍ‬
‫مفقود‪ .‬وإنذا‬ ‫ٍ‬
‫فائت وال أنسي على‬ ‫ولنا الشكر هلل‪ ،‬صربٌ مجيل ال أنسف معه على‬
‫عوض كل ٍ‬
‫يوم ما يقول‬ ‫علم هللا سبحانه حسن االستنابة إىل قضائه واالستكانة إىل عطائه‪َّ ،‬‬
‫أكبادا ممن له قلب ال يبايل ابلصدمات‬
‫املبشر به هذا موىل مولود‪ ،‬وليست اإلبل أبغلظ ً‬
‫كثرت أو قلت‪ ،‬وال ابلتباريح حقرت أو جلت‪ ،‬وال ابألزمات إ هي توالت أو تولَّت‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫‪‬‬

‫الفصل السابع‬
‫األدب العربي يف عصر النهضة األدبية احلديثة‬
‫‪ ‬املدخل‬
‫ما زالت الفنت واحلوادث اخلطرية تؤثر سلبا على العرب وتقلل أطراف رقعة نفونذ‬
‫اللغة العربية حىت قصرهتا يف أواخر القر الثامن عشر امليالدي على العراق والشام وبالد‬
‫املغرب‪ ،‬حيث بقي يف تلك البالد النفس األخري من أنفاس اللغة العربية يرتدد يف ٍ‬
‫وانء‬
‫ٍ‬
‫وضعف‪ .‬فقد حكم األتراك العثمانيو بالد العرب قرابة ثالثة قرو ابتداء من سنة‬
‫‪923‬هـ وانتهاء بسنة ‪1213‬هـ وقد أشاعوا خالل هذه الفرتة الزمنية اجلهل والعقم والظلم‬
‫يف األمة العربية‪.‬‬
‫حكما وسيطرة املماليك فعالً‪ .‬وكانت‬
‫ً‬ ‫وكانت مصر حتت سلطا العثمانيني‬
‫األهواء املختلفة والقوى املتضاربة واألجناس املتباينة تنخر يف هيكل هذه األمة البائسة‬
‫اليت فشت فيها األمية واستوىل عليها اجلهل وأحلت عليها األوبئة والسنو ‪.‬‬
‫وكانت أورواب يف نذلك احلني يف تـجديد غاراهتا االستعمارية على البالد غري‬
‫األوروبية يف العامل الثالث بشكل غري مباشر‪ ،‬بدعوى نشر متاجرها وبث علومها وآداهبا‬
‫توىل كربه يف هذه املهمة حنو‬‫بني أبناء العرب وغريهم من األفارقة واآلسيويني‪ .‬وكا الذي َّ‬
‫مصر هو َانبِلِيُو الفرنسي‪ .‬وكا من الطبيعي أ يعمل الشعب على التخلص من تلك‬
‫السيطرة الغامشة اليت دامت عليهم سنني عددا‪ .‬فلذلك استقبل املصريو َانبِِليُو ومحلته‬
‫لشعورهم بـمهمته حنو مساعدهتم يف عملية التخلص من ظلم األتراك‪ .‬فغزاها َانبِِليُو سنة‬
‫فكرا وأدى نذلك إىل‬ ‫‪1798‬م‪ .‬ومع أنه غزا عني مصر فعال‪ ،‬فقد غزا مجيع األمة العربية ً‬
‫انفصال العرب من ظلم العثمانيني‪ .‬فبدأت النهضة احلديثة منذ سنة ‪1220‬هـ يف غاية‬
‫الفساد واحنطاط احلكومة ومجود اللغة العربية وعلومها وآداهبا‪.‬‬
‫‪110‬‬
‫وتعترب اجلماعة العلمية اليت صحبت محلة َانبِلِيُو مبثابة الغرسة األوىل لبذور‬
‫ومسرحا للتمثيل وجممعاً علمياا‬
‫ً‬ ‫احلضارة اجلديدة يف مصر‪ ،‬فقد أنشؤوا مدرستني وجريدتني‬
‫ومكتبة ومطبعة ومعامل كيمائية ومراصد فلكية وسهلوا للناس النظر إليها والوقوف عليها‪.‬‬
‫فكا صنيع هذه اجلماعة أشبه بقبس وضَّاء سطع على مساء مصر فبدده‪.‬‬
‫وأما عبارة النهضة األدبية احلديثة فهي تُشعر أبنه كا لألدب العريب وجود منذ‬
‫اجلاهلية إىل الزمن احلاضر‪ ،‬وأ األدابء والشعراء والكتاب كانوا يسجلو مجيع حوادث‬
‫قومهم ويصورو احلياة واملشاهد اخلالبة واملؤثرة فيها حسب ما اقتضته األحوال‪ .‬ولكن‬
‫اقية‪ ،‬وتوفرت‬ ‫ويتقدم‪ ،‬وكأنه ينتقل من حياته اجلامدة إىل ٍ‬
‫حياة ر ٍ‬ ‫يتطور َّ‬‫اآل أصبح العريب َّ‬
‫لديه اآل أسباب التقدم‪ ،‬كما ظهرت نظم وأشياء ال عهد له هبا يف حياته يف العصور‬
‫بد للشعراء أ يواجهوا كل ٍ‬
‫تقدم‪ ،‬ويسجلوا كل تطور انلته العرب‪،‬‬ ‫املاضية‪ .‬ولذلك ال َّ‬
‫ِ‬
‫ويصوروا كل ما فرضته احلياة اجلديدة على قومهم‪.‬‬
‫فقد مثلت النهضة األدبية تـحدَيت شاقة أمام شعراء العرب وأدابئها الذين ورثوا‬
‫عن أجدادهم وصف اخلمر واحلرب واخليل والنساء واآلالت احلربية التقليدية والفخر‬
‫بقبائلهم وشجاعتهم وما ماثل نذلك‪ .‬ومعىن نذلك أ ينتقل الشاعر من نذلك الطور‬
‫الكالسيكي إىل تصوير هذه احلياة اجلديدة املليئة ابملخرتعات التكنولوجية واألجهزة‬
‫اجلديدة العجيبة كآالت الكتابة املتطورة ووسائل اإلعالم احلديثة واملركبات وأسلحة الدمار‬
‫الشامل وغريها من إنتاجات عصر املصانع والتكنولوجية‪.‬‬
‫فاحلاصل أ املقصود ابلنهضة األدبية أ ينتقل األديب من منـزلة إىل أخرى‬
‫متطورة‪ .‬وإ مما ينبغي التنبيه عليه هنا أ هذه التحدَيت ليست موجهة إىل الشعراء‬
‫واألدابء فحسب‪ ،‬بل هي موجهة إىل اللغة العربية نفسها‪ .‬واملعىن هل ميكن للغة العربية‬
‫وصف ما ورد عليها من التطور وهل لديها من املفردات ما يـمكنها القيام هبذا العمل‬
‫الغامض؟‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫بلى! إهنا قادرة على نذلك‪ .‬كيف ال وهي من أفصح اللغات الكونية وأمجعها‬
‫لسمات البالغة وحملات اخليال؟ وقد نطقت بذلك على لسا أحد أفرادها‪ ،‬وهو حافظ‬
‫إبراهيم حني قال‪:‬‬
‫على لغـة لـم تتصـل برواة‬ ‫تنازعين قـومي عفـا هللا عنهـم‬
‫وانديت قومي فاحتسبت حيايت‬ ‫رجعت لنفسي فاهتمت حصاتـي‬
‫عقمت ومل أجزع لقول عدايت‬ ‫رموين بعقم فـي الشباب وليتـين‬
‫وما ضقت عن آي به وعظات‬ ‫وسعت كتاب هللا لفـظًا وغايـةً‬
‫ٍ‬
‫أمساء لـمخرتعات‬ ‫وتنسيـ‬ ‫فكيف أضي اليوم عن وصف ٍ‬
‫آلة‬
‫الغواص عن صدفايت‬
‫فهل سألوا َّ‬ ‫الدر كـامن‬
‫أان البحر يف أحشائه ُّ‬
‫‪ ‬أثر حممد علي باشا يف تكوين النهضة‬
‫ملا قعد حممد علي ابشا على عرش امللك يف مصر كانت أول قاعدة أراد أ يبنـي‬
‫عليها مل كه وسلطانه هي متابعة األوروبيني يف اإلدارة والرتبية وتنظيم اجليش‪ .‬ونذلك ملا رآه‬
‫من آاثر الفرنسيِني بـمصر‪ ،‬وملا شاهده من دورهم اإلجيايب أثناء اشرتاكهم يف حروهبم مع‬
‫سا وبعض دول أورواب يف إدخال املدنية األوروبية يف بالده‪.‬‬ ‫الرتك ِْ ِ‬
‫واإلجنل ْيز‪ ،‬فاستعا ب َف َرنْ َ‬
‫سا‬‫وأخذ يف تعليم املصريني‪ ،‬فأنشأ مدارس متعددة‪ ،‬واستقدم طائفة من علماء فَـ َرنْ َ‬
‫للتدريس والتأليف‪ .‬وأنشأ صحيفة الوقائع املصرية واملطبعة املصرية وغري نذلك من معامل‬
‫الثقافة والنهوض‪.‬‬
‫وأخذ حممد على ِ‬
‫يريب من أبناء الوطن واألجانب الساكنني يف مصر من يكو خري‬
‫ٍ‬
‫خمتلفة إىل‬ ‫علمية يف ٍ‬
‫أزمنة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫واسطة لنقل معارف األوروبيني إىل مصر‪ .‬فبعث ثالثة بعثات‬
‫كونت فيما بعد ثالث طبقات‬
‫أورواب للتخصص يف خمتلف ميادين العلم والثقافة‪ ،‬وهي اليت َّ‬
‫من املفكرين والعلماء واألطباء واملهندسني والضباط والصحافيني واإلداريني وغريهم من‬
‫دب على اللغة العربية دبيب احلياة‪ ،‬على أ‬
‫أرابب فنو الثقافة وميادينها مبصر‪ .‬وبذلك َّ‬
‫آداهبا بقيت يف أيدي العفاء أل سياسة حممد علي كانت تصرف مهتها إىل العلوم احلربية‬
‫‪112‬‬
‫والطبية والصناعية والرَيضية‪ .‬وحاول حممد علي أ جيعل اللغة الرتكية أساسي ًة أو شبه‬
‫ٍ‬
‫أساسية يف التعليم والسياسة واإلدارة فتعذر نذلك عليه‪.‬‬
‫‪ ‬أثر إمساعيل باشا يف تكوين النهضة‬
‫لقد توقَّف تيار جمهودات حممد علي مع موته‪ .‬حيث رقدت رحيها يف زمن عباس‬
‫ابشا األول وزمن سعيد ابشا لرغبة هذين األمريين عن العلم والتعليم‪ .‬مث تـحركت رَيح‬
‫الثقافة ملا قعد إمساعيل ابشا على العرش فأنشأ للعلوم واهلندسة والطب واحلرب مدارس‬
‫خاصة هبا‪ .‬وأعاد إرسال البعثات إىل أورواب‪ ،‬وأسس وزارة املعارف‪ .‬وكثرت املطابع‬
‫واملدارس يف أَيمه إىل جانب غري ٍ‬
‫قليل من معامل الثروة احلضارية‪ .‬فما لبثت مصر أ‬
‫رخاء طيبةً‪ .‬وقد أدرك إمساعيل أكثر رجال البعثات العلمية الذين رابهم جده‬
‫أصحبت ً‬
‫على قيد احلياة‪ ،‬فاختذ منهم املدرسني ورؤساء اإلدارة واملستشارين‪ .‬وظهرت ثـمرة أعماله‬
‫يف حياته‪ ،‬حىت أوشكت مصر أ تكو قطعة من أورواب كما قال هو يف بعض حديثه‪.‬‬
‫‪ ‬أثر السوريني يف تكوين النهضة‬
‫وقد تزامنت حركة حممد علي ابشا إلدخال املدنية الغربية يف بالد مصر مع امتداد‬
‫األم ِريكيِني وال َف َرنْ ِسيِني وغريهم يف الشرق األوسط‪ .‬فهاجر كثري‬
‫نفونذ دعاة املسيحية من ْ‬
‫ممن تنصر من أهل سورَي إىل مصر وانتظموا يف سلك احلكومة واملدارس املصرية‪ .‬ودخل‬
‫كثري منهم مدارس املبشرين‪ ،‬فدرسوا العلوم والفنو ‪ ،‬وألفوا الكتب ابللسا العريب وغلب‬
‫عليهم األدب من الشعر والكتابة وترمجة الرواَيت األدبية‪ .‬واختذوا نذلك صناعة يتكسبو‬
‫هبا يف الشام ومصر‪ ،‬فعاد نذلك على القطرين ابلتقدم يف الفصاحة وسعة اخليال وحريَّة‬
‫الفكر واإلدارة‪.‬‬
‫‪ ‬أثر األزهر يف بث العلم‬
‫يعترب األزهر أول جامعة يف العامل العريب لنشر الثقافة العربية والرتاث اإلسالمي‪.‬‬
‫انشئ عن الروح الشيعي‬
‫ومسي ابألزهر إشارة إىل لقب فاطمة الزهراء رضي هللا عنها ونذلك ٌ‬
‫عادَي‪ ،‬مث‬
‫الذي كا يدافع عنه بعض حكام مصر يف نذلك احلني‪ .‬وكا أول أمره مسج ًدا ا‬

‫‪113‬‬
‫أقيمت فيه احللقات الدراسية‪ .‬مث أدخل عليه التنظيمات والتطورات اإلدارية والدراسية‬
‫طورا بعد آخر حىت أصبح جامعة عريقة ابلوصف احلضاري املعاصر‪.‬‬
‫ً‬
‫األزهر عد ٌد كبري من أبناء املصريني وغريهم‪،‬‬
‫َ‬ ‫وكا يف عهد حممد علي يغشى‬
‫وكذلك جاور اجلامعة بعض من متكن يف العلم من خرجييها وبعض أعضاء البعثات العلمية‬
‫للتدريس والبحث يف خمتلف ميادين الثقافة اإلسالمية‪ .‬فسامهوا يف تدريس علوم اللغة‬
‫العربية واآلداب القدمية واحلديثة إىل جانب العلوم الدينية‪ .‬وصارت هلم دولة علمية‬
‫منتظمة ومتحضرة‪ .‬وتُـ ُقـبِل منهم كلَّما حيسنونه من نتيجة كدهم وثـمرة أفكارهم بقبول‬
‫حسن‪ .‬فالتفوا حول األزهر الذي صار دولة للكتاب والشعراء والفنانني واملفكرين والنقاد‬
‫وغريهم من أرابب فنو املعرفة وميادين الثقافة‪.‬‬
‫‪ ‬أثر االحتالل الربيطاني يف التعليم‬
‫اإلجنلِ ْيز منذ‬
‫لقد دبت على مصر محلة االستعمار الربيطاين سنة ‪1882‬م‪ .‬وأخذ ِْ‬
‫وجهو عنا التعليم إىل وجهة سلبية‪.‬‬ ‫أ اغتصبوا السلطا يقطعو أسباب النهضة وي ِ‬
‫ُ‬
‫فأغفلوا البعثات‪ ،‬وأغلقوا املدارس‪ ،‬وأبطلوا األنظمة‪ ،‬وأمهلوا اللغة العربية‪ ،‬وجعلوا اللغة‬
‫اإلجنليزية لغة التعليم يف املدارس‪.‬‬
‫ولكن األمة املصرية استطاعت أ تقف على رجليها‪ ،‬وتكافح من أجل حرية‬
‫فهب رجاهلا يطلبو سيادة لغتهم يف بالدهم‪ ،‬وإحياء عوامل النهضة‪.‬‬
‫الشعب املصري‪َّ .‬‬
‫وأنشؤوا اجلمعيات للوعي القومي‪ .‬واتبع نذلك جهاد الشعب يف سبيل حرية بالد مصر‬
‫أبسلحة الوطنيني الكفاحيني وألسنتهم‪ .‬كما طف رواد الوعي القومي يكتبو املقاالت‬
‫وينظمو القصائد حول االستقالل واحلرية‪.‬‬
‫‪ ‬عوامل النهضة األدبية احلديثة‬
‫كا من آاثر االحتالل الفرنسي يف مصر ونزعة االستقالل يف عهد حممد علي أ‬
‫ومضات من نور املعرفة يف آفاق مصر ولبنا وغريمها من الدول‬
‫ٌ‬ ‫أشرقت من جانب الغرب‬
‫العربية‪ .‬وأدى نذلك إىل إحداث تعديالت حساسة يف نظم اإلدارة والتعليم والسياسة‬

‫‪114‬‬
‫وغريها من ميادين احلياة‪ .‬وساعدت عوامل متعددة يف إيصال ركب هذه النهضة احلديثة‬
‫إىل العامل العريب‪ .‬فهي مبثابة اجلسر الذي ابت نقطة اتصال بني العالَ َم ْني العريب والغريب‬
‫ظهورا ما يلي‪:‬‬
‫ثقافياا‪ .‬ومن أهم تلك العوامل وأكثرها ً‬
‫اتصال العرب بالغرب‬ ‫أ‪/‬‬
‫اتصال املدنـية الغربية ابملدنية الشرقية عن طري محلة َانبِِليُو ‪ .‬وبتضافر عدد دعاة‬
‫ت وال َكاثُولِك وغريهم إىل بالد الشرق‪ .‬فقد كا من‬ ‫املسيحيني من األم ِر ِ‬
‫يكيِني البُـ ُروتِ ْستَـ ْن ْ‬ ‫ْ‬
‫أعماهلم تبنِيهم اللغة العربية يف أول أمرهم كاللغة الرمسية لنشر تعاليمهم وآداهبم‪ .‬وكا‬
‫لعملهم يف سورَي أثر أبني منه يف مصر‪ .‬فقد أنشؤوا املستشفيات واملدارس وانتظم فيها‬
‫كثري من نصارى العرب يف الشام‪ .‬وخترج يف مدارسهم عدة طبقات من املثقفني ممن كا‬
‫هلم الفضل يف نشر اللسا العريب وتوسيع دائرة وعلومه وآدابه‪.‬‬
‫املدارس‬ ‫ب‪/‬‬
‫أنشأ حممد علي وإمساعيل ابشا املدارس النظامية املتعددة بـمساعدة األوروبيني‪ ،‬مث‬
‫علماء مصر‪ .‬وَتَّ تقسيمها إىل مراحل من ابتدائية وجتهيزية واختصاصية‪ .‬ووصل حممد علي‬
‫بينها وبني أورواب‪ُ ،‬جيلب العلماء ويبعث البعثات‪ .‬وأعظم هذه املدارس خدمة للغة العربية‬
‫وآداهبا مدرسة دار العلوم‪ .‬فقد خترج يف هذه املدرسة مئات من ِ‬
‫املعلمني والقضاة واحملامني‬
‫وإما بواسطة مجيع متعلمي العصر احلاضر‪.‬‬ ‫وترأ على أيديهم َّإما مباشرة َّ‬
‫وكتَّاب الدواوين‪َّ ،‬‬
‫وفيهم أفاضل األمة املصرية والعربية من ِ‬
‫حمرريها وكتَّاهبا وقضاهتا وحماميها وشعرائها‬
‫ومفكريها وغريهم‪ .‬ويكفي دليالً على إثبات هذا الفضل ملدرسة دار العلوم ما أورده‬ ‫ِ‬
‫الشيخ حممد عبده يف كلمته خالل حفلة املتخرجني لطالهبا حيث قال‪" :‬لو أ ابحثا‬
‫ِ‬
‫مدق ًقا أراد أ يعرف أين تـموت اللغة العربية وأين تـحيا لوجدها تـموت يف كل مكا ٍ‬
‫ووجدها حتيا يف هذا املكا "‪.‬‬
‫ومن املدارس اليت يشهد فضلها أيضا مدرسة األلسن اليت أنشأها حممد علي‬
‫لتدريب املرتمجني لنقل الكتب الطبية والعسكرية إىل العربية‪ .‬وكذا مدرسة الطب خلدمة‬

‫‪115‬‬
‫اجليش‪ ،‬وقد أقيم جبانب هذه املدرسة مستشفى لتمرين الطالب ومعاجلة املرضى‪ .‬وكا‬
‫مدرسوها يلقو حماضراهتم ابللغة ال َف َرنْسيَّة ويرتمجوهنا يف الوقت نفسه إىل اللغة العربية‪.‬‬
‫وأدى نذلك إىل ازدَيد عدد املستعربني أبورواب والشرق من العلماء والباحثني املتخصصني‬
‫يف املشرقيات واآلداب والتاريخ والكالسكيات واألدَي والفلسفة وغريها من الفنو نذات‬
‫الصلة ابللغة العربية‪.‬‬
‫ج‪ /‬البعثات العلمية‬
‫ابرزا يف إحياء اللغة العربية وعلومها أعضاء البعثات‬ ‫دورا ً‬
‫ومن العوامل الىت لعبت ً‬
‫والربيطَانِيَا وغريها من‬
‫سا وأل َْمانِيَا ِ ِ‬
‫العلمية الذين أرسلهم حممد علي ابشا وإمساعيل إىل فَـ َرنْ َ‬
‫الدول األوروبية لتلقي العلوم املختلفة والتخصص يف شىت الفنو ‪ .‬فقد َتَّ ‪ -‬على يد‬
‫قليل من الكتب اجلليلة إىل اللغة العربية مما أهل للغة‬ ‫رجال تلك البعثات ‪ -‬نقل غري ٍ‬
‫وتكسبت سعة األغراض واملعاين واأللفاظ العلمية‬
‫َّ‬ ‫ملموسا‪،‬‬
‫ً‬ ‫وتطورا‬
‫ً‬ ‫انقالاب هائالً‬
‫ً‬ ‫العربية‬
‫واألساليب األجنبية وطرق الربهنة واالستنباط وترتيب الفكر‪ .‬وعهد إىل هؤالء األساتذة‬
‫ومن سبقهم ومن حلقهم من األوروبيني إنشاء املصانع الوفرية واملدارس الكثرية ملكية‬
‫وحربية وإدارية وغريها‪.‬‬
‫إدخال اللغات األجنبية‬ ‫د‪/‬‬
‫كاإلجن ِلي ِزيَّة وال َف َرنْ ِسيَّة وغريمها من اللغات األوروبية‬
‫لقد شاع تعلم اللغات األجنبية ِْ‬
‫إجبارَي يف مصر والشام يف املدارس احلكومية‬ ‫ا‬ ‫وج ِعل تعليمها‬
‫احلديثة يف بالد العرب‪ُ .‬‬
‫ومدارس الرهبا واملبشرين‪ .‬فنشأ من نذلك نقل كثري من املعاين وأساليب اللغات األوروبية‬
‫اليت يقبلها الذوق العريب السليم إىل اللغة العربية‪ .‬واتسعت أغراض القول فيها‪ ،‬وترجم من‬
‫تلك اللغات األوروبية ألوف الكتب والرواَيت واملقاالت السياسية والعلمية واألدبية إىل‬
‫اللغة العربية واستفاد العرب هم ولغتهم من نذلك الشيء الكثري‪.‬‬
‫املطابع العربية‬ ‫هـ‪/‬‬

‫‪116‬‬
‫سجل التاريخ اسم األملاين َحنَا ُجومتَْبَـ َرج كأول من اخرتع الطباعة ابحلروف‪ ،‬ونذلك‬
‫يف القر اخلامس عشر امليالدي‪ ،‬وما كادت الطباعة ابحلروف تنتشر يف املد األوروبية‬
‫حىت صيغت منها قوالب اللغات الشرقية‪ .‬مث أخذت املطبوعات ابللغات الشرقية ‪-‬‬
‫ِ‬ ‫والسيما العربية ‪ -‬تصدر عن أكثر العواصم األوروبية‪ ،‬وخاصة لِ ِ‬
‫واب ِر ْ‬
‫يس‬ ‫ني َ‬
‫يد ْ وبَـ ْرل ْ‬
‫وغريها‪ .‬مث دخلت الطباعة العربية الشر َق سنة ‪1708‬م‪ .‬ومن أقدم املطابع العربية يف‬
‫الشرق مطبعة اجلوائب يف اآلستانة‪ ،‬وهي اليت َتَّ فيها طبع طائفة كبرية من عيو الكتب‬
‫األدبية‪ .‬وأما يف بالد العرب فكا السب للبنا يف استعمال املطبعة بفضل دعاة‬
‫املسيحية‪ .‬مث تلت مصر لبنا فدخلتها الطباعة على يد َانبِلِيُو سنة ‪1798‬م‪ .‬مث فشت‬
‫فيما بعد املطابع يف دمش وال ُق ْسطَْنطَنِية وغريها من األمصار يف بالد العرب‪.‬‬
‫ومل يكن ليتسىن للنهضة األدبية احلديثة أ تش طريقتها وال لعواملها أ تؤثر‬
‫أثرها إال عن طري املطبعة‪ ،‬فاملطبعة هي العامل الذي أحدث ثروة هائلة يف الثقافة العامة‬
‫أبلواهنا املختلفة‪ .‬ونذلك أل الكتاب املخطوط ‪ -‬مهما كا شأنه ‪ -‬قليل العدد‪ ،‬ضيِ‬
‫النطاق‪ ،‬عزيز وغايل الثمن‪ .‬أما الكتاب املطبوع فمن اليسري نشر األعداد الضخمة منه‬
‫وبتكاليف قليلة‪.‬‬
‫ويف اجلملة فإ املطبعة قللت للراغبني مشقة اقتناء الكتب إىل ٍ‬
‫حد مل حيلم به‬
‫األمم السالفة‪ ،‬فقد سهلت املطعبة على احلكومة نشر التعليم بني الناشئني وأاتحت‬
‫التوسع يف العلم واألدب جلميع طبقات الراغبني‪ .‬كما سهلت للحكومة طرق تدبري أعمال‬
‫املصاحل والتدوين‪ ،‬وقربت مسافة اخللف بني أصناف األمة‪.‬‬
‫عرش امللك أنشأ املطبعة األهلية ببوالق على‬ ‫وملا استوىل حممد علي ابشا على‬
‫‪ .‬وقد طبعت حنو ثالثـمائة ٍ‬
‫كتاب من الكتب‬ ‫أنقاض املطبعة األهلية اليت أنشأها َانبِلِيُو‬
‫املرتمجة عن اللغات األجنبية يف العلوم احلديثة كالرَيضيات والطب واجلراحة واهلندسة‬
‫وغريها‪ .‬أما كتب األدب فقد أتخَّر طبعها قليالً‪ ،‬ومن أول ما طبع منها كتاب كليلة ودمنة‬

‫‪117‬‬
‫البن املقفع وخزانة األدب الكربى للبغدادي ومقدمة ابن خلدو ومقامات احلريري وكتاب‬
‫األغاين أليب الفرج األصفهاين وغريها‪.‬‬
‫وكانت معاجم اللغة من ِ‬
‫أهم الكتب املطبوعة اليت جددت حياة اللغة العربية‬
‫واألدب العريب مثل الصحاح للجوهري وقاموس الفريوزآابدي ولسا العرب البن منظور‬
‫األفريقي واملخصص البن سيده وغريها‪ .‬وكذلك كتب األدب من مثل العقد الفريد البن‬
‫عبد ربه األندلسي‪ ،‬وصبح األعشى يف صناعة اإلنشاء للقلقشندي‪ .‬وكذلك دواوين‬
‫الشعر‪ ،‬والرسائل القصرية‪ ،‬وأمهات كتب التاريخ كالطربي وابن األثري وابن خلدو‬
‫وغريها‪.‬‬
‫الصحافة‬ ‫و‪/‬‬
‫الصحف مدارس متجولة يف البلدا ‪ ،‬ولعلها من أوسع سبل اإلرشاد والتوعية‬
‫دورا هاما يف‬
‫العامة‪ ،‬ولطاملا هذبت العقول ورتبت أفكار القراء‪ .‬وقد لعبت الصحف ً‬
‫تكوين النهضة احلديثة يف بالد العرب‪ .‬ويتمثل نذلك يف بثها لألحداث واآلراء واملقاالت‬
‫واإلنتاجات األدبية على الشعب‪ .‬وكذلك قيامها بنقد القضاَي االجتماعية والسياسية‬
‫العمودات والشروح والتفاصيل اليت يكتبها الصحافيني‬ ‫والدينية والفنية عن طري‬
‫واملسامهني وغري نذلك مما اكسبها لقب كلب احلراسة املشهور‪.‬‬
‫بية هي الوقائع املصرية اليت صدرت سنة ‪1868‬م‪ .‬وعُ ِهد‬ ‫وأول جريدةٍ عر ٍ‬
‫وح ِرر‬
‫تـحريرها إىل الشيخ حسن العطار والشيخ عبد الكرمي سليما والشيخ حممد عبده‪ُ .‬‬
‫أول عددها ابلعربية والرتكية‪ ،‬مث اقتصرت فيما بعد على اللغة العربية‪ ،‬مث صارت تطبع‬
‫نسخ ابلعربية ونسخ ابل َف َرنْ ِسيَّة‪ .‬وكانت تصدر ثالث مرات يف األسبوع‪.‬‬
‫وكانت صحيفة اجلوائب لصاحبها أمحد فارس أول جريدة عربية ظهرت يف‬
‫ال ُق ْسطَْنطَنِيَّة سنة ‪1860‬م‪ ،‬يف حني أ أول جريدة يف سورَي هي جريدة سورَي الرمسية سنة‬
‫‪1858‬م‪ .‬وظهرت بعدها صحيفة حديقة األخبار اليت بدأت تصدر منذ سنة ‪1865‬م‪.‬‬

‫‪118‬‬
‫وكانت صحيفة وادي النيل من أوائل اجلرائد اليت ظهرت بـمصر بعد الوقائع‪،‬‬
‫وتلتها جرائد أخرى مثل اإلسكندرية والزما ‪ .‬ومنها صحيفة االعتدال والفالح واألهرام‬
‫واملؤيد واللواء والعلم واجلريدة والشعب وغريها‪ .‬ويف سورَي من نظائرها كثرية‪.‬‬
‫ورقي صناعة حتريرها والرتمجة إىل‬
‫ِ‬ ‫ويعود الفضل يف تقدم الصحافة العربية‬
‫اللبنانيني‪ ،‬لسبقهم إىل معرفة اللغات األوروبية واختالطهم ابألمم الغربية‪ .‬وكذلك كا‬
‫للمسيحيني السوريني فضل على املصريني يف اختانذ صناعة حترير الصحف كحرفة بسورَي‬
‫أخريا‪ .‬وهم أول من قام إبنشاء دور الصحف بـمصر بعد الوقائع وصحيفة‬
‫أوالً‪ ،‬مث بـمصر ً‬
‫وادي النيل‪ .‬ولكنهم مل ينفردوا هبا أكثر من عقد من الزمن حىت زامحهم املصريو يف نذلك‪،‬‬
‫فاشرتكوا معهم يف حترير الصحف وتصحيحها وإعداد املقاالت‪.‬‬
‫ومن أشهر جرائد السوريني اليت كا هلا جزيل الفضل يف نشر الثقافة العربية‬
‫وجلب انتباه القارئني واالنتشار جريدة الفالح لصاحبها سليم محوي‪ ،‬ولكنها احتجبت‬
‫بعد موت صاحبها‪ .‬وكذلك جريدة األهرام اليت أسسها سليم تقال اللبناين وغريها‪.‬‬
‫التمثيل‬ ‫ز‪/‬‬
‫مل تعرف اللغة العربية التمثيل مبعناه احلديث إال يف أواسط القر التاسع عشر‬
‫امليالدي‪ .‬وكا اللبنانيو أسب األمم الشرقية إىل اقتباسه لتخرجهم من املدارس األجنبية‬
‫ودراستهم لآلداب األوروبية‪ .‬وأول من فعل نذلك مارو َّ‬
‫النقاش الذي مثَّل أول رواية‬
‫عربية سنة ‪18٤0‬م بعنوا البخيل‪.‬‬
‫شجع إمساعيل ابشا األدابء والعلماء على نذلك‪ .‬وملا َتَّ حفر قناة السويس‬
‫مث َّ‬
‫سا‪ ،‬ومثلت رواية ابلفرنسية كجزء من احتفاالت فتح‬ ‫استقدم فرقة من الفنانني من فَـ َرنْ َ‬
‫القناة‪ .‬وورد مصر على إثر نذلك مجاعة من املمثلني من لبنا ‪ ،‬فمثلوا يف اإلسكندرية بضع‬
‫رواَيت على املسرح سنة ‪1871‬م‪.‬‬
‫ومل يكن التمثيل يف أول أمره بـمصر شعبياا‪ ،‬وإنـما كا أوتُوقِر ِ‬
‫اطياا‪ ،‬ال حيضره إال‬‫َ‬
‫ين يف اإلسكندرية دار العادات أصبح للجمهور‪.‬‬ ‫فلما بُِ َ‬
‫األمراء واحلكام وأصحاب اجلاه‪َّ .‬‬
‫‪119‬‬
‫وكا التمثيل يف أول أمره بعي ًدا عن الذوق الفين ومؤسسا على اجملو والغناء جلهل كث ٍري‬
‫من املمثلني بصناعتهم‪ ،‬وقصور احرتافهم‪ ،‬وضعفهم يف اللغة العربية الفصحى‪ ،‬وسوء‬
‫اختيار القصص املمثلة‪ .‬فقد كا أغلبها غري مالئمة لتقاليد األمم الشرقية واجملتمع‬
‫اإلسالمي‪ .‬فتنكر منها الشعب ومل تعد بعد ابلغرض املطلوب منها‪.‬‬
‫املكتبات‬ ‫ح‪/‬‬
‫بدأ العصر احلديث والرتاث العريب الذي خلفه السلف من علماء العرب‬
‫مبعثر يف خزاانت املساجد وقصور امللوك‪ .‬فلما انتشرت املطابع‪،‬‬‫ٌ‬ ‫ومفكريها وكتاهبا‬
‫وازدادت عدد الكتب‪ ،‬وقويت الرغبة إىل مجعها وتيسري االطالع عليها‪ ،‬أدى نذلك إىل‬
‫إنشاء املكتبات العامة‪ .‬وكا من أوائلها وأمهها دار الكتب املصرية اليت دعى إىل إنشائها‬
‫علي مبارك‪ .‬وكانت تضم نذخائر من كتب الرتاث القدمي واملؤلفات احلديثة‪ ،‬وعلى غرار‬
‫الزيْـتُونِيَّة‬
‫دور متعددة يف الوطن العريب كاملكتبة الظاهرية بدمش ‪ ،‬واملكبتة َ‬
‫هذه الدار قامت ٌ‬
‫بتُونِس‪ ،‬ومكتبة القرويني ابملغرب وغريها‪ .‬وأنشأت املكتبات النوعية كمكتبة األزهر‪،‬‬
‫ومكتبات املدارس واهليئات واملؤسسات العلمية واألدبية‪ .‬كما أنشأت دور الكتب يف‬
‫حواضر األقاليم‪.‬‬
‫وقد ارتبط إبنشاء دور الكتب إحياء الرتاث العريب القدمي‪ ،‬فبدأت ثروة حارة‬
‫جديدة إثر املكتبات يف القاهرة وبَـ ْيـ ُروت ودمش وبغداد وتُونِس وسائر أمصار الدول‬
‫العربية وغريها‪ .‬وشارك يف نذلك بعض العلماء من اهلند وغريها من الدول اليت تعترب من‬
‫أصحاب املصلحة للرتاث العريب وأدبه‪ .‬وساعدت املكاتب على إحياء الثقافة ونشر ألوا‬
‫املعرفة وتنشيط احلركة يف البحث والتأليف والرتمجة وتيسري االطالع على الكتب ملن قد‬
‫يفوهتم احلصول على املراجع أو يصعب إال حتت سقوف تلك املكاتب‪.‬‬
‫الرتجـمة‬ ‫ط‪/‬‬
‫استقدمت مصر أساتذة أجانب وكذا الطالب من غري الناطقني ابللغة العربية‪،‬‬
‫فأدى نذلك إىل ضرورة الرتمجة‪ ،‬وكذلك احلاجة إىل ترمجة الكتب املنقولة من علوم الغرب‪،‬‬
‫‪120‬‬
‫واإلعالم والعالقات الدولية وغري نذلك من األسباب‪ .‬وقد قام املرتمجو من املغاربة‬
‫والسوريني ٍ‬
‫جبهد مشكوٍر يف إحياء الرتاث العلمي العريب عن طري الرتمجة‪ .‬ومن نذلك‬
‫علمية جديدةٍ‪ ،‬وترمجة طائفة من الكتب العلمية يف الطب‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫مصطالحات‬ ‫عنايتهم ابستخراج‬
‫وغريه من العلوم إىل العربية‪ .‬مث تواىل إرسال البعثات إىل الدول األوروبية لـهذه املهمة‪،‬‬
‫سا وأل َْمانِيَا‬
‫فأ ُْرسل طبقات من البعثات لتدريبهم على صناعة الرتمجة يف جامعات فَـ َرنْ َ‬
‫وهولَْن َدا وغريها من الدول األوروبية وقاموا بعد عودهتم مبجهودات جبارة يف ميدا‬ ‫ُ‬
‫الرتمجة‪.‬‬
‫مث ازدادت حركة الرتمجة نشاطا نتيجة هلجرة كث ٍري من السوريني إىل مصر‪ ،‬ونتيجة‬
‫يل ٍ‬
‫جديد ممن تـخصصوا يف اللغات األجنبية‪ .‬فانطلقت الرتمجة إىل ميدا األدب‪،‬‬ ‫لظهور ج ٍ‬
‫وتضاعفت عدد الكتب األدبية واإلنشائية املرتمجة‪ ،‬كما ازدادت عدد القصص‬
‫واملسرحيات املرتمجة‪.‬‬
‫اجملامع األدبية‬ ‫ي‪/‬‬
‫دورا‬
‫َت إنشاء اجملامع العلمية واألدبية يف بعض الدول العربية ولعبت هذه اجملامع ً‬
‫ملموسا يف تكوين النهضة األدبية احلديثة‪ .‬ومن أهم اجملامع اليت خدمت اللغة العربية‬
‫ً‬
‫وآدابـها ما يلي‪:‬‬
‫اجملمع العلمي بدمشق‬ ‫‪/1‬‬
‫كانت سورَي أسب الدول العربية إىل إنشاء اجملامع العلمية‪ .‬وقد أنشأ هذا اجملمع‬
‫سا ألغراض تدور حول مسائل‬ ‫سنة ‪1916‬م بعد دخول األمة السورية يف وصاية فَـ َرنْ َ‬
‫إحياء األدب العريب وتلقني أصول البحث والدراسة لنبهاء الدارسني‪ .‬وعين اجملمع بوضع‬
‫املصطلحات العلمية احلديثة‪ ،‬وإصالح بعض األوضاع اإلدارية‪ ،‬وتقومي لغة الدواوين‪،‬‬
‫وتصحيح بعض أغالط الكتاب والشعراء‪ .‬وأصدر اجملمع جملة لنشر دراسته وحماضراته‬
‫ومقاالته‪ .‬وانضم إىل هذا اجملمع صفوة العلماء واألدابء يف الشام والعراق ومصر وطائفة‬
‫من علماء املشرقيات األوروبيني‪.‬‬
‫‪121‬‬
‫جممع اللغة العربية بالقاهرة‬ ‫‪/2‬‬
‫اتبعا لوزارة الرتبية والتعليم‪.‬‬
‫َت إنشاء جممع اللغة العربية ابلقاهرة سنة ‪1932‬م ً‬
‫وكا الغرض منه احلفاظ على سالمة اللغة العربية‪ ،‬لتكو وافيةً ملطالب العلوم والفنو يف‬
‫اترخيي للغة العربية‪ ،‬ونشر األحباث‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫معجم‬ ‫تقدمها‪ .‬وعُ ِه َد إىل اجملمع مهمة القيام بوضع‬
‫الدقيقة احلديثة يف اتريخ بعض الكلمات وأطوار تغري مدلوالهتا‪ ،‬وتنظيم دراسة علمية‬
‫للجهات العربية احلديثة يف مصر وغريها‪ .‬كما كا من املتوقع أ يعني اجملمع اللغة العربية‬
‫على التقدم يف العلوم احلديثة‪ .‬وأ يبحث يف كل ميدا علمي له صلة أو شأ بتقدم اللغة‬
‫عضوا عامال يتم تعيينهم من بني العلماء املعروفني‬
‫العربية‪ .‬وكا اجملمع مؤل ًفا من أربعني ً‬
‫عضوا مراسالً يف خمتلف البلدا الغربية‪.‬‬
‫بتبحرهم يف اللغة العربية‪ ،‬وعشرين ً‬
‫ُّ‬
‫وقد بذل اجملمع جمهودات خالدة يف وضع املعاجم اللغوية وهتذيب املصطلحات‬
‫وإصدار األحباث القيمة يف فقه اللغة العربية واترخيها وعلوم هلجاهتا وآداهبا وسائر الفنو‬
‫اليت هلا صلة ابللغة العربية من قريب أو بعيد‪.‬‬
‫االستشراق‬ ‫ك‪/‬‬
‫يراد ابالستشراق يف العصر احلاضر دراسة الغربيني لتاريخ الشرق وأممه ولغاته‬
‫وآدابه وعلومه ومعتقداته وأساطريه‪ .‬ويسمى املتخصص يف نذلك بـاملستشرق‪ ،‬فكأ‬
‫الكلمة تقول إنه صار شرقياا‪ .‬وبدأت حركة االستشراق منذ القر العاشر امليالدي متمثلة‬
‫يف إقبال فري ٍ من علماء الغرب على دراسة لغات الشرق وعلومه وتقاليده واترخيه‪.‬‬
‫ومضت هذه احلركة تعلو حينا وتنخفض حينا آخر حىت كا القر التاسع عشر امليالدي‬
‫خاصا حبركة االستشراق من قبل الدول الغربية‪ .‬فقد أخذت األمم‬ ‫اهتماما ً‬
‫ً‬ ‫الذي شهد‬
‫الغربية تنشأ املعاهد لتعليم اللغات الشرقية وإعداد املستشرقني‪ .‬وعاجلوا حبواث خمتلفة حول‬
‫بالد الشرق واتريخ الشرقيني ومدنـياهتم وأخالقهم وعاداهتم وشرائعهم‪ ،‬وعلومهم وكل ما‬
‫يتصل هبم‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫حمصورا يف دائرة االنتفاع بعلوم العرب ومدنيَّة الشرق‪،‬‬
‫ً‬ ‫على أ االستشراق مل يب‬
‫ودينية واستخباري ٍة‪ .‬فقد أقبلت األمم‬
‫ٍ‬ ‫بل تعدى نذلك إىل أغراض جتار ٍية واستعمار ٍية‬
‫األوروبية القوية متنافسة يف التعرف على الشرق وارتياد أقطاره‪ ،‬وكشف آاثره‪ ،‬وفتح‬
‫كنوزه‪ ،‬وإحياء أدبه‪ ،‬وطبع آاثره‪.‬‬
‫أثرا بعيد املدى يف ترقية أسباب التقدم والبحث‬
‫وال شك يف أ للمستشرقني ً‬
‫العلمي يف اللغة العربية وعلومها وآداهبا عن طري أتسيس املطابع‪ ،‬وإنشاء املكتبات‪،‬‬
‫وأتليف اجلمعيات‪ ،‬وإقامة املؤمترات‪ ،‬وإصدار اجملالت‪ ،‬وحتقي املخطوطات‪ ،‬ونشر نفائس‬
‫الكتب والعناية هبا‪ ،‬وإحسا طبعها‪ ،‬والقيام ابلدراسات القيمة‪ ،‬والبحوث احملررة حول‬
‫اللغة العربية وآداهبا وعلومها حسب مناهج البحث العلمي احلديثة وقواعد النقد العلمي‬
‫الدقي ‪ ،‬وتدريب أبناء العرب‪ ،‬وغري نذلك من النشاطات واخلدمات اليت قدمها‬
‫املستشرقو للغة العربية والعرب حىت أصبحوا قدوة ملعلمي اللغة ومورخي األدب‬
‫والباحثني من العرب‪.‬‬
‫وعلى الطرف اآلخر‪ ،‬فقد سجل التاريخ الدور السليب الذي قام به بعض‬
‫شوهوها ابلذاتية واتباع اهلوى‬
‫األهوائيني من املستشرقني من تضليل القارئني أبحباثهم اليت َّ‬
‫وجمانبة اإلنصاف واالفرتاءات اخلالية من األصالة خالل معاجلتهم بعض القضاَي احلساسة‬
‫اليت متس اتريخ اإلسالم وسرية الرسول صلى هللا عليه وآله وسلم وفتوحاته وشريعته‬
‫وصحابته وغري نذلك‪ ،‬األمر الذي جعل العلماء يف العامل اإلسالمي ِ‬
‫حيذرو من االعتماد‬
‫املطل على ما كتبه هؤالء املضلو يف الدراسة والبحث واملرجعية‪.‬‬
‫اسي الفرنسي‪ ،‬وجا جاك‬ ‫ومن أشهر املستشرقني البارعني ِس ْلـﭙـستَـر ِدي س ِ‬
‫َ‬ ‫ْ ْ‬
‫ت الفرنسي‪ ،‬وفَـ ْرِد َاننْ ْد‬ ‫وه ْربْـلُو ْ‬
‫غ األملاين‪َ ،‬‬
‫برتلمي الفرنسي‪ ،‬ويوسف ويت اإلجنليزي‪ِ ،‬‬
‫وف ِريتَا ْ‬
‫وس ْن الدينمركي‪،‬‬ ‫االان اإليطايل‪ ،‬ورا ِزم ِ‬
‫ودابِْي ْد َس ْنـتَ َ‬‫َو ْستَ ِفي ْل ْد األملاين‪ ،‬وفَا َ فُـلُوتِ ْن الفرنسي‪َ ،‬‬
‫َ ُ‬
‫ِ‬
‫ني َه ْرْمتَا َ‬ ‫س لِيَال اإلجنلبزي‪ ،‬والدكتور َم ْرت ْ‬ ‫ِ‬
‫ْسو ْ اإلجنليزي‪ ،‬والسيد َش ْر ْل ج ْي ْم ْ‬
‫وروابر ْ ِ‬
‫ت ن ُكول ُ‬ ‫ُ َْ‬

‫‪123‬‬
‫وم ْار ِس ْل الفرنسي وغريهم كثري ممن هلم أعمال علمية نذات‬ ‫ِ‬
‫األملاين‪ ،‬وَكا ْزَم ْر ْسكي البولوين‪َ ،‬‬
‫األثر اإلجيايب على اللغة العربية والثقافة اإلسالمية إىل جانب آاثر أخرى سلبية‪.‬‬
‫‪ ‬مشاهري األدباء يف عصر النهضة األدبية احلديثة‬
‫أمحد شوقي‬ ‫أ‪/‬‬
‫هو أمحد شوقي بك‪ .‬ولد ابلقاهرة سنة ‪1869‬م‪ .‬ونشأ هبا‪ ،‬وتعلَّم يف مدارسها‬
‫االبتدائية والثانوية‪ ،‬مث تقدم إىل مدرسة احلقوق‪ ،‬وعدل إىل قسم الرتمجة الذي كا قد َت‬
‫وخترج‪ .‬وكا ألسرته اتصال ابلقصر ِ‬
‫فأرسل إىل‬ ‫إنشاؤه قبل قليل‪ ،‬فقضى فيه عامني‪َّ ،‬‬
‫يتدرج يف املناصب‬ ‫سا إلتـمام دراسته يف احلقوق واآلداب‪ .‬وملا عاد إىل مصر‪ ،‬استمر َّ‬ ‫فَـ َرنْ َ‬
‫حىت َّ‬
‫توىل رَيسة القلم اإلفرجني يف عهد عباس الثاين‪ .‬مث نفته احلكومة األجنبية إىل بَـ ْر َشلُونَة‬
‫اإلجنلِي ِزية عرش امللك يف مصر‪ .‬وملا عاد إىل مصر بعد أ وضعت‬ ‫بعد أ احتلت القوة ِْ‬
‫ٍ‬
‫إبخالص‬ ‫احلرب أوزارها‪ ،‬انصرف بشعره إىل الشعب‪ ،‬يذود عن حوضه ويهتف مبجده‪،‬‬
‫ٍ‬
‫وجهد كبريين‪ .‬وقد بذل شوقي يف سبيل الشعر عقله وماله وجاهه حىت اعرتفت له العرب‬
‫ابإلمامة يف الشعر‪ ،‬ودا له الشعراء يف عصره ووفدوا إليه من األقطار البائنة‪ ،‬وأقيم له‬
‫َم ْه َر َج ًاان لتكرميه‪ ،‬واشرتك فيه أرابب األدب من رجال مصر وأقطاب سائر الدول العربية‪.‬‬
‫أمريا للشعراء‪ .‬حىت قال حافظ إبراهيم يف مطلع قصيدة مدحه هبا يومئذ‪:‬‬
‫فأكرموه وابيعوه ً‬
‫وهذي وفود الشرق قد ابيعت معي‬ ‫أمري القوايف قد أتيـت مـبايعـا‬
‫عد شوقي أسطورة ومن أشهر الشعراء يف عصره‪ ،‬وكا نذا ٍ‬
‫خيال رائ ٍع وفك ٍر‬ ‫ويُ ُّ‬
‫ٍ‬
‫خصيب‪ .‬ويكاد النقاد جيمعو على أنه زعيم الشعراء يف العصر احلديث وإمام النهضة‬
‫الشعرية احلاضرة وقائدها‪ .‬قال الشعر منذ صبابته ونبغ‪ .‬وتفنن يف فنونه ومناخه‪ .‬ونظمه يف‬
‫كل غرض فأعجب‪.‬‬
‫وقوي الروح‪ .‬كا‬
‫وكا فخم العبارة‪ ،‬صايف الديباجة‪ ،‬رقي األلفاظ‪ ،‬دقي احلس َّ‬
‫وأفكارا دقيقة‬
‫ً‬ ‫كثريا أبساليبه‪ .‬كما كو لنفسه معاين جديدة‬
‫يُعنـي عناية كاملة أبلفاظه ويهتم ً‬
‫فكثريا ما ينفعل هلجمات أنصار التجديد من‬
‫ً‬ ‫يف عباراته‪ .‬وكا ال يتحمل االنتقادات‪،‬‬
‫‪124‬‬
‫النقاد‪ ،‬كالدكتور طه حسني الذي كا يهاجم أعمال شوقي األدبية بعنف ونذاتية وهو‬
‫واألستانذ عباس حممود العقاد‪.‬‬
‫وكا حمافظًا يف فنه‪ ،‬إال أ احملافظة مل متنعه من اإلنتاج على األساليب احلديثة‪،‬‬
‫فقد نظم يف الشعر القصصي والتمثيلي وامللحمي‪ .‬وله نثر ال خيتلف عن الشعر إال يف‬
‫الوز ‪ .‬وقد ترجم حياته بقلمه يف صدر ديوانه الذي مجع فيه كثريا من أعماله األدبية ومساه‬
‫وابتْـ َرا‪ .‬وله أيضا كتاب‬
‫بـالشوقيات‪ .‬ومن آاثره األدبية مسرحييت ليلى وجمنو ومصرع ُكلُ َ‬
‫الذهب ودول العرب ووادي النيل وغريها‪ .‬ومات سنة ‪1932‬م‪ .‬ومن شعره يف وصف‬
‫الطبيعة ما يلي‪:‬‬
‫حىت أريك بـديع صنع الباري‬ ‫تلك الطبيعة قـف بنا يـا سـاري‬
‫لـروائـع اآليـات واآلثــار‬ ‫األرض حـولك والسماء اهتزتـا‬
‫أم الكتاب علـى لسا القـاري‬ ‫مـن كل انطقة الـجالل كأنـها‬
‫ألدلـة الفـقـهـاء واألحـبار‬ ‫دلت علـى ملك امللوك فلم تدع‬
‫تـمحو أثيم الشـك واإلنـكار‬ ‫مـن شك فيه فنظـرة فـي صنعه‬
‫منه الطبيعة غـيـر نذات ستـار‬ ‫كشف الغطاء على الطرول وأشرقت‬
‫ٍ‬
‫ومواكب وجـواري‬ ‫يف نضـرةٍ‬ ‫شبهتـها بلقيس فـوق سريرهـا‬
‫ومـعالـم للـعز فـيه كبـار‬ ‫أو بـابـن داود وواسـع مـلكه‬
‫والطري فيـه نواكـس الـمنقار‬ ‫هـوج الرَيح خـواشع فـي اببه‬
‫رضوا يزجـي الـخلد لألبرار‬ ‫قامت على ضاحي اجلنا كأنـهـا‬
‫كم يف اخلمائل وهـي بعض إمائها مـن نذات خلخال ونذات سوار‬
‫ـجر فضل إزار‬
‫فـي الناعمات ت ُّ‬ ‫وحسيـرة عنها الثيـاب وبضَّـة‬
‫وضحوك ٍ‬
‫سن تـمأل الدنيا سنـى وغـريقة فـي دمعها الـمدرار‬
‫وكبيـرة األتـراب ابألغـوار‬ ‫ووحيدة بـالنجد تشكو وحشـة‬
‫ومن شعره يف مدح الرسول صلى هللا عليه وآله وسلم قوله‪:‬‬
‫‪125‬‬
‫مصو ٍ‬
‫سر عن اإلدراك مـكتنم‬ ‫سائل حراء وروح القدس هل علما‬
‫بطحاء مكة يف اإلصباح والغسم‬ ‫ٍ‬
‫ونذهاب ُش ِرفَت بـهما‬ ‫كـم ٍ‬
‫جيئة‬
‫مل تتصل قبل من قيلت له بـفم‬ ‫نـودي اقرأ تعالـى هللا قائـلها‬
‫أسـماء مـكة من قدسية النعم‬ ‫هنـاك أنذ للرحـمن فـامتألت‬
‫وكيف نفرتـها يف السهل والعلم‬ ‫فال تسل عن قريش كيف حريهتا‬
‫رمـى املشايـخ والولدا ابللمم‬ ‫تساءلوا عن عظيم قد ألـم بـهم‬
‫هل جتهلو مكا الصادق العلم‬ ‫َي جاهلني على اهلـادي ودعوته‬
‫ومـا األمني على ٍ‬
‫قوم بـمتهم‬ ‫لقبتمـوه أميـن القـوم يف صغر‬
‫وجـئتـنا حبكيم غيـر منصرم‬ ‫جاء النبيو ابآلَيت فـانصرمت‬
‫يـزينهن جـالل العت والقدم‬ ‫آَيته كلما طال الـمدى جددت‬
‫حافظ إبراهيم‬ ‫ب‪/‬‬
‫أسيُوط سنة ‪1870‬م‪ .‬ومات‬ ‫هو حممد حافظ إبراهيم‪ .‬ولد ب َديْـ ُروط من أعمال ْ‬
‫خال له‪ .‬وأُ ْد ِخل املدرسة‬
‫أبوه وهو صغري‪ ،‬فقدمت به أمه القاهرة ونشأ هبا حتت رعاية ٍ‬
‫متبطالً‪ .‬فطف ال يفتؤ‬ ‫االبتدائية مث الثانوية‪ .‬مث انتقل إىل طـ ْنطا‪ ،‬وقضى هبا بضع سنني ِ‬
‫متربًما ابلعيش‪ ،‬متأففا ابلناس‪ ،‬متجنِيًا على القدر ال يقول الشعر إال يف هذه املعاين‪ .‬مث‬
‫دخل املدرسة احلربية‪ ،‬وخترج فيها ضابطًا‪ ،‬مث نُِقل إىل قسم الشرطة‪ ،‬مث أعيد إىل اجليش‪.‬‬
‫متربما ِ‬
‫متمر ًدا‪ ،‬واثر يف هناية املطاف‬ ‫وأشخص إىل السودا فبقي هناك زمنًا ال بنفك فيه ً‬
‫مع بعض الضباط سنة ‪1899‬م‪ ،‬فحوكم وأحيل إىل االستيداع‪ ،‬ومنه إىل املعاش‪ .‬فعاد‬
‫حافظ كما كا ‪ ،‬يضطرب يف احلياة املبهمة‪ ،‬ال يطمئن لعمل وال يستقر على أمر‪ ،‬حىت‬
‫عُ ِـني على القسم األديب بدار املعارف سنة ‪1911‬م‪ ،‬مث وكيال للدار‪ ،‬وظل على هذا‬
‫املنصب حىت تقاعد سنة ‪1932‬م‪ ،‬وتويف صيف السنة نفسها‪.‬‬
‫بصريا‪ .‬وكا دمث‬
‫قديرا‪ ،‬وراويةً ً‬
‫كبريا‪ ،‬ومؤل ًفا ً‬
‫شاعرا نبيالً‪ ،‬وكاتبًا ً‬
‫وكا حافظ ً‬
‫األخالق‪ ،‬كثري املواساة ألصحابه‪ ،‬شديد التعصب ألمثاله ممن مشلهم البؤس وتغمدهم سوء‬
‫‪126‬‬
‫واضحا‬
‫ً‬ ‫وجوادا‪ .‬وظهر أثر ما حيفظه من الشعر الكثري‬
‫ً‬ ‫مسحا‬
‫احلال يف املعيشة‪ .‬وكا كري ًـما‪ً ،‬‬
‫يف شعره‪ ،‬فقد كا جزل األلفاظ واألسلوب‪ ،‬متني الرتاكيب ونقي الديباجة‪ .‬وكا لشعره‬
‫روعة الرتاكيب‪ ،‬يـميل إىل تنقيح العبارة وهتذيبها‪ ،‬واالحتفال بتجويدها وتزيينها‪ ،‬ويهتم هبا‬
‫أكثر من اهتمامه جبانب املعاين‪ .‬واشتهر حافظ إبراهيم بشكوى الزما والقول يف السياسة‬
‫واحلياة االجتماعية وكل ما يتصل ابلشعب املصري‪ ،‬ولقب بـشاعر النيل‪ .‬ومن شعره‬
‫األبيات التالية من قصيدة له مساها بـميت غمر‪:‬‬
‫كيف بـاتت نساؤهم والعـذارى‬ ‫سائلـوا الليل عنهـم والـنهارا‬
‫وكيف اصطلى مع القـوم نـارا‬ ‫كيف أمسـى رضيعهم فقد األم‬
‫يتـداعـى وأسـقف تتجـارى‬ ‫كيف طاح العجـوز حتت جدا ٍر‬
‫فاكشف الكرب واحجب األقدارى‬ ‫رب إ القضاء أنـحى عليهـم‬
‫ومـر الغـيث أ يسيل انـهمارا‬ ‫ومـر النار أ تـكف أنذاهـا‬
‫هـذه النار فـهي تشكو اإلوارى‬ ‫أين طوفا صاحب الفلك يروي‬
‫متلؤ األرض والسماء شـرارا‬ ‫أشعلت فحمة الدَيجي فـباتت‬
‫ورمتهم والبؤس يـمشي يسـارا‬ ‫غشيتهم والنحس يـمشي ميينا‬
‫ثـم غارت وقـد كستهـم قارا‬ ‫فأغارت أوجـه القـوم بيـض‬
‫لـم تغـادر صغـارهم والكبارا‬ ‫أكلت دورهم فـلما استقلـت‬
‫ومن شعره أيضا ما يلي يف احلديث عن تربية البنات‪:‬‬
‫يف الشـرق علة نذلك األخالق‬ ‫من يل برتبيـة النسـاء فإنـها‬
‫أعددت شعبـا طيب األعـراق‬ ‫األم مـدرسـة إنذا أعددتـها‬
‫بني الرجال جيلن يف األسـواق‬ ‫أان ال أقول دعوا النساء سوافرا‬
‫يـحرز رقـبتهن ال مـن واق‬ ‫وازع‬
‫يدرجن حيث أرد ال من ٍ‬
‫يف احلجب والتضييـ واإلرهاق‬ ‫كال وال أدعوكم أ تسرفـوا‬
‫فالشـر فـي التقييد واإلطالق‬ ‫فتوسعوا يف الـحالتني وأنصفوا‬
‫‪127‬‬
‫يف الـموقفني لـهن خري واثق‬ ‫ربو البنات على الفضيلة إنـها‬
‫حفين ناصف بك‬ ‫ج‪/‬‬
‫يتيما ويف عائلة فقرية بضاحية من‬
‫هو حممد حفين انصف بن إمساعيل بك‪ .‬ولد ً‬
‫ضواحي القاهرة تدعى بركة احلاج سنة ‪1856‬م‪ .‬فكلفه خاله وجدته أم أبيه‪ .‬وأُ ْدخل‬
‫كتاب القرية‪ ،‬فتعلم مبادئ القراءة والكتابة وحفظ شيئا من القرآ ‪ ،‬مث غادر القرية لينجو‬
‫من معل ٍم كا يفرط يف ضربه‪ ،‬ففر ماشيا على قدميه إىل األزهر ومكث يف القاهرة مدة‬
‫كثريا من املتو ودواوين الشعر‪ ،‬وتعلم الفقه‬
‫طويلة‪ ،‬جود خالهلا القرآ وحفظه‪ .‬كما حفظ ً‬
‫على مذهب الشافعية‪ ،‬وأتقن علوم اللسا العريب‪ ،‬واشتغل ابلشعر واألدب فربع فيهما‪،‬‬
‫حىت أصبح أحد الشعراء البارزين يف األزهر‪.‬‬
‫وقد ُع ِـني لتدريس اللغة العربية يف املدارس األمريية‪ ،‬مث مدرسة احلقوق‪ ،‬واستغل‬
‫ب‬ ‫ِ‬
‫هذه الفرصة ليشارك طلبته يف دراسة القانو ‪ ،‬فدرس القانو وترك التدريس‪ .‬وانتُخ َ‬
‫كاتبًا للنائب العمومي‪ .‬مث ُعِني قاضيا يف احملاكم األهلية‪ ،‬وارتقى عرب املناصب يف وزارة‬
‫العدل حىت صار وكيالً حملكمة طنطا‪ .‬ويف هذه األثناء انتُ ِدب لتدريس األدب العريب يف‬
‫مج َعت يف كتاب خاص‪ .‬مث أصبح وز ًيرا‬ ‫اجلامعة املصرية‪ .‬فألقى فيها حماضر ٍ‬
‫ات ممتع ًة ُِ‬
‫للمعارف‪ ،‬فازدهرت دولة األدب العريب واعتز جانب اللغة جراء ما قام به من‬
‫اإلصالحات والتنقيحات خالل فرتة وزارته‪ .‬وتويف سنة ‪1919‬م‪.‬‬
‫عد حفين انصف أحد أركا النهضة األدبية املصرية الذين أحيوها أبحباثهم‬ ‫يُ ُّ‬
‫جوااب‪ .‬فقد كا فكه‬
‫ومؤلفاهتم وقصائدهم‪ .‬وكا من أطيب خل هللا حديثًا وأخضرهم ً‬
‫وزعيما لطبقته‪.‬‬
‫ً‬ ‫شاعرا فاضالً‪ ،‬كاتبًا جمي ًدا‬
‫ً‬ ‫احلديث‪ ،‬مليح النادرة وحاضر البديهة‪ .‬وكا‬
‫كما كا النابغو من األدابء بعده عياالً على أسلوبه‪ .‬ومن أقواله هذه الرسالة اليت وجهها‬
‫إىل بعض أصدقائه هتنئة وعتااب‪ ،‬ويقول فيها‪:‬‬
‫هننئ السيد‪ ،‬أدام هللا سيادته‪ ،‬ورفع على مكا السها مكانته‪ ،‬وحق كما قضى‬
‫بعزته ورفعته وسعادته بعيد الفطر‪ ،‬واستهالل شوال‪ ،‬بل هننئ اهلالل ابستقبال الكمال‪،‬‬
‫‪128‬‬
‫حيث قابل مطلعه مطلعته‪ ،‬ووازى بغرته غرته‪ ،‬فقلنا إنه يتعرض لسقوط أشعة حمياه على‬
‫مرآته الوضيعة‪ ،‬ليقود مع توهج سناه مشكاته‪ ،‬ونعقب السيد إنذ جعل العيد مستقر‬
‫عادته‪ ،‬ولو شاء جلعله يف رمضا بزَيرته‬
‫يـوم ألقاك َي سليما عيد‬ ‫ما انقضاء الصيام عيد ولكن‬
‫وكنت ختيلت أ تقارب الدَير يدين املزار‪ ،‬ولكن بـمثل هذا التخيل ال يرتفع‬
‫الواقع على أ قرب الدَير ليس بنافع‪ .‬أما كا حيسن أ نكاتب ونراسل إنذا مل نواصل؟‬
‫أو أ تعود مريضا يف اهلوى دنفا‪ ،‬ما كنت أعهد هذا َي ابن عياد‪.‬‬
‫هب أين لست هنا أو أ ال مودة بيننا‪ .‬أما كا جيمل أ حتمل ركابك وتزور‬
‫أصحابك؟ فأين املواثي والعهود على قطع عالئ الصدور؟ وأين ما كنا نسمع أ سليما‬
‫من آل داود؟ على جمرد فرض وتقدير حمض! وإال فأين وحدة املطلب واحتاد املشرب؟‬
‫ونذمم املعارف وشهود املواقف؟ ومىت نسيت األحرار حقوق اجلوار؟ وأقفل العتاب‪ ،‬فإ‬
‫شرحه حمتاج إلطناب‪ ،‬والسالم‪.‬‬
‫ومن شعره ما يلي يف خطاب أحد الرؤساء‪:‬‬
‫من طول ما القيت مـن إخواين‬ ‫أحييت آمايل وكنـت أمـتها‬
‫أعراضهم جبوارحـي ولسانـي‬ ‫أديل إبخالصي هلم وأنذود عن‬
‫كانت بداية أمـرهم نسيانـي‬ ‫حمضتهم ُو ِدي فلمـا أيـسروا‬
‫فرد فكنه وال احتيـاج لثـا‬ ‫حسيب مـن الدنيا صدي اثبت‬
‫البارودي‬ ‫د‪/‬‬
‫هو حممود سامي بك بن حسين البارودي‪ .‬ولد ابلقاهرة سنة‪1839‬م‪ .‬وترأ على‬
‫نعمة أبيه الذي كا من حكام عهد حممد علي ابشا‪ .‬ولكن والده تويف والشاعر يف السابعة‬
‫من عمره‪ ،‬فقام بعض أقاربه برتبيته‪ .‬وتدرج يف التعليم حىت خترج يف الكلية احلربية ضابطًا‪.‬‬
‫وكا مولعا ابلشعر وحمباا للشعراء منذ صغره‪ ،‬فكا حيفظ الكثري من شعر العرب‬
‫القدمي‪ ،‬مث فاض ما حفظ على لسانه فانطل منه برائ الشعر يف أغراض خمتلفة ومضى‬
‫‪129‬‬
‫قديرا‪ .‬تعلم اللغات اإلجنليزية والرتكية والفارسية وأجادها‪،‬‬
‫عظيما ً‬
‫شاعرا ً‬
‫يتفنن حىت أصبح ً‬
‫وتدرج يف الرتب احلربية حىت مسا إىل رتبة‬ ‫وتضلع يف آداهبا‪ .‬وعمل يف خمتلف اإلدارات‪َّ ،‬‬
‫اللواء‪.‬‬
‫إسبَانِيَا‬ ‫وهو أول من فتح ابب الثورة ضد االستعمار بـمصر‪ ،‬فنفاه ِْ ِ‬
‫اإلجنلي ِزيُّو إىل ْ‬
‫حنو سبعة عشر سنة‪ .‬مث عُ ِفي عنه فرجع إىل مصر‪ .‬وقضى ‪ -‬بعد رجوعه ‪ -‬بضع سنوات‬
‫يف القراءة والكتابة والتأليف والنظم‪ .‬ووافته املنية سنة ‪190٤‬م بعد أ كف بصره قبيل‬
‫موته‪.‬‬
‫كا له الفضل األول يف إحياء الشعر العريب من وجلة موته إثر عصر االنـحطاط‪.‬‬
‫وقد أتثر يف شعره اببن املعتز وأيب الفراس والشريف الرضى وغريهم من نبالء الشعراء‬
‫ائعا‪ ،‬وأوصل الشعر العريب إىل الدرجة العالية‪ .‬وكا يهتم‬
‫بديعا ر ً‬
‫السالفني‪ .‬فخرج شعره ً‬
‫ابأللفاظ واألساليب أكثر من اهتمامه ابملعاين‪ ،‬وعُ ِين ابلوصف والفخر واحلماسة‪ .‬ومن‬
‫شاعرا من شعراء العصر‬
‫آاثره خمتارات البارودي وهو جمموعة من القصائد اختارها لثالثني ً‬
‫العباسي‪ .‬وله ديوا شعر يف جزءين‪ .‬ومن شعره ما يلي‪:‬‬
‫وشاب فيه مـفرقي‬ ‫بـرزت يف سحر البيـا‬
‫وقضيت عمري يف البال غـة سابقـا لـم أُحل‬
‫رف مـخلصا يـتشوق‬ ‫وخدمت ديوا الـمعا‬
‫مـؤنذ لـم بشف‬ ‫واآل أنذ بـالـرحيـ ـ ــل‬
‫عشـرو يوما قد ب ـ ـ ــقني وبعدها ال نلتقـي‬
‫فتبلغي َي نفس ابمل ـ ـ ــفروض للـمـسـرتزق‬
‫ة وقـل منها مـا بقـي‬ ‫فات الكثري مـن الـحيا‬
‫ومن آاثره أيضا قوله يف قصيدة له قاهلا بعد عودته من املنفى‪ ،‬ونذلك حني مر‬
‫بقصر اجلزيرة فتذكر عهد إمساعيل فقال‪:‬‬
‫هيهات قد نذهب املتبوع والتبـع‬ ‫هل ابحلمى عن سرير امللك من يزع‬
‫ينأى به اخلوف أو يدنو به الطمع‬ ‫هذي اجلزيرة فانظر هل ترى أحـ ًدا‬
‫‪130‬‬
‫للملك منها لـوفد العز مـرتبع‬ ‫أضحت خالء وكانت قبل منزلـة‬
‫وال سـميع إنذا انديـت يستمع‬ ‫فال جميب يرد القـول عـن نبـأ‬
‫الرافعي‬ ‫هـ‪/‬‬
‫هو مصطفى صادق الرافعي‪ .‬ولد سنة ‪1881‬م يف أسرة سورية األصل استقرت‬
‫جبوار النيل حيث ولد‪ .‬ومل يتم دراسته األوىل لعائ ٍ ِ‬
‫صح ٍي أل َّـم به وأورثه عاهة الصمم‪،‬‬
‫وعُ ِوض هذا النقص ابالعتماد على نفسه‪ ،‬فتابع حياته ابلقراءة الدائمة يف مكتبة والده اليت‬
‫كانت تضم نذخائر من كتب الدين واألدب‪ .‬وكا حمباا لالعتكاف يف بيته دو االختالط‬
‫ٍ‬
‫فطري يف‬ ‫ابلناس‪ ،‬وربـما كانت إصابته آبفة الصم مما اضطره إىل نذلك فضال عن ٍ‬
‫ميل‬
‫اخللود للنفس واألهل‪ .‬وساعده نذلك على االطالع الدؤوب وقراءة كث ٍري من كتب األدب‬
‫هادائ للكتابة والتأليف‪ .‬وتويف الرافعي سنة ‪1937‬م‪.‬‬
‫جوا ً‬‫والدين‪ .‬كما مهد له نذلك ا‬
‫كثريا ما هاجم أنصار التجديد يف األدب العريب‬
‫وكا حمافظًا ومتعصبًا للقدمي‪ ،‬و ً‬
‫أمثال األستانذ عباس حممود العقاد والدكتور طه حسني وغريمها بقلمه‪ ،‬وانقشهم بعنف‬
‫وتعـنت‪ .‬وقد دارت بني الطرفني معارك نقدية على صفحات الصحف واجملالت املصرية‪.‬‬
‫ٍ‬
‫فاضلة‪ ،‬وداعيةً إىل‬ ‫ٍ‬
‫أخالق‬ ‫غيورا عليه‪ ،‬كما كا نذا‬
‫وكا الرافعي متمس ًكا ابلدين ً‬
‫التمسك أبخالق السلف ونبذ ما جاءت به احلضارة األوروبية من عادات وتقاليد تغاير‬
‫عادات اجملتمع اإلسالمي وتقاليده‪ .‬كما كا يدعو إىل حفظ اللغة العربية الفصحى‬
‫واألدب العريب القدمي‪.‬‬
‫خاص ليس ابملرسل املطل ‪ ،‬وال ابملسجوع‬ ‫ٍ‬
‫أسلوب ٍ‬ ‫يعتمد الرافعي يف كتابته على‬
‫املقيد بقيود السجع وتكاليفه الشكلية‪ .‬وإنـما هو أسلوب يشوبه الغموض يف اختيار‬
‫األلفاظ وتركيب العبارات‪ ،‬واستخدام االستعارات واجملازات اللغوية‪ .‬وعباراته مع نذلك‬
‫عربية سليمة‪ ،‬فصيحة وحمررة األلفاظ‪ .‬له كتاب وحي القلم واتريخ آداب العرب يف ثالثة‬
‫جزءا يف إعجاز القرآ ‪ .‬ومن أقواله ما يلي يف نقد األخالق بعنوا "ما ينبغي‬
‫أجزاء‪ .‬وألف ً‬
‫أ تكو عليه الصداقة"‪ .‬ويقول فيها‪:‬‬
‫‪131‬‬
‫ال أريد ابلصدي نذلك القرين الذي يصحبك كما يصحبك الشيطا ‪ ،‬ال خري لك‬
‫إال يف معاداته وخمالفته‪ .‬وال نذلك الرفي الذي يتصنع لك ويـماسحك مىت كا فيك طعم‬
‫العسل‪ .‬وال نذلك احلبيب الذي لك يف هم احلب كأنه وطن جديد‪ ،‬وقد نفيت إليه نفي‬
‫املبعدين ‪ .‬وال نذلك الصاحب الذي يكو لك كجلدة الوجه‪ ،‬حتمر وتصفر أل الصحة‬
‫واملرض يتعاقبا عليها‪ .‬فكل أولئك األصدقاء ال تراهم أب ًدا إال على أطراف مصائبك‪،‬‬
‫كأهنم هناك حدو ٌد تعرف هبا من أين تبتدئ املصيبة ال من أين تبتدئ الصداقة‪.‬‬
‫ولكن الصدي هو الذي إنذا حضر رأيت كيف تظهر لك نفسك لتتأمل فيها‪.‬‬
‫جزءا منك كا من حاضرتك‪ .‬وإنذا تـحول منك وصلك بغري‬ ‫ً‬ ‫وإنذا غاب أحسست أ‬
‫احملدود كما وصلك ابحملدود‪ .‬وإنذا مات‪...‬يومئذ ال تقول إنه مات لك ميت بل مات منك‬
‫ميت‪.‬‬
‫خليل مطران‬ ‫و‪/‬‬
‫هو خليل بن عبده مطرا ‪ .‬ولد ببَـ ْعلَبِك سنة ‪1872‬م يف أسرة عربية يتصل‬
‫نس بها ابلغساسنة املنحدرين من قبائل األزد اليمنية‪ .‬وكانت أمه راجحة العقل‪ ،‬هتوي‬
‫أثر كبريٌ يف نشأته وتكوينه‪ .‬تعلم خليل يف مدارس‬ ‫األدب وتقرض الشعر‪ ،‬فكا لذلك ٌ‬
‫بَـ ْيـ ُروت‪ ،‬فأتقن اللغة العربية والفرنسية‪ .‬مث تعلَّم فيما بعد اللغة اإلسبانية‪ .‬واكتسب ثقافة‬
‫واسعة يف األد بني العريب والغريب‪ .‬وتتلمذ على الشيخ إبراهيم اليازجي أحد محاة اللغة‬
‫ضيِ عليه‪،‬‬‫العربية‪ .‬ويف هذه األثناء نظم شعراً يفيض ثورة ونقمة على اخلالفة العثمانية‪ ،‬ف ُ‬
‫وأصبح يف املعمورة خائفا يرتقب‪ ،‬فرحل إىل َاب ِريس‪ .‬ولكن أيدي املؤامرات تبعته إىل هناك‪،‬‬
‫أخريا إىل مصر واختذ القاهرة وطنًا له‪ .‬وملا كا يف مصر اشتغل ابلصحافة‬
‫فغادرها‪ .‬مث اجته ً‬
‫واألعمال والرتمجة والشعر‪ ،‬وعرف ابألخرية ولقب بـشاعر القطرين‪ .‬مث عُِني رئيسا للفرقة‬
‫القومية للتمثيل وظل يرتأسها إىل وفاته سنة ‪19٤9‬م‪ .‬ومن شعره ما يلي‪:‬‬
‫والقلب بيـن مـهابة ورجاء‬ ‫ولقد نذكرتك والنهـار مـودع‬
‫كلمي كدامية السحاب أزائي‬ ‫وخواطري تبدو تـجاه نواظري‬
‫‪132‬‬
‫بسىن الشعاع الغارب املرتائي‬ ‫مشعشعا‬
‫ً‬ ‫والدمع من جفين يسيل‬
‫فوق العقي على نذُرى سوداء‬ ‫والشمس يف شف ٍ يسيل نضاره‬
‫وتقطرت كالدمعة احلمـراء‬ ‫مرت خالل غمامـتني ت ُّ‬
‫ـحدرا‬
‫مـزجت آبخر أدمعي لراثء‬ ‫فكـأ آخر دمع ٍـة للكو قد‬
‫فرأيت يف املرآة كيف مسائي‬ ‫وكأنين آنست يومـي زائـالً‬
‫املنفلوطي‬ ‫ز‪/‬‬
‫هو مصطفى لطفي املنفلوطي‪ .‬ولد ب َـم ْنـ َفلُوط سنة ‪1876‬م‪ .‬ونشأ يف بيت العلم‬
‫مبكرا‪ ،‬وتعلم يف األزهر‪ .‬وكا كثري امليل إىل علوم اللسا‬
‫ً‬ ‫والدين‪ .‬وقد حفظ القرآ‬
‫وفنو األدب‪ ،‬فقد كا حيفظ القصائد‪ ،‬ويتصيد الشوارد‪ ،‬وينتج الشعر والرسائل‪ .‬وقد‬
‫بدأت أمارات عبقريته كشاع ٍر تظهر منذ أ كا طالبًا يف األزهر‪ .‬وقد تقرب إىل الشيخ‬
‫حممد عبده وسعد زغلول واستفاد جبوارمها‪.‬‬
‫انزع املنفلوطي احلكام ودعا للخروج عليهم‪ .‬واهتِم مرة أبنه هجا عباس الثاين‪،‬‬
‫اإلجن ِلي ِزيُّو من مصر فقدم َاب ِريس‪ ،‬وهناك‬
‫فحوكِم‪ ،‬وقضى يف السجن مدة‪ .‬وكذلك طرده ِْ‬
‫ُ‬
‫أنشأ جريدة العروة الوثقى اليت كانت كنا ٍر احرتقت وكشفت عن خمازي املستعمرين‪ .‬مث‬
‫عُ ِهد إليه بعد عودته حترير صحيفة العدل مث عُِني ِس ْك ِرتَـ ْيـ ًرا يف جملس َّ‬
‫النواب‪ ،‬حيث ظل إىل‬
‫أ وافته املنية سنة ‪192٤‬م‪.‬‬
‫وكا املنفلوطي أديبًا موهبًا‪ ،‬سليم الفكرة ودقي احلس‪ .‬وكا حسن األخالق‪،‬‬
‫متواضعا‪ ،‬نذرب اللسا وصريح القول‪ .‬وكا حيمد هللا على ما وهبه به من الشجاعة‪ .‬وقد‬
‫ً‬
‫جبلت نفسه على الرمحة والعطف وحب اخلري للناس‪ ،‬فنذر قلمه ليتصدى ضد تلك‬
‫كثريا عن إصالح بعض العيوب الشائعة يف‬
‫املفاسد الوافدة مع حضارة الغرب‪ ،‬وكتب ً‬
‫اجملتمع اإلسالمي يف مصر‪ .‬ومن نذلك يقول‪:‬‬
‫ال أستطيع أ أتصور أ اإلنسا إنسا حىت أراه حمسنًا‪ ،‬ألين ال أعتمد فضالً‬
‫صحيحا بني اإلنسا واحليوا إال اإلحسا ‪ .‬وإين ألرى الناس ثالثة‪ :‬رجل حيسن إىل غريه‬
‫ً‬
‫‪133‬‬
‫ليتخذ إحسانه إليه سبيال إىل اإلحسا إىل نفسه‪ ،‬وهو املستبد اجلبار الذي ال يفهم من‬
‫اإلحسا إال أنه يستعبد اإلنسا ‪ .‬ورجل حيسن إىل نفسه‪ ،‬وال حيسن إىل غريه‪ ،‬وهذا الشره‬
‫نذهب ٍ‬
‫جامد لقتل يف سبيله الناس مجيعا‪ ،‬ورجل‬ ‫الذي لو علم أ الدم السائل يستحيل إىل ٍ‬
‫ال حيسن إىل نفسه وال إىل غريه‪ ،‬وهذا البخيل األمح الذي جييع بطنه ليشبع صندوقه‪.‬‬
‫مكاان‪ ،‬وال أجد إليه‬
‫وأما الرابع الذي حيسن إىل غريه وحيسن إىل نفسه فال أعلم له ً‬
‫سبيال‪ .‬وأحسب أنه هو الذي كا يفتش عنه الفيلسوف اليوانين ديوجني الكليب حينما‬
‫ُسئِل ما يصنع مبصباحه وكا يدور به يف بياض النهار فقال "أفتش عن إنسا "‬
‫ومن أقواله بعنوا "نذلك ما ال يكو " يف نقد األخالق أيضا ما يلي‪:‬‬
‫أتريد أ أعتمد على غريي يف حيايت؟ وأ أضع زمام نفسي يف يد عظيم من‬
‫العظماء أو نبيل من النبالء؟ يسعنـي وجيتبينـي ويكفينـي مؤنة عيشي وحيمل عنـي مهوم‬
‫احلياة وأثقاهلا؟ فيكو مثلي كمثل شجرة اللبالب‪ ،‬ال عمل هلا سوى أ تلتف حول جذوع‬
‫وتـمتص مادة حياهتا‪ ،‬بدال من أ تعتمد يف حياهتا على نفسها؟ نذلك ما ال يكو ‪ .‬أتريد أ‬
‫أمحل نفسي كما حيمل الدالل سلعته‪ ،‬وأدور هبا يف األسواق منادَي عليها من منكم أيها‬
‫األغنياء واألثرَيء والوزراء والعظماء وأصحاب اجلاه والسلطا ‪ ،‬من يبتاع نفسها بذمتها‬
‫وضمريها وعواطفها ومشاعرها بلقمة عيش وجرعة ماء؟‪.‬‬
‫أتريد أ تستميل قاميت كأين قوس من كثرة االنـحناء‪ ،‬وأ يتخذل أجفاين من كثرة‬
‫اإلطباق ومن اإلغضاء‪ ،‬وأ تـجتمع فوق ركبتـي طبقة من كثرة السجود بني أيدي‬
‫العظماء؟ أتريد أ يكو يل لساان ‪ ،‬لسا صادق أمدح به نذلك الذي متعنـي واجتباين‪،‬‬
‫ولسا أعد به عيوبه وسيئاته‪ ،‬وأ يكو يل وجها ‪ ،‬وجه راض عنه ألنه يزود عنـي‬
‫وحيمينـي‪ ،‬ووجه ساخط عليه ألنه يستعبدين ويستحقرين؟ نذلك ما ال يكو ‪.‬‬
‫أريد أ أعيش حرا طليقا‪ ،‬أضحك كما أريد وأبكي كما أشاء‪ ،‬وأ أحتفظ بصويت‬
‫ـحا‪ ،‬أنظم الشعر يف‬ ‫َّ‬
‫رانان‪ ،‬ونظري سليما‪ ،‬وخطواي منتظمة‪ ،‬ورأسي مرفوعا‪ ،‬وقويل صري ً‬

‫‪134‬‬
‫الساعة اليت أختارها‪ ،‬ويف الشأ الذي أريد‪ ،‬فإ أعجبنـي ما ورد علي منه فذلك‪ ،‬وإال‬
‫تركته غري آسف عليه‪ ،‬وأخذت يف نظم غريه‪.‬‬
‫أريد أ أعيش ح ارا طليقا‪ ،‬أانضل من أشاء وأجادل من أشاء‪ ،‬وأنتقد من أشاء‪،‬‬
‫خاشعا‬
‫ً‬ ‫وأقول كلميت اخلري والشر لألخيار واألشرار يف وجوههم‪ ،‬ال متملِ ًقا هؤالء وال‬
‫أولئك‪.‬‬
‫إيليا أبو ماضي‬ ‫ح‪/‬‬
‫هو إيليا أبو ماضي األديب الناقد‪ .‬ولد بلبنا سنة ‪1889‬م‪ .‬وعاصر مصر وهو‬
‫حدث‪ ،‬وظل هبا زمنا ميارس صناعة حترير الصحف واجملالت‪ .‬وانبثقت شاعريته إنذ نذاك‬
‫فـنُ ِشر له ديوا بعنوا "تذكار املاضي"‪.‬‬
‫ٍ‬
‫نشاط يف مجعية‬ ‫مث هاجر إيليا إىل ْأم ِريكا الشمالية حيث أصبح هناك ً‬
‫عضوا نذا‬
‫الرابطة القلمية اليت أتسست يف مدينة نِيويـُ ْوْر ْك األمريكية‪ ،‬وساهم إبنتاجاته األدبية والنقدية‬
‫يف تكوين ما يعرف بـأدب املهجر‪ .‬ونشر خالل هجرته ديوانني أوالمها ابسم "اجلداول"‬
‫واآلخر بعنوا "اخلمائل"‪ .‬كما ظل مطال على العرب والعربية من خالل جملة السمري‬
‫ُوهايُو‪.‬‬
‫ونذلك حني استقر يفِ نيويـُ ْوْر ْك بعد أ غادر أ َ‬
‫وقد كو له اطالعه الواسع على اآلداب العربية والغربية مكانة ممتازة كشخصية‬
‫جديدة يف الشعر العريب احلديث‪ .‬أما شعره فقد كا مهجرَي يف أسلوبه وموضوعه‪ ،‬واشتهر‬
‫اببتعاده عن تقليد القدامى‪ ،‬واستحداث املوضوعات واألساليب اجلديدة يف إنتاجاته‪ .‬وقد‬
‫وما وختلُّ ًفا ابلنقد من كل نواحيها‪ .‬وكا سهل اللفظ‪،‬‬
‫تناول حياة العرب وما فيها مما يراه ُمهُ ً‬
‫كثري التأمل يف احلياة‪ ،‬متشائما ومتحررا من كل ما يراه قدميا يف األدب العريب‪ .‬وتويف سنة‬
‫‪1957‬م‪ .‬ومن شعره يف وصف السماء ما يلي‪:‬‬
‫السحب تركـض يف الفضا ء الرحب ركض اخلائفـني‬
‫صفراء عاصيـة اجلبــني‬ ‫والشمـس تبـدو خلفها‬
‫ـت فـيه خشـوع الزاهـدين‬ ‫ـاج صام ٍ‬
‫والبحـر س ٍ‬
‫‪135‬‬
‫فـي األفـ البعيـد‬ ‫لكنمـا عيـنـاك بــا‪.......‬هتتا‬
‫سلمـى بـمانذا تـفكرين‬
‫سلمـى بـمانذا تـحلمني‬
‫لة ختتفي خـلف النـجوم‬ ‫أرأيت أحـالم الـطفـو‬
‫أم أبصرت عيناك أشـ ـ ــباح الكهـولــة يف الغيوم؟‬
‫أم خفت أ أييت الدجى ال ــجاين وال تـأتـي النجوم؟‬
‫أان ال أرى ما تلمحي ـ ـ ــن مـن الـمشاهد إنـما‬
‫أظـاللـها فـي انظريك‬
‫تن ُّـم َي سلمـى عـليك‬
‫فاصغي إىل صوت الـجدا ول جاريـات يف السفوح‬
‫واستنشقي األزهار يف ال ـ ــجنات مــا دامت تفـوح‬
‫أفـالك ما دامـت تلـوح‬ ‫ومتتعي ابلشهب يف ال ـ‬
‫كالضـباب أو الدخـا‬ ‫من قبل أ َيتـي زمـا‬
‫ال تبصـرين بـه الغدير‬
‫وال يلـذ لك الـخرير‬
‫أمـال جـميـال طـيـبا‬ ‫لـتكن حياتك كلـهـا‬
‫ولتـمأل األحالم قل ـ ـ ــبك يف الكهـولة والصـبا‬
‫ء وكاألزاهر فـي الـربـا‬ ‫مثل الكواكب فـي السما‬
‫ليكن أبمر احلب قلـ ـ ــبك عـالــما فـي نذاتـه‬
‫أزهــاره ال تــذبـل‬

‫‪136‬‬
‫ونـجومـه ال تـأفـل‬
‫مات النـهار ابن الصبـا ح فال تقولـي كيف مـات‬
‫ة يـزيـد أوجاع الـحياة‬ ‫إ الـتأمل يف الـحيـا‬
‫فـدعـي الكآبة واألسى واسـرتجعـي مـزج الفتـاة‬
‫مـثـل الضحـى مـتهلـال‬ ‫قد كا وجهك يف الضحى‬
‫فيـه البشاشـة والبهـاء‬
‫لـيكن كـذلك يف املساء‬

‫‪‬‬

‫‪137‬‬
‫الفصل الثامن‬
‫األدب النيجريي يف اللغة العربية‬
‫املدخل‬ ‫‪‬‬
‫دخلت اللغة العربية بالد نيجريَي بدخول اإلسالم وابتت إحدى اللغتني األجنبيتني‬
‫جزءا ال يتجزأ من كيا الدولة اللغوي والثقايف‬
‫اللتني وردات على بالد نيجريَي وأصبحتا ً‬
‫والديين واالجتماعي واملدين‪.‬‬
‫ومن الطبيعي أ تنتشر الثقافة اإلسالمية يف البالد بعد دخوله‪ ،‬ونذلك أل‬
‫وبناء على نذلك مل يقف‬ ‫اإلسالم دين العلم والثقافة؛ حتل معه ثقافته وعلومه أينما حل‪ً .‬‬
‫النشاط اللغوي للغة العربية يف نيجريَي عند نذلك احلد‪ ،‬بل دخلت اللغة العربية يف اجملال‬
‫األديب بعد أ تعلَّمها املواطنو ضمن فنو الثقافة اإلسالمية‪ ،‬ووقفوا على إنتاجات‬
‫أساطري أدابئها وكبار كتاهبا املتقدمني‪ ،‬فجعلوا حياكوهنم‪ ،‬ويُنتِجو األعمال األدبية اليت‬
‫تقوم بتصوير احلياة النيجريية ابللغة العربية‪.‬‬
‫‪ ‬دور اإلسالم يف نشر اللغة العربية يف نيجرييا‬
‫ويرجع اتريخ دخول اللغة العربية بالد نيجريَي إىل دخول اإلسالم‪ ،‬الذي جاء عن‬
‫ف على وجه‬ ‫طري القوافل التجارية اليت أتيت من مشال أفريقيا منذ وقت ِ‬
‫مبك ٍر ال يـُ ْع َر ُ‬
‫التحديد‪ .‬فقد كانت العالقات التجارية قدمية العهد بني مماليك هوسا وبني املغرب‬
‫والسودا وغريمها من بلدا مشال أفريقيا‪ .‬ومن الطبيعي أ ينتشر اإلسالم يف املراكز‬
‫دائما مع بضائعهم ودينهم احلنيف‪ ،‬والسيما‬
‫ً‬ ‫التجارية عن طري هوالء التجار الذين أيتو‬
‫إنذا اعتُِرب أ اإلسالم دين ال رهبانية فيه‪ ،‬وأنه من السهل أ يتأثر األفريقي الوثين ابلعريب‬
‫أو الرببري املسلم‪ ،‬خصوصا إنذا الحظ من أحدمها األمانة والوفاء والسماحة والكرم وغري‬
‫نذلك من القيم اإلسالمية‪.‬‬
‫ولكن أكثر املصادر تشري إىل عدم وجود ما يشري إىل وجود اإلسالم يف املنطقة‬
‫اَن بَـ ْرنُو ُِمهي ِجل ِْمي هو ومجهور‬
‫رمسياا قبل القر احلادي عشر امليالدي‪ ،‬ففيه أسلم ملك َك َْ‬

‫‪138‬‬
‫أهل مملكته‪ .‬وأسلم ملك َكـنُو علي ََي ِجي يف القر الرابع عشر امليالدي‪ ،‬وانتشر اإلسالم‬
‫خالل عهده يف اململكة‪.‬‬
‫وهكذا انتشرت اللغة العربية وعلومها يف نيجريَي رفقة اإلسالم‪ ،‬ونذلك أل اللغة‬
‫العربية كانت تتبع آاثر اإلسالم وال تفارقه‪ ،‬وتـهاجر معه أيـنما هاجر‪ .‬ونذلك بفضل‬
‫القرآ ‪ ،‬وعن طري التعليم‪ ،‬والدعوة إىل الدين‪ ،‬ونشر حماسن اإلسالم ومعامل ثقافته اليت‬
‫كانت اللغة العربية هي لغتها األوىل والرمسية‪ .‬وقد أسهمت املدارس القرآنية يف نشر‬
‫الثقافة العربية يف نيجريَي‪ ،‬ألهنا بـمثابة املدارس األولية‪ ،‬واملدارس الوحيدة اليت مألها‬
‫اء ولغته العلماء والكتاب‪.‬‬ ‫ِ‬
‫التالميذ‪ .‬واستطاعت أ تُعد للقرآ قر ً‬
‫ويرجع الفضل يف انتشار اللغة العربية والثقافة اإلسالمية إىل التجار ونشاطاهتم‬
‫التجارية والدعوية بني بالد نيجريَي إىل الدول العربية يف مشال أفريقيا واخلليج‪ ،‬واحلجيج‬
‫وإَياب‪ ،‬واملهاجرين الذين يرحتلو إىل تُ ْـمبُ ْكتُو واملغرب‬
‫نذهااب ً‬
‫شهورا للحج ً‬
‫ً‬ ‫الذين يقضو‬
‫األقصى لطلب العلم‪ ،‬ومجع من العلماء والدعاة الذين زاروا البالد وأكرسوا أنفسهم‬
‫لتدريس الدين واللغة العربية والتأليف‪ ،‬أمثال عبد الرمحن املغيلي وعمر الفويت والشيخ‬
‫الطاهر بن إبراهيم الفالين وغريهم‪ .‬مث امللوك والسالطني الذين اعتنقوا اإلسالم واختذوه‬
‫دينا رمسياا ململكاهتم وساعدوا يف نشر ثقافته بكل ما بوسعهم‪.‬‬
‫ويف اجلملة‪ ،‬ميكن اعتبار اإلسالم كأهم ما ساعد يف انتشار اللغة العربية يف نيجريَي‬
‫ومرورا بفرتات اترخيية خمتلفة نذات حوافز ومؤثرات متباينة وإىل اآل ‪ .‬فقد مرت‬
‫ً‬ ‫منذ دخوله‬
‫اللغة العربية بعد دخوهلا يف نيجريَي بفرتات‪ ،‬منها فرتة أتسيس املمالك‪ ،‬وفرتة الوفود‬
‫واحلركات الثقافية‪ ،‬وفرتة جهاد الفوديني وقيام دولتهم‪ ،‬وفرتة االستعمار الربيطاين‪ ،‬وفرتة ما‬
‫بعد االستقالل إىل العصر الراهن‪.‬‬
‫‪ ‬اللغة العربية يف نيجرييا خالل القرن التاسع عشر امليالدي‬
‫يعترب النصف األول من القر التاسع عشر امليالدي بـمثابة العصر الذهبـي‬
‫لإلنتاج العلمي واألديب ابللغة العربية يف نيجريَي لوفرة الوسائل اليت أاتحت للغة العربية‬
‫‪139‬‬
‫صوُكتُو‪ ،‬وكوهنا دولة‬
‫وعلومها فرصة االنتشار والتطور‪ .‬ومن أمهها قيام الدولة العثمانية يف ُ‬
‫إسالمية خاضعة لسلطا اإلسالم وشريعته‪ .‬وقد تبنت الدولة العثمانية اللغة العربية كلغة‬
‫رمسية‪ ،‬فتم استخدامها يف كتابة الدواوين احلكومية‪ ،‬وتقييد املشروعات والقرارات اإلدارية‪،‬‬
‫وسجالت احملاكم الشرعية‪ .‬كما اهتمت احلكومة بتثقيف الشعب وتشجيع األفراد على‬
‫طلب العلم‪ ،‬إضافة إىل كو كافة سالطني الدولة ووزرائها من العلماء اجملتهدين واألدابء‬
‫املشهورين‪.‬‬
‫كفرع من فنو الثقافة اإلسالمية‪،‬‬
‫فأاتح نذلك الوضع فرصة االنتشار للغة العربية ٍ‬
‫وتدارسها الشعب‪ .‬فنبغ منهم كثري ممن أتقنها‪ ،‬وجعلوا ينظمو القصائد هبا‪ ،‬حماكني يف‬
‫نذلك شعراء العرب القدماء من اجلاهليني واإلسالميني والعباسيني الذين كانت آاثرهم‬
‫األدبية متوفرة يف نيجريَي يف دواوين خاصة ويف أمهات كتب اتريخ األدب العريب‪.‬‬
‫وأما يف النصف األخري من القر التاسع عشر امليالدي‪ ،‬وبعد مضي عصر أولئك‬
‫العباقرة‪ ،‬فقد قل اإلنتاج األديب‪ ،‬ونذلك أل العلماء الذين عاشوا يف تلك الفرتة مل يسامهوا‬
‫يف التأليف والتصنيف‪ ،‬العتقادهم أ ابب االجتهاد قد ُسدت وأغلقت بـمضي عهد‬
‫الشيخ عثما بن فودي وأخيه وابنائه الذين كانوا من أركا الثقافة العربية يف النصف‬
‫األول من القر التاسع عشر امليالدي‪ .‬وزعم أولئك العلماء أنه ليس من إمكاهنم أ أيتوا‬
‫ٍ‬
‫جديد مل يذكره هؤالء األعالم‪ .‬فركدت إثر هذه الفكرة هـمتهم‪ ،‬واقتصر جهود‬ ‫بشيء‬
‫معظمهم على قراءة الكتب اليت ألفها الفوديو ‪ ،‬وعلى فهمها وتدريسها‪ .‬واستمر احلال‬
‫على هذا اجلمود إىل اطالع فجر القر العشرين امليالدي‪ ،‬وفيه شهدت اللغة العربية‬
‫تقد ًما ملموسا بواسطة عوامل متعددة‪.‬‬
‫‪ ‬اللغة العربية يف نيجرييا خالل فرتة االستعمار الربيطاني‬
‫معىن االستعمار ابملفهوم احلديث هو الرغبة اجلاحمة من بعض الدول األوروبية‬
‫سا والبُـ ْرتُـغَال وإيطَالِيَا وغريها يف امتالك البالد غري األوروبية واستيطا‬ ‫ِِ ِ‬
‫كالربيطَانيَا وفَـ َرنْ َ‬
‫البيض فيها وبسط النفونذ السياسي واالقتصادي واملسيحي بقوة السالح يف بعضها‪ .‬وهو‬

‫‪140‬‬
‫ني الدويل إىل أواخر‬ ‫ِ‬
‫نشاط عاىن منه كثري من الدول اآلسيوية واألفريقية منذ مؤمتر َاب ْرل ْ‬
‫القر العشرين امليالدي‪.‬‬
‫الربيطَ ِاين جلزء من أراضي نيجريَي منذ سنة ‪1861‬م عندما‬ ‫وقد بدأ االستعمار ِ ِ‬
‫وس‪ .‬مث استمروا يرتبصو بسائر املناط ويتغلغلو فيها حىت‬ ‫احتل ِْ ِ‬
‫الج ْ‬
‫اإلجنل ْيز مدينة ُ‬
‫سيطروا على كافة املناط اجلنوبية ابتداء من سنة ‪1900‬م‪ .‬كما َت االستيالء على املناط‬
‫الشمالية سنة ‪1903‬م‪ .‬ومبا أ التبشري املسيحي كا من أهم أغراض االستعمار‪ ،‬فقد‬
‫ترك املستعمرو شؤو التعليم أبيدي اإلرساليات‪ ،‬وسهَّلوا هلم الطرق والوسائل لنشر‬
‫الثقافة املسيحية‪ ،‬السيما يف جنوب نيجريَي‪.‬‬
‫وأما يف الشمال فقد واجهت اإلرساليات الطرد والتنفري من أمراء ممالك الشمال‬
‫وسكاهنا‪ .‬وفشلت حماوالهتم األوىل يف إنشاء املدارس التبشريية يف مناط مشال نيجريَي‪.‬‬‫َّ‬
‫اإلجنلِي ِزيَّة‬
‫سكا الشمال كرهوا الثقافة ِْ‬
‫ونذلك أل املسلمني الذين ميثلو الكثرة الغالبة من َّ‬
‫واعتقدوا أهنا خطَّة لتنصريهم‪ .‬وكانوا يف توثي اتم بثقافة آابئهم‪ ،‬فال حاجة هلم إىل هذه‬
‫الثقافة اجلديدة املمزوجة بروح املسيحية‪ .‬وكا املستعمرو أنفسهم ال يشجعو املبشرين‬
‫على دخول أراضي املسلمني‪ ،‬وغري نذلك من األسباب‪.‬‬
‫شا إىل مصر والسودا ليشاهد كيف‬ ‫س ﭘـي َ‬
‫مث أرسلت حكومة االستعمار سيد َه ْن ْ‬
‫استطاعت حكومة بِ ِريطَانِيَا االستعمارية صبغ التعليم يف تلك البالد املسلمة‪ ،‬وعاد ﭘـي َ‬
‫شا‬
‫عد ًة من املدارس يف مصر والسودا بتقرير حاصله أ يتم إدخال الدراسات‬ ‫بعد أ زار َّ‬
‫الدينية واللغة العربية يف مناهج املدارس احلديثة‪ .‬وعلى هذا األساس َت افتتاح املدارس‬
‫صوُكـتُو وَكاتْ ِشنَا بعد سنتني‪.‬‬
‫احلديثة األوىل يف َكـنُو سنة ‪1909‬م‪ ،‬مث يف ُ‬
‫ويظهر مما سب أ املستعمرين إمنا أدخلوا اللغة العربية والدين اإلسالمي يف املواد‬
‫اليت كانت تدرس يف املدارس احلكومية احلديثة استجابة لرغبة األمراء وإرضاء لآلابء‪.‬‬
‫تقدمهما كما فعلت لسائر‬ ‫ولذلك مل تُقدم احلكومة هلاتني املادتني خدمة تساعد على ُّ‬
‫املواد‪ .‬فأصيبتا بشيء من اجلمود‪ ،‬وأصبحتا غريبتني بني سائر املواد‪ ،‬ونظر إليهما التالميذ‬
‫‪141‬‬
‫واملدرسو بعني االحتقار‪ .‬فكانت اللغة العربية منعزل ًة بني سائر املواد اليت تدرس يف‬
‫املدارس احلكومية‪ ،‬وضئيلة تدرس بطريقة جامدة‪ .‬وهكذا ظل األمر إىل بداية أربعينيات‬
‫حتسن جذري مع ما حدث من جتهيز املؤمترات املتتالية اليت‬
‫القر العشرين امليالدي دو ُّ‬
‫عقدت للنظر يف وضع مناهج اللغة العربية والدين يف املدارس احلكومية‪.‬‬
‫وملا احتاج املستعمرو إىل القضاة واملوظفني يف احملاكم اضطروا إىل إنشاء املدارس‬
‫صوُكـتُو وَكـنُو‪ ،‬ونذلك سنة ‪1930‬م‪ .‬مث فُتِ َحت مدرسة أخرى يف‬
‫العربية احلديثة يف كل من ُ‬
‫َكـنُو سنة ‪193٤‬م ومسيت مدرسة الشريعة الكربى‪ ،‬وكانت أول مدرسة من نوعها يف غريب‬
‫أفريقيا‪ .‬ولقد لعبت هذه املدرسة دورا هاما يف نشر الثقافة الدينية يف نيجريَي ورفعت‬
‫مستوى دارسي اللغة العربية يف نيجريَي‪ .‬كما أصبحت كعبة يغشاها الطلبة من كل‬
‫احملافظات يف نيجريَي ومن سائر البالد األفريقية اجملاورة‪.‬‬
‫ويف اجلملة‪ ،‬كانت اللغة العربية قد أصاهبا نوع من اجلمود خالل فرتة االستعمار‬
‫الربيطَ ِاين حملاولة املستعمرين تضعيفها بشىت الطرق‪ ،‬واستبداهلم الثقافة العربية ابلثقافة‬ ‫ِِ‬
‫اإلجنلِي ِزيَّة‪ ،‬واستبداهلم كتابة لغة َه ْو َسا ابحلروف الالتينية‪ ،‬وكانت من قبل تكتب ابحلروف‬
‫ِْ‬
‫أمجي (الكتابة األعجمية)‪ .‬وساعد على هذا اجلمود‬ ‫العربية وتسمى يف لغة َهوسا بـربوتُن َِ‬
‫ْ َ ُُ ْ‬
‫سد األبواب اليت كانت قبل تلك الفرتة مفتوحة بني نيجريَي وبالد العرب‪ .‬فلم تنتشر اللغة‬
‫انتشارا يلي هبا‪.‬‬
‫ً‬ ‫العربية خالل فرتة االستعمار ِ ِ‬
‫الربيطَ ِاين‬
‫مث بدأ بصيص من النور يسطو على اللغة العربية نتيجة احلركات السياسية‬
‫ونشاطات الكفاح االستقاللية وإدراك احلكومة أب احلاجة ماسة إىل تنظيم املدارس‬
‫القرآنية‪ ،‬فأجرت على إثر نذلك بعض اإلصالحات اليت عادت بنتائج إجيابية‪.‬‬
‫واستمرت اللغة العربية تُـ َعلَّم يف احللقات والزواَي التقليدية على املنهج املوروث‬
‫بدو أي تطور‪ .‬ومل تظهر يف هذه الفرتة مؤلفات كثرية خالفا للفرتة املاضية‪ ،‬واكتفى‬
‫العلماء بدراسة املؤلفات اليت وضعها سلفهم وشرحها وكتابة الذيل عليها واحلاشية هلا‪.‬‬

‫‪142‬‬
‫‪ ‬اللغة العربية يف نيجرييا بعد االستقالل‬
‫دورا إجيابياا بعد االستقالل يف إدخال إصالحات يف التعليم العريب‬
‫لعبت احلكومة ً‬
‫والدينـي‪ ،‬فظهرت مدارس كثرية وأقبل الناس يستزيدو منها‪ .‬واعتنت احلكومة بتدريب‬
‫مدرسي اللغة العربية والدين‪ ،‬فأكمل طائفة من ُم ِ‬
‫درسي هاتني املادتني دراستهم العليا‬
‫وتـخصصوا‪ .‬مث تفرغوا للتدريس وشارك بعضهم يف سياسة التعليم‪ .‬واستمتعوا برفع‬
‫مستواهم‪ .‬وكذلك أقبلت احلكومة على إرسال البعثات التعليمية إىل البالد العربية وغريها‪.‬‬
‫جلنة لتنظيم التعليم يف املدارس القرآنية إثر اختالف اآلراء حول‬ ‫مث َت إنشاء ٍ‬
‫موقفها‪ ،‬فزارت هذه اللجنة ليبيا مث السودا فمصر لدراسة الطرق اليت عاجلت هبا تلك‬
‫الدول مشاكل التعليم يف املدارس القرآنية‪ .‬فقدم الوفد بعد عودته تقر ًيرا مفصالً حيتوي‬
‫ٍ‬
‫إصالحات جادَّة يف سياسة التعليم العريب‪ .‬ومن َمث‬ ‫على ختطيطات جيدة هتدف إىل إدخال‬
‫أصدرت احلكومة قر ًارا ابعرتافها ابملدارس القرآنية واإلسالمية‪ ،‬وإدخال نظامها يف إطار‬
‫التعليم العام‪ .‬وحاولت سد الفجوة اليت خلقها املستعمرو بني التعليم العريب والغريب‬
‫إبدخال املواد املدنية يف املدرس اإلسالمية وإضافة املواد العربية والدينية يف املدارس‬
‫املدنية‪ .‬هذا كله مما انلته العربية من التطور بعد االستقالل‪ ،‬ويرجع فضل نذلك جله تقريبا‬
‫إىل احلكومة اإلقليمية الشمالية اليت اهتمت إبدخال اإلصالحات يف نظام التعليم العريب‪.‬‬
‫وأما ابلنسبة للمدارس اإلسالمية اليت أنشأها األهايل واجلمعيات اخلريية‪ ،‬فقد‬
‫وافقت احلكومة على أ تقوم بتقدمي الدعم املايل والفين يف إجرائها‪ .‬مث املدارس احلكومية‬
‫صوُكتُو سنة ‪1963‬م‬ ‫ِ‬
‫اليت فُت َحت يف بعض املد ‪ ،‬كمعهد تدريب مدرسي اللغة العربية يف ُ‬
‫الذي أُنْ ِشأ على غرار مدرسة العلوم العربية يف َكـنُو مث ُمثِل حنوه يف غُ ْمبِـي بعد سنتني‪.‬‬
‫وصوُكتُو وبَـ ْرنُو لتدريب ُم ِ‬
‫درسي‬ ‫ِ‬
‫وتتابع إنشاء املدارس احلكومية يف َكـنُو وَكاتْشنَا ُ‬
‫اللغة العربية والدين على النظام املتبع يف املدارس احلكومية املركزية وارتفع بذلك مستوى‬
‫اللغة العربية يف املدارس واملعاهد احلكومية‪.‬‬

‫‪143‬‬
‫وأما العلماء التقليديو فقد استمروا يف نشاطاهتم على ما هم عليه من املنهج‪.‬‬
‫يدرسو طالهبم الكتب‬‫فما زالوا يفتحو أبواهبم لكل من يريد أ يتعلم عندهم‪ ،‬وكانوا ِ‬
‫الفقهية وبعض كتب احلديث والنحو والتفسري والتصوف عن طري قراءة النصوص‬
‫وترمجتها إىل اللغات احمللية الدارجة‪ .‬وكانت عنايتهم ابلتاريخ واألدب ضئيلة جدا‪.‬‬
‫مث تطورت األمور ابلنسبة للغة العربية والدين اإلسالمي يف بداية مثانينيات القر‬
‫العشرين امليالدي نتيجة للحركات اإلصالحية اليت قامت هبا بعض الطوائف واجلمعيات‬
‫الدينية كجماعة إزالة البدعة وإقامة السنة اليت دعت إىل العلم للجميع وأنشأت معاهد‬
‫علمية يف كافة القرى وأمصار الشمال‪ ،‬األمر الذي سهَّل على الشعب طلب العلم‬
‫واكتساب املعرفة يف الدين واللغة العربية‪ .‬ومجاعة نصر اإلسالم اليت أسهمت يف نشر‬
‫الدين وعلومه بوسائل شىت ومثلت دور حلقة الوصل بني مسلمي نيجريَي واحلكومات‬
‫واهليئات األهلية والدولية‪.‬‬
‫ومع حلول القر احلادي والعشرين امليالدي بلغت اللغة العربية يف نيجريَي نذروة‬
‫ٍ‬
‫خمتلفة وعرب مجيع املراحل الدراسية‪،‬‬ ‫سنام تقدمها إبقبال الناس على تعلمها ألغر ٍ‬
‫اض‬
‫وتضاعف عدد املدارس واملعاهد واهليئات واملؤسسات اليت تعتين بدراستها‪ ،‬وازدَيد‬
‫احلاجة إىل املثقفني هبا يف سوق العمل‪ ،‬وتطور احلياة من كل اجلوانب‪ ،‬والعوملة‪ ،‬وغري نذلك‬
‫من املربرات‪.‬‬
‫‪ ‬خصائص اللغة العربية يف نيجرييا‬
‫ختصصت اللغة العربية اليت يستخدمها النيجرييو ببعض اخلصائص اليت متيزها عن‬
‫سائر هلجات اللغة العربية يف غري نيجريَي‪ .‬وخالصة نذلك يف ما يلي‪:‬‬
‫يف اخلط‬ ‫أ‪/‬‬
‫يستخدم النيجرييو الرسم املغريب يف كتاابهتم يف أول أمرهم‪ ،‬مث دخل عليهم اخلط‬
‫احلديث بواسطة املدرسني من الشرق‪ ،‬كالسودانيني الذين تولوا مهنة التدريس بـمدرسة‬

‫‪144‬‬
‫العلوم العربية ب َكـنُو‪ .‬إال أ املدارس القرآنية واحللقات العلمية ما زالت تستخدم اخلط‬
‫املغريب من الرتسيم ابملداد العادية يف كتابة احلروف‪ ،‬ويف الشكل ابملداد األمحر‪.‬‬
‫وهناك بعض االختالفات بني اخلطني املذكورين‪ ،‬فإ أهل احللقات ‪ -‬على سبيل‬
‫املثال ‪ -‬يكتبو الفاء املعجمة بنقطة واحدة حتتية بدل الفوقية ويكتبو القاف املثناة‬
‫بنقطة واحدة فوقية بدل النقطتني‪ .‬كما يرمسو الياء املتطرفة اجملردة يف آخر الكلمة هكذا‬
‫( >)‪.‬‬
‫يف النطق‬ ‫ب‪/‬‬
‫تنقسم احلروف اهلجائية من حيث صعوبة أو سهولة النط هبا عند النيجرييني‬
‫الشماليني إىل ثالثة أقسام‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫احلروف اليت توجد يف لغة َه ْو َسا وعددها سبعة عشر وهي‪ :‬األلف والباء والتاء‬ ‫‪.1‬‬
‫واجليم والدال والراء والزاي والسني والشني والكاف والالم وامليم والنو واهلاء‬
‫والواو والم األلف والياء‪ .‬وهذه احلروف ال تسبب أية صعوبة يف النط هبا‪.‬‬
‫احلروف اليت توجد يف لغة َه ْو َسا ولكنها تُنط بطريقة خمالفة عن األصل العريب‬ ‫‪.2‬‬
‫وعددها أربعة‪ :‬الطاء والغني والفاء والقاف‪.‬‬
‫بتاات وهي الثمانية الباقية‪ :‬الثاء‪ ،‬احلاء‪ ،‬اخلاء‪،‬‬ ‫احلروف اليت ال توجد يف َه ْو َسا ً‬ ‫‪.3‬‬
‫الذال‪ ،‬الضاد‪ ،‬الظاء‪ ،‬العني والصاد‪.‬‬
‫ففي هذا القسم األخري يقع اخلطأ الشائع عند ال َـه ْو َس ِويني يف النط هبا‪ .‬فقلَّما‬
‫تـجد من يسلم من نذلك من املثقفني فضال عن غريهم‪ .‬فالثاء على سبيل املثال ينطقوهنا‬
‫هاء فيقولو ‪:‬‬
‫سينا فيقولو ‪ :‬مثال "سار" و"لبس" بدال من (اثر) و(لبث)‪ .‬واحلاء تصري ً‬
‫"اهلمد" و"الرمها الرهيم" بدال من (احلمد) و(الرمحن الرحيم)‪ .‬وكذا اخلاء تنقلب كافًا أو‬
‫هاء‪ ،‬فيقولو ‪" :‬كالدو " أو "هالدو " و"كرج" أو "هرج" بدل (خالدو ) و(خرج)‪.‬‬ ‫ً‬
‫والذال تُنطَ ز ًاَي‪ ،‬فيقال‪" :‬زلك" و"الزين" بدال من (نذلك) و(الذين)‪.‬‬

‫‪145‬‬
‫كما يبدلو الصاد سينًا فيقولو ‪" :‬مسر" و"السناعة" بدال من (مصر)‬
‫اء‪ ،‬فيقولو مثال‪" :‬املغلوب عليهم وال‬
‫الما أو داالً أو ر ً‬
‫و(الصناعة)‪ .‬والضاء ينطقوهنا ً‬
‫االلني" أو "املغروب عليهم وال الرالني" بدالً من ﭽ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭼ‬
‫ويف مثل مرض يقولو ‪" :‬مرد" أو "مرل"‪ ،‬وهكذا‪ .‬والظاء تصري ز ًاَي فيقولو مثال "الزهر"‬
‫و"الزالم" بدال من (الظهر) و(الظالم)‪ .‬والعني تصري مهزة يقولو ‪" :‬األليم" و"أليه" و"أم‬
‫يتساءلو " بدال من (العليم) و(عليه) و ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭼ‬
‫يف الرتكيب واستعمال اللغة‬ ‫ج‪/‬‬
‫الحظ أ قواعد‬
‫ومن انحية القواعد النحوية والصرفية واستعمال مفردات اللغة يُ َ‬
‫اللغة احمللية قد تؤثِر على متعلمي اللغة العربية‪ ،‬فكثريا ما تطغى قواعد لغة األم على‬
‫املتعلم حينما ميارس اللغة العربية‪ ،‬ومن َمثَّ يقع يف اخلطأ‪.‬‬
‫وابلنسبة لقواعد النحو مثال‪ ،‬جيب يف لغة َه ْو َسا أ يتقدم الفاعل على الفعل‬
‫واملفعول‪ ،‬وهذا خمالف ملا هو معروف يف اللغة العربية من سياقي اجلملة الفعلية واالمسية‪،‬‬
‫الحظ كثرة استعمال اجلمل االمسية يف تركيباهتم‪.‬‬
‫ومن هنا يُ َ‬
‫ويف حالة اإلضافة والوصف ال يفرق أكثر ال َـه ْو َس ِويِني بني عباريت " َولَ ٌد غَ ِ ٌّ‬
‫ين"‬
‫(إبسناد الصفة إىل الولد) وبني " َولَ ُد الْغَِِين" (إبضافة الولد إىل الغين)‪ .‬فيستعملو اجلملة‬
‫األوىل يف حمل الثانية أو العكس‪ .‬وكذلك يف استخدام حروف اجلر‪ ،‬فقد ال تكو مالئمة‬
‫يف الرتاكيب العربية ولكنها ضرورية يف ما يقابلها من الرتاكيب يف َه ْو َسا أو العكس‪ .‬ومثال‬
‫(َي ُزو َد َس ِايف)‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اس َوا" (نذهب إىل السوق)‪ .‬ومثال الثاين "جاء صباحا" َ‬
‫األول " ََي تَف َك ُ‬
‫فقد حياول بعض الناس استخدام مثل هذه اجلمل واحلالة هذه فيقع اخلطأ يف كال اجلانبني‪.‬‬
‫الحظ فُقدا ما يقابل أداة التعريف يف كل األوجه‬ ‫وابلنسبة للتعريف والتنكري يُ َ‬
‫اليت تستعمل يف العربية‪ .‬واملوجود يف َه ْو َسا يف مقابل (ال) التعريفية هو زَيدة النو‬
‫مذكرا أو الراء الساكنة إ كانت مؤنثًا‪ .‬فيقع اخلطأ لعدم‬
‫الساكنة يف آخر الكلمة إنذا كانت ً‬

‫‪146‬‬
‫االهتمام بقواعد استخدام هذه األدوات أو عدم إتقاهنا‪ .‬فترتك يف حمل ال بد منها أو‬
‫العكس‪ .‬فقد يقول ال َـه ْو َس ِوي‪" :‬رأيت ولدا" وهو يقصد (رأيت الولد) أو العكس‪.‬‬
‫ومن مميزات تركيباهتم تعميم اخلاص وتـخصيص العام‪ ،‬كاستعمال كلمة (البحر)‬
‫بدالً من (النهر) وكلمة (اللغة) يف حمل (األلفاظ الصعبة)‪ .‬كما يُطلقو كلمة (جلس) على‬
‫(اإلقامة)‪ .‬وغري نذلك مما تفرتضه لغة األم على ابنها الذي يتعلم لغة اثنية‪.‬‬
‫ولكن أغلب هذه اخلصائص النطقية والرتكيبية بدأت أتفل وتتغري إىل ما هو‬
‫أحسن بعد أ تقدمت احلياة العلمية وتعلم الناس فنو اللغوَيت يف العربية وأتقنوا علم‬
‫األصوات والنحو وعلم التجويد وختصصوا يف خمتلف امليادين اللغوية واألدبية يف اجلامعات‬
‫النيجريية وغريها من اجلامعات واملعاهد العليا يف الدول العربية‪.‬‬
‫يف الشعر‬ ‫د‪/‬‬
‫ومن انحية خصائص الشعر العريب يف نيجريَي فقد اتضحت للباحثني ظواهر‬
‫متعددة‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫كثرة االقتباس من القرآ واألحاديث وخاصة يف الشعر التعليمي‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫االقتباس من الشعر القدمي وحماولة تقليد منهج من سلف من الشعراء يف الشكل‬ ‫‪.2‬‬
‫واملوسيقى‪ ،‬وطريقة تصوير األشياء واخليال واألسلوب واختيار األلفاظ‪،‬‬
‫واستخدامهم األلفاظ الغريبة يف القوايف‪.‬‬
‫الدورا حول األغراض القديـمة التقليدية كاملديح والراثء والغزل وغريها‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫األخطاء النحوية والصرفية الشائعة‪ ،‬هذا وإ كا قد يُباح من ابب الضرورة‬ ‫‪.٤‬‬
‫الشعرية إال أ بعض هذه املخالفات خرجت عن احلدود اليت أجازها العروضيو ‪.‬‬
‫ركاكة األلفاظ وضعف الرتكيب وبروز ظاهرة التكلُّف يف معظم الشعر النيجريي‬ ‫‪.5‬‬
‫ابللغة العربية‪.‬‬
‫امتزاج الشعر ابلنزعة الدينية ونذلك أل أكثر الشعر العريب يف نيجريَي يصدر من‬ ‫‪.6‬‬
‫أفواه العلماء ورجال الدين وليس من األدابء‪ ،‬وال سيما الشعر التعليمي‪.‬‬
‫‪147‬‬
‫ٍ‬
‫وحديث ومنط ٍ وغري نذلك‬ ‫ف ٍ‬
‫وفقه‬ ‫يخ وحن ٍو وصر ٍ‬
‫توظيف الثقافة العلمية من اتر ٍ‬ ‫‪.7‬‬
‫يف لغتهم الشعرية‪.‬‬
‫نذكر كثري من األمكنة من حصو وحياض وأهنار ومد يف الشعر‪ ،‬وخباصة تلك‬ ‫‪.8‬‬
‫اليت دارت فيها بعض احلروب والوقائع املهمة يف اتريخ البالد‪.‬‬
‫‪ .9‬بـُ ْع ُد الشعر النيجريي يف اللغة العربية عن التعقيدات الفلسفية والعم الذهين‪،‬‬
‫واالعتماد على العفوية والبساطة‪.‬‬
‫‪ ‬فنون الشعر العربي يف نيجرييا‬
‫املديح‬ ‫أ‪/‬‬
‫طرق الشعراء يف نيجريَي املديح كغرض أساسي من أغراض شعرهم‪ ،‬وكا املديح‬
‫عند غالبهم على منهج زهري بن أيب سلمى الذي ُر ِو َ‬
‫ي أنه ال ميدح الرجل إال مبا فيه من‬
‫الصفات احلميدة‪ .‬فقد كا الشعراء العلماء ميدحو الشيوخ والعلماء والقادة ورجال‬
‫مكاان‬
‫الدعوة وأهل اخلري مبا فيهم من الصفات‪ .‬وجدير ابلذكر أ املديح النبوي قد انل ً‬
‫تبعا لصلتهم ابلدين‪،‬‬
‫مرموقًا بني الشعراء العلماء‪ ،‬السيما أصحاب الطرق الصوفية‪ً ،‬‬
‫وإفراطهم يف حب النيب صلى هللا عليه وآله وسلم وإكرامه‪ .‬فقد اعتقدوا أ مدحه صلى‬
‫هللا عليه وآله وسلم عبادة وقربة يتوسلو هبا‪ ،‬فأكثروا من التعبري عن هذه العاطفة الدينية‬
‫بكل إخالص‪ ،‬وظلوا ينظمو القصائد يف املديح النبوي على مدار السنة‪ ،‬وينشدوهنا يف‬
‫حفالت املولد النبوي وحلقات الذكر‪ .‬ومثال املديح قول الوزير جنيد يف مدح أمري‬
‫املؤمنني احلسن بن معانذ‪:‬‬
‫حميا أميـ ٍر نذي األَيدي اهلوامع‬ ‫إىل أ بدا وجه الصباح كأنه‬
‫وأخالقه فاقـت عسوال لراضع‬ ‫أمري له يف كل فعل مـحامـد‬
‫عميم جلمع الناس دا ٍ وشاسع‬ ‫سخي حياكيه السحاب وخريه‬
‫ٌّ‬

‫‪148‬‬
‫الرثاء‬ ‫ب‪/‬‬
‫انتشارا يف نيجريَي‪ ،‬فما يكاد يتوَف شيخ من‬
‫ً‬ ‫ابت الراثء من أبرز أغراض الشعر‬
‫الشيوخ أو عامل من العلماء أو قائد من قادة املسلمني حىت يهرع الشعراء إىل راثئه بقصائد‬
‫قيمة‪ .‬ويكثرو يف الراثء من نذم الدنيا والزجر عن االغرتار هبا وتقريظ الفقيد وإظهار‬
‫التلهف على فقدانه‪ .‬ومثال نذلك نونية القاضي عمر إبراهيم يف راثء شيخه َما َملْ إسحاق‬
‫مِ‬
‫أجي‪ ،‬ويقول فيها‪:‬‬ ‫َ‬
‫لـموت األديب فـريد الزما‬ ‫عرانـي من اهلم ما قد كفانـي‬
‫فصار كشمس الضحى يف العيا‬ ‫إمـام تـفـرد فـي كل فـن‬
‫ويف النحو والصرف أو يف املعاين‬ ‫ففي الفقه فرد كذا يف احلـديث‬
‫أشـارت أكـف لـه بـبنا‬ ‫إنذا قيل من فاق للدرس شـرحا‬
‫الغزل‬ ‫ج‪/‬‬
‫يبدو أ الشعراء يف نيجريَي استنكفوا عن القول يف هذا الفن الذي ميثل العاطفة‬
‫اإلنسانية واملشاعر الوجدانية‪ ،‬حلرصهم على حفظ مكانتهم االجتماعية بني الشعب‬
‫كعلماء رابنيني ودعاة مصلحني وشيوخ مبجلني‪ .‬فقليل منهم من أطل عنانه يف الغزل‪،‬‬
‫وبقي الكثري ميارسه على حرف وعفاف‪ .‬ومثاله قول حممد البخاري‪:‬‬
‫فبـقيت بـني الناس كالسكرا‬ ‫فـجعتك أم الفضل ابلـهجرا‬
‫ُمـ ْذ بعدتنـي مـن جناها الداين‬ ‫وكأ فـي قليب وجويف جـمرة‬
‫ِرجل ومـقلة شـاد ظمـآ‬ ‫قامت تراءى يف القصور بـفاحم‬
‫وتـرائب كالـبدر والـمرجا‬ ‫وجبيد مغزلـة وسـاقي خدلـة‬
‫الوصف‬ ‫د‪/‬‬
‫ٍ‬
‫بنصيب ال يستها به يف الوصف‪ ،‬فوصفوا الطبيعة‬ ‫قد ساهم الشعراء النيجرييو‬
‫الصامتة واملتحركة‪ ،‬ووصفوا املخرتعات العصرية واملد وبعض املشاهد اليت خلبت عقوهلم‬
‫وأاثرت شعورهم‪ .‬ومن نذلك قول القاضي عمر إبراهيم يف وصف مدينة َكـنُو‪:‬‬
‫‪149‬‬
‫ـالم مـن العاش املستهام‬
‫س ٌ‬ ‫أابرس َه ْو َسـا عليك السـالم‬
‫جـميل صفاتـك ابإلكرام‬ ‫أِ‬
‫ُزجـي التحيـات شوقًـا إىل‬
‫تكـاد تفــوق جنوم الظالم‬ ‫معـالـمك الغــر المعـة‬
‫كجامــع ِد ْهلِي مجال النظام‬ ‫ومن بينها الـمسجد الفاخـر‬
‫نيويورك قرب اإلمام‬
‫ْ‬ ‫نواطـح‬ ‫ومأنذنة طـاولـت إنذ بـدت‬
‫ِ القــاهري حلسن التمام‬ ‫ومكتبها قد حكـى البَ ْـرلِ َما‬
‫ففـازت بسهمني بني السهام‬ ‫ٍ‬
‫وغرب‬ ‫كنو مجعت علم ٍ‬
‫شرق‬
‫فأص ِد ْق به من كــالم‬
‫قدميا ْ‬ ‫لذلك قيـل كـمثلك ألـف‬
‫احلكم واألمثال‬ ‫ح‪/‬‬
‫لقد أكثر الشعراء العلماء يف نيجريَي من تقييد احلكم واألمثال يف الشعر لالستعانة‬
‫بذلك يف تطوير حركة الوعظ واإلرشاد‪ .‬ومثال نذلك قول العامل أيب بكر املسكني‪:‬‬
‫جفنا يرى السرت من الـمنا‬ ‫من غض عـن معـايـب اإلخوا‬
‫مــا سرت العالم للغيـوب‬ ‫صاح مـن اليعـوب‬
‫ش يـا ِ‬‫ال تُـ ْف ِ‬
‫ال بد أ يسعى إنذاً عــليكا‬ ‫واعلم أ مـن سعــى إلـيكا‬
‫فقري ظل أغىن من يُرى‬
‫وكم ٌ‬ ‫فكم غين بـات أفـقـر الـورى‬
‫كما يكو للجـواد كبـوة‬ ‫وقد يكــو للحسـام نبـوة‬
‫لتسرتيح مـن عنا الـجوار‬ ‫عليك ابجلـار قبيــل الــدار‬
‫خري من ارتفاع نذل جـاف‬ ‫وموت زمرة مـن األش ـراف‬
‫واعمل ألخراك كهالك غـدا‬ ‫واعمل لدنيـاك كبــاق أبدا‬
‫وال صبابة سوى من شاهـد ْه‬ ‫ال يعرف الشوق سوى من كابد ْه‬

‫شعر اجلهاد‬ ‫و‪/‬‬


‫‪150‬‬
‫موفورا لدي شعراء نيجريَي‪ ،‬وخاصة خالل قيام دولة‬
‫ً‬ ‫لقد وجد شعر اجلهاد نصيبًا‬
‫ميداان‬
‫ً‬ ‫صوُكتُو‪ ،‬حيث هيأت احلروب الطاحنة اليت خاضتها جنود ابن فودي‬
‫الفوديني يف ُ‬
‫فسيحا لقرض شعر اجلهاد ووصف املعارك والوقائع‪ .‬ومثاله قول حممد بلو وهو يصف‬
‫ً‬
‫واقعة َكـنُو‪:‬‬
‫يوم دار احلرب يف كنو احلفر‬ ‫سائلــوا عنا وعن أعدائنا‬
‫أو كأحطــام اهلشيم احملتظر‬ ‫قد تركناهم هبا مثل الـهبا‬
‫يف صناديد كِيَ َاوا الـمنكـسر‬ ‫كر بـهم فـرساننـا‬
‫ولكم َّ‬
‫ـود كجـراد مـنتشر‬ ‫بـجن ٍ‬ ‫إنذ رجعنا لكم وقت الضحى‬
‫فدخلنا حصنهـم وقت العصر‬ ‫فدعوان يـا نـزال للوغـى‬
‫ُس ُهـما أمثال جـذع منقعر‬ ‫فسقيناهـم منايـا ف ُـرُؤو‬
‫قـد رجعنا من جواثي للحفر‬ ‫مث رحنا غانــمني كأنـنا‬
‫الشكوى واحلنني‬ ‫ز‪/‬‬
‫تناول شعراء نيجريَي شعر الشكوى واحلنني ضمن أغراضهم الشعرية‪ ،‬لكن تناوهلم‬
‫هلذا الغرض قليل إنذا قُوِر َ ابألغراض األخرى‪ .‬ومثال نذلك قصيدة للوزير جنيد‪ ،‬نظمها‬
‫يشكو احلالة االجتماعية السيئة اليت أصبحت هي السائدة يف البالد بعد دخول‬
‫الربيطَانِيِني مشال نيجريَي‪ ،‬ويقول فيها‪:‬‬
‫املستعمرين ِ ِ‬
‫وال هلم منهـا بقـر وال شـاء‬ ‫قد أفسدوا الدين والدنيا مجيعا‬
‫أخالقهم حسن األقوام أم ساءوا‬ ‫غدا تتبع عورات اخلالئ مـن‬
‫والرأي ما قد رأوا َي بئس آراء‬ ‫اخلري ما فعلوا والشر ما تركوا‬
‫ظنوا التعلـ نصحا َي لدهيـاء‬ ‫ال ينصحو جليسا يف معاشرة‬
‫هو الـمالنذ إنذا ما اشتد ضراء‬ ‫َي رب َي رب إان الئـذو مبن‬
‫مـن النذ حقـا به جاءته سراء‬ ‫حممد كاشف الكرابت سيدنـا‬
‫شعر املناسبات‬ ‫ح‪/‬‬
‫‪151‬‬
‫اهتم الشعراء النيجرييو بشعر املناسبات حيث كانت قرائحهم تستجيب لكل‬
‫املناسنات اليت تـمر هبم من حفلة أو وقعة اترخيية أو سفر أو مغامرة أو غري نذلك‪ .‬ومن‬
‫هذا القبيل رائية القاضي عمر إبراهيم اليت نظمها حني نزل اإلنسا القمر ألول مرة‪.‬‬
‫ومطلعها قوله‪:‬‬
‫ـجو ْ وعـده الـمنتظر‬
‫وفيت ل ُ‬ ‫لت بسطـح القـمـر‬
‫لت نز َ‬
‫نز َ‬
‫لـح ِ اجلليـد جليـل القـدر‬ ‫يلي بنا أ نقـوم احتـرامـا‬
‫فبـاه بـح بـه وافـتـخـر‬ ‫لنيل شرف يـا هلا مـن شرف‬
‫يسـوق التحيـات شـوقا عمر‬ ‫إليك إليـك نـزيـل القمـر‬
‫وفـي تـحتها قم ٌـر استـقـر‬ ‫رفعت بـالدك رفعـا عظيـما‬
‫الشعر التعليمي‬ ‫ط‪/‬‬
‫ظل الفقهاء الشعراء يقومو بتقييد املعارف والعلوم يف القوايف‪ .‬وكانت أغلب هذه‬
‫َّ‬
‫القصائد يف فنو الفقه واحلديث والنحو والتصوف وغري نذلك‪ .‬ومثاله منظومة الوزير‬
‫اجلنيد يف اتريخ الشيخ عثما بن فودي املعروفة بـروائع األزهار من روض اجلنا ‪ .‬وقد‬
‫استهلها بقوله‪:‬‬
‫مـن ربـه أعانه الـمجيد‬ ‫يقول مبتغي الرضا الـجنيد‬
‫علـى الدوام ابطنا وظاهرا‬ ‫هلل حــم ٌد أوال وآخـرا‬
‫سبحــانه يف يده القضاء‬ ‫يـخص من شاء مبا يشاء‬
‫نذي املعجزات األرفع الزكي‬ ‫مث صالته علــى النبـي‬
‫ما تبــع الـمأموم لإلمام‬ ‫وآله وصـحبـه الكـرام‬
‫اهلجاء‬ ‫ي‪/‬‬
‫كا اهلجاء من األغراض اليت مل يهتم هبا الشعراء النيجرييو يف أول األمر‪ .‬مث‬
‫ني من الدهر‪ ،‬ونذلك حني استخدمه بعض الطوائف الدينية للهجوم على‬ ‫تطور بعد ح ٍ‬
‫خصومها‪ .‬فقد كا متبعو الطرق الصوفية من الشعراء ‪ -‬على سبيل املثال ‪ -‬يكثرو من‬
‫‪152‬‬
‫هجاء الوهابيني والسلفيني وغريمها من علماء الطوائف السنية وأتباعهم‪ .‬ومن الشعراء من‬
‫استعمل اهلجاء ألعراض سياسية أو شخصية أو غري نذلك‪.‬‬
‫ُورَك ْار وفرقته إثر‬ ‫ِِ‬
‫ومثاله قول الشاعر احملامي آدم عثما يف هجاء العقيد غديُو ْ أ ْ‬
‫ال إبراهيم بَ ْد َماص َاببَـ ْن ِغ َدا‪:‬‬
‫ُورَك ْار ضد حكومة اجلَنَـ َر ْ‬
‫عملية االنقالب الفاشلة اليت ترأسها أ ْ‬
‫وإلـحاد بيـوم النائبـات‬ ‫أال تباا لفرقـة أهل ظلـم‬
‫وحكم الشعب َي للكاراثت‬ ‫لقد هـموا اإلحاطة ابملزاَي‬
‫على حني لغفلة مـخربات‬ ‫قد ائتمروا الفساد وخططوه‬
‫مكايدكم فلـن تك غالبات‬ ‫فـإ هللا يعلم كل كيـد‬
‫‪ ‬البعثات التعليمية للدراسات العربية والدينية‬
‫فكثريا ما كا علماء السلف‬
‫ً‬ ‫كانت ُسنة الرحلة لطلب العلم قدميةً يف اإلسالم‪،‬‬
‫يقومو ابهلجرة والرحالت الشاقة من بلد إىل آخر‪ ،‬ويقطعو املسافات البعيدة لتحصيل‬
‫ٍ‬
‫وفضل ومنافع كثرية‪ .‬وقد كانت‬ ‫املعرفة وطلب العلم ورواية احلديث ملا يف نذلك من ٍ‬
‫شرف‬
‫هذه السنة انتشرت يف كل البالد اليت دخلها اإلسالم‪ .‬فقد كا املسلمو يسافرو من‬
‫هذه البالد إىل مشال أفريقيا والشرق األوسط قص ًدا لطلب العلم واحلج منذ أ انتشر‬
‫اإلسالم وقويت العالقات الثقافية بني بالد العرب ونيجريَي‪ .‬مث كانت البعثات ترسل إىل‬
‫تلك البالد لطلب العلم‪ .‬وتنقسم البعثات إىل الرمسية وغري الرمسية‪.‬‬
‫البعثات غري الرمسية‬ ‫أ‪/‬‬
‫كا عدد من الطلبة يسافرو أفواجا إىل القاهرة لاللتحاق جبامعة األزهر من بَـ ْرنُو‬
‫وغريها من البلدا الشمالية‪ ،‬ونذلك منذ أواخر القر التاسع عشر امليالدي‪ .‬ومن الصعب‬
‫تـحديد عدد أولئك الطلبة وأمسائهم خللو رحالهتم من شأ احلكومة‪.‬‬
‫وهكذا استمر طالب العلم يغشو األزهر وجياورونه ويستفيدو جبواره ويتثقفو‬
‫تفقه يف الدين َّ‬
‫ومتكن يف‬ ‫بثقافته‪ .‬فيقيم الطالب هناك ما شاء هللا أ يقيم مث يعود بعد أ َّ‬

‫‪153‬‬
‫الثقافة العربية‪ .‬وكا بعض امللوك واألمراء يقومو بتشجيع أفراد الناس ومساعدهتم‬
‫رمسي تـجاه هذه الرحالت‪.‬‬
‫بشكل غري ٍ‬
‫وال يزال طالب العلم من نيجريَي حىت اآل يرحلو إىل مصر واململكة العربية‬
‫السعودية والسودا وغريها من بالد العرب ويلتحقو ابجلامعات وسائر املعاهد العلمية‬
‫لدراسة اللغة العربية والثقافة اإلسالمية‪.‬‬
‫البعثات الرمسية‬ ‫ب‪/‬‬
‫كانت نقطة بداية أمر البعثات الرمسية للتعليم العريب والدين اإلسالمي يف نيجريَي‬
‫يف بداية مخسينيات القر العشرين امليالدي‪ .‬ونذلك حني واف اجمللس التنفيذي للحكومة‬
‫الشمالية على تشكيل ٍ‬
‫جلنة للبحث يف مشاكل التعليم العريب والدين‪ .‬وبعد مالحظات‬
‫خرجيي مدرسة العلوم العربية‬ ‫عميقة قررت احلكومة إرسال ستة من الطلبة ُخيتارو من ِ‬
‫وم يف التدريس‪ .‬ونذلك‬ ‫ِ‬
‫ب َكـنُو إىل معهد خبت الرضا يف دولة السودا للحصول على الدبْـلُ ْ‬
‫سنة ‪195٤‬م‪ ،‬وكانت مدة الدراسة سنتني‪.‬‬
‫وكانت املنح الدراسية اليت تقدمها بعض البالد العربية قبل االستقالل غري مرحبة‬
‫الربيطَانِيِني لألغراض السياسية والدينية‪ .‬ولذلك كانت احلكونة‬
‫هبا عند حكومة املستعمرين ِ ِ‬
‫إجن ْلتَـرا‪ .‬فتم إرسال البعثة األوىل إىل ِْ‬
‫ِ‬
‫إجن ْلتَـ َرا للحصول على‬ ‫تفضل إرسال البعثات إىل ْ َ‬
‫الدبْـلُوم يف الدراسات العربية يف أواخر سنة ‪195٤‬م‪ .‬وكذلك أوفدت احلكومة البعثة‬ ‫ِ‬
‫الثانية إىل مدرسة الدراسات األفريقية والشرقية جبامعة لُْن ُد ْ للحصول على الدرجة‬
‫اجلامعية‪ .‬ونذلك سنة ‪1959‬م‪ .‬وكانت هذه البعثة هى األوىل من نوعها‪.‬‬
‫وبدأت البعثات تـخطو خطوات التقدم بعد االستقالل‪ .‬فذهب تسعة وعشرو‬
‫طالبا ألول مرة بواسطة احلكومة إىل مصر‪ ،‬ونذلك سنة ‪1962‬م‪ ،‬وانضم ثالثة عشر منهم‬
‫جبامعة القاهرة والباقو ابألزهر‪ .‬ويف سنة ‪1963‬م منحت احلكومة املصرية بعثات يبلغ‬
‫وبعض بوزارة التعليم العايل‪ .‬وكانت هذه‬
‫ٌ‬ ‫عددها أربعني منحة‪ ،‬فالتح بعضهم ابألزهر‬

‫‪154‬‬
‫سنوَي إىل‬
‫املنح موزعة على أنـحاء نيجريَي‪ .‬وكذلك توالت البعثات التعليمية إىل مصر ا‬
‫اآل ‪.‬‬
‫وسافر إىل السودا أحد عشر طالبا يف أوائل سنة ‪1962‬م الدراسية على نفقة‬
‫احلكومة السودانية‪ .‬والتح ستةٌ منهم ابملعهد العلمي‪ ،‬يف حني أ اآلخرين انضموا إىل‬
‫كلية املعلمني ببخت الرضا‪.‬‬
‫وانل ثـمانية عشر طالبا منحة من اململكة العربية السعودية‪ .‬فسافروا إىل اجلامعة‬
‫اإلسالمية ابملدينة املنورة سنة ‪1962‬م‪ .‬ولكن هذه الطبقة من البعثة مل يتم نـجاحها‬
‫كالباقيات‪ .‬فلم يكد الطلبة يقضو سنة واحدة هناك حىت طالبوا من حكومة نيجريَي أ‬
‫تلتمس هلم التغيري ابلنقل إىل جامعة أخرى يف غري السعودية من األقطار العربية‪ .‬ونذلك‬
‫ملخالفة التعاليم الدينية يف السعودية لعقيدهتم ومذهبهم واجتماعيتهم‪ ،‬والتمسك ابلدين‬
‫تشددا يف الدين‪ ،‬وعدم النشاطات احليوية على حد نظرهم‪ .‬فلم يب يف‬ ‫الذي اعتربوه ُّ‬
‫السعودية إثر نذلك إال طالبا منهم‪.‬‬
‫وأما احلكومة العراقية فقد قدمت عشرة منحة يف جامعة بغداد سنة ‪1963‬م‪.‬‬
‫ولكن مل يذهب إليها يف تلك السنة سوى مخسة من الطلبة لدراسة اللغة العربية‪ .‬وهكذا‬
‫كثرت البعثات من قبل الدول العربية‪ ،‬كما ضاعفت احلكومة نشاطها جتاه البعثات‪.‬‬
‫وكا أمر البعثات يف البداية نذا نظام ودقة يف اختيار الطلبة املبعوثني‪ ،‬فال يرسل‬
‫إال طلبة أكفاء يستطيعو متابعة دروسهم وتوسيع ثقافتهم واالستفادة من اإلقامة يف‬
‫خلف أضاعوا كل شيء‪ ،‬وتغري األمر عندما كثرت‬
‫ٌ‬ ‫الدول العربية‪ .‬مث خلف من بع ُد‬
‫البعثات وويل األمر إىل بعض األاننيني‪ ،‬فتم إرسال طلبة ضعفاء‪ ،‬من الذين يفتقدو‬
‫األساس أو ال يرغبو يف الدراسة‪ .‬وعاد بعضهم بعد عدة سنوات قضوها يف جامعات‬
‫الدول العربية املختلفة بشهادة احلضور فقط‪ .‬كما َت فصل بعضهم من الدراسة ألسباب‬
‫أكادمية أو أخالقية أو غري نذلك‪.‬‬

‫‪155‬‬
‫وال تزال حكومات بعض الوالَيت يف مشال نيجريَي تقوم خبدمات جبارة يف إجياد‬
‫املنح الدراسية للطالب ومتويل دراستهم يف مصر والسودا والسعودية وغريها من الدول‬
‫العربية‪ .‬كما تقوم بعض اهليئات اخلريية األهلية والدولية بتعاو ٍ مع احلكومات واجلامعات‬
‫بتجهيز الدورات التدريبية التأهيلية للطالب الختيار من سيتم قبوله يف بعض اجلامعات‪.‬‬
‫واضحا يف ترقية مستوى التعليم العريب يف‬ ‫أثرا‬ ‫ٍ‬
‫ً‬ ‫ومهما يكن من شيء‪ ،‬فإ للبعثات ً‬
‫نيجريَي‪ ،‬حيث ال يزال املمتازو من الطالب يعودو بعد أ نـجحوا يف دراساهتم‪،‬‬
‫وختصصوا يف متخلف امليادين‪ ،‬حاملني ثقافة واسعة وخربات حديثة يف الدراسة والبحث‪،‬‬
‫رواد علوم الدين واللغة العربية يف العصر الراهن‪ .‬وينضم‬
‫ومؤلفات قـيمة من إنتاجات َّ‬
‫أكثرهم يف التدريس وسياسته فيستفيد الشعب مبا لديهم من العلوم واخلربات‪ .‬وساهم‬
‫نذلك يف تقدم شأ اللغة العربية والثقافة اإلسالمية وازدَيد نشاط ميادينها‪.‬‬
‫‪ ‬اللغة العربية يف اجلامعات النيجريية‬
‫على الرغم مما لعبته إرساليات املستعمرين الربيطانيني يف نشر التعاليم الغربية‬
‫والدين املسيحي يف نيجريَي فإنـها أسهمت يف نشر التعليم العايل بصورة ابتدائية يف‬
‫نيجريَي‪ .‬وإ كا غرضهم األساسي من نذلك ال خيتلف عن غرضهم الوحيد‪ ،‬وهو نشر‬
‫الدين املسيحي وَنب معاد املناط اليت احتلوها وطفقوا يسموهنا بـاحملميات‪.‬‬
‫وكانت أول مدرسة أنشأت للتعليم العايل يف غريب أفريقيا هي كلية فُـ ْوَر ِايب يف‬
‫ريالِيُو ْ سنة ‪1827‬م‪ .‬وقد أنشأت لتدريب القسيسني واملدرسني واملوظفني‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ف ِريتَ ُاو ْ بس َ‬
‫الربيطَانِيَّة يف‬
‫للكنيسة‪ .‬وقد لعبت هذه الكلية دورا هاما يف نشر التعليم العايل يف احملميات ِ ِ‬
‫ريالِيُو ْ ونيجريَي‪.‬‬ ‫ِ‬
‫غريب أفريقيا‪ .‬وكا يغشاها الطالب من غَ َاان وس َ‬
‫وأما احلكومة فلم تفعل جه ًدا يُشهد حنو التعليم العايل ملدة طويلة‪ .‬وأول أمرها‬
‫تـجاه نذلك يعود إىل سنة ‪1930‬م‪ ،‬حينما أصدر مدير املعارف سيد ُه ِسي اقرتاحات إىل‬
‫احلكومة يف نظام التعليم أب يُقسم إىل ابتدائية واثنوية وعالية لتدريب املهن والتخصص‪.‬‬
‫وس اليت أنشأت سنة ‪19٤8‬م‪ .‬مث أصبحت‬
‫الج ْ‬
‫وكانت أول مدرسة عالية هي كلية ََي َاب يف ُ‬
‫‪156‬‬
‫كلي ًة لتدريب مهن الطب والزراعة واهلندسة والتدريس‪ .‬مث فتحت كلية َإاب َد ْ اجلامعية سنة‬
‫‪ 19٤8‬م‪ ،‬ولكن هاتني املدرستني مل تعودا على الشعب النيجريي بنتائج إجيابية لشدة‬
‫التقتري يف طريقة القبول‪ ،‬وبلوغ الكليتني َّ‬
‫حد البشعة يف فصل الطالب‪ ،‬مما جعل الطالب‬
‫النيجرييني ي فضلو السفر إىل اخلارج على االلتحاق إبحدامها‪ .‬ومل يكن فيهما قسم للغة‬
‫العربية‪ ،‬فكا الطلبة يرحتلو إىل األزهر واحلجاز والسودا للدراسات العربية‪.‬‬
‫وبدأ النهوض احلقيقي يف جمال التعليم العايل يظهر بعد االستقالل حني أصبحت‬
‫احلكومة تعرتف بضرورة توسيع التعليم العايل حلاجتها إىل ٍ‬
‫عدد من األهايل األكفاء واخلرباء‬
‫يف خمتلف التخصصات للقيام مبسؤوليات البالد اإلدارية والتعليمية وغري نذلك من‬
‫فتم تشكيل جلنة للبحث يف تشكيل التعليم‬
‫األعمال الديوانية الضرورية بعد االستقالل‪َّ .‬‬
‫العايل وتوسيعه‪ .‬فقررت هذه اللجنة إنشاء أربع جامعات على األقل يف الوطن‪ ،‬وزادت‬
‫مخسا‪ .‬وَتَّ نذلك ابلفعل ما بني سنة ‪1960‬م وسنة ‪1962‬م‪ .‬وهن‬ ‫احلكومة فأنشأت ً‬
‫ِ‬
‫وس وجامعة َإاب َد ْ ‪.‬‬ ‫س َكى وجامعة أمحد بلو يف َزا ِرََي وجامعة إيفي وجامعة ُ‬
‫الج ْ‬ ‫جامعة إنْ ُ‬
‫وَت إنشاء قسم دراسات اللغة العربية والثقافة اإلسالمية يف جامعة َإاب َد ْ سنة‬
‫‪1961‬م‪ ،‬ولكن قابل القسم مشاكل متعددة‪ ،‬ومن أبرزها عدم وجود الطلبة املتمكنني يف‬
‫اللغة العربية متكنا يؤهلهم للقبول ابلقسم وميكنهم متابعة الدراسة‪ ،‬وعدم وجود الكتب‬
‫املناسبة‪ ،‬ووجود بيئة غري مالئمة لدراسة اللغة العربية حيث كا وضع اجلامعة ال يشجع‬
‫الطلبة على ممارسة اللغة يف حماداثهتم‪.‬‬
‫وأما جامعة أمحد بلو َزا ِرََي أو جامعة مشال نيجريَي كما مسيت أوالً‪ ،‬فكانت معدومة‬
‫قسم اللغة العربية يف بدايتها‪ .‬مث أسست اجلامعة كلية عبد هللا َابيَـ ُرو يف َكـنُو وخصصت‬
‫قسما للدراسات العربية واإلسالمية‪ .‬وهو القسم الذي أصبح يسمى فيما بعد بكلية‬ ‫هناك ً‬
‫اآلداب والدراسات اإلسالمية ملا أصبحت الكلية بعد حني من الدهر جامع ًة مستقلة‬
‫بنفسها‪ ،‬وَت نذلك سنة ‪1975‬م‪ .‬وهي اجلامعة املعروفة اآل جبامعة َابيَـ ُرو َكـنُو‪.‬‬

‫‪157‬‬
‫وانضجا حيث كا احملاضرو مجيعهم‬
‫ً‬ ‫ممتازا‬
‫وكا قسم اللغة العربية يف هذه الكلية ً‬
‫تقريب ا ممن تـخصصوا يف فنو اللغة العربية وميادين آداهبا يف خمتلف اجلامعات يف بالد‬
‫العرب كمصر واحلجاز والسودا ‪.‬‬
‫مث أنشأت فيما بعد جامعات خمتلفة وأ ِ‬
‫ُنشأ ضمن فروع أغلبها قسم اللغات‪،‬‬
‫فكانت العربية من بني اللغات‪ .‬فهي اآل تدرس يف معظم اجلامعات‪ ،‬وخاصة يف مشال‬
‫نيجريَي‪ .‬ويتم تدريسها على مستوى مجيع املراحل اجلامعية يف اجلامعات الفدرالية التقليدية‬
‫صوُكتُو‪ ،‬وجامعة‬‫كجامعة أمحد بلو َزا ِرَي‪ ،‬وجامعة َابيَـ ُرو َكـنُو‪ ،‬وجامعة عثما طَ ْن فودي ُ‬
‫س‪ .‬وتدرس أيضا يف‬ ‫س‪ ،‬وجامعة إلُوِر ْ ‪ ،‬وجامعة َإاب َد ْ ‪ ،‬وجامعة ُ‬
‫الج ْو ْ‬ ‫َم ْي ُدغُ ِري‪ ،‬وجامعة ُج ْو ْ‬
‫بعض جامعات الوالَيت واجلامعات غري احلكومية وبعض املعاهد العليا اليت متنح درجة‬
‫الليسانس‪.‬‬
‫وهكذا دخلت اللغة العربية يف جامعات نيجريَي كما دخلت يف جامعات أورواب‪.‬‬
‫مث بدأت ابلتدريج تتغري وتتطور وتـجد اجملال الالئ هبا كلغة حيَّة مثل ابقي اللغات احلديثة‬
‫ا ليت تدرس يف اجلامعات‪ .‬وقد أدرك اآل كثري من الباحثني يف اجلامعات النيجريية أمهية‬
‫ببحث يف جمال التاريخ واللغوَيت والتخصصات‬‫ٍ‬ ‫هذه اللغة وضرورة معرفتها لكل من يقوم‬
‫اليت تتعل ابحلياة الثقافية واالجتماعية وسائر الفنو اليت تدخل حتت اإلنسانيات‪.‬‬
‫‪ ‬دور أساتذة اللغة العربية يف نيجرييا‬
‫لقد لعب أساتذة اللغة العربية والباحثو يف فنو ثقافتها دورا هاما يف بناء كيا‬
‫الطبقة الراهنة من طالب العلم واملثقفني يف نيجريَي‪ ،‬وساعدوا يف تقدم الوطن وثقافته على‬
‫وجه العموم‪ .‬فإنـهم جزء من املواطنني الذين ساعدوا أبكرب ٍ‬
‫جهد ممكن على نشر الثقافة‬
‫والتعليم والوقوف على احلقائ العلمية والتارخيية واالجتماعية واألدبية عن طري الدراسة‬
‫وإعداد البحوث القيمة يف خمتلف امليادين الفنية واللغوية واالجتماعية وغري نذلك‪.‬‬

‫‪158‬‬
‫وميكن اختصار أبرز ما لعبوه من الدور يف األرقام التالية‪:‬‬
‫مساعدهتم األمة على تذوق األدب العريب وخل الشعور األديب األصلي يف عقلية‬ ‫أ‪/‬‬
‫الدارسني عن طري دراسة النصوص األدبية واتريخ األدب العريب‪.‬‬
‫العمل على ترقية مستوى الثقافة العربية يف نيجريَي وتسرب اللغة العربية الفصحى‬ ‫ب‪/‬‬
‫بني األفراد وإملامهم بفنوهنا الدراسية وميادينها الثقافية‪.‬‬
‫كما ساعدوا على تفقه اإلسالم وشريعته حبكم إتقا العلماء والدعاة والواعظني‬ ‫ج‪/‬‬
‫للغة العربية وقواعدها اليت تساعد على فهم النصوص اإلسالمية‪.‬‬
‫وكذلك دورهم يف إيصال املواطنني إىل معرفة احلقائ التارخيية وخاصة يف ما يـمس‬ ‫د‪/‬‬
‫اللغة العربية وأهلها منذ ابتداء عهدها التارخيي إىل العصر احلاضر‪.‬‬
‫ومن َمثَّ انتشر التأليف ابللغة العربية‪ ،‬وخاصة يف امليادين األكادمية العالية‬ ‫هـ‪/‬‬
‫والبحوث اليت يقدمها الطالب على عتبة خترجهم من اجلامعات واملعاهد العليا‬
‫للحصول على درجة الدبلوم أو الليسانس أو املاجستري أو الدكتوراه‪ .‬وكذلك‬
‫البحوث املنشرة يف اجملالت األكادمية واملقاالت اليت يقدمها املشاركو يف‬
‫املؤمترات والندوات وورشات العمل األهلية والدولية‪.‬‬
‫وفرة املراجع واملصادر األصلية يف فنو اللغة العربية والثقافة اإلسالمية يف‬ ‫و‪/‬‬
‫املكتبات العامة واخلاصة ويف أسواق الكتب‪.‬‬
‫العالقة الدبلوماسية والثقافية القوية بني نيجريَي وبالد العرب عن طري البعثات‬ ‫ز‪/‬‬
‫العلمية والتبادل الثقايف‪.‬‬
‫إجياد الطباعة العربية الرَيضية واإللكرتونية وإنشاء املطابع العربية واملراكز‬ ‫ح‪/‬‬
‫احلاسوبية لألعمال والتدريب على صناعة الطبع ابحلروف العربية يف أغلب مد‬
‫مشال نيجريَي‪.‬‬
‫تبنِـي بعض العادات وتقاليد العرب الكالسكية واملعاصرة وممارستها يف خمتلف‬ ‫ط‪/‬‬
‫ميادين احلياة والتأثر والتأثري بني اللغة العربية واللغات احمللية السيما لغة َه ْو َسا‪.‬‬
‫‪159‬‬
‫تصويرا فـنِيا ابللغة العربية مما أدى إىل‬
‫ً‬ ‫مسامهة املواطنني يف تصوير احلياة النيجريية‬ ‫ك‪/‬‬
‫ونثرا ومسرحي ًة وخل مادة أدبية عرفت بـاألدب‬‫شعرا ً‬
‫وفرة النصوص األدبية ً‬
‫العريب النيجريي أو األدب النيجريي يف اللغة العربية‪.‬‬
‫إنشاء املدارس لتعليم اللغة العربية دهليزية ونظامية بكل مراحلها بفضل األحزاب‬ ‫ل‪/‬‬
‫الدينية واألفراد‪ ،‬وابلتايل أُنْ ِشأت على نفقة احلكومة‪ .‬وغري ما نذُكِ َر هنا من‬
‫األعمال الثقافية اليت يشهدها الناظر الذكي‪.‬‬
‫‪ ‬طائفة من مشاهري األدباء النيجرييني‬
‫حممد البخاري بن عثمان‬ ‫أ‪/‬‬
‫هو حممد البخاري بن عثما بن فودي الفالين‪ .‬العالمة الفقيه‪ ،‬والعامل الفصيح‪.‬‬
‫قرأ على أبيه وعمه عبد هللا‪ ،‬وتفق ه يف فقه مذهب املالكية‪ .‬وشارك يف جهاد ابن فودي‬
‫بالء حسنا‪ .‬وتويف سنة‬ ‫ِ‬
‫ضد مماليك هوسا‪ .‬فقد كا ممن غزا بالد نُفي‪ ،‬وأبلى فيه ً‬
‫ٍ‬
‫متباينة‪ ،‬ومن ضمنها الميته اليت مدح هبا عمه‬ ‫‪18٤9‬م‪ .‬وله قصائد متعددة يف أغر ٍ‬
‫اض‬
‫الشيخ عبد هللا بن فودي‪ .‬ويقول فيها‪:‬‬
‫عفـى معارفها البِلى وهواطل‬ ‫أصحوت أم هاجت هواك منازل‬
‫غض ابجل‬
‫أهوى معي والعيش ٌّ‬ ‫دار عهدت هبا احللول وكل من‬
‫عن أهلها والدمع منـي سائل‬ ‫ـستخربا‬
‫ً‬ ‫ولقد وقفت برمسها م‬
‫برسومها أم هل لدمعك طائل‬ ‫هلل درك هل وقـوفك نـافع‬
‫وخـرائداً فـي مشيها تتماثل‬ ‫فدع الدَير ونذكر أخدا اهلوى‬
‫يف العلم يف تلك األراضي ماثل‬ ‫ولقد هباك الدهر شيخا ما لـه‬
‫ساد اجليوش النـ ُّْبل مذ هو شابل‬ ‫أعنـي إمام العصر عبد هللا من‬
‫ِخ ْد التقى احلرب النبيل الكامل‬ ‫شيخ العلوم خديـمها تـباعها‬
‫حـا رفيـ ابألانم حالحل‬ ‫علم اهلدى سعد الزما عماده‬
‫نذو هيبة ب ٌّـر أمي ٌـن عامـل‬ ‫نذو شدة فـي دينه متـواضع‬
‫‪160‬‬
‫علم احلديث ويف البالغة كافل‬ ‫عالمة القرآ حاوي السب يف‬
‫حن ٍو وفـي األصلَ ْني غيث وابل‬ ‫ط يستح الفلك يف‬ ‫ـحر حمي ٌ‬
‫ب ٌ‬
‫أمساء بنت عثمان بن فودي‬ ‫ب‪/‬‬
‫هي أمساء بنت الشيخ عثما بن فودي الفالين‪ .‬العاملة الكبرية‪ ،‬والفقيهة الناسكة‪.‬‬
‫يلقبها النقاد بـخنساء نيجريَي‪ .‬ولدت يف بيت العلم والشرف‪ ،‬فرتبيت تربية إسالمية‬
‫يسريا من علوم احلديث عند آابئها‪.‬‬
‫حممودة‪ .‬ودرست علوم الدين اإلسالمي وفقهه وشيئًا ً‬
‫وأخذت كذلك فنو اللغة العربية عندهم حىت مجعت ثقافةً واسعةً‪ ،‬وأصبحت عامل ًة متقن ًة‪.‬‬
‫وهلا تالميذ ومؤلفات عديدة‪ .‬وكذلك نظمت قصائد كثرية يف مناسبات خمتلفة‪.‬‬
‫وكانت عائشة بنت عمر الكمهوي ‪ -‬أحد أصحاب ابن فودي ‪ -‬صديقة ألمساء‬
‫فتوفيت‪ ،‬فكا من نصيب أدب أمساء أ رثتها بقصيدة أُخذ منها األبيات اآلتية‪:‬‬
‫وسلْوة أحزاين وأُنْ ً‬
‫سا لوحشتـي‬ ‫أعينـي جـودا وابكيا يل حبيبتـي‬
‫أعز أحبائـي وأوفـى صديقيت‬ ‫فجودا بسكب الدمع من فقد ٍ‬
‫عائش‬
‫ودين وأخالق حسـا رقـية‬ ‫وأُثْنِـي عليها ابلشجاعـة واحليـا‬
‫قـراءة قـرآ ٍ فنعم حبيبتـي‬ ‫ونذك ٌـر وأورا ٌد وصب ٌـر وعـفـةٌ‬
‫ليهدمـها شيء إنذا ما استقرت‬ ‫ألـم تعلموا أ الصداقة لـم يكن‬
‫وال مسكن زاهٍ وال جـمع قنوة‬ ‫فـال ولد يُسلي يل الـمحب وال أخ‬
‫وشوقا وتـحناان لصدق املودة‬ ‫وأبكـي عليهـا ابلدموع ترمحـا‬
‫نـهى عـن صرخات آبه وآهة‬ ‫ولـم ينه عن هـذا النبـي وإنـما‬
‫وأدعو إلـهي أ يؤمـن خوفهـا ويرزقها الرمحن حسن الـمثوبة‬
‫عبد اهلل بن حممد فودي‬ ‫ج‪/‬‬
‫هو عبد هللا بن حممد فودي‪ .‬شقي الشيخ عثما بن فودي ووزيره‪ ،‬الشيخ‬
‫العالمة الفقيه‪ ،‬مفسر عصره‪ ،‬بقية أهل احلديث واللغة وصاحب التصانيف املشهورة‪ .‬ولد‬
‫سنة ‪ 1171‬هـ وأخذ العلم عن أخيه وعن العلماء املشهورين يف البالد يف نذلك العصر‪.‬‬
‫‪161‬‬
‫وقد صال وجال يف طلب العلم‪ ،‬وعكف على التحصيل واحلفظ والتقييد حىت أصبح اندرة‬
‫عصره‪ ،‬واتج علماء أَيمه يف معرفة فنو الثقافتني اإلسالمية والعربية‪.‬‬
‫وكا له نذكاء مفرط‪ ،‬كما كا مشغوال ابلعبادة‪ ،‬وقد اشتهر ابلورع والعفاف‪ .‬وله‬
‫مؤلفات يف خمتلف فنو العلم‪ ،‬على رأسها مؤلفاته القيمة يف التفسري والفقه واحلديث‬
‫والنحو وا لصرف والبالغة والوعظ وغريها من ميادين الثقافة اإلسالمية والعربية وسائر‬
‫الفنو الثقافية‪.‬‬
‫ومن آاثره األلفية يف أصول الفقه‪ ،‬ومنظومة احلصن الرصني يف علم الصرف‪،‬‬
‫وضياء التأويل يف التفسري‪ ،‬وضياء احلكام يف ما هلم وعليهم من األحكام‪ ،‬وتزيني الورقات‬
‫وغريها من الكتب واملؤلفات القيمة‪.‬‬
‫مجع من القصائد‪ ،‬معظمها يف األمر ابملعروف والنهي عن املنكر‪.‬‬
‫وكذلك كا له ٌ‬
‫وقد شارك عبد هللا يف الثورة اإلصالحية اليت قادها أخوه ضد بالد َه ْو َسا‪ .‬مث عُني وز ًيرا بعد‬
‫شطرا من الدولة‪ .‬وتويف عبد هللا سنة ‪12٤٤‬هـ‪.‬‬ ‫فوِيل ً‬ ‫قيام الدولة العثمانية على ساقيها‪ُ .‬‬
‫ومن شعره ما يلي‪:‬‬
‫علـى هالك طغـاةٍ من بنـي قار‬ ‫وشكرا لريب الواحد الباري‬
‫ً‬ ‫مح ًدا‬
‫مهاجـرين وفيهم جـمع أنصار‬ ‫على أَيدي مجوع من جـماعتنا‬
‫ـمع كفار‬
‫أمـامنا رامجات ج َ‬ ‫أمامـهم دعوات القـادري لنا‬
‫بدار كف ٍر فساءت حال نذي الدار‬ ‫خيربو بالد الكفـر إ نـزلوا‬
‫بني الليوث كـليث ثـائر ضار‬ ‫خيل ويف ٍ‬
‫رجل‬ ‫يقودهم بلـو يف ٍ‬
‫ف ُحط يف النار‬ ‫عص ٍ‬
‫فأصبحوا مثل ْ‬ ‫دارهم‬ ‫حىت أانخ على ساحات‬
‫ُ‬
‫مـقيد بينهـم يف م ْلبـس العـار‬ ‫وأس ُر طاغـوهتم قد زاد نذلتهم‬
‫ْ‬
‫حممد بلّو‬ ‫د‪/‬‬
‫هو أمري املؤمنني حممد بلو بن عثما بن فودي الفالين‪ .‬العالمة الفقيه‪ ،‬العامل‬
‫الباحر واجملاهد الكبري‪ .‬ولد سنة ‪1195‬هـ‪ ،‬وأخذ العلم عن عمه عبد هللا وعن أبيه‬
‫‪162‬‬
‫وغريمها من العلماء الكبار يف األسرة الفودية وخارجها‪ ،‬وعكف على التحصيل واملطالعة‬
‫حىت قويت ملكته العلمية‪ ،‬وظهرت دقة تدبريه للحركات السياسية وفصاحته‪ .‬وملا تويف‬
‫والده الشيخ عثما بن فودي َتَّ تعيينه خليفة له‪ ،‬ولُِقب بـأمري املؤمنني‪.‬‬
‫ٍ‬
‫عادية يف‬ ‫وله مؤلفات عديدة يف خمتلف الفنو اإلسالمية‪ .‬وقد أ ِ‬
‫ُويتَ خربة غري‬
‫معرفة اتريخ بالد السودا والدقة يف حترير احلوادث والوقائع اليت دارت إاب حركة اجلهاد‬
‫الذي أعلنه أبوه ضد بالد َه ْو َسا‪ .‬ويُعد كتابه املسمى بـإنفاق امليسور يف اتريخ بالد‬
‫التكرور من املصادر األساسية والقيمة يف دراسة اتريخ بالد نيجريَي القديـمة‪ .‬وألف كتاب‬
‫روضة األفكار ومفتاح السداد وغريها‪ .‬وتويف سنة ‪1837‬م‪ .‬ومن شعره ما يلي‪:‬‬
‫وجهـل ول ْـهــو وأنت صبـي‬ ‫وكـم عشت يف عـزة عميـاء‬
‫تسـه عما يـقول احلـفـي‬
‫وال ْ‬ ‫وإال فانج واسلك سبيـل الرشاد‬
‫علـوم التجارب فـهـو الغبـي‬ ‫مـن ازداد سناـا ولـم يكتسب‬
‫بـه عمـال صالـحـا فـغـوي‬ ‫علما ولـم يكتسب‬
‫ومـن نـال ً‬
‫ولـم يتك َّـرب فــذاك الـسري‬ ‫ومـن انل ع ازا ولـم يـفتخـر‬
‫بـه ويـجادل فـذاك الرضـي‬ ‫ومن انل علـما ولـم يتظاهـر‬
‫كأنـي عليهـا قـديـما ولـي‬ ‫مـلكت األمـور وقـلبـتـها‬
‫ومكسب نذي الصمت عندي نذكي‬ ‫ومل أر كالصمت منـها جـميال‬
‫وأتـبعها الـح فهـو القـوي‬ ‫ومـن ملك النفس عمـا تريـد‬
‫ومل ينهها عـن هـواهـا عصـي‬ ‫زماان‬
‫ومـتبعها فـي هـواهـا ً‬ ‫ُ‬
‫وصاحبها الـدهـر خـل غنـي‬ ‫وإ الـقنـاعـة رشـد كثـري‬
‫وإ الـحـريـص لئيـم شقـي‬ ‫ونذو احلرص ما إ يـزال فقـريا‬
‫وجاهـد فـيـه فـذاك التقـي‬ ‫ومـن راقب هللا فـي أمــره‬

‫‪163‬‬
‫ومن آاثره النثرية قوله‪:‬‬
‫وىل ابنه يُـ ْنـ َفا مشر عن ساق اجلد واالجتهاد على نذلك حىت غزا قرية عظيمة‬ ‫وملا َّ‬
‫من قرى اإلسالم على حني ٍ‬
‫غفلة من أهلها‪ .‬فقتلوا ما شاء هللا من فقهائها وقرائها يف هنار‬
‫رمضا وهم صائمو وهنبوا أمواهلم وأسروا نذراريهم وجعلوا يفرتشو الكتب واملصاحف‬
‫وحيتطبو األلواح فيوقدوهنا ويستهزءو أبهل اإلسالم ويقولو هلم ائتوان بـما تعدوننا إ‬
‫كنتم صادقني‪.‬‬
‫حييـى بن عبد القادر‬ ‫هـ‪/‬‬
‫هو حيىي بن الوزير عبد القادر بن الوزير حممد البخاري‪ .‬كا من كبار علماء مدينة‬
‫توىل منصب القاضي مث الوايل‪ .‬وعكف‬ ‫صوُكتُو يف بداية القر العشرين امليالدي‪ .‬وقد َّ‬
‫ُ‬
‫على التدريس والوعظ إىل أ تويف‪ .‬ويقول يف مدح أمري املؤمنني احلسن بن معانذ‪:‬‬
‫بـها أهل ومـن مثـل ال ُـهمام‬ ‫جـديـر ابلـخالفـة مستحـ‬
‫جـميعا قبـل أخذك بـالـزمام‬ ‫لقـد علـمت بذلك أهل َه ْـوسا‬
‫بـإنذ هللا ابلـحسـن الـهمام‬ ‫ستبهـر أرضنا وتفـوق ُح ْسنـا‬
‫كما حتيـا الرَيض مع الغمـام‬ ‫ويـحيـى وقتـه عمـرا جديدا‬
‫فيُذكِـر وقتـه وقــت التئام‬ ‫ويؤمن أهلها وحشـي افتـراق‬
‫عـداوة أُجـجت زمن اللئـام‬ ‫وختمد يف قلوب الناس نـار الـ‬
‫فتخرس ال تطيـ مـن الكالم‬ ‫وتُـغْ َمد ألْسن تبغــي فســادا‬
‫تُشـد بـه فيذهب كالـجهام‬ ‫ضرب‬
‫ويُضرب فوق أيدي الظلم ٌ‬
‫طويال يف اإلمامــة بـالسالم‬ ‫سألت هللا أ يُ ْـبقـيـه دهـرا‬
‫فيصبـح خيـره يف اخلل عام‬ ‫وينصره علـى اخليـرات دأبـا‬
‫الوزير جنيد‬ ‫و‪/‬‬
‫هو جنيد ب ن حممد البخاري بن أمحد بن عثما الوزير الفالين‪ .‬ولد سنة‬
‫حدث دو اخلامسة من عمره‪ ،‬فتوىل رعايته عمه الوزير حممد‬
‫ٌ‬ ‫‪1906‬م‪ .‬ومات أبوه وهو‬
‫‪164‬‬
‫مسَْبُو‪ .‬تعلم الوزير جنيد يف الكتاب‪ ،‬وحفظ القرآ ‪ .‬مث درس العلوم العربية وفنو الثقافة‬
‫صوُكتُو‪ .‬وكا دائم البحث واملطالعة يف أمهات الكتب حىت‬ ‫اإلسالمية عند كبار علماء ُ‬
‫حتصل على ثقافة بعيدة املدى يف العلم واألدب‪.‬‬
‫مستشارا يف أمور‬
‫ً‬ ‫وتوىل الوزير جنيد وظيفة التدريس مدة من الزمن‪ ،‬مث عُِني‬
‫َّ‬
‫الشريعة اإلسالمية يف جملس أمري املؤمنني أيب بكر الثالث‪ ،‬وهو املنصب الذي شغله إىل‬
‫أ تويف سنة ‪1997‬م‪.‬‬
‫ومن آاثره العلمية كتاب املبادئ الضرورية يف الدروس العربية وقصيدة تنشيط‬
‫الزائرين مبزار أمري املؤمنني‪ .‬وألف أيضا الرحلة الفاخرة إىل ليبيا والسودا والقاهرة‪ .‬وله‬
‫حبوث ودراسات أكادمية يف معاهد علمية متعددة‪ ،‬وكا شاعرا‬ ‫ديوا شع ٍر دارت عليه ٌ‬
‫مكثرا‪ ،‬متأمال وفصيحا‪ .‬ومن شعره يف وصف بعض رحالته‪:‬‬
‫الـمطار وكنا كالطيور البـواكر‬ ‫خرجنا بعو هللا يف غلـس إلـى‬
‫تـدافع أمواج اهلوى يف الـهواجر‬ ‫فطارت بنا من يروى والجة اهلوى‬
‫وتـملؤه مـن صوهتا ابلزواجـر‬ ‫ختوض ُعباب اجلو عند ارتفاعهـا‬
‫مـلبنة ابلـخيش ب ـ ارا لزائـر‬ ‫صففت‬‫ُجموفـة فيهـا كراسي ِ‬
‫ٍ‬
‫كأكل‪ ،‬سوى تدخيننا ابلسجائـر‬ ‫وتفعل فيها كل ش ٍ‬
‫ـيء تـريده‬
‫ك طران ومل ننزل سوى عند فاشر‬ ‫نزلنا جنيـة للغـداء وبعـد نذا‬
‫وقـد َّبعدتْنا عن أراضي النياجر‬ ‫فعدان إليها مث طارت وشـرقت‬
‫بـخرطوم فاجنابت مهوم املسافر‬ ‫إىل أ َأَنْنَاها وفارت يد النوى‬
‫ـسدل ابلدَيجر‬‫ـل ُم ْ‬
‫فـأقبل لي ٌ‬ ‫وعند غروب الشمس َت نـزوهلا‬
‫ـجوم بدت أو كالبدور السوافر‬
‫ن ٌ‬ ‫فالحت آللـي الكهـرابء كأهنا‬
‫نزلنا بلوكنـدا بـهي الـمناظر‬ ‫فلما انتهينا واطمأنت نفـوسنا‬
‫تشم الصبا منـه لعـرف العنابر‬ ‫على شاطئ النيل املبارك قد رسا‬
‫بـما نشتهيه مثلـج للضمائـر‬ ‫نـمتع فيـه كل ي ٍ‬
‫ـوم عيـوننا‬ ‫ُ‬
‫‪165‬‬
‫وجوه حسا ٍ فـي معايل املنابر‬ ‫به ألف مصباح تضيء كـأنـها‬
‫تـميس على التيار ميس احلرائر‬ ‫زوارقه أتتـي وتـذهـب دائما‬
‫السيد حممد الناصر الكربي‬ ‫ز‪/‬‬
‫هو الشيخ العالمة حممد الناصر بن حممد املختار بن حممد انصر الدين الكربي‪،‬‬
‫رئيس الطريقة القادرية وشيخها يف إقليم غريب أفريقيا‪ .‬ولد سنة ‪1912‬م يف قرية من‬
‫ضواحي مدينة َكنُو تدعى غُ ِرنْـغَ َاوا ألسرة تعود أصوهلا إىل مدينة متبكتو‪ .‬نشأ يتيما حتت‬
‫رعاية خاله الشيخ إبراهيم نَظُـغُِين‪ .‬وكا ‪ -‬منذ طفولته ‪ -‬اندر الذكاء‪ ،‬حمبا للعلم وحريصا‬
‫على مالزمة الشيوخ‪ .‬قرأ القرآ وهو حدث مث عكف على طلب العلم والتحصيل‪ ،‬فالزم‬
‫كبار شيوخ مدينة َكنُو حيت استوى ونبغ‪ .‬يعد الشيخ حممد الناصر من كبار علماء نيجريَي‪،‬‬
‫ونوادر أدابئها يف القر العشرين امليالدي‪ .‬وقد خترج عليه عدد من كبار الشيوخ‬
‫واألساتذة والسياسيني واألمراء‪ .‬وكا له دور فعال يف توحيد صفوف أتباع الطريقة‬
‫القادرية يف نيجريَي ويف إحياء أنشطتها وبث أصول التصوف على املنهج القادري‪ .‬له‬
‫مؤلفات تربو على املائة‪ ،‬ومنها النفحات الناصرية يف الطريقة القادرية ورسالة النصيحة‬
‫الصرحية يف الرد على العقيدة الصحيحة وقمع الفساد يف تفضيل السدل على القبض يف‬
‫هذه البالد وموكب القادرية يف الشوارع الكنوية‪ ،‬وغريها‪.‬‬
‫وكا شاعرا جميدا ومكثرا‪ .‬كما كا عاملا متفننا ومؤلفا ابرعا‪ .‬اكتسب عضوية‬
‫دائمة يف اجمللس األعلى للشؤو الدينية وهيئة كبار العلماء يف نيجريَي‪ .‬وقد حظى‬
‫ابعرتاف وتقدير دويل لعلمه وفصاحته واهتمامه بشؤو الدين وخدمة القادرية‪ ،‬فتم تكرميه‬
‫يف مناسبات عدة وتقليده أومسة متعددة‪ .‬وقد منحته جامعة أمدرما اإلسالمية يف مجهورية‬

‫‪166‬‬
‫السودا الدكتوراه الفخرية يف الدعوة اإلسالمية ونشر الثقافة اإلسالمية سنة ‪1995‬م‪.‬‬
‫وتويف سنة ‪1996‬م‪.‬‬
‫ومن شعره قصيدة ميمية يف مدح الرسول صلى هللا عليه وآله سلم انلت إعجاب‬
‫النقاد ألهنا خالية من حرف منقوط‪ .‬ويعرف نذلك يف اصطالح البالغيني ابألخيف ومن‬
‫أبياهتا ما يلي‪:‬‬

‫وأكرم الرسل أحالما وإسالما‬ ‫أعلى سالم ألعلى الرسل أعالما‬


‫مملء الروح أسرارا وأحكاما‬ ‫حممد أمحد احملمود حامده‬
‫كأمحد العلم املعلوم إعالما‬ ‫ما أرسل هللا أعلى سرمدا أحدا‬
‫أمحى كالما وأوىل الدهم إكالما‬ ‫أوىل لكل عال أدىل لكل مال‬
‫أحاط سورا على اإلسالم أهراما‬ ‫طه الطهور الرد احملاص كل ردى‬
‫لئايل املدح إمالء و إحكاما‬ ‫مدح املكرم محد والكرم هلم‬
‫أطاول املادح السحار أحالما‬ ‫عسى أحل على أمداح أوسطها‬
‫مه مه ومهمه هاء طاول الالما‬ ‫أطول مادحه ما سال سائلهم‬
‫القاضي أبوبكر جومي‬ ‫ح‪/‬‬
‫هو أبوبكر بن حممود بن حممد‪ .‬العالمة الفقيه‪ ،‬القاضي النحرير وزعيم احلركة‬
‫الوهابية السلفية يف نيجريَي‪ .‬ولد يف منتصف عشرينيات القر العشرين امليالدي بقرية‬
‫مشهورا يف نذلك احلني‪،‬‬ ‫جِ‬
‫ومي من أعمال َزْم َف َرا‪ .‬وبدأ طلبه للعلم عند أبيه الذي كا عاملا‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫فأخذ عنه عامة أساسيات العلوم اإلسالمية‪ ،‬كما أخذ عن غريه من العلماء‪ .‬وأُ ْد ِخل‬
‫كثريا‬
‫املدرسة النظامية‪ ،‬فبدأ ابالبتدائية وواصل إىل الوسطى‪ ،‬واستغل هذه الفرصة ليدرس ً‬
‫من الكتب يف فنو الدين عن أحد أساتذته يف املدرسة النظامية‪ .‬مث قُبِل يف مدرسة‬
‫صوُكتُو‪ ،‬وملا خترج فيها عُِني ُمد ِرسا يف املدرسة اليت َت فتحها قبل قليل يف َم ُرو‪.‬‬
‫الشريعة يف ُ‬
‫مث غادرها إىل َكـنُو لينضم إىل مدرسة العلوم العربية املشهورة‪ ،‬وقد عُِني للتدريس يف‬
‫‪167‬‬
‫املدرسة بعد خترجه‪ .‬وسافر إىل السودا ضمن البعثة التعليمية الرمسية األوىل‪ ،‬مث إىل عديد‬
‫صوُكتُو‪.‬‬
‫من الدول العربية رفقة رئيس وزراء الوالية الشمالية سيد أمحد بلو َس ْر َد ْونَ ْن ُ‬
‫توىل مهنة القضاء وارتقى عرب مناصبها حىت أصبح رئيس قضاة احملاكم‬ ‫وقد َّ‬
‫متزه ًدا عما عند احلكام‬ ‫الشرعية يف مشال نيجريَي‪ .‬وملا استقال عاش على معاشه‪ِ ،‬‬
‫واألغنياء‪ .‬وتصدى للتدريس والوعظ واإلرشاد العمومي يف بيته ويف مسجد السلطا حممد‬
‫وان إىل أ تويف سنة ‪1992‬م‪.‬‬
‫اد َ‬
‫بلو يف َك ُ‬
‫خبريا بعلوم الشريعة‪ ،‬داعيًا‬
‫وكا عال ًـما رابنياا‪ ،‬بقية أهل اخلري‪ ،‬جمته ًدا يف الدين‪ً ،‬‬
‫متواضعا‪ ،‬جوادا‪ ،‬بعيد‬
‫ً‬ ‫إىل اإلصالح والتمسك ابلسنة على منهج السلف الصاحل‪ .‬وكا‬
‫وصبورا على احملن‪.‬‬
‫ً‬ ‫الفكر‪ ،‬جريئًا على مناصرة احل‬
‫ومن آاثره تفسري رد األزها إىل معاين القرآ ‪ .‬وكتاب العقيدة الصحيحة مبوافقة‬
‫الشريعة‪ .‬وله ترمجة نذاتية بلغة َه ْو َسا‪ .‬وقد انل جائزة امللك فيصل العاملية خلدمة اإلسالم‬
‫سنة ‪1987‬م‪ .‬واكتسب العضوية يف رابطة العامل اإلسالمي‪ .‬وقد َت تكرميه ابلدكتوراه‬
‫الفخرية يف احلقوق مرتني‪ ،‬مرة من قبل جامعة أمحد بلو‪ ،‬زارَي‪-‬نيجريَي‪ ،‬ومرة أخرى من‬
‫حين إىل‬
‫قبل جامعة إابد ‪ .‬ومن شعره األبيات التالية املأخونذة من قصيدة له قاهلا وهو ُّ‬
‫وطنه ملا كا طالبًا يف خبت الرضا‪:‬‬
‫تساورين األحـزا ليـالً فأعـرق‬ ‫بكيت لدمع العني مين تـدفـ‬
‫تبطئ سريا فــي الـدجى تتألـ‬ ‫سجن وزهرها‬
‫تطول الليايل وهي ٌ‬
‫كما ابتسمـت أم البنـني تـحدق‬ ‫أانغمهـا مستأنسا بـابتسامهـا‬
‫ومرت على من كنت أهوى وأعش‬ ‫أزودها نظر الـوداع إنذا هـوت‬
‫وهـل كا فيما انلنـي يتـرقـ‬ ‫فهل علم احملبوب بؤسـي لبعده‬
‫على حس ٍـد طيـارة تتشـقشـ‬ ‫سبتين وطارت يب تفـرق بيننـا‬
‫وخمطر أهـل السلـم إنذ تتحلـ‬ ‫مطية إبليـس اللعـني وأهلـه‬
‫جنوم وفيها النار تـذكو وتـحرق‬ ‫تطري وتـمشي يف اهلواء أبرضها‬
‫‪168‬‬
‫ـل والنـوم بـالكد يسب‬
‫بدا زائ ٌ‬ ‫ـميل َي نذه النفس كلما‬
‫فصربٌ ج ٌ‬
‫القاضي عمر إبراهيم‬ ‫ط‪/‬‬
‫هو عمر بن إبراهيم بن أمحد بن عمر الوايل الزْك َزكِي‪ .‬ولد سنة ‪1922‬م يف قرية‬
‫ِرتْ ِش َفا من أعمال َزا ِرََي‪ .‬تتلمذ عمر يف الكتاب‪ ،‬مث أخذ يدرس خمتلف الفنو اإلسالمية‬
‫عند أبرز العلماء يف َزا ِرََي‪ .‬ورغم أ القاضي عمر إبراهيم مل يرسل إىل املدرسة احلكومية‬
‫فقد استطاع أ حيضر مدرسة مسائية ملدة سنتني‪ ،‬واكتسب خالهلما الشعلة اليت أانرت له‬
‫دَيجري الثقافة الغربية‪ .‬وخترج يف مدرسة العلوم العربية ب َكـنُو قاضيًا‪َّ ،‬‬
‫وتوىل مهنة القضاء يف‬
‫حماكم خمتلفة‪ ،‬كما تقلب بني املناصب القضائية إىل أ استقال‪ ،‬مث استوطن بعد نذلك‬
‫مدينة َكـنُو‪ .‬وتويف سنة ‪1996‬م‪.‬‬
‫حداث‪ ،‬مث طف ينظم‬‫ً‬ ‫وقد بدأت مالمح شاعرية هذا العبقري تظهر منذ أ كا‬
‫الشعر طوال حياته حىت أصبح أول شاع ٍر نيجريي ينحو بشعره منحى احلداثة والتجديد‬
‫كشاع ٍر يعيش يف القر العشرين امليالدي‪ .‬فتناول يف شعره وصف بدائع الطبيعة‪َّ ،‬‬
‫وصور‬
‫ِ‬
‫ومسجالً لتجاربه العاطفية‪ .‬وكا‬ ‫وتغزل مستجيبًا لوجدانه‬
‫آَيت الكو وروائع مضامينه‪َّ ،‬‬
‫اإلجن ِلي ِزي‬
‫متأثرا يف شعره أبقطاب األدب يف العاملني الغريب والعريب‪ ،‬ومنهم أسطورة األدب ِْ‬
‫ً‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِويليَ ْام َش ْكسبَـيَـ ْر الذي كا جمموع أعماله ً‬
‫كتااب َّ‬
‫مقد ًسا ابلنسبة للقاضي‪ ،‬واألديب اإلرلَْندي‬
‫ور ْج بِ ْريَان ْرد َش ْو الذي كا من الفالسفة الذين زاملهم القاضي عمر إبراهيم عرب مكتبته‬
‫ُج ْ‬
‫املليئة ابلكتب‪ .‬وكذلك أتثر القاضي عمر ابألدابء يف العامل العريب‪ ،‬على رأسهم الكاتب‬
‫األستانذ اخلبري عباس حممود العقاد والناقد املثري للجدل الدكتور طه حسني‪ ،‬وأتثر من‬
‫الشعراء بشاعر النيل حافظ إبراهيم‪ ،‬وأمري الشعراء أمحد شوقي‪ ،‬وحكيم معرة إيب العالء‬
‫املعري وغريهم من العباقرة واألساطري الذين كا القاضي شغوفًا بقراءة أعماهلم والتأثر‬
‫مبناهجهم‪.‬‬

‫‪169‬‬
‫ومن آاثره ديوا حديقة األزهار وقصيدة خصائص املختار وغريها‪ .‬كا القاضي‬
‫متشائما يف شعره‪ ،‬كما كا سيئ الظن ابلناس‪ ،‬كثري الشكوك هبم‪ ،‬ال يث‬
‫ً‬ ‫عمر إبراهيم‬
‫أبحد وال يعبأ اتلتقاليد العامة يف شعره‪ .‬ومن نذلك القبيل قوله‪:‬‬
‫أو عالـم أبله أو أحـم‬ ‫الناس إما جاهـل مـطب‬
‫ما احتاج عقال عنده مغل‬ ‫يفهم هذا كل شيء سـوى‬
‫إ نطقوا يف نطقهم انفقوا‬ ‫ومن لـهم عقل وعلم ترى‬
‫بلى بـه قلبهم يـخف‬ ‫خيفو مـا قد أيقنوا صدقه‬
‫ومن آاثر األستانذ القاضي عمر إبراهيم النص اآليت‪ ،‬وهو جزءٌ من خطبة ألقاها‬
‫وهو ُِحي ُّ‬
‫ث الشعب على مساعدة التقدم وجمانبة التأخر والرجعية ونذلك خالل ندوة اجلمعية‬
‫األدبية بـمدرسة العلوم العربية ب َكـنُو‪ ،‬يقول فيها‪:‬‬
‫لقد أخطأ من ظن أ هذه الدنيا ُخ ِل َقت فقط للكافر‪ ،‬وأ املسلم ال يـنبغي له أ‬
‫ٍ‬
‫وبطعام تعافه الكالب‪،‬‬ ‫أيخذ منها حبظه الوافر‪ ،‬وأ الزاهد من استغىن من الثياب ابجللباب‬
‫وبدا ٍر خر ٍبة يتخذها فقط للحجاب‪ ،‬وإ كانت ثيابه وسخة وأطعمته قذرة هو الذي وصل‬
‫إىل حقيقة التقوى‪ ،‬وفاز ابخلطوة ولو اتبع أحياان اهلوى‪ .‬كال! إ هذا الظن غلطٌ‪ ،‬من‬
‫شقي‪ ،‬فمثل‬
‫فاجر ٌّ‬
‫مسكني ٌ‬
‫ٌ‬ ‫وتقي‪ ،‬وهذا‬ ‫كثريا ما ُو ِج َد أمريٌ ٌ‬
‫عادل ٌّ‬ ‫أخذه زل وسقط‪ ،‬ألنه ً‬
‫هذا الظن هو الذي أخر املسلمني‪ ،‬فبدالً من أ يكونوا متقدمني‪ ،‬صاروا إىل مضاجعهم‬
‫انئمني وأنساهم هذا الظن السليم الذي يرقى به إىل القوة ويعتلى إىل أعلى الذرة‬
‫حممد األمني الكانـمي‬ ‫ي‪/‬‬
‫هو حممد األمني الكانـمي‪ ،‬العالمة الفقيه‪ ،‬والكاتب الناقد‪ .‬ولد بفزا من ٍ‬
‫أب‬
‫وأم كا َمنِية‪ ،‬حج وأقام مدة بني املدينة ومصر وتعلم عند كثري من العلماء يف تلك‬
‫عريب ٍ‬
‫البلدا مث عاد إىل وطنه‪ .‬وكا من العلماء األعالم يف أَيمه‪ .‬عارض الشيخ عثما بن‬
‫دوهنا الشيخ حممد بلو يف إنفاق امليسور‪.‬‬
‫فودي يف جهاده برسائل عديدة َّ‬

‫‪170‬‬
‫اَن حىت اسرتدها من جيوش الشيخ عثما‬ ‫فقد قام الكامني ابلدفاع عن بَـ ْرنُو وَك َْ‬
‫سلطاان عليهما إىل أ وافته املينة‬
‫ً‬ ‫وج ِعل‬
‫اَن‪ُ .‬‬
‫عظيما على أرض بَـ ْرنُو وَك َْ‬
‫ابن فودي‪ ،‬فأصبح ً‬
‫سنة ‪1881‬م‪ .‬وآلت إىل نذريته السلطة يف مملكة بَـ ْرنُو‪ ،‬وإليه يعود اللقب السلطاين‬
‫( َش ْي ُح ْن بَـ ْرنُو) الذي يُلقب به األمري يف مملكة بَـ ْرنُو‪ .‬ويقول يف إحدى رسائله اليت وجهها‬
‫إىل الشيخ عثما بن فودي‪:‬‬
‫السالم على من اتبع اهلدى‪ .‬أما بعد‪...‬فالباعث لرسم هذا املزبور أنه ملا ساقتين‬
‫املقادير هلذا اإلقليم وجدت انر الفنت بينكم وبني أهل الوطن موقدة‪ ،‬فسألت عن السبب‬
‫فقيل بغْ ٌي وقيل سنةٌ‪ ،‬وتـحريان يف األمر‪ ،‬فكتبت إلخوانكم اجملاورين لنا وثيقة طلبت منهم‬
‫عاقل‪ ،‬فضالً عن عا ٍمل‬
‫كيك ال يصدر عن ٍ‬ ‫جبواب ر ٍ‬
‫ٍ‬ ‫بيا السبب على اجلواز‪ ،‬فأجابوين‬
‫جمدد‪ ،‬وعدوا أمساء ٍ‬
‫كتب لنا اطالع على بعضها‪ ،‬ولكن مل نفهم منها ما فهموه‪،‬‬ ‫فضالً عن ٍ‬
‫وبينما حنن يف حرية الرتدد هجم بعضهم على دار اإلدارة‪ ،‬ونزل املهامجو لنا قريبا منا‪،‬‬
‫فكاتبناهم اثنيا وانشدانهم هللا واإلسالم أ يكفوا عنا شرهم فامتنعوا‪ ،‬وصالوا علينا‪ ،‬فقمنا‬
‫مدافعني عن أنفسنا متربئني إىل هللا من سوء صنيعهم‪ ،‬حىت ضاقت علينا األرض ومل جند‬
‫مقاال وال جماال‪.‬‬
‫آدم عبد اهلل اإللُورِي‬ ‫ك‪/‬‬
‫هو آدم عبد هللا اإللُوِري‪ ،‬األستانذ الكبري‪ ،‬والكاتب املاهر‪ ،‬من أعالم الدعوة‬
‫اإلسالمية يف نيجريَي خالل القر العشرين امليالدي‪ .‬تعلم يف دهاليز مدينة إلُوِر ْ ‪ .‬مث سافر‬
‫إىل عديد من بالد العرب كمصر واملغرب والسودا وغريها‪ ،‬فتلقى مزي ًدا من الثقافة‬
‫والعلوم‪ ،‬وحضر مؤمترات متعددة اتصل خالهلا بكبار العلماء واملفكرين العرب واستفاد‬
‫كزا علميا يف‬
‫وفصيحا‪ .‬وقد أنشأ مر ً‬
‫ً‬ ‫متواضعا‪ ،‬عزمي اهلمة‬
‫ً‬ ‫الطرفا كل من اآلخر‪ .‬وكا آدم‬
‫وس وعكف على التدريس والوعظ والدعوة واإلرشاد والتأليف يف فنو الدين‬ ‫مدينة الغُ ْ‬
‫والثقافة اإلسالمية‪ .‬ومن آاثره كتاب أمساه بـاإلسالم يف نيجريَي وآخر بعنوا اتريخ نيجريَي‬

‫‪171‬‬
‫وغريها‪ .‬ومن أقواله ما يلي يف تصوير جهود علماء نيجريَي لتقدم ركب الثقافة اإلسالمية يف‬
‫نيجريَي‪:‬‬
‫لقد أخذت نيجريَي من العلوم اإلسالمية وآداب اللغة العربية قسطا ال يستها‬
‫به‪ ،‬وكا طالب العلم يف صدر عهدهم يرحتلو إىل بالد املغرب األقصى لطلب العلم هبا‪،‬‬
‫ويسافر بعضهم إىل مصر وأيخذ بعضهم من مهاجري العرب ومن السائحني إىل بالد‬
‫املغرب‪ ،‬وملا ارتكز العلم بـمدينة تُ ْـمبُ ْكتُو رجع الناس إليها يف طلب العلم هبا حىت نبغ فيهم‬
‫عدد كبري من أهل العلم‪ ،‬وعند نذلك اكتفوا بـما يف بالدهم وصاروا ال يطلبو العلم إىل‬
‫سواها‪ ،‬وال حيتاجو إىل غري مؤلفات علمائها الراسخني يف العلم‪.‬‬

‫‪‬‬
‫الفصل التاسع‬
‫مبادئ النقد األدبـي‬
‫‪ ‬مفهوم النقد‬
‫تطل كلمة النقد يف اللغة مبعىن االختبار ومتييز اجليد من الرديئ‪ .‬فيُقال نقد‬
‫الدراهم إنذا ميز جيدها من رديئها‪ ،‬وفال ٌ ينقد الناس إنذا عاهبم واغتاهبم‪ ،‬وإنذا قيل نقد‬
‫الكالم‪ ،‬فمعناه أظهر ما فيه من العيوب أو احملاسن‪ ،‬والنقدا الذهب والفضة‪.‬‬
‫وميكن تعريف النقد األديب يف االصطالح أبنه هو فن تذوق األاثر األدبية‬
‫ودراستها دراس ًة قائم ًة على التحليل والشرح والتفسري‪ ،‬ونذلك بغية الوصول إىل معرفة ما‬

‫‪172‬‬
‫حكما‬
‫فيها من مالمح اجلودة أم الرداءة‪ ،‬حىت ميكن احلكم على األثر األديب املدروس ً‬
‫سليما بعي ًدا عن اجلنف أو اجلور‪ ،‬سواء أكا احلكم له أو عليه‪.‬‬
‫ً‬
‫صا فنياا من الشعر أو النثر‬
‫اسم يطل على كل دراسة تتناول ن ا‬
‫فالنقد األديب إنذاً ٌ‬
‫أو املسرحية لتفسريه والكشف عن معانيه وبيا قيمته الفنية ومساعدة القارئ على تذوق‬
‫مجال ٍ‬
‫ومتعة فنيتني‪.‬‬ ‫النص من ٍ‬‫ما يف ِ‬
‫والذوق هو األساس يف الدراسة النقدية واحلكم على األعمال األدبية؛ ألنه أقرب‬
‫الذوق يصلح للحكم على هذا العمل من‬ ‫ٍ‬ ‫حابل ٍ‬
‫وانبل من‬ ‫إىل طبيعتها‪ .‬لكن ليس كل ٍ‬
‫حيث اجلودة أو عدمها‪ ،‬وإمنا املقصود به الذوق املصقول املدرب‪ ،‬نذوق الناقد اخلبري‬
‫الذي مارس األدب وعايشه‪ ،‬وفهم أسرار اجلمال الفين وطبيعته‪.‬‬
‫‪ ‬موجز تاريـــ خ نقد األدب العربي‬
‫كانت طبيعة النقد يف األدب العريب ختتلف ابختالف أطواره التارخيية‪ ،‬فقد كا‬
‫فين‬ ‫ٍ‬
‫إحساس ٍ‬ ‫قائما على‬
‫ً‬ ‫النقد يف العصر اجلاهلي ميتاز بسالمة الفطرة والسذاجة‪ .‬وكا‬
‫أانس‬
‫كبريا منه‪ .‬وكا يقوم به ٌ‬
‫اباب ً‬
‫وانبعا من الوجدا الصادق‪ .‬وكا شفهياا‪ ،‬ومتثل املوازنة ً‬
‫ً‬
‫قد مارسوا هذا العمل ملدة طويلة‪ ،‬ومن بني النقاد يف العصر اجلاهلي الشعراء‪ ،‬كزهري‬
‫مسرحا ملمارسة النقد األديب خالل املواسم‬
‫ً‬ ‫والنابغة وغريمها‪ .‬وكانت سوق عكاظ‬
‫واملهرجاانت واملعارض‪.‬‬
‫وبعد ظهور اإلسالم تغريت وجهة حياة العرب عامة والشعر خاصة‪ ،‬فظهرت‬
‫مقاييس نقدية جديدة متثل القيم اإلسالمية واخللقية الرفيعة‪ ،‬فأصبح االهتمام يتجه إىل‬
‫املعاين اإلسالمية‪ .‬ومما يُالحظ أ األحكام النقدية يف صدر اإلسالم وعصر بين أمية كانت‬
‫جزئية‪ ،‬وبعبارات قصرية ومن دو منهج دقي مطرد‪ .‬وقد شارك بعض احلكام يف النقد‪،‬‬
‫والسيما يف العصر األموي‪ .‬فقد كا اخلليفة األموي عبد امللك بن مروا ‪ -‬على سبيل‬
‫أديب‪ .‬ومن نقاد هذا العصر الشاعر العبقري الفرزدق‪،‬‬
‫املثال ‪ -‬انق ًدا له ملكة قويةٌ ونذو ٌق ٌّ‬
‫والنحوي البصري ابن أيب إسحاق احلضرمي وخالئ آخرو ‪.‬‬
‫‪173‬‬
‫وميكن القول أب قضية النقد يف األدب العريب مل تشهد النضوج واالكتمال حىت‬
‫الرقي‬
‫اطلع العصر العباسي‪ ،‬حني بلغت احلضارة العربية اإلسالمية درج ًة عالي ًة من ُّ‬
‫واالزدهار‪ .‬فقد كثر يف العصر العباسي االبتكار العلمي والتوسع يف املعرفة‪ .‬ووجد النقد‬
‫خاصا له ورجاالً متخصصني يقومو به خري قيام‪ .‬ومن أهم القضاَي اليت يتناقشها‬
‫ميداان ً‬
‫ً‬
‫النقاد يف العصر العباسي قضية االنتحال‪ ،‬واللفظ واملعىن‪ ،‬والسرقات األدبية‪ ،‬والذوق‬
‫األديب‪ ،‬وغري نذلك من القضاَي النقدية‪ .‬ومن أشهر النقاد يف العصر العباسي ابن قتيبة‬
‫الدينوري وأبو عثما اجلاحظ واخلليفة العباسي عبد هللا بن املعتز وقدامة بن جعفر‬
‫الكاتب البغدادي وحممد بن سالم اجلمحي وغريهم‪.‬‬
‫وأما يف العصر احلديث‪ ،‬فقد ازدهر األدب العريب إثر اتصاله ابآلداب الغربية‪.‬‬
‫وقد راف هذا االزدهار انتعاش الدراسات النقدية‪ .‬فأصبح الناقد ال يكتفي بدراسة‬
‫األعمال األدبية للشاعر فقط‪ ،‬بل يضيف إىل نذلك دراسة حياة الشاعر ويبئته وعصره‬
‫وسائر العوامل نذات األثر يف حياته‪ .‬كما اجته النقد إىل دراسة القضاَي االجتماعية اليت‬
‫يعاجلها األدب‪ ،‬وأصبحت النظرة النقدية إىل العمل الفين نظرةً شاملةً متكاملةً‪ .‬وكذلك‬
‫تبعا للمدارس النقدية اليت جينح الناقد إىل‬
‫أنواع ً‬
‫انقسمت اجتاهات األدابء والنقاد إىل ٍ‬
‫منهجها يف حتليالته‪ ،‬واليت من أمهها الكالسكية والرومنتقية والواقعية والطبيعية والرمزية‬
‫ومذهب الفن للفن ومدرسة الديوا وغريها‪ .‬ومن أشهر النقاد يف العصر احلديث الدكتور‬
‫طه حسني والدكتور حممد حسني هيكل واألستانذ عباس حممود عقاد والدكتور زكي مبارك‬
‫وميكائيل نـُ َع ْيمة والطبيب اجلراثيمي أمحد نذكي أبو شادي وغريهم‪.‬‬
‫‪ ‬تقسيم النقد‬
‫وينقسم النقد عادة إىل قسمني رئيسيني‪:‬‬
‫النقد الذاتي‬ ‫أ‪/‬‬
‫فالنقد الذايت هو أ يقتصر الناقد يف نقده على إيضاح مشاعره الذاتية ونذوقه‬
‫الفردي لألعمال الفنية‪ ،‬فيأيت نقده حينئذ صدى ملشاعره النفسية‪ ،‬ومعبـ ًرا عن مدى‬

‫‪174‬‬
‫استجابته الشخصية للنصوص اليت يدرسها‪ .‬فالذوق الشخصي هو الفيصل يف إدراك‬
‫اجلمال أو القبح يف األثر األديب‪.‬‬
‫فالناقد ُحيَ ِكم هواه على النصوص األدبية ويتخذ نذوقه الشخصي مبثابة املعايري‬
‫فيقرظ ما استحسنه نذوقه ويعيب ما مل يعجبه‪ .‬وخيتلف‬ ‫اليت حيكم هبا للنص أو عليه‪ِ ،‬‬
‫تبعا الختالف امليول واألهواء واألنذواق‬‫شخص إىل آخر ً‬ ‫ٍ‬ ‫احلكم يف النقد الذايت من‬
‫واخلربات والبيئات وغري نذلك من أوجه االختالف بني الناس‪.‬‬
‫ب‪ /‬النقد املوضوعي‬
‫وهو أ يتقيد الناقد بقوانني مرسومة وقواعد علمية اصطلح عليها السابقو‬
‫احلانذقو من النقاد وجعلوها مثالً حيتذى به‪ ،‬ومناطا يُرتسم‪ .‬فيحكم هبا على النصوص‬
‫األدبية حبيث تكو القواعد واملصطلحات هي احلاكمة على النصوص‪ .‬وال خيتلف احلكم‬
‫يف النقد املوضوعي من شخص إىل آخر‪.‬‬
‫‪ ‬أهمية النقد‬
‫يعترب معرفة أصول النقد األديب كف ٍن‪ ،‬وممارسة النقد عملياا من األمور الضرورية‬
‫ٍ‬
‫بنصيب‪ ،‬ومن أبرز وجوه أمهية النقد األديب‬ ‫اليت ينبغي أ أيخذ كل ٍ‬
‫دارس لألدب منهما‬
‫ما يلي‪:‬‬
‫يساعد النقد دارس األدب على تذوق املتعة الفنية اليت يف النصوص األدبية‬ ‫أ‪/‬‬
‫وفهمها على املنهج األديب املستقيم‪.‬‬
‫القارئ على إدراك احلقائ واملعلومات بنفسه‪ِ ،‬‬
‫ويريب نذهنه على الدقة‬ ‫َ‬ ‫يدرب النقد‬ ‫ب‪/‬‬
‫يف تدبري األمور وترتيب الفكر وختطيط األعمال األدبية‪.‬‬
‫يعطي الدارس خربًة على استعمال األساليب الثقافية النقدية يف اجلدال واحلوار‬ ‫ج‪/‬‬
‫ويكسبه الثقة ابلنفس عند الكتابة أو اخلطاب أو احلوار‪.‬‬
‫يساعد على اكتمال ثقافة الدارس إبيقظ األدب لشعوره وهزه لوجدانه وفكره‬ ‫د‪/‬‬
‫وفتحه لقلبه املغل ‪.‬‬

‫‪175‬‬
‫يتيح لإلنسا فرص ًة للقراءة الدائمة قراءة فهم وتذوق‪.‬‬ ‫هـ‪/‬‬
‫يعلم الدارس التحفظ والتحقي يف القول والكتابة‪ ،‬كما ِ‬
‫يدربه على حتمل‬ ‫و‪/‬‬
‫االنتقادات والردود‪ .‬وغري نذلك كثري‪.‬‬
‫‪ ‬وظيفة الناقد‬
‫تنحصر وظيفة الناقد يف تفسري النصوص األدبية وبيا قيمتها الفنية من حيث‬
‫املضمو (املعىن) ومن حيث الصياغة (الشكل)‪ .‬وهذا يعين أ الناقد يقوم بوظيفتني‬
‫أساسيتني من خالل عملية دراسته لألعمال األدبية‪ ،‬ومها التفسري والتقومي‪ .‬ويتناول‬
‫كل من هذين العنصرين‪ .‬ولذلك ينبغي له أ يقوم بتـحليل النص‬ ‫الشكل واملعىن خالل ٍ‬
‫األديب من هاتني اجلهتني ويقسم الكالم حول النص على النحو التايل‪:‬‬
‫ومضموان‪.‬‬
‫ً‬ ‫تفسري النص األديب شكالً‬ ‫أ‪/‬‬
‫ومضموان‪.‬‬
‫ً‬ ‫تقويـم النص األديب شكالً‬ ‫ب‪/‬‬
‫كما ينبغي له أ يتعامل مع كل ما يتصل ابلنص من سرية األديب وفكرته‬
‫وعاطفته وخياله وعبارته ِ‬
‫وجو نصه‪ .‬ويستحسن أ يالحظ ما يف النص من املسائل‬
‫األسلوبية واللغوية واملوسيقية والبالغية واإلنشائية والفنية وغري نذلك‪ ،‬وينظر إىل عاطفة‬
‫الشاعر وخياله وأسلوبه وغري نذلك من الوجوه اليت تتصل به أو إبنتاجه‪.‬‬
‫‪ ‬غاية النقد‬
‫أما غاية النقد فهي كشف ما يف النصوص األدبية من املتعة األدبية‪ ،‬ومساعدة‬
‫القارئ على تذوق ما فيها من اجلمال الفين‪ ،‬والوقوف على عني ما تضمنه النص نذوقًا‬
‫علمي أو‬ ‫ٍ‬
‫فكري أو ٍ‬ ‫ٍ‬
‫معنوي أو‬ ‫شكلي أو‬
‫ٍ‬ ‫وإجيااب‪ ،‬مث تقومي ما يف النص من شلل‬
‫ً‬ ‫ومجاالً سلبًا‬
‫غري نذلك‪.‬‬
‫‪ ‬موضوع النقد‬
‫ٍ‬
‫ومسرحية‪ .‬وهي النصوص‬ ‫يقوم الناقد بدراسته يف النصوص الفنية من شع ٍر ونث ٍر‬
‫اليت يتم قراءهتا لـما فيها من املتعة الفنية ال لفائدة علمية أو عملية‪ .‬وهذا ما يـميز بني‬

‫‪176‬‬
‫الكتابة األدبية والكتابة العلمية سواء كانت الكتابة منظومة أو منثورة‪ .‬فقد ألف بعض‬
‫العلماء مقطوعات يف العلوم اللسانية والشرعية املختلفة كألفية ابن مالك يف النحو وألفية‬
‫السيوطي يف علم مصطلح احلديث والمية الشاطبـي يف علم القراءات وهلم جرا‪ ،‬ولكن مل‬
‫يقصدوا من هذه املتو وأشباهها إال تقييد املعلومات والقواعد ابلوز والقافية ليسهل‬
‫شعرا وال تدخل يف اهتمام الناقد‬ ‫حفظها واستحضارها‪ .‬فمثل هذه املنظومات ال تسمى ً‬
‫أداب وال تدرس دراسةً أدبيةً‪ .‬ألنـها‬
‫األديب‪ .‬وكذلك الكتب املؤلفة يف فنو العلم ال تسمى ً‬
‫إنـما تدرس لتحصيل الفائدة العلمية أو العملية خبالف القصص واملقاالت الوجدانية‬
‫والشعر العاطفي فهي تقرأ طلبًا ملتعة القراءة فحسب‪.‬‬
‫عد يف صميم األدب وال تطرد من دائرته‬ ‫على أنه هناك طائفة من الكتب ال تُ ُّ‬
‫ٍ‬
‫كهامش لألدب‪ .‬تلك هي الكتب اليت ال تقصد إىل املتعة املفنية قص ًدا أولياا‪،‬‬ ‫بتاات‪ ،‬فهي‬
‫ً‬
‫تزوده به من نذخائرها العلمية‪ ،‬ونذلك انتج‬ ‫ولكنها تُ ِ‬
‫ـحدث لقارئها هذه املتعة إىل جانب ما ِ‬
‫عن امليل األديب الذي يطغى على مؤلفيها والنزعة الفنية الكامنة يف نفسيتهم‪ .‬وربـما تنحى‬
‫بعض قرائها إىل جانب اللذة الفنية عى حساب فوائدها العلمية‪.‬‬
‫وعلى هذا‪ ،‬فإ النص األديب هو ما يشبع القارئ مبتعته الفنية وال حيفزه إىل طلب‬
‫متعة أخرى‪ ،‬وال يتيح له أ يتأم ل إىل دو نذلك من االنفعاالت‪ .‬وفنونه كثرية منها الشعر‬
‫واملسرحية واخلطبة والقصة واملقالة األدبية والرواية وغري نذلك‪.‬‬
‫‪ ‬ثقافة الناقد‬
‫حيتاج من يريد التصدي لصناعة نقد األدب إىل دراسة جيدة آلداب العرب‬
‫القدمية واحلديثة‪ ،‬واطالع دائم على نصوص األدب عرب عصوره التارخيية‪ ،‬ومعرفة متعمقة‬
‫ابلنظرَيت األدبية وتطوراهتا‪ ،‬وقراءة متمكنة يف آداب غري العرب من األمم السيما األمم‬
‫اليت اتصل أبدهبا األدب العريب‪ ،‬ودراسة أصول األدب املقار وطبيعته‪.‬‬
‫وال بد أ يكو متقنًا لفنو اللغة العربية وراسخ ٍ‬
‫قدم يف أسرارها‪ .‬وعليه أ يلم‬
‫بسائر الفنو نذات الصلة ابلعربية كتاريخ اإلسالم وثقافته وعلم شريعته واتريخ األمم‬
‫‪177‬‬
‫العربية وعلومها ‪ .‬وهو حباجة ماسة إىل التثقف بفنو علم النفس وعلم االجتماع وعلم‬
‫التاريخ وسائر فنو اإلنسانيات‪.‬‬
‫ومن املهم االطالع الواسع على السري وأخبار الفنانني واألدابء وقراءة دائمة‬
‫والتزود ابحلقائ واملعلومات‬
‫ُّ‬ ‫الرواد يف ميادين األدب والنقد واالهتداء خبرباهتم‪.‬‬
‫ألعمال َّ‬
‫اليت تساعد على فهم مدلول النصوص األدبية ومقصودها‪.‬‬
‫شيء أ يكو سليم الذوق‪ ،‬منصفا‪ ،‬بعي ًدا عن اهلوى‪ ،‬دقي‬ ‫وعليه قبل كل ٍ‬
‫مبتكرا وواسع االطالع‪.‬‬
‫احلس‪ً ،‬‬
‫فسبحانك اللهم وحبمدك أشهد أ ال إله إال أنت أستغفرك وأتوب إليك‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪J‬‬
‫‪J‬‬
‫‪J‬‬

‫فهرس املوضوعات‬

‫اإلهداء‪.......................................................................‬‬
‫املقدمة‪........................................................................‬‬
‫الفصل األول‪ :‬األدب العربي يف العصر اجلاهلي‬
‫معىن األدب ‪ -‬أقسام األدب ‪ -‬تقسيم العصور األدبية ‪ -‬العرب يف اجلاهلية ‪ -‬أسواق العرب‬
‫يف العصر اجلاهلي ‪ -‬الشعر العريب يف اجلاهلية ‪ -‬أولية الشعر ‪ -‬خصائص الشعر اجلاهلي ‪-‬‬
‫أغراض الشعر اجلاهلي ‪ -‬منهج القصيدة يف اجلاهلية ‪ -‬منـزلة الشاعر يف اجلاهلية – املعلقات ‪-‬‬

‫‪178‬‬
‫أصحاب املعلقات – تراجم طائفة من الشعراء اجلاهليني ‪ -‬النثر اجلاهلي ‪ -‬فنو النثر يف‬
‫اجلاهلية ‪ -‬تراجم بعض اخلطباء يف العصر اجلاهلي ‪ -‬منانذج من األمثال‬
‫الفصل الثاني‪ :‬األدب العربي يف صدر اإلسالم‬
‫املدخل ‪ -‬القرآ الكرمي ‪ -‬موضوعات ُس َور القرآ ‪ -‬أسلوب القرآ ‪ -‬أثر القرآ يف اللغة‬
‫واألدب ‪ -‬فصاحة النيب صلى هللا عليه وآله وسلم ‪ -‬الشعر يف صدر اإلسالم ‪ -‬أغراض الشعر‬
‫يف صدر اإلسالم ‪ -‬لفظ الشعر وأسلوبه ومعانيه يف صدر اإلسالم ‪ -‬رجال الشعر يف صدر‬
‫اإلسالم ‪ -‬اخلطابة يف صدر اإلسالم ‪ -‬تعريف اخلطابة ‪ -‬دواعي اخلطابة يف صدر اإلسالم ‪-‬‬
‫موضوعات اخلطابة يف صدر اإلسالم ‪ -‬أسلوب اخلطابة يف صدر اإلسالم ‪ -‬مشاهري اخلطباء يف‬
‫صدر اإلسالم‬
‫الفصل الثالث‪ :‬األدب العربي يف العصر األموي‬
‫املدخل ‪ -‬احلياة االجتماعية يف العصر األموي ‪ -‬احلياة السياسية يف العصر األموي ‪ -‬احلياة‬
‫الثقافية يف العصر األموي ‪ -‬أغراض الشعر يف العصر األموي ‪ -‬أسلوب الشعر يف العصر‬
‫األموي ‪ -‬مشاهري الشعراء يف العصر األموي ‪ -‬اخلطابة يف العصر األموي – املدخل ‪-‬‬
‫موضوعات اخلطابة يف العصر األموي ‪ -‬أسلوب اخلطابة يف العصر األموي ‪ -‬مشاهري اخلطباء‬
‫يف العصر األموي‬
‫الفصل الرابع‪ :‬األدب العربي يف العصر العباسي‬
‫املدخل ‪ -‬احلياة السياسية يف العصر العباسي ‪ -‬احلياة االجتماعية يف العصر العباسي ‪ -‬احلياة‬
‫العلمية يف العصر العباسي ‪ -‬أغراض الشعر يف العصر العباسي ‪ -‬لفظ الشعر يف العصر‬
‫العباسي وأسلوبه ومعانيه ‪ -‬أوزا الشعر وقوافيه يف العصر العباسي ‪ -‬مشاهري الشعراء يف‬
‫العصر العباسي ‪ -‬الكتابة يف العصر العباسي – املدخل ‪ -‬موضوعات الكتابة يف العصر‬
‫العباسي ‪ -‬مميزات الكتابة يف العصر العباسي ‪ -‬طائفة من ُكتَّاب العصر العباسي‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬األدب األندلسي‬
‫البيئة الطبيعية يف األندلس ‪ -‬الفتح العريب لألندلس ‪ -‬احلياة االجتماعية يف األندلس ‪ -‬احلياة‬
‫الثقافية يف األندلس ‪ -‬األدب العريب يف األندلس ‪ -‬مظاهر هنضة األدب األندلسي ‪ -‬عوامل‬
‫هنضة الشعر يف األندلس ‪ -‬خصائص الشعر العريب يف األندلس ‪ -‬النثر األندلسي ‪ -‬تطور النثر‬
‫األندلسي ‪ -‬فنو النثر األندلسي ‪ -‬مشاهري األدابء يف األندلس‬
‫الفصل السادس‪ :‬عصر األتراك واملماليك‬

‫‪179‬‬
‫املدخل ‪ -‬حالة اللغة العربية يف العواصم ‪ -‬لغة التخاطب ‪ -‬ديوا اإلنشاء ‪ -‬التصنيف يف‬
‫العصر الرتكي ‪ -‬حالة الشعر يف عصر األتراك ‪ -‬مشاهري األدابء يف عصر االحنطاط‬
‫الفصل السابع‪ :‬األدب العربي يف عصر النهضة األدبية احلديثة‬
‫املدخل ‪ -‬أثر حممد علي ابشا يف تكوين النهضة ‪ -‬أثر إمساعيل ابشا يف تكوين النهضة ‪ -‬أثر‬
‫السوريني يف تكوين النهضة ‪ -‬أثر األزهر يف بث العلم ‪ -‬أثر االحتالل الربيطاين يف التعليم ‪-‬‬
‫عوامل النهضة األدبية احلديثة ‪ -‬مشاهري األدابء يف عصر النهضة األدبية احلديثة‬
‫الفصل الثامن‪ :‬األدب النيجريي يف اللغة العربية‬
‫املدخل ‪ -‬دور اإلسالم يف نشر اللغة العربية يف نيجريَي – اللغة العربية يف نيجريَي خالل القر‬
‫التاسع عشر امليالدي ‪ -‬اللغة العربية يف نيجريَي خالف فرتة االستعمار الربيطاين ‪ -‬اللغة العربية‬
‫يف نيجريَي بعد االستقالل ‪ -‬خصائص اللغة العربية يف نيجريَي ‪ -‬فنو الشعر العريب يف نيجريَي‬
‫‪ -‬البعثات التعليمية للدراسات العربية والدينية ‪ -‬اللغة العربية يف اجلامعات النيجريية ‪ -‬دور‬
‫أساتذة اللغة العربية يف نيجريَي ‪ -‬طائفة من مشاهري األدابء النيجرييني‬
‫الفصل التاسع‪ :‬مبادئ النقد األدبـي‬
‫مفهوم النقد ‪ -‬موجز اتريخ نقد األدب العريب ‪ -‬تقسيم النقد ‪ -‬أمهية النقد ‪ -‬وظيفة الناقد ‪-‬‬
‫غاية النقد ‪ -‬موضوع النقد ‪ -‬ثقافة الناقد‬

‫‪180‬‬

You might also like